دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول ثم اعتدت من الآخر ثم لم ينكحها أبداً.
قال سعيد : ولها مهرها بما استحل منها.
قال أحمد : كان الشافعي في القديم يقول بقضاء عمر بن الخطاب فيهما ويقول : لا يجتمعان أبداً إذا دخل بها ثم رجع عنه في الجديد فقال : وبقول عليّ نقول أنه يكون خاطباً من الخطاب.
قال أحمد : وقد روينا عن عمر أنه رجع عن ذلك أيضاً وهو في الجامع عن الثوري عن أشعث عن الشعبي عن مسروق : أن عمر رجع عن ذلك وجعل لها مهرها وجعلهما يجتمعان.
4681 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا يحيى بن حسان عن جرير عن عطاء بن السائب عن زاذان أبي عمر عن علي : أنه قضى في التي تتزوج في عدتها أنه يفرق بينهما ولها الصداق بما استحل من فرجها وتكمل ما أفسدت من عدة الأول وتعتد من الآخر.
4682 - وأنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج أخبرنا عطاء : أن رجلاً طلق إمرأته فاعتدت منه حتى إذا بقي شيء من عدتها نكحها رجل في آخر عدتها جاهلاً ذلك وبنى بها فأتى علي بن أبي طالب في ذلك ففرق بينهما وأمرها أن تعتد ما بقي من عدتها الأولى ثم تعتد من هذا عدة مستقبلة فإذا انقضت عدتها فهي (6/64)
بالخيار إن شاءت نكحت وإن شاءت فلا.
4683 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن صالح بن مسلم عن الشعبي أن علياً قال في التي تتزوج في عدتها : تتم ما بقي من عدتها من الأول وتستأنف من الآخر عدة جديدة.
قال الشافعي : وكذلك نقول وهو موافق لما روينا عن عمر.
وهم يقولون عليها عدة واحدة ويخالفون ما روي عن علي.
قال الشافعي في القديم : فقيل هذا قضاء عمر ، وعلي ، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم كما قلنا.
عمن أخذت قولك ؟ قال : عن إبراهيم.
قلنا : أو ما زعمت أن إبراهيم وحده لا يكون حجة ؟ فكيف يكون حجة على من زعمت أن ليس لأحد من الأمة خلافة ؟ لأن ذلك قولك وقولنا في الواحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
987 - باب أقل الحمل
4684 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا الحسن بن علي بن عطان حدثنا محمد بن بشر حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن داود بن أبي القصاف عن أبي حرب عن أبي الأسود الديلي : أن عمر رفعت إليه إمرأة ولدت لستة أشهر فأمر برجمها فأتى علي في ذلك فقال : لا رجم عليها فبلغ ذلك عمر فأرسل إلي علي فسأله عن ذلك فقال (6/65)
لا رحم عليها لأن الله تعالى يقول {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} وقال الله : {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا}.
ستة أشهر وحولين كاملين تمام لا رجم عليها فخلى عنها عمر.
وروينا عن ابن عباس ما دل على أن أقل الحمل ستة أشهر وبه قال الشافعي وغيره من الفقهاء.
وروينا عن الوليد بن مسلم أنه قال : قلت لمالك بن أنس : أي حديث عن عائشة أنها قالت : لا تزيد المرأة في حملها على سنتين قدر ظل المغزل ؟ فقال : سبحان الله من يقول هذا ؟ ! هذه جارتنا إمرأة محمد بن عجلان إمرأة صدق وزوجها رجل صدق حملت ثلاثة أبطن في إثني عشرة سنة تحمل كل بطن أربع سنين.
4685 - أخبرنيه أبو عبد الرحمن السلمي أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا محمد بن مخلد حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن بكر بن خالد حدثنا داود بن رشيد قال سمعت الوليد بن مسلم يقول فذكره.
قال أحمد : وقول عمر في إمرأة المفقود : تربص أربع سنين.
يشبه أن يكون إنما قاله لبقاء الحمل أربع سنين.
وإليه في أكثر الحمل ذهب الشافعي رحمه الله.
(6/66)
988 - باب عدة المطلقة يملك زوجها رجعتها ثم يموت أو يطلق
قال الشافعي في الموت اعتدت عدة الوفاة : وقال فيه إذا طلقها قبل أن يمسها قولان أحدهما : أنها تعتد من الطلاق الآخر عدة مستقبلة . والثاني : أن العدة من الطلاق الأول ما لم يدخل بها.
4686 - أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أنه سمع أبا الشعثاء يقول : تعتد من يوم طلقها.
قال ابن جريج وعبد الكريم وطاوس وحسن بن مسلم يقولون : تعتد من يوم طلقها وإن لم يكن مسها.
قال سعيد : يقولون طلاقه الآخر.
قال سعيد : وكان ذلك رأي ابن جريج.
وعن سعيد عن ابن جريج عن عمرو بن دينار قال : أرى أن تعتد من يوم طلقها.
قال أحمد : ورويناه من حديث عبد الرزاق عن ابن جريج عن أبي الزبير عن أبي الشعثاء.
وذكر عن عبد الكريم وحسن بن مسلم وطاوساً.
قال الشافعي (6/67)
وقد قال هذا بعض المشرقيين.
وقد قال بعض أهل العلم بالتفسير أن قول الله عز وجل.
{وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف} إنما أنزلت في ذلك : كان الرجل يطلق إمرأته ما شاء بلا وقت فيمهل المرأة حتى إذا شارفت انقضاء عدتها راجعها ثم طلقها فإذا شارفت انقضاء عدتها راجعها فنزل {الطلاق مرتان} قال الشافعي :
أَخْبَرَنَا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال : كان الرجل إذا طلق إمرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان له ذلك وإن طلقها ألف مرة فعمد رجل إلى إمرأته فطلقها حتى إذا شارفت انقضاء عدتها ارتجعها ثم طلقها ثم قال : والله لا آويك إليّ ولا تحلين أبداً فأنزل الله عز وجل {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} فاستقبل الناس الطلاق جديداً من كان منهم طلق ومن لم يطلق.
ثم ذكر الشافعي توجيه القولين.
وروينا عن عطاء أنه قال : تعتد باقي عدتها وتلا (6/68)
{وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن}.
989 - باب امرأة المفقود
4687 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا يحيى بن حسان عن أبي عوانة عن منصور بن المعتمر عن المنهال بن عمرو عن عباد بن عبد الله الأسدي عن علي أنه قال في إمرأة المفقود : إنها لا تتزوج.
4688 - وبهذا الإسناد أخبرنا الشافعي أخبرنا يحيى بن حسان عن هشيم بن بشير عن سيار أبي الحكم عن علي في إمرأة المفقود إذا قدم وقد تزوجت إمرأته : هي إمرأته إن شاء طلق وإن شاء أمسك ولا تخير.
قال أحمد : ورواه أبو عبيد عن هشيم عن سيار عن الشعبي عن علي.
ورواه أيضاً سماك بن حرب عن حنش عن علي.
وروي عن سعيد بن جبير عن علي.
4689 - أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا يحيى بن حسان عن جرير عن منصور عن الحكم أنه قال : إذا فقدت المرأة زوجها لم تتزوج حتى تعلم أمره.
(6/69)
الجزء الحادي والثلاثون
4690 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال : أيما إمرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو فإنها تنتظر أربع سنين ثم تنظر أربعة أشهر وعشراً.
قال الشافعي الحديث الثابت عن عمر وعثمان في إمرأة المفقود : فمثل ما روى مالك وزيادة : فإذا تزوجت فقدم زوجها المفقود قبل أن يدخل بها زوجها الآخر كان أحق بها وإن دخل بها زوجها الآخر فالأول المفقود بالخيار بين إمرأته والمهر.
قال أحمد : رواه يونس بن يزيد عن الزهري عن ابن المسيب عن عمر كما قال الشافعي بزيادته.
قال ابن شهاب : وقضى بذلك عثمان بعد عمر.
4691 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا(6/71)
الثقفي عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق قال : لولا أن عمر خير المفقود بين إمرأته أو الصداق لرأيت أنه أحق بها إذا جاء.
قال الشافعي : ومن قال بقول عمر في المفقود قال بهذا كله اتباعاً لقول عمر ، وعثمان.
قال الربيع : فقلت للشافعي : فإن صاحبنا - يريد مالكاً - قال : أدركت من ينكر ما قال بعض الناس عن عمر يعني في التخيير.
قال الشافعي : فقد رأينا من ينكر قصة عمر كلها في المفقود فهل كانت الحجة عليه ؟ ! إلا أن الثقات إذا حملوا ذلك عن عمر لم يتهموا فكذلك الحجة عليك.
وكيف جاز أن يروي الثقات عن عمر حديثاً واحداً فيأخذ بعضه ويدع بعضاً.
قال الشافعي : وقال علي بن أبي طالب في إمرأة المفقود : إمرأة ابتليت فلتبصر لا تنكح حتى يأتيها يقين موته.
قال الشافعي : وبهذا نقول لا تنكح إمرأة المفقود حتى يأتيها يقين موته وذكر أنه للعدة والميراث ثم قال : وإنما جعل لها العدة في يقين الموت كما جعل لها الميراث في نفسه ولا يكون أن تعتد ولا ترث.
قال : وحديث النبي صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان ينقر عند عجز أحدكم حتى يخيل إليه أنه قد أحدث فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً.
(6/72)
فأخبر أنه إذا كان على اليقين من الطهارة فلا يزيل يقين الطهارة إلا بيقين الحدث فكذلك هذه المرأة لها زوج بيقين فلا تزيل نكاحها بالشك ولا تزيله إلا بيقين موت أو طلاق.
قال أحمد : وهذا الحديث فيما 4692 - أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقري أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق حدثنا يوسف بن يعقوب حدثنا أحمد بن عيسى حدثنا ابن وهب عن ابن لهيعة عن محمد بن عبد الرحمن عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الشيطان ينقر عند عجز أحدكم حتى يخيل إليه أنه قد أحدث فلا يتوضأ حتى يجد ريحاً يعرفه أو صوتاً يسمعه.
وقد مضى معنى هذا في الحديث الثابت عن الزهري عن ابن المسيب وعباد عن عبد الله بن زيد دون ذكر الشيطان فيه.
قال أحمد : وروي عن قتادة عن خلاس بن عمرو ، وعن أبي المليح عن علي : إذا جاء الأول خير بين الصداق الأخير وبين إمرأته.
وروايات خلاس عن علي ضعيفة.
وابا المليح لم يسمعه من علي . إنما رواه عن إمرأة مجهولة غير معروفة بما يثبت به حديثها.
وفي حديثها أن ذلك كان في إمراة نعي إليها زوجها.
والمشهور عن علي ما قدمنا ذكره.
وروي عن عمر في قضيته : أن ولي زوجها يطلقها بعد أربع سنين ثم تعتد.
وروي عن ابن عباس وابن عمر نحو رواية مالك عن عمر.
(6/73)
قال ابن المنذر : روينا عن ابن عمر أنه قال : ينفق عليها الأربع السنين من مال المفقود لأنها حبست نفسها عليه.
وقال ابن عباس : لسنتين فإن جاء زوجها قضت من ماله فإن مات قضت من نصيبها من الميراث.
وقالا جميعاً : لا تنفق عليها من مال زوجها في العدة بعد الأربع سنين أربعة أشهر وعشراً.
وذكر الشافعي في القديم بعض الآثار التي رويت في منع الضرر ثم قال : وأحسب قضاء عمر في إمرأة المفقود من بعض هذه الوجوه التي منع فيها الضرر بالمرأة إذا كان الضرر عليها أبين ثم قال : إذا جاءت الضرورات فحكمها مخالف حكم غير الضرورات.
لم أجد له في القديم في هذا أكثر من هذا . والله أعلم.
990 - باب استبراء أم الولد
4693 - أخبرنا أبو بكر بن الحسن وأبو زكريا بن أبي إسحاق قالا : حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال في أم الولد يتوفى عنها سيدها : تعتد بحيضة.
قال أحمد : وروينا عن القاسم بن محمد وغيره من فقهاء التابعين من أهل المدينة مثل ذلك.
(6/74)
وأما حديث قبيصة بن ذؤيب عن عمرو بن العاص قال : لا تلبسوا علينا سُنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في أم الولد إذا توفي عنها سيدها عدتها أربعة أشهر وعشراً.
4694 - فقد أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا علي بن عيسى بن إبراهيم الحيري حدثنا محمد بن عمرو بن النضر الحرشي حدثنا عبد الله بن مسلمة قال حدثني عبد الأعلى بن عبد الأعلى حدثنا سعيد عن مطر عن رجاء بن حيوة عن قبيصة بن ذؤيب فذكره.
ورواه غيره عن سعيد عن قتادة ومطر.
ورواه غندر عن سعيد عن مطر ولم يقل : نبينا.
قال أبو الحسن الدارقطني فيما أخبرني أبو عبد الرحمن عنه : قبيصة لم يسمع من عمرو . والصواب : لا تلبسوا علينا موقوف.
قال أحمد : ورواه سليمان بن موسى عن رجاء بن حيوة عن قبيصة عن عمرو أنه قال : عدة أم الولد عدة الحرة.
قال أحمد بن حنبل : هذا حديث منكر.
وقيل عن الزهري عن قبيصة عن عمرو مثل ذلك.
وقيل غير ذلك ، والله أعلم.
991 - باب استبراء من ملك أمة
قال الشافعي رحمه الله (6/75)
أصل الإستبراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عام سبي أوطاس أن توطأ حامل حتى تضع أو توطأ حتى تحيض.
4695 - أخبرنا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى أخبرنا أحمد بن سلمان الفقيه حدثنا محمد بن الهيثم حدثنا محمد بن سعيد حدثنا شريك بن قيس - يعني ابن وهب عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري قال أصبنا سبايا يوم أوطاس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا توطأ حامل حتى تضع حملها ولا غير حامل حتى تحيض حيضة.
أخرجه أبو داود في كتاب السنن.
4696 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : اختلفت الناس في استبراء الأمة لا تحيض من صغر أو كبر فقال بعضهم : شهر قياساً على الحيضة.
وقال بعضهم.
شهر ونصف.
وليس لهذا وجه هو إما أن يكون شهراً.
وإما ما ذهب إليه بعض أصحابنا من ثلاثة أشهر.
قال الشافعي : استبراء الأمة شهر إذا كانت ممن لا تحيض قياساً على الحيضة إلا أن يمضي أثر بخلافه يثبت مثله فالأثر أولى أن يتبع.
قال أحمد : لا أعلم في هذا أثر عن من يلزم قوله.
(6/76)
وروينا عن أبي قلابة وابن سيرين أنهما كانا لا يريان أن ذلك يتبين إلا بثلاثة أشهر.
وبه قال طاووس وعطاء ومجاهد وعمر بن عبد العزيز وإبراهيم النخعي.
قال أحمد : وروينا عن نافع عن ابن عمر أنه قال : عدة المختلعة عدة المطلقة.
وبه قال ابن المسيب وسليمان بن يسار والشعبي والزهري وجماعة.
والذي روي عن عكرمة أن إمرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة . حديث مرسل.
وروي موصولاً بذكر أبن عباس فيه وليس بمحفوظ والله أعلم.
وروينا في كتاب السنن عن عكرمة عن ابن عباس في قصة بريرة حين اختارت نفسها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل عليها عدة الحرة.
4697 - وأخبرنا أبو بكر بن الحارث أخبرنا أبو محمد بن حيان أخبرنا أبو يعلي حدثنا محمد بن بكار حدثنا أبو معشر قال حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل عدة بريرة حين فارقها زوجها عدة المطلقة.
(6/77)
بسم الله الرحمن الرحيم 31 - كتاب الرضاع
4698 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي - رحمه الله - قال : قال الله تبارك وتعالى {حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم} إلى قوله : {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} فاحتمل إذ ذكر الله تحريم الأم والأخت من الرضاعة فأقامهما مقام الأم والأخت من النسب أن تكون الرضاعة كلها تقوم مقام النسب فما حرم بالنسب حرم بالرضاع مثله.
وبهذا نقول بدلالة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والقياس على القرآن.
4699 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو زكريا بن أبي إسحاق وأبو بكر القاضي وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرتها : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة فقالت عائشة : فقلت يا رسول الله هذا رجل يستأذن في بيتك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (6/78)
أراه فلاناً.
لعم حفصة من الرضاعة.
فقلت : يا رسول الله لو كان فلاناً حياً لعمها من الرضاعة أيدخل عليّ ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم إن الرضاعة تحرم ما يحرم من الولادة رواه البخاري عن أبي أويس.
ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى كلاهما عن مالك.
4700 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن سليمان بن يسار عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة.
4701 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وزكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : جاء عمي - أظنه قال من الرضاعة - ابن أبي القعيس يستأذن عليّ بعد ما ضرب الحجاب فلم آذن له فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته فقال : إنه عمك فليلج عليك.
(6/79)
رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان.
وأخرجاه من حديث مالك وغيره عن ابن شهاب وقالوا : أفلح أخو أبي قعيس . وفي رواية بعضهم : فقلت : يا رسول الله إن الرجل ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني إمرأته ؟ ! فقال : إئذني له فإنه عمك تربت يمينك.
قال عروة فبذلك كانت عائشة تقول : حرموا من الرضاعة ما تحرمون من النسب.
وفي رواية معمر عن الزهري قال : وكان أبو القعيس زوج المرأة التي أرضعت عائشة فأفلح أخو أبي القعيس يكون عمها من الرضاعة.
وفي رواية عراك بن مالك عن عروة فقال لها : لا تحتجبي منه فإنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب.
وقد ذكرنا هذه الروايات في كتاب السنن.
4702 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة قال سمعت ابن جدعان قال سمعت ابن المسيب يحدث عن علي بن أبي طالب أنه قال : يا رسول الله هل لك في ابنة عمك ابنة حمزة فإنها أجمل فتاة في قريش ؟ فقال : أما علمت أن حمزة أخي من الرضاعة وأن الله حرم من الرضاعة ما حرم من النسب.
(6/80)
@4703 - قال : وأخبرنا الدراوردي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في بنت حمزة مثل حديث سفيان.
قال أحمد : الحديث في ابنة حمزة رواه أبو عبد الرحمن السلمي عن علي.
ومن ذلك الوجه أخرجه مسلم في الصحيح.
ورواه جابر بن زيد عن ابن عباس.
ومن ذلك الوجه أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح.
ورواه أحمد بن عبد الرحمن عن أم سلمة.
وأخرجه مسلم في الصحيح.
وقوله : وأن الله حرم من الرضاعة ما حرم من النسب في حديث ابن عباس.
وقد أخرجاه في الصحيح في قصة ابنة حمزة.
قال الشافعي في رواية أبي سعيد.
وفي نفس السنة أنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة وأن لبن الفحل يحرم كما تحرم ولادة الأب يحرم لبن الأب لا اختلاف في ذلك.
4704 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عمرو بن الشريد : أن ابن عباس سُئل عن رجل كانت له إمرأتان فأرضعت إحداهما غلاماً وأرضعت الأخرى جارية.
فقيل له : هل يتزوج الغلام الجارية ؟ فقال : لا اللقاح واحد.
(6/81)
وهذا الحديث يعد في أفراد مالك بن أنس.
وقد رواه عبد الله بن إدريس عن ابن جريج ومالك عن الزهري.
4705 - أخبرناه أبو بكر بن الحارث أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا سعيد بن محمد بن أحمد الحناط حدثنا عبد الرحمن بن يونس السراج حدثنا عبد الله بن إدريس فذكر معناه غير أنه قال : فولدت إحداهما غلاماً وأرضعت الأخرى جارية.
4706 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سعيد بن سالم أخبرنا ابن جريج أنه سأل عطاء عن لبن الفحل يحرم ؟ قال : نعم.
فقلت له : أبلغك من ثبت ؟ قال : نعم . قال ابن جريح قال عطاء {وأخواتكم من الرضاعة} فهي أختك من أبيك.
4707 - وبإسناده أخبرنا الشافعي أخبرنا سعيد عن ابن جريج أن عمرو بن دينار أخبره أنه سمع أبا الشعثاء يرى لبن الفحل يحرم.
وقال ابن جريج عن ابن طاووس عن أبيه أنه قال : لبن الفحل يحرم.
قال ابن المنذر : وروي معنى ذلك عن عليّ وبه قال ابن عباس.
992 - باب من قال لبن الفحل لا يحرم
4708 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا(6/82)
عبد العزيز بن محمد بن أبي عُبيد الدراوردي عن محمد بن عمرو - وهو ابن علقمة بن وقاص - عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه كان يقول : كان يدخل على عائشة من أرضعه بنات أبي بكر ولا يدخل عليها من أرضعه نساء بني أبي بكر.
4709 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز عن محمد بن عمرو عن أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة أن أمة زينب بنت أبي سلمة أرضعتها أسماء بنت أبي بكر إمرأة الزبير بن العوام فقالت زينب بنت أبي سلمة : وكان الزبير يدخل عليّ وأنا أمتشط فيأخذ بقرن من قرون رأسي فيقول أقبلي عليّ فحدثيني أريد أبي وما ولد فهم إخوتي ثم أن عبد الله بن الزبير قبل الحرة أرسل إليَّ فخطب إلى أم كلثوم ابنتي على حمزة بن الزبير وكان حمزة للكلبية.
فقلت لرسوله : وهل تحل له إنما هي ابنة أخيه ؟ فأرسل إليّ عبد الله إنما أردت بها المنع لما قبلك ليس لك بأخ أباً وما ولدت أسماء فهم إخوتك وما كان من ولد الزبير من غير الزبير فليسوا لك بإخوة فأرسلي فسلي عن هذا.
فأرسلت فسألت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون وأمهات المؤمنين فقالوا لها : إن الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئاً فأنكحتها إياه فلم تزل عنده حتى إذا هلك.
4710 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن بعض آل رافع أن رافع بن خديج كان يقول : الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئاً.
4711 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن (6/83)
يزيد بن عبد الله بن قسيط عن سعيد بن المسيب وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعن سليمان بن يسار وعطاء بن يسار : إن الرضاعة من قبل الرجال لا تحرم شيئاً.
4712 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد قال أخبرني مروان بن أبي سعيد بن المعلى الأنصاري : أن رجلاً أرضعته أم ولد رجل من مُزينة وللمزني إمرأة أخرى سوى المرأة التي أرضعت الرجل وأنه ولدت من المزني جارية فلما بلغ ابن الرجل وبلغت الجارية خطبها فقال له الناس : ويلك إنها أختك.
قال مروان : إن ذلك رفع إلى هشام بن إسماعيل فكتب فيه إلى عبد الملك بن مروان.
فكتب عبد الملك أن ليس ذلك برضاع.
4713 - وبإسناده أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن عثمان بن مروان بن أبي المعلى : أن عبد الملك كان لا يرى الرضاعة من قبل الرجال تحرم شيئاً.
4714 - وبإسناده أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن ابن عباس كان لا يرى الرضاعة من قبل الرجال تحرم شيئاً.
قال عبد العزيز : وذلك كان رأي ربيعة ورأي فقهائنا.
وأنكر حديث عمرو بن الشريد عن ابن عباس في : اللقاح واحد.
قال حديث رجل من أهل الطائف وما رأيت من فقهاء أهل المدينة أحداً يشك في هذا . إلا أنه روي عن الزهري خلافهم فما التفتوا إليه.
وهؤلاء أكثر وأعلم.
قال الشافعي (6/84)
فقلت له - يعني لبعض أصحاب مالك - أتجد بالمدينة من علم الخاصة شيئاً أولى أن يكون عاماً ظاهراً عند أكثرهم من ترك تحريم لبن الفحل.
فقد تركناه وتركته ومن يحتج لقوله إذ كنا نجد في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم كالدلالة على ما نقول.
وهذا إنما أورده على طريق الإلزام في تركهم في بعض المواضع الخبر الواحد بقول بعض أهل المدينة وتركهم ما قال الأكثر من المدنيين.
أن لبن الفحل لا يحرم بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة.
قال الشافعي : وأنا لم نختلف بنعمة الله قولي أنه لا نذهب إذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء إلى أن أدعه لا أكثر ولا أقل.
993 - باب ما يحرم من الرضاع
4715 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : كان فيما أنزل الله عز وجل في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن.
ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ في القرآن.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى.
4716 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة أنها (6/85)
كانت تقول : نزل القرآن بعشر رضعات معلومات يحرمن ثم صيرن إلى خمس يحرمن.
فكان لا يدخل على عائشة إلا من استكمل خمس رضعات.
أخرجه مسلم من حديث الثقفي وغيره عن يحيى بن سعيد دون فعل عائشة.
4717 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تحرم المصة ولا المصتان ولا الرضعة ولا الرضعتان.
4718 - وبهذا الإسناد أخبرنا الشافعي أخبرنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تحرم المصة ولا المصتان.
زاد أبو سعيد في روايته عن أبي العباس عن الربيع قال : قلت للشافعي أسمع ابن الزبير من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : نعم وحفظ عنه وكان يوم توفي النبي صلى الله عليه وسلم ابن تسع سنين.
قال أحمد : سماع عبد الله بن الزبير من النبي صلى الله عليه وسلم صحيح كما قال الشافعي رحمه الله إلا أنه إنما روي هذا الحديث عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
4719 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا(6/86)
محمد بن إسحاق حدثنا أبو عُبيد حدثنا يحيى بن سعيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبي الزبير عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم . مثله.
4720 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن بالويه حدثنا محمد بن نصر الصائغ حدثنا شريح بن يونس حدثنا معتمر بن سليمان قال سمعت أيوب يحدث عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن الزبير عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تحرم المصة من الرضاعة ولا المصتان.
رواه مسلم في الصحيح عن سويد عن معتمر.
4721 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الفضل بن إبراهيم حدثنا أحمد بن سلمة حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا المعتمر قال سمعت أيوب عن أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن أم الفضل أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إني تزوجت إمرأة ولي إمرأة أخرى فزعمت إمرأتي الحدثى أنها أرضعت إمرأتي الأولى.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تحرم الإملاجة والإملاجتان.
رواه مسلم في الصحيح عن إسحاق بن إبراهيم وأخرجه من حديث قتادة عن أبي الخليل بإسناده.
أن رجلاً من بني عامر بن صعصعة قال : يا نبي الله هل تحرم الرضعة الواحدة ؟ قال : لا .(6/87)
4722 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر إمرأة أبي حذيفة أن ترضع سالم خمس رضعات يحرم بلبنها ففعلت فكانت تراه إبناً.
4723 - وبهذا الإسناد أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن الحجاج بن الحجاج - أظنه عن أبي هريرة - قال : لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء.
قال أحمد : وكذلك رواه الزهري عن الحجاج الأسلمي عن أبي هريرة موقوفاً.
ورواه محمد بن إسحاق عن إبراهيم بن عقبة قال : كان عروة بن الزبير يحدث عن الحجاج بن الحجاج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تحرم من الرضاعة المصة ولا المصتان ويحرم إلا ما فتق الأمعاء من اللبن.
4724 - أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن محمد بن إسحاق فذكره.
4725 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع أن سالم بن عبد الله أخبره أن عائشة أرسلت به وهو يرضع إلى أختها أم كلثوم فأرضعته ثلاث رضعات ثم مرضت فلم ترضعه غير ثلاث رضعات فلم أكن أدخل على عائشة من أجل أن أم كلثوم لم تكمل لي عشر رضعات.
(6/88)
زاد أبو سعيد في روايته : قال الشافعي : أمرت به عائشة يرضع عشراً لأنها أكبر الرضاع ولم يتم له خمس فلم يدخل عليها.
ولعل سالماً أن يكون ذهب عليه قول عائشة في العشر رضعات فنسخن بخمس معلومات فحدث عنها بما علم من أنه أرضع ثلاثاً فلم يكن يدخل عليها.
وإنما أخذنا خمس رضعات عن النبي صلى الله عليه وسلم بحكاية عائشة أنهن يحرمن وأنهن من القرآن.
قال أحمد : وروينا عن سالم بن عبد الله عن زيد بن ثابت : أن الرضعة والرضعتين والثلاث لا تحرم.
4726 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن صفية بنت أبي عُبيد أنها أخبرته أن حفصة أم المؤمنينِأرسلت لعاصم بن عبد الله بن سعد إلى أختها فاطمة بنت عمر ترضعه عشر رضعات ليدخل عليها وهو صغير يرضع ففعلت فكان يدخل عليها.
قال أحمد : والقول في هذا ما قال الشافعي في حديث سالم.
قال الشافعي في القديم : وقال بعض الناس ما كان في الحولين وإن كانت مصة تحرم واحتج بحديث :
أَخْبَرَنَا مالك عن ثور بن زيد الديلي عن ابن عباس شبيهاً بهذا المعنى.
4727 - أخبرناه أبو أحمد المهرجاني أخبرنا أبو بكر بن جعفر المزكي حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا ابن بكير حدثنا مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عبد الله بن عباس أنه كان يقول (6/89)
ما كان في الحولين وإن كانت مصة واحدة فإنها تحرم.
قال الشافعي : وأراه من حديث عكرمة - يريد أن ثوراً إنما أخذه عن عكرمة عن ابن عباس - وهو كما قال.
فكذلك رواه الدراوردي عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس وزاد : وإن كان بعد الحولين فليس بشيء.
قال أحمد : وروي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس : أن قليل الرضاعة وكثيرها يحرم في المهد.
وروي عن ابن عباس بخلاف ذلك في القليل.
والأول أصح.
وروي عن ابن عمر في الرضعة الواحدة أنها تحرم.
وروي عن علي وعبد الله إلا أن الرواية عنهما مرسلة ، والله أعلم.
4728 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : فدل ما حكت عائشة في الكتاب وما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان.
على أن الرضاع لا يحرم به على أقل إسم الرضاع ولم يكن لأحد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة وقد قال بعض من مضى بما حكت عائشة في الكتاب ثم في السُنة والكفاية فيما حكت في الكتاب ثم في السنة.
(6/90)
@4729 - أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا أبو حامد محمد بن هارون ، حَدَّثَنا يحيى بن يحيى القُطَعِي حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى حدثنا يحيى بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة - وعبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت : لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً فلقد كانت في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتغلنا فدخل الداجن فأكلها.
قال أحمد : هكذا بلغنا هذا الحديث.
وهذا أمر وقع فأخبرت عن الواقعة دون تعليق حكم بها وقد كانت آية الرجم معلومة عن الصحابة وعلموا نسخ تلاوتها وإثباتها في المصحف دون حكمها وذلك حين راجع النبي صلى الله عليه وسلم عمر في كتبها فلم يأذن له فيها . وأما رضاعة الكبير فهي عند غير عائشة منسوخة أوْ كانت رخصة لسالم وحده فلذلك لم يثبتوها.
وأما رضاعته عشراً فقد أخبرت في رواية عمرة عن عائشة أنها صارت منسوخة بخمس يحرمن فكان نسخ حكمها وتلاوتها معلوماً عند الصحابة فلأجل ذلك لم يثبتوها لا لأجل أكل الداجن صحيفتها.
وهذا واضح بِّين بحمد الله ونعمته.
944 - باب رضاع الكبير
4730 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه سُئل عن رضاعة الكبير فقال : أخبرني عروة بن الزبير أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان شهد بدراً وكان قد تبنى سالماً الذي يقال له سالم مولى أبي حذيفة كما تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وأنكح أبو حذيفة سالماً وهو يرى أنه ابنه فأنكحه بنت أخته فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة وهي يومئذ من المهاجرات الأول وهي (6/91)
يومئذ من أفضل أيامى قريش فلما أنزل الله في زيد بن حارثة ما أنزل فقال {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين}.
رد كل واحد من أولئك من تبنى إلى أبيه فإن لم يعلم أباه رده إلى الموالي فجاءت سهيلة بنت سهيل وهي إمرأة أبي حذيفة وهي من بني عامر بن لؤي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله كنا نرى سالماً ولداً وكان يدخل عليّ وأنا فضل وليس لنا إلا بيت واحد فماذا ترى في شأنه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أرضعيه خمس رضعات فيحرم بلبنها.
ففعلت وكانت تراه ابناً من الرضاعة.
فأخذت بذلك عائشة فيمن كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال فكانت تأمر أختها أم كلثوم وبنات أختها يرضعن لها من أحبت أن يدخل عليها من الرجال والنساء وأبي سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس وقلن ما نرى الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم سهلة بنت سهيل إلا رخصة في سالم وحده من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل علينا بهذه الرضاعة أحد.
فعلى هذا من الخبر كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في رضاعة الكبير.
4731 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : وهذا - والله أعلم - في سالم مولى أبي حذيفة خاصة فإن قال قائل : ما دل على (6/92)
ما وصفت ؟ فذكرت حديث سالم الذي يقال له مولى أبي حذيفة عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه أمر إمرأة أبي حذيفة أن ترضعه خمسة رضعات يحرم بهن.
وقالت أم سلمة في الحديث وكان ذلك في سالم خاصة.
قال أحمد : لم أجد حديث أم سلمة في رواية الربيع.
وذكر المزني في المختصر الكبير أن الشافعي حين عورض بهذا قال : ما جعلناه خاصاً بهذا الحديث ولكن أخبرني الثقة عن معمر عن الزهري عن أبي عبيدة بن عبد الله - يعني بن زمعة - عن زينب بنت أبي سلمة عن أمها أم سلمة أنها ذكرت حديث سالم عن النبي صلى الله عليه وسلم وقالت في الحديث : كانت رخصة لسالم خاصة.
قال الشافعي : فأخذنا به يقيناً لا ظناً.
قال أحمد : وإنما قال هذا لأن حديث مالك مرسل وقد وصله عقيل بن خالد وشعيب بن أبي حمزة ويونس بن يزيد عن الزهري عن عروة عن عائشة.
وفيه حكاية عروة عن أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه لم يقطع بالرخصة أنها لسالم خاصة في الحكاية عنهن وإنما قال : وقلن لعائشة : والله ما نرى لعلها رخصة لسالم من رسول الله صلى الله عليه وسلم دون الناس.
وهو في الرواية التي رواها عن أم سلمة مقطوع بأنها له خاصة.
(6/93)
وقد أخرجه مسلم بن الحجاج في الصحيح من حديث الليث عن عقيل عن الزهري كما 4732 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا عبيد بن شريك حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة أن أمة زينب بنت أبي سلمة قالت : سمعت أم سلمة زوج الني صلى الله عليه وسلم تقول : أبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن عليهن أحداً بتلك الرضاعة وقلن لعائشة : والله ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة.
زاد مسلم في روايته : ولا رائينا.
قال الشافعي : وإذا كان هذا لسالم خاصة فالخاص لا يكون إلا مخرجاً من حكم العام ولا يجوز إلا أن يكون رضاع الكبير لا يحرم.
واحتج أيضاً بقول الله عز وجل {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} وما جعل الله له غاية فالحكم بعد مضى الغاية فيه غيره قبل مضيها.
وبسط الكلام فيه.
4733 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار قال جاء رجل إلى ابن عمر وأنا معه عند دار القضاء فسأله عن رضاعة الكبير فقال ابن عمر جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال : كانت لي وليدة فكنت أطؤها (6/94)
فعمدت إمرأتي إليها فأرضعتها فدخلت عليها فقالت : دونك فقد والله أرضعتها.
فقال عمر : أوجعها وائت جاريتك فإنما الرضاع رضاعة الصغير.
4734 - وبإسناده أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول : لا رضاع إلا لمن أرضع في الصغر.
4735 - وبإسناده أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أن أبا موسى قال في رضاعة الكبير : ما أراها إلا تحرم.
فقال ابن مسعود : أبصر ما تفتى به الرجل.
فقال أبو موسى : فما تقول أنت ؟.
فقال ابن مسعود : لا رضاعة إلا ما كان في الحولين.
فقال أبو موسى : لا تسألوني عن شيء ما كان هذا الحبر بين أظهركم.
قال أحمد : ورواه أيضاً إبراهيم النخعي في الحولين عن ابن مسعود.
وروي عنه من أوجه أخر موصولاً ومقطوعاً غير محدود بالحولين.
وروي عنه موقوفاً ومرفوعاً.
(6/95)
لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم.
وروينا في الحديث الثابت عن مسروق عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا عائشة أنظرن من إخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة.
وروينا عن ابن عباس أنه قال : لا رضاع إلا ما كان في الحولين.
وروي ذلك مرفوعاً والصحيح موقوف.
995 - باب المرضع ترضع بلبن إمرأة حملت من زنا
4736 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : فإن ولدت إمرأة حملت من زنا فأرضعت مولوداً فهو ابنها ولا يكون ابن الذي زنى بها.
وأكره له في الورع أن ينكح بنات الذي ولد له من زنا كما أكرهه للمولود من زنا ولو نكح من بناته أحداً لم أفسخه لأنه ليس بابنه في حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أمه زمعة لزمعة وأمر سودة أن تحتجب منه لما رأى من شبهه بعتبة فلم يرها.
وقد قضى أنه أخوها حتى لقيت الله لأن ترك رؤيتها مباح وإن كان أخاها فكذلك ترك رؤية المولود من نكاح أخته مباح.
وإنما منعني من فسخه أنه ليس بابنه إذا كان من زنا.
(6/96)
996 - باب الشهادة في الرضاع
4737 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : لم أعلم أحداً ممن ينسبه العامة إلى العلم مخالفاً في أن شهادة النساء تجوز فيما لا يحل للرجال غير ذوي المحارم أن يتعمدوا أن يروه لغير شهادة.
وقالوا ذلك في ولادة المرأة وعيبها الذي تحت ثيابها والرضاعة عندي مثله.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : ولا تجوز إلا بأن يكن حرائر عدولاً بوالغ وليكن أربعاً لأن الله إذ أجاز شهادتهن في الدين جعل إمرأتين تقومان مقام رجل بعينه.
قال الشافعي :
أَخْبَرَنَا مسلم عن ابن جريج عن عطاء قال : لا يجوز من النساء أقل من أربع.
4738 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني ابن أبي مليكه أن عقبة بن الحارث أخبره أنه نكح أم يحيى بنت أبي أهاب فقالت : أمة سوداء قد أرضعتكما.
قال : فجئت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فأعرض فتنحيت فذكرت ذلك له فقال : وكيف وقد زعمت أنها أرضعتكما.
(6/97)
أخرجه البخاري في الصحيح من حديث ابن جريج وأيوب وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن عبد الله بن أبي مليكة.
وفي حديث ابن أبي حسين قال : كيف وقد قيل.
4739 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : إعراضه صلى الله عليه وسلم يشبه أن يكون لم ير هذا شهادة تلزمه . وقوله : وكيف وقد زعمت أنها أرضعتكما.
يشبه أن يكون كره له أن يقيم معها وقد قيل أنها أخته من الرضاعة.
وهذا معنى ما قلنا من أن يتركها ورعاً لا حكماً.
قال أحمد : وروينا عن عمر بن الخطاب في حديثين مرسلين عنه أنه لم يقبل شهادة إمرأة واحدة في الرضاع.
وقال في رواية زيد بن أسلم لزوجها : دونك إمرأتك.
وروي عنه أنه قال : يجوز فيه رجلان أو رجل وإمرأتان.
(6/98)
بسم الله الرحمن الرحيم 32 - كتاب النفقات
997 - باب وجوب النفقة للزوجة
4740 - أنبأئي أبو عبد الله الحافظ إجازة عن أبي العباس الأصم أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا} قال : وقول الله {ذلك أدنى ألا تعولوا} يدل والله أعلم على أن على الزوج نفقه إمرأته وقوله : {ألا تعولوا} أن لا تكثروا من تعولوا إذا اقتصر المرء على واحدة وإن أباح له أكثر منها.
4741 - وقد أخبرنا به أبو عبد الله في موضع آخر قراءة عليه قال حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : {ألا تعولوا} فذكره.
قال أحمد : قد روينا هذا التفسير عن الليث بن سعد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن(6/99)
أسلم في قوله : {ذلك أدنى ألا تعولوا} قال : ذلك أدنى أن لا تكثر من تعولونه.
4742 - أخبرناه أبو عبد الرحمن السلمي أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا أبو عبد الله الحافظ إجازة أخبرنا الوليد حدثنا أبو بكر الثعالبي حدثنا يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه في قوله {ذلك أدنى ألا تعولوا}.
أي لا تكثروا عيالكم.
وروينا عن أبي عمر غلام ثعلب أنه ذكره لثعلب فقال : أحسن هو لغة.
وقال بعض أهل التفسير : هو مشتق من قول الفريضة إذا كثرت سهامها فقصرت عن الوفاء بحقوق دون الميراث . فيشبه أن يكون قوله {ذلك أدنى ألا تعولوا} أي لا تكثروا ما يلزمكم من النفقة فيقصر عن الوفاء بجميع حقوق نسائكم . بلغني عن ابن الأنباري أنه ذهب إلى هذا المعنى.
4743 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال سمعت محمد بن عبد الله الفقيه يقول سألت أبا عمر غلام ثعلب الذي لم تر عيناي مثله عن حروف أخذت على الشافعي مثل قوله : ماء مالح . ومثل قوله {ذلك أدنى ألا تعولوا} أي لا تكثر من تعولون . وقوله : أدنى أن يكون كذا وكذا.
(6/100)
فقال لي : كلام الشافعي صحيح سمعت أبا العباس ثعلب يقول يأخذون على الشافعي وهو من بيت اللغة يجب أن يؤخذ عنه.
4744 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن هند بنت عتبة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس لي منه إلا ما يدخل عليّ.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم خذي ما يكفيكِ وولدك بالمعروف.
4745 - وبإسناده قال أخبرنا الشافعي أخبرنا أنس بن عياض عن هشام عن أبيه عن عائشة أنها حدثته أن هند أم معاوية جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وأنه لا يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه سراً وهو لا يعلم فهل عليّ في ذلك من شيء ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : خذي ما يكفيكِ وولدك بالمعروف.
أخرجاه في الصحيح من حديث هشام.
4746 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله عندي دينار . قال : أنفقه على نفسك.
قال عند آخر . قال (6/101)
أنفقه على ولدك.
قال عندي : آخر . قال : أنفقه على أهلك.
قال عندي آخر . قال : أنفقه على خادمك.
قال : عندي آخر . قال : أنت أعلم.
قال سعيد : ثم يقول أبو هريرة إذا حدث بهذا الحديث : يقول ولدك أنفق عليّ إلي من تكلني.
تقول زوجتك أنفق عليّ أو طلقني.
يقول خادمك أنفق عليّ أو بعنى.
998 - باب قدر النفقة
4747 - أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس حدثنا الربيع قال قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله} . الآية.
فذكر نفقه المقتر والموسع ثم قال : وإنما جعلت أقل الفرض مداً بالدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في دفعه إلى الذي (6/102)
أصاب أهله في شهر رمضان عرقاً فيه خمسة عشر صاعاً لستين مسكيناً فكان ذلك مداً مداً لكل مسكين والعرق : خمسة عشر صاعاً.
قال أحمد في هذا الشك : إنما هو في رواية عطاء الخراساني عن ابن المسيب.
وقد رويناه عن الأعمش عن طلق بن حبيب عن ابن المسيب : خمسة عشر صاعاً من تمر يكون ستين ربعاً فأعطاه إياه . فقال : أطعم هذا ستين مسكيناً.
ورويناه في حديث الأوزاعي عن حميد بن عبد الرحمن عن الزهري في قصة المجامع.
قال الشافعي : وإنما جعلت أكثر ما فرضت مدين مدين لأن أكثر ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم في فدية الكفارة للأذى مدين لكل مسكين وبينهما وسط.
فلم أقصر عن هذا ولم أجاوز هذا مع أن معلوماً أن الأغلب أن أقل القوت مداً وان أوسعه مدان.
قال : والفرض على الوسط الذي ليس بالموسع ولا المقتر ما بينهما مداً ، ونصفاً للمرأة.
وذكر من الأدم والكسوة على كل واحد منهم ما هو المعروف ببلدها.
999 - باب غيبة الزوج عن المرأة بعد التخلية
4748 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا(6/103)
مسلم بن خالد عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : أن عمر بن الخطاب كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم يأمرهم أن يأخذوهم بأن ينفقوا أو يطلقوا.
فإن طلقوا بعثوا بنققة ما حبسوا.
1000 - باب الرجل لا يجد نفقة زوجته يفرق بينهما
4749 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : لما كان من فرض الله على الزوج نفقة المرأة ومضت بذلك سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والآثار والاستدلال بالسُنة لم يكن له - والله أعلم - حبسها على نفسه يستمتع بها و منها عن غيره تستغني به وهو مانع لها فرضاً عليه عاجز عن تأديته.
وكان حبس النفقة والكسوة يأتي على نفسها فتموت جوعاً وعطشاً وعرياً.
قال : فأين الدلالة على التفريق بينهما ؟ قال الشافعي : قلت : قال أبو هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الزوج بالنفقة على أهله وقال أبو هريرة : تقول إمرأتك أنفق عليّ أو طلقني.
ويقول خادمك أنفق عليّ أو بعني.
قال : فهذا بيان أن عليه طلاقها.
قلت : أما نص فلا وأما بالاستدلال فهو يُشبه والله أعلم.
(6/104)
وقلت له : فما تقول في خادم له لا عمل فيها بزمانةٍ عجز عن نفقتها ؟ قال : نبيعها عليه.
قلت : فإذا صنعت هذا في ملكه كيف لا تصنعه في امرأته التي ليست بملك له ؟ قال : فهل شيء أبين من هذا ؟ قلت : فذكر الحديث الذي 4750 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن أبي الزناد قال سألت سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته ؟ قال : يفرق بينهما.
قال أبو الزناد : قلت سُنة.
فقال سعيد : سُنة.
قال الشافعي : والذي يشبه قول سعيد سُنة أن يكون سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أحمد : وقد روي عن إسحاق بن منصور عن حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب في الرجل لا يجد ما ينفق على إمرأته ؟ قال : يفرق بينهما.
قال : وحدثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله.
(6/105)
4751 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو بكر بن بالويه حدثنا أحمد بن علي الخزاز.
4752 - وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا عثمان بن أحمد بن السماك حدثنا أحمد بن علي الخزاز حدثنا إسحاق بن إبراهيم الماوردي حدثنا إسحاق بن منصور فذكراه.
4753 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم بن خالد عن عبيد الله بن عمر : أن عمر بن الخطاب كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم فأمرهم أن يأخذوهم بأن ينفقوا أو يطلقوا فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا.
ثم جعل الشافعي فقد النفقة أشد من فقد الجماع بالعنة.
قال الشافعي : وأنت تزعم أن الرجل إذا عجز عن إصابة إمرأته وإن كان يصيب غيرها أجل سنة ثم يفرق بينهما إن شاءت . قال هذا رواية عمر بن لخطاب رضي الله عنه قلت.
فإن كانت الحجة فيه الرواية عن عمر فإن قضاء عمر بأن يفرق بين الزوج وامرأته إذا لم ينفق عليها أثبت عنه لأن خبر العنين عن عمر منقطع وخبر الفرقة عنه موصول.
فكيف رددت هذا ولم يخالفه فيه أحد علمته من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبلت قضاءه في العنين ؟ وأنت تزعم أن علياً يخالفه.
وبسط الكلام فيه.
(6/106)
1001 - باب التي لا يملك زوجها الرجعة
4754 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى في المطلقات {وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن}.
فدلت على أن النفقة للمطلقة الحامل دون المطلقات سواها فلم يجزأن ينفق على مطلقة إلا أن يجمع الناس على مطلقة تخالف الحامل إلى غيرها من المطلقات فينفق عليها بالإجماع دون غيرها.
وبسط الكلام في بيان هذا.
قال : فلم لا تكون المبتوتة قياساً عليها - يعني على الرجعية ؟ قلت : أرأيت التي يملك زوجها رجعتها في عدتها أليس يملك عليها أمرها إن شاء ويقع عليها إيلاؤه وظهاره ولعانه ويتوارثان ؟ قال : بلى . قلت : أفهذه في معاني الأزواج في أكثر أمرها ؟ قال : نعم قلت : أفتجد كذلك المبتوتة ؟ وبسط الكلام فيه ثم احتج بما 4755 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان (6/107)
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص بن المغيرة طلقها البتة وهو غائب بالشام فأرسل إليها وكيلة بشعير فسخطته.
فقال : والله ما لك علينا من شيء فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال لها : ليس لك عليه نفقة.
وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال : تلك إمرأة يغشاها أصحابي فاعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك فإذا حللت فآذنيني.
قالت : فلما حللت ذكرت له أن معاوية وأبا جهم خطباني فقال : أما أو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له أنكحي أسامة بن زيد.
قالت : فكرهته ثم قال : أنكحي أسامة.
فنكحته فجعل الله فيه خيراً واغتبطت به.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى عن مالك.
4756 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : فقال - يعني من كلمه في هذه المسألة - : فإنكم تركتم من حديث فاطمة شيئاً قالت : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم (6/108)
لا سكنى لك ولا نفقة.
فقلت له : ما تركنا من حديث فاطمة حرفاً.
قال : إنما حدثنا عنها أنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا سكنى لك ولا نفقة.
فقلنا : لكنا لم نُحدث هذا عنها.
ولو كان ما حدثتم عنها كما حدثتم كان على ما قلنا وعلى خلاف ما قلتم.
قال : وكيف ؟ قلت : أما حديثنا فصحيح على وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا نفقة لك عليه.
وأمرها أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم.
ولو كان في حديثها إحلاله لها أن تعتد حيث شاءت لم يحظر عليها أن تعتد حيث شاءت.
فقال : وكيف أخرجها من بيت زوجها . وأمرها أن تعتد في بيت غيره ؟ قلت : لعلة لم تذكرها فاطمة كأنها استحيت من ذكرها وقد ذكرها غيرها.
قال : وما هي ؟ قلت : كان في لسانها ذَرب فاستطالت على أحمائها استطالة تفاحشت فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم.
قال : فهل من دليل على ما قلت ؟ قلت : نعم من الكتاب والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره من أهل العلم بها.
قال : فذكره.
(6/109)
0 @قلت : قال الله عز وجل {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة} وأخبرنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن محمد بن عمرو بن علقمة عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن ابن عباس في قول الله عز وجل {إلا أن يأتين بفاحشة مبينة}.
قال : أن تبذو على أهل زوجها فإذا بذت فقد حل إخراجها.
فقال : هذا تأويل وقد يحتمل ما قال ابن عباس ويحتمل غيره : أن تكون الفاحشة خروجها وأن تكون الفاحشة خروجها للحد.
قال فقلت له : فإذا احتملت الآية ما وصفت فأي المعاني أولى بها ؟ قال : معنى ما وافقته السُنة قلت له : فقد ذكرت لك السُنة في فاطمة وأوجدتك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أحمد : وأما ما روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من إنكاره ذلك على فاطمة بنت قيس فهو فيما 4757 - أخبرنا أبو علي الروذباري قال : أخبرنا أبو بكر بن داسة قال حدثنا أبو داود قال حدثنا نصر بن علي قال أخبرني أبو أحمد قال حدثنا عمار بن رزيق عن أبي إسحاق قال : كنت في المسجد الجامع مع الأسود فقال : أتت فاطمة بنت قيس عمر بن الخطاب فقال (6/110)
1 @ما كنا لندع كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول إمرأة لا ندري أحفظت أم لا.
وهذا حديث رواه أبو أحمد الزبيري عن عمار بن رزيق هكذا.
وزاد فيه بعضهم عن أبي أحمد من قول عمر غير مرفوع : لها السكنى والنفقة قال الله {لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة}.
وأخرجه مسلم في الصحيح عن محمد بن عمرو بن جبلة عن أبي أحمد.
وذهب غيره من الحفاظ إلى أن قوله : وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم ؛ غير محفوظ في هذا الحديث.
فقد رواه يحيى بن آدم وغيره عن عمار بن رزيق في السكنى دون هذه اللفظه.
وكذلك رواه الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عمر دون قوله : وسنة نبينا.
وإنما ذكره أبو أحمد عن عمار وأشعث عن الحكم وحماد عن إبراهيم عن عمر ، والحسن بن عمارة عن سلمة بن كهيل عن عبد الله بن الخليل الحضرمي عن عمر قال أبو الحسن الدَّارَقُطنِيّ الحافظ رحمه الله فيما 4758 - أخبرني أبو عبد الرحمن السلمي وغيره عنه : هذا الكلام لا يثبت . ويحيى بن آدم أحفظ من أبي أحمد الزبيري وأثبت منه.
وقد تابعه قبيصة بن عقبة فرواه عن عمار بن رزيق مثل قول يحيى بن آدم سواء.
والحسن بن عمارة متروك.
وأشعث بن سوار ضعيف.
ورواه الأعمش عن إبراهيم دون قوله(6/111)
2 @وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم : والأعمش أثبت من أشعث وأحفظ منه ، والله أعلم.
قال أحمد : وإنما يعرف هذا اللفظ الزائد عن عمر من رواية إبراهيم والحكم عن عمر مرسلاً.
وفي حديث هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد : أنه ذكر عند الشعبي قول عمر هذا فقال الشعبي : إمرأة من قريش ذات عقل ورأي تنسى قضاء قضى به عليها ؟ ! قال : وكان الشعبي يأخذ بقولها . وفيما 4759 - أنبأني أبو عبد الله الحافظ عن أبي عبد الله بن بُطة الأصبهاني عن أبي حامد أحمد بن جعفر الأشعري عن أبي داود قال سمعت أحمد بن حنبل وذكر له قول عمر : لا ندع كتاب ربنا وسُنة نبينا . قلت : يصح هذا عن عمر ؟ قال : لا.
قال الشافعي في القديم : قال قائل : فإن عمر بن الخطاب اتهم حديث فاطمة بنت قيس وقال : لا ندع كتاب ربنا لقول إمرأة.
قلنا : لا نعرف أن عمر اتهمها وما كان في حديثها ما يتهم له ما حدثت إلا بما لا تحب وهي إمرأة من المهاجرين لها شرف وعقل وفضل ولو رد شيء من حديثها كان إنما يرد منه : أنه أمرها بالخروج من بيت زوجها.
فلم تذكر هي لِمَ أُمرت بذلك.
وإنما أُمرت به لأنها استطالت على أحمائها فأمرت بالتحول عنهم للشر بينهما وبينهم.
ولم تؤمر أن تعتد حيث شاءت إنما أُمرت أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم لأن من حق الزوج أن تحصن له حتى تنقضي العدة.
(6/112)
3 @فلما جاء عذر حصنت في غير بيته.
فكأنهم أحبوا لها ذكر السبب الذي أخرجت له لئلا يذهب ذاهب إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن تعتد المبتوتة حيث شاءت في غير بيت زوجها.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : وما نعلم في كتاب الله ذكر نفقة إنما في كتاب الله ذكر السكنى.
ثم ذكر حديث ابن المسيب وقول مروان لعائشة وقد مضى في كتاب العدد.
قال أحمد : قد روينا في حديث عمر : أنه تلا عند ذلك قول الله عز وجل {لاَتُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهنَّ وَلاَ يُخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ}.
وذلك يؤكد ما قال الشافعي.
4760 - أخبرنا أبو الحسين بن بشر أن قال أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار قال حدثنا سعدان بن نصر قال حدثنا أبو معاوية عن عمرو بن ميمون عن أبيه قال : قلت لسعيد بن المسيب : أين تعتد المطلقة بيتاً ؟ قال : تعتد في بيتها.
قال قلت : أليس قد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم ؟ قال : تلك المرأة التي فتنت الناس : إنها استطالت على أحمائها بلسانها فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم وكان رجلاً مكفوف البصر.
وروينا عن سليمان بن يسار في خروج فاطمة قال : إنما كان ذلك من سوء الخلق.
وفي قصة عائشة ومروان ما دل على أن ذلك كان للشر بينها وبينهم.
(6/113)
4 @وهذا كله يؤكد ما قال الشافعي وقد أتى على جواب ما عورض به فيما احتج ولم يدع لقائل فيه مغمزاً.
فيما إنكار من أنكر عليه إنكاره رواية من روي في حديث فاطمة بنت قيس : لا سكنى لك ولا نفقة.
وإنه لم يرو الحديث بتمامه.
فهو قد روى الحديث بتمامه كما سمعه وليس ذلك في حديث مالك عن عبد الله بن يزيد ولا في أكثر الروايات عن أبي سلمة.
والزهري أحفظ من رواه عن أبي سلمة وليس ذلك في حديثه ولا يعاب العالم بالسكوت عما لم يسمع إنما يعاب بترك ما سمع من غير حجة أو رواية ما لم يسمع.
ثم إنه لم يقتصر على الإنكار حتى تكلم عليه وبين بما تلا من الآية وروى من تأويل ابن عباس وحكي عن ابن المسيب وغيره أنها لم تستحق السكنى في بيت زوجها لاستطالتها بلسانها على أحمائها.
وأن قول النبي صلى الله عليه وسلم في السكنى خرج على هذا الوجه ولم يقله ظناً من غير علم حتى أقام الحجة على أن قوله : لا سكنى لك.
خرج على هذا الوجه وأن إنكار من أنكر عليها وقع على كيما أنها سبب الإخراج.
ولم يجد في قوله : لا نفقة لك.
وجه يحمله عليه سوى ما دل عليه ظاهره بل وجدنا في بعض الأخبار ما يؤكده ويجعله موافقاً لما دل عليه كتاب الله عز وجل من الإنفاق على أولات الأحمال دون غيرهن.
4761 - أخبرناه أبو علي الروذباري قال أخبرنا أبو بكر بن داسة قال حدثنا أبو (6/114)
5 @داود قال حدثنا محمد بن خالد قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله وهو ابن عبد الله بن عتبة قال : أرسل مروان إلى فاطمة فسألها فأخبرته أنها كانت عند ابن حفص وكان النبي صلى الله عليه وسلم أمّر علي بن أبي طالب على بعض اليمن فخرج معه زوجها فبعث إليها بتطليقة كانت بقيت لها وأمر عياش بن أبي ربيعة والحارث بن هشام أن ينفقا عليها فقالا : والله ما لها نفقة إلا أن تكون حاملأ فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملاً.
واستأذنته في الانتقال فأذن لها.
فقالت : أين أنتقل يا رسول الله ؟ قال : عند ابن أم مكتوم.
وكان أعمى تضع ثيابها عنده فلا يبصرها فلم تزل هنالك حتى قضت عدتها فأنكحها النبي صلى الله عليه وسلم أسامة.
فرجع قبيصة - يعني إلى مروان - فأخبره ذلك.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث عبد الرزاق.
4762 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا : حدثنا أبو العباس قال أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أنه سمعه يقول : نفقة المطلقة ما لم تحرم فإذا حرمت فمتاع بالمعروف.
4763 - وبهذا الإسناد قال أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال قال عطاء : ليست المبتوتة الحبلى منه في شيء إلا أنه ينفق عليها من أجل الحبل فإذا (6/115)
6 @كانت غير حبلى فلا نفقة لها.
وروينا عن ابن عباس أنه قال في المطلقة ثلاثاً : ليست لها نفقة.
وعن نافع عن ابن عمر أنه قال : المطلقة ثلاثاً لا تنتقل وهي في ذلك لا نفقة لها.
1002 - باب النفقة على الأقارب
4764 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : قال الله تبارك وتعالى {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف}.
وقال : {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى}.
قال الشافعي :
أَخْبَرَنَا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن هنداً قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس لي إلا ما أدخل عليّ.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف.
(6/116)
7 @أخرجاه في الصحيح من حديث هشام.
قال الشافعي : كتاب الله ثم في سنة رسول الله بيان أن الإجارات جائزة على ما يعرف الناس إذ قال الله {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} وبسط الكلام في تبيينه قال : وبيان أن على الوالد نفقة الولد دون أمه كانت أمه متزوجه أو مطلقة.
وفي هذا دلالة على أن النفقة ليست على الميراث وذلك أن الأم وارثة . وفرض النفقة والرضاع على الأب دونها.
قال : وقال ابن عباس في قول الله : {وعلى الوارث مثل ذلك} من أن {لا تضار والدة بولدها}.
لا أن عليها الرضاع.
قال أحمد : وهذا فيما روي عن الشعبي وعن عطاء عن ابن عباس : {وعلى الوارث مثل ذلك}.
قالا في الإضرار : أن لا يضار.
(6/117)
8 @قال الشافعي : فإن قال قائل : فإنا قد روينا من حديثكم أن عمر بن الخطاب خير عصبة غلام على رضاعة الرجال دون النساء.
قلنا : أفتأخذ بهذا ؟ قال : نعم . قلت : أفتخص العصبة وهم الأعمام وبنو العم والقرابة من قبل الأب ؟ قال : لا إلا أن يكون ذوي رحم محرم.
قلنا : فالحجة عليك في هذا كالحجة فيما احتججت به من القرآن وقد خالفت هذا قد يكون له بنو عم فيكونون عصبة وورثة فلا تجعل عليهم نفقة وهم العصبة الورثة.
وإن لم تجد له ذا رحم تركته ضائعاً.
فقال لي قائل : قد خالفتهم هذا أيضاً.
قلنا : أما الأثر عن عمر فنحن أعلم به منك ليس نعرفه ولو كان ثابتاً لم تخالفه.
وابن عباس كان يقول {وعلى الوارث مثل ذلك} على الوارث أن {لا تضار والدة بولدها}.
وابن عباس أعلم بمعنى كتاب الله عز وجل منا والآية محتملة ما قال ابن عباس.
وبسط الكلام فيه.
قال أحمد : وهذا الأثر عن عمر رواه ابن عيينة عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب : أن عمر جبر عصبة صبي أن ينفقوا عليه الرجال دون النساء.
(6/118)
9 @ورواه ليث بن أبي سليم عن رجل عن ابن المسيب : أن عمر بن الخطاب جبر رجلاً على رضاع ابن أخيه.
وفي حديث معمر عن الزهري : أن عمر بن الخطاب أغرم ثلاثة كلهم يرث الصبي أجر رضاعه.
وحديث الزهري منقطع.
وحديث ابن المسيب مع انقطاعه ينفرد به عمرو بن شعيب.
ورواية ليث عن رجل مجهول ضعيفة . والله أعلم.
قال الشافعي في القديم : ولا يجبر فيه إلا والد أو ولد من ذوي الأرحام.
وذكر فيما احتج به ما بلغه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأنت ومالك لأبيك.
وقالت عائشة : أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من كسبكم والولد من الوالد فلا يترك يضيع شيئاً منه إذا لم يكن له غنى ولا حيلة.
ولم أجد هكذا أحداً ( . . . . ).
قال أحمد : قوله : أنت ومالك لأبيك.
قد رواه الشافعي في كتاب الرسالة عن ابن عيينة عن ابن المنكدر عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً.
(6/119)
4765 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع اخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة . فذكره . وأما ما ذكر من قول عائشة : فكذلك رواه سفيان الثوري عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن عمته عن عائشة أنها قالت : إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه.
4766 - أخبرناه أبو الحسين بن بشران أخبرنا أبو عمرو بن السماك حدثنا حنبل بن إسحاق حدثنا علي بن عبد الله حدثنا يحيى حدثنا سفيان فذكره موقوفاً.
4767 - وبهذا الإسناد عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن عمارة مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ورويناه في كتاب السنن من حديث محمد بن كثير عن سفيان عن منصور موصولاً مرفوعاً.
ورواه الحكم بن عيينة عن عمارة عن أمه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم وزاد : فكلوا من أموالهم.
ورواه يعلى بن عبيد عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه.
4768 - أخبرناه أبو محمد الحسن بن علي بن المؤمل حدثنا أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري قال حدثنا محمد بن عبد الوهاب أخبرنا يعلى بن عبيد حدثنا الأعمش . فذكره.
(6/120)
وكذلك رواه أبو معاوية عن الأعمش.
وكذلك رواه حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم وزاد فيه : إذ احتجتم.
قال الثوري : هذا وهم من حماد.
وقال أبو داود هو منكر.
4769 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أو عمرو بن السماك حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن منصور حدثنا يحيى بن سعيد القطان حدثنا عبيد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أعرابياً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن أبي يحتاج مالي . فقال : أنت ومالك لوالدك إن أطيب ما أكلتم من كسبكم فكلوه هنيئاً.
4770 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه اخبرنا أحمد بن بشر المرثدي حدثنا الفيض بن وثيق حدثنا المنذرين بن زياد الطائي حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال : سمعت أبا بكر الصديق جاءه رجل فقال : إن أبي يريد أن يأخذ مالي كله فيجتاحه.
فقال له - يعني لأبيه - : إنما لك من ماله ما يكفيك.
فقال : يا خليفة رسول الله أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت ومالك لأبيك ؟ فقال : أرض منه بما رضي الله عز وجل.
(6/121)
ورواه غيره عن ابن المنذر بن زياد وقال فيه : فقال : نعم.
وإنما عنى بذلك النفقة.
ومنذر بن زياد غير قوي.
فالله أعلم.
1003 - باب أي الوالدين أحق بالولد
4771 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن زياد بن سعد - قال أبو محمد أظنه - عن هلال بن أبي ميمونة عن أبي ميمونة عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير غلاماً بين أبيه وأمه.
هكذا رواه في رواية الربيع مختصراً.
ورواه في كتاب حرملة فقال : حدثنا سفيان حدثنا زياد بن سعد سمعه من هلال بن أبي ميمونة يحدثه عن أبي ميمونة عن أبي هريرة : أنه أتى رجل فارسي وإمرأة له يختصمان في ابن لهما فقال الفارسي : يا أبا هريرة هذا بَشر.
فقال أبو هريرة : لأقضين بينكما بما شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به.
يا غلام هذا أبوك وهذه أمك فاختر أيهما شئت.
ثم قال أبو هريرة : شهدت النبي صلى الله عليه وسلم أتاه رجل وامرأة يختصمان في ابن لهما فقال الرجل : يا رسول الله ابني - يعني وقالت المرأة ابني يسقيني من بئر أبي عنبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (6/122)
يا غلام هذا أبوك وهذه أمك فاختر أيهما شئت.
4772 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن يونس بن عبد الله الجرمي عن عثمان الجرمي قال : خيرني عليّ بين أبي وعمي ثم قال لأخ لي أصغر مني : وهذا أيضاً لو بلغ مبلغ هذا لخيرته.
قال الشافعي : قال إبراهيم - يعني بن محمد - عن يونس عن عمارة عن عليّ مثله.
وقال في الحديث : وكنت ابن سبع أو ثمان.
وفي رواية الزعفراني عن الشافعي في القديم :
أَخْبَرَنَا سفيان بن عيينة عن يزيد بن يزيد بن جابر عن إسماعيل بن عبيد الله بن المهاجر عن عبد الرحمن بن عثم : أن عمر بن الخطاب خير غلاماً بين أبيه وأمه.
قال الشافعي في القديم : وقال بعض الناس : الأم أحق بالغلام حتى يأكل وحده ويلبس وحدة ثم الأب أحق به ثم الأم أحق بالجارية حتى تحيض.
وساق الكلام إلى أن قال : وقد رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه خير غلاماً بين أبويه وأحدهما مشرك.
ورووه عن عليّ وعن شريح بأحاديث يثبتونها ولم يخالفوهم إلى قول أحد يقوم بقوله عندهم حجة.
قال أحمد : أما الرواية فيه عن عليّ (6/123)
فقد ذكرها في الجديد بالإسناد الذي تقدم ذكره.
وأما الذي رووا فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنما أرادوا - والله أعلم - ما 4773 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى - هو ابن يونس - حدثنا عبد الحميد بن جعفر قال أخبرني أبي عن جدي رافع بن سنان : أنه أسلم وأبت إمرأته أن تسلم فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : ابتني وهي فطيم أو شبهه.
وقال رافع : ابنتي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم.
اقعد ناحية . وقال لها اقعدي ناحية.
فأقعد الصبية بينهما ثم قال : ادعواها.
فمالت الصبية إلى أمها.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم أهدها.
فمالت إلى أبيها فأخذها.
قال الشافعي : وإذا نكحت المرأة فلا حق لها في كينونة ولدها عندها.
4774 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا محمود بن خالد السلمي حدثنا الوليد عن أبي عمرو قال حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو : أن إمرأة قالت : يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء (6/124)
وحجري له حواء وأن أباه طلقني وأراد أن ينزعه مني.
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت أحق به ما لم تنكحي.
قال الشافعي : وإذا تزوجت المرأة ولها أم لا زوج لها فالأم تقوم مقام ابنتها في الولد.
ثم ساق الكلام إلى أن قال :
أَخْبَرَنَا مالك بن أنس - ثم انقطع الحديث من الأصل - وأظنه أراد ما 4775 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أخبرنا أبو عمرو السلمي حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا ابن بكير حدثنا مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال سمعت القاسم بن محمد يقول : كانت عند عمر بن الخطاب إمرأة من الأنصار فولدت له عاصم بن عمر ثم فارقها عمر فركب يوماً إلى قباء فوجد ابنه يلعب بفناء المسجد فأخذ بعضده فوضعه بين يديه على الدابة.
فأدركته جدة الغلام فنازعته إياه فأقبلا حتى أتيا أبا بكر الصديق فقال عمر : ابني . وقالت المرأة : ابني.
فقال أبو بكر : خل بينها وبينه.
فما راجعه عمر الكلام.
قال أحمد : وروينا عن علي بن أبي طالب في تنازعهم في حضانة ابنه حمزة فقال علي (6/125)
أنا آخذها وهي ابنة عمي.
وقال جعفر : ابنة عمي وخالتها تحتي.
وقال زيد بن حارثة ابنة أخي.
فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخالتها وقال : الخالة بمنزلة الأم.
1004 - باب نفقة المماليك
4776 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عجلان عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن عجلان أبي محمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق.
قال أحمد : وهذا الحديث قد رواه عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج.
ومن ذلك الوجه أخرجه مسلم في الصحيح.
4777 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن إبراهيم بن أبي خداش عن عتبة بن لهب أنه سمع ابن عباس يقول في المملوكين % ( أطعموهم مما تأكلون % وأكسوهم مما تلبسون ) %.
(6/126)
قال أحمد : وقد ثبت عن المعرور بن سويد عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
4778 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا عبد الرحمن بن حسن القاضي حدثنا إبراهيم بن الحسين حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا واصل الأحدب قال : سمعت المعرور بن سويد يقول : رأيت أبا ذر الغفاري وعليه حلة وعلى غلامه حلة فسألنا عن ذلك فقال : ساببت رجلاً فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعيرته بأمه.
ثم قال : إن إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم من كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفونهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم عليه.
رواه البخاري في الصحيح عن آدم بن أبي إياس.
وأخرجه مسلم من وجه آخر عن شعبة.
4779 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي في جملة ما قال في هذا الحديث وما قبله : وكان أكثر حال الناس فيما مضى ضيقاً وكان كثير ممن اتسعت حاله مقتصداً ومعاشهم ومعاش رقيقهم متقارباً.
فأما من لم تكن حاله هكذا وخالف معاش السلف والعرب فأكل رقيق الطعام ولبس جيد الثياب فلو آسى رقيقه كان أكرم وأحسن وأتم وإن لم يفعل فله ما قال النبي صلى الله عليه وسلم نفقته وكسوته بالمعروف والمعروف عندنا المعروف بمثله في بلده الذي يكون به.
4780 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن (6/127)
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا كفى أحدكم خادمه طعامه حره ودخانه فليدعه فليجلسه فإن أبى فليروغ له لقمة فليناوله إياها - أو يعطه إياها.
أو كلمة هذا معناها.
أخرجه البخاري في الصحيح من حديث محمد بن زياد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال في الحديث : فليناوله أكلة أو أكلتين.
وأخرجه مسلم من حديث موسى بن يسار عن أبي هريرة وقال : فإن كان الطعام قليلاً فليضع في يده أكلة أو أكلتين.
قال الشافعي في رواية أبي سعيد : وهذا يدل على ما وصفنا من تباين طعام المملوك وطعام سيده إذا أراد سيده طيب الطعام لا أدنى ما يكفيه.
قال الشافعي : والمملوك الذي يلي طعام الرجل مخالف عندنا للمملوك الذي لا يلي طعامه.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : وفي كتاب الله عز وجل ما يدل على ما يوافق بعض معنى هذا . قال الله عز وجل (6/128)
{وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه}.
فأمر الله تعالى أن يرزق من القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين الحاضرون القسمة ولهذا أشباه وهي أن تضيف من جاءك ولا تضيف من لم يقصد قصدك ولو كان محتاجاً إلا أن تطوع.
قال الشافعي : وقال لي بعض أصحابنا في قسمة المواريث.
وقال بعضهم : قسمة الميراث وغيره من الغنائم.
فهذه أوسع وأحب إليّ يعطون ما طاب به نفس المعطي لا يؤقت ولا يحرمون.
قال أحمد : قد روينا ما بلغنا في هذه الآية من أقاويل أهل التفسير في كتاب الوصايا.
قال الشافعي : ومعنى : لا يكلف من العمل إلا ما يطيق.
يعني - والله أعلم - إلا ما يطيق الدوام عليه ليس ما يطيقه يوماً أو يومين أو ثلاثة أو بنحو ذلك ثم يعجز فيما بقي عليه.
وبسط الكلام فيه.
4781 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن عمه أبي سهل عن أبيه أنه سمع عثمان بن عفان يقول في خطبته : لا تكلفوا الصغير الكسب فإنكم متى كلفتموه الكسب سرق ولا تكلفوا الأمة (6/129)
غير ذات الصنعة الكسب فإنكم متى كلفتموها الكسب كسبت بفرجها.
1005 - باب نفقة الدواب
4782 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : وإن كانت لرجل دابة في المصر أو شاة أو بعير علفه ما يقيمه فإن امتنع من ذلك أخذه السلطان بعلفه أو بيعه ثم ساق الكلام إلى أن قال : ولا تحلب أمهات النسل إلا فضلاً عما يقيم أولادهن ولا يحلبها ويتركهن يمتن هزالاً.
4783 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء حدثنا مهدي بن ميمون حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد عن عبد الله بن جعفر قال : أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه فدخل حائطاً لرجل من الأنصار فإذا فيه جمل ( يغني ) فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذرفت عيناه فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح سراته إلى سنامه ودفزيه فسكن . فقال : من رب هذا الجمل لمن هذا الجمل ؟ فجاء فتى من الأنصار فقال : هو لي يا رسول الله . فقال : ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فإنها تشكو إليّ أنك تجيعه وتدئبه.
قال أحمد.
(6/130)
وروينا في الحديث الثابت عن ابن عمر ، وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عذبت إمرأة في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعاً.
وروينا في حديث ضرار بن الأزور قال : أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقحةً فأمرني أن أحلبها فحلبتها فجهدت حلبها فقال : دع داعي اللبن.
4784 - أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن اليشكري حدثنا سلم بن عبد الرحمن قال سمعت سوادة بن ربيع قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته فأمر لي بذود وقال : إذا رجعت إلى بنيك فمرهم فليحسنوا غذاء رباعهم ومرهم فليقلموا أظافرهم لا يعبطوا بها ضروع مواشيهم إذا حلبوا.
4785 - وأخبرنا أبو طاهر الفقيه حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان حدثنا أبو الأزهر حدثنا المعلى بن أسد حدثنا محمد بن حمران حدثنا سلم الجرمي عن سوادة بن الربيع قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأمر لي بذود قال لي : مر بنيك أن يقصوا أظافرهم عن ضروع إبلهم ومواشيهم وقل لهم : فليحتلبوا عليها سخالها لا تدركها السنة وهن عجاف.
(6/131)
وقال لي : هل لك مال ؟ قال : قلت : نعم لي مال إبل وخيل ورقيق . قال : عليك بالخيل فارتبطها فإن الخيل معلق في نواصيها الخير.
رواه البخاري في التاريخ عن معلى وقال في متنه : فليحلبوا عليها سخالها.
تم الجز الثالث يتلوه في الرابع : كتاب الخراج إن شاء الله تعالى وصلواته على سيدنا محمد النبي الأمي وآله وصحبه وسلامه . حسبنا الله ونعم الوكيل والحمد لله وحده.
(6/132)
بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم 33 - كتاب الجراح
1006 - باب تحريم القتل ومن يجب عليه القصاص
4786 - أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ رحمه الله أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي رحمه الله قال : قال الله تبارك وتعالى {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق}.
وذكر سائر الآيات التي وردت في تحريم القتل.
قال : وقال {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما}.
وقال في قتل الوالدان : قال الله جل ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم (6/133)
{قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم} إلى قوله {ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم} وذكر سائر الآيات فيه . وذكر ما 4787 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن أبي معاوية عمرو البجلي قال سمعت عمرو الشيباني يقول سمعت ابن مسعود يقول : سألت النبي صلى الله عليه وسلم قلت : أي الكبائر أكبر ؟ قال : أن تجعل لله نداً وهو خلقك.
قلت : ثم أي ؟ قال : أن تقتل ولدك من أجل أن يأكل معك.
قال أحمد.
ورواه عمرو بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك الوجه أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح.
4788 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر القاضي وأبو زكريا بن أبي إسحاق قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عثمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (6/134)
لا يحل قتل إمرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس.
قال أحمد : هكذا رواه جماعه من الثقات عن حماد بن زيد.
ورواه أيضاً عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك الوجه أخرجاه في الصحيح.
4789 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع اخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله.
4790 - وبهذا الإسناد أخبرنا الشافعي حدثنا يحيى بن حسان عن الليث عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن عبد الله بن عدي بن الخيار عن المقداد أنه أخبره أنه قال يا رسول الله : أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال : أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقتله.
فقلت : يا رسول الله إنه قطع يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (6/135)
لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث الليث.
وأخرجه البخاري من وجه آخر عن الزهري.
4791 - وفيما كتب إليّ أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفرائيني إجازة أن أبا عوانة أخبرهم قال سمعت الربيع بن سليمان يقول سمعت الشافعي يقول - يعني في هذا الحديث : معناه أنه يصير مباح الدم لا أنه يصير مشركاً كما إن كان مباح الدم قبل أن يقول شهادة أن لا إله إلا الله ).
4792 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن أيوب عن أبي قلابة عن ثابت بن الضحاك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث أيوب.
4793 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم بإسناده لا يحضرني ذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقتيل فقال : من به.
فلم يذكر له أحد فغضب ثم قال (6/136)
والذي نفسي بيده لو اشترك فيه أهل السماء وأهل الأرض لكبهم الله في النار.
قال أحمد : روينا معنى هذا في حديث عطاء بن مسلم الخفاف عن العلاء بن المسيب عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عباس.
4794 - وأخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم بإسناد لا أحفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قتل المؤمن يعدل عند الله زوال الدنيا.
4795 - وبإسناده أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من أعان على قتل إمرىءٍ مسلم بشطر كلمة لقي الله مكتوب بين عينيه آيس من رحمه الله.
قال أحمد : قد روينا عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو أنه قال : لقتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا.
وروي ذلك مرفوعاً.
وروينا في الحديث الثاني عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً.
ورواه يزيد بن زياد وقيل : ابن أبي زياد الشامي عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم موصولاً .(6/137)
1007 - باب جماع إيجاب القصاص في العمد
4796 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : قال الله جل ثناؤه {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل}.
قال : لا يقتل غير قاتله.
وهذا يشبه ما قيل . والله أعلم.
قال الله {كتب عليكم القصاص في القتلى}.
فالقصاص : إنما يكون ممن فعل ما فيه القصاص لا ممن لم يفعله.
قال أحمد.
وقد روينا هذا التفسير لقوله {فلا يسرف في القتل}.
عن زيد بن أسلم وطلق بن حبيب.
4797 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال : وجد في قائم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب : أن أعدى الناس على الله القاتل غير قاتله والضارب غير ضاربه ومن تولى غير مواليه فقد كفر بما أنزل الله على محمد.
(6/138)
4798 - وبهذا الإسناد أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن محمد بن إسحاق قال : قلت لأبي جعفر بن علي : ما كان في الصحيفة التي في قراب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : كان فيها : لعن الله القاتل غير قاتله والضارب غير ضاربه ومن تولى غير ولي نعمته فقد كفر بما أنزل على محمد.
4799 - وبهذا الإسناد أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي ليلى عن الحكم أو عن عيسى ابن أبي ليلى عن ابن أبي ليلى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من اعتبط مؤمناً بقتل فهو قود به إلا أن يرضى ولي المقتول فمن حال دونه فعليه لعنة الله وغضبه لا يقبل منه صرف ولا عدل.
4800 - وبهذا الإسناد أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن عبد الملك بن سعيد بن أبجر عن إياد بن لقيط عن أبي رمثة قال : دخلت مع أبي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أبي الذي بظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال دعني أعالج الذي بظهرك فإني طبيب . فقال : أنت رفيق.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من هذا معك.
قال : ابني أشهد به فقال : أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه.
(6/139)
1008 - باب الحكم في قتل العمد
4801 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : من العلم العام الذي لا اختلاف فيه بين أحد لقيته فحدثني وبلغني عنه من علماء العرب أنها كانت قبل نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم تباين في الفضل ويكون بينها ما يكون بين الجيران من قتل العمد والخطأ فكان بعضها يعرف لبعض الفضل في الديات حتى تكون دية الرجل الشريف أضعاف دية الرجل دونه.
فأخذ بذلك بعض من بين أظهرها من غيرها بأقصد مما كانت تأخذ به فكانت دية النضري ضعف دية القرظي.
وكان الشريف من العرب إذا قتل تجاوزوا قاتله إلى من لم يقتله من أشراف القبيلة التي قتله أحدهما وربما لم يرضوا إلا بعدد يقتلونهم . فقتل بعض غنى شأس بن زهير فجمع عليهم أبوه زهير بن جذيمة.
فقالوا له أو بعض من ندب عنهم : سل في قتل شأس.
فقال : إحدى ثلاث لا يرضيني غيرها.
فقالوا : ما هي قال : تحيون لي شأساً أو تملأون ردائي من نجوم السماء أو تدفعون إليّ غنياً بأسرها فأقتلها ثم لا أرى أني أخذت منه عوضاً.
(6/140)
وقتل كليب وائل فاقتتلوا دهراً طويلاً واعتزلهم بعضهم فأصابوا أبناً له يقال له : بجير فأتاهم فقال : قد عرفتم عزلتي فبجير بكليب وكفوا عن الحرب.
فقالوا : بجبر بشسع نعل كليب . فقاتلهم وكان معتزلاً.
قال : فيقال أنه نزل في ذلك وغيره فيما كانوا يحكمون به في الجاهلية هذا الحكم الذي أحكيه بعد هذا.
وحكم الله بالفداء فسوى في الحكم بين عباده الشريف منهم والوضيع {أَفَحُكْمَ الْجَاهِليَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوٍ مٍ يُوقُنونَ}.
فيقال : إن الإسلام نزل وبعض العرب يطلب بعضاً بدماء وجراح فنزل فيهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ في الْقَتْلَى الْحُرُّ بالْحُرِّ والْعَبْدُ بالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيءٌ فَاتبَاعُ بِالْمَعْرُوفٍ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإحْسَانٍ} . الآية والآية بعدها.
قال : لا إنما رواه الشعبي عن الحارث الأعور والحارث مجهول.
ونحن نروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإسناد الثابت أنه بدأ المدعين فلما لم يحلفوا قال : فتبرئكم يهود بخمسين يميناً.
وإذ قال فتبرئكم فلا يكون عليهم غرامة ولما لم يقبل الأنصاريون أيمانهم وداه (6/141)
النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجعل على يهود والقتيل بين أظهرهم شيئاً.
قال : أخبرني بعض أهل العلم عن جرير عن مغيرة عن الشعبي قال : حارث الأعور كان كذاباً.
4802 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا عبد الله بن محمد الكعبي حدثنا إسماعيل بن قتيبة حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا جرير عن مغيرة عن الشعبي قال حدثنا الحارث الأعور . وأشهد بالله إنه كان كذاباً.
قال وروي ذلك عن أبي إسحاق عن الحارث بن الأزمع عن عمر.
قال شعبة : فقلت لأبي إسحاق : من حدثك ؟ قال حدثني مجالد عن الشعبي عن الحارث بن الأزمع.
وقيل : عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عمر . ومجالد غير محتج به واختلف عليه في إسناده وقد 4803 - أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أنه بلغه عن محمد بن يحيى المصري - خادم المزني - قال سمعت ابن عبد الحكم يقول سمعت الشافعي يقول : سافرت إلى خَيْوان ووداعة أربعة عشر سفراً أسألهم عن حكم عمر بن الخطاب في القتيل وأحكي لهم ما روي عنه . فقالوا : إن هذا الشيء ما كان ببلدنا قط.
قال الشافعي : والعرب أحفظ شيء لأمر كان.
وقرأته في كتاب أبي الحسن العاصمي عن أبي بكر محمد بن يحيى بن آدم - خادم المزني - قال : وداعة.
ورواه أيضاً محمد بن إسحاق بن خزيمة عن ابن عبد الحكم بمعناه غير أنه قال (6/142)
ثلاث وعشرين سفرة.
وقال : بين خيوان ووداعة.
قال الشافعي في رواية الربيع : ويروى عن عمر أنه بدأ المدعى عليهم ثم رد الأيمان على المدعين.
4804 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار وعراك بن مالك أن رجلاً من بين سعد بن ليث أجرى فرساً فوطىء على أصبع رجل من جهينة فنزى منها فمات.
فقال عمر بن الخطاب للذين أدعى عليهم.
أتحلفون بالله خمسين يميناً ما مات منها ؟ فأبوا وتحرجوا من الأيمان.
فقال للآخرين : احلفوا أنتم فأبوا.
فقضى عمر بشطر الدية على السعديين.
قال أحمد : قد روينا قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ولو سمع به عمر بن الخطاب ما جاوزه إلى غيره كما روينا عنه في كل ما بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم مما لم يسمعه.
ومن تكلم في دين الله وفي أخبار رسوله صلى الله عليه وسلم فلا ينبغي له أن يحتج في ذلك برواية الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في استحلافه خمسين يميناً من اليهود في قصة الأنصاري ثم جعل عليهم الدية.
ولا برواية عمر بن صبيح عن مقاتل بن حيان عن صفوان عن ابن المسيب عن عمر في قضائه بنحو ذلك وقوله : إنما قضيت عليكم بقضاء نبيكم صلى الله عليه وسلم لإجماع أهل الحديث على ترك الاحتجاج بهما ومخالفتهما في هذه الرواية رواية الثقات الأثبات.
(6/143)
وأما حديث أبي سعيد : أن قتيلاً وجد بين حيين فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقاس إلى أيهما أقرب فوجد أقرب إلى أحد الحيين بشبر فألقى ديته عليهم.
إنما رواه أبو إسرائيل الملائي عن عطية العوفي وكلاهما ضعيف.
وأما القتل بالقسامة ففي : حديث عمرو بن شعيب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قتل بالقسامة رجلاً من بني نضر بن مالك.
وفي حديث أبي المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أقاد بالقسامة بالطائف.
وكلاهما منقطع.
وأصح ما روي في القتل بالقسامة وأعلاه بعد حديث سهل برواية ابن إسحاق : ما رواه عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال حدثني خارجه بن زيد ين ثابت قال : قتل رجل من الأنصار وهو سكران رجلاً آخر من الأنصار من بني النجار في عهد معاوية ضربه بالشوبق حتى قتله ولم يكن على ذلك شهادة إلا لطخ وشبهه.
قال : فاجتمع رأي الناس على أن يحلف ولاة المقتول ثم يسلم إليهم فيقتلوه.
فقال خارجه بن زيد : فركبنا إلى معاوية فقصصنا عليه القصة فكتب معاوية إلى سعيد بن العاص : إن كان ما ذكرنا له حقاً أن يحلفنا على القاتل ثم يسلمه إلينا.
فجئنا بكتاب معاوية إلى سعيد بن العاص فقال : أنا منفذ كتاب أمير المؤمنين فاغدوا على بركة الله فغدونا عليه فأسلمه إلينا سعيد بعد أن حلفنا عليه خمسين يميناً.
وقال أبو الزناد أمر لي عمر بن عبد العزيز فرددت قسامه على سبعة نفر أو خمسة نفر.
4805 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ قراءة عليه أخبرنا أبو الوليد محمد بن(6/144)
إسحاق حدثنا يونس بن عبد الأعلى أن ابن وهب أخبره قال أخبرني ابن أبي الزناد بهذا الحديث.
ورويناه في كتاب السنن من وجه آخر عن ابن أبي الزناد عن أبيه عن خارجه دون ذكر معاوية وسعيد غير أنه قال : وفي الناس يومئذ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن فقهاء التابعين ما لا يحصى وما اختلف إثنان منهم أن يحلف ولاة المقتول ويقتلوا أو يستحيوا.
فحلفوا خمسين يميناً وقتلوا وكانوا يخبرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالقسامة وروينا عن هشام بن عروة في الخطأ الذي قتله الصهيبي فقضى عبد الملك بن مروان بالقسامة والقتل بها.
قال هشام : فلم يذكر ذلك عروة ورأى أن قد أصيب فيه الحق.
وروى ابن أبي مليكه عن عمر بن عبد العزيز وأبي الزبير أنهما أقادا بالقسامة.
ثم ذكر عن عمر بن عبد العزيز أنه رجع عن ذلك.
وروينا في حديث محمد بن راشد عن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقض في القسامة بقود.
وهذا أيضاً منقطع.
وفي جامع الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب قال : القسامة توجب القتل ولا تشيط الدم.
وهذا عن عمر منقطع.
(6/145)
قال ابن المنذر : وروينا هذا القول عن ابن عباس ومعاوية.
هكذا وجدته.
وقد روينا عن معاوية بخلافه.
4806 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن الطيالسي عن عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت عن الشعبي عن مسروق قال : كنت عند علي فأتاه ثلاثة فشهدوا على إثنين أنهما غرقا صبياً وشهد الإثنان على ثلاثة أنهم غرقوه فقضى على الثلاثة بخمس الدية وعلى الثلاثة بثلاثة أخماس الدية.
قال الشافعي : ولسنا ولا أحد علمناه يقول بهذا.
يقولون ليس لولي الدم إلا أن يدعي على إحدى الطائفتين.
وقول الشافعي : إذا قتل بعضهم ولم يدر من قتله قيل للأولياء أقسموا على من شئتم واستحقوا الدية.
هذا إذا جاءوا جميعاً فشهدوا.
4807 - وبهذا الإسناد قال قال الشافعي فيما بلغه عن عباد بن العوام عن عمر بن عامر عن قتادة عن خلاس عن علي : أن غلامين كانا يلعبان نُضليه فقال أحدهما : حذاري . وقال الآخر : حذاري.
فأصاب ثنيته فكسرها.
فرفع إلى عليّ فلم يضمنه.
قال الشافعي : وهم يضمنون هذا ويخالفون ما رووا فيه.
4808 - وبإسناده قال قال الشافعي فيما بلغه عن حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن عبيد بن القعقاع قال : كنت رابع أربعة نشرب الخمر فتطاعنا بمدية كانت معنا فرفعنا إلى علي فسجننا (6/146)
فمات ما اثنان . فقال أولياء المقتولين : أقدنا من الباقين.
فسأل على القوم : ما تقولون ؟ قالوا نرى أن تقدهما.
قال : فلعل أحدهما قتل صاحبه.
فقالوا : لا ندري . قال : وأنا لا أدري.
وسأل الحسن بن علي فقال مثل مقالة القوم.
فأجابه بمثل ذلك.
فجعل دية المقتولين على قبائل الأربعة ثم أخذ دية جراج الباقين.
لم يتكلم على هذا وإنما أورد هذه الآثار إلزاماً للعراقيين بالقصاص.
والثالث أن الهرمزان وإن أقر بالإسلام في الخبر الذي رواه حين مسه السيف فكان قد أسلم قبل ذلك وهو معروف مشهور فيما بين أهل المغازي.
وإنما قال : لا إله إلا الله حين مسه السيف.
إما تعجباً أو سعيداً لما اتهمه به عبيد الله بن عمر.
ومن الدليل على إسلامه قبل ذلك ما 4809 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا أبو الحسن المصري حدثنا مالك بن يحيى حدثنا علي بن عاصم عن داود بن أبي هند عن عامر عن أنس بن مالك . فذكر قصة قدوم الهرمزان على أمير المؤمنين عمر ، وما جرى في أمانه.
قال فقال عمر بن الخطاب : أخرجوا هذا عني سيروه في البحر.
قال الهرمزان : فسمعت عمر يتكلم بكلام بعدي فقلت للذي بعدي : إيش.
قال : قال : اللهم إكسر به.
قال قلت : قال : اللهم غرقه . قال : لا إنما قال : اللهم إكسر به . قال : فلما حمل في السفينة فسارت غير بعيد ففتح ألواح السفينة.
(6/147)
فقال الهرمزان : فوقعت في البحر فذكرت قوله أنه لم يقل : اللهم غرقه فرجوت أن أنجو فاستجيبت فنجوت فأسلم.
فهو ذا أنس بن مالك قد أخبر بإسلامة قبل ذلك بزمان.
4810 - وأخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقفي عن حميد عن أنس بن مالك قال : حاصرنا تستر فنزل الهرمزان على حكم عمر . فذكر الحديث في قدومه به على عمر وما جرى في أمانه قال أنس وأسلم وفرض له يعني أسلم الهرمزان وفرض له عمر.
وروينا عن جبير بن حَيَّةَ في حديث الأهواز قصة الهرمزان مع عمر ، وقول عمر : أما لي فأسلم.
قال : نعم فأسلم.
4811 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس الأصم حدثنا الحسن بن علي بن عفان حدثنا يحيى بن آدم حدثنا الحسن بن صالح عن إسماعيل بن أبي خالد قال فرض عمر رضي الله عنه للهرمزان دهقان الأهواز ألفين حين أسلم.
4812 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا يعقوب بن سفيان أخبرنا الحميدي حدثنا عمرو بن دينار عن ابن شهاب عن عبيد الله بن خليفة قال رأيت الهرمزان مع عمر بن الخطاب رافعاً يديه يهل أو يكبر.
قال أحمد : ولو اقتصر هذا الشيخ على ما احتج به مشايخه لم يقع له هذا الخطأ الفاحش.
لكنه يعرب ويخطىء ولا يستوحش من رد الأخبار الصحيحة ومعارضتها بأمثال هذا والله المستعان.
4813 - وأخبرنا أبو الحسن علي بن محمد السُبعي في آخرين قالوا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا بحر بن نصر حدثنا ابن وهب قال أخبرني أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (6/148)
لا يقتل مؤمن بكافر.
وروينا في حديث عائشة وعمران بن حصين ومعقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الحديث الذي 4814 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا محمد بن الحسن أخبرنا إبراهيم بن محمد عن محمد بن المنكدر عن عبد الرحمن بن البيلماني : أن رجلاً من المسلمين قتل رجلاً من أهل الذمة فرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أنا أحق من أوفى بذمته ثم أمر به فقتل.
4815 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا محمد بن الحسن أخبرنا أو حنيفة عن حماد عن إبراهيم : أن رجلاً من بكر من وائل قتل رجلاً من أهل الحيرة فكتب فيه عمر بن الخطاب أن يدفع إلى أولياء المتقول فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا.
فدفع الرجل إلى ولي المقتول إلى رجل يقال له حنين من أهل الحيره فقتله.
فكتب عمر بعد ذلك : إن كان الرجل لم يقتل فلا تقتلوه.
فرأوا أن عمر أراد أن يرضيهم من الدية.
4816 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا محمد بن الحسن أخبرنا محمد بن يزيد أخبرنا سفيان بن(6/149)
حسين عن الزهري أن ابن شاس الجذامي قتل رجلاً من أنباط الشام فرفع إلى عثمان فأمر بقتله فكلمه الزبير وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهوه عن قتله.
قال : فجعل ديته ألف دينار.
4817 - وبهذا الإسناد أخبرنا الشافعي أخبرنا محمد بن الحسن - وفي كتاب أبي سعيد قال - قال محمد أخبرنا قيس بن الربيع عن أبان بن تغلب عن الحسن بن ميمون عن عبد الله بن عبد الله مولى بني هاشم عن أبي الجنوب الأسدي قال : أَتي علي بن أبي طالب برجل من المسلمين قتل رجلاً من أهل الذمة.
قال : فقامت عليه البينة فأمر بقتله.
فجاء أخوه فقال : قد عفوت.
قال : فلعلهم هددوك أو فرقوك وفزعوك قال : لا ولكن قتله لا يرد عليّ أخي وعوضوني فرضيت.
قال : أنت أعلم من كان ذمياً فدمه كدمنا وديته كديتنا.
زاد أبو سعيد في روايته قال : وأخبرنا محمد بن الحسن قال أخبرنا ابن المبارك عن معمر قال حدثني من شهد قتل رجل بذمي بكتاب عمر بن عبد العزيز.
قال أحمد : فقد كفانا الشافعي : الجواب عن هذه الأخبار وذلك فيما 4818 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : قال قائل : فقد روينا من حديث ابن البيلماني أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل مؤمناً بكافر.
قلنا أفرأيت لو كنا نحن وأنت نثبت المنقطع بحسن الظن بمن روى فروى حديثان أحدهما منقطع والآخر متصل بخلافه.
(6/150)
أيهما كان أولى بنا أن نثبته الذي تبيناه وقد عرفنا من رواه بالصدق والذي تبيناه بالظن قال بالذي تبيناه متصلاً.
قلنا فحديثنا متصل وحديث ابن البيلماني منقطع وحديث ابن البيلماني خطأ وإنما روى ابن البيلماني فيما بلغني أن عمرو بن أمية قتل كافراً كان له عهد إلى مدة وكان المقتول رسولاً فقتله النبي صلى الله عليه وسلم.
فلو كان ثابتاً كنت أنت قد خالفت الحديثين حديثناً وحديث ابن البيلماني.
قال : والذي قتله عمرو بن أمية قبل بني النضير وقبل الفتح بزمان.
وخطبة النبي صلى الله عليه وسلم : لا يقتل مسلم بكافر.
عام الفتح.
فلو كان كما يقول كان منسوخاً.
قال : فِلَمَ لم تقل به وتقول هو منسوخ ؟ وقلت : هو خطأ.
قلت : عاش عمرو بن أمية بعد النبي صلى الله عليه وسلم دهراً.
وأنت إنما تأخذ العلم من بُعْد ليس لك به مثل معرفة أصحابنا وعمرو قتل اثنين وداهما النبي صلى الله عليه وسلم ولم يزد النبي صلى الله عليه وسلم عمراً على أن قال : قتلت رجلين لهما مني عهد لا دينهما.
قال : فأنا إنما قلت بهذا مع ما ذكرنا بأن عمر كتب في رجل من بني شيبان قتل رجلاً من أهل الحيرة فكتب أن اقتلوه.
ثم كتب بعد ذلك لا تقتلوه.
قلنا : أفرأيت لو كتب أن اقتلوه وقتل ولم يرجع عنه أكان يكون في أحد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة ؟ قال : فلا.
قلنا : فأحسن حالك أن تكون احتججت بغير حجة أرأيت لو لم يكن فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء نقيم الحجة عليك به ولم يكن فيه إلا ما قال عمر أكان يحكم ثم يرجع عنه إلا عن علم بلغه هو أولى من قوله أو أن يرى أن الذي رجع إليه أولى به من الذي قال فيكون قوله راجعاً أولى أن تصير إليه.
(6/151)
قال : فلعله أراد أن يرضيه بالدية.
قلنا : فلعله أراد يخيفه بالقتل ولا يقتله.
قال : ليس هذا في الحديث.
قلنا : وليس ما قلت به في الحديث.
قال : فقد رويتم عن عمرو بن دينار أن عمر كتب في مسلم قتل نصرانياً : إن كان القاتل قتالاً فاقتلوه وإن كان غير قتال فَدوه ولا تقتلوه.
قلنا : فقد رويناه فإن شئت فقل هو ثابت ولا تنازعك فيه.
قال : فإن قتله ؟ قلت : فاتبع عمر كما قال فأنت لا تتبعه فيما قال.
قال : ولا نسمعك تحتج بما عليك.
قال : فيثبت عندكم عن عمر في هذا شيء ؟ قلنا : ولا حرف.
وهذه أحاديث منقطعات أو ضعاف أو تجمع الإنقطاع والضعف جميعاً.
قال : فقد روينا فيه أن عثمان بن عفان أمر بمسلم قتل كافراً أن يقتله فقام إليه ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعوه فوداه ألف دينار ولم يقتله.
فقلت : هذا من حديث من يجهل فإن كان غير ثابت فدع الاحتجاج به وإن كان ثابتاً فعليك فيه حكم ولك فيه آخر فقل به حتى نعلم أنك قد اتبعته على ضعفه.
قال وما عليَّ منه.
قلنا : زعمت أنه أراد قتله فمنعه أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع لهم.
فهذا عثمان وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مجمعون أن لا يقتل مسلم بكافر فقد خالفتم.
قال : فقد أراد قتله.
(6/152)
قلنا : فقد رجع فالرجوع أولى به.
قال أحمد : قد روينا عن علي بن المديني ثم عن صالح بن محمد الحافظ ثم عن أبي الحسن الدارقطني الحافظ أنهم ضعفوا حديث ابن البيلماني.
قال أبو الحسن فيما 4819 - أخبرني أبو عبد الرحمن عنه : ابن البيلماني ضعيف لا تقوم به حجة إذا وصل الحديث . فكيف بما يرسله ؟ وقال أبو عبيدة : هذا حديث ليس بمسند ولا يجعل مثله إماماً تسفك به دماء المسلمين.
قال أبو عبيد : وقد أخبرني عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الواحد بن زياد قال : قلت لزفر : إنكم تقولون : إنا نذراً الحدود بالشبهات وإنكم جئتم إلى أعظم الشبهات فأقدمتم عليها.
قال : وما هو ؟ قال : قلت : المسلم يقتل بالكافر.
قال : فاشهد أنت على رجوعي عن هذا.
4820 - أخبرناه أبو عبد الرحمن السلمي أخبرنا أبو الحسن الكارزي أخبرنا علي بن عبد العزيز عن أبي عُبيدة . فذكره.
وروينا عن مكحول في قتل عبادة بن الصامت نبطياً وقول عمر إجلس للقصاص.
(6/153)
فقال زيد بن ثابت : أتقيد عبدك من أخيك ؟ فترك عمر القود وقضى عليه بالدية.
وفي حديث يحيى بن سعيد الأنصاري.
فقال المسلمون ما ينبغي هذا ولم يسم القاتل.
وفي حديث عمر بن عبد العزيز في مثل هذه القصة فقال أبو عبيدة بن الجراح : أرأيت لو قتل عبداً له أكنت قاتله به ؟ فصمت عمر بن الخطاب.
وروينا بإسناد موصول عن سالم عن ابن عمر.
أن رجلاً مسلماً قتل رجلاً من أهل الذمة عمداً ورفع إلى عثمان فلم يقتله.
وأما الذي روي عن علي في قتل المسلم بالذمي.
فإنما رواه عنه أبو الجنوب وأبو الجنوب ضعيف الحديث . قاله الدارقطني فيما 4821 - أخبرني أبو عبد الرحمن عنه.
وقاله غيره أيضاً.
قال الشافعي في القديم : وفي حديث أبي جحيفة عن علي ما دلكم أن علياً لا يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فيقول بخلافه ؟ (6/154)
قال ابن المنذر : وقد ثبت عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب أنهما قالا : لا يقتل مؤمن بكافر.
وروي عن عمر ، وزيد بن ثابت.
وبالله التوفيق.
1009 - باب منع قتل الحر بالعبد
4822 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : وإنما منعنا من قود العبد من الحر ما لا اختلاف شيئاً فيه والسبب الذي قلناه له مع الإتباع أن الحر كامل الأمر في أحكام الإسلام والعبد ناقص في أحكام الإسلام وبسط الكلام في شرحه.
ثم ناقضهم لمنعهم القصاص بينهما في الجراح ولعله أراد بالإتباع ما روينا عن عمرو بن شعيب عن أبينه عن جده أن أبا بكر وعمر كانا لا يقتلان الحر بقتل العبد.
4823 - ِأخبرناه أبو بكر بن الحارث أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا محمد بن الحسن المقرئ حدثنا أحمد بن العباس الطبري حدثنا إسماعيل بن سعيد حدثنا عباد بن العوام عن عمر بن عامر والحجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فذكره.
4824 - وأخبرنا الإمام أبو عثمان أخبرنا زاهر بن أحمد حدثنا أبو القاسم البغوي حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عباد بن العوام عن حجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أن أبا بكر وعمر كانا لا يقيدان الحر بالعبد.
(6/155)
وروينا عن بكير بن عبد الله بن الأشج أنه قال : مضت السُنة بأن لا يقتل الحر المسلم بالعبد.
وروي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
4825 - أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا محمد بن أحمد بن عبدك حدثنا عمرو بن تميم حدثنا أبو غسان حدثنا إسرائيل عن جابر عن عامر قال قال علي : من السُّنة أن لا يقتل مسلم بذي عهد ولا حر بعبد.
تابعه وكيع بن الجراح عن إسرائيل.
وروي عن الحكم بن عتبة عن علي وعبد الله في الحر يقتل العبد ؟ قالا : القود.
وفي رواية أخرى عن الحكم قال : قال علي وابن عباس : إذا قتل الحر العبد متعمداً فهو قود.
وهذا لا يثبت لانقطاعه.
ولا الأول لتفرد جابر الجعفي به.
وروي عن عبد الله بن الزبير أنه لم يقد حراً بعبد.
ذكره ابن المنذر.
وروينا عن عطاء والحسن والزهري أنهم قالوا : لا يقتل الحر بالعبد.
وبه قال عكرمة وعمرو بن دينار وعمر بن عبد العزيز وأما حديث الحسن عن سمرة بن جندب : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من قتل عبده قتلناه ومن جدعه جدعناه ومن خصاه خصيناه.
(6/156)
فذهب جماعة من الحفاظ إلى أن الحسن عن سمرة كتاب وأنه لم ينتفع منه بغير حديث العقيقة.
وقد روى قتادة عنه هذا الحديث.
قال قتادة : ثم أن الحسن نسي هذا الحديث فقال : لا يقتل حر بعبد.
قال أحمد : ويحتمل أنه لم ينس الحديث لكن رغب عنه لضعفه أو عرف ما نسخه والله أعلم.
وقد روى إسماعيل بن عياش عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن علي : أن رجلاً قتل عبداً له فجلده رسول الله صلى الله عليه وسلم مِئَة ونفاه سنة ومحا سهمه من المسلمين ولم يقده به.
وعن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك.
4826 - أخبرناه أبو حازم الحافظ أخبرنا أبو الفضل بن خميرويه حدثنا أحمد بن نجدة حدثنا سعيد بن منصور حدثنا إسماعيل بن عياش حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي فروه . فذكره بالإسنادين.
وهذا مما لا تقوم به الحجة لضعف إسحاق وإسماعيل.
وقد قيل عن إسماعيل عن الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وزاد : وأمره أن يعتق رقبة.
(6/157)
وقد روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في عبد أبصره سيده - أظنه قال - : يقبل جارية له فغاز فجب مذاكيره.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليّ بالرجل.
فطلب فلم يُقدر عليه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذهب فأنت حر.
فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم على من نصرتي ؟ قال : على كل مسلم.
أو قال : على كل مؤمن.
4827 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن الحسن بن تسنيم العتكي حدثنا محمد بن بكير حدثنا سوار أبو حمزة حدثنا عمرو بن شعيب . فذكره.
ورواه أيضاً المثنى بن الصباح عن عمرو.
وروي فيه عن عمر ، ولم يثبت إسناده والله أعلم.
وروي عن ابن عباس أنه لم ير قتله يقيده وقال : ليعتق رقبة أو ليصم شهرين متتابعين.
(6/158)
1010 - باب قيمة العبد إذا قتل
4828 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله في العبد يقتل : فيه قيمته بالغة ما بلغت.
قال الشافعي : وهذا يروى عن عمر ، وعلي رضي الله عنهما.
ثم جعله قياساً على البعير يقتل والمتاع يستهلك.
قال أحمد : وقد روينا عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن عمر ، وعلي في الحر يقتل العبد قالا : ثمنه بالغاً ما بلغ.
وهذا قول سعيد بن المسيب والحسن والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله.
1011 - باب الرجل يقتل ابنه
4829 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن شعيب : أن رجلاً من بني مدلج يقال له : قتادة حذف ابنه بسيف فأصاب ساقه فُنزي في جرحه فمات.
فقدم سراقة بن جعشم على عمر بن الخطاب فذكر ذلك له فقال عمر (6/159)
أُعدد لي على قُديد عشرين ومِئَة بعير حتى أقدم عليك فلما قدم عمر أخذ من تلك الإبل ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة ثم قال : أين أخو المقتول ؟ قال : ها أنا ذا . قال : خذها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ليس لقاتل شيء.
زاد أو عبد الله في روايته.
قال الشافعي : وقد حفظت عن عدد من أهل العلم لقيتهم : أن لا يقتل الوالد بالولد.
وبذلك أقول.
قال أحمد : هذا الحديث منقطع وهو في القود غير مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم فأكره الشافعي بأن عامة أهل العلم يقولون به.
وقد روي موصولاً مرفوعاً في القود.
4830 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أخبرنا علي بن إبراهيم بن معاوية النيسابوري حدثنا محمد بن مسلم بن وارة قال حدثني محمد بن سعيد بن سابق حدثنا عمرو - يعني ابن أبي قيس - عن منصور عن محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص فذكر قصة وقال فيها عن عمر بن الخطاب : لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يقاد الأب لابنه لقتلتك هلم ديته فأتاه بها.
(6/160)
فدفعها إلى ورثته وترك أباه.
وهذا إسناد صحيح.
رواه الدارقطني عن ابن مخلد وغيره عن ابن وراة ورواه الحجاج بن أرطاة عن عمرو بإسناده مرفوعاً في إقادة الابن من أمه دون الأب من ابنه والحجاج غير محتج به.
ورواه الحكم بن عتيبة عن عرفجة عن عمر مرفوعاً : ليس على الوالد قود من ولد.
ورواه إسماعيل المكي ضعيف غير أن عبيد الله بن الحسن العنبري قد تابعه على روايته عن عمرو.
1012 - باب القود بين الرجال والنساء وبين العبيد فيما دون النفس
قال البخاري في الترجمة.
وذكره ابن المنذر يذكر عن عمر بن الخطاب أنه قال : تقاد المرأة من الرجل في كل عمد يبلغ نفسه فما دونها من الجراح.
قال البخاري : وبه قال عمر بن عبد العزيز وأبو الزناد عن أصحابه.
قال البخاري : وجرحت أخت الربيع إنساناً فقال النبي صلى الله عليه وسلم : القصاص.
(6/161)
قال أحمد : وروينا عن عمر بن الخطاب فيما كتب عمر بن عبد العزيز : يقاد المملوك من المملوك في كل عمد يبلغ نفسه فيما دون ذلك.
وروي عن علي أنه قال : تجري جراحات العبيد على ما تجري عليه جراحات الأحرار.
وروى علي بن أبي طلحة في التفسير عن ابن عباس مثل قول عمر.
وروي عن زيد بن ثابت مرسلاً نحو قوله الأول وقد ذكرنا أسانيد الأكثر من هذه الآثار في كتاب السنن.
قال الشافعي : وإذا كانت النفس التي هي الأكثر بالنفس فالذي هو أقل أولى أن يكون بالذي هو أقل.
قال : وليس القصاص من العقل بسبيل وبسط الكلام فيه.
1013 - باب النفر يقتلون الرجل ويصيبونه بجرح
4831 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو زكريا وأبو بكر قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب : أن عمر بن الخطاب قتل نفراً خمسة أو سبعة برجل قتلوه قتل غيلة.
وقال عمر : لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعاً.
قال الشافعي في رواية أبي عبد الله : وقد سمعت عدداً من المفتين وبلغني عنهم يقولون (6/162)
إذا قتل الرجلان أو الثلاثة أو أكثر الرجل عمداً فلوليه قتلهم معاً.
وروى البخاري في الترجمة بإسناد صحيح عن ابن عمر : أن غلاماً قتل غيلة.
فقال عمر : لو اشترك فيه أهل صنعاء لقتلتهم.
قال وقال مغيرة بن حكيم عن أبيه : أن أربعة قتلوا صبياً . فقال عمر . مثلة.
قال أحمد : وروى معناه عن علي.
4832 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : عن سفيان عن مطرف عن الشعبي عن رجلين أتيا علياً يشهداً على رجل أنه سرق . فقطع علي يده.
ثم أتياه بآخر . فقالا : هذا الذي سرق وأخطئنا على الأول.
فلم يجز شهادتهما على الآخر وعزمهما دية يد الأول وقال : لو أعلمكما تعمدتما لقطعتكما.
ذكره البخاري في ترجمة الباب.
وروي عن علي : أنه قتل ثلاثة نفر برجل.
وعن المغيرة بن شعبة : أنه قتل سبعة.
وبه قال سعيد بن المسيب والشعبي وأبو سلمة بن عبد الرحمن والحسن البصري.
1014 - باب صفة قتل العمد وشبه العمد والخطأ
4833 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله (6/163)
القتل ثلاثة وجوه : عمد : وهو ما عمده المرء بالحديد الذي هو وحي الإتلاف وبما الأغلب أنه لا يعاش من مثله بكثرة الضرب وتتابعه أو عظيم ما يضرب به مثل فضخ الرأس وما أشبهه فهذا كله عمد.
والخطأ : كل ما ضرب الرجل أو رمي يريد شيئاً فأصاب غيره.
وسواء كان ذلك بحديد أو غيره.
وشبه العمد : وهو ما عمد بالضرب الخفيف بغير الحديد مثل الضرب بالسوط أو العصا أو اليد فأتى على بدن المضروب فهذا العمد في الفعل.
القتل في الخطأ : وهو الذي يعرفه العامة بشبه العمد وفي هذا الدية مغلظة فيه ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعة خلفه ما بين ثنية إلى بازل عامها.
4834 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن علي بن زيد بن جدعان عن القاسم بن ربيعة عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألا إن في قتل العمد الخطأ بالسوط أو العصا مِئَة من الإبل مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها.
4835 - وأخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا شافع بن محمد أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان حدثنا علي بن جدعان عن القاسم بن ربيعة عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على درجة الكعبة يوم الفتح فقال : الحمد لله الذي صدق وعده ونصر عبده وهزم ألا أن قتل العمد الخطأ بالسوط أو العصا فيه مِئَة من الإبل مغلظة منها أربعون خلفه في بطونها أولادها ألا وإن كل (6/164)
مأثرة ودم ومال كان في الجاهلية فهو تحت قدمي هاتين إلا ما كان من سقاية الحاج وسدانة البيت فإني أمضيها لأهلها كما كانتا.
4836 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاووس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من قتل في عمية في رميا تكون بينهم بحجارة أو جلد بالسوط أو ضرب بعصا فهو خطأ عقله عقل الخطأ ومن قتل عمداً فهو قود يده فمن حال دونه فعليه لعنة الله وغضبه لا يقبل منه صرف ولا عدل.
قال أحمد : الحديث الأول : رواه حماد بن زيد عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه أبو داود في السنن.
والحديث الثاني : مرسل وقد رواه سليمان بن كثير عن عمرو بن دينار عن طاووس عن ابن عباس موصولاً.
وأخرجه أبو داود في السنن.
وقوله : فهو خطأ عقله عقل الخطأ.
يشبه أن يكون المراد فهو شبه خطأ لا يجب به القود كالحديث الأول . والله أعلم.
(6/165)
والأصل في وجوب القصاص بالمثل من طريق السنة ما
4837 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا عفان حدثنا همام حدثنا قتادة عن أنس : أن جارية رضخ رأسها بين حجرين فقيل لها : من فعل هذا بك أفلان أفلان حتى سمى اليهود فأومت برأسها فبعث إلى اليهود فاعترف فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضخ رأسه بين حجرين.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث همام بن يحيى.
وروينا عن زياد بن علاقة عن مرداس : أن رجلاً رمى رجلاً بحجر فقتله فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فأقاده منه.
4838 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا عثمان بن عمر الضبي حدثنا مسدد حدثنا محمد بن جابر عن زياد بن علاقة عن مرداس فذكره.
تابعه الوليد بن أبي أيوب عن زياد بن علاقة.
ورواه الحجاج بن أرطاة عن زياد بن علاقة قال : أخبرنا أشياخنا الذين أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم . فذكره.
وأما حديث المرأة التي ضربت ضرتها بعمود فسطاط ؛
فقد روى أبو عاصم عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن طاووس عن ابن عباس أن عمر سأل الناس في الجنين فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال : كنت بين امرأتين لي فضربت إحداهما الأخرى بعمود في بطنها جنين فقتلتها ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة وقضى أن تقتل المرأة بالمرأة.(6/166)
4839 - أخبرناه أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد ، حَدَّثَنا أبو عاصم فذكره.
وذكره أيضًا عبد الرَّزَّاق ، ومحمد بن بكر ، عَن ابنِ جُرَيج ، وذكرا في الحديث ؛ أن عَمرو بن دينار شَكَّ في قتل المرأة بالمرأة ، فأخبره ابنُ جُرَيج ، عَن ابنِ طاووسٍ ، عَن أَبيه ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَضى بِدِيتهَا ، وبِغُرَّةٍ في جنينها.
وقد يضربها ضربا الأغلب منه أن لا تموت منه لا يجب به القصاص . والله أعلم.
وروينا عن عمر بن الخطاب ما دل على وجوب القصاص بالضرب بالعصا وغيره إذا كان مثله يقتل ، والله أعلم.
وروي عن علي أنه قال : العمد كله قود.
وروي عن ابن عباس أنه قال في رجل أحرق داراً على قوم فاحترقوا قال يقتل.
ذكره ابن المنذر عنهما.
وأما حديث النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم : كل شيء خطأ إلا السيف.
فمداره على جابر الجعفي وقيس بن الربيع وهما غير محتج بهما.
وقد روي في بعض ألفاظه أن لكل شيء خطأ إلا السيف.
وقد احتج الشافعي في جواز وقوع قتل الخطأ بالحديد بحديث أبي حذيفة بن اليمان قتل يوم أحد بالحديد . وحذيفة يقول : أبي أبي قال أحمد(6/167)
قد رواه الشافعي في موضع آخر بإسناده.
وروينا عن ابن شهاب عن عروة أنه قال : أخطأ به المسلمون يومئذ فتوشقوه بأسيافهم يحسبونه من العدو وحذيفة يقول : أبي أبي فلم يفقهوا قوله حتى فرغوا منه فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أحمد : واختلف الحديث في المرأة التي سمت رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر : فروي أنه لم يتعرض لها.
وروي أنه أكل من تلك الشاة المسمومة بشر بن البراء فمات فقتلها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فيحتمل أنه لم يتعرض لها في الابتداء فلما مات منه بشر بن البراء أمر بقتلها وهذا هو الأظهر ، والله أعلم.
1015 - باب الحال التي إذا قتل بها الرجل أقيد منه
4840 - أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس عن الربيع قال قال الشافعي : قد خرق معاء عمر بن الخطاب من موضعين وعاش ثلاثاً ولو قتله أحد في تلك الحال كان قاتلاً.
وبرىء الذي جرحه من القتل في الحكم.
1016 - باب قتل الإمام
4841 - أنبأئي أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس عن الربيع قال قال الشافعي(6/168)
بلغنا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه ولى رجلاً على اليمن فأتاه رجل أقطع اليد والرجل فذكر أن والي اليمن ظلمه.
فقال : لأن كان ظلمك لأقتد لك منه.
قال الشافعي : وبهذا نأخذ.
قال أحمد : قد روينا معنى هذا في حديث طويل عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة.
وعن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر.
وروينا عن بكير بن الأشج عن عبيدة بن مسافع عن أبي سعيد الخدري قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم شيئاً أقبل رجل فأكبه عليه فطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرجون كان معه فجرح الرجل.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : تعالى واستقد.
فقال : بل عفوت يا رسول الله.
4842 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ في آخرين قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا بحر بن نصر حدثنا ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج فذكره.
4843 - وأخبرناه أبو علي الروذباري حدثنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب عن عمرو فذكره بإسناده مثله إلا أنه قال : يقسم قسماً.
(6/169)
وقال : فجرح بوجهه.
وروينا عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم مصدقاً فلاجّه رجل في صدقته فضربه أبو جهم فشجه فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا القود يا رسول الله.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم.
( لكم كذا وكذا.
فلم يرضوا . فقال لكم كذا وكذا.
فلم يرضوا . فقال لكم كذا وكذا.
فرضوا . وذكر الحديث.
هكذا رواه معمر موصولاً.
ورواه يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال : بلغنا . فذكره منقطعاً.
ومعمر بن راشد حافظ قد أقام إسناده فقامت به الحجة.
وروينا عن أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان : أعطوا القود من أنفسهم فلم يستقد منهم وهم سلاطين.
4844 - أخبرناه محمد بن موسى حدثنا محمد بن يعقوب حدثنا بحر بن نصر حدثنا ابن وهب قال أخبرني ابن أبي ذئب عن ابن شهاب فذكره.
4845 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن حماد عن قتادة عن خلاس عن علي قال(6/170)
إذا أمر الرجل عبده أن يقتل رجلاً فإنما هو كسيفه أو كسوطه يقتل الولي ويحبس العبد في السجن.
قال ابن المنذر.
قال أبو هريرة : يقتل الأمر ولا يقتل العبد.
وبه قال الشافعي في العبد إذا كان أعجمياً لا يعقل أو صبياً.
4846 - وأخبرنا أبو سعيد في موضع آخر قال حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي فيما حكي عن محمد بن الحسن أخبرنا إسماعيل بن عياش الحمصي حدثنا عبد الملك بن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أنه قضى في رجل قتل رجلاً متعمداً وأمسكه آخر قال : يقتل القاتل ويحبس الآخر في السجن حتى يموت.
قال الشافعي : حد الله تبارك وتعالى الناس على الفعل نفسه وجعل فيه القود وتلى الآيات التي وردت فيه وفي الحدود فلو أن رجلاً حبس رجلاً لرجل فقتله قتل به القاتل وعوقب الحابس.
ثم ناقض محمد بن الحسن فيما أدخل على أهل المدينة حين قال بعضهم يقتل كلاهما بما قال في قتل الردة وفي قطاع الطريق.
قال الشافعي : وروى محمد بن الحسن عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : يقتل القاتل ويحبس الممسك حتى يموت.
(6/171)
وهو لا يحبسه حتى يموت فيخالف ما احتج به.
قال أحمد : روايات إسماعيل بن عياش عن ابن جريج ضعيفة.
وعطاء عن علي مرسل.
وقد رواه سفيان الثوري عن جابر الجعفي عن عامر الشعبي عن علي قال : يقتل القاتل ويحبس الممسك.
وجابر غير محتج به.
وروى سفيان وغيره عن إسماعيل بن أمية قال : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجل أمسك رجلاً وقتل الآخر . قال : يقتل القاتل ويحبس الممسك.
وهذا منقطع.
وروي عن أبي داود الحفري عن سفيان وعن إسماعيل عن نافع عن ابن عمر.
موصولاً ، والصواب مرسل.
1017 - باب الخيار في القصاص
4847 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو زكريا وأبو بكر قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا معاذ بن موسى عن بكر بن معروف عن مقاتل بن حيان قال مقاتل : أخذت هذا التفسير عن نفر حفظ معاذ منهم : مجاهد ، الحسن ، الضحاك بن مزاحم في قوله عز وجل {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيءٌ فَاتِّبَاعُ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَآءُ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} إلى آخر الآية.
(6/172)
قال : كان كتب على أهل التورارة : من قتل نفساً بغير نفس حق أن يقاد بها ولا يعفى عنه ولا تقبل منه الدية.
وفرض على أهل الإنجيل أن يعفى عنه ولا يقتل ورخص لأمة محمد صلى الله عليه وسلم إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية وإن شاء عفا وذلك قوله {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رِّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ).
يقول الدية تخفيف من الله إذ جعل الدية ولا يقتل.
ثم قال {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ ).
يقول من قتل بعد أخذه الدية فله عذاب أليم.
وقال في قوله {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون}.
يقول لكم في القصاص حياة ينتهي بها بعضكم عن بعض أن يصيب مخافة أن يقتل.
4848 - وأخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة أخبرنا عمرو بن دينار قال سمعت مجاهداً يقول سمعت ابن عباس يقول : كان في بني إسرائيل القصاص ولم يكن فيهم الدية فقال الله لهذه الأمة {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ والْعَبْدُ باِلْعَبْدِ وَالأُنَثى بالأنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ}.
قال : العفو أن يقبل الدية في العمد.
(6/173)
{فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم}.
مما كتب على من كان قبلكم.
{فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم}.
أخرجه البخاري في الصحيح.
قال الشافعي في رواية أبي عبد الله : وما قال ابن عباس في هذا كما قال . والله أعلم.
وكذلك قال مقاتل.
وتقضي مقاتل فيه أكثر من تقضي ابن عباس.
والتنزيل يدل على ما قال مقاتل لأن الله جل ثناؤه إذ ذكر القصاص ثم قال {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}.
لم يجز والله أعلم أن يقال إن عُفي أن صُولح عن أخذ الدية . لأن العفو ترك حق بلا عوض فلم يجز إلا أن يكون إن عُفي عن القتل فإذا عفا لم يكن إليه سبيل وصار للعافي القتل مال في مال القاتل وهو دية قتيله فيتبعه بمعروف ويؤدي إليه القاتل بإحسان ولو كان إذا عفا عن القاتل لم يكن له شيء لم يكن للعافي أن يتبعه ولا على القاتل شيء يؤديه بإحسان.
قال : وقد جاءت السنة مع بيان القرآن بمثل معنى القرآن.
4849 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن ابن أبي ذئب(6/174)
عن سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله تعالى حرم مكة ولم يحرمها الناس فلا يحل لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً ولا يعضد بها شجراً فإن ارتخص أحد فقال : أحلت لرسول الله فإن الله أحلها لي ولم يحلها للناس وإنما أحلت لي ساعة من النهار ثم هي حرام كحرمتها بالأمس ثم إنكم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل وإنا والله عاقلة من بعده قتيلاُ فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا العقل.
4850 - وأخبرنا أبو سعيد - في كتاب الديات - وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن ابن شريح الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين إن أحبوا فلهم العقل وإن أحبوا فلهم القود.
قال وأخبرنا الثقة عن معمر بن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أو مثل معناه.
وحديث أبي هريرة مخرج في الصحيحين من حديث شيبان والأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير.
وقال بعضهم في الحديث : ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يعطى الدية وإما أن يقاد أهل القتيل.
(6/175)
وقال بعضهم : إما أن يؤدوا وإما أن يقاد.
وقال بعضهم : إما أن يقاد أو إما أن يفادى.
وهذا الاختلاف في لفظ حديث أبي هريرة من أصحاب يحيى بن أبي كثير فاللفظ الذي يوافق حديث أبي شريح أولى.
وقد روى حديث أبي شريح من وجه آخر كذلك وذلك فيما 4851 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أبو زرعة الدمشقي حدثنا أحمد بن خالد الوهبي حدثنا محمد بن إسحاق عن الحارث بن الفضيل عن سفيان بن أبي العوجاء السلمي عن ابن شريح الخزاعي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من أصيب بدم أو خبل فهو بالخيار بين إحدى ثلاث فإن أراد الرابعة فخذوا على يديه بين أن يقبض أو يعفوا أو يأخذ العقل فإن قبل من ذلك شيئاً ثم عدا بعد ذلك فإن له النار.
وهذه الأحاديث لا تخالف حديث حميد عن أنس في كسر الربيع ثنية جارية وقول النبي صلى الله عليه وسلم : كتاب الله القصاص.
وذاك لأن كتاب الله القصاص إلا أن يعفو عنه ولي الدم وليس إذا لم يقل في(6/176)
ذلك الحديث التخيير بين الدية والقصاص ما دل على أنه لا يخير بدليل آخر على أنه أحاله على الكتاب.
وقد بين الشافعي ثبوت الخيار بقوله {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} ).
قال المحتج بهذا الحديث : لم يقض لهم بالدية حتى عفا القوم وهذا منه غفلة.
ففي هذا الحديث أنهم عرضوا الأرش عليهم فأبوا ثم قال في الحديث : فرضي القوم فعفوا.
والظاهر من هذا أنهم رضوا بأخذ الأرش وعفوا عن القصاص.
ثم هو في حديث المعتمر بن سليمان عن حميد عن أنس بن مالك قال : فرشوا بأرش أخذوه.
وفي الحديث الثابت عن ثابت عن أنس : أن أخت الربيع أم حارثة جرحت إنساناً فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : القصاص . القصاص.
فقالت أم الربيع أيقتص من فلانة ؟ لا والله لا يقتص منها.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : سبحان الله يا أم الربيع القصاص كتاب الله.
فقالت : لا والله لا يقتص منها أبداً.
قال فما زالت حتى قبلوا الدية.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن من عباد الله لو أقسم على الله لأبره.
(6/177)
4852 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس هو الأصم حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا زهير حدثنا عفان أخبرنا حماد عن ثابت فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عفان وقد أخرجته في كتاب السنن عالياً.
1018 - باب العفو عن القصاص بلا مال
4853 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : وإن أحب الولاة أو المجروح العفو في القتل بلا مال ولا قود فذلك لهم.
فإن قال قائل : فمن أين أخذت العفو بلا مال ولا قود ؟ قيل : قول الله تعالى {فمن تصدق به فهو كفارة له}.
ومن الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن العفو عن القصاص كفارة أو قال سبباً يرغب به في العفو عنه.
\ فإن قال قائل : فإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم : من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين إن أحبوا فالقود وإن أحبوا فالعقل.
قيل له : نعم قيل : قاله فيما يأخذون من القاتل من القتل والعفو بالدية والعفو بلا واحد منهما ليس يأخذ من القاتل إنما هو ترك له.
كما قال : من وجد غير ماله عند معدم فهو أحق به.
ليس أن ليس له تركه.
(6/178)
ولو ترك شيء يوجَب له إنما هو له وكل ما قيل له أخذه فله تركه.
قال أحمد : قد روينا عن أنس بن مالك قال : ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وسلم رفع إليه شيء من قصاص إلا أمر فيه بالعفو.
4854 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس - هو الأصم - حدثنا أبو عبد الله حدثنا محمد بن الجهم بن هارون حدثنا هوذة بن خليفة البكراوي حدثنا عوف عن حمزة أبي عمر العائذي عن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه قال : شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جيء بالرجل القاتل يقاد في نسعه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولي المقتول.
أتعفو ؟.
قال : لا ، قال : فتأخذ الدية ؟.
قال : لا . قال : فتقتله ؟ قال : نعم . قال : إذهب به . فلما ذهب به فتولى من عنده قال له : تعاله أتعفو.
مثل قوله الأول . فقال ولي المقتول مثل قوله الأول ثلاث مرات . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الرابعة : أما إنك إن عفوت فإنه يبوء بإثمك وإثم صاحبك.
قال : فتركه.
(6/179)
قال : فأنا رأيته يجر نسعيه.
وروينا في حديث مرسل عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم : من أصيب بجسده بقدر نصف ديته فعفا كفر عنه نصف سيئاته وإن كان ثلثاً أو أربعاً فعلى قدر ذلك.
وقيل : في هذه القصة : عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من رجل مسلم يصاب بشيء في جسده فيتصدق به إلا رفعه الله به درجة وحط عنه خطيئة.
4855 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : وإلى الإمام قتل من قتل على المحاربة لا ينتظر به ولي المقتول.
وقد قال بعض أصحابنا ذلك.
قال : ومثله الرجل يقتل الرجل من غير نائرة.
واحتج لهم بعض من تعرف مذاهبهم بأمر مجذر بن زياد أو مجذر بن زياد ولو كان حديثه يثبت قلنا به فإن ثبت فهو كما قالوا . ولا أعرفه إلى يومي هذا ثابتاً.
وإن لم يثبت فكل مقتول قتله غير المحارب فالقتل فيه إلى ولي المقتول من قبل إن الله تعالى يقول {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا}.
وقال : {فَمَنْ عُفِيَ لَهْ مِنْ أَخِيهِ شَيءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ}.
فبين في حكم الله أنه جعل القتل والعفو إلى ولي الدم دون السلطان إلا في المحارب فإنه قد حكم في المحاربين أن يقتلوا أو يصلبوا فجعل ذلك عليهم حكماً (6/180)
مطلقاً لم يذكر فيه أولياء الدم.
قال أحمد : قصة مجذر بن زياد فيما 4856 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا محمد بن أحمد بن بُطة حدثنا الحسن بن الجهم حدثنا الحسين بن الفرح حدثنا الواقدي قال : ومجذر بن زياد قتله الحارث بن سويد غيلة وكان مجذر قتل أباه سُويد بن الصامت في الجاهلية فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حمراء الأسد أتاه جبريل عليه السلام فأخبره أن الحارث بن سويد قتل مجذر بن زياد غيلة وأمر بقتله فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء . فذكر قصة في أخذه وأمره عويمر بن ساعدة بقتله وقوم مجذر حضور لا يقول لهم شيئاً فقدمه فضرب عنقه.
وهذا منقطع.
ولم أضبط عن شيخنا ابن زياد إلا أن أبا أحمد العسكري وغيره من الحفاظ يقولون هو بالذال.
وذكر المفضل بن غسان الغلابي : الحارث بن سويد بن صامت في جملة من عرف بالنفاق قال : وهو الذي قتل المجذر يوم أحد غيلة فقتله به نبي الله صلى الله عليه وسلم.
4857 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا محمد أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم النخعي : أن عمر بن الخطاب أتي رجل قد قتل عمداً فأمر بقتله فعفا بعض الأولياء فأمر بقتله.
فقال ابن مسعود : كانت النفس لهم جميعاً فلما عفا هذا أحيا النفس فلا يستطيع أن يأخذ حقه حتى يأخذ غيره.
قال : فما ترى ؟ قال : أرى أن تجعل الدية عليه في ماله وترفع رخصة الذي عفى .(6/181)
فقال عمر : وأنا أرى ذلك.
وعن حماد عن إبراهيم قال : من عفا من ذي سهم فعفوه عفو قد أجاز عمر وابن مسعود العفو من أحد الأولياء ولم يسلوا أقتل غيلة كان أو غيره.
قال أحمد : هذا الذي رواه إبراهيم النخعي منقطع.
وقد روينا بإسناد موصول عن الأعمش عن زيد بن وهب قال : وجد رجل عند امرأته رجلاً فقتلها فرفع ذلك إلى عمر الخطاب فوجد عليها بعض إخوتها فتصدق عليه بنصيبه فأمر عمر لسائرهم بالدية وقيل : كانوا ثلاثة إخوة.
فقال عمر للباقين : خذا ثلثي الدية فإنه لا سبيل إلى قتله.
وروي من وجه آخر عن عمر : أن رجلاً رفع إليه قتل رجل فقالت أخت المقتول وهي امرأة القاتل قد عفوت عن حصتي من زوجي.
فقال عمر : عتق الرجل من القتل.
وروينا عن حصين عن أبي سلمة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : على المقتتلين أن ينحجزوا الأول فالأول وإن كانت امرأة.
4858 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس حدثنا ابن عبد الحكم حدثنا بشر بن بكر عن الأوزاعي قال حدثني حصين . فذكر.
وروي في رواية أخرى (6/182)
لأهل القتيل أن ينحجزوا الأدنى فالأدنى وإن كانت إمرأة.
قال أبو عبيد : يقول أيهم عفا عن دمه من الأقرب فالأقرب من رجل أو امرأة فعفوه جائز.
وقوله : ينحجزوا يعني يكفوا عن القود.
4859 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : وإذا ضرب الرجل الرجل بالسيف ضربة يكون من مثلها القصاص أقص منه وإن لم يكن فيها قصاص فعليه الأرش ولا تقطع يد أحد إلا السارق.
فقد ضرب صفوان بن معطل حسان بن ثابت بالسيف ضرباً شديداً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقطع صفوان وعفى حسان بعد أن برئ فلم يعاقب رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوان.
وهذا يدل على أن لا عقوبة على كل من كان عليه قصاص فعفا عنه في دم ولا جرح.
قال أحمد : قد روينا في حديث ابن أوس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في حديث الإفك : ضرب صفوان حسان بن ثابت بالسيف فسأله النبي صلى الله عليه وسلم أن يهب له ضربه صفوان إياه فوهبها له.
وروينا عن ابن شهاب أنه سئل عن رجل يضرب الآخر بالسيف في غضب ما يصنع به ؟ قال : قد ضرب صفوان بن المعطل حسان بن ثابت فلم يقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده.
(6/183)
1019 - باب ولي الدم
4860 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى {وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا الِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلاَ يُسْرِف فِي الْقَتْلِ}.
وكان معلوماً عند أهل العلم ممن خوطب بهذه الآية أن ولي الدم من جعل الله له ميراثاً منه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قتل قتلاً فأهله بين خيرتين إن أحبوا فالقود وإن أحبوا فالعقل.
ولم يختلف المسلمون عليه في أن العقل موروث كما يورث المال وإذا كان هكذا لكل وارث ولي الدم كما كان لكل وارث ما جعل الله له من ميراث الميت.
وليس لأحد من الأولياء أن يقتل حتى يجمع جميع الورثة على القتل.
4861 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : قال أبو يوسف عن رجل عن أبي جعفر : أن الحسن بن علي قتل أبا ملجم بعلي.
قال أبو يوسف : وكان لعلي أولاد صغار.
قال أحمد : يشبه أن يكون الحسن بن علي رضي الله عنه وقف على استحلال عبد الرحمن بن ملجم قتل أبيه فقتله لأجل ذلك.
(6/184)
واستدل بعض من قال ذلك من أصحابنا بما روينا عن أبي سنان الدؤلي أنه عاد علياً في شكوى له قال : فقلت له : لقد تخوفنا عليك يا أمير المؤمنين.
فقال : لكني والله ما تخوفت لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق يقول : إنك ستضرب ضربة ها هنا وضربة ها هنا.
- وأشار إلى صدغيه - فيسيل دمها حتى تغضب لحيتك ويكون صاحبها أشقاها كما كان عاقر الناقر أشقى ثمود.
قلت : ويحتمل أن يكون رآه من الساعين في الأرض بالفساد فقتله لذلك لا بولاية القصاص ، والله أعلم.
1020 - باب شرك من لا قصاص عليه
4862 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي فيما حكي عن محمد بن الحسن أخبرنا عباد بن العوام أخبرنا هشام بن حسان عن الحسن البصري أنه سئل عن قوم قتلوا رجلاً عمداً فيهم مصاب ؟ قال : تكون دية.
قال : وأخبرنا عباد بن العوام عن عمر بن عامر عن إبراهيم النخعي أنه قال : إذا دخل خطأ في عمد فهي دية.
قال الشافعي : أصل هذا عندي أن ينظر إلى القتل فإن كان عمداً كله لا يخلطه خطأ فاشترك (6/185)
فيه اثنان أو ثلاثة فمن كان عليه القود منهم اقتد منه ومن زال عنه القود أزاله وجعل عليه حصته من الدية.
وجعل ذلك شبيهاً بالرجلين يقتلان الرجل فيعفو الولي عن أحدهما أو يصالحه فيكون له أن يقتل الآخر.
قال أحمد : وروي عن عمر أنه قال : عمد الصبي وخطاؤه سواء.
وإسناده منقطع وراويه ضعيف إنما رواه جابر الجعفر عن الحكم عن عمر.
وروي عن علي أنه قال : عمد الصبي والمجنون خطأ.
وإسناده ضعيف بمرة.
1021 - باب القصاص بغير السيف
قد روينا في الحديث الثابت عن قتادة عن أنس أن جارية قد رضّ رأسها بين حجرين فقيل لها : من فعل بك هذا ؟ أفلان أفلان حتى سمى اليهودي فأومت برأسها فأخذ اليهودي فاعترف فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن ترض رأسه بالحجارة.
4863 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن كثير أخبرنا همام عن قتادة عن أنس . فذكره.
أخرجاه في الصحيح من حديث همام .(6/186)
وفي رواية عفان عن همام : إن جارية رضخ رأسها بين حجرين فقيل لها من فعل هذا بك ؟ أفلان أفلان حتى سمى اليهودي فأومت برأسها فبعث إلى اليهودي فاعترف فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضخ رأسه بين حجرين : وفي رواية هشام بن زيد عن أنس بن مالك قال : فقتلها بحجر فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حجرين.
فهذا كله يدل على أنه صلى الله عليه وسلم اعتبر المماثلة في قتله بها حكماً يقتضيه لفظ القصاص الذي ورد به الكتاب.
ولا يجوز معارضته بحديث أبي قلابة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به أن يرجم حتى يموت فرجم.
فإن هذا لا يخالفه فإن الرجم والرضخ والرض : كله عبارة عن الضرب بالحجارة.
ثم بين قتادة الموضع الذي ضرب فيه.
وفي رواية هشام دلالة عليه ولم يثبته أبو قلابة فيما روي عنه فيؤخذ بالبيان.
ولا تجوز دعوى النسخ فيه بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن المثلى إذ ليس فيه تاريخ ولا يستدل على النسخ ويمكن الجمع بينهما.
فإنه إنما نهى عن المثلة ممن وجب قتله ابتداء لا على طريق المكافأة والمساواة.
وحديث جابر الجعفي عن أبي حارث عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم : لا قود إلا بالسيف.
(6/187)
تفرد به جابر الجعفي وهو ضعيف لا يحتج به.
واختلف عليه في لفظه.
وروي عن مبارك بن فضالة عن الحسن عن النعمان بن بشير.
وقيل عن أبي بكرة وكلاهما ضعيف.
وروي من أوجه أخر كلها ضعيفة ، والله أعلم.
1022 - باب القصاص فيما دون النفس
4864 - أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : ذكر الله تعالى ما فرض على أهل التوراة فقال {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بَالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحِ قِصَاصٌ ).
قال : وروي من حديث عن عمر أنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي القود من نفسه وأبا بكر يعطي القود من نفسه وأنا أعطي القود من نفسي.
وهذا الذي ذكره الشافعي : رويناه عن العمري عن أبي النضر عن عمر مرسلاً . وقد 4865 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا أبو صالح أخبرنا أبو إسحاق الفزاري عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي فراس قال : خطبنا عمر بن الخطاب فقال (6/188)
إني لم أبعث عمالي ليضربوا أبشاركم ولا ليأخدوا أموالكم فمن فعل به غير ذلك فليرفعه إلى أقصه منه.
قال عمرو بن العاص : لو أن رجلاً أدب بعض رعيته أتقصه منه ؟ قال : أي والذي نفسي بيده أقصه وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أقص من نفسه.
ثم في حديث أبي النضر من الزيادة ما أشار إليه الشافعي من حديث أبي بكر.
4866 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا محمد بن الحسن أخبرنا محمد بن أبان عن صالح القرشي عن حماد عن النخعي قال : ليس في عظم قصاص إلا في السن ( . . . ).
قال أحمد : وروينا عن الحجاج بن أرطاة عن عطاء أن عمر بن الخطاب قال : لا أقيد من العظام.
قال ابن المنذر : وروينا عن ابن عباس أنه قال : ليس في العظام قصاص.
قلت : وروي عن معاذ بن محمد الأنصاري عن أبي صهبان عن العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا قود في المأمومة ولا الجائفة ولا المنقلة.
وروي عن طلحة بن يحيى عن يحيى وعيسى بن طلحة أو أحدهما عن طلحة(6/189)
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ليس في المأمومة قود.
وروي عن طاووس عن النبي صلى الله عليه وسلم : لا قصاص فيما دون الموضحة من الجراحات.
وهذه الآثار كلها غير قوي إلا أنها إذا ضم بعضها إلى بعض أحدث قوة فيما اجتمعت فيه في المعنى ، والله أعلم.
1023 - باب الاستثناء بالقصاص من الجرح والقطع
4867 - أخبرنا أبو إسحاق الفقيه حدثنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي عن سفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة قال : طُعن رجل في رجله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أقدني منه . قال : انتظر.
فعاد إليه . فقال : انتظر.
فعاد إليه . فقال : انتظر.
فعاد إليه فأقاده فبرئ المستقاد منه وشلت رجل الآخر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله.
برأت رجله وشلت رجلي . فقال(6/190)
قد قلت لك انتظره.
ولم ير له شيئاً.
قال أحمد : هذا هو الأصل في هذا الحديث وهو مرسل.
كذلك رواه أيوب وابن جريج عن عمرو بن دينار مرسلاً . ورواه أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة عن ابن علية عن أيوب عن عمرو عن جابر.
قال أبو الحسن الدارقطني الحافظ فيما 4868 - أخبرني أبو عبد الرحمن عنه : أخطأ فيه ابنا أبي شيبة وخالفهما أحمد بن حنبل وغيره.
فرووه عن ابن عليه عن أيوب عن عمر مرسلاً.
وكذلك قال أصحاب عمرو بن دينار عنه وهو المحظوظ مرسلاًُ.
قال أحمد : وروي من أوجه كلها ضعيف عن أبي الزبير عن جابر : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يمتثل من الجارح حتى يبرأ المجروح.
وفي بعضها : تقاس الجراحات ثم يستأنى بها سنة ثم يقضى فيها بقدر ما انتهت إليه.
والعجب أن بعض من يدعي المعرفة بالآثار احتج برواية يحيى بن أبي أنيسة عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي في جراح فأمرهم أن يستأنوا بها سنة.
ثم حكي عن علي بن المديني عن يحيى بن سعيد أنه أحب إليه في حديث (6/191)
الزهري من محمد بن إسحاق فإن كان يستجيز بهذه الحكاية أن يحتج برواية يحيى بن أبي أنيسة وأخوه زيد بن أُنيسة من الثقات يقول : لا تكتبوا عن أخي فإنه كذاب.
وأحمد بن حنبل يقول : يحيى بن أبي أنيسة متروك الحديث.
ويحيى بن معين في جميع الروايات عنه : يضعفه ويقول : لا يكتب حديثه.
فلِمَ لا يجيز بتوثيق يحيى بن سعيد : سيف بن سليمان المكي الذي روى حديث القضاء بشاهد ويمين.
لخصمه أن يحتج بحديثه وله فيما روى متابعون.
وقد روى لنا يحيى بن أبي أنيسة أحاديث منها : روايته عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن بيع الرطب بالتمر الجاف وغير ذلك لم نعتمد على شيء مما تفرد به لمخالفته الثقات في كثير من رواياته.
وبالله التوفيق.
1024 - باب من مات تحت حد أو قصاص في جرح
قال أحمد : قد روينا عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عمر ، وعلي أنهما قالا في الذي يموت في القصاص : لا دية له.
وقد ذكره أبو يحيى الساجي في كتابه.
قال ابن المنذر.
(6/192)
وروينا عن أبي بكر وعمر أنهما قالا : من قتله حد فلا عقل له.
وروينا عن عمر ، وعلي أنهما قالا : من مات في حد أو قصاص فلا دية له.
4869 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن سعيد عن أبي معشر عن إبراهيم عن عبد الله في الذي يقتص منه فيموت.
قال على الذي اقتص منه الدية ويرفع عنه بقدر جراحه.
قال الشافعي : وليسوا يقولون بهذا بل نقول نحن وهم : لا شيء على المقتص لأنه فعل فعلاً كان له أن يفعله . أورده فيما ألزم بعض العراقيين في خلاف عبد الله بن مسعود.
وهذا ليس بثابت عن ابن مسعود.
(6/193)
بسم الله الرحمن الرحيم 34 - كتاب الديات
1025 - باب ما جاء في أسنان الإبل المغلظة
4870 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي وأبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي قالوا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن علي بن زيد عن القاسم بن ربيعة عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألا أن في قتل العمد الخطأ بالسوط أو العصا مِئَة من الإبل مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها.
4871 - وبهذا الإسناد أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقفي عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أحمد : وكذلك رواه هشيم بن بشير عن خالد الحذاء بإسناده هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوم الفتح فذكر ذلك بمعناه.
ورواه حماد بن زيد عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم الفتح وقال فيه (6/194)
ألا وإن قتل الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط أو بالعصا مِئَة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها.
4872 - أخبرناه أبو الحسن علي بن محمد المقبري أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق حدثنا يوسف بن يعقوب حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا حماد بن زيد فذكره.
4873 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : والستون التي مع الأربعين الخلفة ثلاثون حقة وثلاثون جذعة.
وقد روي هذا عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول عدد ممن لقيت من المفتين.
ورواه في موضع آخر عن عمر بن الخطاب في قصة قتادة المدلجي.
ورويناه في أوجه آخر عن عمر.
ورويناه عن الشعبي عن زيد بن ثابت وأبي موسى الأشعري والمغيرة بن شعبة.
قال الشافعي : وروي عن علي بن أبي طالب مثل قولنا في شبه العمد : ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفه.
ومن حديث آخر : ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون خلفة.
4874 - أخبرناه أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن ابن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي قال : الخطأ شبه العمد بالخشبة والحجر الضخم ثلث حقاق وثلث جذاع وثلث ما بين ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة.
(6/195)
قال أحمد : وروي عن عثمان وزيد بن ثابت في المغلظة : أربعون جذعة خلفة وثلاثون حقة وثلاثون بنات لبون.
وعن ابن مسعود في شبه العمد : خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنات لبون وخمس وعشرون بنات مخاض.
وفي رواية أخرى عن ابن مسعود : وربع ثنية إلى بازل عامها بدل بنات مخاض.
وإذا اختلفوا هذا الاختلاف فقول من يوافق قوله ما روينا فيه من السُنة يكون أولى بالاتباع مع ما فيه عن عمر بن الخطاب وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم في العمد وشبه العمد مثل قول عمر.
4875 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا الحسن بن مكرم أخبرنا أبو النضر حدثنا محمد - هو ابن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من قتل متعمداً دُفع إلى أولياء القتيل فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا أخذوا الدية وهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة.
وذلك عقل العمد وما صالحوا عليه فهو لهم وذلك تشديد في العقل.
زاد فيه أبو بكر أحمد بن الحسن عن أبي العباس بإسناده هذا : وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (6/196)
عقل شبه العمد مغلظة مثل عقل العمد ولا يقتل صاحبه ذلك أن ينزو الشيطان بين الناس فتكون دماء في عمياء في غير ضغينة ولا حمل سلاح.
4876 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : تغليظ الإبل ؟ قال : مِئَة من الأصناف كلها من كل صنف ثُلثُه ويؤخذ في مضي كل سنة ثلاث عشرة وثلث خلفة وعشر جذاع وعشر حقائق.
قال الشافعي : والتغليظ كما قال عطاء يؤخذ في مضي كل سنة ثلاث عشرة خلفة وثلث وعشر حقاق وعشر جذاع.
قال الشافعي : والدية في هذا على العاقلة.
قال : ومثل هذا أسنان دية العمد إذا زال فيه القصاص . ودية العمد حالة كلها في مال القاتل.
قال الشافعي : وتغلظ الدية في العمد في الشهر الحرام والبلد الحرام وقتل ذي الرحم.
كما تغلظ في العمد غير الخطأ لا تختلف ولا تغلظ فيما سوى هؤلاء.
4877 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا(6/197)
ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن أبيه أن رجلاً أوطأ امرأة بمكة فقضى فيها عثمان بن عفان بثمانية آلاف درهم دية وثلث.
قال الشافعي : ذهب عثمان رضي الله عنه إلى التغليظ لقتلها في الحرم.
قال أحمد : وفي رواية سعيد بن منصور عن سفيان في هذا الحديث بمكة في ذي القعدة فضلها.
قال أحمد : وروى ليث عن مجاهد : أن عمر بن الخطاب قضى فيمن قتل في الحرم أو في الشهر الحرام أو وهو محرم بالدية وثلث الدية.
وهو منقطع.
وروي عن عكرمة عن عمر ما دل على التغليظ في الشهر الحرام والحرمة.
وفي حديث إسحاق بن يحيى عن عبادة بن الصامت في تقويم عمر بن الخطاب الدية قال فيه : وتزاد ثلث الدية في الشهر الحرام وثلث أخرى للبلد الحرام قال : فتمت دية الحرمين عشرين ألف.
وهذا منقطع بين إسحاق وعبادة وحديث عثمان أصح.
4878 - وأنبأني أبو عبد الله إجازة أخبرنا أبو الوليد حدثنا عبد الله بن شيرويه أخبرنا إسحاق أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن أبي زيد عن نافع بن جبير قال قال ابن عباس : يزاد في دية المقتول في أشهر الحرام (6/198)
أربعة آلاف وفي دية المقتول في الحرم.
وروي عن ابن المسيب وعطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وجابر بن زيد أنهم قالوا في الذي يقتل في الحرم : دية وثلث.
1026 - باب دية الخطأ
4879 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله}.
قال الشافعي رحمه الله : فأحكم الله جل ثناؤه في تنزيل كتابه أن على قاتل المؤمن دية مسلمة إلى أهله وأبان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم كم الدية.
قال : وكان نقل عدد من أهل العلم عن عدد لا تنازع بينهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بدية المسلم مِئَة من الإبل.
وكان هذا أقوى من نقل الخاصة.
وقد روي من طريق الخاصة.
وبه نأخذ ففي المسلم يقتل خطأ مِئَة من الإبل.
وذكر حديث ابن عيينة وقد مضى.
4880 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي (6/199)
أخبرنا الثقفي عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن رجل من أصحاب البني صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة : ألا إن في قتيل الخطأ شبه العمد قتيل السوط والعصا الدية مغلظة منها أربعون في بطونها أولادها.
وإنما قصد الشافعي بهذا إثبات العدد دون الصفة.
4881 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم : وفي النفس مِئَة من الإبل.
4882 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي بكر في الديات في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم : وفي النفس مِئَة من الإبل.
قال ابن جريج : قلت لعبد الله بن أبي بكر : أفي شك أنتم من أنه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا.
1027 - باب أسنان الإبل في الخطأ
4883 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في قتيل العمد الخطأ مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها.
ففي ذلك دليل على أن دية الخطأ الذي لا يخلطه عمد مخالفة هذه الدية وقد (6/200)
اختلف الناس فيها فألزم القاتل مِئَة من الإبل بالسنة ثم ما لم يختلفوا فيه ولا ألزمه من أسنان الإبل إلا أقل ما قالوا : يلزمه لأن اسم الإبل يلزم الصغار والكبار فدية الخطأ أخماس عشرون ابنة مخاض وعشرون ابنة لبون وعشرون بنو لبون ذكور وعشرون حقة وعشرون جذعة.
4884 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب وربيعة بن أبي عبد الرحمن.
وبلغه عن سليمان بن يسار أنهم كانوا يقولون : دية الخطأ عشرون أبنة مخاض وعشرون ابنة لبون وعشرون ابن لبون ذكر وعشرون حقة وعشرون جذعة.
قال أحمد : ورواه مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار.
ورواه أبو الزناد عن أصحابه من فقهاء التابعين بالمدينة.
4885 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن ابن مهدي عن سفيان عن أبي عاصم عن عاصم بن ضمرة عن علي : في الخطأ خمس وعشرون بنات مخاض وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنات لبون.
وروينا عن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت : الخطأ ثلاثون حقة وثلاثون بنات لبون وعشرون بنات مخاض وعشرون بنو لبون ذكور.
فكان ما حكاه الشافعي عن التابعين أقل ما قيل فيها واسم الإبل واقع عليها فلم يوجب أكثر منها . وقد (6/201)
4886 - أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان أخبرنا حمزة بن محمد بن العباس حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا عبيد الله بن موسى أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن علقمة عن عبد الله بن مسعود أنه قال : في الخطأ أخماس عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنات لبون وعشرون بنات مخاض وعشرون بني مخاض.
وكذلك رواه سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن علقمة عن عبد الله . وعن منصور عن إبراهيم عن عبد الله.
وكذلك رواه أبو ملجز عن أبي عبيدة عن عبد الله.
وهذا الذي قاله عبد الله بن مسعود في السن أقل مما حكاه الشافعي عن بعض التابعين.
واسم الإبل يقع عليه وهو قول صحابي فقيه فهو أولى بالإتباع ومن رغب عنه احتج بحديث سهل بن أبي حثمة في القسامة قال : كره نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه فوداه بمِئَة من إبل الصدقة.
قالوا : وليس لبني المخاض مدخل في فرائض الصدقات.
وحديث القسامة وإن كان من قتل العمد ونحن نتكلم في دية الخطأ فكأن النبي صلى الله عليه وسلم حين لم يثبت ذلك القتل عليهم وداه بدية الخطأ متبرعاً بذلك ، والله أعلم.
وعلل حديث ابن مسعود بأنه منقطع وذلك لأن أبا إسحاق رأى علقمة ولم يسمع منه شيئاً.
4887 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا(6/202)
يعقوب بن سفيان حدثنا بندار حدثنا أمية بن خالد حدثنا شعبة قال : كنت عند أبي إسحاق الهمداني فقيل له : إن شعبة يقول : إنك لم تسمع من علقمة شيئاً ؟ قال : صدق.
وأما أبو عبيدة فإنما لم يسمع من أبيه شيئاً.
4888 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا العباس الدوري حدثنا قُراد أبو نوح حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال : سألت أبا عبيدة : تحفظ من أبيك شيئاً ؟ قال : لا.
وأما إبراهيم عن عبد الله فهو منقطع لا شك فيه.
وقد روي ذلك عن الحجاج بن أرطاة عن زيد بن جبير عن خشيف بن مالك عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وحشف بن مالك مجهول.
واختلف فيه على الحجاج بن أرطاة والحجاج غير محتج به والله أعلم.
وروي عن إسحاق بن يحيى عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الدية الكبرى والصغرى بخلاف هذا كله في بعض الأسنان.
وإسحاق عن عبادة منقطع.
وروى محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم في الدية الصغرى بخلاف ذلك ولم يضم إليه ما يؤكده.
ومحمد بن راشد غير محتج به.
(6/203)
1028 - باب إعواز الإبل
4889 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : وعام في أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض الدية من الإبل ثم قومها عمر بن الخطاب عن أهل الذهب والورق والعلم محيط إن شاء الله أن عمر لا يقومها إلا قيمة يومها . ثم ساق الكلام إلى أن قال : ولعل عمر أن لا يكون قومها إلا في حين وبلد هكذا قيمتها فيه حين إعوزت ولا يكون قومها إلا برضا من الجاني وولي الجناية.
4890 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم بن خالد عن عبيد الله بن عمر عن أيوب بن موسى عن ابن شهاب ومكحول عن عطاء قالوا : أدركنا الناس على أن دية الرجل المسلم الحر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مِئَة من الأبل.
فقوم عمر رضي الله عنه تلك الدية على أهل القرى ألف ديناراً أو اثنى عشر ألف درهم فإن كان الذي أصابه من الأعراب فديته مِئَة من الإبل لا يكلف الأعرابي الذهب ولا الورق.
ودية الأعرابي إذا أصابه الأعرابي مِئَة من الإبل.
قال الشافعي : وهذا يدل على ما وصفت ألا ترى أنه لا يكلف الأعرابي ذهباً ولا ورقاً لوجود (6/204)
الإبل وأخذ الذهب والورق من القروي لإعواز الإبل فيما أرى - والله أعلم - لأن الحق لا يختلف في الدية.
4891 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقيم الإبل على أهل القرى بأربعمِئَة دينار أو عدلها من الورق ويقسمها على أثمان الإبل فإذا غلت رفع في قيمتها وإذا هانت نقص من ثمنها على أهل القرى الثمن ما كان.
4892 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال : قضى أبو بكر على أهل القرى حين كثر المال وغلت الإبل فأقام مِئَة من الإبل بستمِئَة دينار إلى ثمانمِئَة دينار.
4893 - وبإسناده أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم عن ابن جريج عن ابن طاووس عن أبيه أنه كان يقول : على الناس أجمعين أهل القرى وأهل البادية مِئَة من الإبل على الأعرابي والقروي.
4894 - وبإسناده أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : الدية الماشية أو الذهب ؟ قال : كانت الإبل حتى كان عمر بن الخطاب فقوم الإبل عشرين ومِئَة كل بعير فإن شاء القروي أعطى مِئَة ناقة ولم يعط ذهباً كذلك الأمر الأول.
(6/205)
4895 - أخبرنا أبو إسحاق أخبرنا شافع أخبرنا الطحاوي حدثنا المزني حدثنا الشافعي قال : سمعت عبد الوهاب الثقفي يقول : سمعت يحيى بن سعيد يقول : أدركت الناس وهم يحفظون في دية المسلم من الغنم ألفي شاة.
زاد فيه غير شيخنا قال : وسمعت الثقفي يقول سمعت يحيى بن سعيد يحدث عن عمرو بن شعيب أن عمر بن الخطاب قال : في الدية على أهل الشاة الشاة.
4896 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : قال محمد بن الحسن : بلغنا عن عمر بن الخطاب أنه فرض على أهل الذهب ألف دينار في الدية وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم.
حدثنا بذلك أبو حنيفة عن الهيثم عن الشعبي عن عمر بن الخطاب.
وزاد : على أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الإبل مِئَة من الإبل وعلى أهل الغنم ألفي شاة.
قال : وأخبرنا الثوري قال أخبرني محمد بن عبد الرحمن عن الشعبي قال : على أهل الورق عشرة آلاف درهم وعلى أهل الذهب ألف دينار.
قال محمد بن الحسن : وقال أهل المدينة أن عمر فرض الدية على أهل الورق اثني عشر ألف درهم.
ثم ساق محمد بن الحسن كلامه إلى أن قال : ونحن فيما نظن أعلم بفريضة عمر بن الخطاب حين فرض الدية دراهم من أهل المدينة لأن الدراهم على أهل العراق وإنما كان يؤدي الدية دراهم أهل العراق.
(6/206)
قال محمد : وقد صدق أهل المدينة أن عمر بن الخطاب فرض الدية اثني عشر ألف درهم ولكنه فرضها اثني عشر ألف درهم وزن ستة.
4897 - أخبرنا الثوري عن مغيرة الضبي عن إبراهيم قال : كانت الدية الإبل فجعلت الإبل الصغير والكبير كل بعير مِئَة وعشرين درهماً وزن ستة فذلك عشرة آلاف درهم.
وقيل الشريك بن عبد الله : أن رجلاً من المسلمين عانق رجلاً من العدو فضربه فأصابت رجلاً من المسلمين.
فقال شريك : قال أبو إسحاق : عانق رجل منا رجلاً من العدو فضربه فأصاب رجلاً منا فسلت وجهه حتى وقع ذلك على حاجبيه وأنفه ولحيته وصدره فقضى فيه عثمان بن عفان بالدية اثني عشر ألفاً.
وكانت الدراهم يومئذ وزن ستة.
قال الشافعي : روى عطاء ومكحول وعمرو بن شعيب وعدد من الحجازيين أن عمر رضي الله عنه فرض الدية اثني عشر ألف درهم.
ولم أعلم أحداً بالحجاز خالف فيه عنه بالحجاز ولا عن عثمان بن عفان.
وممن قال الدية اثني عشر ألف درهم ابن عباس وأبو هريرة وعائشة.
لا أعلم خالف في ذلك قديماً ولا حديثاً.
ولقد رواه عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى بالدية اثني عشر ألف درهم.
وزعم عكرمة أنه نزل فيه {وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله}.
(6/207)
قال : أجد حديث عكرمة قد رواه محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس موصولاً : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الدية اثني عشر ألفاً.
قال : وذلك قوله {وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله}.
قال : أخذهم الدية.
4898 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد حدثنا محمد بن غالب بن حرب حدثنا محمد بن سنان حدثنا محمد بن مسلم الطائفي فذكره.
قال أحمد : ورواه أيضاً سفيان بن عيينة عن عمر ، ومرة موصولاً.
قال الشافعي : فقلت لمحمد بن الحسن : أفتقول أن الدية اثني عشر ألف درهم وزن ستة ؟ فقال : لا . فقلت : فمن أين زعمت إذ كنت أعلم بالدية فيما زعمت من أهل الحجاز لأنك من أهل الورق وإنك عن عمر قبلتها لأن عمر قضى فيها بشيء لا تقضي به ؟.
قال : لم يكونوا يحسنون.
قلت : أفتروي شيئاً تجعله أصلاً في الحكم وأنت تزعم أن من روى عنه لا يعرف ما قضى به ؟ وبسط الكلام في هذا.
وفي الجواب عما احتج به محمد بن الحسن قال الشافعي : ادعى محمد على أهل الحجاز أنه أعلم بالدية منهم وإنما عن عمر قبل الدية(6/208)
من الورق ولم يجعل لهم أنهم أعلم بالدية إذ كان عمر منهم فمن الحاكم منه أولى بالمعرفة ممن الدراهم منه إذ كان الحكم إنما وقع بالحاكم.
قال أحمد : رواياته عن عمر وعثمان منقطعة.
والرواية التي ذكرها الشافعي رحمه الله عن عمر أيضاً منقطعة إلا أن أهل الحجاز أعرف بمذهب عمر من غيرهم.
وقد رويناها موصولة.
4899 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا يحيى بن حكيم حدثنا عبد الرحمن بن عثمان حدثنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمِئَة دينار وثمانية آلاف درهم.
ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلمين.
قال : فكان كذلك حتى استخلف عمر فقام خطيباً فقال : إن الإبل قد غلت.
قال : فقومها على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألفاً وعلى أهل البقرة مائتي بقرة وعلى أهل الشاة ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة.
قال : وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع في الدية.
4900 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن يزيد بن هارون هن هشام عن الحسن : أن علياً قضى بالدية اثني عشر ألفاً.
قال الشافعي (6/209)
0 @وبهذا نقول وهم يقولون : الدية عشرة آلاف درهم.
1029 - باب جماع الديات فيما دون النفس
4901 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم : وفي الأنف إذا أوعى جدعاً مِئَة من الإبل وفي المأمومة ثلث النفس وفي الجائفة مثلها وفي العين خمسون وفي اليد خمسون وفي الرجل خمسون وفي كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل وفي السن خمس وفي الموضحة خمس.
قال أحمد : وقد حكى جماعة من التابعين عن هذا الكتاب الأحكام التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الديات وغيرها فكتبتها فيه وبعضهم يزيد على بعض.
وقد رواه يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات وبعث به مع عمرو بن حزم فقرئت على أهل اليمن وهذه نسختها.
فذكر الحديث بطوله وفيه : وأن في النفس الدية مِئَة من الإبل وفي الأنف إذا أوعب جدعة الدية وفي اللسان الدية وفي الذكرالشفتين الدية وفي الدية وفي البيضتين وفي الصُلب الدية وفي العينين الدية وفي الرجل الواحدة نصف الدية وفي المأمومة ثلث الدية وفي الجائفة ثلث الدية وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل وفي كل أصبع من الأصابع من (6/210)
1 @اليد والرجل عشر من الإبل وفي السن خمس من الإبل وفي الموضحة خمس من الإبل وأن الرجل يقتل بالمرأة وعلى أهل الذهب ألف دينار.
4902 - أخبرناه أبو عبد الرحمن السلمي أخبرنا أبو عمرو محمد بن أحمد بن حمدان أخبرنا الحسن بن سفيان وأبو يعلى الموصلي وأحمد بن الحسن بن عبد الجبار وحامد بن محمد بن شعيب وعبد الله بن محمد بن عبد العزيز قالوا : حدثنا الحكم بن موسى حدثنا يحيى بن حمزة فذكره قال : كان في الكتاب : أنه من اعتبط مؤمناً قتلاً عن بيته فإنه قود إلا أن يرضي أولياء المقتول.
ورواه يونس بن يزيد عن ابن شهاب الزهري أنه قرأ في هذا الكتاب وكان عند أبي بكر بن حزم فزاد ونقص فما زاد : في الأذن خمسون من الإبل وفي اليد خمسون من الإبل.
قال الشافعي : والموضحة من الرأس والوجه كله سواء.
وقد حفظت عن عدد لقيتهم وحكي لي عنهم أنهم قالوا : في الهاشمة عشر من الإبل.
وبهذا أقول.
قال أحمد : وقد روى محمد بن راشد عن مكحول عن قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت أنه قال : في الهاشمية عشر.
قال الشافعي :(6/211)
2 @ولم نعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيما دون الموضحة من الشجاج بشيء.
وأكثر قول من لقيت : أن ليس فيما دون الموضحة أرش معلوم وأن في جميع ما دونها حكومة.
وبهذا أقول.
قال أحمد : قد روينا معناه عن ابن شهاب وعمر بن عبد العزيز وربيعة وأبي الزناد.
وقاله مالك بن أنس.
4903 - وأخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة عن عبد الله بن الحارث - إن لم أكن سمعته من عبد الله عن مالك بن أنس عن يزيد بن قسيط - عن سعيد بن المسيب : أن عمر وعثمان قضيا في الملطاة بنصف دية الموضحة.
4904 - وبهذا الإسناد أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن الثوري عن مالك بن أنس عن يزيد بن عبيد الله بن قسيط عن ابن المسيب عن عمر وعثمان مثله أو مثل معناه.
قال الشافعي : وأخبرني من سمع ابن نافع يذكره مالك بهذا الإسناد مثله.
قال الشافعي : وقرأنا على مالك أنا لم نعلم أحداً من الأئمة في القديم والحديث قضى فيما دون الموضحة بشيء.
زاد أبو سعيد في روايته وهو - والله يغفر لنا وله - يروى عن إمامين عظيمين من (6/212)
3 @المسلمين عمر وعثمان : أنهما قضيا فيما دون الموضحة بشيء مؤقت.
قال أحمد : قد روينا عن عبد الرزاق أنه سأل مالك بن أنس أن يحدثه بحديث عمر وعثمان في الملطاة فامتنع وقال : إن العمل عندنا على غيره.
ورَجُله عندنا ليس هناك - يعني يزيد بن عبد الله بن قسيط.
4905 أخبرناه أبو محمد السكري أخبرنا إسماعيل الصفار حدثنا أحمد بن منصور حدثنا عبد الرزاق فذكره . 4906 - وأنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : والذي قضى عمر بن الخطاب في الملطاة : وهي السمحاق والضلع عندنا - والله أعلم - أن ذلك على ما نقص المضروب وإنما ذلك حكومة.
وفيما ساق الشافعي كلامه إليه : روينا أن زيد بن ثابت قد قضى فيما دون الموضحة حتى في الدامية.
قال أحمد : وهذا فيما رواه محمد بن راشد عن مكحول عن قبيصة عن زيد أنه قال : في الدامية بعير وفي الباضعة بعيران وفي المتلاحمة ثلاث وفي السمحاق أربع وفي الموضحة خمس.
ومحمد بن راشد : ليس بالقوي.
وروي عن الحكم بن عتيبة عن علي أنه قال (6/213)
4 @في السمحاق أربع من الإبل.
وعن جابر الجعفي عن عبيد الله بن نجي عن علي . مثله.
والأول منقطع . والثاني إسناده ضعيف.
وكأنهم إن صح شيء من ذلك حكموا فيها بحكومة بلغت هذا المقدار كما قال الشافعي في الملطاة ، والله أعلم.
وروينا عن إبراهيم بن أبي عبلة : أن معاذاً وعمر جعلا فيما دون الموضحة أجر الطبيب.
وهو عنهما منقطع.
وروينا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أن أبا بكر وعمر قالا : في الموضحة في الوجه والرأس سواء.
1030 - باب تفسير الشجاج
4907 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال قال الحسين بن محمد الماسرجسي - فيما قرأته من سماعه - أخبرنا أبو بكر أحمد بن مسعود التُجيبي حدثنا يحيى بن محمد بن أخي حرملة حدثنا عمي حرملة بن يحيى قال قال الشافعي رحمه الله : أول الشجاج الحارصة : وهي التي تحرص الجلد حتى تشقه قليلاً ومنه قيل : حرص القصار الثوب إذا شقه.
ثم الباضعة : وهي التي تشق اللحم وتبضعه بعد الجلد.
(6/214)
5 @ثم المتلاحمة : وهي التي أخذت في اللحم ولم تبلغ السمحاق.
والسمحاق : جلدة رقيقة بين اللحم والعظم وكل قشرة رقيقة فهي سمحاق.
فإذا بلغت الشجة تلك القشرة الرقيقة حتى لا يبقى بين اللحم والعظم غيرها فتلك السمحاق وهي الملطاة.
ثم الموضحة : وهي التي يكشف عنها ذاك القشر وتشق حتى يبدو وضح العظم فتلك الموضحة.
والهاشمة : التي تهشم العظم.
والمنقلة : التي ينتقل منها فراش العظم.
والآمة وهي : المأمومه وهي : التي تبلغ أم الرأس الدماغ.
والجائفة : وهي التي تخرق حتى تصل إلى السفاق.
وما كان دون الموضحة فهو خدوش فيه الصلح.
والدامية : التي تدمى من غير أن يسيل منها دم.
قال الشافعي في رواية الربيع : لست أعلم خلاقاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : في الجائفة ثلث الدية.
وبهذا أقول.
قال أحمد : روينا عن ابن المسيب : أن أبا بكر الصديق قضى في الجائفة نفذت من الجانب الآخر ثلثي الدية.
قال الشافعي (6/215)
6 @إذا اصطلمت الأذنان ففيهما الدية قياساً على ما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم فيه بالدية من الاثنين من الإنسان.
قال أحمد : وقد روينا في حديث يونس عن الزهري أنه قرأ في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتبه لعمرو بن حزم : وفي الأذن خمسون من الإبل.
وروينا عن عمر ، وعلى أنهما قضيا بذلك.
4908 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال قال عطاء : في الأذن إذا استوعبت نصف الدية.
قال الشافعي : وفي السمع الدية والأذنان غير السمع.
قال الشافعي : وإذا جنى عليه فذهب عقله ففي ذهاب عقله الدية.
قال أحمد : وروى رشد بن سعد عن الإفريقي عن عتبة بن حميد عن عبادة بن نُسي عن ابن غنم عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم : وفي السمع مِئَة من الإبل.
وفيه (6/216)
7 @وفي العقل مِئَة من الإبل.
وإسناده غير قوي.
وروي عن عمر ما دل على وجوب الدية في كل واحد منهما.
وروي عن زيد بن ثابت أنه قال : وفي جفن العين ربع الدية.
وروينا فيه عن الشعبي.
وكذلك قال الشافعي.
4909 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : وروى عن ابن طاووس عن أبيه قال : عند أبي كتاب عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه : وفي الأنف إذا قطع المارن مِئَة من الإبل.
قال الشافعي : حديث ابن طاووس في الأنف أبين من حديث آل حزم.
قال أحمد : وإنما قال ذلك لأنه ليس فيما رواه الشافعي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن هذا الكتاب ذكر المارن.
وقد رواه محمد بن عمارة عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال : كان في كتاب عمرو بن حزم : وفي الأنف إذا استؤصل المارن الدية كاملة.
قال الشافعي (6/217)
8 @وفي الشفتين الدية وسواء العليا منهما والسفلى.
قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأصابع بعشر عشر والأصابع مختلفة الجمال والمنفعة . فلما رأيناه إنما قصد الأسماء كان ينبغي في كل ما وقعت عليه الأسماء أن يكون هذا.
وبسط الكلام فيه.
وروينا عن زيد بن أسلم أنه قال : مضت السُنة في أشياء من الإنسان قال : وفي اللسان الدية وفي الصوت إذا انقطع الدية وفي الأسنان الدية.
كذا روي في حديث زيد بن أسلم : وفي الأسنان الدية.
وكذلك روي في حديث معاذ وإسناده ضعيف.
ورواية من روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : في كل سن خمس من الإبل.
كثر وأشهر.
وروي عن عاصم بن حمزة عن علي قال : وفي السن خمس.
4910 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي غطفان بن طريف المري أن مروان بن الحكم بعثه إلى عبد الله بن عباس يسأله : ماذا في الضرس ؟ (6/218)
9 @فقال ابن عباس : فيه خمس من الإبل.
قال فردني إليه مروان قال : أتجعل مقدم الفم مثل الأضراس ؟ فقال ابن عباس : لو لم تعتبر ذلك إلا بالأصابع عقلها سواء.
قال الشافعي : وهذا كما قال ابن عباس إن شاء الله.
والدية المؤقتة على العدد لا على المنافع.
قال أحمد : قد رواه الشافعي عن مالك في كتاب جراح الخطأ.
وإنما رواه في كتاب الديات والقصاص عن محمد بن الحسن عن مالك لأنه يحكي في ذلك الكتاب : أخبار محمد بن الحسن وكلامه على أهل المدينة ثم يذب الشافعي عنهم ويجيب محمد عما احتج به عليهم لا أنه لم يسمعه من مالك.
4911 - وأخبرنا أبو سعيد - في كتاب الديات - حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا محمد بن الحسن أخبرنا محمد بن أبان عن حماد عن النخغي قال : في الأسنان في كل سن نصف العشر مقدم الفم ومؤخره سواء.
قال محمد بن الحسن : وأخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن شريح قال : الأسناد كلها سواء في كل سن نصف عشر الدية.
قال وأخبرنا بكير بن عامر عن الشعبي أنه قال (6/219)
الأسنان كلها سواء في كل سن نصف عشر الدية وذكر حديث أبي غطفان كما مضى.
قال الشافعي الحجة فيه ما قال النبي صلى الله عليه وسلم : وفي السن خمس.
فكانت الضرس سناً في فم لا يخرج من اسم السن.
وبسط الكلام فيه : قال أحمد : وروينا عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الأصابع سواء والأسنان سواء الثنية والضرس سواء هذه وهذه سواء - يعني الخنصر والبنصر.
4912 - وأخبرنا أبو طاهر الفقيه أخبرنا أبو طاهر محمد بن الحسن المحمد أباذي حدثنا أبو قلابة عبد الملك الرقاشي.
حدثنا عبد الصمد حدثنا شعبة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : هذه وهذه سواء.
- يعني الخنصر والإبهام - والضرس والسنية.
4913 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد سمع سعيد بن المسيب يقول : قضى عمر بن الخطاب في الأضراس ببعير ببعير.
وقضى معاوية في الأضراس بخمسة أبعرة خمسة أبعرة.
(6/220)
فالدية تنقص في قضاء عمر وتزيد في قضاء معاوية . فلو كنت أنا جعلت في الأضراس بعيرين بعيرين فتلك الدية سواء.
قال الربيع : فقلت للشافعي : فإنا نقول في الأضراس خمس خمس : قال الشافعي : فقد خالفتم حديث عمر وقلتم في الأضراس خمس خمس.
وهكذا تقول لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم : في السن خمس.
وكانت الضرس سناً.
وبسط الكلام في ذلك وقال فيه : هكذا ينبغي لنا ولكم أن لا نترك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً أبداً لقول غيره.
قال أحمد : وقد روي عن عمر أنه قال : الأسنان سواء الضرس والثنية.
وكأنه رجع إليه.
وروينا عن الزهري عن ابن المسيب أنه قال : إن السن إذا سودت تم عقلها.
وروينا عن بكير بن الأشج عن ابن المسيب أنه قال : في السن إذا أصيبت فاسودت بعد ذلك فسقطت ففيها عقلها كله كاملاً.
(6/221)
1031 - باب عَقْل الأصابع
4914 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا إسماعيل بن علية بإسناده عن رجل عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في الأصابع عشر عشر.
هكذا رواه في كتاب الجراح ولم يسق إسناده.
4915 - وقد أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا شافع بن محمد أخبرنا أبو جعفر بن سلامة حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا إسماعيل حدثنا غالب التمار عن حميد بن هلال عن مسروق بن أوس عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : في الأصابع عشر عشر.
هكذا رواه علي بن المديني عن إسماعيل.
ورواه ابن أبي عروية عن غالب التمار عن حميد بن هلال عن مسروق بن أوس عن أبي موسى.
وروينا في الحديث الثابت عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذه وهذه سواء.
يعني : الخنصر والإبهام.
وفي رواية يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس قال (6/222)
جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابع اليدين والرجلين سواء.
4916 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان وعبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب : أن عمر بن الخطاب قضى في الإبهام بخمس عشرة وفي التي تليها بعشر وفي الوسطى بعشر وفي التي تلي الخنصر بتسع وفي الخنصر بست.
زاد أبو عبد الله في روايته قال الشافعي : لما كان معروفاً - والله أعلم - عند عمر رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في اليد خمسين.
وكانت اليد خمسة أطراف مختلفة الجمال والمنافع نزلها منازلها فحكم لكل واحد من الأطراف بقدره من دية الكف.
وهذا قياس على الخبر فلما وجد كتاب آل عمرو بن حزم فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وفي كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل.
صاروا إليه ولم يقبلوا كتاب آل عمرو بن حزم - والله أعلم - حتى يثبت لهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أحمد : روينا عن جعفر بن عون عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب في قضاء عمر في الأصابع نحو من رواية الشافعي إلا أنه قال : في الإبهام ثلاثة عشر وفي التي تليها بإثني عشر وزاد حتى وجد كتاب عند آل عمرو بن حزم يذكرون أنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(6/223)
وفيما هنالك من الأصابع عشر عشر.
قال سعيد : فصارت الأصابع إلى عشر عشر.
4917 - أخبرناه أبو زكريا أخبرنا أبو عبد الله بن يعقوب حدثنا محمد بن عبد الوهاب أخبرنا جعفر بن عون فذكره.
1032 - باب عين الأعور
4918 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال الشافعي : وإذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وفي العين خمسون.
فإنما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في العين خمسين فمن جعل في عين الأعور أكثر من خمسين فقد خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أحمد : وروينا عن عبد الله بن مغفل في أعور فقأ عين صحيح قال : العين بالعين.
وعن مسروق في الأعور تصاب عينه الصحيح قال : ما أنا فقأت عينه أنا أدى قتيل الله فيها نصف الدية.
قال أحمد : وبعض أهل المدينة ذهبوا إلى إيجاب كمال الدية فيها.
وروي فيها عن عمر وعلي.
والرواية فيها عن علي منقطعة.
(6/224)
وظاهر الكتاب والسنة يدل على ما قلنا ، والله أعلم.
1033 - باب دية المرأة
4919 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم عن عبيد الله بن عمر عن أيوب بن موسى عن ابن شهاب ومكحول وعطاء قالوا : أدركنا الناس على أن دية المسلم الحر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مِئَة من الإبل.
فقوم عمر بن الخطاب تلك الدية على أهل القرى ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم.
ودية الحرة المسلمة إذا كانت من أهل القرى خمس مِئَة دينار أو ستة آلاف درهم.
فإذا كان الذي أصابها من الأعراب فديتها خمسون من الإبل.
ودية الأعرابية إذا أصابها الأعرابي خمسون من الإبل.
وذكر حديث عثمان في المرأة التي وطئت بمكة.
4920 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي عن محمد بن الحسن أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن علي بن أبي طالب أنه قال : عقل المرأة على النصف من عقل الرجل والمرأة في العقل إلى الثلث ثم النصف فيما بقي.
قال : وأخبرني أو حنيفة عن حماد عن إبراهيم أنه قال : قول علي في هذا أحب إليّ من قول زيد.
(6/225)
قال : وأخبرنا محمد بن أبان عن حماد عن إبراهيم عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب أنهما قالا : عقل المرأة على النصف من دية الرجل في النفس وفيما دونها.
قال أحمد : وروينا عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه سأل سعيد بن المسيب بكم في أصبع المرأة ؟ قال : عشر.
قال : كم في إثنين ؟ قال : عشرون.
قال : كم في ثلاث ؟ قال ثلاثون.
قال : كم في أربع ؟ قال : عشرون.
قال ربيعة : حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها.
قال : أعراقي أنت ؟ قال ربيعة : عالم متثبت أو جاهل متعلم.
قال : يا ابن أخي إنها السُنة.
4921 - أخبرنا أبو زكريا في آخرين قالوا : حدثنا أبو العباس حدثنا بحر بن نصر قال حدثنا ابن وهب حدثني مالك وأسامة وسفيان عن ربيعة فذكره.
4922 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : القياس الذي لا يدفعه أحد يغفل ولا يخطىء به أحد فيما نرى أن نفس المرأة إذا كانت فيها من الدية نصف دية الرجل وفي يدها مثل نصف ما في يده أنه ينبغي أن يكون ما صغر من جراحها هكذا.
(6/226)
فلما كان هذا من الأمور التي لا يجوز لأحد أن يخطىء بها من جهة الرأي وكان ابن المسيب يقول : في ثلاث أصابع المرأة ثلاثون وفي أربع عشرون.
ويقال له : حين عظم جرحها ينقص عقلها ؟ فيقول : هي السنة.
وكان يروي عن زيد بن ثابت : أن المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث دية الرجل ثم تكون على النصف من عقله.
لم يجز أن يخطىء أحد هذا الخطأ من جهة الرأي لأن الخطأ إنما يكون من جهة الرأي فيما يمكن مثله فيكون رأي أصح من رأي.
فأما هذا فلا أحسب أحد يخطىء بمثله إلا الاتباع لمن لا يجوز خلافه عنده.
فلما قال سعيد بن المسيب : هي السنة.
أشبه أن يكون عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن عامة من أصحابه.
ولم يشبه زيد أن يقول هذا من جهة الرأي لأنه لا يحمله الرأي.
فإن قال قائل : عن علي خلافه.
فلا يثبت عن علي ولا عن عمر ولو ثبت كان يشبهان أن يكونا قالا به من جهة الرأي ولا يكون فيما قال سعيد السنة إذ كان يخالف القياس والعقل إلا علم اتباع فيما نرى . والله أعلم.
قال أحمد : هذا قوله فيما ذَبَّ عن أهل المدينة ثم أردفه بأن قال : وقد كنا نقول به على هذا المعنى ثم وقفت عنه وأسأل الله الخير من قبل أنّا قد نجد منهم من يقول السُنة ثم لا نجد لقوله السُنة نفاذاً بأنها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فالقياس أولى بنا فيها.
(6/227)
قال : ولا يثبت عن زيد إلا كثبوته عن علي.
قال أحمد : إنما رواه عن علي وزيد الشعبي وإبراهيم النخعي وروايتهما عنهما منقطعة وكذلك رواية إبراهيم عن عمر.
والقياس ما قال الشافعي رحمه الله.
4923 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي في ما بلغه عن شعبة عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله في جراحات الرجال والنساء : يَسْتوي في السن والموضحة وما خلا فعلى النصف.
قال الشافعي : وهم يخالفون هذا فيقولون : على النصف من كل شيء.
أورده فيما ألزم العراقيين عبد الله بن مسعود.
وقد روى هشيم عن مغيرة عن إبراهيم أنه قال : كان فيما جاء به عروة البارقي إلى شريح من عند عمر فذكر نحو قول ابن مسعود في جرح النساء . والله أعلم.
قال أحمد : وروينا عن زيد بن أسلم أنه قال : مضت السُنة بأن في الذكر الدية وفي الأنثيين الدية.
وعن الحجاج عن مكحول عن زيد بن ثابت أنه قال في البيضتين : هما سواء.
(6/228)
وكذلك قاله عطاء ومجاهد وعروة ومسروق والحسن.
4924 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار : أن زيد بن ثابت قضى في العين القائمة إذا طفئت أو قال : بخقت بمِئَة دينار.
قال مالك : ليس على هذا العمل إنما فيها الاجتهاد لا شيء مؤقت.
وجعل الشافعي رحمه الله فيها الحكومة في موضع آخر ثم قال : وقد قضى زيد بن ثابت في العين القائمة بمِئَة دينار ولعله قضى به على هذا المعنى.
قال أحمد : وعلى هذا المعنى يشتبه أن يكون قول عمر بن الخطاب في العين القائمة والسن السوداء واليد الشلاء ثلث ديتها.
وروينا عن مسروق أنه قال : في العين العوراء واليد الشلاء ولسان الأخرس حكم.
وكذلك رواه محمد بن الحسن عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم النخعي فيما حكاه الشافعي.
4925 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم عن ابن جريج قال : سألت عطاء عن الحاجب يشان ؟ قال : ما سمعت فيه بشيء.
قال الشافعي (6/229)
فيه حكومة بقدر الشين والألم.
4926 - وبإسناده أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال قلت لعطاء : حلق الرأس فيه نذر ؟ فقال : لم أعلم.
قال الربيع : النذر والقدر واحد.
قال الشافعي : لا نذر في الشهر معلوم.
قال أحمد : ولم يثبت عن أحد من الصحابة ما روي عنهم.
فالذي روي عن أبي بكر : أنه قضى في الحاجب إذا أصيبت حتى يذهب شعره بموضحتين عشر من الإبل.
إنما رواه عمرو بن شعيب عن أبي بكر منقطعاً.
والذي روي عن زيد بن ثابت أنه قال : في الشعر إذا لم ينبت الدية.
إنما رواه الحجاج بن أرطأة.
والحجاج غير محتج به عن مكحول عن زيد.
ومكحول لم يدرك زيداً فهو منقطع.
(6/230)
قال ابن المنذر وروينا عن زيد بن ثابت أنه قال : في الحاجب ثلث الدية.
وقال في الشعر يجنى عليه فلا ينبت : روينا عن علي وزيد أنهما قالا : فيه الدية.
قال ابن المنذر : ولم يثبت عن علي وزيد ما روي عنهما.
1034 - باب الترقوة والضلع
4927 - أخبرنا أبو زكريا وأبو بكر وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن مسلم بن جندب عن أسلم مولى عمر بن الخطاب : أن عمر بن الخطاب قضى في الضرس بجمل وفي الترقوة بجمل وفي الضلع بجمل.
قال الشافعي في رواية أبي سعيد : في الأضراس خمس خمس لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم : في السن خمس.
وكانت الضرس سناً.
ثم قال : وأنا أقول بقول عمر في الترقوة والضلع لأنه لم يخالفه أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهما علمته.
فَلِمَ أراني أذهب إلى رأي فأخالفه به.
(6/231)
قال أحمد : بهذا أجاب في كتاب اختلافه ومالك.
وبه أجاب في كتاب الديات.
وهو قول سعيد بن المسيب.
وقال الشافعي في كتاب الجراح : يشبه والله أعلم أن يكون ما حكي عن عمر فيما وصفت حكومة لا توقيت عقل.
ففي كل عظم كُسر من إنسان غير السن حكومة وليس في شيء منها أرش.
1035 - باب دية أهل الذمة
4928 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : أمر الله تعالى في المعاهد يقتل خطأ بدية مسلَّمة إلى أهله.
ودلت سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يقتل مؤمن بكافر.
مع ما فرق الله به بين المؤمنين والكافرين فلم يجز أن يحكم على قاتل الكافر إلا بدية ولا أن يتقص منها إلا بخبر لازم.
وقضى عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان في دية اليهودي والنصراني بثلث دية المسلم.
وقضى عمر في دية المجوسي بثمانمِئَة درهم.
ولم نعلم أحداً قال في دياتهم أقل من هذا.
وقد قيل أن دياتهم أكثر من هذا فألزمنا قاتل كل واحد من هؤلاء الأقل مما اجتمع عليه.
(6/232)
4929 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا فضيل بن عياض عن منصور بن المعتمر عن ثابت الحداد عن ابن المسيب : أن عمر بن الخطاب قضى في دية اليهودي والنصراني بأربعة آلاف وفي دية المجوسي بثمانمِئَة درهم.
وكذلك رواه ابن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عمر وهو في كتاب الدَّارَقُطنِيّ بإسناد صحيح.
وفيه أيضاً عن يحيى بن سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه.
4930 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن صدقة بن يسار قال : أرسلنا إلى سعيد بن المسيب نسأله عن دية المعاهد فقال : قضى فيه عثمان بن عفان بأربعة آلاف.
قال فقلنا : فمن قتله ؟ : قال : فحصبنا.
قال الشافعي : هم الذين سألوه آخراً.
وإنما أراد - والله أعلم - أن ابن المسيب كان يقول بخلاف ذلك ثم رجع إلى هذا.
وروي في دية المجوسي عن علي وعبد الله بن مسعود مثل قول عمر.
4931 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا محمد بن الحسن أخبرنا محمد بن يزيد أخبرنا سفيان بن حسين عن الزهري أن ابن شاس الجذامي قتل رجلاً من أنباط الشام فرفع إلى عمر فأمر بقتله فكلمه الزبير وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهوه عن قتله.
قال : فجعل ديته ألف دينار.(6/233)
4932 - وبإسناده عن الزهري عن ابن المسيب قال : دية كل معاهد في عهده ألف دينار.
4933 - وبإسناده قال وأخبرنا محمد بن الحسن أخبرنا خالد بن عبد الله عن مغيرة عن إبراهيم قال : دية اليهودي والنصراني والمجوسي سواء.
4934 - وبإسناده قال أخبرنا محمد أخبرنا خالد عن مطرف عن الشعبي مثله إلا أنه لم يذكر المجوسي.
قال الشافعي في حديث عثمان : هذا من حديث من يجهل فإن كان غير ثابت فدع الاحتجاج به وإن كان ثابتاً فعليك فيه حكم ولك فيه آخر فقل به حتى نعلم أنك قد اتبعته على ضعفه . يريد رجوعه عن قتل المسلم بالكافر.
قال : فقد روينا عن الزهري أن دية المعاهد كانت في عهد أبي بكر وعمر وعثمان دية تامة حتى جعل معاوية نصف الدية في بيت المال.
قلنا : فتقبل أنت من الزهري إرساله فنحتج عليك بمرسله ؟ قال : ما يقبل المرسل من أحد وإن الزهري لقبيح المرسل.
قلنا : فإذا أبيت أن تقبل المرسل فكان هذا مرسلاً وكان الزهري قبيح المرسل عندك أليس قد رددته من وجهين ؟ ثم استدل الشافعي برواية ابن المسيب عن عمر ، وعثمان على خلاف حديث الزهري فيه.
قال سعيد بن المسيب عن عمر منقطع.
قال الشافعي : إنه ليزعم أنه حفظ عنه ثم تزعمونه أنتم خاصة وهو عن عثمان غير منقطع.
قال أحمد :(6/234)
أظنه أراد ما 4935 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران حدثنا أبو عمرو بن السماك حدثنا حنبل بن إسحاق قال حدثني أبو عبد الله أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن إياس بن معاوية قال قال سعيد بن المسيب : ممن أنت ؟ قلت : من مزينة.
قال : إني لأذكر يوم نعى عمر بن الخطاب النعمان بن مقرن المزني على المنبر.
وروينا عن يحيى بن سعيد الأنصاري : أن ابن المسيب كان يسمي راوية عمر بن الخطاب لأنه كان أحفظ الناس لأحكامه.
وقال مالك : بلغني أن عبد الله بن عمر كان يرسل إلى ابن المسيب يسأله عن بعض شأن عمر وأمره.
قال الشافعي : الدية جملة لا دلالة على عددها في تنزيل الوحي وإنما قلنا عدد الدية مِئَة من الإبل عن النبي صلى الله عليه وسلم وقبلنا عن عمر الذهب والورق إذ لم يكن عن النبي صلى الله عليه وسلم في شيء.
فهكذا قبلنا عن النبي صلى الله عليه وسلم عدد دية المسلم.
وعن عمر دية غيره ممن خالف الإسلام إذ لم يكون فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء.
ثم ذكر استواء الرجال والنساء والعبيد والأجنة في وجود الرقبة واختلافهم في بدل النفس.
قال في القديم : فإذا كان الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في دية الحر المسلم أنها مِئَة من الإبل فهل وجدت حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أن دية المعاهد مثل دية المسلم ؟ فذكر خبراً لا يثبت مثله.
قال أحمد : وكأنه ذكر له حديث أبي سعد البقال عن عكرمة عن ابن عباس قال (6/235)
جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية العامريين دية الحر المسلم.
وكان لهما عهد.
وهذا حديث ينفرد به أبو سعد سعيد بن المرزبان البقال.
وأهل العلم لا يحتجون بحديثه.
ورواه أبو كرز الفهري عن نافع عن ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم ودى ذمياً دية مسلم.
وأبو كرز هذا متروك الحديث ولم يروه عن نافع غيره.
قاله الدارقطني فيما 4936 - أخبرني أبو عبد الرحمن عنه.
وأما من قال من أهل المدينة أن ديته نصف دية المسلم فإنما ذهبوا فيه إلى حديث عمرو بن شعيب.
قال الشافعي في القديم : ذكر مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يقتل مؤمن بكافر وديته نصف دية المسلم.
(6/236)
قال الشافعي : ورووه عن عمر بن عبد العزيز وقاله عوام منهم.
قال أحمد : حديث عمر وقد روي عنه عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد روينا عن حسين المعلم عن عمرو عن أبيه عن جده قال : كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمِئَة دينار : ثمانية آلاف درهم ودية أهل الكتاب يومئذٍ النصف من دية المسلم.
قال : وكان كذلك حتى استخلف عمر فذكر خطبته في رفع الدية حين غلت الإبل.
قال : وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية.
فيشبه - والله أعلم - أن يكون قوله : على النصف من دية المسلم راجعاً إلى : ثمان آلاف درهم . فتكون ديتهم في روايته في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أربعة ألاف درهم ثم لم يرفعها عمر فيما رفع من الدية وكأنه علم - والله أعلم - أنها في أهل الكتاب توقيت وفي أهل الإسلام تقويم.
والذي يؤكد ما قلنا حديث جعفر بن عون ابن جريج عن عمرو بن شعيب : أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض على كل مسلم قتل رجلاً من أهل الكتاب أربعة آلاف.
4937 - أخبرناه أبو زكريا أخبرنا أبو عبد الله الشيباني حدثنا محمد بن عبد الوهاب أخبرنا جعفر فذكره.
4938 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب عن يحيى بن سعيد قال أخبرني سليمان بن يسار : أن الناس كانوا يقضون في المجوس بثمانمِئَة درهم وأن اليهود والنصارى إذا أُصيبوا يقضى لهم بقدر ما يعقلهم قومهم فيما بينهم.
أورده إلزاماً لمالك في خلاف بعض التابعين.
(6/237)
1036 - باب جراحة العبد
4939 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب أنه قال : عقل العبد في ثمنه.
زاد أبو عبد الله في روايته قال الشافعي : سمعت منه كثيراً هكذا وربما قال كجراح الحر في ديته.
4940 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعيد عن ابن شهاب عن ابن المسيب أنه قال : جراح العبد في ثمنه كجراح الحر في ديته.
قال ابن شهاب : وإن ناساً يقولون تقوم بسلعة.
وفي رواية أبي عبد الله قال أخبرنا الثقة وهو يحيى بن حسان -.
قال أحمد : ورويناه عن ابن المسيب من وجه آخر قال : إذا شج العبد موضحة فله فيها نصف عشر قيمته.
وقال ذلك سليمان بن يسار وهو معنى قول شريح والشعبي والنخعي.
4941 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي في العبد يقتل (6/238)
فيه قيمته بالغة ما بلغت.
وهذا يروى عن عمر ، وعلي.
قال أحمد : روينا عن عامر الشعبي أنه قال : لا تعقل العاقلة عمداً ولا عبداً ولا صلحاً ولا اعترافاً.
وروي ذلك عن عمر مرسلاً موقوفاً على عمر.
4942 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الوليد الفقيه حدثنا محمد بن أحمد بن زهير حدثنا عبد الله بن هاشم حدثنا وكيع حدثنا عبد الملك بن حسين أبو مالك عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن عمر قال : العمد والعبد والصلح والاعتراف في مال الرجل لا تعقله العاقلة.
وهذا منقطع بين الشعبي وعمر.
وعبد الملك بن حسين غير قوي والمحفوظ رواية ابن إدريس عن مطرف عن الشعبي من قوله.
وروي عن ابن عباس أنه قال : لا تحمل العاقلة عمداً ولا صلحاً ولا اعترافاً ولا ما جنى المملوك.
ورواه أبو الزناد عن أصحابه من فقهاء تابعي أهل المدينة بهذا المعنى.
وروي عن ابن عباس : أن العبد لا يغرم سيده فوق نفسه شيئاً.
وروي عن عروة بن الزبير وغيره من فقهاء التابعين.
(6/239)
1037 - باب من العاقلة التي تغرم
4943 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : لم أعلم مخالفاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قضى بالدية على العاقلة.
وهذا أكثر من حديث الخاصة وقد ذكرناه من حديث الخاصة يعني ما 4944 - أخبرنا أبو سعيد وغيره - في مسئلة الجنين - قالوا حدثنا أبو العباس قال أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا يحيى بن حسان أخبرنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتاً بغرة عبد أو أمة ثم أن المرأة التي قضى عليها بالغزة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميرائها لبنيها وزوجها والعقل على عصبتها.
قال الشافعي : فبين في قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قضى امرأة أصابت جنيناً بغرة وقضى على عصبتها بأن عليهم ما أصابت وأمن ميراثها لولدها وزوجها وأن العقل على العاقلة وإن لم يرثوا وأن الميراث لمن جعله الله له.
قال : وقد روى هذا إبراهيم النخعي عن عبيد بن نُضَيلة عن المغيرة بن شعبة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين بغرة عبد أو أمة وقضى به على عاقلة الجانية التي أصابته.
4945 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن عبيد بن نُضَيْلة عن المغيرة بن شعبة : أن امرأتين كانتا تحت رجل من هذيل فضربت إحداهما الأخرى بعمود فقتلتها (6/240)
_ يعني وأسقطت ما في بطنها - فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحد الرجلين : كيف تَدِي من لا صاح ولا أكل ولا شرب ولا استهل فقال : أسَجْعُ كَسَجْعِ الأَعْرَابِ ؟ وقضى فيه بغرة وجعله على عاقلة المرأة.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث غندر عن شعبة.
4946 - أخبرنا أبو علي أبو بكر حدثنا أبو داود حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور . بإسناده ومعناه وزاد قال : فجعل النبي صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عصبة القاتلة وغُرة لما في بطنها.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث جرير.
4947 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : ولم أعلم مخالفاً في أن العاقلة العصبة وهم القرابة من قبل الأب.
قال : وقد قضى عمر بن الخطاب على عليّ بن أبي طالب بأن يعقل عن موالي صفية بنت عبد المطلب وقضى للزبير بميراثهم لأنه ابنها.
قال أحمد : وفي جامع الثوري عن حماد عن إبراهيم : أن الزبير وعلياً اختصما في موالي لصفية إلى عمر بن الخطاب فقضى بالميراث للزبير والعقل على عليّ.
ورواه أبو الزناد عن فقهاء التابعين من أهل المدينة.
قال أحمد (6/241)
وفي حديث عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة في حديث الجنين قال : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بميراثها لولدها وزوجها وأن عقلها على عصبتها وقال : يد من أيديكم حنت.
4948 - أخبرناه علي بن محمد المقري أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق حدثنا يوسف بن يعقوب حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا يزيد بن زريع حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق فذكره.
ورواه عبد الواحد بن زياد عن مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله : أن امرأتين من هذيل قتلت إحداهما الأخرى ولكل واحدة منهما زوج وولد فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عاقلة القاتلة وبرأ زوجها وولدها.
فقالت عاقلة المتقولة : ميراثها لنا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ميراثها لزوجها وولدها.
ثم ذكر حديث الجنين.
4949 - أخبرناه أبو الحسن المقرىء أخبرنا محمد بن الحسين حدثنا يوسف القاضي حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد . فذكره.
قال الشافعي : ومن في الديوان ومن ليس فيه من العاقلة سواء قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على العاقلة ولا ديوان حتى كان الديوان حين كثر المال في زمان عمر رضي الله عنه.
قال أحمد : وروينا في الحديث الثابت عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : كتب النبي صلى الله عليه وسلم على كل بطن عقولة.
(6/242)
4950 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو عمرو ابن أبي جعفر حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج فذكره.
1038 - باب ما تَحْملُ العاقلة
4951 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية على العاقلة وقضى في الجنين بغرة وقضى به على العاقلة فإذا قضى بالدية على العاقلة حين كانت دية ونصف عشر الدية على العاقلة حين كان نصف عشر الدية لأنهما معاً من الخطأ فكذلك يقضى لكل خطأ - والله أعلم - وإن كان درهماً واحداً.
وقال أبو حنيفة : يقضي عليهم بنصف عشر الدية ولا يقضي عليهم بما دونه لأنه لا يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى فيما دون نصف العشر بشيء.
قيل له : فإن كنت إنما اتبعت الخبر فقلت : أجعل الجنايات على جانيها إلا ما كان فيه خير لزمك أن تقول : إن جني جان ما في دية أو ما فيه نصف عشر دية فهي على عاقلته وإذا جنى ما هو أقل من دية وأكثر من نصف عشر الدية ففي ماله حتى تكون امتنعت من القياس عليه.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : وإذا قضى النبي صلى الله عليه وسلم أن العاقلة تعقل خطأ الحر في الأكثر قضينا به في الأقل ، والله أعلم.
قال الشافعي : وقال بعض من ذهب إلى أن تعقل العاقلة الثلث ولا تعقل دونه.
فإن يحيى بن سعيد قال (6/243)
من الأمر القديم أن تعقل العاقلة الثلث فصاعداً.
قلنا : القديم قد يكون ممن يقتدى به ويلزم قوله ويكون من الولاة الذين لا يقتدى بهم ولا يلزم قولهم.
فمن أي هذا هو ؟ قال : أظن به أعلاها وأرفعها.
قلت : أفتترك اليقين أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بنصف عشر الدية على العاقلة لظن ؟ لبئس ما أمرتنا لو لم يكن في هذا إلا القياس ما تركنا القياس بالظن.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : والسُنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى بنصف عشر الدية على العاقلة.
فمن زعم أنه لا يقضي بها على العاقلة فلينظر من خالف.
فإن قال : قد أثبت المنقطع كما أثبت الثابت.
فقد روي عن ابن أبي ذئب عن الزهري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً ضحك في الصلاة أن يعيد الوضوء والصلاة.
وهو يعرف فضل الزهري في الحفظ عمن يروي عنه.
وأخبرنا سفيان عن ابن المنكدر أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن لي مالاً وعيالاً وإن لأبي مالاً وعيالاً يريد أن يأخذ مالي يطعم عياله ؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت ومالك لأبيك.
قال الشافعي (6/244)
وهو يخالف هذين الحديثين معهما لعله لو جمع لكان كثيراً من المنقطع فإن كان أحد أخطأ بترك تثبيت المنقطع فقد شركه في الخطأ وتفرد دونه بترك المتصل.
فكيف يجوز أن يكون المتصل مردوداً ويكون المنقطع مردوداً حيث أراد ثابتاً حيث أراد . العلم إذاً في هذا الذي يزعم هذا لا في الحديث . ( . . . ) 1038 - مكرر - باب تنجيم الدية على العاقلة ( حلول الدية
4952 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : القتل ثلاثة وجوه : عمد محض.
وعمد خطأ.
وخطأ محض.
فأما الخطأ : فلا اختلاف بين أحد علمته في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيه بالدية في ثلاث سنين.
وذلك في مضي ثلاث سنين من يوم مات القتيل.
ثم ساق الكلام في شرحه إلى أن قال : والذي أحفظ من جماعة من أهل العلم أنهم قالوا في الخطأ العمد هكذا.
فأما العمد إذا قبلت فيه الدية وعفى عن القتل فالدية حالة كلها في مال القاتل وكذلك العمد الذي لا قود فيه.
(6/245)
مثل أن يقتل الرجل ابنه عمداً أو غير مسلم عمداً.
وهكذا صنع عمر بن الخطاب في ابن قتادة المدلجي أخذ منه الدية في مقام واحد.
قال أحمد : هكذا قال الشافعي في الخطأ أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بالدية في ثلاث سنين.
وإنما أراد - والله أعلم - في نقل العامة دون الخاصة وذلك بين في كلامه.
والذي قال في كتاب الرسالة من إضافة القضاء بدية الخطأ على العاقلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإضافة تنجيمها عليهم إلى من دونه أصح وأحرى على ما نقل إلينا من أخبار الخاصة . وبالله التوفيق.
4953 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ - في كتاب الرسالة - حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : وجدنا عاماً في أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في جناية الحر المسلم على الحر خطأ بمِئَة من الإبل على عاقلة الجاني.
وعام فيهم أنها في مضي الثلاث سنين في كل سنة ثلثها وبأسنان معلومة.
قال أحمد : وروينا عن الشعبي أنه قال : جعل عمر بن الخطاب الدية في ثلاث سنين وثلثي الدية في سنتين ونصف الدية في سنتين وثلث الدية في سنة.
وعن يزيد بن أبي حبيب : أن علياً قضى بالعقل في قتل الخطأ في ثلاث سنين.
(6/246)
وإسنادهما مرسل.
وروينا عن يحيى بن سعيد أنه قال : أن من السُنة أن تنجم الدية في ثلاث سنين.
4954 - أخبرنا أبو نصر بن قتادة أخبرنا أبو عمرو بن نجيد حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد حدثنا المعافى بن سليمان حدثنا زهير بن معاوية حدثنا الحسن بن عمارة حدثني واصل الأحدب عن المعرور : أن عمر جعل الدية العقل كاملاً في ثلاث سنين والنصف في سنتين وما دون ذلك في سنة.
وإنما أراد - والله أعلم - إن صح الحديث وهو ضعيف النصف وما في معناه في سنتين هو ما فوق الثلث إلى الثلثين والثلث فما دونه في سنة واحدة وشاهده رواية الشعبي وقد مضى ذكرها في كتاب السنن.
4955 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : ولم أعلم مخالفاًُ في أن لا يحمل أحد من الدية إلا قليل.
وأرى على مذاهبهم أن يحمل من كثر ماله وشهر من العاقلة إذا قومت الدية نصف دينار ومن كان دونه ربع دينار.
4956 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : وإذا أصاب المسلم نفسه بجرح خطأ فلا يكون له عقل على نفسه ولا على عاقلته.
ولا يضمن المرء ما جنى على نفسه وقد يروى أن رجلاً من المسلمين ضرب رجلاً من المشركين في غزاة أظنها خيبر بسيف فرجع السيف عليه فأصابه فرجع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجعل له في ذلك عقلاً.
4957 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو محمد بن يعقوب الحافظ حدثنا أحمد بن سلمة حدثنا قتيبة حدثنا حاتم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع قال :(6/247)
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر . فذكر الحديث قال : فلما تصاف القوم كان سيف عامر - يعني ابن الأكوع - فيه قصر فتناول بها ساق يهودي ليضربه فرجع ذباب سيفه فأصاب ركبة عامر فمات منه فلما قفلوا رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شاحب فقال لي : ما لك ؟ فقلت : فدأ لك أبي وأمي زعموا أن عامراً حبط عمله.
قال : من قاله ).
قلت : فلان وفلان . فقال : كذب من قاله إن له لأجرين وجمع بين أصبعيه إنه لجاهد مجاهد قتل غريباً مشابهاً مثله.
أخرجاه في الصحيح.
1039 - باب من حفر بئراً في ملكة أو في صحراء أو في طريق واسعة محتملة لا ضرر على المارة فيها
4958 - أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر بن سلامة حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : العجماء جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس.
(6/248)
4959 - وبإسناده أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : جرح العجماء جبار.
ثم ذكر الباقي مثله.
قال أحمد : حديثه عن مالك عن أبي الزناد غريب ليس في الموطأ.
وإنما رواه الربيع عن الشافعي عن سفيان عن أبي الزناد وهو المحفوظ.
وحديثه عن مالك عن ابن شهاب محفوظ مخرج في الصحيحين.
1040 - باب ما ورد في الإزدحام على البئر
4960 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن حنش بن المعتمر : أن ناساً حفروا بئراً لأسد فازدحم الناس عليها فتردى فيها رجل فتعلق بآخر وتعلق الآخر بآخر فجرحهم الأسد فاستخرجوا منها فماتوا فتشاجروا في ذلك حتى أخذوا السلاح.
فقال علي : لم تقتلون مائتي رجل من أجل أربعة ؟ تعالوا فلنقض بينكم بقضاء إن رضيتم وإلا فارتفعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال : للأول ربع الدية وللثاني ثلث الدية وللثالث نصف الدية وللرابع الدية كاملة وجعل الدية على قبائل الذين ازدحموا على البئر فمنهم من رضي ومنهم من لم (6/249)
يرض . فارتفعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصوا عليه القصة وقالوا : إن علياً قضى بكذا وكذا فأمضى قضاء علي.
قال الشافعي : وهم لا يقولون بهذا أورده فيما ألزم العراقيين في خلاف علي . وهو مرسل.
وحنش بن المعتمر غير قوي . قاله أبو عبد الرحمن النسائي.
وقال البخاري : حنش بن المعتمر يتكلمون في حديثه.
4961 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن ابن أبي زائدة عن مجالد عن الشعبي أنه قضى في القامصة والقارصة والواقصة جارية ركبت جارية فقرصتها جارية فقمصت فوقصت المحمولة فاندق عنقها فجعلها أثلاثاً.
قال الشافعي : وليسوا يقولون بهذا وينكرون الحكم ويقولون : ما يقول هذا أحد.
ويزعمون أن ليس على الموقوصة شيء وأن ديتها على عاقلة القارصة.
أورده فيما ألزم العراقيين في خلاف علي رضي الله عنه.
1041 - باب دية الجنين
4962 - أخبرنا أبو سعيد الزاهد حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة : أن إمرأتين من هذيل رمَتْ إحداهما الأخرى فطرحت جنينها فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغُرة عبد أو وليدة.
(6/250)
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث مالك بن أنس . ورواه عيسى بن يونس عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة وزاد فيه : أو فرس أو بغل.
قال أبو داود : روي هذا الحديث عن محمد بن عمر وحماد بن سلمة وخالد بن عبد الله لم يذكروا فيه : فرساً ولا بغلاً.
قال أحمد البيهقي : ذكر الفرس والبغل فيه غير محفوظ.
وروي من وجه آخر ضعيف ومرسل وهو من تفسير طاوس.
4963 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر القاضي وأبو زكريا المزكي وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة - يعني ابن حسان - أخبرنا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في جنين إمرأة من بني لحيان سقط ميتاً بغرة عبد أو أمة ثم أن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها وزوجها والعقل على عصبتها.
أخرجاه في الصحيح من حديث الليث.
4964 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن ابن المسيب : أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة عبد أو وليدة.
فقال الذي قضى عليه : كيف أغرْم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يَطَل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما هذا من إخوان الكهان.
(6/251)
أخرجه البخاري في الصحيح من حديث مالك هكذا مرسلاً.
4965 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عمرو عن طاووس : أن عمر بن الخطاب قال : أذكر الله امرءاً سمع من النبي صلى الله عليه وسلم في الجنين شيئاً.
فقام حمل بن مالك بن النابغة فقال : كنت بين جارتين لي فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فألقت جنيناً ميتاً فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة.
فقال عمر : إن كدنا أن نقضي في مثل هذا برأينا.
وقال في موضع آخر في روايتهم دون رواية أبي سعيد :
أَخْبَرَنَا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن طاووس عن طاووس فذكره وقال فيه : جارتين : عني ضرتين.
وقال في آخره : فقال عمر لو لم نسمع هذا لقضينا فيه بغير هذا.
قال الشافعي رحمه الله.
وبهذا كله نأخذ.
4966 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة عبد أو أمة وقوم أهل العلم الغرة خمساً من الإبل ولم يحك أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن الجنين أذكر أم أنثى إذ قضى فيه.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : فلما حكم فيه بحكم فارق حكم النفوس الأحياء والأموات وكان مغيب الأمر (6/252)
كان الحكم فيما حكم به على الناس اتباعاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
4967 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : لا اختلاف بين أحد أن قيمة الغرة خمس من الإبل.
وفي قول غيرنا على أهل الذهب خمسون ديناراً وعلى أهل الورق ستمِئَة درهم.
4968 - وبهذا الإسناد قال قال الشافعي : إذا ضرب الرجل بطن الأمة فألقت جنيناً ميتاً ففيه عشر قيمة أمه لأنه ما لم يُعرف فيه حياة فإنما حكمه حكم أمه إذا لم يكن حراً في بطنها.
وهكذا قال ابن المسيب والحسن وإبراهيم النخعي وأكثر من سمعنا منه من مفتي الحجازيين وأهل الآثار.
قال أحمد : وروينا عن الزهري أنه قال في الجنين كفارة مع الغرة وحكاه ابن المنذر عنه وعن عطاء والحسن والنخعي.
وورى ليث عن شهر بن حوشب : أن عمر صاح بامرأة فأسقطت فأعتق عمر غرة.
وروى إسماعيل بن عياش عن زيد بن أسلم : أن عمر بن الخطاب قوم الغرة خمسون ديناراً.
وفي إسنادهما انقطاع وضعف . والله أعلم.
وروينا عن النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب : أن قيس بن عاصم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني وأدت في الجاهلية ثمان بنات ؟ فقال : اعتق عن كل واحدة منهن نسمة.
(6/253)
1042 - باب القسامة
4969 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك بن أنس عن أبي ليلى ابن عبد الله بن عبد الرحمن عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره ورجال من كُبراء قومه : أن عبد الله بن سهل ومحيصة خرجا إلى خيبر من جهدٍ أصابهما فتفرقا في حوائجهما فأتى محيصة فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح في فقير أو عين فأتى يهود فقال : أنتم والله قتلتموه . قالوا : والله ما قتلناه.
فأقبل حتى قدم على قومه فذكر ذلك لهم فأقبل هو وأخوه حويصة وهو أكبر منه وعبد الله بن سهل وهو أخو المقتول فذهب محيصة يتكلم وهو الذي كان بخيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحيصة : كبر كبر.
يريد السن.
فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إما أن يَدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك وكتبوا : إنا والله ما قتلناه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن : تحلفون وتستحقون دم صاحبكم.
قالوا : لا . قال : فتحلف يهود.
(6/254)
قالوا : لا ليسوا بمسلمين.
فودَاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده فبعث إليهم بمِئَة ناقة حتى أدخلت عليهم الدار.
فقال سهل : لقد ركضتني منها ناقة حميراء.
رواه البخاري في الصحيح عن عبد الله بن يوسف وابن أبي أويس عن مالك وقال في إسناده كما قال الشافعي أنه أخبره وهو ورجال من كبراء قومه.
وكذلك قاله ابن وهب ومعن وجماعة عن مالك.
وأخرجه مسلم عن إسحاق بن منصور عن بشر بن عمر عن مالك وقال في إسناده : أنه أخبره عن رجال من كبراء قومه.
وقال ابن بكير عن مالك : أنه أخبره رجال من كبراء قومه.
4970 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة : أن عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود خرجا إلى خيبر فتفرقا لحاجتهما فقتل عبد الله بن سهل فانطلق هو وعبد الرحمن أخو المقتول وحويصة بن مسعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له قتل عبد الله بن سهل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تحلفون خمسين يميناً وتستحقون دم قاتلكم أو صاحبكم.
فقالوا : يا رسول الله لم نشهد ولم نحضر.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فتبرئكم يهود بخمسين يميناً.
(6/255)
قالوا : يا رسول الله كيف نقبل أيمان قوم كفار ؟ فزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم عقله من عنده.
قال بشر بن يسار : قال سهل : لقد ركضتني فريضة من تلك الفرائض في مربد لنا.
رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن مثنى عن عبد الوهاب.
4971 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معناه.
قال الشافعي : إلا أن ابن عيينة كان لا يثبت أقَدَّمَ النبي صلى الله عليه وسلم الأنصاريين في الإيمان أو يهود.
فقال في الحديث : أنه قدم الأنصاريين فيقول فهو ذاك أو ما أشبه هذا.
4972 - وأخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا شافع بن محمد أخبرنا أو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان أخبرنا يحيى بن سعيد قال أخبرني بُشير بن يسار قال أخبرني سهل بن أبي حثمة قال : وجد عبد الله بن سهل قتيلاً في فقير من فقار خيبر - أو قال - قليب من قلب خيبر - فأتى النبي صلى الله عليه وسلم أخوه عبد الرحمن بن سهل وحويصة ومحيصة فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الكبرْ الكبرْ.
فتكلم محيصة فقال : يا رسول الله إنا وجدنا عبد الله بن سهل قتيلاً وإن اليهود أهل كفر وغدر وهم قتلوه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فتحلفون خمسين - يميناً وتستحقون دم صاحكبم فقالوا : يا رسول الله وكيف نحلف على ما لم نحضر ولم نشهد ؟ (6/256)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تُبرئكم يهود بخمسين يميناً.
فقالوا : كيف نقبل أيمان قوم مشركين ؟ قال : فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال سهل : قد ركضتني فريضة منها.
قال الشافعي : وكان سفيان يحدثه هكذا وربما قال : لا أدري أبدأً رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأنصار في أمر يهود.
فيقال له : الناس يحدثون أنه بدا بالأنصار.
قال : فهو ذلك . وربما حدثه ولم يشك فيه.
قال أحمد : قد أخرج مسلم حديث سفيان عن عمرو الناقد عنه وأحال به على رواية الجماعة عن يحيى بن سعيد.
وقد أخرج البخاري ومسلم هذا الحديث عن حديث الليث بن سعد وحماد بن زيد وبشر بن المفضل عن يحيى بن سعيد عن بشُير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة ورافع بن خديج واتفقوا كلهم على البداية بالأنصار.
4973 - وأخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا شافع بن محمد أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أنه أخبره.
أن عبد الله بن سهل الأنصاري ومحيصة بن مسعود خرجا إلى خيبر فتفرقا في حوائجهما فقيل عبد الله بن سهل فقدم محيصة فأتى هو وأخو حويصة وعبد الرحمن بن سهل وهو أخو المقتول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب عبد الرحمن يتكلم (6/257)
لمكانه من أخيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كبر كبر.
فتكلم محيصة أو حويصة فذكر شأن عبد الله بن سهل فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : تحلفون خمسون يميناً وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم.
قالوا : يا رسول الله لم نشهد ولم نحضر.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فتبرئكم يهود بخمسين يمينا.
قالوا : يا رسول الله كيف نقبل أيمان قوم كفار ؟ قال مالك : قال يحيى : فزعم بشير : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وداه من عنده.
قال أحمد : وهكذا رواه سليمان بن بلال وهشيم بن بشير عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار : أنه ذكره.
قال سليمان : وهو يحدث عن من أدرك من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال هشيم : قال يحيى فحدثني بشير بن يسار قال أخبرني سهل قال : قد ركضتني فريضة من تلك الفرائض.
وقد أخرجهما مسلم في الصحيح.
واتفقوا على أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالأنصار.
ورواه أبو أويس المدني عن يحيى بن سعيد عن بشير عن رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة وسويد بن النعمان.
ورواه محمد بن إسحاق بن يسار عن الزهري وبشير بن أبي كيسان عن سهل بن أبي حثمة نحو رواية الجماعة في البداية بأيمان المدعين وقال (6/258)
تسمون قاتلكم ثم تحلفون عليه خمسين يميناً فنسلمه إليكم.
ورواه سعيد بن عبيد عن بشير بن يسار زعم أن رجلاً من الأنصار يقال له سهل بن أبي حثمة أخبره : أن نفراً من قومه انطلقوا إلى خيبر فتفرقوا فيها ووجدوا أحدهم قتيلاً وقالوا للذين وجد فيهم : قتلتم صاحبنا.
قالوا : ما قتلنا ولا علمنا قاتلاً.
فانطلقوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله انطلقنا إلى خيبر فوجدنا أحدنا قتيلاً.
فقال لهم : تأتوني بالبينة على من قتله.
قالوا : ما لنا بينة . قال : فيحلفون لكم.
قالوا : لا نرضى بأيمان اليهود.
فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه فوداه مِئَة من إبل الصدقة.
4974 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن إسحاق أخبرنا إبراهيم بن إسحاق حدثنا أبو نعيم حدثنا سعيد بن عبيد بهذا الحديث.
رواه البخاري عن أبي نعيم.
وأخرجه مسلم من وجه آخر عن سعيد ولم يسق متنه لمخالفته رواية يحيى.
قال مسلم بن الحجاج : رواية سعيد غلط ويحيى بن سعيد أحفظ منه.
(6/259)
قال أحمد : وهذا يحتمل أن لا يخالف رواية يحيى بن سعيد عن بشير.
وكأنه أراد بالبينة أيمان المدعين مع اللوث كما فسره يحيى بن سعيد أو طالبهم بالبينة كما في هذه الرواية.
فلما لم يكن عندهم بينة عرض عليهم الأيمان كما في رواية يحيى بن سعيد.
فلما لم يحلفوا ردها على اليهود كما في الروايتين جميعاً - والله أعلم - والذي يؤكد هذا التأويل ما 4975 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا الحسن بن علي بن عفان حدثنا محمد بن بشر عن سعيد بن أبي عروبة - أظنه عن قتادة - أن سليمان بن يسار حدث . فذكر إنكار عمر بن عبد العزيز قول من أقاد بالقسامة فقال سليمان : القسامة حق قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بَيْنا الأنصار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هم بصاحبهم يتشخط في دمه فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : قتلتنا اليهود وسموا رجلاً منهم ولم تكن لهم بينة فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : شاهدان من عندكم حتى أدفعه إليكم برمته.
فلم تكن لهم بينة . فقال : استحقوا بخمسين قسامة أدفعه إليكم برمته.
فقالوا : يا رسول الله إنا نكره أن نحلف على غيب فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نأخذ بقسامة اليهود بخمسين منهم.
قالت الأنصار : يا رسول الله إن اليهود لا يبالون الحلف بينما نقبل هذا منهم يأتون على آخرنا.
فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده.
قال أحمد (6/260)
ورواه غيره عن سعيد عن قتادة عن سليمان بن يسار.
وهذا المرسل يؤكد ما ذكرنا.
وروينا في حديث عمرو بن شعيب ما يوافق هذا.
4976 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الوليد الفقيه حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن يحيى حدثنا مسدد حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أن محيصة أصبح قتيلاً على أيواب خيبر فعدا أخوه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أخي أصبح قتيلاً على أبواب خيبر . فقال : شاهداك على من قتله ندفع إليك برمته.
فقال : كيف لي بالشاهدين ؟ قال : فتحلف خمسين قسامة.
قال : وذكر الحديث - يعني في امتناعه - وعرض أيمان اليهود وامتناعه من قبولها ثم دفع النبي صلى الله عليه وسلم ديته.
وروينا عن عقيل وقرة وابن جريج عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال : مضت السُنة في القسامة أن يحلف خمسون رجلاً خمسين يميناً فإن نكل واحد منهم لم يعطوا الدم.
4977 - أخبرنا أبو الحسن الرزاز أخبرنا أبو بكر الشافعي حدثنا عبيد بن عبد الواحد حدثنا ابن أبي مريم حدثنا يحيى بن أيوب عنهم.
وهذا الذي ذكرنا عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أولى مما روي عنهما بخلاف ذلك لموافقته الأحاديث الثابتة في البداية.
فأما القود بها ففيه خلاف وذلك مذكور في آخره.
4978 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي (6/261)
فقال - يعني من كلمة في هذه المسألة : - قد خالف حديثكم ابن المسيب وابن بُجيد.
قلت : أفأخذت بحديث سعيد وابن بجيد فتقول اختلفت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فأخذت بأحدها فقد خالفت كل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في القسامة.
قال : فلم لا تأخذ بحديث ابن المسيب ؟ قلت : منقطع والمتصل أولى أن يؤخذ به والأنصاريون أعلم بحديث صاحبهم من غيرهم.
قال : فكيف لم تأخذ بحديث ابن بُجيد ؟ قلت : لا يثبت ثبوت حديث سهل.
قال الشافعي : ومن كتاب عمر بن حبيب عن محمد بن إسحاق حدثنا محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن عبد الرحمن بن بُجيد بن قيظي أحد بني حارثة قال محمد - يعني ابن إبراهيم - وأيم الله ما كان سهل بأكثر علماً منه ولكنه كان أسن منه أنه قال : والله ما هكذا كان الشأن ولكن سهلاً أوهم ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احلفوا على ما لا علم لهم به ولكنه كتب إلى يهود خيبر حين كلمة الأنصار أنه وجد فيكم قتيل من أبياتكم فدوه فكتبوا إليه يحلفون بالله ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلاً فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده.
قال الشافعي : فقال لي قائل : ما منعك أن تأخذ بحديث ابن بُجيد ؟ قلت : لا أعلم ابن بُجيد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن سمع منه فهو مرسل ولسنا ولا وإياك يثبت الرسل.
(6/262)
وقد علمت سهلاً صحب النبي صلى الله عليه وسلم وسمع منه وساق الحديث سياقاً لا يشبه إلا الإثبات فأخذت به لما وصفت.
قال : فما منعك أن تأخذ بحديث ابن شهاب ؟ قلت : مرسل والقتيل أنصاري والأنصاريون بالعناية أولى بالعلم به من غيرهم إذ كان كلٌ ثقة وكلٌ عندنا بنعمة الله ثقة.
قال أحمد : وأظنه أراد بحديث الزهري ما روي عنه معمر عن أبي سلمة وسليمان بن يسار عن رجال من الأنصار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليهود وبدأ بهم : يحلف منكم خمسون رجلاً.
فأبوا . فقال للأنصار : استحقوا.
فقالوا : نحلف على الغيب يا رسول الله ؟ فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهود لأنه وجد بين أظهرهم.
وخالفه ابن جريج وغيره فرووه عن الزهري عن أبي سلمة وسليمان عن رجل أو عن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر القسامة على من كانت في الجاهلية وقضى بها بين ناس من الأنصار في قتيل أدعوه على اليهود.
وقال بعضهم : إن القسامة كانت قسامة الدم فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما كانت عليه في الجاهلية.
وكل من نظر فيما سوى حديث سهل بن أبي حثمة ثم في حديث سهل في هذه القصة علم أن سهلاً أحفظ لها وأحسن سياقاً للحديث من غيره.
(6/263)
وحدثنه متصل والمتصل أبداً أولى من غيره إذا كان كلٍ ثقة.
قال الشافعي رحمه الله :
أَخْبَرَنَا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن منصور عن الشعبي : أن عمر بن الخطاب كتب في قتيل وجد بين خَيْوان ووادعة : أن يقاس ما بين الفريقين قال : أيهما كان أقرب أخرج إليهم منهم خمسين رجلاً حتى يوافوه بمكة فأدخلهم الحجر فأحلفهم ثم قضى عليهم بالدية.
فقالوا : ما وقت أموالنا أيماننا ولا أيماننا أموالنا.
فقال عمر : كذلك الأمر.
قال الشافعي : وقال غير سفيان عن عاصم الأحول عن الشعبي قال عمر بن الخطاب : حقنتم بأيمانكم دمائكم ولا يطل دم مسلم.
ذكر الشافعي في الجواب عنه ما يخالفون عمر رضي الله عنه في هذه القصة من الأحكام فقيل له : أثابت هو عندك ؟ قال الشافعي :
أَخْبَرَنَا معاذ بن موسى عن بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان قال مقاتل : أخذت هذا التفسير عن نفر حفظ معاذ منهم : مجاهد والضحاك والحسن قوله {كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} الآية.
قال : بدو ذلك في حيين من العرب اقتتلوا قبل الإسلام بقليل وكان لأحد (6/264)
الحيين فضل على الآخر فأقسموا بالله لنقتلن بالأنثى الذكر وبالعبد منهم الحر.
فلما نزلت هذه الآية رضوا وسلموا.
قال الشافعي : وما أشبه ما قالوا من هذا بما قالوا لأن الله تعالى إنما ألزم كل مذنب ذنبه ولم يجعل جرم أحد على غيره فقال : {الحر بالحر} إذا كان - والله أعلم - قائلاً له {العبد بالعبد} إذا كان قاتلاً له {والأنثى بالأنثى} إذا كانت قاتلة لها لا أن يقتل بأحد ممن لم يقتله لفضل المقتول على القاتل.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم : أعدى الناس على الله من قتل غير قاتله.
وما وصفت من أني لم أعلم مخالفاً في أن يقتل الرجل بالمرأة دليل على أن لو كانت هذه الآية غير خاصة كما قال من وصفت قوله من أهل التفسير لم يقتل ذكر بأنثى.
وبسط الكلام في هذا.
1043 - باب قتل الرجل بالمرأة
4979 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي ولم أعلم ممن لقيت من أهل العلم مخالفاً في أن الذميين متكافئان بالحرية والإسلام فإذا قتل الرجل المرأة عمداً قتل بها وإذا قتلته قتلت به ولا يؤخذ من المرأة ولا أوليائها شيء للرجل إذا قتلت به ولا إذا قتل بها.
قال أحمد (6/265)
روينا عن عمر بن الخطاب أنه قتل ثلاثة نفر بامرأة أقادهم بها.
وبه قال سعيد بن المسيب واحتج بقوله عز وجل {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس}.
وروينا عن أنس بن مالك أن يهودياً قتل جارية على أوضاح فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم بها.
وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن الذي بعثه مع عمرو بن حزم : أن الرجل يقتل بالمرأة.
وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم.
4980 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن جرير عن مغيرة عن الشعبي عن عليّ في الرجل يقتل المرأة قال : إن أراد أولياء المرأة أن يقتصوا لم يكن ذلك لهم حتى يعطوا نصف الدية.
قال الشافعي : وليسوا يقولون بهذا يقولون بينهما القصاص في النفس.
أورده فيما ألزم العراقيين في خلاف عليّ.
وروي ذلك أيضاً عن الحسن عن علي وكلاهما ذكر منقطع وروي عن علي والحسن خلاف ذلك فيما حكاه ابن المنذر.
1044 - باب لا يقتل مؤمن بكافر
4981 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي (6/266)
قال الله تبارك وتعالى {كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر} الآية.
فكان ظاهر الآية والله أعلم أن القصاص إنما كتب على البالغين المكتوب عليهم القصاص لأنهم المخاطبون بالفرائض إذا قتلوا المؤمنين بابتداء الآية.
وقوله {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ} لأنه جعل الأخوة بين المؤمنين فقال {إنما المؤمنون إخوة} وقطع ذلك بين المؤمنين والكافرين.
قال الشافعي : ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثل ظاهر الآية.
قال الشافعي : سمعت عدداً من أهل المغازي وبلغني عن عدد منهم أنه كان في خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح : لا يقتل مؤمن بكافر.
قال : وبلغني عن عمران بن حصين أنه روى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال وأخبرنا مسلم بن خالد عن ابن أبي حسين عن مجاهد وعطاء - وأحسب طاووس والحسن - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يقتل مؤمن بكافر.
(6/267)
4982 - وأخبرنا به أبو عبد الله - في موضع آخر - وأبو بكر القاضي وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم عن ابن أبي حسين عن عطاء وطاوس - وأحسبه قال - مجاهد والحسن أو طاووس والحسن.
وقد رواه في كتاب الديات والقصاص من غير شك.
4983 - أخبرناه أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم عن ابن أبي حسين عن عطاء وطاوس ومجاهد والحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم الفتح : لا يقتل مسلم بكافر.
قال الشافعي : وقد يصله غيره من أهل المغازي من حديث عمران بن حصين وحديث غيره قال : في موضع آخر : وعمرو بن شعيب ولكن فيه حديث من أحسن إسنادكم فذكر الحديث الذي.
4984 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن مطرف عن الشعبي عن أبي جحيفة قال : سألت علياً رضي الله عنه فقلت : هل عندكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء سوى القرآن ؟ قال : لا والذي فلق الحبة وأبرأ النسمة إلا أن يؤتي الله عبداً كلماً في القرآن وما في الصحيفة.
قلت : وما في الصحيفة ؟ قالت : العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مؤمن بكافر.
وقال الشافعي في هذا الحديث في موضع آخر في روايتهم دون رواية أبي سعيد (6/268)
إلا أن يعطي الله عبداً فهما في كتابه . وقال : ولا يقتل مسلم بكافر.
رواه البخاري في الصحيح عن صدقة بن الفضل عن سفيان بن عيينة.
قال الشافعي : وذكر يحيى بن سعيد عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن قيس بن عباد عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يقتل مسلم بكافر.
وهذا فيما 4985 - أخبرنا أبو علي الروذباري حدثنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا سعيد بن أبي عروبة حدثنا قتادة عن الحسن عن قيس بن عباد قال : انطلقت أنا والأَشتر إلى علي فقلنا : هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لم يعهده إلى الناس عامة ؟ قال : لا إلا ما في كتابي هذا وكتاب في قراب سيفه فإذا فيه.
المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم ألا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده من أحدث حدثاً فعلى نفسه ومن أحدث حدثاً أو أوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
4986 - أخبرنا أبو عبده حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي في قوله : ولا ذو عهد في عهده.
يشبه أن يكون لما أعلمهم أنه لا قود بينهم وبين الكفار أعلمهم أن دماء أهل العهد محرمة عليهم فقال : لا يقتل مؤمن بكافر ولا يقتل ذو عهد في عهده.
احتج أبو جعفر الطحاوي - رحمنا الله وإياه - على صحة ما تأولوا عليه الخبر من أن المراد به لا يقتل مؤمن بكافر حربي ويقتل به ذو عهد.
(6/269)
بأن رواية علي بن أبي طالب هو أعلم بتأويله من غيره.
وقد أشار المهاجرون على عثمان بقتل عبيد الله بن عمر حين قتل الهرمزان وجفينة وهما ذميان وكان فيهم عليّ.
فثبت بهذا أن معنى الخبر ما ذكرنا.
وهذا الذي ذكر ساقط من أوجه.
أحدهما : أنه ليس في الحديث الذي رواه في هذا الباب أن علياً أشار بذلك فإدخاله في جملة من أشار به على عثمان برواية منقطعة دون رواية موصولة محال.
والثاني : أن في الحديث الذي رواه أيضاً قتل ابنتاً لأبي لؤلؤة صغيرة كانت تدعي الإسلام.
وإذا وجب القتل يؤاخذ من قتلاه صح أن يُشيروا عليه في خلاف علي رضي الله عنه.
1045 - باب كفارة القتل
4987 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة}.
قال الشافعي : {من قوم} يعني في قوم عدو لكم.
4988 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا(6/270)
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مروان بن معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال : لجأ قوم إلى خثعم فلما غشيهم المسلمون استعصموا بالسجود فقتلوا بعضهم فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أعطوهم نصف العقل لصلاتهم.
ثم قال عند ذلك : ألا إني بريء من كل مسلم مع مشرك.
قالوا : لِمَ يا رسول الله ؟ قال : لا ترايا نارهما.
قال أحمد : هذا مرسل . وقد رويناه عن أبي معاوية وحفص بن غياث عن إسماعيل عن قيس عن جرير موصولاً.
وقال بعضهم : فوداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف الدية.
وهو بإرساله أصح.
قال الشافعي في رواية أبي عبد الله : إن كان هذا ثبت فأحسب النبي صلى الله عليه وسلم أعطى من أعطى منهم تطوعاً وأعلمهم أنه بريء من كل مسلم مع مشرك - والله أعلم - في دار شرك ليعلمهم أن لا ديات لهم ولا قود.
وقد يكون هذا قبل نزول الآية فنزلت الآية بعد ويكون إنما قال : إني بريء من كل مسلم مع مشرك.
بنزول الآية . قال (6/271)
ولا يجوز أن يقال لرجل من قوم عدو لكم إلا من قوم عدو لنا وذلك أن عامة المهاجرين كانوا من قريش وقريش عامة أهل مكة وقريش عدو لنا . وبسط الكلام في بيانه.
قد روينا من أوجه عن ابن عباس أنه قال في تأويل الآية معنى ما قال الشافعي.
قال : ولو اختلفوا في القتال فقتل بعض المسلمين بعضاً فادعى القاتل على أنه لم يعرف المقتول فالقول قوله مع يمينه ولا قود عليه وعليه الكفارة ويدفع إلى أولياء المقتول ديته.
ثم ساق الكلام إلى أن ذكر الحديث الذي 4989 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مطرف عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير قال : كان أبو حذيفة اليمان شيخاً كبيراً فرفع في الآ طا م مع النساء يوم أحد فخرج يتعرض الشهادة فجاء من ناحية المشركين فابتدره المسلمون فتوشقوه بأسيافهم وحذيفة يقول أبي أبي فلا يسمعونه من شغل الحرب حتى قتلوه.
فقال حذيفة : يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين.
فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بديته.
وهذا قد رواه أيضاً موسى بن عقبة عن الزهري عن عروة فقال : ووداه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروي عن محمود بن لبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يديه فتصدق به حذيفة على المسلمين.
قال الشافعي في رواية المزني : إذا وجبت الكفارة في قتل المؤمن في دار الحرب وفي الخطأ الذي وضع الله فيه (6/272)
الإثم كان العهد أولى وجعله قياساً على قتل الصيد.
4990 - وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا عيسى بن محمد الرملي حدثنا ضمرة عن ابن أبي عبلة عن الغريف بن الديلمي قال أتينا واثلة بن الأسقع فقلنا له : حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صاحب لنا أوجب النار بالقتل فقال : اعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضواً منه من النار.
1046 - باب لا يرث القاتل خطأ
4991 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال قال محمد بن الحسن - وذلك في كتاب اختلاف أبي حنيفة وأهل المدينة - أخبرنا عباد بن العوام أخبرنا الحجاج بن أرطاة عن حبيب بن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه سئل عن رجل قتل أخاه خطأ فلم يورثه قال : ولا يرث قاتل شيئاً.
قال : وأخبرنا أبو حنيفة عن حماد النخعي قال : لا يرث قاتل ممن قتل خطأ أو عمداً ولكن يرثه أولى الناس به بعده.
قال الشافعي : وليس في الفرق من أن يرث قاتل الخطأ ولا يرث قاتل العمد خبر يتبع إلا خبر رجل فإنه يرفعه لو كان ثابتاً كانت الحجة فيه ولكنه لا يجوز أن نثبت له شيء ونرد له آخر لا معارض له.
قال أحمد : وإنما أراد حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو أن رسول (6/273)
الله صلى الله عليه وسلم قام يوم فتح مكة فقال : المرأة ترث من دية زوجها وهو يرث من ديتها ومالها ما لم يقتل أحدهما صاحبه عمداً فإن قتل أحدهما صاحبه عمداً لم يرث من ديته وما له شيئاً وإن قتل أحدهما صاحبه خطأ ورث من ماله ولم يرث من ديته.
ومن احتج بحديث عمرو بن شعيب لزمه أن يقول بهذا كما ذهب إليه أهل المدينة.
وأما الشافعي فإنه كالمتوقف في حديث عمرو حتى ينضم إليه ما يؤكده ، والله أعلم.
1047 - باب ميراث الدية
4992 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن الزهري عن ابن المسيب أن عمر بن الخطاب كان يقول : الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئاً حتى أخبره الضحاك بن سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه : أن يورث إمرأة أشيم الضباني من ديته فرجع إليه عمر.
4993 - وبهذا الإسناد أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى الضحاك بن سفيان أن يورث إمرأة أشيم الضباني من ديته.
قال ابن شهاب : وكان أشيم قتل خطأ.
(6/274)
1048 - باب الحكم في الساحر
قال الشافعي رحمه الله : قال تبارك وتعالى {وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَمْيَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُواْ يَعَلِّمَونَ النَّاسَ الَسِّحْرَ} إلى قوله : {ما له في الآخرة من خلاق}.
4994 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يا عائشة أما علمت أن الله عز وجل أفتاني في أمر استفتيتنيه فيه.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مكث كذا وكذا يخيل إليه أنه يأتي النساء ولا يأتيهن.
أتاني رجلان فجلس أحدهما عند رجلي والآخر عند رأسي فقال الذي عند رجلي للذي عند رأسي ما بال الرجل ؟ قال مطبوب . قال من طبة ؟ قال : لبيد بن الأعصم قال وفيم ؟ قال : في جف طلعة ذكر في مشط ومشاقة تحت زعونة أو رعونة - شك ربيع - وقال غيره تحت راعوفة في بئر ذروان.
قال : فجاءها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هذه الذي أريتها كأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين وكأن ماءها نقاعة الحناء.
فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرج.
قالت عائشة : فقلت يا رسول الله فهلا ؟ قال سفيان يعني تنشرت.
قالت فقال :(6/275)
أما والله فقد شفاني وأكره أن أثير على الناس منه شراً.
قالت : ولبيد بن أعصم رجل من بني زريف حليف ليهود.
رواه البخاري في الصحيح عن عبد الله بن محمد عن سفيان.
وأخرجاه من أوجه عن هشام.
4995 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار أنه سمع بجالة يقول : كتب عمر : أن أقتلوا كل ساحر وساحرة.
قال : فقتلنا ثلاث سواحر.
4996 - وبهذا الإسناد قال الشافعي وأخبرنا أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قتلت جارية لها سحرتها.
قال الشافعي في الكتاب بعد ما بسط الكلام في أنواع السحر وأمر عمر أن تقتل السحار - والله أعلم - إن كان السحر كما وصفنا شركاً.
وكذلك أمر حفصة.
وأما بيع عائشة الجارية التي سحرتها ولم تأمر بقتلها فيشبه أن تكون لم تعرف ما السحر فباعتها لأن لها بيعها عندنا وإن لم تسحرها.
ولو أقرت عند عائشة أن السحر شرك ما تركت قتلها.
إن لم تتب أو دفعتها إلى الإمام ليقتلها إن شاء الله.
قال وحديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم على أحد هذه المعاني عندنا . والله أعلم.
واحتج في حقن دم الساحر ما لم يكن سحره شركاً أو يقتل بسحره أحداً بما 4997 - أخبرنا أبو زكريا حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا(6/276)
عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا : لا إله إلا الله فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل.
(6/277)
بسم الله الرحمن الرحيم 35 - كتاب قتال أهل البغي
4998 - أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُواْ الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} الآية.
قال الشافعي : فذكر الله اقتتال الطائفتين والطائفتان الممتنعتان الجماعتان وأمر بالإصلاح بينهما فحق أن لا يقاتلوا حتى يدعوا إلى الصلح وأمر بقتال الفئة الباغية وهي مسماة باسم الإيمان حتى تفيْ إلى الله فإذا فاءت لم يكن لأحد قتالها.
والفيء الرجعة عن القتال بالهزيمة أو التوبة وغيرها.
وبسط الكلام في ذلك.
قال : وأمر إن فاءوا أن يصلح بينهم بالعدل ولم يذكر تباعة في دم ولا مال فأشبه هذا والله أعلم أن تكون التباعات في الجراح والدماء وما فات من الأموال ساقطة بينهم (6/278)
وقد يحتمل أن يصلح بينهم بالحكم إذا كانوا قد فعلوا ما فيه حكم فيعطي بعضهم من بعض ما وجب له لقول الله عز وجل {بالعدل} والعدل : أخذ الحق لبعض الناس من بعض.
وإنما ذهبنا إلى أن القود ساقط والآية تحتمل المعنيين.
فذكر حديث الزهري.
قال الشافعي :
أَخْبَرَنَا مطرف بن مازن عن معمر بن راشد عن الزهري قال : أدركت الفتنة الأولى في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت فيها دماء وأموال فلم يقص فيها من دم ولا مال ولا قرح أصيب بوجه التأويل إلا أن يوجد مال رجل بعينه فيدفع إلى صاحبه.
قال أحمد : ورواه ابن المبارك عن معمر بمعناه إلا أنه لم يقل : أدركت.
ورواه يونس عن الزهري وقال : فأدركت يعني : تلك الفتنة - رجالاً ذوي عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن شهد معه بدراً.
وبلغنا أنهم كانوا يرون أن يُهْدَر أمر الفتنة.
ثم ذكر بعض معناه.
قال الشافعي في القديم : وقد ظهر عليّ على بعض من قاتل وفي أصحابه من قتل منهم وفيهم من قتل من أصحابه وجرح فلم يقدّ واحداً من الفريقين من صاحبه من دم ولا جرح ولم يغرمه شيئاً علمناه.
4999 - أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس عن الربيع قال قال الشافعي : وأهل الردة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربان : منهم كفروا بعد إسلامهم مثل طليحة (6/279)
ومسيلمة والعنسى وأصحابهم.
ومنهم قوم تمسكوا بالإسلام ومنعوا الصدقات.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : وقول عمر لأبي بكر : أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ).
وقول أبي بكر : هذا من حقها لو منعوني عناقاً مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليها معرفة منهما معاً بأن ممن قاتلوا من هو على التمسك بالإيمان ولولا ذلك ما شك عمر في قتالهم ولقال أبو بكر : قد تركوا لا إله إلا الله فصاروا مشركين وذلك بين في مخاطبتهم جيوش أبي بكر وأشعار من قال الشعر منهم ومخاطبتهم لأبي بكر بعد الإسار فقال شاعرهم % ( ألا فأصبحينا قبل نائرة الفجر % لعل منايانا قريب وما ندري ) % % ( أطعنا رسول الله ما كان وسطنا % فيا عجباً ما بال ملك أبي بكر ) % % ( فإن الذي سالوكم فمنعتم % لكالتمر أو أحلى إليهم من التمر ) % % ( سنمنعهم ما كان فينا بقية % كرام على العزاء في ساعة العسر ) % وقالوا لأبي بكر بعد الإسار : ما كفرنا بعد إيماننا ولكن شححنا على أموالنا.
قال الشافعي (6/280)
وقول أبي بكر : لا تفرقوا بين ما جمع الله - يعني فيما أرى والله أعلم - أن مجاهدهم على الصلاة وأن الزكاة مثلها.
ولعل مذهبه فيه أن الله تعالى يقول {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة}.
وأن الله فرض عليهم شهادة الحق والصلاة والزكاة وأنه متى منع فرضاً قد لزمه لم يترك ومنعه حتى يؤديه أو يقتل.
قال : فسار إليهم أبو بكر بنفسه حتى لقي أخي بني بدر الفزاري فقاتله معه عمر وعامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم أمضى أبو بكر خالد بن الوليد في قتال من ارتد ومن منع الزكاة معاً فقاتلهم بعوام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الشافعي : وفي هذا ما دل على أن مراجعة عمر ، ومراجعة أبي بكر معه في قتالهم على وجه النظر له وللمسلمين لئلا يجتمع عليه حربهم مع حرب أهل الردة لا على التأثم من قتالهم.
قال أحمد : وهذا الذي ذكره الشافعي في قتال أهل الردة قد روينا أكثره بأسانيده في كتاب السنن من حديث غيره.
1049 - باب أهل البغي إذا فاءوا لم يتبع مدبرهم ولم يقتل أسيرهم ولم يجهز على جريحهم ولم يستمتع بشيء من أموالهم
5000 - أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : (6/281)
روي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين قال : دخلت على مروان بن الحكم فقال : ما رأيت أحداً أكرم غَلبَةً من أبيك ما هو إلا أن ولينا يوم الجمل فنادى مناديه : لا يقتل مدبر ولا يدفف على جريح.
قال الشافعي : هكذا ذكرت هذا الحديث للدراوردي فقال : ما أحفظه تعجب بحفظه.
هكذا ذكره جعفر بهذا الإسناد.
قال الدراوردي : أخبرنا جعفر عن أبيه أن علياً كان لا يأخذ سلباً وإن كان يباشر القتال بنفسه وإنه كان لا يدفف على جريح ولا يقتل مدبراً.
ورواه في القديم عن إبراهيم بن محمد عن جعفر.
وذكره في رواية أبي عبد الرحمن البغدادي عنه فقال :
أَخْبَرَنَا غير واحد عن جعفر بن محمد . فذكر معناه.
وذكر حديث ابن أبي إدريس عن حصين عن أبي جميلة عن علي أنه قال يوم الجمل : لا تتبعوا مُدبراً ولا تجيزوا على جريح ولا تغنموا مالاً.
قال الشافعي : لا تغنم أموالهم لأن الله تعالى إنما جعل الغنيمة في أموال الكافرين ولم يجعلها في أموال المصلين ولا يحل مال المسلم إلا بطيب نفس منه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يحل مال إمرئ مسلم إلا بطيب نفس منه.
(6/282)
قال وقد اختلف على علي في غنيمة أهل القبلة.
فذكر حديث موسى بن داود عن ابن المبارك عن الصلت بن بهرام قال : قلت لأبي وائل خَمَسَ عليّ ؟ قال : لا - يعني الخوارج من أهل النهر -.
وذكر حديث سفيان عن الشيباني عن عرفجة عن أبيه أن علياً أتى برثة أهل النهر فعرفها فكان من عرف شيئاً أخذه حتى بقيت قدر لم تعرف.
وذكر حديث يزيد بن هارون عن حجاج بن أرطاة عن منذر عن ابن الحنفية أن علياً قال : نغنم ما أوجفوا علينا من سلاح أو كراع.
قال أحمد : الحجاج غير محتج به.
وروي من وجه آخر منقطع أنه قال يوم الجمل : إن ظهرتهم فلا تطلبوا مدبراً ولا تجيزوا على جريح وانظروا ما حضرت به الحرب من آنية فاقبضوه وما كان سوى ذلك فهو لو رثته.
وهذا إنما بلغنا من حديث جعفر بن إبراهيم عن محمد بن عمر بن علي عن علي مرسلاً.
ومثل ذلك لا يحتج به.
والمشهور عن علي أنه لم يسب يوم الجمل ولا يوم النهر ولم يأخذ من متاعهم شيئاً.
5001 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا علي بن حمشاذ حدثنا الحارث بن أبي أسامة أن كثير بن هشام حدثهم قال حدثنا جعفر بن برقان حدثنا ميمون بن مهران عن أبي أمامة قال (6/283)
شهدت صفين فكانوا لا يجيزون على جريح ولا يقتلون مولياً ولا يسلبون قتيلاً.
قال أحمد : وقل قتيل في الحرب لا يكون معه سلاح.
وفي حديث سماك الحنفي عن ابن عباس في قصة الحرورنة ومناظرته معهم قالوا : فإنه قاتل ولم يسب ولم يغنم - يعنون علياً -.
5002 - وأنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي فاختة : أن علياً أتى بأسير يوم صفين فقال : لا تقتلني صبراً . فقال علي : لا أقتلك صبراً إني أخاف الله رب العالمين فخلى سبيله ثم قال : أفيك خير تبايع.
قال الشافعي : والحرب يوم صفين قائمة ومعاوية يقاتل جاداً في أيامه كلها منتصفاً أو مستعلياً.
وعلى يقول لأسير من أصحاب معاوية : لا أقتلك صبراً إني أخاف الله رب العالمين وأنت تأمر بقتل مثله - يريد - من كلمة في هذه المسألة.
ويعني بقوله : منتصفاً أو مستعلياً : أي تساويه مرة في الغلبة في الحرب ويعلوه أخرى.
وقيل منتصفاً : عند نفسه في طلب دم عثمان.
ومستعلياً : عند غيره.
فلما علم من براءة علي عن قتل عثمان رضي الله عنهما والأول أصح.
(6/284)
1050 - باب الرجل يأول فيقتل أو يتلف مالاً أو جماعة غير ممتنعة
قال الشافعي : أقصصت منه وأغرمته المال.
واحتج بقول الله عز وجل {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا}.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحل دم المسلم أو قتل نفس بغير نفس.
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : من اعتبط مسلماً بقتل فهو قود يده.
وساق الكلام إلى أن قال : علي بن أبي طالب ولي قتال المتأولين فلم يقصص من دم ولا مال أصيب في التأويل وقتله ابن ملجم متأولاً فأمر بحبسه وقال لولده.
إن قتلتم فلا تمثلوا ورأى له القتل.
زاد في القديم : ولو لم يكن له القود لقال لا تقتلوه فإنه متأول.
5003 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه : أن علياً قال في ابن ملجم بعد ما ضربه : أطعموه وأسقوه وأحسنوا إساره فإن عشت فأنا ولي دمي أعفو إن شئت وإن شئت استقدت وإن مت فقتلتموه فلا تمثلوا.
(6/285)
قال الشافعي في رواية أبي عبد الله بالإجازة : قتله حسن بن علي وفي التابعين بقية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نعلم أحداً أنكر قتله ولا عابة ولا خالف في أن يقتل إذا لم يكن له جماعة يمتنع بمثلها.
قال : ولم يقد عليّ ولا أبو بكر قبله ولي من قتله الجماعة الممتنعة مثلها على التأويل كما وصفنا.
ولا على الكفر قد قتل طليحة عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم ثم أسلم فلم يضمن عقلاً ولا قوداً.
قال الربيع : وللشافعي قول آخر : أنه يقاد منهم إذا ارتدوا وحاربوا وقتلوا.
قال أحمد : وذلك يرد مع ما روي فيه عن أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - إن شاء الله.
1051 - باب القوم يظهرون رأي الخوارج لم يحل به قتالهم
5004 - أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس عن الربيع قال قال الشافعي : بلغنا أن علي بن أبي طالب بينا هو يخطب إذ سمع تحكيماً من ناحية المسجد لا حكم إلا الله.
فقال علي بن أبي طالب : لا حكم إلا لله كلمة حق أريدَ بها باطل لكم علينا ثلاث : لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله.
ولا نمنعكم الفيء ما كانت أيديكم مع أيدينا.
(6/286)
ولا نبدؤكم بقتال.
قال في القديم \ وبلغني أن علي بن أبي طالب أُوتي بابن ملجم وقد بلغه أنه يريد قتله فخلاه وقال : أقتله قبل أن يقتلني ؟ ! 5005 - وأخبرني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن بن القاسم الأزرقي الغساني عن أبيه أن عدياً كتب إلى عمر بن عبد العزيز.
أن الخوراج عندنا يسبونك فكتب إليه عمر : إن سبوني فسبوهم أو أعفوا عنهم وإن شهروا السلاح فاشهروا عليهم وإن ضربوا فاضربوا.
قال الشافعي : وبهذا نقول . ..
قال الشافعي : ولو أن قوماً متأولين كثيراً كانوا أو قليلاً اعتزلوا جماعة الناس وكان عليهم وال لأهل العدل يجري حكمه فقتلوا وغيره قبل أن ينصبوا إماماً ويعتقدوا ويظهروا حكماً مخالفاً لحكمه كان عليهم في ذلك القصاص.
وهكذا كان شأن الذين اعتزلوا علياً ونقموا عليه الحكومة فقالوا : لا نساكنك في بلد واستعمل عليهم عاملاً فسمعوا له ما شاء الله ثم قتلوه فأرسل إليهم أن ادفعوا إلينا قاتله نقتله به.
(6/287)
قالوا : كلنا قتله . قال : فاستسلموا نحكم عليكم.
قالوا : لا . فسار إليهم قاتلهم فأصاب أكثرهم.
قال أحمد : قد روينا عن أبي مجلز أنه ذكر قصة الخوارج ونهى عليّ أصحابه عن أن يتبسطوا عليهم حتى يحدثوا حدثاً فمروا بعبد الله بن خباب فقتلوه.
ثم ذكر معنى ما قال الشافعي.
قال الشافعي في كتاب البويطي : وكل إمام ولي الناس باختيار أو بغيره أو متغلب فجرت أحكامه وسلكت به السبل وأمنت به البلاد لا يقاتل ولا يقاتل معه المسلمون.
والحجة في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : وإسمعوا واطيعوا وإن ولي عليكم كذا وكذا.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني.
فإن قيل : فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : أطيعوهم ما أطاعوا الله فإن عصوا الله فلا طاعة عليكم.
قال : فإنهم ما قاموا الصلاة مطيعين لله في إقامتها فعلينا طاعتهم فيما أطاعوا الله وما عصوا فيه أمسكنا عنهم ولم نطعهم في أن نشاركهم في المعصية.
5006 - أخبرنا أبو عمر ومحمد بن عبد الله حدثنا أبو بكر الإسماعيلي أخبرني الحسن بن سفيان حدثنا بندار حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا شعبة حدثني أبو التياح عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (6/288)
أسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة.
رواه البخاري في الصحيح عن بندار.
5007 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا إبراهيم بن مرزوق حدثنا بشر بن عمر حدثنا شعبة قال سمعت قتادة قال سمعت أنس بن مالك عن أسيد بن حصين أن رجلاً من الأنصار قال : يا رسول الله استعملت فلاناً ولم تستعملني قال : فإنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض.
أخرجاه في الصحيح من حديث شعبة.
وروينا في الحديث الثابت عن عبد الله بن مسعود قال قال لنا رسول اله صلى الله عليه وسلم : إنكم سترون بعدي أثره وأموراً تنكرونها.
قلنا فما تأمرنا ؟ قال : أدوا إليهم حقهم واسألوا الله عز وجل حقكم.
وروينا في الحديث الثابت عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر فإنه ليس أحد يفارق الجماعة إلا مات ميتة جاهلية.
5008 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو بكر أحمد بن سلمان الفقيه حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث حدثنا مسدد وسليمان بن داود العتكي حدثنا حماد بن زيد عن المعلى بن زياد وهشام بن حسان عن الحسن عن ضبة بن محصن عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سيكون عليكم أئمة تعرفون منهم وتنكرون فمن أنكر.
(6/289)
قال سليمان : قال هشام : بلسانه فقد برىء ومن كره.
يعني بقلبه : فهو سلم لكن من رضي وتابع.
فقيل يا رسول الله : أو لا نقاتلهم ؟ قال : لا ما صلوا.
رواه مسلم في الصحيح عن سليمان العتكي.
وهذا يدل على صحة ما قال الشافعي في كتاب البويطي في طاعة السلطان.
5009 - وأنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : وأكره للعدل أن يعمد قتل ذي رحمه من أهل البغي ولو كف عن قتل أبيه أو ذي رحمه أو أخيه من أهل الشرك لم أكره ذلك بل أحبه وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كف أبا حذيفة ابن عتبة عن قتل أبيه وأبا بكر يوم أحد عن قتل ابنه.
قال أحمد : وقد ذكر الواقدي عن ابن أبي الزناد عن أبيه قصة أبي حذيفة وذكر قصة عبد الرحمن بن أبي بكر بمعناه.
1052 - باب من أريد ماله فقاتل دونه
5010 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (6/290)
من قتل دون ما له فهو شهيد.
1053 - باب الخلاف في قتال أهل البغي
احتج الشافعي في جواز قتالهم بالآية وبما ذكرنا في أول هذا الكتاب من قتال الصحابة ما نعي الزكاة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واحتج في القديم في رواية أبي عبد الرحمن البغدادي عنه بحديث إسحاق الأزرق وهو فيما 5011 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا أبو جعفر الرزاز حدثنا محمد بن عبيد الله - وهو ابن المنادى - حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق حدثنا عوف الأعرابي عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تفترق أمتي فرقتين فتمرق بينهم مارقة تقتلها أولى الطائفتين بالحق.
أخرجه مسلم في الصحيح من وجه آخر عن أبي نضرة.
وذكر أيضاً في رواية أبي عبد الرحمن ما بلغه عن روح عن عثمان الشحام وذلك فيما 5012 - أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد حدثنا الحارث بن أبي سلمة حدثنا روح حدثنا عثمان الشخام حدثنا مسلم بن أبي بكرة وسُئل : هل سمعت في الخوارج من شيء ؟ (6/291)
قال : سمعت والدي أبا بكرة يقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا إنه سيخرج في أمتي قوم أشداء أحداء ذلقة ألسنتهم بالقرآن لا يجاوز تراقيهم فإذا لقيتموهم فأنيموهم ثم إذا رأيتموهم فأنيموهم فالمأجور من قتلهم.
وذكر أيضاً حديث وكيع عن الأعمش عن خيثمة عن سويد بن غفلة عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يخرج قوم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم.
5013 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد الله بن أحمد حدثني أبي حدثنا وكيع فذكر هذا الحديث بإسناده ومعناه وهو مخرج في الصحيحين.
وذكر أيضاً حديث كثير بن هشام عن حماد بن سلمة عن أبي غالب عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الخوارج : طوبى لمن قتلهم وقتلوه.
5014 - أخبرناه أبو بكر بن فورك أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود حدثنا حماد.
فذكره بإسناده في حديث الخوارج ببعض معناه.
وذكر الشافعي أيضاً حديث يزيد عن هشام عن محمد عن عبيدة عن علي قال : لولا أن تنظروا لحدثتكم ما وعد الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم الذين يقتلونهم.
(6/292)
علامتهم رجل مخدج اليد أو مثدون اليد أو مودن اليد.
5015 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا هشام عن محمد عن عبيدة عن علي . فذكر معناه.
قال الشافعي رحمه الله : فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال أقوام يخرجون فوصفهم ولم نعلم أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر على عليّ قتاله الخوارج وقد تأول على أن الذين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلهم هم الخوارج وذاك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : علامتهم رجل مخدج.
وقال أبو سعيد في حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج : فأتيت أُريد قتالهم فوجدت علياً قد سبقنا إليهم.
1054 - باب أمان العبد
احتج الشافعي رحمه الله في ذلك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم.
وقد ذكرنا إسناده في كتاب الجراح.
قال الشافعي : الحديث والعقل معاً يدلان على أنه يجوز أمان المؤمنين بالإيمان لا بالقتال.
(6/293)
واستدل على ذلك بأن المرأة تؤمن فيجوز أمانها والزِّمن لا يقاتل فيؤمن فيجوز أمانة.
وبسط الكلام فيه.
وروينا عن عمر بن الخطاب أنه أجاز أن العبد وكتب : أن عبد المسلمين من المسلمين ذمته ذمتهم.
(6/294)
بسم الله الرحمن الرحيم 36 - كتاب المرتد
5016 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله} وقال في المرتد عن الإسلام {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}.
وذكر غيرها ثم ذكر ما 5017 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة عن حماد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل عن عثمان بن عفان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يحل دم إمرئ مسلم إلا من إحدى ثلاث : كفر بعد إيمان أو زنى بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس.
(6/295)
5018 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن أيوب بن أبي تميمة عن عكرمة قال : لما بلغ ابن عباس أن علياً حرق المرتدين أو الزنادقة قال : لو كنت أنا لم أحرقهم ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : من بدل دينه فاقتلوه.
ولم أحرقهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله.
رواه البخاري في الصحيح عن علي بن عبد الله بن سفيان.
5019 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من غيَّر دينه فاضربوا عنقه.
5020 - أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : حديث يحيى بن سعيد ثابت ولم أر أهل الحديث يثبتون الحديثين بعده حديث زيد لأنه منقطع ولا الحديث قبله.
وذكره في القديم فقال : زيد مرسل لا تقوم بمثله حجة.
(6/296)
وعكرمة يُتْقَى حديثه ولا تقوم به حجة.
قال أحمد : حديث يحيى بن سعيد موصول صحيح وقد ثبت معناه من حديث عبد الله بن مسعود وعائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى الشافعي في كتاب حرملة عن سفيان حديث ابن مسعود وهو فيما 5021 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر بن إسحاق الفقيه أخبرنا بشر بن موسى حدثنا الحميدي حدثنا سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يحل دم امرىء يشهد أن لا إله إلا الله وإني رسول الله إلا في إحدى ثلاث : رجل كفر بعد إسلامه أو زنى بعد إحصانة أو نفس بنفس.
رواه مسلم في الصحيح عن أبي عمر عن سفيان.
أما حديث زيد بن أسلم فهو منقطع لا شك فيه.
وأما حديث عكرمة فإنه موصول قد احتج به البخاري وأخرجه في الجامع الصحيح إلا أن مالك بن أنس وجماعة من أئمة أهل الحديث كانوا يتقون رواية عكرمة مولى ابن عباس ولا يحتجون بها وقد وثقه جماعة منهم يحيى بن معين وكان أبو الشعثاء جابر بن زيد يقول لعكرمة : هذا مولى ابن عباس هذا أعلم الناس.
وأحاديثه مستقيمة تشبه أحاديث أصحابه إذا كان الراوي عنه ثقة والله أعلم.
5022 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي في مبسوط كلامه في وجوب قتل المرتد : إذا لم يتب من الكفر يشبه أن يكون حكم المرتد حكم الذي لم يزل كافراً محارباً وأكبر منه لأن الله تعالى أحبط بالشرك بعد الإيمان كل عمل صالح قدم المشرك قبل شركه وأن الله جل ثناؤه كفر من لم يزل مشركاً ما كان قبله.
(6/297)
وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبان من لم يزل مشركاً ثم أسلم كفّر عنه ما قبل الشرك وقال لرجل قدم خيراً في الشرك : أسلمت على ما سبق لك من خير.
وإن من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن ظفر به من رجال المشركين أنه قتل بعضهم ومَنّ على بعض وفادى ببعض وأخذ الفدية من بعض.
ولم يختلف المسلمون أنه لا يحل أن يفادى مرتد بمرتد بعد إيمانه ولا يمن عليه ولا تؤخذ منه فدية ولا يترك بحال حتى يسلم أو يقتل.
5023 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني أخبرنا علي بن محمد بن عيسى حدثنا أبو اليمان أخبرني شعيب عن الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير أن حكيم بن حزام أخبره أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت أموراً كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة وعتاقة وصلة هل لي فيها أجر ؟ قال حكيم : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أسلمت على ما سلف من خير.
رواه البخاري في الصحيح عن أبي اليمان.
وأخرجاه من أوجه آخر.
1055 - باب ما يحرم به الدم من الإسلام
قال الشافعي رحمه الله : اختلف أصحابنا في المرتد فقال منهم قائل (6/298)
من ولد على الفطرة ثم ارتد إلى دين يظهره أو لا بظهره لم يستتب وقتل.
وقال بعضهم : سواء من ولد على الفطرة ومن أسلم لم يولد عليها فأيهما ارتد فكانت ردته إلى يهودية أو نصرانية أو دين يظهر استتب فإن تاب قبل منه وإن لم يتب قتل.
وإن كانت ردته إلى دين لا يظهر مثل الزندقة وما أشبهها قتل ولم ينظر إلى توبته.
قال في القديم : وقد روى بعض محدثينا في هذا شيئاً يشبه هذا عن بعض التابعين.
وروي عن علي مثله وهو كالضعيف عن علي.
قال أحمد : قد روينا عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال في الزنديق : يقتل ولا يستتاب.
وعن ابن شهاب : إن قامت عليه البينة فإنه يقتل وإن جاء معترفاً تائباً فإنه يُترك من القتل.
وأما علي رضي الله عنه فإنه لم يبلغني عنه ما أشار إليه.
وقد بلغني عن قابوس بن المخارق عن أبيه أن محمد بن أبي بكر كتب إلى عليّ يسأله عن زنادقة مسلمين ؟ قال علي : أما الزنادقة فيعرضون على الإسلام فإن أسلموا وإلا قتلوا.
قال الشافعي في الجديد : وقال بعضهم : سواء من ولد على الفطرة ومن لم يولد عليها إذا أسلم فأيهما ارتد استتيب فإن تاب قبل وإن لم يتب قتل.
قال الشافعي : وبهذا أقول 5024 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع قال قال الشافعي (6/299)
قال الله جل ثناؤه {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} إلى قوله : {فهم لا يفقهون}.
قال الشافعي : فببن أن إظهار الإيمان ممن لم يزل مشركاً حتى يظهر الإيمان وممن أظهر الإيمان ثم أشرك بعد إظهاره ثم أظهر الإيمان مانع لدم من أظهره في أي هذين الحالين كان وإلى أي كفر صار.
وساق الكلام إلى أن قال : فأخبر الله عن المنافقين بالكفر وحكم فيهم بعلمه من أسرار خلقه ما لم يعلمه غيره من أنهم في الدرك الأسفل من النار وأنهم كاذبون بأيمانهم وحكم فيهم جل ثناؤه في الدنيا بأن ما أظهروا من الإيمان وإن كانوا به كاذبين لهم جنة من القتل.
وبين على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم مثل ما أنزل في كتابه.
5025 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن عبيد الله بن عدي بن الخيار عن المقداد أنه أخبره أنه قال : يا رسول الله إن لقيت رجلاً من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال : أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتله فقلت يا رسول الله إنه قطع إحدى يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقتله فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال.
(6/300)
قال الشافعي : فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله حرم دم هذا بالإيمان في حال خوف على دمه ولم يبحه بالأغلب أنه لم يسلم إلا متعوذاً بالإسلام من القتل.
5026 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار : أن رجلاً سارَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يُدر ما سارَّه به حتى جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يستأمره في قتل رجل من المنافقين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أليس يشهد أن لا إله إلا الله ؟.
قال : بلى ولا شهادة له . قال : أليس يصلي ؟.
قال : بلى ولا صلاة له.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أولئك الذين نهاني الله عنهم.
قال الشافعي : فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم المستأذن في قتل المنافق إذ أظهر الإسلام أن الله نهاه عن قتله.
5027 - وبإسناده أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز عن محمد بن عمرو عن (6/301)
أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله فإذا قالوا : لا إله إلا الله فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها و حسابهم على الله.
قال الشافعي : وهذا موافق ما كتبنا قبله من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وبين أنه إنما حكم على ما ظهر وأن الله ولي ما غاب لأنه عالم بقوله وحسابهم على الله عز وجل وكذلك قال الله عز وجل فيما ذكرنا وفي غيره فقال {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ}.
قال : وقال عمر بن الخطاب لرجل كان يعرفه بما شاء الله في دينه أمؤمن أنت ؟ قال : نعم . قال : إني لأحسبك متعوذاً.
قال : أفما في الإيمان ما أعاذني ؟ فقال عمر : بلى.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجلين : هما من أهل النار.
فخرج أحدهما معه حتى أثخن الذي قال من أهل النار فآذته الجراح فقتل نفسه.
ولم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما استقر عنده من نفاقه وعلم إن كان علمه من الله فيه من أن حقن دمه بإظهار الإيمان.
قال وأخبر الله عن قوم من الأعراب فقال (6/302)
{قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم}.
فأعلم أن من لم يدخل الإيمان قلوبهم وأنهم أظهروه وحقن به دماءهم.
قال الشافعي : قال مجاهد في قوله : ( أسلمنا ) استسلمنا مخافة القتل والسبي.
ثم أعاد الاحتجاج بأمر المنافقين ثم قال : وهؤلاء الأعراب لا يدينون ديناً بل يظهرون الإسلام ويستخفون الشرك والتعطيل.
قال الله عز وجل {يَسْخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوِ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ}.
قال الشافعي : وقد سمع من عدد منهم الشرك وشهد به عند النبي صلى الله عليه وسلم فمنهم من جحده وشهد شهادة الحق فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أظهر . ولم يقفه على أن يقول أقر.
ومنهم من أقر بما شُهد به عليه وقال تبت إلى الله وشهد شهادة الحق فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أظهر.
ومنهم من عرف النبي صلى الله عليه وسلم عَلَنَهُ.
5028 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن الزهري عن أسامة بن زيد قال : شهدت من نفاق عبد الله بن أبي ثلاثة مجالس.
زاد أبو سعيد في روايته قال الشافعي (6/303)
فأما أمره عز وجل أن لا يصلي عليهم فإن صلاته - بأبي هو وأمي - مخالفة صلاة غيره وأرجو أن يكون قد قضى إذ أمره بترك الصلاة على المنافقين أن لا يصلي على أحد إلا غفر له وقضى أن لا يُغفر لمقيم على شرك فنهاه عن الصلاة على من لا يغفر له.
فإن قال قائل : ما دل على هذا ؟ قيل : ولم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة عليهم مسلماً ولم يقتل منهم بعد هذا أحداً ولم يحبسه ولم يعاقبه ولم يمنعه سهمه في الإسلام إذا حضر القتال ولا مناكحة المؤمنين وموارثتهم.
وترك الصلاة مباح على من قامت بالصلاة عليه طائفة من المسلمين.
قال الشافعي : وقد عاشرهم حذيفة يعرفهم فأعيانهم ثم عاشرهم مع أبي بكر وعمر ، وهم يصلي عليهم وكان عمر إذا وضعت جنازة فرأى حذيفة فإن أشار إليه أن أجلس جلس وإن قام معه صلى عليها عمر ، ولا يمنع هو ولا أبو بكر قبله ولا عثمان بعده المسلمين الصلاة عليهم ولا شيئاً من أحكام الإسلام ويدعها من تركها معنى ما وصفت من أنها إذا أبيح تركها من مسلم لا يعرف إلا بالإسلام كان تركها من المنافق أولى.
قال الشافعي : وقد أعلمت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي إشرأب النفاق بالمدينة.
قال الشافعي (6/304)
ولم يقتل أبو بكر ولا عمر ، ولا عثمان ولا غيرهم منهم أحداً.
قال الشافعي : ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد من أهل دهره لله حداً بل كان أقوم الناس بما افترض الله عليه من حدوده حتى قال في إمرأة سرقت فشفع لها.
إنما أهلك من كان قبلكم أنه كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الوضيع قطعوه.
قال : وقد آمن من بعض الناس ثم ارتد ثم أظهر الإيمان فلم يقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أحمد : روينا هذا في عبد الله بن أبي سرح حين أزله الشيطان فلحق بالكفار ثم عاد إلى الإسلام.
وروينا في رجل آخر من الأنصار.
وروي عن عبد الله بن عبيد بن عمير مرسلاً : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استتاب نبهان أربع مرات وكان ارتد.
قال الشافعي : وقتل من المرتدين من لم يظهر الإيمان واحتج الشافعي بحديث اللعان وقد مضى ذكره.
وبقول النبي صلى الله عليه وسلم : إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ ولعل بعضكم أن يكون أَلحن بحجته من (6/305)
بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذنه فإنما أقطع له قطعة من النار.
فأعلم أن حكمه كله على الظاهر وأنه لا يحل ما حرم الله وحكم الله له على الباطن لأن الله تعالى تولى الباطن.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله ولي منكم السرائر ودرأ عنكم بالبينات فتوبوا إلى الله واستتروا بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله.
وقال عمر بن الخطاب لرجل أظهر الإسلام كان يعرف منه خلافه : إني لأحسبك متعوذاً.
فقال : إن في الإسلام ما أعاذني.
قال : أجل في الإسلام ما أعاذ من استعاذ به.
قال أحمد : والذي نقلته هذا لفقته من مبسوط كلام الشافعي رحمه الله في هذه المسألة.
واحتجاجه بهذه الأخبار وبما ورد في كتاب الله عز وجل في شأن المنافقين ولم أنقله على الوجه لكثرته . وفيما نقلته كفاية.
وبالله التوفيق.
1056 - باب قتل المرتدة عن الإسلام
5029 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله (6/306)
وسواء في القتل على الردة الرجل والمرأة.
وخالفنا بعض الناس وكانت حجتهم في أن لا تقتل المرأة على الردة شيئاً رواه عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس في المرأة ترتد عن الإسلام : تحبس ولا تقتل.
قال الشافعي : وكلمني بعض من يذهب هذا المذهب وبحضرتنا جماعة من أهل العلم بالحديث فسألناهم عن هذا الحديث فما علمت منهم واحداً سكت عن أن قال : هذا خطأ والذي روى هذا ليس ممن يثبت أهل الحديث حديثه.
فقلت له : قد سمعت ما قال هؤلاء الذين لا يشك في علمهم بحديثك.
وقد روي بعضهم عن أبي بكر أنه قتل نسوة ارتددن عن الإسلام فكيف لا تصير إليه.
قال الشافعي في موضع آخر في رواية أبي عبد الله بالإجازة : وقلت له : قد حدث بعض بحديثكم عن أبي بكر الصديق أنه قتل نسوة ارتددن عن الإسلام فما كان لنا أن نحتج به إذا كان ضعيفاً عند أهل العلم بالحديث.
5030 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الوليد الفقيه حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا أبو عبد الله محمد بن نصر حدثنا هشام بن عمار حدثنا عمرو بن واقد حدثني يزيد بن أبي مالك عن شهر بن حوشب عن أبي بكر أنه أُتي بأم قرفة الفزارية وكانت ارتدت عن الإسلام فأمر بها فقتلت.
ورواه الليث بن سعد والوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز أن إمرأة يقال لها : أم قرفة كفرت بعد إسلامها فاستتابها أبو بكر فلم تتب فقتلها.
وهذا منقطع.
وروينا عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال (6/307)
سألت سفيان الثوري عن حديث عاصم في المرتدة فقال : أما من ثقة فلا.
وروينا عن عكرمة عن ابن عباس أن أم ولد رجل سبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلها فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن دمها هدر.
وروينا عن رجل من بلقين : أن امرأة سبت النبي صلى الله عليه وسلم فقتلها خالد بن الوليد وروي لنا في قتل المرتدة ولهم في تركها من القتل مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا ينبغي لأهل العلم أن يحتج بأمثال ذلك.
5031 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : قلت له : هل تعدو الحرة أن تكون في معنى ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من بدل دينه فاقتلوه.
فتكون مبدلة دينها فتقتل أو يكون هذا على الرجال دونها ؟ فمن أمرك بحبسها ؟ وهل رأيت حبساً قط هكذا ؟ إنما الحبس ليبين لك على الحد فقد بان لك كفرها فإن كان عليها قتل قتلتها وإن لم يكن فالحبس لها ظلم.
وأنت لا تحبس الحربية.
قال فيقول : ماذا قلت ؟ أقول : إن قتلها نص في سُنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : من بدل دينه فاقتلوه.
(6/308)
وقوله صلى الله عليه وسلم : لا يحل دم مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان أو زنى بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس.
فكانت كافرة بعد إيمان فعل دمها كما إذا كانت زانية بعد إحصان أو قاتلة نفس بغير نفس قتلت.
1057 - باب استتابة المرتد
5032 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القارئ عن أبيه أنه قال : قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل أبي موسى فسأله عن الناس فأخبره ثم قال : هل فيكم من مغربة خبر ؟ فقال : نعم رجل كفر بعد إسلامه.
قال : فما فعلتم به ؟ قال : قربناه فضربنا عنقه.
قال عمر : فهلا حبستموه ثلاثاً وأطعمتموه كل يوم رغيفاً واستتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله اللهم إني لم أحضر ولم آمر ولم أرض إذ بلغني.
قال أحمد : كان الشافعي في القديم يقول بهذا وبه قال في أحد القولين في كتاب المرتد الصغير وقال في القول الآخر : ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (6/309)
0 @يحل الدم بثلاث كفر بعد إيمان.
وهذا كفر بعد إيمانه ويدل دينه دين الحق ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه بأناة مؤقتة تتبع ثم ساق الكلام إلى أن قال : وممن قال لا يتأنى به من زعم أن الحديث الذي روي عن عمر لو حبستموه ثلاثاً ليس بثابت لأنه لا يعلمه متصلاً وإن كان ثابتاً كان لم يجعل على من قتله قبل ثلاث شيئاً.
1058 - باب إذا لحق المرتد بدار الحرب لم يقسم ماله بين ورثته ولم تعتق أمهات أولاده ولا مدبروه وإذا مات أو قتل على الردة لم ترثه ورثته وكان ماله فيئاً
5033 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي في مبسوط كلامه : إنما ورث الله الأحياء من الموتى فقال {إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك} الآية.
فكيف زعمت أن المرتد يورث كما يورث الميت وتحل ديته وتعتق أمهات أولاده ومدبروه.
في لحوقه بدار الحرب.
ونحن على يقين من حياته ؟ أيشكل عليك أن هذا خلاف كتاب الله عز وجل ؟ قال الشافعي :
أَخْبَرَنَا سفيان عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن(6/310)
1 @زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم.
قال الشافعي : أيعدو المرتد أن يكون كافراً أو مؤمناً ؟ قال : بل كافر . قلت : فكيف ورثت المسلمين من الكافرين ؟ قال : إنما أخذنا بهذا أن علياً قتل مرتداً وأعطى ورثته من المسلمين ميراثه.
فقلت له : هل سمعت من أهل العلم بالحديث منكم من يزعم أن الحفاظ لم يحفظوا عن علي قسم ماله بين ورثته المسلمين ؟ ونخاف أن يكون الذي زاد هذا غلط.
فقال : قد رواه ثقة وإنما قلنا خطأ بالاستدلال وذلك ظن.
فقلت له : روى الثقفي وهو ثقة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد.
فقلت له : لم يذكر جابراً الحفاظ وهذا يدل على أنه غلط.
أفرأيت أن قلنا هذا ظن أو الثقفي ثقة وإن ضيع غيره أو شك ؟ قال إذاً لا تنصف.
قلت : وكذلك لم تنصف أنت.
قال الشافعي :(6/311)
2 @قلت له : أليس إذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء لم يكن في أحد معه حجة ؟ قال : بلى.
قلت : فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : لا يرث المسلم الكافر.
فكيف خالفته ؟ قال : فلعله أراد الكافر الذي لم يكن أسلم ولعل علياً قد علم قول النبي صلى الله عليه وسلم.
فعارضه في موضع آخر بحديث بروع بنت واشق وأن علياً قضى بخلاف ذلك وقال مثل قول عليّ بن عمر ، وزيد بن ثابت وابن عباس.
فقلت : لا حجة لأحد ولا في قوله مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وإن كان يمكن إنما قالوا هذا لأنهم علموا أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن زوج بروع فرض لها بعد عقدة النكاح فحفظ مغفل عقدة النكاح بغير فريضة وعلم هؤلاء الفريضة.
أظنه قال أو الدخول.
قال : ليس هذا في حديث مغفل وهؤلاء لم يرووه.
قلت : فلم لا يكون ما رويت عن علي في المرتد هكذا ؟ فقال منهم قائل : فهل رويت في ميراث المرتد شيئاً عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت : إذ أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الكافر لا يرث المسلم ولا المسلم الكافر وكان كافراً ففي السنة كفاية في أن ماله مال كافر لا وارث له وإنما هو فيء.
وقد روي أن معاوية كتب إلى ابن عباس وزيد بن ثابت سألهما عن ميراث المرتد ؟ (6/312)
3 @فقالا لبيت المال.
قال الشافعي : يعينان أنه فيء.
قال : أفعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم غنم مال ابن خطم ؟ قلت : ولا علمته ورث ورثته المسلمين ولا علمت له مالاً.
وبسط الكلام في أن لا معنى للمتوهم.
قال : فقد قال بعض أصحابك أن رجلاً ارتد في عهد عمر ولحق بدار الحرب فلم يتعرض عمر لماله ولا عثمان بعده.
قلنا : ولا نعرف هذا ثابتاً عن عمر ، ولا عثمان ولو كان خلاف قولك وبما قلنا أشبه.
أنت تزعم أنه إذا لحق بدار الحرب قسم ماله.
وتروى عن عمر وعثمان أنهما لم يقسماه وتقول : لم يعرض له.
وقد يكون بيدي من وثق به أو يكون ضمنه من هو في يديه ولم يبلغه موته فأخذه فيئاً.
قال أحمد : وروينا عن عدي بن ثابت عن يزيد بن البراء عن أبيه قال : لقيت عمي ومعه راية فقلت أين تريد ؟ فقال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل نكح إمرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله.
(6/313)
4 @5034 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن إسة حدثنا أبو داود حدثنا عمرو بن قسيط الرقي حدثنا عبد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن عدي بن ثابت فذكره.
قال أصحابنا : وضرب العنق لا يُجب فض النكاح دون الاستحلال فكأنه استحله بعد اعتقاد تحريمه فصار به مرتداً فوجب به ضرب عنقه وأخذ ماله فيئاً والله أعلم.
5035 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : وإذا ارتد أحد الزوجين - يعني بعد الدخول - لم ينفسخ النكاح إلا بمضي العدة لأنه في معنى حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الزوجان الوثنيان متناكحين فأسلم أحدهما فحرم على الآخر فجعل النبي صلى الله عليه وسلم منتهى بينونة المرأة من الزوج أن تمضي عدتها قبل أن يسلم الآخر منهما إسلاماً بدلالة عنه ممن روى الحديث.
ثم بسط الكلام في التشبيه وإنما أراد بقوله : بدلالة عنه ممن روى الحديث حديث الزهري في قصة أبي سفيان وأمرأته وحكيم بن حزام وصفوان ابن أمية وعكرمة بن أبي جهل وامرأة كل واحد منهم زمن الفتح وقد مضى في كتاب النكاح.
1059 - باب ذرية المرتدين
قال الشافعي : لا تسبى للمرتدين ذرية امتنعوا أو لم يمتنعوا أو لحقوا بدار الحرب أو أقاموا لأن حرمة الإسلام قد ثبتت للذرية ولا ذنب لهم في تبديل آبائهم.
وحكي في رواية عبد الرحمن البغدادي عنه عن بعض العراقيين : أن حكمهم حكم أهل الأوثان إذا حاربوا ولحقوا بدار من دور المشركين.
(6/314)
5 @قال : واحتج بأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه فعل ذلك في بني ناجية فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم بعد ما ارتدوا.
قال الشافعي : قد زعم أبو الطفيل أن بني ناجية كانوا على أصناف ثلاثة : فمنهم قوم كانوا على النصرانية ثم أسلموا ثم ارتدوا.
وقوم كانوا ثابتين على النصرانية لم يسلموا.
وقوم منهم كانوا على إسلامهم فأتاهم عامل عليّ فأخبروه بأمرهم وكانوا قد نصبوا الحرب واعتزل المسلمون منهم وقاتل من لم يزل على النصرانية ومن ارتد.
قال أحمد : حديث أبي الطفيل فيما 5036 - أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي حدثنا أبو عمرو المقري حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن عبد الملك بن سعد بن حيان عن عمار الدهني قال حدثني أبو الطفيل قال : كنت في الجيش الذين بعثهم علي بن أبي طالب إلى ناجية . فذكر معنى ما حكى الشافعي.
وقد خرجته في كتاب السنن.
قال الشافعي : فقد يجوز أن يكون علي سبى من بني ناجية من لم يكن ارتد للذي وصفنا.
قال : ويقال له قد كانت الردة في عهد أبي بكر فلم يبلغنا أن أبا بكر خمس شيئاً من ذلك.
1060 - باب المكره على الردة
5037 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي (6/315)
6 @قال الله تبارك وتعالى {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا} الآية.
قال الشافعي : فلو أن رجلاً أسره العدو فأكره على الكفر لم تبن منه امرأته ولم يحكم عليه بشيء من حكم المرتد.
قد أكره بعض من أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على الكفر فقاله ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ما عذب به فنزلت فيه . فذكر الآية.
ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم باجتناب زوجته ولا بشيء مما على المرتد.
قال أحمد : قد روينا في قصة عمار بن ياسر أن المشركين عذبوه فلم يتركوه حتى سب النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آلهتهم بخير فتركوه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : يا عمار ما وراءك.
قال شر يا رسول الله ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير . فقال : فكيف تجد قلبك.
قال : مطمئناً بالإيمان . قال : إن عادوا فعد.
قال : فأنزل الله عز وجل {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} قال ذلك عمار بن ياسر {ولكن من شرح بالكفر صدرا} عبد الله بن أبي سرح.
(6/316)
7 @5038 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد حدثنا محمد بن الفضل بن جابر حدثنا يحيى بن يوسف حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن أبيه قال : أخذ المشركون عماراً فذكره.
5039 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن أبي بكر بن عياش ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ ، عن سويد بن غفلة : أن علياً أُتي بزنادقة فخرج إلى السوق فحفر حفراً فقتلهم ثم رمى بهم في الحفر فحرقهم بالنار.
قال الشافعي : وهم يخالفون هذا فيقولون لا يحرق أحد بالنار.
وأما نحن فروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يعذب أحد بعذاب الله فقلنا به ولا نحرق أحداً حياً ولا ميتاً.
وعن ابن علية عن سليمان التيمي عن أبي عمرو الشيباني أن رجلاً تنصر بعد إسلامه فأُتي به علي فجعل يعرض عليه فقال : ما أدري ما تقول غير أنه شهد أن المسيح ابن الله فوثب إليه عليه يوطئه وأمر الناس أن يطئوه ثم قال : كفوا . فكفوا عنه وقد مات.
قال الشافعي : هم لا يأخذون بهذا يقولون لا يقتل الإمام أحداً هذه القتلة ولا يقتل إلا بالسيف.
أوردهما إلزاماً للعراقيين في خلاف علي رضي الله عنه.
(6/317)
8 @بسم الله الرحمن الرحيم 37 - كتاب الحدود
1061 - باب العقوبات في المعاصي
5040 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : كانت العقوبات في المعاصي قبل أن ينزل الحد ثم نزلت الحدود ونسخت العقوبات فيما فيه الحدود.
وذكر ما 5041 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن النعمان بن مرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما تقولون في الشارب والزاني والسارق ؟ وذلك قبل أن ينزل الحد.
فقالوا : الله ورسوله أعلم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هن فواحش وفيهن عقوبة وأسوأ السرقة الذي يسرق صلاته.
(6/318)
9 @قال : ثم ساق الحديث.
وقال غير الشافعي في غير هذا الحديث قالوا : وكيف يسرق صلاته يا رسول الله ؟ فقال : لا يتم ركوعها ولا سجودها.
وهذا مرسل.
قال الشافعي في رواية أبي عبد الله.
ومثل معنى هذا في كتاب الله عز وجل قال الله عز وجل {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما}.
قال الشافعي : فكان حد الزانيين بهذه الآية الحبس والأذى حتى أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم حد الزاني فقال {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مِئَة جلدة}.
واستدللنا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم - بأبي وأمي هو - على من أُريد بالمِئَة جلدة فذكر ما.
5042 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً البكر بالبكر جلد مِئَة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مِئَة والرجم.
5043 - قال وأخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة من أهل العلم عن يونس بن عبيد عن (6/319)
الحسن عن حطان الرقاشي عن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم . مثله.
قال الشافعي : ولا أدري أدخله عبد الوهاب بينهما فذكر في كتابي حين حولته وهو في الأصل أم والأصل يوم كتبت هذا الكتاب غائب عني.
قال أحمد : روينا في هذا الحديث عن يزيد بن زريع عن يونس عن الحسن قال : كان أول حدود النساء يحسبن في بيوت لهن حتى نزلت الآية التي في النور.
قال عبادة بن الصامت كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : خذوا . فذكر هذا الحديث.
وقد رواه الشافعي في كتاب أحكام القرآن عن عبد الوهاب الثقفي عن يونس عن الحسن عن عبادة بمعنى هذه الزيادة ثم قال : وهذا الحديث يقطع الشك ويبين أن حد الزانيين كان الحبس أو الحبس والأذى.
وأن أول ما حد الله به الزانيين من العقوبة في أبدانهما بعد هذا.
قال أحمد : وقد روي هذا الحديث دون هذه الزيادة موصولاً قتادة ومنصور بن زاذان عن الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن هذين الوجهين أخرجه مسلم بن الحجاج في الصحيح.
(6/320)
5044 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : ودلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جلد المِئَة ثابت على البكرين الحرين ومنسوخ عن الثيبين وأن الرجم ثابت على الثيبين الحرين لأن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً.
أول ما أنزل فنسخ به الحبس والأذى عن الزانيين فلما رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزاً ولم يجلده.
وأمر أنيساً أن يغدو على إمرأة الأسلمي فإن اعترفت يرجمها.
دل على نسخ الجلد عن الزانيين الحرين الثيبين وثبت الرجم عليهما لأن كل شيء أبداً بعد أول فهو آخر.
5045 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي عن رجل عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن الشعبي : أن علياً جلد شر احة يوم خميس ورجمها يوم الجمعة وقال : أجلدها بكتاب الله وأرجمها بُسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الشافعي : وليسوا يقولون بهذا.
يقولون : يرجم ولا يجلد.
والسنة الثابتة أن تجلد البكر ولا ترجم ويرجم الثيب ولا يجلد.
ثم ذكر حديث ماعز وأُنيس.
أورده إلزاماً للعراقيين في خلاف علي رضي الله عنه.
1062 - باب حد الثيب الزاني
5046 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو (6/321)
العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أنهما أخبراه أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال أحداهما : يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله.
وقال الآخر : أفقهما أجل يا رسول الله فاقض بكتاب الله وأذن لي في أن أتكلم فقال : تكلم.
قال : إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته فأخبرت أن علي ابني الرجم فأفتديت منه بمِئَة شاة وجارية لي ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن علي ابن جلد مِئَة وتغريب عام وإنما الرجم على إمرأته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله أما غنمك وجاريتك فرد إليك.
وجلد ابنه مِئَة وغربه عاماً وأمر أُنيس الأسلمي أن يأتي إمرأة الآخر فإن اعترفت رجمهما.
فاعترفت فرجمها.
أخرجه البخاري في الصحيح من حديث مالك.
وأخرجاه من أوجه عن الزهري.
5047 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو عبد الله وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أنه قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت (6/322)
عليه البينة أو كان الحبل أو الاعتراف.
5048 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : قال عمر بن الخطاب : إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل : لا نجد حدين في كتاب الله عز وجل فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا.
فوالذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس : زاد عمر في كتاب الله لكتبتها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموها البتة.
فإنا قد قرأناها.
5049 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن أبي واقد الليثي : أن عمر بن الخطاب أتاه رجل وهو بالشام فذكر له أنه وجد مع إمرأته رجلاً فبعث عمر بن الخطاب أبا واقد الليثي إلى إمرأته يسأَلها عن ذلك فأتاها وعندها نسوة حولها فذكر لها الذي قال زوجها لعمر بن الخطاب وأخبرها أنها لا تؤخذ بقوله وجعل يلقنها أَشباه ذلك لتنزع فأبت أن تنزع وتمت على الاعتراف فأمر بها عمر بن الخطاب فرجمت.
1063 - باب ما يستدل به على شرائط الإحصان
5050 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا.
(6/323)
وقال في موضع آخر : رجم يهودياً ويهودية زنيا.
والحديث بتمامه مخرج في الصحيحين وهذا مختصر منه.
5051 - أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا شافع بن محمد أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني أخبرنا الشافعي عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي داود عن ابن جريج قال أخبرني ابن الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من أسلم ورجلاً من اليهود وإمرأة.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث ابن جريج.
ورواه ابن لهيعة عن عبد الملك بن عبد العزيز بن مُليك أنه أخبره أنه سمع عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي يذكر أن اليهود أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودي ويهودية زنيا وقد أحصنا فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما.
5052 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا ابن لهيعة فذكره.
وروي هذا اللفظ في حديث ابن عباس وابن عمر ، وأبي هريرة.
وفي الحديثين قبله كفاية وفيهما مع الإجماع على شرط الإحصان في الرجم دلالة على أنهما كانا محصنين وإن كفرهما لم يمنع إحصانهما بالنكاح والحرية.
وقد روي عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول : من أشرك بالله فليس بمحصن.
وروي ذلك عنه مرفوعاً ولا يصح رفعه.
قاله الدارقطني وغيره من الحفاظ.
وكأنه أراد والله أعلم إحصان القاذف فهو الراوي مع غيره أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا وهو لا يخالف النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عنه.
(6/324)
وأما حديث كعب بن مالك أنه أراد أن يتزوج يهودية أو نصرانية فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه عنها وقال : إنها لا تحصنك.
فهذا حديث رواه أبو بكر بن أبي مريم الغساني وهو ضعيف.
عن علي بن أبي طلحة عن كعب وعلي بن أبي طلحة لم يدرك كعباً قاله : أبو الحسن الدَّارَقُطنِيّ فيما 5053 - أخبرني أبو عبد الرحمن السلمي عنه.
ورواه بقية بن الوليد عن بعض مشائخه المجهولين وهو أبو سبأ عتبة بن تميم عن علي بن أبي طلحة عن كعب.
وهو منقطع.
ورويناه عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عبد الملك بن مروان سأله أو قال سأل عبد الله بن عتبة عن الأمَة هل تحصن الحر ؟ قال : نعم . قال : عمن تروي هذا ؟ قال : أدركنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون ذلك.
وروينا عن علي . ورواه أبو الزناد عن أصحابه فيمن تزوج ولم يدخل بها حتى زنى لم يرجم.
وقال ابن المسيب : السنة فيه أن يجلد ولا يرجم.
وروينا عن جابر بن عبد الله : أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد رجلاً في الزنا مِئَة فأخبر أنه كان أحصن فأمر به فرجم.
وقيل عن جابر موقوفاً غير مرفوع والله أعلم.
(6/325)
5054 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : وحد المحصن والمحصنة أن يرجما بالحجارة حتى يموتا ثم يغسلا ويصلي عليهما ويدفنا.
قال أحمد : قد روينا في حديث عمران بن حصين : أن إمرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنا فقالت : يا نبي الله أصبت حداً فأقمه عليّ فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها فقال : أحسن إليها فإذا وضعت فأتيني بها.
ففعل فأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم فشكت عليها ثيابها ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها فقال عمر : تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت ! ! قال : لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل.
5055 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أحمد بن سلمان حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام.
قال : وأخبرني محمد بن صالح بن هانئ حدثنا أبو علي القباني حدثنا عبيد الله بن سعيد حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير قال حدثني أبو قلابة أن أبا المهلب حدثه أن عمران بن حصين حدثه : أن إمرأة من الأنصار من جهينة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره إلا أنه قال : فشدت عليها ثيابها.
رواه مسلم في الصحيح عن أبي غسان عن معاذ.
(6/326)
وروينا عن بريدة في قصة الغامدية حين رجمت فأمر بها فصلى عليها ودفننت.
وفي حديث أبي بكرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم إمرأة فلما طفئت أخرجها فصلى عليها.
وأما ماعز بن مالك : فروي في حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلِّ عليه.
وروي فصلى عليه وهو خطأ.
وفي حديث أبي سعيد قال : فما استغفر له ولا سبه.
وحديث الغامدية كان بعد حديث ماعز.
وروينا عنه أنه أمرهم بالاستغفار لماعز بعد يومين أو ثلاثة.
وأما حفر المرجوم : فروينا عن أبي سعيد الخدري في قصة ماعز قال : فو الله ما حفرنا له ولا أوثقناه ولكنه قام لنا فرميناه.
وروينا في حديث بريدة في قصة ماعز قال : فأمر نبي الله صلى الله عليه وسلم فحفر له حفرة فجعل فيها إلى صدره ثم أمر الناس أن يرجموه.
وفيه في قصة الغامدية ثم أمر بها فحفر لها حفرة فجعلت فيها إلى صدرها ثم أمر الناس أن يرجموها .(6/327)
وروينا في حديث اللجاج في الحفر للشاب المحصن الذي اعترف بالزنا.
وعن أبي بكرة في الحفر للمرأة التي رجمت.
5056 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجم ماعز ولم يحضره وأمر أُنيساً أن يأتي إمرأة فإن اعترفت رجمها ولم يقل أعلمني لأحضرها.
ولم أعلمه أمر برجم أحد فحضره.
ولو كان حضور الإمام حقاً حضره رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد أمر عمر بن الخطاب أبا واقد الليثي أن يأتي إمرأة فإن اعترفت رجمها ولم يقل أعلمني أحضرها.
وما علمت إماماً حضر رجم مرجوم ).
ولقد أمر عثمان برجم إمرأة فرجمت وما حضرها.
قال أحمد : تركه حضور رجم ماعز والمعترفة بالزنا في قصة أُنيس يدل على أن حضوره ليس بشرط ويشبه أن يكون حضر رجم الغامدية وليس بالبين جداً وذلك لا يدل على الوجوب . والله أعلم.
وإنما قلت هذا في الغامدية لأن في حديث بشير بن المهاجر عن عبد الله بن بريدة عن أبيه في قصة الغامدية قال : ثم أمر الناس أن يرجموها فتقبل خالد بن الوليد لحجر فرمى رأسها فتنضخ الدم على وجه خالد فسبها فسمع نبي الله صلى الله عليه وسلم سبه إياها فقال : مهلاً يا خالد فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له (6/328)
وإنما قلت ليس بالبين جداً لأنه قد يكون في حجرته أو في المسجد فيبلغه سبه إياها ثم ينهاه حين يحضره.
وروي في حديث أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة التي رجمت قال : ثم رماها بحصاة مثل الحمصة ثم قال : إرموا واتقوا الوجه.
وهذا إيما يرويه شيخ غير مسمى عن أبي بكرة عن أبيه ، والله أعلم.
1064 - باب جلد البكر ونفيه
5057 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك وابن عيينة عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد.
وزاد سفيان شبل : أن رجلاً ذكر أن ابنه زنى بامرأة رجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لأقضين بينكما بكتاب الله.
فجلد ابنه مِئَة وغربه عاماً وأمر أُنيساً أن يغدو على إمرأة الآخر فإن اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها.
أخرجه البخاري في الصحيح من حديث مالك بن عيينة دون ذكر شبل.
والحفاظ يزعمون أن ابن عيينة أخطأ في ذكره شبلاً في إسناده وهو يقول حفظناه (6/329)
من فيّ الزهري واتقناه ، والله أعلم.
5058 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر ابن إسحاق الفقيه أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فيمن زنى ولم يحصن : ينفى عاماً من المدينة مع إقامة الحد عليه.
قال ابن شهاب : وكان عمر ينفي من المدينة إلى البصرة وإلى خيبر.
رواه البخاري في الصحيح عن يحيى بن بكير.
5059 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : وروي عبادة بن الصامت الجلد والنفي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أحمد : وفي حديث عبادة إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل بذلك.
وفي حديث أبي هريرة وحده فتوى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث زيد بن خالد وأبي هريرة قضاؤه به في شخص بعينه فلم تر سُنة أثبت من هذا.
وروينا عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن أبي بكر الصديق : أنه جلد رجلاً وقع على جارية بكر فأحبلها ثم اعترف على نفسه ولم يكن أحصن فنفاه عاماً.
5060 - أخبرناه أبو الحسين بن بشران أخبرنا إسماعيل الصفار حدثنا عبد الكريم بن الهيثم حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب قال قال نافع . فذكره.
ورواه مالك في الموطأ عن نافع وقال فيه.
(6/330)
فأمر به أبو بكر فجلد الحد ثم نفاه إلى فدك.
وروينا عن أبي كريب عن عبد الله بن إدريس عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب وغرب وأن أبا بكر وعمر ضربا وغربا.
5061 - أخبرناه أبو بكر بن الحارث الفقيه أخبرنا أبو محمد بن حيان الأصبهاني حدثنا محمد بن العباس ومحمد بن يحيى قالا حدثنا أبو كريب حدثنا ابن إدريس فذكره.
ورواه أبو سعيد الأشج عن ابن إدريس موقوفاً.
5062 - أخبرناه أبو بكر بن الحارث أخبرنا أبو محمد حدثنا محمد بن العباس حدثنا أبو سعيد حدثنا ابن إدريس عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر : أن أبا بكر وعمر ضربا وغربا.
قال أبو سعيد : وهم فيه أبو كريب.
قال أحمد : أبو كريب : حافظ ثقة وتابعه على رفعه يحيى بن أكثم عن ابن إدريس.
ثم هو عن أبي بكر وعمر صحيح.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه صحيح.
وروينا عن مسروق عن أُبي بن كعب قال : البكران يجلدان وينفيان والثيبان يرجمان.
5063 - أخبرناه أبو نصر بن قتادة أخبرنا أبو الفضل بن خميرويه أخبرنا أحمد بن نجدة حدثنا سعيد بن منصور حدثنا شريك عن فراس عن الشعبي عن مسروق عن أُبي بن كعب فذكره.
(6/331)
تابعه أبو عوانة عن فراس.
5064 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن هشيم عن الشيباني عن الشعبي : أن علياًُ نفى إلى البصرة.
5065 - وبإسناده قال قال الشافعي فيما بلغه عن ابن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن أشياخه : أن علياً نفى إلى البصرة.
5066 - وبإسناده قال قال الشافعي فيما بلغه عن يزيد بن هارون عن ابن أبي عروبة عن حماد عن إبراهيم - أظنه عن عبد الله - في أم الولد تزني بعد موت سيدها : تجلد وتنفى.
قال الشافعي : وهم : لا يقولون بهذا . يقولون لا ننفي أحد زان ولا غيره . ونحن نقول ننفي الزاني لسُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما روي عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعبد الله ، وأُبي بن كعب ، وأبي الدرداء ، وعمر بن عبد العزيز كلهم قد رووا النفي.
5067 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال.
قال قائل : لا أنفي أحداً.
فقيل لبعض من يقول قوله : ولم رددت النفي في الزنا وهو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ، وعثمان وعلي ، وابن مسعود ، والناس عندنا إلى اليوم ؟ قال : رددته بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تسافر المرأة سفراً يكون ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم.
(6/332)
فقلت له : سفر المرأة شيء حيطت به المرأة فيما لا يلزمها من الأسفار وقد نهيت أن تخلو في المصر برجل وأمرت بالقرار في بيتها وقيل لها صلاتك في بيتك أفضل لئلا تعرضي أن تفتني أو يفتتن بك.
وليس هذا مما يلزمها سبيل.
ثم بسط الكلام في الجواب عنه إلى أن قال : أرأيت إن كانت ببادية لا قاضي عند قُربها إلا على ثلاث ليال أو أكثر فادعى عليها مدعي حقاً أو أصابت حداً ؟ قال : ترفع إلى قاضي.
قلنا : مع ذي محرم ؟ قال : نعم قلنا : قد أبحت لها أن تسافر ثلاثاً أو أكثر مع غير ذي محرم ؟ قال : هذا يلزمها . قلنا : فهذا يلزمها برأيك فأبحته لها ومنعتها منه فيما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر به عن الله فيها.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : فلم لا يكون الرجل إذا كان لا يحتاج إلى محرم منفياً والنفي حده ؟ قال : فقد نفي عمر رجلاً وقال : لا أنفي بعده.
قلنا : عمر نفى في الخمر . والنفي في السُنة على الزاني والمخنث وفي الكتاب على المحارب وهو خلاف نفيهما فإن رأى عمر نفيا في الخمر ثم رأى أن يدعه فليس الخمر بالزنا وقد نفى عمر في الزنا فكيف لم تحتج بنفي عمر في الزنا.
وقد قلنا نحن وأنت أن ليس في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ (6/333)
قال أحمد : جاء من يدعي تسوية الآثار على مذهبه وعرض ما ذكرنا من الأخبار من نفي البكر بحديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن فقال : إذا زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير.
وقال : إن كان سكوت النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أُنيس عن ذكر الجلد يدل على رفع الجلد فسكوته ها هنا عن ذكر النفي يدل على رفع النفي.
قال أحمد : خالف هذا الشيخ حديث عبادة بن الصامت وأبي هريرة وزيد بن خالد الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم في نفي البكر وخالف مذهب الخلفاء الراشدين فيه ومن رويناه عنه سواهم.
وزعم أنه ذهب فيه إلى حديث زيد وأبي هريرة في الأمة إذا زنت فاجلدوها وهو يخالف حديثهما في الأمة فيما ورد فيه الخبر وذاك لأن الخبر يدل على أن للسادات أن تجلد وإماءهم إذا زنين ولا يجوز ذلك عند السادات فهو مخالف لجميع ما ورد فيه من الأحاديث.
وأما الشافعي رحمه الله فإنه قال بالأحاديث التي وردت في نفي البكر وقال بهذا الحديث في جلد السيد أمته إذا زنت وأما نفيها فقد 5068 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : أختلف أصحابنا في نفيهما - يعني نفي العبد والأمة - فمنهم من قال : لا ينفيان كما لا يرجمان ولو نفيا نفيا نصف سنة.
وهذا مما استخير الله فيه.
فهو ذا يشير إلى التوقف في نفيهما.
(6/334)
وقد ذهب جماعة من أصحابنا إلى أنهما لا ينفيان.
وحكاه أبو الزناد عن أصحابه وهو مذهب مالك فعلى هذا قد قلنا بظاهر هذه الأحاديث لم نخالف شيئاً منها وإن قلنا بنفيهما فلم نخالف فيما قلنا إجماعاً.
فقد روى أبو بكر بن المنذر - صاحب الخلافيات - عن عبد الله بن عمر : أنه حد مملوكه له في الزنا ونفاها إلى فدك.
5069 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك بن نافع : أن عبداً كان يقوم على رقيق الخمس وأنه استكره جارية من ذلك الرقيق فوقع بها فجلده عمر ، ونفاه ولم يجلد الوليدة لأنه استكرهها.
وهذا في الموطأ عن مالك.
وهو إن كان مرسلاً فنافع مولى ابن عمر كان مشهوراً بالرواية عن الثقات وبالعناية بأخبار آل عمر.
ورواه الليث بن سعد عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن عمر.
وروي في ذلك أيضاً عن علي بن أبي طالب وفي إسناد حديثه نظر.
قال أحمد 5070 - وقد أخبرنا الإمام أبو عثمان رحمه الله قال حدثنا أبو علي الزاهري حدثنا أبو القاسم البغوي حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عباد بن العوام حدثنا عمر بن عامر عن حماد عن إبراهيم : أن علياً قال في أم ولد بغت قال : تضرب ولا نفي عليها.
5071 - وبهذا الإسناد عن حماد عن إبراهيم أن ابن مسعود قال : تضرب وتنفى.
فاختلفت الرواية فيه عن علي.
فرواه إبراهيم النخعي عن ابن مسعود كما قلنا.
والذي يخالفنا يحتج بمراسيل إبراهيم عن عبد الله ونفيهما قياساً على نفي (6/335)
الحرين وترك ذكره في حديث الأمة لا يدل على رفعه لأمور منها : أن القصد من الحديث إذن السادات في جلد الإماء ألا تراه لم يذكر عدد الجلد كما لم يذكر النفي.
ومنها : أنه ليس في شيء من الأحاديث أن حديث الأمة كان بعد حديث أبي هريرة في النفي حتى يكون ناسخاً له.
وفي حديث أُنيس أنه أمره بالرجم دون الجلد وأنه رجمها ولم يجلدها وكان بعد حديث الجلد مع الرجم فاستدللنا به على نسخ الجلد ومنها أنه يجوز أن يعبر في الكلام ببعض الشيء عن جملته ويكتفي في باقية بما سبق منه فيه ولا يجوز أن يقتصر في الفعل على بعض الشيء إلا بعد جواز الاقتصار عليه.
فأنيس لما اقتصر على الرجم دون الجلد علمنا أن الجلد مرفوع واقتصار النبي صلى الله عليه وسلم في الأمة على ذكر الجلد يشبه أن يكون اكتفى بما سبق منه في ذكر النفي ، والله أعلم.
وأمره بالبيع لا يمنع النفي كما لا يمنع الجلد.
ويجوز بيعها بنفيه عن بلدها وهي في موضع معلوم كما يجوز بيعها في بلدها.
ومن خالف ما ذكرنا من الأخبار والآثار في نفي البكر حقيق عليه أن لا ينسب من وافقها ووافق عمر ، وابن عمر في نفي العبد والأمة وقاسهما على الحر والحرة إلى ما هو أولى به من الجهل ومخالفة من تقدم من أهل العلم في أصل النفي وجلد السيد أمته إذا زنت - والله يعصمنا من الطعن في أئمة المسلمين وما يقبح من الكلام فيمن يقتدى به من أعلام الدين.
والعجب أن قائل هذا يدعي المعرفة بالآثار ثم يجعل تركه القول بما تقدم من الأخبار في نفي البكر لتركنا معاً القول بحديث رواه محمد بن عبد العزيز الواسطي عن إسماعيل بن عياش عن الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلاً قتل عبده عمداً فجلده النبي صلى الله عليه وسلم مِئَة ونفاه سنة ومحاسهمه من المسلمين وأمره أن يعتق رقبة.
ونحن لا ندري لأي معنى تركه فهو يحتج بما هو أضعف من هذا الإسناد فيما يوافق هواه وأما نحن فإنما تركناه لضعف إسناده وهذا حديث مختلف فيه على (6/336)
إسماعيل فروي عنه هكذا.
ورواه عنه سعيد بن منصور عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن عمرو وعن إسحاق عن إبراهيم بن عبد الله بن حُنين عن علي وإسحاق وإسماعيل.
كلاهما ضعيف لا يحتج بروايتهما ولو كان ثابتاً لقلنا به كما قلنا بما ثبت من نفي البكر - والحمد لله على حسن التوفيق.
5072 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : النفي ثلاثة وجوه منها : نفي نصاً في كتاب الله عز وجل وهو قول الله عز وجل في المحاربين {أو ينفوا من الأرض}.
وذلك النفي يطلبون فيتبعوا ثم يطلبون فيتبعوا فمتى قدر عليهم أقيم عليهم حد الله إلا أن يتوبوا قبل أن يقدر عليهم فيسقط عنهم وتثبت عليهم حقوق الآدميين.
والنفي في السنة وجهان أحدهما ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو : نفي البكر الزاني يجلد مِئَة وينفى سنة.
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : لأقضين بينكما بكتاب الله.
ثم قضى بالنفي والجلد على البكر.
والنفي الثاني : أنه يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلاً : أنه نفى مخنثين كانا بالمدينة يقال لأحدهما هيت والآخر ماتع.
(6/337)
ويحفظ في أحدهما أنه نفاه إلى الحمى وأنه كان في ذلك المنزل حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياة أبي بكر وحياة عمر ، وأنه شكا الضيق فأذن له بعض الأئمة أن يدخل المدينة في الجمعة يوماً يتسوق ثم ينصرف.
وقد رأيت أصحابنا يعرفون هذا ويقولونه لا أحفظ عن أحد منهم أنه خالف فيه وإن كان لا يثبت ثبوت نفي الزنا.
قال أحمد : قد روي معنى هذا في حديث ابن عياش ابن أبي ربيعة وفيه : فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً في كل سبت يدخل يسأل ويرجع إلى منزله واسمه ماتع.
قال : ونفى رسول الله صلى الله عليه وسلم معه صاحبيه هِدْم وهيت.
وفي الحديث الثابت عن عكرمة عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وقال : أخرجوهم من بيوتكم وأخرجوا فلاناً وفلاناً.
يعني المخنثين.
وفي رواية أخرى فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مخنثاً وأخرج عمر مخنثاً.
وفي حديث أيوب عن عكرمة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل من المخنثين فأخرج من المدينة.
وأمر أبو بكر برجل منهم فأخرج أيضاً.
وروينا في حديث أبي يسار القرشي عن أبي هاشم عن أبي هريرة (6/338)
أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فأمر به فنفي إلى النقيع.
5073 - أخبرناه أبو علي الروذباوي أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا هارون بن عبد الله عن أبي أسامة عن مفضل بن يونس عن الأوزاعي عن أبي يسار القرشي فذكره أتم من ذلك.
قال الشافعي في كتاب حرملة :
أَخْبَرَنَا سفيان حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة قالت : دخل النبي صلى الله عليه وسلم بيت أم سلمة وعندها مخنث فسمعه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول لعبد الله بن أبي أمية يا عبد الله إذا فتح الله عليكم الطائف غداً فعليك بابنه غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تدخلوا هذا عليكم.
5074 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن إسحاق أخبرنا بشر بن موسى حدثنا الحميدي حدثنا سفيان فذكره بإسناده ومعناه غير أنه قال : قالت : دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي مخنث وقال : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يدخلن هؤلاء عليكم.
قال سفيان : قال ابن جريج واسمه هيت.
رواه البخاري في الصحيح عن الحميدي.
(6/339)
1064 - مكرر - باب إقامة الحد على من اعترف بالزنا مرة وثبت عليها.
5075 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : إذا اعترف مرة وثبت عليها حد وكذا هي واحتج بحديث الرجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حد الزنا وفي آخره : وأمر أُنيس الأسلمي أن يأتي إمرأة الآخر فإن اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها.
ولم يذكر عدد الاعتراف.
قال أحمد : وروينا في حديث عمران بن حصين : أن إمرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إنها زنت وهي حبلى.
ولم يذكر فيه عدد اعتراف.
5076 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : يخالف هذا الحديث بعض الناس فقال : لا ترجم حتى تعترف أربعاً.
واحتج بأن الزهري روى أن رجلاً اعترف عند النبي صلى الله عليه وسلم أربع مرات.
قلنا : وقد روى ابن المسيب : أنه اعترف مراراً فرده ولم يذكر عددها.
قال أحمد : حديث الزهري في الموطأ عن مالك منقطعاً وقد ثبت من وجه آخر موصولاً.
5077 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني والحسن بن علي قالا : حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله (6/340)
أن رجلاً من أسلم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا فأعرض ثم اعترف فأعرض عنه حتى شهد على نفسه أربع شهادات.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أبك جنون.
قال : لا . قال : أحصنت ؟ قال : نعم.
قال : فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرجم بالمصلى فلما أزلقته الحجارة فر فأدرك فرجم حتى مات.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خيراً ولم يصلّ عليه.
قد أخرجناه في كتاب السنن عالياً.
ورواه مسلم عن إسحاق بن إبراهيم عن عبد الرزاق.
ورواه البخاري عن محمد بن غيلان عن عبد الرزاق إلا أنه قال : فصلى عليه.
وهو خطأ لإجماع أصحاب عبد الرزاق على خلافه ثم إجماع أصحاب الزهري على خلافه.
وأما حديث ابن المسيب 5078 - فأخبرناه أبو زكريا المزكي أخبرنا أبو الحسن الطرائفي حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال (6/341)
أن رجلاً من أسلم جاء إلى أبي بكر الصديق فقال له : إن الآخر زنى.
فقال له أبو بكر : هل ذكرت هذا لأحد غيري ؟ فقال : لا . قال أبو بكر : فتب إلى الله واستتر بستر الله فإن الله يقبل التوبة عن عباده.
فلم تقره نفسه حتى أتى عمر بن الخطاب فقال له مثل ما قال لأبي بكر فقال له عمر مثل ما قال أبو بكر فلم تقره نفسه حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن الآخر زنى.
قال سعيد : فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم مراراً كل ذلك يعرض عنه حتى إذا أكثر عليه بعث إلى أهله فقال : أيشتكي ؟ أبه جنة ؟.
فقالوا : يا رسول الله والله إنه لصحيح.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أبكر أم ثيب ؟ قال : بل ثيب.
فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجم.
ورواه عقيل وعبد الرحمن بن خالد عن الزهري عن ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة على لفظ حديث أبي سلمة عن جابر دون ذكر الصلاة.
قال الشافعي في رواية أبي سعيد : وإنما كان ذلك في أول الإسلام لجهالة الناس بما عليهم ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في المعترف : أيشتكي أبه جنة ؟ (6/342)
لا يرى أن أحداً ستر عليه يقر بذنبه إلا وهو يجهل حده.
أو لا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اغد يا أنيس على إمرأة هذا فإن اعترفت فارجمها.
ولم يذكر عدد الاعتراف.
وأمر عمر أبا واقد الليثي بمثل ذلك ولم يأمره بعدد اعتراف.
قال أحمد : وروينا في حديث سليمان بن بريدة عن أبيه قال : جاء ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله طهرني . فقال : ويحك إرجع فاستغفر الله وتب إليه.
قال فرجع غير بعيد ثم جاء . فقال : يا رسول الله طهرني . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه.
قال فرجع غير بعيد ثم جاء فقال : يا رسول الله طهرني . فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك حتى كانت الرابعة . قال النبي صلى الله عليه وسلم : ممَّ أطهرك ؟ فقال : من الزنى . قال النبي صلى الله عليه وسلم : أبه جنون ؟ فأخبر أنه ليس به جنون فقال : أشرب خمراً ؟ فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أثيب أنت ؟ قال : نعم . فأمر به فرجم.
(6/343)
فكان الناس فيه فريقين تقول فرقة لقد هلك ماعز على أسوإ عمله لقد أحاطت به خطيئته.
وقائل يقول : أتوبة أفضل من توبة ماعز أن جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده في يده فقال : اقتلني بالحجارة.
قال : فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم وهم جلوس فسلم ثم جلس ثم قال : استغفروا لماعز بن مالك.
فقالوا : يغفر الله لماعز بن مالك.
قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتها.
ثم جاءته إمرأة من غامد من الأزد فقالت : يا رسول الله طهرني فقال : ويحك إرجعي فاستغفري الله وتوبي إليه.
فقالت : لعلك تريد أن تردني كما رددت ماعز بن مالك قال : وما ذاك.
قالت : أنا حبلى من الزنى . قال : أثبت أنت ؟ قالت : نعم . قال : إذاً لا نرجمك حتى تضعي ما في بطنك.
قال فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت.
فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : قد وضعت الغامدية.
قال (6/344)
إذاً لا نرجمها وندع ولدها صغيراً ليس له من يرضعه.
فقام رجلا من الأنصار فقال : إليّ رضاعة يا نبي الله.
فرجمها.
5079 - أخبرناه أبو عبد الله الحسن بن شجاع الصوفي ببغداد أخبرنا أبو بكر محمد بن جعفر الأنباري حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر حدثنا يحيى بن يعلى بن الحارث المحاربي حدثنا أبي عن غيلان بن جامع عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن أبي كريب عن يحيى بن يعلى بن الحارث المحاربي.
وفي الحديث الثابت عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز : لعلك قبّلت أو غمزت أو نظرت.
وفي رواية أخرى : لعلك قبلت أو لمست.
قال : لا . قال : أفنكتها ؟ قال : نعم . قال فعند ذلك أمر برجمه.
وفي حديث عبد الرحمن بن الصامت عن أبي هريرة في هذه القصة : فأقبل في الخامسة فقال : أنكتها ؟ قال : نعم قال (6/345)
وحتى غاب منك ذلك في ذلك منها.
قال : نعم . قال : كما يغيب المرود في المكحلة والرشا في البئر.
قال : نعم . قال : هل تدري ما الزنى.
قال : نعم أتيت منها حراماً ما يأتي الرجل من إمرأته حلالاً . قال : فما تريد بهذا القول ؟ قال : أريد أن تطهرني.
فأمر به فرجم.
كل هذه الأخبار تؤكد ما قال الشافعي من أن رده لم يكن لاشتراط عدد في الاعتراف ولكنه كان يستنكر عقله فلما عرف صحته استفسر منه الزنا فلما فسره أمر برجمه والله أعلم.
قال الشافعي : وإذا أقر بالزنى أو بشرب الخمر أو بالسرقة ثم رجع قبلت رجوعه قياساً على أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ماعز بن مالك : فهلا تركتموه.
قال : وأغرمته السرقة لأنها حق للآدميين.
5080 - أخبرنا أبو الحسن بن عبدان أخبرنا أبو القاسم الطبراني حدثنا ابن كيسان حدثنا أبو حذيفة حدثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن يزيد بن نعيم بن هزال الأسلمي عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ماعز : أذهبوا به فارجموه.
فلما مسته الحجارة جزع فاشتد فرماه عبد الله بن أُنيس بوظيف فصرعه ورماه (6/346)
الناس حتى قتلوه فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فراره فقال : هلا تركتموه فلعله يتوب فيتوب الله عليه يا هزال لو سترته بثوبك كان خيراً لك مما صنعت.
1065 - باب الضرير في خلفته لا من مرض يصيب الحد
5081 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد وأبي الزناد كلاهما عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن رجلاً قال أحدهما : أحبن وقال الآخر : مقعد كان عند جوار سعد فأصاب إمرأة حبل فرمته به فسئل فاعترف فأمر النبي صلى الله عليه وسلم به - قال أحدهما : _ فجلد بأثكال النخل - وقال آخر : بأثكول النخل.
قال أحمد : وقد روي هذا موصلاً يذكر أبي سعيد فيه.
وقيل عن أبي الزناد عن أبي أمامة عن سعيد بن سعد بن عبادة.
ورواه الزهري عن أبي أمامة بن سهل : أنه أخبره بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار فذكره وقال فيه : فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا له مِئَة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة.
1066 - باب الشهادة في الزنا
5082 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا(6/347)
مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن سعد بن عبادة قال يا رسول الله أرأيت إن وجدت مع إمرأتي رجلاً أمهله حتى آتى بأربعة شهداء ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث مالك.
5083 - وبهذا الإسناد أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن رجلاً بالشام وجد مع إمرأته رجل فقتله أو قتلها فكتب لمعاوية إلى أبي موسى الأشعري أن يسأل له عن ذلك علياً فسأله . فقال عليّ.
إن هذا الشيء ما هو بأرض العراق عزمت عليك لتخبرني . فأخبرته.
فقال علي : أنا أبو حسن إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته.
قال الشافعي : وبهذا كله نأخذ ولا أحفظ عن أحد قبلنا من أهل العلم فيه مخالفاً.
وقال في موضع آخر : وشهد ثلاثة على رجل عند عمر بالزنى ولم يثبت الرابع فجلد الثلاثة.
قال أحمد : وروينا في إثبات الشهادة بالزنى حديث مجالد عن عامر الشعبي عن جابر في قصة اليهود فقال ابن صوريا : نجد في التوراة : إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجماً.
قال فدعى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليهود فجاءوا أربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة.
فأمر برجمهما.
(6/348)
وروي من غير حديث مجالد مرسلاً مختصراً.
1067 - باب حد اللواط
5084 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي عن رجل عن ابن أبي ذئب عن القاسم بن الوليد عن يزيد - أراه ابن مدكور - : أن علياً رجم لوطياً.
قال الشافعي : وبهذا نأخذ يرجم اللوطي محصناً كان أو غير محصن وهذا قول ابن عباس.
وسعيد بن المسيب يقول : السُنة أن يرجم اللوطي أحصن أو لم يحصن.
وعكرمة يرويه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الشافعي : وصاحبهم يقول : ليس على اللوطي حد ولو يلوط وهو محرم لم يفسد إحرامه ولا غسل عليه ما لم يُمْن.
وقد خالفه بعض أصحابه فقال : اللوطي مثل الزاني يرجم إن أحصن ويجلد إن لم يحصن ولا يكون اللوطي أشد حالاً من الزاني.
قال الشافعي : وقد بين الله فرق ما بينهما فأباح جماع النساء بوجهين أحدهما النكاح والآخر بملك اليمين وحرم هذا من كل الوجوه.
(6/349)
فمن أن يشتبهان ؟ قال الربيع : رجع الشافعي فقال : لا يرجم إلا أن يكون قد أُحصن.
قال أحمد : حديث علي قد رواه الثوري عن ابن أبي ليلى عن رجل من همدان : أن علياً رجم رجلاً محصناً في عمل قوم لوط.
وهذا منقطع . ورواية ابن أبي ذئب أصح.
وأما حديث ابن عباس : ففي رواية ابن خُثيم عن سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس في البكر يوجد على اللوطية.
قال : يرجم.
5085 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن جريح أخبرني ابن خُثيم فذكره.
وروي عن أبي نضرة عن ابن عباس أنه قال في حد اللوطي : ينظر أعلى بناء في القربة فيرمى به منكساً ثم يتبع الحجارة.
وأما حديث عكرمة 5086 - فأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان حدثنا ابن وهب عن سليمان بن بلال عن عمرو مولى المطلب عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به.
أخرجه أبو داود في كتاب السنن.
وروينا عن الحسن البصري وإبراهيم النخعي أنهما قالا (6/350)
هو بمنزلة الزاني.
وقاله أيضاً عطاء بن أبي رباح.
وروي عن ابن المسيب.
وروينا عن ابن المنكدر وصفوان بن سليم : أن خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه في ذلك فجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان من أشدهم يومئذ قولاً علي بن أبي طالب قال : إن هذا ذئب لم تعص به أمة من الأمم إلا أمة واحدة صنع الله بها ما قد علمتم نرى أن نحرقه بالنار فاجتمعوا على ذلك فكتب أبو بكر يأمره بذلك.
وروي عن علي في غير هذه القصة قال يرجم ويحرق بالنار.
وقال الشعبي : يرجم أحصن أو لم يحصن.
وقال جابر بن زيد : عليه الرجم.
1068 - باب حد إتيان البهيمة
قال الشافعي رحمه الله في كتاب الشهادات : والشهادة على اللواط وإتيان البهائم أربعة لأن كلاً جماع هذا هو المذهب.
فأما قوله في مسألة الشهود : أَزَنَى بإمرأة ؟ لأنهم قد يعدون الزنى وقوعاً على بهيمة فيحتمل أنه إنما قاله للفرق بين حديهما ففي الزنى لا يرجم ما لم يكن محصنا وفي إتيان البهيمة يقتل بكل حال في أحد القولين على ظاهر الحديث . والله أعلم.
5087 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا النفيلي حدثنا عبد العزيز بن محمد قال حدثني عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه .(6/351)
قال قلت له - يعني لابن عباس : _ ما شأن البهيمة ؟ قال : ما أراه قال ذلك إلا أنه كره أن يؤكل لحمها وقد عمل بها ذلك العمل.
ورواه عبد الحميد بن سليمان عن عمرو قال فيه : لا يقال هذه التي فعل بها كذا وكذا.
ورواية عبد العزيز أصح.
وقد أردفه أبو داود بحديث عاصم بن أبي النجود عن أبي رزين عن ابن عباس قال : ليس على الذي يأتي البهيمة حد.
5088 - أخبرناه أبو علي أخبرنا أبو بكر حدثنا أبو داود حدثنا أحمد بن يونس أن شريكاً وأبا الأحوص وأبا بكر بن عياش حدثهم عن عاصم فذكره.
ثم قال حديث عاصم يضعف حديث عمرو بن أبي عمرو.
قال أحمد : ونحن لا نرى عمرو بن أبي عمرو يقصر عن عاصم في الحفظ.
وقد رواه إبراهيم بن أبي يحيى وإبراهيم بن إسماعيل الأشهلي عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس.
ورواه عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس.
وعكرمة عند أكثر الحفاظ من الثقات الأثبات.
(6/352)
وقال الحسن البصري : هو بمنزلة الزاني.
وقال جابر بن زيد : من أتى البهيمة أقيم عليه الحد.
ويذكر عن الحسن بن علي : أنه سئل عن رجل أتى بهيمة.
قال : إن كان محصناً رجم.
1069 - باب المستكرهة
5089 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : وإذا استكره الرجل المرأة أقيم عليه الحد ولم يقم عليها لأنها مستكرهة ولها مهر مثلها.
5090 - وبإسناده في موضع آخر قال أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب أن عبد الملك بن مروان قضى في إمرأة أصيبت مستكرهة بصداقها على من فعل ذلك بها.
كان في كتابي مروان والصحيح عبد الملك بن مروان هكذا رواه أصحاب الموطأ.
وروينا عن ابن جريج عن عطاء أنه قال : عليه الحد والصداق.
وعن الحسن قال : عليه الحد العقر.
وروينا عن أبي موسى الأشعري قال (6/353)
أُتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بامرأة من أهل اليمن قالوا : بغت.
قالت : إني كنت نائمة فلم اسيتقظ إلا برجل رمى في مثل الشهاب.
فقال عمر : يمانية مؤمنة شابة فخلى عنها ومتعها.
وروينا عنه في العبد الذي استكره جارية من رقيق الخمس في مسألة النفي.
1070 - باب من وقع على ذات محرم بنكاح أو غيره
روينا عن أبي الجهم عن البراء بن عازب قال : إني لأطوف في تلك الأحياء على إبل لي ضلت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء ركب أو فوارس معهم لواء فجعل الأعراب يلوذون بي لمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهوا إلينا فأطافوا بقبة فاستخرجوا رجلاً فضربوا عنقه فسألت عن قصته فقيل : وجد قد عرس بإمرأة أبيه.
5091 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا الحسن بن علي بن عفان حدثنا أسباط بن محمد عن مطرف.
5092 - قال وحدثنا أبو العباس حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا يعلى بن منصور حدثنا أبو زبيد حدثنا مطرف عن أبي الجهم مولى البراء بن عازب عن البراء فذكره.
واللفظ لحديث أبي زبيد.
ورويناه من حديث يزيد بن البراء عن أبيه وفيه : إلى رجل نكح إمرإة أبيه.
وكأنه نكحها وعرس بها بمجموع الروايتين فأمر بقتله.
قال الشافعي في رواية المزني فيمن تزوج بأم إمرأته بعد دخوله بالنبت وهما عالمان ثم أصابها (6/354)
أقمنا عليهما الحد وهما زانيان سميا الزنا باسم النكاح.
وبسط الكلام فيه.
جاء من يدعي تسوية الأخبار على مذهبه وحمل الخبر الذي رويناه في هذا الباب على أنه إنما أمر بمثله لأنه كان قد استحله فصار به مرتداً محارباً.
واحتج بما روينا في حديث يزيد بن البراء عن أبيه قال : لقيت عمي ومعه راية فقلت أين تريد ؟ قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل نكح إمرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه وآخذ ماله.
وبحديث معاوية بن قرة عن أبيه : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث جد معاوية إلى رجل عرس بإمرأة أبيه أن يضرب عنقه ويخمس ماله.
قال : فدل على أنه كان مرتداً محارباً لأن المرتد الذي لم يحارب لا يخمس ماله.
وهذا الذي ذكره ليس في الحديث منه شيء لا الاستحلال ولا المحاربة.
ولو جاز دعوى الاستحلال في هذا لجاز مثلها في زنى من رجم لأن أهل الجاهلية كانوا يستحلون الزنا.
وفي حديث أبي الجهم عن البراء : أنهم أطافوا بقية فاستخرجوا رجلاً.
فأين المحاربة ها هنا ؟ ثم إن كان الأمر على ما قال من الاستحلال فهو حجة عليه في أن مال المرتد لا يكون لورثته وتخميسه لأننا في مذهب الشافعي فإنه يوجب الخمس فيما أوجف عليه من الغنيمة وفيما لم يوجف عليه من أموال الفيء.
قال الشافعي : الخمس ثاتب لأهله في كل ما أخذ من مشرك غنيمة كانت أو فيئاً.
قال : والفيء ما رده الله على أهل دينه من مال من خالف دينه.
(6/355)
قال أحمد : وإن كان فعله على وجه الاستحلال فهو حجة عليه في وجوب الحد عليه.
وقول الراوي : إلى رجل نكح إمرأة أبيه يدل على العقد.
وقول الآخر : إلى رجل عرس بإمرأة أبيه يدل على الدخول.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى ظاهر الخبر في إيجاب القتل به لكل حال لعظم التحريم.
وذهب بعضهم إلى أن ذلك كان قبل نزول الحدود في سورة النور قبل بيان النبي صلى الله عليه وسلم رجم الثيب الزاني فلما نزلت وبين صار الأمر إلى ذلك.
قالوا : ثم أنه إنما نسخ منه كيفية القتل فأما أصل وجوب القتل فإنه لم تقم دلالة على نسخة فهو باق على الوجوب . والله أعلم.
1071 - باب إدرأُوا الحدود بالشبهات
ذكر الشافعي رحمه الله في هذا مسائل ثم قال في آخرها : الناس لا يحدون إلا بإقرارهم أو بينة تشهد عليهم بالفعل وأن الفعل محرم فأما بغير ذلك فلا حد وهكذا لو وجدت حاملاً فادعت تزويجاً أو إكراهاً لم تحد فإن ذهب في الحامل خاصة إلى أن يقول : قال عمر بن الخطاب : الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف.
فإن مذهب عمر فيه بالبيان عنه بالخبر أنه يرجم بالحبل إذا كان مع الحبل إقرار بالزنى أو غير ادعاء نكاح أو شبهة يدرأها الحد.
5093 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه أن يحيى بن حاطب حدثه قال : توفي حاطب فأعتق من صلى من رقيقة وصام وكانت له أمة نوبية قد صلت (6/356)
وصامت وهي أعجمية لم تفقه لم ترعه إلا بحبلها وكانت ثيباً فذهب إلى عمر فحدثه فقال : لأنت الرجل لا تأتي بخير فأفزعه ذلك فأرسل إليها عمر فقال : أحبلت ؟ فقال نعم من مرغوش بدرهمين فإذا هي تستهل بذلك لا تكتمه.
قال وصادف علياً وعثمان وعبد الرحمن بن عوف فقال : أشيروا عليَّ وكان عثمان جالساً فاضطجع فقال عليّ وعبد الرحمن قد وقع عليها الحد.
فقال أشر عليَّ يا عثمان . فقال قد أشار عليك أخواك.
قال أشر عليَّ أنت قال : أراها تستهل به كأنها لا تعلمه وليس الحد إلا على من علمه.
فقال : صدقت والذي نفسي بيده ما الحد إلا على من علمه.
فجلدها عمر مِئَة وغربها عاماً.
قال أحمد : كان حدها الرجم لأنها كانت قد عتقت وكانت ثيباً فكأنه رضي الله عنه لما درأ عنها الرجم للشبهة بالجهالة رأى أن يحدها حد الأبكار تعزيزاً . والله أعلم.
5094 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة عن أبي بشر عن شبيب أبي روح : أن رجلاً كان يُواعد جاريته مكاناً في خلاء فعلمت جارية بذلك فأتته فحسبها جاريته فوطأها ثم علم فأتى عمر فقال : ايت علياً فسأل علياً فقال : أرى أن تضرب في خلاء وأن تعتق رقبة وعلى المرأة الحد.
قال الشافعي : وليسوا يقولون بهذا.
يقولون : يدرأ عنها الحد بالشبهة.
(6/357)
فأما نحن فنقول في المرأة تحد كما رووا عن علي لأنها زنت وهي تعلم.
قال أحمد : ويدرأ عنه بالشبهة.
وقد روينا عن علي مرفوعاً.
إدرأُوا الحدود.
وروى يزيد بن أبي زياد الشامي عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعاً : إدرأُوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن وجدتم للمسلم مخرجاً فخلوا سبيله فإن الإمام إن يخطىء في العفو خير من أن يخطىء في العقوبة.
ويزيد بن أبي زياد غير قوي ورواه عنه وكيع مرفوعاً وهو أشبه.
وأصح ما روي فيه حديث سفيان عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود قال : إدرأوا الحدود والقتل عن المسلمين ما استطعتم.
1072 - باب من أتى جارية امرأته
5095 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن ابن مهدي عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي قال : كنت عند علي فأتته إمرأة فقالت إن زوجي وقع على جاريتي ؟ قال : إن تكوني صادقة نرجمه وإن تكوني كاذبة نجلدك.
قال الشافعي (6/358)
وبهذا نأخذ لأن زناه بجارية إمرأته مثل زناه بغيرها إلا أن يكون ممن يعذر بالجهالة ويقول كنت أرى أنها لي حلال.
قال أحمد : وروينا عن عمر بن الخطاب مثل قول علي في وجوب الرجم إذا لم يدع شبهة.
وروينا عن النعمان بن بشير في الرجل يقع على جارية إمرأته : لأقضين بقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كانت أحلتها لك جلدتك مِئَة وإن لم تكن أحلتها لك رجمتك بالحجارة.
وهذا حديث قد اختلف في إسناده.
قال أبو عيسى الترمذي : سألت عنه محمد بن إسماعيل البخاري فقال : أنا أنفي هذا الحديث.
وروي عن الحسن عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبق : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في رجل وقع على جارية إمرأته.
إن استكرهها فهي حرة وعليه لسيدتها مثلها وإن طاوعته فهي له وعليه لسيدتها مثلها.
وهذا حديث مختلف فيه على الحسن فقيل عنه هكذا وقيل عنه عن جون بن قتادة عن سلمة.
وقد رواه الشافعي في كتاب حرملة عن سفيان عن عمرو بن دينار عن الحسن عن سلمة بن المحبق.
وعن سفيان عن الهذلي عن الحسن عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبق عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
(6/359)
وقبيصة بن حريث غير معروف.
روينا عن أبي داود أنه قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : الذي رواه عن سلمة بن المحبق شيخ لا يعرف لا يحدث عنه غير الحسن - يعنى قبيصة بن حريث -.
قال : وسمعت أحمد يقول : جون بن قتادة شيخ لم يحدث عنه غير الحسن.
وقال البخاري في التاريخ : قبيصة بن حريث سمع سلمة بن المحبق في حديثه نظر.
وقال ابن المنذر.
لا يثبت خبر سلمة بن المحبق.
وقال أشعث : بلغني أن هذا كان قبل الحدود.
وقال بعض أهل العلم : كان هذا حين كانت العقوبات بالمعاصي في الأموال.
وروي عن ابن مسعود أنه أفتى بمثل ما روي عن سلمة بن المحبق.
وروي عنه أنه قال : استغفر الله ولا تعد.
5096 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي قال سفيان عن مطرف عن الشعبي عن ابن مسعود : أنه كان لا يرى على الذي يصيب وليده إمرأته جلداً ولا عقراً.
5097 - وبإسناده قال قال الشافعي عن رجل عن شعبة عن منصور عن ربعي بن خراش عن عبد الله (6/360)
أن رجلاً أتاه فذكر أنه أصاب جارية إمرأته فقال : استغفر الله ولا تعد.
قال الشافعي : إن كان من أهل الجهالة وقال كنت أرى أنها حلال لي فإنا ندراً عنه الحد وعذرناه وإن كان عالماً حددناه حد الزاني.
قال أحمد : روينا عن الثوري عن خالد عن ابن سيرين أن علياً قال : أن أم عبد ( . . . ).
_ لا ندري ما حدث بعده - لو أتيت به لرجمته.
وعن حماد عن إبراهيم أن علياً قال : لو أُتيت به لرجمته - يعني : رجلاً وقع على جارية إمرأته.
وفي هذا إن ثبت إشارة إلى نسخ وَرَدَ على ما أفتى به أن أم عبد - وهو عبد الله بن مسعود _ ، والله أعلم.
1073 - باب حد المماليك
5098 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى في المملوكات {فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب}.
(6/361)
والنصف لا يكون إلا في الجلد الذي يتبعض فأما الرجم الذي هو قتل فلا نصف له.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها.
ولم يقل يرجمها.
ولم يختلف المسلمون في أن لا رجم على مملوك في الزنا.
قال الشافعي : وإحصان الأمة إسلامها وإنما قلنا هذا استدلالاً بالسنة وإجماع أكثر أهل العلم ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها.
ولم يقل محصنة كانت أو غير محصنة استدللنا على أن قول الله تعالى في الإماء.
{فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب}.
إذا أسلمن لا إذا نكحن فأصبن بالنكاح.
ولا إذا عتقن ولم تصبن.
وبسط الكلام في هذا.
قال أحمد : وروينا عن عبد الله بن مسعود أنه قال : إحصانها إسلامها.
(6/362)
وعن أنس بن مالك : أنه كان يضرب إماءه إذا زنين تزوجن أو لم يتزوجن.
وعن الشعبي قال : إحصان الأمة دخولها في الإسلام.
وعن إبراهيم النخعي أنه كان يقرأ {فإذا أحصن}.
قال : إذا أسلمن.
وروينا عن ابن عباس أنه كان يقرأ {فإذا أحصن} بالضم قال : إذا تزوجن.
وكان يقول : ليس على الأمة حد حتى تحصن.
وكذلك كان يقرأها مجاهد.
وقد غلط في حديث ابن عباس بعض الرواة فرفعه وهو فيما 5099 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا محمد بن إسحاق الصفار حدثنا عبد الله بن عمران العابدي حدثنا سفيان عن مسعر عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس على أمة حد حتى تحصن بزوج فإذا أحصنت بزوج فعليها نصف ما على المحصنات.
هذا خطأ ليس هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو من قول ابن عباس.
قاله أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة فيما (6/363)
5100 - أخبرنا أبو الفضيل بن أبي سعد الهروي أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمود الفقيه بمرو قال حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة قال حدثنا عبد الله بن عمران العابدي . فذكر الحديث وذكر عقيبة كلام ابن خزيمة هذا.
وقد رواه سعيد بن منصور وغيره عن سفيان موقوفاً.
5101 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال قال الحسن بن محمد الماسرجي فيما أخبرت عنه وقرأته في كتابه قال أخبرنا محمد بن سفيان حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال قال الشافعي في قوله {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم}.
ذوات الأزواج من النساء.
{أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين}.
عفائف غير خبائث.
{فإذا أحصن} قال : فإذا نكحن {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب}.
غير ذوات الأزواج.
وقال في قوله {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب}.
الحرائر من أهل الكتاب.
{محصنين غير مسافحين}.
عفائف غير فواسق.
(6/364)
وحكى أيضاً أبو علي الطبري صاحب الإفصاح عن ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال : إحصانها نكاحها.
فعلى هذا يشبه أن يكون إنما نص على الجلد في أكمل حاليها ليستدل به على سقوط الرجم عنها ثم يكون الجلد ثابتاً عليها قبل النكاح وبعده بدلالة السُنة.
5102 - خبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن قال : إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إذا زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير.
قال ابن شهاب : لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة قال : والضفير الحبل.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث مالك.
هكذا رواه جماعة من الحفاظ عن الزهري.
ولا يجوز تعليل هذا الحديث برواية عقيل وغيره عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن شبل بن خليد عن مالك بن عبد الله الأوسي.
وقيل عبد الله بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه ذكر الإحصان.
ولا بحديث سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس فيه ذكره.
والذي ذكره حافظ ثقة.
وقد يجوز أن يكون عند عبيد الله فيه إسنادان وكان السؤال في أحد الإسنادين دون الآخر.
ولما كان معلوماً عند الرواة بدلالة المقال أن الحكم لا يختلف بإحصانها وعدم إحصانها أعرض بعضهم عن نقله - والله أعلم _.
(6/365)
وروينا عن سعيد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي قال خطب عليّ رضي الله عنه فقال : أيها الناس أقيموا الحدود على أرقائكم من أحصن منهم ومن لم يحص فإن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت فأمرني أن أجلدها فإذا هي حديث عهد بالنفاس فخشيت إن أنا جلدتها أن تموت فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال : أحسنت.
5103 - أخبرناه الإمام أبو بكر بن فورك رحمه الله أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود حدثنا زائدة عن السدي عن سعيد بن عبيدة فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن أبي بكر المقدمي عن أبي داود.
وروينا عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة قال أمرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش فجلدنا ولائد من ولائد الإمارة خمسين خمسين في الزنا.
5104 - أخبرناه أبو زكريا أخبرنا أبو الحسن الطرائفي حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك عن يحيى بن سعيد أن سليمان بن يسار أخبره أن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي قال أمرني فذكره والكلام في النفي قد مضى ذكره.
1074 - باب حد الرجل أمته إذا زنت
5105 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي (6/366)
أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد وشبل.
5106 - أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا شافع بن محمد أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي عن سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن زيد بن خالد الجهني وشبل وأبي هريرة قالوا : كنا قعود عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه رجل فقال : إن جاريتي زنت ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أجلدها فإن زنت فاجلدها فإن زنت فاجلدها فإن زنت فبعها ولو بضفير.
أخرجه البخاري في الصحيح من حديث ابن عيينة دون ذكر شبل.
فالحفاظ يقولون ذكر شبل في حديث عبيد الله إنما هو كما أشرنا إليه في المسألة المتقدمة . والله أعلم.
وقد ثبت الحديث من وجه آخر عن أبي هريرة.
5107 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي أخبرنا سفيان عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن عادت فزنت فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن عادت فزنت فتبين زناها فليبعها ولو يضفر من شعر يعني : الحبل.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث سفيان.
5108 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن ابن مهدي عن سفيان الثوري وإسرائيل عن عبد الأعلى عن أبي جميلة عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (6/367)
أقيموا الحدود على ما ملكت إيمانكم.
قال الشافعي : وهم يخالفون هذا إلى غير فعل أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : ونحن نقول به وهو السُنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا مالك . فذكر حديث أبي هريرة وزيد بن خالد وقد وذكرناه.
5109 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد بن علي أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث جارية لها زنت.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد : وكان الأنصار ومن بعدهم يحدون إمآءهم.
وابن مسعود يأمر به.
وأبو برزة حد وليدته.
قال أحمد : وروينا عن زيد بن ثابت وابن عمر وأنس بن مالك.
وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : أدركت بقايا الأنصار وهم يضربون الوليدة من ولائدهم في مجالسهم إذا زنت.
ورواه أبو الزناد عن أصحابه.
واستشهد الشافعي في ذلك بضرب الرجل امرأته عند النشوز قال (6/368)
وإذا أباحة الله فيما ليس بحد فهو في الحد الذي بعدد أولى أن يباح لأن العدد لا يُتَعدى والعقوبة لا حد لها.
وبسط الكلام فيه وقال في خلاله ما يجهل ضرب خمسين أحد يعقل.
قالوا : وروينا عن ابن عباس ما يشبه قولنا.
قال الشافعي : أو في أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة ؟ قال : لا . قلنا : فلم نحتج به وليس عن ابن عباس بمعروف أيضاً.
قال أحمد : لم نجده عن ابن عباس في شيء من كتب أهل الحديث.
1075 - باب ما جاء في حد الذميين
5110 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في أهل الكتاب {فَإِنْ جَآءُُوكَ فَاحُكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تَعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقْسطِ}.
قال الشَّافِعِيُّ : في هذه الآية بيان - والله أعلم - أن الله تعالى جعل لنبيه صلى الله عليه وسلم الخيار في أن يحكم بينهم أو يعرض عنهم وجعل عليه إن حكم أن يحكم بالقسط . والقسط : حكم الله الذي أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم المحض الصادق أحدث الأخبار عهداً بالله تبارك وتعالى قال الله (6/369)
{وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك}.
قال الشافعي : وفي هذه الآية ما في التي قبلها من أمر الله له بالحكم بما أنزل الله إليه.
قال : وسمعت من أرضى من أهل العلم يقولون في قول الله عز وجل {وأن احكم بينهم بما أنزل الله}.
إن حكمت لا عزماً أن تحكم.
قال أحمد : وقد روينا عن الشعبي وإبراهيم أنهما قالا : إذا ارتفع أهل الكتاب إلى حكام المسلمين إن شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم وإن حكم حكم بما أنزل الله عز وجل.
قال الشافعي : وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في يهوديين زنيا بأن رجمهما وهذا معنى قوله {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} , 5111 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا.
قال عبد الله بن عمر (6/370)
فرأيت الرجل يَحْني على المرأة يقيها الحجارة.
قال أحمد : هكذا رواه أصحاب الموطأ عن مالك يحني على المرأة وأهل اللغة يقولون : الصواب : يَجْنا أي يُكِبّ.
وقيل يُجني . وروي يُجانىءُ.
5112 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أنه قال : كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم أحدث الأخبار تقرأونه محضاً لم يُشَبّ ألم يخبركم الله في كتابه أنهم حرفوا كتاب الله وبدلوا وكتبوا بأيديهم فقالوا {هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا}.
ألا ينهاكم العلم الذي جاءكم عن مسألتهم والله ما رأينا رجلاً منهم قط يسألكم عما أنزل الله إليكم.
رواه البخاري في الصحيح عن موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد.
5113 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : قال لي قائل في قول الله تبارك وتعالى {وأن احكم بينهم بما أنزل الله}.
ناسخة لقوله {فَإن جَآءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنهُمْ}.
(6/371)
فقلت له : الناسخ إنما يؤخذ بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن بعض أصحابه لا مخالف له أو أمر أجمعت عليه عوام الفقهاء.
فهل معك من هذا واحد ؟ قال : لا فهل معك ما يبين أن الخيار غير منسوخ ) ؟ قلت : قد يحتمل قول الله تبارك وتعالى {وأن احكم بينهم بما أنزل الله}.
إن حكمت.
وقد روي عن بعض أصحابك عن سفيان الثوري عن سماك بن حرب عن قابوس أن محمد بن أبي بكر كتب إلى علي بن أبي طالب في مسلم زنى بذمية ؟ فكتب إليه : أن يحد المسلم وتدفع الذمية إلى أهل دينها.
وذكره في كتاب علي وعبد الله عن وكيع عن سفيان.
ورواه في القديم عن الثقة عن سفيان.
ورواه أبو الأحوص عن قابوس عن أبيه.
قال في القديم : وأخبرنا محمد بن خالد الجندي عن معمر عن الزهري قال : مضت السُنة أن يُرَد أهل الكتاب إلى حكامهم في حدودهم ومواريثهم.
قال الزهري : إلا أن يأتونا راغبين في السُنة فتقام عليهم فيحكم عليهم بذلك.
قال : وأخبرنا بعض أصحابنا عن الضحاك عن عثمان عن موسى بن سعد عن سليمان بن يسار قال : إذا جاءنا أهل الكتاب يطلبون حُكْمنا حَكَمنا عليهم فإن لم يأتون راغبين في السُنة لم نلتفت إليهم.
(6/372)
5114 - قال الشافعي فيما روينا عن أبي سعيد بإسناده : فإن كان هذا ثابتاً عندك - يعني ما ذكره عن علي - فهو بذلك على أن الإمام مخير في أن يحكم بينهم أو يترك الحكم عليهم.
قال فقال : قد روى بجالة عن عمر بن الخطاب : أنه كتب : فرقوا بين كل ذي محرم من المجوس وانهوهم عن الزمزمة.
وقال في القديم : كتب إلي جزي بن معاوية : أن فرقوا . ثم ذكره.
فما روينا ثابت فكيف لم تأخذوا به ؟ قال الشافعي : فقلت له : بجالة رجل ليس بالمشهور ولسنا نحتج برواية رجل مجهول ليس بالمشهور.
ولا نعرف أن جزي بن معاوية كان لعمر بن الخطاب عاملاً.
ثم بسط الكلام في الجواب عنه وقال في خلاله : حديث بجالة موافق لنا لأن عمر بن الخطاب إنما حملهم أن كان حديث بجالة ثابتاً على ما كان حاملاً عليه المسلمين بأن الجرائم لا يحللن للمسلمين ولا ينبغي لمسلم الزمزمة.
أفتحملهم على ما تحمل عليه المسلمين وتتبعهم كما تتبع المسلمين ؟ قال . لا . قلت : فقد خالفت ما رويت عن عمر.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : ولا نعلم أحداً من أهل العلم روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم بينهم إلا في (6/373)
الموادعين اللذين رجما ولا نعلم عن أحد من أصحابه بعده إلا ما روى بجالة مما يوافق حكم الإسلام.
وسماك بن حرب عن قابوس عن علي مما يوافق قولنا في أنه ليس على الإمام أن يحكم إلا أن يشاء.
قال الشافعي : وهاتان الروايتان وإن لم تخالفانا غير معروفتين عندنا ونحن نرجو أن لا نكون ممن تدعوه الحجة على من خالفه إلى قبول خبر من لم يثبت خبره بمعرفته عنده.
قال أحمد : كذا قال الشافعي رحمه الله في كتاب الحدود ونص في كتاب الجزية على أن ليس للإمام الخيار في أحد من المتعاهدين الذين يجري عليهم الحكم إذا جاءُوه في حد لله وعليه أن يقيمه.
واحتج بقول الله عز وجل {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}.
قال : فكان الصغار أن يجزي عليهم حكم الإسلام وذكر في كتاب الجزية حديث بجالة في الجزية وقال : حديث بجالة متصل ثابت لأنه أدرك عُمر وكان رجلاً في زمانه كاتباً لعماله.
ويشبه أن يكون الشافعي لم يقف على حال بجالة بن عبد ويقال : ابن عبدة حين صنف كتاب الحدود ثم وقف عليه حين صنف كتاب الجزية.
وحديث بجالة قد أخرجه البخاري في الصحيح.
وحديث علي مرسل.
وقابوس بن مخارق غير محتج به فالله أعلم.
(6/374)
5115 - وقد حدثنا الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان حدثنا أبو العباس الأصم حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس قال : آيتان نسختا من هذه السورة - يعني المائدة - آية القلائد ؛ وقوله {فاحكم بينهم أو أعرض عنهم}.
قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مخيراً إن شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم فردهم إلى حكامهم قال : ثم نزلت {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم}.
قال : فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم بما في كتابنا.
قال أحمد : سفيان بن حسين : صدوق.
وقد روي عن عطية العوفي عن ابن عباس وهو قول عكرمة.
5116 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن ابن مهدي عن سفيان عن الشيباني عن بعض أصحابه : أن رجلاً أتى علياً برجل فقال : إن هذا يزعم أنه احتلم على أم الآخر.
فقال : أقمه في الشمس فاضرب ظله.
1076 - باب حد القذف
قال الشافعي رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى (6/375)
{والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا}.
فأمر الله أن يضرب القاذف ثمانين وأن لا تقبل له شهادة وسماه فاسقاً إلا أن يتوب والمحصنات ها هنا الحرائر البوالغ المسلمات.
قال أحمد : وروينا عن سعيد بن المسيب أنه سمع ابن عباس يقول : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب أتاه رجل فقال : يا رسول الله أقم عليّ الحد.
فذكر الحديث في إشهادة مرتين ثم قال الثالثة : ما حدك.
قال : أتيت إمرأة حراماً . فقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجال من أصحابه : انطلقوا به فاجلدوه مِئَة جلدة.
ولم يكن تزوج.
ثم ذكر الحديث في إنكار المرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من شهودك أنك خبثت بها فإنها تنكر فإن كان لك شهداء جلدتها وإلا جلدتك حد الفرية.
فقال يا رسول الله والله ما لي شهداء.
فأمر به فجلد حد الفرية ثمانين.
5117 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا علي بن المديني حدثنا هشام بن يوسف حدثنا القاسم بن أبي خلاد عن خلاد بن عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب . فذكره.
(6/376)
وروي في حديث الإفك.
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برجلين وامرأة ممن تكلم بالفاحشة فضربوا حدهم : حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش.
وروينا عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان وعلي في ضرب المملوك في القذف أربعين.
وروينا عن الأشعث عن الحسن : إذا قال يا ابن الزانيين ؟ قال : يجلد حدين.
وفي رواية أخرى قال : كانوا يقولون عليه حدان.
(6/377)
بسم الله الرحمن الرحيم 38 - كتاب السرقة
1077 - باب ما يجب فيه القطع
قال الشافعي رحمه الله : قال الله جل ثناؤه.
{والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم}.
5118 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو زكريا وأبو بكر وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن ابن شهاب عن عمرة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : القطع في ربع دينار فصاعداً.
قال أحمد : هكذا حمله الشافعي عن ابن عيينة بهذا اللفظ.
(6/378)
وقرأته في موضع آخر برواية عبد الله بن عمر العمري عن الزهري.
5119 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة عن عبد الله بن عمرو بن عيينة عن الزهري عن عمرة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : القطع في ربع دينار فصاعداً.
قال الشافعي : وبهذا نأخذ.
5120 - أخبرنا به أبو عبد الله في كتاب مناقب الشافعي منقولاً عن كتاب اختلاف العراقيين للشافعي ووقع له في النقل عن عروة وهو خطأ . إنما هو عن عمرة بلا شك.
وهذا الحديث للشافعي عن ابن عيينة سماع وعن عبد الله بن عمر بن حفص بلاغ عن الثقة عنده.
فقد رواه في كتاب الحدود وكتاب القطع في السرقة عن ابن عيينة واحدة سماعاً منه كما ذكرنا.
وبهذا اللفظ رواه أيضاً إسحاق بن إبراهيم الحنظلي في أحد الموضعين من سنده عقيب حديث هشام بن عروة عن أبيه في القطع.
وبهذا المعنى روي في إحدى الروايتين عن الحميدي وحجاج بن منهال عن سفيان بن عيينة.
وبهذا اللفظ رواه محمد بن نصر المروزي في كتاب الحث على اتباع السُنة عن محمد بن عبيد بن حساب عن سفيان بن عيينة.
ورواه مسلم بن الحجاج في الصحيح عن يحيى بن يحيى وغيره عن سفيان عن الزهري عن عمرة عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع السارق في ربع دينار فصاعداً .(6/379)
فجاء أبو جعفر الطحاوي رحمنا الله وإياه : ورواه عن يونس بن عبد الأعلى عن سفيان بهذا اللفظ وتعلق به وزعم أنها أخبرت عما قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : فيحتمل أن يكون ذلك لأنها قومت ما قطع فيه فكانت قيمته عندها ربع دينار فجعلت ذلك مقدار ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقطع فيه وقيمته عند غيرها أكثر من ربع دينار.
قال أحمد : ولو كان أصل الحديث على هذا اللفظ فعائشة رضي الله عنها عند أهل العلم بحالها كانت أعلم بالله وأفقه في دين الله وأخوف من الله تعالى وأشد إتقاناً في الرواية من أن تقطع على النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان يقطع السارق في ربع دينار فصاعداً فيما لم تحط به علماً أو تطلق مثل هذا التقدير في ما تقومه بالظن والتخمين.
ومن الجائز أن يكون عند غيرها أكثر قيمة منه ثم تفتي بذلك المسلمين.
نحن لا نظن بعائشة مثل هذا لما تقرر عندنا من إتقانها في الرواية وحفظها لسنته ومعرفتها بالشريعة وتعظيمها محارم الله عز وجل.
هذا وحديث ابن عيينة هذا لم يخرجه البخاري في الصحيح.
وأظنه إنما تركه لمخالفه سائر الرواة في لفظه واضطرابه فيه.
5121 - وقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني أبو عمرو بن أبي جعفر حدثنا عبد الله بن محمد السمناني حدثنا أبو الطاهر وأبو الربيع قالا : حدثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا.
5122 - وأخبرنا أبو عمرو البسطامي أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي أخبرني الحسن بن سفيان حدثنا حرملة بن يحيى حدثنا عبد الله بن وهب.
(6/380)
5123 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني أبو أحمد الحافظ حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي حدثنا الوليد بن شجاع قال حدثني ابن وهب . فذكراه بهذا الإسناد وقالا في متن الحديث : لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدًا.
ولا فرق بين اللفظين في المعنى.
رواه البخاري في الصحيح عن ابن أبي أُويس عن ابن وهب.
ورواه مسلم عن أبي الطاهر وحرملة والوليد بن شجاع.
وهذا إخبار عن قول النبي صلى الله عليه وسلم.
فرجع هذا الشيخ إلى ترجيح رواية ابن عيينة وقال : يونس بن يزيد عندكم لا يقارب ابن عيينة فكيف تحتجون بما روى يونس بن يزيد وتدعون ما روى ابن عيينة ؟ وكان ينبغي لهذا الشيخ أن ينظر في تواريخ أهل العلم بالحديث ويبصر مدارج الرواة ومنازلهم في الرواية ثم يدعي عليهم ما رأى من مذاهبهم ويلزمهم ما وقف عليه من أقاويلهم.
لو قال ابن عيينة لا يقارب يونس بن يزيد في الزهري لكان أقرب إلى أقاويل أهل العلم بالحديث من أن يرجح رواية ابن عيينة على رواية يونس.
5124 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو بكر أحمد بن محمد الإشناني قالوا : حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس الطرائفي قال سمعت عثمان بن سعيد الدارمي يقول : سألت يحيى بن معين عن أصحاب الزهري فذكر مالكاً ويونس بن يزيد ومعمراً وعقيلاً وغيرهم وذكر منازلهم.
قلت : فابن عيينة أحب إليك أم معمر ؟ فقال : معمر . قلت له : إن بعض الناس يزعمون يقولون : سفيان بن عيينة أثبت الناس في الزهري.
(6/381)
فقال : إنما يقول ذاك من سمع منه وأي شيء كان سفيان إنما كان غُليم - يعني أيام الزهري - : قال : وسمعت عثمان بن سعيد يقول سمعت أحمد بن صالح يقول : لا يقدم في الزهري على يونس أحد.
قال أحمد بن صالح : وكان الزهري إذا قدم أَيْله نزل على يونس بن يزيد وإذا سار إلى المدينة زمله يونس.
5125 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بمصر حدثنا موسى بن سهل الرملي حدثنا عمران بن هارون حدثنا صدقة بن المنتصر حدثني يونس بن يزيد قال : صحبت الزهري أربعة عشر سنة.
قال أحمد : وأما ابن عيينة فإنه قال : ولدت سنة سبع ومِئَة وجالست الزهري وأنا ابن ست عشرة وشهرين ونصف قدم علينا الزهري سنة ثلاث وعشرين ومِئَة وخرج إلى الشام ومات.
5126 - أخبرنا بذلك أبو بكر الفارسي أخبرنا أبو إسحاق الأصبهاني حدثنا أبو أحمد بن فارس حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال قال لي علي - هو ابن المديني - عن ابن عيينة فذكره.
قال أحمد : وفيما ذكرنا بيان كبر يونس وطول صحبته الزهري وصغر سفيان وقصر صحبته إياه.
وكان الزهري يقول لابن عيينة : ما رأيت طالباً للعلم أصغر منك.
(6/382)
وكان الزهري يجلسه على فخذه ويحدثه فكم بين سماعه وسماع من صحب الزهري أربع عشرة سنة يسمعه يبدي الحديث ويعيده ويثنيه ويكرره.
والعجب أن هذا الشيخ أوهم من نظر في كتابه أنه لم يروا هذا الحديث عن الزهري غير سفيان بن عيينة ويونس بن يزيد.
ثم رواه في آخر الباب من حديث إبراهيم بن سعد عن الزهري.
5127 - أخبرناه أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي أخبرنا أبو بكر أحمد بن إسحاق الفقيه أخبرنا العباس بن الفضل حدثنا أبو الوليد حدثنا إبراهيم عن الزهري عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يقطع السارق في ربع دينار فصاعدا.
رواه البخاري في الصحيح عن القعنبي عن إبراهيم.
وكذلك رواه سليمان بن كثير مع إبراهيم بن سعد عن الزهري.
5128 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ ومحمد بن أبي الفوارس قالا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا الحسن بن مكرم حدثنا يزيد بن هارون حدثنا سليمان بن كثير وإبراهيم بن سعد قالا : حدثنا الزهري عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : القطع في ربع دينار فصاعدا.
رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون.
قال البخاري : تابعه معمر عن الزهري.
5129 - حدثنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان حدثنا أحمد بن يوسف حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن (6/383)
الزهري عن عمرة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً.
5130 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الفضل بن إبراهيم أخبرنا أحمد بن سلمة حدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن يحيى ومحمد بن رافع كلهم عن عبد الرزاق بهذا الإسناد قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدًا.
رواه مسلم في الصحيح عن إسحاق بن إبراهيم.
فهؤلاء جماعة من حفاظ أصحاب الزهري وثقاتهم قد أجمعوا على رواية هذا الحديث من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه يونس بن يزيد الأيلي.
أفما تدل روايتهم على أن أصل الحديث ما رووا دون ما رواه ابن عيينة ؟ وإن كان يجوز أن يكون محفوظين بأن تقطع في ربع دينار ويقول القطع في ربع دينار فصاعداً فيؤدي ابن عيينة مرة الفعل دون القول ومرة القول دون الفعل ويؤدي هؤلاء القول دون الفعل لكونه أبلغ في البيان والله أعلم.
هذا وقد رواه سليمان بن يسار وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ومحمد بن عبد الرحمن الأنصاري عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل معنى رواية الجماعة.
وأما حديث سليمان 5131 - فأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني أبو عمرو بن جعفر حدثنا عبد الله بن محمد بن يونس حدثنا أبو الطاهر وأبو الربيع قالا : حدثنا ابن وهب قال أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار عن عمرة أنها سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تحدث أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فما فوقه.
رواه مسلم في الصحيح عن أبي الطاهر.
(6/384)
وأما حديث أبي بكر بن حزم 5132 - فأخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا خالد بن مخلد حدثنا عبد الله بن جعفر عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدًا.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث أبي عامر العقدي عن عبد الله بن جعفر.
وأخرجه من حديث عبد العزيز بن محمد عن ابن الهاد.
ورواه أيضاً محمد بن إسحاق بن يسار عن أبي بكر بن حزم.
ورواه محمد بن راشد عن يحيى بن يحيى الغساني عن أبي بكر بن حزم.
وقد ذكرنا روايتهما في كتاب السنن.
وأما حديث محمد بن عبد الرحمن الأنصاري 5133 - فأخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو النضر الفقيه حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث بن سعيد حدثنا الحسين المعلم حدثنا يحيى بن أبي كثير قال حدثني محمد بن عبد الله الأنصاري أن عمرة بنت عبد الرحمن حدثته أن عائشة حدثتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : تقطع اليد بربع دينار.
رواه البخاري عن عمران بن مسرة عن عبد الوارث.
قال أحمد : حديث محمد بن عبد الرحمن هذا لم يورده هذا الشيخ ولا أدري بأي شيء كان يعلل أن لو بلغه.
وقد غلط بعض الرواة فيه فقال في إسناده.
عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان.
(6/385)
وإنما هو : محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري.
في قول بعض من حكاه عنه البخاري.
يروى عن عمة أبيه بنت عبد الرحمن.
قال شعبة : ما رأيت رجلاً منا يشبهه.
وسأله عمر بن عبد العزيز أن يكتب له حديث عمرة.
وأما حديث مخرمة بن بكير بن الأشج عن أبيه فإنه علله هذا الشيخ بأنه لم يسمع من أبيه شيئاً واحتج بما حكى عنه من إنكار سماع كتب أبيه.
5134 - وأخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أخبرنا عبد الله بن جعفر النحوي حدثنا يعقوب بن سفيان حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا ابن أبي أويس قال : قرأت في كتاب مالك بن أنس بخط مالك قال : وصلت الصفوف حتى قمت إلى جنب مخرمة بن بكير في الروضة فقلت له : إن الناس يقولون إنك لم تسمع هذه الأخبار التي تروى عن أبيك من أبيك.
فقال : ورب هذا المنبر والقبر لقد سمعتها من أبي ورب هذا المنبر والقبر لقد سمعتها من أبي ورب هذا المنبر والقبر لقد سمعتها من أبي . ثلاثاً.
وروينا عن معن بن عيسى أنه قال : مخرمة سمع من أبيه وعرض عليه ربيعة أشياء من رأي سليمان بن يسار.
قال أحمد : وقد اعتمده مالك بن أنس فيما أرسل في الموطأ عن أبيه بكير.
وإنما أخذه عن مخرمة.
واعتمده مسلم بن الحجاج فأخرج أحاديثه عن أبيه في الصحيح.
ووثقة أحمد بن حنبل وعلي بن المديني.
فيحتمل أن يكون المراد بما حكي عنه من إنكاره سماع البعض دون الجميع - والله أعلم - ثم ذهب أن الأمر على ما حكي عنه من الإنكار.
(6/386)
أليس قد جاء بكتب أبيه الرجل الصالح فإذا فيها تلك الأحاديث ؟ أفما يدلنا ما وجد في كتاب أبيه من حديث القطع على متابعة سليمان بن يسار عن عمرة أكبر أصحاب الزهري في لفظ الحديث ؟ وعلل هذا الشيخ حديث أبي بكر بن حزم بما رواه ابنه عبد الله بن أبي بكر ويحيى بن سعيد وعبد ربه بن سعيد وزريق بن حكيم هذا الحديث عن عمرة عن عائشة موقوفاً.
وأخذ في كلام يوهم من نظر في كتابه أن أبا بكر بن حزم يتفرد بهذا الحديث وأن الذين خالفوه أكثر عدداً وأشد اتقاناً وحفظاً.
ولم نعلم حال أبي بكر بن حزم في علمه بالقضاء والسنن وشدة اجتهاده في عبادة ربه.
روينا عن مالك بن أنس أنه قال : لم يكن عند أحد من أهل المدينة من علم القضاء ما كان عند أبي بكر بن حزم.
وذكر أن عمر بن عبد العزيز أمره أن يكتب له العلم من عند عمرة بنت عبد الرحمن والقاسم بن محمد.
وذكر غيره أن سجدته كانت أحدت جبهته وأنفه.
فإذ كان عمر بن عبد العزيز يعتمده في القضاء من المسلمين بالمدينة ثم يعتمده في كتبه الحديث له عن عمرة وغيرها أفلا تعتمده فيما رواه عنها وقد تابعه أحفظ الناس في دهره محمد بن مسلم بن شهاب الزهري وتابعه سليمان بن يسار ومحمد بن عبد الرحمن الأنصاري وغيرهما عن عمرة.
فأما ما روي في ذلك عن يحيى بن سعيد وغيره 5135 - فأخبرناه أبو الحسن بن الفضل قال أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا يعقوب بن سفيان قال قال أبو بكر الحميدي في حديث : يقطع السارق في ربع دينار فصاعدًا.
قيل لسفيان : أن الزهري رفعه ولم يرفعه غيره.
قال سفيان : حدثناه يحيى وعبد ربه أخبرنا سعيد وعبد الله بن أبي بكر (6/387)
ورزيق بن حكيم عن عمرة عن عائشة أنها قالت : القطع في ربع دينار فصاعداً.
إلا أن يحيى قال كلمة تدل على الرفع - ما نسيت ولا طال عليّ - القطع في دينار فصاعداً.
والزهري أحفظهم كلهم.
قال أحمد : ففي هذال الحديث بين سفيان بن عيينة أن الزهري رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قولاً منه كما حكاه الحميدي.
وهذا خلاف ما اعتمده هذا الشيخ من رواية سفيان وبين أن الزهري أحفظهم وأخبر أن يحيى بن سعيد أشار إلى الرفع.
وكذلك رواه مالك بن أنس عن يحيى.
5136 - أخبرناه أو زكريا بن أبي إسحاق أخبرنا أبو الحسن الطرائفي حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : ما طال عليّ ولا نسيت القطع في ربع دينار فصاعدًا.
وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن يحيى بن سعيد مرفوعاً.
ولا أدري عن من أخذه عن يحيى.
5137 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس - هو الأصم - حدثنا يحيى بن أبي طالب قال أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء أخبرنا سعيد عن يحيى عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : القطع في ربع دينار فصاعدًا.
وأسنده أيضاً أبان بن يزيد عن يحيى وبَدَل ابن المحبر عن شعبة عن يحيى.
وكانت عائشة تفتي بذلك وترويه عن النبي صلى الله عليه وسلم فهؤلاء الرواة كان يقتصرون في (6/388)
الرواية مرة على فتواها ومرة على روايتها لقيام الحجة بكل واحدة منهما.
وأما حديث عبد الله بن أبي بكر : فإنه روى عن عمرة قصة المولاتين اللتين خرجتا مع عائشة والعبد الذي سرق منهما وأنها أمرت به فقطعت يده وقالت : القطع في ربع دينار فصاعداً.
فعائشة كانت تقضي بذلك وتفتي به طول عمرها وترويه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فعمرة بنت عبد الرحمن كانت تروي مرة فتواها ومرة روايتها عن النبي صلى الله عليه وسلم كما عادة الرواة ونقلة الأخبار فلا يعلل حديث الحفاظ الثقات بمثل هذا.
5138 - فقد أخبرنا محمد بن موسى بن الفضل قال أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب أخبرنا إبراهيم بن عبد الله أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا يحيى بن سعيد عن عبد الله بن دينار : أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم يأمره : أنظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سُنة ماضية أو حديث عمرة فاكتبه فإني خفت دروس العلم وذهاب أهله.
5139 - وأخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا عمرو بن السماك حدثنا حنبل بن إسحاق حدثني أبو عبد الله - وهو أحمد بن حنبل - حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن مهدي - حدثنا شعبة عن محمد بن عبد الرحمن قال قال لي عمر بن عبد العزيز : ما بقي أحداً أعلم بحديث عائشة منها - يعني عمرة -.
قال : وكان عمر يسألها.
قال أحمد : فعلى هذا الوجه كان حال عمرة بنت عبد الرحمن في التابعين.
وقد روينا من حديث يونس بن يزيد عن الزهري عن عروة بن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(6/389)
وروي عن همام عن قتادة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : السارق يقطع في ربع دينار.
5140 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا أبو عمرو الحوضي حدثنا همام حدثنا قتادة . فذكره.
( . . . ) رفعه عن همام بن يحيى عبد الصمد بن عبد الوارث وإسحاق ( . . . ) عن هُدبة بن خالد في بعض الروايات عنه.
وروي موقوفاً وهذا لا يخالف رواية هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت : لم تكن تقطع يد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في أقل من ثمن المجن حجفة أو ترس.
( . . . ) وكلاهما ذو ثمن.
وهشام بن عروة إنما روى هذا ( . . . ) في رجل سرق قدحاً فأتى به عمر بن عبد العزيز.
قال هشام ( . . . ) قال أبي : أنه لا تقطع اليد في الشيء التافه.
وقال أخبرتني عائشة أنه لم تكن تقطع اليد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أدنى من ثمن مجن جحفة أو ترس.
5141 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا علي بن عيسى أخبرنا إبراهيم بن أبي طالب وعبد الله بن محمد قالا : حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبده بن سليمان.
قال : وأخبرنا إبراهيم أبي طالب حدثنا هارون بن إسحاق حدثنا عبده عن هشام بن عروة (6/390)
أن رجلاً سرق قدحاً فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن عثمان بن أبي شيبة عن عبده بن سليمان.
وقيمة المجن غير مذكورة في هذه الرواية وقد ذكرتها عمرة عن عائشة في رواية ابن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن الأشج عن سليمان بن يسار عن عمرة قالت قيل لعائشة : ما ثمن المجن ؟ قالت : ربع دينار.
وبينهما عبد الله بن عمر بن الخطاب وذلك فيما.
5142 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع سارقاً في مجن قيمته ثلاثة دراهم : أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث مالك.
وكذلك رواه جماعة عن نافع.
5143 - أخبرناه أبو بكر عبد الله بن محمد بن محمد بن سعيد السكري النيسابوري أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن بن الصواف حدثنا أبو علي بشر بن موسى الأسدي حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن أيوب وإسماعيل بن أمية وعبيد الله وموسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم.
رواه مسلم في الصحيح عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبي نعيم.
وأخرجه البخاري من وجه آخر عن عبيد الله بن عمر ، وموسى بن عقبة.
5144 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي (6/391)
حديث ابن عمر موافق لحديث عائشة لأن ثلاثة دراهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده ربع دينار.
قال الشافعي في موضع آخر : وذلك أن الصرف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر درهماً بدينار وكان كذلك بعده وفرض عمر رضي الله عنه الدية اثني عشر ألف درهم على أهل الورق وعلى أهل الذهب ألف دينار.
وقالت عائشة وأبو هريرة وابن عباس في الدية اثنا عشر ألف درهم.
5145 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن عمره بنت عبد الرحمن : أن سارقاً سرق أُترجة في عهد عثمان فأمر بها عثمان فقومت ثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهماً بدينار فقطع يده.
قال مالك : وهي الأترجه التي يأكلها الناس.
قال الشافعي : فحديث عثمان يدل من أن الدراهم كانت أثني عشر بدينار.
قال : ويدل حديث عثمان على أن قطع اليد في الثمر الرطب صلح تيبس أو لم يصلح لأن الأترج لا ييبس.
5146 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو زكريا وأبو بكر وأبو سعيد قالوا : حدينا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن حميد الطويل أنه سمع قتادة يسأل أنس بن مالك عن القطع فقال أنس : حضرت أبا بكر الصديق قطع سارقاً في شيء ما يسرني أنه لي بثلاثة دراهم.
5147 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا(6/392)
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا غير واحد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال : القطع في ربع دينار فصاعداً.
قال أحمد : ورواه سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه : أن علياً قطع يد سارق في بيضة من حديد ثمن ربع دينار.
قال أحمد : هذا الشيخ تكلم على الأخبار التي احتجنا بها بالطعن فيها الآن ابصر بايش احتج.
روى في مقابلة حديث مالك بن أنس وعبيد الله بن عمر وأيوب السختياني وموسى بن عقبة وإسماعيل بن أمية وحنظلة بن أبي سفيان وأيوب بن موسى وأسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم.
وفي رواية الليث بن سعد - وهو إمام - عن نافع عن ابن عمر : قومت ثلاثة دراهم.
حديث محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس قال : كانت قيمة المجن الذي قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم.
وحديث ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مثله.
وحديث مجاهد وعطاء عن أيمن الحبشي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أدنى ما يقطع فيه السارق ثمن المجن.
(6/393)
قال وكان يقوم ديناراً.
وقيل عن أيمن بن أم أيمن عن أم أيمن.
ومن أنصف ورجع إلى أدنى معرفة بالأخبار علم أن بمثل هذه الأخبار لا يترك حديث ابن عمر ولا حديث عائشة.
ومن يرد في هذه المسألة حديث أبي بكر بن حزم عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في القطع بأن رواية عن أبي بكر بن حزم يزيد بن الهاد ومحمد بن إسحاق.
ويزيد بن الهاد ممن أجمع الحفاظ على توثيقه والاحتجاج بروايته.
ومحمد بن إسحاق قد يحتج به فيما لا يخالف فيه أهل الحفظ وهو في تلك الرواية لم يخالف أحداً فحقيق له أن لا يحتج بروايته هذه وقد خالف فيها من هو أحفظ منه الحكم بن عتيبة.
فإنه إنما رواه عن عطاء ومجاهد عن أيمن هذا وفي رواية أبي داود في كتاب السنن عن عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن أبي السري العسقلاني ولفظ الحديث له عن عبد الله بن نمير عن محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس قال : قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم يد رجل في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم.
5148 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود فذكره.
وهذه حكاية عن سرقة بعينها وهي لا تخالف في المعنى ما مضى.
قال أحمد : ومن يردّ في هذه المسألة روايته عن محمد بن شيبة عن عبد الله بن صالح عن يحيى بن أيوب عن جعفر بن ربيعة عن العلاء بن الأسود وأبي سلمة بن عبد الرحمن وكثير بن حبيش - أو قال : ابن حنيس - أنهم تنازعوا في القطع فدخلوا على عائشة يسألونها فقالت عائشة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا قطع إلا في ربع دينار فصاعداً.
(6/394)
بأنه لا نعلم لجعفر بن رببعة من أبي سلمة بن عبد الرحمن سماعاً فلا ينبغي له أن يحتج برواية أيمن الحبشي.
وروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم منقطعة.
ولا برواية القاسم بن عبد الرحمن عن ابن مسعود أنه قال : لا تقطع اليد في أقل من عشرة دراهم.
لانقطاعها.
5149 - وقد أنبأني بالحديث أبو عبد الله الحافظ إجازة أن أبا الحسن أحمد بن واصل البيكندي أخبرهم حدثنا أبي حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال قال لنا أبو صالح حدثني يحيى بن أيوب عن جعفر بن ربيعة عن ابن جارية وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعبد الملك بن مغيرة وكثير بن حُبَيش - أو قال : ابن خُنَيس - وكان غير مقيد والحفاظ لا يختلفون فيه أنهم تنازعوا فدخلوا على عائشة فقالت عائشة : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لا قطع إلا في ربع دينار.
5150 - وبهذا الإسناد قال البخاري وقال ابن أبي مريم حدثنا يحيى بن أيوب قال حدثني جعفر بن ربيعة أن الأسود بن العلاء بن حارثة حدثه أنه سمع عمرة تحدث عن عائشة أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم . مثله.
قال البخاري : وقال ابن إسماعيل أخبرنا علي بن المبارك أخبرنا يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري أن عمرة حدثته عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
قال وقال الأويس حدثنا ابن أبي الرجال عن أبيه عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
وقال أصبغ أخبرني ابن وهب عن مخرمة بن بكير عن أبيه عن سليمان بن يسار عن عمرة قالت سمعت عائشة تقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
هكذا وجدنا هذا الحديث في تاريخ البخاري في ترجمة كثير من حبش إلا أنه (6/395)
قال في ذكر كثير : سمع عمرة بنت عبد الرحمن . روى عنه الأسود بن العلاء أو العلاء بن الأسود.
ثم أردفه بأحاديث جماعة ممن رواه عن عمرة فيشبه أن يكون الحديث عن جعفر بن ربيعة عن الأسود بن العلاء عن أبي سلمة وصاحبيه : أنهم تنازعوا فدخلوا على عمرة ثم عمرة حدثت عن عائشة وعائشة حدثت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ويحتمل أن يكون الأسود بن العلاء معهم حين دخلوا على عمرة.
وفي رواية ابن أبي مريم دلالة على ذلك.
وقد أثبت البخاري في التاريخ سماعه من أبي سلمة وعمرو وقال : قاله جعفر بن ربيعة.
وسماع جعفر من الأسود بن العلاء غير مدفوع مع أنه قد سمع من عبد الرحمن بن هرمز الأعرج فليس من البعيد سماعه أيضاً من أبي سلمة والمذكورين معه.
وروى الأسود عن أبي سلمة غير هذا الحديث فليس في ما يرد به هذا الشيخ حديث أبي سلمة ما يوجب الرد.
وقد أغنانا الله تعالى برواية الجماعة عن عمرة عن عائشة.
ورواية الجماعة عن نافع عن ابن عمر عن رواية جعفر بن ربيعة وإن كان فيها زيادة تظاهر . وبالله التوفيق.
والذي نستدل به على انقطاع حديث أيمن ما 5151 - أخبرنا أبو محمد بن يوسف أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي حدثنا سعدان بن نصر حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق عن عبد الملك عن عطاء عن أيمن مولى ابن الزبير عن تُبيع عن كعب قال : من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى العشاء الآخرة ثم صلى بعدها أربع ركعات فأتم ركوعهن وسجودهن يعلم مما يقتري فيهن فإن له - أو قال كن له - بمنزلة ليلة القدر.
(6/396)
كذا قال مولى ابن الزبير.
وقد قيل مولى ابن أبي عمرة يروي عن عائشة وليس له عن من فوقها رواية.
وقد استدل الشافعي بهذه الرواية على انقطاع حديثه في ثمن المجن.
قال أحمد : وأما روايته عن أيمن ابن أم أيمن عن أم أيمن فإنها خطأ وإنما قال شريك بن عبد الله القاضي وخلط في إسناده.
وشريك ممن لا يحتج به في ما يخالف فيه أهل الحفظ والثقة لما ظهر من سوء حفظه.
وقد أجاب الشافعي رحمه الله عن أخبارهم بما فيه كفاية وذلك فيما 5152 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ رحمه الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : فقلت لبعض الناس هذه سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطع في ربع دينار فصاعداً.
فكيف قلت : لا تقطع اليد إلا في عشرة دراهم فصاعداً ؟ وما حجتك في ذلك ؟ قال : قد روينا عن شريك عن منصور عن مجاهد عن أيمن عن النبي صلى الله عليه وسلم شبيهاً بقولنا.
قلت : أتعرف أيمن ؟ أما أيمن الذي روى عنه عطاء فرجل حدث لعله أصغر من عطاء.
روى عنه عطاء حديثاً عن تُبيع ابن امرأة كعب عن كعب فهذا منقطع.
والحديث المنقطع لا يكون حجة.
قال : فقد روى شريك بن عبد الله عن منصور عن مجاهد عن أيمن ابن أم أيمن أخي أًُسامة لأمه.
(6/397)
قلت : لا علم لك بأصحابنا.
أيمن أخو أُسامة قتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين قبل أن يولد مجاهد ولم يبق بعد النبي صلى الله عليه وسلم فيحدث عنه.
قال : فقد روينا عن عمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمرو : أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في ثمن المجن.
قال عبد الله بن عمرو : وكانت قيمة المجن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ديناراً.
قلت له : هذا رأي من عبد الله بن عمرو.
وفي رواية عمرو بن شعيب : والمجان قديماً وحديثاً سلع يكون ثمن عشرة ومِئَة ودرهمين.
وإذا قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ربع دينار قطع في أكثر منه وأنت تزعم أن عمرو بن شعيب ليس ممن تقبل روايته وتترك علينا سنناً رواها توافق أقاويلنا وتقول غلط.
فكيف ترد روايته مرة ثم تحتج به على أهل الحفظ والصدق مع أنه لم يرو شيئاً يخالف قولنا ؟ قال : فقد روينا قولنا عن علي.
قلت له : رواه الزعافري عن الشعبي عن علي.
وقد أخبرنا أصحاب جعفر بن محمد عن أبيه أن علياً قال : القطع في ربع دينار فصاعداً.
وحديث جعفر عن علي أولى أن يثبت من حديث الزعافري.
قال : فقد روينا عن ابن مسعود (6/398)
أنه لا تقطع اليد إلا في عشرة دراهم.
قلنا : فقد روى الثوري عن عيسى بن أبي عزة عن الشعبي عن ابن مسعود : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع سارقاً في خمسة دراهم.
وهذا أقرب أن يكون صحيحاً عن عبد الله من حديث الشعبي عن القاسم عن عبد الله.
قال : فكيف لم تأخذوا بهذا ؟ قلنا : هذا حديث لا يخالف حديثاً إذا أقطع في ثلاثة دراهم قطع في خمسة وأكثر.
قال : فقد روينا عن عمر بن الخطاب أنه لم يقطع في ثمانية.
قال الشافعي : روايته عن عمر غير صحيحة.
وقد روى معمر عن عطاء الخراساني عن عمر : القطع في ربع دينار فصاعداً.
فلم نر أن نحتج به لأنه ليس بثابت وليس لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة وعلى المسلمين إتباع أمره.
قال الشافعي : فلا إلى حديث صحيح ذهب من خالفنا ولا إلى ما يذهب إليه من ترك الحديث واستعمل ظاهر القرآن.
قال أحمد : حديثهم عن عمر : إنما رواه القاسم بن عبد الرحمن وهو منقطع.
وقد روى قتادة عن ابن المسيب عن عمر ، وقيل عن سليمان بن يسار عن عمر قال (6/399)
لاتقطع الخمس إلا في الخمس.
وقيل عن قتادة عن أنس عن أبي بكر وعمر : أنهما قطعا في خمسة.
5153 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن ابن مهدي عن سفيان عن عيسى بن أبي عزة عن الشعبي عن ابن مسعود : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع سارقاً في قيمة خمسة دراهم.
قال الشافعي : ونحن نأخذ بهذا إلا أنا نقطع في ربع دينار وخمسة دراهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ربع دينار.
وهم يخالفون هذا ويقولون : لا قطع في أقل من عشرة دراهم.
قال أحمد : وكذلك رواه أبو خيثمة عن عبد الرحمن بن مهدي.
1078 - باب السرقة من غير حرز
5154 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حيان عن رافع بن خديج أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا قطع في ثمر ولا كثر.
(6/400)
5155 - وبإسناده قال أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حيان عن عمه واسع بن حيان عن رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا قطع في ثمر ولا كثر.
قال الشافعي : وبهذا نقول لا قطع في ثمر معلق لأنه غير محرز ولا في جمار لأنه غير محرز.
وهو يشبه حديث عمرو بن شعيب يعني : عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا قطع من ثمر معلق فإذا آواه الجرين ففيه القطع.
قال الشافعي : واحتج بهذا الحديث بعض الناس وقال من ها هنا قلنا لا نقطع في الثمر الرطب.
قال الشافعي : والثمر اسم جامع للرطب من الثمر واليابس من التمر والزبيب وغيره.
فسقط القطع عن من سرق ثمراً في بيت ؟ وإنما أجاب النبي صلى الله عليه وسلم حين قال : لا قطع في ثمر ولا كثر.
على ما سُئل عنه وكان حيطان المدينة ليس عليها حظار لأنه يقول : فإذا آواه الجرين والمراح ففيه القطع.
واحتج بحديث عثمان في الأُترجة وقد مضى بإسناده .(6/401)
1079 - باب السن التي إذا بلغها الرجل والمرأة أقيمت عليهما الحدود
5156 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن عبيد الله بن عمر بن حفص عن نافع عن ابن عمر قال : عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم عام أحد وأنا ابن أربع عشرة فردني وعرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني.
قال : قال نافع : فحدثت به عمر بن عبد العزيز فقال عمر : هذا فرق بين الذرية ومقاتله ثم كتب إلى عماله أن يفرضوا لابن خمس عشرة في المقاتلة ولابن أربع عشرة في الذرية.
وقال في موضع آخر : يوم أحد ويوم الخندق.
قال الشافعي : فبكتاب الله ثم بهذا القول نأخذ.
فذكر آية الابتلاء.
وروينا عن علي رضي الله عنه في مجنونة زنت أنه قال لعمر رضي الله عنه : أما تذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق.
(6/402)
قال : نعم فأمر بها فخلى عنها.
5157 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي عن رجل عن عنبسة عن علي بن عبد الأعلى عن أبيه عن أبي جحيفة : أن علياً أُتي بصبي قد سرق بيضة فشك في احتلامه فأمر به فقطعت بطون أنامله.
قال الشافعي : وليسوا ولا أحد علمته يقول بهذا يقولون ليس على الصبي حد حتى يحتلم أو يبلغ خمسة عشر.
أورده فيما ألزم العراقيين في خلاف علي . وفي إسناده نظر.
1080 - باب ما يكون حرزاً ولا يكون
5158 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن صفوان بن عبد الله أن صفوان بن أمية قيل له من لم يهاجر هلك فقدم صفوان المدينة فنام في المسجد متوسداً رداءه فجاء سارق فأخذ رداءه من تحت رأسه فأخذ صفوان السارق فجاء به النبي صلى الله عليه وسلم فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقطع يده.
فقال صفوان إني لم أرد هذا هو عليه صدقة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهلا قبل أن تأتيني به.
5159 - وبهذا الإسناد قال أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو عن طاووس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث مالك.
وكدّ الشافعي أحد المرسلين بالآخر.
(6/403)
وروي من أوجه آخر.
5160 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حِيان أن رافع بن خديج أخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا قطع في ثمر ولا كثر.
هكذا وقع هذا الحديث في كتاب القطع في السرقة وهو غلط من الكاتب والصواب ما نقلناه منقولاً عن كتاب الحدود : عن رافع بن خديج.
وقد ذكر الشافعي في القديم أنه مرسل - يعني بين محمد بن يحيى ورافع - وإنما هو موصولاً من حديث ابن عيينة.
5161 - أخبرناه أبو بكر وأبو زكريا قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي عن يحيى بن سعيد وعن محمد بن يحيى بن حيان عن عمه واسع بن حيان عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
5162 - وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا سليمان بن أحمد الطبراني أخبرنا ابن حنبل حدثني أبي حدثنا وكيع عن سفيان عن يحيى بن سعيد فذكره بإسناده موصولاً في جمع الطبراني أحاديث سفيان.
ورواه الفريابي وجماعة عن الثوري مرسلاً دون ذكر واسع بن حيّان.
ورواه أبو عيسى عن قتيبة عن الليث عن يحيى بن سعيد عن محمد عن عمه أن رافع بن خديج قال : سمعت . فذكره مختصراً موصولاً.
وقد رواه المزني عن الشافعي بطوله على الصحة.
5163 - أخبرناه أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر المزني حدثنا الشافعي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حيّان : أن عبداً سرق ودَيّاً من حائط رجل فغرسه في حائط سيّده فجاء صاحب (6/404)
الوَديِّ يلتمس وَدِيَّه فوجده فاستعدى على العبد إلى مروان بن الحكم فسجن العبد وأراد أن يقطع يده.
فانطلق سيد العبد إلى رافع بن خديج فسأله عن ذلك فأخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا قطع في ثمر ولا كثر.
فقال الرجل : فإن مروان أخذ غلامي وهو يريد قطع يده وأنا أحب أن تمشي معي إليه فتخبره بالذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى معه رافع بن خديج حتى أتى مروان فقال : أخذت غلاماً لهذا ؟ قال : نعم . فقال : ما أنت صانع به ؟ قال : أردت قطع يده.
فقال له رافع : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا قطع في ثمر ولا كثر.
فأمر مروان بالعبد فأرسل.
5164 - وبإسناده قال أخبرنا الشافعي عن سفيان عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حيان عن عمه واسع بن حيان : أن عبداً سرق ودياً من حائط فغرسه في مكان آخر فأُتي به مروان فأراد أن يقطعه فشهد رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا قطع في ثمر ولا كثر.
5165 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن أبي حسين عن عمرو بن شعيب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا قطع في ثمر معلق فإذا آواه الجرين ففيه القطع.
5166 - أخبرناه أبو عبد الرحمن السلمي حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا ابن عبد الحكم أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث وهشام بن سعد عن عمرو بن(6/405)
شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وليس في شيء من الثمر المعلق قطع إلا ما آواه الجرين فما أخذ من الجرين فبلغ ثمن المجن ففيه القطع.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد : فانظر أبداً إلى الحال التي يسرق فيها السارق فإذا سرق السرقة ففرق بينهما وبين حرزها فقد وجب الحد عليه.
فإن وهبت السرقة للسارق قبل يقطع قطع واحتج بحديث صفوان.
قال : وانظر إلى المسروق فإن كان في موضع تنسبه العامة إلى أنه في مثل ذلك الموضع محرز فأقطع فرداء صفوان كان محرزاً لإضطجاعه عليه.
وبسط الكلام في بيان ذلك.
1081 - باب من سرق عبداً صغيراً أو أعجمياً
قال الشافعي : يقطع.
قال أحمد : قد رويناه عن أبي الزناد فيما رواه عن الفقهاء التابعين من أهل المدينة.
ورويناه عن الحسن والزهري.
5167 - وأنبأني أبو عبد الله إجازة أخبرنا أبو الوليد حدثنا الحسن حدثنا أبو بكر حدثنا محمد بن بكر عن ابن جريج قال : أخبرت أن عمر بن الخطاب قطع رجلاً في غلام سرقه.
(6/406)
قال وأخبرنا أبو بكر - هو ابن أبي شيبة - عن ابن المبارك عن سعيد بن أبي أيوب عن معروف بن سويد : أن قوماً كانوا يسرقون رقيق الناس بإفريقية.
فقال علي بن رباح : ليس عليهم قطع قد كان هذا على عهد عمر فلم ير عليهم قطعاً.
فقال : هؤلاء خلابون.
قال الأستاذ أبو الوليد : قال أصحابنا معناه أنهم كانوا عقلاء.
لأنه روي عن عمر أنه قطع رجلاً في غلام سرقه.
قال أحمد : وروي عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي برجل كان يسرق الصبيان فأمر بقطعه.
وهذا لا يثبت عبد الله هذا ضعيف كثير الخطأ على هشام قاله الدارقطني وغيره.
1082 - باب قطع العبد إذا سرق
5168 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع أن عبداً لابن عمر سرق وهو آبق فأرسله عبد الله إلى سعيد بن العاص وهو أمير المدينة ليقطع يده فأبى سعيد بن العاص أن يقطع يده وقال : لا نقطع يد الآبق إذا سرق.
فقال عبد الله بن عمر : في أي كتاب الله وجدت هذا فأمر به ابن عمر فقطعت يده.
(6/407)
هذا لفظ حديث أبي سعيد.
5169 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن زريق بن حكيم أنه أخذ عبداً آبقاً قد سرق فكتب فيه إلى عمر بن عبد العزيز أني كنت أسمع أن العبد الآبق إذا سرق لم يقطع فكتب عمر : إن الله يقول {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَهُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مَنِ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزُ حَكِيمٌ ).
فإن بلغت سرقته ربع دينار أو أكثر فاقطعه.
1083 - باب النباش
5170 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن أبي الرجال عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن : أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المختفي والمختفية.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي عبد الله : المختفي : النباش.
وقال في روايتنا عن أبي سعيد : ويقطع النباش إذا أخرج الكفن من جميع القبر لأن هذا حرز مثله.
قال أحمد : وقد روينا هذا القول عن ابن المسيب وعطاء والشعبي والحسن وعمر بن عبد العزيز وإبراهيم.
(6/408)
وروى عن أبي الزبير.
وروى سويد بن عبد العزيز عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت : سارق أمواتنا كسارق أحيائنا.
5171 - أنبأنية أبو عبد الله إجازة أخبرنا أبو الوليد حدثنا محمد بن سليمان حدثنا علي بن حجر حدثنا سويد بن عبد العزيز فذكره.
وروى بشر بن حازم عن عمران بن يزيد بن البراء عن أبيه عن جده في حديث ذكره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ومن نبش قطعناه.
5172 - أنبأنيه أبو عبد الله إجازة أخبرنا أبو الوليد حدثنا الحسن هو ابن سفيان قال وفيما أجاز لي عثمان بن سعيد عن محمد بن أبي بكر المقدمي عن بشر بن حازم فذكره.
وزاد فيه بموضع آخر بهذا الإسناد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من حرق حرقناه.
وزاد فيه غيره عن عثمان بن سعيد بإسناده قال : ومن غرق غرقناه.
وفي هذا الإسناد بعض من يُجهل.
1084 - باب قطع اليد والرجل في السرقة
قال الشافعي رحمه الله في القديم (6/409)
0 @أخبرني الثقة من أصحابنا عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في السارق : إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق فاقطعوا رجله ثم إن سرق فاقطعوا يده ثم إن سرق سرق فاقطعوا رجله.
وذكره أيضاً في الجديد وسقط من رواية الربيع وهو 5173 - فيما كتب إليّ أبو نعيم الإسفرائيني : أن أبا عوانة أخبرهم عن المزني عن الشافعي أخبرنا بعض أصحابنا فذكره.
قال أحمد : وفي رواية حرملة والمزني عن الشافعي قال :
أَخْبَرَنَا عبد الله بن نافع عن محمد بن أبي حميد عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله.
وقد رويناه عن مصعب بن ثابت عن محمد بن المنكدر عن جابر جيء بسارق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : اقتلوه.
فقال يا رسول الله إنما سرق قال : اقطعوه.
قال : فقطع ثم جيء به الثانية فقال : اقتلوه.
فقالوا : يا رسول الله إنما سرق . قال : اقطعوه.
قتل فقطع ثم جيء به الثالثة فقال : اقتلوه.
فقالوا : يا رسول الله إنما سرق . قال (6/410)
1 @اقطعوه.
قال ثم أتي به الرابعة فقال : اقتلوه.
فقالوا : يا رسول الله إنما سرق.
فأُتي به الخامسة فقال : اقتلوه.
قال جابر : فانطلقنا به فقتلناه ثم أجررناه فألقيناه في بئر ورمينا عليه الحجارة.
5174 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل الهلالي حدثنا جدي حدثنا مصعب بن ثابت فذكره.
وفي غير هذه الرواية عن مصعب قال في المرة الأولى اقطعوا يده وفي المرة الثانية : اقطعوا رجله وفي المرة الثانية : اقطعوا يده وفي المرة الرابعة اقطعوا رجله.
ورويناه عن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً.
وهو مرسل جيد يقوي ما ذكرناه من الموصول ويرجح قول من وافقه من الصحابة.
5175 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن رجلاً من أهل اليمن أقطع اليد والرجل قدم على أبي بكر الصديق فشكى إليه أن عامل اليمن ظلمه وكان يصلي من الليل فيقول أبو بكر : وأبيك ما ليلك بليل سارق ثم أنهم افتقدوا حلياً لأسماء بنت عميس امرأة أبي بكر فجعل الرجل يطوف معهم ويقول : اللهم (6/411)
2 @عليك بمن بيت أهل هذا البيت الصالح فوجدوا الحُلى عند صائغ زعم أن الأقطع جاء به فاعترف الأقطع أو شهد عليه فأمر به أبو بكر فقطعت يده اليسرى.
وقال أبو بكر : والله لدعاؤه على نفسه أشد عندي من سرقته.
قال الشافعي في رواية أبي سعيد : فبهذا كله نأخذ.
قال : وذكر عبد الله بن عُمر ، وفي كتاب القديم عبيد الله بن عمر عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن أبي بكر مثله.
قال أحمد : وروينا عن موسى بن عقبة عن نافع عن صفية في هذه القصة قال : فأراد أبو بكر أن يقطع رجله ويدع يده يستطيب بها.
فقال عمر : لا والذي نفسي بيده لتقطعن يده الأخرى فأمر به أبو بكر فقطعت يده.
وفي حديث الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه في هذه القصة : أن أبا بكر أراد أن يقطع رجلاً بعد اليد والرجل فقال عمر السُنة اليد.
وروينا عن عكرمة عن ابن عباس قال شهدت عمر بن الخطاب قطع يداً بعد يد ورجل.
قال الشافعي : قال قائل : إذا قطعت يده ورجله ثم سرق حبس وعزر ولم تقطع.
(6/412)
3 @قيل : قد روينا هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر في دار الهجرة وعمر يراه ويشير به على أبي بكر.
وروي عنه أنه قطع أيضاً فكيف خالفتموه ؟ قال : قاله علي بن أبي طالب.
قلنا : فقد رويتم عن علي في القطع أشياءً مستنكرة تركتموها عليه منها : أنه قطع بطون أنامل صبي.
ومنها : أنه قطع القدم من نصف القدم.
وكل ما رويتم عن علي في القطع غير ثابت عنه عندنا وبسط الكلام في هذا.
5176 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن ابن مهدي عن حماد بن زيد عن عمرو بن دينار : أن علياً قطع من شطر القدم.
وفيما بلغه عن هشيم عن مغيرة عن الشعبي : أن علياً كان يقطع الرجل من القدم ويدع العقب يعتمد عليه.
وعن عمرو بن شعيب قال : رأيت رجلاً يسقي على بئر قد قطعت يده وتركت إبهامه فقلت من قطعك ؟ فقال : علي بن أبي طالب.
أورد الشافعي هذه الآثار إلزاماً للعراقيين في خلاف علي.
وقد روينا عن عمر بن الخطاب : أنه كان يقطع رجل السارق من المفصل.
5177 - أخبرناه أبو نصر بن قتادة أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن صالح البغدادي ببلخ حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن عمرو قال : كان عمر . فذكره.
وذكر ما رواه الشافعي عن عليّ.
وقد روينا عن عليّ : أنه قطع أيدي جماعة من المفصل وحسمها .(6/413)
4 @وروينا في حديث مرسل أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع يد سارق من المفصل وروي ذلك عن جابر.
وروينا عن فضالة بن عبيد أنه قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قطع سارقاً ثم أمر بيده فعلقت في عنقه.
وروينا عن علي بن أبي طالب أنه فعل ذلك.
5178 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : قال أخبرنا سفيان عن عاصم بن كليب عن أبيه قال : لم أر السراق أكثر منهم في زمان عليّ ولا رأيته قطع منهم أحداً.
قلت : وكيف كان يصنع ؟ قال : كان يأمر بالشهود أن يقطعوا.
وهذا أورده إلزاماً فيما خالفوا علياً قالوا : إذا شهد الشهود فمن شاء الحاكم أن يأمر بقطع قطع ولا يأمر بذلك الشهود.
ونحن نقول هذا.
ولم نعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعده أمر شاهداً أن يقطع.
5179 - وبإسناده قال قال الشافعي فيما بلغه عن يزيد بن هارون عن رجل عن قتادة عن خلاس عن علي في حرين باع أحدهما صاحبه فقطعهما علي جميعاً.
قال الشافعي : وهم يخالفون هذا.
قال أحمد : وهذا لا يثبت عن علي.
5180 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي (6/414)
5 @روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها.
ثم قال : ليبيعها بعد الثالثة أو الرابعة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشارب : يجلد ثلاثاً أو أربعاً ثم يقتل.
وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جلد الشارب العدد الذي قال يقتل بعده ثم أتي به فجلده ووضع القتل فصارت رخصة.
قال الشافعي : القتل فيمن أقيم عليه حد في شيء أربعاً فأمر به الخامسة منسوخ بما وصفت وكذلك بيع الأمة بعد زناها ثلاثاً أو أربعاً.
قال أحمد : وقد ذكره في موضع آخر أتم من ذلك.
وقد نقلناه في الأشربة.
1085 - باب الإقرار بالسرقة
5181 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فما بلغه عن الأعمش عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه قال : جاء رجل إلى علي فقال : إني سرقت فطرده.
ثم قال : إني سرقت . فقطع يده.
وقال : إنك قد شهدت على نفسك مرتين.
قال الشافعي (6/415)
6 @وهم يخالفون هذا.
قال أحمد : خالفه أبو حنيفة ومحمد ووافقه أبو يوسف وأنزله منزله الشهادة.
قال الشافعي : وإنما تركنا نحن أن نقول أن الاعتراف بمنزلة الشهادة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أُنيس الأسلمي أن يغدوا على امرأة فإن اعترفت رجمها ولم يقل أربع مرات.
قال : ولو كان الإقرار يشبه الشهادة أن لو أقر أربع مرات ثم رجع عنه بطل عنه الحد كما لو رجع الشهود عن الشهادة عليه ثم عادوا فشهدوا عليه ثم رجعوا عنه لم تقبل شهادتهم.
ولو أقر ثم رجع ثم أقر قبل منه.
5182 - أخبرنا أبو علي الروذباري اخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبي المنذر مولى أبي ذر عن أبي أمية المخزومي : أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بلص قد اعترف اعترافاً ولم يوجد معه متاع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما أخالك سرقت.
فقال : بلى . فأعاد عليه مرتين أو ثلاثاً فأمر به فقطع وجيء به فقال : استغفر الله وتب إليه.
قال : استغفر الله وأتوب إليه . فقال : اللهم تب عليه . ثلاثاً.
قال أحمد (6/416)
7 @ورواه همام بن يحيى عن إسحاق وقال فيه : قالها ثلاث مرات لم يشك.
وهذا يدل على أن توقيت الإقرار بمرتين غير موجود في هذا الحديث وكأنه لم يفسر إقراره أول مرة.
وروي عن يزيد عن خصيفة عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة قال : أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق سرق شملة فقالوا : إن هذا سرق . فقال : لا أخاله سرق.
فقال : بلى يا رسول الله قد سرقت . قال : إذهبوا به فاقطعوه ثم احسموه ثم ائتوني به.
فأتي به فقال : تب إلى الله.
قال : تبت إلى الله.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : تاب الله عليك.
وفي هذا إن صح دلالة على أنه أمر بالقطع حين اعترف عنده مره واحدة.
وقد اختلف فيه على عبد العزيز الدراوردي عن يزيد منهم من وصله عنه ومنهم من أرسله فلم يذكر فيه أبا هريرة.
وأرسله أيضاً سفيان بن عيينة وعبد العزيز بن أبي حازم عن يزيد بن خصيفة وهو المحفوظ.
(6/417)
8 @ 1086 - باب قطع المملوك بإقراره
5183 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها قالت : خرجت عائشة إلى مكة ومعها مولاتان وغلام لبني عبد الله بن أبي بكر الصديق فبعث مع المولاتين ببرد مراجل قد خيط عليه خرقة خضراء.
قالت : فأخذ الغلام البرد ففتق عنه فاستخرجه وجعل مكانه لِبْداً أَو فروة وخاط عليه فلما قدمت المولاتان المدينة دفعتا ذلك إلى أهله فلما فتقوا عنه وجدوا فيه اللبد ولم يجدوا فيه البرد فكلموا المولاتين فكلمتا عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أو كتبتا واتهمتا العبد فسئل العبد عن ذلك فاعترف فأمرت به عائشة فقطعت يده وقالت عائشة : القطع في ربع دينار فصاعدًا.
1087 - باب غرم السارق
قال الشافعي رحمه الله.
القطع لله فلا يسقطه غرمه ما أتلف للناس.
قال أحمد : ورويناه عن الحسن وإبراهيم.
(6/418)
9 @وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : على اليد ما أخذت حتى تؤديه.
من حديث الحسن عن سمرة.
وأما حديث سعد بن إبراهيم عن المسور عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم : لا يغرم السارق إذا أقيم عليه الحد.
فهو إن ثبت قلنا به لكنه تفرد به المفضل بن فضالة قاضي مصر واختلف عليه فيه فقيل : عنه عن يونس بن يزيد عن سعد هكذا.
وقيل : عنه عن يونس عن الزهري عن سعد عن المسور.
وقيل : المسور بن مخرمة.
وقيل : عنه عن يونس عن سعد بن إبراهيم عن أخيه المسور.
فإن كان سعد هذا ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف فقد قال أهل العلم بالحديث : لا يعرف له في التواريخ أخاً معروفاً بالرواية يقال له : المسور.
وإن كان غيره فلا نعرفه ولا نعرف أخاه ولا يحل لأحد من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه.
قال أحمد : وقد رأيت حديثاً لسعد بن محمد بن المسور بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.
(6/419)
فإن كان هذا الانتساب صحيحاً وثبت كون المسور لسعد بن إبراهيم أخاً فلم يثبت له سماع من جده عبد الرحمن ولا رواية وذلك لأن إبراهيم كان في خلافه عمر بن الخطاب صبياً صغيراً ومات أبوه في خلافة عثمان فإنما كان أدرك أولاده بعد موت أبيه وإنما رواية ابنيه المعروفين صالح وسعد عن أبيهما عبد الرحمن فهذا الذي عرفناه بحفيديه وفيه نظر لا يعرف له روية ولا رواية عن جده ولا عن غيره من الصحابة فهو مع الجهالة منقطع وبمثل هذه الرواية لا تترك أموال المسلمين تذهب باطلاً.
وبالله التوفيق.
قال أبو بكر بن المنذر : لا يثبت خبر عبد الرحمن بن عوف في هذا الباب.
1088 - باب ما جاء في تضعيف الغرامة
قال أحمد : روينا في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم في الماشية فيما آواه المراح والثمر المعلق فيما آواه الجرين : فما أخذ منه فبلغ ثمن المجن ففيه القطع وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه وجلدات نكال.
5184 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب.
أن رقيقاً لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة فانتحروها فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فأمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم.
ثم قال عمر : إني أراك تجيعهم والله لأغرمنك غرماً يشق عليك.
(6/420)
ثم قال للمزني : كم ثمن ناقتك ؟ قال أربعمِئَة درهم.
قال عمر : أعطه ثمانمائه درهم.
قال الشافعي : وقال مالك في كتابه ليس عليه العمل.
أورده الشافعي إلزاماً لمالك فيما ترك من قول بعض الصحابة.
5185 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : لا تضعف الغرامة على أحد في شيء إنما القعوبة في الأبدان لا في الأموال.
وإنما تركنا تضعيف الغرامة من قبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قضى فيما أفسدت ناقة البراء بن عازب أن على أهل الأموال حفظها بالنهار وما أفسدت المواشي بالليل فهو ضامن على أهلها.
قال : فإنما يضمنونه بالقيمة لا بقيمتين ولا يقبل قول المدعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه.
1089 - باب ما لا قطع فيه
5186 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب : أن مروان بن الحكم أُتي بإنسان قد اختلس متاعاً فأراد قطع يده فأرسل إلى (6/421)
زيد بن ثابت يسأله عن ذلك فقال زيد : ليس في الخلسة قطع.
قال مالك : الأمر عندنا أنه ليس في الخلسة قطع.
قال الشافعي : وكذلك من استعار متاعاً فجحده أو كانت عنده وديعة فجحدها لم يكن عليه فيها قطع إنما القطع على من أخرج متاعاً من حرز بغير شبهة.
قال أحمد : وقد روينا عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس على المختلس ولا على المنتهب ولا على الخائن قطع.
5187 - أخبرناه أبو عبد الله الحسين بن عمر بن برهان الغزال في آخرين قالوا : حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار حدثنا الحسن بن عرفة حدثني عيسى بن يونس عن ابن جريج عن أبي الزبير فذكره.
وذكر بعض أهل العلم أن ابن جريج لم يسمعه من أبي الزبير إنما سمعه من ياسين الزيات.
وقد رواه المغيرة بن مسلم عن أبي الزبير نحو ذلك.
وروينا عن عمرو ما دل على ذلك.
وأما الحديث الذي روى معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتججدها فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها.
فقد رواه الليث بن سعد عن الزهري عن عروة عن عائشة أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت . وبمعناه قاله عبد الله بن وهب عن يونس عن الزهري (6/422)
وبمعناه قاله أبو الزبير عن جابر.
وبمعناه قاله مسعود بن الأسود عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.
في هذه القصة دليل على أن المخزومية كانت سرقت وكأنها كانت قد اشتهرت باستعارة المتاع وجحودها ثم سرقت فعرفت بما اشتهرت والقطع تعلق بالسرقة والله أعلم.
والحديث الذي يروى عن نافع في هذه القصة كما روى معمر مختلف فيه على نافع.
فقيل : عنه عن ابن عمر.
وقيل : عنه عن ابن عمر أو عن صفية بنت أبي عبيد.
وقيل : عنه عن صفية بنت أبي عبيد.
وحديث الليث عن الزهري أولى بالصحة لما ذكرنا من توافقه . والله أعلم.
5188 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أبو زرعة الدمشقي حدثنا أحمد بن خالد الوهبي حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة عن أُمه عائشة بنت مسعود بن الأسود عن أبيها مسعود قال : لما سرقت المرأة تلك القطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظمنا ذلك وكانت امرأة من قريش فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمناه فقلنا : يا رسول الله نحن نفديها بأربعين أوقية . قال : تظهر خير لها.
فلما سمعنا لين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أتينا أسامة بن زيد فقلنا : اشفع لنا إلى (6/423)
رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن هذه المرأة نحن نفديها بأربعين أوقية . فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جدَّ الناس في ذلك قام فينا خطيباً فقال : يا أيها الناس ما إكثاركم في حد من حدود الله وقع على أمة من إماءِ الله والذي نفس محمد بيده لو كانت فاطمة بنت محمد نزلت بالذي نزلت به هذه المرأة لقطع محمد يدها.
فأيس الناس فقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدها.
قال محمد : فحدثني عبد الله بن أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد ذلك يرحمها ويصلها.
1090 - باب العبد يسرق من مال سيدّه أو من مال امرأة سيّده
5189 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد : أن عبد الله بن عمرو بن الحضرمي جاء بغلام له إلى عمر بن الخطاب فقال له : اقطع يد هذا فإنه سرق.
فقال له عمر : ماذا سرق ؟ قال : سرق مرآة لإمرأتي ثمنها ستون درهماً.
فقال عمر : أرسله ليس عليه قطع خادمكم سرق متاعكم.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد (6/424)
وقد قال صاحبنا - يعني مالكاً - : إذا سرق الرجل من امرأته أو المرأة من زوجها من البيت الذي هما فيه لم يقطع واحد منهما.
وإن سرق غلامه من امرأته أو غلامها منه وهو يخدمهما لم يقطع لأن هذه حياته.
فإذا سرق من امرأته أو هي منه من بيت محرز فيه لا يسكنانه معاً أو سرق عبدها منه أو عبده منها وليس بالذي يلي خدمتها قطع أي هؤلاء سرق.
قال الشافعي : هذا مذهب . فأراه يقول أن قول عمر خادمكم أي الذي يلي خدمتكم . ولكن قول عمر خادمكم يحتمل عبدكم فأرى والله أعلم على الاحتياط لا يقطع الرجل لامرأته ولا المرأة لزوجها ولا عبد واحد منها سرق من متاع الآخر شيئاً للأثر والسنة فيه.
وكذلك الرجل يسرق متاع أبيه أو أمه أو أجداده من قبلهما أو متاع ولده وولد ولده لا يقطع واحد منهم.
1091 - باب الرجل يسرق من مال له فيه شرك
5190 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي فيما حكي عن أبي يوسف قال أخبرنا بعض مشايخنا عن ميمون بن مهران عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن عبداً من الجيش سرق من الخمس فلم يقطعه وقال : مال الله بعضه في بعض.
قالوا : حدثنا بعض أشياخنا عن سماك بن حرب عن ابن النابغة عن علي بن أبي طالب أن رجلاً سرق مغفراً من المغنم فلم يقطعه.
(6/425)
قال الشافعي : ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم للأحرار بالسهمان ورضخ للعبيد.
فإذا سرق أحد حضر المغنم من المغنم شيئاً لم أر عليه قطعاً لأن الشرك بالكثير والقليل سواء.
قال أحمد : وروينا عن علي أنه كان يقول : ليس على من سرق من بيت المال قطع.
1092 - باب قطاع الطريق
5191 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى {إِنَّمَا جَزَآؤُاْ الَّذِينَ يُحاربُون اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْض فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوَاْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تَقَطَّعَ أَيْدِيِهمْ وَأَرْجُلُهم مِّنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ} . الآية.
5192 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا إبراهيم عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس في قطاع الطريق إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا.
وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا.
وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف.
وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالاً نفوا من الأرض.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد (6/426)
وبهذا نقول وهو موافق معنى كتاب الله عز وجل وذلك أن الحدود إنما نزلت فيمن أسلم فأما أهل الشرك فلا حدود فيهم إلا القتل أو السبي أو الجزية.
قال : واختلاف حدودهم باختلاف أفعالهم على ما قال ابن عباس إن شاء الله.
قال الشافعي : وليس لأولياء الذين قتلهم قطاع الطرق عفو وكان على الإمام أن يقتلهم واحتج بالآية.
قال ابن المنذر : وروي ذلك عن عمر بن الخطاب.
قال الشافعي : ونفيهم أن يطلبوا فينفوا من بلد إلى بلد فإذا أظفر بهم أُقيم عليهم الحد أي هذه الحدود كان حدهم.
قال الشافعي : قال الله عز وجل {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم}.
فمن تاب قبل أن يقدر عليه سقط حد الله وأخذ حقوق بني آدم.
قال الشافعي في كتاب الشهادة : فأخبر الله بما عليهم من الحد إلا أن يتوبوا من قبل أن يقدر عليهم.
ثم ذكر حد الزنى والسرقة ولم يذكره فيما استثنى فاحتمل ذلك أن لا يكون الاستثناء إلا حيث جعل في المحارب خاصة واحتمل أن يكون كل حد لله فتاب صاحبه قبل أن يقدر عليه سقط عنه.
قال أحمد : روي عن علي وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما في قبول توبة المحارب.
(6/427)
وروينا في حديث علي ( . . . ) وائل بن حجر في قصة المرأة التي وقع عليها رجل في سواد الصبح وهي تعمد إلى المسجد ثم فر وأخذ من استغاثت به فلما أمر به قام صاحبها الذي وقع عليها فقال : لا ترجموه وارجموني أنا الذي فعلت بها فاعترف فقال النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة : أما أنت فقد غفر لك.
وقال للرجل الذي أُخذ قولاً حسناً.
فقيل له : ارجم الذي اعترف فقال : لا إنه قد تاب إلى الله توبة لو تابها أهل المدينة لقبل منهم.
فأرسلهم.
وهذا حديث رواه أبو داود في كتاب السنن وإسناده حسن.
ومثل هذا قد وجد من ماعز والجهينية والغامدية وجعل توبتهم فيما بينهم وبين الله وأمر برجمهم.
وقوله في ماعز : هلا تركتموه.
يشبه أن يكون إنما قاله لعلة يرجع فيقبل رجوعه عن الإقرار فيما كان حداً لله تعالى ، والله أعلم.
(6/428)
بسم الله الرحمن الرحيم 39 - كتاب الأشربة والحد فيها
قال أحمد : روينا عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لما نزل تحريم الخمر قال عمر : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً . فنزلت {يسألونك عن الخمر والميسر}.
التي في سورة البقرة.
فدعى عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً . فنزلت التي في النساء {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى}.
فدعى عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً.
فنزلت التي في المائدة.
فدعى عمر فقرئت عليه فلما بلغ {فهل أنتم منتهون}.
(6/429)
قال عمر : قد انتهينا 5193 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو عبد الله الصفار حدثنا أحمد بن مهران حدثنا عبيد الله بن موسى أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق فذكره.
5194 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر القاضي وأبو زكريا بن أبي إسحاق وأبو سعيد بن أبي عمرو قالوا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال : كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبا طلحة الأنصاري وأُبي بن كعب شراباً من فضيخ وتمر فجاءهم آتٍ فقال : إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة : يا أنس قم إلى هذه الجرار فاكسرها . قال أنس : فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث مالك.
5195 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن ابن وعلة المصري أنه سأل ابن عباس عما يعصر من العنب ؟ فقال ابن عباس : أهدى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم رواية خمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما علمت أن الله حرمها ؟ فقال : لا فسارَّ إنساناً إلى جنبه قال : بم سارَرْتَهُ ؟ قال : أمرته أن يبيعها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (6/430)
إن الذي حرم شربها حرم ثمنها.
ففتح المزادتين حتى ذهب ما فيهما.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث مالك.
5196 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاووس قال : بلغ عمر بن الخطاب أن رجلاً باع خمراً فقال : قاتل الله فلاناً باع الخمر أما علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث سفيان.
5197 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر : أن رجالاً من أهل العراق قالوا له : إنا نبتاع من ثمر النخل والعنب فنعصره خمراً فنبيعها ؟ فقال عبد الله : إني أشهد الله عليكم وملائكته ومن سمع من الجن والإنس أني لا آمركم أن تبيعوها ولا تبتاعوها ولا تعصروها ولا تعتقوها فإنها رجس من عمل الشيطان.
5198 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو (6/431)
العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة.
أخرجاه في الصحيح من حديث مالك.
5199 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال قال أبو علي الماسرجسي فيما أخبرت عنه عن محمد بن سفيان عن يونس بن عبد الأعلى قال قال الشافعي في قوله عز وجل {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا}.
قال : {اتقوا} لم يقوبوا ما حرم عليهم.
قال أحمد : روينا عن ابن عباس أنه قال : هذه الآية أنزلت عذراً للماضين لأنهم لقوا الله قبل أن تحرم عليهم الخمر وحجة على الباقين لأن الله يقول {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه}.
فإن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا فإن الله تعالى قد نهى أن يشرب الخمر.
وفي هذا بيان ما قاله الشافعي.
(6/432)
وقول الشافعي أعم لعموم الآية.
5200 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو الحسن علي بن محمد بن سختويه حدثنا محمد بن أيوب أخبرنا أبو الربيع العتكي حدثنا حماد حدثنا ثابت عن أنس قال : كنت ساقي - يعني القوم - يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة وما شرابهم إلا الفضيخ البسر والتمر فإذا منادٍ ينادي فقال : أخرج فانظر فخرجت فإذا منادٍ ينادي ألا إن الخمر قد حرمت.
قال : فجرت في سكك المدينة.
فقال أبو طلحة : أخرج فأهرقها . فقالوا أو قال بعضهم : قتل فلان وفلان وفلان وهي في بطونهم.
قال : فلا أدري من حديث أنس فأنزل الله {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} الآية.
رواه مسلم في الصحيح عن أبي الربيع.
ورواه البخاري عن أبي النعمان عن حماد.
وفيه دليل على أنه رفع الجناح فيما طعموا قبل التحريم إذا اتقوا شربها بعد التحريم.
وروي سبب نزول هذه الآية أيضاً في حديث البراء بن عازب.
5201 - أخبرنا أبو بكر بن فورك حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن البراء قال : لما نزل تحريم الخمر قالوا : كيف بمن كان يشربها قبل أن تحرم فنزلت {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} الآية.
(6/433)
تابعه وهب بن جرير وغيره عن شعبة.
1093 - باب ما أسكر كثيرة فقليله حرام
5202 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد وأبو نصر منصور بن الحسن المقبري قالوا حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل شراب أسكر فهو حرام.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث سفيان.
5203 - وأخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن عائشة قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع فقال : كل شراب أسكر فهو حرام.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث مالك.
قال أحمد : وقد روينا في حديث أبي موسى الأشعري أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن البتع وهو من العسل وعن المزر وهو من الذرة والشعير وهما يسكران فقال النبي صلى الله عليه وسلم : كل مسكر حرام.
(6/434)
وهو مخرج في الصحيحين.
وقد مضى في حديث أنس بن مالك قال : كنت أسقي شراباً من فضيخ وتمر.
وفي الحديث الثابت عن ثابت عن أنس بن مالك قال : حرمت علينا الخمر وما نجد خمور الأعناب إلا القليل وعامة خمرهم البسر والتمر.
وفي كتاب أبي داود عن أبي حريز عن عامر الشعبي عن النعمان بن بشير قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الخمر من العصير والزبيب والتمر والحنطة والشعير والذرة وإني أنهاكم عن كل مسكر.
وفي الحديث الثابت عن أبي حيان التيمي عن عامر الشعبي عن ابن عامر قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن الخمر نزل تحريمها يوم نزل تحريمها وهي من خمسة : من العنب ، والتمر ، والعسل ، والحنطة ، والشعير ، والخمر ما خامر العقل.
وثلاث أيها الناس وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفارقنا حتى يعهد إلينا فيها عهداً ننتهي إليه الجد والكلالة وأبواب من أبواب الربا.
5204 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الحسن بن علي بن عفان حدثنا عبد الله بن نمير عن أبي حيان عن الشعبي عن عبد الله بن عمر (6/435)
قال : خطبنا عمر فذكره.
أخرجه البخاري في الصحيحين من أوجه عن أبي حيان.
وأما حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة.
فقد قال أبو سليمان : هذا غير مخالف لما تقدم ذكره وإنما معناه أن معظم ما يتخذ من الخمر إنما هو من النخلة والعنبة وإن كانت قد تتخذ أيضاً من غيرهما وإنما هو من باب التأكيد لتحريم ما يتخذ منهما لمرارته وشدة سورته كما يقال : شبع من اللحم والدفء من الوبر وليس فيه نفي الشبع عن غير اللحم ولا نفي الدفء من غير الوبر ولكن فيه التوكيد لأمرهما والتقديم لهما على غيرهما في نفس ذلك المعنى والله أعلم.
5205 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان عن ابن طاووس عن أبيه أن أبا وهب الجيشاني سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع فقال : كل مسكر حرام.
كذا وقع في هذه الرواية عن البتع.
وقال غيره : عن سفيان عن المزر قال : وما المزر ؟ قال : شيء يصنع من الحب . فقال : كل مسكر حرام.
وهو من حديث سفيان مرسل.
(6/436)
وهو في الحديث الثابت عن عمارة بن غزية عن أبي الزبير عن جابر أن رجلاً قدم من جيشان ؛ وجيشان من اليمن فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له : المزر . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ومسكر هو ؟ قالوا : نعم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل مسكر حرام وأن الله عهد لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال.
قالوا : يا رسول الله وما طينة الخبال ؟ قال : عرق أهل النار أو عصارة أهل النار.
5206 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الفضل بن إبراهيم حدثنا أحمد بن سلمة حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز بن محمد حدثنا عمارة بن غزية فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن قتيبة.
5207 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي حدثنا سفيان قال : سمعت أبا الحويرية الجرمي يقول : إني لأول العرب سأل ابن عباس وهو مسند ظهره إلى الكعبة فسألته عن الباذق ؟ فقال : سبق محمد صلى الله عليه وسلم الباذق وما أسكر فهو حرام.
تابعه سفيان الثوري عن أبي الجويرية.
ومن ذلك الوجه أخرجه البخاري.
5208 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن الغُبَيْراء فقال : ولا خير فيها.
(6/437)
ونهى عنها.
قال مالك عن زيد : هي السكركة.
هذا مرسل.
وروينا في حديث موصول عن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن ناساً من أهل اليمن قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : يا رسول الله إن لنا شراباً نصنعه من القمح والشعير.
فقال : الغُبَيْراء ؟ قالوا : نعم . قال : لا تطعموه.
5209 - وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا هناد حدثنا عبدة عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن ديلمة الحميري قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إنّا بأرض باردة نعالج فيها حملاً شديداً وإنا نتخذ شراباً من هذا القمح نتقوى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا . قال : هل يسكر ؟ قال : نعم : قال : فاجتنبوه.
قلت : فإن الناس غير تاركيه . قال : فإن لم يتركوه قاتلوهم .(6/438)
قال أحمد : قوله في شراب القمح فاجتنبوه وذلك يتناول القليل والكثير.
قال أحمد : كقول الله عز وجل في الخمر {فاجتنبوه}.
وذلك أن الأخبار كلها تدل على منع النبي صلى الله عليه وسلم من شرب المسكر وذلك يتناول القليل والكثير.
وقد سموه خمراً فهو داخل تحت قوله {إنما الخمر} إلى قوله {فاجتنبوه}.
5210 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال : كل مسكر خمر وكل مسكر حرام.
هكذا رواه مالك موقوفاً في أكثر الروايات عنه.
ورواه روح بن عبادة عن مالك مرفوعاً.
5211 - أخبرنا أبو الحسن العلوي أخبرنا أبو حامد بن الشرقي حدثنا أحمد بن محمد بن الصباح حدثنا روح حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كل مسكر خمر وكل مسكر حرام.
(6/439)
5212 - وبهذا الإسناد قال : حدثنا روح حدثنا ابن جريج قال أخبرني موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كل مسكر خمر وكل مسكر حرام.
رواه مسلم في الصحيح عن إسحاق بن إبراهيم وغيره عن روح عن ابن جريج.
وأخرجه أيضاً من حديث أيوب السختياني وعبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
5213 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ وعن سلمة بن عوف بن سلامة أخبراه عن محمود بن لبيد الأنصاري أن عمر بن الخطاب حين قدم الشام شكى إليه أهل الشام وباء الأرض وثقَلَها وقالوا : لا يصلحنا إلا هذا الشراب.
فقال عمر : إشربوا العسل.
فقالوا : لا يصحلنا العسل . فقال رجال من أهل الأرض هلك لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئاً لا يسكر ؟ فقال : نعم.
فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث فأتوا به عمر : فأدخل عمر فيه أصبعَه ثم رفع يده فتبعهما يتمطط فقال : هذا الطِّلا هذا مثل طِلاءِ الإبل فأمرهم عمر أن يشربوه.
فقال له عبادة بن الصامت : أحللتها والله فقال عمر : كلا والله اللهم إني لا أحل لهم شيئاً حرمته عليهم ولا أحرم عليهم شيئاً أحللته لهم.
5214 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطاب خرج عليهم فقال (6/440)
إني وجدت من فلان ريح شراب فزعم أنه شرب الطلاء وأنا سائل عما يشرب فإن كان يسكر جلدته فجلده عمر الحد تاماً.
5215 - وبهذا الإسناد قال حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان عن الزهري عن السائب بن يزيد أن عمر بن الخطاب خرج فصلى على الجنازة فسمعه السائب يقول : إني وجدت من عبيد الله وأصحابه ريح شراب وأنا سائل عما شربوا فإن كان مسكراً حددتهم.
قال سفيان : فأخبرني معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد أنه حضره يحدثهم.
5216 - وبهذا الإسناد حدثنا الشافعي أخبرنا إبراهيم بن أبي يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه أن علي بن أبي طالب قال : لا أوتي بأحد شرب خمراً ولا نبيذاً مسكراً إلا جلدته الحد.
5217 - وبهذا الإسناد حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر أن عمر بن الخطاب قال : إن يُجلد قدامة اليوم فلن يترك أحد بعده وكان قدامة بدرياً.
5218 - وبهذا الإسناد حدثنا الشافعي أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : أيجلد في ريح الشراب ؟ فقال عطاء : إن الريح ليكون من الشراب الذي ليس به بأس فإذا اجتمعوا جميعاً على شراب واحد فسكر أحدهم جلدوا جميعاً الحد تاماً.
قال الشافعي : وقول عطاء مثل قول عمر لا نخالفه لا نعرف إلا الإسكار في الشراب حتى يسكر منه واحد فنعلم أنه مسكر ثم يجلد الحد على شربه وإن لم يسكر صاحبه قياساً على الخمر.
(6/441)
5219 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : قال لي بعض الناس الخمر حرام والسكر من كل شراب ولا يحرم المسكر حتى يسكر منه ولا يحد من شرب نبيذاً مسكراً حتى يسكره.
فقيل لبعض من قال هذا القول كيف خالفت ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وثبت عن عمر ، وروي عن علي ولم يقل أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خلافه قال : روينا فيه عن عمر أنه شرب فضل شراب رجل حده.
قلنا : رويتموه عن رجل مجهول عندكم لا تكون روايته حجة.
قال أحمد : وهذا الحديث رواه الأعمش تارة عن أبي إسحاق عن عامر الشعبي عن سعيد بن ذي لعوة وتارة عن أبي إسحاق عن سعيد بن ذي جُدَّان وابن ذي لعوة أن رجلاً أتى سطيحة لعمر فشرب منها فسكر فأتى به عمر فاعتذر إليه وقال إنما شربت من سطيحك فقال عمر : إنما أضربك على السكر فضربه عمر.
ومن لا ينصف يحتج برواية سعيد بن ذي لعوة على ما قدمنا ذكره عن عمر وغيره.
5220 - أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي أخبرنا إسحاق الأصبهاني حدثنا أبو أحمد بن فارس قال قال محمد بن إسماعيل البخاري : سعيد بن ذي لعوة عن عمر في النبيذ يخالف الناس في حديثه لا يعرف.
وقال بعضهم : سعيد بن ذي جُدان وهو وهم.
5221 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا محمد بن صالح حدثنا أحمد بن محمد بن الأزهر قال سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول : كنت عند ابن إدريس - يعني عبد الله بن إدريس الكوفي وعنده جماعة فجرى ذكر المسكر فحرمه الحجازيون وجعل أهل الكوفة يحتجون في تحليله إلى أن قال بعضهم : حدثنا أبو إسحاق عن سعيد بن ذي لعوة في الرخصة.
فقال الحجازيون أو قال ابن إدريس (6/442)
والله ما تجيئون به عن المهاجرين والأنصار وأبنائهم وإنما تجيئون به عن العوران والعميان والعرجان والعمشان والحولان.
ورواه محمد بن نصر عن إسحاق عن عبد الله بن إدريس ببعض معناه وزاد : أين أنتم عن أبناء المهاجرين والأنصار.
حدثني محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كل مسكر خمر وكل مسكر حرام.
قال أحمد : الأحاديث التي احتججنا بها أحاديث قد أجمع أهل العلم بالحديث على صحتها.
والأحاديث التي رويت في الكسر بالماء عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم عن عمر أسانيدها غير قوية فإجراء ما روينا عن ظاهرها وحمل ما رووا على الأمر بالكسر بالماء إذا خشي شدته قبل أن يشتد أولى.
فقد روي في بعض ألفاظها : فإن خشي شدته فليصبب عليه الماء وإن كان قد اشتد وبلغ حد الإسكار فقد ورد فيه ما 5222 - أخبرنا أبو علي الروذباري في كتاب السنن لأبي داود قال أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا زيد بن واقد عن خالد بن عبد الله بن حسين عن أبي هريرة قال : علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم فتحينت فطره بنبيذ صنعنه في دباء ثم أتيته به فإذا هو ينش فقال : إضرب بهذا الحائط فإن هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر.
(6/443)
تابعه عثمان بن غلاب عن زيد بن واقد وذكر فيه سماع خالد بن حسين من أبي هريرة.
وروي في معناه عن أبي موسى الأشعري وكيف يمكن حمل حديثاً على تحريم مقدار ما يسكر والنبي صلى الله عليه وسلم قال : كل شراب أسكر فهو حرام.
فعم الشراب الذي يسكر بالتحريم وقال : كل مسكر خمر.
فسماه خمراً ثم سماه حراماً فقال : وكل مسكر حرام.
فحرم بتحريمه ودخل بتسميته خمراً تحت قوله {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه}.
ثم منع تأويل المتأولين وتحريف المحرفين فقال : ما أسكر كثيرة فقليله حرام.
هكذا روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره.
(6/444)
5223 - وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا الأسفاطي - يعني عباس بن الفضل - حدثنا سعيد بن منصور عن مهدي بن ميمون عن أبي عثمان الأنصاري عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : كل مسكر حرام وما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام.
رواه أبو داود في كتاب السنن عن مسدد وموسى بن إسماعيل عن مهدي بن ميمون وأبو عثمان مولى الأنصار قاضي مرو : اسمه عمر بن سالم وقيل : عمرو قاله البخاري.
قال أحمد : والأخبار المطلقة في النبيذ لا يحتج بها من عرف صفة أنبذتهم.
وروينا في الحديث الثابت عن عائشة أنها قالت : كنا ننبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سقاء يوكي أعلاه ينبذ غدوه فيشربه عشاء وينبذ عشياً فيشربه غدوة.
وفي رواية أخرى : فإن فضل شيء صببته.
وفي حديث عبد الله الديلمي عن أبيه قلنا - يعني للنبي صلى الله عليه وسلم - ما تصنع بالزبيب ؟ قال : أنبذوه على غدائكم ولا تنتبذوه في القلل فإنه إذا تأخر عن عصره صار خلاً.
وفي حديث يحيى بن عبيد الله البهراني قال : سُئل ابن عباس عن الطلاء ؟ فقال : إن النار لا تحل شيئاً ولا تحرمه.
قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبذ له الزبيب من الليل في السقاء فإذا أصبح شربه (6/445)
يومه وليلته ومن الغد فإذا كان مساء الثالث شربه أو سقاه الخدم فإن فضل شيء أهراقه.
5224 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الفضل بن إبراهيم حدثنا أحمد بن سلمة حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن الأعمش عن يحيى بن عبيد أبي عمر البهراني فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن إسحاق.
ورواه زيد بن أبي أنيسة عن يحيى بن عبيد في يومين.
ورواه شعبة عن يحيى واختلف عليه فقيل عنه : في يومين وقيل : في ثلاثة وكل ذلك دون الأيام التي يخشى فيها شدتها.
وعائشة أعلم بشرابه ومع روايتها رواية ابن الديلمي وعلى هذا الوجه كان ينبذ عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة.
وروينا عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : كان النبيذ الذي يشربه عمر كان ينقع له الزبيب غدوة فيشربه عشية وينقع له عشية فيشربه غدوة ولا يجعل فيه دردي.
وأما الذي روي عن عمر أنه أتى بشراب فوجدوه قد اشتد فقال : اكسروه بالماء.
فقد قال عبيد الله بن عمر : إنما كسر عمر النبيذ من شدة حلاوته.
قال أحمد : والذي يدل على هذا أنه روي عن ابن عمر أن عمر انتبذ له في مزادة فذاقه فوجده حلواً.
(6/446)
والذي روي عن عمر أنه دعى بشراب فذاقة فقبض وجهه ثم دعى بماء فصب عليه ثم شرب.
فقد قال نافع : والله ما قبض عمر ، وجهه عن الأداوة حين ذاقها إلا أنها تخللت.
وروينا عن ابن المسيب معناه.
وقال عتبة بن فرقد : كان النبيذ الذي يشربه عمر قد تخلل.
وأما الذي روي عن ابن عباس قال : حرمت الخمر بعينها القليل منها والكثير والسكر من كل شراب.
فالمراد به : والمسكر من كل شراب.
فكذلك رواه أحمد بن حنبل قال : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن مسعر عن أبي عون عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس قال : حرمت الخمر بعينها والمسكر من كل شراب.
5225 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو الوليد حدثنا عبد الله بن محمد البغوي حدثنا أحمد بن حنبل فذكره.
وكذلك رواه موسى بن هارون عن أحمد وقال : هذا هو الصواب عن ابن عباس.
فقد روي عنه طاووس وعطاء ومجاهد أنه قال : ما أسكر كثيره فقليله حرام.
وفي العرنيين في تفسير السكر قال : هو خمر الأعاجم.
ويقال : لما أسكر السكر.
(6/447)
والذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : إشربوا ولا تسكروا.
خطأ في الرواية والصحيح رواية ابن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الإسقية كلها ولا تشربوا مسكراً.
والذي روي عن ابن مسعود : كل مسكر حرام هي الشربة التي تسكرك.
فإنما رواه الحجاج بن أرطاة عن حماد عن إبراهيم عن ابن مسعود.
والحجاج لا يحتج به.
وذكر ذلك لعبد الله بن المبارك فقال : هذا باطل.
وإنما قال ذلك لأن المبارك يروي عن الحسن بن عمر الفقيمي عن فضيل بن عمرو عن إبراهيم قال : كانوا يقولون : إذا سكر من شراب لم يحل له أن يعود فيه أبداً.
5226 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن إسحاقِأخبرنا الحسن بن علي بن زياد حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال : قال زكريا بن عدي.
لما قدم ابن المبارك الكوفة فذكر قصة وذكر فيها هذه الرواية.
فكيف يكون عند إبراهيم قول ابن مسعود هكذا ثم يخالفه ؟ فدل على بطلان ما رواه الحجاج بن أرطأة.
وروينا عن ابن عباس في قوله (6/448)
{تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا}.
قال : السكر ما حرم من ثمرتها والرزق الحسن ما حل من ثمرتها.
5227 - أخبرناه أبو نصر بن قتادة أخبرنا منصور النضروي حدثنا أحمد بن نجدة حدثنا سعيد بن منصور حدثنا أبو عوانة وأبو الأحوص وسفيان وشريك عن الأسود بن قيس عن عمرو بن سفيان عن ابن عباس فذكره.
وروينا عن سعيد بن جبير قال : السكر الحرام.
وقال مرة : الخمر والرزق الحسن الحلال.
وروينا عن مغيرة عن إبراهيم والشعبي وابن رزين في قوله {تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا}.
قالوا : هي منسوخة.
وعن مجاهد قال : السكر الخمر قبل تحريمها والرزق الحسن طعامه.
وعن الشعبي أنه سُئل عنها فقال : هذه مكية حرمت الخمر بعدها.
وعن قتادة قال : هي خمور الأعاجم ونسخت في سورة المائدة.
1094 - باب من أُقيم عليه حد أربع مرات ثم عاد له
5228 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان عن الزهري عن قبيصة بن أبي ذؤيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (6/449)
من شرب الخمر فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاقتلوه.
لا ندري بعد الثالثة أو الرابعة.
ثم أُتي برجل قد شرب فجلده ثم أتي به قد شرب فجلده ثم أتي به قد شرب فجلده ووضع القتل وصارت رخصة.
هكذا في روايتهم.
وقال في موضع آخر في رواية أبي سعيد وحده يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر قول الزهري قال : فأُتي برجل فجلده ثم أُتي به الثانية فجلده ثم أُتي به الثالثة فجلده ثم أُتي به الرابعة فجلده ووضع القتل فكانت رخصة.
وقال في روايتهم جميعاً : قال سفيان : ثم قال الزهري لمنصور بن المعتمر ومخول كُونا وافدي العراق بهذا الحديث.
قال الشافعي في رواية أبي سعيد وحده : والقتل منسوخ بهذا الحديث وغيره وهذا مما لا اختلاف فيه عند أحد من أهل العلم علمته.
5229 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : وقد بلغني عن الحارث بن عبد الرحمن وعنده أحاديث حسان ولم أحفظ عن أحد من أهل الرواية عنه إلا ابن أبي ذئب ولا أدري هل كان ممن يحفظ الحديث أولا.
وقد روى من حديث عمرو بن شعيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (6/450)
من أقيم عليه حد في شيء أربع مرات - أو ثلاث مرات أنا شككت - ثم أُتي به الرابعة أو الخامسة قتل أو قطع.
وروي من حديث أبي الزبير : من أقيم عليه حد أربع مرات ثم أتي به الخامسة قتل ثم أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد أُقيم عليه الحد أربع مرات ثم أتي به الخامسة فحده ولم يقتله فإن كل شيء من هذه الأحاديث يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم نسخة بحديث أبي الزبير.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثلهما ونسخة مرسلاً.
فذكر حديث قبيصة بن ذؤيب عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكرناه.
قال الشافعي : فإن قال قائل : فهل في هذا حجة سوى ما وصفت ؟ قيل : نعم . أخبرنا الثقة عن حماد عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل عن عثمان بن عفان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يحل دم مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان أو زنى بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس.
ثم بسط الكلام في الحجة فيه.
قال أحمد : أما حديث الحارث بن عبد الرحمن : فقد رويناه عن ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (6/451)
إذا سكر فاجلدون ثم إن كسر فاجلدوه ثم سكر فاجلدوه فإن عاد الرابعة فاضربوا عنقه.
قال الزهري : فأُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل سكران فضربه ثم أُتي به فضربه ثم أُتي به فضربه ثم أُتي به فضربة.
5230 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا ابن أبي ذئب . فذكره.
وبمعناه رواه الشافعي في كتاب حرملة عن محمد بن إسماعيل عن ابن أبي ذئب وقال فيه قال ابن أبي ذئب فحدثني ابن شهاب أنه أُتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد فجلده ولم يضرب عنقه.
5231 - أخبرنا أبو الحسن بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا ابن ناجية حدثنا محمد بن موسى الحرشي حدثنا زياد بن عبد الله حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن شرب الشارب فاضربوه فإن عاد فاضربوه فإن عاد فاضربوه فإن عاد الرابعة فاضربوا عنقه.
فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم النعمان أربع مرات فرأى المسلمون أن الحد قد وقع وأن القتل قد أُخر ضرب النبي صلى الله عليه وسلم النعمان أربع مرات.
وبمعناه رواه محمد بن العلاء بن عبد الكافي اليامي عن أبي إسحاق.
ورواه معمر عن ابن المنكدر وعن زيد بن أسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً.
1095 - باب الخليطين
5232 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا(6/452)
الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن محمد بن إسحاق عن معبد بن كعب عن أمه وكانت قد صلت القبلتين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخليطين وقال : إنبذوا كل واحد منهما على حدته.
5233 - وبهذا الإسناد حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن ينبذ التمر والبسر جميعاً والتمر والزهو جميعاً.
قال أحمد : قد روينا في الحديث الثابت عن أبي قتادة : أن صلى الله عليه وسلم نهى عن خليط البسر والتمر وعن خليط الزبيب والتمر وعن خليط الزهو والرطب وقال : أنبذوا كل واحد على حدته.
ورويناه في حديث جابر بن عبد الله بمعناه.
قال الشافعي في كتاب الشهادات : الخمر والعنب الذي لا يخالطه ماء ولا يطبخ بنار ويعتق حتى يسكر فتحريمها نص في كتاب الله عز وجل سكر أو لم يسكر وما سواهما من الأشربة من المتصنف والخليطين أو مما سوى ذلك مما زال أن يكون خمراً فإن كان يسكر كثيرة فمن شربه فهو عندنا مخطىء بشربه آثم به.
1096 - باب الأوعية
5234 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو (6/453)
العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب للناس في بعض مغازيه قال عبد الله بن عمر فأقبلت نحوه فانصرف قبل أن أبلغه فسألت ماذا ؟ قال قالوا : نهى أن ينبذ في الدباء والمزفت.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى عن مالك.
5235 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان قال سمعت الزهري يقول سمعت أنساً يقول : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء والمزفت أن ينبذ فيه.
5236 - وبهذا الإسناد حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تنبذوا في الدباء والمزفت.
قال : ثم يقول أبو هريرة : واجتنبوا الحناتم والنقير.
رواه مسلم في الصحيح عن عمرو الناقد عن سفيان.
وأخرجه البخاري من وجه آخر عن الزهري عن أنس.
5237 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة (6/454)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن ينبذ في الدباء والمزفت.
5238 - وبهذا الإسناد حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن ابن أبي أوفى قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبيذ الأخضر والأبيض والأحمر.
أخرجه البخاري من وجه آخر عن أبي إسحاق الشيباني مختصراً.
5239 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينبذ له في سقاء وإن لم يكن فتور من حجارة.
أخرجه مسلم من وجه آخر عن أبي الزبير.
5240 - وبهذا الإسناد حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان عن سليمان الأحول عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأوعية قيل له : ليس كل الناس يجد سقاء فأذن لهم في الجر غير المزفت.
سقط من إسناده أبو عياض.
5241 - وقد أخبرناه أبو إسحاق الفقيه أخبرنا شافع بن محمد أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي عن سفيان عن سليمان الأحول عن مجاهد عن أبي عياض عن عبد الله بن عمرو بن العاص فذكره بنحوه.
أخرجاه من حديث سفيان.
5242 - وبإسناده حدثنا الشافعي أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا إسحاق بن سويد عن معاذة عن عائشة قالت : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت.
(6/455)
لم أجد للشافعي رحمه الله كلاماً على هذه الأخبار ولم يفصلها مما روينا قبلها في الخليطين وتحريم المسكر والحد فيه وكأنه سقط من الأصل.
وقد قال في كتاب البويطي : ولا أكره من الآنية إذا لم يكن الشراب يسكر شيئاً سمي بعينه.
وكأنه أراد ما رواه في حديث عبد الله بن عمرو وقد ثبتت الرخصة في الشرب من الأوعية بعد النهي عنه من غير استثناء إذا لم يشرب مسكراً.
5243 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا أحمد بن يونس حدثنا معرف بن واصل بن محارب بن دثار عن ابن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نهيتكم عن ثلاث وأنا آمركم بهن نهيتكم : عن زيارة القبور فزوروها فإن في زيارتها تذكره ونهيتكم عن الأشربة أن تشربوا إلا في ظروف الأوم فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكراً ونهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث فكلوا واستمتعوا بها أسفاركم.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث معرف بن واصل.
وروينا في حديث جابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري وغيرهما الرخصة في الأوعية.
1097 - باب عدد حد الخمر
5244 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن أزهر قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم عام حنين يسأل عن رحل خالد بن الوليد فجريت بين يديه (6/456)
أسأل عن رحل خالد حتى أتاه جذعاً وأتى النبي صلى الله عليه وسلم بشارب قال : أضربوه.
فضربوه بالأيدي والنعال وأطراف الثياب وحثوا عليه التراب.
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : بكتوه.
فبكتوه ثم أرسله قال فلما كان أبو بكر سأل من حضر ذلك المضروب فقومه أربعين فضرب أبو بكر في الخمر أربعين حياته ثم عمر حتى تتابع الناس في الخمر فاستشار فضربه ثمانين.
قال أحمد : وكذلك رواه هشام بن يوسف الصنعاني عن معمر.
ورواه أسامة بن زيد عن الزهري قال أخبرني عبد الرحمن بن أزهر فذكر أوجز من ذلك قال : وحثا رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب لم يذكر التبكيت . قال : ثم أتي أبو بكر بسكران فتوخي الذي كان من ضربهم يومئذ فضرب أربعين.
قال الزهري : ثم أخبرني حميد بن عبد الرحمن عن ابن وبرة الكلبي قال : أرسلني خالد بن الوليد إلى عمر فأتيته ومعه عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وعلي وطلحة والزبير وهم معه متكئون في المسجد فقلت : إن خالد بن الوليد أرسلني إليك وهو يقرأ عليك السلام ويقول : أن الناس قد انهمكوا في الخمر وتحاقروا العقوبة فيه فقال عمر : هم هؤلاء عندك فسألهم.
فقال علي : نراه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون.
قال فقال عمر : أبلغ صاحبك ما قال.
(6/457)
قال : فجلد خالد ثمانين وجلد عمر ثمانين.
قال وكان عمر إذا أُتي بالرجل الضعيف الذي كانت منه الزلة ضربه أربعين.
قال : وجلد عثمان أيضاً ثمانين وأربعين.
5245 - أخبرناه أبو بكر بن الحارث الفقيه أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا القاضي الحسين بن إسماعيل حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي حدثنا صفوان بن عيسى حدثنا أسامة بن زيد فذكره.
وروى عن عقيل عن الزهري عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أزهر عن أبيه فذكر معنى حديث معمر وزاد : ثم جلد عثمان الحدين كلاهما ثمانين وأربعين.
5246 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن ثور بن زيد الديلمي أن عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل فقال علي بن أبي طالب : نرى أن تجلده ثمانين فإنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى . أو كما قال : فجلده عمر ثمانين في الخمر.
قال أحمد : ورواه يحيى بن فليح عن ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس.
5247 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي عن ابن علية عن سعيد عن عبد الله عن حصين بن المنذر أن علياً جلد الوليد أربعين في الخمر.
هكذا ذكره فيما ألزم العراقيين في خلاف علي.
5248 - وقد أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى حدثنا عمر بن إسحاق حدثنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل بن علية (6/458)
حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن عبد الله الداناج قال سمعت حضين بن المنذر الرقاشي يحدث قال : لما جيء بالوليد بن عقبة إلى عثمان وقد شهدوا عليه يشرب الخمر قال : لعلي دونك فأقم عليه الحد فأمر به علي فجلد أربعين جلدة ثم قال : جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وجلد أبو بكر أربعين وجلد عمر ثمانين وكلٌ سنة.
5249 - أخبرناه عالياً أتم من ذلك أبو علي الروذباري حدثنا عبد الله بن عمر بن أحمد بن شوذب بواسط حدثنا شعيب بن أيوب حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن عبد الله الداناج عن حضين بن المنذر بن الحارث بن وعلة قال : صلى الوليد بن عقبة بالناس الفجر أربعاً وهو سكران فالتفت إليهم فقال : أزيدكم.
فرفع ذلك إلى عثمان بن عفان فقال له عليّ : أجلده فأمر بضربه فقال عليّ للحسن : يا حسن قم فاضربه . قال فيم أنت من ذلك ؟ قال : لا بل ضعفت ووهنت وعجزت ثم قال : يا عبد الله بن جعفر فاضربه.
قال : فقام إليه عبد الله بن جعفر فجعل يضربه وعليّ يعد حتى بلغ أربعين.
فقال : كفاك أو كف ثم قال : ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر وعمر صدراً من خلافته أربعين ثم أتمها عمر ثمانين وكلٌ سُنة.
رواه مسلم في الصحيح عن علي بن حجر وغيره.
وأخرجه أيضاً من حديث عبد العزيز بن المختار عن عبد الله بن فيروز الداناج وزاد : وهو أحب إليّ : وقال أبو عيسى الترمذي سألت البخاري عن هذا الحديث فقال : هو حديث حسن.
قال أحمد : هذا حديث صحيح مخرج في مسانيد أهل الحديث ومخرجات أكثرهم في السنن والذي يدعى تسوية الأخبار على مذهبه لم يمكنه صرف هذا الحديث إلى ما وقَّته صحبه فأنكر الحديث أصلاً واستدل على فساده بما جرى من الصحابة في حديث (6/459)
شارب الخمر وأن علياً قال : من شرب الخمر فجلدناه فمات وديناه لأنه شيء صنعناه.
وفي رواية رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُسن فيها شيئاً وبأن عمر ، وعلياً جلداً ثمانين وإنهم أجمعوا على الثمانين فصار الحد موقتاً بها في الخمر وقبل ذلك لم يكن موقتاً وهذا الذي ذكر من إنكار الحديث وفساده غير مقبول منه فصحة الحديث إنما تعرف بثقة رجاله ومعرفتهم بما وجب قبول خبره وقد عرفهم حفاظ أهل الحديث وقبلوا حديثهم.
كيف وقد ثبت عن عثمان وعلي رضي الله عنهما في هذه القصة من وجه آخر لا يشك حَدِيثيّ في صحته جلد أربعين.
5250 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا علي بن بحر بن بَرِّي حدثنا هشام بن يوسف أخبرنا معمر عن الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير أن عبيد الله بن عدي بن الخيار أخبره فذكر قصة دخوله على عثمان وأنه كلمه في شأن الوليد بن عقبة قال فقال عثمان : فأما ما ذكرت من شأن الوليد فسنأخذ فيه - إن شاء الله - بالحق فجلده أربعين سوطاً وأمر علي بن أبي طالب أن يجلده.
أخرجه البخاري في الصحيح من حديث هشام بن يوسف.
وهذا وإن كان موقوفاً ففيه قوة حديث حضين بن المنذر وهو يوافقه في اجتماع عن عثمان وعلي رضي الله عنهما على جلد أربعين وأنه يجوز الاقتصار على الأربعين بعد ما أشير على عمر بالثمانين.
وفي حديث حضين زيادة سند وقد وافقه على ذلك قتادة عن أنس وذلك فيما.
5251 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني أبو عمرو الحيري قال أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة حدثنا وكيع عن هشام عن قتادة عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يضرب في الخمر بالنعال والجريد أربعين وأبو بكر ضرب أربعين فلما وليّ عمر سُئل عن ذلك فشاورهم عمر.
(6/460)
فقال ابن عوف : أرى أن تضربه ثمانين فضربه ثمانين.
رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة.
ورواه همام بن يحيى عن قتادة عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتي برجل قد سكر قال : فأمر قريباً من عشرين رجلاً فجلده كل رجل جلدتين بالجريد والنعال.
وهذا يوافق رواية هشام في العدد وهذا القائل ذكر هذا الحديث من وجه آخر بلفظ آخر محتجاً به في أنه لم يكن فيه جلد معلوم حتى كان زمن عمر رضي الله عنه.
وإذا كان أنس بن مالك يخبره في رواية بأنه جلده بجريدتين نحو الأربعين وفي روايتنا بأنه كان يضرب أربعين وأبو بكر ضرب أربعين وعلي.
وفي الحديث الأول يخبر بأنه جلد أربعين وأبو بكر الصديق سأل من حضره فقومه أربعين وجلد هو أربعين وجلد عمر صدرا من خلافته أربعين.
وحين تكلم فيه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكروا جلد أربعين وقال فيه سائلهم : إن الناس قد انهمكوا في الخمر وتحاقروا العقوبة فيه يعني العقوبة المعهودة المعروفة بينهم وهي أربعون أفلا يكون هذا معلوماً ولئن صار الثمانون حداً معلوماً بتوقيت الصحابة في أيام عمر فلم لم تصير الأربعون حداً معلوماً بتقويم الصحابة في أيام أبي بكر وتحريهم في ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه بين يديه بل هذا أولى أن يكون حدّاً موقتاً بتوقيتهم فلم يعدل عنه أبو بكر حياته.
وقد روينا عن عمر أنه بعد توقيتهم إذا أتي بالرجل الضعيف الذي كانت منه الزلة ضربه أربعين وجلد عثمان بعده ثمانين وجلد أربعين وجلد علي أربعين . وكل هذا يدل على أن الحد الموقت في الخمر أربعون وأنهم لم يوقتوه بالثمانين حداً وأن الزيادة التي زادوها إنما هي على وجه التعزيز وقد أشار عليّ إلى علة التعزيز فيما أشار به على عمر ، وفي قول علي رضي الله عنه فيمن مات في حد الخمر (6/461)
وديناه ودليل بين على أنها لم يجتمعوا على الثمانين حداً إذ لو كانوا وقتوه بالثمانين لم يجب فيمن مات منه دية وإنما أراد - والله أعلم - عندنا إذا مات في الأربعين الزائدة.
وقوله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُسنه يعني : لم يسن فوق الأربعين أو لم يسن ضربه بالسياط وقد سنه بالجريد والنعال وأطراف الثياب.
ونحن هكذا نقول لا نخالف منه شيئاً بتوفيق الله وبعصمته.
والذي يحتج به في إبطال حديث ابن المنذر لا يقول به ولا يرى فيمن مات منه دية.
وهذا دأبه في بعض ما لا يقول به من الأحاديث الصحيحة يجتهد في إبطاله بحديث آخر فإذا نظرنا في ذلك الحديث الآخر وجدناه لا يقول به أيضاً.
فكيف يحتج به في إبطال غيره ؟ فإن قال روي عن علي أنه جلد الوليد بالمدينة بسوط له طرفان أربعين فيكون ذلك ثمانين . وذكر ما 5252 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر محمد بن علي : أن علي بن أبي طالب جلد الوليد بسوط له طرفان.
5253 - وأخبرنا أبو سعيد - في موضع آخر - حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة . فذكره وذكر فيه : أربعين.
قلنا : هذا حديث منقطع.
وقد روينا في الحديث الثابت أنه أمر به فجلد أربعين جلدة.
وهذا يشبه أن لا يخالفه أن يكون جلده بكل طرف عشرين فيكون الجميع أربعين.
وهذا هو المراد بما روي في حديث شعبة عن قتادة عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو الأربعين.
(6/462)
أي بهما صار العدد أربعين.
وذلك بين في رواية همام عن قتادة وقد مضى ذكره ولأنه خالف بينه وبين ما أشار به عبد الله على عمر ولو كان المراد بالأول ثمانين لم يكن بينهما مخالفه وكذلك علي رضي الله عنه لما جلد الوليد بهذا السوط إن كان ثابتاً أربعين.
قال في الحديث الثابت : جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وجلد أبو بكر أربعين وجلد عمر ثمانين وكلٌ سنة.
وقال في رواية عبد العزيز بن المختار : وهذا أحب إليّ : فلولا أنه اقتصر على الأربعين لم يقل وهذا أحب إليّ - والله أعلم -.
1098 - باب خطأ السلطان في غير حد وجب لله عز وجل
5254 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : الحد فرض على السلطان أن يقوم به إن تركه كان عاصياً بتركه فأبطلت ما تلف بالحد والأدب أمر لم يبح له إلا بالرأي وحلال له تركه.
ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ظهر على قوم أنهم قد غلّوا في سبيل الله فلم يعاقبهم ولو كانت العقوبة تلزم لزوم حد ما تركهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقطع إمرأة لها شرف فكلم فيها فقال : لو سرقت فلانة - لإمرأة شريفة - لقطعت يدها.
ثم جعله شبيهاً بالرجل يرمي الصيد أو الغرض ولا يرى إنساناً ولا نيالاً لإنسان فأصابت الرمية إنساناً أو شاة لإنسان ضمن.
بل العقوبة أولى أن تكون مضمونة إن جاء منها تلف لأنه لا يختلف أحد في أن الرمية مباحة وقد يختلف الناس في العقوبات فيكرهها بعضهم ويقول بعضهم لا يبلغ بها كذا ولا يزاد فيها على كذا.
(6/463)
ثم ساق الكلام إلى أن قال : وقد قال علي بن أبي طالب.
ما من أحد يموت في حد فأجد في نفسي منه شيئاً لأن الحق قتله إلا المحدود في الخمر فإنه شيء أحدثناه بعد النبي صلى الله عليه وسلم فمن مات فيه فديته - لا أدري قال : في بيت المال أو على الذي حده - شك الشافعي - قال : وبلغنا أن عمر بن الخطاب بعث إلى إمرأة في شيء بلغه عنها فذكرها ففزعت فأسقطت فاستشار في سقطها فقال عليّ كلمة لا أحفظها أعرف أن بمعناها أن عليه الدية.
فأمر عمر علياً أن يضربها على قومه.
قال الشافعي : وقد كان لعمر أن يبعث وللإمام أن يحد في الخمر عند العامة فلما كان في البعثة تلف على المبعوث إليها أو على ذي بطنها فقال عليّ وقال عمر أن عليه مع ذلك الدية.
كان الذي نراهم ذهبوا إليه إنه وإن كانت له الرسالة فعليه أن لا يتلف بها أحد فإن تلف ضمن وكان المأثم - إن شاء الله - موضوعاً.
5255 - أنبأني أبو عبد الله إجازة أن أبا العباس حدثهم عن الربيع عن الشافعي قال أخبرنا إبراهيم عن علي بن يحيى عن الحسن أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : ما من أحد يموت في حد من الحدود فأجد في نفسي منه شيئاً إلا الذي يموت في حد الخمر فإنه شيء أحدثناه بعد النبي صلى الله عليه وسلم فمن مات منه فديته : _ إما قال - في بيت المال - وإما - على عاقلة الإمام.
(6/464)
أشك - يعني الشافعي رحمه الله -.
قال أحمد : وإنما أراد - والله أعلم - فيما أحدثوه من الزيادة على الأربعين على وجه التعزير.
1099 - باب الختان واجب
روينا في الحديث الثابت عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اختتن إبراهيم النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم.
قلنا وقد قال الله عز وجل {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا}.
وروينا في حديث ابن جريج قال أخبرت عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : قد أسلمت فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ألق عنك شعر الكفر واختتن.
يقول احلق . قال : وأخبرني آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا خير معه ألق عنك شعر الكفر واختتن.
5256 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا مخلد بن خالد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج فذكره.
(6/465)
وفي حديث عبد الملك بن عمير عن الضحاك بن قيس - قال أحمد : وليس بالفهري - قال : كانت بالمدينة إمرأة تخفض الجواري يقال لها : أم عطية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أم عطية اخفضي ولا تنهكي فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج.
5257 - أخبرناه أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي أخبرنا أبو سهل بن زياد القطان حدثنا عبد الله بن أبي مسلم الحراني حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي حدثنا عبيد الله بن عمرو قال حدثني رجل من أهل الكوفة عن عبد الملك بن عمير عن الضحاك بن قيس قال : كانت : فذكر الحديث.
ورواه مروان بن محمد عن محمد بن حسان الكوفي - وهو مجهول - عن عبد الملك بن عمير عن أم عطية أن إمرأة كانت تختن : فذكره.
وروينا عن ابن عباس : الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء.
ولا يثبت رفعه.
ورواه الحجاج بن أرطاة من وجهين آخرين مرفوعاً ولا يثبت ، والله أعلم.
1100 - باب ما جاء في صفة السوط وغير ذلك
5258 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم : أن رجلاً اعترف على نفسه بالزنا فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم (6/466)
بسوط فأُتي بسوط مكسور فقال : فوق هذا.
فأُتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته فقال : بين هذين.
فأُتي بسوط قد ركب به فلان فأمر به فجلد.
ثم قال : أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن محارم الله فمن أصاب منكم من هذه القاذورة شيئاً فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله.
قال الشافعي رحمه الله : هذا حديث منقطع ليس مما يثبت به هو نفسه حجة وقد رأيت من أهل العلم عندنا من يعرفه ويقول به فنحن نقول به.
قال أحمد : وروينا عن أبي عثمان النهدي قال : أُتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه برجل في حد فأتي بسوط فيه شدة فقال : أريد ألين من هذا . ثم أُتي بسوط فيه لين فقال أريد أشد من هذا . فأُتي بسوط بين السوطين فقال : اضرب ولا يرى ابطك وأعط كل عضو حقه.
5259 - وأخبرنا أبو الحسين بن بشران وأبو الحسن علي بن عبد الله بن إبراهيم الهاشمي ببغداد قالا : حدثنا أبو جعفر محمد بن عمرو بن البحتري حدثنا أحمد بن الوليد النحام حدثنا حجاج بن محمد الأعور قال قال ابن جريج أخبرني أبو (6/467)
الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث حجاج.
وروينا عن علي رضي الله عنه أنه قال للجالد : أضربه واعط كل عضو حقه واتق وجهه ومذاكيره . قال ودع يديه يتق بهما.
وفي حديث يحيى بن الجزار : أن علياً رضي الله عنه كان يقول : يضرب الرجل قائماً والمرأة قاعدة.
وقد حكاه الشافعي رحمه الله عن بعض العراقيين عن علي رضي الله عنه.
5260 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن ابن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أشياخه : أن علياً جلد إمرأة في الزنا وعليها درع حديد.
قال الشافعي رحمه الله : وكذلك يقول المُفتون.
قال أحمد : وروي في الجلد في ثوب واحد وترك التجريد عن عثمان وأبي عبيدة بن الجراح وابن مسعود والمغيرة بن شعبة.
وأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بضرب إمرأة في حد فقال : إضرباها ولا تخرقا جلدها.
1101 - باب التعزيز
5261 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما (6/468)
بلغه عن أبي بكر بن عياش قال حدثني أَبُو حَصِينٍ عن عامر الكاهلي قال : كنت عند علي رضي الله عنه إذ أُتي برجل فقال : ما شأن هذا ؟ فقالوا : يا أمير المؤمنين وجدناه تحت فراش إمرأة.
فقال : لقد وجدتموه على نتن فانطلقوا به إلى نتن مثله فمرِّغوه فيه ، فمرَّغوه في عذره وخلى سبيله.
قال الشافعي : وهم يخالفون هذا ويقولون يضرب ويرسل وكذلك قول المفتين.
أورده فيما ألزم العراقيين في خلاف علي رضي الله عنه.
5262 - وبإسناده قال قال الشافعي عن رجل عن شعبة عن الأعمش عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله : ِأنه وجد إمرأة مع رجل في لحافها على فراشها فضربه خمسين فذهبوا فشكوا ذلك إلى عمر رضي الله عنه فقال : لم فعلت ذلك ؟ قال : لأني أرى ذلك.
قال : وأنا أرى ذلك.
قال الشافعي رحمه الله.
وأصحابنا يذهبون إلى أنه يبلغ بالتعزيز هذا وأكثر منه إلى ما دون الثمانين بقدر الذنوب وهم لا يقولون لا يبلغ بالتعزيز في شيء أربعين فيخالفون ما رووا عن عمر ، وابن مسعود.
قال أحمد : وبهذا الذي حكاه عنهم أجاب في موضع آخر قال في رواية المزني : وقد روى مسعر بن كدام حديثاً منقطعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من بلغ حداً في غير حد فهو من المعتدين.
(6/469)
قال أحمد : وهذا فيما رواه أبو داود الحفري عن مسعر عن الوليد عن الضحاك عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً.
وروى من وجه آخر عن مسعر عن خاله الوليد بن عبد الرحمن عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروينا عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب : أن لا يبلغ في التعزيز أدنى الحدود أربعين سوطاً.
وأحسن ما يصار إليه في هذا ما ثبت عن بكير بن الأشج قال : كنا جلوساً مع سليمان بن يسار فجاءه عبد الرحمن بن جابر فكلمه ثم انصرف فقال حدثني عبد الرحمن بن جابر عن أبيه عن أبي بردة بن نيار الأنصاري قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله.
5263 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني أبو النضر الفقيه قال حدثنا أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي قال حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي بمصر قال حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير بن عبد الله فذكره.
رواه البخاري في الصحيح عن يحيى بن سليمان.
ورواه مسلم عن أحمد بن عيسى عن ابن وهب.
(6/470)
وهذا حديث ثابت أقام إسناده عمرو بن الحارث فلا يضره تقصير من قصر به.
1102 - باب الحدود كفارات
5264 - أخبرنا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى وأحمد بن الحسن القاضي ومحمد بن موسى بن الفضل قالوا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي إدريس عن عبادة بن الصامت قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال : بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً.
وقرأ عليهم الآية وقال : فمن وفي منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئاً فستره الله عليه فهو إلى الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث سفيان.
قال الشافعي في روايتنا عن محمد بن موسى : لم أسمع في الحدود حديثاً أبين من هذا.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : وما يدريك لعل الحدود نزلت كفارة للذنوب.
وهو يشبه هذا وهو أبين منه وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث معروف عندنا وهو غير متصل الإسناد فيما أعرفه وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (6/471)
من أصاب منكم من هذه القاذورة شيئاً فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله.
قال الشافعي : وروي أن أبا بكر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً أصاب حداً بالإستتار وأن عمر أمر به.
وهذا حديث صحيح عنهما.
ونحن نحب لمن أصاب الحد أن يستتر وأن يتقي الله ولا يعود لمعصية الله فإن الله يقبل التوبة عن عبادة.
قال أحمد : حديث زيد بن أسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بالاستتار قد مضى في أول الكتاب.
وروي معنى هذا اللفظ في حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم موصولاً.
وحديث أبي بكر وعمر في الاستتار في باب الاعتراف بالزنى.
وروينا في الستر على أهل الحدود حديث نعيم بن هزال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا هزال لو سترته بثوبك كان خيراً لك مما صنعت.
وعن عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موءودة من قبرها.
(6/472)
وروينا عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب.
5265 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد العزيز بن عبد الله بن عمرو عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : تجافوا لذوي الهيئات عثراتهم.
قال الشافعي : سمعت من أهل العلم من يعرف هذا الحديث ويقول : يتجافى للرجل ذي الهيئة عن عثرته ما لم يكن حداً.
أزاد أبو عبد الله وأبو سعيد في روايتهما قال الشافعي : وذوو الهيئات الذين يقالون عثراتهم الذين ليسوا يعرفون الشر فيزلّ أحدهم الزلة.
قال أحمد : قد رواه عبد الملك بن زيد عن محمد بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم : أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا حداً من حدود الله.
(6/473)
5266 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا ابن عبد الحكم حدثنا ابن أبي فديك قال حدثني عبد الملك بن زيد فذكره.
هكذا رواه جماعة عن ابن أبي فديك.
ورواه جماعة دون ذكر أبيه فيه.
وكذلك أبو بكر بن نافع عن محمد عن عمرة.
قال أحمد : وإنما أراد بهذا والله أعلم الأئمة يقيلون ذوي الهيئات عثراتهم ما لم يكن حداً فإذا كان حداً وبلغ الإمام فلا يدعه ولا ينبغي لأحد أن يشفع فيه.
5267 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة : أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا : من يكلم فيها قالوا : ومن يجترىء إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أسامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يا أسامة أتشفع في حد من حدود الله عز وجل ؟ ثم قام فاختطب فقال : إنما هلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها.
(6/474)
أخرجاه في الصحيح من حديث الليث.
وأشار إليه الشافعي فيما مضى.
5268 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن ابن مهدي عن سفيان عن بشير بن ذعلوق عن خليد العوزي أن رجلاً أقر عند علي - أظنه بحد - فجهد عليه أن يخبره ما هو فأبى فقال : أضربوه حتى ينهاكم.
قال الشافعي : وهم يخالفون هذا أورده في إلزام العراقيين في خلاف علي.
ولعله أقر بحد هو حق لآدمي.
وقد روينا في الحديث الثابت عن أنس : أن رجلاً قال يا رسول الله إني قد أصبت حداً فأقم عليّ كتاب الله . قال.
أليس قد صليت معنا ؟ قال : نعم . قال ؟ فإن الله قد غفر لك ذنبك.
1103 - باب قتال أهل الردة وما أصيب في أيديهم
5269 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله في المرتدين : على المسلمين أن يبدأوا بجهادهم وما أصاب أهل الردة للمسلمين فالحكم عليهم كالحكم على المسلمين لا يختلف في العقل والقود وضمان ما يصيبون فإن قيل : فما صنع أبو بكر رضي الله عنه في أهل الردة ؟ قيل : قال لقوم جاءوه تائبين : تدون قتلانا ولا ندري قتلاكم . فقال عمر (6/475)
لا نأخذ لقتلانا دية.
قال الشافعي : وإذا ضمنوا الدية في قتل غير متعمدين كان عليهم القصاص في قتلهم متعمدين.
وقال في موضع آخر : في قول عمر لا نأخذ لقتلانا دية : قد يجب الشيء للرجل فيدعه طلب الثواب ولم يرو عنهما أن أحداً طلب وأقام بينه على القاتل بعينه فلم يعط حقه فلا يدع ما ثبت من أصل القصاص بلعل قال : وقد قيل : لا يقص منهم ولا يتبعوا بشيء إلا أخذ ما كان قائماً في أيديهم.
ومن قال بهذا احتج بترك عمر إياهم.
5270 أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : قد ارتد طليحة فقتل ثابت بن أقرم وعكاشة بن محصن ثم أسلم فلم يقد بواحد منهما ولم يؤخذ منه عقل لواحد منهما.
قال أحمد : حديث أبي بكر وعمر ، وقولهما حين جاءه وفد بُزاخة.
قد رويناه في حديث قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب.
وحديث طليحة وصاحبيه قد رويناه عن الزهري وذكره الواقدي بإسناده.
1104 - باب منع الرجل نفسه وحريمه
5271 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن سعيد بن زيد بن(6/476)
عمرو بن نفيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من قتل دون ماله فهو شهيد.
5272 - وبإسناده قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عن عمرو بن شعيب عن أبيه أو بعض أهله عن عبد الله بن عمرو أن معاوية أو بعض الولاة بعث إلى الوهط ليقبضه فلبس ابن عمرو سلاحه وجمع من أطاعه وجلس على بابه فقيل أتقاتل ؟ قال : وما يمنعني أن أقاتل وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من قتل دون ماله فهو شهيد.
5273 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن الحكم حدثنا محمد بن أبي السري حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من قتل دون ماله فهو شهيد.
قال أحمد والحديث ثابت من جهة سليمان الأحول عن ثابت مولى عمر بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن جهة عكرمة عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروينا في حديث سعيد بن زيد من قتل دون أهله أو دون دمه أو دون دينه فهو شهيد.
(6/477)
1105 ما يسقط القصاص من العمد
5274 - أخبرنا أبو عبد لله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم عن ابن جريج - قال الربيع أظنه عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن يعلى بن أمية قال : غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة قال : وكان يعلى يقول : وكانت تلك الغزوة أوثق عملي في نفسي قال عطاء قال صفوان قال يعلى : كان لي أجير فقاتل إنساناً فعض أحدهما يد الآخر فانتزع المعضوض يده من في العاض فذهبت إحدى ثنيتيه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأهدر ثنيته.
قال عطاء : وحسبت أنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : أيدع يده في فيك فتقضمها كأنها في فيّ فحل يقضهما.
قال عطاء : وقد أخبرني صفوان أيهما عض فنسيته.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من أوجه عن ابن جريج.
5275 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم عن ابن جريج أن ابن أبي مليكة أخبره أن أباه أخبره إن إنساناً جاء إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعضه إنسان فانتزع يده منه فذهبت سنته فقال أبو بكر : بعدت سنه.
1106 - باب الرجل يجد مع إمرأته الرجل فيقتله
5276 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن سعداً قال (6/478)
يا رسول الله أرأيت إن وجدت مع إمرأتي رجلاً أمهله حتى آتي بأربعة شهداء . ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم.
5277 - وبإسناده قال أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب : أن رجلاً من أهل الشام يقال له ابن خَيْبري وجد مع إمرأته رجلا فقتله أو قتلها فأشكل على معاوية القضاء فيها فكتب معاوية إلى أبي موسى يسأل له عن ذلك علي بن أبي طالب فسأل أبو موسى عن ذلك عليّ بن أبي طالب فقال له علي بن أبي طالب : أن هذا لشيء ما هو بأرضنا عزمت إليك لتخبرني فقال أبو موسى كتب إليّ في ذلك معاوية.
فقال علي : أنا أبو حسن إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته.
5278 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي فيما بلغه عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن أبي المغيرة في قوم دخلوا على إمرأة في دار قوم فخرج إليهم بعض أهل الدار فقتلوهم فأصبحوا وقد جاءت عشائرهم إلى عليّ فرفعوهم إليه.
فقال علي : وما جمع هؤلاء في دار واحدة ليلاً وقال بيده فقلبها ظهر البطن ثم قال : لصوص قتل بعضهم بعضاً قوموا فقد أهدرت دمائهم.
فقال الحسن إن أضمن هذه الدماء.
فقال : أنت أعلم بنفسك.
(6/479)
قال الشافعي : وليسو يقولون بهذا.
أما نحن فنروي عن عليّ أن رجلاً وجد مع إمرأته رجلاًَ فقتله فُسئل عليّ فقال : إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته.
أَخْبَرَنَا بذلك مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب.
وبهذا نقول نحن وهم إلا أنهم يقولون في اللص يدخل دار رجل فيقتله.
ينظر إلى المقتول فإن لم يكن يعرف باللصوصية قتل القاتل وإن كان عرف باللصوصية درأ عن القاتل القتل وكانت عليه الدية.
وهذا خلاف ما رواه عن عليّ كله.
قال في موضع آخر فيما قرأنا على أبي سعيد قال : روينا عن عمر بن الخطاب أنه أهدره . فقلت له : قد روي عن عمر بن الخطاب أنه أهدره وقال : هذا قتيل الله والله لا يؤدي أبداً.
5279 - أخبرناه أبو محمد بن يوسف الأصبهاني أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي حدثنا سعدان بن نصر حدثنا سفيان عن الزهري عن القاسم بن محمد عن عبيد بن عمير : أن رجلاً أضاف ناساً من هذيل فذهبت جارية لهم تحتطب فأرادها رجل منهم عن نفسها فرمته بفهر فقتلته فرفع ذلك إلى عمر فقال : ذاك قتيل الله والله لا يؤدي أبداً.
قال الشافعي : وهذا عندنا من عمر أن البينة قامت عنده على المقتول أو على أن ولي المقتول أقر عنده بما يوجب له أن يقتل المقتول.
قال الشافعي (6/480)
وأنت تخالف ظاهره عمر لم يسل أن يعرف المقتول بالزنى أو لا ولم يجعل فيه دية وأنت تجعل فيه دية قال فإني إنما قسته على حكم لعمر بن الخطاب.
روى عمرو بن دينار أن عمر كتب في رجل من بني شيبان قتل نصرانياً من أهل الحيرة : إن كان القاتل معروفاً بالقتل فاقتلوه وإن كان غير معروف بالقتل فدوه ولا تقتلوه.
فقلت : وهذا غير ثابت عن عمر ، وإن كان ثابتاً عندك أفتقول به ؟ قال : لا بل يقتل القاتل للنصراني كان معروفاً بالقتل أو غير معروف به.
قلت له : أو يجوز لأحد ينسب إلى شيء من العلم أن يزعم أن قضية رواها عن رجل ليست عنده كما قضى به ثم يقيس عليها ؟ قال الشافعي : وقلت له : ويخطىء القياس الذي رويت عن عمر أنه أمر أن ينظر في حال القاتل أمعروف بالقتل فيقاد منه أو غير معروف به . فرفع عنه القود.
وأنت لم تنظر في السارق إلى القاتل إنما نظرت إلى المقتول.
وبسط الكلام في هذا.
1107 - باب التعدي والإطلاع
5280 - اخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لو أن إمرءاً أطلع عليك بغير إذن فحذقته بحصاه ففقأت عينه ما كان عليك جناح.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث سفيان.
(6/481)
5281 - وأخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان حدثنا الزهري قال سمعت سهل بن سعد يقول : أطلع رجل من جحر في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم ومع النبي صلى الله عليه وسلم مِدْرى يحك به رأسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك إنما جعل الاستئذان من أجل البصر.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث سفيان.
5282 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقفي عن حميد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في بيته رأى رجلاً اطلع عليه فأهوى له بمشقص في يده كأنه لو لم يتأخر لم يبال أن يطعنه.
ورواه أيضاً عبد الله بن أبي بكر عن أنس.
ومن ذلك الوجه أخرجاه في الصحيح.
ورواه إسحاق بن عبد لله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك وزاد فيه : فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أما أنك لو ثبت ففقأت عينيك.
وروينا عن عبد الرحمن بن أبي عتيق عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لو أن رجلاً أطلع في بيت رجل ففقأ عينه ما كان عليه فيه شيء .(6/482)
5283 - أخبرناه أبو الحسن بن الفضل القطان أخبرنا أحمد بن كامل القاضي حدثنا محمد بن إسماعيل السلمي حدثنا أيوب بن سليمان حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن عبد الرحمن بن أبي عتيق فذكره.
5284 - أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز حدثنا العباس بن الوليد النرسي حدثنا معاذ بن هشام.
قال : وحدثنا محمد بن المعلى الشونيزي والحسن بن إسماعيل وجماعة قالوا : حدثنا عمرو بن علي حدثنا معاذ بن هشام قال أخبرني أبي عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نُهيك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لو أن رجلاً أطلع على جاره فحذف عينه بحصاة فلا دية ولا قصاص.
وهذا إسناد صحيح.
قال ابن المنذر : وروينا عن عمر بن الخطاب أنه قال : من اطلع على جاره فأصابته جراحة فلا شيء عليه.
1108 - باب الضمان على البهائم
5285 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : العجماء جرحها جبار.
(6/483)
قال الشافعي في القديم :
أَخْبَرَنَا سفيان بن عيينة عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : والعجماء جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس.
5286 - أخبرناه أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي عن سفيان ومالك بن أنس بهذا الحديث.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث مالك.
وأخرجه مسلم من حديث سفيان.
5287 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا الزبير بن عبد الواحد الحافظ بأسدأباذ حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر بمصر حدثنا إبراهيم بن محمد بن أيوب قال سمعت الشافعي يقول :
أَخْبَرَنَا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : العجماء جرحها جبار والبئر جبار والمعدن جبار.
زاد فيه في موضع آخر : في الركاز الخمس.
5288 - وأخبرنا إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر بن سلامة حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا مالك فذكره بنحوه غير أنه لم يقل : جرحها.
قال أبو عبد الله : هذا حديث غريب لمالك ليس في الموطأ ولا في المبسوط.
(6/484)
قال أحمد : هو في المبسوط في مسألة الركاز من حديث سفيان بن عيينة عن أبي الزناد مختصراً في الركاز.
5289 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن حرام بن سعد بن محيصة أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطاً لقوم فأفسدت فيه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن على أهل الأموال حفظها بالنهار وما أفسدت المواشي بالليل فهو ضامن على أهلها.
5290 - وبهذا الإسناد قال أخبرنا الشافعي أخبرنا أيوب بن سويد حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن حرام بن محيصة عن البراء بن عازب : أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل من الأنصار فأفسدت فيه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الحوائط حفظها بالنهار وعلى أهل الماشية ما أفسدت ماشيتهم بالليل.
وهكذا رواه أبو داود عن محمود بن خالد عن الفريابي عن الأوزاعي.
وكذلك رواه الرمادي وغيره عن محمد بن مصعب عن الأوزاعي.
وكذلك رواه معاوية بن هشام ومؤمل بن إسماعيل عن الثوري عن عبد الله بن عيسى عن الزهري موصولاً بذكر البراء فيه.
5291 - وأخبرنا أبو إسحاق أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي عن سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب وحرام بن سعد بن محيصة : أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط قوم فأفسدت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن على أهل الأموال حفظ أموالهم بالنهار وعلى أهل الماشية ما أفسدت مواشيهم بالليل . - أو قال - ما أصابت مواشيهم.
(6/485)
قال الشافعي في رواية حرملة : رواه غير سفيان بن عيينة عن الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة عن أبيه.
قال أحمد : رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن حرام بن محيصة عن أبيه أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط قوم فأفسدت فيه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل المواشي حفظها بالليل وعلى أهل الأموال حفظها بالنهار.
5292 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أحمد بن علي المقري عن الحسن بن عبد الأعلى البوسي أخبرنا عبد الرزاق فذكره.
وقد رواه أبو داود في كتاب السنن عن أحمد بن محمد بن ثابت المروزي عن عبد الرزاق.
فقد صح وصل الحديث من هذين الوجهين.
فالذين وصلوه ثقات وانضم إليهما مرسل سعيد بن المسيب من حديث ابن عيينة عن الزهري عن سعيد ومرسل أبي أمامة بن سهل بن حنيف من حديث ابن جريج عن الزهري عن أبي امامة وهما من أكابر التابعين.
ورواه إبراهيم بن طهمان عن محمد بن ميسرة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن البراء بن عازب موصولاْ.
وكان شريح القاضي يضمن ما أفسدت الغنم بالليل ولا يضمن ما أفسدت بالنهار ويتأول هذه الآية {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم}.
ويقول : كان النفش بالليل.
ولا تجوز دعوى النسخ في حديث البراء بحديث : العجماء جبار.
من غير تاريخ ولا سبب يدل على النسخ والحكم في الحديثين على ما قال (6/486)
صاحبنا رحمه الله وهو فيما 5293 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : فأخذنا به - يعني بحديث البراء بن عازب - قضاء لثبوته واتصاله ومعرفة رجاله ولا يخالف هذا الحديث حديث العجماء جرحها جبار ولكن العجماء جرحها جبار جملة من الكلام العام المخرج الذي يراد به الخاص فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العجماء جرحها جبار وقضى فيما أفسدت العجماء بشيء في حال دون حال دل ذلك على أن ما أصابت العجماء من جرح وغيره في حال جبار وفي حال غير جبار.
وفي هذا دليل على أنه إذا كان على أهل العجماء حفظها ضمنوا ما أصابت وإذا لم يكن عليهم حفظها لم يضمنوا شيئاً مما أصابت.
فيضمن أهل الماشية السائمة بالليل ما أصابت من زرع ولا يضمنونه بالنهار.
ويضمن القائد والراكب والسائق لأن عليهم حفظها في تلك الحال ولا يضمنون لو انفلتت.
ثم بسط الكلام في ذكر نظائرها.
قال الشافعي في موضع آخر فيما 5294 - أنبأني أبو عبد الله إجازة بإسناده.
وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من : الرجل جبار.
فهو غلط - والله أعلم - لأن الحفاظ لم يحفظوا هكذا.
قال أحمد : الأمر فيه على ما قال الشافعي وذلك لأن حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في العجماء جبار.
(6/487)
رواه مالك بن أنس وابن جريج والليث بن سعد ومعمر وعقيل وسفيان بن عيينة وغيرهم عن الزهري فلم يذكر فيه أحد منهم الرجل جبار إلا سفيان بن حسين فإنه رواه عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
5295 - أخبرنا أبو سعيد الماليني أخبرنا أبو أحمد بن عدي الحافظ حدثنا أحمد بن الحسين الصوفي حدثنا داود بن رُشَيْد حدثنا عباد بن العوام حدثنا سفيان بن حسين فذكره.
قال أبو أحمد : لم يأت به عن الزهري غير سفيان بن حسين فيما علمت.
وقال أبو الحسن الدارقطني الحافظ فيما 5296 - أخبرني أبو عبد الرحمن عنه : لم يتابع سفيان بن حسين على قوله : الرجل جبار أحد وهو وهم لأن الثقات خالفوه ولم يذكروا ذلك.
قال أحمد : وروي ذلك من وجه آخر عن أبي هريرة وهو وهم قاله الدارقطني فيما 5297 - أخبرني أبو عبد الرحمن عنه.
قال أحمد : وإنما تعرف هذه اللفظه من حديث أبي قيس عبد الرحمن بن مروان عن هزيل بن شرحبيل عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً.
ورواه قيس بن الربيع موصولاً بذكر أبن مسعود فيه.
وقيس لا يحتج به . وأبو قيس أيضاً غير قوي فالله أعلم.
وقد روى أبو جزي نصر بن طريف عن السري بن إسماعيل عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (6/488)
من أوقف دابة في سبيل من سبل المسلمين أو أسواقهم فأوطئت بيد أو رجل فهو ضامن.
وهذا لا يصح أبو جزي والسري ضعيفان.
1109 - باب أخذ الولي بالولي
قال الشافعي رحمه الله : قال الله جل ثناؤه {أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى}.
5298 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن أبحر عن إياد بن لقيط عن أبي رمثة قال : دخلت مع أبي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من هذا ؟ قال : ابني يا رسول الله أشهد به فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه.
5299 - وبإسناده قال أخبرنا الشافعي حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس قال : كان الرجل يؤخذ بذنب غيره حتى جاء إبراهيم فقال الله عز وجل (6/489)
{وإبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى}.
قال الشافعي : والذي سمعت - والله أعلم - في قول الله عز وجل {ألا تزر وازرة وزر أخرى}.
أن لا يؤخذ أحد بذنب غيره في بدنه لأن الله جزى العباد على أعمال أنفسهم وعاقبهم وكذلك أموالهم لا يجني أحد على أحد في مال إلا حيث خص رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن جناية الخطأ من الحر على الآدميين على عاقلته.
وبسط الكلام في شرحه.
وبالله التوفيق.
(6/490)
بسم الله الرحمن الرحيم 40 - كتاب السِّير
5300 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي رحمه الله قال : قال الله جل ثناؤه {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}.
قال الشافعي : خلق الله الخلق لعبادته.
قال أحمد : يعني خلق من يعبده لعبادته.
وروي معنى ذلك عن سعيد بن المسيب.
قال الشافعي : ثم أبان جل ثناؤه أن خيرته من خلقه أنبياؤه فقال {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين}.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : ثم اصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم من خير آل إبراهيم وأنزل كتبه قبل إنزاله الفرقان على (6/491)
محمد صلى الله عليه وسلم بصفة فضيلته وفضيلة من تبعه فقال {محمد رسول الله والذين معه} إلى قوله : {ذَلِكَ مَثَلُهمُ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْئَهُ فَأذَرَهُ} الآية.
وقال لأمته {كنتم خير أمة أخرجت للناس} الآية.
ثم أخبر جل ثناؤه أنه جعله فاتح رحمته عند فترة رسله فقال {يَآ أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيْنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَدِيرٍ فَقَدْ جَآءَكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ}.
وقال : {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم} الآية.
وكان في ذلك ما دل على أنه بعثه إلى خلقه لأنهم كانوا أهل كتاب وأميين وأنه فتح به رحمته وختم به نبتوه فقال {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين}.
وقضى أن يظهر دينه على الأديان فقال : {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله}.
الآية.
1110 - باب مبتدأ التنزيل والفرض على النبي صلى الله عليه وسلم ثم على الناس
5301 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله.
(6/492)
لما بعث الله نبيّه صلى الله عليه وسلم أنزل عليه فرائضه كما شاء {لاَ مَعَقَّبِ لِحُكْمِهِ}.
ويقال - والله أعلم - أن أول ما أنزل الله عليه من كتابه : {اقرأ باسم ربك الذي خلق}.
ثم أنزل عليه بعدها لم يؤمر فيه بأن يدعو إليه المشركين فمرت لذلك مدة ثم يقال أتاه جبريل عليه السلام عن الله بأن يعلمهم نزول الوحي إليه ويدعوهم إلى الإيمان به فكبر ذلك عليه وخاف التكذيب يُتُثَاول فنزل عليه {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أٌُ نْزِلَ إِلَيكْ من رَّبَّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتُهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِن النَّاس}.
فقال : يعصمك من قتلهم أن يقتلوك حتى تبلغ ما أنزل إليك فبلغ ما أُمر به فاستهزأ به قوم فنزل عليه {فَاًْصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عنِ الْمُشْرِكينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِءينَ}.
وأعلمه من أعلمه منهم أنه لا يؤمن بالله فقال : {وقالوا لن نؤمن لك}.
وأنزل الله فيما ثبته به إذ ضاق من أذاهم.
{ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}.
فعرض عليه إبلاغهم وعبادته ولم يفرض عليه قتالهم وأبان ذلك في غير آية من كتابه ولم يأمره بعزلتهم وأنزل عليه {قل يا أيها الكافرون}.
(6/493)
وذكر سائر الآيات التي وردت في ذلك قال : وأمرهم أن لا يسبوا أندادهم وذكر الآية قال : ثم أنزل بعد هذا في الحال التي فرض فيها غزلة المشركين فقال {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم} الآية.
وقال لمن تبعه {فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره}.
1111 - باب الإذن بالهجرة
5302 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : وكان المسلمون مستضعفين بمكة زماناً لم يأذن لهم فيه بالهجرة منها ثم أذن الله لهم بالهجرة وجعل لهم مخرجاً فقال نزلت {ومن يتق الله يجعل له مخرجا}.
فأعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قد جعل الله لهم مخرجاً وقال {ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة}.
وأمرهم ببلاد الحبشة فهاجرت إليها منهم طائفة ثم دخل أهل المدينة الإسلام فأمر طائفة فهاجرت إليهم غير محرم على من بقي ترك الهجرة إليهم وذكر الله أهل الهجرة فتلى الشافعي فيهم آيات قال : ثم أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة فهاجر إلى المدينة.
(6/494)
1112 - باب مبتدأ الإذن بالقتال
قال الشافعي رحمه الله في الإسناد الذي ذكرنا : ثم أذن لهم بأن يبتدؤوا المشركين بقتال ؛ قال الله عز وجل {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا} الآية.
وأباح لهم القتال بمعنى آياته في كتابه فقال عز اسمه {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم} إلى قوله : {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين}.
قال الشافعي : يقال : نزل هذا في أهل مكة وهم كانوا أشد العدو على المسلمين ففرض عليهم في قتالهم ما ذكر الله.
ثم يقال : نسخ هذا كله والنهي عن القتال حتى يقاتلوا والنهي عن القتال في الشهر الحرام يقول الله {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فَتْنَةٌ ) . الآية.
ونزول هذه الآية بعد فرض الجهاد.
1113 - باب فرض الهجرة
قال الشافعي رحمه الله في الإسناد الذي ذكرنا : ولما فرض الله الجهاد على رسول صلى الله عليه وسلم بعد إذ كان أباحه وأثخن رسول الله صلى (6/495)
الله عليه وسلم في أهل مكة ورَأوا كَثْرتَ من دخل في دين الله اشتدوا على من أسلم منهم ففتنوهم عن دينهم أو من فتنوا منهم فعذر الله جل ثناؤه من لم يقدر على الهجرة من المفتونين فقال {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}.
وبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله جاعل لكم مخرجاً.
ففرض على من قدر على الهجرة الخروج إذا كان ممن يفتن عن دينه ولا يمنع فقال في رجل منهم توفي تخلف عن الهجرة {الَّذِينَ تَؤفَّاهُمُ الْملائكَةُ ظَالِميَ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنْتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} . الآية.
وأبان الله جل ثناؤه عذر المستضعفين فقال {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم}.
قال : ويقال : عَسَى من الله واجبه.
ودلت سُنه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن فرض الهجرة على من أطاقها إنما هو على من فتن عن دينه بالبلدة التي يسلم بها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لقوم بمكة أن يقيموا بها بعد إسلامهم منهم.
العباس بن عبد المطلب وغيره إذ لم يخافوا الفتنة وكان يأمر جيوشه أن يقولوا لمن أسلم إن هاجرتم فلكم ما للمهاجرين وإن أقمتم فأنتم كأعراب المسلمين.
(6/496)
وليس يخبرهم إلا فيما يحل لهم.
1114 - باب أصل فرض الجهاد
قال الشافعي رحمه الله في الإسناد الذي ذكرنا : ولما مضت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مدة من هجرته أنعم الله فيها على جماعات باتباعه حدثت لهم بها مع عون الله قوة بالعدد لم يكن قبلها ففرض الله عليهم الجهاد بعد إذ كان أباحة لا فرضاً فقال تبارك وتعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيٍْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} الآية.
وقال : {وقاتلوا في سبيل الله}.
وقال : {انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله}.
وذكر آيات أخر من كتاب الله عز وجل ثم قال مع ما ذكر به فرض الجهاد وأوجب على التخلف عنه.
1115 - باب من لا يجب عليه الجهاد
قال الشافعي في الإسناد الذي ذكرنا : فلما فرض الله الجهاد دل في كتابه ثم على لسان رسول صلى الله عليه وسلم أنه لم يفرض (6/497)
الخروج إلى الجهاد على مملوك أو أنثى ولا حر لم يبلغ.
وذكر الآيات التي دلت على ذلك ثم ذكر ما 5303 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن عبد الله بن عمر أو عبيد الله بن عمر - الشك من الربيع - عن نافع عن ابن عمر قال : عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحد وأنا ابن أربع عشرة فردني وعرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني.
قد رواه في مواضع عن الشافعي عن سفيان عن عبيد الله بن عمر لم يشك فيه.
5304 - وأخبرناه أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عبيد الله بن عمر فذكره بإسناده نحوه.
5305 - قال : وحدثنا الشافعي أخبرنا يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
والحديث مخرج في الصحيحين من حديث عبيد الله.
قال الشافعي رحمه الله في روايتنا عن أبي سعيد : وأجازه إذ بلغ أن تجب عليه الفرائض ورده إذ لم يبلغها وفعل ذلك معه ببضعه عشر رجلاً منهم زيد بن ثابت ورافع بن خديج وغيرهم.
قال أحمد : وروينا عن زيد بن حارثة الأنصاري أنه قال : استصغر رسول الله صلى الله عليه وسلم ناساً يوم أحد منهم : زيد بن جارية - يعني نفسه - (6/498)
والبراء بن عازب وزيد بن أرقم وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمر.
قال الشافعي : وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم القتال : عبيد ونساء وغير بالغين فرضخ لهم ولم يُسهم فدل على أن لا فرض للجهاد عليهم.
5306 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا حاتم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن يزيد بن هرمز أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن خلال ؟ فقال ابن عباس : إن ناساً يقولون إن ابن عباس يكاتب الحرورية ولولا أني أخاف أن أكتم علماً لما كتبت إليه فكتب نجدة إليه : أما بعد : فأخبرني هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء ؟ وهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب لهن بسهم ؟ وهل كان يقتل الصبيان ؟ ومتى ينقضي يتم اليتيم ؟ وعن الخمس لمن هو ؟ فكتب إليه ابن عباس : إنك كتبت تسألني هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء ؟ وقد كان يغزو بهن يداوين المرضى يُحذين من الغنيمة.
وأما السهم فلم يضرب لهن بسهم.
وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل الولدان فلا تقتلهم إلا أن تكون تعلم منهم ما علم الخضر من الصبي الذي قتل فتميز المؤمن من الكافر فتقتل الكافر وتدع المؤمن.
وكتبت متى ينقضي يتم اليتيم ؟ ولعمري إن الرجل لتنبت لحيته وإنه لضعيف (6/499)
الأخذ ، ضعيف الإعطاء فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس فقد ذهب عنه اليُتم.
وكتبت تسألني عن الخمس ؟ وإنا كنا نقول هو لنا فأبى ذلك علينا قومنا فصبرنا عليه.
رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره عن حاتم بن إسماعيل.
وفي حديث قيس بن سعد عن يزيد بن هرمز عن ابن عباس في هذه القصة : وأما النساء والعبيد : فلم يكن لهم سهم معلوم إذا حضروا الناس ولكن يحذون من غنائم القوم.
قال الشافعي في كتاب حرملة : اخبرنا سفيان أخبرنا عمرو بن دينار أخبرني سلمة - رجل من ولد أم سلمة - قال : قالت أم سلمة : يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء فأنزل الله عز وجل {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى}.
5307 - أخبرناه أبو نصر بن قتادة أخبرنا أبو منصور النضروي أخبرنا أحمد بن نجدة حدثنا سعيد بن منصور حدثنا سفيان فذكره . وزاد قال : قالت الأنصار هي أول ظعينة قدمت علينا.
5308 - وبهذا الإسناد قال حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال قالت سلمة : تغزوا الرجال ولا نغزوا وإنما لنا نصف الميراث فنزلت {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض} إلى آخر الآية ونزلت {إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات} إلى آخر الآية.
(6/500)
وذكر الشافعي عقيب الحديث الأول عن سفيان في حرمة نساء المجاهدين ما 5309 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أحمد بن محمد بن عبدوس حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا علي بن المديني حدثنا سفيان حدثنا قعنب التميمي - وكان ثقة خياراً - عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حرمة نساء المجاهدين على القاعدين في الحرمة كأمهاتهم وما من رجل من القاعدين يخلف رجلاً من المجاهدين في أهله إلا نصب له يوم القيامة فيقال له يا فلان هذا فلان ابن فلان خانك فخذ من حسناته ما شئت ثم التفت إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما ظنكم.
رواه مسلم في الصحيح عن سعيد بن منصور عن سفيان.
1116 - باب من له عذر بالضعف وغيره
قال الشافعي رحمه الله في روايتنا عن أبي سعيد : قال الله جل ثناؤه في الجهاد {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله} الآية.
وقال : {ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج}.
قال الشافعي (6/501)
وقيل الأعرج المقعد والأغلب أنه العرج في الرجل الواحدة.
وقيل نزلت أن لا حرج عليهم أن لا يجاهدوا.
وهو يشبه ما قالوا غير محتملة غيره.
وبسط الكلام فيه.
قال أحمد : وفي الحديث الثابت عن البراء بن عازب قال : لما نزلت هذه الآية {لاَ يَسْتَوِيِ الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِيِنَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}.
دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيداً فجاء بكتف فكتبها فشكى ابن أم مكتوم ضرارته فنزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر}.
5310 - أخبرناه أبو عمرو الأديب أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي أخبرنا الفضل بن الخباب حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال : سمعت البراء فذكره.
رواه البخاري عن أبي الوليد 5311 - أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري عن أبيه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر أيكفّر الله عني خطاياي ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم.
فلما ولى الرجل ناداه أو أمر به فنودي فقال : كيف قلت.
(6/502)
قال : فأعاد عليه القول . فقال : نعم إلا الدَّين كذلك قال لي جبريل عليه السلام.
أخرجه مسلم من وجه آخر عن يحيى بن سعيد.
5312 - وأخبرنا أبو إسحاق أخبرنا شافع أخبرنا الطحاوي حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان عن ابن عجلان عن محمد بن قيس عن عبد الله بن أبي قتادة أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أرأيت إن ضربت بسيفي هذا في سبيل الله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر يكفر الله عني خطاياي ؟ فقال : نعم.
قال : فلما أدبر قال : تعال هذا جبريل يقول إلا أن يكون عليك دين.
رواه مسلم عن سعيد بن منصور.
قال الشافعي في رواية الربيع : فإذا كان يحجبه مع الشهادة عن الجنة الدين فبين أن لا يجوز له الجهاد وعليه دين إلا أن يأذن له أهل الدين.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : وعليه أن لا يجاهد إلا بإذن أبويه إذا كانا على دينه.
قال أحمد : روينا في الحديث الثابت عن عبد الله بن عمرو أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال له : أحي والداك ؟ (6/503)
قال : نعم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ففيهما فجاهد.
5313 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا إبراهيم بن مرزوق حدثنا أبو داود ويعقوب بن إسحاق قالا : حدثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد . فذكره.
أخرجاه في الصحيح من حديث شعبة.
وروينا في حديث عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو في هذا الحديث قال : وتركت أبويّ يبكيان فقال : إرجع فأضحكهما كما أبكيتهما.
وفي رواية أبي سعيد الخدري قال ؛ أذنا لك.
قال : لا . قال : فارجع فاستأذنهما.
5314 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : فإذا كانا على غير دينه فإنما يجاهد أهل دينهما فلا طاعة لهما في ترك الجهاد.
ثم ساق الكلام إلى أن قال (6/504)
قد جاهد ابن عتبة بن ربيعة مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبوه يجاهد النبي صلى الله عليه وسلم ولست أشك في كراهية أبيه لجهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وجاهد عبد الله بن عبد الله بن أبي مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبوه يتخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم بأُحد ويخذل عنه من أطاعه مع غيرهم مما لا أشك - إن شاء الله - في كراهيتهم لجهاد أبنائهم مع النبي صلى الله عليه وسلم.
5315 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : ولا يجوز له أن يغزو بجعل من مال رجل وإن غزا به فعليه أن يرجع ويرد الجعل وإنما أجزت له هذا من السلطان لأنه يغزو بشيء من حقه.
قال أحمد : وهذا لأنه إذا حضر الوقعة صار جهاده عن نفسه فلا يجوز له أن يأخذ عن غيره عنه عوضاً.
وقد روينا عن ابن عمر أنه سُئل عن الجعائل ؟ قال : لم أكن لأرتشي إلا ما رشاني الله.
وأما حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : للغازي أجره وللجاعل أجره.
وأجر الغازي فإنما أراد - والله أعلم - إن جهز غازياً من غير أن يشترط عليه أن يغزو بما أعطاه . وهو نظير ما روينا عن زيد بن خالد الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم : من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا ومن خلفه من أهله بخير فقد غزا.
(6/505)
5316 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي وليس للإمام أن يجهز بالغزى فإن جهزهم فقد أساء.
ويجوز لكهلهم خلافه والرجوع.
وبسط الكلام فيه.
واحتج في القديم في رواية عبد الرحمن البغدادي عنه ونقلناه في كتاب القسم لحديث إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن ابن كعب بن مالك : أن قوماً من الأنصار كلموا عمر في أناس منهم وأخبروه بما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعقاب السرية.
وهذا الحديث قد أخرجه أبو داود في كتاب السنن عن موسى بن إسماعيل عن إبراهيم بن سعد قال أخبرنا ابن شهاب عن عبد الله بن كعب بن مالك : أن جيشاً من الأنصار كانوا بأرض فارس معهم أميرهم وكان عمر يعقب الجيوش في كل عام فشغل عنهم عمر فلما مر الأجل قَفَل أهل ذلك الثغر فاشتد عليه وأوعدهم وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : يا عمر إنك غفلت عنا وتركت فينا الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من أعقاب الغزية بعضاً.
5317 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا موسى بن إسماعيل . فذكره.
وذكر الشافعي أيضاً : حديث ابن عليه عن الجريري عن أبى نضرة عن أبي فراس قال : لا تجمروا المسلمين فتفتنوهم.
5318 - أخبرناه علي بن محمد المقري أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق (6/506)
حدثنا يوسف بن يعقوب حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء حدثنا مهدي بن ميمون حدثنا سعيد الجريري . فذكره.
قال الشافعي : فالتجمير عندنا : جور وفساد وفتنة على الرعية والذي عليه أعقاب المسلمين في كل ستة أشهر وكذلك الأئمة كانت تفعل.
قال أحمد : قد روينا عن عمر بن الخطاب أنه قال لحفصة كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها ؟ فقالت : ستة أشهر وأربعة.
فقال عمر : لا أحبس الجيش أكثر من هذا.
1117 - باب شهود من لا فرض عليه القتال
5319 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن جعفر عن أبيه عن يزيد بن هرمز : أن نجدة كتب إلى ابن عباس : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء ؟ وهل كان يضرب لهن بسهم ؟ فقال : قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء فيداوين الجرحى ولم يكن يضرب لهن بسهم ولكن يحذين من الغنيمة.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد : ومحفوظ أنه شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القتال العبيد والصبيان وأحذاهم من الغنيمة.
قال أحمد : روينا في حديث إسماعيل بن أمية عن سعيد المقبري عن يزيد بن هرمز في هذا (6/507)
الحديث ذكر العبد والمرأة.
وذكر أبو يوسف عن إسماعيل بن أمية في هذا الحديث في اليتيم متى يخرج من اليتم ومتى يضرب له بسهم ؟ فقال : إذا احتلم.
1118 - باب من ليس للإمام أن يغزو به بحال
5320 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم فغزا مكة بعض من يعرف نفاقه فانخذل عنه يوم أحد بثلثمِئَة ثم شهد معه يوم الخندق فتكلموا بما حكى الله من قولهم {ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا}.
ثم غزا بني المصطلق فشهدها معه منهم عدد فتكلموا بما حكى الله من قولهم {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل}.
وغير ذلك مما حكى الله عز وجل من نفاقهم.
ثم غزا غزوة تبوك فشهدها معه منهم قوم نفروا ليلة العقبة فوقاه الله شرهم وتخلف آخرون منهم فيمن بحضرته ثم أنزل الله عز وجل عليه غزاة تبوك أو منصرفه منها من أخبارهم فقال {ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم} قرأ إلى قوله {ويتولوا وهم فرحون}.
فأظهر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أسرارهم وخبر السماعين لهم وابتغاءهم أن يفتنوا من معه بالكذب والإرجاف والتخذيل لهم فأخبر أنه كره انبعاثهم إذ كانوا على هذه النية.
(6/508)
فكان فيها ما دل على أن الله جل ثناؤه أمر أن يمنع من عرف بما عرفوا به من أن يغزوا مع المسلمين لأنه ضرر عليهم ثم زاد في تأكيد بيان ذلك بقوله {فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله}.
قرأ إلى قوله : {فاقعدوا مع الخالفين}.
ثم بسط الكلام في ذلك إلى أن قال : ولما نزل هذا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليخرج بهم أبداً وإذ حرم الله أن يخرج بهم فلا يسهم لهم لو شهدوا القتال ولا رضخ ولا شيء.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : ومن كان من المشركين على خلاف هذه الصفة فكانت فيه صفة منفعة للمسلمين فلا بأس أن يغزى به.
قال أحمد : قد روى مالك بن أنس عن الفضيل بن أبي عبد الله عن عبد الله بن نيار عن عروة عن عائشة قالت : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه فلما أدركه قال : يا رسول الله جئت لأتبعك وأصب معك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تؤمن بالله ورسوله.
قال : لا . قال : فارجع فلن أستعين بمشرك.
ثم مضى حتى إذا كانت الشجرة أدركه الرجل فقال له كما قال أول مرة فقال له (6/509)
0 @النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة قال : لا . قال : فارجع فلن أستعين بمشرك.
قالت : فرجع ثم أدركه بالبيداء فقال له كما قال أول مرة : تؤمن بالله ورسوله.
قال : نعم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فانطلق.
5321 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا ابن عبد الحكم أخبرنا ابن وهب أخبرني مالك بن أنس . فذكره.
وقد أخرجه مسلم من حديث ابن وهب وغيره عن مالك.
5322 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : الذي روى مالك كما روى.
رد رسول الله صلى الله عليه وسلم مشركاً أو مشركين في غزاة بدر وأبى أن يستعين إلا بمسلم ثم استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بدر بسنين في غزوة خيبر بعدد يهود من بني قينقاع كانوا أشداء واستعان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين سنة ثمان بصفوان بن أمية وهو مشرك.
فالرد على الأول أن كان بإن له الخيار فليس واحد من الحديثين مخالفاً للآخر.
وأن كان رده لأنه لم ير أن يستعين بمشرك فقد نسخه ما بعده من استعانته بمشركين.
قال الشافعي : ولعله رده رجاء إسلامه وذلك واسع للإمام له أن يرد المشرك ويأذن له.
(6/510)
1 @وبسط الكلام فيه.
1119 - باب تفريع فرض الجهاد
5323 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار}.
قال : فرض الله جهاد المشركين ثم أبان من الذين نبدأ بجهادهم من المشركين فأعلم أنهم الذين يلون المسلمين . ثم ساق الكلام في التفريع إلى أن قال : فإن اختلف حال العدو وكان بعضهم أنكى من بعض أو أخوف فليبدأ الإمام بالعدو الأخوف أوْ الأنكى.
قد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عن الحارث بن أبي ضرار أنه يجمع له فأغار النبي صلى الله عليه وسلم وقربه عدو أقرب منه.
وبلغه أن خالد بن سفيان بن بليح يجمع له فأرسل ابن أُنيس فقتله وقربه عدو أقرب منه.
ثم ساق الكلام في التفريع إلى أن قال : وأقل ما يجب عليه أن لا يأتي عام إلا وله فيه غزو حتى لا يكون الجهاد معطلاً في عام إلا من عذر.
واحتج بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخل من حين فرض عليه الجهاد من أن غزا بنفسه أو غيره في عام من غزو أو غزوين أو سرايا وقد كان يأتي عليه الوقت لا يغزو فيه (6/511)
2 @ولا يسري سرية وقد يمكنه ولكنه يستجم ويُجم له ويدعو ويظاهر الحجج على من دعاه.
ثم ساق الكلام في التفريع إلى أن قال : وإن كانت دار من المسلمين ممتنعة فأكثر من يجوز له أن يغزي من كل رجلين رجلاً فيخلف المقيم الظاعن في أهله وماله فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تجهز إلى تبوك فأراد الروم وكثرة جموعهم قال : ليخرج من كل رجلين رجل.
والمدينة ممتنعة بأقل ممن خلف فيها.
قال أحمد : وقد روينا في الحديث الثابت عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى بني لحيان وقال : ليخرج من كل رجلين رجل.
ثم قال للقاعد : إيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج.
5324 - أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا محمد بن يعقوب حدثنا ابن عبد الحكم قال أخبرني عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب عن يزيد بن أبي سعيد مولى المهري عن أبيه عن أبي سعيد فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن سعيد بن منصور عن ابن وهب.
5325 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي ولا ينبغي أن يولي الإمام الغزو إلا ثقة في دينه شجاعاً ببدنه حسن الإناه عاقلاً للحرب بصيراً بها غير عجل ولا نزق وأن يتقدم إليه وإلى من ولى أن لا يحمل المسلمين (6/512)
3 @على مهلكه بحال.
وبسط الكلام في شرحه.
وذكر في موضع آخر ما 5326 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال أخبرني الثقفي عن حميد عن موسى بن أنس عن أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب سأله إذا حاصرتم المدينة كيف تصنعون ؟ قال : نبعث الرجل إلى المدينة ونصنع له هَنَةً من جلود.
قال : أرأيت إن رمى بحجر ؟ قال : إذاً يقتل.
قال : فلا تفعلوا فوالدي نفسي بيده ما يسرني أن تفتحوا مدينة فيها أربعة آلاف مقاتل بتضييع رجل مسلم.
قال الشافعي : ما ذكر عمر بن الخطاب من هذا احتياط وحسن نظر للمسلمين.
ثم بسط الكلام فيه وفي موضع آخر وذكر : أنه يحل لهم بأنفسهم أن يقدموا على ما ليس عليهم بتعرض القتل لرجاء إحدى الحسنيين ألا ترى أني لا أرى ضيقاً على الرجل أن يحمل على الجماعة حاسراً ويبارز الرجل وإن كان الأغلب أنه مقتول لأنه قد بورز بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمل رجل من الأنصار حاسراً على جماعة المشركين يوم بدر بعد إعلام النبي صلى الله عليه وسلم إياه بما في ذلك من الخير فقتل.
(6/513)
4 @قال أحمد : هو عوف بن عفرة فيما ذكره ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة.
وأما قول الله عز وجل {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}.
5327 - فأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا محمد بن صالح بن هاني حدثنا محمد بن أحمد بن أنس القرشي حدثنا عبد الله بن يزيد المقبري أخبرنا حيوة بن شريح حدثنا يزيد بن أبي حبيب أخبرني أسلم أبو عمران مولى تجيب قال : كنا بقسطنطينية وعلى أهل مصر عقبة بن عامر الجهني وعلى أهل الشام فضالة بن عبيد الأنصاري فخرج صف عظيم من الروم فصففنا لهم صفاً عظيماً من المسلمين فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم ثم خرج إلينا مقبلاً فصاح في الناس فقالوا : سبحان الله ألقى بيده إلى التهلكة . فقال أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية على هذا التأويل وإنما أنزلت فينا معشر الأنصار أنا لما أعز الله دينه وَكَثْر نَاصِرُوه قال بعضنا لبعض سراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أموالنا قد ضاعت فلو قمنا فيها فأصلحنا منها فرد الله علينا ما هممنا به . قال فأنزل الله تبارك وتعالى {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}.
فكانت التهلكة في الإقامة على أموالنا التي أردنا فأمرنا بالغزو فما زال أبو أيوب غازياً في سبيل الله حتى قبضه الله عز وجل.
قال الشافعي : والاختيار أن يتحرز وذكر ما 5328 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا(6/514)
5 @الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد : أن النبي صلى الله عليه وسلم ظاهر يوم أحد بين درعين.
قال أحمد : ورواه إبراهيم بن بشار الرمادي عن سفيان عن يزيد عن السائب عن رجل من بني تيم عن طلحة.
قال أحمد : وقد روينا فيما ندب إليه الشافعي رحمه الله كل من يلي أمراً من أمور المسلمين من الجهد في مصلحتهم والنصح لهم والرحمة عليهم حديث معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم ولا ينصح إلا لم يدخل معهم الجنة.
وحديث جرير بن عبد الله قال : لا يرحم الله من لا يرحم الناس.
5329 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود.
5330 - ( ح ) وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر أحمد بن سليمان الفقيه حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالأمير الذي على الناس راع عليهم (6/515)
6 @وهو مسؤول عنهم والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤوله عنهم والعبد راع على مال سيدة وهو مسؤول عنه فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
رواه البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك وأخرجاه من أوجه آخر.
1120 - باب النفير
5331 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى}.
قال الشافعي : وبين إذ وعد الله القاعدين غير أولي الضرر الحسنى أنهم لا يأثمون بالتخلف ويوعدون الحسنى في التخلف بل وعدهم بما وضع لهم من التخلف الحسنى إذ كانوا مؤمنين لم يتخلفوا شكاً ولا سوء نية وإن تركوا الفضل في الغزو.
وأبان الله جل ثناؤه في قوله في النفير {انفروا خفافا وثقالا}.
وقال : {إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما}.
(6/516)
7 @وقال : {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة}.
فأعلمهم أن فرضه الجهاد على الكفاية من المجاهدين.
قال الشافعي : ولم يَغْزُ رسول الله صلى الله عليه وسلم غزاة علمتها إلا تخلف فيها عنه يسيراً فغزا بدراً وتخلف عنه رجال معروفون وكذلك تخلف عنه عام الفتح وغيره من غزواته وقال في غزاة تبوك وفي تجهيز الجمع للروم.
ليخرج من كل رجلين رجل فيخلف الباقي الغازي في أهله وماله.
قال في موضع آخر : وخلف آخرين حتى خلف علي بن أبي طالب في غزاة تبوك.
قال ها هنا : وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيوشاً وسرايا تخلف عنها بنفسه مع حرصه على الجهاد.
قال الشافعي : فدل كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أن فرض الجهاد إنما هو على أن يقوم به من فيه كفاية للقيام به.
قال الشافعي : وأبان أن لو تخلفوا معاً أثموا معاً بالتخلف لقوله : {إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما}.
يعني - والله أعلم - إلا أن تركتم النفير كلكم عذبتكم.
(6/517)
8 @وبسط الكلام فيه في موضع آخر وجعله شبيهاً بالصلاة على الجنازة ورد السلام وغير ذلك من فرائض الكفايات.
1121 - باب جامع السير
5332 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : الحكم في المشركين حكمان فمن كان منهم من أهل الأوثان ومن عبد ما استحسن من غير أهل الكتاب من كانوا فليس له أن يأخذ منهم الجزية ويقاتلهم إذا قوي عليهم حتى يقتلهم أو يسلموا وذلك لقول الله تبارك وتعالى {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} الآيتين.
ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله.
5333 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا أزال أقاتل الناس.
فذكروا هذا الحديث.
5334 - وبهذا الإسناد قال أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة أن عمر قال لأبي بكر فيمن منع الصدقة (6/518)
9 @أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ؟ فقال أبو بكر : هذا من حقها يعني : منعهم الصدقة.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد : من كان من أهل الكتاب من المشركين المحاربين قوتلوا حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون فإذا أعطوها لم يكن للمسلمين قتلهم ولا إكراههم على غير دينهم لقول الله جل ثناؤه {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}.
5335 - وأخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة عن محمد بن أبان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيشاً أمر عليهم أميراً وقال : فإذا لقيت عدواً من المشركين فادعهم إلى ثلاث خلال أو ثلاث خصال - شك علقمة - أدعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكفَّ عنهم ثم أدعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا أن لهم ما للمهاجرين وأن عليهم ما عليهم وإن اختاروا المقام في دارهم فأعلمهم أنهم كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله كما يجري على المسلمين وليس لهم في الفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن لم يجيبوك إلى الإسلام فادعهم إلى أن (6/519)
يعطوا الجزية فإن فعلوا فاقبل منهم ودعهم وإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث سفيان الثوري وشعبة عن علقمة.
وحديث أبي هريرة في قصة أبي بكر وعمر قد أخرجاه كما مضى.
قال الشافعي : حديث ابن بريدة في أهل الكتاب خاصة كما كان حديث أبي هريرة في أهل الأوثان خاصة.
قال : وليست واحدة من الاثنين ناسخة للأخرى ولا واحد من الحديثين ناسخاً للآخر ولا مخالفاً له ولكن إحدى الاثنين وأحد الحديثين من الكلام الذي مخرجه مخرج عام برواية الخاص.
ومن الجمل التي يدل عليها المفسر.
وبسط الكلام في شرحه في رواية أبي عبد الله.
5336 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا الحسن بن علي بن عفان حدثنا يحيى بن آدم حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن سلميان بن بريدة عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميراً على جيش أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً ثم قال : اغزوا بسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله أغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال - أو خلال فأيتهم ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم.
(6/520)
ثم ذكر معنى رواية الشافعي.
1122 - باب السلب للقاتل
5337 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين : من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه.
قال الشافعي : وهذا حديث ثابت صحيح لا مخالف له علمته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفيه دلالة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قاله بعد أن يفض الحرب لأنه وجد سلب قتيل أبي قتادة في يد رجل فأجرجه من يده وقد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وفي غير يوم من مغازية وقاله من بعده من الأئمة.
قال الشافعي :
أَخْبَرَنَا سفيان عن الأسود بن قيس عن رجل من قومه يسمى شبر بن علقمة قال : بارزت رجلاً يوم القادسية فبلغ سلبه اثني عشر ألفاً فنفلنيه سعد.
قال أحمد : قد ذكرنا هذه المسألة أتم من هذا في كتاب قسم الفيء والغنيمة.
(6/521)
1123 - باب الرجل يموت في أرض العدو قبل الغنيمة
5338 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباسي أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي في كتاب اختلاف أبي حنيفة والأوزاعي : قال أبو حنيفة في الرجل يموت في دار الحرب أو يقتل قال : أنه لا يضرب له بسهم في الغنيمة.
وقال الأوزاعي : أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من المسلمين قتل بحنين.
واجتمعت أئمة الهدى على الإسهام لمن مات أو قتل.
قال أبو يوسف حدثنا بعض أشياخنا عن الزهري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه لم يضرب لأحد ممن استشهد معه بسهم في شيء من المغانم قط.
وأنه لم يضرب لُعبيدة بن الحارث في غنيمة بدر ومات بالصفرا قبل أن يدخل المدينة.
قال أبو يوسف : ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كما قال . قال : ولرسول الله صلى الله عليه وسلم في الفيء وفي غيره حال ليست لغيره.
وقد أسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان في بدر ولم يشهدها.
قال : وأجري يا رسول الله ؟ قال : وأجرك وسهمك.
وأسهم أيضاً لطلحة بن عبيد الله في بدر ولم يشهدها . فقال : وأجري قال : وأجرك.
(6/522)
ولو أن إماماً من أئمة المسلمين أشرك قوماً لم يغزوا مع الجند لم يسع ذلك له وكان مسيئاً ولا نعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لأحد من الغنيمة ممن قتل يوم بدر ولا يوم حنين ولا يوم خيبر فقد قتل بها رهط معروفون.
فعليك من الحديث ما تعرفه العامة وإياك والشاذ منه فإنه : حدثنا خالد بن أبي كريمة عن أبي جعفر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دعا اليهود فسألهم فحدثوه حتى كذبوا على عيسى ابن مريم عليه السلام فصعد النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر فخطب الناس فقال : ( إن الحديث سيفشو عني فما أتاكم عني يوافق القرآن فهو عني وما أتاكم عني يخالف القرآن فليس عني.
وعن مسعر بن كدام والحسن بن عمارة عن عمرو بن مرة عن أبي البحتري الطائي عن علي بن أبي طالب أنه قال : إذا أتاكم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فظنوا به الذي هو أهدى والذي هو أتقى والذي هو أهنأ.
وعن أشعث بن سوار وإسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن قرظة بن كعب الأنصاري أنه قال : أقبلت في رهط من الأنصار إلى الكوفة فشيعنا عمر بن الخطاب يمشي حتى انتهى إلى مكان قد سماه ثم قال : هل تدرون لما مشيت معكم يا معشر الأنصار ؟ قالوا : نعم لحقنا . قال إن لكم لحقاً ولكنكم تأتون قوماً لهم دوي بالقرآن كدوي النحل فأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شريككم فقال قرظة : لا أحدث حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً.
وكان عمر فيما بلغنا لا يقبل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بشاهدين.
وكان علي بن أبي طالب لا يقبل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يستحلف معه.
قال أبو يوسف : حدثنا الثقة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في مرضه الذي مات (6/523)
إني لا أحرم إلا ما حرم القرآن ولا أحل إلا ما أحل القرآن والله لا تمسكون عليّ بشيء.
قال أبو يوسف : فاجعل القرآن والسُنة المعروفة لك إماماً وقائداً واتبع ذلك وقس به ما يرد عليك.
حدثنا الثقة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قسمته هوازن أن وفد هوازن حين سألوه فقال : أمّا مَا كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم وأسل لكم الناس إذا صليت الظهر فقوموا فقولوا إنا نستشفع برسول الله على المسلمين وبالمسلمين على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقاموا ففعلوا ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أَمَا مَا كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم.
فقال المهاجرون : وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الأنصار مثل ذلك.
وقال عباس بن مرداس : أمّا ما كان لنا ولبني سليم فلا.
وقالت بنو سليم : أمّا ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الأقرع بن حابس : أمّا ما كان لي ولبني تميم فلا.
وقال عيينة : أمّا ما كان لي ولبني فزاره فلا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من تمسك بحصته من هذا السبي فله بكل رأس ستة فرائض من أول فيء نصيبه فردوا الناس أبناءهم ونساءهم.
ورد الناس ما كان في أيديهم.
(6/524)
قال أبو يوسف : ولرسول الله صلى الله عليه وسلم في حال لا يشبه حال الناس.
ولو أن إماماً أمر جنداً أن يدفعوا ما في أيديهم من السبي إلى أصحاب السبي بستة فرائض كل رأس لم يجز ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا قد نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة.
وهذا حيوان بعينه بحيوان بغير عينه.
قال الشافعي رحمه الله : أمّا ما ذكر من أمر بدر وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسهم لعُبيدة بن الحارث فهو عليه إن كان كما قال زعم أن القسمة أحرزت وعاش عبيدة بعد الغنيمة وهو يزعم في مثل هذا أن له سهماً فإن كان كما قال فقد خالفه وليس كما قال.
قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنيمة وأعطى عُبيدة وهو حي ولم يمت عبيدة إلا بعد قسم الغنيمة.
وأما ما ذكر من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لعثمان ولطلحة بن عبيد الله.
فقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسهم لسبعة أو ثمانية من أصحابه لم يشهدوا بدراً.
وإنما نزل خمس الغنيمة وقسم الأربعة أخماس بعد بدر.
قال الشافعي : وقد قيل أعطاهم من سهمه كسهمان من حضر.
فأما الرواية المظاهرة عندنا فكما وصفت.
قال الله عز وجل {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول} إلى {إن كنتم مؤمنين}.
فكانت غنائم بدر لرسول الله صلى الله عليه وسلم يضعها حيث شاء وإنما نزلت {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} الآية بعد بدر.
(6/525)
وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم كل غنيمة بعد بدر على ما وصفت لك يرفع خمسها ثم يقسم أربعة أخماسها وافراً على من حضر الحرب من المسلمين إلا السلب كأنه سن أنه للقاتل في الإقبال فكان السلب خارجاً منه.
وإلا الصفي فإنه قد اختلف فيه فقيل : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذه فارغاً من الغنيمة.
وقيل : كان يأخذه من سهمه من الخمس.
ولا البالغين من السبي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن فيهم سنناً فقتل بعضهم وفادى بعضهم ومنَّ على بعضهم وفادى ببعضهم أسرى المسلمين.
وأما قوله في سبي هوازن وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم استوهبهم المسلمين فهو كما قال.
وذلك يدل على أنه سلم للمسلمين حقوقهم من ذلك إلا ما طابوا عنه أنفساً.
وأما قوله أن النبي صلى الله عليه وسلم ضمن ست فرائض لكل سبي شح به صاحبه فكما قال ولم يكرههم على أن يحتالوا عليه بست فرائض إنما أعطاهم إياها ثمناً فمن رضي منهم قبله فلم يرض عيينة فأخذ عجوزاً فقال : أعير بها هوازن فما أخرجها من يده حتى قال له بعض من خدعه عنها أرغم الله أنفك فوالله لقد أخذتها ما ثديها بناهد ولا بطنها بوالد ولا خدها بماجد.
قال : حقاً ما تقول ؟ قال : إي والله قال : فابعدك الله وإياها ولم يأخذ بها عوضاً.
وأما قوله نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة فهذا غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد كان قوله أن يبدأ بنفسه فيما أمر به من أن لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من الثقات وقد أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم بيع الحيوان نسيئة واستسلف بعيراً وقضى مثله أو خيراً منه وهو يجز الحيوان نسيئة في الكتابة ومهور النساء والديات.
فإن زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بها في الديات بصفة إلى ثلاث سنين فقد أجازها نسيئة . فكيف زعم أنه لا يجيزها نسيئة ؟ وإن زعم أن المسلمين أجازوها في الكتابة ومهور النساء نسيئة . فكيف رغب (6/526)
عما اختار المسلمون ودخل معهم فيه ؟ وأما ما ذكر من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يمسكن الناس عليّ بشيء فإني لا أحل لهم إلا ما أحل الله ولا أحرم عليهم إلا ما حرم الله.
فما أحل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط لله فيه حكم إلا بما أحله الله وكذلك ما حرم شيئاً قط لله فيه حكم إلا بما حرم وبذلك أمر وكذلك افترض عليه.
قال الله جل ثناؤه {فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم}.
ففرض عليه الاستمساك بما أوحي إليه وشهد له بأنه على صراط مستقيم.
وكذلك قال {ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم}.
فأخبر أبه فرض عليه أتباع ما أنزل وشهد له بأنه هادي مهتدي.
وكذلك يشهد له.
وأما قوله : لا يمسكن الناس عليّ بشيء.
فإن الله أحل له أشياء حذرها على غيره من عدد النساء وأن يأتهب المرأة من غير مهر وفرض عليه أشياء خففها عن غيره مثل فرضه عليه أن يخير نساءه ولم يفرض هذا على غيره فقال : لا يمسكن الناس عليّ بشيء.
يعني : مما خُص به دونهم.
(6/527)
فأمّا ما ذهب إليه من إبطال الحديث وعرضه على القرآن فلو كان كما ذهب إليه كان محجوجاً به وليس يخالف الحديث القرآن ولكن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مبيناً معنى ما أراد خاصاً وعاماً وناسخاً ومنسوخاً ثم يلزم الناس ما سن بفرض الله فمن قَبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الله قَبل لأن الله أبان ذلك في غير موضع من كتابه وقرأ الآيات في ذلك ثم قال : وبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا سفيان عن سالم أبي النضر قال أخبرني عبد الله بن أبي رافع عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : لأعرفن ما جاء أحدكم الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما هذا ما وجدنا في كتاب الله أخذنا به.
قال الشافعي : ولو كان كما قال أبو يوسف دخل لمن رد الحديث ما احتج به على الأوزاعي فلم يجز له المسح على الخفين ولا تحريم الجمع بين المرأة وعمتها ولا تحريم كل ذي ناب من السباع وغير ذلك.
1124 - باب الغنيمة لمن شهد الوقعة
5339 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي رحمه الله قال : معلوم عند غير واحد ممن لقيت من أهل العلم بالردة أن أبا بكر رضي الله عنه قال : إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة.
وأخبرنا الثقة من أصحابنا عن يحيى بن سعيد القطان عن شعبة بن الحجاج عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب أن عمر بن الخطاب قال : إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة.
قال الشافعي : وبهذا نقول وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء يثبت في معنى ما روي عن أبي بكر (6/528)
وعمر لا يحضرني حفظه.
قال أحمد : وإنما أراد - والله أعلم - ما 5340 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن إسحاق أخبرنا بشر بن موسى حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا الزهري أخبرني عنبسة بن سعيد بن العاص عن أبي هريرة قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بخيبر بعدما افتتحوها فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسهم لي من الغنيمة فقال بعض بني سعيد بن العاص : لا تسهم له يا رسول الله . فقلت : يا رسول هذا قاتل ابن قوقل . فقال ابن سعيد : واعجباً لو بر تدلي علينا من قدوم صان ينعى عليّ قتل رجل مسلم أكرمه الله على يديّ ولم يهنى على يديه.
قال سفيان : حدثنيه السعيدي أيضاً عن جده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
رواه البخاري في الصحيح عن الحميدي.
واسم السعيدي : عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص.
قال أحمد : ثم روينا عن خثيم بن عراك عن أبيه عن نفر من بني غفار عن أبي هريرة في قصة قدومه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد فتح خيبر قال : وكلم المسلمين فأشركونا في سهمانهم.
وفي رواية أخرى عن خثيم بإسناده قال : واستأذن الناس أن يقسم لنا من الغنائم فأذنوا له فقسم لنا.
وفي ذلك دلالة على أنهم لم يستحقوها حين كان قدومهم بعد تقضي الحرب (6/529)
حتى استأذن أصحابه في القسم لهم.
5341 - وقد أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا سعيد بن منصور حدثنا إسماعيل بن عياش عن محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري أن عنبسة بن سعيد أخبره أنه سمع أبا هريرة يحدث سعيد بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبان بن سعيد بن العاص على سرية من المدينة قِبَلَ نجد فقدم أبان بن سعيد وأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد أن فتحها وأن حُزُم خيلهم ليف فقال أبان أقسم لنا يا رسول الله . قال أبو هريرة : لا تقسم لهم يا رسول الله . فقال أبان : أنت بها يا وبر تحدر علينا من رأس ضال.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أجلس يا أبان.
ولم يقسم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال البخاري : ويذكر عن الزبيدي عن الزهري فذكر هذا الحديث.
وهذا لأن سعيد بن عبد العزيز رواه عن الزهري بهذا المعنى إلا أنه قال عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.
وسعيد بن عبد العزيز من الثقات.
ويحتمل أن يكون الزهري رواه عنهما.
ويحتمل أن يكون أبو هريرة وأبان بن سعيد قال كل واحد منهما لصاحبه : لا تقسم له يا رسول الله.
فلم يقسم لأبان وقسم لأبي هريرة بإذن أصحابه كما روينا في حديث خثيم عن عراك.
وعلى هذا الوجه كان قسمه لمن قدم عليه من الحبشة مع جعفر بن أبي طالب.
وفي بعض الروايات عن أبي موسى الأشعري في قصة جعفر قال : فوافقنا (6/530)
رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر فأسهم لنا أو قال أعطانا منها.
فاحتمل أنهم صادفوه قبل نقض الحرب ويحتمل أن يكون أعطاهم من سهمه إن كان مجيئهم بعد مضي الحرب أو سأل أصحابه أن يشركوه في مقاسمهم فقد روي ذلك في حديث محمد بن إسحاق بن يسار واحتج بعض من أشرك المدَدَ في الغنيمة وإن لم يحضروا الوقعة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لعثمان بن عفان في غنائم بدر بسهم ولم يحضرها لأنه كان غائباً في حاجة الله وحاجة رسوله صلى الله عليه وسلم فجعله كمن حضرها.
فكذلك كل من غاب عن الوقعة بشغل شغله به الإمام من أمور المسلمين.
وهذا الذي قاله هذا القائل يبطل بطلحة بن عبيد وسعيد بن زيد بن عمر بن نوفل فإنهما كانا خرجا إلى الشام في تجارة لهما قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر وقدما بعد ما رجع من بدر فكلما رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل لهما سهمهما.
وفي نص الكتاب دلالة على أن غنائم بدر كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة فكان يعطي منها من شاء.
وإنما نزلت الآية في تخميس الغنائم وقسمها بين الغانمين بعد بدر وبعد نزول الآية لا نعلمه قسم لأحد لم يحضر الوقعة كما قسم لمن حضرها.
وقد ذكره الشافعي في موضع آخر وقام بحجته.
قال أحمد : والذي قاله هذا القائل يبطل أيضاً بقصة أبان بن سعيد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعثه على سرية قِبل نجد فكان قد شغله بشغل من أمور المسلمين ثم لم يقسم له ولا لأصحابه حين قدموا بعد تقضي الحرب وإن لم يكن خرج بالغنيمة من دار الحرب.
وعذر هذا القائل بأنه إنما لم يقسم لهم لأنه كان شغلهم بذلك قيل أرادته الخروج إلى خيبر يخالف قول صاحبه الذي ينصر قوله فإنه جعل الغنيمة لكل من دخل دار الحرب مدداً قبل أن يخرجوا بها إلى دار الإسلام.
ثم أن الله تعالى كان وعد رسوله صلى الله عليه وسلم فتح خيبر حين انصرف من الحديبية وكان يريد الخروج إليها بعدما قدم المدينة في ذي الحجة حين خرج إليها في المحرم وإنما بعث أبان بن سعيد قبل خروجه ثم من الذي شرع لهذا القائل ما يشرع لنفسه حتى (6/531)
يترك به خبر أبي هريرة في قصة أبان بن سعيد وترك ما روي عن أبي بكر وعمر في ذلك.
وقد احتج في ترك قسمة الأراضي بين الغانمين بفعل عمر ، ولم يعتد بخلاف الزبير وبلال في جماعة من الصحابة إياهم في طلب القسمة ومعهم خبر النبي صلى الله عليه وسلم في قسمة خيبر وبين في قول عمر أنه كان يطلب استطابت قلوبهم بما رأى من المصلحة في وقتها.
ثم أعتد بخلاف عمار بن ياسر عمر في هذه المسألة حين جاء مدداً لبني عطارد بعد الوقعة قال نحن شركاؤكم في القسمة فكتب في ذلك إلى عمر فكتب : إن القسمة لمن شهد الوقعة.
وليس مع عمار في ذلك خبر ومع عمر ما ذكرنا من خبر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق.
وكتب عمر كتاب قطع بأنها لمن شهد الوقعة.
ويشبه أن لا يكون قطع بمثله من جهة الرأي ومع ظاهر القرآن حين أضاف الغنيمة إلى من غنمها واقتطع منها الخمس لأهل الخمس وإنما غنمها من شهد الوقعة فلا يكون لمن شهدها فيها نصيب إلا ما خصته السُنة من رد السرية على الجيش والجيش على السرية إذا كان كل واحد منهما ردءاً لصاحبه والله أعلم.
5342 _ أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : قال الأوزاعي : قد كانت تجتمع الطائفتان من المسلمين بأرض الروم لا تشارك واحدة منهما صاحبتها في شيء أصابت من الغنيمة.
وقال أبو يوسف : حدثنا الكلبي وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بعث أبا عامر الأشعري يوم حنين إلى أوطاس فقاتل بها ممن هرب من حنين وأصاب المسلمون يومئذ سبايا وغنائم فلما بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قسم من غنائم أهل حنين أنه فرق بين أهل أوطاس وأهل حنين ولا نعلم إلا أنه جعل ذلك غنيمة واحدة وفيئاً واحدا.
(6/532)
قال أبو يوسف : وحدثنا المجالد عن عامر وزيادة بن علاقة أنه كتب إلى سعد بن أبي وقاص : قد أمددتك بقوم فمن أتاك منهم قبل أن تنفقأ القتلى فأشركه في الغنيمة.
وعن محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعث عكرمة بن أبي جهل في خمس مِئَة من المسلمين مدداً لزياد بن لبيد وللمهاجرين أبي أمية فوافقهم الجند قد افتتحوا النُجير باليمن فأشركهم زياد بن لبيد وهو ممن شهد بدراً في الغنيمة.
قال الشافعي : احتج أبو يوسف بأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا عامر إلى أوطاس فغنم غنائم فلم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين من كان مع أبي عامر وبين من كان متخلفاً مع النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي عامر.
وهذا كما قال وليس مما قال الأوزاعي وخالفه هو فيه ( . . . ).
أبو عامر كان في جيش النبي صلى الله عليه وسلم ومعه بحنين فبعثه النبي صلى الله عليه وسلم في اتباعهم وهذا جيش واحد كل فرقة منهم رد للأخرى وإذا كان الجيش هكذا فلو أصاب الجيش شيئاً دون السرية أو السرية شيئاً دون الجيش كانوا فيه شركاء ثم ساق الكلام إلى أن قال : فأما جيشان متفرقان فلا يرد كل واحد منهما على صاحبه شيئا وليسا بجيش واحد أحدهما رد لصاحبه مقيم له وعليه.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : وما احتج من حديث مجالد فهذا غير ثابت عن عمر ولو ثبت عنه كنا أسرع إلى قبوله منه وهو إن كان يثبته فهو محجوج به لأنه يخالفه هو يزعم أن الجيش لو قتلوا قتلى وأحرزوا غنائمهم بُكرة وأخرجوا الغنائم إلى بلاد الشام عشية وجاءهم المدد والقتلى يشحطون في دمائهم لم يشكوهم ولو قتلوهم فتفقئوا وبلوا والجيش في بلاد العدو وقد أحرزوا الغنائم بعد القتل بيوم وقبل مقدم المدد بأشهر شركوهم.
(6/533)
فخالف عمر في الأول والآخر واحتج به.
فأما ما روي عن زياد بن لبيد أنه أشرك عكرمة بن أبي جهل فإن زياداً كتب فيه إلى أبي بكر فكتب أبو بكر : إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة.
ولم ير لعكرمة شيئاً لأنه لم يشهد الوقعة فكلم زياد أصحابه فطابوا أنفساً بأن أشركوا عكرمة وأصحابه متطوعين عليهم.
وهذا قولنا وهو يخالفه.
ويروى عنه خلاف ما رواه أهل العلم بالرد.
1125 - باب سهم الفارس والراجل
5343 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : القول ما قال الأوزاعي في الفارس أن له ثلاثة أسهم أخبرنا عن - أظنه عن - عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب للفارس ثلاثة أسهم وللراجل بسهم.
قال الشافعي : وأما تفضيل الأوزاعي الفرس على الهجين واسم الخيل يجمعها . فإن سفيان بن عيينة أخبرنا عن الأسود بن قيس عن ابن الأقمر قال : أغارت الخيل بالشام فأدركت الخيل من يومها وأدركت الكوادن ضحى وعلى الخيل المنذر بن أبي خميصة الهمداني فنفل الكوادن وقال : لا أجعل ما درك كما لم يدرك.
فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال : هبلت الوادعي أمه لقد أذكرت به أمضوها على ما قال.
قال الشافعي وهم يروون في هذا أحاديث كلها أبو بعضها أثبت مما احتج به أبو (6/534)
يوسف فإن كان فيما احتج به حجة فهي عليه ولكن هذا أحاديث منقطعة ولو كنا نثبت مثل هذا ما خالفناه.
قال أحمد : وقد ذكرنا في كتاب قسم الغنيمة هاتين المسألتين أتم من هذا.
5344 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : أحفظ من لقيت ممن سمعت منه من أصحابنا أنهم لا يسهمون إلا لفرس واحد.
وبهذا آخذ.
أَخْبَرَنَا عن ابن عيينة عن هشام بن عروة عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير أن الزبير بن العوام كان يضرب في المغنم بأربعة أسهم : سهم له وسهمين لفرسه وسهم في ذي القربى - سهم أمه صفية - يعني : يوم خيبر.
وكان ابن عيينة يهاب أن يذكر ابن عباد والحفاظ يروونه عن يحيى بن عباد.
قال أحمد : قد رواه محمد بن بشر وهو من الحفاظ عن هشام عن يحيى بن عباد كما قال الشافعي.
وقد وصله سعيد بن عبد الرحمن ومحاضر بن المودع عن هشام عن يحيى بن عباد عن عبيد الله بن الزبير.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي عبد الله وأبي سعيد.
روى مكحول أن الزبير حضر خيبر فاسهم له رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أسهم : سهم له وأربعة أسهم لفرسيه.
(6/535)
فذهب الأوزاعي إلى قبول هذا عن مكحول منقطعاً . وهشام بن عروة أحرص لو زيد الزبير لفرسين أن يقول به وأشبه إذا خالفه مكحول أن يكون أثبت في حديث أبيه منه لحرصه على زيادته وإن كان حديثه مقطوعاً لا تقوم به حجة فهو كحديث مكحول ولكنا ذهبنا إلى أهل المغازي فقلنا أنهم لم يرووا أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم لفرسين ولم يختلفوا أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر خيبر بثلاثة أفراس لنفسه : السكب والظرب والمرتجز.
ولم يأخذ منها إلا لفرس واحد.
1126 - باب العبيد والنساء والصبيان يحضرون الوقعة
5345 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا حاتم بن إسماعيل عن جعفر عن أبيه عن يزيد بن هرمز أنه أخبره : أن ابن عباس كتب إلى نجدة كتبت تسألني : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء ؟ وقد كان يغزو بهن فيداوين المريض - وذكر كلمة أخرى.
وكتبت تسألني هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب لهن بسهم ؟ فلم يكن يضرب لهن بسهم ولكن يحذين من الغنيمة.
أخرجه مسلم كما مضى.
وذكر الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه : حديث سعيد المقبري عن يزيد بن هرمز في النساء والعبيد.
5346 - وقد أخبرنا أبو طاهر الفقيه أخبرنا أبو حامد بن بلال حدثنا يحيى بن الربيع حدثنا سفيان عن إسماعيل بن أمية عن سعيد بن أبي سعيد عن يزيد بن هرمز فيما كتب ابن عباس إلى نجدة (6/536)
وكتبت تسأل عن العبد والمرأة يحضران المغنم هل لهما من المغنم شيء ؟ ليس لهما شيء إلا أن يُحذَيَا.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث سفيان.
وذكر الشافعي حديث حفص بن غياث عن محمد بن زيد بن المهاجر عن عمير مولى أبي اللحم قال : شهدت خبير وأنا مملوك فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم من خُرثي المتاع.
5347 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا حفص بن غياث . فذكره بإسناده نحوه وزاد قال : ولم يسهم لي.
5348 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : وإنما ذهب الأوزاعي إلى حديث رجل ثقة وهو منقطع وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا بيهود ونساء من نساء المسلمين فضرب لليهود والنساء بمثل سُهمان الرجال.
والحديث المنقطع عندنا لا يكون حجة وإنما اعتمدنا على حديث ابن عباس لأنه متصل.
وقد رأيت أهل العلم بالمغازي قبلنا يوافقون ابن عباس فيه.
قال أحمد : وروينا عن ابن جريج وغيره عن الزهري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا بناس من اليهود فأسهم لهم.
وروينا عن مكحول وخالد بن معدان : أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم للنساء والصبيان وكلاهما منقطع.
(6/537)
ويحتمل أن يكون المراد به الرضخ.
وفيما روى الواقدي بإسناده فيمن استعان بهم من اليهود : فاسهم لهم كسهمان المسلمين.
وإسناده ضعيف ومنقطع.
5349 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما حكي عن أبي يوسف عن محمد بن إسحاق عن رجل : أن ابن عباس كتب إلى نجدة في جواب كتابه : كتبت إليّ تسألني عن الصبي متى يخرج من اليتم ومتى يضرب له بسهم ؟ وأنه يخرج من اليتم إذا احتلم . ويضرب له بسهم.
واحتج بحديث ابن عمر وأنه لم يجزه النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة.
5350 - وبهذا الإسناد حكاه عن أبي يوسف قال :
أَخْبَرَنَا الحسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أنه قال : استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهود قينقاع فرضخ لهم ولم يسهم لهم.
قال أحمد : تفرد به الحسن بن عمارة وهو متروك.
وقد روى محمد بن عمرو عن سعد بن المنذر عن أبي حميد الساعدي قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكر قصة بني قينقاع.
وهم رهط عبد الله بن سلام إياه وهم على دينهم فقال : قل لهم فليرجعوا فإنا لا نستعين بالمشركين وهذا الإسناد أصح.
(6/538)
وقد كره الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن البغدادي عنه الاستعانة بالمشركين.
واحتج بحديث مالك وقد مضى ذكره.
وبحديث يزيد بن هارون عن مُسْتَلِم بن سَعِيد عن خُبيب بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته فأتيته أنا ورجل قبل أن نسلم فقال : أسلمتما ؟ قلنا : لا . قال : فإنا لن نستعين بالمشركين على المشركين ، فأسلمنا وشهدنا.
5351 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا مكرم بن أحمد حدثنا عبد الله بن روح حدثنا يزيد بن هارون فذكره.
ورخص في الجديد الاستعانة بهم إذا كانت فيهم منفعة للمسلمين واحتج بخروج صفوان بن أمية معه في غزوة حنين وهو مشرك وحمل الحديث على أنه كان يرجوا إسلامه ، والله أعلم.
ويرضخ لهم قياساً على النساء والعبيد والصبيان.
وروي عن سعيد بن مالك : أنه غزا بقوم من اليهود فرضخ لهم.
وهذا فيما ذكره وكيع عن الحسن بن صالح عن الشيباني أنه حكاه.
1127 - باب قسمة الغنيمة في دار الحرب
5352 - أخبرنا أبو سعيد وأبو عبد الله قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله بعد حكاية قول أبي حنيفة والأوزاعي وأبي يوسف في ذلك القول(6/539)
كا قاله الأوزاعي وما احتج به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم معروف عند أهل المغازي لا يختلفون فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم غير مغنم في بلاد الحرب.
فأما ما احتج به أبو يوسف من أن النبي صلى الله عليه وسلم ظهر على بني المصطلق فصارت دارهم دار إسلام.
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أغار عليهم وهو غارون في نعمهم فقتلهم وسابهم وقسم أموالهم وسبيهم في دارهم سنة خمس وإنما أسلموا بعدها بزمان وإنما بعث إليهم الوليد بن عقبة مصدقاً سنة عشر وقد رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم ودارهم دار حرب.
وأما خيبر فما علمته كان فيها مسلم واحد ما صالح إلا اليهود وهم على دينهم وما حول خيبر كله دار حرب.
وما علمت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سرية قفلت من موضعها حتى تقسم ما ظهرت عليه.
وأما حديث مجالد عن الشعبي عن عمر أنه قال : من جاءك منهم قبل أن يتفقأ القتلى فأسهم له.
فهو إن لم يكن ثابتاً داخلاً فيما عاب على الأوزاعي فإنه عاب عليه أن يروى عن غير الثقات المعروفين.
وما علمت الأوزاعي قال عن النبي صلى الله عليه وسلم من هذا إلا ما هو معروف.
وقد احتج على الأوزاعي بحديث رجال هو يرغب عن الرواية عنهم.
وإن كان حديث مجالد ثابتاً فهو يخالفه فذكر وجه مخالفته إياه كما مضى في مسألة المدد.
قال : وبلغني عنه أنه قال : وإن قسم ببلاد الحرب ثم جاء المدد قبل أن تتفقأ القتلى لم يكن للمدد شيء وإن تفقأت القتلى وهو في بلاد الحرب لم يخرجوا.
(6/540)
وكذلك روي عن أبي بكر وعمر.
فأما ما احتج به من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقسم غنائم بدر حتى ورد المدينة وما ثبت من الحديث إن قال والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم لعثمان وطلحة ولم يشهدا بدراً.
فإن كان كما قال فهو يخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه لأنه يزعم أنه ليس للإمام أن يعطي أحداً لم يشهد الوقعة ولم يكن مدداً على الذين شهدوا الوقعة ببلاد الحرب.
وقد زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى هذين ولم يكونا مدداً ولم يشهدا الوقعة.
وليس كما قال : قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم بدر بسير شعب من شعاب الصفراء قريب من بدر.
وكانت غنائم بدر كما روى عبادة بن الصامت عنهما المسلمون قبل تنزل الآية في سورة الأنفال فلما تشاحوا عليها انتزعها الله من أيديهم بقوله {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم}.
وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كلها خالصاً وقسمها بينهم وأدخل معهم ثمانية نفر لم يشهدوا الوقعة من المهاجرين والأنصار وهم بالمدينة وإنما أعطاهم من ماله وإنما نزلت {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} بعد غنيمة بدر.
ولم يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لخلق لم يشهدوا الوقعة بعد نزول الآية.
(6/541)
ومن أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم خالصاً من المؤلفة قلوبهم وغيرهم وإنما من ماله أعطاهم لا من أربعة أخماس.
وأما ما احتج به من وقعة عبد الله بن جحش وابن الحضرمي فذلك قبل بدر وقبل نزول الآية وكانت وقعتهم في آخر يوم من الشهر الحرام فتوقفوا فيما صنعوا حتى نزلت {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير}.
وليس مما خالف فيه الأوزاعي بسبيل.
قال أحمد : وإنما قال هذا لأن أبا يوسف احتج بأن عبد الله بن جحش حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فأصاب عمرو بن الحضرمي وأصاب أسيراً أو اثنين وأصاب ما كان معهم أدماً وزبيباً.
فقدم بذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقسمه حتى قدم المدينة.
فأجاب الشافعي عنه بأنهم إنما لم يقسموه لأنهم كانوا متوقفين فيما صنعوا لوقوع قتالهم في الشهر الحرام ثم أن ذلك قبل بدر وقبل نزول الآية في قسمة الغنيمة.
وأما احتجاج أبي يوسف على الأوزاعي بحديث رجال هو يرغب عن الرواية عنهم فهو : أنه احتج بحديث الحسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقسم غنائم بدر إلا من بعد مقدمه المدينة.
وعن بعض أشياخهم عن الزهري ومكحول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يقسمه غنيمة في دار الحرب قط.
وهذا منقطع.
(6/542)
والحسن بن عمارة عن أهل العلم بالحديث متروك.
وأما ما قال الشافعي في قسمة غنيمة بدر فكذلك ذكره محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي.
وما ذكر من نزول الآية فكذلك ذكره عبادة بن الصامت.
وما ذكر من إسهام النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية لم يشهدوها فهم : عثمان بن عفان ، وطلحة بن عبيد الله ، وسعيد بن زيد فهؤلاء من المهاجرين.
وأما من الأنصار : فأبو لبابة ، والحارث بن حاطب ، وعاصم بن عدي ، وخوات بن جبير والحارث بن الصمة.
سماهم أبو الأسود في المغازي عن عروة بن الزبير.
وسماهم محمد بن إسحاق بن يسار.
وقال الشافعي في موضع آخر : سبعة أو ثمانية.
وإنما قال ذلك لأن موسى بن عقبة لم يذكر الحارث بن حاطب.
وأما احتجاج أبي يوسف بأن النبي صلى الله عليه وسلم افتتح بلاد بني المصطلق فصارت بلادها دار إسلام وبعث الوليد بن عقبة يأخذ صدقاتهم بهذا بخلاف ما يعرفه أهل العلم بالمغازي.
وقد روينا في الحديث الثابت عن نافع عن ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم تستقي على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى سبيهم.
وفي حديث عروة ثم في حديث موسى بن عقبة عن ابن شهاب أن ذلك كان سنة خمس.
(6/543)
وروينا في حديث أبي موسى الهمداني عن الوليد بن عقبة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما افتتح مكة وذلك سنة ثمان جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم فيمسح رؤسهم ويدعو لهم وأنه جيء به إليه فلم يمسحه.
فكيف يجوز أن يستدل ببعث الوليد بن عقبة على أن بلادهم صارت دار إسلام حين قسم بها غنائمهم والوليد كان صبياً بعده في سنة ثمان وإنما بعثه إليهم مصدقاً بعد ذلك بزمان طويل كما قال الشافعي رحمه الله وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث في كتاب السنن.
1128 - باب السرية تأخذ العلف والطعام
5353 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله في مبسوط كلامه : قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أدوا الخيط والمخيط فإن الغلول عار ، ونار وشنار يوم القيامة.
وكان الطعام داخلاً في معنى أموال المشركين وأكثر من الخيط والمخيط والفلس والخرزة التي لا يحل أخذها لأحد دون أحد.
فلما أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بلاد الحرب في الطعام كان الإذن فيه خاصاً خارجاً من الجملة التي استثنى . ثم ساق الكلام إلى أن قال : مع أنه يروى من حديث بعض الناس مثل ما علمت من أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لهم أن يأكلوا في بلاد العدو ولا يخرجوا بشيء من الطعام.
فإن كان مثل هذا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا حجة لأحد معه.
وإن كان لا يثبت لأن في رجاله من يجهل فكذلك في رجال من روى عنه إحلاله من يجهل.
(6/544)
قال أحمد : أما الحديث في إباحته في دار الحرب : فقد ذكر الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه حديث يزيد بن هارون وغيره عن سليمان بن المغيرة وذلك فيما 5354 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أحمد بن سلمان حدثنا الحسن بن مكرم حدثنا شبابة بن سوار حدثنا سليمان بن المغيرة.
5355 - وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثناِأبو داود حدثنا القعنبي وموسى بن إسماعيل قالا : حدثنا سليمان عن حميد بن هلال عن عبد الله بن معقل قال : دلى جراب من شحم يوم خيبر فأتيته فالتزمته ثم قلت لا أعطي من هذا أحداً اليوم شيئاً قال فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم إليّ.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث سليمان.
وأخرجاه من حديث شعبة.
وذكره الشافعي أيضاً حديث حماد بن زيد وذلك فيما 5356 - أخبرنا أبو زكريا المزني أخبرنا عبد الباقي بن قانع حدثنا إسحاق بن الحسن حدثنا الحسن بن الربيع حدثنا ابن المبارك حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال : كنا نأتي المغازي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتصيب العسل والسمن فنأكله.
رواه البخاري في الصحيح عن مسدد عن حماد إلا أنه قال : كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكل ونرفعه.
وذكر الشافعي أيضاً ما (6/545)
5357 - أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ أخبرنا أبو عمرو بن حماد أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا هشيم عن يونس عن الحسن عن أبي برزة قال : كنا في غزاة لنا فلقينا أناس من المشركين فأجهضناهم عن مَلّةٍ لهم فوقعنا فيها.
قال : فجعلنا نأكل منها وكنا نسمع في الجاهلية أنه من أكل الخبر سمن فلما أكلنا تلك الخبزة جعل أحدنا ينظر في عطفيه هل يسمن.
وذكر الشافعي حديث يزيد عن هشام عن الحسن قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزون فيصيبون من الطعام ويعلفون من العلف.
وذكر غير ذلك وفيما ذكرنا كفاية.
فأما الحديث الذي أشار إليه في الجديد في النهي عن الخروج بشيء من الطعام فكأنه أراد - والله أعلم - حديث الواقدي عن عبد الرحمن بن الفضيل عن العباس بن عبد الرحمن الأشجعي عن أبي سفيان عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر : كلوا واعلفوا ولا تحملوا.
5358 - أخبرناه علي بن محمد بن بشران أخبرنا أبو جعفر الرزاز حدثنا أحمد بن الخليل حدثنا الواقدي فذكره.
وأراد بالحديث الذي روي في معارضته ما 5359 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا سعيد بن منصور حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن ابن حرشف الأزدي حدثه عن القاسم مولى عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : كنا نأكل الجزر في الغزو ولا نقسمه حتى إن كنا لنرجع إلى رحالنا وأخرجتُنا منه مملأة.
(6/546)
وفي كلا الإسنادين ضعف كما قال الشافعي وروينا عن الحسن البصري أنه قال : غزوت مع عبد الرحمن بن سمرة مع رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا صعدوا إلى الثمار أكلوا من غير أن يفسدوا أو يحملوا.
5360 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا أحمد بن علي الجرار حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا أبو حمزة العطار قال قلت للحسن : إني امرؤ متجري إلى الايلة وأنا أملأ بطني من الطعام فأصعد إلى أرض العدو وآكل من تمره ومن بُسره فما ترى ؟ فقال الحسن : فذكره.
وذكر الشافعي في القديم حديث ابن محيريز عن فضالة عن عبيد.
5361 - أخبرناه علي بن محمد بن بشران أخبرنا إسماعيل الصفار حدثنا سعدان حدثنا معاذ بن معاذ عن ابن عون قال حدثنا خالد بن دُرَيك عن ابن محيريز عن فضالة بن عبيد قال : إن ناساً يريدون أن يستنزلوني عن ديني وإني والله لأرجو أن لا أزال عليه حتى أموت : ما كان من شيء بيع بذهب أو فضة ففيه خمس الله وسهام المسلمين.
وفي رواية الشافعي قال : يؤكل الطعام في أرض الحرب فأما بيع منه من شيء بذهب أو فضة ففيه خمس الله وسهام المسلمين.
وبمعناه رويناه من وجه آخر.
1129 - باب أخذ السلاح وغيره بغير إذن الإمام
5362 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال (6/547)
قال الشافعي : وقال الأوزاعي في السلاح يأخذه من الغنيمة يقاتل به ما كان الناس في معمعة القتال ولا ينتظر برده الفراغ من الحرب فيعرضه للهلاك وانكسار ثمنه في طول مكثه في دار الحرب.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إياك وربا الغلول أن تركب الدابة حتى تج دها قبل أن ترد إلى المغنم أو تلبس الثوب حتى يخلق قبل أن يرد إلى المغنم.
قال الشافعي : وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لو نزعت سهماً من جنبك في بلاد العدو ما كنت بأحق به من أخيك.
قال أحمد : الحديث الذي ذكر الشافعي قد مضى بإسناده في كتاب القسم.
وأما الحديث الذي احتج به الأوزاعي فمعناه فيما رواه محمد بن إسحاق قال : حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي مرزوق مولى نُجيب عن حنش عن رويفع بن ثابت الأنصاري قال : قام فينا خطيباً فقال : إني لا أقول لكم إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم حنين قال قال عليه السلام : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه زرع غيره.
يعني : إتيان الحبالى من الفيء.
ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصيب امرأة من السبي حتى يستبرئها بحيضة ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيع مغنماً حتى يقسم ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس ثوباً من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه.
(6/548)
5363 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا سعيد بن منصور وغيره قالا : حدثنا أبو معاوية عن محمد بن إسحاق فذكره.
قال أبو داود : الحيضة ليست بمحفوظة.
قال أحمد : رواه غيره عن ابن إسحاق فلم يذكرها.
5364 - أخبرناه أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال قال أبو يوسف : هذا الحديث عندنا على من يفعل ذلك وهو عنه غني يُبقى بذلك على دابته أو على ثوبه أو يأخذ ذلك يريد به الخيانة . ثم ساق الكلام إلى أن قال : وكيد يحل هذا ما دام في المعمعة ويحرم بعد ذلك ؟ وقد بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يغنم الغنيمة فيها الطعام فيأكل أصحابه منها إذا احتاج رجل جاء فأخذ حاجته فحاجة الناس إلى السلاح في دار الحرب وإلى الدواب والثياب أشد من حاجتهم إلى الطعام.
وذكر حديث أبي إسحاق الشيباني عن محمد بن أبي المجالد عن عبد الله بن أبي أوفى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر يأتي أحدنا إلى الطعام من الغنيمة فيأخذ حاجته.
قال الشافعي : إن كان أبو يوسف إنما جعل السلاح والدواب والثياب قياساً على الطعام فمن أخذ الطعام من غني يجد ما يشتري به طعاماً وفقير لا يجده سواء يحل لهم أكله وأكله استهلاك له وهو إذا قال السلاح والدواب عليه جعل له أن يستهلك السلاح والدواب كما يستهلك الطعام ويتفكه بركوب الدواب كما يتفكه بالطعام.
وبسط الكلام في هذا إلى أن قال : وما أعلم ما قال الأوزاعي إلا موافقاً للسنة معقولاً لأنه يحل في حال الضرورة الشيء فإذا انقضت الضرورة لم يحل.
(6/549)
1130 - باب الحكم في ذراري من ظهر عليه وحدّ البلوغ في أهل الشرك
5365 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : وحدّ البلوغ في أهل الشرك الذين يقتل بالغهم ويترك غير بالغهم أن ينبتوا الشَعْر . وذكر المعنى في ذلك ثم قال : كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة حين قتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم وكان من سنته أن لا يقتل إلا رجلاً بالغاً فمن كان أنبت قتله ومن لم يكن أنبت سبا.
وقال في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه :
أَخْبَرَنَا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن عطية القرظي أنه سمعه وهو يقول : كنت فيمن حكم فيه سعد فلم أنبت فتركت.
5366 - وأخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي حدثنا يوسف بن خالد السمتي قال حدثني إبراهيم بن عثمان الكوفي عن عبد الملك بن عمير قال سمعت عطية القرظي يقول : عرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فمن أنبت منا قتله ومن لم ينبت منا استحياه وسباه.
وقد مضى في كتاب الحجر ما ذكره من الأسانيد في هذا الباب.
1131 - باب الحكم في الرجال البالغين
5367 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله (6/550)
ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريظة وخيبر فقسم عقارها من الأرضين والنخل قسمة الأموال.
وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدان بني المصطلق وهوازن ونساءهم فقسمهم قسمة الأموال.
وأسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بدر فمنهم مَنْ منَّ بلا شيء أخذه منه ومنهم من أخذ منه فدية ومنهم من قتله.
وكان المقتولان بعد الإسار يوم بدر : عقبة بن معيط والنضر بن الحارث.
وكان من الممنون عليهم بلا فدية : أبو غرة الجمحي تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم لبناته وأخذ عليه أن لا يقاتله فأخفره وقاتله يوم أحد فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يفلت فما أُسر من المشركين رجلاً غيره.
فقال يا محمد : امنن عليّ ودعني لبناتي وأعطيك عهداً أن لا أعود لقتالك.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تمسح على عارضيك بمكة تقول قد خدعت محمداً مرتين.
فأمر به فضربت عنقه.
ثم أسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمامة بن أثال الحنفي بعد فمنّ عليه ثم عاد ثمامة بن أثال الحنفي بعد فأسلم وحسن إسلامه.
قال الشافعي :
أَخْبَرَنَا عبد الوهاب الثقفي حدثنا أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن الحصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدا رجلاً من المسلمين برجلين من المشركين.
(6/551)
هكذا وقع متن هذا الحديث في كتاب قتال المشركين وأظنه غلطاً من الكاتب والصحيح ما 5368 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ - في كتاب اختلاف الأحاديث - قال : حدثنا أبو الربيع أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال : أسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني عقيل وكانت ثقيف قد أسرت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ففداه النبي صلى الله عليه وسلم بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف.
5369 - وبإسناده قال قال الشافعي : وأخبرنا عدد من أهل العلم من قريش وغيرهم من أهل المغازي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسر النضر بن الحارث العبدري يوم بدر وقتله بالبادية أو بالنازية أو الأثيل صبراً.
وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسر عقبة بن أبي معيط يوم بدر فقتله صبراً.
5370 - وبإسناده قال قال الشافعي أخبرنا عدد من أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسر أبا غرة الجمحي يوم بدر فمنَّ عليه ثم أسره يوم أحد فقتله صبراً.
وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسر سهيل بن عمرو ، وأبا وداعة السهمي وغيرهم ففداهم بأربعة آلاف أربعة آلاف وفادى بعضهم بأقل.
وكان ما وصفت من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على أن الإمام إذا أسر رجلاً من المشركين أن يقتل وأن يمنّ بلا شيء وأن يفادى بمال يأخذ منه وأن يفادى بأن يُطْلِق منهم على أن يطلق له بعض أسرى المسلمين.
لا إن بعض هذا ناسخ لبعض ولا مخالف له إلا من جهة إباحته.
(6/552)
5371 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : وسواء كان السبي من أهل الكتاب أو غير أهل الكتاب لأن بني قريظة كانوا أهل كتاب.
ومن وصفت أن النبي صلى الله عليه وسلم منّ عليهم كانوا من أهل الأوثان.
وقد منَّ على بعض الكتابيين فلم يقتل وقتل أعمى من بني قريظة بعد الإسار.
قال أحمد : قد روينا عن عروة أن ثابت بن قيس قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : هب لي الزبير اليهودي أجزيه بيد كانت له عندي فأعطاء إياه ثم أنه سأل ثابتاً أن يقتله حين أخبره بقتل قومه فذكره لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر به فقتل.
وفي مغازي موسى بن عقبة : أنه الزبير بن باطا القرظي وكان يومئذ كبيراً أعمى.
1132 - باب قتلهم بضرب الأعناق دون المثلة
5372 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : وإذا أسر المسلمون المشركين فأرادوا قتلهم قتلوهم بضرب الأعناق لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة وقتل من قتل كما وصفت.
فإن قال قائل : قد قطع أيدي الذين استاقوا لقاحه وأرجلهم وسمل أعينهم فإن أنس بن مالك ورجلاً رويا هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم رويا فيه أو أحدهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخطب بعد ذلك خطبة إلا أمر بالصدقة ونهى عن المثلى.
5373 - أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا(6/553)
المزني حدثنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب عن حميد الطويل عن أنس بن مالك : أن ناساً من عُرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتووا المدينة فقال : لو خرجتم إلى ذودنا فشربتم من ألبانها وأبوالها.
ففعلوا وارتدوا عن الإسلام وقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستقاقوا ذوده فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم في الحرة حتى ماتوا.
5374 - وبإسناده قال حدثنا الشافعي عن الثقة عن حميد الطويل عن أنس بن مالك بمثل معنى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وزاد فيه أنس : فما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا خطبة إلا نهى فيها عن المثلة.
قال أحمد : هذا الحديث دون هذه الزيادة مخرج في الصحيحين من حديث عبد العزيز بن صهيب عن حميد عن أنس.
وفي حديث قتادة عن أنس ثم نهى عن المثلة.
وفي رواية أخرى عن قتادة وقال : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحث في خطبته بعد ذلك على الصدقة وينهى عن المثلة.
وروينا عن قتادة عن ابن سيرين أن هذا كان قبل أن تنزل الحدود.
قال الشافعي في رواية الربيع : وكان علي بن الحسين ينكر حديث أنس في أصحاب اللقاح.
(6/554)
5375 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن أبي يحيى عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن حسين قال : لا والله ما سمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عيناً ولا زاد أهل اللقاح على قطع أيديهم وأرجلهم.
قال أحمد : حديث أنس حديث ثابت صحيح قد رواه عنه جماعة من أصحابه وروى أيضاً عن ابن عمر وفيهما جميعاً أنه سمل أعينهم.
فلا معنى للإنكار بعد صحة الإسناد فإما أن يحمل على النسخ كما ذهب إليه ابن سيرين وقتادة.
وعلى ذلك حمله الشافعي في أول كلامه وإما أن يحمل على أنه فعل بهم ما فعلوا بالرعاء وعلى ذلك يدل حديث يحيى بن غيلان عن يزيد بن زريع عن سليمان التيمي عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما سمل أعين أولائك لأنهم سملوا أعين الرعاة.
5376 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا محمد بن صالح بن هانئ حدثنا محمد بن إسماعيل بن مهران حدثنا الفضل بن سهل الأعرج حدثنا يحيى بن غيلان قال حدثنا يزيد بن زريع فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن الفضل بن سهل.
5377 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح أن هبار بن الأسود كان قد أصاب زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فقال : إن ظفرتم بهبار فاجعلوه بين خرمتين من حطب ثم حرقوه.
(6/555)
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سبحان الله ما ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله إن ظفرتم به فاقطعوا يده ثم رجله.
وهذا منقطع.
وقوله أصابها بشيء يريد خروجه خلفها حين خرجت من مكة وردها حتى سقط بها بعيرها وأسقطت لذلك سقطاً وقد ذكر الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن البغدادي عنه : حديث الليث بن سعد عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن أبي هريرة أن قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث وقال : إن وجدتم فلاناً وفلاناً.
لرجلين من قريش.
فاحرقوهما بالنار.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أردنا الخروج : إني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلاناً وفلاناً بالنار وأن النار لا يعذب بها إلا الله فإن وجدتموهما فاقتلوهما.
5378 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا قتيبة بن سعيد عن الليث بن سعد . بهذا الحديث.
رواه البخاري في الصحيح عن قتيبة.
وذكر أيضاً في رواية أبي عبد الرحمن حديث حمزة بن عمرو الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى.
وذكر الحديث ابن عليه عن يونس عن الحسن عن عمران بن حصين وسمرة قالا (6/556)
ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة.
وحديث بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث سرية قال : لا تمثلوا.
وحديث عبد الله بن يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة.
وحديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصبر.
وحديث أبي أيوب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صبر الروح.
وحديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تتخدوا شيئاً فيه الروح غرضاً.
وحديث ابن عمر أنه مرّ بقوم قد نصبوا دجاجة وهم يرمونها فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لاتتخذوا شيئاً فيه الروح غرضاً.
وحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : نهى أن تصبر البهائم.
وحديث هني بن نويرة أن ابن مكَعْبر مثل به فقال علقمة قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أعف الناس قتلة أهل الإيمان.
(6/557)
وحديثه عن ابن علية عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا قتلتم فأحسنوا القِتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحدّ أحدكم مديته وليرح ذبيحته.
وقد ذكرنا أسانيد هذه الأحاديث في كتاب السنن.
قال الشافعي : والمثلة التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أن تقطع أيدي المشركين إذا أسروا وتجزع آذانهم وأنفهم.
وقد فعل ذلك أبو سفيان يوم أحد فمثل بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لأمثلن بكذا وكذا منهم.
قال : ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك عن المثلة.
قال أحمد : روينا في حديث روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين رأى حمزة : لئن ظفرت بقريش لأمثلن بسبعين رجلاً منهم.
فأنزل الله عز وجل {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين}.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل نصبر يا رب.
(6/558)
قال الشافعي : المثلة واتخاذ ما فيه الروح غرضاً وإحراق أهل الشرك بالنار لا يحل فعل ذلك بهم بعد أن يؤسروا ويحل أن يقاتلوا فيرموا بالنبل والحجارة وبشهب النار وكل ما فيه دفع لهم عن حرب المسلمين ومعونة لأهل الإسلام عليهم وقد أباح الله رمي الصيد بالنبل ما كان ممتنعاً فإذا أخذ فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخذ غرضاً برمي وأمر أن يذبح أحسن الذبح والآدمي في ذلك أكثر من الصيد وبسط الكلام فيه.
1133 - باب إسلام المشرك بعد الأسر
5379 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال : أسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني عقيل فأوثقوه فطردوه في الحرة فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن معه - أو قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار وتحته قطيفة - فناداه يا محمد يا محمد فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما شأنك ؟ قال : فيم أخذت وفيم أخذت سابقة الحج ؟ قال : أخذت بجريرة حلفائكم ثقيف.
وكان ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
فتركه ومضى . فناداه يا محمد . يا محمد . فرحمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليه فقال : ما شأنك.
فقال : إني مسلم . قال (6/559)
لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح.
قال : فتركه ومضى فناداه : يا محمد . يا محمد فرجع إليه فقال : إني جائع فأطعمني . قال : وأحسبه قال : وإني عطشان فأسقني . قال : هذه حاجتك.
قال ففداه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي نسخة أخرى : ففاداه بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف.
وأخذ ناقته تلك.
أخرجه مسلم في الصحيح عن إسحاق بن إبراهيم عن عبد الوهاب.
وفي حديث إسحاق : وأخذت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك.
وسبيت امرأة من الأنصار فذكر قصة المرأة.
قال الشافعي في رواية أبي سعيد وحده في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخذت بجريرة حلفائكم ثقيف.
إنما هو أن المأخوذ مشرك مباح الدم والمال لشركه من جميع جهاته والعفو عنه مباح فلم ينكر أن يقول : أخذت أي حبست بجريرة حلفائكم ثقيف ويحبسه بذلك ليصيروا إلى أن يحلوا من أراد.
وقد غلظ بهذا بعض من تشدد في الولاية فقال : يؤخذ الولي بالولي من المسلمين.
وهذا مشرك يحل بأن يؤخذ بكل جهة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجلين من المسلمين (6/560)
هذا ابنك ؟ قال : نعم . فقال : أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه.
وقضى الله تبارك وتعالى أن {ألا تزر وازرة وزر أخرى}.
فلما كان حبسه هذا حلالاً بغير جناية غيره وإرساله مباحاً جاز أن يحبس بحناية غيره لاستحقاقه ذلك بنفسه.
قال الشافعي : وأسلم هذا الأسير فرأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسلم بلا نية قال : لو قلتها وأنت تملك نفسك أفلحت كل الفلاح.
وحقن بإسلامه دمه ولم يخله بالإسلام إذ كان بعد إساره وإذ فداه النبي صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه بالرجلين فهذا أنه أثبت عليه الرق بعد إسلامه.
وهذا رد لقول مجاهد فإن سفيان أخبرنا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : إذا أسلم أهل العنوة فهم أحرار وأموالهم فيء للمسلمين.
فتركنا هذا استدلالاً بالخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وإذ فداه برجلين من أصحابه فإنما فداه بهما أنه فك الرق عنه بأن خلوا صاحبيه.
وفي هذا دلالة على أن لا بأس أن يعطي المسلمون المشركين كل من يجري عليه الرق وإن أسلم إذا كان لا يسترق.
وهذا العقيلي لا يسترق لموضعه فيهم.
وبسط الكلام فيه إلى أن قال (6/561)
فدا النبي صلى الله عليه وسلم هذا العقيلي الذي أسلم ورده إلى بلده وهي أرض كفر لعلمه بأنهم لا يصدونه لقدرة فيهم وشرفه عندهم.
قال أحمد : ومن ادعى نسخ هذا الحديث بقوله {فلا ترجعوهن إلى الكفار}.
فالآية في النساء وقد رد أبا بصير بعد نزول الآية حتى انفلت بنفسه ورجع العباس إلى مكة بعد إسلامه وقبل الفتح لأنه كان لا يخاف أن يضروه أو يفتن عن دينه لشرفه فيهم.
تم المجلد السادس ويليه إن شاء الله المجلد السابع وأوله باب من يجري عليه الرق ) وأسأل الله لي ولذريتي ولجميع المسلمين حسن الختام القاهرة في : 22 2 1991 م أبو إسلام : سيد كسروي حسن (6/562)
بسم الله الرحمن الرحيم
1134 - باب من يجري عليه الرق
5380 - 144 أ أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : قد سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني المصطلق وهوازن وقبائل من العرب وأجرى عليهم الرق حتى منّ عليهم بعد فاختلف أهل العلم بالمغازي فزعم بعضهم : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أطلق سبي هوازن قال : لو كان تاماً على أحد من العرب سبي لتم على هؤلاء ولكنه إسارٌ وفداءٌ.
قال الشافعي : فمن ثبت هذا الحديث زعم أن الرق لا يجري على عربي بحال.
وهذا قول الزهري وسعيد بن المسيب والشعبي.
ويروى عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز.
(7/3)
قال الشافعي :
أَخْبَرَنَا سفيان عن يحيى بن يحيى الغساني عن عمر بن عبد العزيز.
قال : وأخبرنا سفيان عن رجل عن الشعبي أن عمر قال : لا يسترق عربي.
قال : وأخبرنا عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن ابن المسيب أنه قال في المولى ينكح الأمة : يسترق ولده.
وفي العربي ينكح الأمة : لا يسترق وله وعليه قيمتهم.
قال الشافعي : ومن لم يثبت الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى أن العرب والعجم سواء وأنه يجري عليهم الرق حيث جرى على العجم ، والله أعلم.
قال الربيع : وبه يأخذ الشافعي رحمه الله.
قال أحمد : وقد ذكر الشافعي في القديم في رواية الزعفراني هذه المسألة وقال :
أَخْبَرَنَا سفيان عن مطرف عن الشعبي قال : قال عمر : لا يسترق عربي.
قال : وأخبرنا سفيان عن يحيى بن يحيى الغساني : أن عمر بن عبد العزيز كُتب إليه : أن عمر بن الخطاب كان فيما يقضي فيما تسابت العرب من الفداء بأربع مِئَة.
قال : وأخبرنا الثقة عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد بن المسيب : أن عمر بن الخطاب كان يقضي في العرب الذين ينكحون الإماء في الفداء : بالغرة.
قال الشافعي (7/4)
أَخْبَرَنَا محمد - وأنا أظنه محمد بن عمر الواقدي - عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبيه عن السلولي عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين : لو كان ثابتاً على أحد من العرب سباء بعد اليوم ثبت على هؤلاء ولكن إنما هو 144 ب إسار وفداء.
قال الشافعي : ولا نعلم النبي صلى الله عليه وسلم سبى بعد حنين أحداً.
ولا نعلم أبا بكر سبى عربياً من أهل الردة حتى خلاهم عمر.
قال : وقد روى شيء عن أبي بكر في سبي بعض العرب وليس ثابتاً إنما كان أسرهم.
وأحسب أن من قال سباهم إنما ذهبوا إلى هذا.
والحجاز عندنا ليس في أهله عربي علمته جرى عليه سبي في الإسلام.
قال أحمد : أما قبل سبي هوازن فالسبي كان يجري عليهم.
والأخبار بذلك ناطقة ولو صح حديث معاذ كانت الحجة فيه.
إلا أنه رواية موسى بن محمد بن إبراهيم وليس بالقوي والراوي عنه الواقدي وهو ضعيف.
ولم أجد هذا اللفظ في شيء من طرق حديث سبي هوازن والله أعلم.
ومن الأحاديث التي وردت في جريان الرق عليهم : ما ثبت عن عامر الشعبي عن أبي هريرة سمع النبي صلى الله عليه وسلم في نذر محرر من بني إسماعيل كان على عائشة فسبى سبي من بلعنبر فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (7/5)
إن سرك أن تفي بنذرك فاعتقي محرراً من هؤلاء.
فجعلهم من بني إسماعيل إلا أن هذا كان قبل سبي هوازن فيما زعم أهل العلم بالمغازي ، والله أعلم.
1135 - باب تحريم الفرار من الزحف
5381 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية : {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين}.
فكتب عليهم أن لا يفر العشرون من المائتين فأنزل الله : {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مِئَة صابرة يغلبوا مائتين}.
فخفف عنهم وكتب ، أن لا يفر مِئَة من مائتين.
أخرجه البخاري في الصحيح.
5382 - وبهذا الإسناد قال أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن ابن عباس قال : من فرّ من ثلاثة فلم يفر ومن فر من اثنين فقد فرّ.
هكذا وجدته وقد سقط من إسناده بين ابن أبي نجيح وابن عباس 145 أ عطاء بن أبي رباح.
5383 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا(7/6)
أحمد بن شيبان حدثنا سفيان فذكره بمعناه وفي إسناده عطاء.
5384 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال : قال الشافعي : قال الله عز وجل : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِفاً لقِتَالِ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ}.
قال الشافعي : والتحرف للقتال الاستطراد إلى أن يمكن المستطرد الكرة في أي حال ما كان الإمكان.
والتحيز إلى الفئة أين كانت الفئة ببلاد العدو أو ببلاد الإسلام بَعُدَ ذلك أو قرب.
وإنما يأثم بالتولية من لم ينو واحداً من المعنيين.
5385 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا أبو عيينة عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن عمر قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فلقوا العدو فحاص الناس حيصة فأتينا المدينة ففتحتنا بابها وقلنا : يا رسول الله نحن الفارون فقال : بل أنتم العكارون وأنا فئتكم.
(7/7)
5386 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : أنا فئة كل مسلم.
قال الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه حكاية عن بعض أهل العلم منهم الحسن : أن هذه الآية أنزلت في أهل بدر وليست بعامة.
قال أحمد : قد روي عن أبي نصرة عن أبي سعيد الخدري أنه قال : نزلت في يوم بدر.
قال الشافعي : آي القرآن عام لجميع الناس وكل الخلق مراد به إلا أن يبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الفرض أن الله قصد به إلى قوم دون قوم.
وذكر الشافعي في القديم أحاديث في كيفية بيعة الناس إمامهم ومقصوده منها هذه المسألة.
ونحن نذكر أسانيدها وما وقع إلينا في البيعة من جهة الشافعي رحمه الله.
5387 - أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر بن سلامة 145 ب حدثنا المزني حدثنا الشافعي عن يحيى بن سعيد قال أخبرني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت أن أباه أخبره عن عبادة بن الصامت قال : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقول - أو نقوم - بالحق لا نخاف في الله لومة لائم.
أخرج البخاري في الصحيح من حديث مالك.
وأخرجه مسلم من وجه آخر عن يحيى.
(7/8)
5388 - وبهذا الإسناد حدثنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن عبادة بن الصامت قال : أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ستاً كما أخذ على النساء : أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا يع ضه بعضكم بعضاً ولا تعصوا في معروف أمرتكم به فمن أصاب منكم منهن واحدة فعدلت عقوبته فهو كفارة ومن أخرت عقوبته فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
أخرجه مسلم من حديث هشيم عن خالد الحذاء.
5389 - وبهذا الإسناد قال حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر قال : كنا إذا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا : فيما استطعتم.
أخرجه البخاري في الصحيح من حديث مالك.
زاد في القديم : حديث مالك عن محمد بن المنكدر عن أميمة بنت رُقيقة أنها قالت : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة نبايعه فقلنا : يا رسول الله نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف.
قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فيما استطعتن وأطقتن.
قالت : فقلنا الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا.
(7/9)
هلم نبايعك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لا أصافح النساء إنما قولي لمِئَة امرأة كقولي لامرأة واحدة.
5390 - أخبرناه أبو زكريا بن أبي إسحاق أخبرنا أبو الحسن الطرائفي حدثنا عثمان 146 أ بن سعيد حدثينا القعنبي فيما قرأ على مالك فذكره غيره أنه قال : كقولي لامرأة واحدة - أو مثل قولي - لامرأة واحدة.
قال الشافعي : حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر قال : لم نبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت ولكن بايعناه على أن لا نفر.
5391 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أحمد بن سلمان الفقيه حدثنا بشر بن موسى حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا أبو الزبير عن جابر فذكره.
رواه مسلم في الصحيح من حديث سفيان.
وذكر الشافعي معنى حديث عمرو بن يحيى عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد قال : لما كان زمان الحرة أتاه آت فقال له : هناك ابن حنظلة يبايع الناس.
فقال على أي شيء ؟ قال : على الموت . قال : لا أبايع على هذا أحداً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5392 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا علي بن عبيد حدثنا هشام حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب عن عمرو بن يحيى المازني فذكره.
رواه البخاري عن موسى.
وأخرجه مسلم من وجه آخر عن وهيب.
(7/10)
@قال الشافعي : فالسنة أن يبايع الناس إمامهم على أن يقاتلوا معه ما أمكنهم القتال وأطاقوه فإذا لم يطيقوه فلا سبيل عليهم على ما وصفه ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبايع الناس فيما استطاعوا.
قال الشافعي : فإن عجزوا عن القتال وسعهم التحيز والفرار إلى فئة وكل المسلمين فئة.
وكذلك قال عمر بن الخطاب : أنا فئة كل مسلم.
1136 - باب النهي عن قصد النساء والولدان بالقتل
5393 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن عمه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى الذين بعث إلى ابن أبي الحقيق عن قتل النساء والولدان.
وقال في موضع آخر في رواية أبي عبد الله : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث إلى ابن أبي الحقيق نهى عن قتل النساء والولدان.
146 ب وذكر في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه حديث مالك عن نافع : أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة فأنكر ذلك ونهى عن قتل النساء والصبيان.
5394 - أخبرناه أبو أحمد المهرجاني حدثنا أبو بكر بن جعفر حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا ابن بكير حدثنا مالك.
(7/11)
هكذا رواه مالك مرسلاً.
ورواه الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر أخبره أن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتولة فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان.
5393 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر أحمد بن إسحاق أخبرنا إسماعيل بن قتيبة حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا الليث.
قال : وأخبرنا أبو الفضل بن إبراهيم حدثنا أحمد بن سلمة حدثنا قتيبة حدثنا الليث فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى وقتيبة.
ورواه البخاري عن أحمد بن يونس عن الليث.
وكذلك رواه عبيد الله بن عمر عن نافع موصولاً.
وذكر في القديم حديث ابن علية عن يونس عن الحسن عن الأسود بن سريع أن قوماً قتلوا الذرية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقتل ذرية.
قيل أوليس بأولاد المشركين ؟ قال : خياركم أولاد المشركين.
5396 - أخبرناه علي بن محمد المقري أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق حدثنا يوسف بن يعقوب حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع حدثنا يونس بن عبيد فذكره بإسناده أتم من ذلك.
(7/12)
1137 - باب التبييت على المشركين وإصابة نسائهم وذراريهم من غير قصد
5397 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله - يعني ابن عبد الله - عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة الليثي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وأبنائهم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هم منهم.
وربما قال سفيان في الحديث : هم من آبائهم.
وقال في موضع آخر في رواية أبي عبد الله قال : أخبرني الصعب بن جثامة 147 أ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يُسأل عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هم منهم.
قال : وزاد عمرو بن دينار عن الزهري : هم من آبائهم.
أخرجاه في الصحيح من حديث سفيان.
(7/13)
5398 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : وكان سفيان يذهب إلى أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : هم منهم.
إباحة لقتلهم وأن حديث ابن أبي الحقيق ناسخ له.
قال : وكان الزهري إذا حدث بحديث الصعب بن جثامة أتبعه حديث ابن كعب بن مالك.
قال الشافعي : وحديث الصعب بن جثامة كان في عمرة النبي صلى الله عليه وسلم فإن كان في عمرته الأولى فقد قتل ابن أبي الحقيق قبلها . وقيل في سنتها.
وإن كان في عمرته الآخرة فهو بعد أمر ابن أبي الحقيق غير شك . والله أعلم.
قال : ولم نعلمه رخص في قتل النساء والولدان ثم نهى عنه.
ومعنى نهيه عندنا والله أعلم عن قتل النساء والولدان أن يقصد قصدهم بقتل وهم يعرفون متميزين ممن أمر بقتله منهم.
ومعنى قوله : هم منهم.
أنهم يجمعون خصلتين : أن ليس لم حكم الإيمان الذي يمنع الدم . ولا حكم دار الإيمان الذي يمنع الغارة على الدار.
وبسط الكلام في شرح ذلك.
قال أحمد : وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي أن قتل أبي رافع بن أبي (7/14)
الحقيق كان قبل غزوة بني المصطلق وقبل عمرة الحديبية.
وفي حديث الصعب بن جثامة : أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ به وهو بالأبواء أو بودان فأهدى إليه حمار وحش فرده وقال : إنّا حرم.
وذكر أنه سُئل عن ذراري المشركين فذكره.
وفي ذلك دلالة على صحة ما قال الشافعي من كونه بعد نهيه عن قتل النساء والصبيان وأن وجه الجمع بين الحديثين ما ذكر الشافعي رحمه الله.
واحتج الشافعي رحمه الله في جواز التبيت أيضاً بما 5399 - أخبرنا 147 ب أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عمر بن حبيب عن عبد الله بن عون أن نافعاً كتب إليه يخبره أن ابن عمر أخبره : أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون في نعمهم بالمريسيع فقتل المقاتلة وسبي الذرية.
أخرجاه في الصحيح من حديث ابن عون.
وأما الحديث الذي 5400 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن حميد بن عن أنس قال : سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فانتهى إليها ليلاً وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طرق قوماً لم يغر عليهم حتى يصبح فإن سمع أذاناً أمسك وإن لم يكونوا يصلون أغار عليهم حين يصبح فلما أصبح ركب وركب المسلمون فخرج أهل القربة ومعهم مكاتلهم ومساحيهم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : محمد والخميس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (7/15)
الله أكبر خربت خيبر إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين.
قال أنس : وإني لردف أبي طلحة وأن قدمي لتمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقد قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد : رواية أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغير حتى يصبح.
ليس تحريم للإغارة ليلاً ولا نهاراً ولا غازين في حال ، والله أعلم.
ولكنه على أن يكون يبصر من معه كيف يغيرون احتياطاً من أن يؤتوا من كمين أو من حيث لا يشعرون.
وقد تختلط الحرب إذا أغاروا ليلاً فيقتل بعض المسلمين بعضاً.
قد أصابهم ذلك في قتل ابن عتيك فقطعوا رجل أحدهم.
قال أحمد : وإنما أراد في قتال ابن عتيك وخروج في قتل ابن أبي الحقيق إلا أن في تلك القصة أن ابن عتيك سقط فوثئت رجله.
ويحتمل أنه أراد في قتل كعب بن الأشرف فغلظ الكاتب.
ففي قصة قتل كعب بن الأشرف أنه أصيب الحارث بن أوس بن معاذ فجرح في رأسه ورجله.
قال محمد بن سلمة : 148 أ أصابه بعض أسيافنا.
(7/16)
وقيل : بل أصابوا عباد بن بشر في وجهه أو في رجله لا يشعرون.
وذلك في قصة قتل كعب بن الأشرف.
1138 - باب المرأة تقاتل فتقتل
قال الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه : حدثنا بعض أصحابنا عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة قالت : ما رأيت مثل يهودية من بني قريظة إنها لتحدث عندي وتضحك إذا نودي بها فقالت : إني الآن لمقتولة . قلت : وما شأنك ؟ قالت : أحدثت حدثاً.
5401 - حدثناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق فذكره بإسناده : قالت : ما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بني قريظة إلا امرأة واحدة.
ثم ذكره أتم من ذلك.
قال الشافعي : فحدثنا أصحابنا أنها كانت دلت على محمود بن مسلمة رحاً فقتلته فقتلت بذلك.
قال الشافعي (7/17)
قد جاء الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل القرظية ولم يصح خبر على أي معنى قتلها.
وقد يحتمل أن تكون أسلمت ثم ارتدت ولحقت بقومها فقتلها لذلك.
ويحتمل غيره.
وقد قيل : أن محمود بن مسلمة قتل بخيبر ولم يقتل يوم بني قريظة.
وذاك أن محمد بن مسلمة قال : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ائذن لي أن أخرج إلى مرحب فأنا والله الموتور الثأر.
قال أحمد : روينا عن ابن إسحاق والواقدي أن خلاد بن سويد الخزرجي دلت عليه فلانة - امرأة من بني قريظة - رحاً فشدخت رأسه فقتلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر.
قال أحمد : وقد ذكر الشافعي في القديم حديث رباح بن يحيى أخي حنظلة.
أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة ضخمة مقتولة فقال : ما أرى هذه كانت تقاتل.
وفي ذلك دلالة على أنها إذا قاتلت حل قتالها وقتلها . والله أعلم.
1139 - باب 148 ب قطع الشجر وحرق المنازل
5402 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو وحدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي : كل ما كان مما يملكون لا روح فيه فإتلافه بكل وجه مباح.
(7/18)
ثم ساق الكلام إلى أن قال : قال الله تبارك وتعالى في بني النضير حين حاربهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب} الآية إلى : {يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين}.
فوصف إخرابهم منازلهم بأيديهم وإخراب المؤمنين بيوتهم.
ووصفه إياه تبارك وتعالى كالرضا به.
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع ألوان من ألوان نخلهم فأنزل الله رضاً بما صنعوا من قطع نخلهم.
{ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين}.
فرضي القطع وأباح الترك.
5403 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي وأبو بكر بن الحسن القاضي وأبو سعيد بن أبي عمرو قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وحرق وهي البويرة.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث موسى بن عقبة وغيره.
وذكر بعضهم نزول الآية فيه.
وذكره الشافعي في موضع آخر من رواية أبي سعيد 5404 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا حدثنا أبو العباس أخبرنا(7/19)
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن ابن شهاب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق أموال بني النضير فقال قائل % ( وهان على سراة بني لؤي % حريق بالبويرة مستطيرُ ) % قال أحمد : وقد روي هذا الشعر في حديث نافع عن ابن شهاب موصولاً.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد : فإن قال قائل : فعلل النبي 149 أ صلى الله عليه وسلم حرق مال بني النضير ثم تركه.
قيل : على معنى ما أنزل الله وقد حرق بخيبر وهي بعد بني النضير وحرق الطائف وهي آخر غزاة قاتل بها.
وأمر أسامة بن زيد أن يحرق على أهل أبنا.
5405 - أخبرنا أبو بكر وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا بعض أصحابنا عن عبد الله بن جعفر قال : سمعت ابن شهاب يحدث عن عروة عن أسامة بن زيد قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أغير صباحاً على أهل أبنا وأحرق.
قال أحمد : كذلك رواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري.
وكان أبو مسهر يقول : نحن أعلم وهي يبنا فلسطين.
5406 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع (7/20)
@أخبرنا الشافعي قال قال الأوزاعي : أبو بكر كان أعلم بتأويل هذه الآية وقد نهى عن ذلك وعمل به أئمة المسلمين.
قال الشافعي : ولعل أمر أبي بكر رضي الله عنه بأن يكفوا عن أن يقطعوا شجراً مثمراً إنما هو لأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخبر أن بلاد الشام تفتح على المسلمين فما كان مباحاً له أن يقطع ويترك اختار الترك نظراً للمسلمين.
وقد قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بني النضير فلما أسرع في النخل قيل له : وعدكها الله فلو استبقيتها لنفسك فكف القطع استبقاءً لا أن القطع محرم.
فقد قطع بخيبر ثم قطع بالطائف.
5407 - وبهذا الإسناد قال أخبرنا الشافعي قال قال أبو يوسف حدثنا بعض أشياخنا عن عبادة بن نُسي عن عبد الرحمن بن غنم أنه قيل لمعاذ بن جبل أن الروم يأخذون ما حسر من خيلنا فيستفحلونها ويقاتلون عليها أفنعقر ما حسر من خيلنا ؟ فقال : لا ليسوا بأهل أن ينتقصوا منكم إنما هم غداً رقيقكم وأهل ذمتكم.
قال : وقال أبو يوسف : حدثنا محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط قال : لما بعث أبو بكر خالد بن الوليد إلى طليحة وبني تميم قال : أيما وادٍ أو داراً غشيتها فأمسك عنها إن سمعت أذاناً حتى تسلهم ما يريدون وما ينقمون.
(7/21)
وأيما دار غشيتها فلم تسمع فيها أذاناً 149 ب فشن عليه الغارة واقتل وحرق.
قال أبو يوسف : ولا نرى أن أبا بكر نهى عن ذلك بالشام إلا لعلمه بأن المسلمين سيظهرون عليها ويبقى ذلك لهم.
قال أحمد : وقد ذكر أبو الأسود عن عروة وذكر موسى بن عقبة في المغازي : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقطع كروم ثقيف حين حاصرهم بالطائف.
5408 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : وإذا تحصن العدو فلا بأس أن يرموا بالمنجانيق والعرادات والنيران وغيرها.
نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الطائف منجانيقاً أو عرادة.
ونحن نعلم أن فيهم النساء والولدان.
وذكر في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه : حديث الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد عن مكحول أو غيره : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصب المنجانيق على أهل الطائف.
وحديث أبي عباد عن ابن المبارك عن موسى بن علي عن أبيه أن عمرو بن العاص نصب المنجانيق على أهل الإسكندرية.
5409 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي في العدو يعلون الحصن بأطفال المسلمين يتترسون بهم : قال الأوزاعي : يكف المسلمون عن رميهم فإن برز أحد منهم رموه فإن الله تعالى يقول :(7/22)
{لَوْلاَ رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ}.
حتى فرغ من الآية : فكيف يرمي المسلمون من لا يرونه من المشركين ؟ قال الشافعي : والذي تأول الأوزاعي يحتمل ما تأوله عليه ويحتمل أن يكون كفه عنهم لما سبق في عمله من أنه استسلم منهم طائفة طائعين.
والذي قال الأوزاعي أحب إلينا إذ لم يكن بنا ضرورة إلى قتال أهل الحصن.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : ولكن لو اضطررنا إلى أن نخافهم على أنفسنا إن كففنا عن حربهم قاتلناهم ولم نعمد قتل المسلم فإن أصبناه كفرناه.
1140 - باب تحريم إتلاف ما ظفر المسلمون من ذوات الأرواح وعقره
5410 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن صهيب مولى عبد الله بن عامر عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من قتل عصفوراً فما فوقها بغير حقها سأله الله عن قتله.
قيل : يا رسول الله : وما حقها ؟ قال : أن تذبحها فتأكلها ولا تقطع رأسها فترمي بها.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي عبد الله وأبي سعيد : ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصبورة.
(7/23)
5411 - حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي رحمه الله قال :
أَخْبَرَنَا عبد الله بن محمد بن الحسن بن الشرقي حدثنا عبد الله بن هاشم حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل شيء من البهائم صبراً.
رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن حاتم عن يحيى القطان.
5412 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي قال أبو بكر الصديق : لا تعقرن شاة ولا بعيراً إلا لمأكلة ولا تعقرن نخلاً ولا تحرقنه.
فإن قال قائل : فقد قال أبو بكر : ولا تقطعن شجراً مثمراً فقطعته.
فإني إنما قطعته بالسُنة واتباع ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أولى بي وبالمسلمين ولم أجد لأبي بكر في ذوات الأرواح مخالفاً من كتاب ولا سُنة ولا مثلة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حفظت مع أن السُنة تدل على ما قال أبو بكر في ذوات الأرواح من أموالهم : فذكر حديث العصفور.
قال الشافعي : وقد بلغنا عن أبي أمامة الباهلي أنه أوصى ابنه أن لا يعقر جسداً.
وعن عمر بن عبد العزيز أنه نهى عن عقر الدابة إذا هي قامت.
وعن قبيصة أن فرسه قام عليه بأرض الروم فتركه ونهى عن عقره.
وأخبرنا من سمع هشام بن الغاز يروي عن مكحول أنه سأله عنه فنهاه وقال : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة.
(7/24)
قال الشافعي : وقال الأوزاعي : 150 ب وبلغنا أن من قتل نَخْلاً ذهب ربع أجره ومن قتل جراداً ذهب ربع أجره.
فإن قال قائل : فقد روي أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه عقر عند الحرب.
فلا أحفظ ذلك من وجه يثبت على الانفراد ولا أعلمه مشهوراً عند عوام أهل العلم بالمغازي قال أحمد : الحديث الذي أرسله الأوزاعي روي عن أبي رُهم السماعي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من عقر بهيمة ذهب ربع أجره ومن حرق نخلاً ذهب ربع أجره.
وليس بالقوي.
والحديث الذي روي عن جعفر إنما يرويه محمد بن إسحاق بن يسار عن يحيى بن عباد عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير قال : حدثني أبي الذي أرضعني - وهو أحد بني مرة بن عوف - وكان في تلك الغزاة - غزاة مؤتة - قال : والله لكأني أنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم قاتل القوم حتى قتل.
5413 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق فذكره.
قال أبو داود : هذا الحديث ليس بذلك القوي وقد جاء فيه : نهى كثير عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الشافعي في رواية أبي عبد الله وأبي سعيد : فإن زعم أبو يوسف أنها قياس على ما لا روح فيه فليقل للمسلمين أن لهم (7/25)
يحرقوها كما لم أن يحرقوا النخل والبيوت.
وإن زعم أن للمسلمين ذبح ما يذبح منها فإنه إنما أحل ذبحها للمنفعة بأن تكون مأكولة ليس بأن يعذب بالذبح ولا تكون مأكولة.
وبسط الكلام في هذا.
5414 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : ولكن إن قاتلوا فرساناً لم نر بأساً إذ كنا نجد السبيل إلى قتلهم بأرجالهم أن نعقرهم كما نرميهم بالمنجانيق وإن أصاب ذلك غيرهم.
وقد عقر حنظلة بن الراهب بأبي سفيان بن حرب يوم أحد فأكسعت فرسه به فسقط عنها فجلس على صدره ليذبحه فرآه ابن شعوب فرجع إليه يعدو كأنه سبع فقتله واستنقذ 151 أ أبا سفيان من تحته فقال أبو سفيان من بعد ذلك : % ( قلو شئت نجيتني كميت رجليه % ولم أجهل النعماء لابن شعوب ) % % ( وما زال مهري مزجر الكلب منهم % لدا غدوة حتى دنت لغروب ) % % ( أقاتلهم طراً وادعوا يال غالب % وادفعهم عني بركن صليب ) % وقال في موضع آخر : عقر حنظلة بن الراهب بأبي سفيان بن حرب يوم أحد فرسه وذلك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلم نعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر ذلك عليه ولا نهاه ولا غيره عن مثل هذا.
1141 - باب ما جاء في قتل من لا قتال فيه من الرهبان وغيره
5415 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي (7/26)
ويترك قتل الرهبان إتباعاً لأبي بكر رضي الله عنه.
ونص في هذا الكتاب على قتال من لا قتال فيه سوى الرهبان ونص على أنه إنما قاله في الرهبان إتباعاً لا قياساً وقال في كتابه على سير الواقدي المسموع بهذا الإسناد قال الله عز وجل : {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} الآية.
وقال في غير أهل الكتاب : {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}.
وحقن دماء من دان دين أهل الكتاب بالإيمان وإعطاء الجزية لا أعرف منهم خارجاً من هذا من الرجال.
وقتل يوم حنين دُريد بن الصمة ابن خمسين ومِئَة في شجار لا يستطيع الجلوس فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر قتله.
ولا أعرف في الرهبان أن يسلموا أو يؤدوا الجزية أو يقتلوا.
ولا أعرف يثبت عن أبي بكر خلاف هذا ولو كان يثبت لكان يشبه أن يكون أمرهم بالجد على قتال من يقاتلهم ولا يتشاغلوا بالمقام على صوامع هؤلاء.
وبسط الكلام في هذا إلى أن قال : وقتل أعمى من بني قريظة بعد الإسار.
وهذا يدل على قتل من لا يقاتل من الرجال البالغين إذا أبى الإسلام والجزية.
قال أحمد : حديث 151 ب أبي بكر الصديق رضي الله عنه إنما روي عنه منقطعاً (7/27)
5416 - أخبرناه أبو نصر بن قتادة أخبرنا أبو عمرو السلمي أخبرنا محمد بن إبراهيم حدثنا ابن بكير حدثنا مالك عن يحيى بن سعيد : أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعث جيوشاً إلى الشام فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان وكان أمير ربع من تلك الأرباع فزعموا أن يزيد قال لأبي بكر الصديق : إما أن تركب وإما أن أنزل.
فقال له أبو بكر : ما أنت بنازل ولا أنا براكب إني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله ثم قال : إنك ستجد قوماً زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما زعموا أنه حبسوا أنفسهم له وستجد قوماً فحصوا عن أوساط رؤوسهم من الشعر فاضرب ما فحصوا عن بالسيف.
وإني موصيك بعشر : لا تقتلن إمرأة ولا صبياً ولا كبيراً هرماً ولا تقطعن شجراً مثمراً ولا تخربن عامراً ولا تعقرن شاة ولا بعيراً ، إلا لمأكلة ولا تحرقن نخلاً ولا تغرقنه ولا تغلل ولا تجبن.
وبمعناه رواه صالح بن كيسان وأبو عمران الجوني ويزيد بن أبي مالك الشامي عن أبي بكر.
وكل ذلك منقطع.
ورواه ابن المبارك عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي بكر.
فهذا وإن كان أيضاً منقطعاً فمراسيل ابن المسيب أقوى من مراسيل غيره.
(7/28)
إلا أن أحمد بن حنبل كان يقول : هذا حديث منكر.
ولم أقف على المعنى الذي لأجله أنكره.
وكان ابنه عبد الله يزعم أنه كان ينكر أن يكون ذلك من حديث الزهري . والله أعلم.
وفي كل هذه الروايات ذكر الشيخ الكبير.
فإن كان يتبع أبا بكر في الرهبان فليتبعه أيضاً في الكبير.
وحديث دُريد بن الصمة يشبه أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما لم ينكر قتله لما كان فيه من رأي الحرب وتدبير القتال.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم معنى ما روي عن أبي بكر وأسانيده غير قوية.
قال الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه : وقد روى أصحابنا عن أبي الزناد عن المرقع عن رباح أخي حنظلة أن النبي 152 أ صلى الله عليه وسلم بعث إلى خالد أن لا يقتل عسيفاً.
5417 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن إسحاق أخبرنا الحسن بن علي بن زياد حدثنا سعيد بن منصور حدثنا مغيرة بن عبد الرحمن المخزومي عن أبي الزناد فذكر في حديث أتم منه وقال لرجل : الحق خالد بن الوليد فلا يقتلن ذرية ولا عسيفاً.
5418 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان الجلاب حدثنا هلال بن العلاء حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا عمر بن المرقع بن صيفي بن رباح بن الربيع أخي حنظلة الكاتب قال : سمعت أبي يحدث عن جدي رباح بن الربيع قال (7/29)
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فرأى ناساً مجتمعين على شيء فقال : على ما اجتمع هؤلاء ؟.
فقالوا : على امرأة مقتولة . فقال : ما كانت هذه لتقاتل.
وخالد بن الوليد في المقدمة.
قال : فبعث رجلاً فقال : قل لخالد لا تقتلن ذرية ولا عسيفاً.
رواه أبو داود . في كتاب السنن عن أبي الوليد إلا أنه قال : لا تقتلن امرأة ولا عسيفاً.
وهذا إسناد لا بأس به إلا أن الشافعي قال : لست أعرف مرقع هذا.
ومرقع هو : ابن صيفي بن رباح بن ربيع ويقال : رياح.
قال البخاري : رياح أصح.
روي عنه هذا الحديث موسى بن عقبة وأبو الزناد وابنه عمر ، وأقام إسناده عن أبي الزناد ابنه والمغيرة بن عبد الرحمن.
ورواه الثوري عن أبي الزناد عن مرقع عن حنظلة الكاتب.
قال البخاري : وهو وهم.
قال الشافعي : وقد روى عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن رجل عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل العسفاء والوصفاء.
وهذا كالذي ذكرناه قبله من المجهول.
(7/30)
@قال أحمد : وهكذا رواه حماد بن سلمة وحماد بن زيد ووهيب بن خالد عن أيوب السختياني عن رجل عن أبيه.
وهو مجهول كما قال الشافعي : وروى إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تقتلوا الوالدان ولا أصحاب الصوامع.
وإبراهيم 152 ب بن إسماعيل غير محتج به.
وأخرج أبو داود في كتاب السنن حديث حسن بن صالح عن خالد بن الفِزْر قال حدثني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً ولا صغيراً ولا امرأة.
5419 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا الحسن بن علي بن عفان حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا حسن بن صالح عن خالد - يعني ابن الفِزْر البصري - قال حدثني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : انطلقوا بسم الله وبالله وعلى سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلوا أعداء الله في سبيل الله لا تقتلن شيخاً فانياً ولا طفلاً صغيراً ولا امرأة ولا تغلوا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا {إن الله يحب المحسنين}.
وأخرج أبو داود في مقابلته حديث حجاج بن أرطاة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (7/31)
اقتلوا شيوخ المشركين واستبقوا شرخهم.
5420 - وقد أخبرناه الحسن بن محمد بن حبيب من أصله قال : حدثنا أبو عبد الله الصفار حدثنا الحسن بن علي بن بحر أبو سعيد حدثنا عمرو بن عون أخبرنا هشيم عن الحجاج فذكره وقال في آخره : يعني الصغار والذرية.
فإذا كان المراد بالشرخ الصغار والذرية فالمراد بالشيوخ في مقابلتهم الرجال البالغين.
والحجاج بن أرطاة غير محتج به.
والحسن عن سمرة منقطع في غير حديث العقيقة فيما ذهب إليه بعض أهل العلم بالحديث . والله أعلم.
وروينا عن عمر بن الخطاب أنه قال : اتقوا الله في الفلاحين ولا تقتلوهم إلا أن ينصبوا لكم الحرب.
1142 - باب أمان العبد
5421 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي رحمه الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المسلمون يد على من سواهم تكافأ دمائهم ويسعى بذمتهم أدناهم.
قال أحمد : وهذا في حديث قيس بن عباد 153 أ عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم (7/32)
وقد مضى في أول كتاب الجراح.
وذكر في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه حديث وكيع عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي قال : في الصحيفة التي أورثناها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يسعى بذمتهم أدناهم.
5422 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن أبيه قال خطبنا عليّ فقال : من زعم أن عندنا شيئاً نقرأه ليس في كتاب الله وهذه الصحيفة معلقة في سيفه فيها أسنان الإبل وشيء من الجراحات فقد كذب.
وفيها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المدينة حرم ما بين عير إلى ثور فمن أحدث فيها أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً . ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غيره مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرفاً ولا عدلاً وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله عز وجل منه صرفاً ولا عدلاً.
رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره عن أبي معاوية الضرير.
5432 - وأخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الوليد حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا وكيع عن الأعمش فذكره بإسناده ومعناه.
رواه مسلم في الصحيح عن أبي سعيد.
(7/33)
وأخرجاه من حديث الثوري عن الأعمش بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم.
5424 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال قال أبو يوسف حدثنا عاصم بن سليمان عن الفضيل بن زيد قال : كنا محاصرين حصن قوم فعمد عبد لبعضهم فرمى بسهم فيه آمان.
فأجاز ذلك عمر بن الخطاب.
قال الشافعي : أرأيت عمر بن الخطاب حين أجاز أمان العبد ولم يسل أيُقاتل 153 ب أوْ لا.
أليس ذلك دليلاً على أنه إنما أجازه على أنه من المؤمنين.
وبسط الكلام فيه.
وقد رويناه عن شعبة عن عاصم عن فضيل بن زيد وفيه من الزيادة فكتبوا فيه إلى عمر فكتب عمر : إن العبد من المسلمين وذمته ذمتهم.
1143 - باب أمان المرأة
احتج الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه بحديث مالك - أظنه عن أبي النضر - أن أبا مرة مولى أم هانئ بنت أبي طالب أخبره أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب تقول : ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب.
قالت : فسلمت عليه فقال : من هذه ؟ فقلت : أنا أم هانئ بنت أبي طالب فقال : مرحباً بأم هانئ.
(7/34)
فلما فرغ من غسله قام فصلى ثمان ركعات ملتحفاً في ثوب واحد فلما انصرف قلت : يا رسول الله زعم ابن أمي علي بن أبي طالب أنه قاتل رجلاً أجرته فلان بن هبيرة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ.
وذلك ضحى.
5425 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أخبرنا أبو الحسن بن عبدوس حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله.
5426 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني أبو علي الحافظ أخبرنا علي بن الحسين الصفار حدثنا يحيى بن يحيى قال : قرأت على مالك عن أبي النضر فذكراه بطوله.
وحديث الشافعي مختصراً.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى.
ورواه البخاري عن القعنبي.
وذكر الشافعي أيضاً حديث المقبري عن أبي مرة عن أم هانئ في الآمان.
وقد أخرجاه في كتاب السنن.
5427 - وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا سفيان بن عيينة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت (7/35)
إن كانت المرأة لتجير على المؤمنين فيجوز.
وقد ذكره الشافعي من حديث الأعمش عن إبراهيم 154 أ وقال فيما حكي عن العراقيين أن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أمنت زوجها أبا العاص فأجاز ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا أسانيده في كتاب السنن.
1144 - باب كيف الآمان ومن نزل على حكم مسلم من أهل القناعة والثقة
5428 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقفي عن حميد عن أنس بن مالك قال : حاصرنا تستر فنزل الهرمزان على حكم عمر فقدمت به على عمر فلما انتهينا إليه قال له عمر : تكلم قال : كلام حي أم كلام ميت ؟ قال : تكلم لا بأس.
قال : إنا وإياكم معشر العرب ما خلى الله بيننا وبينكم كنا نتعبدكم ونقتلكم ونغضبكم فلما كان الله معكم لم يكن لنا بكم يدان فقال عمر ما تقول.
فقلت يا أمير المؤمنين تركت بعدي عدواً كثيراً وشوكة شديدة فإن قتلته يئس القوم من الحياة ويكون أشد لشوكتهم.
فقال عمر : أستحيي قاتل البراء بن مالك ومجزأة بن ثور فلما خشيت أن يقتله.
قلت : ليس إلى قتله سبيل.
قد قلت له تكلم لا بأس.
فقال عمر : ارتشيت وأصبت منهن.
فقلت : والله ما ارتشيت ولا أصبت.
(7/36)
قال : لتأتيني على ما شهدت به بغيرك أو لأبدأن بعقوبتك.
قال فخرجت فلقيت الزبير بن العوام فشهد معي وأمسك عمر وأسلم الهرمزان وفرض له.
قال الشافعي في رواية أبي سعيد : وقبول من قبل من الهرمزان أن ينزل على حكم عمر يوافق سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل من بني قريظة حين حصرهم وجهدتهم الحرب أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ.
قال : وقول عمر يرحم الله لتأتينني بمن شهد على ذلك غيرك.
يحتمل إن لم يذكر ما قال للهرمزان أن لا يقبل إلا بشاهدين.
ويحتمل أن يكون احتياطاً كما احتاط في الأخبار.
ويحتمل أن يكون في بدنه فجعل الشاهد غيره لأنه دافع عن من 154 ب في بدنه وأشبه ذلك أن يكون احتياطاً . والله أعلم.
قال الشافعي : ولا قود على قاتل أحد بعينه لأن الهرمزان قاتل البراء بن مالك ومجزأة بن ثور فلم ير عمر عليه قوداً.
وقول عمر في هذا موافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءه قاتل حمزة مسلماً فلم يقتله به قوداً.
واحتج في موضع آخر في روايتنا عن أبي عبد الله بإسناده عن الشافعي بقول الله عز وجل (7/37)
{قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف}.
وما سلف ما تقضى وذهب.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الإيمان يجبّ ما كان قبله.
قال أحمد : وهذا في حديث عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية أخرى عنه ثابتة : أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله.
5249 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب كتب إلى عامل جيش كان بعثه أنه بلغني أن الرجل منكم يطلب العلج حتى إذا أسند في الجبل وامتنع قال له الرجل مترس يقول لا تخف فإن أدركه قتله وإني والذي نفسي بيده لا يبلغني أن أحداً فعل ذلك إلا ضربت عنقه.
قال مالك : لا يقتل به.
قال الشافعي : إن كان إنما ذهب إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يقتل مسلم بكافر.
وهذا كافر لزمه إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء إن يترك كل ما خالفه.
(7/38)
قال أحمد : هذا عن عمر منقطع.
وقد روينا بإسناد موصول عن أبي وائل أنه قال : جاءنا كتاب عمرو : إذا حاصرتم قصراً فأرادوكم أن تنزلوا على حكم الله فلا تنزلوهم فإنكم لا تدرون ما حكم الله فيهم ولكن أنزلوهم على حكمكم ثم أقضوا فيهم بما أحببتم.
وإذا قال الرجل للرجل لا تخف فقد أمنه.
وإذا قال : مترس فقد أمنه فإن الله يعلم الألسنة.
5430 - أخبرناه يحيى بن إبراهيم أخبرنا محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن عبد الوهاب أخبرنا جعفر بن عون أخبرنا 155 أ الأعمش عن أبي وائل فذكره وقد ثبت ما ذكر عمر في النزول على حكم الله عن سليمان بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
1145 - باب الخروج إلى دار الحرب غازياً بغير إذن الإمام والتقدم على جماعة المشركين والأغلب أنهم سيقتلونه
5431 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي رحمه الله قال : استحب أن لا يخرجوا إلا بإذن الإمام بخصال.
فذكر مبسوط ما اختصره المزني ثم قال : فأما أن يكون ذلك يحرم عليهم فلا أعلمه يحرم وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الجنة فقال له رجل من الأنصار : إن قتلت صابراً محتسباً ؟ قال : فلك الجنة.
فانغمس في جماعة العدو فقتلوه.
وألقى رجلاً من الأنصار درعاً كانت عليه حين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الجنة ثم انغمس في العدو فقتلوه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(7/39)
وأن رجلاً من الأنصار تخلف عن أصحاب بئر معونة فرأى الطير عكوفاً على مقتلة أصحابه فقال لعمرو بن أمية سأتقدم على هؤلاء العدو فيقتلوني ولا أتخلف عن مشهد قتل فيه أصحابنا ففعل فقتل فرجع عمرو بن أمية فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولاً حسناً.
ويقال فقال لعمرو : فهلا تقدمت فقاتلت حتى تقتل ؟ وقال في موضع آخر في هذا الإسناد : وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري ورجلاً من الأنصار سرية وحدهما.
وبعث عبد الله بن أنيس سرية وحده.
قال الشافعي في الموضع الأول : فإذا أحل للرجل المنفرد أن يتقدم على الجماعة الأغلب عنده وعند من رآه أنها ستقتله كان هذا أكبر مما في انفراد الرجل والرجال بغير إذن الإمام.
وقد بسط الشافعي الكلام في قتال الواحد جماعة من المشركين في كتاب القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه وانتهى كلامه إلى أن قال : فإن كان يرجو النجاة بالحال التي قد ينجو مثله بها فله ذلك وهو 155 ب مثل أن يقاتل عشرة فقد يهزم الواحد العشرة.
وما أشبه ذلك وما كان من ذلك مما لا ينجو منه فليس ذلك له لأنه بمنزلة من ألقى نفسه في نار أو بحر يحيط علمه أنه لا ينجو منه.
فإن قالوا : قد بارز عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح جماعة من المشركين فقاتلهم فلم يعبه رسوله الله صلى الله عليه وسلم.
وفعل ذلك غير واحد في زمان عمر فلم يعب.
قال الشافعي : عاصم بن ثابت قد كان علم أن القوم قاتلوه لأنه كان قتل يوم أحد جماعة من (7/40)
@بني عبد الدار فجعلت أمه لله عليها نذراً أن تشرب في رأسه الخمر فلما لقي عاصم القوم علم أنهم قاتلوه ليأتوا برأسه المرأة فيصيبوا به فقاتلهم على الإياس من الحياة.
وكذلك نقول فيمن كان يعلم أنه سيقتل ولعله قتل قبل أن يقتل بقتيل من المشركين ويغيظهم.
1146 - باب قليل الغلول وكثيره محرم
5432 - أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفقيه أخبرنا أبو النضر شافع بن محمد أخبرنا أبو جعفر بن سلامة حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن ثور بن زيد الديلي عن أبي الغيث مولى ابن مطيع عن أبي هريرة قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر فلم نغنم ذهباً ولا فضة إلا الأموال والثياب والمتاع قال : ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو وادي القرى وزعم أن رفاعة بن زيد وهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم عبداً أسود يقال له مدعم.
قال فخرجنا حتى كنا بوادي القرى فبينما مدعم يخط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم غائر فقتله فقال الناس : هنيئاً له الجنة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً.
أخرجاه في الصحيح من وجه آخر عن مالك وفيه من الزيادة : فجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراك أو شراكين ، فقال رسول الله 156 أ صلى الله عليه وسلم (7/41)
شراك من نار أو شراكان من نار.
5433 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا ابن عبد الحكم أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني مالك فذكره بإسناده ومعناه وذكر هذه الزيادة.
5434 - أخبرنا أبو إسحاق أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حَبّان عن أبي عمرة عن زيد بن خالد الجهني قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات رجل من أشجع فلم يصلّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : صلوا على صاحبكم.
فنظروا إلى متاعه فوجدوا خرزاً من خرز يهود لا يساوي درهمين.
5435 - وبهذا الإسناد قال حدثنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب قال سمعت يحيى بن سعيد الأنصاري يقول سمعت محمد بن يحيى بن سعيد الأنصاري يقول سمعت محمد بن يحيى بن حَبّان يحدث عن أبي عمرة عن زيد بن خالد الجهني أن رجلاً توفي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشجع يوم خيبر وأنهم ذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فزعم أنه قال لهم : صلوا على صاحبكم.
فتغيرت وجوه الناس لذلك . فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن صاحبكم غل في سبيل الله.
قال : ففتشنا متاعه فوجدناه خرزاً من خرز اليهود والله ما يساوي درهمين.
5436 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قلت للشافعي (7/42)
أفرأيت الذي يغل من الغنائم شيئاً قبل أن تقسم ؟ فقال لا يقطع ويغرم وإن كان جاهلاً عُلم ولم يعاقب فإن عاد عوقب.
قلت : أفيرجل عن دابته أو يحرق سرجه أو متاعه ؟ فقال : لا يعاقب رجل في ماله إنما يعاقب في بدنه وإنما جعل الله الحدود على الأبدان.
وكذلك العقوبات وقليل الغلول وكثيره محرم قلت للشافعي فما الحجة فيما قلت ؟ فقال : أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عجلان كلاهما عن عمرو بن شعيب.
قال أحمد : انقطع الحديث من الأصل وهو فيما 5437 - أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقري 156 ب أخبرنا أبو الحسن بن محمد بن إسحاق حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي حدثنا إبراهيم بن يسار حدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار سمع عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قفل من غزوة حنين وكان يسير والناس يسألونه حاصت به الناقة فخطفت شجرة رداءه فقال : ردوا عليّ ردائي أتخشون عليّ البخل والله لو أفاء الله عليكم نعماً مثل سمر تهامة لقسمتها بينكم ثم لا تجدوني بخيلاً ولا جباناً ولا كذوباً.
ثم أخذ وبرة من ذروة سنام بعيره فرفعها وقال : مالي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذه إلا الخمس وهو مردود عليكم.
فلما كان عند قسم الخمس أتاه رجل يستحله خياطاً أو مخيطاً فقال (7/43)
ردوا الخياط والمخيط فإن الغلول عار ونار وشنار يوم القيامة.
قال أحمد : وأما حديث صالح بن محمد بن زائدة قال : دخلت مع مسلمة أرض الروم فأتي برجل قد غل فسأل سالماً عنه فقال سمعت أبي يحدث عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا وجدتم رجلاً قد غل فاحرقوا متاعه واضربوه.
قال : فوجدنا في متاعه مصحفاً فسأل سالماً عنه فقال بعه وتصدق بثمنه.
فهكذا 5438 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا النفيلي وسعيد بن منصور قالا : حدثنا عبد العزيز بن محمد عن صالح.
ورواه أبو إسحاق الفزاري عن صالح قال : غزونا مع الوليد بن هشام فذكر إحراق الوليد متاع للغال ولم يسند الحديث.
قال أبو داود : هذا أصح الحديثين.
قال أحمد : وقال البخاري : عامة أصحابنا يحتجون بهذا في الغلول وهذا باطل ليس بشيء وصالح بن محمد منكر الحديث تركه سليمان بن حرب.
قال أحمد : ورواه زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً.
وقيل عنه مرسلاً . وزهير هذا يقال هو مجهول وليس بالمنكر.
(7/44)
1147 - باب 157 أ إقامة الحدود في أرض الحرب
5439 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : قال أبو يوسف : حدثنا بعض أشياخنا عن مكحول عن زيد بن ثابت أنه قال : لا تقام الحدود في دار الحرب مخافة أن يلحق أهلها بالعدو.
قال وحدثنا بعض أشياخنا عن ثور بن يزيد عن حكيم بن عمير أن عمر كتب إلى عمير بن سعد الأنصاري وإلى عماله : أن لا تقيموا حداً على أحد من المسلمين في أرض الحرب حتى يخرجوا إلى أرض المصالحة.
قال الشافعي : لا فرق بين دار الحرب ودار الإسلام فيما أوجب الله على خلقه من الحدود.
واحتج بالآيات التي وردت في حد الزاني وقطع السارق وجلد القاذف لم يستثن من كان في بلاد الإسلام أو بلاد الكفر.
وقال في رواية أبي سعيد وحده في موضع آخر : وقد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الحد بالمدينة والشرك قريب منها وفيها شرك كثير موادعون.
وضرب الشارب بحنين والشرك قريب منه.
وبسط الكلام في ذلك وقال في روايتهما : فأما قوله يلحق بالمشركين فإن لحق بهم فهو أشقى له.
ومن ترك الحد خوف أن يلحق المحدود ببلاد المشركين تركه في سواحل (7/45)
المسلمين ومسالحهم التي تتصل ببلاد الحرب.
وما روي عن عمر بن الخطاب مستنكر وهو يعيب أن نحتج بحديث غير ثابت ويقول حدثنا شيخ ومن هذا الشيخ ؟ ويقول مكحول : عن زيد بن ثابت ومكحول لم ير زيد بن ثابت.
قال أحمد : واحتج بعضهم بحديث بُسر بن أبي أرطاة أنه أتى بسارق وقد سرق بختية.
فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تقطع الأيديي في السفر.
ولولا ذلك لقطعته.
وهذا إنما يروى بإسناد شامي عن بُسر.
وكان أهل المدينة ينكرون أن يكون بُسر سمع من النبي صلى الله عليه وسلم.
157 ب وكان يحيى بن معين يقول : بُسر بن أبي أرطاة رجل سوء.
قال أحمد : وذلك لما قد انتشر من سوء فعله في قتال أهل الحرة.
قال أحمد : وروينا عن عبادة بن الصامت أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : أقيموا حدود الله في السفر والحضر على القريب والبعيد ولا تبالوا في الله لومة لائم.
(7/46)
وذلك فيما رواه أبو داود في المراسيل بإسناده عن مكحول عن عبادة.
وهو بمعناه في تاريخ يعقوب بإسناد موصول ذكرناه في كتاب السنن.
وروينا عن أبي عبيدة بن الجراح أنه كتب إلى عمر في إقامة الحد على عبد بن الأزور وضرار بن الخطاب وأبي جندل وكانوا قد شربوا . وكان ذلك بحضرة العدو فسأله عبد بن الأزور أن يؤخر ذلك حتى يرجع الكتاب ولعل الله أن يكرمهم بالشهادة.
فقتل عبد بن الأزور حين التقى الناس قبل أن يرجع الكتاب فلما رجع حدهما.
1148 - باب بيع الدرهم بالدرهمين في أرض الحرب
5440 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : قال الأوزاعي : الربا عليه حرام في دار الحرب وغيرها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وضع ربا الجاهلية ما أدركه الإسلام من ذلك فكان أول ربا وضعه ربا العباس بن عبد المطلب فكيف يستحل المسلم أكل الربا في قوم قد حرم عليه دماءهم وأموالهم.
وقد كان المسلم يبايع الكافر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يستحل ذلك.
وقال أبو يوسف : القول ما قال الأوزاعي.
وإنما أحل أبو حنيفة هذا لأن بعض المشيخة حدثنا عن مكحول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا ربا بين أهل الحرب.
أظنه قال : وأهل الإسلام.
قال الشافعي (7/47)
القول كما قال الأوزاعي وأبو يوسف وما احتج به أبو يوسف لأبي حنيفة ليس بثابت ولا حجة فيه.
1149 - باب 158 أ ما جاء في ترك دعاء من قد بلغته الدعوة
واحتج الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه : في ذلك بحديث ابن علية عن ابن عون قال : كتبت إلى نافع أسأله عن دعاء المشركين عند القتال فكتب : أن ذلك كان في أول الإسلام وقد أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم تسقى على الماء فقتل مقاتلتهم وسبى سبيهم وأصاب يومئذ جويرية بنت الحارث - حدثني بذلك ابن عمر . وكان في ذلك الجيش.
5441 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا سعيد بن منصور حدثنا إسماعيل بن إبراهيم - وهو ابن علية - قال أخبرنا ابن عون . فذكره.
أخرجاه في الصحيح من أوجه عن ابن عون.
وذكر حديث الصعب بن جثامة.
وحديث سلمة بن الأكوع في التبييت.
1150 - باب النهي عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو
قال الشافعي في القديم أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن ينالوه.(7/48)
5442 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا يحيى بن منصور القاضي حدثنا محمد بن عبد السلام حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك . فذكره دون قوله مخافة أن ينالوه.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى.
وأخرجه البخاري عن القعنبي عن مالك.
5443 - أخبرنا أبو إسحاق أخبرنا أبو النصر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو فإني أخاف أن يناله العدو.
رواه مسلم عن ابن أبي عمر عن سفيان.
1151 - باب ما أحرزه المشركون على المسلمين
5444 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال سألت الشافعي رحمه الله عن العدو يأبق إليهم العبد ويشرد إليهم البعير أو يغيرون فينالونهما فظفر عليهما المسلمون فجاء صاحبهما ؟ فقال : ما لصاحبهما.
فقلت : أرأيت إن وقعا في المقاسم ؟ فقال : قد اختلف فيهما المفتون فمنهم من قال : هما قبل المقاسم وبعدها سواء لصاحبهما.
ومنهم من قال : هما لصاحبهما قبل المقاسم فإذا وقعت المقاسم وصاروا في سهم رجل فلا سبيل إليهما.
(7/49)
ومنهم من قال : صاحبهما أحق بهما ما لم يقسما فإذا قسما فصاحبهما أحق بهما بالقيمة.
قال الشافعي : ودلالة السُنة فيما أرى - والله أعلم - مع من قال هو لمالكه قبل القسمة وبعده.
فأما القياس فمعه لا شك ، والله أعلم.
فقلت للشافعي : فاذكر السُنة فيه ؟ فقال : أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن الحصين قال : سُبيت امرأة من الأنصار وكانت الناقة أصيبت قبلها.
قال الشافعي : كأنه يعني ناقة النبي صلى الله عليه وسلم لأن آخر الحديث يدل ذلك.
قال عمران بن حصين : وكانت تكون فيهم وكانوا يجيئون بالنعم إليهم فانفلتت ذات ليلة من الوثاق فأتت الإبل فجعلت كلما أتت بعيراً منها فمسته رغا فتتركه حتى أتت تلك الناقة فمستها فلم ترغ وهي ناقة هُدَرَة فقعدت في عُجزها ثم صاحت بها فانطلقت فطلبت من ليلتها فلم يقدر عليها فجعلت لله عليها إن الله أنجاها عليها لتنحرنها.
فلما قدمت عرفوا الناقة وقالوا : ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالت : إنها قد جعلت لله عليها لتنحرنها.
فقالوا : والله لا تنحرنها حتى نؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأتوه فأخبروه أن فلانة قد جاءت على ناقتك وإنها قد جعلت لله عليها إن نجاها الله عليها لتنحرنها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سبحان الله بئس ما جزتها أن أنجاها الله عليها لتنحرنها لا وفاء لنذر في معصية (7/50)
@الله ولا وفاء لنذر فيما لا يملك العبد 159 أ أو قال : ابن آدم.
5445 - وأخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب الثقفي فذكروا هذا الحديث بهذا الإسناد واللفظ.
أخرجه مسلم في الصحيح عن إسحاق بن إبراهيم عن عبد الوهاب.
5446 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان وعبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين.
أن قوماً أغاروا فأصابوا امرأة من الأنصار وناقة للنبي صلى الله عليه وسلم وكانت الناقة والمرأة عندهم ثم انفلتت المرأة فركبت الناقة فأتت المدينة فعُرفت ناقة النبي صلى الله عليه وسلم.
فقالت : إني نذرت لئن أنجاني الله عليها لأنحرنها فمنعوها أن تنحرها حتى يذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم.
فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال : بئس ما جزيتها إن أنجاك الله عليها أن تنحريها لا نذر في معصية الله ولا فيها لا يملك ابن آدم وقالا معاً أو أحدهما في الحديث : وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ناقته.
قال أحمد : وهذه الزيادة أيضاً فيما (7/51)
5447 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا يحيى بن أبي طالب أخبرنا علي بن عاصم عن خالد عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال : فقدت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء فإذا هم بها صباح يوم وامرأة قد أناختها تريد أن تنحرها فذهبوا بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما شأنك ؟ قالت : أنا من المسلمين ممن حول المدينة سباني المشركون وابنتاً لي فشدونا وثاقاً فحللت من الليل وثاقي فأتيت ابنتي لأحلها فلم أستطع أحلها فأتيت الإبل فأخذت أسكنها بعيراً فركبت عليه وجعلت لله عليّ إن نجاني الله أن أنحرها . قال : بئس ما جزيتها لا نذر لابن آدم فيما لا يملك.
فقبض 159 ب رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته وخلى عن المرأة.
قال الشافعي رحمه الله في روايتنا عن أبي سعيد وحده : فقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم ناقته بعدما أحرزها المشركون وأحرزتها الأنصارية على المشركين.
ولو كانت الأنصارية أحرزت عليهم شيئاً ليس لمالك كان لها في قولنا أربعة أخماسه وخمس لأهل الخمس.
وفي قول غيرنا كان لها ما أحرزت لا خمس فيه.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تملك ما له بلا قيمة.
قال أحمد : فإن قال قائل إنما لم يصح نذرها لأنها قالت ذلك وهي في دار الحرب ما لم تنج بها إلى دار الإسلام لم تملكها.
قيل له : أليس قد نجت إلى دار الإسلام فوجب أن يبطل نذرها بملكها على أصلك ولم يجز النبي صلى الله عليه وسلم إبطال ملكها إلا بأن يدفع إليها قيمتها فلما لم يُنقل في شيء من الأخبار أنه غرم لها قيمتها دل أنها لم تملكها قط.
(7/52)
ولأن ظاهر الخبر أنها هربت عليها وطلبت من ليلتها فلم يقدر عليها فحينئذ نذرت والغالب أنها كانت قد دخلت دار الإسلام لقرب الشرك من دار الإسلام يومئذ إلا أنها خشيت خروجهم في إثرها في الصحراء فنذرت فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم نذرها وأخبر بأنها نذرت ما لم تملك.
ومن ذهب إلى وقوع الطلاق في الملك إذا عقد قبله مضافاً إليه لزمه أن يقول بلزوم النذر في الملك إذا عقد قبله مضافاً إليه.
وها هنا قد أضافت نذرها إلى أن تنجو عليها وإنما يكون ذلك عنده إذا دخلت دار الإسلام وملكها وهو لا يقول ذلك.
5448 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة عن نافع عن ابن عمر : أن عبداً له أبق وفرساً له غار فأحرزه المشركون ثم أحرزه عليهم المسلمون فرُدّا بلا قيمة.
5449 - وقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد 160 أ بن إسحاق الصغاني حدثنا ابن نمير حدثنا أبي حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : ذهب فرس له فأخذه العدو فظهر عليهم المسلمون فرد عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبق عبداً له فلحق بالروم فظهر عليه المسلمون فرد عليه خالد بن الوليد - يعني بعد النبي صلى الله عليه وسلم -.
أخرجه البخاري في الصحيح فقال : وقال ابن نمير فذكره.
قال الشافعي في القديم : ولو كان العدو مالكين لم يكن لهم رده لأن الله تعالى قد جعل الخمس من الغنيمة لابن السبيل واليتيم وفي ردهم ذلك إلى ابن عمر ترك لإخراج الخمس منه.
5450 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا(7/53)
الثقة عن مخرمة بن بكير عن أبيه - لا أحفظ عن من رواه - أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال : فيما أحرز العدو من مال المسلمين مما غلبوا عليه أو أبق إليهم ثم أحرزه المسلمون : مالكوه أحق به قبل القسم وبعده.
قال الشافعي : وإن اقتسم فلصاحبه أخذه وعوض الذي صار في سهمه قيمته من خمس الخمس.
وذكر الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه : حديث علي بن الجعد عن شريك عن الركين بن الربيع عن أبيه : أن فرساً له غار إلى المشركين فصار في الخمس فأتيت سعداً فأخبرته فدفعه إليّ.
5451 - أخبرناه الإمام أبو الفتح أخبرنا عبد الرحمن بن أبي شريح أخبرنا أبو القاسم البغوي أخبرنا علي بن الجعد فذكره بإسناده ومعناه إلا أنه قال : فوجده في مربط سعد.
وقد رويناه عن زائدة عن الركين بن الربيع عن أبيه قال : فرده علينا بعدما قسم وصار في خمس الإمارة.
قال الشافعي في القديم : سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مال المسلم لا يحل إلا بطيب نفس منه وقال : دماؤكم وأموالكم حرام.
وبسط الكلام فيه إلى أن قال : فإن احتج بأن 160 ب بأن تميم بن طرفة روى أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم في رجل اشترى بعيراً قد (7/54)
أحرزه العدو أن صاحبه يأخذه بالثمن.
قيل له : تميم بن طرفة لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه والمرسل لا تثبت به حجة لأنه لا يدري عن من أخذه.
5452 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : قال أبو يوسف : حدثنا الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد وبعيراً أحرزهما العدو ثم ظفر بهما . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبهما : إن أصبتهما قبل القسمة فهما لك بغير شيء وإن أصبتهما بعد القسمة فهما لك بالقيمة.
قال أحمد : هكذا وجدته عن أبي يوسف عن الحسن بن عمارة.
ورواه غيره عن الحسن بن عمارة بن عبد الملك الزرّاد عن طاووس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعير واحد.
وهذا الحديث يعرف بالحسن بن عمارة وهو متروك لا يحتج به.
ورواه مسلمة بن علي عن عبد الملك وهو أيضاً ضعيف.
وروي بإسناد آخر مجهول عن عبد الملك ولا يصح شيء من ذلك.
وروي من وجه آخر عن ابن عمر وإنما رواه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة وياسين بن معاذ الزيات على اختلاف بينهما في لفظه وكلاهما متروك لا يحتج به.
قال الشافعي في القديم : واحتج محتج بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : من أدرك ما أحرز العدو قبل أن يقسم فهو له وما قسم فلا حق له فيه إلا بالقيمة.
(7/55)
قال الشافعي : فيقال له هذا إنما روي عن الشعبي عن عمرو عن رجاء بن حيوة عن عمر مرسلاً.
وذكره في موضع آخر من حديث عبد الوهاب عن ابن أبي عروبة عن أبي حريز عن الشعبي أن عمر قال : من أدرك ما أحرزه العدو من ماله قبل أن يقسم فهو له وإن قسم فلا سبيل له عليه إلا بالقيمة.
ومن حديث ابن علية عن 161 أ عمر أو عن أبي عبيدة.
قال الشافعي : وكلاهما لم يدرك عمر ، ولا قارب ذلك.
قال أحمد : وقد قيل عن رجاء عن قبيصة بن ذؤيب عن عمر.
وهو أيضاً مرسل.
قال الشافعي : المرسل قد يكون عن المجهول والمجهول لا تقوم به حجة.
وحديث سعد أثبت من الحديث عن عمر لأنه عن الركين عن أبيه أن سعداً فعله به والحديث عن عمر مرسل.
5453 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن حماد بن سلمة عن قتادة عن خلاس بن عمرو عن علي فيمن اشترى ما أحرزه العدو قال : هو جائز.
قال الشافعي (7/56)
وهم يقولون صاحبه إذا جاء بالخيار إن أحب أخذه بالثمن أخذه.
قال أحمد : رواية خلاس عن علي ضعيفة عند أهل العلم بالحديث يقولون هي من كتاب وإنها منقطعة ويروون فيه عن زيد بن ثابت وإنما رواه ابن لهيعة بإسناده وابن لهيعة غير محتج به.
قال أحمد : حديث عمران بن حصين ثابت لا شك فيه.
وحديث ابن عمر أيضاً ثابت إلا أن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة رواه عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : أن غلاماً لابن عمر أبق إلى العدو فظهر عليه المسلمون فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمر ، ولم يقسم.
5454 - هكذا أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا صالح بن سهيل عن يحيى بن أبي زائدة فذكره.
وفيه أيضاً دلالة على أن العدو لم يملكه بالإحراز.
وحديث سعد بن أبي وقاص موصول وفيه دلالة على أنه رده بعد القسمة ولم ينقل فيه إيجاب القسمة على صاحبه.
وأما سائر الروايات فإنها مقاطيع أو ضعيفة ، والله أعلم.
1152 - باب من أسلم على شيء فهو له
5455 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي رحمه الله قال : روى 161 ب ابن أبي مليكة مرسلاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (7/57)
من أسلم على شيء فهو له.
قال الشافعي : وكان معنى ذلك من أسلم على شيء يجوز له ملكه فهو له.
واستدل على ذلك أنه لو أحرز حرزاً أو أم ولد أو مكاتباً أو مدبراً أو عبداً مرهوناً فأسلم عليهم لم يكونوا له.
فكذلك أموال المسلمين لم تكن له.
قال الشافعي : والذين قتل المغيرة مشركون : يريد ما روي عن عروة بن الزبير عن المسور في قصة الحديبية وما جرى بين عروة بن مسعود الثقفي والمغيرة بن شعبة.
قال : وكان المغيرة صحب قوماً في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما الإسلام فأقبل وأما المال فلست منه في شيء.
وذكر الشافعي في القديم حديث موسى بن داود عن ابن المبارك عن حيوة بن شرح عن أبي الأسود عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أسلم على شيء فهو له.
وهذا أيضاً منقطع ويشبه أن يكون أراد قصة المغيرة بن شعبة.
وذكر أيضاً حديث خالد عن موسى بن أعين عن ليث بن أبي سليم عن علقمة بن مرثد عن سلميان بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (7/58)
لهم ما أسلموا عليه من أرضهم وأموالهم وفي أرضهم العشر.
5456 - أخبرناه أبو عثمان سعيد بن محمد بن محمد بن عبدان حدثنا أبو بكر بن محمد بن المؤمل حدثنا الفضل بن محمد الشعراني حدثنا النفيلي عن موسى بن أعين فذكره بإسناده زاد قال في أهل الذمة : لهم ما أسلموا عليه من أموالهم وعبيدهم وأرعيتهم وماشيتهم ليس عليهم فيه إلا صدقة.
1153 - باب الحربي يدخل بأمان وله مال في دار الحرب ثم يسلم أو يسلم في دار الحرب
5457 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : قد أسلم ابنا سَعْيَة القرظيان من بني قريظة ورسوله الله صلى الله عليه وسلم جاثم عليهم وقد حصرهم فترك لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم 162 أ دورهما وأموالهما من النخل والأرض وغيرهما.
قال الشافعي : وذلك معروف من بني قريظة.
قال أحمد : وهذا فيما رواه محمد بن إسحاق صاحب المغازي عن عاصم بن عمر بن قتادة عن شيخ من بني قريظة قال : هل تدري عم كان إسلام ثعلبة وأسيد ابني سَعْيَة وأسد بن عبيد ؟ فذكر قصة في اليهودي الذي كان أخبر بصفة النبي صلى الله عليه وسلم قال : فلما كانت تلك الليلة التي افتتحت فيها قريظة قالوا : يا معشر يهود إنه والله لهو بصفته ثم نزلوا فأسلموا وخلوا أموالهم وأولادهم وأهاليهم وكانت في الحصن فلما فتح رد ذلك عليهم.
(7/59)
5458 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس حدثنا العطاردي حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق فذكره.
وروينا في حديث صخر بن العيلة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا صخر إن القوم إذا أسلموا أحرزوا أموالهم ودماءهم.
وروينا في الحديث الثابت عن ابن عباس قال : لقي ناس من المسلمين رجلاً في غُنيمة له فقال : السلام عليكم فأخذوه فقتلوه وأخذوا تلك الغنيمة فنزلت : {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا} وقرأها ابن عباس ( السلام ).
5459 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الوليد حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر.
ورواه البخاري عن ابن المديني عن سفيان.
1154 - باب المسلم يدخل دار الحرب فيشتري داراً أو غيرها
5460 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : سئل أبو حنيفة عن رجل مسلم دخل دار الحرب بأمان فاشترى داراً أو أرضاً أو رقيقاً أو ثياباً فظهر عليه المسلمون ؟(7/60)
@قال : أما الدور والأرضون فهي من فيء المسلمين وأما الرقيق والمتاع فهو للرجل الذي اشتراه.
162 ب قال الأوزاعي : فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة فخلى بين المهاجرين وأرضيهم ودورهم بمكة ولم يجعلها فيئاً.
وقال أبو يوسف : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عفا عن مكة وأهلها وقال : من أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن.
ونهى عن القتل إلا نفراً قد سماهم إلا أن يقاتل أحد فيقاتل.
وقال لهم حين اجتمعوا في المسجد.
ما ترون أني صانع بكم.
قالوا : خيراً أخو كريم وابن أخو كريم . قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء.
ولم يجعل منها فيئاً قليلاً ولا كثيراً ولا داراً ولا أرضاً ولا مالاً ولم يسب من أهلها أحداً وقد قاتله قوم فيها فقتلوا وهربوا فلم يأخذ من متاعهم شيئاً ولم يجعله فيئاً.
وقد أخبرتك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس في هذا كغيره فهذا من ذلك فتفهم.
(7/61)
فأما الرجل المسلم الذي دخل دار الحرب فالقول كما قال أبو حنيفة لأن الدور والأرضين لا تحول ولا يحوزها المسلم.
قال الشافعي : القول ما قال الأوزاعي إلا أنه لم يصنع من بالحجة بمكة ولا أبو يوسف شيئاً لم يدخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم عنوة وإنما دخلها صلحاً وقد سبق لهم أمان.
والذين قاتلوا وأذن في قتلهم بمكة بنو نفاثة قتلت خزاعة وليس لهم بمكة دار ولا مال وإنما هم قوم هربوا إليها فأي شيء يغنم ممن لا مال له.
وأما غيرهم ممن دفع خالد بن الوليد فادعوا أن خالد بن الوليد بدأهم بالقتال ولم ينفذ لهم أماناً.
وادعى خالد أنهم بدأوه ثم أسلموا قبل أن يظهر لهم على شيء.
ومن لم يسلم صار إلى قبول الأمان بإلقاء السلاح ودخول داره.
فقد تقدم من رسول الله صلى الله عليه وسلم : من دخل داره فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن.
قال : من يغنم مال من له أمان لا غنيمة على مال هذا وما يقتدى فيما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا 163 أ بما صنع.
وبسط الكلام في هذا وجرى من خلال كلامه : أن ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم مبين في كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فيهما ولو جاز أن قال في شيء لم يبين أنه خاص (7/62)
له لعل هذا من الخاص له جاز هذا في كل حكم فخرجت أحكامه من أيدينا.
قال : وكيف يجوز أن يغنم مال المسلم وقد منعه الله بدينه.
وبسط الكلام في هذا.
واحتج بحديث ابن سَعْية ومنع أن يكون بين الدور والأراضي وغيرها مما يحول فرق.
قال أحمد : احتج بعض من خالفنا في هذا بأحاديث في نقص قريش عهدهم وأنهم لم يبقوا على الصلح الذي جرى بالحديبية.
وذلك مسلم له إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل مرّ الظهران ومن أتاه أبو سفيان ومن أتاه من أهل مكة عقد لأهل مكة الأمان إلا نفراً يسيراً سماهم بشرط فقال : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه داره فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن كف يده فهو آمن.
فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد.
فأما ما حكي في حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأنصار حين طافوا به : انظروا إلى أوباش قريش وأتباعهم.
ثم قال با حدى يديه على الأخرى : احصدوهم حصداً.
فإنما قال ذلك لأنه لم يعلم أن قريشاً قبلت ما عقد لهم من الأمان فدخل مكة مستعداً للقتال خوفاً من غدرهم وأمر الأنصار بالقتال إن قاتلوا.
والذي روي في حديثه من قوله لأبي سفيان : من دخل داره فهو آمن.
(7/63)
فاختلاف رواته في وقت حكايته يدل على أنهم قصدوا حكاية لفظه دون حكاية وقته وقد بين عبد الله بن عباس وعكرمة بن الزبير وعكرمة وسائر أصحاب المغازي أن ذلك القول كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمر الظهران ويجوز أن يكون أعاده بمكة.
وكيف يجوز أن يكون ابتدأه بعدما ظفر بهم وليس للإمام ذلك بعد الظفر بهم.
ودعوى التخصيص من غير حجة غير مقبولة.
163 ب ولا حجة في توهم الطلقاء أن السيف لا يرفع عنهم وهو كقول أبي سفيان للعباس حين وقفه ليرى كثرة الناس أغدراً يا بني هاشم ؟ فقال العباس : ستعلم أنّا لسنا بغدر.
ولولا انعقاد الأمان لهم بما مضى لما قال ذلك.
فلعلهم كانوا يتوهمون ما توهم أبو سفيان . فقال : أنتم الطلقاء.
وهو يريد بالأمان السابق ووجود شرطه.
قال أحمد : والنبي صلى الله عليه وسلم خرج لغزو قريش والفتح يكون بالصلح مرة والقهر أخرى.
وقد سمى الله تعالى صلح الحديبية فتحاً.
قال الشافعي في القديم : قال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : {إنا فتحنا لك فتحا مبينا}.
فلم يختلف الناس أن ذلك نزل يوم الحديبية فسمي صلحهم فتحاً.
وقد يقول الناس للمدينة تفتتح افتتحت صلحاً ويقال افتتحت عنوة.
فالفتح قد يكون صلحاً وقد يكون عنوة.
قال أحمد (7/64)
فليس في تسمية الناس خروجه غزواً ودخوله مكة فتحاً ما يدل على أنها فتحت عنوة.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : إنما أحلت لي ساعة من نهار.
يريد - والله أعلم - دخولها مُعداً للقتال بغير إحرام إن لم يقبلوا الأمان وقاتلوه.
والذي روي في حديث أم هانئ من إرادة عليّ قتل رجل أجارته فلعله رآه ومعه السلاح فظن أنه لم يقبل الأمان بدليل أن ذلك كان بعد قوله : أنتم الطلقاء.
وخروجه من المسجد واشتغاله بالغسل وصلاة الضحى في ذلك الوقت لم يجز إلا قتل من استثناهم بالإجماع والله أعلم.
5461 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح جاءه العباس بن عبد المطلب بأبي سفيان بن حرب فأسلم بمر الظهران فقال له العباس : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر فلو جعلت له شيئاً قال : نعم 164 أ من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن.
5462 - وأخبرنا أبو علي أخبرنا أبو بكر حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن عمرو الرازي حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن العباس بن عبد الله بن معبد عن بعض أهله عن ابن عباس قال : لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران قال العباس : قلت والله لئن دخل رسول (7/65)
الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يأتوا فيستأمنوه إنه لهلاك قريش فجلست على بلغة رسوله الله صلى الله عليه وسلم فقلت لعلي أجد ذا حاجة يأتي أهل مكة يخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا إليه فيستأمنوه فإني لأسير سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن روقاء فقلت : يا أبا حنظلة فعرف صوتي قال : أبو الفضل ؟ قلت : نعم . قال : ما لك فداك أبي وأمي ؟ قلت : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس قال : فما الحيلة ؟ قلت : فاركب معي فركب خلفي ورجع صاحبه فلما أصبح غدوت به على رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يجب الفخر فاجعل له شيئاً ؟ قال : نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه داره فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن.
قال : فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد.
وهذا الذي روي في هذا الحديث معروف مشهور فيما بين أهل العلم بالمغازي.
وقد رواه يوسف بن يعقوب القاضي عن يوسف بن بهلول عن ابن إدريس عن ابن إسحاق قال قال الزهري : فحدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس فذكره بمعناه وأتم منه.
5463 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو جعفر البغدادي حدثنا أبو عُلاثة محمد بن عمرو بن خالد قال : حدثنا أبي قال ابن لهيعة حدثنا أبو الأسود عن عروة بن الزبير 5464 - وأخبرنا أبو عبد الله أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل حدثنا جدي حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا محمد بن فليح عن 164 ب موسى بن عقبة عن ابن شهاب.
5465 - وأخبرنا أبو الحسن بن الفضل القطان أخبرنا محمد بن عبد الله بن(7/66)
عتاب العبدي حدثنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة حدثنا ابن أبي أويس حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن موسى بن عقبة قالوا في فتح مكة وهذا لفظ حديث القطان.
ثم إن بني نُفاثة من بني الديل أغاروا على بني كعب وهم في المدة التي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش وكانت بنو كعب في صلح رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنو نفاثة في صلح قريش فأعانت بنو بكر بني نُفاثة وأعانتهم قريش بالسلاح والرقيق.
فذكر قصة خروج ركب من بني كعب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وخروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة وقصة العباس وأبي سفيان حين أُتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران ومعه حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء قال : فقال أبو سفيان وحكيم : يا رسول الله أدع الناس إلى الأمان أرأيت إن اعتزلت قريش وكفت يدها أآمنون هم ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم من كف يده وأغلق داره فهو آمن.
قالوا : فابعثنا نؤذن بذلك فيهم . قال : انطلقوا فمن دخل دارك يا أبا سفيان ودارك يا حكيم وكف يده فهو آمن.
ودار أبي سفيان بأعلى مكة ودار حكيم بأسفل مكة فلما توجها ذاهبين.
قال العباس : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لا آمن أبا سفيان أن يرجع عن إسلامه فأردده حتى تقفه ويرى جنود الله معك.
فأدركه عباس فحبسه . فقال له أبو سفيان أغدراً يا بني هاشم ؟ ! فقال العباس : ستعلم أنا لسنا بغدر ولكن لي إليك حاجة فاصبح حتى تنظر جنود الله.
ثم ذكر القصة في مرور الجنود وقال فيها (7/67)
@ - 68 @وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة في كتيبة من الأنصار في مقدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفوا أيديهم فلا يقاتلوا أحداً إلا من قاتلهم.
وأمرهم بقتل أربعة نفر منهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح والحارث بن نُقيذ وابن خطل ومِقْيَس بن صُبَابَة وأمر بقتل قينتين لابن خطل كانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرت الكتائب.
فنادى سعد أبا سفيان : اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة.
فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان في المهاجرين قال : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت بقومك أن يقتلوا ؟ فإن سعد بن عبادة قال كذا فذكره.
وأنا أناشدك الله في قومك . فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن عبادة فعزله وجعل الزبير بن العوام مكانه على الأنصار مع المهاجرين.
قال : فاندفع خالد بن الوليد حتى دخل من أسفل مكة فلقيته بنو بكر فقاتلوه فهزموا وقتل منهم وفر فضضهم حتى دخلوا الدور.
قال : وصاح أبو سفيان حين دخل مكة : من أغلق داره وكف يده فهو آمن.
فذكر الحديث إلى أن قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد : لِمَ قاتلت وقد نهيتك عن القتال ؟ فقال : هم بدأونا بالقتال ووضعوا فينا السلاح وأشعرونا بالنيل وقد كففت يدي ما استطعت.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قضاء الله خير.
(7/68)
فهذا الذي عليه أهل العلم بالمغازي يؤكد ما قال الشافعي رحمه الله في أمر مكة.
وقد روينا بعضه عن هشام بن عروة عن أبيه.
وروينا بإسناد موصول عن مصعب بن سعد عن أبيه قال : لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين فذكرهم إلا أنه قال : عكرمة بن أبي جهل بدل الحارث بن نُقيد.
وقد روينا في حديث ابن عباس وأهل العلم بالمغازي متى عقد لهم الأمان وبأي شرط عقده وأنهم صاروا إلى قبول الأمان يتفرقهم إلى دورهم وإلى المسجد 165 ب والله أعلم.
وذكر الشافعي في القديم : حديث يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة وهو ببطن مر : من ألقى السلاح فهو آمن ومن دخل داره فهو آمن.
قال الشافعي : فدخل مكة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال لهم ما قال فلم ينازعه أحد إلا عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو فإنهم نازعوه وهربوا فمضى عكرمة وصفوان وجاء سهيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً بمكة.
فإن قال قائل قيل غنم النبي صلى الله عليه وسلم مال عكرمة وصفوان بن أمية وهما ممن حاربا ولم يقبلا الأمان ؟ قيل له : لم يأتنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهر لهما على مال فلم يقسمه وليس لأحد أن يحكم بالتوهم.
فإن قال : هل يجوز أن يهربا من مكة ولا رباع لهما بها ؟ قيل قد يحتمل أن يكون القوم قد خرجوا من رباعهم قبل ذلك فجعلوها لأولادهم.
(7/69)
ولا يجوز لأحد أن يدفع آية من كتاب الله إلا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحتمل التأويل.
وسلك أبو جعفر بن سلامة - رحمنا الله وإياه - فيه طريقة أخرى وهي أن أهل مكة كانوا أسلموا ثم كفروا فكيف يجوز أن يؤمن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً مرتدين.
واحتج بحديث ابن لهيعة في سجود المشركين بسجود النبي صلى الله عليه وسلم وإسلامهم حتى قدم رؤوس قريش وكانوا بالطائف فقالوا : أتدعون دين آبائكم فكفروا.
5466 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا إبراهيم بن مرزوق حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني ابن لهيعة.
5467 - وأخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا يحيى بن معين حدثنا ابن أبي مريم حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة عن أبيه قال : لقد 166 أ أظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام فأسلم أهل مكة كلهم وذلك قبل أن تفرض الصلاة حتى إن كان ليقرأ بالسجدة فيسجد فيسجدون وما يستطيع بعضهم أن يسجد من الزحام وضيق المكان لكثرة الناس حتى قدم رؤوس قريش : الوليد بن المغيرة وأبو جهل وغيرهما وكانوا بالطائف في أرضهم فقالوا : أتدعون دين أبائكم فكفروا.
قال أحمد : تفرد به ابن لهيعة وهو ضعيف.
والمشهور عند أهل العلم بالمغازي أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قرأ النجم وألقى الشيطان من أمنيته ما ألقى وسمعه المشركون سجدوا بسجوده تعظيماً لآلهتهم وفشت تلك الكلمة حتى بلغت أرض الحبشة وحدثوا أن أهل مكة قد أسلموا كلهم وصلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا نسخ الله تعالى ما ألقى الشيطان وبرأه من سجعه انقلب المشركون بصلاتهم.
فعلى هذا الوجه كان سجودهم . والله أعلم . ولو كان الأمر على ما قال لوجب أن يجرى الإرث على أصله في دور من مات منهم أو قتل وله وارث مسلم منهم (7/70)
@عتبة بن ربيعة قتل يوم بدر وابنه أبو حذيفة مسلم.
وكذلك غيره ممن اسلم وارثه وهو كافر.
وهو لم يجعل شيئاً من دور مكة مملوكاً ولو كانوا مرتدين لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنّ على أحد منهم يوم بدر ولا يفاديهم فإن المن والمفاداة غير جائزين في أهل الردة.
وقد قال في أسارى بدر : لو كان مطعم بن عدي حياً ثم كلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له.
ومثل ذلك لا يجوز في أهل الردة.
ولو كانوا أهل ردة لكان لا يجعل لصفوان بن أمية تسيير أربعة أشهر ولا لغيره من الطلقاء فإن ذلك لا يجوز في أهل الردة فكل هذا مع غيره مما يطول الكتاب بذكره يدل على خلاف ما ذهب إليه . والله أعلم.
ثم إن صح أنهم كانوا مرتدين فردتهم كانت قبل نزول الحكم يقتلهم إن لم يسلموا فصاروا 166 ب بالردة كأنهم لم يسلموا قط وعلى حكم سائر الكفار جرت أحكامهم على أن أهل الردة إذا امتنعوا فعندنا الإمام يحاربهم وإذا استأمنوه قبل أن يظهر عليهم وهو يرجو إسلامهم فله أن يؤمنهم.
وإذا أسلموا كانوا على أملاكهم.
فليس فيه شيء يخالف أصلنا بحمد الله ونعمته.
1155 - باب ما قسم من الدور والأراضي ثم أسلم أهلها عليها
5468 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ثور بن زيد الديلي قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (7/71)
أيما دار أوْ أرض قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية وأيما دار أوْ أرض أدركها الإسلام ولم تقسم فهي على قسم الإسلام.
قال الشافعي : ونحن نروي فيه حديثاً أثبت من هذا بمثل معناه.
قال أحمد : قد روي هذا الحديث عن إبراهيم بن طهمان عن مالك عن ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ولعل الشافعي أراد ما رواه موسى بن داود عن محمد بن مسلمة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه.
5469 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو سهل بن زياد النحوي حدثنا محمد بن أحمد بن حميد المروذي حدثنا موسى بن داود بهذا الحديث.
1156 - باب ترك أخذ المشركين بما أصابوا من كتاب السير القديم
احتج الشافعي رحمه الله في ذلك بحديث حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته : ألا إن كل دم ومال أصيب في الجاهلية فهو موضوع وأول دم وضع دم ربيعة بن الحارث.
(7/72)
5470 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا عثمان بن أبي شيبة وسليمان بن عبد الرحمن وغيرهما عن حاتم بن إسماعيل بهذا الإسناد غير أنه قال : ألا 167 أ إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجالية موضوعة وأول دم أضعه من دمائنا دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب.
وقال عثمان : دم ابن ربيعة . وكان مسترضعاً من بني سعد فقتلته هذيل.
وربا الجاهلية موضوع وأول رباً أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث حاتم.
قال أحمد : من قال : دم ربيعة فإنما أراد دماً وليه ربيعة والمقتول ابن له صغير قتل في الجاهلية فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه.
كذا قاله ابن الكلبي فيما رواه عنه أبو عبيد.
1157 - باب وقوع الرجل قد شهد الحرب على الجارية من السبي قبل القسم
5471 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : قال الأوزاعي كان من سلف من علمائنا يقيمون عليه أدنى الحدين مِئَة جلدة ومهرها وقيمة عدل فيلحقونها وولدها به الذي له فيها من الشرك.
قال أبو يوسف (7/73)
إن كان له فيها نصيب على ما قال الأوزاعي فلا حد عليه فيما بلغنا عن ابن عمر أنه قال في جارية بين اثنين وطئها أحدهما أنه قال : لا حد عليه وعليه العقر.
قال : وحدثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن عمر بن الخطاب أنه قال : إدرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة وإذا وجدتم لمسلم مخرجاً فادرأوا عنه الحد.
قال أبو يوسف : وبلغنا نحو من ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتج بهذا في سقوط الحد ثم ساق كلامه إلى أن قال : إنه لا يثبت للولد نسب ولا يؤخذ منه مهر لأنه زنى ويدرأ عنه الحد.
قال الشافعي : ما علمت أبا يوسف احتج بحرف في هذا إلا عليه فإن زعم أن الواقع على الجارية من الجيش له فيها شرك فابن عمر قال في الرجل يقع على الجارية بينه وبين آخر عليه العقر ويدرأ عنه الحد.
167 ب ونحن وهو نلحق به الولد.
وإن جعله زانياً كما قال لزمه أن يحد حد الزنا فجعله زانياً غير زانٍ قياساً على سبي وخالف بينهما.
والأوزاعي ذهب في أدنى الحدين إلى شيء روي عن عمر رضي الله عنه في مولاة لحاطب زنت فاستهلت بالزنا فرأى أنها تجهله وهي ثيب فضربها مِئَة وهي ثيب.
وبسط الكلام في المسألة.
وقد قال في روايتنا عن أبي سعيد وحده في موضع آخر : أخذ منه عقرها وردت في المغنم.
(7/74)
فإن كان من أهل الجهالة نهي وإن كان من أهل العلم عذر ولا حد من قبل الشبهة في أنه يملك منها شيئاً وإنما قصد بما قال ها هنا إبلاء عذر الأوزاعي فيما قال من أدنى الحدين والله أعلم.
وقد روى قتادة عن داود بن أبي عاصم عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال في رجل غشيَ جارية بينه وبين رجل قال : يجلد مِئَة سوط وتقوم وولدها بأعلى القيمة.
5472 - وأنبأني أبو عبد الله إجازة قال : حدثنا أبو الوليد الفقيه حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا كثير بن هشام عن جعفر بن برقان قال : ( . . . ) أن عمر أُتي بجارية كانت بين رجلين فوقع عليها أحدهما فحملت.
قال : تقوم عليه.
قال وحدثنا أبو بكر حدثنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن عمير بن نمير قال : سئل عمر بن الخطاب عن جارية كانت بين رجلين فوقع عليها أحدهما ؟ فقال : ليس عليه حد تقوم عليه قيمة ويأخذها.
وهذا يحتمل أن يكون في الجارية إذا حملت منه والله أعلم.
5473 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا أبو النضر حدثنا شعبة عن يزيد بن خُمير الهمداني عن أبي عمر قال : سمعت عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن أبي الدرداء : أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة مُجِحًّا على باب فسطاط فقال : لعله قد ألمَّ بها ؟ قال : قالوا : نعم . قال : لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه قبره كيف يورثه وهو 168 أ لا يحل له وكيف (7/75)
يستخدمه وهو لا يحل له.
مخرج في الصحيح من حديث شعبة.
وفيه دلالة على وجوب الاستبراء بعد القسم.
والمجح : الحامل المعرب.
وقال في رواية أبي سعيد الخدري في سبي أوطاس لا توطأ حامل حتى تضع حملها ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة.
وقد ذكره الشافعي في الباب الذي يليه.
5474 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا السالحيني - يعني يحيى بن إسحاق - حدثنا شريك عن قيس بن وهب وأبي إسحاق عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في سبي أوطاس : لا يوقع على الأمة حتى تحيض ولا على حامل حتى تضع ما في بطنها.
1158 - باب المرأة تسبى مع زوجها
5475 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبى أوطاس وسبى بني المصطلق وأسر من رجال هؤلاء وهؤلاء وقسم السبي فأمر أن لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض ولم يسل عن ذات زوج ولا غيرها ولأهل سبي زوج من امرأته ولا غيره.
(7/76)
قال الشافعي : وليس قطع العصمة بينهن وبين أزواجهن بأكثر من استبائهن بعد حريتهن.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد وحده : وقد ذكر ابن مسعود أن قول الله عز وجل : {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} ذوات الأزواج اللاتي ملكتموهن بالسباء.
قال الشافعي : وقد سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالاً من هوازن فما علمناه سأل عن أزواج المسبيات اسبوا معهن أو قبلهن أو بعدهن أو لم يُسبوا.
ولو كان في أزواجهن معنى لسأل عنه إن شاء الله.
فأما قول من قال خلاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعن إلى أزواجهن 168 ب فإن كان المشركون استحلوا شيئاً من نسائهم فلا حجة بالمشرك وإن كانوا أسلموا فلا يجوز أن يكن يرجعن إلى أزواجهن إلا بنكاح جديد لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أباحهن لمالكيهن وهو لا يبيحهن والنكاح ثابت عليهن ولا يبيحهن إلا بعد انقطاع النكاح.
وإذا انقطع النكاح فلا بد من تجديد النكاح.
1159 - باب وطئ السبايا بالملك قبل الخروج من دار الحرب
5467 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال (7/77)
قال الأوزعي : له أن يطأها وهذا حلال من الله عز وجل بأن المسلمين وطئوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصابوا من السبايا في غزوة بني المصطلق قبل أن يقفلوا.
قال الشافعي : قد وطئ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الاستبراء في بلاد العدو وعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية بالصهباء وهي غير بلاد الإسلام يومئذ.
وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة المريسيع بامرأة أو امرأتين من نسائه.
والغزو بالنساء أولى لو كان فيه مكروه أن يخاف على المسلمين أن يؤتى بهن بلاد الحرب فيسبين أولى أن يمنع من أن يتوقى رجل إصابة جارية ملكها في دار الحرب.
يقول قائل : لعل أهل الحرب يغلبون عليها فتسترق وولد إن كان في بطنها.
وليس هذا كما قال أبو يوسف.
وهو كما قال الأوزاعي ، وبسط الكلام فيه.
قال أحمد : روينا في الحديث الثابت عن عبد الله بن محيريز قال : دخلت المسجد فرأيت أبا سعيد الخدري فجلست إليه فسألته عن العزل ؟ فقال أبو سعيد : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبايا (7/78)
من سبي العرب فاشتهينا النساء واشتدت علينا العذوبة وأحببنا الفداء فأردنا أن نعزل ثم قلنا نعزل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا قبل أن نسأله عن ذلك 169 أ فسألناه عن ذلك فقال : ما عليكم أن لا تفعلوا ذلك ما من نسمة كائنة إلى يوم القيمة إلا وهي كائنة.
5477 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الحسن بن عبدوس حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن محمد بن يحيى بن حيان عن ابن محيريز فذكره.
رواه البخاري في الصحيح عن عبد الله بن يوسف عن مالك.
1160 - باب التفريق بين ذوي المحارم
5478 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد السلام بن حرب عن يزيد بن عبد الرحمن عن الحكم عن ميمون بن أبي شبيب عن علي : أنه فرق بين جارية وولدها فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ورد البييع.
وبمعناه رواه أبو مريم عن الحكم.
ورواه الحجاج بن أرطاة عن الحكم عن ميمون عن علي في الأخوين.
والحجاج لا يحتج به لكثرة مخالفته غيره في الأسانيد والمتون.
وروى ابن أبي عروبة عن رجل عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي بن الأخوين.
ولا ندري من الرجل الذي رواه عنه.
(7/79)
وقيل عن شعبة عن الحكم وهو وهم . والله أعلم.
والحديث في الأم وولدها له شواهد.
وروينا عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده : أن أبا أسيد الأنصاري قدم بسبي من البحرين فإذا امرأة تبكي وقالت بيع ابني في عبس فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي أسيد : لنركبن فلتجيئن به كما بعت بالثمن.
فركب أبو أسيد فجاء به.
5479 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا ابن عبد الحكم حدثنا ابن وهب أخبرني ابن أبي ذئب عن جعفر بن محمد فذكره.
وروينا عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم : من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة.
وروينا عن حكيم بن عقال قال : نهاني 169 ب عثمان بن عفان رضي الله عنه أن أفرق بين الوالد وولده في البيع.
ورويناه عن عمر ، وابن عمر رضي الله عنهما مرسلاً.
وروى عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن فروخ عن أبيه قال : كتب إليّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أن لا تفرق بين أخوين مملوكين في البيع.
5480 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : وإذا ملك الرجل أهل البيت لم يفرق بين الأم وولدها حتى يبلغ الولد سبع (7/80)
@سنين أو ثمان سنين.
روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خير غلاماً بين أبويه . وعن عمر.
والغلام غير بالغ عندنا.
وعن علي أنه خير غلاماً بين أمه وعمه.
وكان في الحديث عن علي والغلام ابن سبع أو ثمان ثم نظر إلى أخ له أصغر منه فقال : وهذا لو قد بلغ مبلغ هذا خيرناه.
فجعلنا هذا الحد لاستغناء الغلام والجارية وأنه أول مدة يكون لهما في أنفسهما قول وكذلك ولد الولد فأما الأخوان فيفرق بينهما وفرق بينهما بالنفقة وغيرها.
قال أحمد : وأنا أكره التفريق بينهما لما روينا فيه عن عمر وبالله التوفيق.
1161 - باب بيع السبي من أهل الشرك
5481 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي رحمه الله قال : أسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرى يوم بدر فضل بينهم وأخذ الفدية من بعضهم ومنَّ على بعض.
ثم أسر بعدهم بدهر ثمامة بن أثال فمنَّ عليه وهو مشرك ثم أسلم بعد.
ومنّ على غير واحد من رجال المشركين.
ووهب الزبير بن باطا لثابت بن قيس بن شماس ليمنّ عليه فسأل الزبير أن يقتل.
(7/81)
وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء بني قريظة وذراريهم وباعهم من المشركين فاشترى أبو الشحم اليهودي أهل بيت عجوزاً وولدها 170 أ من النبي صلى الله عليه وسلم.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بما بقي من السبي أثلاثاً ثلثاً إلى تهامة وثلثاً إلى نجد وثلثاً إلى طريق الشام فبيعوا بالخيل والسلاح والإبل والمال . وفيهم الصغير والكبير من المشركين.
وقد يحتمل أن يكون هذا من أجل أن أمهات الأطفال معهم.
قال الشافعي : وفدا رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً برجلين.
أَخْبَرَنَا ابن عيينة وعبد الوهاب عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدى رجلاً برجلين.
قال الشافعي : وكذلك النساء البوالغ قد استوهب رسول الله صلى الله عليه وسلم جارية بالغاً من أصحابه ففدى بها رجلين.
5482 - أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا عباس بن الفضل الإسفاطي حدثنا أبو الوليد حدثنا عكرمة قال حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال خرجنا مع أبي بكر رضي الله عنه وأمَّره علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فغزونا فزارة فلما دنونا من الماء أمرنا أبو بكر فعرسنا فلما صلينا الصبح أمرنا أبو بكر فشننا الغارة ونزلنا على الماء.
قال سلمة فنظرت على عنق من الناس فيهم الذرية والنساء فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل فأخذت في آثارهم فرميت بسهمي بينهم وبين الجبل فقاموا فجئت أسوقهم إلى أبي بكر وفيهم امرأة من بني فزارة عليها قشع من أدم ومعها ابنة لها من أحسن (7/82)
العرب فنفلني أبو بكر ابنتها فما كشفت لها ثوباً حتى قدمت المدينة ولم أكشف لها ثوباً ولقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق فقال : يا سلمة هب لي المرأة.
قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوباً حتى قدمت المدينة.
فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم 170 ب وتركني حتى إذا كان من الغد لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق فقال : يا سلمة هب لي المرأة لله أبوك.
قلت : يا رسول الله لقد أعجبتني والله ما كشفت لها ثوباً وهي لك يا رسول ا لله صلى الله عليه وسلم فبعث بها إلى أهل مكة ففدى بها رجالاً من المسلمين بأيديهم.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث عكرمة بن عمار.
5483 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : فأما الصبيان إذا صاروا إلينا ليس مع واحد منهم واحد من والديه فلا نبتعهم منهم ولا نفادي بهم لأن حكمهم حكم آباءهم ما كانوا معهم فإذا تحولوا إلينا ولا والد مع أحد منهم فإن حكمه حكم مالكه.
وأما قول أبي يوسف : يقوي بهم أهل الحرب قد يمتنَّ الله عليهم بالإسلام ويدعون إليه ثم قال : أرأيت صلة أهل الحرب بالمال وإطعامهم الطعام أليس بأقوى لهم في كثير من الحالات مت بيع عبد أو عبدين منهم.
فقد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر فقالت إن أمي أتتني وهي راغبة في عد قريش أفأصلها ؟ قال (7/83)
نعم.
وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب فكسا ذا قرابة له مشركاً بمكة.
وقال الله عز وجل : {ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا}.
مع ما وصفت من بيع النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين سبي بني قريظة.
فأما الكراع والسلاح فلا أعلم أحد أرخص في بيعهما.
وذكر الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه : حديث الوليد بن مسلم عن ابن جابر أن عمر بن عبد العزيز فادى بابن بطريق من البطارقة صغيراً.
قال : ولو كان الأخذ يضر مسلماً ما حل الفداء به.
وذكر رواية مبشر الحلبي عن فرات بن سليمان قال : كنا نكون مع سليمان بن موسى فنصيب الصبيان من السبي فيموتون فلا نصلي عليهم.
قال أحمد : المذهب ما ذهب إليه في الجديد.
وقد يحتمل أن يكون ابن البطريق سبي مع أمه وإذا لم يكن معه أبواه ولا أحدهما ولم يكن بُد من 171 أ أن يجعل تبعاً لغيره في الدين فاتباعه لسابئه أولى تغليباً لحكم الإسلام والله أعلم.
1162 - باب الحميل إذا عتق لا يورث حتى تقوم بنسبة بينة من المسلمين
5484 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا(7/84)
الحسن بن علي بن عفان حدثنا ابن نمير حدثنا مجالد عن الشعبي قال : كتب عمر بن الخطاب إلى شريح أن لا يورث حميلاً إلا ببينة ولا تجيز عطية امرأة في بيتها حتى يحول عليها الحول أو تلد ولداً.
وفي البهيمة تفقأ عينها ربع ثمنها.
قال أحمد : هذا منقطع وله في الحميل شواهد عن عمر وعثمان وأسانيدها ضعيفة والسنة في البينة على المدعي دليل في الحميل.
1163 - باب المبارزة
5485 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : ولا بأس بالمبارزة قد بارز يوم بدر عبيدة بن الحارث وحمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم.
وبارز محمد بن مسلم مرحب يوم خيبر بأمر النبي صلى الله عليه وسلم.
وبارز يومئذ الزبير بن العوام ياسراً.
وبارز يوم الخندق علي بن أبي طالب عمرو بن عبد ود.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : وقد بارز عبيدة عتبة فضرب عبيدة عتبة فأرخى عاتقه الأيسر فضربه عتبة فقطع رجله فأعان حمزة وعلي عبيدة فقتلا عتبة.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : إن معاوية حمزة وعليّ على عتبة كانت بعد أن لم يكن في عبيدة قتالاً ولم يكن (7/85)
منهم لعتبة أمان يكفون به عنه.
5486 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق بن يسار.
فذكر بأسانيده مبارزة عبيدة عتبة.
قال : فاختلفا ضربتين كلامه أثبت صاحبه.
وقال : وبارز حمزة شيبة فقتله مكانه.
وبارز علي الوليد فقتله مكانه.
ثم كرا على عتبة فذففا عليه واحتملا صاحبهما.
وذكر مبارزة محمد بن مسلمة مرحباً.
ومبارزة الزبير بن العوام ياسراً.
ومبارزة 171 ب علي عمرو بن عبد ود.
وروينا عن مسلمة بن الأكوع وبريدة أن علياً كان صاحب مرحب.
وقيل : اشتركا فيه فمحمد أثخنه وعليّ جهز عليه.
وهذا قول الواقدي.
وأما نقل الرؤوس فقد روينا عن أبي بكر الصديق أنه كره ذلك.
وأما بيع جيفة المشركين منهم فقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهاهم عن ذلك.
1164 - باب السواد وحكم ما يقفه الإمام من الأرض للمسلمين
5487 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي رحمه الله قال (7/86)
ولا أعرف ما أقول في أرض السواد إلا ظناً مقروناً إلى علم وذلك أني وجدت أصح حديث يرويه الكوفيون عندهم في السواد ليس فيه بيان.
ووجدت أحاديث من أحاديثهم تخالفه منها : أنهم يقولون : السواد صلح.
ويقولون : السواد عنوة.
ويقولون : بعض السواد صلح وبعضه عنوة.
ويقولون : أن جرير البجلي وهذا أثبت حديث عندهم فيه.
5488 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال كانت بجيلة ربع الناس فقسم لهم ربع السواد فاستغلوه ثلاثاً أو أربع سنين - أنا شككت ثم قدمت على عمر بن الخطاب ومعي فلانة بنت فلان امرأة منهم قد سماها لا يحضرني ذكر اسمها.
فقال عمر بن الخطاب : لولا أني قاسم مسؤول لتركتكم على ما قسم لكم ولكني أرى أن تردوا على الناس.
5489 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : وكان في حديثه يعني في حديث جرير وعاضني من حقي فيه نيفاً وثمانين دينارً . وكان في حديثه : فقالت فلانة : شهد أبي القادسية وثبت سهمه ولا أسلمه حتى يعطيني كذا ويعطيني كذا فأعطاها إياه.
قال الشافعي : وفي هذا 172 أ الحديث دلالة إذ أعطى جريراً البجلي عوضاً من سهمه والمرأة عوضاً (7/87)
من سهم أبيها أنه استطاب أنفس الذين أوجفوا عليه فتركوا حقوقهم منه فجعلوها وقفاً للمسلمين.
وهذا حلال للإمام لو افتتح أرض عنه فأحصى من افتتحها وطابوا أنفسنا عن حقوقهم منها أن يجعلها الإمام وقفاً وحقوقهم منها الأربعة الأخماس ويوفى أهل الخمس حقوقهم إلا أن يدع البالغون منهم حقوقهم فيكون ذلك لهم والحكم في الأرض كالحكم في المال.
وقد سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن وقسم أربعة أخماسها بين الموجفين ثم جاءته وفود هوازن مسلمين فسألوه أن يمن عليهم بأن يرد عليهم ما أخذ منهم فخيرهم بين الأموال والسبي فقالوا : خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا فنختار أحسابنا فترك لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حقه وحق أهل بيته وسمع بذلك المهاجرون فتركوا لهم حقوقهم وسمع بذلك الأنصار فتركوا له حقوقهم وبقي قوم من المهاجرين الآخرين والفتحيين.
فأمر فعرف على كل عشرة واحد قال ائتوني بطيب أنفس من بقي فمن كره فله عليّ كذا وكذا من الإبل إلى وقت ذكره.
فجاءوه بطيب أنفسهم إلا الأقرع بن حابس وعتيبة بن بدر ، فإنهما أبيا ليعيرا هوازن.
فلم يكرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك حتى كانا هما تركا بعد بأن خدع عتيبة عن حقه وسلم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حق من طاب نفسه عن حقه.
وهذا أولى الأمور بعمر بن الخطاب رضي الله عنه عندنا في السواد وفتوحه إن كانت عنوة فهو عندنا كما وصفت ظن عليه دلالة يقين وإنما منعنا أن نجعله يقيناً بالدلالة أن الحديث الذي فيه متناقض فلا ينبغي أن يكون قسم إلا عن أمر عمر لكبر قدره ولو تفوت عليه فيه ما انبغى أن يغيب عنه قسمه ثلاث سنين ولو كان (7/88)
القسم ليس لمن قسم له ما كان لهم منه عوض ولكان عليهم أن تؤخذ منهم الغلة 172 ب والله أعلم.
كيف كان ولم أجد فيه حديثاً يثبت إنما أجدها متناقضة.
والذي هو أولى بعمر عندي الذي وصفت.
قال أحمد : حديث جرير حديث صحيح رواه عن إسماعيل بن أبي خالد عبد الله بن المبارك وهشيم ويحيى بن زائدة وعبد السلام بن حرب وغيرهم.
إلا أن بعضهم لم يذكر قصة المرأة وقالوا : ثلاث سنين وبعضهم قال سنتين أو ثلاثاً وقالوا : فرده على المسلمين وأعطاه عمر ثمانين ديناراً.
5490 - أنبأني أبو عبد الله إجازة أخبرنا أبو الوليد الفقيه حدثنا إبراهيم بن أبي طالب حدثنا زناد بن أيوب حدثنا هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس قال : أتت بجيلة ربع الناس يوم القادسية فجعل لهم عمر رضي الله عنه ربع السواد فأخذه سنتين أو ثلاثاً.
فوفد عمار إلى عمر ومعه جرير فقال عمر لجرير لولا أني قاسم مسؤول لتركتكم على ما جعل لكم وأن الناس قد كثروا فأرى أن تردوا عليهم ففعل جرير فأخذه عمر بثمانين ديناراً.
قال : وحديث إسماعيل أيضاً عن قيس.
قال : كانت امرأة من بجيلة يقال لها بأم كرز فقالت لعمر يا أمير المؤمنين إن أبي هلك وسهمه ثابت في السواد وإني لم أسلم فقال لها : يا أم كرز إن قومك قد صنعوا بما قد علمت.
قالت : إن كانوا صنعوا ما صنعوا فإني لست أسلم حتى تحملني على ناقة ذلول (7/89)
وعليها قطيفة حمراء وتملأ كفي ذهباً.
ففعل ذلك فكانت الدنانير نحواً من ثمانين ديناراً.
وذكر الشافعي في القديم رواية شريح عن هشيم وفيه من الزيادة.
فقال جرير : فأنا ضامن لك بجيلة فأجابته بجيلة إلا امرأة يقال لها أُم كرز فإنها قالت : مات أبي وسهمه ثابت في السواد ولا أسلم.
فلم يزل بها عمر حتى رضيت وملأها عمر كفها ذهباً.
فقالت : رضيت.
قال الشافعي : فلم يكن عمر يستطيب أنفس بجيلة ويأخذ من غيرهم بغير طيب نفس.
لأن بجيلة ومن سواهم سواء.
قال أحمد فالأشبه بما انتهى إلينا من أخبار عمر 173 أ رضي الله عنه في الأراضي المغنومة أنه كان يرى قسمها بين الغانمين كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ثم رأى من المصلحة أن يجعلها وقفاً لتكون لمن بعدهم أيضاً.
وكان يحب أن يكون ذلك برضا الغانمين فجعل يستطب قلوبهم.
وروينا عن نافع مولى ابن عمر أنه قال : أصاب الناس فتح بالشام وفيهم بلاد - وأظنه ذكر معاذ بن جبل - فكتبوا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أن هذا الفيء الذي أصبنا لك خُمسه ولنا ما بقي ليس لأحد منه شيء كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر.
فكتب عمر : أنه ليس كما قلتم ولكني أقفها للمسلمين.
فراجعوه الكتاب وراجعهم يأبون ويأبى فلما أبوا قام عمر فدعا عليهم فقال : اللهم اكفني بلالاً وأصحاب بلال.
(7/90)
@قال : فما حال الحول حتى ماتوا جميعاً.
قال أحمد : وقد ذكر الشافعي في القديم حديث زيد بن الحُباب عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر.
وعن زيد بن أسلم عن أبيه : أن بلالاً وأصحابه افتتحوا فتوحاً بالشام فقالوا لعمر أقسم بيننا ما غنمنا فقال اللهم أرحني من بلال وأصحابه.
قال أحمد رحمه الله : قوله رضي الله عنه أنه ليس على ما قلتم لا يريد ما فتحت قرية إلا قسمها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وإنما أراد عمر . والله أعلم.
ليست المصلحة فيما قلتم وإنما المصلحة في أن أقفها للمسلمين وجعل يأبى قسمها لما كان يرجو من تطييب قلوبهم بذلك وجعلوا يأبون لما كان لهم من الحق فلما أبوا لم يقطع عليهم الحكم بإخراجها من أيديهم ووقفها.
ولكن دعا عليهم حيث خالفوه فيما رأى من المصلحة وهم لو وافقوه وافقه أفناء الناس . والله أعلم.
وقد روينا أيضاً في فتح مصر أنه رأى ذلك ورأى الزبير بن العوام قسمتها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر.
وقول من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقسم بعض خيبر وقسم بعضها وفي ذلك 173 ب دلالة على أن الإمام في ذلك بالخيار مبوأ معرفة منه بالسير فإن الذي لم يقسمه من خيبر هو ما كان صلحاً.
ولو كان الأمر على ما زعم لكان يحتج به عمر على أصحابه.
ولما احتج بقسمة ما قسم منها الزبير بن العوام وبلال ومن طلب القسمة من الصحابة . والله أعلم.
وقد روينا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (7/91)
أيما قرية افتتحها المسلمون عنوة فخمسها لله ولرسوله وبقيتها لمن قاتل عليها.
1165 - باب الإمام يهب لبعض المسلمين جارية من بعض دور الحرب قبل فتحها
5491 - أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أخبرنا أبو محمد بن حيان حدثنا جعفر بن أحمد بن سنان ومحمد بن يحيى قالا : حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عدي بن حاتم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تمثلت لي الحيرة كأنياب الكلاب وإنكم ستفتحونها.
فقال رجل فقال : يا رسول الله هب لي بنت بُقيلة . فقال : هي لك فأعطوه إياها.
كذا في روايتنا بنت بُقيلة.
ورويناه من وجه آخر عن ابن أبي عمر فقال : ابنة نُفيلة . وزاد : فجاء أبوها فقال : أتبيعها ؟ قال : نعم . قال : بكم أحكم ما شئت ؟ قال : ألف درهم . قال : قد أخذتها.
قالوا له : لو قلت ثلاثين ألف لأخذها.
قال : وهل عدد أكثر من ألف ؟ 5492 - أخبرناه أبو منصور الدامغاني أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي حدثنا أبو أحمد بن يوسف القطيعي حدثنا ابن أبي عمر فذكره.
(7/92)
وهذا مما تفرد به ابن أبي عمر عن ابن عيينة.
ورواه أبو قدامة وغيره عن سفيان بن عيينة عن ابن جدعان . ذُكر للنبي صلى الله عليه وسلم الخبر فذكره وكأنه دخل لابن أبي عمر إسناد في إسناد.
وروي ذلك من وجه آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرناه في كتاب دلائل النبوة في غزوة تبوك بإسناد حسن عن خريم بن أوس أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم : المُشمَيْسَاء بنت بُقيلة.
1166 - باب 174 أ ما جاء في المسلم يأخذ أرض الخراج
5493 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : سُئل أبو حنيفة أيكره أن يؤدي الرجل الجزية على خراج الأرض ؟ فقال : لا إنما الصغار خراج الأعناق.
وقال الأوزاعي بلغنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : من أقر بذل طائعاً فليس منا.
وقال عبد الله بن عمر : وهو المرتد على عقبيه.
وأجمعت العامة من أهل العلم على الكراهية لها.
وقال أبو يوسف : القول ما قال أبو حنيفة.
أنه كان لعبد الله بن مسعود ولخباب بن الأرت ولحسين بن علي ولشريح أرض الخراج.
حدثنا المجالد بن سعيد عن عامر عن عتبة بن فرقد السلمي أنه قال لعمر بن الخطاب : إني اشتريت أرضاً من أرض السواد.
فقال عمر : أكل أَصحابها أرضيت ؟ (7/93)
قال : لا . قال : فأنت فيها مثل صاحبها.
حدثنا ابن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة : أن دهاقين من دهاقين السواد من عظمائهم أسلموا في زمان عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
ففرض عمر للذين أسلموا في زمانه ألفين ألفين وفرض عليّ للذين أسلموا في زمانه ألفين ..
قال أبو يوسف : ولم يبلغنا عن أحد منهم أنه أخرج هؤلاء من أرضهم.
قال الشافعي : أما الصغار الذي لا شك فجزية الرقية التي يحقن بها الدم.
وهذه لا تكون على مسلم.
وأما خراج الأرض فلا يتبين أنه صغار من قبل أنه لا يحقن به الدم لدم محقون بالإسلام.
وهو يشبه أن يكون ككراء الأرض بالذهب والفضة والورق.
وقد اتخذ أرض الخراج قوم من أهل الورع والدين وكرهه قوم احتياطاً.
قال الشافعي في موضع آخر في روايتنا عن أبي سعيد وحده : والحديث الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم : لا ينبغي لمسلم أن يؤدي خراجاً ولا لمشرك أن يدخل المسجد الحرام.
إنما هو خراج الجزية ولو كان الكراء ما حل له أن 174 ب يتكارى من مسلم ولا غيره شيئاً.
(7/94)
5494 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أحمد بن كامل القاضي حدثنا محمد بن سعد بن محمد بن الحسن بن عطية العوفي حدثنا أبي حدثني عمي قال حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس في تفسير سورة براءة وما جرى في العهد الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين قال : ولا ينبغي لمشرك أن يدخل المسجد الحرام ولا يعطى المسلم الجزية.
وهذا إن صح يؤكد ما قال الشافعي رحمه الله من أنه خراج الجزية.
قال أحمد : وليس فيما بلغنا عن النبي في كراهية ذلك ما أخذ أرضاً بجزيتها حديث صحيح.
إنما بلغنا بإسناد شامي لم يحتج بمثله صاحبا الصحيح عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أخذ أرضاً بجزيتها فقد استقال هجرته.
واختلف في ذلك من بعده منهم من اتخذها ومنهم من كرهه كما قال الشافعي رحمه الله.
والذي ذكره أبو يوسف من حديث عتبة بن فرقد عن عمر دليل على أن أرض السواد صارت للمسلمين وأنه لا يجوز بيعها وإذا أسلم من هي في يده لم يسقط خراجها.
قال الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه : وقد روي عن عمر ، وعلي رضي الله عنهما أنهما دفعا إلى مسلم من أهل الخراج أسلم أرضه وأمراهُ أن يؤدي ما كان يؤدي.
وذكر حديث طارق بن شهاب وأبي عون.
5495 - وقد أخبرناه أبو سعيد حدثنا أبو العباس الأصم حدثنا الحسن بن(7/95)
علي بن عفان حدثنا يحيى بن آدم حدثنا حسن بن صالح عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال : أسلمت امرأة من أهل نهر الملك.
قال فقال عمر : أو كتب عمر : إن اختارت أرضها وأدت ما على أرضها فخلوا بينها وبين أرضها وإلا خلوا بين المسلمين وأرضهم.
قال : وحدثنا يحيى حدثنا وكيع عن المسعودي عن ابن عون قال : أسلم دهقان من أهل عين كذا فقال له 175 أ عليّ : أما جزية رأسك فنرفعها وأما أرضك فللمسلمين.
فإن شئت فرضنا لك وإن شئت جعلناك قهرماناً لنا فما أخرج الله منها من شيء أتينا به.
وفي رواية أبي عباد عن المسعودي وهي الرواية التي ذكرها الشافعي أن علياً رضي الله عنه قال للرقيل حين أسلم : إن شئت دفعنا لك أرضك فأديت عنها ما كنت تؤدي.
وفي رواية الربيع بن عميلة : أن الرقيل أسلم في عهد عمر فقال لعمر : دع أرضي في يدي أعمرها وأعالجها وأدي عليها ما كنت أؤدي عنها ففعل.
وفي رواية أخرى عن أبي عون الثقفي قال : كان عمر ، وعلي إذا أسلم الرجل من أهل السواد تركاه يقوم بخراجه في أرضه.
قال الشافعي : والذمي المصالح عن الأرض خلاف للذمي ( . . . ) ولا شيء عليه إلا العشر.
وبسط الكلام في الدلالة عليه.
(7/96)
وقد ذكر قبل هذا حديث سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أهل الذمة : لهم ما أسلموا عليه من أرضهم وأموالهم وفي أرضهم العشر.
وفي رواية غيره : ليس عليهم فيها إلا صدقة.
1167 - باب الأسارى يستعين بهم المشركون على قتال المشركين
5496 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : قد قيل يقاتلونهم قد قاتل الزبير وأصحاب له ببلاد الحبشة مشركين عن مشركين.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : ولو قال قائل يمنع من قتالهم لمعاني ذكرها كان مذهباً.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : ولا نعلم خبر الزبير يثبت ولو ثبت كان النجاشي مسلماً كان آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى النبي صلى الله عليه وسلم عليه.
قال أحمد : النجاشي كان مسلماً كما قال الشافعي : وحديث أم سلمة في قصة الزبير حديث حسن.
(7/97)
وكان ذلك قبل نزول هذه الأحكام في الغنيمة والخمس والجزية التي لأجلها استحب الشافعي أن يقاتلوا إن لم يستكرهوهم على قتالهم.
1168 - باب 175 ب الأسير يؤخذ عليه العهد أن يبعث إليهم بفداء أو يعود في إسارهم
5497 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي في هذه المسألة : لا ينبغي له أن يعود في إسارهم ولا ينبغي للإمام إن أراد أن يعود أن يدعه والعودة.
ثم ساق الكلام في المال.
إلى أنه ينبغي له أن يؤديه إليهم إذا كان بغير إكراه.
قال الشافعي : إنما أ طر ح عنه ما استكرهوه عليه.
قال الشافعي في موضع آخر في هذه الرواية : ويروى عن أبي هرمز والثوري وإبراهيم النخعي أنهم قالوا : لا يعود في إسارهم ويفي لهم بالمال.
وقال بعضهم : إن أراد العودة منعه السلطان العودة.
وقال ابن هرمز : يخيس لهم بالمال.
وقال بعضهم : يفي به ولا يخيس به ولا يكون كديون الناس.
(7/98)
وروي عن الأوزاعي والزهري : يعود في إسارهم إن لم يعطهم المال.
وروي ذلك عن ربيعة وعن ابن هرمز خلاف ما روي عنه في المسألة الأولى.
قال الشافعي : ومن ذهب مذهب الأوزاعي ومن قال قوله فيما تحتج فيما أراه بما روي عن بعضهم أنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل الحديبية أن يرد من جاءه منهم بعد الصلح مسلماً فجاءه أبو جندل فرده إلى أبيه وأبو بصير فرده.
فقتل أبو بصير المردود معه ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : قد وفيت لهم ونجاني الله منهم.
فلم يرده النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعب ذلك عليه وتركه وكان بطريق الشام يقطع على كل مال لقريش حتى سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضمه إليه لما نالهم من أذاه.
قال أحمد : وهذا الحديث ثابت عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم في قصة صلح الحديبية وسيرد كلام الشافعي عليه - إن شاء الله - في كتاب أهل الجزية.
1169 - باب ما لا يجوز للأسير في ماله ومن قدم ليقتل والرجل بين الصفين
5498 - 176 أ أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا بعض أهل المدينة عن محمد بن عبد الله عن الزهري : أن مسرفاً قدّم يزيد بن عبد الله بن زمعة يوم الحرة ليضرب عنقه فطلق امرأته ولم يدخل بها فسألوا أهل العلم فقالوا (7/99)
لها نصف الصداق ولا ميراث لها.
5499 - وبإسناده قال أخبرنا الشافعي أخبرنا بعض أهل العلم عن هشام عن أبيه : أن عامة صدقات الزبير تصدق بها وفعل أموراً وهو واقف على ظهر فرسه يوم الجمل.
قال الشافعي : روي عن عمر بن عبد العزيز وابن المسيب أنهما قالا : إذا كان الرجل على ظهر فرسه يقاتل فما صنع فهو جائز.
وروي عن عمر بن عبد العزيز : عطية الحبلى جائزة حتى تجلس بين القوابل.
وقال القاسم بن محمد وابن المسيب : عطية الحامل جائزة.
قال الشافعي : وبهذا كله نقول.
ويجوز للأسير في بلاد العدو ما صنع في ماله في بلاد الإسلام وإن قدّم ليقتل ما لم ينله ضرب يكون مرضاً.
وعطية راكب البحر جائزة ما لم يصير إلى الغرق أو شبه الغرق.
قال الشافعي : وقد روى ابن أبي ذئب أنه قال (7/100)
عطية الحامل من الثلث وعطية الأسير من الثلث.
وروي ذلك عن الزهري.
قال الشافعي : وليس يجوز إلا واحد من هذين القولين والله أعلم.
ثم قال قائل في الحبلى عطيتها جائزة حتى تتم ستة أشهر.
وتأول قول الله تعالى : {حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت} وليس في قول الله عز وجل : {فلما أثقلت}.
دلالة على مرض ويحتمل أن يكون الإثقال حضور الولاد حين تجلس بين القوابل لأن ذلك الوقت الذي يتحينان فيه قضاء الله ويسألانه أن يؤتيهما صالحاً.
وبسط الكلام في ذلك.
قال أحمد : قوله : وروي ذلك عن الزهري إنما أراد به عطية الأسير.
وأما عطية الحامل : فقد حكى ابن المنذر عن الحسن البصري والزهري أن عطيتها كعطية الصحيح وكذا قال الحسن في راكب البحر.
قال 176 ب وقال سعيد بن المسيب : ما أعطته الحامل والغازي فهو من الثلث.
(7/101)
1170 - باب ما جاء في المسلم يدل المشركين على عورة المسلمين
5500 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد عن عبيد الله بن أبي رافع قال سمعت علياً رضي الله عنه يقول : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب.
فخرجنا تغادى بنا خيلنا فإذا نحن بظعينة فقلنا : أخرجي الكتاب . فقالت : ما معي كتاب.
فقلنا لها : لنخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها.
فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه : من خاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين ممن بمكة يخبر ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال : ما هذا يا حاطب ؟ فقال : لا تعجل عليّ يا رسول الله إني كنت امرءاً ملصقاً في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قربات يحمون بها قرباتهم ولم يكن لي بمكة قرابة فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يداً.
والله ما فعلته شكاً في ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه قد صدق.
فقال عمر : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق.
(7/102)
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.
ونزلت : {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة}.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث سفيان.
وذكره الشافعي في القديم من حديث أبي عبد الرحمن السلمي عن علي.
ومن حديث ابن عباس عن عمر.
ومن حديث أبي الزبير عن جابر.
5501 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي 177 أ في مبسوط كلامه : قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : تجافوا لذوي الهيئات.
وقيل في الحديث : ما لم يكن حداً.
فإذا كان هذا من الرجل ذي الهيئة وقتل بجهالة كما كان هذا من حاطب (7/103)
بجهالة وكان غير متهم أحببت أن يتجافى له . وإذا كان من غير ذي الهيئة كان للإمام - والله أعلم - تعزيره.
1711 - باب صلاة الحرس
5502 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : قال أبو يوسف : حدثنا محمد بن إسحاق والكلبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل وادياً فقال : من يحرسنا في هذا الوادي الليلة ؟ فقال رجلان : نحن.
فأتيا رأس الوادي وهما مهاجري وأنصاري فقال أحدهما لصاحبه أي الليل أحب إليك ؟ فاختار أحدهما أول الليل والآخر آخره.
فنام أحدهما وقام الحارس يصلي.
قال أحمد : روينا هذا الحديث عن محمد بن إسحاق بن يسار عن صدقة بن يسار عن ابن جابر عن جابر.
ومبسوط كلام الشافعي يدل على أن الصلاة إذا لم تشغل طرفه وسمعه عن رؤية (7/104)
الشخص وسماع الحس فالصلاة أحب إليه لأنه مصلى حارس فإن كانت فشغله بالحراسة أحب إليه إلا أن يكون الحرس جماعة فيصلي بعضهم دون بعض.
فالصلاة أعجب إليه إذا بقي من يحرس وبالله التوفيق.
1172 - باب إظهار دين النبي صلى الله عليه وسلم على الأديان
5503 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : قال الله جل ثناؤه : {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}.
5504 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا هلك كسرى 177 ب فلا كسرى بعده وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله.
رواه مسلم في الصحيح عن عمرو الناقد وغيره عن سفيان.
وأخرجاه من وجه آخر عن الزهري.
ولما أتى كسرى بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم مزقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تمزق ملكه.
(7/105)
وحفظنا أن قيصر أكرم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ووضعه في مسك.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ثبت ملكه.
قال الشافعي : وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فتح فارس والشام فأغزى أبو بكر الشام على ثقة من فتحها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتح بعضها وتم فتحها زمان عمر : وفتح عمر العراق وفارس.
قال الشافعي : فقد أظهر الله جل ثناؤه دينه الذي بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأديان.
بأن أبان لكل من سمعه أنه الحق وما خالفه من الأديان باطل.
وأظهره بأن جماع الشرك دينان دين أهل الكتاب ودين الأميين فقهر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأميين حتى دانوا بالإسلام طوعاً وكرهاً.
وقتل من أهل الكتاب وسبي حتى دان بعضهم بالإسلام وأعطى بعض الجزية صاغرين وجرى عليهم حكمه صلى الله عليه وسلم.
وهذا ظهوره على الدين كله.
قال الشافعي : وقد يقال ليظهرن الله دينه على الأديان حتى لا يدان الله إلا به وذلك متى شاء الله.
قال : وكانت قريش تنتاب الشام انتياباً كثيراً وكان كثير من معاشها منه وتأتي العراق فيقال (7/106)
لما دخلت في الإسلام ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم خوفها من انقطاع معاشها بالتجارة من الشام والعراق إذا فارقت الكفر ودخلت في الإسلام مع خلاف ملك الشام والعراق لأهل الإسلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده.
فلم يكن بأرض العراق كسرى ثبت له أمر بعده.
178 أ وقال : إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده.
فلم يكن بأرض الشام قيصر بعده.
وأجابهم على ما قالوا له وكان كما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم.
وقطع الله الأكاسرة عن العراق وفارس.
وقيصر ومن قام بالأمر بعده عن الشام.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في كسرى : مزق الله ملكه.
فلم يبق للأكاسرة ملك.
وقال في قيصر : ثبت ملكه.
فثبت له ملك ببلاد الروم إلى اليوم وتنحى ملكه عن الشام.
وكل هذا متفق يصدق بعضه بعضاً.
(7/107)
كتاب الجزية
1173 - باب الأصل فيمن تؤخذ منه الجزية ومن لا تؤخذ
5505 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي رحمه الله قال : بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم بمكة وهو بلد قومه فقومه أميون وكذلك كان من حولهم من العرب ولم يكن فيهم من العجم إلا مملوك أو محرز أو مجتاز أو من لا يذكر.
قال الله عز وجل : {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّين رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} . الآية.
وفرض الله عليه جهادهم فقال : {قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}.
فقيل : {فتنة} شرك . {ويكون الدين كله} واحداً لله.
(7/108)
وذكر غيرها من الآيات.
قال الشافعي : وجاءت السنة بما جاء به القرآن.
أَخْبَرَنَا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله.
أخرجاه في الصحيح من أوجه عن أبي هريرة رضي الله عنه.
5506 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق عن ابن عصام المزني عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية قال : إن رأيتم مسجداً أو سمعتم 178 ب مؤذناً فلا تقتلن أحداً.
5507 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكر رضي الله عنهما : أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالم إلا بحقها وحسابهم على الله.
قال أبو بكر : هذا من حقها لو منعوني عقالاً مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه.
5508 - قال : وأخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة عن معمر عن الزهري عن عبيد (7/109)
0 @الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة أن عمر قال لأبي بكر هذا القول أو معناه.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد : من منع الصدقة ولم يرتد.
قال الشافعي : وهذا مثل الحديثين قبله في المشركين مطلقاً وإنما يراد به والله أعلم مشركو أهل الأوثان ولم يكن يحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا قربه أحد من مشركي أهل الكتاب إلا يهود المدينة وكانوا حلفاء للأنصار ولم تكن الأنصار استجمعت أول ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إسلاماً فوادعت يهود رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تخرج إلى شيء من عداوته بقول يظهر ولا فعل حتى كانت وقعت بدر فتكلم بعضها بعداوته والتحريض عليه فقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ولم يكن بالحجاز علمه إلا يهودي أو نصارى قليل بنجران.
وكانت المجوس بهجر وببلاد البربر وفارس نائين عن الحجاز دونهم مشركو أهل الأوثان كثير.
قال : وأنزل الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم : فرض قتال المشركين من أهل الكتاب فقال : {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}.
ففرق الله جل ثناؤه كما شاء لا معقب لحكمه بين قتال أهل الأوثان ففرض أن يقاتلوا أو 179 أ يسلموا.
(7/110)
1 @وقتال أهل الكتاب فرض أن يقاتلوا حتى يعطوا الجزية أو أن يسلموا وفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قتالهم فذكر الحديث الذي 5538 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة يحيى بن حسان عن محمد بن أبان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيشاً أمر عليهم أميراً وقال : إذا لقيت عدواً من المشركين فادعهم إلى ثلاث خلال - أو ثلاث خصال شك علقمة - فادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين فإن أجابوك فاقبل منهم وأخبرهم إن هم فعلوا أن لهم ما للمهاجرين وعليهم ما عليهم وإن اختاروا المقام في دارهم فأخبرهم أنهم كأعراب المسلمين فيجري عليهم حكم الله كما يجري على المسلمين وليس لهم في الفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن لم يجيبوك إلى الإسلام فادعهم إلى إعطاء الجزية فإن فعلوا فاقبل منهم ودعهم وإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم.
زاد أبو سعيد في روايته قال : قال الشافعي : حدثني عدد كلهم ثقة عن غير واحد كلهم ثقة لا أعلم إلا أن فيهم سفيان الثوري عن علقمة مثل معنى هذا الحديث لا يخالفه.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث الثوري وشعبة.
(7/111)
2 @ 1174 - باب من يلحق بأهل الكتاب
5509 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : انتوت قبائل من العرب قبل أن يبعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم وينزل عليه القرآن فدانت دين أهل الكتاب.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من أُكَيْدر دومة وهو رجل يقال من غسان أو كندة.
وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم 179 ب الجزية من أهل ذمة اليمن وعامتهم عرب ومن أهل نجران وفيهم عرب.
وفي هذا دليل على أن الجزية ليست على النسب إنما هي على الدين.
وكان أهل الكتاب المشهور عند العامة أهل التوراة من اليهود والإنجيل من النصارى وكانوا من بني إسرائيل.
وأحطنا بأن الله أنزل كتباً غير التوراة والإنجيل والفرقان قال الله عز وجل : {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيم الَّذي وَفَّى.
فأخبر أن لإبراهيم صحفاً وقال : {وَإنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ}.
5510 - وأخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : قد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكيدر الغساني.
(7/112)
3 @ويروون أنه صالح رجلاً من العرب على الجزية.
وأما عمر بن الخطاب ومن بعده من الخلفاء إلى اليوم فقد أخذوا الجزية من بني تغلب وتنوخ وبَهْراء وخلط من أخلاط العرب.
وهم إلى الساعة مقيمون على النصرانية تضاعف عليهم الصدقة وذلك جزية وإنما الجزية على الأديان لا على الأنساب ولولا أن نأثم بتمني باطل وددنا أن الذي قال أبو يوسف كما قال وأن لا يجري صغار على عربي ولكن الله أجل في أعيننا من أن نحب غير ما قضى به.
وقال في موضع آخر من هذا الكتاب : فنحن كنا على هذا أحرص لولا أن الحق في غير ما قال فلم يكن لنا أن نقول إلا بالحق.
1175 - باب أخذ الجزية من المجوس
5511 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار سمع بجالة يقول : ولم يكن عمر بن الخطاب أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر أخرجه البخاري في الصحيح من حديث سفيان.
قال الشافعي في رواية أبي سعيد : 180 أ حديث بجالة متصل ثابت لأنه أدرك عمر وكان رجلاً في زمانه كاتباً لعماله.
وقد روي من حديث الحجاز حديثان منقطعان بأخذ الجزية من المجوس.
فذكر ما (7/113)
4 @5512 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه : أن عمر بن الخطاب ذكر المجوس فقال : ما أدري كيف أصنع في أمرهم ؟ فقال عبد الرحمن بن عوف : أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سنوا بهم سُنة أهل الكتاب.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد : إن كان ثابتاً فيعني في أخذ الجزية لا في أن تنكح نساؤهم وتؤكل ذبائحهم.
قال الشافعي : ولو كان أراد جميع المشركين غير أهل الكتاب لقال - والله أعلم - سنوا بجميع المشركين سنة أهل الكتاب.
ولكن لما قال : سنوا بهم.
فقد خصهم وإذا خصهم فغيرهم مخالفاً لهم ولا يخالفهم إلا غير أهل الكتاب.
5513 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس البحرين وأن عثمان بن عفان أخذها من البربر.
(7/114)
5 @زاد فيه ابن وهب وغيره عن مالك : وأن عمر بن الخطاب أخذها من مجوس فارس.
ورواه يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر وأن عمر بن الخطاب أخذها من مجوس السواد وأن عثمان أخذها من مجوس البربر.
5514 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : كانت المجوس يدينون غير دين أهل الأوثان ويخالفون أهل الكتاب من اليهود والنصارى في بعض دينهم وكان أهل الكتاب اليهود والنصارى يختلفون في بعض دينهم وكان المجوس بطرف من الأرض لا يعرف السلف من أهل الحجاز من دينهم ما يعرفون من دين 180 ب النصارى واليهود حتى عرفوه وكانوا - والله أعلم - أهل كتاب.
وذكر ما 5515 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو زكريا وأبو بكر وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن أبي سعد سعيد بن المرزبان عن نصر بن عاصم قال قال فروة بن نوفل الأشجعي : علام تؤخذ الجزية من المجوس وليسوا بأهل كتاب ؟ فقام إليه المستورد فأخذ بلببه فقال : يا عدو الله تطعن على أبي بكر وعمر : وعلى أمير المؤمنين - يعني علياً - وقد أخذوا منهم الجزية فذهب به إلى القصر فخرج عليّ عليهما فقال : ألبدا فجلسا في ظل القصر فقال عليّ (7/115)
6 @أنا أعلم الناس بالمجوس كان لهم علم يعلمونه وكتاب يدرسونه وإن ملكهم سكر فوقع على ابنته أو أخته فاطلع عليه بعض أهل مملكته فلما صحا جاءوا يقيمون عليه الحد فامتنع منهم فدعا أهل مملكته فلما أتوه قال : تعلمون ديناً خيراً من دين آدم ؟ وقد كان ينكح بنيه من بناته فأنا على دين آدم ما يرغب بكم عن دينه ؟ فبايعوه وقاتلوا الذين خالفوهم حتى قتلوهم فأصبحوا وقد أسرى على كتابهم فرفع من بين أظهرهم وذهب العلم الذي في صدرهم فهم أهل كتاب.
وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر منهم الجزية.
قال الشافعي في رواية أبي سعيد : حديث نصر بن عاصم عن علي متصل وبه نأخذ وفيه دليل على أن علياً ما خبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأخذ الجزية منهم إلا وهم أهل كتاب ولا من بعده ولو كان يجوز أخذ الجزية من غير أهل الكتاب لقال عليّ الجزية تؤخذ منهم كانوا أهل كتاب أو لم يكونوا أهله.
ولم أعلم من سلف المسلمين أحد أجاز أن تؤخذ الجزية من غير أهل الكتاب.
قال أحمد : هكذا رواه غير الشافعي عن سفيان بن عيينة والصواب عيسى بن عاصم الأزدي كذا قاله محمد بن إسحاق بن خزيمة فيما (7/116)
7 @5516 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ عن أبي عمرو 181 أ العاصمي عنه.
وكذلك رواه الفضل بن موسى وابن فضيل عن أبي سعد عن عدي بن عاصم.
5517 - وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال سمعت الشيخ أبا الوليد يقول سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول : توهمت أن الشافعي رحمه الله أخطأ في حديث ابن عيينة فرأيت الحميدي تابعه في ذلك فعلمت أن الخطأ من ابن عيينة.
5518 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الوليد الفقيه قال سمعت أبا بكر بن أبي داود السجستاني يقول سمعت أبي يقول : ما من العلماء أحد إلا وقد أخطأ في حديثه غير ابن علية وبشر بن المفضل.
وما أعلم للشافعي حديثاً خطأ.
5519 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا الزبير بن عبد الواحد الحافظ قال سمعت عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني يقول سمعت أبا زرعة الرازي يقول : ما عند الشافعي حديث غلط فيه.
قال أحمد : وقد روى جعفر بن أبي المغيرة عن ابن أبزى عن علي بن أبي طالب أنه قال في المجوس : قد كانوا أصحاب كتاب وكانت الخمر قد أحلت لهم فتناولها ملك من ملوكهم حتى ثمل منها فتناول أخته فوقع عليها فلما ذهب عنه السكر ندم وقال لها : ويحك ما المخرج مما ابتليت به فقالت : أخطب الناس فقل : يا أيها الناس إن الله أحل نكاح الأخوات وذكر الحديث من امتناع الناس من قبول ذلك حتى خدّ لهم الأخدود.
قال : فلم يزالوا منذ ذلك يستحلون نكاح الأخوات.
وهذا فيما ذكره يوسف بن يعقوب عن أبي الربيع عن يعقوب القمي عن جعفر.
وهو فيما أجاز لي أبو منصور الدامغاني روايته عنه عن أبي بكر الإسماعيلي عن يوسف القاضي.
(7/117)
8 @وفيه تأكيد لرواية سعيد بن المرزبان فإن سعيداً يحتاج إلى دعامة وقد وكدها الشافعي في القديم والجديد بما ذكر معها.
قال الشافعي في القديم : ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على البحرين فاستعمل عليهم العلاء بن الحضرمي وبعث إليه بمال من جزيتهم.
قال الشافعي : ومن البحرين من أهل الكفر مجوس.
قال أحمد : قد روينا هذا في الحديث الثابت عن المسور بن مخرمة عن عمرو بن عوف : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي فقدم أبو عبيدة بمال البحرين وذكر الحديث.
قال أحمد : وروينا عن الحسن بن محمد بن علي قال : كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام فمن اسلم قبل منه ومن أبي ضربت عليه الجزية على أن لا تؤكل لهم ذبيحة ولا تنكح لهم امرأة.
وهذا مرسل حسن يؤكده ما روينا عن عمر ، وعلي في نصارى بني تغلب وذلك يرد - إن شاء الله - وعلى هذا عوام أهل العلم.
1176 - باب كم الجزية
5520 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال قال الله تبارك وتعالى (7/118)
9 @{حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}.
وكان معقولاً أن الجزية شيء يؤخذ في أوقات وكانت الجزية محتملة للقليل والكثير وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله معنى ما أراد فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم جزية أهل اليمن ديناراً في كل سنة أو قيمته من المعافري وهي الثياب.
وكذلك روي أنه أخذ من أهل إيلة ومن نصارى بمكة ديناراً ديناراً عن كل إنسان وأخذ الجزية من أهل نجران فيها كسوة 181 ب ولا أدري ما غاية ما أخذ منهم.
وقد سمعت بعض أهل العلم من المسلمين ومن أهل الذمة من أهل نجران يذكر أن قيمة ما أخذ من كل واحد أكثر من دينار وأخذها من أكيدر ومن مجوس البحرين.
لا أدري كم غاية ما أخذ منهم ولم أعلم أحداً حكى عنه قط أنه أخذ من أحد أقل من دينار.
5521 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس 182 أ أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني إسماعيل بن أبي حكيم عن عمر بن عبد العزيز.
أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن : أن على كل إنسان منكم ديناراً كل سنة أو قيمته من المعافر.
يعني أهل الذمة منهم.
(7/119)
5522 - وبهذا الإسناد أخبرنا الشافعي قال أخبرني مطرف بن مازن وهشام بن يوسف بإسناد لا أحفظه غير أنه حسن : أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض على أهل الذمة من أهل اليمن ديناراً كل سنة.
فقلت لمطرف بن مازن فإنه يقال وعلى النساء أيضاً . فقال : ليس أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من النساء ثابتاً عندنا.
5523 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : فسألت محمد بن خالد وعبد الله بن عمرو بن مسلم وعدداً من أهل اليمن فكلهم حكى لي عن عدد مضوا قبلهم يحكون عن عدد مضوا قبلهم كلهم ثقة أن صلح النبي صلى الله عليه وسلم لهم كان لأهل ذمة اليمن على دينار كل سنة.
ولا يثبتون أن النساء كن فيمن تؤخذ منه الجزية.
وقال عامتهم : ولم يأخذ من زروعهم وقد كانت لهم زروع ولا من مواشيهم شيئاً علمناه.
وقال لي بعضهم : قد جاءنا بعض الولاة بخمس زروعهم أو أرادها فأنكر ذلك عليه وكل من وصفت أخبرني أن عامة ذمة أهل اليمن من حمير.
قال : وسألت عدداً كبيراً من ذمة أهل اليمن مفترقين في بلدان وكلهم أثبت لي لا يختلف قولهم أن معاذاً أخذ منهم ديناراً عن كل بالغ منهم وسموا البالغ حالماً قالوا : وكان في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم مع معاذ : أن على كل حالم ديناراً.
قال أحمد : وهذا الذي حكاه الشافعي عن أهل اليمن من أمر معاذ موافق لما (7/120)
5524 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الحسن بن علي بن عفان حدثنا يحيى بن آدم حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ بن 182 ب جبل قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن وأمرني أن آخذ من كل حالم ديناراً أو عدله معافر.
وقد أخرجاه في كتاب الزكاة من حديث الأعمش عن أبي وائل.
وذكر الشافعي في القديم حديث أبي بكر بن عياش وذكر حديث الأعمش.
5525 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب على نصراني بمكة يقال له موهب ديناراً كل سنة.
وأن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب على نصارى إيلة ثلثمِئَة دينار كل سنة وأن يضيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثاً ولا يغشوا مسلماً.
5526 - وبهذا الإسناد قال أخبرنا الشافعي أخبرنا إبراهيم بن محمد حدثنا إسحاق بن عبد الله أنهم كانوا يومئذ ثلثمِئَة فضرب عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ثلثمِئَة دينار كل سنة.
قال الشافعي في رواية أبي سعيد وحده : ثم صالح أهل نجران على حلل يؤدونها إليه فدل صلحه إياهم على غير الدنانير على أنه يجوز ما صالحوا عليه.
قال أحمد : روينا عن إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي عن ابن عباس قال : صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل نجران على ألفي حلة النصف في صفر والنصف في رجب يؤدونها إلى المسلمين وعارية ثلاثين درعاً وثلاثين فرساً وثلاثين بعيراً وثلاثين من (7/121)
كل صنف من أصناف السلاح يغزون بها المسلمون ضامنون لها حتى يردوها عليهم إن كان باليمن كيد.
على أن لا تهدم لهم بيعة ولا يخرج لهم قس ولا يفتنون عن دينهم ما لم يحدثوا أو يأكلوا الربا.
5527 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا مصرف بن عمرو حدثنا يونس - يعني ابن بكير - حدثنا أسباط بن نصر عن إسماعيل فذكره.
5528 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي وصالح عمر بن 183 أ الخطاب أهل الشام على أربعة دنانير وضيافة.
وروى عنه بعض الكوفيين أنه صالح الموسر من ذمتهم على ثمانية وأربعين والوسط على أربعة وعشرين والذي دونه على اثني عشر.
فلا بأس بما صالح عليه أهل الذمة وإن كان أكثر من هذا إذا كان العقد على شيء مسمى بعينه وذكر في القديم في رواية أبي عبد الرحمن البغدادي عنه حديث روح بن عبادة السهمي عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن أبي ملجز : أن عمر بن الخطاب جعل على الغني من أهل الذمة ثمانية وأربعين وعلى الوسط أربعة وعشرين وعلى الفقير اثني عشر درهماً.
وذكر حديث ابن عُلية عن أيوب عن نافع عن أسلم : أن عمر بن الخطاب ضرب على أهل الشام أربعة دنانير ومدين من قمح وعلى (7/122)
أهل مصر أربعة دنانير وأردباً من قمح وعلى أهل العراق أربعين درهماً وخمسة عشر صاعاً من حنطة.
وذكر حديث شبابة عن شعبة عن الحكم عن عمرو بن ميمون أن عمر بن الخطاب قال لعثمان بن حنيف : والله لا تجهدهم إن أخذت من كل جريب قفيزاً ودرهماً.
وكان عليهم ثمانية وأربعين فجعلها خمسين.
قال الشافعي :
أَخْبَرَنَا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب : أن عمر كان إذا استغنى أهل السواد زاد عليهم وإذا افتقروا وضع عنهم.
وهذا منقطع . وكذلك حديث أبي ملجز.
قال الشافعي في القديم بعد بسط الكلام على هذه الأخبار : وذلك أن عمر لم يصالح أهل السواد على شيء معلوم إلا أهل الحرة فإنهم صولحوا على شيء معلوم صالحهم عليه خالد بن الوليد فلم يزد فيه ولم ينقص منه.
1177 - باب الضيافة في الصلح
5529 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : ويروون أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل على نصارى إيلة جزية دينار على كل إنسان وضيافة من مر بهم من المسلمين.
وتلك زيادة على الدينار فإن 183 ب بذل أهل الذمة أكثر من دينار بالغاً ما بلغ كان الازدياد للمسلمين أحب إليّ.
(7/123)
قال الشافعي : وقد صالح عمر أهل الشام على أربعة دنانير وضيافة.
أَخْبَرَنَا مالك عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب : أن عمر ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير مع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام.
سقط من متن الحديث : وعلى أهل الورق أربعين درهماً ثم قال : ومع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام.
5530 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أخبرنا أبو الحسن الطرائفي حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك فقرأه بتمامه.
وكلام الشافعي بعد هذا يدل على أنه رواه في الحديث فسقط من بعض الرواة إليه.
قال الشافعي : وقد روي أن عمر بن الخطاب ضرب على أهل الورق ثمانية وأربعين على أهل اليسر وعلى الأوساط أربعة وعشرين وعلى من دونهما اثني عشر درهماً.
قال الشافعي : وهذا في الدراهم أشبه بمذهب عمر لأنه عدل الدراهم في الدية اثني عشر درهماً بدينار.
5531 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب : أن عمر بن الخطاب فرض على أهل السواد ضيافة يوم وليلة فمن حبسه مرض أو مطر أنفق من ماله.
(7/124)
قال الشافعي : وحديث أسلم بضيافة ثلاث أشبه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الضيافة ثلاثاً.
وقد يجوز أن يكون جعلها على قوم ثلاثاً وعلى قوم يوماً وليلة ولم يجعل على آخرين ضيافة كما يختلف صلحه لهم فلا يرد بعض الحديث بعضاً.
قال أحمد : روينا في حديث أبي شريح وأبي سعيد وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الضيافة ثلاثة أيام فما زاد على ذلك فهو صدقة.
1178 - باب من ترفع عنه الجزية
5532 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي بعد الاحتجاج بالكتاب وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تقتل النساء من أهل الحرب ولا الولدان وسباهم.
وكان ذلك دليل على خلاف بين النساء والصبيان والرجال ولا جزية على من لم يبلع من الرجال ولا على المرأة.
وكذلك لا جزية على مغلوب على عقله من قبل أنه لا دين له يمسك به وترك له الإسلام.
وكذلك لا جزية على مملوك لأنه لا مال له يعطى منه الجزية.
قال الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه :
أَخْبَرَنَا مالك عن نافع عن أسلم (7/125)
أن عمر بن الخطاب كتب : أن لا تؤخذ الجزية من النساء والصبيان.
وذكر حديث ابن عُلية عن أيوب عن نافع عن أسلم أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله : أن لا تأخذوا الجزية من النساء والصبيان ولا تأخذوها إلا ممن جرت عليه الموسى.
وذكر حديث أبي معاوية ويعلى بن عبيد عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق قال يعلى عن معاذ . وقال أبو معاوية : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً فأمره أن يأخذ من كل حالم دينار أو عدله معافري.
وحديث يعلى عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
قال أحمد : أما حديث أبي بكر بن عياش فقد ذكرنا إسناده في هذا الكتاب.
وحديث أبي معاوية قد ذكرنا إسناده في كتاب الزكاة.
وأما حديث يعلى بن عبيد 5533 - فأخبرناه أبو الحسن بن بشران أخبرنا أبو جعفر الرزاز حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا يعلى بن عبيد . فذكره إلا أنه قال : عن مسروق قال قال معاذ : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما حديث أبي بكر بن حزم : أن في الكتاب الذي عندهم وهو الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم : وعلى كل حالم ذكراً أو أنثى حراً وعبد دينار واف أو عرضه 184 ب من الثياب.
فهو حديث منقطع وليس ذلك في الرواية الموصولة عن الزهري.
(7/126)
وكذلك حديث ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة حكاية عن كتاب كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن.
فهو أيضاً منقطع وليس معهما ما يشدهما.
5534 - وقد أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الأصفهاني أخبرنا أبو عمرو بن حمدان أخبرنا الحسن بن سفيان أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب : أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله أن لا تضربوا الجزية على النساء والصبيان ولا تضربوها إلا على من جرت عليه الموسى ويختم في أعناقهم.
وذكر الحديث.
1179 - باب الشرط على أهل الذمة
5535 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال أخبرنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي رحمه الله : إذا أراد الإمام أن يكتب كتاب صلح على الجزية كتب : فحكى الكتاب وقد نقلته إلى المبسوط وذكر فيه : على أن أحداً منهم إن ذكر محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كتاب الله أو دينه بما لا ينبغي أن يذكره به فقد برئت منه ذمة الله عز وجل.
وعلى أن أحداً من رجالهم إن أصاب مسلمة بزنا وذكر أشياء في معنى هذا فقد نقض عهده.
وعلى أن ليس لكم أن تظهروا في شيء من أمصار المسلمين الصليب ولا تعلنوا بالشرك ولا تبنوا كنيسة ولا تضربوا بناقوس.
وساق الكتاب.
(7/127)
قال أحمد : وقد روينا عن الشعبي عن علي أن يهودية كانت تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه فخنقها رجل حتى ماتت فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم دمها.
وفي رواية أبي عبد الرحمن البغدادي عن الشافعي أنه قال : لم يختلف أهل السير عندنا ابن إسحاق وموسى بن عقبة وجماعة ممن روى السيرة 185 أ أن بني قينقاع كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم موادعة وعهد فأتت امرأة من الأنصار إلى صائغ منهم ليصوغ لها حلياً وكانت اليهود معادية للأنصار فلما جلست عند الصائغ عمد إلى بعض حداديه فشد به أسفل ذيلها وجيبها وهي لا تشعر فلما قامت المرأة وهي في سوقهم نظروا إليها منكشفة فجعلوا يضحكون منها ويسخرون فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنابذهم وجعل ذلك منهم نقضاً للعهد قال : ( . . . ) لخيبر حين جلاهم.
وكان سبب ذلك أنه أتاهم يستعينهم ( . . . ) فتآمروا أن يلقوا عليه حجراً من فوق بيت فأطلعه الله ( . . . ) من ذلك فحاربهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وما صنع عمر بن الخطاب ( . . . ) في اليهودي الذي استكره المرأة فوطأها فأمر به فصلب وقال : ( . . . ) ولا عهد لهم.
وذكر حديث ابن علية عن خالد بن أشوع عن الشعبي عن عوف بن مالك.
أن يهودياً نخس بامرأة من المسلمين وهي على حمار ( . . . ) فضربه عوف فأتى اليهودي عمر فأخبره الخبر ( . . . ).
فقال : هؤلاء القوم لهم عهد ما وفوا فإذا بدلوا فلا عهد ( . . . ).
وذكر حديث ابن المبارك.
(7/128)
5536 - وقد أخبرناه أبو علي الروذباري وأبو محمد إسماعيل بن محمد الصفار حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن زيد بن رفيع عن حرام بن معاوية قال : كتب إلينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أن أدبوا الخيل ولا يرفعن بين ظهرانيكم الصليب ولا يجاورونكم الخنازير.
الحديث ذكر الشافعي قال : كتب إلى أهل الشام.
وذكر حديث الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال : كتب عمر بن عبد العزيز ( . . . ) قرية.
قال الأوزاعي فرأيت قوماً 185 ب قعدوا في حملها فخرقت ذقاقهم.
قال الشافعي في جملة ما يشترط على أهل الذمة : وأن يفرقوا بين هيئتهم في الملبس والمركب وبين هيئة المسلمين وأن يعقدوا الزنانير في أوساطهم.
وهذا لما روينا في الثابت عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى أمراء الأجناد أن اختموا رقاب أهل الجزية في أعناقهم.
وروي عنه من وجه آخر أنه كتب إلى أمراء الأجناد فأمرهم أن يختموا في رقاب أهل الجزية بالرصاص ويصلحوا مناطقهم - يعني الزنانير - ويجزوا نواحيهم ويركبوا على الأكف عرضاً ولا يتشبهوا بالمسلمين في ركوبهم.
1180 - باب الوصاة بأهل الذمة خيراً
روينا في الحديث الثابت عن عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب أنه قال : أوصى الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيراً أن يوفي لهم بعهدهم وأن يقاتل من (7/129)
ورائهم وأن لا يكلفوا فوق طاقتهم.
وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس منه فأنا حجيجه يوم القيامة ومن قتل معاهداً له ذمة الله وذمة رسوله حرم الله عليه ريح الجنة.
1181 - باب سكنى الحجاز
5537 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : وإن سأل من تؤخذ منه الجزية أن يعطيها ويجري عليه الحكم على أن يسكن الحجاز لم يكن ذلك له والحجاز مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها كلها لأن تركهم سكنى الحجاز منسوخ وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استثنى على أهل خيبر حين عاملهم فقال : أقركم ما أقركم الله.
ثم أمرنا بإجلائهم من الحجاز.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : يحتمل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإجلائهم منها أن لا يسكنوها ويحتمل لو ثبت عنه (7/130)
لا يبقين دينان بأرض العرب.
لا يبقين دينان مقيمان.
ولولا أن عمر ، ولي إخراج أهل الذمة بما ثبت عنده من أمر رسول الله 186 أ صلى الله عليه وسلم وأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتمل ما رأى عمر من أن أجل من قدم من أهل الذمة تاجراً لا يقيم فيها بعد ثلاث لرأيت أن لا يصالحوا بدخولها بكل حال.
قال الشافعي :
أَخْبَرَنَا يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : أن عمر بن الخطاب : - فانقطع الحديث من الأصل - وكأنه تركه لشك عرض له فالحديث عن عبيد الله بن عمر ، ومالك بن أنس عن نافع عن أسلم مولى عمر : أن عمر بن الخطاب ضرب لليهود والنصارى والمجوس بالمدينة إقامة ثلاث ليال يتسوقون بها ويقضون حوائجهم ولا يقيم أحد منهم فوق ثلاث ليال.
قال الشافعي : ولم أعلم أحداً أجلى أحداً من أهل الذمة من اليمن وقد كانت بها ذمة وليست اليمن بحجاز.
5538 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري - من أصله - قال أخبرنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار حدثنا أحمد بن منصور حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول أخبرنا عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب لا يبقى فيها إلا مسلم.
(7/131)
رواه مسلم بن الحجاج في الصحيح عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق.
قال أحمد : وقد روينا في الحديث الثابت عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب.
وقال في رواية عمر بن عبد العزيز وابن شهاب منقطعاً : لا يبقين دينان بأرض العرب.
والمراد به - والله أعلم - أرض الحجاز خاصة لما روينا في الحديث الثابت عن ابن عمر : أن عمر أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز.
وروينا في حديث سمرة عن أبي عبيدة بن الجراح قال آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن أخرجوا يهود الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب واعلموا أن شر عباد الله الذين اتخذوا قبورهم 168 ب مساجد.
5539 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد حدثنا عثمان بن عمر حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن إبراهيم بن ميمون قال حدثني سعد بن سمرة بن جندب عن أبي عبيدة بن الجراح فذكره.
قال الشافعي : فأما الرسل ومن أراد الإسلام فلا يمنعون من الحجاز لأن الله تعالى يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم (7/132)
{وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله}.
1182 - باب الذمي إذا تجر في غير بلده
5540 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : وقد ذكر عن عمر بن عبد العزيز أنه أمر فيما ظهر من أموالهم وأموال المسلمين أن يؤخذ منهم شيء وقته وأمر أن يكتب لهم برأة إلى مثله من الحول.
ولولا أن عمر أخذه منهم ما أخذناه منهم فهو يشبه أن يكون أخذه إياه منهم على أصل صلح أنهم إذا تجروا أخذ منهم.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : ويؤخذ منهم كما أخذ عمر من المسلمين ربع العشر ومن أهل الذمة نصف العشر ومن أهل الحرب العشر اتباعاً له على ما أخذ لا نخالفه.
5541 - أخبرناه أبو طاهر الفقيه أخبرنا أبو حامد بن بلال حدثنا يحيى بن الربيع حدثنا سفيان عن هشام عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك قال : أمرني عمر بن الخطاب أن آخذ من المسلمين ربع العشر ومن أهل الذمة نصف العشر وممن لا ذمة له العشر.
5542 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه : أن عمر بن الخطاب كان يأخذ من النبط من الحنطة والزيت نصف العشر.
يريد بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة ويأخذ من القطنية العشر.
5543 - وبهذا الإسناد قال أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه قال (7/133)
كنت عاملاً مع عبد الله بن عتبة على سوق المدينة في زمان عمر بن الخطاب وكان يأخذ من النبط العشر.
زاد أبو سعيد في روايته قال الشافعي : لعل السائب حكى أمر عمر أن يؤخذ من النبط العشر في القطنية كما حكى سالم عن أبيه عن عمر فلا يكونان مختلفين.
أو يكون السائب حكى العشر في وقت آخر فيكون أخذ منهم مرة في الحنطة والزيت عشراً ومرة نصف العشر.
ولعله كله بصلح يحدثه في وقت برضاه ورضاهم.
1183 - باب المشرك لا يدخل الحرم
5544 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : قال الله تبارك وتعالى : {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا}.
فسمعت بعض أهل العلم يقول : المسجد الحرام الحرم.
وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا ينبغي لمسلم أن يؤدي الخراج ولا لمشرك أن يدخل الحرم.
وسمعت عدداً من أهل المغازي يروون أنه كان في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم : لا يجتمع مسلم ومشرك في الحرم بعد عامهم هذا.
(7/134)
قال أحمد : وقد روينا في الحديث الثابت عن الزهري قال : أخبرني حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال : بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك وأن لا 187 أ يطوف بالبيت عريان.
قال : وأنزل الله عز وجل في العام الذي نبذ فيه أبو بكر إلى المشركين : {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا}.
5545 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني أبو محمد المزني قال أخبرنا علي بن محمد بن عيسى قال حدثنا أبو اليمان قال أخبرني شعيب عن الزهري فذكره وزاد : ويوم الحج الأكبر يوم النحر.
رواه البخاري في الصحيح عن أبي اليمان.
5546 - وأخبرنا أبو نصر عمر بن عبد العزيز النيسابوري أخبرنا أبو منصور العباس بن الفضل النضروي أخبرنا أحمد بن نجدة حدثنا سعيد بن منصور حدثنا سفيان عن أبي إسحاق الهمداني عن زيد بن يثيع قال : سألت علياً بأي شيء بعثت ؟ قال : بأربع : أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولا يطوف 187 ب بالبيت عريان ولا يجتمع مسلم ومشرك بعد عامهم هذا في الحج ومن كان له عهد فعهده إلى مدته ومن لم يكن له عهد فأربعة أشهر.
(7/135)
1184 - باب الحربي إذا لجأ إلى الحرم
5547 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : ولو أن قوماً من أهل دار الحرب لجأوا إلى الحرم أخذوا كما يأخذون من غير الحرم وحكم فيهم من القتل وغيره كما يحكم فيمن كان في غير الحرم.
فإن قال قائل : وكيف زعمت أن الحرم لا يمنعهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة : هي حرام بحرام الله لم تحلل لأحد قبلي لا تحل لأحد بعدي ولم تحلل لي إلا ساعة من نهار وهي ساعتنا هذه ؟.
قيل : إنما معنى ذلك والله أعلم أنها لم تحلل أن ينصب عليها الحرب حتى تكون كغيرها.
فإن قال : ما دل على ما وصفت ؟ قيل : أمر النبي صلى الله عليه وسلم عندما قتل عاصم بن ثابت وخبيب بقتل أبي سفيان في داره بمكة غيلة إن قدر عليه.
وهذا في الوقت الذي كانت فيه محرمة.
فدل على أنها لا تمنع أحداً من شيء وجب عليه وإنما يمنع أحد من أن ينصب عليها الحرب كما ينصب على غيرها.
5548 - أخبرنا أبو إسحاق أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا(7/136)
الشافعي عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاءه رجل فقال : يا رسول الله إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقتلوه.
أخرجاه في الصحيح من حديث مالك.
ورأيته في رواية حرملة عن الشافعي قال :
أَخْبَرَنَا سفيان عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك : أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المعفر غير محرم.
وقد رواه غيره أيضاً عن سفيان عن مالك.
فيحتمل أن يكون أخذه عن مالك على اللفظ الأول وأخذه 188 أ عن سفيان على ما رواه عنه.
قال الشافعي رحمه الله في كتاب حرملة :
أَخْبَرَنَا سفيان حدثنا زكريا بن أبي زائدة عن العشبي عن عبد الله بن مطيع عن أبيه مطيع - وكان من عصاة قريش ولم يكن أدرك الإسلام من عصاة قريش غيره فسماه النبي صلى الله عليه وسلم مكان العاص مطيعاً - قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح : لا يقتل قرشي صبراً بعد اليوم.
قال سفيان : يعني على الكفر.
5549 - أخبرناه أبو نصر بن قتادة أخبرنا أبو عمرو بن مطر أخبرنا هارون بن يوسف بن زياد حدثنا ابن أبي عمرو حدثنا سفيان عن زكريا فذكره إلا أنه لم يذكر قول سفيان (7/137)
قال الشافعي : وحدثنا زكريا عن الشعبي عن الحارث بن مالك بن البرصاء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تُغْزى مكة بعد هذا اليوم أبداً.
5550 - أخبرناه أبو نصر محمد بن علي الفقيه أخبرنا أبو عبد الله بن يعقوب حدثنا أبو أحمد الفراء قال حدثنا جعفر بن عون حدثنا زكريا . فذكره بإسناده ومعناه.
1185 - باب هدايا المشركين
قال الشافعي في كتاب حرملة :
أَخْبَرَنَا سفيان قال حدثنا ابن جُدعان عن أنس بن مالك قال : أهدى أُكيْدِر دَوْمَة للنبي صلى الله عليه وسلم جُبة فتعجب الناس من حسنها فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لمناديل سعد في الجنة خير منها.
5551 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا يحيى بن إسماعيل الواسطي حدثنا سفيان فذكره بإسناده ومعناه.
والحديث ثابت من جهة قتادة عن أنس بن مالك.
قال الشافعي في رواية عبد الرحمن عنه (7/138)
قد كانت الملوك من أهل الحرب يهدون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقبل منهم.
قد أهدى أبو سفيان بن حرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أَدْماً فقبل منه.
وأهدى إليه صاحب الإسكندرية مارية أم إبراهيم فقبلها.
وغيرهما قد أهدى إليه ولم يجعل ذلك بين المسلمين.
قال أحمد : قد روينا في الحديث الثابت عن أبي حميد الساعدي : أن ملك أيلة أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء فكساه النبي صلى الله عليه وسلم بُرْدَهُ.
وروينا في حديث بلال فيما أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم عظيم فدك من ركائب عليهن كسوة وطعام.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : فاقبضهن واقض دينك.
يريد ما استدان لأجل النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى ثوير بن أبي فاختة عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال : أهدى كسرى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل منه وأهدى قيصر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل منه وأهدى له الملوك فقبل منهم.
وفي حديث ثوير نظر والله أعلم.
وأما حديث عياض بن حمار قال : أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أسلمت.
قال : لا . قال (7/139)
إني نهيت عن زيد المشركين.
فيحتمل أن يكون على التنزه عنه أو فعل ذلك لعله يُسلم لما يلحقه من الغضاضة برد هديته ، والله أعلم.
1186 - باب نصارى العرب
5552 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أُكَيْدر الغساني وكان نصرانياً عربياً على الجزية.
وصالح نصارى نجران على الجزية وفيهم عرب وعجم.
وصالح ذمة اليمن على الجزية وفيهم عرب وعجم.
فاختلفت الأخبار عن عمر رضي الله عنه في نصارى العرب في تنوخ وبَهراء وبني تغلب.
فروي عنه أنه صالحهم على أن يضاعف عليهم الصدقة ولا يكرهوا على غير دينهم ولا يصبغوا أبناءهم في النصرانية.
وعلمنا أنه كان يأخذ جزيتهم نَعَماً.
ثم روي أنه قال بعد : ما نصارى العرب بأهل الكتاب . فذكر ما 5553 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو 189 أ سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا(7/140)
الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن دينار عن سعد بن الفلجة مولى عمر أو ابن سعد : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : ما نصارى العرب بأهل الكتاب وما يحل لنا ذبائحهم وما أنا بتاركهم حتى يسلموا أو أضرب أعناقهم.
قال الشافعي رحمه الله في روايتنا عن أبي سعيد : فأرى للإمام أن يأخذ منهم الجزية لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من النصارى من العرب كما وصفت.
فأما ذبائحهم فلا أجيز أكلها خبراً عن عمر ، وعلي بن أبي طالب.
وكذلك لا يحل لنا نكاح نسائهم لأن الله جل ثناؤه إنما أحل لنا من أهل الكتاب الذين عليهم نزل.
وبسط الكلام في ذلك وجعلهم شبيهاً بالمجوس.
5554 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة سفيان أو عبد الوهاب أو هما عن أيوب عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني قال : قال علي بن أبي طالب.
لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب فإنهم لم يتمسكوا من نصرانيتهم - أو من دينهم - إلا بشرب الخمر.
الشك من الشافعي.
قال أحمد : رواه في كتاب تحريم الجمع عن الثقفي ولم يجاوز به عبيدة وشك في تبليغه به علياً.
(7/141)
ورواه في كتاب الضحايا عن الثقفي وقال : عن عبيدة عن علي ولم يشك فيه وهو فيما 5555 - أخبرناه أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس فذكروه بإسناده من غير شك وقال : من دينهم لم يشك.
وقد رواه هشام بن حسان عن ابن سيرين عن عبيدة عن علي . فهو عن علي صحيح.
وذكره الشافعي في رواية أبي عبد الرحمن عنه من رواية هشام.
وذكر حديث ابن عُلية عن بُرد بن سنان عن عبادة بن نُسَي عن غُضَيْف بن الحارث قال : كتبت إلى عمر بن الخطاب في السامرة أنهم يسبتون السبت ويقرأون التوراة ولا يؤمنون بالبعث فكتب عمر : إن كانوا يقرأون التوراة ويسبتون السبت فهم أهل الكتاب.
قال الشافعي رحمه الله :
أَخْبَرَنَا مالك عن ثور بن زيد الديلي أن ابن عباس سئل عن ذبائح نصارى العرب ؟ فقال : {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}.
5556 - أخبرناه أبو زكريا بن أبي إسحاق أخبرنا أبو الحسن الطرائفي حدثنا عثمان الدارمي حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عبد الله بن عباس أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب ؟ فقال : لا بأس بها وتلا هذه الآية : {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}.
وذكر الشافعي حديثاً رواه شريح بن يونس عن حماد بن زيد وحماد بن سلمة (7/142)
عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس مثله ثم قال : جعل الله المتولي للقوم منهم فمن انتقل إلى اليهودية والنصرانية من العرب أخذت منه الجزية وتؤكل ذبيحته وقد رغب عن هذا في الجديد.
وقال في حديث ابن عباس ما 5557 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : والذي يروى من حديث ابن عباس وإحلال ذبائحهم إنما هو من حديث عكرمة أخبرنيه ابن الدراوردي وابن أبي يحيى عن ثور الديلي عن عكرمة عن ابن عباس أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب فقال قولاً حكياه هو إحلالها وتلى : {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}.
ولكن صاحبنا سكت عن اسم عكرمة.
وثور لم يلق ابن عباس . 189 ب.
قال أحمد : يريد بصاحبنا : مالك بن أنس.
وقد رواه ابن وهب عن مالك فذكر فيه عكرمة.
5558 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن بالويه حدثنا حدثنا أحمد بن علي الخزاز حدثنا خالد بن خداش حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني مالك فذكره.
كأنه لم ير الاحتجاج برواية عكرمة فلم يذكر اسمه فيه في الموطأ وهو إن صح فقد عارضه قول علي وعمر.
5559 - أخبرنا أبو سعيد في كتاب الضحايا حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي (7/143)
وهو لو ثبت عن ابن عباس كان المذهب إلى قول عمر ، وعلي أولى ومعه المعقول.
فأما {من يتولهم منكم فإنه منهم} فعناها على غير حكمها.
1187 - باب الصدقة
5560 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق الشيباني عن رجل : أن عمر صالح نصارى بني تغلب على أن لا يصبغوا أبناءهم ولا يكرهوا على غير دينهم وأن يضاعف عليهم الصدقة.
قال أحمد : هكذا رواه . ورواه غيره عن أبي إسحاق الشيباني عن السفاح - هو ابن مطر - عن داود بن كردوس عن عمر.
5561 - أخبرناه أبو سعيد حدثنا أبو العباس الأصم حدثنا الحسن بن علي بن عفان حدثنا يحيى بن آدم حدثنا أبو معاوية عن أبي إسحاق فذكر إسناده ومعناه إلا أنه قال على أن لا يصبغوا في دينهم صبياً.
وقد ذكر الشافعي رحمه الله في رواية أبي عبد الرحمن عنه فيما بلغه عن ابن معاوية إلا أنه قال : عن داود بن كردوس عن أبيه.
ورواه عبد السلام بن حرب عن أبي إسحاق عن السفاح عن داود بن كردوس عن عبادة بن النعمان التغلبي أنه قال لعمر بن الخطاب : يا أمير المؤمنين إن بني تغلب من قد علمت شوكتهم وإنهم بإزاء العدو فإن ظاهروا عليك العدو واشتدت مؤنتهم فإن رأيت أن تعطيهم شيئاً فافعل.
(7/144)
قال : فصالحهم.
5562 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : 190 أ وهكذا حفظ أهل المغازي وساقوه أحسن من هذا السياق فقالوا : راضهم على الجزية.
فقالوا : نحن عرب لا نؤدي ما يؤدي العجم ولكن خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض - يعنون الصدقة.
فقال عمر : لا هذا فرض على المسلمين.
فقالوا : فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية ففعل فتراضى هو وهم على أن ضعف عليهم الصدقة.
1188 - باب المهادنة
5563 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله.
فرض الله تعالى قتال غير أهل الكتاب حتى يسلموا وأهل الكتاب حتى يعطوا الجزية وقال : {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}.
فهذا فرض على المسلمين ما أطاقوه.
190 ب فإذا عجزوا عنه فإنما كلفوا منه ما أطاقوا فلا بأس أن يكفوا عن قتال الفريقين من المشركين وأن يهادنوهم وقد كف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتال كثير من أهل الأوثان بلا (7/145)
مهادنة إذا تناطت دورهم عنه مثل بني تميم وربيعة وأسد وطيء حتى كانوا هم الذين أسلموا.
وهادن رسول الله صلى الله عليه وسلم ناساً ووادع حين قدم المدينة يهوداً على غير خرج أخذه منهم.
وبسط الكلام فيه.
1189 - باب المهادنة على النظر للمسلمين
5564 - قال الشافعي في الإسناد الذي ذكرنا : قامت الحرب بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش ثم أغارت سراياه على أهل نجد حتى توقى الناس لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفاً للحرب دونه من سراياه وإعداد من يعدله من عدوه بنجد ومنعت منه قريش أهل تهامة ومنع أهل نجد منه أهل نجد والمشرق ثم اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة الحديبية في ألف وأربعمِئَة فسمعت به قريش فجمعت له وجدت على منعه ولهم جموع أكثر ممن خرج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم - بأبي وأمي هو - فتداعوا الصلح فهادنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مدة ولم يهادنهم على الأبد لأن قتالهم حتى يسلموا فرض عليهم إذا قوي عليهم.
وكانت الهدنة بينه وبينهم عشر سنين ونزل عليه في سفره في أمرهم : {إنا فتحنا لك فتحا مبينا}.
قال ابن شهاب : فما كان في الإسلام فتح أعظم منه كانت الحرب قد أحجزت الناس فلما أمنوا لم يكلم بالإسلام أحد يعقل إلا قبله.
(7/146)
فلقد أسلم في سنتين من تلك الهدنة أكثر ممن أسلم قبل ذلك.
5565 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق حدثني الزهري عن عروة بن الزبير عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة في قصة الحديبية قال : فدعت 191 أ قريش سهيل بن عمرو فقالوا : إذهب إلى هذا الرجل فصالحه ولم يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامة هذا لا تحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة فخرج سهيل من عندهم فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً قال : قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل.
فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جرى بينهما القول حتى وقع الصلح على أن توضع الحرب بينهما عشر سنين وأن يأمن الناس بعضهم من بعض وأن يرجع عنهم عامهم ذلك حتى إذا كان العام المقبل قدمها خلواً بينه وبين مكة فأقام بها ثلاثاً.
وأنه لا يدخلها إلا بسلاح الراكب والسيوف في القرب.
وأنه من أتانا من أصحابك بغير إذن وليه لم نرده عليك.
وأنه من أتاك منا بغير إذن وليه رددته علينا.
وأن بيننا وبينك عيبة مكفوفة.
وأنه لا إسلال ولا إغلال . وذكر الحديث بطوله وفيه : ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً فلما أن كان بين مكة والمدينة نزلة عليه سورة الفتح من أولها إلى آخرها : {إنا فتحنا لك فتحا مبينا}.
وكانت القصة في سورة الفتح وما ذكر من بيعة رسوله تحت الشجرة فلما أمن الناس وتفاوضوا لم يكلم أحد بالإسلام إلا دخل فيه.
(7/147)
فلقد دخل في تينك السنتين في الإسلام أكثر مما كان دخل فيه قبل ذلك.
وكان صلح الحديبية فتحاً عظيماً.
قال أحمد : رجعنا إلى إسناد أبي سعيد.
قال الشافعي : ثم نقض بعض قريش ولم ينكر عليه غيره إنكاراً يعتد به عليه ولم يعتزل داره فغزاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح مخفياً لوجهه ليصيب منهم غرة.
قال الشافعي : وليس للإمام أن يهادن على النظر إلى غير مدة ولكن يهادنهم على أن الخيار إليه متى شاء أن ينبذ إليه نبذ.
افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم أموال خيبر عنوة وكان رجالها وذراريها إلا أهل حصن واحد صلحاً فصالحوه على أن يقرهم ما أقرهم الله يعملون له وللمسلمين بالشطر من التمر.
فإن قيل 191 ب ففي هذا أنظر للمسلمين.
قيل : نعم كانت خيبر وسط مشركين وكانت يهود أهلها ومحالفين للمشركين حولها وأقوياء على منعها منهم وكانت وبئة لا توطأ إلا من ضرورة فكفوهم المؤنة ولم يكن للمسلمين كثرة فينزلها منهم من يمنعها فلما كثر المسلمون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجلاء يهود الحجاز فثبت ذلك عند عمر فأجلاهم فإن قيل فِلِمَ لا يقول أقركم ما أقركم الله ؟ قيل : الفرق بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن أمر الله عز وجل كان يأتي رسوله بالوحي ولا يأتي أحداً غيره بوحي.
وبسط الكلام في خلال ما نقلت وإنما نقلت ما عقله بالخبر وهذا اللفظ : نقركم ما أقركم الله.
(7/148)
في رواية مالك عن نافع عن ابن عمر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروي أيضاً في غير هذه الرواية.
وقد روينا في حديث موسى بن عُلية عن نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب أجلى اليهود من أرض الحجاز وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله وللمسلمين فأراد إخراج اليهود منها فسألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم بها على أن يكفوا عملها ولهم نصف التمر فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : نقركم بها على ذلك ما شئنا.
فقروا بها حتى أجلاهم عمر في إمارته إلى تيما وأريحا.
5566 - أخبرناه أبو طاهر الفقيه أخبرنا أبو بكر القطان حدثنا أبو الأزهر حدثنا محمد بن شرحبيل أخبرنا ابن جريج حدثنا موسى بن عقبة فذكره.
أخرجاه في الصحيح.
وروي ذلك أيضاً عن غير موسى عن نافع.
1190 - باب مهادنة من يقوى على قتاله
5567 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : لما قوي أهل الإسلام أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم مرجعه من تبوك : {براءة من الله ورسوله}.
فأرسل بهذه الآيات علي بن أبي طالب فقرأها.
192 أ على الناس في الموسم وكان فرضاً أن لا يعطى أحد مدة بعد هذه الآيات أربعة أشهر لأنها الغاية التي فرضها الله عز وجل.
(7/149)
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم لصفوان بن أمية بعد فتح مكة ( . . . ) أربعة أشهر.
لم أعلمه زاد أحداً بعد إذ قوي المسلمون على أربعة أشهر.
فقيل : كان الذين عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم قوماً موادعين لغير مدة معلومة فجعلها الله تعالى أربعة أشهر ثم جعلها رسوله صلى الله عليه وسلم كذلك وأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في قوم عاهدهم إلى مدة قبل نزول الآية أن يتم إليهم عهدهم إلى مدتهم ما استقاموا له ومن خاف منه خيانة نبذ إليه فلم يجر أن يستأنف مدة بعد نزول الآية وبالمسلمين قوة إلى أكثر من أربعة أشهر لما وصفت من فرض الله فيهم.
وما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال : ولا أعرف كم كانت مدة النبي صلى الله عليه وسلم ومدة من أُمر أن يتم إليه عهده إلى مدته.
وبسط الكلام فيه.
قال أحمد : إنما بلغني في هذا ما 5568 - أخبرنا أبو عبد الرحمن بن محبور الدهان أخبرنا الحسن بن محمد بن هارون حدثنا أحمد بن محمد بن نصر اللباد حدثنا يوسف بن بلال حدثنا محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في التفسير قال : أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن ينظر فمن كان عهده أربعة أشهر أن يقره إلى أن تمضي أربعة أشهر من يوم النحر ومن كان له من العهد أكثر من أربعة أشهر أن يحطه إلى أربعة أشهر ومن كان له من العهد أقل من أربعة أشهر يرفعه له فيجعله أربعة أشهر.
ومن لم يكن له عهد أن يجعله خمسين ليلة إلا حياً واحداً من بني كنانة ثم من بني ضمرة كان بقي لهم من عهدهم تسعة أشهر لم ينقضوه فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتم إليهم عهدهم إلى مدتهم.
(7/150)
وكانوا عاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العمرة التي أخليت له فيها مكة بعد الحديبية بسنة عاهدوه في تلك الأيام عند البيت.
192 ب قال الشافعي : ولا خير في أن يعطيهم المسلمون شيئاً بحال على أن يكفوا عنهم واستثنى حال الضرورة.
واحتج بحديث عمران بن حصين : أن النبي صلى الله عليه وسلم فدا رجلاً برجلين.
واحتج أصحابنا بما ذكر محمد بن إسحاق بن يسار عن عاصم بن عمر بن قتادة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى عتيبة بن حصين والحارث بن عوف قائدي غطفان في حرب الخندق فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا ومن معهما ليكسر عن أصحابه شوكتهم حين رمتهم العرب عن قوس واحدة حتى سمع من سعد بن معاذ قوله : والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم فقال : فأنت وذاك.
فتناول سعد الصحيفة فمحاها.
وذلك قبل عزيمة الصلح.
5569 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس حدثنا أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق فذكره في قصة طويلة.
1191 - باب جماع الهدنة على أن يرد الإمام من جاء بلده مسلماً من المشركين
5570 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال الشافعي رحمه الله (7/151)
ذكر عدد من أهل العلم بالمغازي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هادن قريشاً عام الحديبية على أن يأمن بعضهم بعضاً وأن من جاء قريشاً من المسلمين مرتداً لم يردوه عليه.
ومن جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة منهم رده عليهم.
ولم يعطهم أن يرد عليهم من خرج منهم مسلماً إلى غير المدينة في بلاد الإسلام أو الشرك وإن كان قادراً عليه.
قال : ولم يذكر أحد منهم أنه أعطاهم في مسلم غير أهل مكة شيئاً من هذا الشرط.
وذكروا أنه أنزل عليه في مهادنتهم : {إنا فتحنا لك فتحا مبينا}.
فقال بعض المفسرين : قضينا لك قضاء مبيناً.
قال الشافعي : فتم الصلح بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة على هذا حتى جاءته أم كلثوم بنت عقبة بن 193 أ أبي معيط مسلمة مهاجرة فنسخ الله الصلح في النساء وأنزل : {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن} الآية - إلى قوله : {وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا}.
يعني المهور إذا كانوا أعطوهن إياها.
قال : وجاء أهواها يطلبانها فمنعهما منها وأخبر أن الله تبارك وتعالى نقض الصلح في النساء وحكم فيهن غير حكمه في الرجال.
(7/152)
قال : وإنما ذهبت إلى أن النساء كن في الصلح بأنه لو لم يدخل ردهن في الصلح لم يعط أزواجهن فيهن عوضاً . والله أعلم.
قال الشافعي : وبهذه الآية مع الآية في براءة قلنا إذا صالح الإمام على ما لا يجوز فالطاعة نقضه.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : وبهذا قلنا إذا ظفر المشركون برجل من المسلمين فأخذوا عليه عهوداً وأيماناً أن يأتهم أو يبعث إليهم بكذا أو بعدد أسرى أو مال فحلال أن لا يعطيهم قليلاً ولا كثيراً لأنها أيمان مكرهة وكذلك لو أعطى الإمام عليه أن يرده عليهم إن جاءه.
فإن قال قائل ما دل على هذا ؟ قيل له : لم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بصير من وليه حين جاءاه فذهبا به فقتل أحدهما وهرب منه الآخر.
فلم ينكر ذلك عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بل قال قولاً يشبه التحسين له.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : حال الأسير وأموال المسلمين في أيدي المشركين خلاف ما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية من رد رجالهم الذين هم أبناؤهم وإخوانهم وعشائرهم الممنوعون منهم ومن غيرهم أن ينالوا بتلف.
فإن ذهب ذاهب إلى رد أبي جندل بن سهيل إلى أبيه وعياش بن أبي ربيعة - أو ابن عياش بن أبي زمعة مثل الربيع - إلى أهله بما أعطاهم قيل له : أبناؤهم (7/153)
وأهلوهم أشفق الناس عليهم وأحرصه على سلامتهم ولعلهم كانوا سيقونهم بأنفسهم مما يؤذيهم فضلاً عن أن يكونوا متهمين على أن ينالوهم بتلف أو أمر لا يحتملونه من عذاب وإنما نقموا منهم خلافهم 193 ب دينهم ودين آبائهم فكانوا يشددون عليهم ليتركوا دين الإسلام وقد وضع الله عنهم المأثم في الإكراه فقال : {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}.
ومن أسر مسلماً من غير قبيلته أو قرابته فقد يقتله بألوان القتل ويبلوه بالجوع والجهد وليس حالهم واحدة.
ويقال له أيضاً : ألا ترى أن الله نقض الصلح في النساء إذ كن إذا أريدت بهن الفتنة ضعفن عن عرضها عليهن أو لم يفهمن فهم الرجال بأن التقية تسعهن في إظهار ما أراد المشركون من القول وكان فيهن أن يصيبهن أزواجهن وهن حرام فأسرى المسلمين في أكثر من هذه الحال إلا أن الرجال ليس ممن تنكح وربما كان في المشركين من يفعل فيما بلغنا والله أعلم.
قال أحمد : وإنما نقلت كلام الشافعي رحمه الله في الفرق بين رجال أبي جندل وغيره من أهل مكة حيث شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلح ردهم ووفى بما شرط وحال غيرهم مما لا يكون له حيث يرد إليه عشيرة ومنعة لغلط جماعة من السلف بحديث أبي جندل.
وكان الشافعي أيضاً يذهب في الأسير إلى أنه ييسر له ما شرطوا عليه من المال وإلا رجع إليهم.
هكذا رواه عنه أبو عبد الرحمن البغدادي واستدل بحديث الليث عن عقيل عن ابن شهاب في أمر أبي جندل وهو فيما 5571 - أخبرناه أبو الحسن بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد حدثنا عبيد بن(7/154)
شريك حدثنا يحيى حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أنه قال أخبرني عروة بن الزبير أنه سمع مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة يخبران عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كاتب سهيل بن عمرو يومئذ كان فيما اشترط سهيل بن عمرو على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا فخليت بيننا وبينه فكره المؤمنون ذلك وألغطوا به وأبي سهيل إلا ذلك.
194 أ فكاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهيل بن عمرو ولم يأته أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلماً وجاءت المؤمنات وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي عاتق فجاء أهلها يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجعها إليهم فلم يرجعها إليهم لما أنزل الله فيهن : {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَم بِإِيمَانِهِنَّ} الآية : أخرجه البخاري في الصحيح عن يحيى بن بكير.
وقد أخرجه أيضاً من حديث معمر عن الزهري إلا أنه قال في هذه القصة : فقال سهيل : على أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا.
فمن زعم أن النساء لم يدخلن في الصلح احتج بهذه الرواية.
وروينا في إسناد حديث محمد بن إسحاق بن يسار عن الزهري عن عروة عن مروان والمسور بن مخرمة في هذه القصة بنحو من معنى رواية عقيل وقال : فإن الصحيفة لتكتب إذ طلع أبو جندل بن سهيل يرسف في الحديد وقد كان أبوه حبسه فأفلت فلما رآه سهيل قال : يا محمد لقد ولجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا.
قال : صدقت.
(7/155)
وصاح أبو جندل بأعلى صوته : يا معشر المسلمين أأرد إلى المشركين يفتنونني في ديني ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جندل : أبا جندل اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً.
5572 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس حدثنا العطاردي حدثنا يونس عن ابن إسحاق فذكره.
ثم أن الشافعي في الجديد رجع عن هذا وفرق بين الحالين بما نقلناه.
وأما ما ذكر من حديث عياش أو أبي عياش فهو : عياش بن أبي ربيعة فيما أعلم.
وإنما الشك من جهة الربيع والغلط من جهة المزني حيث قال في بعض النسخ : ابن عياش وذاك أن عياش بن أبي ربيعة هاجر إلى المدينة 194 ب في أول ما هاجر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه أبو جهل بن هشام وهو أخوه لأمه ورجل آخر معه فقال له : إن أمك تناشدك رحمها وحقها أن ترجع إليها فأقبل معها فربطاه حتى قدما به مكة.
هكذا ذكره مجاهد ومحمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي.
ولا يرجع فيما نظن إلا بإذن النبي صلى الله عليه وسلم وكان المعنى فيه ما في أبي جندل من رجوعه إلى عشيرته إلا أن ذلك كان قبل الصلح ولعله رجع بنفسه فلم يمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم للمعنى الذي ذكرنا والله أعلم.
وأما ما ذكر من حديث أبي بصير فهو في الإسناد الذي ذكرناه عن محمد بن إسحاق عن عروة عن مروان والمسور بمعناه وأتم منه.
5573 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى للمسلمين (7/156)
{ولا تمسكوا بعصم الكوافر}.
فأبانهن من المسلمين وأبان رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك بمضي العدة.
وكان الحكم في إسلام الزوج الحكم في إسلام المرأة لا يختلفان وقال : {واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا}.
يعني - والله أعلم - أزواج المشركات من المؤمنين إذا منعهن المشركون إتيان أزواجهن بالإسلام أتوا ما دفع إليهن الأزواج من المهور كما يؤدي المسلمون ما دفع أزواج المسلمات من المهور وجعله الله حكماً بينهم ثم حكم لهم في مثل ذلك المعنى حكماً ثابتاً فقال : {وَإن فَاتَكُم شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ}.
كأنه - والله أعلم - يريد فلم تعفوا عنهم إذ لم يعفوا عنكم مهور نسائكم : {فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا}.
كأنه يعني من مهورهن إذا فاتت إمرأة مشرك أتتنا مسلمة قد أعطاها مِئَة في مهرها وفاتت إمرأة مشركة إلى الكفار قد أعطاها مِئَة حبست مِئَة المسلم بمِئَة المشرك.
فقيل تلك العقوبة ويكتب بذلك إلى أصحاب عهود المشركين حتى يُعطى المشرك ما قصصناه به 195 أ من مهر إمرأته للمسلم الذي فاتت إمرأته إليهم ليس له غير ذلك ثم بسط الكلام في التفريع.
1192 - باب العبد يخرج من دار الحرب مسلماً
5574 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي رحمه الله قال (7/157)
أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حصار ثقيف من نزل إليه من عبد فأسلم وشرط لهم أنهم أحرار فنزل إليه خمسة عشر عبداً من عبيد ثقيف فأعتقهم ثم جاء سادتهم بعدهم مسلمين فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يردهم إليهم فقال : هم أحرار لا سبيل عليهم.
ولم يردهم.
5575 - أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي حدثنا يوسف بن خالد السمتي عن إبراهيم بن عثمان عن الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نازل أهل الطائف فنادى مناديه : أن من خرج إلينا من عبد فهو حر فخرج إليه نافع ونفيع فأعتقهما.
قال الشافعي : كان يوسف بن خالد السمتي رجلاً من الخيار وفي حديثه ضعف.
قال أحمد : هكذا يقوله سائر أهل العلم بالحديث.
وإبراهيم بن عثمان هذا أبو شيبة الكوفي وهو أيضاً ضعيف.
وقد رواه الحجاج بن أرطاة عن الحكم.
5576 - أخبرناه أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : قال أبو يوسف حدثنا الحجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس : أن عبدين خرجا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف فأعتقهما.
قال أبو يوسف (7/158)
حدثنا بعض أشياخنا أن أهل الطائف خاصموا في عبيد خرجوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أولائك عتقاء الله.
قال أحمد : ورواه حفص بن غياث عن الحجاج وقال : أحدهما أبو بكرة.
ورواه حماد بن سلمة عن 195 ب الحجاج : أن أربعة أعبد.
ورواه أبو معاوية عن الحجاج : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق من خرج إليه يوم الطائف من عبيد المشركين.
والاعتماد على نقل أهل المغازي في ذلك والذي ذكره الشافعي مشهور بينهم.
وروي محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن منصور عن ربعي بن خراش عن علي قال : خرج عبدان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية قبل الصلح فكتب إليه مواليهم : والله ما خرجوا إليك رغبة في دينك وإنما خرجوا هرباً من الرق.
فأبى أن يردهم وقال : هم عتقاء الله عز وجل.
5577 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا عبد العزيز بن يحيى الجراني حدثني محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق فذكره.
قد روينا في الحديث الثابت عن عطاء عن ابن عباس من قوله : وإن هاجر عبد أو أمة للمشركين أهل العهد لم يردوا وردت أثمانهم.
(7/159)
وإن هاجر عبد منهم - يعني من أهل الحرب - أو أمة فهما حران ولهما ما للمهاجرين.
5578 - قال الشافعي في الإسناد الذي مضى عن أبي سعيد : ولا يعتق بالإسلام إلا في موضع وهو : أن يخرج من بلاد الحرب مسلماً كما أعتق النبي صلى الله عليه وسلم من خرج من حصن ثقيف مسلماً.
قال الشافعي : قد جاء النبي صلى الله عليه وسلم عبد مسلم ثم جاءه سيده يطلبه فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم بعبدين.
ولو كان ذلك يعتقه لم يشتر منه حراً ولكنه أسلم غير خارج من بلاد منصوب عليها الحرب.
قال أحمد : هذا في حديث أبي الزبير عن جابر قال : جاء عبد يبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة ولم يشعر أنه عبد فجاء سيده يريده فقال النبي صلى الله عليه وسلم.
بعنيه.
فاشتراه بعبدين أسودين ثم لم يبايع أحداً بعد حتى يسأله : أعبد هو.
5579 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو بكر بن إسحاق أخبرنا 196 أ إسماعيل بن قتيبة حدثنا يحيى بن يحيى قال أخبرنا الليث بن سعد عن أبي الزبير فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى وغيره.
(7/160)
قال أحمد : قد ذكرنا ما احتج به المزني من حديث ابن عباس فيمن دان دين أهل الكتاب بعد نزول الفرقان في باب نصارى بني تغلب.
1193 - باب جماع الوفاء بالعهد والنذر ونقضه
5580 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : جماع الوفاء بالنذر والعهد كان بيمين أو غيرها في قول الله تبارك وتعالى : {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود}.
وفي قوله : {يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا}.
وقد ذكر الله الوفاء بالعقود في الأيمان في غير آية من كتابه فذكر تلك الآيات ثم قال : وهذا من سعة لسان العرب الذي خوطب به فظاهره عام على كل عقد.
ويشبه - والله أعلم - أن يكون الله أراد أن يوفي بكل عقد إذا كانت فيه لله طاعة أو لم يكن له فيما أمر بالوفاء منها معصية.
واحتج بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صالح قريشاً بالحديبية على أن يرد من جاءه منهم فأنزل الله عز وجل في إمرأة جَاءته منهم مسلمة : {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار}.
فحبسهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله.
(7/161)
وعاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً من المشركين فأنزل الله عليه فيه : {براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين} الآية.
فإن قال قائل فكيف كان صلح النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قيل كان صلح لهم طاعة لله إما عن الله بما يصنع نصاً وإما أن يكون الله جعل له أن يعقد لمن رأى بما رأى ثم أنزل الله قضاءه عليه فصار إلى قضاء الله ونسخ رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله بفعله بأمر الله وكلٌ كان لله طاعة في وقته.
ثم شبهه بأمر القبلة 196 ب وما ورد فيه من النسخ.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : فلما قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم تناهت فرائض الله فلا يزاد فيها ولا ينقص منها فمن عمل منها بمنسوخ بعد علمه به فهو عاص وعليه أن يرجع عن المعصية.
ثم ساق الكلام إلى الاستدلال بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعص الله فلا يعصه.
وأسر المشركون إمرأة من الأنصار وأخذوا ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فانفلتت الأنصارية على ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فنذرت إن نجاها الله عليها أن تنحرها فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم.
(7/162)
قال الشافعي : لا نذر يوفي به.
ثم بسط الكلام في بيانه إلى أن قال : قال الله تبارك وتعالى في الإيمان : {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان}.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفرّ عن يمينه.
فأعلم أن طاعة الله أن لا يفي باليمين إذا كان غيرها خيراً منها وأن يكفر بما فرض الله من الكفارة وكل هذا يدل على أنه إنما يوفي بكل عقد نذر وعهد لمسلم أو مشرك كان مباحاً لا معصية لله فيه.
5581 - وبهذا الإسناد قال قال الشافعي رحمه الله قال الله جل ثناؤه : {وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين}.
قال الشافعي : نزلت في أهل هُدنة بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عنهم شيء استدل به على خيانتهم.
(7/163)
فإذا جاءت دلالة على أن لم يوف أهل الهُدنة بجميع ما عاهدهم عليه فله أن ينبذ إليهم.
ومن قلت له أن ينبذ إليه فعليه أن يحلقه بمأمنه ثم له أن يحاربه كما يحارب من لا هُدنة له.
5582 - وبهذا الإسناد قال قال الشافعي : وإذا نقض الذين عقد الصلح عليهم أو نقضت منهم جماعة 197 أ بين أظهرهم فلم يخالفوا الناقض بقول ولا فعل ظاهر.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : فللإمام أن يغزوهم فإذا فعل فلم يخرج منهم إلى الإمام خارج مما فعله جماعتهم فللإمام قتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم.
وهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني قريظة عقد عليهم صاحبهم الصلح بالمهادنة فنقض ولم يفارقوه فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقر دارهم وهي معه بطرف المدينة فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم وغنم أموالهم وليس كلهم اشترك في المعونة على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولكن كلهم لزم حصنه ولم يفارق الغادرين منهم إلا نفر فحقن ذلك دماءهم وأحرز عليهم أموالهم.
قال : وكذلك إن نقض رجل منهم فقاتل كان للإمام قتل جماعتهم.
قد أعان على خزاعة وهم في عقد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة نفر من قريش فشهدوا قتالهم فغزا النبي صلى الله عليه وسلم قريشاً عام الفتح بغدر النفر الثلاثة وترك الباقون معونة خزاعة وإيوائهم من قتال خزاعة.
(7/164)
قال أحمد : وهذا الذي ذكره الشافعي من بعض من نقد العهد من بني قريظة ومن أعان على خراعة من قريش وقتال النبي صلى الله عليه وسلم الفريقين معروف مشهور فيما بين أهل السيرة.
ونقلنا إلى كتاب السنن من الأخبار ما دل على ذلك.
وتاريخه أن في حديث عبد الرحمن بن كعب عن رجل من الصحابة : أن النبي صلى الله عليه وسلم عاهد بني قريظة.
ثم في حديث محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان عن عروة وعن سائر شيوخه أن حيي بن أخطب ومن حزب الأحزاب معه قدموا على قريش ودعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءوا بأبي سفيان والأحزاب عام الخندق ثم خرج حيي بن أخطب حتى أتى كعب بن أسد صاحب عقد بني قريظة وعهدهم ولم يزل به 197 ب حتى نقض كعب العهد وأظهر البراءة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث موسى بن عقبة قال : فاجتمع ملأهم الغدر على أمر رجل واحد غير أسد وأسيد وثعلبة خرجوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذكر قصة خروجهم أيضاً ابن إسحاق.
5583 - وأخبرنا أبو طاهر الفقيه - من أصله - قال أخبرنا أبو بكر القطان حدثنا أبو الأزهر حدثنا محمد بن شرحبيل أخبرنا ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر : أن يهود بني النضير وقريظة حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير وأقر قريظة ومنَّ عليهم حتى حاربت قريظة بعد ذلك فقتل رجالهم وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين إلا بعضهم لحقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنهم وأسلموا.
وأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود المدينة بني قينقاع وهم قوم عبد الله - يعني ابن(7/165)
سلام - ويهود بني حارثة وكل يهودي بالمدينة.
أخرجاه رحمهما الله في الصحيح.
وروينا في مغازي موسى بن عقبة وغيره أن بني نُفاثة من بني الديل أغاروا على بي كعب وإعانة بنو بكر بني نفاثة وأعانتهم قريش بالسلاح والرقيق.
وممن أعانهم من قريش : صفوان بن أمية وشيبة بن عثمان وسهيل بن عمرو.
فخرج ركب من بني كعب وكانوا في صلح النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له الذي أصابهم وما كان من قريش عليهم في ذلك فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم للخروج.
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : لعللك تريد قريشاً ؟ قال : نعم.
قال : أليس بينك وبينهم مدة ؟ قال : ألم يبلغك ما صنعوا ببني كعب ؟.
1194 - باب الحكم بين المعاهدين والمهادنين
5584 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي رحمه الله قال : لم أعلم 198 أ مخالفاً من أهل العلم بالسير.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل المدينة وادع يهود كافة على غير جزية وأن قول الله عز وجل (7/166)
{فَإن جَاءًوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ}.
إنما نزلت في اليهود الموادعين الذين لم يعطوا جزية ولم يقروا بأن يجري عليهم حكم.
وقال بعضهم : نزلت في اليهوديين اللذين زنيا.
قال : والذي يشبه ما قال لقول الله تعالى : {وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله}.
وقال : {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا}.
يعني والله أعلم : إن تولوا عن حكمك بغير رضاهم فهذا يشبه أن يكون ممن أتى حاكماً غير مقهور على الحكم والذين حاكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في إمرأة منهم ورجل زنيا موادعين وكان في التوراة الرجم ورجوا أن لا يكون من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجم فجاءوه بهما فرجمهما.
5585 - أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه قال : إن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلاً منهم وإمرأة زنيا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما تجدون في التوراة من شأن الرجم.
(7/167)
فقالوا : نفضحهم ويجلدون.
قال عبد الله بن سلام : كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها.
فقال له عبد الله بن سلام : إرفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم.
فقالوا : صدق يا محمد فيها آية الرجم فأمر بهما النبي صلى الله عليه وسلم فرجما.
قال عبد الله بن عمر فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة.
5586 - وبإسناده قال أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم يهودياً ويهودية ورأيته يجاني عليها يقيها الحجارة.
أخرجاه من حديث مالك 198 ب وأيوب في الصحيح.
قال الشافعي في رواية الربيع : وليس للإمام الخيار في أحد من المعاهدين الذين يجري عليهم الحكم إذا جاءوه في حد الله وعليه أن يقيمه.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : فإن جاءنا محتسب من المسلمين أو غيرهم فذكر أن الذميين يعملون فيما بينهم أعمالاً من ربا وغيرهم لم يكشفهم عنها لأن ما أقررناهم عليه من الشرك أعظم ما لم يكن لها طالب يستحقها.
وكذلك لا يكشف عن ما استحلوا من نكاح المحارم.
فإن قال قائل : قد كتب عمر رضي الله عنه يفرق بين كل ذي محرم من المجوس.
فقد يحتمل أن يفرق إذا طالبت ذلك المرأة أو وليها أو طلبه الزوج ليسقط عنه مهرها.
(7/168)
5587 - وأخبرنا أبو سعيد - في كتاب تحريم الجمع - حدثنا أبو العباس قال حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة حدثنا الفضيل بن عيسى الرقاشي قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي أن سل الحسن لِمَ أقر المسلمون بيوت النيران وعبادة الأوثان ونكاح الأمهات والأخوات ؟ فسأله فقال الحسن : لأن العلاء بن الحضرمي لما قدم البحرين أقرهم على ذلك.
قال الشافعي : فهذا لا أعلم فيه خلافاً بين أحد لقيته.
وقال الشافعي في القديم في كتاب القضاء : وقد زعم بعض المحدثين عن عوف الأعرابي عن الحسن - وانقطع الحديث.
وإنما عنى - والله أعلم - ما 5588 - أخبرنا أبو محمد بن يوسف الأصبهاني أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي حدثنا سعد بن نصر حدثنا إسحاق الأزرق عن عوف الأعرابي قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة : أما بعد فسل الحسن بن أبي الحسن ما منع من قبلنا من الأئمة أن يحولوا بين المجوس وبين ما يجمعون من النساء اللاتي لا يجمعهن أحد من أهل الملل غيرهم ؟ قال فسأل عدي الحسن فأخبره : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبل من مجوس أهل البحرين الجزية وأقرهم على مجوسيتهم 199 أ ( . . . ) رسول الله صلى الله عليه وسلم على البحرين العلاء بن الحضرمي وأقرهم ( . . . ) رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقرهم عمر بعد أبي بكر.
أشار إليه الشافعي في القديم في رواية أبي عبد الرحمن عنه ( . . . ) من الأحاديث التي ذكرها في رواية ( . . . ) عبد العزيز البغدادي عنه إنما هو بلاغ (7/169)
( . . . ) سماع فقد ذكر سماعه وهو كالأحاديث ( . . . ) فما كان له منها سماع من شيوخه ( . . . ) ذكر فيه سماعه فهو فيما بلغه عن من سماه.
5589 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال قال أبو علي ( . . . ) عن محمد بن سفيان عن يونس بن عبد الأعلى ( . . . ) حكم بينهم بما أنزل الله لا يحكم بينهم أبداً ( . . . ) ويحكم عليهم وإن لم يتحاكموا في التعدي ( . . . ) وهم إذا تعدوا.
(7/170)
42 - كتاب الصيد
قال الشافعي رحمه الله : قال الله عز وجل : {يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم}.
5590 - أخبرنا أبو سعيد بن عمرو حدثنا أبو العباس بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي رحمه الله : الكلب المعلم إذا أشلى استشلى وإذا أخذ حبس ولم يأكل فإذا فعل ذلك مر بعد مرة كان معلماً يأكل صاحبه ما حبس عليه وإن قتل ما لم يأكل فإذا أكل فقد قيل : يخرجه هذا من أن يكون معلماً وامتنع صاحبه من أن يأكل.
ويحتمل القياس أن يأكل وإن أكل منه الكلب من قبل أنه إذا صار معلماً صار قتله ذكاة.
هذا قول ابن عمر ، وسعيد بن أبي وقاص 199 ب وبعض أصحابنا.
وإنما تركنا هذا الأثر الذي ذكر الشعبي عن عدي بن حاتم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول (7/171)
فإن أكل فلا تأكل.
فإذا ثبت الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز تركه لشيء.
قال أحمد : أما حديث ابن عمر 5591 - فأخبرناه أبو الحسين بن بشران أخبرنا إسماعيل الصفار حدثنا الحسن بن علي عن عفان حدثنا ابن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال : إذا أرسل أحدكم كلبه المعلم وذكر اسم الله فليأكل مما أمسك عليه أكل أو لم يأكل.
وأما حديث سعد : فهو في جامع الثوري عن ابن أبي ذئب عن بكير بن الأشج عن رجل يقال له حميد بن مالك قال : سألت سعداً قلت : إن لنا كلاباً ضواري فيمسكن علينا ويأكلن ويبقين ؟ قال : كل وإن لم يبقين إلا بضعه.
وروي عنه عن علي وسلمان الفارسي وأبي هريرة.
وروي عن ابن عباس أنه كره ذلك.
وأما حديث الشعبي عن عدي 5592 - فأخبرناه أبو بكر بن فورك حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن ابن أبي السفر عن الشعبي عن عدي قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المعراض فقال : إذا أصاب بحده فقتل فكل وإذا أصاب بعرضه فقتل فهو وقيذ فلا تأكل.
(7/172)
قلت : أرسل كلبي قال : إذا أرسلت كلبك على الصيد وسميت فأخذ فكل وإن أكل منه فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه.
قلت : أرسل كلبي فأجد مع كلبي كلباً آخر لا أدري أيهما أخذه ؟ قال : فلا تأكل فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث شعبة.
5593 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب وأبو عمرو بن أبي جعفر قالا : حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا الحسن بن عيسى أخبرنا ابن المبارك أخبرنا عاصم عن الشعبي عن عدي بن حاتم أنه سأل رسول الله 200 أ صلى الله عليه وسلم عن الصيد فقال : إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله فإن أدركته ولم يقتل فاذبح واذكر اسم الله وإن أدركته قد قتل ولم يأكل فكل فقد أمسكه عليك فإن وجدته قد أكل منه فلا تطعم منه شيئاً فإنما أمسكه على نفسه فإن خالط كلباً كلاباً فقتلن ولم يأكلن فلا تأكل منه شيئاً فإنك لا تدري أيهما قتل وإذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله فإن أدركته فكل إلا أن تجده قد وقع في ماء فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك فإن وجدته بعد ليلة أو ليلتين فلم تجد فيه أثراً غير أثر سهمك فشئت أن تأكل منه فكل.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن أيوب عن عبد الله بن المبارك.
وأخرجه البخاري من وجه آخر عن عاصم.
وأخرجاه من حديث زكريا وغيره عن الشعبي.
ورواه مجالد عن الشعبي عن عدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (7/173)
ما علمت من كلب أو باز ثم أرسلته.
وذكرت اسم الله فكل مما أمسك عليك قلت : وإن قتل ؟ قال : إذا قتله ولم يأكل منه شيئاً فإنما أمسكه عليك.
وقد تفرد مجالد بذكر البازي فيه.
وكان ابن عباس يفرق بينهما.
وكان سلمان يجمع بينهما في الإباحة.
وقد روى الشافعي في كتاب حرملة عن مجالد عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أكل الكلب فلا تأكل فإنما أمسك على نفسك.
وقد ثبت هذا الحديث برواية الثقات عن الشعبي.
5594 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ في آخرين قالوا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أخبرنا ابن وهب أخبرني حيوة بن شريح أنه سمع ربيعة بن يزيد الدمشقي يقول : سمعت أبا إدريس الخولاني يحدث أنه سمع أبا ثعلبة الخُشني يقول : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إن أرضنا أرض صيد أصيد بالكلب المكلب وبالكلب الذي ليس بمكلب فأخبرني ماذا يحل لنا مما يحرم علينا من ذلك ؟ فقال : أما ما صاد كلبك المكلب فكل ما أمسك عليك واذكر اسم الله وأما ما صاد كلبك الذي ليس بمكلب فأدركت ذكاته فكل منه ما لم تدرك ذكاته فلا تأكل منه.
رواه مسلم في الصحيح عن أبي الطاهر عن ابن وهب.
ورواه البخاري عن عبد الله بن يزيد المقري عن حيوة.
(7/174)
وروى عن يونس بن يوسف عن أبي إدريس عن أبي ثعلبة في هذا الحديث قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ردت عليك قوسك وكلبك ويدك فكل ذكي وغير ذكي.
ورواه داود بن عمرو عن بُسر بن عبيد الله عن أبي إدريس عن أبي ثعلبة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم في صيد الكلب : وإذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل وإن أكل منه وكل ما ردت يدك.
وهاتان الروايتان قد أخرجهما أبو داود في كتاب السنن.
وأخرج أيضاً حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أبا ثعلبة قال : يا رسول الله فذكر معنى ما في هاتين الروايتين وزاد قال : وإن تغيب عني ؟ قال : وإن تغيب عنك ما لم يَصِل أو تجد فيه أثراً غير سهمك.
5595 - أخبرناه أبو بكر بن الحارث الفقيه أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا علي بن عبد الله بن مبشر حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام حدثنا يزيد بن زريع حدثنا حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم يقال له أبو ثعلبة فقال : يا رسول الله : إن لي كلاباً مكلبة فأفتني في صيدها ؟ فقال : إن كانت كلاباً مكلبة فكل مما أمسكن عليك.
قال : ذكي وغير ذكي ؟ قال : ذكي وغير ذكي.
(7/175)
قال : وإن أكل منه ؟ قال : وإن أكل منه.
قال : يا رسول الله افتني في قوسي ؟ قال : كل ما ردت عليك قوسك.
قال : ذكي وغير ذكي ؟ قال : ذكي وغير ذكي.
قال : وإن تغيب عني ؟ قال : وإن 201 أ تغيب عنك ما لم يصل أو تجد فيه أثر غير سهمك.
قال : يا رسول الله أفتني في آنية المجوس إذا اضطررنا إليها ؟ قال : إغسلها ثم كل فيها.
قال أحمد : وحديث عدي بن حاتم أصح من هذا وما خالفه من هذه الروايات ليس في الرواية التي اعتمدها صاحبا الصحيح.
فالله أعلم.
1195 - باب تسمية الله عند الإرسال
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد : أحببت له أن يسمي.
وهذا لما مضى في حديث عدي بن حاتم وأبي ثعلبة.
قال الشافعي : فإن لم يسم ناسياً فقتل أكل لأنه إذا كان كالذكاة فهو لو نسي التسمية في الذبيحة أكل لأن المسلم يذبح على اسم الله وإن نسي.
(7/176)
قال أحمد : قد روينا عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال : إذا ذبح المسلم ونسي أن يذكر اسم الله فليأكل فإن المسلم فيه اسم من أسماء الله.
5596 - وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي وأبو بكر بن الحارث الفقيه أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا أحمد بن محمد بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بكر بن خالد حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن عين عن ابن عباس : إذا ذبح المسلم فلم يذكر اسم الله فليأكل فإن المسلم فيه اسم من أسماء الله عز وجل.
قوله : عن عين : يعني عن عكرمة.
ورواه معقل بن عبيد الله عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : المسلم يكفيه اسمه فإن نسي أن يسمي حين يذبح فليذكر اسم الله وليأكله.
5597 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا أبو أمية الطرسوسي حدثنا محمد بن يزيد حدثنا معقل بن عبيد الله فذكره.
والمحفوظ رواية سفيان بن عيينة عن عمرو عن أبي الشعثاء عن عكرمة عن ابن عباس موقوفاً عليه كما مضى.
وقد رواه أبو داود في المراسيل بإسناد عن ثور بن يزيد عن الصلت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (7/177)
ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله أو لم يذكر إنه إن ذكر لم يذكر إلا اسم الله.
وهذا المرسل يؤكد 201 ب قول ابن عباس وقد.
5598 - أخبرني أبو عبد الرحمن السلمي فيما قرأت عليه قال أخبرني علي بن عمر الحافظ حدثنا ابن مبشر حدثنا أبو الأشعث حدثنا محمد بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.
أن قوماً قالوا : يا رسول الله إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله أم لا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سموا عليه وكلوا.
رواه البخاري في الصحيح عن أبي الأشعث.
وأخرجه أيضاً من حديث أبي خالد الأحمر وأسامة بن حفص عن هشام موصولاً واستشهد برواية الدراوردي عن هشام.
5599 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عمران بن عيينة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : جاءت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : تأكل مما قتلنا ولا تأكل مما قتل الله ؟ فأنزل الله عز وجل : {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} إلى آخر الآية.
(7/178)
1196 - باب في الإرسال على الصيد يتوارى عنك ثم تجده مقتولاً
5600 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : فالخبر عن ابن عباس والقياس أن لا يأكله من قبل أنه قد يمكن أن يكون قتله غير ما أرسل عليه من دواب الأرض.
وقد سئل ابن عباس فقال له قائل : إني أرمي فأصْمي وأنمي ؟ فقال له ابن عباس : كل مما أصميت ودع ما أنميت.
قال الشافعي : ما أصميت : ما قتلته الكلاب وأنت تراه . وما أنميت : ما غاب عنك مقتله.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : ولا يجوز عندي فيه إلا هذا إلا أن يكون جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء فإني أتوهمه فيسقط كل شيء خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يقوم معه رأي ولا قياس فإن الله تعالى قطع العذر بقوله صلى الله عليه وسلم.
قال أحمد : أما حديث ابن عباس موقوفاً عليه.
5601 - فأخبرناه أبو زكريا بن أبي إسحاق حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو 202 أ بن الحارث بن رحيل حدثه أن عمرو بن ميمون حدثه عن أبيه : أن عربياً أتى عبد الله بن عباس وميمون عنده فقال : أصلحك الله إني أرمي الصيد فأصمي وأنمي فكيف ترى ؟ فقال ابن عباس (7/179)
كل ما أصميت ودع ما أنميت.
وروى أبو داود في المراسيل من حديث عامر الشعبي وابن رزين عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على هذا المعنى فإنه قال في إحدى الروايتين : بات عنك ليلة ولا آمن أن تكون هامة أعانتك عليه لا حاجة لي فيه.
وقال في الرواية الأخرى : الليل خلق من خلق الله عظيم لعله أعانك على شيء أنبذها عنك.
وأما الذي توهمه الشافعي من الحديث المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو ما روينا في حديث عدي بن حاتم في المسألة قبلها وهو قوله صلى الله عليه وسلم : فإن وجدته بعد ليلة أو ليلين فلم تجد فيه أثراً غير أثر سهمك فشئت أن تأكل منه فكل.
ورواه داود بن أبي هند عن الشعبي عن عدي بن حاتم أنه قال : يا رسول الله إن أحدنا يرمي الصيد فيقتفي أثره اليومين والثلاثة ثم يجده ميتاً وفيه سهمه أيأكل ؟ قال : نعم إن شاء.
أو قال : يأكل إن شاء.
ورواه سعيد بن جبير بن عدي بن حاتم كما 5602 - أخبرنا الشيخ أبو بكر بن فورك رحمه الله أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود حدثنا شعبة وهشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن عدي بن حاتم قال (7/180)
قلت يا رسول الله أرمي الصيد فأجده من الغد فيه سهمي ؟ قال : وإذا وجدت فيه سهمك وعلمت أنه قتله ولم تر فيه أثر سبع فكل.
قال : وحدثنا شعبة عن عبد الملك من ميسرة قال سمعت سعيد بن جبير يحدث عن عدي بن حاتم أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فذكره نحوه.
ورواه أبو ثعلبة الخُشني كما 5603 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا يحيى بن معين حدثنا حماد بن خالد الخياط عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن أبي 202 ب ثعلبة الخُشني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا رميت الصيد فأدركته بعد ثلاث ليال وسهمك فيه فكل ما لم ينتن.
رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن مهران عن حماد بن خالد.
وحديث البهزي في حمار الوحش العقير وفي الظبي الحاقف فيه سهم.
قد مر في كتاب الحج.
1197 - باب ما أُبين من حي
قال الشافعي : لم نأكل العضو الذي بان منه وفيه الحياة التي يبقى بعده.
5604 - حدثنا أبو عبد الرحمن السلمي أخبرنا أبو بكر محمد بن المؤمل حدثنا الفضل بن محمد البيهقي حدثنا علي بن الجعد حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي واقد الليثيّ قال (7/181)
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة والناس يجبون أسنام الإبل ويقطعون آليات الغنم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة.
1198 - باب ما لا يجوز فيه الذكاة من السن والظفر
5605 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن سعيد بن مسروق.
وفي رواية أبي سعيد عن عمرو بن سعيد بن مسروق عن أبيه عن عباية بن رفاعة عن رافع بن خديج قال قلنا يا رسول الله : إنا لاقوا العدو غداً وليس معنا مدى أنذكي بالليط ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما أنهر الدم وذكر عليه اسم الله فكلوا إلا ما كان من سن أو ظفر فإن السن عظم من الإنسان والظفر مدى الحبش.
ورواه أيضاً سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن مسلم عن سعيد بن مسروق.
ومن ذلك الوجه أخرجه مسلم في الصحيح.
وأخرجه البخاري ومسلم من حديث سفيان عن أبيه سعيد بن مسروق.
قال الشافعي في رواية حرملة (7/182)
ومعقول في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن السن إنما يذكي بها إذا كانت منتزعة فأما 203 أ وهي ثابتة فلو أراد الذكاة بها كانت منخنقة.
وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن السن عظم من الإنسان وقال : إن الظفر مدى الحبش يعني فيه دلالة على أنه لو كان ظفر الإنسان قاله كما قاله في السنن ولكنه أراد الظفر الذي هو طيب في بلاد الحبشة يجلب.
وإذا نهى عن الظفر وكان المعقول أنه ما وصفت فحرام ذلك الظفر والإنسان وعظمه قياس على سِنه فلا يجوز أن يذكي من الإنسان بعظم لأن السن عظم ولا بظفر لأنه من الإنسان.
قال أحمد : وفي حديث أم عطية عن النبي صلى الله عليه وسلم في إحداد المرأة : ولا تمس طيباً إلى أدنى طهرتها إذا تطهرت من حيضتها نبذة من قسط أو اظفار.
وفي رواية أخرى : وقد رخص في طهرها إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في نبذة من قسط أو اظفار . وإنما أراد طيباً.
1199 - باب محل الذكاة في المقدور عليه وفي غير المقدور عليه
5606 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي رحمه الله قال : الذكاة ذكاتان : فما قدر على ذكاته مما يحل أكله فذكاته في اللبة والحلق بالذبح والنحر.
وما لم يقدر عليه فذكاته أن ينال بالسلاح حيث قدر عليه إنسي كان أو وحشي.
(7/183)
فإن تردى بعير في بئر أو نهر فلم يقدر على منحره ولا مذبحه حيث يذكي فطعن فيه بسكين أو شيء تجوز الذكاة فيه فأنهر الدم منه ثم مات انحل.
وهكذا ذكاة ما لا يقدر عليه.
وقد تردى بعير في بئر فطعن في شاكلته فسئل عبد الله بن عمر فأمر بأكله وأخذ منه عبد الله عشيراً بدرهمين.
وسئل ابن المسيب عن المتردي ينال من السلاح فلا يقدر على مذبحه ؟ فقال : حيث ما نلت منه بالسلاح فكله.
وهذا قول أكثر المفتين.
قال الشافعي في موضع آخر في روايتنا : وأعلم في الإنسي يمتنع خبراً عن النبي صلى الله عليه وسلم 203 ب يثبت بأنه رأى ذكاته كذكاة الوحشي وإنما أراد ما 5607 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العابس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن ابن سعيد بن مسروق.
5608 - قال وحدثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه - واللفظ له - أخبرنا بشر بن موسى حدثنا الحميدي حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمر بن سعيد بن مسروق عن أبيه عن عباية بن رفاعة عن رافع بن خديج قال : أصبنا إبلاً وغنماً فكنا نعدل البعير بعشر من الغنم فندّ علينا بعير منها فرميناه بالنبل ثم سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش فإذا ندّ منها فاصنعوا به ذلك وكلوه.
قال سفيان : وزاد فيه إسماعيل بن مسلم (7/184)
فرميناه بالنبل حتى رهضناه.
قال أحمد : إنما ذكر الشافعي في هذا الإسناد في رواية الربيع حديث السن والظفر كما قدمنا ذكره.
وقد رواه هكذا في الإبل أيضاً في سنن حرملة.
وهذا الإسناد يجمع الحديثين جميعاً.
وأخرجه مسلم في الصحيح من حديث سفيان عن إسماعيل بن مسلم عن سعيد بن مسروق بتمامه.
5609 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو علي الحسين بن علي الحافظ أخبرني أبو خليفة حدثنا مسدد حدثنا أبو عوانة عن سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن جده رافع بن خديج قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة فأصاب الناس جوع فأصبنا إبلاً وغنماً وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخريات الناس فجعلوا فذكوا ونصبوا القدور فدفع إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بالقدور فاكفئت ثم قسم فعدل عشراً من الغنم ببعير فندّ بعير وكان في القوم خيل يسيرة فطلبوه فأعياهم فأهوى إليه رجل بسهم فحبسه الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما ندّ عليكم فاصنعوا به هكذا.
قال : وقالوا : إنا نرجو أو نخاف 204 أ العدو غداً وليس معنا مُدى أفنذبح بالقصب ؟ قال : ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل ليس السن والظفر وسأحدثكم عنه أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة.
(7/185)
رواه البخاري في الصحيح عن موسى بن إسماعيل وغيره عن أبي عوانة.
وأما حديث ابن عمر 5610 - فأخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا محمد بن أحمد بن محبويه العسكري حدثنا جعفر بن محمد القلانسي حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج أن بعيراً وقع في بئر فلم يستطيعوه أن ينحروه إلا من قبل شاكلته فاشترى ابن عمر منه عشيراً بدرهمين.
وروينا فيه عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود.
وأما الحديث الذي 5611 - أخبرناه أبو بكر بن فورك أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود حدثنا داود بن سلمة عن أبي العشراء عن أبيه قال : قلت : يا رسول الله أما تكون الذكاة إلا في الليلة أو الحلق ؟ قال : لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك.
فإنما هو إن ثبت في المتردية وما في معناها . والله أعلم.
وقد رواه الشافعي في سنن حرملة عن الثقة عنده عن حماد بن سلمة مع حديث رافع بن خديج.
قال أحمد : وروينا في الحديث الصحيح عن عبد الله بن مغفل : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحذفة وقال (7/186)
إنها لا يصاد بها صيد ولا ينكأ بها عدو وهي تكسر السن وتفقأ العين.
وروينا عن عمر بن الخطاب أنه قال : واتقوا الأرنب أن يحذفها أحدكم بالعصا ولكن ليذك لكم الاسل الرماح والنبل.
وعن ابن عمر أنه كان يقول في المقتولة بالبندقة : تلك الموقوذة.
وحديث عدي بن حاتم في صيد المعراض قد مضى ذكره.
1200 - باب الحيتان
5621 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن صفوان 204 ب بن سليم عن سعيد بن سلمة أن المغيرة بن أبي بردة أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني في البحر : هو الطهور ماؤه والحل ميتته.
قال الشافعي : وكل ما كان يعيش في الماء من حوت فأخذه ذكاته وسواء من أخذه من مجوسي أو وثني لأنه ذكي في نفسه ثم ساق الكلام إلى أن قال : ولا أدري أي وجه لكراهية الطافي.
والسنة تدل على أكل ما لفظ البحر ميتاً يضع عشرة ليلة.
(7/187)
وإنما أراد والله أعلم ما 5613 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن شيبان الرملي حدثنا سفيان سمع عمرو بن جابر بن عبد الله يقول : بعثنا النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثمِئَة راكب وأميرنا أبو عبيدة بن الجراح نطلب عير قريش فأقمنا على الساحل حتى فنى زادنا فأكلنا الخبط ثم أن البحر ألقى لنا دابة يقال لها العنبر فأكلنا منه نصف شهر حتى صلحت أجسامنا وأخذ أبو عبيدة ضلعاً من أضلاعه فنصبه ونظر إلى أطول بعير في الجيش وأطول رجل فحملت عليه فجاز تحته.
وقد كان رجل نحر ثلاث جزائر ثم نحر ثلاث جزائر ثم نهاه أبو عبيدة وكانوا يرونه قيس بن سعد.
أخرجاه في الصحيح من حديث سفيان.
ورواه الحميدي عن سفيان قال : فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرناه فقال : هل معكم منه شيء.
قلنا : لا.
وأخرجه البخاري من حديث ابن جريج عن عمرو قال : فألقى البحر حوتاً ميتاً لم نر مثله.
وقال فيه : قال ابن جريج : وأخبرني أبو الزبير أنه سمع جابراً يقول : فقال أبو عبيدة : كلوا.
فلما قدمنا ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : كلوا رزقاً أخرجه الله أطعمونا إن كان معكم.
(7/188)
فأتاه بعضهم فأكله.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد فقال : يعني من كره السمك الطافي : القياس أنه كله سواء ولكنه بلغه أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سمى جابراً أو غيره 205 أ كره الطافي فاتبعنا فيه الأثر.
قال أحمد : وإنما أراد ما روي عن أبي الزبير عن جابر أنه كان يقول ما ضرب به البحر أو جزر عنه أو صيد فيه فكل وما مات فيه فلا تأكل.
هكذا رواه جماعة عن أبي الزبير موقوفاً.
ورواه أبو أحمد الزبير عن سفيان عن أبي الزبير فرفعه.
ورواية الجماعة عن سفيان كرواية الجماعة عن أبي الزبير موقوفاً على جابر.
ورواه يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير مرفوعاً.
ويحيى بن سليم سيىء الحفظ كثير الوهم.
وروي من أوجه أُخر مرفوعاً وكلها ضعيف.
وإنما هو قول جابر من رواية أبي الزبير عنه.
وقد خالفه عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
5614 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : قلت : لو كنت تتبع الآثار والسنن حتى تفرق بين المجتمع منها بالإتباع حمدناك ولكنك تتركها ثابتة لا مخالف لها عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتأخذ ما زعمت برواية عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره الطافي . وقد أكل أبو أيوب سمكاً طافياً وهو رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومعه زعمت القياس وزعمنا السُنة.
(7/189)
وبسط الكلام فيه ثم قال : وذكر أيوب عن محمد بن سيرين أن أبا أيوب أكل سمكاً طافياً.
5615 - وأخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي عن عبد الوهاب عن خالد الحذاء عن إياس بن معاوية بن قرة عن أبي أيوب الأنصاري أنه أكل سمكاً طافياً.
قال أحمد : وروينا عن ثمامة عن أنس بن مالك عن أبي أيوب أنه ركب البحر في رهط من أصحابه فوجدوا سمكةً طافية على الماء فسألوه عنها ؟ فقال : أطيبة هي لم تغير ؟ قالوا : نعم . قال فكلوها وارفعوا نصيبي منها . وكان صائماً.
وروي عن أبي أيوب وأبي صرمة الأنصاري أنهما أكلا الطافي.
وروينا عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال : أشهد 205 ب على أبي بكر أنه قال : السمكة الطافية على الماء حلال لمن أراد أكلها.
وروينا فيه عن عمر بن الخطاب وأبي هريرة وابن عباس.
1201 - باب الجراد
5616 - أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي عن سفيان حدثنا أبو يعفور العبدي قال : رأيت ابن أبي أوفى فسألته عن أكل الجراد فقال : غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم ست غزوات أو سبع غزوات وكنا نأكل الجراد.
(7/190)
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث سفيان.
وأخرجاه من حديث شعبة عن أبي يعفور.
5617 - أخبرنا ابو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحلت لنا ميتتان ودمان الميتتان الحوت والجراد والدمان - أحسبه قال : الكبد والطحال.
قال أحمد : هكذا رواه إسماعيل بن أبي أويس عن عبد الرحمن وعبد الله وأسامة بني زيد بن أسلم عن أبيهم مرفوعاً.
ورواه سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر أنه قال : أحلت لنا ميتتان.
وهذا أصح وهو في معنى المرفوع.
5618 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا حاتم بن إسماعيل والدراوردي أو أحدهما عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : النون والجراد ذكي كله.
قال أحمد : وقد رواه الثوري في الجامع عن جعفر عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال : الحيتان والجراد ذكي كله.
وروينا في إباحة أكل الجراد عن عمرو بن عمر ، والمقداد وصهيب.
(7/191)
وروينا عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي قال : سال طبيب النبي صلى الله عليه وسلم عن ضفدع يجعلها فيّ 206 أ دواء ؟ فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها.
5619 - أخبرناه الشيخ أبو بكر بن فورك أخبرنا عبد الله بن جعفر الأصبهاني حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود حدثنا ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد بن قارظ عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن عثمان فذكره.
وقد رواه الشافعي في كتاب حرملة عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن ابن أبي ذئب.
(7/192)
43 - كتاب الضحايا
5620 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو محمد بن يوسف وأبو بكر وأبو زكريا المزكي قالوا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين.
كذا قالوا.
5621 - أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر بن سلامة حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بكبشين أملحين.
قال أنس : وأنا أضحي بكبشين.
هكذا وجدته في هذه الرواية.
ورواه محمد بن المظفر الحافظ البغدادي عن أبي جعفر الطحاوي بهذا الإسناد ليس فيه : أملحين.
ورواه المزني في المختصر بهذا الإسناد (7/193)
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي بكبشين.
قال أنس : وأنا أضحي بكبشين : قال : وقال أنس في غير هذا الحديث : ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين.
5622 - وهذا فيما كتب إليّ أبو نعيم بن الحسن أن أبا عوانة أخبرهم عن المزني عن الشافعي.
وهذا هو الصحيح بهذا اللفظ.
فقد رواه إسحاق الحنظلي عن إسماعيل هكذا ليس فيه : أملحين.
وأخرجه البخاري في الصحيح عن آدم عن شعبة عن عبد العزيز بن صهيب بهذا اللفظ.
وأخرج 206 ب قوله : أملحين في رواية قتادة عن أنس.
5623 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا محمد بن الجهم السِّمري حدثنا آدم بن أبي إياس حدثنا شعبة حدثنا عبد العزيز بن صهيب قال : سمعت أنساً يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بكبشين . وأنا أضحي بكبشين.
5624 - وبإسناده قال : حدثنا شعبة حدثنا قتادة عن أنس بن مالك قال : ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين فرأيته واضعاً قدمه على صفاحهما يسمى ويكبر فذبحهما بيده.
رواهما البخاري عن آدم.
وأخرج مسلم حديث قتادة من وجهين آخرين عن شعبة.
5625 - وأخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا(7/194)
المزني حدثنا الشافعي حدثنا عبد الوهاب الثقفي حدثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يضحي بكبشين أملحين.
ويحتمل أن يكون هذا الإسناد مراد المزني بذكر أملحين فيه ودخل للربيع حديث في حديث . ويحتمل أن يكون أراد حديث قتادة عن أنس . والله أعلم.
5626 - وقد أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو حاتم محمد بن عيسى بن محمد الوسفندي حدثنا أبو حاتم الرازي حدثنا الأنصاري حدثني حميد الطويل عن ثابت بن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين.
وروي ذلك في حديث محمد بن سيرين عن أنس وفي حديث عبد الرحمن بن أبي بكر وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم.
1202 - باب الأمر بالأضحية
5627 - أخبرنا أبو إسحاق أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي حدثنا ابن عيينة حدثنا الأسود بن قيس قال : سمعت جندب البجلي يقول : شهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : إن أناساً ذبحوا قبل الصلاة فقال : من كان منكم ذبح قبل الصلاة فليعد ذبيحته ومن لم يكن ذبح فليذبح 207 أ على اسم الله.
رواه مسلم في الصحيح من حديث ابن عيينة.
وأخرجاه من حديث شعبة عن الأسود.
(7/195)
5628 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : وروي مالك عن يحيى بن سعيد عن عباد بن تميم : أن عويمر بن أشقر ذبح أضحيته قبل أن يغدو يوم الأضحى وأنه ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يعود لضحية أخرى.
قال : وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار : أن أبا بردة بن نيار ذبح قبل أن يذبح النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يعود لضحية أخرى.
قال أبو بردة : لا أجد إلا جدعاً ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وإن لم تجد إلا جذعاً فاذبح.
هكذا وجدت هذين الحديثين في رواية الربيع لم يذكر فيه سماعه من مالك وكأنه عرض له شك أو لم يكن معه نسخة السماع فترك ذكره.
5629 - وقد أخبرناه أبو إسحاق أخبرنا أبو النصلا أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا مالك . فذكر الحديثين بالسماع من مالك.
5630 - وبإسناده قال : حدثنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب قال سمعت يحيى بن سعيد قال أخبرني عباد بن تميم : أن عويمر بن أشقر ذبح أضحيته قبل أن يغدو يوم الأضحى وأنه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن انصرف فزعم أنه أمره أن يعود بأضحيته ؛ قال أحمد : وهما منقطعان.
وحديث أبي بردة بن نيار قد ثبت موصولاً من حديث البراء بن عازب وأنس بن مالك.
(7/196)
5631 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : فاحتمل أن يكون إنما أمره أن يعود لضحيته أن الضحية واجبة.
واحتمل أن يكون أمره أن يعود إن أراد أن يضحي لأن الضحية قبل الوقت ليست بضحية تجزية فيكون من عداد من ضحى.
فوجدنا الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الضحية 207 ب ليست بواجبة لا يحل تركها وهي سنة تجب لزومها ونكره تركها لا على إيجابها . فإن قيل : فإن السنة التي دلت على أن ليس بواجبة ؟ قيل : أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن حميد عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا من بشره شيئاً.
قال الشافعي : وفي هذا الحديث دلالة على أن الضحية ليست بواجبة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأراد أحدكم أن يضحي.
ولو كانت الضحية واجبة أشبه أن يقول : فلا يمس من شعره حتى يضحي.
5632 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : وقد بلغنا أن أبا بكر الصديق وعمر كانا لا يضحيان كراهية أن يقتدى بهما فيظن من رآهما أنها واجبة.
(7/197)
وعن ابن عباس أنه جلس مع أصحابه ثم أرسل بدرهمين فقال : اشتروا بهما لحماً ثم قال : هذه أضحية ابن عباس.
قال الشافعي : وقد كان قلما يمر به يوم إلا نحر فيه أو ذبح بمكة.
وإنما أراد بذلك مثل الذي روي عن أبي بكر وعمر ولا يعدو القول في الضحايا هذا أو أن تكون واجبة فهي على كل أحد صغير أو كبير لا تجزي غير شاة عن كل أحد.
5633 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني محمد بن أحمد بن بالويه حدثنا محمد بن غالب حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن سعيد بن مسروق عن الشعبي عن أبي سريحة قال : أدركت أبا بكر وعمر ، وكانا لي جارين وكانا لا يضحيان.
وروينا في كتاب السنن من حديث سفيان بن سعيد الثوري عن أبيه ومطرف وإسماعيل عن الشعبي وفي بعض حديثهم كراهية أن يقتدي بهما.
5634 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا محاضر بن المورع حدثنا الأعمش عن سفيان قال قال أبو سعيد الأنصاري : إني لأترك الأضحى وإني لموسر كراهية أن يرى جيراني وأهلي أنه عليّ 208 أ حتم.
وروينا عن عكرمة مولى ابن عباس : أن ابن عباس كان إذا حضر الأضحى (7/198)
أعطى مولى له درهمين فقال : اشتر بهما لحماً وأخبر الناس أنه أضحى ابن عباس.
5635 - أخبرناه العنبر بن الطيب أخبرنا جدي يحيى بن منصور القاضي حدثنا محمد بن عمرو أخبرنا القعنبي حدثنا سلمة بن بخيت عن عكرمة مذكرة.
وكذلك رواه أبو نعيم ضرار بن صرد الطحان عن الدراوردي عن ثور بن زيد عن عكرمة بمعناه.
وروينا عن ابن عمر أنه ليس بحتم ولكنه أجر وخير وسُنة.
وروي عن بلال ما يدل على ذلك.
وأما حديث أبي رملة عن مخنف بن سليم العامري قال : كنا وقوفاً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات فسمعته يقول : أيها الناس إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة . هل تدرون ما العتيرة ؟ هي التي تسمونها الرجبية.
5636 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا روح حدثنا ابن عون حدثنا أبو رملة فذكره.
وهذا إن صح فالمراد به على طريق الاستحباب فقد جمع بينها وبين العتيرة والعتيرة غير واجبة بالإجماع.
وأما حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : من وجد سعة فلم يضح فلا يحضر مصلانا.
فالصحيح أنه موقوف على أبي هريرة.
(7/199)
كذا قاله أبو عيسى الترمذي.
وحديث زيد بن خباب غير محفوظ.
والذي روي عن علي مرفوعاً : نسخ الأضحى كل ذبح إسناده ضعيف بمرة.
إنما رواه المسيب بن شريك واختلف عليه في إسناده.
وكذلك حديث عائشة : يا رسول الله أستدين وأضحي ؟ قال : نعم فإنه دين مقضي.
إسناده ضعيف.
وهدير بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج لم يدرك عائشة قاله الدارقطني فيما 5637 - أخبرني أبو عبد الرحمن عنه قال : والمسيب بن شريك متروك.
وروينا عن أبي جناب الكلبي عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاث هن عليّ فرائض 208 ب وهن لكم تطوع : النحر والوتر وركعتا الضحى 5638 - أخبرناه أبو الحسن علي بن عبد الله بن إبراهيم الهاشمي وأبو عبد الله الحسين بن الحسن النضائري ببغداد قالا : حدثنا أبو جعفر الرزاز حدثنا سعدان بن نضر حدثنا أبو بدر حدثنا أبو جناب الكلبي فذكراه.
(7/200)
وروى عن جابر بن يزيد عن عكرمة عن ابن عباس رفعه في النحر وصلاة الضحى بمعناه.
وروي عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رفعه في النحر.
وأما قوله عز وجل : {فصل لربك وانحر}.
ففي رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : {وانحر} يقول فاذبح يوم النحر.
وفي رواية روح بن المسيب عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس في هذه الآية قال : وضع اليمين على الشمال في الصلاة عند النحر.
ورواه حماد بن زيد عن عمرو عن أبي الجوزاء من قوله.
وفي رواية عقبة بن صهبان وقيل : ابن ظبيان عن علي بن أبي طالب بمعنى رواية أبي الجوزاء.
وروي عن أنس بن مالك مثله.
وهو قول أبي القُمَوص.
وروي عن مقاتل بن حيان عن الأصبغ بن نباتة عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لجبريل عليه السلام : ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي ؟ قال : إنها ليست بنحيرة ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع.
وروينا عن محمد بن علي بن الحسين (7/201)
{فصل لربك وانحر}.
قال : رفع اليدين.
وروينا عن سعيد بن جبير قال : صل الصلاة بجمع وانحر البدن بمنى.
وعن مجاهد وعكرمة قالا : فصل الصلاة وانحر البدن.
وعن قتادة قال : الصلاة : صلاة الأضحى . والنحر : نحر البدن.
وعن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس يقول : صل لربك قبل أن تذبح ثم انحر البدن.
قال الكلبي : ويقال في قوله : ( وَانْحَرْ ) يعني استقبل القبلة بنحرك إذا كبرت.
وذكره القرافي في كتابه.
وذكر من لسان العرب وأشعارهم ما يؤكده.
1203 - باب 209 أ الاختيار لمن أراد أن يضحي أن لا يمس من شعره شيئاً حتى يضحي
5639 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان أخبرنا عبد الرحمن بن حميد عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا دخل العشر فأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا من بشره شيئاً.
(7/202)
رواه مسلم في الصحيح عن ابن أبي عمر عن سفيان وأخبره عن حجاج بن الشاعر عن يحيى بن كثير العنبري كما 5640 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن كامل حدثنا أبو قلابة حدثنا يحيى بن كثير حدثنا شعبة عن مالك بن أنس عن عمرو بن مسلم عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا دخل العشر فأراد أحد أن يضحي فليمسك عن شعره وأظافره.
قال أحمد : هذا حديث قد ثبت مرفوعاً من أوجه لا يكون مثلها غلطاً وأودعه مسلم بن الحجاج كتابه.
5641 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : فإن قال قائل : ما دل على أنه اختيار لا واجب ؟ قيل له : روى مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة قالت : أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي قلدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بعث بها مع أبي فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء أحله الله له حتى نحر الهدي.
قال الشافعي : وفي هذا دلالة على ما وصفت.
وعلى أن المرء لا يحرم بالبعثة بهديه.
يقول البعثة بالهدي أكثر من إرادة الضحية.
وهذا الحديث الذي ذكره الشافعي مخرج في الصحيحين من حديث مالك.
(7/203)
5642 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك : أن أبا أيوب الأنصاري قال : كان الرجل يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته ثم تباهى الناس من بعد ذلك فصارت مباهاة.
وهذا الحديث رواه مالك 209 ب في الموطأ عن عمارة بن صياد عن عطاء بن يسار : أن أبا أيوب الأنصاري أخبره قال : كنا نضحي بالشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته ثم تباهى من بعد ذلك فصارت مباهاة.
5643 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أخبرنا أبو الحسن الطرائفي حدثنا عثمان الدارمي حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك فذكره.
وروينا عن أبي قتادة أنه كان يضحي عن أهل بيته شاة.
وعن أبي هريرة وعبد الله بن هشام.
وروينا في الحديث الثابت عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن عروة عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بكبش أقرن يطأ في سواد وينظر في سواد ويبرك في سواد فأتى به ليضحي به فقال : يا عائشة هلمي المدية.
ثم قال : اشحذيها بحجر.
ففعلت فأخذها وأخذ الكبش فأضجعه وذبحه وقال : بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد.
(7/204)
ثم ضحى به.
5644 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا إسماعيل بن أحمد أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة حدثنا حرملة أخبرنا ابن وهب قال : قال حيوة أخبرني أبو صخر عن يزيد بن قسيط بهذا الحديث.
رواه مسلم في الصحيح عن هارون بن معروف عن ابن وهب.
ورواه عَبد الله بن مُحَمد بن عَقِيل عن أبي سلمة عن عائشة أو عن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أضحى أتى بكبشين أقرنين أملحين موجوئين فيذبح أحدهما عن أمته من شهد له بالتوحيد وشهد له بالبلاغ ويذبح الآخر عن محمد وآل محمد.
5645 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا سليمان بن أحمد اللخمي حدثنا ابن أبي مريم حدثنا الفريابي عن سفيان عن ابن عقيل.
5646 - وأخبرنا علي أخبرنا أحمد بن عبيد حدثنا هشام بن علي حدثنا أبو حذيفة حدثنا سفيان عن عبد الله بن محمد . فذكره غير أن في حديث الفريابي : إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين موجوئين.
5647 - وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب الإسكندراني عن عمرو عن المطلب عن جابر بن عبد الله قال : شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأضحى بالمصلى فلما قضى خطبته نزل من منبره وأتى بكبش فذبحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال (7/205)
بسم الله والله أكبر هذا عني وعن من لم يضح من أمتي.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد : ولو زعمنا أن الضحايا واجبة ما أجزأ أهل البيت أن يضحوا إلا عن كل إنسان شاة أو عن كل سبعة بجزور ولكنها لما كانت غير فرض كان الرجل إذا ضحى في بيته كانت قد وقعت ثم اسم ضحية ولم يعطل.
وكان من ترك ذلك من أهله لم يترك فرضاً.
قال أحمد : وقوله : موجوئين أراد به منزوعي الخصيتين.
وقيل : الوجاء أن ترض أنثتا الفحل.
وقيل : الوجاء أن توجأ العروق والخصيتان بحالهما.
والخصاء : شق الخصيتين واستئصالهما.
وقد روي أيضاً في حديث أبي عياش عن جابر : أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بهما.
وفي ذلك كالدلالة على جواز خصاء البهائم.
وإليه ذهب عروة بن الزبير والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز.
وروينا عن عبد الله بن عمر : أنه كان يكره خصاء البهائم ويقول لا تقطعوا أنامية خلق الله.
وقد أسنده بعض الضعفاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم إلى عمر بن الخطاب.
والصحيح هو الموقوف على ابن عمر.
وروي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس (7/206)
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صبر الروح.
قال الزهري : وخصاء البهائم صبر شديد.
وقد أدرجه بعض الرواة في الحديث فجعل النهي عنهما جميعاً.
والصحيح ما ذكرنا.
وروي عن ابن عباس أنه قال في قوله : {ولآمرنهم فليغيرن خلق الله}.
يعني خصاء البهائم.
فكأنه عد ذلك مما يأمر به الشيطان من المعاصي 210 ب والله أعلم.
1204 - باب ما يضحى به
5648 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : فإن ضحى فأقل ما يكفيه جذع الضأن أو ثني المعز أو ثني الإبل والبقر والإبل أحب إليّ أن يضحى بها من البقر.
والبقر أحب إليّ أن يضحى بها من الغنم وكل ما غلا من الغنم كان أحب إليّ مما رخص.
وكل ما طاب لحمه كان أحب إليّ مما يخبث لحمه فالضأن أحب إليّ من المعزى والعَفْري أحب إليّ من السوداء وسواء في الضحايا أهل مني وأهل (7/207)
الأمصار.
وإذا كانت الضحايا إنما هو دم يتقرب به إلى الله تعالى فخير الدماء أحب إليّ.
وقد زعم بعض المفسرين أن قول الله : {ذلك ومن يعظم شعائر الله}.
استسمان الهدي.
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الرقاب أفضل ؟ فقال : أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها.
وبسط الكلام في هذا : والذي حكاه عن بعض المفسرين قد رويناه عن مجاهد.
5649 - أخبرنا أبو إسحاق أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن البراء بن عازب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم النحر خطيباً فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : لا تذبح حتى تصلي.
فقام خالي فقال : يا رسول الله هذا يوم اللحم فيه مكروه وإني ذبحت نسكي فأطعمت أهلي وجيراني ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : قد فعلت فأعد ذبيحاً.
فقال : عندي عناق لبن هو خير من شاتي لحم ؟ فقال.
هي خير نسكيك لا تجزي جذعة عن أحدٍ بعدك.
(7/208)
قال عبد الوهاب : أظن أنها ماعز.
قال الشافعي : العناق : هي ماعزة كما قال عبد الوهاب.
إنما يقال : للضأنية رحل.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : هي خير نسكيك.
إنك ذبحتهما تنوي بهما نسكين فلما قدمت الأولى قبل وقت الذبح كانت الآخرة هي النسيكة والأولى غير نسيكة وإن نويت بها النسيكة.
وقوله : لا تجزي عن أحد بعدك.
على أنها له خاصة.
وقوله عناق لبن : يعني عناقاً تقتنى للبن لا للذبح.
5650 - 211 أ وبإسناده قال حدثنا الشافعي أخبرني أنس بن عياض عن محمد بن أبي يحيى مولى الأسلميين عن أمه قالت أخبرتني أم بلال بنت هلال عن أبيها هكذا قرأه المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يجزي الجذع من الضأن ضحية.
قال أحمد : أما حديث البراء فقد أخرجه مسلم في الصحيح من حديث داود بن أبي هند واستشهد به البخاري.
وأما هذا الحديث فليس فيه أبوها وقد 5651 - أخبرناه أبو بكر بن الحارث أخبرنا أبو محمد بن حيان حدثنا عبد الله بن محمد بن سوار حدثنا إبراهيم بن المنذر الحِزامي حدثنا أبو ضمرة وهو أنس بن عياض فذكره.
(7/209)
0 @وليس فيه عن أبيها وهو الصحيح.
كذلك رواه يحيى القطان عن محمد بن أبي يحيى إلا أنه قال : وكان أبوها يوم الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروينا معناه في حديث مجاشع - رجل من بني سليم - عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث الثابت عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن.
5652 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا محمد بن شاذان حدثنا موسى بن داود حدثنا زهير بن معاوية عن أبي الزبير فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن أحمد بن يونس عن زهير.
1205 - باب ما لا يضحى به
قال الشافعي في سنن حرملة.
أَخْبَرَنَا مالك بن أنس عن عمرو بن الحارث عن عبيد بن فيروز عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل : ماذا يتقى من الضحايا ؟ فأشار بيده وقال : أربعاً.
وكان البراء يشير بيده ويقول : يدي أقصر من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم : العرجاء البين ظلعها والعوراء البين عورها . والمريضة البين مرضها والعجفاء التي لا تُتْقى.
(7/210)
1 @5653 - أخبرنا أبو زكريا المزكي أخبرنا الحسن الطرائفي حدثنا عثمان الدارمي حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك فذكره.
وزعم عليّ بن المديني أن عمرو بن الحارث 211 ب إنما سمعه من يزيد بن أبي حبيب عن عبيد بن فيروز ويزيد إنما معه من سليمان بن عبد الرحمن عن عبيد ثم رواه شعبة عن سليمان قال : سمعت عبيد بن فيروز.
ورواه عثمان بن عمر عن الليث عن سليمان بن عبد الرحمن عن القاسم مولى خالد بن يزيد عن عبيد بن فيروز.
ورواه ابن بكير وسائر أصحاب الليث عن الليث عن سليمان عن عبيد بن فيروز دون ذكر القاسم فيه.
وكان البخاري يميل إلى تصحيح رواه شعبة ولا يرضى رواية عثمان بن عمر ، والله أعلم.
5654 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا أبو إسحاق عن شريح بن النعمان - وكان رجل صدق - عن علي قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرق العين والأذن ولا نضحي بعورة ولا مقابلة ولا مدابرة ولا خرقاء ولا شرقاء قال زهير : فقلت لأبي إسحاق أذكر عضباء ؟ قال : لا . قلت : فما المقابلة ؟ قال يقطع طرفا الأذن.
قلت : فما المدبرة ؟ قال : يقطع مؤخرا الأذن.
قلت : فما الشرقاء ؟ قال : تشق الأذن.
قلت : فما الخرقاء ؟ قال : تخرق أذانها السمة.
5655 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال قال الحسين بن محمد الماسرجسي فيما قرأته من سماعه في كتابه :
أَخْبَرَنَا أبو بكر أحمد بن مسعود النجيبي حدثنا يحيى بن محمد بن أخي حرملة (7/211)
2 @حدثنا عمي حرملة بن يحيى قال قال الشافعي في ألوان الغنم فذكر كلاماً كثيراً ثم قال : ومنهن الشرقاء والخرقاء المقابلة والمدابرة والجدعاء والقصواء والعصباء والجلحاء . وذكر غيرهن.
قال : فأما الشرقاء : فالمشقوقة الأذن ثبتين طولاً.
والخرقاء : التي في أذنها ثقب مستدير.
والمقابلة : التي قطع من مقدم أذنها وترك معلقاً كأنه ذنمة.
والمدابرة : التي قطع من مؤخر الأذن قليلاً وترك معلقاً.
والجدعاء : التي قد جدعت أذنها كلها.
والقصواء : المقطوعة الأذن بالعرض.
والعصباء : المكسورة القرن.
والعرجاء : التي لا تلحق 212 أ الغنم.
والعقصاء : الملتوية القرن.
والجلحاء : الجماء.
والصمعاء : الصغيرة الأذن.
والعرماء : ميل القرن إلى القرن.
قال أحمد : وقد قال الشافعي في رواية الربيع : وإذا زعمنا أن العرجاء والعوراء لا تجوز في الضحية كانت إذا كانت عمياء أو لا يدّ لها ولا رجل داخلة في هذا المعنى.
وفي أكثر منه وإذا خلفت لها أذن ما كانت أجزأت وإن خلقت لا أذن لها لم تجز وكذلك لو جدعت لم تجز لأن هذا نقص من المأكول منها.
ولا تجزي الجرباء.
قال : وليس في القرن نقص فيضحى بالجلحاء وإن كان قرنها مكسور.
(7/212)
3 @كسراً قليلاً أو كثيراً يدمي أو لا يدمي فهي تجزي وهذا فيما 5656 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فذكره.
وعلى قياس هذا قال أصحابنا وينظر في الخرقاء والشرقاء وغيرهما فإن كان قد ذهب منها قطعة من اللحم لم تجز وإن لم يذهب كرهنا له أن يضحى بها وإن ضحى جاز لأنه ليس فيه نقص من المأكول منها وهو قياس ما روينا عن علي أنه قال في مكسورة القرن : لا تضرك.
5657 - أخبرناه أبو بكر أحمد بن الحسن أخبرنا أبو جعفر بن أدهم أخبرنا أحمد بن حازم أخبرنا أبو يعلى وقبيصة عن سفيان بن سعيد عن سلمة بن كهيل عن حُجية بن عدي قال : جاء رجل إلى عليّ فقال : يا أمير المؤمنين البقرة ؟ فقال : تجزي عن سبعة.
قال : مكسورة القرن ؟ قال : لا تضرك.
قال : العرجاء ؟ قال : إذ بلغت المنسك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن.
قال أحمد : وفي هذا دلالة على ضعف رواية جزي بن كليب بن علي : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يضحى بعضباء الأذن والقرن.
لأن علياً لم يخالف النبي صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه.
أو يكون المراد به : نهي تنزيه لتكون الأضحية كاملة من جميع الوجوه.
أو يكون النهي راجعاً إليهما معاً ويكون المانع من الجواز ما ذهب من الأذن والله أعلم.
(7/213)
4 @وفيه أيضاً دلالة على أن العرج إذا كان يسيراً 212 ب لا يمنع المشي ولا يمنع من الأجزاء وبالله التوفيق.
وروي عن عمار في مكسورة القرن مثل قول علي.
1206 - باب وقت الأضحى
5658 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : ومن ضحى قبل الوقت الذي يمكن الإمام أن يصلي فيه بعد طلوع الشمس ويتكلم - يعني الخطبة فتفرغ - فأراد أن يضحي أعاد ولا أنظر إلى انصراف الإمام لأن اليوم منهم من يؤخر ويقدم إنما الوقت في قدر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يضعها موضعها.
5659 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن إسحاق أخبرنا أبو المثنى حدثنا مسدد.
5660 - وأخبرنا أبو عبد الله واللفظ لحديثه هذا قال أخبرني أحمد بن سهل البخاري حدثنا صالح بن محمد بن حبيب البغدادي حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو الأحوص عن منصور عن الشعبي عن البراء بن عازب قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بعد الصلاة ثم قال : من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم.
قال أبو بردة بن نيار : يا رسول الله والله لقد نسكت قبل أن أخرج إلى الصلاة عرفت أن اليوم يوم أكل وشرب فتعجلت فأكلت وأطعمت أهلي وجيراني.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقد فعلت فأعد ذبحاً آخر.
قال : يا رسول الله إن عندي عناقاً لي خير من شاة لحم أفأذبحها ؟ . قال : نعم وهي خير نسكيك ولا تقضي جذعة عن أحد بعدك.
(7/214)
5 @رواه البخاري في الصحيح عن مسدد.
ورواه مسلم عن هناد.
وقد ذكرنا في كتاب العيدين قدر صلاته ووقتها.
1207 - باب ذكاة المقدور عليه
5661 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : كمال الذكاة بأربع : الحلقوم ، والمرئ ، والودجين.
وأقل ما يكفي من الذكاة 213 أ إثنان الحلقوم والمرئ.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : وكل ما كان مأكولاً من طائر أو دابة فإن تذبح أحب إليّ وذلك سنته ودلالة الكتاب فيه والتفرد داخلة في ذلك لقول الله تعالى : {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}.
وحكايته فقال : ( فَذَبَحُوهَا ).
قال الشافعي : إلا الإبل فقط فإنها تنحر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر بدنة.
واحتج في رواية حرملة بحديث حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر من هديه بضعاً وستين.
قال الشافعي في روايتنا (7/215)
6 @وموضع النحر في الاختيار في السنة في اللبة.
وموضع الذبح في الاختيار في السنة أسفل من اللحيين.
والذكاة في جميع ما ينحر ويذبح ما بين اللبة والحلق.
قال ابن عباس : الذكاة في اللبة والحلق - يعني - لمن قدر.
قال : وروي مثل ذلك عن عمر وزاد عمر بن الخطاب وتعجلوا الأنفس أن تزهق.
قال أحمد : وهذا قد رواه الثوري في الجامع عن أيوب عن عبد الله بن سعيد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : الذكاة في الحلق واللبة.
وعن أيوب عن يحيى بن أبي كثير عن فرافصة الحنفي عن عمر بن الخطاب أنه قال : الذكاة في الحلق واللبة ولا تعجلوا الأنفس أن تزهق.
5662 - أخبرناه أبو بكر محمد بن إبراهيم الأصبهاني أخبرنا أبو نصر العراقي حدثنا سفيان بن محمد الجوهري حدثنا علي بن الحسن حدثنا عبد الله بن الوليد أخبرنا سفيان فذكرهما.
وروينا عن عطاء بن أبي رباح أنه قال : يجزي الذبح من النحر والنحر من الذبح في الإبل والبقر.
5663 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال (7/216)
7 @ونهى عمر بن الخطاب عن النخع وأن تعجل الأنفس أن تزهق.
قال الشافعي : والنخع أن يذبح الشاة ثم يكسر قفاها من موضع الذبح لنخعه أو لمكان الكسر فيه أو تضرب ليعجل قطع حركتها.
فأكره 213 ب هذا ولم يحرمها ذلك لأنها ذكية.
قال أحمد : وروي عن المعرور الكلبي عن عمر : أنه نهى عن الفرس في الذبيحة.
وفسره أبو عبيد : بالكسر وهو أن تكسر رقبة الذبيحة قبل أن تبرد.
وفسر النخع بأن ينتهي بالذبح إلى النخاع وهو عظم في الرقبة.
5664 - أخبرنا أبو إسحاق أخبرنا شافع بن محمد أخبرنا أبو جعفر بن سلامة حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أي الأشعث عن شداد بن أوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته.
أخرجه مسلم في الصحيح عن إسحاق الحنظلي عن عبد الوهاب.
1208 - باب ذبائح أهل الكتاب
5665 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال (7/217)
8 @أحل الله جل ثناؤه طعام أهل الكتاب وكان طعامهم عند بعض من حفظت عنه من أهل التفسير ذبائحهم وكانت الآثار تدل على إحلال ذبائحهم.
فإن كانت ذبائحهم يسمونها لله فهي حلال وإن كان لهم ذبح آخر يسمون عليه غير اسم الله مثل اسم المسيح لم حل هذا من ذبائحهم وبسط الكلام فيه.
وقد روينا عن ابن عباس ثم عن مجاهد ومكحول أنهم قالوا : طعامهم ذبائحهم.
وقرأت في كتاب أبي عبد الله الحليمي أن اليهود والنصارى يذبحون لله عز وجل لأن معبودهم في أصل دينهما ليس إلا الله تعالى جده وإياه ينجوان بذبائحهما.
قال : ولو أن نصرانياً قال سراً : باسم المسيح أو باسم عيسى فلا يخلو من أن يكون ذابحاً لله تعالى جده لأنه لا يقول هذا القول من النصارى إلا من يزعم أن الله تعالى حال في المسيح ومتحد به وليس عيسى سواه ولا متميزاً عنه.
لا أنه يقول لا شيء سوى عيسى.
وإذا كان كذلك فهو إذا قال : باسم المسيح فإنما يخص المسيح بالتسمية لما هو مختص به عنده واختصاصه عنده بأن الإله متحد به قد صار قصده 214 أ إذاً من ذكر المسيح ذكر الإله فحصل ذابحاً لله فلذلك حلت ذبيحته . والله أعلم.
وأما صاحب التقريب فإنه حكى عن الشافعي ما حكيناه من ذبح النصارى للمسيح ثم قال : ومعناه : أن يذبحه له فأما إن ذكر المسيح على معنى الصلاة كالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجائز.
قال الشافعي : وأحب للمرء أن يتولى ذبح نسكه فإنه يرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لإمرأة من أهله فاطمة أو غيرها : أحضري ذبح نسكك فإنه يغفر لك عند أول قطرة منها.
(7/218)
9 @قال أحمد : قد روى هذا النضر بن إسماعيل - وليس بالقوي - عن أبي حمزة الثمالي عن سعيد بن جبير عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة : قومي فاشهدي أضحيتك فإنه يغفر لك بأول قطرة تقطر من دمها كل ذنب عملتيه وقولي إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين.
5666 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا محمد بن أحمد العودي حدثنا عبد الله بن عائشة حدثنا النضر بن إسماعيل البجلي إمام مسجد الكوفة . فذكره بهذا الإسناد.
قال عمران : يا رسول الله هذا لك ولأهل بيتك خاصة فأهل ذلك أنتم أم للمسلمين عامة ؟ قال : لا بل للمسلمين عامة.
وروي ذلك من وجه آخر ضعيف.
قال الشافعي : وإن ذبح النسيكة غير مالكها أجزأت لأن النبي صلى الله عليه وسلم نحر بعض هديه بيده ونحر بعضه غيره.
وهذا في ما رواه مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر.
وروينا عن ابن عباس أنه كره أن يذبح نسيكة المسلم اليهودي والنصراني.
ورويناه أيضاً عن عليّ والحُكم في نصارى بني تغلب قد مضى في كتاب الجزية.
(7/219)
1209 - باب التسمية على الذبيحة
5667 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : وأحب في الذبيحة أن توجه إلى القبلة.
قال : وإن استقبل الذابح القبلة فهو أحب إليّ.
قال أحمد : 214 ب وروينا من حديث جابر في أضحية النبي صلى الله عليه وسلم قال : فلما وجهها قال : كذا.
وفي رواية إلى القبلة.
وروينا عن نافع عن ابن عمر : أنه كان يستحب أن يستقبل القبلة إذا ذبح.
وروي عنه أنه كان يكره ذبيحة ذبحت لغير القبلة.
وهذا على التنزيه . والله أعلم.
قال الشافعي : والتسمية على الذبيحة : باسم الله.
فإن زاد بعد ذلك شيئاً من ذكر الله فالزيادة خير ولا أكره مع تسميته على الذبيحة أن يقول صلى الله على رسول الله . بل أحب له وأحب إليّ أن يكثر الصلاة عليه فصلى الله عليه في كل الحالات لأن ذكر الله والصلاة عليه إيمان بالله وعبادة له يؤجر عليها - إن شاء الله - من قالها.
وقد ذكر عبد الرحمن بن عوف أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فتقدمه النبي صلى الله عليه وسلم فاتبعه فوجده عبد الرحمن بن عوف ساجداً فوقف ينتظره فأطال ثم رفع . فقال : عبد الرحمن لقد خشيت أن يكون الله قبض روحك في سجودك . فقال : يا عبد الرحمن إني لما كنت حيث رأيتني لقيني جبريل عليه السلام فأخبرني (7/220)
عن الله أنه قال : من صلى عليك صليت عليه فسجدت لله شكراً.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من نسي الصلاة عليّ خطئ به طريق الجنة.
وبسط الكلام في هذا.
وأما الحديث الأول 5668 - فأخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان حدثنا ابن بكير حدثنا الليث عن ابن الهاد عن عمرو بن أبي عمرو عن عبد الرحمن بن الحويرث عن محمد بن جبير عن عبد الرحمن بن عوف قال : دخلت المسجد فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خارج من المسجد فاتبعته أمشي وراءه ولا يشعر حتى دخل نخلاً فاستقبل القبلة فسجد فأطال السجود وأنا وراءه حتى ظننت أن الله قد توفاه فأقبلت أمشي حتى جئته فطاطأت رأسي أنظر في وجهه فرفع رأسه فقال : مالك يا عبد الرحمن.
فقلت : لما أطلت السجود يا رسول الله خشيت أن يكون الله توفى نفسك فجئت 215 أ أنظر : فقال : إني لما دخلت النخل لقيت جبريل عليه السلام فقال : إني أبشرك أن الله يقول : من سلم عليك سلمت عليه ومن صلى عليك صليت عليه.
وقد رواه سليمان بن بلال وغيره عن عمرو بن أبي عمرو عن عاصم بن عمر بن(7/221)
قتادة عن عبد الواحد بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الرحمن بن عوف وفيه من الزيادة : فسجدت لله شكراً.
وأما الحديث الثاني 5669 - فأخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد حدثنا الباغندي حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من نسي الصلاة عليّ خطئ به طريق الجنة.
وأما حديث سليمان بن عيسى عن عبد الرحمن بن زيد العكمي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم : لا تذكروني عند ثلاث : عند تسمية الطعام وعند الذبح وعند العطاس.
فإنه باطل من وجوه منها : انقطاعه . ومنها : ضعف عبد الرحمن بن زيد في الرواية . ومنها : تفرد سليمان بن عيسى السجزي بذلك وهو في عداد من يضع الحديث.
وقد روينا في الصلاة عند العطاس ما 5670 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار الأصبهاني حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا عباد بن زياد الأسدي حدثنا زهير عن أبي إسحاق عن نافع قال : عطس رجل عند ابن عمر فحمد الله فقال له ابن عمر : قد بخلت فهلا حيث حمدت الله صليت على النبي صلى الله عليه وسلم ؟ 5671 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه لا يثبت مثله أنه ضحى بكبشين فقال في أحدهما بعد ذكر الله :(7/222)
اللهم عن محمد وآل محمد.
وفي الآخر : اللهم عن محمد وأمة محمد.
قال أحمد : وهذا الحديث إنما رواه عبد الرحمن بن محمد بن عقيل واختلف عليه في إسناده.
فرواه عنه الثوري عن أبي سلمة عن عائشة أو عن أبي هريرة.
5672 - أخبرنا علي 215 ب بن محمد بن علي المقري أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق حدثنا يوسف بن يعقوب حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا مؤمل حدثنا سفيان عن عَبد الله بن مُحَمد بن عَقِيل عن أبي سلمة عن أبي هريرة أو عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي بكبشين أملحين أقرنين موجوئين فيُضجع أحدهما فيقول : بسم الله والله أكبر اللهم منك ولك عن محمد وآل محمد.
ثم يُضجع الآخر فيقول : بسم الله والله أكبر اللهم منك ولك عن محمد وأمته من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ.
5673 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا سلم بن الفضل الأدمي حدثنا محمد بن يونس حدثنا مؤمل بن إسماعيل فذكره بإسناده نحوه غير أنه قال : عن أبي هريرة ولم يقل : أو عن عائشة.
قال أحمد : ورواه عنه حماد بن سلمة عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه.
ورواه عنه زهير بن محمد بن علي بن الحسين عن أبي رافع.
قال البخاري ولعله سمع من هؤلاء .(7/223)
قال أحمد : واصح إسناد فيه عند مسلم بن الحجاج حديث ابن قسيط عن عروة عن عائشة في الكبش الذي ذبحه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد.
ثم ضحى به.
وقد مضى ذكره في هذا الكتاب.
وروينا عن أبي عياش عن جابر بن عبد الله في ذبح النبي صلى الله عليه وسلم الكبشين قال : فلما وجههما قال : إني وجهت وجهي.
إلى آخر الدعاء . ثم قال : اللهم منك ولك عن محمد وأمته بسم الله والله أكبر.
ثم ذبح.
وهذا الحديث مخرج في كتاب أبي داود.
1210 - باب الأضحية يصيبها بعد ما يوجبها نقص
قال أحمد : من اشترى هدياً أو ضحية فأوجبها وهي تامة ثم عرض لها نقص وبلغت النسك قال الشافعي : أجزأت عنه.
(7/224)
قال أحمد : قد روينا ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ ، أن ابن الزبير رأى هدياً له فيها ناقة عوراء فقال : إن كان أصابها بعد ما اشتريتموها فأمضوها وإن كان أصابها قبل أن تشتروها 216 أ فأبدلوها.
5674 - أخبرناه أبو زكريا أخبرنا أبو عبد الله بن يعقوب حدثنا أبو أحمد الفراء أخبرنا جعفر بن عون أخبرنا مسعر ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ ، فذكره.
وهذا إسناد صحيح.
5675 - وأخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقري أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق حدثنا يوسف بن يعقوب حدثنا أبو الربيع حدثنا شريك عن جابر بن محمد بن قرظة عن أبي سعيد الخدري قال اشتريت كبشاً لأضحي به فأفلت فعدى عليه الذئب فقطع إليته فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : ضح به.
فهذا حديث رواه سفيان وشعبة وإسرائيل وشريك عن جابر بن يزيد الجعفي.
وقال بعضهم في الحديث : فقطع الذئب إليته أو من إليته.
ورواه الحجاج بن أرطاة عن شيخ من أهل المدينة عن أبي سعيد الخدري قال قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا بأس بالأضحية المقطوعة الذنب.
ونحن لا نحتج بالحجاج بن أرطاة ولا بجابر الجعفي واعتمادنا في ذلك من طريق الأثر على حديث عبد الله بن الزبير.
والذي يطعن في روايتهما قد يحتج بهما إذا رويا ما يوافق مذهبه.
ثم إنه تعلق برواية من رواه بالشك في إليته أو من إليته.
(7/225)
وزعم أن في مذهب صاحبه إذا كان المقطوع أقل من الربع ضحى به.
وفي مذهب صاحبه إذا كان أقل من النصف ضحى به فإذا كان أكثر ؟ وإذا لم يقل بالحديث ولا بالأثر فمن حد لهم هذا المقدار الذي يرونه والتحديد لا يوجد إلا من توقيف.
قال الشافعي : إنما أنظر في هذا كله إلى يوم يوجبه فإذا كان تاماً وبلغ ما جعله له أجزأ عنه بتمامه عند الإيجاب وبلوغه أمده.
1211 - باب الأضحية تضل ثم توجد
قال الشافعي : ذبحها وإن مضت أيام النحر.
قال أحمد : روينا عن عائشة أنها ساقت بدنتين فضلتا فنحرت بدنتين مكانهما ثم وجدت الأوليين فنحرتهما أيضاً ثم قالت : هكذا السُنة في البدن.
وروينا فيه عن 216 ب ابن عمر من قوله غير أنه لم يقل : هكذا السُنة.
5676 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا دعلج بن أحمد حدثنا أحمد بن علي الأبار حدثنا رفاعة بن الهيثم الواسطي حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي طالب الحجا م الضبعي وأثنى عليه خيراً عن ابن عباس في الرجل يضل هديه (7/226)
فيشتري مكانها أخرى ثم يجد الأولى ؟ قال : ينحرهما.
وروي في ذلك أيضاً عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
1212 - باب لحوم الضحايا
5677 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو زكريا وأبو بكر قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال : شهدت العيد مع علي بن أبي طالب فسمعته يقول لا يأكلن أحدكم من لحم نسكه بعد ثلاث.
هكذا رواه الشافعي عن سفيان موقوفاً على عليّ.
وقد أخرجه مسلم في الصحيح عن عبد الجبار بن العلاء عن سفيان بإسناده وزاد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة وقال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن نأكل من لحوم نسكنا بعد ثلاث.
5678 - أخبرنا أبو عبد الله أخبرنا أبو الفضل بن إبراهيم حدثنا أحمد بن سلمة حدثنا عبد الجبار فذكره وأخرجه البخاري ومسلم من حديث يونس بن يزيد وغيره عن الزهري مرفوعا.
5679 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة عن معمر عن الزهري عن أبي عبيد عن عليّ أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يأكلن أحدكم من نسكه بعد ثلاث.
(7/227)
وبمعناه رواه عبد الرزاق عن معمر.
ومن ذلك الوجه أخرجه مسلم في الصحيح.
5680 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث ثم قال بعد : كلوا وتزودوا وادخروا.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى عن مالك.
وأخرجاه 217 أ من حديث جابر بمعناه.
قال الشافعي في كتاب حرملة :
أَخْبَرَنَا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا أهل المدينة لا تأكلوا لحوم الأضاحي فوق ثلاث.
قال : فشكوا إليه قالوا : عيالنا وأهلنا . قال : فكلوا وأطعموا وأحبسوا.
5681 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو محمد عبد الله بن إسحاق البغوي حدثنا يحيى بن أبي طالب أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء.
أَخْبَرَنَا سعيد بن إياس الجريري فذكر بإسناد الثقفي ومعناه.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث عبد الأعلى عن الجريري.
وأبو سعيد إنما رخص الرخصة عن قتادة بن النعمان.
(7/228)
قال الشافعي في سنن حرملة :
أَخْبَرَنَا سفيان حدثنا يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال : قدم أبو سعيد الخدري من سفر فوجد عند أهله من لحم الأضاحي فأنكره فقالت له إمرأته : إنه قد حدث بعدك أمر.
فأتى أخاه من أمه قتادة بن النعمان وكان قد شهد بدراً فقال : قد حدث بعدك أمر لا بأس به.
وهذا الحديث إنما سمعه القاسم بن محمد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد.
كذلك رواه سليمان بن بلال والليث بن سعد عن يحيى بن سعيد.
وأخرجه البخاري من حديثهما.
5682 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر أنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث.
قال عبد الله بن أبي بكر فذكرت ذلك لعمرة فقالت : صدق سمعت عائشة تقول : دف ناسٌ من أهل البادية حضرة الأضحى في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ادخروا لثلاث وتصدقوا بما بقي.
قالت : فلما كان بعد ذلك قيل يا رسول الله لقد كان الناس 217 ب ينتفقون من ضحاياهم يحملون منها الودك ويتخذون منها الأسقية.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وما ذاك ؟ (7/229)
أو كما قال.
قالوا : يا رسول الله نهيت عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما نهيتم من أجل الدافة التي دفت حضرة الأضحى فكلوا وتصدقوا وادخروا.
وقال في موضع آخر في رواية أبي عبد الله : قالوا : يا رسول الله نهيت عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث روح عن مالك.
5683 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي في أثناء مبسوط كلامه : الحديث التام المحفوظ أوله وآخره وسبب التحريم والإحلال فيه حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى من علمه أن يصير إليه.
قال : فالرخصة بعدها لواحد من معنيين أظنه قال : إما لاختلاف الحالين فإذا دفت الدافة ثبت النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث وإذا لم تدف دافة فالرخصة ثابتة بالأكل والتزود والإدخار والصدقة.
ويحتمل أن يكون النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث منسوخاً في كل حال.
فيمسك الإنسان من ضحيته ما شاء ويتصدق بما شاء.
قال أحمد : قد روينا في الحديث الثابت عن سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كلوا وأطعموا وادخروا.
(7/230)
فإن ذلك العام كان فيه شدة أو كلمة تشبهها فأردت أن يفشو فيهم.
وهذا يدل على أن النهي كان للمعنى الذي أشار إليه.
كما روينا في حديث عائشة.
وكذلك هو في حديث بريدة ونُبَيْشَة بمعناهما.
قال الشافعي : ويشبه أن يكون نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث إذا كانت الدافة على معنى الاختيار لا على معنى الفرض.
واحتج بقوله عز وجل.
{فكلوا منها وأطعموا}.
قال أحمد : وقد روينا في الحديث الثابت عن يحيى بن 218 أ سعيد عن عمرة عن عائشة قالت : كنا نُمَلح منه ونقدم به المدينة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تأكلوا منه إلا ثلاثة أيام.
وليست بعزيمة ولكن أراد أن يطعموا منه.
وهذا الحديث يدل على أنه كان على الاختيار.
وروينا في حديث جابر بن عبد الله وقتادة بن النعمان الأنصاريين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أرخص فيه بعد ما نهى عنه مطلقاً.
5684 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة قال سمعت أنس بن(7/231)
مالك يقول : إنا لندع ما شاء الله من ضحايانا ثم نتزود من بقيتها إلى البصرة.
5685 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : وأحب لمن أهدى نافلة أن يطعم البائس الفقير لقول الله : {وَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}.
ولقول الله : {وأطعموا القانع والمعتر}.
قال الشافعي : والقانع : هو السائل . والمعتر : هو الزائر والمارّ بلا وقت.
قال أحمد : وقد روينا مثل هذا التفسير عن الحسن وسعيد بن جبير ومجاهد.
وروينا أيضاً عن مجاهد وإبراهيم.
القانع : الجالس في بيته . والمعتر : الذي يعتريك.
وروي عن ابن عباس : القانع : بمار أرسلت إليه في بيته.
والمعتر : الذي يعتريك.
قال الشافعي : فإذا أطعم من هؤلاء واحداً أو أكثر كان من المطعمين وأحب إليّ ما أكثر وأن يطعم ثُلثاً ويهدي ثُلثاً ويدخر ثلثاً يهبط به ما شاء.
(7/232)
والضحايا في هذه السبيل . والله أعلم.
قال الشافعي : وأكره بيع شيء منها . وبسط الكلام في ذلك.
قال أحمد : وقد روينا عن علي قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بُدنة وأن أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها وأن لا أعطي الجزار منها . وقال : نحن نعطيه من عندنا.
5686 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر بن إسحاق أخبرنا إسماعيل 218 ب بن قتيبة حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا أبو خيثمة عن عبد الكريم عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي رضي الله عنه بهذا.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى.
وأخرجه البخاري من وجه آخر عن عبد الكريم الجزري.
وروينا عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من باع جلد أضحيته فلا أضحية له.
1213 - باب الاشتراك في الهدي والأضحية
5687 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : أقول بحديث مالك عن أبي الزبير عن جابر (7/233)
أنهم نحروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سِبعة.
قال الشافعي : وسواء في ذلك كانوا أهل بيت أو غيرهم لأن أهل الحديبية كانوا من قبائل شتى وشعوب متفرقة.
قال أحمد : وروينا عن علي وحذيفة وأبي مسعود الأنصاري وعائشة أنهم قالوا : البقرة عن سبعة.
وأما حديث محمد بن إسحاق بن يسار عن الزهري عن عروة عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يريد زيارة البيت وساق معه الهدي سبعين بدنة عن سبع مِئَة رجل كل بدنة عن عشرة.
فقد روى معمر بن راشد وسفيان بن عيينة عن الزهري بهذا الإسناد أنهما قالا : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة عام الحديبية في بضع عشرة مِئَة.
وعلى ذلك تدل رواية جابر بن عبد الله ومعقل بن يسار وسلمة بن الأكوع والبراء بن عازب وكلهم شهدوا الحديبية.
ثم اختلفت الرواية عن جابر فروي عنه أنهم كانوا ألفاً وخمس مِئَة.
وروى عنه أنهم كانوا ألفاً وأربع مِئَة.
وهذا أصح لموافقته معقل بن يسار وسلمة والبراء.
ثم روى أبو الزبير عن جابر : أنهم نحروا البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة.
(7/234)
وبمعناه روي عن سليمان بن قيس وعمرو بن دينار 219 أ عن جابر.
فكأنهم نحروا السبعين عن بعضهم ونحروا البقر عن الباقين عن كل سبعة واحدة.
وفي رواية زهير عن أبي الزبير عن جابر قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة.
5688 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا محمد بن يعقوب الشيباني حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا أبو خيثمة - وهو زهير بن معاوية - فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى.
وروي عن عطاء عن جابر ما دل على ذلك وهو أصح من رواية علياً بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس في إشراكهم وهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في الجزور عن عشرة والبقرة عن سبعة.
وقد روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الناقة عن سبعة.
1214 - باب أيام النحر
5689 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : الأضحى جائز يوم النحر وأيام منى كلها لأنها أيام النسك.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : نحر النبي صلى الله عليه وسلم وضحى في يوم النحر فلما لم يحظر على الناس أن يضحوا بعد النحر بيوم أو يومين لم نجد اليوم الثالث مفارقاً لليومين قبله لأنه يُنسك فيه ويُرمى كما يُنسك ويرمى فيهما.
(7/235)
قال : وعن النبي صلى الله عليه وسلم فيه دلالة سُنة.
وإنما أراد والله أعلم ما 5690 - أخبرنا أبو سعيد الماليني أخبرنا أبو أحمد بن عدي الحافظ حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي حدثنا أبو نصر التمار حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى عن عبد الرحمن بن أبي حسين عن جبير بن مطعم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في كل أيام التشريق ذبح.
ورواه أبو معيد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن دينار عن جبير.
وروينا هذا القول عن علي وابن عباس وعطاء والحسن وعمر بن عبد العزيز.
وكان ابن عمر يقول : يومان بعد 219 ب يوم الأضحى.
وروي عن أنس بن مالك وفي رواية منقطعة عن علي والأول أصح.
وروينا عن أبي سلمة وسليمان بن يسار أنه بلغهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الضحايا إلى آخر الشهر لمن أراد أن يستأنى ذلك.
وفي رواية أخرى قال : إلى هلال المحرم.
وعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه قال : كان المسلمون يشتري أحدهم الأضحية فيسمنها فيذبحها بعد الأضحى آخر ذي الحجة.
(7/236)
قال أحمد : هذه الأحاديث منقطعة وإذا لم تثبت فالقياس ما قال الشافعي رحمه الله.
1215 - باب العقيقة
5691 - قرأت فيما روى أبو بكر بن زياد وغيره عن المزني قال قال الشافعي أخبرني ابن عيينة عن عبد الله بن أبي يزيد عن سباع بن وهب عن أم كرز قالت : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أسأله عن لحوم الهدي فسمعته يقول : عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة لا يضركم ذكراناً كن أو إناثاً.
وسمعته يقول : اقروا الطير على مكناتها.
هكذا رواه المزني في المختصر وفيه خطأ من وجهين : أحدهما في قوله : عن عبيد الله بن أبي يزيد عن سباع.
وابن عيينة إنما رواه عنه عن أبيه عن سباع.
والآخر في قوله : عن سباع بن وهب وإنما هو سباع بن ثابت.
وقد رواه أبو جعفر بن سلامة الطحاوي عن المزني عن الشافعي على الصحة.
5692 - أخبرنا الفقيه أبو إسحاق أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد عن سباع بن ثابت عن أم كرز قالت : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية أسأله عن لحوم الهدي فذكره.
وكذلك رواه سائر أصحاب سفيان بن عيينة.
ورواه حماد بن زيد عن عبيد الله بن أبي يزيد عن سباع بن ثابت.
(7/237)
قال أبو داود : هذا هو الحديث.
وحديث سفيان وهم يعني حين قال عن أبيه.
قال أحمد : ورواه ابن جريج عن 220 أ عبيد الله بن أبي يزيد عن سباع بن ثابت أن محمد بن ثابت بن سباع أخبره أن أم كرز أخبرته.
5693 - أخبرنا أبو إسحاق أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن حبيبة بنت ميسرة مولاة عطاء عن أم كرز قالت : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول : عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة.
5694 - وبإسناده قال حدثنا الشافعي عن سفيان عن عاصم عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان بن عامر قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : مع الغلام عقيقة فاهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى.
قد استشهد البخاري برواية عاصم الأحول وهشام بن حسان عن حفصة.
وأخرجه من حديث أيوب عن محمد بن سيرين عن سلمان من قوله واستشهد برواية حماد بن سلمة عن أيوب وقتادة وهشام وحبيب عن ابن سيرين عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم.
5695 - وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود (7/238)
حدثنا ابن المثنى حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كل غلام رهينة بعقيقته يذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى.
ورواه همام بن يحيى عن قتادة فقال : ويدمى.
قال أبو داود : ويسمى أصح.
وقوله رهينة بعقيقته يعني مرهونة والهاء فيه للمبالغة.
وبلغني عن أحمد بن حنبل أنه قال : يريد أنه إن لم يعق عنه فمات طفلاً لم يشفع في أبويه.
وقال بعضهم : هو مرهون بعقيقته : أي بأذى شعره ألا تراه قال : فأميطوا عنه الأذى.
وهو ما علق به من دم الرحم . قاله أبو سليمان الخطابي رحمه الله.
قال الشافعي : وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عق عن الحسن والحسين وحلق شعورهما وتصدقت فاطمة بزنته فضة.
5696 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود 220 ب حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوهاب حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً.
5697 - أخبرنا أبو زكريا أخبرنا أبو الحسن الطرائفي حدثنا عثمان الدارمي (7/239)
حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك عن جعفر بن محمد عن علي عن أبيه قال : وزنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شعر الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم فتصدقت بزنة ذلك فضة.
وفي حديث حفص بن غياث عن جعفر بن محمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في العقيقة التي عقتها فاطمة عن الحسن والحسين.
أن يبعثوا إلى القابلة منها برجل وكلوا وأطعموا ولا تكسروا منها عظماً.
وأما الحديث الثاني 5698 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أخبرنا أبو الحسن الطرائفي حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك عن زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن العقيقة فقال : لا أحب العقوق.
وكأنه إنما كره الإسم قال : ومن ولد له ولد فأحب أن ينسك عن ولده فليفعل.
فكذلك روي في حديث عمرو بن شعيب.
5699 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن إدريس قال قرئ على بحر بن نصر الخولاني قال الشافعي : العقيقة ما عرف الناس وهو ذبح كان يذبح في الجاهلية عن المولود فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام وقد كره منه الإسم.
وقال زيد - يعني بن أسلم - في حديثه سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا أحب العقوق.
(7/240)
فكأنه إنما كره الإسم.
5700 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد قال سمعت محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي يقول : تستحب العقيقة ولو بعصفور.
قال مالك : ليس عليه العمل : يعني العقيقة بالعصفور.
وإنما أورده الشافعي إلزاماً لمالك فيما ترك من قول أهل المدينة.
5701 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو محمد بن زياد العدل حدثنا 221 أ محمد بن إسحاق حدثنا بحر بن نصر حدثنا الشافعي في قول النبي صلى الله عليه وسلم : أقروا الطير على مكناتها.
إن علم العرب كان في زجر الطير والبوارح والخط والأعياف.
كان أحدهم إذا غدا من منزله يريد أمراً نظر أول طائر يراه فإن يسنح عن يساره فاحتال عن يمينه قال : هذا طير الأيامن فمضى في حاجته ورأى أنه يستنجحها.
وإن سنح عن يمينه فمر عن يساره قال : هذا طير الأشائم فرجع وقال : هذه حاجة مشؤومة.
وقال الخطيئة يمدح أبو موسى الأشعري : % ( لا يزجر الطير منتحا إن عرضن له % ولا يقبضن على قسم بأزلام ) % يعني أنه سلك طريق الإسلام في التوكل على الله وترك زجر الطير.
قال بعض شعراء العرب يمدح نفسه : % ( ولا أنا ممن يزجر الطير همه % أصاح غراب أم تعرض ثعلب ) % قال وكان العرب في الجاهلية إذا لم تر طيراً سانحاً فرأى طائراً في وكره حركة من وكره ليطير فينظر أسلك له طريق الأشائم أو طريق الأيامن.
(7/241)
فيشبه قول النبي صلى الله عليه وسلم : أقروا الطير على مكناتها.
أن لا تحركوها فإن تحريكها وما يعملون به من الطيرة لا يصنع شيئاً وإنما يصنع فيما يوجهون له قضاء الله عز وجل.
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الطيرة فقال : إنما ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم.
5702 - أخبرناه أبو الحسين بن بشران أخبرنا إسماعيل الصفار حدثنا أحمد بن منصور حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن معاوية بن الحكم أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : يا رسول الله إن منا رجالاً يتطيرون ؟ قال : ذاك شيء تجدونه في أنفسكم فلا يصدنكم.
قالوا : ومنا رجال يأتون الكهان ؟ قال : فلا تأتوا كاهناً.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث عبد الرزاق.
1216 - باب الفرع والعتيرة
5703 - أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب 221 ب عن خالد الحذاء عن أبي المليح عن نبيشة قال سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إنّا كنا نعتر عتيرة في رجب فما تأمرنا ؟ (7/242)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذبحوا لله في أي شهر ما كان وبروا لله وأطعموا.
فقال : إنّا كنا نفرع فرعاً في الجاهلية فما تأمرنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : في كل سائمة فرع تغذوه ماشيتك حتى إذا استجمل ذبحته وأطعمته فإن ذلك هو خير.
5704 - وبإسناده قال حدثنا الشافعي أخبرني من سمع زيد بن أسلم يحدث عن رجل من بني ضمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن الفرعة فقال : الفرعة حق وأن تغذوه حتى يكون ابن لبون شعزباً فتعطيه أرملة أو تحمل عليه في سبيل الله خير من أن تكفأ إناءك وتُوَله ناقتك وتأكله يتلصق لحمه بوبره.
قال أحمد : حديث نبيشة هذا قد أخرجه أبو داود في كتاب السنن من حديث بشر بن المفضل عن خالد.
وحديث زيد بن أسلم قد رواه عنه ابن عيينة.
وقد روي في حديث عمرو بن شعيب.
قال الشافعي في كتاب حرملة :
أَخْبَرَنَا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (7/243)
لا فرع ولا عتيرة.
قال الزهري : الفرعة : أول النتاج ، والعتيرة : شاة تذبح عن كل أهل بيت في رجب.
5705 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه أخبرنا بشر بن موسى حدثنا الحميدي حدثنا سفيان فذكره بإسناده ومعناه.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى عن سفيان وأخرجه البخاري من حديث معمر عن الزهري.
5706 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن أخبرنا عبد الرحمن - يعني ابن محمد بن إدريس - قال قرأ عليّ بحر بن نصر قال الشافعي رحمه الله في تفسير الفرعة : شيء كان أهل الجاهلية يطلبون به البركة في أموالهم فكان أحدهم يذبح بكر ناقته - يعني أول نتاج يأتي عليه لا يغذوه رجاء البركة فيما يأتي بعده فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم 222 أ فقال : فرعوا إن شئتم.
أي إذبحوا إن شئتم.
وكانوا يسألونه على ما يصنعونه في الجاهلية خوفاً أن يكره في الإسلام فأعلمهم أنه لا مكره لهم فيه وأمرهم أن يغذوه ثم يحملون عليه في سبيل الله.
قال أحمد : ويذبحه ويطعمه كما في حديث نبيشة.
(7/244)
قال الشافعي : وقال : الفرعة حق يعني : ليست بباطل ولكنه كلام عربي يخرج على جواب السائل.
قال الشافعي : وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا فرع ولا عتيرة.
وليس باختلاف من الرواة إنما هو : أي لا فرعة ولا عتيرة واجبة.
والحديث الآخر في الفرعة والعتيرة يدل على معنى هذا أنه أباح الذبح واختار له أن يعطيه أرملة أو يحمل عليه في سبيل الله.
والعتيرة : هي الرجبية وهي ذبيحة كان أهل الجاهلية يتبررون بها يذبحونها في رجب فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا عتيرة.
على معنى : لا عتيرة لازمة.
وقوله حين سئل عن العتيرة : إذبحوا لله في أي شهر ما كان وبروا لله وأطعموا.
أي إذبحوا إن شئتم واجعلوا الذبح لله لا لغيره في أي شهر ما كان لا أنها في رجب دون ما سواه من الشهور.
1217 - باب ما يكره أن يكنى به
5707 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب يقول سمعت الربيع بن سليمان يقول سمعت الشافعي يقول : لا يحل لأحد أن يكنى بأبي القاسم كان إسمه محمد أو غيره.
(7/245)
وهكذا رواه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن الشافعي.
ورأيت في كتابي في آخر كتاب اختلاف الأحاديث للشافعي الذي قرأناه على أبي عبد الله الحافظ رحمه الله هذه الأحاديث مضروباً عليها ولعلها لم تكن في نسخة الحاكم أبي عبد الله رحمه الله أو لم تتفق قراءتها عليه.
قال الربيع قال الشافعي : حدثنا سفيان بن عيينة وعبد الوهاب بن عبد المجيد عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : تسموا بإسمي ولا تكتنوا بكنيتي.
5708 - أخبرناه أبو عبد الله 222 ب الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أبو يحيى زكريا بن يحيى بن أسد حدثنا سفيان فذكره بإسناده غير أنه قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث سفيان.
قال الشافعي :
أَخْبَرَنَا عبد الوهاب بن عبد المجيد حدثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم بالبقيع فنادى رجل يا أبا القاسم فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني لم أعنك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي.
5709 - أخبرناه أبو طاهر الفقيه أخبرنا أبو طاهر المحمد أباذي حدثنا(7/246)
إبراهيم بن عبد الله السعدي أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا حميد عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالبقيع فنادى رجل رجلاً فقال : يا أبا القاسم فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال الرجل : يا رسول الله لم أعنك إنما عنيت فلاناً.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من أوجه عن حميد.
وذكر الشافعي أيضاً عن سفيان ما 5710 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا أبو يحيى زكريا بن يحيى بن أسد حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن المنكدر سمع جابراً يقول : ولد لرجل منا غلام فسميناه القاسم فقلنا : لا نكنيك أبا القاسم ولا تنعم عيننا فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال : سم ابنك عبد الرحمن.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث سفيان بن عيينة.
وفي رواية الشافعي : ولد في الحي غلام فأسمي أبو القاسم فقلنا لأبيه لا تكنيه أبو القاسم ولا ننعمك عيناً فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال : اسم ابنك عبد الرحمن.
وأخرجه البخاري ومسلم من حديث سالم بن أبي الجعد عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم : سموا بإسمي ولا تكتنوا بكنيتي فإنما أنا قاسم بعثت أقسم بينكم.
(7/247)
وروي في حديثه أنهم سموه باسم النبي 223 أ صلى الله عليه وسلم فقال : ذلك والاعتبار باللفظ المنقول عنه.
وأما حديث هشام الدستوائي عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من تسمى بإسمي فلا بكتنى بكنيتي ومن تكنى بكنيتي فلا يسمى بإسمي.
5711 - فقد أخبرناه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي طاهر الدقاق حدثنا أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن أيوب البزاز حدثنا أبو مسلم حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام فذكره.
وهذا فيما لم يخرجه مسلم بن الحجاج في الصحيح مع كون أبي الزبير من شرطه ولعله إنما لم يخرجه لمخالفته ابن المنكدر وسالم بن أبي الجعد عن جابر ثم مخالفته رواية أبي هريرة وأنس بن مالك.
وروي عن أبي هريرة في معنى ما رواه أبو الزبير وهو مختلف فيه وأحاديث النهي على الإطلاق أكثر وأصح طريقاً.
وحديث محمد بن الحنفية قال قال : علي يا رسول الله إن ولد لي من بعدك ولد أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك ؟ قال : نعم.
فهو في أكثر الروايات منقطع.
وروي عن ابن الحنفية أنه قال : كانت رخصة لعلي.
وحديث محمد بن عمران الحجبي عن صفية بنت شيبة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم : ما الذي أحل إسمي وحرم كنيتي . أو ما الذي حرم كنيتي وأحل إسمي.
لم يثبت إسناده وأحاديث النهي عن التكني بكنيته على الإطلاق من الأحاديث (7/248)
الثابتة الصحيحة التي لا تعارض بأمثال هذا وبالله التوفيق.
قال أحمد : وكانت كنية مقسم أبو القاسم فجعل طاووس يقول : مقسم ولا يقول أبو القاسم.
فقيل له في ذلك فقال : والله لا أكنيه بها أبداً.
قال الشافعي في كتاب حرملة :
أَخْبَرَنَا سفيان عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع.
5712 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد حدثنا محمد بن عبد الله بن مهران الدينوري حدثنا الأويسي حدثنا العمري فذكره غير أنه قال : كره القزع للصبيان.
وهذا الحديث ثابت من جهة عبيد الله بن عمر عن عمر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
223 ب أنه نهى عن القزع.
5713 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو عمرو بن السماك حدثنا يحيى بن أبي طالب حدثنا شجاع بن الوليد حدثنا عبيد الله بن عمر . فذكره.
أخرجاه في الصحيح من حديث عبيد الله.
1218 - باب ما يحرم من جهة ما لا تأكل العرب
5714 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس الأصم أخبرنا(7/249)
الربيع بن سليمان قال قال الشافعي رحمه الله : أصل التحريم نص كتاب أو سنة أو جملة كتاب أو سنة أو إجماع.
قال الله جل ثناؤه : {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث}.
قال : وإنما تكون الطيبات والخبائث عند الآكلين كانوا لها وهم العرب الذين سألوا عن هذا ونزلت فيهم الأحكام وكانوا يكرهون من حيث المأكل ما لا يكرهها غيرهم.
قال : وسمعت بعض أهل العلم يقولون في قول الله عز وجل : {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ}.
يعني ما كنتم تأكلون.
5715 - وأخبرنا أبو سعيد في موضع آخر حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : فأهل التفسير أو من سمعت منهم يقول في قول الله عز وجل : {قُلْ لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً}.
يعني ما كنتم تأكلون فإن العرب قد كانت تحرم أشياء على أنها من الخبائث وتحل أشياء على أنها من الطيبات فأحلت لهم الطيبات عندهم إلا ما استثنى وحرمت عليهم الخبائث عندهم.
قال الله : {يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث}.
(7/250)
5716 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر القاضي وأبو زكريا المزكي قالوا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن ابن شهاب عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة الخشني : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كل ذي ناب من السباع.
5717 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع 224 أ قال قال الشافعي : أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي إدريس عن أبي ثعلبة : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كل ذي ناب من السباع.
وفي رواية أبي سعيد : عن أكل كل ذي ناب من السباع.
5718 - وبهذا الإسناد قال قال الشافعي : أخبرنا سفيان عن الزهري عن أبي إدريس عن أبي ثعلبة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث مالك وسفيان.
5719 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عبيدة بن سفيان الحضرمي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أكل كل ذي ناب من السباع حرام.
هكذا رواه في كتاب الرسالة.
5720 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا(7/251)
الربيع قال قال الشافعي : أخبرنا مالك فذكره.
وقال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كل ذي ناب من السباع حرام.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث عبد الرحمن بن مهدي وغيره عن مالك.
وروينا في الحديث الثابت عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير.
5721 - أخبرنا الشيخ أبو بكر بن فورك أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود حدثنا أبو عوانة عن الحكم وأبي بشر عن ميمون فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن أحمد بن حنبل عن أبي داود.
ورواه علي بن الحكم البناني عن ميمون بن مهران عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
قال الشافعي رحمه الله في روايتنا عن أبي سعيد : قال الله جل ثناؤه : {أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما} فكان شيئآن حلالين فأثبت تحليل أحدهما وهو صيد البحر وطعامه مالحه وكل ما فيه متاع 224 ب لهم يستمتعون بأكله وحرم عليهم صيد البر أن يستمتعوا بأكله في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
(7/252)
وهو جل ثناؤه لا يحرم عليهم من صيد البر في الإحرام إلا ما كان حلالاً لهم قبل الإحرام والله أعلم.
فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المحرم بقتل الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور وقتل الحيات دل ذلك على أن لحوم هذه محرمة لأنه لو كان داخلاً في جملة ما حرم الله قتله من الصيد في الإحرام لم يحل رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله.
ودل ذلك على معنى آخر أن العرب لا تأكل مما أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله في الإحرام شيئاً.
قال أحمد : ومما يؤكد هذه الطريقة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل أشياء كانت العرب تستخبثها ولو كانت حلالاً كانت كبهيمة الأنعام في جواز ذبحها.
5722 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل أربع من الدواب : النملة . والنحلة . والهدهد.
والصرد.
وروينا عن عبد الرحمن بن عثمان أن طبيباً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ضفدع يجعله في دواء فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها.
وروينا عن أبي الحويرث : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الخطاطيف.
وهو منقطع.
(7/253)
ورواه أيضاً عباد بن إسحاق عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً.
وروينا عن عبد الله بن عمرو أنه قال : لا تقتلوا الضفادع فإن نقيقها تسبيح ولا تقتلوا الخفاش فإنه لما خرب بيت المقدس قال : يا رب سلطني على البحر حتى أغرقهم.
1219 - باب أكل الضبع والثعلب
5723 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم وعبد المجيد وعبد الله بن الحارث عن ابن جريج عن عبيد الله 225 1 بن عبيد بن عمير عن ابن أبي عمار قال : سألت جابر بن عبد الله عن الضبع أصيد هي ؟ فقال : نعم . قلت : أتؤكل ؟ : قال : نعم.
قلت : أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم.
زاد أبو سعيد في روايته.
قال الشافعي : وما يباع لحم الضبع بمكة إلا بين الصفا والمروة.
قال الربيع قال الشافعي : وفي مسألة ابن أبي عمار جابراً : أصيد هي ؟ فقال : نعم.
وسألته : أتؤكل ؟ قال : نعم.
(7/254)
وسألته : أسمعته من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال نعم.
فهذا دليل على أن الصيد الذي نهى الله المحرم عن قتله ما كان يحل أكله من الصيد وأنهم إنما يقتلون الصيد ليأكلوه لا عبثاً بقتله.
قال أحمد : وروينا عن إبراهيم الصائغ عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الضبع صيد وجزاؤها كبش مسن وتؤكل.
5724 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا حسان بن إبراهيم حدثنا إبراهيم الصائغ فذكره.
وذلك يؤكد رواية عبد الرحمن بن أبي عمار عن جابر ويدل على أن قوله تؤكل مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم خلاف قول من جعله بالتوهم من قول جابر حين ترك الأخذ بروايته وعارضه بجملة نهي النبي عن كل ذي ناب من السباع.
وهلا استدل بحديث جابر على أن النهي عن كل ذي ناب من السباع إنما هو عن كل ما عدا على الناس مكاسرة وقوة في نفسه بنابه دون ما لا يعدو كما فعل الشافعي ليكون قد قال بالحديثين جميعاً.
قال الشافعي : وفيه دلالة على إحلال ما كانت العرب تأكل مما لم تبصر فيه خبر وتحريم ما كانت تحرمه مما يعدوا من قبل أنها لم تزل إلى اليوم تأكل الضبع والثعلب وتأكل الضب والأرنب والوبر وحمار الوحش ولم تزل تدع أكل الأسد والنمر والذئب تحريماً بالتقذر.
(7/255)
قال أحمد : وقد ثبت في الأرنب ما 5725 - أخبرنا أبو بكر بن فورك أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا يونس بن حبيب 225 ب حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن هشام بن زيد عن أنس قال : انفجنا أرنباً بمرّ الظهران فسعى خلفاً أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلغبوا وأدركتها أنا فذبحتها بمروة فأتيت أبا طلحة فبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بفخذيها ووركيها فأكله.
قلت : أكله ؟ قال : قبله.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث شعبة.
وحكى ابن المنذر عن طاووس وقتادة في الثعلب أنه يؤكل وهو صيد.
ورويناه عن عطاء.
وروينا في كتاب الحج عن ابن سيرين عن شريح أنه حكم في الثعلب بجدي.
وعن عطاء وعباس بن عبد الله بن معبد أنهما قالا : في الثعلب شاة.
1220 - باب أكل الضب
5726 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو زكريا وأبو بكر قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الضب فقال : لست آكله ولا محرمه.
5727 - وبهذا الإسناد قال حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.
(7/256)
أخرجه مسلم من حديث الليث وغيره عن نافع وأخرجه البخاري ومسلم من وجهين آخرين عن عبد الله بن دينار.
وأخرجا حديث الشعبي عن ابن عمر قال : كان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكلون عنده من لحم فنادتهم إمرأة : إنه لحم ضب فأمسكوا.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : كلوا وأطعموا فإنه حلال.
أو قال : لا بأس به.
- توبة العنزي شك فيه -.
ولكنه ليس من طعام قومي.
5728 - وأخبرنا أبو عبد الله وأبو زكريا وأبو بكر قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن ابن عباس - أشك أقال مالك عن ابن عباس عن خالد بن الوليد - أو عن ابن عباس وخالد بن المغيرة : أنهما دخلا مع النبي صلى الله عليه وسلم 226 أ بيت ميمونة فأتى بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقال له بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يريد أن يأكل فقالوا : هو ضب يا رسول الله فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقلت : أحرام هو ؟ فقال : لا ولكنه لم يكن بأرض قومي أجدني أعافه.
(7/257)
قال خالد : فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر.
قال أحمد : رواه القعنبي عن مالك فقال عن ابن عباس عن خالد بن الوليد أنه دخل.
وأخرجه البخاري عن القعنبي.
وكذلك قاله ابن أبي أويس عن مالك.
ورواه يحيى بن يحيى عن مالك فقال : عن عبد الله بن عباس قال دخلت أنا وخالد بن الوليد.
وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى.
ورواه يحيى بن بكير عن مالك فقال : عن عبد الله بن عباس وخالد بن الوليد بن المغيرة.
أنهما دخلا . وكأن مالكاً كان يشك فيه.
والصحيح رواية القعنبي.
فكذلك رواه يونس بن يزيد وصالح بن كيسان عن الزهري.
وأخرجا حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أهدت أم حُفَيْد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطناً وسمناً وأضباً فأكل من الأقط والسمن وترك الأضب تقذراً.
فقال ابن عباس : فأكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان حراماً ما كان أُكل على مائدته.
5729 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : حديث ابن عباس موافق حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم امتنع عن أكل الضب لأنه عافه لا لأنه حرمه.
(7/258)
وقد امتنع من أكل البقول ذوات الريح لأنه جبريل عليه السلام يكلمه ولعله عافها لا أنه محرم لها.
وقول ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لست آكله.
يعني نفسه قد بين ابن عباس لأنه عافه.
وقال ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ولا محرمه.
فجاء بمعنى ابن عباس بيناً.
226 ب وإن كان معنى ابن عباس أبين منه.
قال الشافعي : فأكل الضب حلال وبسط الكلام في شرح ذلك في موضع آخر وهو منقول إلى المبسوط.
وروينا عن عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرمه إنما عافه وإن الله لينفع به غير واحد وأنه لطعام عامة هذه الرعاء ولو كان عندي لطعمته.
وروينا في إباحته عن أبي مسعود.
وحديث عبد الرحمن بن شبل أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل الضب لم يثبت إسناده.
إنما تفرد به إسماعيل بن عياش وليس بحجة.
وسائر الأحاديث التي وردت فيه محمولة على تقذره له فليس في شيء منها تحريم . والله أعلم.
قال أحمد (7/259)
وأما حديث عيسى بن نُميلة عن أبيه عن شيخ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه ذكر عنده القنفذ فقال : خبيثة من الخبائث.
فهو إسناده غير قوي ورواية شيخ مجهول.
وفي هذا الإسناد أن ابن عمر سُئل عنه فتلا {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} الآية.
وفي حديث غالب بن حجرة عن ملقام بن تلب قال صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أسمع لحشرة الأرض تحريماً.
وهذا إسناد غير قوي.
وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما دل على تحريم الحية والعقرب.
فكذلك ما في معناهما مما كانت العرب تستخبثه ولا تأكله في غير الضرورة ، والله أعلم.
1221 - باب أكل لحوم الخيل
5730 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي أخبرنا مالك وسفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر قال : أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحُمر.
(7/260)
قال أحمد : هذا الحديث لم يسمعه عمرو من جابر إنما سمعه من محمد بن علي بن حسين عن جابر.
5731 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أحمد بن محمد 227 أ بن عبدوس حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد وهو ابن زيد عن عمرو عن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحُمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل.
رواه البخاري في الصحيح عن سليمان بن حرب.
ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن عباد.
5732 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي أخبرنا سفيان عن هشام عن فاطمة عن أسماء قالت : نحرنا فرساً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأكلناه.
رواه البخاري في الصحيح عن الحميدي عن سفيان.
وأخرجاه من أوجه عن هشام.
5733 - أخبرناه أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي أخبرنا سفيان عن عبد الكريم أبي أمية قال : أكلت فرساً في عهد ابن الزبير فوجدته حلواً.
قال أحمد (7/261)
وروينا عن الأسود أنه أكل لحم فرس.
وعن الحسن : لا بأس بلحم الفرس.
وأما حديث صالح بن يحيى بن المقدام عن أبيه عن جده عن خالد بن الوليد قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الخيل والبغال والحمير وكل ذي ناب من السباع.
فهذا حديث إسناده مضطرب ومع اضطرابه مخالف لحديث الثقات.
وقد قال البخاري في التاريخ صالح بن يحيى بن المقدام بن معدي كرب فيه نظر.
وقال موسى بن هارون : لا يعرف صالح بن يحيى ولا أبوه إلا بجده وهذا ضعيف.
وزعم الواقدي : أن خالد بن الوليد أسلم بعد فتح خيبر وإنما قول الله عز وجل : {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة}.
فإنه في سورة النحل وسورة النحل مكية في قول أهل التفسير غير أربع آيات من أخر السورة ولم يبلغنا أن أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم امتنع من أكل لحم الخيل بعد نزول هذه الآية ولا النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن ذلك حتى حرمه 227 ب زمن خيبر.
وفي ذلك دلالة على أنهم لم يعقلوا من هذه الآية تحريم لحوم عدة دواب وأن لا حجة فيها لمن ذهب إلى تحريم الخيل والذي يؤكده : ما روينا عن ابن عباس في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحُمر الأهلية يوم خيبر.
لا أدي أنهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه كان حمولة الناس فكره أن تذهب حمولتهم أو حرمه ولو كان تحريمها وتحريم ما ذكر معها في الآية ثابتاً بالآية لم يقع (7/262)
هذا الاشتباه لابن عباس وهو ترجمان القرآن في النهي عن أكل لحوم الحُمر الأهلية زمن خيبر وهذا الخبر عن ابن عباس يدل على بطلان ما روي عنه بخلاف ذلك.
ثم أن الله عز وجل كما لم يذكر في الآية وجه الانتفاع بهذه الدواب بالأكل لم يذكر وجه الانتفاع بها بحمل الأثقال عليها.
وذلك لا يدل على تحريمه كذلك الأكل إلا فيما قامت دلالته وفي الآية دلالة على جواز إنزاء الخيل على الأتن رغبة في إتيانها بالبغال التي امتن الله تعالى علينا بها كامتنانه بالخيل والحمير.
وإما إنزاء الحُمر على الخيل فقد 5734 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان حدثنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا عبيد بن شريك حدثنا يحيى هو ابن بكير حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن أبي زرير عن علي بن أبي طالب أنه قال : أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة فركبها فقال عليّ : لو حملنا الحُمر على الخيل لكان لنا مثل هذه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون.
هكذا رواه الليث بن سعد.
ورواه محمد بن إسحاق بن يسار عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد العزيز بن أبي الصغير عن أبي أفلح الهمداني عن عبد الله زرير عن علي.
وكذلك روي في إحدى الروايتين عن أبي الوليد عن الليث.
وروي عن علي وعلقمة عن علي.
وكان أبو سليمان الخطابي رحمه الله يشبه أن يكون المعنى في ذلك - والله (7/263)
أعلم - أن الحُمر إذا حملت على الخيل تعطلت منافع الخيل وقل 228 أ عددها وانقطع.
ثم ذكر المنافع التي في الخيل دون البغال ثم قال : فإذا كانت الفحول خيلاً والأمهات حُمراً فقد يحتمل أن لا يكون داخلاً في النهي واحتج بالآية التي احتججنا بها . وضعف قول من قال بخلاف ذلك.
وقد روي عن ابن عباس أنه قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسباغ الوضوء ونهانا ولا أقول نهاكم أن نأكل الصدقة ولا ننزي حماراً على فرس.
5735 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن علي الميموني حدثنا محمد بن كثير حدثنا سفيان عن أبي جهضم موسى بن سالم عن عبيد الله - من ولد العباس - عن ابن عباس قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.
كذا قاله سفيان الثوري.
ورواه حماد بن زيد وعبد الوارث بن سعيد وغيرهما عن أبي جهضم عن عبيد الله بن عبيد الله . وهو الصحيح.
وفي الحديث إشارة عن ابن عباس إلى أنهم مخصوصون بهذا النهي كما خصوا بالنهي عن أكل الصدقة.
فإن كان كذلك أجاز الأمران جميعاً لغيرهم والله أعلم.
(7/264)
بسم الله الرحمن الرحيم
1222 - باب أكل لحوم الحمر الأهلية
5736 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عام خيبر عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية.
زاد أبو سعيد في روايته قال الشافعي : ففي هذا الحديث دلالتان إحداهما : تحريم أكل لحوم الحمر الأهلية.
والآخر إباحة لحوم حُمر الوحش لأنه لا صنف من الحُمر إلا أهلي ووحشي.
فإذا قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتحريم قصد الأهلي ثم وصفه دل على أنه أخرج (7/265)
الوحشي من التحريم.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : مع أنه قد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إباحة أكل حمر الوحش أمر أبا بكر 228 ب أن يقسم حماراً وحشياً قتله أبو قتادة بين الرفقة.
وحديث طلحة : أنهم أكلوا معه لحم حمار وحشي.
قال أحمد : قوله : قتله أبو قتادة . زيادة وقعت من الكاتب.
أو حديث دخل في حديث.
فإن الذي قتله أبو قتادة أتى به أصحابه وهم محرمون وهو غير محرم حتى أكلوا منه ثم سألوا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هل أشار إليه إنسان منكم بشيء ؟ قالوا : لا . فقال : كلوا.
والذي أمر أبا بكر بقسمته بين الرفاق فهو : في حمار وحشي وجدوه عقيراً بالروحاء فقال النبي صلى الله عليه وسلم : دعوه فإنه يوشك أن يأتي صاحبه.
فجاء البهزي وهو صاحبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله شأنكم بهذا الحمار.
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فقسمه بين الرفاق.
وهذا الكتاب مما لم يسمعه الربيع من الشافعي.
(7/266)
ولو كان قرئ عليه الأمر - والله أعلم - بتغييره.
وقد روينا نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر عن سوى علي بن أبي طالب : عن عبيد الله بن عمر وخالد بن عبد الله والبراء بن عازب وعبد الله بن أبي أوفى وسلمة بن الأكوع وأبي ثعلبة الخُشني وأبي هريرة وأنس بن مالك والمقدام بن معدي كرب رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الشافعي في سنن حرملة :
أَخْبَرَنَا سفيان بن عيينة عن أبي إسحاق عن عبد الله بن أبي أوفى قال : أصبنا حمراً خارجة من القرية يوم خيبر فنحرناها فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم : أن أكفوا القدور بما فيها.
فكفأناها وإن القدور لتغلي.
قال أبو إسحاق : فذكرت ذلك لسعيد بن جبير فقال : إنما تلك حُمر كانت تأكل القذر.
وهذا حديث قد أخرجه البخاري من حديث عباد بن العوام وعبد الواحد بن زياد.
وأخرجه مسلم من حديث علي بن مسهر وعبد الواحد بن زياد عن سليمان الشيباني وفي حديثهم قال : فقال 229 أ ناس إنما نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها لم تخمس.
وقال الآخرون : نهى عنها البتة أصحاب عبد الله بن عباس.
فواحد يقول : نهى عنها لأنها كانت تأكل القذر.
وآخر يقول : نهى عنها لأنها لم تخمس.
(7/267)
وذلك لشك وقع لعبد الله بن عباس في ذلك.
5737 - أخبرنا أبو طاهر الفقيه - من أصله - أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان حدثنا أحمد بن يوسف حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثني أبي عن عاصم عن عامر عن ابن عباس قال : لا أدري أنهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أنه كان حمولة الناس فكره أن تذهب حمولتهم أو حرمه في يوم خيبر لحم الحمر الأهلية.
رواه مسلم في الصحيح عن أحمد بن يوسف.
ورواه البخاري عن محمد بن أبي الحسن عن عمر بن حفص.
وقد بين غير ابن عباس أن النهي عنه وقع على سبيل التحريم فوجب المصير إليه مع كون الإطلاق يقتضي التحريم.
قال الشافعي في كتاب حرملة أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي فذكر الحديث الذي 5738 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا علي بن محمد بن سختويه حدثنا أحمد بن سلمة حدثنا إسحاق أخبرنا الثقفي حدثنا أيوب عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك قال : جاء جائي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أُكلت الحُمر . ثم جاء الثانية فقال : أُكلت الحُمر . ثم جاء الثالثة فقال : أٌ فنيت الحُمر.
فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم منادياً فنادى في الناس : أن الله ورسوله ينهيانكم عن الحُمر الأهلية فإنها رجس.
قال فكفئت القدور وإنها لتفور باللحم.
(7/268)
رواه البخاري في الصحيح عن محمد بن سلام عن عبد الوهاب.
وأخرجه مسلم من حديث ابن عيينة عن أيوب.
وفي حديث أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم يوم خيبر كل ذي ناب من السباع المجثمة والحمار الإنسي.
وفي حديث المقدام : حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم أشياء يوم خيبر منها 229 ب الحمار الأهلي.
وأما حديث غالب بن أبجر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أطعم أهلك من سمين حمرك فإنما حرمتها من أجل جوالي القرية.
فإسناده مضطرب وفي إسناده أنه قال : أصابتنا سنة فلم يكن في مالي شيء أطعم أهلي إلا شيء من حمر.
فكأنه إن صح إنما رخص له في أكله بالضرورة حيث تباح الميتة ، والله أعلم.
1223 - باب الجلالة
روينا عن مجاهد عن ابن عمر . وقيل عنه عن ابن عباس وروينا عن نافع عن ابن عمر (7/269)
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل الجلالة وألبانها.
ورويناه عن عكرمة عن أبي هريرة.
وقيل عنه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ورويناه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي بعض هذه الروايات النهي عن ركوبها أيضاً.
5739 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا سهل بن بكار حدثنا وهب عن أبي طاووس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وعن الجلالة عن ركوبها وأكل لحومها.
5740 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي في الإبل التي أكثر علفها العذرة اليابسة.
وكل ما صبغ هذا من الدواب التي تؤكل فهي جلال وأرواح العذرة توجد في عرقها وجررها.
لأن لحومها تغتذي بها فيغلبها.
وما كان من الإبل وغيرها أكثر علفاً من غير هذا وكان ينال هذا قليلاً فلا يبين في عرقه وجرره لأن اغتذاه من غيره فليس بجلال منهي عنه.
ثم ساق الكلام في علف الجلالة غيره.
حتى يعلم أن اغتذاها قد انقلب فتؤكل.
قال : وقد جاء في بعض الآثار : بأن البعير يعلف أربعين ليلة والشاة عدداً أقل من ذا والدجاجة سبعاً.
(7/270)
وكلهم فيما نرى أراد المعنى الذي وصفت من تغييرها 230 أ من الطباع المكروهة إلى الطباع غير المكروهة الذي هو فطرة الدواب.
قال أحمد : قد روى إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر قال : سمعت أبي يحدث عن عبد الله بن باباه عن عبد الله بن عمرو قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة أن يؤكل لحمها أو يشرب لبنها ولا يحمل عليها - أظنه قال : - إلا الأدم ولا يركبها الناس حتى تعلف أربعين ليلة.
5741 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن سنان القزاز حدثنا أبو علي عبيد الله بن عبد المجيد الثقفي حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر . فذكره.
وإسماعيل غير قوي في الحديث.
وروينا في الحديث الثابت عن زهدم قال : رأيت أبا موسى يأكل الدجاج فدعاني فقلت : إني رأيته يأكل نتناً.
قال : أدن فكل فإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكله.
1224 - باب المصبورة
5742 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو النضر الفقيه حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن هشام بن زيد بن أنس بن مالك قال (7/271)
دخلت مع جدي على الحكم بن أيوب فإذا غلمان قد نصبوا دجاجة يرمونها فقال أنس : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهائم.
رواه البخاري في الصحيح عن أبي الوليد عن شعبة.
وأخرجه مسلم من أوجه أخر عن شعبة.
وروينا فيه عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروينا عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تتخذوا شيئاً فيه الروح غرضاً.
وعن جابر بن عبد الله قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل شيء من الدواب صبراً.
5743 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصبورة : والمصبورة الشاة تربط ثم ترمى بالنبل.
5744 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرني أبو أحمد 230 ب التميمي أخبرنا عبد الرحمن بن محمد حدثنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي في نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهائم قال : هي أن ترمى بعد أن تؤخذ.
(7/272)
1225 - باب ذكاة ما في بطن الذبيحة
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد : إنما تكون ذكاة الجنين في البطن ذكاة أمه لأنه مخلوق منها وحكمه حكمها ما لم يزايلها.
5745 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا مسدد حدثنا هشيم عن مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد قال : قلنا يا رسول الله ننحر الناقة ونذبح البقرة والشاة في بطنها الجنين أنلقيه أم نأكله ؟ قال : كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه.
هكذا أخرجه أبو داود في كتاب السنن.
ورواه أيضاً بإسناد له عن عبيد الله بن أبي زياد القداح عن أبي الزبير عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذكاة الجنين ذكاة أمه وروينا عن الحسن بن بشر البجلي عن زهير عن أبي الزبير.
ورواه ابن أبي ليلى وحماد بن شعيب عن أبي الزبير.
وروي ذلك عن أبي عبيدة الحداد عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي الوداك عن أبي سعيد مختصراً.
(7/273)
وروينا عن ابن عمر ، وابن عباس وعمار بن ياسر في إباحته.
وفسروا قوله عز وجل : {أحلت لكم بهيمة الأنعام}.
بذلك.
1226 - باب كسب الحجام
5746 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر القاضي وأبو زكريا المزكي قالوا : حدثنا أبو العباس - هو الأصم - أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة أن محيصة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجام فنهاه عنه فلم يزل يكلمه حتى قال : أطعمه رقيقك وأعلفه ناضحك.
5747 - أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة عن أبيه : أن محيصة فذكره بنحوه.
5748 - وبإسناده قال المزني حدثنا الشافعي أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن ابن أبي ذئب 231 أ عن ابن شهاب عن حرام بن سعد بن محيصة الحارثي عن أبيه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجام فنهاه فذكر له الحاجة فأمره أن يعلفه نواضحه.
5749 - وإسناده قال حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب (7/274)
عن ابن محيصة أحد بني حارثة عن أبيه.
5750 - وأخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة عن أبيه أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في إجارة الحجام فنهاه عنه فلم يزل يسأله ويستأذنه حتى قال : أعلفها ناضحك ورقيقك.
5751 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن حميد عن أنس : حجم أبو طيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بصاع من تمر وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه.
رواه البخاري في الصحيح عن عبد الله بن يوسف عن مالك.
5752 - وأخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب الثقفي عن حميد عن أنس أنه قيل له احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : نعم حجمه أبو طيبة فأعطاه صاعين وأمر مواليه أن يخففوا عنه من ضريبته.
وقال : إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والفسط البحري لصبيانكم من العذرة ولا تعذبوهم بالغمْز أخرجاه في الصحيح من أوجه عن حميد.
(7/275)
5753 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن ابن سيرين عن ابن عباس انقطع متنه من الأصل.
5754 - وقد أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب عن خالد الحذاء عن عكرمة ومحمد بن سيرين عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره ولو كان خبيثاً لم يعطه.
قال أحمد : وروينا في الحديث الثابت عن الشعبي عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجمه عبد 231 ب لبني بياضة فأعطاه أجره ولو كان حراماً لم يعطه وأمر مواليه ان يخففوا عنه من خراجه.
5755 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان أخبرني إبراهيم بن ميسرة عن طاووس : احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال للحجام : اشكموه.
زاد أبو عبد الله في روايته : قال الشافعي : وليس في شيء من هذه الأحاديث شيء مختلف ولا ناسخ ولا منسوخ فإنهم قد أخبروا أنه رخص لمحيصة أن يعلفه ناصحه ويطعمه رقيقه.
(7/276)
ولو كان حراماً لم يجز رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحيصة أن يملك حراماً ولا يعلفه ناصحه ولا يطعمه رقيقه.
ورقيقه ممن عليه فرض الحلال والحرام.
ولم يعط رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاماً على الحجامة لأنه لا يعطي إلا ما يحل له أن يعطيه وما يحل لمالكه ملكه.
والمعنى في نهيه عنه وإرخاصه في أن يطعمه الناضح والرقيق أن من المكاسب دنياً وحسناً . فكان كسب الحجام دنياً فأحب له تنزيه نفسه عن الدناءة لكثرة المكاسب التي هي أجمل منه.
فلما زاده فيه أمره أن يعلفه ناضحه ويطعمه رقيقه تنزيهاً له لا تحريماً عليه.
قال الشافعي : وقد روي أن رجلاً ذا قرابة لعثمان قدم عليه فسأله عن معاشه فذكر له غلة حمام وكسب حجام أو حجامين.
فقال : إن كسبكم لوسخ - أو قال : - لدنس - أو لدنيء أو كلمة تشبهها.
قال أحمد : ويستدل بما ذكرنا من الأخبار الصحيحة في الرخصة في كسب الحجام على أن الذي روي في حديث أبي جُحيفة من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الدم.
وفي حديث رافع بن خديج من قوله صلى الله عليه وسلم : كسب الحجام خبيث.
وفي رواية : بئس المكسب ثمن الحجام.
(7/277)
أن أراد به التنزيه كما قال الشافعي رحمه الله.
5756 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن حماد بن سلمة عن عطاء الخراساني عن عبد الله بن ضمرة عن علي قال : كسب الحجام من السحت.
قال الشافعي : وليسوا يأخذون 232 أ بهذا ونحن نروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أعطى الحجام أجره ولو كان سحتاً لم يعطه إياه.
أورده فيما ألزم العراقيين في خلاف علي وإسناده غير قوي.
وقد روينا عن أبي جميلة عن علي قال : احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وأمرني فأعطيت الحجام أجره.
وهذا يوافق الأحاديث الصحيحة وهو لا يخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم.
وروينا عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاء من داء.
وفي حديث الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم منقطعاً : من احتجم يوم الأربعاء ويوم السبت فرأى وضحاً فلا يلومن إلا نفسه.
ورواه سليمان بن أرقم وهو ضعيف عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة.
وفي حديث عطاف بن خالد عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم :(7/278)
إن في الجمعة ساعة لا يحتجم فيها محتجم إلا عرض له داء لا يشفى منه.
وعطاف بن خالد ضعيف.
1227 - باب الإكتواء والإسترقاء
قال الشافعي في سنن حرملة :
أَخْبَرَنَا سفيان حدثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد عن العقار بن المغيرة بن شعبة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لم يتوكل من استرقى واكتوى.
5757 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا محمد بن علي بن عمر بن عتيق بن محمد حدثنا سفيان فذكره بإسناده.
5758 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد أخبرنا ابن أبي قماش حدثنا عمرو بن عون عن سفيان فذكره بإسناده غير أنه قال : من استرقى أو اكتوى فلم يتوكل.
قال أحمد : وهذا نظير ما روينا في الحديث الثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب .(7/279)
فقيل : من هم ؟ قال : هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون.
قال أحمد : يشبه أن يكون 232 ب هذا - والله أعلم - ترغيباً في التوكل على الله عز وجل وقطع القلوب عن الأسباب التي كانوا في الجاهلية يرجون منها الشفاء دون من جعلها أسباباً لها فإذا كان المسلم متوكلاً على الله عز وجل بقلبه لا يرجو الشفاء إلا منه ثم استعمل شيئاً من هذه الأسباب وهو يعتقد أن الله تعالى جعله شيئاً للشفاء وأنه إن لم يضع فيه الشفاء لم يصنع السبب شيئاً لم يكن به بأس.
فقد روينا في الحديث الثابت عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن كان في أدويتكم خير ففي شرطة حجام أو شربة عسل أو لذعة بنار توافق داء وما أحب أن اكتوى.
وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم : بعث إلى أُبي بن كعب طبيباً فقطع منه عرقاً ثم كواه عليه.
وعن عوف بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أعرضوا عليَّ رقاكم لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك.
وقال في حديث جابر بن عبد الله في الرقى : من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه.
(7/280)
وقال في حديث أبي هريرة : إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء.
وقال في حديث جابر : لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله.
وقالوا في حديث أُسامة بن شريك : يا رسول الله نتداوى ؟ قال : تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع دواء غير واحد وهو الهرم.
وفي حديث أبي خزامة عن أبيه أنه قال : يا رسول الله أرأيت دواء نتداوى به ورقى نسترقها واتقاء نتقيها هل يرد ذلك من قدر الله في شيء ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه من قدر الله.
5759 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو سعيد قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال سألت الشافعي عن الرقية فقال : لا بأس به أن يرقى الرجل بكتاب الله وما يعرف من ذكر الله.
قلت : أيرقى أهل الكتاب المسلمين ؟ (7/281)
فقال : نعم إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله أو ذكر الله.
فقلت : وما الحجة في ذلك ؟ فقال : غير حجة فأما رواية صاحبنا وصاحبك فإن مالكاً أخبرنا عن يحيى بن سعيد 233 أ عن عمرة بنت عبد الرحمن أن أبا بكر دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها.
فقال أبو بكر : ارقيها بكتاب الله.
قال أحمد : قد ذكرنا في كتاب السنن أسانيد ما أشرنا إليه في هذا الكتاب وما لم نشر إليه مما روي في النهي عن بعض ذلك.
وفيما ذكرنا دلالة على أنه إنما نهى عنه إذا كان فيه شرك أو استعمل شيئاً من ذلك على الوجه الذي كانوا يستعملونه في الجاهلية من إضافة الشفاء إليه دون الله عز وجل أو اكتوى قبل وقوع الحاجة إليه والله أعلم.
1228 - باب ما لا يحل أكله وما يجوز للمضطر والفأرة تقع في السمن أو الزيت
قال الشافعي رحمه الله في كتاب حرملة :
أَخْبَرَنَا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله سمع ابن عباس يخبر عن ميمونة : أن فأرة وقعت في سمن فماتت فيه فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ألقوها وما حولها وكلوه.
5760 - أخبرناه أبو طاهر الفقيه أخبرنا أبو حامد بن بلال حدثنا يحيى بن الربيع (7/282)
حدثنا سفيان فذكره بإسناده ومعناه.
رواه البخاري في الصحيح عن الحميدي عن سفيان.
ورواه حجاج بن المنهال عن سفيان وزاد فيه : وهو جامد فماتت.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذوها وما حولها فألقوه وكلوا ما بقي.
5761 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان حدثنا أحمد بن عبيد حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثنا حجاج بن المنهال فذكره.
ورواه معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن فأرة وقعت في سمن ؟ فقال : إن كان جامداً أخذت وما حولها وألقيت وإن كان ذائباً أو مائعاً لم يؤكل.
5762 - أخبرناه أبو الحسين بن الفضل أخبرنا أبو سهل بن زياد حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا عبد الواحد بن زياد أخبرنا معمر فذكره ورواه عبد الرزاق عن معمر وقال في الحديث : فإن كان مائعاً فلا تقربوه.
وعبد الواحد بن زياد أحفظ منه والله أعلم.
قال الشافعي رحمه الله في أثناء مبسوط كلامه : فدل أمره بأكل ما سواه - يعني في الجامد 233 ب على أن ما حولها ما لصق بها دون ما كان دونه حائل عن اللصوق بها . والله أعلم.
(7/283)
وأباح الشافعي رحمه الله الاستصباح بما نجس منه في موضع.
وعلق القول فيه في موضع آخر.
وقد روى عبد الجبار بن عمر - وليس بالقوي - عن ابن شهاب عن سالم عن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن فأرة وقعت في سمن فقال : ألقوها وما حولها وكلوا ما بقي.
فقيل يا نبي الله أفرأيت إن كان السمن مائعاً ؟ قال : انتفعوا به ولا تأكلوه.
5763 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ وأبو محمد بن يوسف في آخرين قالوا حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أخبرنا ابن وهب أخبرني عبد الجبار بن عمر فذكروه.
وروي من وجه آخر عن ابن جريج عن ابن شهاب وهو ضعيف.
والصحيح عن ابن عمر من قوله في فأرة وقعت في زيت قال : استصبحوا به وأدهنوا به أُدَمَكم.
وروي عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد مرفوعاً وموقوفاً والموقوف أصح.
وقد روينا في الحديث الثابت عن جابر بن عبد الله قال : قيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه يُطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس ؟ فقال : لا : هو حرام.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : قاتل الله اليهود أن الله لما حرم عليهم شحومهما جملوه ثم باعوه.
(7/284)
وروينا في حديث ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه.
ومن أباح الانتفاع بالزيت النجس فرق بينه وبين الميتة فإن نجاسة الميتة أغلظ.
واستعمل الأخبار الواردة فيها على ما وردت وبالله التوفيق.
1229 - باب ما يحل أكله من الميتة بالضرورة
5764 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : قال الله عز وجل : {وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه} {إِنَّمَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَن اضْطُرَ غَيْرَ باغٍ 234 أ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ}.
وقال في ذكر ما حرم : {فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم}.
قال الشافعي : رحمه الله (7/285)
فيحل ما حرم من الميتة والدم ولحم الخنزير وكل ما حرم مما لا يغير العقل من الخمر للمضطر.
ثم ساق الكلام في بيان المضطر إلى أن قال : وأحب إليّ أن يكون آكله إن أكل وشاربه إن شرب أو جميعهما فعلى ما يقطع عنه الخوف ويبلغ به بعض القوة ولا يبين أن يحرم عليه أن يشبع ويروى وإن أجزأه دونه لأن التحريم قد زال عنه بالضرورة.
وبسط الكلام فيه.
وقد روينا عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال : ماتت ناقة أو بغل عند رجل فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ليستفتيه فزعم جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لصاحبها : أما لكَ ما يغنيك عنها ؟ قال : لا . قال : إذهب فكلها.
5765 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد أخبرنا زياد بن الخليل أبو سهيل حدثنا مسدد وسهل بن بكار قالا : حدثنا أبو عوانة عن سماك عن جابر بن سمرة قال : مات فحل عند رجل . فذكره.
وفي حديث حسان بن عطية عن أبي واقد الليثي : أن رجلاً قال : يا رسول الله إن نكون بالأرض فتصيبنا بها المخمصة فمتى تحل لنا الميتة ؟ (7/286)
فقال : ما لم تصطبحوا.
وفي رواية : إذا لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تحتفئوا بها بقلا فشأنكم بها.
وهذا حديث منقطع لم يسمعه حسان بن عطية من أبي واقد.
إنما سمعه من أبي مرثد أو عن أبي مرثد وهو مجهول.
وقال ابن عون : رأيت عند الحسن كتب سمرة لبنيه أنه يجزي من الاضطرار أو الضرورة صبوح أو غبوق.
وروي من وجه آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا أرويت أهلك من اللبن يغبوقا فاجتنب ما نهاك الله عنه من الميتة.
وفي ثبوت هذه الأحاديث نظر.
وحديث جابر بن سمرة أصحها ، والله أعلم.
1230 - باب تحريم أكل مال الغير بغير إذنه في غير حال الضرورة
5766 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله في 234 ب مبسوط كلامه.
فإن قال قائل : ما الحجة في أن ما كان مباح الأصل يحرم بمالكه حتى (7/287)
يأذن فيه مالكه ؟ فالحجة فيه أن الله جل ثناؤه وعز قال : {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}.
وقال : {وآتوا اليتامى أموالهم}.
وقال : {وَءَاتُواْ النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}.
مع آي كثير في كتاب الله حذر فيها أكل أموال الناس إلا بطيب أنفسهم إلا بما فرض الله في كتابه ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وجاءت به حجة.
5767 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي أخبرنا مالك.
5768 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو زكريا المزكي قالا : حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبدوس حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يحتلبن أحد ماشية أحد بغير إذنه أيحب أحدكم تؤتى مشربته فتكسر خزانته فينتقل طعامه فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم فلا يحتلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه لفظ حديث القعنبي.
(7/288)
وحديث الشافعي قد سقط بعض متنه من الكتاب.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى عن مالك.
ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف عن مالك.
5769 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : وقد روي حديث لا يثبت مثله : إذا دخل الحائط فلتأكل ولا يتخذ خبنة.
وما لا يثبت لا حجة فيه.
ولبن الماشية أولى أن يكون مباحاً إن لم يثبت.
هكذا من ثمر الحائط لأن ذلك اللبن يستخلف كل يوم والذي يعرف الناس أنهم يبذلون منه ويرجون من بذله ما لا يبذلون الثمر . ولو ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قلنا به ولم نخالفه.
قال أحمد : هذا حديث رواه يحيى بن سليم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من دخل حائطاً فليأكل ولا يتخذ خبنة.
وذهب أهل العلم بالحديث إلى أنه غلط فيه.
قاله يحيى بن معين 235 أ في رواية الغلابي عنه وقاله البخاري في رواية أبي عيسى الترمذي عنه.
وإنما يروى هذا اللفظ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو محمول على حال الضرورة.
(7/289)
وكذلك ما روي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم في غير هذا الحديث مطلقاً فهو محمول على الضرورة فقد 5770 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سُئل عن الثمر المعلق فقال : من أصاب بغيه من ذي حاجة غير متخذ خُبنة فلا شيء عليه ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة ومن سرق منه شيئاً بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع.
قال أحمد : قوله : فلا شيء عليه.
يريد لا قطع عليه ولا تضعيف الغرامة والله أعلم.
وقد أباح في جواز الأكل أن يكون ذا حاجة فكذلك ما روي فيه من غير هذا الوجه مع أن شيئاً من تلك الروايات لم يخرجه صاحبا الصحيح في الصحيح وفيه ما قد وقع الإجماع على نسخه.
وحديث مالك وعبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر في المنع من الحلب من أصح الأسانيد وأثبتها فالحكم له دونه . وبالله التوفيق.
5771 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : ولو اضطر رجل فخاف الموت ثم مر بطعام لرجل لم ير بأساً أن يأكل ما يرد من جوعه ويغرم له ثمنه منه ولم أر للرجل أن يمنعه في تلك الحال فضلاً من طعام عنده.
وخفت أن يضيق ذلك عليه ويكون أعان على قتله إذا خاف عليه بالمنع القتل.
قال أحمد (7/290)
قد روينا في الحديث الثابت عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من كان عنده فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له.
وروينا في الحديث الثابت عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم : أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا 235 ب العاني - يعني - الأسير.
وروينا في حديث الحسن عن سمرة بن جندب أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبه فليستأذنه فإن أذن له فليحتلب وليشرب وإن لم يكن فيها فليصوت ثلاثاً فإن أجابه فليستأذنه وإلا فليحتلب وليشرب ولا يحمل.
واحتج أصحابنا في إيجاب الضمان بما ثبت في الأصل من تحريم مال الغير.
وأنه لو كان معه ما يشتريه به لم يلزمه بدله إلا بعوَض.
كذلك إذا أمكنه أن يأخذه بعوض في ذمته.
وفي حديث عمران بن حصين في قصة المزادتين أن النبي صلى الله عليه وسلم حين أخذ مائها ودعا فيهما بالبركة حتى لم تزددا إلا امتلاء أمر أصحابه فجاءوا من زادهم حتى ملأ لها ثوبها.
5772 - وأما ما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا أبو سلمة منصور بن سلمة الخزاعي.
5773 - وحدثنا أبو عبد الرحمن السلمي إملاءً قال أخبرنا جدي أبو عمرو (7/291)
حدثنا جعفر بن محمد بن سوار حدثنا قتيبة بن سعيد قالا : حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر قال : قلنا يا رسول الله إنك تبعثنا فننزل بقوم ولا يقروننا فما ترى في ذلك ؟ فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم : إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم.
فقد رواه البخاري في الصحيح عن قتيبة.
وهو إن كان النزول على أهل الكتاب الذين صولحوا على الضيافة مع الجزية فعليهم الوفاء بما وقع عليه الصلح.
وإن كان النزول بالمسلمين ووقعت لهم إلى الضيافة لحاجة فإنما عليهم بذلها لمن اضطر إليها تبذل كما قلنا فيمن اضطر إلى مال الغير . والله أعلم.
وهذا الحديث إنما ورد - والله أعلم - قبل حجة الوداع حين كان يبعث السرايا ثمن قال في حجة الوداع.
5774 - أخبرنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي الفوارس الحافظ ببغداد حدثنا أبو علي الصواف حدثنا محمد بن يحيى المروزي حدثنا عاصم بن علي حدثنا عاصم 236 أ بن محمد عن واقد بن محمد قال : سمعت أبي وهو يقول : قال عبد الله - وهو ابن عمر - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : ألا أي شهر تعلمونه أعظم حرمة.
قالوا : شهرنا هذا . قال : أي بلد تعلمونه أعظم حرمة ؟ قالوا : بلدنا هذا . قال : أتعلمون أي يوم أعظم ؟ (7/292)
قالوا : يومنا هذا . قال : فإن الله عز وجل حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت ثلاثاً.
كل ذلك يجيبونه : ألا نعم.
أخرجه البخاري في الصحيح عن محمد بن عبد الله عن عاصم بن علي نازلاً فيشبه - والله أعلم - أن يكون الحديث في النزول بالمسلمين في غير حال الضرورة منسوخاً بهذا الحديث وغيره في تحريم مال الغير.
أو يكون المراد به النزول بالمعاهدين دون المسلمين بدليل هذا الحديث وما ورد في معناه . والله أعلم.
قال الشافعي : وقد قيل أن من الضرورة وجه ثان : أن يمرض الرجل المرض فيقول له أهل العلم به أو يكون هو من أهل العلم به : قل ما يبرأ من كان به مثل هذا إلا بأكل كذا أو بشربه.
أو يقال له : إن أعجل ما يبرئك أكل كذا أو شرب كذا فيكون له أكل ذلك وشربه ما لم يكن خمراً إذا بلغ ذلك ما أسكرته أو شيئاً يذهب العقل من المحرمات أو غيرها.
فإذا إذهاب العقل محرم.
وذهاب العقل يمنع الفرائض ويؤدي إلى إتيان المحارم.
قال : ومن قال هذا . قال : أمرني النبي صلى الله عليه وسلم الأعراب أن يشربوا ألبان الإبل وأبوالها.
وقد يذهب الوباء بغير ألبانها وأبوالها إلا أنه أقرب ما هناك أن يذهب عن الأعراب لإصلاحه لأبدانهم.
قال أحمد (7/293)
قد مضى حديث العرنيين في كتاب السير.
5775 - وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن سماك عن علقمة بن وائل عن أبيه ذكر أن طارق بن سويد أو سويد بن طارق سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه ثم سأله فنهاه فقال له : يا نبي الله إنها دواء . 236 ب قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا ولكنها داء.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث غندر عن شعبة.
وروينا عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام.
وهو محمول على حرام يذهب العقل أو على استعماله وهو غير محتاج إليه فإن احتاج إلى ما لا يزيل العقل جاز بدليل ما روينا في حديث العرنيين . والله أعلم.
قال أحمد : وروينا في الخبر عن ابن عمر قال : أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بِجُبْنَةِ في تبوك فدعا بسكين فسمى وقطع.
وروينا عن عمر ، وابن عمر ، وابن مسعود : كلوا من الجبن ما صنع المسلمون وأهل الكتاب.
وأما الطين الذي يؤكل فقد روي في النهي عن أكله أخبار لم يثبت شيء منها.
قال ابن المبارك (7/294)
لو علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله لحملته على الرأس والعين والسمع والطاعة.
1231 - باب ما حرم على بني إسرائيل
5776 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى : {كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه}.
الآية.
وقال : {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم}.
يعني - والله أعلم - طيبات كانت أحلت لهم.
وقال : {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون}.
قال الشافعي : الحوايا : ما حوى الطعام والشراب في البطن . فلم يزل ما حرم الله عز وجل على بني إسرائيل - اليهود خاصة وغيرهم عامة - محرماً من حين حرمه حتى بعث الله عز وجل محمداً صلى الله عليه وسلم ففرض الإيمان به وأمر باتباع نبي الله صلى الله عليه وسلم وطاعة أمره.
وبسط الكلام في هذا إلى أن تلا قوله عز وجل (7/295)
{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ 237 أ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}.
فقيل : - والله أعلم - أوزارهم وما منعوا بما أحدثوا قبل ما شرع من دين محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : وأحل الله جل وعز طعام أهل الكتاب فكان ذلك عند أهل التفسير ذبائحهم.
ولم يستثن منها شيئاً.
فلا يجوز أن تحل ذبيحة كتابي وفي الذبيحة حرام على كل مسلم مما كان حرم على أهل الكتاب قبل محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : لأن الله جل وعز أباح ما ذكر عامة لا خاصة.
قال أحمد : وحديث عبد الله بن مغفل في الشحم الذي وجدوه بخيبر دليل على إباحته.
1232 - باب ما حرم المشركون على أنفسهم
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد : حرم المشركون على أنفسهم من أموالهم أشياء أبان الله عز وجل أنها ليست حراماً بتحريمهم وقد ذكرت بعض ما ذكر الله تعالى منها : وذلك مثل البحيرة (7/296)
والسائبة والوصيلة والحام كانوا يتركونها في الإبل والغنم كالعتق.
فقال الله جل وعز : {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام}.
وقال : {قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين}.
وذكر الشافعي سائر الآيات التي وردت في ذكر ما حرموا من الأنعام والحرث ثم قال : فأعلمهم أنه لا يحرم عليهم بما حرموا.
قال : ويقال : نزل فيهم : {قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم}.
فرد إليهم ما أخرجوا من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وأعلمهم أنه لم يحرم عليهم ما حرموا بتحريمهم.
وذكر غير ذلك من الآيات التي وردت في معناه.
وبالله التوفيق.
واحتج الشافعي رحمه الله في سنن حرملة في إباحته طعام أهل الكتاب يقول الله عز وجل : {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم}.
(7/297)
قال : فاحتمل ذلك الذبائح وما سواها من طعامهم الذي لم ينصب محرماً علينا.
واحتج فيما يغيبون على صنعته من طعامهم : بأن يهودية أهدت له شاة محنوذة سمتها في ذراعها فأكل منها هو وقال رسول الله 237 ب صلى الله عليه وسلم : ما زالت الأكلة التي أكلت من الشاة تعاودني حتى كان هذا أوان قطع أبهري.
وهذا اللفظ فيما روينا عن عروة عن عائشة وإهداء اليهودية الشاة وأكله منها فيما روينا عن هشام بن زيد عن أنس بن مالك.
5777 - وأخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى القاضي حدثنا أبو حذيفة حدثنا سفيان عن برد عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال : كنا نغروا فنأكل من أوعية المشركين ونشرب من أسقيتهم.
(7/298)
44 - كتاب السبق والرمي
قال الشافعي رحمه الله : قال الله عز وجل فيما ندب به أهل دينه : {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} فزعم أهل العلم بالتفسير.
أن القوة هي الرمي.
قال أحمد : وهذا التفسير فيما 5778 - أخبرناه طلحة بن علي بن الصقر البغدادي - بها - حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي قال حدثني أبو بكر محمد بن خالد الآجري حدثنا هارون بن معروف حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن أبي علي ثمامة أنه سمع عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}.
ألا إن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي.
(7/299)
رواه مسلم عن هارون بن معروف.
5779 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن نافع بن أبي نافع عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا سبق إلا في نصل أو حافر أو خف.
5780 - وبهذا الإسناد قال أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن عباد بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا سبق إلا في حافر أو خف.
قال أحمد : ورواه عبد الرحمن بن شيبة عن ابن أبي فديك بإسناده هذا وقال : إلا في نصل أو حافر أو خف.
كما روينا في الحديث الأول.
5781 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر 238 أ وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي قد أضمرت.
(7/300)
5782 - وأخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي قد أضمرت من الحَفْيَاء فكان أمدها ثنية الوداع وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق.
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث مالك.
5783 - أخبرنا أبو إسحاق أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان أخبرنا إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر قال : سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الخيل فأرسل ما أضمر منها من الحفياء إلى ثنية الوداع وما لم يضمر منها من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق.
أخرجه مسلم من حديث ابن عيينة.
5784 - وبإسناده قال حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال : كانت ناقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تسمى العضباء فكانت لا تسبق فجاء أعرابي على قاعود له فسبقها فاشتد ذلك على المسلمين فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في وجوههم وقالوا له : يا رسول الله سبقت العضباء.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حق على الله أن لا يرفع في الدنيا شيئاً إلا وضعه.
أخرجه البخاري في الصحيح من أوجه عن حميد.
وروينا في الحديث الثابت عن سلمة بن الأكوع قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم من أسلم يتناضلون بالسوق فقال (7/301)
ارموا يا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً وأنا من بني فلان.
لأحد الفريقين فأمسكوا أيديهم قال : ما لكم ارموا.
قالوا : وكيف نرمي وأنت مع بني فُلان ؟ قال : ارموا وأنا معكم كلكم.
وروي من وجه آخر في هذا الحديث قال : فرموا عامة يومهم ثم تفرقوا على السواء ما نضل بعضهم بعضاً.
قال الشافعي :
أَخْبَرَنَا 238 ب ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب قال : مضت السُنة في النصل والإبل والخيل والدواب حلال.
وهذا أظنه فيما 5785 - أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس عن الربيع عن الشافعي.
5786 - أخبرنا أبو إسحاق أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : سابقت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقال : هذه بتلك.
كذا رواه ابن عيينة عن هشام وخالفه أبو أسامة فرواه عن هشام عن رجل عن أبي سلمة عن عائشة.
(7/302)
5787 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى حدثنا مسدد حدثنا حصين بن نمير حدثنا سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أدخل فرساً بين فرسين ولا يأمن أن يسبق فليس بقمار ومن أدخل فرساً بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار.
رواه أبو داود عن مسدد عن حصين.
وعن علي بن مسلم عن عباد بن العوام كلاهما عن سفيان بن حسين.
5788 - وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا محمود بن خالد حدثنا الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير عن الزهري بإسناد عباد ومعناه.
وروينا عن سعيد بن المسيب أنه قال : ليس برهان الخيل بأس إذا أدخل فيها محلل فإن سَبق أخذ السبق وإن سُبق لم يكن عليه شيء.
ورواه أبو الزناد عن أصحابه.
قال الشافعي في أثناء مبسوط كلامه.
وذلك أن يريدا أن يخرجا سبقين من عند أحدهما ولا يجوز حتى يدخلا بينهما محللاً.
والمحلل : فرس أو أكثر.
ولا يجوز حتى يكون كفئاً للفرسين لا يأمنا أن يسبقهما المحلل فإن سبقهما (7/303)
المحلل كان ما أخرجا جميعاً وإن سبق أحدهما المحلل أحرز السابق ماله وأخذ مال صاحبه وإن أتيا مستويين لم يأخذ واحد منهما من صاحبه شيئاً وإن سبق أحد الفارسين 239 أ صاحبه فإن سبقه صاحبه كان له السبق وإن سبق صاحبه لم يغرم صاحبه شيئاً وأحرز هو ماله.
فهذا أحد وجوه الاستباق.
والثالث : سبق يعطيه الوالي أو الرجل غير الوالي من ماله متطوعاً به فيجعله للسابق.
وإن شاء جعل للمصلي والثالث والرابع ومن يليه بقدر منا يرى فما جعل لهم كان لهم على ما جعل لهم.
(7/304)
بسم الله الرحمن الرحيم 45 - كتاب الأيمان والنذور
5789 - أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان قال قال الشافعي رحمه الله : من حلف بالله أو باسم من أسماء الله فحنث فعليه الكفارة ومن حلف بشيء غير الله مثل أن يقول الرجل : والكعبة . وأبي وكذا . وكذا . ما كان فحنث فلا كفارة عليه ومثل ذلك قوله : لعمري.
قال : وكل يمين بغير الله فهي مكروهة منهي عنها من قبل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليسكت.
قال الشافعي في كتاب حرملة :
أَخْبَرَنَا سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أمية عن نافع سمع ابن عمر يقول (7/305)
أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر في بعض أسفاره وهو يقول : وأمي وأبي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت.
5790 - أخبرناه أبو طاهر الفقيه أخبرنا أبو حامد بن بلال حدثنا يحيى بن الربيع حدثنا سفيان فذكره بإسناده مثله إلا أنه قال : عن ابن عمر قال : أدرك.
رواه مسلم في الصحيح عن ابن أبي عمير عن سفيان.
5791 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان حدثنا الزهري أخبرني سالم بن عبد الله عن أبيه قال : سمع النبي صلى الله عليه وسلم عمر يحلف بأبيه فقال : ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم.
فقال عمر : والله ما حلفت بها 239 ب بعد ذاكراً ولا آثراً.
أخرجاه في الصحيح من حديث ابن عيينة.
ورويناه في الحديث الثابت عن أيوب عن أبي قلابة عن ثابت بن الضحاك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من حلف بملة غير الإسلام كاذباً فهو كما قال ومن قتل نفسه بشيء عذب به في نار جهنم ولعن المؤمن كقتله ومن رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله.
(7/306)
5792 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن هانئ حدثنا السري بن خزيمة حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا أيوب فذكره.
رواه البخاري في الصحيح عن موسى بن إسماعيل.
وأخرجه مسلم من وجه آخر عن أبي قلابة.
وروينا عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم : من حلف أنه بريء من الإسلام فإن كان صادقاً لم يرجع إلى الإسلام سالماً وإن كان كاذباً فهو كما قال . ومن حلف بالأمانة فليس منا.
وروينا عن الحسن وقتادة فيمن حلف باليهودية أو النصرانية ثم حنث : ليس عليه كفارة.
والحديث الذي روي عن سليمان بن أبي داود بإسناده مرفوعاً فيه كفارة يمين لا يصح ولا أصل له من حديث الزهري ولا غيره.
وسليمان بن أبي داود الحراني متروك.
1233 - باب من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها
5793 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فواسع له واختار أن يأتي الذي هو خير ويكفّر عن يمينه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : من حلف على يمين فرأى خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه.
(7/307)
5794 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا الأسفاطي - يعني العباس بن الفضل - حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثنا عبد العزيز بن المطلب حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال رسول الله 240 أ صلى الله عليه وسلم : من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه.
رواه مسلم في الصحيح عن زهير بن حرب عن إسماعيل بن أبي أويس وأخرجاه من حديث عبد الرحمن بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الذي روي في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً في هذا الحديث : وليأت الذي هو خير فإن تركها كفارتها.
وفي حديث يحيى بن عبيد الله عن أبيه عن أبي هريرة : فأتى الذي هو خير فهو كفارته.
فإن ذلك لم يثبت.
5795 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة قال أبو داود : الأحاديث كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم : وليكفر عن يمينه إلا ما لا يُعْبأ به.
قال أبو داود : قال أحمد بن حنبل : أحاديث يحيى بن عبيد الله مناكير وأبوه لا يعرف.
(7/308)
1234 - باب اليمين الغموس
5796 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : ومن حلف عامداً الكذب فقال : والله لقد كان كذا وكذا ولم يكن كفر وأثم وأساء حيث عمد الحلف بالله باطلاً.
فإن قال قائل وما الحجة في أن يكفر وقد عمد الباطل ؟ قيل : أمر بها قول النبي صلى الله عليه وسلم : فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه.
فقد أمره أن يعمد الحنث.
وقول الله تعالى : {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى}.
نزلت في رجل حلف أن لا ينفع رجلاً فأمره الله أن ينفعه.
وقول الله عز وجل : {وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا}.
ثم جعل فيه الكفارة.
وذكر الآية في تحريم قتل الصيد وما جعل الله تعالى فيه من الكفارة من باب لغو اليمين.
قال أحمد : أما الحديث الأول 5797 - فأخبرناه أبو طاهر الفقيه أخبرنا أبو حامد بن بلال حدثنا أبو الأزهر (7/309)
0 @حدثنا وهب بن جرير عن هشام عن الحسن.
5798 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر أحمد بن 240 ب كامل القاضي حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري وأشهل بن حاتم قالا : حدثنا ابن عون عن الحسن بن أبي الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تسأل الإمارة فإنك إن أُعطيتها عن مسئلة وكلت إليها وإن أُعطيتها عن غير مسئلة أُعنت عليها وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك.
لفظهما سواء.
أخرجه البخاري في الصحيح من حديث ابن عون وذكر رواية أشهل.
وأخرجاه من حديث هشام بن حسان وغيره عن الحسن.
وأما الحديث الآخر 5799 - فأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد حدثنا عبيد بن شريك حدثنا ابن أبي مريم حدثنا ابن أبي الزناد حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان أبو بكر يعول مسطح بن أثاثة فلما قال في عائشة ما قال أقسم بالله أبو بكر أن لا ينفعه أبداً فلما أنزل الله : {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى} الآية.
قال أبو بكر : بلى والله إني أحب أن يغفر الله لي.
فرد على مسطح وكفر عن يمينه.
(7/310)
1 @قال أحمد : وحديث عطاء بن السائب فيمن حلف بالله الذي لا إله إلا هو فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بلى فقد فعلت ولكن قد غفر لك بإخلاصك لا إله إلا الله.
حديث مختلف في إسناده عن عطاء فقيل عنه عن أبي يحيى عن ابن عباس.
وقيل : عنه عن أبي البحتري عن عبيدة عن ابن الزبير.
وحديث ثابت عن أنس في هذا المعنى مختلف في إسناده فرواه عنه أبو قدامة هكذا.
ورواه حماد بن سلمة عن ثابت عن ابن عمر.
وقد روي عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم منقطعاً.
فالله أعلم.
1235 - باب الحلف بصفات الله جل وعز
5800 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : وإن قال لعمرو الله فإن أراد اليمين فهو يمين فإن قال وحق الله وعظمة الله 241 أ وجلال الله وقدرة الله يريد بهذا كله اليمين أو لا نية له فهي يمين.
قال أحمد : روينا في الحديث الثابت عن عائشة في قصة الإفك قول سعد بن عبادة : كذبت لعمرو الله لا تقتله ولا تقدر على قتله.
وقول أسيد بن حضير.
كذبت لعمرو الله لنقتلنه.
(7/311)
2 @وكان ذلك بمشهد النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يغمس في الجنة فيقال له : هل رأيت بؤساً قط فيقول : لا وعزتك وجلالك.
وفي حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الشفاعة قال : فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله . فيقول : ليس ذلك إليك ولكني وعزتي وكبريائي وعظمتي وجلالي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله.
وفي حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الاستخارة : اللهم إني أستخيرك بعلمك واستقدرك بقدرتك.
وفي حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : أعوذ بعزتك.
وفي حديث خولة بنت حكيم عن النبي صلى الله عليه وسلم : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.
وفي حديث أبي مسعود أنه دخل على حذيفة فقال : أعهد إليّ فقال : ألم يأتك اليقين ؟ فقال : بلى وعزت ربي.
وسئل ابن عمر عن الخمر فقال : لا وسمع الله لا يحل بيعها ولا ابتياعها.
(7/312)
3 @وروينا عن عبد الله بن مسعود أنه سمع رجلاً يحلف بسورة البقرة فقال : أتراه مكفراً عليه بكل آية يمين.
وروينا عن الحسن البصري عن النبي صلى الله عليه وسلم : من حلف بسورة من القرآن فعليه بكل آية كفارة إن شاء بر وإن شاء فجر.
وعن مجاهد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
ففي هذين المرسلين مع قول عبد الله بن مسعود دلالة على أن الحلف بها يكون يميناً في الجملة وإنما ترك القول بما فيه التغليظ استدلالاً بقوله جل وعز : {فكفارته إطعام عشرة مساكين}.
ولم يفرق بين أن يكون يمينه بالقرآن أو بغيره من أسماء الله وصفاته 241 ب وقول النبي صلى الله عليه وسلم : فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه.
والظاهر أنه أمر بعد الحنث بكفارة واحدة فلم يجب قبله ولم يجب أكثر من واحدة ، والله أعلم.
وإنما قدم هذا الخبر عليه لثبوته وصحة أسانيده وذهاب أكثر أهل العلم إلى القول به دون ما قيل قبله من التغليظ والله أعلم.
5801 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الفضل بن أبي نصر حدثني حمد بن عمرو المعدل حدثنا محمد بن عبد الله بن فورش عن علي بن سهل الرملي قال سألت محمد بن إدريس الشافعي عن القرآن فقال : كلام الله غير مخلوق.
(7/313)
4 @ورواه الربيع عن أبي الأشعث المصري عن الشافعي.
وروينا في الحديث الثابت عن ابن عمر في قصة أسامة بن زيد قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه زيد بن حارثة.
وأيم الله إن كان لخليقاً بالإمارة.
وفي الحديث الثابت عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة سليمان بن داود عليه السلام : وأيم الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله.
وروينا في حديث قتادة قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم : لاها الله إذاً.
وروينا عن عطاء بن أبي رباح أنه قال : إذا أقسمت فليس بشيء حتى تقول : أقسمت بالله.
ورواه رشد بن كريب عن أبيه عن ابن عباس في قوله : أقسم وأشهد لا يكون يميناً حتى يقول بالله.
وروي ذلك عن الحسن البصري رحمة الله عليه.
1236 - باب من قال عليّ نذر ولم يسم شيئاً
قال الشافعي رحمه الله (7/314)
5 @فلا نذر ولا كفارة . وبسط الكلام في حجته.
وقد روينا عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من نذر نذراً لم يسمه فكفارته كفارة يمين.
واختلفوا في رفعه.
وروي ذلك عن علية بن عامر مرفوعاً.
والرواية الصحيحة عن عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : كفارة النذر كفارة اليمين.
وهو عند جماعة من أهل العلم 242 أ محمول على نذر اللجاج الذي يخرج مخرج الإيمان ، والله أعلم.
1237 - باب الاستثناء في اليمين
5802 - أخبرنا أبو إسحاق الفقيه أخبرنا شافع بن محمد أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني يقول قرأت على الشافعي عن سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من حلف يمين فقال إن شاء الله فقد استثنى.
(7/315)
6 @ورواه وهيب بن خالد وعبد الوارث وحماد بن سلمة وابن علية عن أيوب مرفوعاً.
ثم شك أيوب في رفعه فتركه.
قال حماد بن زيد.
ورواه مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر موقوفاً.
من قال : والله ثم قال إن شاء الله فلم يفعل الذي حلف عليه لم يحنث.
ورواه موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر كذلك موقوفاً.
وقال فيه : ثم وصل الكلام بالاستثناء.
وفي رواية فقال : في إثر يمينه إن شاء الله.
وروي عن سالم عن ابن عمر قال : كل استثناء موصول فلا حنث على صاحبه وإن كان غير موصول فهو حانث.
1238 - باب لغو اليمين
5803 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : لغو اليمين قول الإنسان : لا والله بلى والله.
وفي رواية أبي سعيد قال (7/316)
7 @قلت للشافعي : ما لغو اليمين ؟ قال : الله أعلم.
أما الذي نذهب إليه فما قالت عائشة ثم ذكر الحديث.
ثم قال اللغو في لسان العرب : الكلام غير المعقود عليه فيه وجماع اللغو أن يكون الخطأ.
وبسط الكلام فيه إلى أن قال : وكانت عائشة أولى أن تتبع لأنها أعلم باللسان مع علمها بالفقه.
5804 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان حدثنا عمرو وابن جريج عن عطاء قال : ذهبت أنا وعبيد بن عمير إلى عائشة وهي معتكفة في ثبير فسألناها عن قول الله 242 ب عز وجل : {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}.
قالت : هو حلف لا والله وبلى والله.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد : اللغو اليمين كما قالت عائشة - والله أعلم -.
قول الرجل : لا والله وبلى والله وذلك إذا كان على اللجاج والغضب والعجلة لا يعقد على ما حلف عليه.
وعقد اليمين أن يثبتها على الشيء بعينه.
وبسط الكلام فيه.
قال أحمد : حديث هشام بن عروة قد أخرجه البخاري في الصحيح كذلك موقوفاً.
(7/317)
8 @وحديث عطاء عن عائشة قد روي عن إبراهيم الصائغ عنه مرفوعاً وروي عنه موقوفاً.
والصحيح موقوف كذلك رواه الجماعة عن عطاء عن عائشة.
وروي عن ابن عباس مثل قول عائشة.
5805 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال قال أبو علي الماسرجسي فيما أخبرت عنه عن محمد بن سفيان عن يونس بن عبد الأعلى قال قال الشافعي : {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}.
ليس فيه إلا قول عائشة حلف الرجل على الشيء بسبقته ثم يجده على غير ذلك.
قال أحمد : هكذا وجدته في رواية يونس : وكذلك رواه عمر بن قيس عن عطاء عن عائشة في هذه الآية قالت : حلف الرجل على علمه ثم لا يجده على ذلك فليس فيه كفارة . وعمر بن قيس ضعيف.
ورواية الثقات عن عطاء كما مضى.
ورواه ابن وهب عن الثقة عنده عن الزهري عن عروة عن عائشة.
وهو مجهول.
ورواية هشام بن عروة عن أبيه على ما مضى وتلك الرواية أصح.
ونص الشافعي في رواية الربيع على وجوب الكفارة فيه.
ونحن قد رويناه صحيحاً عن الحسن ومجاهد ، والله أعلم.
(7/318)
9 @ 1239 - باب الكفارة قبل الحنث
5806 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : ومن حلف بالله على شيء فأراد أن يحنث فأحب إليّ لو لم يكفر حتى يحنث وإن كفر قبل الحنث بإطعام رجوت أن يجزي عنه وإن كفر بصوم قبل الحنث 243 أ لم يجز عنه.
وذلك أنّا نزعم أن الله حقاً على العباد في أنفسهم وأموالهم فالحق الذي في أموالهم إذا قدموه قبل محله أجزأ وأصل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم تسلف من العباس صدقة عام قبل أن يدخل.
وأن المسلمين قد قدموا صدقة الفطر قبل أن يكون الفطر.
فجعلنا الحقوق التي في الأموال قياساً على هذا.
فأما الأعمال التي على البدن فلا تجزي إلا بعد مواقيتها كالصلاة والصوم.
قال أحمد : هذا هو الأصل الذي اعتمد عليه الشافعي في هذا وقد 5807 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن عتاب العبدي ببغداد حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى القاضي حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا جرير بن حازم قال : سمعت الحسن حدثنا عبد الرحمن بن سمرة قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5808 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا جرير بن حازم حدثنا الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسئلة وكلت (7/319)
إليها وإن أعطيت عن غير مسئلة أعنت عليها وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير.
لفظ حديثهما سواء.
رواه مسلم في الصحيح عن شيبان بن فروخ.
ورواه البخاري عن أبي النعمان وغيره عن جرير.
وكذلك رواه سليمان وقرة بن خالد ويزيد بن إبراهيم عن الحسن.
وكذلك رواه عبد الله بن بكر عن هشام بن حسان عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة.
وكذلك رواه حماد بن سلمة عن يونس وحميد وثابت وحبيب عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة.
ورواه قتادة عن الحسن عن عبد الرحمن أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال له : فذكره وقال : تكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير.
ورواه هشيم عن منصور بن زاذان وحميد ويونس.
243 ب ورواه حماد بن زيد عن سماك بن عطية ويونس بن عبيد وهشام كلهم عن الحسن نحو رواية ابن عون عن الحسن : فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك.
واختلف فيه أيضاً عن سهيل بن أبي صالح عن أبي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : فرواه عنه عبد العزيز بن المطلب كما مضى.
وكذلك رواه أبو حازم عن أبي هريرة.
(7/320)
ورواه مالك وسليمان بن بلال عن سهيل : فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير.
ورواه أبو ثور عن الشافعي عن مالك.
5809 - أنبأني أبو عبد الله إجازة أن أبا الوليد الفقيه حدثهم قال : حدثنا محمد بن صالح بن ذريح العكبري قال حدثنا أبو ثور إبراهيم بن خالد حدثنا أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي حدثنا مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير.
5810 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو محمد يحيى بن منصور القاضي حدثنا أبو عمرو بن المبارك المستملي حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حماد بن زيد عن غيلان بن جرير عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من الأشعريين أستحمله فقال : والله لا أحملكم وما عندي ما أحملكم.
ثم لبثنا ما شاء الله فأُتي بإبل فأمر لنا بثلاثة ذود فلما انطلقنا قال بعضها لبعض : لا يبارك الله لنا أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نستحمله فحلف لا يحملنا فحملنا.
قال أبو موسى : فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له فقال : ما أنا حملتكم بل الله حملكم إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى خيراً منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير.
5811 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو العباس المحبوبي حدثنا سعيد بن مسعود حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا حماد بن زيد فذكره بإسناده ومعناه مختصراً إلا أنه قال (7/321)
فأعطانا ثلاثة ذود عز الذُرى.
رواه البخاري ومسلم 244 أ في الصحيح عن قتيبة.
وكذلك رواه جماعة عن حماد.
ورواه سليمان بن حرب في جماعة عن حماد بالشك.
ورواه حماد أيضاً عن أيوب عن أبي قلابة عن زهدم وعن القاسم الكليني عن زهدم عن أبي موسى واختلف عليه فيه.
ورواه عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال : فليكفرها وليأت الذي هو خير.
قال أبو داود في السجستاني : روي حديث كل واحد منهم ما دل على الحنث قبل الكفارة وبعضها ما دل على الكفارة بعد الحنث وأكثرها فليكفر يمينه وليأت الذي هو خير.
5812 - أخبرنا بذلك أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة عن أبي داود.
وروينا عن نافع عن ابن عمر أنه كان ريما كفر يمينه قبل أن يحنث وربما كفر بعد ما يحنث.
1240 - باب الإطعام في كفارة اليمين أو الكسوة أو تحرير رقبة
5813 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : ويجزي في كفارة اليمين مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم من حنطة وإن كان أهل بلد يقتاتون الذرة أو الأرز أو التمر أو الزبيب أجزأ من كل واحد من ذا مد.
(7/322)
وإنما قلنا يجزي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتي بعرق تمر فدفعه إلى رجل وأمره أن يطعمه ستين مسكيناً.
والعرق فيما يقدر خمسة عشر صاعاً وذلك ستون مداً لكل مسكين مد.
قال أحمد : قد روينا هذا في حديث الأوزاعي عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة المجامع قال : فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق وفيه تمر خمسة عشر صاعاً . قال : خذ فتصدق به.
وقيل فيه : عن الزهري عن عمرو بن شعيب في تقديره بخمس عشر صاعاً.
وأما حديث سعيد بن المسيب حيث قال فيه : خمسة عشر صاعاً أو عشرين صاعاً.
فقد قال الشافعي رحمه الله : أكثر ما قال سعيد بن المسيب : مد وربع أو مد وثلث.
وإنما هذا شك أدخله ابن المسيب والعرق كما وصفت 244 ب كان يقدر على خمسة عشر صاعاً.
قال أحمد : هذا الشك يشبه أن يكون من جهة راويه عن ابن المسيب - وهو عطاء الخراساني - وليس بالقوي في الحديث.
وقد رواه طلق بن حبيب وإبراهيم بن عامر عن ابن المسيب خمسة عشر صاعاً من غير شك.
(7/323)
قال الشافعي : وليس له إذا كفر بالطعام - يعني كفارة اليمين - أن يطعم أقل من عشرة.
قال : وأقل ما يكفي من الكسوة كل ما وقع عليه اسم كسوة من عمامة أو سراويل أو إزار أو مقنعة وغير ذلك.
قال : وإذا أعتق في كفارة اليمين لم يجزه إلا رقبة مؤمنة.
ويجزي ولد الزنا وكل ذي نقص بعيب لا يضر بالعمل إضراراً بيناً.
وبسط الكلام في شرح هذه الأصناف الثلاثة.
5814 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال : من حلف على يمين فوكدها فعليه عتق رقبة.
أورده فيما ألزم أصحاب مالك في خلاف ابن عمر وقد 5815 - أخبرنا أبو زكريا أخبرنا أبو الحسن بن عبدوس حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول : من حلف بيمين فوكدها ثم حنث فعليه عتق رقبة أو كسوة عشرة مساكين ومن حلف بيمين فلم يؤكدها فحنث فعليه إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد من حنطة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.
قال أحمد : وظاهر الكتاب يدل على التخيير بين الإطعام والكسوة والإعتقاق في جميع ذلك.
وفي حديث علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال في آية كفارة اليمين : هو بالخيار في هؤلاء الثلاث الأول فإن لم يجد شيئاً من ذلك فصيام ثلاثة أيام متتابعات.
5816 - أخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار حدثنا(7/324)
الحسن بن علي بن عفان حدثنا ابن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا كفر يمينه أطعم عشرة مساكين لكل مسكين مد.
وهذا بالمد الأول.
وروينا عن زيد بن ثابت أنه قال في كفارة اليمين : مد من حنطة لكل مسكين.
وروينا 245 أ عن ابن عباس أنه قال : لكل مسكين مد من حنطة رَيْعُهُ ادَامُه.
وروينا عن أبي هريرة أنه قال : ثلاثة أشياء فيهن مد : مد في كفارة اليمين . وكفارة الظهار . وفدية طعام مسكين.
قال أحمد : يريد بها فدية الحامل والمرضع والشيخ الكبير.
وأما فدية الأذى في الإحرام : فهي نصف صاع لكل مسكين فبذلك ورد خبر كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فنقول فيها بما ورد فيه الخبر.
وكذلك فيما كان في معناها.
ونقول بخبر أبي هريرة في قصة المواقع في شهر رمضان فيما ورد فيه كفارة الجماع وكذلك ما كان في معناها ولا نترك بحمد الله ونعمته أحد الحديثين بل نقول بهما جميعاً . وبالله التوفيق.
وأما الذي روي عن يسار بن نمير عن عمر بن الخطاب : أني أحلف أن لا أعطي أقواماً ثم يبدو لي فإذا رأيتني قد فعلت ذلك فأطعم عني عشرة مساكين بين كل مسكين صاعاً من بر أو صاعاً من تمر.
(7/325)
فيحتمل أن يكون استحب أن يعطي أكثر ما ورد في الكفارات وإن كان يجزي في اليمين أقل منه والله أعلم.
قال الشافعي في كتاب الأيمان المسموع من أبي سعيد بإسناده : كل من وجب عليه صوم ليس بمشروطاً عليه في كتاب الله أن يكون متتابعاً أجزأه أن يكون متفرقاً قياساً على قول الله تبارك وتعالى في قضاء رمضان : {فعدة من أيام أخر}.
والعدة : أن يأتي بعدد صوم لا ولاء.
وقال في كتاب الصيام الكبير : وصوم كفارة اليمين متتابع والله أعلم.
قال أحمد : قد روينا عن أُبي بن كعب أنه كان يقرأ : فصيام ثلاثة أيام متتابعات.
وروي أيضاً عن ابن مسعود.
والرواية عنهما وقعت مرسلة . والله أعلم.
1241 - باب يمين المكره والناسي وحنثهما
5817 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : أصل ما أذهب إليه أن يمين المكره غير ثابتة عليه لما احتججت من الكتاب والسنة.
أما الكتاب : 245 ب فأحتج منه بقوله عز وجل (7/326)
{من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}.
قال الشافعي : وكان المعنى الذي عقلنا أن قول المكره كما لم يقل في الحكم.
وأما السنة : فلعله أراد ما روينا عن عطاء عن أبي رباح عن عبيد بن عمير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : تجاوز الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.
قال الشافعي : وقول عطاء : أنه يطرح عن الناس الخطأ والنسيان وقال في موضع آخر من هذا الكتاب فيمن حلف أن لا يكلم فلاناً فمر عليه فسلم وهو عامد السلام عليه وهو لا يعرفه ففيها قولان : فأما قول عطاء فلا يحنث لأنه يذهب إلى أن الله عز وجل وضع عن الأمة الخطأ والنسيان.
وفي قول غيره يحنث.
قال أحمد : وروينا عن عباد بن صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
إنما اليمين على نية المستحلف.
وفي رواية أخرى : يمينك على ما يصدقك به صاحبك.
(7/327)
وهذا في الأيمان التي تكون في الحكومات عند الحكام.
قال أحمد : روينا عن ابن عباس أنه قال في الحين : قد يكون غدوة وعشية.
وعن عليّ قال : ستة أشهر.
وعن عكرمة في قوله : {هل أتى على الإنسان حين من الدهر}.
ما يدري كم أتى منذ خلقه الله.
وفي قوله : {تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها}.
ما بين صرام النخل إلى وقت ثمرها.
وعن قتادة في قوله : {ولتعلمن نبأه بعد حين}.
قال : بعد الموت.
{وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين}.
ثلاثة أيام.
وفي قوله (7/328)
( تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا}.
قال : سبعة أشهر . وقال مرة : ستة أشهر.
وعن الحسن قال : ما بين ستة أشهر والسبعة.
وعن ابن المسيب قال : شهرين . وقال مرة : ستة أشهر.
وقال ربيعة : سَنة.
وفي كل ذلك دلالة على أن الحين لا حد له.
قال الشافعي : ليس في الحين وقت معلوم وذلك أن الحين قد يكون مدة الدنيا كلها وما هو أقل 246 أ منها إلى يوم القيامة.
والفُتيا لمن قال هذا أن يقال له : إنما حلفت على ما لا نعلم ولا نعلمك مصيرك إلى علمنا والورع لك أن تقضيه قبل انقضاء يوم ولا نحنشك أبداً.
5818 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيمن قال والله لأقضين حقك إلى حين . فذكره قال 5819 - وبهذا الإسناد قال قال الشافعي : وإذا حلف الرجل ما له مال وله عرض أو دين أو هما حنث لأن هذا مال إلا أن يكون نوى شيئاً.
قال أحمد : وقد روينا عن سويد بن هبيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : خير مال المرء مهره مأمورة أو سكة مأبورة.
(7/329)
وروينا عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذ كسرة من خبز شعير فوضع عليها تمرة وقال : هذه إدام هذه وأكلها.
وفي هذا دلالة على أنه قد يكون ما لا يصطبغ فيه إذا سمي في العادة إدما.
1242 - باب من جعل شيئاً من ماله صدقة أو في سبيل الله
5820 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله فيمن قال مالي هذا في سبيل الله أو داري هذه في سبيل الله أو غير ذلك مما يملك صدقة أو في سبيل الله : إذا كان على معاني الأيمان فالذي يذهب إليه عطاء أنه يجزيه من ذلك كفارة يمين.
ومن قال هذا القول قاله في كل ما حنث فيه سواء عتق أو طلاق.
وكان مذهب عائشة والقياس ومذهب عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . والله أعلم.
5821 - أخبرنا أبو بكر بن الحسن وأبو زكريا بن أبي إسحاق قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا ابن عبد الحكم أخبرني عبد الله بن عمر عن منصور بن عبد الرحمن الحجبي عن أمه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها سُئلت عن إمرأة جعلت مالها في رتاج الكعبة فقالت عائشة : يمين يكفر.
(7/330)
قال : وأخبرنا ابن وهب قال أخبرني بن جريج عن عطاء بن أبي رباح 246 ب عن عائشة مثله.
ورواه الثوري عن منصور عن أمه صفية بنت شيبة عن عائشة أن رجلاً أو إمرأة سألتها عن شيء كان بينها وبين ذي قرابة لها فجعلت إن كلمته فما لها في رتاج الكعبة.
فقالت عائشة : يكفره ما يكفر اليمين.
وهو في الجامع.
5822 - وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع حدثنا حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب : أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث فسأل أحدهما صاحبه القسمة فقال : إن عدت تسألني القسمة فكل مال لي في رتاج الكعبة.
فقال له عمر : إن الكعبة غنية عن مالك كفر عن يمينك وكلم أخاك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب ولا في قطيعة الرحم ولا فيما لا تملك.
وروينا عن أبي رافع في إمراة حلفت بأن مالها في سبيل الله إن لم تفرق بينه وبين إمرأته فسألت عائشة وابن عمر ، وابن عباس وحفصة وأم سلمة (7/331)
فأمروها أن تكفر يمينها وتخلي بينهما.
وفي بعض الروايات : وعليها المشي إلى بيت الله إن لم تفرق بينهما.
5823 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافي فيمن حلف بالمشي إلى بيت الله.
ففيها قولان أحدهما معقول معنى قول عطاء : أن كل من حلف بشيء من النسك صوم أو حج أو عمرة فكفارته كفارة يمين إذا حنث ولا يكون عليه حج ولا عمرة ولا صوم.
ومذهبه أن أعمال البر لله لا تكون إلا الفرض بفرض يؤديه من فرض الله عليه أو تبرراً يريد الله به.
فأما على غلق الأيمان فلا يكون تبرراً.
قال أحمد : قد روينا في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنما النذر ما ابتغى به وجه الله جل وعز.
5824 - أخبرناه عبد الخالق بن علي بن عبد الخالق المؤدب أخبرنا أبو بكر بن خنب أخبرنا أبو إسماعيل الترمذي حدثنا أيوب بن سليمان حدثني أبو بكر 247 أ بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن عبد الرحمن بن الحارث عن عمرو بن شعيب فذكره.
(7/332)
وروينا في حديث كعب بن علقمة عن عبد الرحمن بن شماسة المهري عن أبي الخير عن عقبة بن عامر الجهني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كفارة النذر كفارة اليمين.
5825 - أخبرناه أبو زكريا في آخرين قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن كعب بن علقمة . فذكره غير أن ذكر أبي الخير سقط من إسناده.
رواه مسلم في الصحيح عن هارون بن سعيد وغيره عن ابن وهب.
5826 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الوليد حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا هارون بن سعيد الأيلي حدثنا ابن وهب فذكره.
5827 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال وسمعت الشافعي وسأله رجل عن المشي فحنث بالمشي إلى الكعبة : فأفتاه بكفارة يمين . فقال له الرجل.
بهذا تقول يا أبا عبد الله ؟ قال : هذا قول من هو خير مني قال : من هو ؟ قال عطاء بن أبي رباح.
قال الشافعي : وقد قال غير عطاء عليه المشي كما يكون عليه إذا نذره متبرراً.
وقال غيره في الصدقة يتصدق بجميع ما يملك إلا أنه قال : ويحبس قدر ما يقوته فإذا أيسر تصدق بالذي حبس.
وذهب غيره إلى أن يتصدق بثلث ماله.
وغيره إلى أن يتصدق بالزكاة.
(7/333)
قال أحمد : قد روى عثمان بن أبي حاضر في إمراة قالت : مالها في سبيل الله وجاريتها حرة إن لم تفعل ذلك فسئل عن ذلك ابن عباس وابن عمر فقالا : أما الجارية فتعتق وأما قولها مالي في سبيل الله فتصدق بزكاة مالها.
وقد روينا عن ابن عباس وابن عمر ما دل على جواز التكفير . والله أعلم.
ولا حجة لمن ذهب إلى أنه يتصدق بثلث ماله في حديث أبي لبابة حين تاب الله عليه : إن من توبتي أن أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى 247 ب رسوله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجزئ عنك الثلث من مالك.
فإنه لم يبلغنا أنه نذر شيئاً أو حلف على شيء فحنث ولكنه أراد أن يتصدق بجميع ماله شكراً لله تعالى حين تاب عليه فأمره أن يمسك بعض ماله كما قال لكعب بن مالك حين قال ذلك.
أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك.
1243 - باب من نذر نذراً في معصية الله جل وعز
5828 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي (7/334)
وأصل معقول عطاء في معاني النذور من هذا أنه يذهب إلى أن : من نذر نذراً في معصية الله لم يكن عليه قضاؤه ولا كفارة وذلك أن يقول لله عليّ إن شفاني أو شفي فلاناً أن أنحر ابني أو أفعل كذا من الأمر الذي لا يحل له أن يفعله.
قال : وإنما أبطل الله النذر في البحيرة والسائبة لأنها معصية ولم يذكر في ذلك كفارة وبذلك جاءت السنة.
5829 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن طلحة بن عبد الملك الإيلي عن القاسم بن محمد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من نذر أن يطع الله فليطعه ومن نذر أن يعص الله فلا يعصيه.
أخرجه البخاري في الصحيح من حديث مالك.
5830 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة وعبد الوهاب بن عبد المجيد عن أيوب بن أبي أميمة السختياني عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نذر في معصية ولا في ما لا يملك ابن آدم.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد : وكان في حديث عبد الوهاب الثقفي بهذا الإسناد أن إمرأة من الأنصار نذرت وهربت على ناقة النبي صلى الله عليه وسلم إن نجاها الله عليها لتنحرنها.
(7/335)
فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول وأخذ ناقته ولم يأمرها أن تنحر مثلها ولا تكفر.
248 أ قال الشافعي : وبذلك نقول أن من نذر تبرراً أن ينحر مال غيره فهذا نذر فيما لا يملك فالنذر ساقط عنه.
5831 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن عمرو عن طاووس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بأبي إسرائيل وهو قائم في الشمس فقال : ما له ؟ فقالوا : نذر أن لا يستظل ولا يقعد ولا يكلم أحداً ويصوم.
فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يستظل ويقعد وأن يكلم الناس ويتم صومه ولم يأمره بكفارة.
قال أحمد : هذا مرسل جيد.
وقد روى أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس فسأل عنه ؟ فقالوا : هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم ولا يفطر . فقال : مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه.
5832 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا أيوب فذكره.
رواه البخاري في الصحيح عن موسى بن إسماعيل.
(7/336)
قال الشافعي : فقال قائل في رجل نذر أن يذبح نفسه قال : يذبح كبشاً.
وقال قائل : في رجل آخر ينحر مِئَة من الإبل واحتجا معاً فيه بشيء روي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم ساق الشافعي رحمه الله الكلام في حجته إلى أن قال : فإن قال فاجعله أصلاً بقول الذي قاله قيل له - إن شاء الله - فقد اختلف قوله فيه فإنه الأصل والسنة موجودة بإبطاله ولا حجة مع السنة.
قال أحمد : وهذا كما قال فقد 5833 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أبو القاسم الطبراني أخبرنا ابن أبي مريم حدثنا الفريابي حدثنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في رجل نذر أن يذبح نفسه قال : {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}.
فأفتاه بكبش.
ورواه عثمان بن عمر عن ابن جريج فيمن نذر أن ينحر ابنه ورواية الثوري أصح.
248 ب فكذلك روي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن ابن جريج فيمن نذر أن ينحر نفسه.
ورواه عكرمة عن ابن عباس في رجل نذر أن يذبح ابنه قال يذبح كبشاً.
ورواه القاسم بن محمد عن ابن عباس في إمرأة نذرت أن تنحر إبنها قال (7/337)
لا نتحري ابنك وكفري عن يمينك.
ورواه كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس قال : أتاه رجل فقال : إني نذرت أن أنحر نفسي فذكر الحديث إلى أن قال : أتجد مِئَة من الإبل ؟ قال : نعم.
قال : فاذهب فانحر في كل عام ثلثا لا يفسد اللحم.
5834 - أخبرنا أبو محمد - يعني عبد الله بن يوسف أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي حدثنا سعدان بن نصر حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس فذكره.
واختلاف فتاويه في هذا تدل على أنه كان يقولها على رأيه ولو كان عرف فيه توقيفاً لم يختلف قوله فيه.
أما حديث يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين.
فهذا حديث لم يسمعه الزهري من أبي سلمة إنما سمعه من سليمان بن أرقم عن يحيى بن أبي كثير.
وبمعناه رواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة.
كذلك رواه محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة عن الزهري.
وسليمان بن الأرقم متروك والحديث عند غيره عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن الزبير الحنظلي عن أبيه عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم.
كذلك رواه علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير.
(7/338)
وبمعناه رواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير إلا أن في حديث الأوزاعي : لا نذر في غَضَب وكفارته كفارة يمين.
وكذلك رواه حماد بن زيد عن محمد بن الزبير ورواه أبي عروبة عن محمد بن الزبير وقال : لا نذر في معصية الله.
ورواه عبد الوارث بن سعيد عن محمد بن الزبير عن أبيه أن رجلاً حدثه أنه سأل عمران بن حصين عن رجل حلف أنه لا يصلي في مسجد قومه.
فقال عمران 249 أ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا نذر في معصية الله وكفارته كفارة يمين.
وفي هذا دلالة على أن أباه لم يسمعه من عمران.
ورواه ابن إسحاق عن محمد بن الزبير عن رجل صحبه عن عمران.
ورواه الثوري عن محمد بن الزبير عن الحسن عن عمران بن حصين إلا أنه قال : لا نذر في معصية أو في غضب.
فهذا حديث مختلف في إسناده ومتنه كما ذكرنا ولا تقوم الحجة بأمثال ذلك.
وقد روينا عن محمد بن إسماعيل البخاري أنه قال : محمد بن الزبير الحنظلي منكر الحديث وفيه نظر.
5835 - أخبرناه أبو سعيد الماليني أخبرنا أبو أحمد بن عدي قال سمعت ابن حماد يذكره عن البخاري.
(7/339)
قال أحمد : وإنما الحديث فيه عن الحسن عن هياج بن عمران البرجمي : أن غلاماً لأبيه أبق فجعل لله عليه إن قدر عليه ليقطعن يده فلما قدر عليه بعثني إلى عمران بن حصين فسألته فقال : إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يحث في خطبته على الصدقة وينهي عن المثلة فقل لأبيك فليكفر عن يمينه وليتجاوز عن غلامه.
قال وبعثني إلى سمرة فقال مثل ذلك.
5836 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أحمد عن سلمان الفقيه حدثنا جعفر بن أبي عثمان الطيالسي حدثنا محمد بن سنان العوفي حدثنا همام عن قتادة عن الحسن فذكره.
هذا أصح ما روي فيه عن عمران واختلف في الذي رواه عنه الحسن فقيل هكذا وقيل حيان بن عمران البرجمي.
والأمر بالتكفير فيه موقوف على عمران وسمرة.
والذي روي عن ابن عباس مرفوعاً.
من نذر نذراً في معصية الله فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذراً لم يطقه فكفارته كفارة يمين.
لم يثبت رفعه والله أعلم.
وحكينا عن الربيع بن سليمان أنه قال في هذه المسألة قول آخر.
من نذر أن يفعل معصية فلا يفعلها وعليه كفارة يمين كما لو قال والله لأقتلن فلاناً فلا يقتله وعليه كفارة.
249 ب قلت : وهذا قول يوافق هذه الآثار.
(7/340)
1244 - باب النذور
وروى الشافعي في سنن حرملة عن سفيان بن عيينة الحديث الذي 5837 - أخبرناه أبو عمرو محمد بن عبد الله الأديب أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي أخبرني عبد الله بن صالح حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة . وعن ابن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : يزيد أحدهما على صاحبه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال الله تبارك وتعالى إن النذر لا يأتي على ابن آدم شيئاً لم أقدره عليه وإنما هو شيء أستخرج به من البخيل يؤتيني عليه ما لا يؤتيني على البخل.
هذا الحديث قد أخرجه البخاري من حديث شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد.
وأخرجه مسلم من حديث عمرو بن أبي عمرو عن الأعرج بمعناه.
1245 - باب من نذر أن يمشي إلى بيت الله عز وجل
5838 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : ومن نذر تبرراً أن يمشي إلى بيت الله الحرام لزمه أن يمشي إن قدر على المشي وإن لم يقدر ركب وأهراق دماً احتياطاً لأنه لم يأت بما نذر كما نذر.
قال أحمد : وروينا عن عبد الله بن عمر أنه قال (7/341)
إذا نذر الإنسان على مشي إلى الكعبة فهذا نذر فليمش إلى الكعبة.
وأما الركوب عند العجز فلما 5839 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر محمد بن مهرويه بن عباس الرازي حدثنا أبو حاتم الرازي حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثني حميد عن ثابت عن أنس قال : مر شيخ كبير يتهادى بين ابنيه.
فقال صلى الله عليه وسلم : ما بال هذا ؟ قالوا : نذر يا رسول الله أن يمشي . قال : إن الله عز وجل عن تعذيب هذا نفسه لغني.
وأمره أن يركب فركب.
أخرجاه في الصحيح من حديث حميد.
وأخرجه مسلم 250 أ أيضاً من حديث أبي هريرة.
5840 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا روح بن عبادة حدثنا ابن جريج أخبرنا يحيى بن أيوب أن يزيد بن أبي حبيب أخبره أن أبا الخير أخبره عن عقبة بن عامر أنه قال نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله فأمرتني أن أستفتي لها النبي صلى الله عليه وسلم فاستفتيت لها النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لتمش ولتركب.
(7/342)
قال وكان أبو الخير لا يفارق عقبة.
رواه البخاري في الصحيح عن أبي عاصم عن ابن جريج.
ورواه مسلم عن محمد بن حاتم وغيره عن روح.
قال أحمد : هذا هو الصحيح في هذه القصة بهذا اللفظ ليس فيها ذكر الهدي.
وقد روى مطر الوراق عن عكرمة عن ابن عباس : أن أخت عقبة نذرت أن تحج ماشية وأنها لا تطيق ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله لغني عن مشي أختك فلتركب ولتهد بدنة.
5841 - أخبرناه أبو الحسن العلوي أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى بن بلال حدثنا أحمد بن حفص بن عبد الله حدثني أبي حدثني إبراهيم بن طهمان عن مطر الوراق . فذكره.
وهذا رواه همام بن يحيى في إحدى الروايتين عنه عن قتادة عن عكرمة.
وروي عنه في رواية أخرى : وتهدي هدياً.
وخالفه هشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة فروياه عن قتادة دون ذكر الهدي فيه.
وأرسله سعيد بن أبي عروبة.
(7/343)
وكذلك رواه خالد الحذاء عن عكرمة دون ذكر الهدي فيه.
ورواه سفيان الثوري عن أبيه عن عكرمه عن عقبة بن عامر دون ذكر الهدي فيه.
ورواه شريك القاضي عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن كريب عن ابن عباس وقال فيه : لتحج راكبة وتكفر يمينها.
وهذا مما تفرد به شريك.
وقد روي ذلك في حديث حُيَيّ بن عبد الله المعافري عن أبي حُيَيّ عبد الرحمن الحُبُلِّي عن 250 ب عقبة وليس بالقوي.
ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبد الله بن زَحْرٍ عن أبي سعيد الرعيني عن عبد الله بن مالك عن عقبة بن عامر الجهني قال : نذرت أختي أن تحج لله ماشية غير مختمرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : مر أختك فلتختمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام.
ورواه الثوري عن يحيى واختلف عليه في إسناده.
قال البخاري في التاريخ : لا يصح فيه الهدي . يعني : في حديث عقبة بن عامر.
قال أحمد : وروي عن الحسن عن عمران بن حصين أنه قال فيمن نذر أن يحج ماشياً : فليهد هدياً وليركب.
(7/344)
وفي رواية أخرى : فليهد بدنة وليركب.
وروي فيه عن الحسن عن علي وكلاهما منقطع وموقوف.
5842 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي عن ابن علية عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن عليّ في الرجل يجعل عليه المشي قال : يمشي فإن عجز ركب وأهدى بدنة.
قال الشافعي : وهم يقولون يمشي إن أحب وكان مطيعاً وإلا ركب وأهدى شاة.
ونحن نقول : ليس لأحد أن يركب وهو يستطيع أن يمشي بحال وإن عجز ركب وأهدى.
فإذا صح مشى الذي ركب وركب الذي مشى حتى يأتي به كما نذره.
وكأنه ذهب إلى ما 5843 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن عروة بن أُذَيْنَة قال : خرجت مع جدة لي عليها مشي إلى بيت الله حتى إذا كانت ببعض الطرق عجزت فسألت عبد الله بن عمر فقال عبد الله بن عمر : مرها فلتركب ثم لتمشِ من حيث عجزت.
قال مالك : وعليها هدي.
5844 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال : كان عليّ مشى فأصابتني خاصِرَةٌ فركبت حتى أتيت مكة فسألت عطاء بن أبي (7/345)
رباح وغيره فقالوا : عليك هدي فلما قدمت المدينة سألت علماءها فأمروني أن أمشي من حيث عجزت فمشيت مرة أخرى.
وهذا إنما أورده إلزاماً لأصحاب مالك فيما تركوا من قول ابن عمر وأهل المدينة 251 أ في إيجاب الهدي ولم يرووا عنهم أنهم أمروها بهدي.
وفيما تركوا من قول عطاء وغيره في إيجاب الهدي وهم أمروه بهدي ولم يأمروه بمشي.
قال أحمد : وروى الشعبي عن ابن عباس مثل قول ابن عمر إلا أنه قال : وينحر بدنة.
والصحيح من مذهب الشافعي وأولاه بالسُنة الصحيحة ما حكيناه عنه في أول هذه المسألة والله أعلم.
وروينا عن عطاء أنه قال : يمشي من ميقاته إلا أن يكون نوى مكاناً حتى يصدر.
ورواه الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس في الابتداء دون الانتهاء.
1246 - باب نذر المشي إلى مسجد المدينة أو بيت المقدس
5845 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : وأحب إليّ لو نذر المشي إلى مسجد المدينة أن يمشي وإلى مسجد بيت (7/346)
المقدس أن يمشي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ومسجد الحرام ومسجد بيت المقدس.
5846 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو عبد الله الشيباني حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجدي هذا ومسجد الأقصى.
أخرجاه في الصحيح من حديث سفيان.
وكان سفيان يقول أكثر ما يحدث به : تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد.
ورواه قزعة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل الأول.
قال الشافعي : ولا يبين لي أن يجب المشي إلى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ومسجد بيت المقدس كما يبين أن أوجب المشي إلى بيت الله الحرام.
وذلك بأن البر بإتيان بيت الله فرض والبر بإتيان هذين نافلة.
(7/347)
وأقام في كتاب البويطي الأفضل من هذه المساجد مقام ما هو أدنى منه.
5847 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه حدثنا يعقوب بن سفيان الفارسي حدثنا بكار الرَام حدثنا حبيب بن الشهيد 251 ب عن عطاء.
5848 - وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله أن رجلاً قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني نذرت زمن الفتح إن فتح الله عليك أن أصلي في بيت المقدس فقال : صلّ ها هنا.
فأعادها مرتين أو قال ثلاثاً.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فشأنك إذاً.
هذا لفظ حديث ابن الشهيد.
وفي حديث المعلم : أن رجلاً قام يوم الفتح وقال : يا رسول الله إني نذرت لله إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس.
قال أبو سلمة - مرة ركعتين - قال : صل ها هنا.
ثم أعاد عليه فقال : صل ها هنا.
ثم أعاد عليه قال (7/348)
فشأنك إذاً.
وروينا عن ميمونة أنها قالت لامرأة نذرت أن تصلي في بيت المقدس : صلي في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة.
1247 - باب نذر النحر بموضع
5849 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : وإن نذر أن ينحر بمكة لم يجزه إلا أن ينحر بمكة فإن نذر أن ينحر بغيرها ليتصدق لم يجزه أن ينحر إلا حيث نذر.
وبسط الكلام فيه.
وروينا في حديث ثابت بن الضحاك قال : نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد ؟ قالوا : لا . قال : فهل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ قالوا : لا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوف بنذرك.
وروي ذلك مختصراً عن ابن عباس.
وروته ميمونة بنت كردم أن أباها قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إني نذرت أن أذبح عدة من (7/349)
الغنم على رأس بوانة فذكره لم يذكر العيد.
1248 - باب من نذر صوم يوم فوافق يوم فطر أو أضحى
5850 - 252 أ أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : وإذا قال : لله عليّ أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان فقدم يوم الفطر أو النحر أو التشريق لم يكن عليه صوم ذلك اليوم ولا عليه قضاؤه.
لأنه ليس صوم ذلك اليوم طاعة فلا قضاء لما لا طاعة فيه.
5851 - أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق حدثنا يوسف بن يعقوب حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا فضيل بن سليمان عن موسى بن عقبة قال حدثني حكيم بن أبي حُرّة الأسلمي سمع رجلاً يسال عبد الله بن عمر عن رجل نذر أن لا يأتي عليه يوم سماه إلا وهو صائم فيه فوافق ذلك يوم أضحى أو يوم فطر.
فقال ابن عمر : {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}.
لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يوم الأضحى ولا يوم الفطر ولا يأمر بصيامهما.
رواه البخاري في الصحيح عن محمد بن أبي بكر المقدمي.
وفي رواية زياد بن جبير عن ابن عمر في هذا الحديث قال : قد أمر الله بوفاء النذر ونهانا أن نصوم هذا اليوم.
فكأنه علق فيه القول.
(7/350)
وقد قطع في الرواية الأولى بأنه لا يصومه.
وليس فيه أنه أمره بالقضاء.
وقد أخبر في الروايتين جميعاً أن نذره صادف يوماً لا يجوز صومه.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : من نذر أن يعص الله فلا يعصيه.
ولم يبلغنا أنه أمر فيه بكفارة أو قضاء ، والله أعلم.
(7/351)
بسم الله الرحمن الرحيم
46 - كتاب أدب القاضي
قال الله عز وجل : {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم العمال والقضاة وكذلك الخلفاء بعده.
5852 - أخبرنا أبو الحسن بن الفضل القطان أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه حدثنا يعقوب بن سفيان حدثنا أبو بكر الحميدي حدثنا سفيان 252 ب حدثنا إسماعيل بن أبي خالد قال : سمعت قيس بن أبي حازم يقول سمعت عبد الله بن مسعود يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا حسد إلا في اثنتين رجل أتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق ورجل أتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها.
5853 - وأخبرنا أبو طاهر الفقيه أخبرنا حاجب بن أحمد حدثنا أبو عبد الرحمن المروزي حدثنا ابن المبارك حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن (7/352)
عبد الله بن مسعود . فذكره . رواه البخاري في الصحيح عن الحميدي.
وأخرجه مسلم من وجه آخر عن إسماعيل.
وهذا في من قوي على الصيام بواجبات القضاء فإن كان يضعف عنه أو يرى أنه يعجز عنه فقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لأبي ذر : يا أبا ذر أحب لك ما أحب لنفسي إني أراك ضعيفاً فلا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم.
وقال في رواية أخرى : يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها.
وفي مثل ذلك ورد ما 5854 - أخبرنا أبو صالح بن أبي طاهر العنبري أخبرنا جدي يحيى بن منصور القاضي حدثنا محمد بن عمر قَشْمَرْد أخبرنا القعنبي أخبرنا ابن أبي ذئب عن عثمان الأخنسي عن سعيد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من جعل على القضاء فكأنما ذبح بغير سكين.
وقد رواه المزني في الجامع عن الشافعي قال :
أَخْبَرَنَا الثقة عن عثمان بن محمد الأخنسي عن المقبري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . بمعناه.
قال أحمد (7/353)
وهذا لما فيه من الخطر ولأجل ذلك كره من كره التسارع إلى طلبه.
5855 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود محمد بن كثير أخبرنا إسرائيل حدثنا عبد الأعلى عن بلال عن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من طلب القضاء واستعان عليه وُكِّل إليه ومن لم يطلبه ولم يستعن عليه أنزل الله جل وعز ملكاً يُسَدده.
وروينا عن أبي مسعود الأنصاري أنه كان يكره التسرع إلى الحكم.
وروينا عن ابن أبي أوفى مرفوعاً : 253 أ أن الله جل وعز مع القاضي ما لم يَجُر فإذا جار وُكِّل إلى نفسه.
5856 - أخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن حسان السمتي حدثنا خلف بن خليفة عن أبي هاشم عن أبي بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : القضاة ثلاثة : واحد في الجنة واثنان في النار فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار.
5857 - أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة أن أبا العباس حدثه عن الربيع عن الشافعي رحمه الله قال : أحب للقاضي أن يقضي في موضع بارز للناس لا يكون دونه حجاب وأن يكون متوسط المصْر.
(7/354)
وأن لا يكون في المسجد لكثرة من يغشاه لغير ما بنيت له المساجد.
وأن يكون ذلك في أرفق الأماكن به وأحراها أن لا يسرع ملالته فيه.
وإذا كرهت له أن يقضي في المسجد كنت لأن يقيم الحد في المسجد أو يعزر أكره.
قال أحمد : قد روينا عن أبي مريم الأسدي أنه قال لمعاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من ولاه الله من أمر الناس شيئاً فاحتجب عن حاجتهم وخلتهم وفاقتهم احتجب الله يوم القيامة عن حاجته وخلته وفاقته.
وروينا في الحديث الثابت عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد فليقل لا أداها الله إليك فإن المساجد لم تبن لهذا.
وفي حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن هذه المساجد لم تتخذ لهذا القذر إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن.
وروي في حديث أبي الدرداء وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم وإسناده ضعيف : جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وسلّ سيوفكم وإقامة حدودكم وأجمروها في الجمع واتخذوا على أبواب مساجدكم مطاهر.
(7/355)
5858 - وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا الشعبي عن زفر بن وثيمة عن حكيم بن حزام أنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستقاد 253 ب في المسجد وأن تنشد فيه الأشعار وأن تقام فيه الحدود.
وروينا عن عمر بن عبد العزيز : أنه كتب إلى عبد الحميد بن زيد أن لا تقضى في المسجد فإنه يأتيك اليهودي والنصراني والحائض.
1249 - باب التثبت في الحكم
قال الشافعي رحمه الله : قال الله جل وعز : {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا}.
قال الشافعي : أمر الله من يمضي أمره على أحد من عباده أن يكون متثبتاً قبل أن يمضيه.
ثم أمر رسول الله في الحكم خاصة أن لا يحكم الحاكم وهو غضبان لأن الغضبان متخوف على أمرين أحدهما قلة التثبت والآخر أن الغضب قد يتغير معه العقل ويتقدم به صاحبه على ما لم يكن يتقدم عليه لو لم يكن غضب . وذكر ما 5859 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا(7/356)
الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا يحكم الحاكم أو لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان.
5860 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس فذكره بإسناده غير أنه قال : لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان.
ولم يشك.
أخرجاه في الصحيح من أوجه عن عبد الملك.
قال الشافعي في القديم :
أَخْبَرَنَا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن هو ابن عوف : أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله علمني كلمات أعش بهن ولا تكثر عليّ فأنسى.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تغضب.
5861 - أخبرنا أبو زكريا ابن أبي إسحاق أخبرنا أبو الحسن الطرائفي حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا القعنبي فيما قرأ مالك فذكره غير أنه قال (7/357)
أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا مرسل.
وقد رواه معمر عن الزهري عن حميد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرجه البخاري من حديث أبي صالح عن أبي هريرة.
وقيل : عنه عن أبي سعيد.
قال الشافعي : وقد روي عن الشعبي وكان 254 أ قاضياً : أنه رأى يأكل خبزاً بجبن فقيل له فقال : أخذ حلْمي.
قال الشافعي : كأنه يريد أن الطعام يسكن حر الطبيعة وأن الجوع يحرك حرها وتتوق النفس إلى المأكل فتشغل عن الحكم.
1250 - باب مشاورة القاضي
قال الشافعي رحمه الله : قال الله جل وعز : {وشاورهم في الأمر}.
5862 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن عيينة عن الزهري قال قال أبو هريرة : ما رأيت أحداً أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الشافعي : وقال الله جل وعز : {وأمرهم شورى بينهم}.
(7/358)
قال الشافعي في رواية أبي عبد الله : وقال الحسن : إن كان النبي صلى الله عليه وسلم عن مشاورتهم لغنياً ولكنه أراد أن يستن بذلك الحكام بعده.
5863 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الوليد حدثنا إبراهيم بن إسحاق حدثنا لوين حدثنا سفيان عن ابن شبرمة عن الحسن في قوله : {وشاورهم في الأمر}.
قال : والله ما كان يحتاج إليهم ولكن أحب أن يستن به من بعده.
قال الشافعي : وإنما أمر به بالمشورة لأن المشير ينتبه لما يغفل عنه ويدله من الأخبار على ما لعله أن يجهله.
فإما أن يقلد مشيراً فلم يجعل الله هذا لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
1251 - بابٍ اجتهاد الحاكم
5864 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله قال الله جل ثناؤه : {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما}.
قال الشافعي : قال الحسن بن أبي الحسن : لولا هذه الآية لرأيت أن الحكام قد هلكوا ولكن (7/359)
الله حمد هذا بصوابه وأثنى على هذا باجتهاده.
5865 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن عبد الله 254 ب بن الهاد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن بسر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر.
5866 - وبهذا الإسناد قال أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز عن يزيد بن الهاد قال فحدثت بهذا الحديث أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال : هكذا حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث عبد العزيز الدراوردي والليث بن سعد.
وأخرجه البخاري من حديث حيوة عن يزيد بن الهاد.
5867 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله في المجتهدين : إذا اختلفوا وكانوا ممن لهم الاجتهاد وذهبوا مذهباً محتملاً لا يجوز على واحد منهم أن يقال أخطأ مطلقاً ولكن يقال لكل واحد منهم : قد أطاع فيما كلف وأصاب فيه ولم يكلف علم الغيب الذي لم يطلع عليه.
وجعل مثال ذلك القبلة إذا اجتهدوا فيها فاختلفوا.
وبسط الكلام فيه ثم قال : فإن قيل فيلزم أحدهما اسم الخطأ ؟ (7/360)
قيل : أما فيما كلف فلا وأما خطأ عن البيت فنعم لأن البيت لا يكون في جهتين مختلفتين.
فإن قيل : فيكون مطيعاً بالخطأ ؟ قيل : هذه مسألة جاهل يكون مطيعاً بالثواب لما كلف من الاجتهاد وغير آثم بالخطأ إذ لم يكلف ثوابه لمغيب العين عنه.
وقال في حديث الاجتهاد : إذا اجتهد فجمع الثواب بالاجتهاد وصواب العين التي اجتهد كانت له حسنتان.
وإن أصاب بالاجتهاد وأخطأ للعين التي أُمر أن يجتهد في طلبها كانت له حسنة ولا يثاب من يؤدي في أن يخطئ للعين ومن يؤدي فيخطئ أن يكفر عنه.
وهذا يدل على ما وصفت من أنه لم يكلف صواب العين في حال.
قال الشافعي : من حكم أو أفتى بخبر لازم أو قياس عليه فقد أتى مكلف وحكم وأفتى من حيث أمر فكان في النص مؤدياً ما 255 أ أُمر به نصاً.
وفي القياس مؤدياً ما أمر به اجتهاداً وكان مطيعاً لله في الأمرين ثم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بطاعة الله ثم رسوله ثم الاجتهاد.
فيروى أنه قال لمعاذ : بما تقضي ؟ قال : بكتاب الله . قال : فإن لم تجد في كتاب الله ؟ قال : فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فإن لم يكن ؟ قال : اجتهد . قال : الحمد لله الذي وفق رسول رسوله.
(7/361)
قال الشافعي : ومن استجاز أن يحكم أو يفتى بلا خبر لازم ولا قياس عليه كان محجوجاً.
فإن معنى قوله افعل ما هويت وإن لم أُومر به.
وقد قضى الله عز وجل بخلاف ما قال ولم يترك أحداً إلا متعبداً.
قال الله جل وعز : {أيحسب الإنسان أن يترك سدى}.
فلم يختلف أهل العلم بالقرآن فيما علمت أن السدى الذي لا يؤمر ولا ينهى.
قال أحمد : قد روينا هذا التفسير عن مجاهد.
وروينا معناه عن ابن عباس.
1252 - باب إذا اجتهد الحاكم ثم رأى أن اجتهاده خالف كتاباً أو سُنة أو إجماعاً أو شيئاً في معنى هذا
قال الشافعي : رده ولا يسعه غير ذلك.
قال الشافعي في كتاب حرملة :
أَخْبَرَنَا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن القاسم عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد.
(7/362)
5868 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا إسماعيل بن أحمد الجرجاني أخبرنا أبو يعلى حدثنا محمد بن الصباح حدثنا إبراهيم بن سعد حدثنا أبي فذكره بمثله.
رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن الصباح.
وأخرجه البخاري من وجه آخر عن إبراهيم.
قال الشافعي : وإن كان فيما يحتمل ما ذهب إليه ويحتمل غيره لم يرده.
وبسط الكلام فيه.
وقد روينا عن عمر بن الخطاب في مسألة المشركة : أنه لما أشرك الإخوة من الأب والأم مع الإخوة من الأم في الثلث.
قيل له : لقد قضيت عام أول بغير هذا.
قال : تلك على ما قضينا وهذه على ما قضينا.
وروي في ذلك 255 ب عن علي وغيره.
1253 - باب المسألة عن الشهود
قال الشافعي بعد ذكر كيفية مسألة القاضي عن أحوال الشهود : ولا يقبل الجرح إلا بالشهادة من الجارح على المجروح بالسماع أو العيان وأكثر من ينسب إلى أن تجوز شهادته نفياً حتى تعدو اليسير الذي لا يكون جرحاً جرحه.
وحكى فيه حكاية الرجل الصالح الذي جرح رجلاً بأن رآه بال قائماً.
قال : ولا يقبل التعديل إلا بأن يوقف المعدل عليه فيقول عدل عليَّ ولي.
ثم لا يقبل ذلك هكذا حتى يسأله عن معرفته به فإن كانت معرفته باطنة متقادمة قبل ذلك منه.
(7/363)
وإن كانت حادثة ظاهرة لم يقبل ذلك منه.
قال أحمد : قد روينا عن مجاهد أنه قال : مرّ رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من يعرفه ؟ فقال رجل أنا أعرفه بوجهه ولا أعرفه باسمه . قال : ليست تلك معرفة.
وروينا عن الأعمش عن سليمان بن مسهر عن خرشة بن الحر قال : شهد رجل عند عمر بن الخطاب شهادة فقال له : لست أعرفك ولا يضرك أن لا أعرفك ائت بمن يعرفك.
فقال رجل من القوم : أنا أعرفه.
قال : بأي شيء تعرفه ؟ قال : بالعدالة والفضل.
قال : فهو جارك الأدنى الذي تعرف ليله ونهاره ومدخله ومخرجه ؟ قال : لا.
قال : فمعاملك بالدينار والدرهم اللذين بهما يستدل على الورع ؟ قال : لا.
قال : فرفيقك في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق.
قال : لا.
قال : فلست تعرفه . ثم قال للرجل . ائت بمن يعرفك.
5869 - أخبرناه الإمام أبو الفتح أخبرنا أبو محمد الشريحي أخبرنا عبد الله بن(7/364)
محمد بن عبد العزيز حدثنا داود بن رشيد حدثنا الفضل بن زياد حدثنا شيبان عن الأعمش فذكره.
5870 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن ابن مهدي عن سفيان الثوري عن علقمة بن مرشد عن حجر بن عنبس قال : شهد رجلان عند عليّ على رجل فقال السارق : لو كان رسول الله حياً أنزل عذري من السماء.
فأمر بالناس فضربوا حتى اختلطوا ثم دعا الشاهدين فلم يأتيا فدرأ الحد.
256 أ أورده فيما ألزم العراقيين في خلاف علي.
5871 - وبهذا الإسناد قال قال الشافعي فيما بلغه عن أبي بكر بن عياش عن عبد العزيز بن رفيع عن موسى بن طريف الأسدي قال : دخل عليّ بيت المال فاصرط به وقال : لا أُمسي وفيك درهم . فأمر رجلاً من بني أسد فقسمه إلى الليل.
فقال الناس : لو عوضته ؟ فقال : إن شاء الله ولكنه سحت.
وهذا أيضاً أورده فيما ألزمهم في خلاف علي.
وهذا إسناد ضعيف.
موسى بن طريف غير محتج به.
وقد قيل عنه عن أبيه عن علي.
قال الشافعي : ولا نرى علياًّ يعطي شيئاً يراه سحتاً . إن شاء الله.
قال الشافعي في القديم في القسمة : إذا أرادها بعضهم وهو ضرر على كلهم فلا تقسم بينهم.
(7/365)
قال : وهذا قول من لقينا وقد روى فيه ابن جريج عن صُدَيق بن موسى عن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبي بكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تعضية على أهل الميراث إلا ما حمل القسم.
5872 - أخبرناه أبو الحسين بن بشران أخبرنا أبو جعفر الرزاز حدثنا محمد بن أحمد الرياحي حدثنا روح حدثنا ابن جريج أخبرني صُدَيق بن موسى عن محمد بن أبي بكر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره.
قال الشافعي : ولا يكون مثل هذا الحديث حجة لأنه ضعيف وهو قول من لقينا من فقهائنا.
قال أحمد : وضعف هذا لانقطاعه.
فأما رواته فكلهم ثقة ، والله أعلم.
1254 - باب ما على القاضي في الخصوم والشهود
5873 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا محمد بن عبد الله بن كناسة حدثنا جعفر بن برقان عن معمر البصري عن أبي العوام البصري قال : كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري أن القضاء فريضة محكمة وسُنة متبعة فافهم إذا أدلى إليك فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له وآس بين الناس في وجهك ومجلسك وقضائك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس (7/366)
ضعيف من عدلك . البينة على من ادعى واليمين على من أنكر والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً ومن ادعى حقاً عليه أو بينة فاضرب له 256 ب أمداً ينتهي إليه فإن جاء ببينته أعطيته حقه فإن أعجزه ذلك استحللت عليه القضية فإن ذلك أبلغ للعذر وأجلى للعي ولا يمنعك من قضاء قضيته اليوم فراجعت فيه لرأيك وهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق لأن الحق قديم لا يبطل الحق شيء ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل والمسلمون عدول بعضهم على بعض في الشهادة إلا ما جلود في حد أو مجرب عليه شهادة الزور أو ظنين في ولاء أو قرابة فإن الله جل وعز تولى من العباد السرائر وستر عليهم الحدود إلا بالبينات والأيمان ثم الفهم الفهم فيما أدلى إليك مما ليس في قرآن أو سُنة ثم قايس الأمور عند ذلك واعرف الأمثال والأشباه ثم اعمد إلى أحبها إلى الله فيما ترى وأشبهها بالحق وإياك والغضب والقلق أو الضجر والتأذي بالناس عند الخصومة والتنكر فإن القضاء في مواطن الحق يوجب الله به الأجر ويحسن به الذخر فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس ومن يزين لهم بما ليس في قلبه شانه الله فإن الله تبارك وتعالى لا يقبل من العباد إلا ما كان له خالصاً وما ظنك بثواب غير الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته.
وهذا الكتاب قد رواه سعيد بن أبي بردة.
وروي عن أبي المليح الهذلي أنه رواه وهو كتاب معروف مشهور لا بد للقضاة من معرفته والعمل به.
وقد روينا عن عبد الله بن الزبير أنه قال : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الخصمين يقعدان بين يدي الحكم.
5874 - وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا عمرو بن عون أخبرنا شريك عن سماك عن حنش عن علي قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضياً فقلت يا رسول الله : ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي بالقضاء فقال (7/367)
إن الله جل وعز سيهدي قلبك ويثبت لسانك فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء.
قال : فما زلت قاضياً أو ما شككت في قضاء بعد.
قال أحمد : وروى عبد الله بن عبد العزيز العمري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً : أنه لما استعمل عليَّا 257 أ على اليمن قال له : قدم الوضيع قبل الشريف وقدم الضعيف قبل القوي.
وقال المزني في الجامع قال الشافعي أخبرنا الثقة عن عثمان بن محمد الأخنسي عن المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أدّ حق الضعيفين الأرملة والمسكين.
وهذا فيما رواه عبد الله بن جعفر عن الأخنسي.
5875 - وأخبرنا أبو الحسن المقري أخبرنا أبو الحسن محمد بن إسحاق حدثنا يوسف بن يعقوب حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اللهم إني أُحَرِّجُ حق الضعيفين المرأة واليتيم.
قال الشافعي : ولا ينبغي أن يضيف الخصم إلا وخصمه معه.
قال أحمد : قد روينا عن علي مرفوعاً في النهي عن أن يضيف الخصم إلا ومعه خصمه.
(7/368)
قال الشافعي : ولا ينبغي أن تقبل منه هدية وإن كان يهدى له قبل ذلك حتى ينفذ خصومته.
قال أحمد : وقد مضى ما روى الشافعي فيه من الأخبار في كتاب الزكاة.
5876 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا عباس الدوري حدثنا أبو أحمد الزبيري عن ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن ابن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي.
رواه أبو داود في كتاب السنن عن أحمد بن يونس عن ابن أبي ذئب.
5877 - أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة : أن هند بنت عتبة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس لي منه إلا ما يدخل عليّ.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف.
واحتج أصحابنا بهذا فيما قال الشافعي رحمه الله من القضاء على الغائب ومن قضاء القاضي بعلمه وقد قال في القول الآخر : لا يقضي بعلمه . وحكاه عن شريح قال (7/369)
قد جاءه رجل يعلم له حقاً فسأله أن يقضي له به فقال : إيتيني بشاهدين إن كنت تريد أن أقضي لك.
قال : أنت تعلم حقي.
قال : فاذهب إلى الأمير وأشهد لك.
قال الشافعي رحمه الله في الرجل إذا أقر بأن قد شهد بزور وعلم القاضي يقيناً أن قد شهد بزور : عزره وشهر بأمره ووقفه - يعني في مسجده أو قبلة أو سوقه وقال : إنّا وجدنا هذا شاهد زور فاعرفوه واحذروه.
وحكاه عن بعض العراقيين عن الهيثم عن شريح.
وروينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أُتي بشاهد زور فوقفه للناس يوماً إلى الليل.
وفي رواية أخرى : فجلده وأقامه للناس وقال : هذا فلان ابن فلان شهد بزور فاعرفوه ثم حبسه.
وروينا عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت : لما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نزل به عذري على الناس أمر برجلين وإمرأة ممن كان باء بالفاحشة فجلدوا الحد.
وفي ذلك دلالة على جواز الحكم لزوجته على خصمها وإذا جاز حكمه لها جازت شهادته لها كما قال الشافعي رحمه الله.
وهو قول الحسن البصري رحمه الله.
(7/370)
47 - كتاب الشهادات
1255 - باب الشهادة في البيوع
5878 - أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة أن أبا العباس حدثهم عن الربيع عن الشافعي رحمه الله قال : قال الله جل ثناؤه : {وأشهدوا إذا تبايعتم}.
فاحتمل أمر الله بالإشهاد عند البيع أمرين : أحدهما أن يكون دلالة على ما فيه الحظ بالشهادة ومباح تركها لا حتماً يكون من تركه عاصياً بتركه.
واحتمل أن يكون حتماً منه يعصي من تركه بتركه.
والذي اختار أن لا يدع المتبايعان الإشهاد.
ثم ساق الكلام في فوائد الإشهاد وأن الشهادة سبب قطع التظالم وتثبيت الحقوق وكل أمر الله ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم الخير الذي لا يعتاض عنه من تركه.
(7/371)
قال : والذي يشبه والله أعلم أن يكون دلالة وإياه أسأل التوفيق أن يكون دلالة لا حتماً.
واحتج بقول الله جل وعز : {وأحل الله البيع وحرم الربا}.
قال : فذكر أن البيع حلال ولم يذكر معه بينة.
وقال في آية الدّين والدين تبايُع : {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه}.
ثم قال في سياق الآية : {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته}.
فلما أمر إذ لم يجدوا كاتباً بالرهن ثم أباح ترك الرهن 258 أ فقال : {فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته}.
دل على أن الأمر الأول دلالة على الحظ لا فرضاً منه يعصي من تركه والله أعلم.
قال الشافعي رحمه الله : وقد حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بايع أعرابياً في فرس فجحد الأعرابي بأمر بعض المنافقين ولم يكن بينهما بينة فلو كان حتماً لم يبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا بينة.
5879 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الحسن علي بن قرقُوب التمار حدثنا إبراهيم بن الحسين حدثنا أبو اليمان أخبرني شعيب بن أبي حمزة عن الزهري (7/372)
عن عمارة بن خزيمة أن عمه حدثه وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أن النبي صلى ابتاع فرساً من أعرابي فاستتبعه النبي صلى الله عليه وسلم ليقضيه ثمن فرسه فأسرع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشي وأبطأ الأعرابي فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس لا يشعرون أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاعه فنادى الأعرابي النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن كنت مبتاعاً هذا الفرس وإلا بعته.
فقام النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع نداء الأعرابي حتى أتى الأعرابي فقال : أوليس قد ابتعته منك ؟ قال الأعرابي : لا والله ما بعتك.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بلى قد ابتعته منك.
فطفق الأعرابي يقول : هلم شهيداً.
فقال خزيمة : أنا أشهد أنك قد بايعته.
فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على خزيمة فقال : بم تشهد ؟ فقال : بتصديقك يا رسول الله.
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة شهادة رجلين.
ورواه محمد بن زرارة عن عمارة بن خزيمة عن أبيه.
وروينا عن أبي سعيد الخدري أنه تلا : {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى}.
حتى بلغ (7/373)
{فإن أمن بعضكم بعضا}.
قال : هذه نسخت ما قبلها.
قال : أحمد : وليس هذا نسخ على الحقيقة ولكنه بين أن الأمر بما قبله على الاختيار ، والله أعلم.
1256 - باب الإشهاد عند الدفع إلى اليتامى
قال الشافعي رحمه الله : قال الله عز وجل : {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم}.
وقال : {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا 258 ب عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيباً}.
قال الشافعي في قوله : {وكفى بالله حسيبا}.
كالدليل على الإرخاص في ترك الإشهاد فإن الله يقول : {وكفى بالله حسيبا}.
أي إن لم تشهدوا والله أعلم.
وبسط الكلام في أنه قد يكون المعنى في أمر الولي بالإشهاد عليه أنه يبرأ بالإشهاد عليه إن جحده اليتيم ولا يبرأ بغيره.
(7/374)
وقد يكون مأموراً بالإشهاد عليه على الدلالة.
1257 - باب عدد شهود الزنا
قال الشافعي : قال الله جل وعز : {لَوْلاَ جَاءُواْ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءِ} الآية.
وقال : {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم}.
وقال : {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة}.
5880 - أخبرنا أبو زكريا حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن سعداً قال يا رسول الله : أرأيت إن وجدت مع إمرأتي رجلاً أمهله حتى آتي بأربعة شهداء ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم.
وذكر حديث علي بن أبي طالب : أنه سئل عن رجل وجد مع إمرأته رجلاً فقتله أو قتلها ؟ فقال : إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته.
(7/375)
وقد مضى إسناده.
قال الشافعي : وشهد ثلاثة على رجل عند عمر بالزنا ولم يثبت الرابع فجلد الثلاثة.
5881 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو الوليد الفقيه حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر هو ابن أبي شيبة عن ابن علية عن التيمي عن أبي عثمان قال : لما شهد أبو بكرة وصاحباه على المغيرة جاء زياد فقال عمر : رجل إن يشهد - إن شاء الله - إلا بحق فقال : رأيت ابتهاراً ومجلساً سيئاً.
فقال له عمر : هل رأيت المرود دخل المكحلة ؟ فقال : لا.
فأمر بهم فجلدوا.
1258 - باب الشهادة في الطلاق والرجعة وما في معناهما
قال الشافعي رحمه الله : قال الله جل وعز : {فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم}.
فأمر الله جل ثناؤه في الطلاق والرجعة بالشهادة وسمى فيها عدد الشهادة فانتهى إلى شاهدين فدل ذلك على أن كمال الشهادة في الطلاق والرجعة شاهدان.
وساق الكلام 259 أ إلى أن قال : وذلك لا يحتمل بحال أن يكون إلا رجلين ودل ما وصفت من أني لم ألق مخالفاً حفظت عنه من أهل العلم أن حراماً يطلق بغير بينة على أنه - والله أعلم - دلالة اختيار (7/376)
وبسط الكلام فيه 5882 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني حدثنا حفص بن عمر حدثنا أبو حذيفة حدثنا سفيان عن داود بن أبي هند عن الحسن عن عمران بن حصين أن رجلاً أتاه فقال : إن طلقت إمرأتي ولم أُشهد وراجعت ولم أشهد ؟ فقال : طلقت في غير عدة وراجعت في غير سُنة أَشهد.
ورواه أيضاً ابن سيرين عن عمران وقال : أَشهد الآن.
وفي ذلك كالدلالة على نفوذهما وجواز خلوهما عن الشهادة حين قال : أشهد الآن.
1259 - باب الشهادة في الدِّين وما في معناه
قال الشافعي رحمه الله : قال الله تبارك وتعالى : {إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} الآية.
وقال في سياقها : {واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى}.
قال الشافعي : فذكر الله شهود الزنا وذكر شهود الطلاق والرجعة وذكر شهود الوصية فلم يذكر معهم إمرأة فوجدنا شهود الزنا يشهدون على حد لا مال وشهود الطلاق والرجعة يشهدون على تحريم بعد تحليل وتثبيت تحليل لا مال في واحد منهما وذكر شهود (7/377)
الوصية ولا مال للمشهود له أنه وصي.
ثم لم أعلم أحداً من أهل العلم خالف في أن لا يجوز في الزنا إلا الرجال.
وعلمت أكثرهم قال : ولا في طلاق ولا رجعة إذا تناكر الزوجان.
وقالوا ذلك في الوصية فكان كما حكيت من أقاويلهم دلالة على موافقة ظاهر كتاب الله.
وكان أولى الأمور أن يصار إليه ويقاس عليه.
قال : وذكر الله تبارك وتعالى شهود الدين فذكر فيهم النساء وكان الدين أخذ مال من المشهود عليه.
ثم ساق الكلام في قياس القصاص والحد وغيرهما مما يستحق به غير مال بالطلاق والرجعة وما يستحق به مال بالدين ثم قال : وفي 259 ب الدين دلالة على أن لا تجوز شهادة النساء حيث يخبرهن إلا مع رجل ولا تجوز منهم إلا امرأتان فصاعداً.
قال أحمد : وقد روينا في حديث رافع بن خديج في الرجل الذي قتل بخيبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ألكم شاهدان يشهدان على قتل صاحبكم ؟ قالوا : يا رسول الله لم يكن ثم أحد من المسلمين وإنما هم يهود.
وروينا عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم : لا نكاح إلا بوليّ وشاهدي عدل.
(7/378)
ورويناه عن عمر وابن عباس.
1260 - باب حكم الحاكم
5883 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليّ فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه.
وقال في موضع آخر : فلا يأخذنه فإنما أقطع له قطعة من النار.
رواه البخاري في الصحيح عن القعنبي عن مالك.
وأخرجه مسلم من وجه آخر عن هشام.
قال الشافعي في رواية أبي سعيد : فبهذا نقول.
وفي هذا البيان الذي لا إشكال معه بحمد الله ونعمته على عالم فيقول ولي السرائر الله تبارك وتعالى فالحلال والحرام على ما يعلم الله والحكم على ظاهر الأمر وافق ذلك السرائر أو خالفها.
فلو أن رجلاً زور بينة على آخر فشهدوا أن له عليه مِئَة دينار فقضى بها القاضي لم يحل للمقضي له أن يأخذها إذا علمها باطلاً ولا يحيل حكم الحاكم علم المقضي (7/379)
له والمقضي عليه ولا يجعل الحلال على واحد منهما حراماً ولا الحرام لواحد منهما حلالاً.
ثم ساق الكلام في الطلاق والبيع وغير ذلك على القياس.
وروينا عن ابن سيرين عن شريح أنه كان يقول للرجل : إني لأقضي لك وإني لأظنك ظالماً ولكن لا يسعني إلا أن أقضي بما يحضرني من البينة وإن قضائي لا يحل لك حراماً.
1261 - باب 260 أ في أن شهادة النساء لا رجل معهن
قال الشافعي رحمه الله : الولاد وعيوب النساء مما لم أعلم مخالفاً لقيته في أن شهادة النساء فيه جائزة لا رجل معهن.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : ثم اختلفوا في شهادة النساء فأخبره مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء أنه قال : لا تجوز شهادة النساء لا رجل معهن في أمر النساء أقل من أربع عدول.
5884 - أخبرناه أبو بكر وأبو زكريا قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي فذكره.
قال الشافعي : وبهذا نأخذ وذكر الحجة فيه وحكى الخلاف عن من أجاز شهادة المرأة الواحدة في ذلك وقول من قال منهم فإنا روينا عن علي رضي الله عنه : أنه أجاز شهادة القابلة وحدها.
قال الشافعي (7/380)
قلت : لو ثبت عن عليّ صرنا إليه إن شاء الله ولكنه لا يثبت عندكم ولا عندنا عنه.
قال أحمد : وهذا إنما رواه جابر الجعفي عن عبد الله بن يحيى عن عليّ رضي الله عنه.
وجابر الجعفي ضعيف وعبد الله بن يحيى فيه نظر.
5885 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني أبو أحمد محمد بن محمد الحافظ قال حدثني أبو عبد الله بن بطة الأصبهاني حدثنا أبو حامد أحمد بن جعفر الأشعري الأصبهاني حدثنا محمد بن خُليد الكرماني الملقب بمردويه قال : سمعت محمد بن أبي بكر المقدمي يقول.
قال الشافعي : فذكر مناظرة جرت بينه وبين محمد بن الحسن عند هارون الرشيد قال : فقلت : أرأيت أنت بأي شيء قضيت بشهادة القابلة وحدها حتى ورثت من خليفةٍ ملك الدنيا ومالاً عظيماً ؟ قال : فعليّ بن أبي طالب.
قلت : فعلي إنما رواه عنه رجل مجهول يقال له : عبد الله بن نُحَيّ.
وروى عن عبد الله : جابر الجعفي وكان يؤمن بالرجعة.
وقال ابن عيينة دخلت على جابر الجعفي فسألني عن شيء من أمر الكهنة.
5886 - أخبرنا أبو عبد الله أخبرني أبو عبد الله أحمد بن محمد بن مهدي حدثنا محمد بن المنكدر بن سعيد قال سمعت الربيع بن سليمان يقول سمعت الشافعي يقول : سمعت سفيان بن عيينة يقول سمعت من جابر الجعفي كلاماً بادرت (7/381)
خفت أن يقع السقف.
قال أحمد : 260 ب ورواه سويد بن عبد العزيز عن غيلان بن جامع عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه عن عليّ وسيد هذا ضعيف.
قال إسحاق الحنظلي : لو صحت شهادة القابلة عن عليّ لقلنا به ولكن في إسناده خلل.
قال أحمد : وقد روى محمد بن عبد الملك الواسطي عن أبي عبد الرحمن المدائني عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة : أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة القاذف.
وهذا لا يصح.
قال أبو الحسن الدارقطني فيما 5887 - أخبرني أبو عبد الرحمن عنه : أبو عبد الرحمن المدائني رجل مجهول.
قال أحمد : قد روينا في الحديث الثابت عن ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن.
قالت : يا رسول الله وما نقصان العقل والدين ؟ قال : أما نقصان العقل فشهادة إمرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل وتمكث (7/382)
الليالي ما تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين.
5888 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا محمد بن يعقوب الحافظ حدثنا علي بن إبراهيم النسوي حدثنا محمد بن رمح أخبرنا الليث عن ابن الهاد عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث.
رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن رمح.
1262 - باب شهادة القاذف
5889 - أنبأني أبو عبد الله إجازة أن أبا العباس حدثهم عن الربيع عن الشافعي قال : تقبل شهادة المحدودين في القذف وفي جميع المعاصي إذا تابوا والحجة في قبول شهادة القاذف أن الله تعالى أمر بضربه وأمر أن لا تقبل شهادته وسماه فاسقاً ثم استثنى له إلا أن يتوب والثنيا في سياق الكلام على أول الكلام وآخره في جميع ما يذهب إليه أهل الفقه إلا أن يفرق بين ذلك خبر.
وليس عند من زعم أنه لا تقبل شهادته وأن الثنيا له إنما هي على طرح اسم الفسق عنه خبر إلا عن شريح وهم يخالفون شريحاً في رأي أنفسهم.
5890 - أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن وأبو زكريا بن أبي إسحاق وأبو سعيد بن أبي عمرو قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة قال سمعت الزهري يقول : زعم أهل العراق أن شهادة القاذف لا تجوز فأشهد لأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب 261 أ قال لأبي بكرة : تب تقبل شهادتك أو إن تبت قبلت شهادتك.
(7/383)
5891 - وبهذا الإسناد قال قال الشافعي : سمعت سفيان بن عيينة يحدث به هكذا مراراً ثم سمعته يقول شككت فيه فلما قمت سألت فقال لي عمر بن قيس وحضر المجلس معي : هو سعيد بن المسيب قلت لسفيان : أشككت حين أخبرك أنه سعيد بن المسيب ؟ قال : لا هو كما قال غير أنه قد كان دخلني الشك.
قال الشافعي : وكان سفيان لا يشك أنه سعيد بن المسيب.
قال : وغيره يرويه عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن عمر.
قال أحمد : رواه محمد بن يحيى الذهلي عن أبي الوليد عن سليمان بن كثير عن الزهري عن ابن المسيب : أن عمر قال لأبي بكرة وشبل بن معبد ونافع من تاب منكم قبلت شهادته.
ورواه الأوزاعي أيضاً عن الزهري عن ابن المسيب : أن عمر استتاب أبا بكر.
5892 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال وأخبرني من أثق به من أهل المدينة عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب : أن عمر بن الخطاب لما جلد الثلاثة إستتابهم فرجع اثنان فقبل شهادتهما وأبى أبو بكرة أن يرجع فرد شهادته.
قال الشافعي في رواية أبي عبد الله (7/384)
وبلغني عن ابن عباس أنه كان يجيز شهادة القاذف إذا تاب.
قال أحمد : وهذا في تفسير علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا}.
ثم قال {إلا الذين تابوا}.
فمن تاب وأصلح فشهادته في كتاب الله تقبل.
5893 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا إسماعيل بن عُلَية عن ابن أبي نجيح في القاذف إذا تاب قال : تقبل شهادته وقال : كلنا يقوله عطاء وطاوس ومجاهد.
قال الشافعي : وسئل الشعبي عن القاذف فقال : يقبل الله توبته ولا تقبلون شهادته.
قال أحمد : وهذا فيما رواه أَبُو حَصِينٍ عن الشعبي.
ورويناه عن عبد الله بن عتبة وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وابن شهاب وأبي الزناد.
وأما الذي روي في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا محدود في الإسلام ولا محدودة ولا ذي(7/385)
غمر على أخيه.
فهذا حديث لم يروه عن عمرو ثقة والذي رواه عن عمرو ، وهو ثقة لم يذكر من المحدود.
وروى من أوجه 261 - ب أخر كلها ضعيف.
والمراد به إن صح قبل أن يتوب كما هو المراد بسائر من ذكر معه.
وهذا هو المراد بما روي في ذلك في كتاب عمر إلى أبي موسى فهو القائل لأبي بكرة : تب تقبل شهادتك.
وروينا عن الحسن : أن رجلاً من قريش سرق ناقة فقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده وكان جائز الشهادة.
وهذا مرسل وهو قول الكافة إذا تاب وأصلح.
وبالله التوفيق.
1263 - باب التحفظ في الشهادة والعلم بها
5894 - أنبأني أبو عبد الله إجازة أن أبا العباس حدثهم عن الربيع عن الشافعي قال : قال الله تبارك وتعالى : {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئولاً}.
(7/386)
وقال : {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون}.
قال الشافعي : ولا يسع شاهد أن يشهد إلا بما علم.
ثم ذكر وجوه العلم.
وقد روينا في حديث أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ألا أحدثكم بأكبر الكبائر : الإشراك به وعقوق الوالدين.
قال : وكان متكئاً فجلس فقال : وشهادة الزور وشهادة الزور وشهادة الزور.
وروينا عن ابن عمر أنه قال : اشهد بما تعلم.
1264 - باب ما يجب على المرء من القيام بشهادته إذا شهد
قال الشافعي : قال الله جل ثناؤه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أقْرَبُ لِلتَّقْوَى}.
وقال : {يَا أَيُّهَا الًّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ (7/387)
وَإن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً}.
وقال : {وَإذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}.
وقال : {وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ}.
وقال : {وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمُهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ}.
وقال : {وَأَقِيمُواْ الشَّهَادَة لِلِّهِ}.
وقال الشافعي : الذي أحفظ عن كل من سمعت منه من أهل العلم في هذه الآيات أنه في الشاهد قد لزمته الشهادة وأن فرضاً عليه أن يقوم بها.
وبسط الكلام في.
قال الشافعي في القديم :
أَخْبَرَنَا مالك عن عبد الله 262 أ بن أبي بكر عن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن ابن أبي عمرة الأنصاري عن زيد بن خالد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسلها أو يخبر بشهادة قبل أن يسلها.
(7/388)
5895 - أخبرناه أبو إسحاق إبراهيم بن محمد أخبرنا أبو النضر أخبرنا أبو جعفر حدثنا المزني حدثنا الشافعي عن مالك فذكره بنحوه.
رواه مسلم في الصحيح عن يحيى بن يحيى عن مالك.
وأما الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في القرون قال : ثم يخلف بعدهم خلف تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته.
والذي رواه عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم في القرون قال : ثم ينشأ قوم ينذرون ولا يوفون ويحلفوا ولا يستحلفون ويشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون.
فيحتمل أن يكون ذلك في كراهية التسارع إلى أداء الشهادة وصاحبها بها عالم حتى يستشهد.
وحديث زيد بن خالد في الرجل يكون عنده لإنسان شهادة وهو لا يعلمها.
ويحتمل أن يكون المراد به في حديث ابن مسعود وعمر : أن الرجل يشهد بما لا يعمل يكون شاهد زور.
وقد قيل المراد به : كراهية الحلف بالشهادة والإكثار منه ، والله أعلم.
1265 - باب ما على من دعى ليشهد قبل أن يشهد أو ليكتب
5896 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : قال الله تعالى (7/389)
{ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله}.
يحتمل أن يكون حتماً على من دعي للكتاب فإن تركه تاركاً كان عاصياً ويحتمل أن يكون على من حضر من الكتاب أن لا يعطوا كتاب حق بين رجلين فإذا قام به واحد أجزأ عنهم كما حق عليهم أن يصلوا على الجنائز ويدفنوها فإذا قام بها من يكفلها أخرج ذلك من تخلف عنها من المأثم ولو ترك كل من حضر الكتاب حقت أن يأثموا بل كأني لا أراهم يخرجون من المأثم وأيهم قام به أجزأ عنهم.
وهذا أشبه معانيه به . والله أعلم.
قال : وقول الله جل وعز : {ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا}.
يحتمل ما وصفت من أن لا يأبى كل شاهد ابتدى فيدعا ليشهد ويحتمل أن يكون فرضاً على من حضر الحق أن يشهد منهم من فيه الكتابة للشهادة فإذا شهدوا أخرجوا غيرهم من المأثم وهذا أشبه 262 ب معانيه به . والله أعلم.
قال : فأما من سبقت شهادته بأن أشهد أو علم حقاً لمسلم أو معاهد فلا يسعه التخلف عن تأدية الشهادة متى طلبت منه في موضع مقطع الحق.
قال الشافعي في رواية أبي عبد الله إجازة : وقال جل ثناؤه : {ولا يضار كاتب ولا شهيد}.
فأشبه أن يكون يخرج من ترك ذلك ضراراً وفرض القيام بها في الابتداء على الكفاية.
قال أحمد : وقد روينا عن ابن عباس في هذه الآية قال : أن يجيء فيدعو الكاتب والشهيد فيقولان إنّا على حاجة فيضار بهما فقال : قد أمرتما أن تجيبا فلا يضارهما.
(7/390)
1266 - باب شرط الذين تقبل شهادتهم
5897 - أنبأني أبو عبد الله إجازة أن أبا العباس حدثهم عن الربيع عن الشافعي قال : قال الله جل ثناؤه : {اثنان ذوا عدل منكم}.
وقال : {واستشهدوا شهيدين من رجالكم}.
إلى قوله : {ممن ترضون من الشهداء}.
قال الشافعي : فكان الذي يعرف من خوطب بهذا إنما أريد به الأحرار المرضيون المسلمون من قبل أن رجالنا ومن نرضى من أهل ديننا لا المشركون لقطع الله تعالى الولاية بيننا وبينهم بالدين ورجالنا أحرارنا لا مماليكنا الذين يغلبهم من يتملكهم على كثير من أمورهم وإنّا لا نرضى أهل الفسق منا.
وأن الرضا إنما يقع على العدول بنا ولا يقع إلا على البالغين لأنه إنما خوطب بالفرائض البالغون دون من لم يبلغ.
وبسط الكلام في هذا إلى أن قال : غير أن من أصحابنا من ذهب إلى أن يجيز شهادة الصبيان في الجراح ما لم يتفرقوا.
وقول الله تعالى : {من رجالكم} يدل على أن لا تجوز شهادة الصبيان (7/391)
- والله أعلم - في شيء.
فإن قال قائل : أجازها ابن الزبير.
قيل : وابن عباس ردها.
5898 - أخبرنا أبو بك وأبو زكريا قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس في شهادة الصبيان لا تجوز.
قال : وزاد ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس لأن الله جل وعز يقول : {ممن ترضون من الشهداء}.
5899 - وفيما أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس عن الربيع عن الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال : عدلان حران مسلمان.
يعني قوله : {ممن ترضون من الشهداء}.
قال أحمد : وقال أبو يحيى الساجي : 263 أ روي عن علي والحسن والنخعي والزهري ومجاهد وعطاء : لا تجوز شهادة العبيد.
قال : وقال أنس بن مالك : أرى أن تقبل شهادة العبد إذا كان عدلاً في الحقوق بين الناس.
وقال ابن المنذر (7/392)
روي قبول شهادة العبد عن علي بن أبي طالب وقاله أنس بن مالك.
وقال : ما علمت أن أحداً رد شهادة العبد . وهو قول محمد بن سيرين وشريح.
5900 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : وفي قول الله جل وعز : {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} إلى : {ممن ترضون من الشهداء}.
وقول الله : {وأشهدوا ذوي عدل منكم}.
دلالة على أن الله إنما عني المسلمين دون غيرهم.
وقال في موضع آخر 5901 - بهذا الإسناد : فلما وصف الشهود مِنّا دَلَّ على أنه لا يجوز أن نقضي بشهادة شهود من غيرنا.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : وكيف يجوز أن ترد شهادة مسلم بأن تعرفه يكذب على بعض الآدميين ونجيز شهادة ذمي وهو يكذب على الله تبارك وتعالى.
قال : والمماليك العدول والمسلمون الأحرار وإن لم يكونوا عدولاً خير من المشركين.
فكيف أجيز شهادة الذي هو شر وأرد شهادة الذي هو خير بلا كتاب ولا سنة ولا أثر ولا أمر اجتمعت عليه عوام الفقهاء ؟ ومن أجاز شهادة أهل الذمة فأعدلهم عندهم أعظمهم بالله شركاً أسجدهم للصليب وألزمهم للكنيسة.
(7/393)
قال : فقال لي قائل : إن شريحاً أجاز شهادتهم فيما بينهم.
فقلت له : أرأيت شريحاً لو قال قولاً لا مخالف له فيه مثله ولا كتاب فيه يكون قوله حجة ؟ قال : لا . قلت : فكيف تحتج به على الكتاب ثم على دار السُنة والهجرة وعلى مخالفين له من أهل دار الهجرة والسُنة.
قال الشافعي في موضع آخر : وقد أجاز شريح شهادة العبد فقال له المشهود عليه أتجيز عليّ شهادة عبد ؟ فقال : ثم كلكم بنو عبيد وإماء.
وليس في الآية بعينها بيان الحرية وهي محتملة لها.
وفي الآية بيان شرط الإسلام فلِمَ وافق شريحاً مرة وخالفه أخرى ؟ قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد : وإن احتج من يجيز شهادتهم بقول الله : {أو آخران من غيركم}.
فقال : من غير أهل دينكم.
فكيف لم تجزها فيما ذكرت فيه من الوصية على المسلمين في السفر.
وكيف لم تجزها من جميع المشركين وهم غير أهل الإسلام.
وبسط الكلام في ذلك.
قال الشافعي : وقد سمعت من يتأول هذه الآية على من غير قبيلتكم من المسلمين ويحتج فيها بقول 263 ب الله تبارك وتعالى : {تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ (7/394)
ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللهِ إِنَّا إذاً لَّمِنَ الآثِمِينَ}.
فيقول الصلاة للمسلمين والمسلمون يتأثمون من كتمان الشهادة.
فأما المشركون فلا صلاة لهم قائمة ولا يتأثمون من كتمان الشهادة للمسلمين ولا عليهم.
قال : وقد سمعت من يذكر أنها منسوخة بقول الله : {وَأَشْهِدُواْ ذَوَيْ عَدِلٍ مِّنكُمْ} ، والله أعلم.
قال أحمد : أما ما سمع فيها من التأويل الأول فقد رويناه عن الحسن البصري بقوله : {تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ}.
ورويناه عن عكرمة.
وأما ما سمع فيها من النسخ : فقد رواه عطية عن ابن عباس.
قال الشافعي : وقلت لمن خالفنا في هذا : إنما ذكر الله هذه الآية في وصية مسلم أفتجيزها في وصية مسلم في السفر ؟ قال : لا . قلت : أوَتُحلفهم إذا شهدوا ؟ قال : لا . قلت : ولِمَ وقد تأولت أنها في وصية مسلم ؟ قال : لأنها منسوخة.
قلت : فإن نسخت فيها أنزلت فيه لِمَ تثبتها فيما لم تنزل فيه ؟ قال أحمد (7/395)
وقد ذهب الشافعي في تأويل الآية في كتاب الجزية إلى ما 5902 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا أبو سعد معاذ بن موسى الجعفري عن بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان قال : بكير قال مقاتل : أخذت هذا التفسير عن مجاهد والحسن والضحاك في قول الله تبارك وتعالى : {اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم} الآية.
أن رجلين نصرانيين من أهل دارين أحدهما تميمي أو قال تميم . والآخر يماني . صحبهما مولى لقريش في تجارة فركبوا البحر ومع القرشي مال معلوم قد علمه أولياؤه من بين آنية وبزورقه فمرض القرشي فجعل وصيته إلى الداريين فمات وقبض الداريان المال والوصية فدفعاه إلى أولياء الميت وجاءا ببعض ماله فأنكر القوم قلة المال فقالوا للداريين : إن صاحبنا قد خرج معه بمال أكثر مما أتيتمونا به فهل باع شيئاً أو اشترى شيئاً فوضع فيه أو هل طال مرضه فأنفق على نفسه ؟ قالا : لا . قالوا فإنكما خنتمانا فقبضوا المال ورفعوا أمرهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل : {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم} إلى آخر الآية.
فلما نزلت : {تحبسونهما من بعد الصلاة}.
أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقاما بعد الصلاة فحلفا بالله رب السماوات ما ترك مولاكم من المال إلا ما أتيناكم به وإنَّا لا نشتري بأيماننا ثمناً قليلاً من الدنيا.
{وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى 264 أ وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللهِ إِنَّا إذاً لَّمِنَ الآثِمِينَ}.
فلما حلفا خلى سبيلهما ثم أنهم وجدوا بعد ذلك إناءً من آنية الميت فأخذا الداريان فقالا : اشترياه منه في حياته وكذبا وكلفا البينة فلم يقدرا عليها فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل : {فإن عثر على أنهما استحقا إثما}.
(7/396)
يعني الداريين كتما حقاً فآخران من أولياء الميت يقومان : {يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان}.
فيحلفان بالله أن مال صاحبنا كان كذا وكذا وأن الذي نطلب قبل الداريين لحق.
{وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين}.
فهذا قول الشاهدين أولياء الميت.
{ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها}.
يعني الداريين والناس أن يعودا لمثل ذلك.
قال الشافعي : يعني من كان في مثل حال الداريين من الناس ولا أعلم الآية تحتمل معنى غير جملة ما قال.
ثم ساق الكلام في بيان ذلك وقال في أثناء إنما معنى {شهادة بينكم} أيمان بينكم كما سميت أيمان المتلاعنين شهادة.
واستدل على ذلك بأنّا لا نعلم المسلمين اختلفوا في أنه ليس على شاهد يمين قبلت شهادته أوردت ولا يجوز أن يكون إجماعهم خلاف لكتاب الله عز وجل.
قال أحمد : ويحتمل أن يكون المراد بقوله : {شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم}.
الشهادة نفسها وهو أن يكون للمدعيين إثنان ذوا عدل من المسلمين يشهدان لهم بما ادعوا على الداريين من الخيانة ثم قال (7/397)
{أو آخران من غيركم}.
يعني إذا لم يكن للمدعيين منم بينة فالداريان اللذان ادعى عليهما يحبسان من بعد الصلاة فيقسمان بالله - يعني يحلفان - على إنكار ما ادعى عليهما على ما حكاه مقاتل والله أعلم.
وهذا بين وأصح.
وقد ثبت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس معنى ما قال مقاتل بن حيان إلا أنه لم يحفظ في حديثه دعوى تميم وعدي أنهما اشترياه وحفظه مقاتل.
5903 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا الحسن بن علي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن أبي زائدة عن محمد بن أبي القاسم عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس قال : خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بذا فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم فلما قدما بتركته فقدوا جام فضة مخوص بالذهب فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم وجد الجام بمكة فقالوا : اشتريناه من تميم وعدي فقام رجلن من أولياء السهمي فحلفا 264 ب لشهادتنا أحق من شهادتهما وأن الجام لصاحبنا.
قال : فنزلت فيهم : {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت} الآية.
رواه البخاري عن علي بن المديني عن يحيى بن آدم.
وفي حديث عليّ قال : وفيهم نزلت هذه الآية.
وأما الذي روي فيه عن أبي خالد الأحمر عن مجالد عن الشعبي عن جابر : أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة اليهود بعضهم على بعض أو قال شهادة أهل الكتاب.
(7/398)
فإنه غلط وإنما رواه غيره عن مجالد عن الشعبي قال : كان شريج يجيز شهادة كل ملة على ملتها ولا يجيز شهادة اليهودي على النصراني ولا النصراني على اليهودي إلا المسلمين فإنه كان يجيز شهادتهم على الملل كلها.
هكذا رواه عبد الواحد بن زياد عن مجالد.
ورواه داود بن أبي هند عن الشعبي عن شريح : إذا مات الرجل في أرض غُربة فلم يجد مسلماً فأشهد من غير المسلمين شاهدين فشهادتهما جائزة فإن جاء مسلمان فشهدا بخلاف ذلك أُخذ بهما.
وفي رواية إبراهيم عن شريح أنه كان لا يجيز شهادة يهودي ولا نصراني على المسلمين إلا في الوصية ولا يجيزها في الوصية إلا في السفر.
وروينا عن أبي موسى الأشعري في شهادة نصرانيين على وصية لم يشهد موته غيرهما فأحلفهما بعد العصر وأجاز شهادتهما.
وهذا كله يخالف مذهب العراقيين في شهادة أهل الكتاب.
وقد روى عمر بن راشد اليمامي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تجوز شهادة ملة على ملة إلا ملة محمد فإنها تجوز على غيرهم.
فلم نر أن نحتج به لضعف حال عمر بن راشد عند أهل النقل.
وبالله التوفيق.
(7/399)
1267 - باب القضاء باليمين مع الشاهد
5904 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الله بن الحارث بن عبد الملك المخزومي عن سيف بن سليمان المكي عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد.
قال عمرو : في الأموال.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد : حديث ابن عباس ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرد أحد من أهل العلم مثله لو لم يكن فيه غيره مع أن معه غيره مما يشده.
قال أحمد : هذا حديث بين رواه جماعة من الأئمة 265 أ عن عبد الله بن الحارث منهم أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي.
وقد رواه زيد بن الحباب عن سيف بن سليمان كما رواه عبد الله بن الحارث.
ومن ذلك الوجه أخرجه مسلم بن الحجاج في الصحيح.
5905 - أخبرناه أبو الحسين بن بشران العدل أخبرنا أبو جعفر الرزاز حدثنا يحيى بن أبي طالب حدثنا زيد بن الحباب.
5906 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا الحسن بن علي بن عفان حدثنا زيد بن الحباب حدثني سيف بن سليمان المكي قال (7/400)
حدثني قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد ويمين.
أخرجه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير عن زيد بن الحباب.
وأخرجه أبو داود السجستاني في كتاب السنن عن عثمان بن أبي شيبة وغيره عن زيد بن الحباب.
5907 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو تراب أحمد بن محمد الطوسي حدثنا محمد بن المنذر بن سعيد الهروي حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : سمعت الشافعي يقول : قال لي محمد بن الحسن : لو علمت أن سيف بن سليمان يروي حديث اليمين مع الشاهد لأفسدته عند الناس.
قلت : يا أبا عبد الله إذا أفسدته فسد.
قال أحمد : سيف بن سليمان المكي من الثقات الذين احتج بهم البخاري ومسلم وغيرهما ممن جمع الصحيح.
وقد قال علي بن المديني : سألت يحيى بن سعيد القطان عن سيف بن سليمان فقال : كان عندي ثبتاً ممن يصدق ويحفظ.
5908 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر الحفيد حدثنا هارون بن عبد الصمد حدثنا علي بن المديني . فذكره.
ورأيت أبا جعفر الطحاوي رحمنا الله وإياه أنكره واحتج بأنه لا يعلم قيساً يحدث عن عمرو بن دينار بشيء والذي يقتضيه مذهب أهل الحفظ والفقه في قبول (7/401)
الأخبار أنه متى ما كان قيس بن سعد ثقة والراوي عنه ثقة ثم يروي عن شيخ تحتمله سِنَّة ولٌ قية غير معروف بالتدليس كان ذلك مقبولاً وقيس بن سعد مكي وعمرو بن دينار مكي.
وقد روى قيس عن من هو أكبر سناً وأقدم موتاً من عمرو : عطاء بن أبي رباح ومجاهد بن جبير.
وروي عن عمرو من كان في قرن قيس وأقدم لقياً منه : أيوب بن أبي تميمة السختياني.
فإنه رأى أنس بن مالك وروي عن سعيد بن جبير ثم روي عن عمرو بن دينار.
فمن أين جاء إنكار رواية قيس بن عمرو غير أنه روي عنه ما يخالف 265 ب مذهب هذا الشيخ ولم يمكنه أن يطعن فيه بوجه آخر فزعم أنه منكر.
وقد روى جرير بن حازم وهو من الثقات عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : أن رجلاً وقصته ناقته وهو محرم . فذكر الحديث.
فقد علمنا قيساً روى عن عمرو بن دينار غير حديث اليمين مع الشاهد فلا يضرنا جهل غيرنا.
ثم تابع قيس بن سعد على روايته هذه عن عمرو محمد بن مسلم الطائفي.
5909 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو بكر بن إسحاق أخبرنا علي بن عبد العزيز حدثنا أبو حذيفة حدثنا محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن ابن عابس أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد.
5910 - وأخبرنا أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن يحيى وسلمة بن شبيب قالا : حدثنا عبد الرزاق أخبرنا محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار بإسناد قيس ومعناه.
قال سلمة في حديثه : قال عمرو في الحقوق.
(7/402)
وقد روي ذلك من وجه آخر عن ابن عباس.
5911 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا إبراهيم بن محمد عن ربيعة بن عثمان عن معاذ بن عبد الرحمن عن ابن عباس ورجل آخر سماه فلا يحضرني ذكر اسمه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد.
وقد روي من أوجه أخر عن النبي صلى الله عليه وسلم منها ما 5912 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد بن أبي عبيد الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعيد بن سعد بن عبادة عن أبيه عن جده قال : وجدنا في كتب سعد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد.
قال الشافعي : وذكر عبد العزيز بن المطلب عن سعيد بن عمرو عن أبيه قال : وجدنا في كتب سعد بن عبادة شهد سعد بن عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عمرو بن حزم أن يقضي باليمين مع الشاهد.
5913 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا بحر بن نصر قال : حدثنا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة ونافع بن يزيد عن عمارة بن غزية الأنصاري عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل بن سعد بن عبادة : أنه وجد كتاباً في كتب آبائه : هذا ما رقع أو ذكر عمرو بن حزم والمغيرة بن شعبة قالا : بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل رجلان 266 أ يختصمان مع أحدهما شاهد له على حقه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمين صاحب الحق مع شاهده فاقتطع بذلك حقه .(7/403)
ومنها ما 5914 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد.
قال عبد العزيز : فذكرت ذلك لسهيل فقال : أخبرني ربيعة - وهو عندي ثقة - أنه حدثه إياه ولا أحفظه.
قال عبد العزيز : قد كان أصاب سهيلاً علة أذهبت بعض عقله ونسي بعض حديثه وكان سهيل بعد يحدثه عن ربيعة عنه عن أبيه.
أخرجه أبو داود في كتاب السنن عن الربيع بن سليمان.
وأخرجه من حديث سليمان بن بلال عن ربيعة . وربيعة : ثقة حجة.
وقد ينسى المحدث حديثه فلا يقدح ذلك في سماع من سمعه منه قبل النسيان.
هذا عمرو بن دينار المكي يروي عن أبي معبد عن ابن عباس قال : كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله بالتكبير.
قال عمرو بن دينار : ثم ذكرته لأبي معبد بعد فقال : لم أحدثكه.
قال عمرو : وقد حدثنيه وكان من أصدق موالي ابن عباس.
5915 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن عمرو فذكره.
قال الشافعي : كأنه نسيه بعد ما حدثه إياه.
ولهذا أمثال كثيرة قد ذكرنا بعضها في كتاب المدخل.
(7/404)
وقد رواه المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا إسناد صحيح.
ومنها ما 5916 - أخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أنه قال لبعض من بناظره قال : فقلت له : روى الثقفي - وهو ثقة - عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد.
وهذا الحديث لم يحتج به الشافعي في هذه المسألة لذهاب بعض الحفاظ إلى كونه غلطاً.
وقد رواه عن عبد الوهاب جماعة من الحفاظ منهم : علي بن المديني وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي.
وقد روي عن حميد بن الأسود وعبد الله العمري وهشام بن سعد وإبراهيم بن أبي حية عن جعفر بن محمد كذلك موصولاً.
266 ب ورواه سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده وقيل عنه عن أبيه عن جده عن علي.
5917 - وأخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم بن خالد قال : حدثني جعفر بن محمد قال سمعت الحكم بن عتيبة يسأل أبي وقد وضع يده على جدار القبر ليقوم : أقضى النبي صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد ؟ قال : نعم وقضى بها عليّ بين أظهركم.
قال مسلم : قال جعفر في الدين.
(7/405)
5918 - وأخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان بن عيينة عن خالد بن أبي كريمة عن أبي جعفر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد.
5919 - وبهذا الإسناد قال أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الشهادة فإن جاء شاهد أُحلف مع شاهده.
قال أحمد : وقد رواه مطرف بن مازن عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عنه جده.
5920 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن ابن المسيب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد.
5921 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن أبي الزناد أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وهو عامل له بالكوفة : أن أقض باليمين مع الشاهد.
5922 - وبإسناده قال أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة من أصحابنا عن محمد بن عجلان عن أبي الزناد أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن وهو عامله على الكوفة.
(7/406)
أن أقض باليمين مع الشاهد فإنها السُنة.
قال أبو الزناد : فقام رجل من كبرائهم فقال : أشهد أن شريحاً قضى بهذا في هذا المسجد.
5923 - وبإسناده قال أخبرنا الشافعي أخبرنا مروان بن معاوية الفزاري حدثنا حفص بن ميمون الثقفي قال : خاصمت إلى الشعبي في موضحة فشهد القائس أنها موضحة.
فقال الشج للشعبي : أتقبل عليّ شهادة رجل واحد ؟ قال الشعبي : قد شد القائس أنها موضحة ويحلف المشجوج على مثل ذلك.
قال : فقضى الشعبي فيها.
قال الشافعي : وذكر عن هشيم عن مغيرة أن الشعبي قال : أن أهل المدينة يقضون باليمين مع الشاهد.
5924 - وبإسناده قال أخبرنا الشافعي 267 أ أخبرنا مالك أن سليمان بن يسار وأبا سلمة بن عبد الرحمن سُئلا أيقضي باليمين مع الشاهد ؟ فقال : نعم.
قال الشافعي : وذكر حماد بن زيد عن أيوب بن أبي تميمة عن محمد بن سيرين أن شريحاً قضى باليمين مع الشاهد.
وذكر إسماعيل بن علية عن أيوب عن ابن سيرين أن عبد الله بن عتبة بن مسعود قضى باليمين مع الشاهد.
(7/407)
قال : وذكر هشيم عن حصين قال : خاصمت إلى عبد الله بن عتبة بن مسعود فقضى باليمين مع الشاهد.
قال : وذكر عبد العزيز الماجشون عن رزيق بن حكيم قال : كتبت إلى عمر بن عبد العزيز أخبره أني لم أجد اليمين مع الشاهد إلا بالمدينة ؟ ! قال : فكتب إليّ أن أقضِ بها فإنها السُنة.
قال الشافعي : وذكر عن إبراهيم بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن أبي جعفر محمد بن علي : أن أُبي بن كعب قضى باليمين مع الشاهد.
وعن عمران بن حدير عن أبي ملجز قال : قضى زرارة بن أبي أوفى فقضى بشهادتي وحدي.
قال : وقال شعبة عن أبي قيس وعن أبي إسحاق أن شريحاً أجاز شهادة كل واحد منهما وحده.
قال أحمد : وروينا عن يحيى بن يعمر : أنه كان يقضي بشهادة شاهد ويمين.
ورويناه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن.
5925 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا(7/408)
محمد بن إسحاق الصغاني حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا كلثوم بن زياد قال : أدركت سليمان بن حبيب والزهري يقضيان بذلك.
يعني بشاهد ويمين.
وقال كلثوم : وكان أبو ثابت سليمان بن حبيب قاضي أهل المدينة ثلاثين سنة يقضي باليمين مع الشاهد.
وحكاه أبو الزناد عن أصحابه الذين ينتهي إلى قولهم من أهل المدينة.
5926 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : فخالفنا في اليمين مع الشاهد مع ثبوتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الناس ( . . . ).
وذكر الجواب عن كل واحد منها.
267 ب ونَقْلُها ها هنا مما يطول به الكتاب.
ومما حكي عن بعضهم أنه قال : فإن مما رددنا به اليمين مع الشاهد : أن الزهري أنكرها.
قال الشافعي : فقلت : لقد قضى بها الزهري حين ولي فلو كان أنكرها ثم عرفها وكتب إنما اقتديت به فيها.
كان ينبغي أن يكون أثبت لها عندك أن يقضي بها بعد إنكارها وتعلم أنه إنما أنكرها غير عارف وقضى بها مستفيداً علمها.
ثم ناقضهم بإنكار علي رضي الله عنه حديث بروع بنت واشق ومع علي زيد بن ثابت وابن عمر وابن عباس وهم يقولون بحديث بروع وإنكار عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عمار بن ياسر تيمم الجنب ومع عمر بن مسعود وقد قلنا بتيمم الجنب.
(7/409)
0 @وبإنكار أسامة بن زيد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة وبه كان ابن عباس يفتي وقد علمنا بحديث بلال أنه صلى فيها.
قال الشافعي : إذا كان من أنكر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه لا يبطل قول من روى الحديث.
كان الزهري إذا لم يدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بأن لا يوهن به حديث من حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال : احتج به أصحابنا وبأن عطاء أنكرها.
قال الشافعي : بالزنجي بن خالد أخبرنا عن ابن جريج عن عطاء أنه قال : لا رجعة إلا بشاهدين إلا أن يكون عذر فيأتي بشاهد ويحلف مع شاهده.
فعطاء يفتي باليمين مع الشاهد فيما لا يقول به أحد من أصحابنا ولو أنكرها عطاء هل كانت الحجة فيه إلا كهي في الزهري.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : فقال : فإنه بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد.
أن خزيمة بن ثابت شهد لصاحب الحق فسألت من أخبره فإذا هو يأتي بخبر ضعيف لا يثبت عندنا مثله ولا عنده ثم أبطله بأنه أحلف صاحب الحق معه ولو كان يقوم مقام شاهدين لم يحلف صاحب الحق معه.
ثم ذكر حجتهم بالآية وبما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : والبينة على 268 أ المدعي واليمين على من أنكر.
وأجاب عن الآية بأن اليمين مع الشاهد لا يخالف من ظاهر القرآن شيئاً لأنّا (7/410)
1 @نحكم بشاهدين وبشاهد إمرأتين ولا يمين فإذا كان شاهد حكمنا بشاهد ويمين بالسُنة وليس هذا يخالف ظاهر القرآن لأنه لم يحرم أن يجوز أقل مما نص عليه في كتابه ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بمعنى ما أراد الله عز وجل.
وقد أمرنا الله عز وجل أن نأخذ ما أتانا به وننتهي عما نهانا . ونسأل الله العصمة والتوفيق.
وأجاب عن الخبر بأنه علي خاص واستدل عليه بحديث القسامة وبما رووا فيها عن عمرو وذكر فصلاً في أن حديث : اليمين على المدعي واليمين على من أنكر.
فإنه إنما رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه عمرو بن شعيب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى باليمين مع الشاهد.
وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قضى باليمين مع الشاهد.
وروى ذلك عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى ذلك أبو هريرة وسعد بن عبادة.
أظنه قال : وأبو جعفر وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز عن النبي صلى الله عليه وسلم فرددته وهو أكثر وأثبت.
وثبتها وثبت معنا الذي هو دونه.
قال أحمد : وقد أخرجه أبو داود في كتاب السنن من حديث الزبيب عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخرجاه من حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن حديث علي بن أبي طالب وعمرو بن حزم والمغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(7/411)
2 @فحديث اليمين مع الشاهد أكثر رواة كما قال الشافعي رحمه الله.
1268 - باب موضع اليمين
5927 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عن عبيد بن نسطاس 268 ب عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من حلف على منبري هذا بيمين آثمة تبوأ مقعده من النار.
ورواه أبو ضمرة وأبو زيد بن شجاع بن الوليد عن هاشم وقالا في الحديث : عند المنبر.
5928 - وأخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا أبو جعفر الرزاز حدثنا يحيى بن جعفر أخبرنا الضحاك بن مخلد أخبرنا الحسن بن يزيد عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من حلف عند منبري على يمين آثمة ولو سواك رطب وجبت له النار.
هذا إسناد حسن.
5929 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أُخبرنا عن الضحاك بن عثمان الحزامي عن نوفل بن مساحق العامري عن المهاجر بن أبي أمية قال : كتب إليّ أبو بكر الصديق رضي الله عنه : أن أبعث إليّ بقيس بن مكشوح في وثاق فأحلفه خمسين يميناً عند منبر (7/412)
3 @النبي صلى الله عليه وسلم ما قتل دا ذُوي.
ورواه في القديم فقال :
أَخْبَرَنَا من نثق به عن الضحاك بن عثمان عن المقبري عن نوفل بن مساحق فذكره بمعناه وأتم منه.
5930 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن داود بن الحصين أنه سمع أبا غطفان بن طريف المري قال : اختصم زبد بن ثابت وابن مطيع إلى مروان بن الحكم في دار فقضى باليمين على زيد بن ثابت على المنبر فقال زيد : أحلف له مكاني.
فقال مروان : لا والله إلا عند مقاطع الحقوق.
فجعل زيد يحلف أن حقه لحق ويأبى أن يحلف على المنبر.
فجعل مروان يتعجب من ذلك.
قال مالك : كره زيد صبر اليمين.
قال الشافعي في روايتنا عن أبي سعيد : وبلغني أن عمر بن الخطاب حلف على المنبر في خصومة كانت بينه وبين رجل.
وأن عثمان ردت عليه اليمين على المنبر فاتقاها وافتدى منها وقال : أخاف أن توافق قدر بلاء فيقال بيمينه.
قال الشافعي : واليمين على المنبر ما لا اختلاف فيه عندنا في قديم ولا حديث علمته.
(7/413)
4 @5931 - 269 أ أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : ومن حجتهم فيه مع إجماعهم - يريد حكام المكيين - أن مسلماً والقداح أخبراني عن ابن جريج عن عكرمة بن خالد : أن عبد الرحمن بن عوف رأى قوماً يحلفون بين المقام والبيت فقال أعليَّ دم ؟ فقالوا : لا.
قال : فعلي عظيم من الأموال ؟ قالوا : لا.
قال : لقد حشيت أن يَبْهى الناس بهذا المقام.
قال الشافعي : فذهبوا إلى أن العظيم من أموال ما وصفت من عشرين ديناراً فصاعداً.
قال : وقال مالك : يحلف على المنبر على ربع دينار.
قال الشافعي : ولسنا نقول بهذا.
قال الشافعي : وقد روى الذين خالفونا في هذا حديثاً يثبتونه عندهم عن منصور عن الشعبي وعن عاصم الأحول عن الشعبي : أن عمر حلف قوماً من اليمن فأدخلهم الحجر فأحلفهم.
فإن كان هذا ثابتاً عن عمر فكيف أنكروا علينا أن يحلف من بمكة بين الركن والمقام ومن بالمدينة على المنبر ونحن لا نجلب أحداً من بلده.
قال أحمد : وقد روينا معنى هذا عن شعبة عن منصور.
(7/414)
5 @5933 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : فعاب علينا اليمين على المنبر بعض الناس وقال أن زيداً أنكر اليمين على المنبر.
قلت له : زيد من أكرم أهل المدينة على مروان فأحراهم أن يقول له ما أراده ويرجع مروان إلى قوله.
أَخْبَرَنَا مالك : أن زيداً دخل على مروان فقال : أتحل بيع الربا ؟ فقال مروان : أعوذ بالله . فقال : إن الناس يتبايعون الصكوك قبل أن يقبضونها.
فبعث مروان حرساً يردونها.
قال الشافعي : فلو لم يعرف زيداً أن اليمين عليه لقال لمروان : ما هذا عليّ.
وبسط الكلام في الجواب عنه.
واحتج في الاستحلاف بعد العصر بقول الله عز وجل : {تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله}.
وقال المفسرون صلاة العصر.
قال أحمد : قد روينا عن أبي موسى : أنه أحلفهما بعد العصر ما خانا.
(7/415)
6 @5933 - وأخبرنا أبو عبد الله وأبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع 269 ب أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الله بن مؤمل عن ابن أبي مُليكة قال : كتبت إلى ابن عباس من الطائف في جاريتين ضربت إحداهما الأخرى ولا شاهد عليهما.
فكتب : أن أحبسهما بعد العصر ثم إقرأ عليهما : {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا}.
ففعلت فاعترفت.
5934 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : وقد كان من حكام الآفاق من يستحلف على المصحف وذلك عندي حسن.
قال : وأخبرنا مطرف بن مازن بإسناد لا أحفظه : أن ابن الزبير بأن يحلف على المصحف.
قال الشافعي : ورأيت مطرف بصنعاء يحلف على المصحف.
1269 - باب التغليظ في اليمين الفاجرة
5935 - أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد أخبرنا أبو النضر شافع بن محمد أخبرنا أبو جعفر بن سلامة حدثنا المزني حدثنا الشافعي عن سفيان عن جامع بن أبي راشد وعبد الملك يعني بن أعين سمعا أبا وائل يخبر عن عبد الله بن مسعود قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (7/416)
7 @ من حلف على يمين ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان.
ثم قرأ علينا النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب الله : {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} الآية.
أخرجاه في الصحيح من حديث سفيان.
5936 - وبإسناده قال حدثنا الشافعي عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن معبد بن كعب عن أخيه عبد الله بن كعب بن مالك عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : منَ اقتطع حق مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار.
قالوا : وإن كان يسيراً يا رسول الله ؟ قال : وإن كان قضيباً من أراك.
قالها ثلاثاً.
أخرجه مسلم من حديث إسماعيل بن جعفر عن العلاء.
5937 - وبإسناده قال حدثنا الشافعي عن ابن عيينة عن ابن إسحاق - يعني محمداً - عن معبد بن كعب عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من حلف على يمين ليقتطع بها مال إمرئ مسلم لقي الله 270 أ وهو عليه غضبنان.
قيل : يا رسول الله وإن كان شيئاً يسيراً ؟ قال : وإن كان سواكاً من أراك.
(7/417)
8 @وفي مسائل حرملة عن مالك أنه قال : لا بأس أن يفتدي الرجل بيمينه بالشيء يعطيه الذي يريد أن يستحلفه.
وقال الشافعي : قال أحمد : قد روينا عن حذيفة أنه أراد أن يشتري يمينه.
وعن جبير بن مطعم أنه فدا يمينه بعشرة آلاف درهم.
قال الشافعي في رواية الربيع : ويحلف الذميون في بيعهم وحيث يعظمون وعلى التوراة والإنجيل وما عظموا من كتبهم.
قال أحمد : قد روينا في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قضية الرجم فقال لهم : يا معشر اليهود أُنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة من العقوبة على من زنا وقد أحصن ؟ قال الشافعي : ويطلب الرجل في حق نفسه على البت وعلى علمه في أبيه.
وبسط الكلام في شرحه.
وقد روينا عن أبي يحيى عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل حلفه : أحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما له عندك شيء.
(7/418)
9 @يعني للمدعي.
وروينا في حديث الأشعث بن قيس : أن رجلاً من كِندة ورجل من حضرموت اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض باليمن فقال الحضرمي : يا رسول الله أرض اغتصبها أو هذا.
فقال للكندي : ما تقول ؟ قال أقول : إنها أرضي وفي يدي ورثتها من أبي.
فقال للحضرمي : هل لك بينة ؟ قال : لا ولكن يحلف يا رسول الله بالذي لا إله إلا هو ما يعلم أنها أرضي اغتصبها أبوه.
فتهيأ الكندي لليمين.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه لا يقتطع رجل مالا بيمينه إلا لقي الله يوم القيامة وهو أجذم.
فردها الكندي.
5938 - أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد حدثنا تمتام حدثنا أبو نعيم حدثنا الحارث بن سلميان الكندي حدثني كردوس الثعلبي عن أشعث بن قيس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فذكره.
(7/419)
1270 - باب من بدأ فحلف قبل أن يحلفه الحاكم أعاد الحاكم عليه اليمين 270 ب حتى يكون يمينه بعد خروج الحكم بها
5939 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي قال : فالحجة فيه أن محمد بن علي بن شافع أخبرنا عن عبد الله بن علي بن السائب عن نافع عجير بن عبد يزيد : أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته ثم أتى رسول صلى الله عليه وسلم الله فقال : إني طلقت امرأتي البتة والله ما أردت إلا واحدة.
فردها إليه.
قال الشافعي : وإذا حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ركانة في الطلاق فهذا يدل على أن اليمين في الطلاق كما هي في غيره.
قال أحمد : وروينا عن نافع عن ابن عمر قال : إذا ادعت المرأة الطلاق على زوجها فتناكرا فيمينه بالله ما فعل.
1271 - باب البينة بعد اليمين
5940 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي في المدعي (7/420)
إذا سأل أن يحلف له المدعي أحلفه له القاضي فإن ثبت عليه بينة أخذ له بها وكانت البينة العادلة أولى من اليمين الفاجرة.
وحكى في موضع آخر عن بعض العراقيين أنه قال : بلغنا عن عمر بن الخطاب وشريح أنهما كانا يقولان : اليمين الفاجرة أحق أن ترد من البينة العادلة.
1727 - باب النكول ورد اليمين
احتج الشافعي رحمه الله في ذلك بأنه اللعان كما نقله المزني رحمه الله.
5941 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك بن أنس عن ابن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل أن سهل بن أبي حثمة أخبره ورجال من كبراء قومه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن : تحلفون وتستخفون دم صاحبكم.
قالوا : لا . قال : فتحلف يهود.
5942 - وبإسنادهم قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة والثقفي 271 أ عن يحيى بن سعيد وبشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بالأنصاريين فلما لم يحلفوا رد الأيمان على اليهود.
5943 - وبإسنادهم قال أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك بن أنس عن يحيى عن بشير بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
(7/421)
هكذا روى الشافعي هذه الأخبار ها هنا مختصرة وقد ساقها بمتونها في كتاب القسامة وحمل ها هنا حديث سفيان على حديث عبد الوهاب الثقفي.
وكذلك فعله مسلم بن الحجاج لأن سفيان كان يشك فيه.
وقد بينا ذلك في كتاب القسامة.
5944 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا وأبو سعيد قالوا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك بن أنس عن ابن سهل عن سليمان بن يسار : أن رجلاً من بني سعد بن ليث أجرى فرساً فوطئ على أصبع رجل من جهينة فنزى منها فمات.
فقال عمر للذين ادعى عليهم : تحلفون خمسين يميناً ما مات منها ؟ فأبوا وتحرجوا عن الأيمان.
فقال للآخرين : احلفوا أنتم.
فأبوا.
زاد أبو سعيد في روايته قال : قال الشافعي : فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمين على الأنصاريين يستحقون فلما لم يحلفوا حولها على اليهود يبرؤون بها.
ورأى عمر اليمين على الليثيين يبرؤون بها فلما أبوا حولها على الجهنيين يستحقون بها.
فكل هذا تحويل يمين من موضع قد رئيت فيه إلى الموضع الذي يخالفه.
فبهذا أو ما أدركنا عليه أهل العلم قلنا في رد اليمين.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : فأمضيتُ سُنته في رد اليمين على ما جاءت وسُنته في البينة على المدعي (7/422)
واليمين على المدعي عليه على ما جاءت فيه.
ولم يكن في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم رد اليمين على المدعى عليه بيان أن النكول كالإقرار إذا لم يكن مع النكول شيء يصدقه.
زاد في القديم : واليمين عليه برأ بها إن حلف ولم تكن بينة لا أنه إن لم يحلف لزمه ما ادعى عليه.
ثم ناقضهم في الجديد بالقصاص حيث لم يجعلوا النكول فيه ولا في الحدود كالإقرار.
وفي كتاب الدارقطني عن محمد بن مسروق عن إسحاق بن الفرات عن الليث بن سعد 271 ب عن نافع عن ابن عمر : أن النبي صلى الله عليه وسلم رد اليمين على طالب الحق.
5945 - أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أخبرنا علي بن عمر الحافظ حدثنا أبو هديرة الأنطاكي حدثنا يزيد بن محمد حدثنا سليمان بن عبد الرحمن حدثنا مسروق فذكره.
وكذلك رواه محمد بن المنذر الهروي عن يزيد بن عبد الصمد الدمشقي وسليمان بن أيوب عن سليمان بن عبد الرحمن.
5946 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن المنكدر . فذكره.
وكذلك رواه عثمان بن سعيد الدارمي عن سليمان بن عبد الرحمن.
وهو غريب وفي إسناده من يجهل.
وفي ما مضى كفاية.
(7/423)
وروي عن علي بن أبي طالب : وهو فيما رواه حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي أنه قال : اليمين مع الشاهد فإن لم يكن بينة فاليمين على المدعى عليه فإن نكل حلف المدعي.
وفي رواية أخرى عنه بهذا الإسناد قال : المدعى عليه أولى باليمين فإن نكل أحلف صاحب الحق وأخذ.
وهو في كتاب الدارقطني.
وفي كتاب المخرج لأبي الوليد بإسناد صحيح عن الشعبي وفيه إرسال : أن المقداد استقرض من عثمان بن عفان رضي الله عنه سبعة آلاف درهم فلما تقاضاه قال : إنما هي أربعة آلاف فخاصمه إلى عمر.
فقال المقداد : أحلفه أنها سبعة آلاف.
فقال عمر : أنصفك.
فأبى أن يحلف.
فقال عمر : خذ ما أعطاك.
1273 - باب الشهادات
5947 - أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة أن أبا العباس حدثهم عن الربيع عن الشافعي قال : ليس من الناس أحد نعلمه إلا أن يكون قليلاً يمحض الطاعة والمروءة حتى لا يخلطها بمعصية ولا ترك المروءة ولا يمحض المعصية وترك المروءة حتى لا يخلطها بشيء من الطاعة والمروءة فإن كان الأغلب على الرجل الأظهر من أمره الطاعة (7/424)
والمروءة قبلت شهادته وإذا كان الأغلب الأظهر من أمره المعصية وخلاف المروءة ردت شهادته.
ولك من كان مقيماً على معصية فيها 272 أ حدّ فلا تجوز شهادته.
وكل من كان منكشف الحال في الكذب مظهره غير مستتر به لم تجز شهادته.
وكذلك كل من جرب شهادة زور.
5948 - وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي فيما قرأت عليه قال : سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله بن شاذان الرازي يقول : سمعت أبا الفضل بن المهاجر يقول سمعت المزني يقول : سمعت الشافعي وسُئل من العدل ؟ قال : ما أحد يطيع الله حتى لا يعصيه وما أحد يعصي الله حتى لا يطيعه ولكن إذا كان أكثر عمله الطاعة ولا يقدم على كبيرة فهو عدل.
5949 - وأخبرنا أبو عبد الرحمن قال سمعت أبا عمرو بن مطر يقول سمعت موسى بن عبد المؤمن البستي يقول سمعت ابن عبد الحكم يقول سمعت الشافعي يقول مثله.
5950 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ قراءة عليه قال : سمعت أبا الوليد الفقيه يقول سمعت أبا العباس بن شريح يقول وسئل عن صفة العدالة فقال : يكون حراً مسلماً بالغاً عاقلاً غير مرتكب لكبيرة ولا مصراً على صغيرة ولا يكون تاركاً للمروءة في غالب العادة وهذا تلخيص ما قال الشافعي رحمه الله وفيما 5951 - أخبرنا أبو عبد الله حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : العدل يكون جائز الشهادة في أمور مردوداً قي أمور إذا شهد في موضع يحز بها إلى نفسه زيادة أو يدفع بها عن نفسه غرماً أو إلى والد وولده أو يدفع بها عنهما ومواضع الظنين سواهما - يعني : فهو مردودها.
واحتج الشافعي في القديم في رواية الزعفراني بحديث رواه ابن أبي ذئب عن (7/425)
الحكم بن مسلم عن عبد الرحمن الأعرج قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تجوز شهادة ذي الظنة والحنّة.
5952 - أخبرناه أبو صالح بن أبي طاهر العنبري أخبرنا جدي يحيى بن منصور القاضي حدثنا محمد بن عمرو أخبرنا القعنبي حدثنا ابن أبي ذئب . فذكره وزاد والحنة قال : والحنة الذي تكون بينك وبينه عداوة.
قال الشافعي : وبهذا نأخذ وهو الأمر الذي لم أسمع أحداً من أهل العلم ببلدنا يقول بخلافه ولا يحكي عن أحد من أهل العلم عندنا خلافه وهذا قوي عندنا . والله أعلم.
272 ب وإن كان الحديث فيه منقطعاً.
قال أحمد : وكذا الشافعي هذا المرسل بأن أكثر أهل العلم يقول به.
وقد روي ذلك من وجه آخر منقطعاً ببعض معناه وهو ما أخرجه أبو داود في المراسيل.
وأورده أبو عبيد في كتابه عن طلحة بن عبد الله بن عوف : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث منادياً حتى انتهى إلى الثنية : أنه لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين.
وروي من وجه آخر موصولاً.
5953 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا حفص بن عمر حدثنا محمد بن راشد حدثنا سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (7/426)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد شهادة الخائن والخائنة وذي الغِمْر على أخيه ورد شهادة القانع لأهل البيت وأجازها لغيرهم.
5954 - وأخبرنا أبو علي - يعني الروذباري - أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن خلف حدثنا زيد بن يحيى بن عبيد حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى بإسناده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية ولا ذي غمر على أخيه.
قال أحمد : بلغني عن أبي عبيد أنه قال في هذا الحديث : لا نراه خص به الخيانة في أمانات الناس دون ما افترض الله على عباده وائتمنهم عليه فإنه قد سمى ذلك كله أمانة فقال : {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم}.
فمن ضيع شيئاً مما أمره الله به أو ركب شيئاً مما نهاه الله عنه فليس ينبغي أن يكون عدلاً لأنه لزمه اسم الخيانة.
قال الشافعي : ولا تجوز شهادة الوالد لولده لأنهم منه فكأنه شهد لبعضه ولا لآبائه لأنه من آبائه فإنما شهد لشيء هو منه.
قال : وهذا فيما لا أعرف فيه خلافاً.
قال أحمد : وقد ذكر ابن المنذر الخلاف فيه عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وغيرهما.
وإليه ذهب من أصحابنا أبو ثور والمزني.
(7/427)
وفيما روي عن عمر بن الخطاب في ذلك نظر فمشهور عنه : أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلود في حدث أو مجرب 273 أ عليه شهادة الزور أو ظنين في ولاء أو قرابة.
قال أبو عبيد : الظنين في الولاء والقرابة : الذي يتهم بالدعوى إلى غير أبيه أو المتولي غير مواليه.
وقد يكون أن يتهم في شهادته لقربته كالوالد للولد والولد للوالد.
قال أحمد : وإذا لم تجز شهادته لنفسه وولده بعض منه وهو بعض والده فكيف تجوز شهادته له ؟ والله أعلم.
وأما شهادة الأخ لأخيه : فقد روينا عن ابن الزبير أنه أجازها . وهو قول شريح وعمر بن عبد العزيز والشعبي والنخعي.
قال أحمد : وروينا عن معمر عن موسى وهو ابن شيبة : أن النبي صلى الله عليه وسلم أبطل شهادة رجل في كذبة كذبها.
5955 - أخبرناه أبو الحسين بن بشران أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار حدثنا أحمد بن منصور حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر فذكره.
وهذا مرسل وله شواهد في ذم الكذب.
وروينا في الحديث الثابت عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أمه أم كلثوم بنت عقبة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (7/428)
ليس الكاذب بالذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً.
وقالت لم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث : في الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها.
1274 - باب شهادة أهل الأهواء
كلام الشافعي رحمه الله في كتاب أدب القاضي يدل على أنه كان يذهب إلى قبول شهادتهم إلا أن يكون منهم من يعرف باستحلال شهادة الزور على الرجل لأنه يراه حلال الدم والمال.
فترد شهادته بالزور.
أو يكون منهم من يستحل الشهادة للرجل إذا وثق به فيحلفه له حقه ويشهد له بالبت به ولم يحضره ولم يسمعه فترد شهادته من قبل استحلاله للشهادة بالزور.
أو يكون منهم من يباين الرجل المخالف مباينة العداوة له فترد شهادته من جهة العداوة.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : وأيهم سلم من هذا أجزت شهادته وشهادة من يرى الكذب شركاً بالله أو معصية له وتوجب عليها النار أولى أن تطيب النفس عليها من شهادة من يخفف المأثم 273 ب فيها وكأنه لا يرى بكفرهم وقد حكينا عنه وعن غيره من أئمة الدين أنهم كفروا القدرية ومن أنكر منهم صفات الله الذاتية نحو : الكلام والعلم والقدرة.
فكأنه أراد بالتكفير مما ذهبوا إليه من نفي هذه الصفات التي أثبتها الله تعالى (7/429)
لنفسه في كتابه وجحودهم لها بتأويل بعيد ولم يرد كفراً يخرجون به عن الملة لاعتقادهم إثبات ما أثبت الله في الجملة وإن كانوا تركوا هذا الأصل في بعض ما ذهبوا إليه يشبه فأخطأوا كما لم يخرج عن الملة من أنكر إثبات المعوذتين في المصاحف كسائر السور لما ذهب إليه من الشبهة . والله أعلم.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله : القدرية مجوس هذه الأمة.
فإنما سماهم مجوس لمضاهاة بعض ما يذهبون إليه مذاهب المجوس.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة.
قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله : فيه دلالة على أن هذه الفرق كلها غير خارجين من الدين إذ النبي صلى الله عليه وسلم جعلهم كلهم من أمته وأن المتأول لا يخرج من الملة وإن أخطأ في تأويله.
قال أحمد : وسمعت أبا حازم العبدوي الحافظ يقول : سمعت أبا علي زاهر بن أحمد السرخسي يقول : لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري رحمه الله في داري ببغداد دعاني فأتيته فقال : اشهد عليّ أني لا أكفر أحداً من أهل هذه القبلة لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد وإنما هذا كله اختلاف العبارات.
قال الشافعي (7/430)
وإن كانوا هكذا - يعني أهل الأهواء - فاللاعب بالشطرنج وإن كرهنا له وبالحمام وإن كرهنا له أخف حالاً من هؤلاء بما لا يحصى ولا يقدر.
فأما إن قامر رجل بالحمام أو بالشطرنج رددنا شهادته.
قال أحمد : وإنما لم يرد شهادته إذا لم يقامر به لما فيه من اختلاف العلماء.
5956 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب يقول : سمعت الربيع بن سليمان يقول سمعت الشافعي يقول : لعب سعيد بن جبير بالشطرنج من وراء ظهره فيقول : بأيش دفع كذا . قال بكذا . قال : ادفع بكذا.
5957 - وأخبرنا أبو عبد الرحمن 274 أ السلمي أخبرنا أبو الحسن بن رشيق إجازة حدثنا محمد بن الربيع حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أخبرنا الشافعي قال : كان محمد بن سيرين وهشام بن عروة يلعبان بالشطرنج استدباراً.
قال أحمد : كذا وجدته وأظنه أراد سعيد بن جبير دون ابن سيرين.
فقد روينا عن ابن سيرين أنه كرهه.
وروينا عن الشعبي أنه كان يلعب به.
وعن الحسن أنه كان لا يرى به بأساً.
فأما الكراهية فلما روي فيه عن علي : أنه مر على قوم يلعبون الشطرنج فقال (7/431)
{ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون}.
وروي عنه أنه قال : لغير هذا خلقتم.
وروينا عن ابن عباس وابن عمر ، وأبي سعيد وعائشة أنهم كرهوا ذلك.
وروينا في كراهيته عن أبي جعفر وابن المسيب وابن سيرين وإبراهيم والزهري ويزيد بن أبي حبيب ومالك بن أنس.
وروينا عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يتبع حمامة فقال : شيطان يتبع شيطانه.
5958 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : نكره من وجه الخير اللعب بالنرد أكثر ما نكره اللعب بشيء من الملاهي ولا نحب اللعب بالشطرنج وهي أخف من النرد.
ونكره اللعب بالجزة والغرق وكل ما لعب الناس به . لأن اللعب ليس من صفة أهل الدين ولا المروءة ومن لعب بشيء من هذا على الاستحلال له لم نرد شهادته.
قال : وإن غفل به عن الصلاة فأكثر حتى تفوته ثم يعود له حتى تفوته رددنا شهادته على الاستخفاف بمواقيت الصلاة.
قال والجرة : قطعة خشب يكون فيها حفر يلعبون بها.
(7/432)
5959 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي حدثنا سعدان بن نصر حدثنا إسحاق الأزرق حدثنا سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لعب بالنردشير فهو كمن غمس يده في لحم الخنزير ويده.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث الثوري.
5960 - وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أخبرنا أبو الحسن الطرائفي حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا القعنبي فيما قرأ على مالك عن موسى بن ميسرة عن 274 ب سعيد بن أبي هند عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله.
رواه الشافعي في كتاب حرملة عن مالك.
ورواه عن سفيان عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي هند عن أبي موسى الأشعري قال : من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله.
قال أحمد : وروينا عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لست من ددٍ ولا ددٌ مني.
قال أبو عبيد : الدد : اللعب واللهو.
(7/433)
قال أحمد : روينا عن القاسم بن محمد أنه قال : كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو ميسر.
قال الشافعي : فأما ملاعبة الرجل امرأته وإجراؤه الخيل وتأديبه فرسه وتعليمه الرمي ورميه فليس ذلك من اللعب ولا ننهى عنه وهذا لما 5961 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا العباس بن الوليد بن مرثد حدثنا محمد بن شيب حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثنا أبو سلام الأسود عن خالد بن زيد أن عقبة بن عامر حدثه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله جل وعز يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة : صانعه الذي احتسب في صنعته الجنة ومنبله والرامي به أرموا واركبوا وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا وليس من اللهو إلا ثلاثة : تأديب الرجل فرسه وملاعبته زوجته ورميه بنبله عن قوسه ومن علم الرمي ثم تركه فهو نعمة كفرها.
ورواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلام عن عبد الله بن زيد بن الأزرق عن عقبة بن عامر.
1275 - باب شهادة أهل الغناء
5962 - أنبأني أبو عبد الله الحافظ إجازة أن أبا العباس حدثهم عن الربيع عن الشافعي في الرجل يغني فيتخذ الغناء صناعة له يؤتى عليه ويأتي له ويكون منسوباً إليه (7/434)
مشهوراً به معروفاً والمرأة.
فلا تجوز شهادة واحد منهما وذلك أنه من اللهو المكروه الذي يشبه الباطل وأن من صنع هذا كان منسوباً إلى السفه وسقاطة المروءة ومن رضي بهذا لنفسه كان مستخفاً وإن لم يكن محرماً بين التحريم.
قال أحمد : وروينا 275 أ عن ابن مسعود أنه قال في قوله : {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله}.
قال : هو والله الغناء.
ورويناه عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وإبراهيم.
وروينا عن ابن مسعود أنه قال : الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع.
وروينا عن القاسم بن محمد أنه سئل عن الغناء فقال : أنهاك عنه وأكرهه.
قال : أحرام هو ؟ قال : أنظر يا ابن أخي إذا ميز الله الحق من الباطل في أيهما يجعل الغناء ؟ قال الشافعي : ولو كان لا ينسب بصفته إليه وكان إنما يعرف بأنه يطرب في الحال فيترنم فيها ولا يؤتى لذلك ولا يأتي عليه ولا يرضى به لم يسقط هذا شهادته وكذلك الإمرأة.
5963 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا(7/435)
أحمد بن عبد الحميد الحارثي حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : دخل أبو بكر وعندي جاريان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث.
قالت : وليستا مغنيتين.
فقال أبو بكر : أمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وذلك يوم عيد.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر : إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا.
أخرجاه في الصحيح من حديث أبي أسامة.
وفي هذا الحديث إشارة إلى جملة ما ذكر الشافعي وذلك لأنها قالت : وليستا مغنيتين.
فأشارت إلى أن الغناء لم يكن من صناعتهما.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا.
فأشار إلى أنه يفعل في بعض الأوقات دون بعض.
وقد رواه الزهري عن عروة وزاد فيه : وعندها جاريتان في أيام منا تغنيان وتدفقان وتضربان.
وروينا عن عمر ، وعبد الرحمن بن عوف وأبي عبيدة بن الجراح وأبي مسعود الأنصاري ترنمهم بالأشعار في أسفارهم.
ورويناه عن أسامة بن زيد وعبد الله بن الأرقم وعبد الله بن الزبير في مجالسهم.
وروي أيضاً عن بلال.
(7/436)
وسئل عطاء عن الغناء بالشعر فقال : لا أرى به بأسا ما لم يكن فحشاً.
قال الشافعي في الرجل يتخذ 275 ب الغلام والجارية المعنيين : إن كان يجمع عليهما ويغنيا فهذا سفه ترد به شهادته وهو في الجارية أكثر من قبل أن فيه سفهاً ودياثة.
قال أحمد : وروينا عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ثلاثة لا يدخلون الجنة : العاق والديه والديوث ورجلة النساء.
قال الشافعي : فأما استماع الحُدّ أو نشيد الأعراب فلا بأس به كثر أو قل وكذلك استماع الشعر.
5964 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء ؟ قال قلت : نعم . قال : هيه.
قال : فأنشدته بيتاً . قال : هيه.
(7/437)
قال : فأنشدته حتى بلغت مِئَة بيت.
رواه مسلم في الصحيح عن ابن أبي عمر عن سفيان.
5965 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحُدَاء والرجَز وأمر ابن رواحة في سفرة فقال : حرك بالقوم.
فاندفع يرجز.
قال أحمد : ورجزه في رواية قيس بن أبي حازم رحمه الله % ( والله لولا أنت ما اهتدينا % ولا تصدقنا ولا صلينا ) % % ( فأنزلن سكنية علينا % وثبت الأقدام إن لاقينا ) % ورجزه فيما روي عن أنس % ( خلوا بني الكفار عن سبيله % قد نزل الرحمن في تنزيله ) % % ( بأن خير القتل في سبيه % نحن قاتلناكم على تأويله ) % % ( كما قاتلناكم على تنزيله % ) % وفي رواية أخرى % ( اليوم نضربكم على تنزيله % ضرباً يزيل الهام عن مقبله ) % % ( ويذهل الخليل عن خليله % يا رب إني مؤمن بقيله ) % قال الشافعي : وأدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ركباً من بني تميم ومعهم حادي فأمرهم بأن يحدوا وقال (7/438)
إن حادينا ونى من آخر الليل.
قالوا : يا رسول الله نحن أول العرب حُداً بالإبل . قال : وكيف ذاك ؟ قالوا : كانت العرب تغير بعضها على بعض فأغار رجل منا فاستاق إبلاً فتبددت فغضب على غلامه فضربه بالعصا فأصاب يده.
فقال الغلام : وايداه وايداه.
قال : فجعلت الإبل تجتمع.
قال : هكذا فعل . قال والنبي صلى الله عليه وسلم 276 أ يضحك فقال : ممن أنتم ؟ قالوا : نحن من مضر . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ونحن من مضر.
فانتسب تلك الليلة حتى بلغ في النسبة إلى مضر.
وهذا فيما 5966 - أخبرناه أبو الحسين بن بشران أخبرنا أبو جعفر الرزاز حدثنا سعدان حدثنا سفيان عن عكرمة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير إلى الشام فسمع حادياً من الليل فقال : أسرعوا بنا إلى هذا الحادي.
فذكر معنى ما ذكره الشافعي.
قال سفيان : وزاد فيه العلاء بن عبد الكريم عن مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (7/439)
إن حادينا وَنى.
وهذا مرسل.
وقد روينا عن ثابت عن أنس قال : كان أنجشة يحدو بالنساء وكان البراء بن مالك يحدو بالرجال وكان أنجشة حسن الصوت كان إذا حدا أعنقت الإبل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويحك يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير.
وحدثنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا أبو جعفر الرزاز حدثنا سعدان بن نصر حدثنا سفيان بن عيينة عن سليمان التيمي سمع أنس بن مالك يقول : كان للنبي صلى الله عليه وسلم حادي يقال له : أنجشة وكانت أمي مع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أنجشة أرفق بالقوارير.
ورواه الشافعي في كتاب حرملة عن سفيان.
قال الشافعي في الحداء : مثل الكلام والحديث المحسن باللفظ وإذا كان هذا هكذا بالشعر كان تحسين الصوت بذكر الله أو القرآن أولى أن يكون محبوباً.
قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : ما أذن الله لشيء إذنه لنبي حسن الترنم بالقرآن .(7/440)
وأنه سمع عبد الله بن قيس يقرأ فقال : لقد أوتي هذا من مزامير آل داود.
وأما الحديث الأول 5967 - فأخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن عتاب العبدي حدثنا أبو بكر بن أبي العوام حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أذن الله لشيء كإذنه لنبي يتغنى بالقرآن يجهر به.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث محمد بن عمرو.
وأخرجاه من حديث الزهري ومحمد بن إبراهيم وغيرهما عن أبي سلمة.
وأخرجه البخاري من حديث ابن جريج عن 276 ب أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن.
5968 - أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق أخبرنا عبد الباقي بن قانع حدثنا محمد بن يحيى بن المنذر حدثنا أبو عاصم عن ابن جريد فذكره.
5969 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا العباس يقول سمعت الربيع يقول سمعت الشافعي يقول : ليس منا من لم يتغن بالقرآن.
فقال له رجل : سنغني به.
فقال : لا ليس هذا معناه ومعناه يقرأ حدْراً وتحزيناً.
قال أحمد : الروية الأولى عن أبي سلمة تؤكد ما قال الشافعي وكذلك ما روي عن البراء بن عازب مرفوعاً (7/441)
زينوا القرآن بأصواتكم.
وأما الحديث الآخر الذي ذكره الشافعي رحمه الله 5970 - فأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو سهل بن زياد القطان حدثنا يحيى بن أبي طالب أخبرنا زيد بن الحباب حدثنا مالك بن مغول عن عبد الله بن بريدة بن حصيب عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي موسى الأشعري - وهو عبد الله بن قيس - وإذا هو يقرأ في جانب المسجد : لقد أعطي هذا مزماراً من مزامير آل داود.
أخرجه مسلم في الصحيح من حديث مالك بن مغول وأخرجاه من حديث أبي بريدة عن أبي موسى وزاد فقال : لو علمت لحبرته لك تحبيراً.
قال أحمد : وأما الضرب بالعود والطبل فقد روينا عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله حرم الخمر والميسر والكُويَة.
وهي الطبل فيما زعم بعض رواته.
قال أبو سليمان رحمه الله : ويقال : بل هو النرد . ويدخل في معناه كل وتر ومزهر وغير ذلك من الملاهي.
وفي كتاب الغربيين قال ابن الأعرابي : الكوبة النرد . ويقال : الطبل وقيل : البربط.
قال أحمد (7/442)
وروينا عن قيس بن سعد بن عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن ربي حرم عليّ الخمر والميسر والقنين والكوبة والقنين : العود فيما زعم بعض رواته.
وفي كتاب الغربيين : القنين الطنبور بالحبشية . قاله ابن الأعرابي.
وروينا عن نافع قال : سمع ابن عمر مزماراً فوضع أصبعيه على أذنيه ونأى عن الطريق وقال لي : يا نافع هل تسمع شيئاً ؟ فقلت : لا فرفع أصبعيه من أذنيه وقال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم 277 أ فسمع مثل هذا فصنع مثل هذا.
1276 - باب شهادة أهل العصبية
قال الشافعي : ومن أظهر العصبية بالكلام وتألف عليها ودعا إليها وإن لم يكن يشهر نفسه بقتال فيها فهو مردود الشهادة.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : قال الله تبارك وتعالى : {إنما المؤمنون إخوة}.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكونوا عباد الله إخواناً.
(7/443)
5971 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو محمد المزني أخبرنا علي بن محمد بن عيسى حدثنا أبو اليمان أخبرني شعيب عن الزهري أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخواناً ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.
رواه البخاري في الصحيح عن أبي اليمان.
وأخرجه مسلم من وجه آخر عن الزهري.
قال الشافعي : قد جمع الله الناس بالإسلام ونسبهم إليه فهو أشرف أنسابهم فإن أحب امرؤ فليحبب عليه وإن خص امرؤ قومه بالمحبة ما لم يحمل على غيرهم ما ليس يحل له فهذه صلة ليست بمعصية فقل امرؤ إلا وفيه محبوب ومكروه.
ثم ساق الكلام في تفسير المكروه.
وقد روينا عن واثلة بن الأسقع أنه قال : قلت يا رسول الله ما العصبية ؟ قال : أن تعين قومك على الظلم.
وروينا عن حميد عن أنس قال : قيل يا رسول الله : أمن العصبية أن يعين الرجل قومه على الحق ؟ قال : لا.
(7/444)
1277 - باب شهادة الشعراء
5972 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي رحمه الله : الشعر كلام حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام غير أنه كلام باق سائر فذلك فضله على الكلام.
فمن كان من الشعراء لا يعرف ببغض المسلمين وأذاهم والإكثار من ذلك ولا بأن يمدح فيكثر الكذب لم ترد شهادته . ومن أكثر الوقيعة في الناس على الغضب أو الحرمان حتى يكون ذلك منه كثيراً ظاهراً مستعلناً وإذا رضي 277 ب مدح الناس بما ليس فيهم حتى يكون ذلك كثيراً ظاهراً مستعلناً كذباً محضاً ردت شهادته بالوجهين واحدهما لو انفرد به.
وبسط الكلام فيه.
وقد روى الشافعي في كتاب الحج : عن إبراهيم عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الشعر كلام حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيحه.
وعن إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن وعن مروان بن الحكم عن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن من الشعر حكمة.
(7/445)
5973 - أخبرناه أبو زكريا حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا إبراهيم بن سعد فذكر الحديثين مرسلين.
والحديث الأول قد رواه عبد الرحمن بن ثابت في آخرين ضعفاء عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما الحديث الثاني فقد 5974 - أخبرنا أبو بكر بن فورك أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود حدثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن أبي بكر عن مروان عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم موصولاً.
ورواه أيضاً شعيب بن أبي حمزة عن الزهري موصولاً ومن ذلك الوجه أخرجه البخاري في الصحيح.
وأما الحديث الثالث عن أبي هريرة وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لأن يمتلئ جوف الرجل قيحاً يريه خير من أن يمتلئ شعراً.
فقد قال أبو عبيد : وجهه عندي : أن يمتلئ قلبه حتى يغلب عليه فيشغله عن القرآن وعن ذكر الله فيكون الغالب عليه من أي الشعر كان.
قال أحمد : وروينا عن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من أربى الربا الإستطالة في عرض المسلم بغير حق.
(7/446)
وروينا عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذيء.
ومن حديث عبادة بن الصامت فيما أخذ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولا يعضه بعضنا بعضاً.
وعن عبد الله بن مسعود أن محمد صلى الله عليه وسلم قال : ألا أنبئكم ما العضه : هي النميمة 278 أ القالة بين الناس.
وأن محمداً صلى الله عليه وسلم قال : إن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً.
قال الشافعي : والمزاح لا ترد به الشهادة ما لم يخرج في المزاح إلى عضه النسب أو عضه لحد أو فاحشة.
فإذا خرج إلى هذا وأظهره كان به مردود الشهادة.
قال أحمد : روينا عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : قيل يا رسول الله إنك تداعبنا ؟ قال : إني لا أقول إلا حقاً.
(7/447)
قال الشافعي : وتجوز شهادة ولد الزنا على رجل في الزنا.
قال أحمد : قد روينا عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : المؤمنون شهداء الله في الأرض.
وروينا عن الحسن أنه قال في ولد الزنا : لا يفضله ولد الرشدة إلا بالتقوى.
وعن عطاء والشعبي : تجوز شهادة ولد الزنا.
وفيما حكى أبو الزناد عن أصحابه الذين ينتهي إلى قولهم من أهل المدينة في ولد الزنا : أن أصله لأصل سوء فإذا أحسنت حالته ومروءته جازت شهادته.
قال : وكانوا يرون عتقه حسناً.
قال أحمد : قد روينا في إعتاق ولد الزنا عن ابن عباس وابن عمر وأبي هريرة وعائشة.
وأما حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : ولد الزنا شر الثلاثة.
(7/448)
فقد روينا عن السفر بن نسير الأسدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال : ولد الزنا شر الثلاثة إن أبويه أسلما ولم يسلم هو.
وروينا عن الحسن أنه قال : إنما سمي ولد الزانية شر الثلاثة لأن أمه قالت له لست لأبيك الذي تدعى به فقتلها فسمي شر الثلاثة.
وروينا عن سفيان الثوري أنه قال : يعني إذا عمل بعمل والديه.
وروي ذلك في حديث عائشة وابن عباس مرفوعاً ورفعه ضعيف.
وروى سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة بن الزبير قال : بلغ عائشة أن أبا هريرة يقول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لأن امتع بسوط في سبيل الله أحب إلي من أن أعتق ولد الزنا.
وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم 278 ب قال : ولد الزنا شر الثلاثة.
وأن الميت يعذب ببكاء الحي.
فقالت عائشة : رحم الله أبا هريرة ساء سمعاً فأساء إجابة لأن أمتع بسوط في سبيل الله أحب إليّ من أن أعتق ولد الزنا.
(7/449)
أنها لما نزلت {فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة}.
فقيل : يا رسول الله ما عندنا ما نعتق إلا أن أحدنا له الجارية السواد الخدمة وتسعى عليه فلو أمرناهن فزنين فجئن بأولاد فأعتقناهم.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لأن امتع بسوط في سبيل الله أحب إليّ من أن آمر بالزنا ثم أعتق الولد.
وأما قوله : ولد الزنا شر الثلاثة.
فلم يكن الحديث على هذا إنما كان رجل من المنافقين يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من يعذرني من فلان.
قيل : يا رسول الله مع ما به ولد الزنا ؟ فقال : هو شر الثلاثة والله تعالى يقول : {ولا تزر وازرة وزر أخرى}.
وأما قوله : إن الميت ليعذب ببكاء الحي.
فلم يكن الحديث على هذا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بدار رجل من اليهود قد مات وأهله يبكون عليه فقال : إنهم ليبكون عليه وإنه ليعذب.
(7/450)
والله جل وعز يقول : {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}.
5975 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو بكر أحمد بن إسحاق أخبرنا محمد بن غالب حدثنا الحسن بن عمر بن شقيق حدثنا سلمة بن الفضل فذكره.
وسلمة بن الفضل الأبرش غير قوي.
إلا أنه قد روي عن برد بن سنان أبي سليمان الشامي عن الزهري عن عائشة مرسلاً في إعتاق ولد الزنا.
فدل أن الحديث له أصل من حديث الزهري والله أعلم.
قال الشافعي : وتجوز شهادة البدوي على القروي والقروي على البدوي.
قال أحمد : وقد روينا عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية.
وهذا الحديث ما تفرد به محمد بن عمرو بن عطاء عن عطاء بن يسار.
فإن كان حفظه فقد قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله : يشبه أن يكون إنما كره شهادة أهل البدو لما فيهم من الجفاء في الدين 279 أ والجهالة بأحكام الشريعة في الغالب لا يضبطون الشهادة على وجهها ولا يقيمونها على حقها لقصور علمهم عما يحيلها ويغيرها عن جهتها والله أعلم.
(7/451)
1278 - باب شهادة المختبئ
أشار الشافعي في حكاية بعض أصحابه في شهادة المختبئ إلى قولين : إما أن لا يجيز لأنه جلس غير مجلس العدول.
وبسط الكلام فيه ثم قال : وهذا مذهب شريح.
وما أن يجيز الشهادة عليه لأن عمر أجاز شهادة الذين رصدوا رجلاً يزني ولكن لم يتموا أربعة.
قال وهذا أشبه القولين.
5976 - أخبرنا أبو حازم الحافظ حدثنا أبو الفضل بن خميرويه أخبرنا أحمد بن نجدة حدثنا سعيد بن منصور حدثنا سفيان حدثنا الأسود بن قيس - أظنه - عن كلثوم عن شريح قال : لا أجيز شهادة المختبئ.
قال : وحدثنا سعيد بن منصور حدثنا هشيم أخبرنا الشيباني عن محمد بن عبد الله الثقفي : أن عمرو بن حريث كان يجيز شهادته ويقول : كذا يفعل بالخائن والفاجر.
1279 - باب الرجوع عن الشهادة
5977 - أخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي عن سفيان عن مطرف عن الشعبي.
أن رجلين أتيا علياً فشهدا على رجل أنه سرق فقطع عليّ يده ثم أتياه بآخر (7/452)
فقالا : هذا الذي سرق وأخطئنا على الأول.
فلم يجز شهادتهما على الآخر وغرمهما دية الأول وقال : لو أعلمكما تعمدتما لقطعتكما.
قال الشافعي : وبهذا نقول.
(7/453)
48 - كتاب الدعوى
5978 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر القاضي وأبو زكريا بن أبي إسحاق حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : البينة على المدعي.
قال الشافعي : وأحسبه ولا أتبينه أنه قال : واليمين على المدعى عليه.
قال أحمد : هذا حديث قد رواه جماعة عن 279 ب ابن جريج فمنهم من رواه كما 5979 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس بن يعقوب حدثنا يحيى بن أبي طالب أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء أخبرنا ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (7/454)
لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه.
وكذلك رواه ابن وهب عن ابن جريج.
ومن ذلك الوجه أخرجه مسلم بن الحجاج في الصحيح وبمعناه رواه عبد الله بن داود عن ابن جريج.
ومن ذلك الوجه أخرجه البخاري في الصحيح.
ورواه عبد الله بن إدريس عن ابن جريج عن عثمان بن الأسود عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس وقال فيه : ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر.
وبمعناه رواه الوليد بن مسلم عن ابن جريج.
ورواه نافع بن عمر الجمحي عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس نحو رواية ابن وهب وعبد الله بن داود عن ابن جريج لم يذكر : البينة.
وروى الفريابي عن الثوري عن نافع بن عمر في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه.
وهو غريب.
5980 - أخبرناه علي بن أحمد بن عبدان أخبرنا أبو الحسن اللخمي أخبرنا محمد بن إبراهيم بن كثير الصوري في كتابه إلينا حدثنا الفريابي حدثنا سفيان.
فذكره.
5981 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن جميل بن عبد الرحمن المؤذن (7/455)
أنه كان يحضر عمر بن عبد العزيز إذ كان عاملاً على المدينة وهو يقضي بين الناس فإذا جاءه الرجل يدعي على الرجل حقاً نظر فإن كانت بينهما مخالطة وملابسة حلف الذي ادعى عليه وإن لم يكن شيء من ذلك لم يحلفه.
قال أحمد : وهذا شيء ذهب إليه على وجه الاستحسان والحديث الذي رويناه لا يفرق بين الحالين.
قال الشافعي : اليمين على المدعى عليه سواء كانت بينهما مخالطة أو لم تكن.
1280 - باب إذا تنازعا شيئاً في يد أحدهما
قال الشافعي : فهو للذي في يديه مع يمينه إذا لم تقم لواحد منهما بينة.
5982 - 280 أ أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الحنين حدثنا أبو الوليد حدثنا أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير عن علقمة بن وائل عن أبيه قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه خصمان فقال أحدهما وهو امرؤ القيس بن عباس الكندي وخصمه ربيعة قال : يا رسول الله إن هذا انتزى على أرضي في الجاهلية فقال هي أرض أزرعها . فقال : ألك بينة ؟ قال : لا . قال (7/456)
فيمينه.
قال : إنه ليس يُبالي ما حلف عليه . قال : ليس لك منه إلا ذلك.
قال : فلما ذهب يحلف.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما إنه إن حلف على ماله ظلما لقي الله وهو عليه غضبان.
رواه مسلم في الصحيح عن إسحاق بن إبراهيم وغيره عن أبي الوليد.
ورواه سماك بن حرب عن علقمة بن وائل عن أبيه قال : جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الحضرمي : يا رسول الله إن هذا قد غلبني على أرض كانت لأبي.
فقال : الكندي هي أرضي وفي يدي أزرعها ليس له فيها حق.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي : ألك بينة.
قال : لا . قال : فلك بينة.
قال : يا رسول الله إن الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه وليس يتورع من شيء . فقال : ليس لك منه إلا ذلك.
فانطلق ليحلف له.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أدبر (7/457)
أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلماً ليلقين الله وهو عنه معرض.
5983 - أخبرناه أبو عبد الله أخبرنا أبو الفضل بن إبراهيم حدثنا أحمد بن سلمة حدثنا قتيبة حدثنا أبو الأحوص عن سماك فذكره.
رواه مسلم في الصحيح عن قتيبة وغيره.
وأما حديث الأشعث بن قيس : ففي رواية منصور عن أبي وائل عن الأشعث قال : كانت بيني وبين رجل خصومة في بئر فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : شاهداك أو يمينه.
فقال : إذاً يحلف ولا يبالي.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من حلف على يمين يستحق بها مالا هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان.
فأنزل الله تصديق ذلك : {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ 280 ب بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} الآية.
وفي رواية الأعمش عن أبي وائل قال : هل لك بينة ؟ فقلت : لا . قال : فيمينه.
قلت : إذاً يحلف.
وليس في حديث الأشعث (7/458)
ليس لك منه إلا ذاك.
ولا في حديث وائل : شاهداك .
1281 - باب إذا تنازعا شيئاً في يد أحدهما وأقام كل واحد منهما بينة
5984 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن أبي يحيى عن إسحاق بن أبي فروة عن عمر بن الحكم عن جابر بن عبد الله : أن رجلين تداعيا دابة فأقام كل واحد منهما البينة أنها دابته نتجها فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي هي في يديه.
5985 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الوليد الفقيه حدثنا محمد بن إسحاق والمؤمل بن الحسن قالا : حدثنا الزعفراني أخبرنا الشافعي أخبرنا رجل عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة فذكره بإسناده ومعناه.
قال الشافعي في القديم : وهذه رواية صالحة ليست بالقوية ولا الساقطة ولم أجد أحداً من أهل العلم يخالف في القول بهذا مع أنها قد رويت من غير هذا الوجه وإن لم تكن قوية.
قال أحمد : روينا هذا عن محمد بن سيرين عن أبي حنيفة عن هيثم الصيرفي عن الشعبي عن جابر : أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ناقة.
(7/459)
وروي ذلك عن شريح من قضائه إذا تنازعا شيئاً في أيديهما.
5986 - أخبرنا أبو نصر محمد بن أحمد بن إسماعيل البزاز بالطابران حدثنا عبد الله بن أحمد بن منصور الطوسي حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ حدثنا روح بن عبادة حدثنا سعيد بن قتادة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى قال : اختصم رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم في بعير ليس لواحد منهما بينة فقضى به رسول الله بينهما نصفين.
هكذا رواه جماعة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة وكذلك رواه سعيد بن بشير عن قتادة.
ورواه شعبة عن قتادة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه : أن رجلين اختصما . فذكره مرسلاً.
وخالفهم همام بن يحيى في متنه فرواه عن قتادة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى : 281 أ أن رجلين ادعيا بعيراً فبعث كل واحد منهما شاهدين فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم نصفين.
وكذلك روي عن الضحاك بن حمزة عن قتادة عن أبي ملحز عن أبي بردة عن أبي موسى.
وروي عن حماد بن سلمة عن قتادة عن النضر بن أنس عن أبي بردة عن أبي موسى.
وقيل عنه عن قتادة عن النضر بن بشير بن نهيك عن أبي هريرة . وليس بمحفوظ.
(7/460)
والأصل في هذا الباب حديث سماك بن حرب عن تميم بن طرفة : أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعير فأقام كل واحد منهما شاهدين فقضى بينهما نصفين.
5987 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الوليد الفقيه حدثنا إبراهيم بن علي حدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا أبو عوانة عن سماك فذكره.
وهذا منقطع.
ورأيت في كتاب العلل لأبي عيسى الترمذي قال : سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن حديث سعيد بن أبي بردة عن أبيه في هذا الباب فقال يرجع هذا الحديث إلى حديث سماك بن حرب عن تميم بن طرفة.
قال البخاري : وروى حماد بن سلمة قال قال سماك بن حرب : أنا حدثت أبا بردة بهذا الحديث.
قال أحمد : وإرسال شعبة هذا الحديث عن قتادة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه.
في رواية غندر عنه كالدلالة على صحة ما قال البخاري رحمه الله والله أعلم.
وأما حديث خلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة : أن رجلين اختصما في متاع ليس لواحد منهما بينة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إستهما على اليمين ما كان أحبا ذلك أو كرها.
(7/461)
فيحتمل أن يكون هذا من تتمة القضية الأولى.
وكأنه صلى الله عليه وسلم جعل ذلك بينهما نصفين بحكم اليد فطلب كل واحد منهما يمين صاحبه في النصف الذي حصل له فجعل عليهما اليمين فتنازعا في البداية فأخذهما فأمرهما أن يقترعا على اليمين ، والله أعلم.
1282 - باب إذا تنازعا شيئاً ليس في أيديهما وأقام كل واحد منهما بينة
قال الشافعي في رواية الحسن بن محمد الزعفراني عنه في القديم :
أَخْبَرَنَا 281 ب الثقة من أصحابنا عن ليث بن سعد أخبرنا بكير بن عبد الله بن الأشج أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : اختصم رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر فجاء كل واحد مهما بشهداء عدول على عدة واحدة فأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقال : اللهم أنت تقضي بينهما.
5988 - أنبأنيه أبو عبد الله الحافظ إجازة عن أبي الوليد حدثنا السراج حدثنا قتيبة وأخبرنا أبو بكر محمد بن محمد أخبرنا أبو الحسين الفسوي حدثنا أبو علي اللؤلؤي حدثنا أبو داود السجستاني حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث . فذكر بإسناده مثله في المراسيل.
ورواه ابن أبي مريم عن الليث وزاد : فقضى للذي خرج له السهم.
قال الشافعي في الجديد : وكان سعيد بن المسيب يقول بالقرعة ويرويها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(7/462)
والكوفيون يروونها عن علي بن أبي طالب.
قال الشافعي في القديم : وقد اختصم قوم إلى مروان فبعثهم إلى ابن الزبير - وقصتهم شبيهة بهذه - فأقرع ابن الزبير بينهم.
وهذا الذي أحفظ عمن لقيت من أصحابنا.
ثم ساق الكلام إلى أن قال : وفيها أخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم تشبهه منها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها وخلف البواقي.
وبسط الكلام في التقريب والتشبيه قال : وأقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر وقد كان الناس ملكوا ملكاً مشاعاً فلما كانت القرعة زال ملك كل واحد منهم عن بعض ما كان يملك وملك شيئاً لم يكن بملكه على الكمال.
قال : وأعتق رجل ستة مملوكين له عند الموت فجزأهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة.
وبسط الكلام فيه ثم قال : وكل ما وصفت لك يشبه خبر ابن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم في القرعة.
وقد ذكر الله القرعة في كتابه فذكر قصة مريم وقصة يونس عليهما السلام.
قال بعض من تكلم معه في هذه المسألة : قد روى سماك بن حرب عن تميم بن طرفة : أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل شيئاً بين رجلين نصفين 282 أ أقاما عليه بينة.
(7/463)
قال الشافعي : تميم رجل مجهول والمجهول لو لم يعارضه أحد عندنا وعنده لا تكون روايته حجة.
وسعيد بن المسيب يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما وصفنا وسعيد سعيد.
وقد زعمنا أن الحديثين إذا اختلفا فالحجة في أصح الحديثين ولا أعلم عالماً يشكل عليه أن حديثنا أصح وأن سعيداً من أصح الناس مرسلاً.
وهو بالسنن في القرعة أشبه.
قال أحمد : تميم بن طرفة : الطائي كوفي يروي عن عدي بن حاتم وجابر بن سمرة وهو من متأخري تابعي أهل الكوفة.
ومتى يدرك درجة سعيد بن المسيب في التقدم والسن والعلم وإدراك المتقدمين من الصحابة في دار الهجرة والسُنة.
وقد روى محمد بن جابر عن سماك في هذه القصة اختصما في بعير كل واحد منهما أخذ برأسه.
فالحديث في شيء كان بأيديهما . والله أعلم.
وفي كتاب البخاري عن إسحاق بن نصر عن عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض على قوم اليمين فأسرعوا فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيهم يحلف.
5989 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الفضل بن إبراهيم حدثنا أحمد بن سلمة حدثنا عبد الرحمن بن بشر أخبرنا عبد الرزاق فذكره.
ورواه أحمد بن حنبل عن عبد الرزاق وقال عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال (7/464)
إذا كره الاثنان اليمين أو استحباها فيستهما عليها.
5990 - أخبرناه أبو علي الروذباري أخبرنا أبو بكر بن داسة حدثنا أبو داود حدثنا أحمد بن حنبل وسلمة بن شبيب قالا : حدثنا عبد الرزاق فقال : عن أحمد هكذا.
وقال في حديث سلمة : إذا أكره الإثنان على اليمين.
وقد روى سماك بن حرب عن حنش قال : أتى عليّ ببغل يباع في السوق فقال رجل هذا بغلي لم أبع ولم أهب ونزع على ما قال خمسة يشهدون.
وجاء رجل آخر يدعيه ويزعم أنه بغله وجاء بشاهدين فقال عليّ : إن فيه قضاءً وصلحاً.
أما الصلح فيباع البغل فيقسم على سبعة أسهم لهذا خمسة ولهذا اثنان.
فإن أبيتما إلا القضاء بالحق فإنه يحلف أحد الخصمين أنه بغله ما باعه ولا وهبه فإن نشاححتما أيكما يحلف أقرعت بينكما على الحلف فأيكما قرع فحلف فقضى بها وأنا 282 ب شاهد.
وهذا فيما 5991 - أخبرنا أبو عبد الله أخبرنا أبو الوليد حدثنا عبد الله بن محمد قال قال أبو عبد الله - وهو محمد بن نصر - حدثنا حامد بن عمر حدثنا أبو عوانة عن مساك.
قال أحمد (7/465)
يحتمل أن يكون الحديث المرفوع ورد في مثل هذا.
وهو أنه أسقط البينتين عند التعارض ثم تنازعا في اليمين فأقرع بينهما والله أعلم.
وللشافعي قول آخر : أنه يقضي بينهما نصفين لأن حجة كل واحد منهما فيها سواء.
وروينا عن أبي الدرداء أنه قضى بينهما نصفين في فرس واحدة مع رجل وأقام كل واحد منهما بينة أنه أنتج عنده.
وقد قال الشافعي في مثل هذه المسألة بعد ذكر القولين : وهذا مما استخير الله فيه وأنا فيه واقف.
ثم قال : لا يعطى واحد منهما شيء ويوقف حتى يصطلحا.
والأصل في أمثال ذلك حديث أسامة بن زيد عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة قالت : جاء رجلان من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يختصمان في مواريث قد درس عليها وهلك من يعرفها فقال : إنما أنا بشر أقضي فيما لم ينزل عليّ فيه شيء برأيي فمن قضيت له شيئاً من حق أخيه فإنما يقتطع أسطاماً من نار.
قالت : فبكيا وقال كل واحد منهما حقي له يا رسول الله . قال : اذهبا فاقسما وتوخيا الحق ثم استهما ثم ليحلل كل واحد منهما صاحبه.
5992 - أخبرناه يحيى بن إبراهيم أخبرنا أبو عبد الله بن يعقوب أخبرنا(7/466)
محمد بن عبد الوهاب أخبرنا جعفر بن عون أخبرنا أسامة بن زيد . فذكره غير أنه لم يقل : برأيي.
وقد قاله عيسى بن يونس وغيره عن أسامة.
1283 - باب الحلف مع البينة
5993 - أنبأني أبو عبد الله إجازة عن أبي العباس عن الربيع عن الشافعي قال قائل : وإذا جاء الرجل بشاهدين على رجل بحق فلا يمين عليه مع شاهديه ولو جعلنا عليه اليمين مع شاهديه لم يكن لاختلافنا مع الشاهد معنى وكان خلافاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم : البينة على من ادعى واليمين على المدعى عليه.
5994 - وأخبرنا أبو سعيد حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن حفص بن غياث عن ابن أبي ليلة عن الحكم عن حنش : أن علياً كان يرى الحلف مع البينة.
قال الشافعي : 283 أ وهم يخالفون هذا فلا يستحلفون أحداً مع يمينه.
وهم يروون عن شريح أنه استحلف مع البينة.
ولا نعلمهم يروون عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خلافهما.
قال أحمد : وهذا إنما أورده على طريق الإلزام ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى كان (7/467)
يرى الحلف مع البينة.
وهذا الذي رواه عن عليّ أظنه فيما وهم فيه.
فقد روينا عن سماك بن حرب عن حنش عن عليّ : أنه إنما رآه عند تعارض البينتين . والله أعلم.
1284 - باب القسامة
5995 - أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي : ومن ادعى دماً لا دلالة للحاكم على دعواه إلا بدعواه أحلف المدعي عليه كما يحلف فيما سوى الدم ( . . . ) دعوى المدعي دلالة صدق دعواه كالدلالة التي كانت في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى فيها بالقسامة أحلف المدعون خمسين يميناً واستحقوا دية المقتول ولا يستحقون دماً.
وقال في كتاب الدعوى : أيمان الدماء مخالفة جميع الأيمان الدم لا يبرأ منه إلا بخمسي يميناً وسواء النفس والجرح في هذا وقد مضت الأخبار في ذلك في كتاب القسامة.
5996 - وأخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا أبو الحسن المصري حدثنا عبده بن سليمان حدثنا مطرف بن عبد الله حدثنا الزنجي عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : البينة على من ادعى واليمين على من أنكر في القسامة .
1285 - باب القافة ودعوى الولد
5997 - كتب إليّ أبو نعيم عبد الملك بن أبي الحسن أن أبا عوانة أخبرهم (7/468)
حدثنا المزني حدثنا الشافعي حدثنا سفينان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرف السرور في وجهه فقال : ألم تر إلى محزز المدلجي نظر إلى أسامة وزيد وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال : إن هذه الأقدام بعضها من بعض.
5998 - وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الوليد الفقيه قال سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول : قال المزني قال الشافعي أخبرنا سفيان 283 ب فذكره.
أخرجه البخاري ومسلم رحمهما الله في الصحيح من حديث سفيان.
وأخرجاه من حديث ابن جريج وإبراهيم بن سعد والليث بن سعد عن الزهري.
وأخرجه مسلم من حديث يونس بن يزيد عن الزهري وزاد وكان محرز قائفاً.
قال الشافعي في رواية الزعفراني : فرسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يسر بالحق ويقبله ولو كان أمر القافة باطلاً لقال لا تقل في هذا شيئاً فإنك وإن أصبت في بعض فلعلك تخطئ في بعض ولم يطلع الله على الغيب أحداً ولكنه - والله أعلم - رآه علماً أوتيه من أوتيه وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعملونه وهو الذي أدركت عليه أهل العلم والحكام ببلدنا لا اختلاف فيه.
وفي رواية أبي بكر بن المنذر عن الربيع قال قال الشافعي : فلو لم يكن في القافة إلا هذا كان ينبغي أن تكون فيه دلالة لمن سمعه لأن الأمر لو كان كما قال بعض الناس لقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقل في مثل هذا لأنك إن أصبت في شيء لم أأمن عليك أن تخطئ في غيره وفي خطئك قذف لمسلمة أو نفي نسب وما أقره إلا أنه رضيه ورآه علماً لأنه لا يقر إلا حقاً ولا يُسر إلا بالحق.
(7/469)
قال : وأخبرني عدد من أهل العلم من أهل المدينة ومكة أنهم أدركوا الحكام يقضون يقول القافة وأخبرهم من كان قبلهم أنهم أدركوا مثل ما أدركوا ولم يرو بين أحد يرضونه عندهم تنازعا في القول بالقافة.
قال الشافعي في القديم :
أَخْبَرَنَا مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن رجلين ادعيا ولد امرأة فدعا عمر قافياً فنظر إليه فقال القائف لقد اشتركا فيه فضربه عمر بالدرة وقال : ما يدريك ؟ ثم دعا المرأة فقال : أخبري خبرك ؟ فقالت : كان هذا لأحد الرجلين يأتيها وهي في إبل لأهلها ولا يفارقها حتى يظن وتظن أن قد استمر بها حمل ثم انصرف عنها فهرقت عليه الدماء ثم تخلف هذا - تعني الآخر - ولا أدري من أيهما هو . فكبر القائف.
فقال عمر للغلام : وال أيهما شئت.
5999 - أخبرناه أبو أحمد المهرجاني أخبرنا أبو بكر بن جعفر حدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا ابن بكير حدثنا مالك فذكره 284 أ بإسناده ومعناه وزاد في أوله : أن عمر بن الخطاب كان يُليط أولاد الجاهلية بمن ادعاهم في الإسلام.
6000 - أخبرنا أبو بكر وأبو زكريا قالا : حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب : أن رجلين تداعيا ولداً فدعا له عمر القافة فقالوا : قد اشتركا فيه.
فقال له عمر : وال أيهما شئت.
6001 - وبهذا الإسناد قال أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار عن عمر مثل معناه.
(7/470)
6002 - وبهذا الإسناد قال أخبرنا الشافعي أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري عن عروة عن عمر بن الخطاب بمثل معناه.
6003 - وبهذا الإسناد قال أخبرنا الشافعي أخبرنا ابن علية عن حميد عن أنس : أنه شك في ابن له فدعا له القافة.
قال أحمد : حديث هشام قد رواه أبو أسامة وعبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن عن حاطب عن أبيه عن عمر موصولاً.
وفي حديث ابن أبي الزناد قال عبد الرحمن : فكأني أنظر إليه متبع لأحدهما يذهب.
وروينا عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : باع عبد الرحمن بن عوف جارية كان يقع عليها قبل أن يستبرئها فظهر بها حمل عند المشتري فتخاصموا إلى عمر فدعا عمر القافة فنظروا إليه فألحقوه به.
وروينا عن يحيى بن أيوب وغيره عن حميد عن موسى بن أنس عن أنس بن مالك : أنه مرض فشك في حمل جارية له فقال : إن مت فادعوا لولدها القافة فصح.
وروينا عن محمد بن سيرين : أن أبا موسى قضى بالقافة.
ويذكر عن ابن عباس ما دل على أنه أخذ بقول القافة.
(7/471)
وأما ما روى البصريون عن ابن المسيب عن عمر ، وعن الحسن عن عمر فهو فيما 6004 - أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ببغداد أخبرنا علي بن محمد المصري حدثنا مالك بن يحيى حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا همام بن يحيى عن قتادة عن سيعد بن المسيب : أن رجلين اشتركا في طهر امرأة فولدت ولداً فارتفعا إلى عمر بن الخطاب فدعا لهما ثلاثة من القافة فدعوا بتراب فوطئ فيه الرجلان والغلام ثم قال لأحدهم انظر فنظر فاستقبل فاستعرض واستدبر.
فقال : أُسر أم أُعلن ؟ فقال : 284 ب أَسر.
فقال : لقد أخذ الشبه منهما جميعاً فما أدري لأيهما هو فأجلسه.
ثم قال للآخر : انظر فنظر.
ثم ساق الحديث في الثاني والثالث مثل ما ساق في الأول.
ثم قال فقال عمر : إنّا نقوف الآثار ثلاثاً يقولها وكان عمر قائفاً فجعله لهما يرثانه ويرثهما.
فقال : سعيد أتدري من عصبته ؟ قلت : لا.
قال : الباقي منهما.
6005 - وأخبرنا ابن بشران أخبرنا علي بن محمد المصري حدثنا مالك بن يحيى حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا مالك بن فضالة عن الحسن عن عمر : في رجلين وطئا جارية في طهر واحد فجاءت بغلام فارتفعا إلى عمر فدعا لهما ثلاثة من القافة فأجمعوا على أنه أخذ الشبه منهما جميعاً.
(7/472)
وكان عمر قائفاً فقال له : قد كانت الكلبة ينزو علينا الكلب الأسود والأصفر والأغبر فتؤدي إلى كل كلب شبهه ولم أكن أرى هذا في الناس حتى رأيت هذا.
فجعله عمر لها يرثانه ويرثهما وهو للباقي منهما.
قال الشافعي لبعض من كان يناظره : قلنا : فقد رويت عن عمر أنه دعا القافة فزعمت أنك لا تدعو القافة فخالفته.
قال أحمد : وفيما روينا دلالة على أنه إنما ألحقه بهما لأنه أخذ الشبه منهما ولم تدر القافة لأيهما هو ألا تراه قال : إنّا نقوف الآثار.
وقال الراوي : وكان عمر قايفاً.
فدل على أنه لو كان أخذ الشبه من أحدهما دون الآخر لألحقه به دون الآخر كما فعل في قصة عبد الرحمن بن عوف.
وهذا يخالف مذهبهم كما قال الشافعي.
وأما إلحاقه الولد بهما فهو يخالف ما روينا عنه من أمره الغلام بأن يوالي أحدهما عند الاشتباه على القافة.
وقد أجاب عنه الشافعي بأن قال : إسناد حديث هشام متصل والمتصل أثبت عندنا وعندكم من المنقطع وإنما هذه حديث منقطع.
قال الشافعي : وسليمان بن يسار وعروة أحسن مرسلاً عن عمر ممن رويت عنه.
يريد رواية مبارك بن فضالة عن الحسن فإن مراسيل الحسن غير قوية ومبارك بن فضالة ليس بحجة عند أهل العلم بالحديث.
وروي عن عوف عن أبي المهلب عن عمر ، وهو أيضاً منقطع ولا يشك (7/473)
حديثي 285 أ في أن مرسل سليمان بن يسار وعروة أولى من مرسل أبي المهلب والحسن.
وأما رواية قتادة عن ابن المسيب فهي منقطعة وقد عارضها رواية الحجازيين عن عروة وسليمان بن يسار.
ورواية أسلم المنقري عن عبد الله بن عبيد بن عمير في قصة عبد الرحمن بن عوف فهذا أثبت.
والحجازيون أعرف بأحكام عمر ، ومع روايتهم رواية هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه قال : أتى رجلان إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما يختصمان في غلام من ولاد الجاهلية يقول هذا هو ابني ويقول هذا هو ابني فدعا عمر قافياً من بني المصطلق فسأل عن الغلام فنظر إليه المصطلقي ونظر ثم قال لعمر قد اشتركا فيه جميعاً.
فقام عمر إليه بالدرة فضربه بها حتى اضطجع ثم قال : والله لقد ذهب بك النظر إلى غير مذهب.
ثم دعا أم الغلام فسألها فقالت : إن هذا لأحد الرجلين وقع بي على نحو ما كان يفعل فحملت فيما أرى فأصابتني هراقة من دم حتى وقع في نفسي أن لا شيء في بطني ثم أن هذا الآخر وقع بي فوالله ما أدري من أيهما هو.
فقال عمر للغلام اتبع أيهما شئت.
فقام الغلام فاتبع أحدهما.
قال عبد الرحمن فكأني أنظر غليه متبع لأحدهما فذهب به وقال عمر : قاتل الله أخا بني المصطلق.
6006 - أخبرناه أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو الوليد الفقيه حدثنا عبد الله بن إبراهيم الأكفاني حدثنا بحر بن نبصر حدثنا ابن وهب حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام فذكره.
(7/474)
ورواه أيضاً أبو أسامة عن هشام موصولاً وفيه : أن عبد الرحمن بن حاطب شهد هذه القصة وليس في روايته ما لا يقول به.
وقول المصطلقي قد اشتركا فيه يريد أنه أخذ الشبه منهما فلم يدر من أيهما هو فأمره عند الاشتباه بأن يوالي أحدهما.
وهذا قولنا لا نخالف منه شيء بحمد الله ونعمته.
ورواية البصريين إن كانت محفوظة حجتنا في القول بالقافة والحكم بالشبه.
ويحتمل إن كان يرى إتباع الشبه هو إن كان من اثنين ثم علم أنه لا يجوز أن يكون الولد الواحد مخلوقاً من ماء رجلين فأمر باتباع أحدهما عند الاشتباه وحكم بقول القافة إذا لم يكن 285 ب هناك اشتباه.
وفي هذا جمع بين الأخبار الواردة فيه عن عمر ، وحمل المنقطع على المتصل على وجه يصح وبالله التوفيق.
وأما الذي روي فيه عن عليّ أنه جعل الولد بينهما وهو للباقي منهما : فإنما رواه سماك عن مجهول لم يسمه على عليّ وقابوس - وهو غير محتج به - عن أبي ظبيان عن عليّ.
وقد روي عن عليّ في حكم آخر مرفوعاً.
6007 - أخبرناه أبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس أخبرنا الربيع قال قال الشافعي فيما بلغه عن سفيان عن الأجلح عن الشعبي عن عليّ أنه قال : اختصم إليه ناس ثلاثة يدعون ولداً فسألهم أن يسلم بعضهم لبعض قالوا فقال : أنتم شركاء متشاكسون ثم أقرع بينهم فجعله لواحد منهم خرج سهمه وقضى عليه بثلثي الدية فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : أصبت - أو أحسنت.
قال أحمد : ورواه يحيى القطان عن الأجلح عن الشعبي عن عبد الله بن الخليل عن زيد بن أرقم قال (7/475)