حديث أبي ذر بسم الله الرحمن الرحيم(1/1)
1 - أخبرنا القاضي الأجل الفقيه أبو محمد عبد الله بن القاضي أبي الفضل عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل العثماني الديباجي قراءة عليه مني قال : أخبرنا الشيخ أبو الفضل جعفر بن إسماعيل بن خلف الأنصاري قال : أنا والدي قال : حدثنا أبو ذر عبد بن أحمد إملاء من كتابه سنة تسع عشرة وأربعمائة أنا أبو بكر بن عبدان بن محمد الحافظ ، بالأهواز ، قال : أنا محمد بن محمد بن سليمان ، قال : نا شيبان بن فروخ ، قال : نا الصعق ، قال : نا عقيل الجعدي ، عن أبي إسحاق الهمداني ، عن سويد بن غفلة ، عن ابن مسعود ، قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : « يا ابن مسعود » فقلت : لبيك يا رسول الله ، فقال لي ثلاث مرات : « أتدري أي عرى (1) الإيمان أوثق ؟ » قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : « أوثق عرى الإيمان الولاية لله ، والحب فيه ، والبغض فيه » قال : ثم قال لي : « يا ابن مسعود » قلت : لبيك يا رسول الله قالها ثلاث مرات ، قال : « أتدري أي الناس أفضل ؟ » قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : « فإن أفضل الناس أفضلهم عملا ، إذا فقهوا في دينهم » ، قال : ثم قال : « يا ابن مسعود » ، قلت : لبيك يا رسول الله قالها ثلاث مرات ، قال : « أتدري أي الناس أعلم ؟ » قال : قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : « فإن أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس » ، قال : « وإن كان يصغر من العمل ، وإن كان يزحف على استه (2) ، واختلف من كان قبل على ثنتين وسبعين فرقة ، نجا منها ثلاث ، وهلك سائرها ، فرقة آذت الملوك ، وقاتلوهم عن دينهم ودين عيسى ابن مريم عليه السلام فأخذوهم يقتلونهم وقطعوهم بالمناشير ، وفرقة لم تكن لهم طاقة بهم أذاة ، ولا بأن يقيموا بين أظهرهم يدعونهم إلى دين الله عز وجل ودين عيسى ابن مريم عليه السلام ، فساحوا في البلاد وترهبوا قال : وهم الذين قال الله تعالى : ورهبانية ابتدعوها (3) ، إلى وكثير منهم فاسقون ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : » من آمن بي وصدقني ، واتبعني ، وصدقني «
__________
(1) العروة : ما يُستمسك به ويُعتصم من الدين
(2) الاست : العجز والمؤخرة ويطلق على حلقة الدبر
(3) سورة : الحديد آية رقم : 27(1/2)
2 - أنا أبو بكر أحمد بن عبدان بن محمد الحافظ فيما قرأت عليه بالأهواز ، قال : أنا محمد بن سليمان ، قال : ثنا شيبان بن فروخ ، قال : نا همام ، قال : ثنا القاسم بن عبد الواحد ، قال : حدثني عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب ، أن جابر بن عبد الله ، حدثه ، قال : بلغني حديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واشتريت بعيرا ، ثم شددت عليه رحلي ، فسرت إليه شهرا ، حتى قدمت الشام ، فإذا هو عبد الله بن أنيس ، قال : فأرسلت إليه أن جابرا على الباب فرجع إلى الرسول ، فقال : جابر بن عبد الله ؟ قلت : نعم ، قال : فرجع إليه الرسول قال : فخرج فاعتنقني ، واعتنقته . فقال : ما أقدمك هذه البلاد ؟ قلت : حديث بلغني أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في المظالم لم أسمعه ، فخشيت أن تموت قبل أن أسمعه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « يحشر الله تعالى الناس » أو قال : « يحشر الله العباد ، وأومأ (1) بيده إلى الشام عراة غرلا (2) بهما » قلت : ما بهما ؟ قال : ليس معهم شيء ، قال : « فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب : أنا الملك الذي لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ، وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة ، ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار ، وأحد من أهل الجنة يطلبه بمظلمة حتى اللطمة » قال : قلت : كيف هو ، وإنما نأتي الله عز وجل عراة غرلا بهما ؟ قال : « بالحسنات والسيئات »
__________
(1) الإيماء : الإشارة بأعضاء الجسد كالرأس واليد والعين ونحوه
(2) غرلا : جمع أغرل وهو من بقيت غرلته وهي الجلدة التي يقطعها الخاتن من الذكر(1/3)
3 - وحدثني جابر بن عبد الله ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إن أشد ، أو أكثر ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط »(1/4)
4 - وحدثني جابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إذا نكح العبد » أو قال : « إذا تزوج العبد بغير إذن سيده ، فهو عاهر (1) »
__________
(1) العاهر : الزاني(1/5)
5 - أنا أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان ، قال : ثنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول ، قال : ثنا الزبير بن بكار ، قال : ثنا عبد الله بن نافع الصائغ ، قال : حدثني عبد الله بن مصعب بن خالد بن زيد بن خالد الجهني ، عن أبيه ، عن جده ، زيد بن خالد ، قال : تلقفت هذه الخطبة من في (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك سمعته يقول : « أما بعد : فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وأوثق (2) العري كلمة التقوى ، وخير الملل ملة إبراهيم ، وخير السنن سنن محمد صلى الله عليه وسلم ، وأشرف الحديث ذكر الله تعالى ، وأحسن القصص هذا القرآن ، وخير الأمور عوامها ، وشر الأمور محدثاتها (3) ، وأحسن الهدي (4) هدي الأنبياء ، وأشرف الموت قتل الشهداء ، وأعمى الضلالة ضلالة بعد الهدى ، وخير العمل ما نفع ، وخير الهدى ما اتبع ، وشر العمى عمى القلب ، واليد العليا خير من اليد السفلى ، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى ، وشر المعذرة عند حضرة الموت ، وشر الندامة ندامة يوم القيامة ، ومن الناس من لا يأتي الجمعة إلا نزرا ، ومنهم من لا يذكر الله إلا هجرا (5) ، ومن أعظم الخطايا اللسان الكذوب ، وخير الغنى غنى النفس ، وخير الزاد التقوى ، ورأس الحكمة مخافة الله ، وخير ما ألقي في القلب اليقين ، والارتياب من الكفر ، والنياحة (6) من عمل الجاهلية ، والغلول (7) من جمر جهنم ، والسعد من النار ، والشعر من إبليس ، والخمر جماعة الإثم (8) ، والنساء حبائل الشيطان ، والشباب شعبة (9) من الجنون ، وشر الكسب كسب الربا ، وشر المأكل مال اليتيم ، والسعيد من وعظ بغيره ، والشقي من شقي في بطن أمه ، وإنما يصير أحدكم إلى موضع أذرع ، والأمر إلى آخره ، وملاك العمل خواتمه ، وشر الروايا (10) روايا الكذب ، وكل ما هو آت قريب ، سباب المسلم فسق ، وقتال المؤمن كفر ، وأكل لحمه من معصية الله ، وحرمة ماله كحرمة دمه ، ومن يتأل على الله يكذبه ، ومن يغفر يغفر الله له ، ومن يبتغ (11) المستمع يسمع (12) الله به ، ومن يعف يعف الله عنه ، ومن كظم الغيظ يأجره الله ، ومن يصبر على الرزية (13) يعوضه الله ، ومن يصم يضاعفه الله ، ومن يعص الله يعذبه الله ، اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي - ثلاث مرات - أستغفر الله لي ولكم » أخبرنا أبو بكر بن شاذان ، قال : أخبرنا أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي ، قال : حدثنا سعيد بن أيوب ، قال : حدثنا يحيي بن آدم ، عن أبي بكر بن عياش ، عن الكلبي ، قال : حدثني عجوز ، من بني أسد قالت : « إني لجارية شابة حين جاء نعي بشر بن أبي خازم ، وابنته عميرة تتخلل الركاب تسأل عن خبره » قال أبو عبد الله نفطويه : وكان بشر بن أبي خازم أحد شعراء العرب ، وفرسانهم ، وفحولهم ، وهو أحد من رثى نفسه ، وقد أصابه سهم ، فقال : أسائلة عميرة عن أبيها خلال الجيش تعترف الركابا تؤمل أن أؤوب لها بنهب ولم تعلم بأن السهم صابا وأن أباك قد لاقاه قرن من الفتيان يلتهب التهابا فرجي الخير وانتظري إيابي إذا ما القارظ العنزي آبا فمن يك سائلا عن بيت بشر فإن له بجنب الرده بابا ثوى في ملحد لا بد منه كفى بالموت نأيا واغترابا رهين بلى وكل فتى سيبلى فأذري الدمع وانتحبي انتحابا مضى قصد السبيل وكل حي إذا حانت منيته أجابا فإن أهلك عمير فرب زحف يشبه نقعه غدوا ضبابا سموت له لألبسه بزحف كما لفت شآمية سحابا على ربذ قوائمه إذا ما شأته الخيل ينسرب انسرابا شديد الأسر يحمل أريحيا أخا ثقة إذا الحدثان نابا صبورا عند مختلف العوالي إذا ما الحرب أبرزت الكعابا وطال تشاجر الأبطال فيها وأبدت ناجذا منها ونابا وعز علي أن عجل المنايا ولما ألق كعبا ، أو كلابا ولما ألق خيلا من نمير تضب لثاتها ترجو النهابا ولما تلتبس خيل بخيل فيطعنوا ويضطربوا اضطرابا فيا للناس إن قناة قومي أبت بثقافها إلا انقلابا هم جدعوا الأنوف فأوعبوها وهم تركوا بني سعد يبابا
__________
(1) فيه : أي فمه
(2) أوثق : أفضل وأوثق وأثبت وأقوم
(3) محدثة : مُبتَدَعة
(4) الهدي : السيرة والهيئة والطريقة
(5) الهِجْرة في الأصْل : الاسْم من الهَجْرِ، ضِدّ الوَصْلِ. ثُم غَلَب على الخُرُوج من أرض إلى أرض . والهَجْر : الترك والإعراض والغفلة. والهُجْر : الفحش من الكلام.
(6) النياحة : البكاء بجزع وعويل
(7) الغلول : الخيانة والسرقة
(8) الإثم : الذنب والوزر والمعصية
(9) الشعبة : القطعة من الشيء والمراد الخَصلة
(10) الروايا : جمع راوية بمعنى ناقل
(11) الابتغاء : الطلب والالتماس
(12) سَمَّع : أشهر
(13) الرزية : المصيبة(1/6)
6 - أخبرنا أبو الفتح بن عمر القواس ، قال : قرئ على أبي بكر النيسابوري عبد الله بن محمد بن زياد ، وأنا أسمع ، حدثكم يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا بشر بن بكر ، قال : « رأيت كأني أدخلت الجنة ، فإذا بالثوري ، والأوزاعي ، وغيرهم ، ولم أر مالكا ، فسألت عن مالك ، قيل لي : رفع رفع ، فلم يزل يقول : رفع ، رفع حتى سقطت قلنسوة (1) كانت على رأسه »
__________
(1) القلنسوة : غشاء مبطن يلبس على الرأس(1/7)
7 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي ، فيما قرأت عليه ، قال : أخبرنا أبو علي الحسين بن محمد بن مصعب ، قال : ثنا محمد بن قهزاذ ، قال : ثنا حبيب بن أبي حبيب ، قال : أخبرني أبي ، قال : حدثنا إبراهيم الصائغ ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من صام يوم عاشوراء كتب الله له بها عبادة ستين سنة بصيامها وقيامها ، ومن صام يوم عاشوراء أعطي ثواب عشرة آلاف ملك ، ومن صام يوم عاشوراء أعطي ثواب عشرة آلاف شهيد ، ومن صام يوم عاشوراء أعطي ثواب حاج ، ومعتمر ، ومن صام يوم عاشوراء أعطي ثواب سبع سماوات ، ومن فيها من الملائكة ، ومن أفطر عنده مؤمن في يوم عاشوراء ، فكأنما أفطر عنده جميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن أشبع جائعا في يوم عاشوراء ، فكأنما أطعم فقراء أمة محمد عليه السلام ، وأشبع بطونهم ، ومن مسح على رأس يتيم في يوم عاشوراء رفعت له بكل شعرة على رأسه درجة في الجنة » قال عمر بن الخطاب : « لقد فضلنا الله في يوم عاشوراء . قال : » نعم ، خلق الله السماوات - يعني في يوم عاشوراء - والأرض كمثله ، وخلق الجبال في يوم عاشوراء ، والنجوم كمثله ، وخلق العرش في يوم عاشوراء ، والكرسي كمثله ، وخلق القلم يوم عاشوراء ، واللوح كمثله ، وخلق جبريل في يوم عاشوراء ، وملائكته في يوم عاشوراء ، وخلق آدم في يوم عاشوراء ، وحواء كمثله ، وخلق الجنة في يوم عاشوراء ، وأسكن آدم الجنة في يوم عاشوراء ، وولد إبراهيم في يوم عاشوراء ، ونجاه من النار في يوم عاشوراء ، وهداه الله في يوم عاشوراء ، وأغرق الله فرعون في يوم عاشوراء ، ورفع عيسى يوم عاشوراء ، ورفع إدريس يوم عاشوراء ، وكشف الله عن أيوب في يوم عاشوراء ، وولد عيسى في يوم عاشوراء ، وتاب الله على آدم يوم عاشوراء ، وغفر ذنبه يوم عاشوراء ، وأعطي سلم الملك يوم عاشوراء ، وولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء ، واستوى على العرش يوم عاشوراء ، ويوم القيامة يوم عاشوراء(1/8)
8 - أخبرنا عبيد الله بن محمد ، قال : أنا عبد الله بن محمد ، قال : ثنا علي بن الجعد ، قال : أنا زهير ، عن أبي إسحاق ، عن الأسود بن يزيد ، قال : سألت عبيد بن عمير ، عن صوم ، عاشوراء فقال : « إن المحرم شهر الله وإن فيه يوما يعني عاشوراء ، أذنب فيه قوم ذنبا عظيما ، فتابوا فيه ، فكان يسمى يوم التوبة ، فلا يمرن عليك إلا صمته »(1/9)
9 - أنا أحمد بن عبدان الحافظ ، قال : أخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : ثنا محمد بن عباد المكي ، قال : حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : « كان يوم عاشوراء يوما يصام في الجاهلية ، فلما فرض شهر رمضان من شاء صامه ، ومن شاء لم يصمه »(1/10)
10 - أنا عبيد الله بن محمد ، قال : أخبرنا عبد الله ، قال : حدثنا علي ، قال : أخبرنا زهير ، عن أبي إسحاق ، عن الأسود بن يزيد ، قال : « ما رأيت أحدا ممن كان بالكوفة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم آمر بصوم عاشوراء من علي - عليه السلام - وأبي موسى »(1/11)
11 - أنا أبو أحمد محمد بن محمد بن خالد الخالدي ، قال : حدثنا عبد الله بن عروة ، قال : حدثنا أبو بدر وهو عباد بن الوليد ، قال : حدثنا علي بن أبي طالب البزاز ، حدثنا هيصم بن شداخ ، قال : حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من وسع على عياله يوم عاشوراء ، وسع الله عليه سائر سنته »(1/12)
12 - أخبرنا عبيد الله بن محمد ، قال : أخبرنا عبد الله ، قال : ثنا علي ، قال : أخبرنا ابن أبي ذئب ، عن القاسم بن عباس ، عن عبد الله بن عمير ، عن ابن عباس ، رفعه : « لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع يعني يوم عاشوراء »(1/13)
13 - أخبرنا عبد الله بن محمد بن إسحاق ، قال : أخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا علي ، قال : أنا ابن أبي ذئب ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم يوم عاشوراء ، ويأمر بصيامه »(1/14)
14 - أخبرنا أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني الحافظ ، قال : حدثنا أبو بكر الأزرق يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول ، قال : حدثني جدي ، قال : حدثني أبي ، عن إسحاق بن زياد ، من بني سامة بن لؤي ، عن شبيب بن شيبة ، عن خالد بن صفوان بن الأهتم ، قال : « أوفدني يوسف بن عمر إلى هشام بن عبد الملك في وفد العراق ، فقدمت عليه ، وقد خرج متبديا بقرابينه ، وبين أهله ، وحشمه ، وغاشيته من جلسائه ، فنزل في أرض قاع صحصح متنايف أفيح في عام قد بكر وسميه وتتابع وليه ، فأخذت الأرض فيه زينتها من اختلاف أنوار نبتها من نور ربيع مونق ، فهو في أحسن مختبر ، وأحسن مستمطر بصعيد كأن ترابه قطع الكافور (1) ، حتى لو أن قطعة ألقيت لم تترب ، وقد ضرب له سرادق (2) من حبرة كان صنعه له يوسف بن عمر باليمن ، فيه فسطاط (3) فيه أربعة أفرشة من خز (4) أحمر مثلها من أفقها ، وعليه دراعة من خز أحمر مثلها عمامتها ، وقد أخذ الناس مجالسهم ، فأخرجت رأسي من ناحية السماط (5) ، فنظر إلي مثل المستنطق لي ، فقلت : أتم الله عليك يا أمير المؤمنين نعمه ، وسوغكها بشكره ، وجعل ما قلدك من هذا الأمر رشدا ، وعافية ، وما يؤول إليه حمدا ، أخلصه لك بالتقى ، وكثره لك بالنماء لا كدر الله عليك منه ما صفا ، ولا خالط مسروره الردى ، فقد أصبحت للمسلمين ثقة ومستراحا ، إليك يقصدون في أمورهم ، ويفزعون في مظالمهم ، وما أجد يا أمير المؤمنين - جعلني الله فداك - شيئا هو أبلغ في قضاء حقك ، وتوقير مجلسك لما من (6) الله علي به من مجالستك ، والنظر إلى وجهك من أن أذكرك نعم الله عليك ، وأنبهك بشكرها ، وما أجد في ذلك شيئا هو أبلغ من حديث من تقدم قبلك من الملوك ، فإن أذن لي أمير المؤمنين أخبرته ، وكان متكئا فاستوى جالسا ، ثم قال : هات يا ابن الأهتم ، فقلت : يا أمير المؤمنين إن ملكا من الملوك قبلك خرج في عام مثل عامنا هذا إلى الخورنق ، والسدير في عام قد بكر وسميه وتتابع وليه ، وأخذت الأرض فيه زينتها من اختلاف ألوان نبتها من نور ربيع مونق ، فهو في أحسن منظر ، وأحسن مختبر ، وأحسن مستمطر بصعيد ، كأن ترابه قطع الكافور ، حتى لو أن قطعة ألقيت فيه لم تترب . قال : وكان قد أعطي فتى السن مع الكثرة ، والغلبة ، والقهر ، والنماء ، فنظر ، فأبعد النظر ، فقال لجلسائه : ها لمن هذا الذي أنا فيه هل رأيتم مثل ما أنا فيه ، هل أعطي أحد مثل ما أعطيت ؟ وعنده رجل من بقايا حملة الحجة (7) ، والمضي على أدب الحق ومنهاجه ، قال : ولن تخلو الأرض من قائم لله بحجته في عباده ، فقال له : أيها الملك ، إنك قد سألت عن أمر ، أفتأذن في الجواب ؟ قال : نعم ، قال : أرأيتك هذا الذي قد أعجبت به أهو شيء لم تزل فيه ، أم هو شيء صار إليك ميراثا عن غيرك ، وهو زائل عنك ، وصائر إلى غيرك ، كما صار إليك ميراثا من لدن غيرك ؟ قال : فكذلك ، قال : أفلا أراك إنما أعجبت بشيء يسير (8) تكون فيه قليلا ، وتغيب عنه طويلا ، وتكون غدا بحسابه مرتهنا ، قال : ويحك (9) ، فأين المهرب ، وأين المطلب ؟ قال : إما أن تقيم في ملكك ، فتعمل فيه بطاعة ربك على ما ساءك وسرك ، ومضك ، وأرمضك ، وإما أن تضع تاجك ، وتضع أطمارك ، وتلبس أمساحك ، وتعبد ربك في هذا الجبل ، حتى يأتيك أجلك (10) . قال : فإذا كان بالسحر فاقرع علي بابي ، فإني مختار أحد الرأيين ، فإن اخترت ما أنا فيه كنت وزيرا ، لا تعصى ، وإن اخترت خلوات الأرض ، وقفر البلاد كنت رفيقا لا تخالف . فلما كان السحر (11) قال : فقرع (12) عليه بابه ، فإذا هو قد وضع تاجه ، ووضع أطماره ، ولبس أمساحه ، وتهيأ للسياحة ، فلزما والله الجبل ، حتى أتتهما آجالهما . وذلك حيث يقول أخو بني تميم عدي بن زيد المرئي العبادي : أيها الشامت المعير بالدهر أأنت المبرأ الموفور أم لديك العهد الوثيق من الأيام بل أنت جاهل مغرور من رأيت المنون خلدن أم من ذا عليه أن يضام خفير أين كسرى كسرى الملوك أبو ساسان ؟ أم أين قبله سابور ؟ وبنو الأصفر الكرام ملوك الروم ، لم يبق منهم مذكور وأخو الحضر إذ بناه ، وإذ دجلة تجبى إليه والخابور شاده مرمرا وجلله كلسا ، فللطير في ذراه وكور لم يهبه ريب المنون ، فباد الملك عنه فبابه مهجور وتأمل رب (13) الخورنق إذ أشرف (14) يوما ، وللهدى تفكير سره حاله ، وكثرة ما يملك ، والبحر معرضا ، والسدير فارعوى قلبه وقال : وما غبطة حي إلى الممات يصير ثم بعد الفلاح ، والملك ، والإمة وارتهم هناك القبور ثم أضحوا ، كأنهم ورق جف فألوت به الصبا (15) ، والدبور (16) قال : فبكى والله هشام حتى أخضل (17) لحيته ، وبل عمامته ، وأمر بنزع أبنيته ، وبنقلان قرابينه ، وأهله ، وحشمه ، وغاشيته من جلسائه ، ولزوم قصره . قال : فأقبلت الموالي والحشم على خالد بن صفوان ، فقالوا : ما أردت إلى أمير المؤمنين أفسدت عليه لذته ، ونغصت عليه باديته قال : فقال لهم : إليكم عني ، فإني عاهدت الله عهدا ألا أخلو بملك إلا ذكرته الله عز وجل »
__________
(1) الكافور : نبات طيب الرائحة مرّ الطعم
(2) السرادق : كل ما أحاط بشيء من حائط أو مضرب أو خباء
(3) الفسطاط : بيت من شعر ، وضرب من الأبنية ، والجماعة من الناس
(4) الخز : ثياب تنسج من صوف وحرير
(5) السِّماط : الجماعةُ من الناس والنخل. والمرادُ به في الحديث الجماعةُ الذين كانوا جُلوسا عن جانِبَيْه.
(6) المن : الإحسان والإنعام
(7) الحجة : الدليل والبرهان
(8) اليسير : القليل الخفيف
(9) ويْح : كَلمةُ تَرَحُّمٍ وتَوَجُّعٍ، تقالُ لمن وَقَع في هَلَكةٍ لا يَسْتَحِقُّها. وقد يقال بمعنى المدح والتَّعجُّب
(10) الأجل : هو الوقت المضروب المحدود في المستقبل ، والحين والزمان ، والأجل العُمر
(11) السحر : الثلث الأخير من الليل
(12) القرع : الدق والطرق
(13) الرب : السيد والولي المالك
(14) أشرف : أطل وأقبل واقترب وعلا ونظر وتطلع
(15) الصبا : ريح مهبها من مشرق الشمس إذا استوى الليل والنهار
(16) الدبور : الريح التي تقابل الصبا أو هي الريح الغربية
(17) أخضل : بلَّلَ بالدمع(1/15)
15 - أخبرنا أبو الحسن ، إسحاق بن أحمد القايني بها ، فيما قرأت عليه ، قال : أنا أبو العباس محمد بن إسحاق الثقفي ، قال : حدثنا قتيبة بن سعيد بن جميل الثقفي ، والحسن بن محمد ، قالا : حدثنا محمد بن يزيد بن خنيس ، قال : دخلنا على سفيان الثوري رحمه الله نعوده بمكة بعد العصر ، فدخل عليه سعيد بن حسان المخزومي يعوده ، قال سفيان ، لسعيد : الحديث الذي حدثتنيه اردده علي ؟ ، فقال سعيد : حدثتني أم صالح ، عن صفية بنت شيبة ، عن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كلام ابن آدم عليه لا له ، إلا من أمر بمعروف ، أو نهى عن منكر ، أو ذكر الله عز وجل »(1/16)
16 - أنا أبو الحسن علي بن الحسن بن أحيد القطان ، ببلخ ، قال : سمعت أبا حفص البخاري ، يقول : سمعت عبد الصمد ، يقول : سمعت منصور بن مجاهد ، يقول : سمعت رشدين بن سعد ، يقول : سمعت إبراهيم بن أدهم ، يقول : « أعز الأشياء في آخر الزمان ثلاثة : أخ يؤنس به ، وكسب درهم من حلال ، وكلمة حق عند ذي سلطان »(1/17)
17 - أنا أبو القاسم عيسى بن أحمد بن علي بن زيد ، بالدينور قال : أنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، قال : ثنا أحمد بن سنان ، قال : ثنا موسى بن داود ، قال : سمعت مالك بن أنس ، يقول : « قسم بيت عائشة قسمين : قسم كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وقسم كانت هي فيه فكانت تدخله وهي فضل ، فلما دفن عمر لم تدخله ، إلا وهي جامعة عليها ثيابها »(1/18)
18 - حدثنا أبو القاسم بن حبابة ، غير مرة قال : حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، قال : أخبرنا النضر بن شميل ، قال : أخبرنا الخليل بن أحمد ، قال : سمعت أيوب ، يلحن فقال : « أستغفر الله »(1/19)
19 - أخبرنا أبو بكر بن شاذان ، قال : أخبرنا إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي نفطويه ، قال : أخبرنا محمد بن يونس ، قال : حدثنا الأصمعي ، قال : « كنا في طريق مكة ، ونحن في إصلاح بعض شأننا إذ أقبل أعرابي معه ابنتان له ، فسلم ، فقالت إحدى ابنتيه : يا أيها الركب (1) ذوو التعريس (2) هل فيكم من طارد للبوس بفاضل من زاده خسيس أثابه الله به النفيس بجنة تكبر في النفوس فلم تعط شيئا ، فجلست ، وقامت الأخرى ، فقالت : هل عندكم شيء تواسونا به لله والرغبة في ثوابه فقد بلانا الدهر بانقلابه بنائبات من شبى أنيابه فلم تعط شيئا ، فجلست ، وقام الشيخ فقال : والله لولا كثرة البنات وشدة من دهرنا لم ناتي ولم ير الشيخ مع البنات نمد أيدينا بهات هات فلم يعط شيئا ، فأخذ بيد ابنتيه ، ومضى غير بعيد ، وضمهما إليه ، وأنشأ يقول : بنيتي صابرا أباكما إنكما بعين من رآكما فأخلصا لله من نجواكما تضرعا (3) لا تدخرا بكاكما الله مولاي (4) وهو مولاكما لو شاء ربي عنهم أغناكما قال : فقام فتية من القافلة ، فجبوا إليه من كل محمل درهما ، فصارت إليه جملة ، فأخذها وانصرف »
__________
(1) الرَّكْبُ : الراكبون للسفر وغيره
(2) التعريس : نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة
(3) التضرع : التذلل والمبالغة في السؤال والرغبة
(4) الولي والمولى : من المشترك اللفظي الذي يطلق على عدة معان منها الرَّبُّ، والمَالكُ، والسَّيِّد والمُنْعِم، والمُعْتِقُ، والنَّاصر، والمُحِبّ، والتَّابِع، والجارُ، وابنُ العَمّ، والحَلِيفُ، والعَقيد، والصِّهْر، والعبْد، والمُعْتَقُ، والمُنْعَم عَلَيه وكل من ولي أمرا أو قام به فهو وليه ومولاه(1/20)
20 - أخبرنا أبو بكر ، أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان البزاز - رحمه الله - قال : حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن أبي شيبة البزاز ، وجماعة قالوا : حدثنا الزبير بن أبي بكر الزبيري ، قال : حدثنا محمد بن الضحاك الحزامي ، قال : حدثنا عبد الله بن مصعب بن ثابت ، عن ربيعة بن عثمان ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال : أخرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحطيئة من الحبس ، وكلمه فيه عمرو بن العاص ، وغيره ، فأنشد الحطيئة : ماذا تقول لأفراخ بذي أمر زغب (1) الحواصل لا ماء ، ولا شجر غادرت كاسبهم في قعر مظلمة فاغفر هداك مليك الناس يا عمر أنت الإمام الذي من بعد صاحبه ألقت إليك مقاليد النهى البشر لم يؤثروك (2) بها إذ قدموك لها لكن لأنفسهم كانت بك الإثر فامنن على صبية بالزمل مسكنهم بين الأباطح تغشاهم بها القرر نفسي فداؤك كم بيني وبينهم من عرض داوية يعمى بها الخبر قال : فبكى عمر لما قال : ماذا تقول لأفراخ بذي أمر ؟ فقال عمرو بن العاص : ما أظلت الخضراء (3) ، ولا أقلت الغبراء (4) من رجل أعدل من رجل يبكي على تركه الحطيئة فقال عمر : « علي بالكرسي ، فأتي به ، فجلس عليه ، ثم قال : علي بالطست (5) علي بالمخصف ، علي بالسكين ، لا بل علي بالموسى ، فإنها أوحى ، أشيروا علي في الشاعر ، فإنه يقول الهجر ، ويشبب بالحرم ، ويمدح الناس ، ويذمهم بغير ما فيهم قال : ما أراني إلا قاطعا لسانه » . فقالوا : لا ، يعود يا أمير المؤمنين ، وأشاروا إليه ، أن قل : لا أعود ، فقال : لا أعود يا أمير المؤمنين ، فقال : النجا ، ثم قال : « يا حطيئة ، كأني بك عند فتى من قريش قد بسط لك نمرقة (6) ، وكسر لك أخرى ، وقال : غننا يا حطيئة ، فطفقت تغنيه بأعراض المسلمين » . قال أسلم : فوجدت الحطيئة بعد ذلك عند عبيد الله بن عمر بن الخطاب قد بسط له نمرقة ، وكسر له أخرى ، وقال : يا حطيئة ، فهو يغنيه ، فقلت للحطيئة : يا حطيئة أتذكر قول عمر ، ففزع ، وقال : يرحم الله ذلك المرء ، أما لو كان حيا ما فعلنا هذا . قال : وقلت لعبيد الله بن عمر سمعت أباك يقول : كذا وكذا ، فكنت أنت ذلك الرجل
__________
(1) الزغب : جمع الأزغب وهو ما يعلو جسمَه الزَّغَبُ ( شعيرات الريش الصفر )
(2) آثر : أعطى وأفرد وخص وفضل وقدم وميز
(3) الخضراء : السماء
(4) الغبراء : الأرض
(5) الطست : إناء كبير مستدير من نحاس أو نحوه
(6) النمرقة : المخدة والوسادة(1/21)
21 - أنا أبو محمد بن داسة ، بالبصرة بقراءتي عليه ، قال : حدثنا الحسين بن أحمد الواسطي ، قال : حدثني عمر بن شبة ، قال : حدثني الأصمعي ، قال : رأيت أعرابية ، وقد أراد ابن لها سفرا ، فقالت له : « أي بني ، إني موصيتك بوصية ، فإن كان رأيك قبول وصيتي ، وإلا فامض راشدا . قال : فقال لها : يا أمه ، بلى ، رأيي قبول وصيتك إن شاء الله . قالت : يا بني صل الصلوات بحقائقها ، فإنه دين لا يقبله الله إلا من محله ، يا بني ابتغ (1) الرزق ممن رزق لا ممن رزق ، يا بني إياك ومجاورة الأوغاد ، فإنك تصغر في أعين الأشراف بمجاورتهم ، امض جنبك الله ما كره لك ما أطعته ، فإذا حلت عن طاعته ، فما ينفع دعائي لك شيء »
__________
(1) الابتغاء : الاجتهاد في الطلب(1/22)