فيه فوائد من حديث أبى الخير محمد بن أحم بن محمد بن المقدر الباغبان الأصبهاني.
رواية الشيخة أم الفضل كريمة بنت الشيخ الأمين أبي محمد عبدالوهاب بن علي القرشية كتابة عنه.
سماعاً منها لصاحبه وكاتبه أحمد بن عبدالله بن أبي الغنائم المسلم بن حماد بن محفوظ بن ميسرة الأزدي.
غفر الله له ولأبويه ولمن أستغفر لهم أجمعين.(1/303)
(1/304)
بسم الله الرحمن الرحيم
[1] أخبرتنا الجهة الصالحة أم الفضل كريمة ابنة الشيخ الأمين أبي محمد عبدالوهاب بن علي بن الخضر القرشية قراءة عليها وأنا أسمع في يوم الأحد الموفي عشرين من ذي الحجة عام ثلاث [ وثلاثين] وستمائة بظاهر مدينة دمشق بميطور بيت لهيا، قيل لها: أخبركم أبو الخير محمد بن أحمد بن محمد بن عمر المقدر الباغبان كتابة، قال: أبنا أبو عمرو عبدالوهاب بن الحافظ أبي عبدالله محمد بن إسحق بن يحيى بن مندة، قال: أبنا والدي، قال: أبنا محمد بن الحسين بن الحسن النيسابوري، قثنا أبو زرعة الرازي عبيدالله بن عبدالكريم، ثنا يحيى بن عبدالله بن بكير، قثنا يعقوب بن عبدالرحمن الزهري عن موسى بن عقبة عن عبدالله بن دينار عن ابن عمر، قال: كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجأة نقمتك، وجميع سخطك).
* أخرجه (م) عن أبي زرعة، وليس له في صحيح (م) سوى هذا الحديث الواحد، وقد وقع لنا موافقة.(1/305)
[2] وأخبرتنا كريمة، قالت: أنبأنا أبو الخير، قال: أبنا أبو عمرو، قال: أبنا والدي، أبنا أبو عمرو عثمان بن أحمد،[ قثنا] ابن هارون، ثنا أحمد بن شيبان، ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار ومحمد بن المنكدر عن جابر بن عبدالله
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دخلت الجنة فرأيت قصراً وداراً، فقلت: لمن هذه؟ قيل: لرجل من قريش. فرجوت أن أكون أنا هو. فقيل: لعمر، فأردت أن أدخلها، فذكرت غيرتك يا أبا حفص). فبكى عمر، وقال: يغار عليك يا رسول الله!
* أخرجه أبو الحسين القشيري في صحيحه عن زهير وابن نمير وإسحق عن ابن عيينة.
[3] وأخبرتنا كريمة، قالت:. أبنا أبو الخير إذنا، قال: أبنا أبو عمرو، قال: أبنا والدي، أبنا أحمد بن محمد بن يحيى البزاز، ثنا يحيى بن الربيع المكي، ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة عن ابن عباس، قال:(1/306)
كنت اقرئ عبدالرحمن بن عوف في خلافة عمر بن الخطاب، فلما كان آخر حجّة حجها عمر؛ أتانا عبدالرحمن بن عوف ذات ليلة ونحن بمنى فقال: لو رأيت أمير المؤمنين وأتاه رجل فقال: إن رجالا يقولون: لو مات أمير المؤمنين قد بايعنا فلانا. فقال عمر: إني قائم في الناس فمحذرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغصبوا الناس بيعتهم. فقلت: يا أمير المؤمنين إن الحج يجمع رعاعَ الناس وغوغاءَهم؛ وهم الذين يغلبون على مجلسك، وإنك إن قلت فيهم اليوم مقالة لم يحفظوا ولم يعوها ولم يضعوها مواضعها فيطيرون بك كل مطير، فلو أمهلت حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة [وتقوم] بالمهاجرين والأنصار فقلتَ ما قلت متمكنا؛ كان أجدر أن يحفظوا مقالتك وأن يعوها ويضعوها مواضعها. فقال: أما والله - إن شاء الله- لئن قدمت المدينة لأقومن بها في أول مقام أقومه بالمدينة.
[فلما قدمنا المدينة في عقب ذي الحجة، فلما جاءت الجمعة، هجرت للذي حدثني ابن عوف، ولا أرى أن أحداً يسبقني، فوجدت سعيد بن زيد ابن عمرو بن نفيل قد سبقني بالتهجير جالسا إلى جنب المنبر، فصليت ثم جلست إلى جنبه تحك ركبتي ركبته، فقلت: أما والله ليقولن اليوم أمير المؤمنين على هذا المنبر مقالةً لم يقلها أحد قبله. فغضب سعيد وقال لي: أفي مقالة عسى أن يقولها أمير المؤمنين لم يقلها أحد كان قبله؟ فلما زالت الشمسً خرج عمر فجلس على المنبر، وأخذ المؤذن في أذانه، فلما فرغ قام عمر بن الخطاب رضي الله عنهْ فخطب الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: (أما بعد، يا أيها الناس، فإني قائل مقالةً قد قُدّر لي أن أقولها، ولا(1/307)
أدري لعلها تكون بين يدي أجلي، فمن حفظها أو عقلها أو وعاها فليحدّث بها حيث انتهت به راحلته، ومَن لا؛ فإني لا أحلّ لأحد أن يكذب عليّ.
إن الله عز وجل بعث محمدا وأنزل عليه الكتاب، وكان فيما أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها ووعيناها، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى أن يطول بالناس زمان فيقول قائل: لا نجد آية الرجم في كتاب الله عز وجل. فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وإن الرجم حق على من زنى إذا أحصن وقامت البينة أو كان الحبَل أو الاعتراف، ألا وإنا كنا نقرأ: لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم[ أ] وإن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم، ألا وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم؛ فإنما أنا عبد، فقولوا: عبدُه ورسوله).
ثم كان من خبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفي تخلفت عنا الأنصار مع سعد بن عبادة، وتخلف عنا علي والزبير ومن كان معهما في بيت فاطمة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر رضي الله عنه، فقلت لأبي بكر رضي الله عنه: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخوتنا من الأنصار، فانطلقت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة بن الجراح، واستقبلنا رجلان صالحان من الأنصار قد شهدا بدرا- عُويم بن ساعدة ومعن بن عدي- فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ قلنا: نريد إخواننا من الأنصار. فقالا: فارجعوا فأتموا أمركم بينكم. قلت: والله لآتينهم. فأتيناهم، فإذا هم مجتمعون في سقيفة بني ساعدة، وإذا بين ظهرانيهم رجل مزمَّل. فقلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة. قلت: ما له؟ قالوا: مريض. فلما جلسنا قام خطيب الأنصار فحمد(1/308)
الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فنحن الأنصار وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر قريش حي منا، قد دفت إلينا دافة منكم.
قال عمر رضي الله عنه: وإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ويحتضنوا الأمر، فلما سكتَ أردتُ أن أتكلم، وكنت زوّرتُ في نفسي مقالة أريد أن أقوم بها بين يدي أبي بكر رضي الله عنه، وكنت أداري بعض الحد من أبي بكر رضي الله عنه، وكان هو أوقر مني وأحلم، فذهبت أتكلم، فقال أبو بكر: على رسلك. فكرهت أن أعصيه، فحمد الله وأثنى عليه،[ فوالله] ما ترك مما كنت زوّرت في نفسي مقالةً إلا جاء بها أو بأحسن منها، ثم قال: فما ذكرتم فيكم من خير فانتم أهله، وإن العرب لا تعرف هذا [ الأمر] إلا لهذا الحي من قريش فهم أوسط العرب في العرب نسبا ودارا، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم. وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة. فوالله ما كرهت من مقالته شيئاً غيره، وكنت لأن أقدم فتضربَ عنقي لا يقربني ذلك من إثم- أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر رضي الله عنه. فقام الحُباب بن المنذر السلامي فقال: أنا جُذيلُها المحكَك وعُذيقُها المرجّب، منا أمير ومنكم يا معشر قريش أمير، وإن شئتم أعدنا الحرب جذعة. [ وارتفعت] الأصوات وكثُر اللغط حتى أشفقت الاختلاف، فقلت: يا أبا بكر، ابسط يدك. فبسطها فبايعته وبايعه أبو عبيدة، وبايعه المهاجرون ثم بايعه الأنصار، ونزونا على سعد، فقال قائل: قتلتم سعدا.(1/309)
فقلت: قتل الله سعدا.
أما والله ما وجدنا فيما حضرنا من أمرنا أقوى من مبايعة أبي بكر رضي الله عنه، خفنا إن فارقنا أن يُحدثوا بعدها بيعة، فإما تابعناهم، فتابعناهم على ما نكره، أو نخالفهم فيكون فسادا. ولا [ يغرن امرأ] يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة، ألا إنها كانت فلتة ولكن الله وقى شرها، وليس فيكم من تُقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر، رضي الله عنه).
* هذا حديث صحيح المتن والإسناد، رواه الإمام أبو عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري عن عبدالعزيز الأويسي عن إبراهيم بن سعد عن صالح ابن كيسان عن الزهري.
آخر الفوائد من حديث أبي الخير محمد بن أحمد بن محمد بن الباغبان المقدر الأصبهاني.
والحمد لله[ كثيرا] وصلواته على محمد.
كتبه لنفسه بعد سماعه أحمد بن عبدالله بن أبي الغنائم المسلم بن حماد بن ميسرة الأزدي رفق الله به.(1/310)