قيام رمضان لمحمد بن نصر المروزي(1/1)
باب ذكر الصلاة تطوعا بالليل والنهار في جماعة(1/2)
1 - حدثنا محمد بن أبي رافع ، ثنا عبد الرزاق ، أخبرنا ابن جريج قال : أخبرني عطاء ، عن ابن عباس رضي الله عنه قال : بت ليلة عند خالتي ميمونة رضي الله عنها ، « فقام النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي تطوعا من الليل ، فقام إلى القربة فتوضأ فقام يصلي ، فقمت لما رأيته صنع ذلك ، فتوضأت من القربة ثم قمت إلى شقه (1) الأيسر ، فأخذ بيدي من وراء ظهره يعدلني كذلك من وراء ظهره إلى الشق الأيمن » فقلت : في تطوع كل ذلك ؟ قال : نعم قلت لعطاء : أيصلي القوم بصلاة الرجل في التطوع ، فإن ابن عباس رضي الله عنه قد صلى إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم تطوعا ؟ قال : « أجل » وعمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى الناس في شهر رمضان يقوم القوم وليس معهم قرآن مع رجل ، والقوم كذلك في ناحية المسجد الأخرى وراء الرجل الآخر ، فقال : « لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد » ، فجمع الناس على قارئ واحد ، قلت : وصلاة الأجراس بصلاة الإمام في ركعتين يركعهما على سبعة ، قلت : أتكره ذلك ؟ قال : « لا »
__________
(1) الشق : الجانب(1/3)
2 - حدثنا محمد بن يحيى الأزدي ، ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، أخبرني زياد ، أن قزعة من عبد القيس أخبره ، أنه سمع عكرمة يقول : قال ابن عباس رضي الله عنه : « صليت إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم ، وعائشة رضي الله عنها خلفنا تصلي معنا ، وأنا إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم أصلي معه »(1/4)
3 - حدثنا يحيى ، أخبرنا سفيان ، عن إسحاق بن عبد الله بن طلحة بن أبي طلحة ، سمع أنسا رضي الله عنه يقول : « صليت أنا ويتيم ، في بيتنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصلت أمي من ورائنا » قال محمد بن نصر رحمه الله : وكره أصحاب الرأي أن يصلى التطوع في جماعة ما خلا قيام رمضان وصلاة كسوف الشمس . وذلك خلاف السنة . « قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى التطوع جماعة في غير شهر رمضان ليلا ونهارا » ، وفعل ذلك جماعة من أصحابه بعده . عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن أبيه : « دخلت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالهاجرة فوجدته يسبح ، فقمت وراءه فقربني فجعلني حذاءه عن يمينه ، فلما جاء يرفأ تأخرت فصففنا وراءه » أبي عبيدة بن عبد الله رحمه الله قال : « دخلت مع أبي المسجد والناس صفوف في صلاة الصبح فخنس دونهم فأقامني عن يمينه فصلى ركعتين ، ثم لحق بالصف » وعن هشام بن عروة رحمه الله : « رأيت عبد الله بن الزبير يؤمهم في المسجد الحرام بالنوافل ، وراءه شيوخ من أهل الفقه والصلاح يرون أن ذلك حسن » قال هشام : « أن الإمام كان يؤمهم في المكتوبة ثم يدخل الدار فيسبح ويسبحون بصلاته وهو يؤمهم » وكان عروة رحمه الله يفعل ذلك ويراه حسنا قال محمد بن نصر رحمه الله ، وفي الباب أحاديث قد كتبناها في كتاب « رفع اليدين » وسئل مالك رحمه الله عن الرجل يؤم الرجل في النافلة قال : « ما أرى بذلك بأسا »(1/5)
باب الترغيب في قيام رمضان وفضيلته(1/6)
4 - حدثنا يحيى ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن حميد ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من قام رمضان إيمانا واحتسابا (1) غفر له ما تقدم من ذنبه » وفي لفظ : كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة فيقول : « من قام رمضان » فذكره قال ابن شهاب رحمه الله : « فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك ، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه وصدرا من خلافة عمر رضي الله عنه »
__________
(1) الاحتساب والحسبة : طَلَب وجْه اللّه وثوابه. بالأعمال الصالحة، وعند المكروهات هو البِدَارُ إلى طَلَب الأجْر وتحصيله بالتَّسْليم والصَّبر، أو باستعمال أنواع البِرّ والقِيام بها على الوجْه المرْسُوم فيها طَلَباً للثَّواب المرْجُوّ منها(1/7)
5 - حدثنا نصر بن علي ، أخبرني أبي ، عن النضر بن شيبان ، قلت لأبي سلمة : ألا تحدثنا ؟ فقال : حدثنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر شهر رمضان فقال : « إن رمضان شهر افترض الله صيامه وإني سننت للمسلمين قيامه ، فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه »(1/8)
6 - حدثنا أبو قدامة عبيد الله بن سعيد ، ثنا يحيى بن سعيد القطان ، عن هشام الدستوائي ، حدثني يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من صام رمضان إيمانا واحتسابا (1) غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه » وعن مسروق : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا حضر شهر رمضان خطب فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ألا إن هذا الشهر المبارك الذي فرض الله صيامه ولم يفرض قيامه فليحذر الرجل أن يقول أصوم إن صام فلان ، وأفطر إن أفطر فلان وفي لفظ : إن هذا الشهر كتب الله عليكم صيامه ولم يكتب عليكم قيامه ، فمن استطاع أن يقوم فليقم ، فإنها نوافل الخير التي قال الله تعالى ، ومن لم يستطع فلينم على فراشه ، وليتق إنسان أن يقول أصوم إن صام فلان ، وأقوم إن قام فلان ، من قام أو صام فليجعل ذاك لله ، أقلوا اللغو في بيوت الله ، وليعلم أحدكم أنه في صلاة ما انتظر الصلاة وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يخرج في آخر ليلة من رمضان فينادي : « من هذا المقبول الليلة فنهنيه ، ومن هذا المحروم المردود الليلة فنعزيه ، أيها المقبول هنيئا للهينا وأيها المحروم المردود جبر الله مصيبتك » وخطب عمر بن عبد العزيز رحمه الله يوم الفطر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : « إن هذا شهر فرض الله صيامه وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيامه ، أصبح قد تقضى وربنا محمود فأخرجوا فيه الصدقة » وقال الحجاج بن يوسف : حين دخل رمضان « ما على أحدكم أن يقول : الليلة ليلة القدر ، فإذا جاءت ليلة أخرى قال : الليلة ليلة القدر » وكان ابن عون : إذا جاء شهر رمضان جاء برمل فألقاه في المسجد ثم يقول لبنيه : « ما تبتغون بعد شهر رمضان وكان لا ينام »
__________
(1) الاحتساب والحسبة : طَلَب وجْه اللّه وثوابه. بالأعمال الصالحة، وعند المكروهات هو البِدَارُ إلى طَلَب الأجْر وتحصيله بالتَّسْليم والصَّبر، أو باستعمال أنواع البِرّ والقِيام بها على الوجْه المرْسُوم فيها طَلَباً للثَّواب المرْجُوّ منها(1/9)
باب صلاة النبي صلى الله عليه وسلم جماعة ليلا تطوعا في شهر رمضان(1/10)
7 - حدثنا عبيد الله بن سعد ، ثنا عمي ، ثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن أبي سلمة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان الناس يصلون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان بالليل أوزاعا (1) يكون مع الرجل الشيء من القرآن فيكون معه النفر الخمسة أو الستة وأقل من ذلك وأكثر ، يصلون بصلاته ، قالت : فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من ذاك أن أنصب له حصيرا على باب حجرتي ، ففعلت ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن صلى العشاء الآخرة فاجتمع إليه من في المسجد فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا طويلا ثم انصرف فدخل وتركت الحصير على حاله . فلما أصبح الناس تحدثوا بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن كان في المسجد تلك الليلة ، فأمسى المسجد زاخا بالناس فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء الآخرة ثم دخل بيته وثبت الناس فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما شأن الناس ؟ » فقلت له : سمع الناس بصلاتك البارحة (2) بمن كان في المسجد فحشدوا (3) لذلك لتصلي بهم ، قال : « اطوي عنا حصيرك يا عائشة » ، ففعلت ، فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم غير غافل وثبت الناس مكانهم حتى خرج إليهم إلى الصبح فقال : « أيها الناس أما والله ما بت والحمد لله ليلتي غافلا ما خفي علي مكانكم ولكني تخوفت أن يفرض عليكم ، اكلفوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا »
__________
(1) أوزاعا : جماعات متفرقة
(2) البارحة : أقرب ليلة مضت
(3) حشدوا : اجتمعوا(1/11)
8 - حدثنا وهب بن بقية ، أخبرنا خالد بن عبد الله ، عن داود بن أبي هند ، عن الوليد بن عبد الرحمن ، عن جبير بن نفير الحضرمي ، عن أبي ذر رضي الله عنه قال : صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فلم يقم بنا شيئا منه حتى بقي سبع ليال فقام بنا السابعة حتى مضى نحو من ثلث الليل ، ثم كانت التي تليها ، فلم يقم بنا حتى كانت الخامسة ، فقام بنا حتى كان نحو من شطر (1) الليل ، فقلت : يا رسول الله ، لو نفلتنا (2) بقية ليلتنا هذه ؟ ، قال : « إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة » ثم كانت التي تليها فلم يقمها حتى كانت الليلة الثالثة فجمع أهله واجتمع الناس فقام حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح ، فقلت : وما الفلاح ؟ قال السحور ، ثم لم يقم بعدها حتى مضى الشهر «
__________
(1) الشطر : النصف
(2) نفلتنا : زِدْتنَا من صلاة النَّافلة(1/12)
9 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، ثنا عفان ، ثنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس رضي الله عنه : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان ، فجئت فقمت إلى جنبه ثم جاء آخر ثم جاء آخر ، حتى كنا رهطا (1) فلما أحس رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا خلفه تجوز (2) في الصلاة ثم دخل منزله ؟ فلما دخل منزله صلى صلاة لم يصلها عندنا ، فلما أصبحنا ، قلنا : يا رسول الله أو فطنت لنا البارحة (3) ؟ فقال : » نعم ، وذاك الذي حملني على ما صنعت «
__________
(1) الرهط : الجماعة من الرجال دون العشرة
(2) التجوز : التخفيف في الصلاة
(3) البارحة : أقرب ليلة مضت(1/13)
10 - حدثنا محمد بن مقاتل المروزي ، ثنا هاشم بن مخلد ، ثنا محمد بن عبد الرحمن البصري ، عن الفضل الرقاشي ، عن أنس رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم « يجمع أهله ليلة إحدى وعشرين فيصلي بهم إلى ثلث الليل ، ثم يجمعهم ليلة ثنتي وعشرين ، فيصلي بهم إلى نصف الليل ثم يجمعهم ليلة ثلاث وعشرين ، فيصلي بهم إلى ثلثي الليل ، ثم يأمرهم ليلة أربع وعشرين أن يغتسلوا ، فيصلي بهم حتى يصبح ثم لا يجمعهم »(1/14)
11 - حدثنا أحمد بن منصور الرمادي ، ثنا زياد بن حباب ، حدثني معاوية بن صالح ، حدثني نعيم بن زياد أبو طلحة الأنماري قال : سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنه يقول : « قمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين إلى نصف الليل ، ثم قمنا معه ليلة سبع وعشرين حتى خفنا أن لا ندرك الفلاح وكنا نسميه السحور »(1/15)
12 - حدثنا إسحاق ، أخبرنا النضر بن محمد ، ثنا العلاء بن المسيب ، عن طلحة بن زيد الأنصاري ، عن حذيفة رضي الله عنه أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في رمضان « فركع ، فقال في ركوعه : » سبحان ربي العظيم « مثل ما كان قائما ، ثم سجد فقال في سجوده : » سبحان ربي الأعلى « مثل ما كان قائما ، ثم جلس يقول : » رب اغفر لي « مثل ما كان قائما ، ثم سجد فقال : » سبحان ربي الأعلى « مثل ما كان قائما فما صلى إلا أربع ركعات حتى جاء بلال رضي الله عنه إلى الغداة (1) »
__________
(1) الغداة : الصبح(1/16)
13 - حدثنا محمد بن حميد الرازي ، ثنا يعقوب بن عبد الله ، ثنا عيسى بن جارية ، عن جابر رضي الله عنه قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان ليلة ثمان ركعات والوتر فلما كان من القابلة اجتمعنا في المسجد ورجونا أن يخرج إلينا فلم نزل فيه حتى أصبحنا قال : « إني كرهت وخشيت أن يكتب عليكم الوتر »(1/17)
14 - وبه عن جابر رضي الله عنه جاء أبي بن كعب رضي الله عنه في رمضان فقال : يا رسول الله كان مني الليلة شيء ، قال : وما ذاك يا أبي ؟ قال : « نسوة داري قلن إنا لا نقرأ القرآن فنصلي خلفك بصلاتك ، فصليت بهن ثمان ركعات والوتر . فسكت عنه وكان شبه الرضاء »(1/18)
15 - حدثنا الربيع بن سليمان ، ثنا ابن وهب ، أخبرنا مسلم بن خالد ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا ناس في رمضان يصلون في ناحية المسجد ، فقال : « ما هؤلاء ؟ » قيل : « هؤلاء ناس ليس معهم قرآن ، وأبي بن كعب رضي الله عنه يصلي بهم ، فهم يصلون بصلاته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » أصابوا أو نعم ما صنعوا «(1/19)
16 - حدثنا يحيى ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال : خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع (1) متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط (2) ، فقال عمر رضي الله عنه : « والله إني لأراني لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل » ، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب رضي الله عنه ، قال : ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم ، فقال عمر رضي الله عنه : « نعمت البدعة (3) هذه والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون » ، يريد آخر الليل ، وكان الناس يقومون أوله وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يأمر الناس بقيام رمضان فيجعل للرجال إماما وللنساء إماما « قتادة ، عن الحسن رحمه الله : » أمنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه في زمن عثمان رضي الله عنه عشرين ليلة ثم احتبس ، فقال بعضهم : قد تفرغ لنفسه ، ثم أمهم أبو حليمة معاذ القاري فكان يقنت « أبو إسحاق الهمداني : خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه في أول ليلة من رمضان والقناديل تزهر في المساجد وكتاب الله يتلى فجعل ينادي : » نور الله لك يا ابن الخطاب في قبرك كما نورت مساجد الله بالقرآن « وعن أبي أمامة رضي الله عنه : » إن الله كتب عليكم صيام رمضان ولم يكتب قيامه ، وإنما القيام شيء أحدثتموه فدوموا عليه ولا تتركوه فإن ناسا من بني إسرائيل ابتدعوا بدعة لم يكتبها الله عليهم ابتغوا بها رضوان الله فلم يرعوها حق رعايتها فعابهم الله بتركها ، فقال : ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها (4) « أبو وائل : كان ابن مسعود رضي الله عنه » يصلي بنا في رمضان تطوعا « حنش الصنعاني رحمه الله : إن أبي بن كعب رضي الله عنه كان » يصلي بالناس في قيام رمضان فلما توفي أبي رضي الله عنه قام بهم زيد بن ثابت « مرثد بن عبد الله اليزني رحمه الله : » لم يكن عقبة بن عامر رضي الله عنه إذا رأى الهلال هلال رمضان يقوم تلك الليلة حتى يصوم يوما ثم يقوم بعد ذلك « وقال عطاء بن السائب عن زاذان وميسرة ، وأبي البختري وخيار أصحاب علي رضي الله عنهم أنهم كانوا يختارون الصلاة خلف الإمام في رمضان على الصلاة في بيوتهم » وكان سعيد بن عبد العزيز وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر « يصلون مع الإمام في قيام العامة ويرون أن الفضل في ذلك تمسكا منهم بسنة عمر بن الخطاب ومن بعده من أئمة المسلمين » وعن مكحول رحمه الله أنه « كان يقوم مع الناس فيصلي بصلاتهم ويوتر بوترهم » الوليد بن مسلم : رأيت أبا عمرو رحمه الله « يوتر مع الناس في شهر رمضان فإذا سلم الإمام وخف الناس انصرف » وكان سويد : « يقوم في رمضان وهو ابن عشرين ومائة بالناس » إسماعيل بن عبد الملك : كان سعيد بن جبير « يصلي بنا في شهر رمضان فيقرأ بنا ليلة قراءة عثمان رضي الله عنه وليلة قراءة ابن مسعود رضي الله عنه » هشام بن محمد : « كان عبد الله بن معقل يؤم الناس في رمضان فكان في الصف المقدم له رجل يلقنه إذا تعايا » وقيل لأحمد بن حنبل رحمه الله : يعجبك أن يصلي الرجل مع الناس في رمضان أو وحده ؟ قال : « يصلي مع الناس » ، قال : « ويعجبني أن يصلي مع الإمام ويوتر معه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : » إن الرجل إذا قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له بقية ليلته « قال أحمد رحمه الله : » يقوم مع الناس حتى يوتر معهم ، ولا ينصرف حتى ينصرف الإمام « قال أبو داود : شهدته يعني أحمد » شهر رمضان يوتر مع إمامه إلا ليلة لم أحضرها « وقال إسحاق : قلت لأحمد رحمه الله : الصلاة في الجماعة أحب إليك أم يصلي وحده في قيام شهر رمضان ؟ ، قال : » يعجبني أن يصلي في الجماعة يحيي السنة « وقال إسحاق كما قال »
__________
(1) الأوزاع : الجماعات
(2) الرهط : الجماعة من الرجال دون العشرة
(3) البدعة بِدْعَتَان : بدعة هُدًى، وبدعة ضلال، فما كان في خلاف ما أمَر اللّه به ورسوله صلى اللّه عليه وسلم فهو في حَيِّز الذّم والإنكار، وما كان واقعا تحت عُموم ما نَدب اللّه إليه وحَضَّ عليه اللّه أو رسوله فهو في حيز المدح، وما لم يكن له مثال موجود كنَوْع من الجُود والسخاء وفعْل المعروف فهو من الأفعال المحمودة، ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما وَردَ الشرع به
(4) سورة : الحديد آية رقم : 27(1/20)
باب عدد الركعات التي يقوم بها الإمام للناس في رمضان تقدم حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم « صلى في رمضان في ليلة ثمان ركعات ثم أوتر » وعن السائب بن يزيد : « أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبي بن كعب رضي الله عنه وتميما الداري رضي الله عنه أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة » وفي رواية : كنا نصلي في زمن عمر بن الخطاب في رمضان ثلاث عشرة ركعة ولكن والله ما كنا نخرج إلا في وجاه الصبح ، كان القارئ يقرأ في ركعة بخمسين آية ، ستين آية . وقال محمد بن كعب القرظي : « كان الناس يصلون في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رمضان عشرين ركعة يطيلون فيها القراءة ويوترون بثلاث » قال ابن إسحاق رحمه الله : وما سمعت في ذلك حديثا هو أثبت عندي ولا أحرى بأن يكون ، كان من حديث السائب ، وذلك « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له من الليل ثلاث عشرة ركعة » وعن السائب أيضا : « أنهم كانوا يقومون في رمضان بعشرين ركعة ، ويقرءون بالمئين من القرآن ، وأنهم كانوا يعتمدون على العصي في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه » وعن يزيد بن رومان : « كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رمضان بثلاث وعشرين ركعة » وهب بن كيسان رحمه الله : « ما زال الناس يقومون بست وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث إلى اليوم في رمضان » زيد بن وهب رحمه الله : كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يصلي بنا في شهر رمضان فينصرف وعليه ليل « قال الأعمش : » كان يصلي عشرين ركعة ويوتر بثلاث « وقال عطاء : » أدركتهم يصلون في رمضان عشرين ركعة ، والوتر ثلاث ركعات « عبد الله بن قيس عن شتير : وكان من أصحاب عبد الله المعدودين أنه كان يصلي بهم في رمضان عشرين ركعة ويوتر بثلاث » محمد بن سيرين : إن معاذا أبا حليمة القارئ كان يصلي بالناس في رمضان إحدى وأربعين ركعة « ابن أبي ذئب ، عن صالح مولى التوأمة قال : » أدركت الناس قبل الحرة يقومون بإحدى وأربعين ركعة يوترون منها بخمس « قال ابن أبي ذئب : فقلت : لا يسلمون بينهن ؟ فقال : » بل يسلمون بين كل ثنتين ويوترون بواحدة إلا أنهم يصلون جميعا « عمرو بن مهاجر : إن عمر بن عبد العزيز » كانت تقوم العامة بحضرته في رمضان بخمس عشرة تسليمة وهو في قبته لا ندري ما يصنع « داود بن قيس قال : » أدركت المدينة في زمان أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز يصلون ستة وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث « نافع : » لم أدرك الناس إلا وهم يصلون تسعا وثلاثين ركعة ويوترون منها بثلاث « ورقاء بن إياس : كان سعيد بن جبير يصلي بنا في رمضان من أول الشهر إلى عشرين ليلة ست ترويحات ، فإذا دخل العشر زاد ترويحة » حبيب بن أبي عمرة رحمه الله : كان سعيد بن جبير يصلي في رمضان ست ترويحات يسلم بين كل ركعتين ، كل ترويحة أربع ركعات يسلم تسليمة واحدة في كل ركعتين « يونس رحمه الله : » أدركت مسجد الجامع قبل فتنة ابن الأشعث يصلي بهم عبد الرحمن بن أبي بكر وسعيد بن أبي الحسن ، وعمران العبدي كانوا يصلون خمس تراويح ، فإذا دخل العشر زادوا واحدة ، ويقنتون في النصف الآخر ، ويختمون القرآن مرتين « عمران بن حدير رحمه الله : » كان أبو مجلز يصلي بهم أربع ترويحات ويقرأ بهم سبع القرآن في كل ليلة « ذكوان الجرشي رحمه الله : » شهدت زرارة بن أوفى يصلي بالحي في رمضان ست ترويحات ، فإذا كان في آخر الشهر صلى سبع ترويحات كل ليلة ، وشهدته في آخر صلاته يصلي ست ركعات لا يقعد بينهن يقعد في السادسة « ابن القاسم : سمعت مالكا رحمه الله يذكر أن جعفر بن سليمان أرسل إليه يسأله : أنتقص من قيام رمضان ، فنهاه عن ذلك ، فقيل له : قد كره ذلك ، قال : نعم ، وقد قام الناس هذا القيام قديما ، قيل له : فكم القيام ؟ فقال : تسع وثلاثون ركعة بالوتر » ابن أيمن : قال مالك : « أستحب أن يقوم الناس في رمضان بثمان وثلاثين ركعة ثم يسلم الإمام والناس ثم يوتر بهم بواحدة ، وهذا العمل بالمدينة قبل الحرة منذ بضع ومائة سنة إلى اليوم » وقال إسحاق بن منصور : قلت لأحمد بن حنبل : كم من ركعة تصلي في قيام شهر رمضان ؟ فقال : قد قيل فيه ألوان نحوا من أربعين ، إنما هو تطوع ، قال إسحاق : نختار أربعين ركعة وتكون القراءة أخف « الزعفراني عن الشافعي رحمه الله : رأيت الناس يقومون بالمدينة تسعا وثلاثين ركعة قال : » وأحب إلي عشرون ، قال : وكذلك يقومون بمكة ، قال : وليس في شيء من هذا ضيق ولا حد ينتهي إليه ، لأنه نافلة فإن أطالوا القيام وأقلوا السجود فحسن ، وهو أحب إلي ، وإن أكثروا الركوع والسجود فحسن «(1/21)
باب مقدار القراءة في كل ركعة في قيام رمضان السائب بن يزيد : « أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبي بن كعب رضي الله عنه وتميما الداري رضي الله عنه أن يقوما للناس في رمضان فكان القارئ يقرأ بالمئين ، حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر » مالك عن عبد الله بن أبي بكر : سمعت أبي يقول : « كنا ننصرف في رمضان من القيام فنستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر » السائب : « كان القارئ يقرأ في رمضان في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كل ركعة بخمسين آية ، بستين آية ، ونحو ذلك » عاصم رحمه الله ، عن أبي عثمان : أن عمر رضي الله عنه جمع القراء في رمضان فأمر أخفهم قراءة أن يقرأ ثلاثين آية وأوسطهم خمسا وعشرين ، وأثقلهم قراءة عشرين « الحسن رحمه الله : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر أبيا رضي الله عنه فأمهم في رمضان ، فكانوا ينامون ربع الليل ويقومون ربعيه وينصرفون بربع لسحورهم وحوائجهم ، وكان يقرأ بهم خمس آيات وست آيات في كل ركعة ، ويصلي بهم ثمانية عشر شفعا يسلم في كل ركعتين ، ويروحهم قدر ما يتوضأ المتوضئ ويقضي حاجته » سعيد بن عامر ، عن أسماء بن عبيد ، قال : دخلنا على أبي رجاء العطاردي ، قال سعيد : زعموا أنه كان بلغ ثلاثين ومائة ، فقال : يأتوني فيحملوني كأني قفة حتى يضعوني في مقام الإمام فأقرأ بهم ثلاثين آية وأحسبه قد قال : أربعين آية في كل ركعة يعني في رمضان « عمر بن المنذر : » كنت أقوم للناس في زمان عبد الله بن الزبير رضي الله عنه فكنا نقرأ بخمسين آية في كل ركعة ، وأمر عمر بن عبد العزيز القراء في رمضان أن يقوموا بست وثلاثين ركعة ، ويوتروا بثلاث ويقرءوا في كل ركعة عشر آيات « علي بن الأقمر رحمه الله : » أمنا مسروق في رمضان فقرأ في ركعة بسورة العنكبوت « عن أبي مجلز رحمه الله : أنه كان يقرأ بهم سبع القرآن في كل ليلة ، وكان بشير بن نهيك يفعل ذلك » عفان بن مسلم ، عن حماد بن سلمة ونظر إلى رجل يصلي قد جعل يخفف صلاته ، فقال له : أحسن صلاتك ، قال : إني رأيت الحسن الجفري يخفف صلاته يعني في التطوع ، فقال : سمعت يونس بن عبيد يقول : « ما استخف رجل بالتطوع إلا استخف بالفريضة » ميمون بن مهران رحمه الله : « أدركت القارئ إذا قرأ خمسين آية قالوا : إنه ليخفف وأدركت القراء في رمضان يقرءون القصة كلها قصرت أو طالت . فأما اليوم فإني أقشعر من قراءة أحدهم ، يقرأ : وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون (1) ثم يقرأ في الركعة الأخرى غير المغضوب عليهم ولا الضالين (2) ، ألا إنهم هم المفسدون (3) » عبد الرحمن بن القاسم رحمه الله : سئل مالك عن قيام رمضان ، بكم يقرأ القارئ ؟ قال : « بعشر عشر ، فإذا جاءت السور الخفيفة فليزدد ، مثل الصافات ، وطسم فقيل له : خمس ؟ قال : بل عشر آيات » أبو داود : سئل أحمد عن الرجل يقرأ القرآن مرتين في رمضان يؤم الناس ، قال : هذا عندي على قدر نشاط القوم وإن فيهم العمال ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ : « أفتان أنت »
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 11
(2) سورة : الفاتحة آية رقم : 7
(3) سورة : البقرة آية رقم : 12(1/22)
باب اختيار قيام آخر الليل على أوله تقدم قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : « والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون ، يريد آخر الليل ، وكان الناس يقومون أوله وينامون آخره . طاوس رحمه الله : سمع ابن عباس رضي الله عنه يقول : » دعاني عمر رضي الله عنه أتغدى عنده يعني السحر فسمع هيعة الناس ، فقال : ما هذا ؟ فقلت : الناس خرجوا من المسجد ، قال : ما بقي من الليل ، أي مما مضى « وقال الحسن رحمه الله : » كان الناس يصلون العشاء في شهر رمضان في زمان عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان رضي الله عنهم ربع الليل الأول ، ثم يقومون الربع الثاني ، ثم يرقدون ربع الليل ، ويصلون فيما بين ذلك « وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا تعشى في شهر رمضان هجع هجعة ثم يقوم إلى الصلاة فيصلي وعن عكرمة رحمه الله : كنا نصلي ثم أرجع إلى ابن عباس رضي الله عنه فأوقظه فيصلي فيقول لي : يا عكرمة هذه أحب إلي مما تصلون ، ما تنامون من الليل أفضله يعني آخره » عمران بن حدير رحمه الله : أرسلت إلى الحسن رحمه الله فسألته عن صلاة العشاء في رمضان أنصلي ، ثم نرجع إلى بيوتنا فننام ، ثم نعود بعد ذلك ؟ ، فأبى ، قال : « لا ، صلاة العشاء ثم القيام » أبو داود رحمه الله : قيل لأحمد رحمه الله وأنا أسمع يؤخر القيام يعني التراويح إلى آخر الليل ؟ قال : « لا ، سنة المسلمين أحب إلي »(1/23)
باب حضور النساء الجماعة في قيام رمضان تقدم قول جابر رضي الله عنه : جاء أبي رضي الله عنه فقال : يا رسول الله كان مني الليلة شيء . الحديث وعن هشام بن عروة ، عن أبيه جعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه للناس قارئين ، فكان أبي بن كعب رضي الله عنه يصلي بالرجال ، وكان ابن أبي حثمة رحمه الله يصلي بالنساء « وقال عرفجة الثقفي رحمه الله : » أمرني علي رضي الله عنه فكنت إمام النساء في قيام رمضان « وعن ابن أبي مليكة : أن » ذكوان أبا عمرو كانت عائشة رضي الله عنها أعتقته عن دبر ، فكان يؤمها ومن معها في رمضان في المصحف ، قال : وكان يؤمها من يدخل عليها إلا أن يدخل عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر فيصلي بها « وقال إبراهيم : » كنت أصلي زمن الحجاج وما خلفي إلا امرأة « سفيان عن جابر ، عن عامر وعطاء رحمهم الله قالا : » لا بأس أن يؤم الرجال النساء ليس معهن رجل « وعن الحسن رحمه الله : » لا بأس أن يؤم الرجل النساء في رمضان «(1/24)
باب من كره أن يؤم الرجل النساء العلاء بن المسيب رحمه الله : قلت لحماد بن أبي سليمان رحمه الله : أقوم بأهلي في رمضان ؟ قال : « لا إلا أن يكون معك رجل أرأيت إن أحدثت وليس معك رجل من تقدم ؟ »(1/25)
باب المرأة تؤم النساء في قيام رمضان وغيره(1/26)
17 - حدثنا إسحاق ، أخبرنا الملائي ، ثنا الوليد بن جميع ، حدثتني جدتي ، عن أم ورقة الأنصارية رضي الله عنها « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم » أمرها أن تؤم أهل دارها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويسميها الشهيدة وكان لها مؤذن « قتادة ، عن أم الحسن : رأيت أم سلمة رضي الله عنها تؤم النساء في رمضان وهي في الصف معهن لا تقدمهن » عمار الدهني : عن أم سلمة رضي الله عنها : أنها أمت نسوة في العصر فقامت بينهن وسطا « وعن عطاء ، عن عائشة رضي الله عنها : أنها أمت النساء في صلاة العصر فقامت معهن في صفهن » رائطة الحنفية : أن عائشة رضي الله عنها : كانت تؤم النساء تقوم بينهن في المكتوبة وسطا « ابن إسحاق : حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، أن ربيعة بن عبد الله بن الهدير التيمي ، وكان ذا نساء كثير ، كان يأمر جارية له قارئة للقرآن فتصلي بنسائه في رمضان ، فكان يأمرها أن تقوم في وسط منهن ، ويقمن عن يمينها ويسارها ثم تصلي بهن » وعن الشعبي وإبراهيم : « تؤم المرأة النساء في رمضان تقوم وسطهن » تمام بن نجيح : قلت للحسن : أتؤم المرأة النساء ؟ قال : « نعم ، تقوم معهن في الصف ، فإذا ركعت تقدمت خطوة أو خطوتين ثم لتسجد ، فإذا قامت رجعت إلى مقامها ، قلت : أتؤذن ؟ قال : نعم ، وتقيم » وعن ابن جريج ، عن عطاء : « تؤم المرأة النساء من غير أن تخرج أمامهن ولكن يحاذى بهن ، قلت : في المكتوبة ؟ قال : نعم ، قلت : أفتؤمهن الحبلى خشية أن يكون في بطنها ذكر ؟ قال : ما سمعت ؟ قلت : فكيف ؟ قال : تؤمهن أفقههن ، قلت : أتسرك الحبلى وتؤم الأفقه منهن ؟ قال : نعم » وعن الحسن « تؤمهن بعضهن إن شئن تقوم معهن في الصف » وعن مكحول رحمه الله : « تؤم المرأة المرأة إذا لم تكن غيرها بمنزلة الرجلين » وعن النخعي : « ليس عليهن جمعة ولا يصلين جماعة إلا أن لا يجدن رجلا يقرأ بهن في رمضان »(1/27)
باب من كره أن تؤم المرأة النساء قال ابن عون : كتبت إلى نافع أسأله عن المرأة تؤم النساء ، فكتب : « إن المرأة لا تؤم النساء » وعن مالك رحمه الله : « لا ينبغي للمرأة أن تؤم أحدا ، وقد كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرات فما أمت امرأة قط أحدا ولا غيرهن » وعنه : « إذا أمت المرأة النساء يعدن ما كن في وقت » وقال سفيان : « والمرأة تؤم النساء وتقوم وسطا منهن في الصف » وقال إسحاق : قلت لأحمد : المرأة تؤم النساء ؟ ، قال : « نعم تقوم وسطهن » قال إسحاق رحمه الله : « فأما سفيان الثوري ومن سلك طريقه فرأوا أن المرأة إذا أمت النساء وقامت وسطهن إن صلاتهن جائزة وقال : هذا على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أم ورقة الأنصارية رضي الله عنها حين أمرها أن تؤم أهل دارها ، وأخذ بذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها وأم سلمة رضي الله عنها ، قال : وهذا الذي نعتمد عليه . قال إسحاق رحمه الله : » فأما من قال : صلاتهن فاسدة إذا أمتهن امرأة فهو خطأ ؛ لأن أدنى معاني أمر النبي صلى الله عليه وسلم لأم ورقة أن تكون ذلك رخصة لهن وعن سفيان رحمه الله : « نحن نكره أن تؤمهن مخافة إن أحدثت لم تجد من تقدم قال محمد بن نصر رحمه الله : والأمر عندنا أنه لا بأس أن يؤم الرجل النساء ، وإن لم يكن خلفه رجل اتباعا لما رويناه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنهما أمرا بذلك ، ففعل بحضرة المهاجرين والأنصار وسائر الصحابة ، ولم يأتنا عن أحد منهم أنه كره ذلك ولا عابه . وقد رخص فيه جماعة من التابعين ولم يجئنا عن أحد قبل حماد بن أبي سليمان أنه كره ذلك ، ووافقه على ذلك سفيان الثوري ولا نعرف لكراهة ذلك وجها . وأما قول حماد : أرأيت إن أحدثت ، فإن هذا ليس بحجة إنما سئل عن مسألة لعله لا يحدث أبدا ، فإن أحدث ؟ ، فالجواب : إذا أحدث فإنه ينصرف ويتوضأ ، فإن كان ممن يرى البناء على صلاته بنى على صلاته ، وأما من خلفه من النساء فإنهن يتممن صلاتهن وحدانا ، وإن أمتهن إحداهن فيما بقي من الصلاة أجزأتهن أيضا صلاتهن والذي نختاره للإمام إذا أحدث أن يتوضأ ويعيد صلاته ، وصلاة من خلفه جائزة ومن كان مذهبه أن الإمام إذا فسدت صلاته فسدت صلاة من خلفه ، وكان رأيه أن من أحدث في صلاته فسدت صلاته ، فإنه إذا أحدث فسدت صلاة الإمام وصلاة من خلفه ؟ وهو مذهب سفيان الثوري ، وليس هذا مما يوجب عليه أن يفسد صلاته أو صلاة من خلفه من النساء خوفا أن يحدث ما لم يحدث لأن الرجل ربما أم غيره فلا يحدث في صلاته ، فإن أحدث فسدت صلاته في قول من أفسد الصلاة بالحدث وما لم يحدث فصلاته تامة . وكذلك الإمام إذا صلى بالنساء فما لم يحدث فصلاته تامة وصلاة النساء خلفه تامة فإذا أحدث فسدت صلاته وصلاة من خلفه من النساء في مذهب من أفسد الصلاة بالحدث على الإمام ومن خلفه . وأما نحن فنقول : صلاة الإمام فاسدة وصلاة من خلفه جائزة لأنا لا نفسد صلاة من خلف الإمام بفساد صلاة الإمام . وعن ابن ذكوان رحمه الله : أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه » صلى بأمهات المؤمنين الفجر بمنى « وعن النخعي : » كنت أؤذن وأقيم فما يصلي خلفي في المسجد إلا عجوز « وقال سفيان رحمه الله : » إذا كان رجلان وامرأة قام الرجل إلى جنب الرجل وقامت المرأة خلفهما « وعن الحسن رحمه الله في امرأة صلت الفريضة تؤم ، قال : » بئس ما صنعت ما علمتهن يفعلن ذلك « وسئل عن رجل ليس معه ما يقرأ به في رمضان وفي الدار امرأة تقرأ أيصلي بصلاتها ؟ قال : » نعم «(1/28)
باب ذكر من اختار الصلاة وحده على القيام مع الناس إذا كان حافظا للقرآن تقدم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيته(1/29)
18 - حدثنا محمد بن يحيى رحمه الله ، ثنا عفان رحمه الله ، ثنا وهيب عن موسى بن عقبة ، سمعت أبا النضر رحمه الله يحدث عن بسر بن سعيد رحمه الله ، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم « أتخذ حجرة في المسجد من حصير فصلى فيها ليالي حتى اجتمع إليه ناس ، ثم فقدوا صوته فظنوا أنه قد نام ، فجعل بعضهم يتنحنح به ليخرج ، فقال : » ما زال بكم الذي رأيت من صنعكم حتى خشيت أن يكتب عليكم قيام الليل ، ولو كتب عليكم ما قمتم به ، فصلوا أيها الناس في بيوتكم ، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة «(1/30)
19 - حدثنا محمد بن يحيى ، ثنا معلى بن منصور ، عن سليمان بن بلال ، عن إبراهيم بن أبي النضر ، عن أبيه ، عن بسر بن سعيد ، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « صلاتكم في بيوتكم أفضل من صلاتكم في مسجدي هذا إلا المكتوبة » وقال الليث رحمه الله : « ما بلغنا أن عمر رضي الله عنه وعثمان رضي الله عنه كانا يقومان في رمضان مع الناس في المسجد » وقال مالك رحمه الله : « كان ابن هرمز من القراء ينصرف فيقوم بأهله في بيته ، وكان ربيعة ينصرف ، وكان القاسم رحمه الله ، وسالم رحمه الله ينصرفان لا يقومان مع الناس ، وقد رأيت يحيي بن سعيد مع الناس ، وأنا لا أقوم مع الناس ، لا أشك أن قيام الرجل في بيته أفضل من القيام مع الناس إذا قوي على ذلك وما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في بيته » مجاهد رحمه الله : عن ابن عمر رضي الله عنه : « تنصت خلفه كأنك حمار صل في بيتك » وعن نافع رحمه الله : كان ابن عمر رضي الله عنه يصلي العشاء في المسجد في رمضان ثم ينصرف ، ونصلي نحن القيام ، فإذا انصرفنا أتيته فأيقظته فقضى وضوءه وتسحيره ثم يدخل المسجد فكان فيه حتى يصبح « عبيد الله بن عمر : أنه كان يرى مشيختهم القاسم وسالما ونافعا ينصرفون ولا يقومون مع الناس » أبو الأسود رحمه الله : أن عروة بن الزبير رضي الله عنه كان يصلى العشاء الآخرة مع الناس في رمضان ثم ينصرف إلى منزله ولا يقوم مع الناس « صالح المري رحمه الله : سأل رجل الحسن رحمه الله : يا أبا سعيد ، هذا رمضان أظلني وقد قرأت القرآن فأين تأمرني أن أقوم ، وحدي أم أنضم إلى جماعة المسلمين فأقوم معهم ؟ فقال له : إنما أنت عبد مرتاد لنفسك فانظر أي الموطنين كان أوجل لقلبك وأحسن لتيقظك فعليك به » قال الحسن رحمه الله : « من استطاع أن يصلي مع الإمام ثم يصلي إذا روح الإمام بما معه من القرآن فذلك أفضل ، وإلا فليصل وحده إن كان معه قرآن حتى لا ينسى ما معه » شعبة عن أشعث بن سليم رحمه الله : « أدركت أهل مسجدنا يصلي بهم إمام في رمضان ويصلون خلفه ويصلي ناس في نواحي المسجد فرادى ، ورأيتهم يفعلون ذلك في عهد ابن الزبير رضي الله عنه في مسجد المدينة » شعبة عن إسحاق بن سويد : « كان صف القراء في بني عدي في رمضان ، الإمام يصلي بالناس وهم يصلون على حدة » وكان سعيد بن جبير : « يصلي لنفسه في المسجد والإمام يصلي بالناس » وكان ابن أبي مليكة رحمه الله يصلي في رمضان خلف المقام والناس بعد في سائر المسجد من مصلى وطائف بالبيت « وكان يحيى بن وثاب : » يصلي بالناس في رمضان وكانوا يصلون لأنفسهم وحدانا في ناحية المسجد « وعن إبراهيم رحمه الله : » كان المجتهدون يصلون في جانب المسجد والإمام يصلي بالناس في رمضان « وكان ابن محيريز رحمه الله يصلي في رمضان في مؤخر المسجد والناس يصلون في مقدمه للقيام » وعن مجاهد رحمه الله : « إذا كان مع الرجل عشر سور فليرددها ولا يقوم في رمضان خلف الإمام » يحيى بن أيوب رحمه الله : رأيت يحيي بن سعيد رحمه الله يصلي العشاء بالمدينة في المسجد مع الإمام في رمضان ثم ينصرف فسألته عن ذلك قال : « كنت أقوم ثم تركت ذلك فإن استطعت أن أقوم لنفسي أحب إلي » قال مالك : كان عمر بن حسين رحمه الله من أهل الفضل والفقه وكان عابدا ولقد أخبرني رجل أنه كان يسمعه في رمضان يبتدي القرآن في كل يوم ، قيل له كأنه يختم ، قال : نعم ، وكان في رمضان إذا صلى العشاء انصرف فإذا كانت ليلة ثلاث وعشرين قامها مع الناس ولم يكن يقوم معهم غيرها ، فقيل له : يا أبا عبد الله فالرجل يختم القرآن في كل ليلة قال : ما أجود ذلك ، إن القرآن إمام كل خير ، أو أمام كل خير « وقال قبيصة رحمه الله : » صلى خلفي سفيان رحمه الله ترويحة في رمضان ثم تنحي وصلى وحده ترويحة فجعل يقرأ ويرفع صوته حتى كاد يغلظني ثم صلى خلفي ترويحة أخرى ثم أخذ نعليه وقلة معه ثم خرج ولم ينتظر أن يوتر معي « » وصلى أبو إسحاق الفزاري في مؤخر المسجد في رمضان إلى سارية والإمام يصلي بالناس وهو يصلي وحده « وقال الشافعي : » إن صلى رجل لنفسه في بيته في رمضان فهو أحب إلي وإن صلى في جماعة فهو حسن « وقال أبو داود : قلت لأحمد : الإمام يصلي التراويح بالناس وناس في المسجد يصلون لأنفسهم ؟ قال : » يعجبني أن يصلوا مع الإمام «(1/31)
باب الإمام يؤم في القيام يقرأ في المصحف تقدم أن عائشة رضي الله عنها كان يؤمها غلام لها في المصحف وكان يقال له ذكوان في رمضان بالليل . وسئل ابن شهاب رحمه الله عن الرجل يؤم الناس في رمضان في المصحف قال : « ما زالوا يفعلون ذلك منذ كان الإسلام ، كان خيارنا يقرءون في المصاحف » إبراهيم بن سعد عن أبيه أنه كان يأمره ، أن يقوم بأهله في رمضان ويأمره أن يقرأ لهم في المصحف ويقول : « أسمعني صوتك » قتادة ، عن سعيد بن المسيب رحمه الله في الذي يقوم في رمضان « إن كان معه ما يقرأ به في ليلة وإلا فليقرأ في المصحف » ، فقال الحسن رحمه الله : « ليقرأ بما معه ويردده ولا يقرأ من المصحف كما تفعل اليهود ، قال قتادة : وقول سعيد أعجب إلي » أيوب رحمه الله ، عن محمد أنه « كان لا يرى بأسا أن يؤم الرجل القوم في التطوع يقرأ في المصحف » وقال عطاء في الرجل يؤم في رمضان من المصحف : « لا بأس به » وقال يحيى بن سعيد الأنصاري : « لا أرى بالقراءة من المصحف في رمضان بأسا يريد القيام » ابن وهب رحمه الله : سئل مالك ، عن أهل قرية ليس أحد منهم جامعا للقرآن أترى أن يجعلوا مصحفا يقرأ لهم رجل منهم فيه ؟ فقال : « لا بأس به » ، فقيل له : فالرجل الذي قد جمع القرآن أترى أن يصلي في المسجد خلف هذا الذي يقوم بهم في المصحف أو يصلي في بيته ؟ فقال : « لا ، ولكن ليصل في بيته » وعن أحمد رحمه الله : « في رجل يؤم في رمضان في المصحف ، فرخص فيه فقيل له : يؤم في الفريضة ؟ قال : ويكون هذا » وعنه أيضا وقد سئل هل يؤم في المصحف في رمضان ؟ قال : « ما يعجبني إلا أن يضطر إلى ذلك ، وبه قال إسحاق »(1/32)
باب من كره أن يؤم في المصحف الأعمش عن إبراهيم رحمه الله : كانوا يكرهون أن يؤم الرجل في المصحف كراهية أن يتشبهوا بأهل الكتاب « ليث عن مجاهد رحمه الله أنه كره أن يؤم الرجل في المصحف » « ومر سليمان بن حنظلة بقوم يؤمهم رجل في مصحف في رمضان على مشجب فرمى به » وعن الشعبي : أنه كره أن يقرأ الإمام في المصحف وهو يصلي « وقال سفيان رحمه الله : » يكره أن يؤم الرجل القوم في رمضان في المصحف أو في غير رمضان ، يكره أن يتشبه بأهل الكتاب « وعن أبي حنيفة رحمه الله : » في الرجل يؤم القوم يقرأ في المصحف أن صلاته فاسدة « وخالفه صاحباه فقالا : » صلاته تامة ، ويكره هذا الصنيع لأنه صنيع أهل الكتاب « قال محمد بن نصر ولا نعلم أحدا قبل أبي حنيفة أفسد صلاته ، إنما كره ذلك قوم لأنه من فعل أهل الكتاب فكرهوا لأهل الإسلام أن يتشبهوا بهم ، فأما إفساد صلاته فليس لذلك وجه نعلمه لأن قراءة القرآن هي من عمل الصلاة ونظره في المصحف كنظره إلى سائر الأشياء التي ينظر إليها في صلاته ، ثم لا يفسد صلاته بذلك في قول أبي حنيفة وغيره فشبه ذلك بعض من يحتج لأبي حنيفة بالرجل يعترض في كتب حسابه أو كتبا وردت عليه ، فيقرأها في صلاته ، وإن لم يلفظ فإن ذلك يفسد صلاته فيما زعم . قال محمد بن نصر رحمه الله : وقراءة القرآن بعيدة الشبه من قراءة كتب الحساب والكتب الواردة لأن قراءة القرآن من عمل الصلاة وليست قراءة كتب الحساب من عمل الصلاة في شيء ، فمن فعل ذلك فهو كرجل عمل في صلاته عملا ليس من أعمال الصلاة ، فما كان من ذلك خفيفا يشبه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله في صلاته مما ليس هو من أعمال الصلاة أو كان يقارب ذلك جازت الصلاة وما جاوز ذلك فسدت صلاته(1/33)
20 - حدثنا يحيى بن يحيى ، عن مالك ، عن علقمة بن أبي علقمة ، عن أمه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : أهدى أبو جهم بن حذيفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة (1) شامية لها علم (2) فشهد فيها الصلاة ، فلما انصرف قال : « ردوا هذه الخميصة إلى أبي جهم فإني نظرت إلى علمها في الصلاة فكاد يفتنني »
__________
(1) الخميصة : ثوب أسود أو أحمر له أعلام
(2) العلم : رسم في الثوب(1/34)
باب التعوذ عند القراءة في قيام رمضان قال ابن شهاب رحمه الله : « ما زال القراء في رمضان حين يصلون إذا ختموا أم القرآن يستعيذون من الشيطان فيرفعون أصواتهم في كل ركعة : نعوذ بك من الشيطان الرجيم ، إنك أنت السميع العليم ، سبحانك رب العالمين ، بسم الله الرحمن الرحيم » أبو الزناد : « أدركت القراء إذا قرءوا في رمضان يتعوذون بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ثم يقرءون ، وكان إذا قام في رمضان يتعوذ حتى لقي الله لا يدع ذلك » وكان قراء عمر بن عبد العزيز لا يدعون التعوذ في رمضان . وقال الجريري : كانوا إذا حضر شهر رمضان يقولون : « اللهم سلمنا لرمضان وسلم رمضان لنا ، وسلم منا شهر رمضان وتقبله منا » ورأيت أهل المدينة إذا فرغوا من أم القرآن ولا الضالين (1) وذلك في شهر رمضان يقولون : ربنا إنا نعوذ بك ، فذكره « وقال ابن وهب : سألت مالكا ، قلت : أيتعوذ القاري في النافلة ؟ قال : » نعم في شهر رمضان يتعوذ في كل سورة يقرأ بها ، يقول : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، قيل له : يجهر بذلك ؟ قال : نعم ، قلت : ويجهر في قيام رمضان ببسم الله الرحمن الرحيم ؟ فقال لي : نعم « وعن ابن القاسم رحمه الله : سئل مالك عن القراءة إذا كبر الإمام افتتح بأعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، قال : » لا أعلمه يكون إلا في رمضان فإن قراءنا يفعلون ذلك وهو من الأمر القديم « وكان إسحاق » يرى أن يجهر الإمام ببسم الله الرحمن الرحيم في قيام رمضان في كل سورة « ويحكى عن ابن المبارك أنه كان يرى ذلك ، وكان يقول : » من ترك قراءة بسم الله الرحمن الرحيم فيما بين السور في قيام رمضان فقد من القرآن مائة وثلاث عشرة آية ولا يكون ختم القرآن «
__________
(1) سورة : الفاتحة آية رقم : 7(1/35)
باب ما يبدأ به في أول ليلة من القرآن من قيام رمضان قال أبو حازم رحمه الله « كان أهل المدينة إذا دخل رمضان يبدؤن في أول ليلة بإنا فتحنا لك فتحا مبينا »(1/36)
باب الإنصات لقراءة الإمام في التراويح قال ابن جريج رحمه الله : قلت لعطاء : أبلغك أنه يجزئ الإمام عمن وراءه في استعاذة أو تكبير أو تشهد أو شيء إلا القراءة ؟ قال : « ما بلغني أنه يجزئ عمن وراءه في شيء إلا في القراءة . قال عطاء : إذا سمعوا قراءته وعقلوها فتبادروه بالقراءة أو ليقرءوا بعد ما يسكت يعني بأم القرآن قلت : أرأيت إذا سمعت قراءة القرآن ففهمت لفظه وما يقول أو أنطق ؟ قال : لا ، أنصت كما قال الله . قلت : فالقيام في شهر رمضان أسمع قراءة القارئ وأعقلها وأنصت ؟ قال : نعم ، قال : إنما هو شيء ليس بمكتوب فأنصت إذا عقلت قراءته . قلت : أفأقرأ مع الإمام في الظهر القيام كله ، وأجعل القيام كله قراءة ؟ قال : أما أنا فأقرأ معه بأم القرآن وسورة قصيرة ، ثم أسبح وأهلل بعد . قلت : فسمع من وراء الإمام صوته ولم يفقهوا ولم يعقلوا لفظه وقراءته ألا يقرءون إن شاءوا ؟ قال : بلى »(1/37)
باب التغني بالقرآن في قيام رمضان عن نوفل ابن إياس الهذلي رحمه الله قال : كان الناس يقومون في رمضان في المسجد فكانوا إذا سمعوا قارئا حسن القراءة مالوا إليه ، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : « قد اتخذوا القرآن أغاني والله لئن استطعت لأغيرن هذا فلم تمر ثلاث حتى جمع الناس على أبي بن كعب رضي الله عنه ، فقال عمر رضي الله عنه : إن كانت هذه بدعة لنعمت البدعة » وقال أيوب رحمه الله ، عن بعض المدنيين : قدم رجل من أهل العراق يقال له : البيذق ، فنزل المدينة ، فأقاموه يصلي بالناس في رمضان ، فجعلوا يقولون لسالم : لو جئت ، قال : « فما زلنا به حتى جاء ليلة ، فسمع حتى دخل أو أراد أن يدخل فخرج وهو يقول : غناء غناء » وعن الحسن رحمه الله أنه كره القراءة بالأصوات « وسمع إياس بن معاوية رحمه الله قارئا يقرأ بالأصوات فقال له : » إن كنت متغنيا فبالشعر « وقال سعيد بن جبير لرجل : » ما الذي أحدثتم من بعدي ؟ قال : ما أحدثنا بعدك شيئا ، قال : بلى ، الأعمى وابن الصيقل يغنيانكم بالقرآن « وقرأ رجل عند الأعمش فرجع قرأ بهذه الألحان ، فقال الأعمش : » قرأ رجل عند أنس بن مالك رضي الله عنه نحو هذا فكرهه «(1/38)
21 - حدثنا محمد بن يحيى ، ثنا أبو صالح ، حدثني يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله بن زحر ، عن علي بن زيد الدمشقي ، عن القاسم أبي عبد الرحمن ، عن أبي أمامة ، عن عبس الغفاري رضي الله عنه أنه تمنى الموت ، فقال له ابن أخيه : لم تتمنى الموت ؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تتمنوا الموت فإنه يقطع العمل ولا يرد الرجل فيستعتب » ، قال : إني أخاف أن يدركني ست سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذكرهن ؛ الجور (1) في الحكم ، والتهاون بالدماء ، وإمارة السفهاء ، وقطيعة الرحم ، وكثرة الشرط ، والرجل يتخذ القرآن مزامير يغني القوم ، والقوم يقدمون الرجل ليس بخيرهم ولا بأفقههم فيغنيهم بالقرآن « وقال مالك رحمه الله : » يكره هذه الألحان التي يقرءونها في القيام في المسجد « وقال الشافعي رحمه الله ، في قوله صلى الله عليه وآله وسلم : » ليس منا من لم يتغن بالقرآن « قال : يقرأه حدرا وتحزينا
__________
(1) الجور : البغي والظلم والميل عن الحق(1/39)
باب من كره الصلاة بين التراويح قال بحير بن ريسان : رأيت عبادة بن الصامت رضي الله عنه « يزجر أناسا يصلون بعد تراويح الإمام في رمضان ، فلما أبوا أن يطيعوه قام إليهم فضربهم » وكان عقبة بن عامر « يوكل بالناس في رمضان رجالا يمنعونهم من السبحة بين الأشفاع لئلا يدرك رجلا الصلاة وهو في سبحة لم يفرغ منها » وقال أبو الدرداء : « من خالفنا في صلاتنا فليس منا يعني الصلاة بين التراويح » ورأى عمران بن سليم رجلا يصلي بين الترويحتين في رمضان فجذبه ، وقال : « لا تخالف القوم في صلاتهم » وقيل لأحمد : لا يصلي الإمام بين التراويح ولا الناس ؟ قال : « لا يصلي ولا الناس » وسئل عن قوم صلوا في رمضان خمس ترويحات لم يتروحوا بينها ، قال : لا بأس « وكره إسحاق رحمه الله الصلاة بين التراويح »(1/40)
باب من رخص في الصلاة بين التراويح سئل الزهري رحمه الله عن الصلاة في قيام رمضان بين الأشفاع ، فقال : إن قويت على ذلك فافعله وكان عامر بن عبد الله بن الزبير ، وأبوعمرو ، وسعيد بن عبد العزيز ، والليث بن سعد ، وابن جابر ، وبكر بن مضر ، وأبو بكر بن حزم ، ويحيي بن سعيد ، وابن عبيدة ، وقيس بن رافع ، والأوزاعي ، وابن المبارك ، وأبو معاوية ، وسعير بن الخمس ، رحمهم الله يصلون بين الأشفاع ، وقال مالك : لا بأس به . وعن قتادة رحمه الله أنه كان لا يرى بأسا أن يقوم الرجل بين الترويحتين فيصلي ولا يركع حتى يقوم الإمام فيدخل معه في صلاته . ولم ير الحسن بأسا أن يقوم بين الترويحتين يصلي ويدخل مع الإمام في صلاته ولا يركع . وعن إبراهيم رحمه الله أنه كان لا يرى بأسا أن يقوم بين الترويحتين يصلي ويدخل مع الإمام ولا يركع وقال صفوان رحمه الله : رأيت أشياخنا منهم من يصلي بين الترويحتين ومنهم من لا يصلي ، وكل ذلك حسن وكان عبد الرحمن بن الأسود رحمه الله يصلي بين كل ترويحتين لنفسه كذا وكذا ركعة وعن عبدة بن أبي لبابة في التطوع بين الترويحتين في قيام رمضان : لا بأس بذلك ، قال : ونحن نتطوع فيما بين المكتوبة إلى المكتوبة فهذا أحرى أن يركع فيما بينهما وإنما هو تطوع(1/41)
باب إمامة الغلام الذي لم يحتلم في قيام رمضان وغيره(1/42)
22 - حدثنا يحيى بن يحيى ، أخبرنا أبو خيثمة ، عن عاصم ، عن عمرو بن سلمة رضي الله عنه قال : جاء نفر من الحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعوه يقول : « يؤمكم أكثركم قرآنا » ، قال : فقدموني بين أيديهم ، وأنا غلام ، فكنت أؤمهم ، قال عاصم : فلم يزل إمام قومه في الصلاة وعلى جنائزهم «(1/43)
23 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا سليمان بن حرب ، ثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، حدثني أبو قلابة ، عن عمرو بن سلمة رضي الله عنه قال : كنا بماء ممرا من الناس ، فكان يمر بنا الركبان فنسألهم : ما هذا الأمر ، وما للناس ؟ فيقولون : نبي يزعم أن الله أرسله ، وأن الله أوحى إليه كذا وكذا ، فجعلت أتلقى الركبان فكأنما يغرى في صدري بغراء ، وكانت العرب تلوم بإسلامها الفتح ويقولون : أبصروه وقومه ، فإن ظهر عليهم فهو نبي وهو صادق ، فلما جاءتهم وقعة الفتح بادر (1) كل قوم بإسلامهم ، فانطلق أبي بإسلام أهل حوائنا (2) ، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام عنده ، فلما أقبل من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقيناه ، فلما رآنا قال : جئتكم والله من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا ، وإنه يأمركم بكذا ، وينهاكم عن كذا ، وقال : « صلوا صلاة كذا في حين كذا ، وصلاة كذا في حين كذا ، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ، وليؤمكم أكثركم قرآنا » ، فنظروا في أهل حوائنا ذلك فما وجدوا أحدا أكثر مني قرآنا لما كنت أتلقى من الركبان ، فقدموني بين أيديهم وأنا ابن سبع أو ست سنين ، وكانت علي بردة (3) إذا سجدت تقلصت (4) عني ، فقالت امرأة من الحي : ألا تغطون عنا است (5) قارئكم هذا ؟ فكسوني قميصا من معقد البحرين بستة دراهم أو سبعة ، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص
__________
(1) بادر الشيءَ وله وإليه : عجل إليه واستبق وسارع
(2) الحواء : القرية المجتمعة على الماء
(3) البْرُدُ والبُرْدة : الشَّمْلَةُ المخطَّطة، وقيل كِساء أسود مُرَبَّع فيه صورٌ
(4) تقلص : تدانى وانضم
(5) الاست : العجز والمؤخرة ويطلق على حلقة الدبر(1/44)
24 - حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن الأشعث بن قيس أنه كان أميرا ، فقدم غلاما صغيرا فأم الناس ، فعابوا عليه ، فقال : « إني إنما قدمت القرآن » وعن عائشة رضي الله عنها : « كنا نأخذ الصبيان من الكتاب ونقدمهم يصلون لنا شهر رمضان ، فنعمل لهم القلية والخشكار » وعن الحسن رحمه الله : « لا بأس بإمامة الغلام الذي لم يحتلم في رمضان إذا أحسن الصلاة » وعن ابن شهاب « لم يزل يبلغنا أن الغلمان يصلون بالناس إذا عقلوا الصلاة وقرءوا القرآن في رمضان وغيره وإن لم يحتلموا » وقال الليث رحمه الله : لا نرى ذلك وقال يحيى بن سعيد : « لا يؤم الغلام إذا لم يحتلم في المكتوبة ولا بأس أن يؤم في رمضان إذا اضطروا إليه ، يؤم من لا يقرأ شيئا » وعن ابن عباس رضي الله عنه : « لا يؤم الغلام حتى يحتلم » وعن عطاء مثله . وقال ابن جريج : قلت لعطاء : فإن كان أفقههم غلاما لم يحتلم ؟ قال : « ما أحب أن يؤمهم من لم يحتلم ، قلت : فالغلام الذي لم يحتلم يؤتي في أهله وربعه ومنزله أيؤمهم ؟ قال : لا ، وليس بواجب أن لا يؤمهم إلا سيد الربع ، ولكن يقال : هو حقه فإن شاء أمهم بحقه وإن شاء أعطى حقه غيره منهم فأمهم » وعن مجاهد رحمه الله : « لا يؤم الصبي حتى يحتلم » وعن إبراهيم رحمه الله : « لا يؤم الصبي في المكتوبة حتى يحتلم » وقال سفيان رحمه الله : « يكره أن يؤم الغلام القوم حتى يحتلم » وقال مالك رحمه الله : « لا يؤم الصبي في رمضان ولا غيره » وقال الشافعي رحمه الله : « إذا أم الغلام الذي يعقل الصلاة ويقرأ الرجال البالغين فأقام الصلاة أجزأتهم إمامته ، والاختيار أن لا يؤم إلا بالغ وأن يكون الإمام البالغ عالما بما يعرض له في الصلاة » أبو داود رحمه الله : عن أحمد رحمه الله : « لا يؤم الغلام حتى يحتلم ، قلت : حديث عمرو بن سلمة رحمه الله ، قال : لعله كان في بدء الإسلام » وعن إسحاق رحمه الله : أما إمامة الغلام بعد أن يعقل الإمامة ويفقه الصلاة فجائزة ، وإن لم يحتلم ، وفيما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « يؤم القوم أقرؤهم وإن كان أصغرهم » دلالة على ذلك(1/45)
25 - حدثنا إسحاق ، أخبرنا عيسى بن ثور بن يزيد ، عن مهاجر بن حبيب ، قال : جلست إلى أبي سلمة رحمه الله وسعيد بن جبير ، فقال سعيد لأبي سلمة : حدث ، فقال أبو سلمة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمهم أقرأهم وإن كان أصغرهم » قال إسحاق : ولا ينبغي لأحد أن يقدم أحدا يؤم الناس قبل الاحتلام إذا وجد من يقرأ بهم كقراءة الصبي ، ألا ترى إلى ما كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله يوبخه حين قدم ابنه يؤم المسلمين ، فقال : قدمت غلاما لم تحتنكه السن ، ولم تدخله تلك النية إماما للمسلمين في صلاتهم قال إسحاق : فهذا معنى كراهة إمامة الغلام فإن أم بعد السبع وفي القوم أقرأ منه ، فقد أساءوا حين قدموه وصلاتهم جائزة ، ألا ترى إلى الأشعث بن قيس حين عاتبوه في تقديمه الصبي إماما فقال : إني إنما قدمت القرآن ، قال : وقد كان الصبيان يشهدون الجماعات مع الأئمة في المساجد وقال أبو مالك الأشعري لقومه : ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصف الرجال ، ثم الولدان ، ثم صف النساء خلف الولدان(1/46)
26 - حدثنا إسحاق ، أخبرنا عيسى بن يونس ، عن الأحوص بن حكيم ، عن راشد بن سعد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم « نهى أن يقام الصبيان في الصف الأول » وعن حذيفة رضي الله عنه : « كان يفرق بين الصبيان في الصف » مسعر ، عن ابن أبي صهيب ، كان أشياخنا زر بن حبيش ، وغيره ، إذا رأوني في الصف أخرجوني وأنا صبي « . قال إسحاق : » فإذا كان صبيا لم يبلغ سبع سنين فمنع دخول المسجد لم يكن بذلك بأس ، وأما الصف الأول فيمنعون ولا يجوز إخراج صبي بلغ سبعا من المسجد ، وقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي ، وأما مجانبة الصبيان المساجد إذا كانوا في غير صلاة فسنة مسنونة ، بلغوا سبعا أو أقل أو أكثر ، لما يخشى من لغطهم ولعبهم ، فأما إذا جاءوا بحضور الصلاة فلا يمنعوا ، وقد قال عبد الله رحمه الله : « حافظوا على أبنائكم الصلاة ، وعودوهم الخير ؛ فإن الخير بالعادة . ففي هذا دلالة أن يؤمروا بالصلاة صغارا ؛ ليعتادوا فلا يضيعوها كبارا ، فإذا اعتادوا قبل وجوب الفرض عليهم فذلك أحرى أن يلزموها عند وقت الفرض عليهم ، فأما الفرض عليهم فإذا كان الاحتلام ، أو بلوغ خمس عشرة سنة ، أو الإنبات ، فإذا بلغوا ما وصفنا وجبت عليهم الفرائض من الصلاة والصيام والزكاة ، وأقيم عليهم الحدود » وقال سعيد بن المسيب في الصبي : « إذا أحصى الصلاة وصام رمضان فلا بأس بالصلاة خلفه وأكل ذبيحته . قال محمد بن نصر : والذي أقول به في هذا الباب أن الأغلب من أمر الصبيان أنهم لا يتعاهدون طهارة أبدانهم وثيابهم ، والطهارة للصلاة على ما تجب ، ولا يعرفون سنن الصلاة ، ولا النية ، ولا الإخلاص لها ، ولا الخشوع فيها ، والإمام يدعو لمن خلفه ويستغفر لهم ، يقال : هو شفيع القوم ، وعليه تنزل الرحمة أولا ، فينبغي أن يختار للإمامة أفضل القوم وأقرؤهم وأعلمهم بسنة الصلاة والحوادث التي تحدث فيها . عن الحسن » كانوا يختارون الأئمة والمؤذنين ، قال : فأكره أن يتخذ الصبي إماما للمعاني التي ذكرت أنها يتخوف منهم « . وبعث عمر بن عبد العزيز رحمه الله بنين له إلى الطائف ليقرءوا القرآن فتعلم عبد العزيز ، وكان أكبرهم ، فلما حضر رمضان قدموه فيمن يؤمهم ثم كتب إلى عمر رضي الله عنه يبشر بذلك ، فكتب إلى صاحبه يلومه ويقول : » قدمت من لم يحتنكه السن ولم تدخله تلك النية إمام المسلمين في صلاتهم « ، قال : فإن كان صبي قد قارب الإدراك وعرف بتعاهد الصلاة والتطهر لها ولم يكن في القوم مثله في القراءة ، فأمهم في شهر رمضان فذلك جائز ، وصلاة من خلفه جائزة لأنه متطوع وهم متطوعون لا اختلاف في ذلك نعلمه ، وإن أمهم في صلاة مكتوبة فقد اختلف في صلاة من خلفه . ففي مذهب أصحاب الرأي صلاتهم فاسدة لأن إمامهم متطوع وهم يؤدون الفرض ، وغير جائز في قولهم أن يصلى الفرض خلف متطوع . وقال أبو عمرو : » لا يؤم الغلام في صلاة مكتوبة حتى يحتلم إلا أن يكون قوم ليس معهم من القرآن شيء ، فإنه يؤمهم الغلام المراهق . وقال الأوزاعي رحمه الله : « إمامة الغلام الذي لم يحتلم جفاء وحدث في الإسلام ، فإن قدمه فصلى بهم مضت صلاتهم . قال : وصلاتهم في قول الشافعي وأصحابه ، وعامة أصحاب الحديث جائزة لأنهم يجيزون أداء الفرض خلف الإمام المتطوع اتباعا لحديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ، العشاء الآخرة ، ثم يرجع إلى قومه فيؤمهم فيها واحتجوا أيضا بأخبار سوى هذا(1/47)
باب التعقيب وهو رجوع الناس إلى المسجد بعد انصرافهم عنه سعيد ، عن الحسن وقتادة أنهما كانا يكرهان التعقيب في رمضان قال سعيد : وهو رجوع الناس إلى المسجد بعدما ينصرفون « قتادة رحمه الله ، عن أنس رضي الله عنه : أنه كان لا يرى بأسا بالتعقيب في رمضان ، وقال : إنما يرجعون إلى خير يرجونه أو يفرون من شر يخافونه » وعن الحسن أنه كره أن يعودوا إلى المسجد في رمضان من السحر « وعن سعيد بن جبير رحمه الله أنه كره التعقيب في رمضان وسئل أحمد رحمه الله عن التعقيب في رمضان ؟ فقال : عن أنس رضي الله عنه : » في اختلاف « وسئل عن قوم يعتقبون في رمضان ، فيقول : المؤذن في الوقت الذي يعتقبون فيه حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، فقال : » أخشى أن يكون هذا بدعة وكرهه ، قيل له : فيجيء رجل إلى أبواب الناس فيناديهم ، قال : هذا أيسر «(1/48)
باب أخذ الأجر على الإمامة في رمضان(1/49)
27 - حدثنا يحيى بن يحيى ، قلت لأبي وكيع ، حدثكم أبو إسحاق ، أن عبد الله بن معقل صلى بهم في رمضان ، فلما كان يوم الفطر أرسل إليه عبيد الله بن زياد بخمس مائة درهم وحلة (1) فردها وقال : « إنا لا نأخذ على كتاب الله أجرا » قال : نعم أبو إسحاق : أمر مصعب عبد الله بن معقل بن مقرن : أن يؤم الناس في المسجد الجامع في رمضان ، فلما أفطر أرسل إليه مصعب بخمس مائة وحلة فردها ، قال : « ما كنت لآخذ على القرآن أجرا » وعن مالك بن دينار رحمه الله : « مررت برجل كنت أعرفه معه الشرط ، وعليه حديد ، وهو يسأل الناس ، فقلت له : ما لك ؟ قال : فلان العامل أرسل إلي فكنت أقوم به في شهر رمضان ، فلما انقضى الشهر أجازني بجائزة ، فلما عزل وجدوها في كتبه فأخذت بها ، فأنا أسأل الناس فيها ، قلت له : كنت تأكل الثريد ، قال : آكل معه ، قال : فمن ثم ابتليت » وسئل الحسن عن القوم يستأجرون الأجير فيصلي بهم قال : « ليس له صلاة ولا لهم » وعن ابن المبارك : « أكره أن يصلى بأجر ، وقال : أخشى أن تجب عليهم الإعادة » وسئل أحمد ، عن إمام قال لقوم أصلي بكم رمضان بكذا وكذا درهما ، قال : « أسأل الله العافية من يصلي خلف هذا ؟ »
__________
(1) الحُلَّة : ثوبَان من جنس واحد(1/50)
باب قيام رمضان في أرض الحرب(1/51)
28 - حدثنا يزيد بن أبي مريم ، حدثني أبو عبيد الله قال : « كنا بأرض الروم وعلينا ابن مسلمة وفينا أناس كثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقمنا في منزل فصمنا فيه رمضان وقمنا »(1/52)
باب الاجتهاد في العشر الأواخر من رمضان(1/53)
29 - حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، ثنا عبد الواحد بن زياد ، ثنا الحسن بن عبيد الله ، ثنا إبراهيم ، عن الأسود ، سمعت عائشة رضي الله عنها تقول : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها »(1/54)
30 - حدثنا أبو قدامة عبيد الله بن سعيد ، ثنا سفيان ، عن عبيد بن نسطاس ، عن أبي الضحى مسلم بن صبيح ، عن مسروق ، عن عائشة رضي الله عنها : « كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيى الليل وشد المئزر (1) وأيقظ أهله » قال سفيان : يشد المئزر : أن لا يقرب النساء وقال غيره : قال الشاعر : قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم دون النساء ولو باتت بأطهار
__________
(1) المئزر : الإزار ، ويقال شد للأمر مئزره تهيأ له وتشمر(1/55)
31 - حدثنا محمد بن يحيى ، ثنا ابن أبي مريم ، أخبرنا ابن لهيعة ، حدثني واهب بن عبد الله المعافري ، أنه سأل زينب ابنة أم سلمة رضي الله عنها ، عن ليلة القدر ، فقالت : « لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمها ولو علمها لم تقم الناس غيرها ، قالت : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بقي من الشهر عشرة أيام لم يذر أحدا من أهله يطيق القيام إلا أقامه » وقال هشيم ، أخبرنا خالد ، عن أبي عثمان كانوا يعظمون ثلاث عشرات ؛ العشر الأول من المحرم ، والعشر الأول من ذي الحجة ، والعشر الأواخر من رمضان «(1/56)
باب الترغيب في ليلة القدر وتفضيل العمل فيها على العمل في سائر السنة قال الله تعالى : إنا أنزلناه في ليلة القدر ، وما أدراك ما ليلة القدر ، ليلة القدر خير من ألف شهر (1) عن مالك : سمعت من أثق به أن النبي صلى الله عليه وسلم أري أعمار الناس أو ما شاء الله من ذلك فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا في العمل ما بلغه غيرهم في طول العمر فأعطاه الله ليلة القدر « وعن ابن عباس رضي الله عنه » نزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة ، ثم تفرق في السنين ، وتلا هذه الآية : فلا أقسم بمواقع النجوم (2) ، قال : نزل متفرقا « وعن ابن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله : إنا أنزلناه في ليلة القدر قال : » أنزل القرآن في ليلة القدر إلى السماء الدنيا جملة واحدة وكان بمواقع النجوم فكان الله نزله على رسوله بعضه على أثر بعض ، قال : وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا (3) « وفي رواية : » أنزل القرآن إلى السماء الدنيا ليلة القدر جملة واحدة فدفع إلى جبريل فكان ينزله « ، وفي أخرى قال : » فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة في السماء الدنيا فجعل جبريل عليه السلام ينزله على النبي صلى الله عليه وسلم ويرتله ترتيلا « قال سفيان رحمه الله : » خمس آيات ونحوها « وعن ابن عباس رضي الله عنه ومجاهد في قوله : » فلا أقسم بمواقع النجوم ، النجوم القرآن « يزيد بن زريع ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنه قال : » أنزل القرآن جملة إلى السماء الدنيا فكان الله إذا شاء أن يحدث منه شيئا أحدثه « قال رجل ليزيد : يا أبا معاوية جملة ، جملة ؟ قال : » نعم جملة فيه : تبت يدا أبي لهب على رغم أنف القدرية « وعن ابن عباس رضي الله عنه ، وسأله عطية بن الأسود قال : إنه وقع في قلبي الشك : قول الله : شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن (4) وقوله : إنا أنزلناه في ليلة القدر وقوله : إنا أنزلناه في ليلة مباركة (5) ، وقد أنزل في رمضان وشوال وذي القعدة وذي الحجة والمحرم وشهري ربيع ، فقال : إن الله أنزل القرآن في رمضان في ليلة القدر في ليلة مباركة جملة واحدة ، ثم أنزل بعد ذلك على مواقع النجوم رسلا في الشهور والأيام » وفي رواية : « نزل القرآن جملة من عند الله من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا فنجمته السفرة على جبريل عليه السلام عشرين سنة ، ونجمه جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم عشرين سنة وهو قوله : فلا أقسم بمواقع النجوم يعني نجوم القرآن وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم (6) ، قال : فلما لم ينزل على محمد صلى الله عليه وسلم جملة قال الذين كفروا : لولا أنزل عليه القرآن جملة واحدة ، فأنزل الله : وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة قال الله : كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ، يقول رسلناه ترسيلا ، يقول شيئا بعد شيء . ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا (7) ، يقول : لو أنزلنا عليك القرآن جملة واحدة ثم سألوك لم يكن عندك ما تجيب ، ولكنا نمسك عليك فإذا سألوك أجبت ، قال : ففي القرآن مما أنزل الله فيه جملة قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله ، وفيه : سيقول لك المخلفون (8) ، وفيه : يسألونك عن ذي القرنين ، وفيه : تبت يدا أبي لهب ، وأشباه هذا ، يعني : قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها (9) أنه كان قبل أن تخلق خولة رضي الله عنها ، وأبو لهب ونحو هذا ، وهذا في القدر ولو أن خولة رضي الله عنها أرادت أن لا تجادل لم يكن لأن الله قدر ذلك عليها في أم الكتاب قبل أن يخلقها »
__________
(1) سورة : القدر آية رقم : 1
(2) سورة : الواقعة آية رقم : 75
(3) سورة : الفرقان آية رقم : 32
(4) سورة : البقرة آية رقم : 185
(5) سورة : الدخان آية رقم : 3
(6) سورة : الواقعة آية رقم : 76
(7) سورة : الفرقان آية رقم : 33
(8) سورة : الفتح آية رقم : 11
(9) سورة : المجادلة آية رقم : 1(1/57)
32 - حدثنا محمد بن يحيى ، ثنا عبد الله بن رجاء بن المثنى الغداني ، ثنا عمران ، عن قتادة ، عن أبي المليح ، عن واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « نزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان ، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان ، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضين من رمضان ، وأنزل الزبور لثمان عشرة مضت من رمضان ، وأنزل القرآن لأربع وعشرين مضت من رمضان » وروي موقوفا عن عائشة رضي الله عنها سلمة ، عن أبي مالك في قوله : فيها يفرق كل أمر حكيم (1) ، قال : « من السنة إلى السنة ما كان من خلق أو رزق أو مصيبة أو نحو هذا » وعن ابن عباس رضي الله عنه ، في قوله : فيها يفرق كل أمر حكيم قال : « يكتب من أم الكتب في ليلة القدر ما يكون في السنة من موت وحياة ورزق ومطر وشيء حتى الحجاج يكتبون يحج فلان ويحج فلان » وعن ابن عباس رضي الله عنه في قوله : من كل أمر سلام (2) قال : « في تلك الليلة تصفد مردة الشياطين ، وتغل عفاريت الجن ، وتفتح فيها أبواب السماء كلها ، ويقبل الله فيها التوبة من كل تائب ، قال : فلذلك قال : سلام هي حتى مطلع الفجر (3) وذلك من غروب الشمس إلى مطلع الفجر » وعن قتادة رحمه الله : خير من ألف شهر (4) « خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر » وعن مجاهد : « صيامها وقيامها أفضل من صيام ألف شهر وقيامه ، ليس فيها ليلة القدر ، سلام هي ، قال : سلام هي من أن يحدث فيها داء أو يستطيع شيطان أن يعمل فيها سوء » وعن ابن عباس رضي الله عنه في قول الله : يمحو الله ما يشاء ويثبت (5) قال : « ينزل الله إلى السماء الدنيا في شهر رمضان فيدبر أمر السنة فيمحو ما يشاء غير الشقاء ، والسعادة والموت ، والحياة » ، وفي لفظ : قال : « هما كتابان يمحو الله من أحدهما ما شاء : وعنده أم الكتاب قال : جملة الكتاب » وقيل للحسن رحمه الله : ليلة القدر في كل رمضان هي ؟ فقال : « إي والله إنها لفي كل رمضان ، إنها ليلة فيها يفرق كل أمر حكيم ، فيها يقضي الله كل أجل وعمل وخلق ورزق إلى مثلها » وعن سعيد بن جبير رحمه الله في ليلة القدر : « هي لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ما بقي منهم اثنان » وعن كعب الأحبار رحمه الله : « نجد هذه الليلة في الكتب خطوطا تحط الذنوب يريد ليلة القدر »
__________
(1) سورة : الدخان آية رقم : 4
(2) سورة : القدر آية رقم : 4
(3) سورة : القدر آية رقم : 5
(4) سورة : القدر آية رقم : 3
(5) سورة : الرعد آية رقم : 39(1/58)
33 - حدثنا إسحاق ، أخبرنا سفيان ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : « من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه » وفي لفظ : « يغفر له ما تقدم من ذنبه »(1/59)
34 - حدثنا إسحاق ، أخبرنا بقية بن الوليد ، حدثني بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « في ليلة القدر من قامها ابتغاء وجه الله غفر له ما تقدم من ذنبه »(1/60)
باب طلب ليلة القدر في العشر الأواخر(1/61)
35 - حدثنا إسحاق ، أخبرنا عبدة ، ثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور (1) في العشر الأواخر من رمضان وكان يقول : » تحروا (2) ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان « وفي لفظ : لأبي هريرة رضي الله عنه : » أريت ليلة القدر ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها فالتمسوها في العشر الغوابر « وفي رواية ابن عمر رضي الله عنه : » من كان ملتمسها فليلتمسها في العشر الأواخر « ولجابر بن سمرة رضي الله عنه : » التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر « كل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم
__________
(1) جاور : اعتكف في المسجد ومكث فيه وتفرغ للعبادة
(2) التَّحرِّي : القَصْد والاجتهاد في الطلب، والعَزْم على تَخْصِيص الشيء بالفعل والقول(1/62)
باب التماس ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر(1/63)
36 - حدثنا إسحاق ، أخبرنا يزيد بن هارون ، أخبرنا حميد ، عن أنس رضي الله عنه ، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد أن يخبرنا بليلة القدر فإذا رجلان من الأنصار يتلاحيان ، فقال : « إني خرجت لأخبركم بليلة القدر وإني رأيت فلانا وفلانا يتلاحيان فرفعت ، وعسى أن يكون خيرا ، فالتمسوها في العشر الأواخر ، في الوتر منها في الخامسة أو السابعة أو التاسعة »(1/64)
37 - حدثنا إسحاق ، أخبرنا المغيرة بن سلمة المخزومي ، ثنا عبد الواحد بن زياد ، ثنا عاصم بن كليب قال : حدثني أبي ، عن خاله الفلتان بن عاصم الجرمي قال : كنا قعودا ننتظر النبي صلى الله عليه وسلم فجاءنا وفي وجهه الغضب حتى جلس ، ثم رأينا وجهه يسفر فقال : « إنه بينت لي ليلة القدر فخرجت لأبينها لكم ، فلقيت بسدة (1) المسجد رجلين يتلاحيان » ، أو قال : « يقتتلان ومعهما الشيطان فحجزت بينهما فأنسيتها ، وسأشدو (2) لكم منها شدوا ، أما ليلة القدر فالتمسوها في العشر الأواخر وترا » قال أبي : فحدثت به ابن عباس رضي الله عنه فقال : وما أعجبك من ذلك ، كان عمر رضي الله عنه إذا دعا الأشياخ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم دعاني معهم ، وقال : لا تتكلم حتى يتكلموا ، فدعانا ذات يوم أو ليلة فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر ما قد علمتم « التمسوها في العشر الأواخر وترا » ، ففي أي وتر ترونها ؟ ، فقال رجل برأيه : تاسعة ، سابعة ، خامسة ثالثة ، فقال لي مالك : لا تتكلم يا ابن عباس رضي الله عنه ؟ قلت : يا أمير المؤمنين « إن شئت تكلمت » ، فقال : ما دعوتك إلا لتتكلم ، فقلت : « إنما أقول برأيي » ، فقال : عن رأيك أسألك ، فقلت : « إني سمعت الله أكثر ذكر السبع ، فذكر السموات سبعا ، والأرضين سبعا ، حتى قال فيما قال : وما أنبتت الأرض سبعا » ، فقلت له : كل ما قلت قد عرفته غير هذا ، ما تعني بقولك ما أنبتت الأرض سبعا ؟ فقال : ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا (3) فالحدائق كل ملتف حديقة ، والأب ما أنبتت الأرض مما لا يأكل الناس ، فقال عمر رضي الله عنه : أعجزتم أن تقولوا مثل ما قال هذا الغلام الذي لم يستو شوى رأسه ، ثم قال : إني كنت نهيتك أن تتكلم معهم فإذا دعوتك تتكلم معهم « وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه : » ليلة القدر ليلة سبع وعشرين «
__________
(1) السُّدة : كالظُّلة على الباب لتقي البابَ من المطر، وقيل هي البابُ نفسُه، وقيل هي الساحَة أمامه
(2) الشدو : الالتماس والطلب
(3) سورة : عبس آية رقم : 26(1/65)
38 - حدثنا عبيد الله بن معاذ ، ثنا أبي ، ثنا شعبة ، عن قتادة ، سمع مطرفا ، عن معاوية بن أبي سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر قال : « ليلة سبع وعشرين »(1/66)
39 - حدثنا محمد بن يحيى ، ثنا علي بن عاصم ، عن الجريري ، عن بريدة ، عن معاوية رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « التمسوا ليلة القدر آخر ليلة من رمضان »(1/67)
40 - حدثنا يحيى ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنه : أن رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إني أرى رؤياكم قد تواطت في السبع الأواخر فمن كان متحريها (1) فليتحرها في السبع الأواخر »
__________
(1) التَّحرِّي : القَصْد والاجتهاد في الطلب، والعَزْم على تَخْصِيص الشيء بالفعل والقول(1/68)
41 - حدثنا محمد بن يحيى ، ثنا أحمد بن خالد الوهبي ، ثنا محمد بن إسحاق ، عن معاذ بن عبد الله ، عن أخيه قال : جلس إلينا عبد الله بن أنيس رضي الله عنه فقلنا له : هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة المباركة من شيء ؟ قال : نعم ، جلسنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر هذا الشهر فقلنا : يا رسول الله متى نلتمس هذه الليلة المباركة ؟ قال : « التمسوها هذه الليلة لمساء ثلاث وعشرين » ، فقال رجل من القوم : فهي إذا أولى ثمان ؟ قال : « إنها ليست بأولى ثمان ولكنها أولى سبع إن الشهر لا يتم »(1/69)
42 - حدثنا محمد بن يحيى ، ثنا أحمد بن خالد ، ثنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث قال : حدثني ابن عبد الله بن أنيس ، عن أبيه رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إني أكون بباديتي وإني بحمد الله أصلي بهم فمرني بليلة من هذا الشهر أنزلها إلى المسجد فأصليها فيه ، قال : « انزل ليلة ثلاث وعشرين فصلها فيه فإن أحببت أن تستتم آخر الشهر فافعل ، وإن أحببت فكف » ، فكان إذا صلى العصر دخل المسجد فلم يخرج إلا في حاجة حتى يصلي الصبح ، فإذا صلى الصبح كانت دابته بباب المسجد «(1/70)
43 - حدثنا هارون الحمال ، ثنا محمد بن الحسن المخزومي قال : حدثني سليمان بن بلال ، عن الضحاك بن عثمان ، عن أبي النضر ، عن بسر بن سعيد ، عن عبد الله بن أنيس السلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « أريت ليلة القدر فأنسيتها ، وأراني أسجد في ماء وطين » ، وكان سقف المسجد عريشا (1) من جريد وسعف ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم « سجد في الماء والطين صبيحة ثلاث وعشرين من رمضان » وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه كان ينضح الماء على أهله ليلة ثلاث وعشرين من رمضان يوقظهم « وكان أبو ذر رضي الله عنه إذا كان ليلة ثلاث وعشرين من رمضان أمر بثيابه فغسلت وأجمرت ، ثم قام تلك الليلة وهي ليلة ثلاث وعشرين »
__________
(1) العريش : كل ما يستظل به(1/71)
باب طلب ليلة القدر ليلة إحدى وعشرين(1/72)
44 - حدثنا أبو موسى إسحاق بن موسى الأنصاري ، ثنا معن ، ثنا مالك ، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن أبي سلمة ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأوسط من شهر رمضان ، فاعتكف عاما حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين التي يخرج فيها من اعتكافه ، قال : » من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر ، وقد رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها ، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين ، فالتمسوها في كل وتر « قال أبو سعيد : » وأمطرت تلك الليلة وكان المسجد على عريش فوكف المسجد « قال أبو سعيد رضي الله عنه : فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف علينا وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين »(1/73)
باب طلبها في ليلة أربع وعشرين(1/74)
45 - حدثنا أبو الوليد أحمد بن بكار ، ثنا الوليد ، ثنا ابن لهيعة ، عن يزيد ، عن أبي الخير ، عن الصنابحي ، عن بلال رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ليلة القدر ليلة أربع وعشرين »(1/75)
46 - حدثنا إسحاق ، أخبرنا الثقفي ، ثنا خالد الحذاء ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « التمسوا ليلة القدر في أربع وعشرين »(1/76)
47 - حدثنا محمد بن المثنى ، ثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنه أن رجلا قال : يا رسول الله ، إني شيخ كبير عليل (1) يشق علي القيام فمرني بليلة لعل الله يوفقني فيها ليلة القدر ، قال : « عليك بالسابعة » وعن ابن القاسم : سئل مالك عن السابعة والتاسعة فقال : لا أدري
__________
(1) العليل : المريض السقيم(1/77)
باب طلبها في ليلة سبعة عشرين(1/78)
48 - حدثنا محمد بن يحيى ، ثنا عبد الرزاق ، أخبرنا سفيان ، عن عاصم ، عن زر : قلت لأبي بن كعب : أخبرني عن ليلة القدر ، فإن ابن أم عبد يقول : من يقم الحول (1) يصبها ، قال : يرحم الله أبا عبد الرحمن لقد علم أنها في رمضان ولكنه عمى على الناس لئلا يتكلوا ، والذي أنزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم إنها لفي رمضان ، وإنها لليلة سبع وعشرين ، قلت : أنى علمت ذلك ؟ قال : بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدرنا وحفظنا ، فوالله إنها لهي ما يستثني ، قلت لزر : وما الآية ؟ قال : أن تطلع الشمس غداتئذ كأنها طس ليس لها شعاع
__________
(1) الحول : العام أو السنة(1/79)
باب طلبها في ليلة سابع عشرة وتاسع عشرة عن ابن مسعود رضي الله عنه : « التمسوا ليلة القدر لسبع عشرة خلت من رمضان صبيحة يوم بدر ، يوم الفرقان ، يوم التقى الجمعان ، وواحد وعشرين وثلاث وعشرين فإنها لا تكون إلا في وتر » وفي لفظ : « التمسوها في سبع عشرة أو تسع عشرة أو إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين وهو يقول : أما في سبع عشرة أو تسع عشرة فإن صبيحتها يوم بدر ، وقرأ : وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان (1) » وعن خارجة بن زيد ، أن زيد بن ثابت « كان لا يحيي ليلة من رمضان كإحيائه ليلة سبع وعشرين ، وليلة ثلاث وعشرين ، قال خارجة : ولا كإحيائه ليلة سبع عشرة وكان يصبح صبيحتها وعلى وجهه السجدة يعني الورم والصفرة وأثر السهر » قال زيد : إنها ليلة أنزل الله فيها القرآن وأعز في صبيحتها الإسلام ، وأذل فيها أئمة الكفر ، وفرق في صبحها بين الحق والباطل « وعن عروة بن الزبير رضي الله عنه : » كان أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا ، فالتقوا ببدر يوم الجمعة لتسع عشرة أو سبع عشرة مضت من رمضان «
__________
(1) سورة : الأنفال آية رقم : 41(1/80)
باب أمارات ليلة القدر(1/81)
49 - حدثنا إسحاق ، أخبرنا بقية ، حدثني بحير بن سعد ، عن خالد بن معدان ، عن عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن أمارة ليلة القدر أنها ليلة صافية مليحة ، كأن فيها قمرا ساطعا ، ساكنة لا حر فيها ولا برد ، ولا يحل لكوكب أن يرمي فيها بنجم حتى الصباح ، وإن أمارة الشمس صبيحتها أن تجري لا شعاع لها مثل القمر ليلة البدر ولا يحل لشيطان أن يخرج معها يومئذ »(1/82)
50 - حدثنا محمد بن بشار ، ثنا أبو عامر ، ثنا زمعة ، عن سلمة بن وهرام ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « ليلة القدر ليلة طلقة لا حارة ولا باردة ، تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة »(1/83)
51 - حدثنا الحسين بن عيسى البسطامي ، ثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا هشام بن أبي هشام ، عن محمد بن محمد بن الأسود ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أعطيت أمتي في رمضان خمس خصال لم تعطه أمة قبلها : خلوف (1) فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا ، وتصفد (2) فيه مردة (3) الشياطين فلا يخلصوا فيه إلى ما كانوا يخلصون في غيره ، ويزين الله كل يوم جنته ثم يقول : يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة والأذى ، ويصيروا إليك ويغفر لهم في آخر ليلة » ، قيل : يا رسول الله هي ليلة القدر ؟ قال : « لا ، ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله » قتادة ، عن أبي ميمونة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه : أنها لسابعة وتاسعة ، والملائكة معها أكثر من عدد نجوم السماء ، وزعم أنها في قول أبي هريرة رضي الله عنه ليلة أربع وعشرين «
__________
(1) الخلوف : رائحة كريهة تخرج من الفم
(2) تصفد : تمنع وتحجز وتقيد بالسلاسل والأغلال
(3) المردة : جمع مارد ، وهو العاتي الشديد(1/84)
باب ما يدعى به في ليلة القدر(1/85)
52 - حدثنا وهب بن بقية ، أخبرنا خالد بن عبد الله ، عن الجريري ، عن عبد الله بن بريدة ، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : أرأيت لو علمت ليلة القدر ما كنت أدعو به ؟ قال : « تقولين اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني » وسئلت عائشة رضي الله عنها عن ليلة القدر فقالت : « لا أدري أي ليلة ليلة القدر ، ولو علمت أي ليلة ليلة القدر ما سألت الله فيها إلا العافية » وكان قتادة « يختم القرآن في كل سبع ليال مرة ، فإذا دخل رمضان ختم في كل ثلاث ليال مرة ، فإذا دخل العشر ختم كل ليلة مرة » حفص بن غياث ، عن الحسن بن عبيد الله : أنه كان يصلي بهم عبد الرحمن بن الأسود من أول الليل إلى آخره يعني في شهر رمضان وكان يصلي بهم أربعين ركعة والوتر ويصلي فيما بين الترويحتين اثنتي عشرة ركعة ويوتر بسبع لا يسلم بينهن ، ويقول فيما بين ذلك : الصلاة ، وكان يقرأ ثلث القرآن في كل ليلة وسئل مالك رحمه الله عن قراءة القرآن في رمضان يقرءون متتابعين أحدهما على أثر صاحبه أم يقرأ كل واحد منهم في حزبه حيث أحب ؟ قال : « بل يقرأ كل واحد منهم على أثر صاحبه أحب إلي بكثير وما يعجبني هذا الذي يفعله بعضهم يقرءون حيث أحبوا ، وإن منهم من يفعل ذلك التماس ما يوافقه من حسن صوته حتى إن بعض الضعفاء يغبطونه بذلك وهذا ما لا خير فيه ولكن أحبوا بذلك السمعة ، قيل له : فالناس فيما مضى لم يكونوا يقرءون متفرقين ، قال : لا ولكن كان يقرأ كل واحد منهم على أثر صاحبه وهو الصواب وكذلك أنزله الله فليقرأ كما أنزل »(1/86)
باب الترغيب في الدعاء عند ختم القرآن(1/87)
53 - حدثنا أبو زرعة ، ثنا إبراهيم بن الفضل بن أبي سويد الذارع ، ثنا صالح المري ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن ابن عباس رضي الله عنه قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أي العمل أفضل ؟ أو قال : أي العمل أحب إلى الله ؟ قال : « الحال المرتحل » ، قال : يا رسول الله وما الحال المرتحل ؟ قال : « فتح القرآن وختمه من أوله إلى آخره ، ومن آخره إلى أوله ، كلما حل ارتحل »(1/88)
54 - حدثنا يحيى ، أخبرنا صالح المري ، عن أيوب ، عن أبي قلابة : في حديث كان يرفعه : « من شهد فاتحة القرآن حين يستفتح كان كمن شهد فتحا في سبيل الله ، ومن شهد خاتمته حين يختم كان كمن شهد الغنائم حين قسمت » وكان أنس رضي الله عنه إذا ختم القرآن جمع ولده وأهل بيته فدعا لهم « وكان رجل يقرأ القرآن من أوله إلى آخره في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان ابن عباس يجعل عليه رقيبا ، فإذا أراد أن يختم قال لجلسائه : » قوموا حتى نحضر الخاتمة « وعن إبراهيم التيمي وطلحة بن مصرف : » كان يقال إذا ختم الرجل القرآن من أول النهار صلت عليه الملائكة بقية نهاره حتى يمسي ، وإذا ختمه من أول الليل صلت عليه الملائكة بقية ليلته حتى يصبح ، وكانوا يحبون أن يختموا القرآن في أول النهار أو في أول الليل « وعن عبد الرحمن بن الأسود قال : » يصلي عليه إذا ختم يعني القرآن « وقال مجاهد رحمه الله : » تنزل الرحمة عند ختم القرآن وكانوا يجتمعون عند ختم القرآن ويقولون الرحمة تنزل « محمد بن جحادة رحمه الله كانوا يستحبون إذا ختموا القرآن من الليل أن يختموه في الركعتين اللتين بعد المغرب وإذا ختموه من النهار أن يختموه في الركعتين اللتين قبل الفجر » المقبري عن سعيد ، عن دويد ، عن مالك بن كثير ، عن عبد الرحمن بن حجيرة ، قال : « لأن أعلم آية من القرآن أحب إلي من أن أقرأ مائة آية » قال سعيد : وبلغني أن العبد إذا قرأ القرآن حتى يختمه ثم استفتح قيل له أرضيت ربك « عطاء عن أبي عبد الرحمن كان الرجل : إذا ختم القرآن قيل له : أبشر فوالله ما فوقك أحد إلا أن يفضلك رجل بعمل » وقال ابن المبارك رحمه الله : « إذا كان الشتاء فاختم القرآن في أول الليل ، وإذا كان الصيف فاختمه في أول النهار » عبد العزيز : سألت عبد الله كيف تختم القرآن ؟ قال : « أما أنا فأحب أن أركع وأسجد وأدعو في سجودي » وكان يوسف بن أسباط رحمه الله إذا ختم القرآن يقول : « اللهم لا تمقتنا سبعين مرة »(1/89)
باب قيام ليلة العيد هارون بن عبيد الله الأسلمي رحمه الله : « بلغني أنه من أحيا ليلة العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب » أبو أمامة رضي الله عنه : « من قام ليلة العيد إيمانا واحتسابا لم يمت قلبه حين تموت القلوب » وعن ابن المبارك مثله . وعن مجاهد : « ليلة الفطر كليلة من ليالي العشر الأواخر يعني في فضلها » وكان عبد الرحمن بن الأسود « يقوم لهم ليلة الفطر بأربعين ركعة وأوتر بسبع » وصلى وهيب يوم العيد ، فلما انصرف الناس جعلوا يمرون به فنظر إليهم ثم زفر وقال : « لئن كان هؤلاء القوم أصبحوا مستيقنين أنه قد تقبل منهم شهرهم هذا لكان ينبغي أن يصبحوا مشاغيل بأداء الشكر عماهم فيه ، ولئن كانت الأخرى لقد كان ينبغي لهم أن يصبحوا أشغل وأشغل » ثم قال : كثيرا ما يأتيني من يسألني من إخواني فيقول : يا أبا أمية ما بلغك عمن طاف سبعا بهذا البيت ما له من الأجر ؟ فأقول : يغفر الله لنا ولكم ، بل لو سألوا عما أوجب الله عليه من أداء الشكر في طواف هذا السبع ، ورزقه حين حرم غيره ، فيقولون : إنا نرجوا ، فيقول وهيب : « ولا والله ما رجا عبد قط حتى يخاف ثم يقول كيف تجتري ، إنك ترجو رضاء من لا تخاف غضبه ، إنما كان الراجي إبراهيم خليل الرحمن إذ يخبرك الله عنه قال : وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل (1) ، يقول وهيب رحمه الله : فإلى ماذا قالا : ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة الآية ، ثم قال : والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين (2) ، ثم قال : واجعل لي لسان صدق في الآخرين (3) »
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 127
(2) سورة : الشعراء آية رقم : 82
(3) سورة : الشعراء آية رقم : 84(1/90)
55 - حدثنا أبو زرعة ، ثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي ، حدثني سليمان بن بلال ، عن عيسى بن يزيد ، عن عمر بن أبي حفص ، عن ابن عباس رضي الله عنه أنه انصرف ليلة صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فسمعه يدعو في الوتر فقال : « اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي ، وتجمع بها أمري ، وتلم بها شعثي (1) ، وترفع بها شاهدي ، وتحفظ بها غائبي ، وتلهمني بها رشدي ، وتعصمني من كل سوء . اللهم إني أسألك رحمة من عندك أنال بها شرف كرامتك في الدنيا والآخرة ، اللهم ذا الأمر الرشيد والحبل الشديد ، أسألك الأمن يوم الوعيد ، والجنة يوم الخلود مع المقربين الشهود ، إنك رحيم ودود ، وإنك فعال لما تريد ، اللهم هذا الجهد (2) وعليك التكلان ، وهذا الدعاء وعليك الاستجابة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، اللهم إني أسألك الفوز عند القضاء ، ومنازل الشهداء ، وعيش السعداء ، والنصر على الأعداء ، إنك سميع الدعاء ، اللهم اجعلني حربا لأعدائك ، سلما لأوليائك ، أحب بحبك الناس ، وأعادي بعداوتك من خالفك ، اللهم اجعل في قلبي نورا ، وفي سمعي نورا ، وفي بصري نورا ، وعن يميني نورا ، وعن شمالي نورا ، واجعل فوقي نورا ، وتحتي نورا ، وأعظم لي نورا ، سبحان الذي لبس العز وقال به ، سبحان الذي لا ينبغي التسبيح إلا له ، سبحان الذي تعطف بالمجد وتكرم به ، سبحان ذي المن (3) والطول »
__________
(1) الشعث : تغير الشعر وتلبده من قلة تعهده بالدهن
(2) الجُهْد والجَهْد : بالضم هو الوُسْع والطَّاقة، وبالفَتْح : المَشَقَّة. وقيل المُبَالَغة والْغَايَة. وقيل هُمَا لُغتَان في الوُسْع والطَّاقَة، فأمَّا في المشَقَّة والْغَاية فالفتح لا غير
(3) المن : الإحسان والإنعام(1/91)
باب من صلى ليلة القدر العشاء في الجماعة عن عبد الله بن عمرو : « من صلى العشاء الآخرة أصاب ليلة القدر » وعن الضحاك : « من صلى المغرب والعشاء في مسجد جماعة في رمضان فقد أصاب من ليلة القدر حظا وافيا » والله أعلم(1/92)