الدُّخُولُ عَلَى الْمُغِيبَة
318-7974 أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، أَنَّ بَكْرَ بْنَ سَوَادَةَ ، حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرٍ ، حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، حَدَّثَهُ أَنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ دَخَلُوا عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَحْتَهُ يَوْمَئِذٍ ، فَكَرِهَ ذَلِكَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " إِنِّي لَمْ أَرَ إِلَّا خَيْرًا " فَقَالَ : " إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَرَّأَهَا مِنْ ذَلِكَ ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ " فَقَالَ : " لَا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا عَلَى مُغِيبَةٍ إِلَّا ، وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ " (1)
__________
(1) - صحيح مسلم برقم( 5806 )
شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 309)
4039 - قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا يَدْخُلَنَّ رَجُل بَعْد يَوْمِي هَذَا عَلَى مُغْيِبَة إِلَّا وَمَعَهُ رَجُل أَوْ رَجُلَانِ )
الْمُغْيِبَة بِضَمِّ الْمِيم وَكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَإِسْكَان الْيَاء وَهِيَ الَّتِي غَابَ عَنْهَا زَوْجهَا . وَالْمُرَاد غَابَ زَوْجهَا عَنْ مَنْزِلهَا ، سَوَاء غَابَ عَنْ الْبَلَد بِأَنْ سَافَرَ ، أَوْ غَابَ عَنْ الْمَنْزِل ، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَد . هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْره ، وَهَذَا ظَاهِر مُتَعَيِّن . قَالَ الْقَاضِي : وَدَلِيله هَذَا الْحَدِيث ، وَأَنَّ الْقِصَّة الَّتِي قِيلَ الْحَدِيث بِسَبَبِهَا وَأَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ غَائِب عَنْ مَنْزِله لَا عَنْ الْبَلَد . وَاللَّه أَعْلَم . ثُمَّ إِنَّ ظَاهِر هَذَا الْحَدِيث جَوَاز خَلْوَة الرَّجُلَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَة بِالْأَجْنَبِيَّةِ ، وَالْمَشْهُور عِنْد أَصْحَابنَا تَحْرِيمه ، فَيَتَأَوَّل الْحَدِيث عَلَى جَمَاعَة يَبْعُد وُقُوع الْمُوَاطَأَة مِنْهُمْ عَلَى الْفَاحِشَة لِصَلَاحِهِمْ ، أَوْ مُرُوءَتهمْ ، أَوْ غَيْر ذَلِكَ . وَقَدْ أَشَارَ الْقَاضِي إِلَى نَحْو هَذَا التَّأْوِيل .
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 20 / ص 86)
أقوال العلماء في حكم خلوة المرأة بأكثر من رجل والعكس رقم الفتوى:31014تاريخ الفتوى:20 صفر 1424السؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
ما حكم جلوس عدد من الشباب مع عدد من البنات في كافتيريا الجامعة مثلا من منطلق أنهم أصدقاء وزملاء دراسة مع ادعائهم أنهم غالبا ما يتحدثون في أمور جادة كالأمور الدينية والسياسية وغيرها؟!
وعلى فرض أن الشباب ملتزمون والبنات محجبات وملتزمات فما حكم الشرع في هذا أيضا ولاسيما مع عدم وجود حاجه ماسة لهذه الاختلاطات كما تعلمون؟؟ وقد سمعت أن علامة كبيراً أفتى بذهاب الخلوة إذا كان الشاب بين عدة نسوة أو العكس(عدد من الشباب مع عدد من البنات)، فهل هذا الإفتاء صحيح؟
الشيخ عبد الله الفقيه جزاك الله كل خير.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز اختلاط النساء بالرجال الأجانب في مجلس واحد إلا لحاجة داعية لذلك، على أن يكون الاجتماع والحديث بقدر تلك الحاجة مع التزام الجميع بآداب الإسلام من الحجاب الكامل بالنسبة للنساء، وعدم الخضوع بالقول عند الحديث مع الرجال، وغير ذلك من حركات الريبة والإغراء، قال الله تعالى: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ [الأحزاب:32]، وقال: وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور:31].
كما على الرجال الالتزام بغض البصر عما لا يحل لهم النظر إليه منهن، فضلاً عن مزاحمتهن أو لمسهن.
فإذا وجدت الحاجة للاجتماع مع هذه الضوابط فلا نرى بأساً به، أما إذا لم يلتزم الجميع بهذه الضوابط، فإن هذا الاجتماع من المجالس المحرمة التي يستدرج الشيطان إليها من أطاعه واتبع خطواته.
وأما ما أشرت إليه من حكم خلوة المرأة بأكثر من رجل أو الرجل مع أكثر من امرأة، فهذه المسألة اختلف الفقهاء فيها على أقوال:
- فذهب الشافعية إلى تحريم خلوة الرجل بأكثر من امرأة إلا أن يكون محرماً لإحداهن، وكذلك إذا خلت امرأة برجال إلا أن يكون أحدهم محرماً لها.
- وذهب الأحناف إلى أن الخلوة تنتفي بوجود امرأة ثقة، وهذا يفيد جواز الخلوة بأكثر من امرأة.
- وعند الحنابلة تحرم خلوة الرجل مع عدد من النساء أو العكس، والصحيح جواز خلوة رجال بامرأة إن أمنت الفتنة والريبة من تواطئهم على الفاحشة، وكذلك جواز خلوة رجل بنسوة لعدم المفسدة غالباً، فإذا خشيت المفسدة لم يجز، ويدل على ذلك الحديث الذي رواه مسلم بسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو رجلان. فظاهر الحديث جواز خلوة الرجلين فأكثر بالمرأة.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 57 / ص 200)
معنى حديث "لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مُغيبة.." رقم الفتوى:74506تاريخ الفتوى:19 ربيع الثاني 1427السؤال:
ما شرح الحديث الذي قال فيه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مُغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان) ؟ وجزاكم الله خيرا.
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المغيبة هي المرأة التي غاب عنها زوجها كما قال النووي، فلا يجوز لرجل أن يدخل عليها وحده؛ لما في ذلك من الخلوة بها وخشية وقوع الفتنة, ويستوي في هذا غيابه في سفر أو خروجه من البيت لحاجة, وأما دخول رجلين وثلاثة فجائز مع الالتزام بالضوابط الشرعية من غض البصر وعدم خضوع المرأة بالقول عند الخطاب مع الرجال, والتأكد من عدم وقوع المواطأة من الرجال على المعصية لصلاحهم ومروءتهم؛ كما قال النووي.
وقد كان البعد عن الدخول على المغيبات من مكارم الأخلاق المعروفة عند العرب، فقد قال عنترة:
أغشى فتاة الحي عند حليلها * وإذا غزا في الحرب لا أغشاها
وقال ذو الرمة يمدح بلال بن أبي بردة:
يغار بلال غيرة عربية على العربيات المغيبات في المصر
وقد أقر الإسلام هذا الخلق النبيل، وقد رهب النبي صلى الله عليه وسلم من أن يخلف المجاهدون في أهلهم بسوء, ورهّب من الخلوة بالنساء فقال: ما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهل فيخونه فيهم إلا وقف له يوم القيامة فيأخذ من عمله ما شاء. رواه مسلم
وقال: لا يخلون رجل بامرأة. متفق عليه.
وفي لفظ آخر: لا يخلون أحدكم بامرأة فإن الشيطان ثالثهما. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها مع إحالاتها:47116، 60116، 49078.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 57 / ص 200)
معنى حديث "لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مُغيبة.." رقم الفتوى:74506تاريخ الفتوى:19 ربيع الثاني 1427السؤال:
ما شرح الحديث الذي قال فيه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مُغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان) ؟ وجزاكم الله خيرا.
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المغيبة هي المرأة التي غاب عنها زوجها كما قال النووي، فلا يجوز لرجل أن يدخل عليها وحده؛ لما في ذلك من الخلوة بها وخشية وقوع الفتنة, ويستوي في هذا غيابه في سفر أو خروجه من البيت لحاجة, وأما دخول رجلين وثلاثة فجائز مع الالتزام بالضوابط الشرعية من غض البصر وعدم خضوع المرأة بالقول عند الخطاب مع الرجال, والتأكد من عدم وقوع المواطأة من الرجال على المعصية لصلاحهم ومروءتهم؛ كما قال النووي.
وقد كان البعد عن الدخول على المغيبات من مكارم الأخلاق المعروفة عند العرب، فقد قال عنترة:
أغشى فتاة الحي عند حليلها * وإذا غزا في الحرب لا أغشاها
وقال ذو الرمة يمدح بلال بن أبي بردة:
يغار بلال غيرة عربية على العربيات المغيبات في المصر
وقد أقر الإسلام هذا الخلق النبيل، وقد رهب النبي صلى الله عليه وسلم من أن يخلف المجاهدون في أهلهم بسوء, ورهّب من الخلوة بالنساء فقال: ما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهل فيخونه فيهم إلا وقف له يوم القيامة فيأخذ من عمله ما شاء. رواه مسلم
وقال: لا يخلون رجل بامرأة. متفق عليه.
وفي لفظ آخر: لا يخلون أحدكم بامرأة فإن الشيطان ثالثهما. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها مع إحالاتها:47116، 60116، 49078.
والله أعلم.(1/169)
خَلْوَةُ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ
319- 7975 أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ "(1)
__________
(1) - صحيح البخارى برقم ( 3006 ) وصحيح مسلم برقم( 3336)
فتح الباري لابن حجر - (ج 15 / ص 41)
قَوْله ( بَاب لَا يَخْلُوَنّ رَجُل بِامْرَأَةٍ إِلَّا ذُو مَحْرَم وَالدُّخُول عَلَى الْمُغِيبَة )
يَجُوز فِي لَام " الدُّخُول " الْخَفْض وَالرَّفْع . وَأَحَد رُكْنَيْ التَّرْجَمَة أَوْرَدَهُ الْمُصَنِّف صَرِيحًا فِي الْبَاب ، وَالثَّانِي يُؤْخَذ بِطَرِيقِ الِاسْتِنْبَاط مِنْ أَحَادِيث الْبَاب ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيث مَرْفُوع صَرِيحًا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث جَابِر رَفَعَهُ " لَا تَدْخُلُوا عَلَى الْمُغْيِبَات فَإِنَّ الشَّيْطَان يَجْرِي مِنْ اِبْن آدَم مَجْرَى الدَّم " وَرِجَاله مُوَثَّقُونَ ، لَكِنَّ مُجَالِد بْن سَعِيد مُخْتَلَف فِيهِ . وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو مَرْفُوعًا " لَا يَدْخُل رَجُل عَلَى مُغِيبَة إِلَّا وَمَعَهُ رَجُل أَوْ اِثْنَانِ " ذَكَرَهُ فِي أَثْنَاء حَدِيث ، وَالْمُغْيِبَة بِضَمِّ الْمِيم ثُمَّ غَيْن مُعْجَمَة مَكْسُورَة ثُمَّ تَحْتَانِيَّة سَاكِنَة ثُمَّ مُوَحَّدَة : مَنْ غَابَ عَنْهَا زَوْجهَا ، يُقَال أَغَابَتْ الْمَرْأَة إِذَا غَابَ زَوْجهَا . ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّف فِي الْبَاب حَدِيثَيْنِ .
شرح النووي على مسلم - (ج 5 / ص 4)
2391 - قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَخْلُوَنَّ رَجُل بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَم )
هَذَا اِسْتِثْنَاء مُنْقَطِع ؛ لِأَنَّهُ مَتَى كَانَ مَعَهَا مَحْرَم لَمْ تَبْقَ خَلْوَة ، فَتَقْدِير الْحَدِيث : لَا يَقْعُدَنَّ رَجُل مَعَ اِمْرَأَة إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَم . وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَمَعَهَا ذُو مَحْرَم ) يَحْتَمِل أَنْ يُرِيد مَحْرَمًا لَهَا ، وَيَحْتَمِل أَنْ يُرِيد مَحْرَمًا لَهَا أَوْ لَهُ ، وَهَذَا الِاحْتِمَال الثَّانِي هُوَ الْجَارِي عَلَى قَوَاعِد الْفُقَهَاء ، فَإِنَّهُ لَا فَرْق بَيْن أَنْ يَكُون مَعَهَا مَحْرَم لَهَا كَابْنِهَا وَأَخِيهَا وَأُمّهَا وَأُخْتهَا ، أَوْ يَكُون مَحْرَمًا لَهُ كَأُخْتِهِ وَبِنْته وَعَمَّته وَخَالَته ، فَيَجُوز الْقُعُود مَعَهَا فِي هَذِهِ الْأَحْوَال ، ثُمَّ إِنَّ الْحَدِيث مَخْصُوص أَيْضًا بِالزَّوْجِ ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهَا زَوْجهَا كَانَ كَالْمَحْرَمِ وَأَوْلَى بِالْجَوَازِ ، وَأَمَّا إِذَا خَلَا الْأَجْنَبِيّ بِالْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ غَيْر ثَالِث مَعَهُمَا فَهُوَ حَرَام بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاء ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَهُمَا مَنْ لَا يُسْتَحَى مِنْهُ لِصِغَرِهِ كَابْنِ سَنَتَيْنِ وَثَلَاث وَنَحْو ذَلِكَ ، فَإِنَّ وُجُوده كَالْعَدَمِ ، وَكَذَا لَوْ اِجْتَمَعَ رِجَال بِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّة فَهُوَ حَرَام ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اِجْتَمَعَ رَجُل بِنِسْوَةٍ أَجَانِب ، فَإِنَّ الصَّحِيح جَوَازه ، وَقَدْ أَوْضَحْت الْمَسْأَلَة فِي شَرْح الْمُهَذَّب فِي بَاب صِفَة الْأَئِمَّة فِي أَوَائِل كِتَاب الْحَجّ ، وَالْمُخْتَار أَنَّ الْخَلْوَة بِالْأَمْرَدِ الْأَجْنَبِيّ الْحَسَن كَالْمَرْأَةِ ، فَتَحْرُم الْخَلْوَة بِهِ ، حَيْثُ حَرُمَتْ بِالْمَرْأَةِ ، إِلَّا إِذَا كَانَ فِي جَمْع مِنْ الرِّجَال الْمَصُونِينَ ، قَالَ أَصْحَابنَا : وَلَا فَرْق 3 فِي تَحْرِيم الْخَلْوَة حَيْثُ حَرَّمْنَاهَا بَيْن الْخَلْوَة فِي صَلَاة أَوْ غَيْرهَا ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا كُلّه مَوَاضِع الضَّرُورَة ، بِأَنْ يَجِد اِمْرَأَة أَجْنَبِيَّة مُنْقَطِعَة فِي الطَّرِيق أَوْ نَحْو ذَلِكَ ، فَيُبَاح لَهُ اِسْتِصْحَابهَا ، بَلْ يَلْزَمهُ ذَلِكَ إِذَا خَافَ عَلَيْهَا لَوْ تَرَكَهَا ، وَهَذَا لَا اِخْتِلَاف فِيهِ ، وَيَدُلّ عَلَيْهِ حَدِيث عَائِشَة فِي قِصَّة الْإِفْك . وَاَللَّه أَعْلَم .
قَوْله : ( فَقَالَ رَجُل يَا رَسُول اللَّه إِنَّ اِمْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّة وَإِنِّي اُكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَة كَذَا وَكَذَا ، قَالَ : اِنْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ اِمْرَأَتك )
فِيهِ تَقْدِيم الْأَهَمّ مِنْ الْأُمُور الْمُتَعَارِضَة ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَارَضَ سَفَره فِي الْغَزْو وَفِي الْحَجّ مَعَهَا رَجَحَ الْحَجّ مَعَهَا ؛ لِأَنَّ الْغَزْو يَقُوم غَيْره فِي مَقَامه عَنْهُ بِخِلَافِ الْحَجّ مَعَهَا .
قَوْله : ( وَحَدَّثَنَا اِبْن أَبِي عُمَر حَدَّثَنَا هِشَام يَعْنِي اِبْن سُلَيْمَان الْمَخْزُومِيّ عَنْ اِبْن جُرَيْجٍ بِهَذَا الْإِسْنَاد نَحْوه وَلَمْ يَذْكُر وَلَا يَخْلُوَنَّ رَجُل بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَم )
هَذَا آخِر الْفَوَات الَّذِي لَمْ يَسْمَعهُ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بْن سُفْيَان مِنْ مُسْلِم ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَان أَوَّله عِنْد أَحَادِيث : رَحِم اللَّه الْمُحَلِّقِينَ وَالْمُقَصِّرِينَ ، وَمِنْ هُنَا قَالَ أَبُو إِسْحَاق : حَدَّثَنَا مُسْلِم بْن الْحَجَّاج ، قَالَ وَحَدَّثَنِي هَارُون بْن عَبْد اللَّه قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاج بْن مُحَمَّد ، قَالَ : قَالَ : اِبْن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْر الْحَدِيث . وَهُوَ أَوَّل الْبَاب الَّذِي ذَكَرَهُ مُتَّصِلًا بِهَذَا . وَاَللَّه أَعْلَم .
يسألونك فتاوى - (ج 2 / ص 26)
جلوس الطالبة مع مدرسها لوحدهما
تقول السائلة : ما هو الحكم في جلوس الطالبة مع مدرسها في مكتب لوحدهما بحجة السؤال عن المادة التي يدرسها ؟
الجواب : إن جلوس الطالبة مع الأستاذ كما يحصل في كثير من الجامعات في مكتبه على انفراد ومع إغلاق الباب عليهما هو خلوة محرمة ولقوله صلى الله عليه وسلم :( لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم ) رواه البخاري ولا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم :( لا يخلون رجل بامرأة إلا ثالثهما الشيطان ) رواه الترمذي وقال حسن صحيح ورواه أحمد والحاكم وصححه . فعلى الطالبة إذا أرادت الاستفسار من أستاذها في مكتبه أن تصحب زميلة لها حتى تنتفي الشبهة وقطعاً لدابر الشيطان ودفعاً للشبهات .
يسألونك فتاوى - (ج 2 / ص 29)
من هو المحرم
تقول السائلة : من هو المحرم وهل تكون البنت الصغيرة محرماً ؟
الجواب : اختلف العلماء في تحديد من هو المحرم بناء على اختلاف فهمهم للأحاديث التي ورد فيها المحرم ومنها :
1. عن ابن عمر أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال :( لا تسافر المرأة ثلاثاً إلا ومعها ذو محرم ) رواه مسلم وبمعناه وردت أحاديث كثيرة .
2. عن أبي سعيد أنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول :( لا تسافر المرأة يومين من الدهر إلا ومعها ذو محرم منها أو زوجها ) رواه مسلم .
3. وعنه أيضاً أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال :( لا يحل لإمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها أو ابنها أو زوجها أو ذو محرم منها ) رواه مسلم . فمن العلماء من يرى أن ضابط المحرم هم من يحرم عليه نكاح المرأة على التأبيد لذلك لا يعد زوج الأخت محرماً قاله الحافظ ابن حجر في فتح الباري 4/448 . ومنهم من يرى أن ضابط المحرم أعم من ذلك فالمحرم هو الرجل الذي تحرم عليه المرأة بنسب كأبيها وأخيها أو سبب مباح كالزوج وأبي الزوج وابن الزوج وكالإبن من الرضاع والأخ من الرضاع ونحوهما . ورى الإمام الشوكاني أن الزوج يدخل في مسمى المحرم أو أنه يقوم مقامه أخذاً بقوله صلى الله عليه وسلم :( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقام رجل فقال : يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجّة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا قال : - انطلق فحج مع امرأتك ) رواه البخاري ومسلم . ويرى الحنابلة أن المحرم الذي يشترط للسفر مع المرأة للحج يشمل زوجها وأبو زوجها ودخول الزوج في مفهوم المحرم مع كونه يحل لها وتحل له لحصول المقصود بسفره معها وهو حفظها وصيانتها ويؤيد ذلك ظاهر النصوص التي ذكرت بعضها سابقاً . وعلى كل حال فإن المرأة لا تكون محرماً للمرأة وإنما المحرم هو الرجل فقط
يسألونك فتاوى - (ج 2 / ص 191)
الخاطب ليس محرماً لخطيبته في الحج
يقول السائل : رجل خاطب وأرادت خطيبته وأم خطيبته الذهاب إلى الحج أو العمرة فهل يكون هذا الرجل محرماً لها ولأمها ؟
الجواب : من المعلوم عند أهل العلم أن الخطبة مقدمة للزواج وهي مجرد وعد بالزواج وليست زواجاً.
وبناءاً على ذلك فيعتبر كل من الخاطب والمخطوبة أجنبياً عن الآخر فلا يحل لهما الاختلاط دون وجود محرم وما يفعله كثير من الخاطبين اليوم من الذهاب إلى الأماكن العامة والجلوس على انفراد والذهاب والإياب معاً مخالف للشرع لأن الخاطب ما زال أجنبياً عن المخطوبة ولا يحل له من المخطوبة سوى ما أباحه الشرع الحكيم ألا وهو النظر عند الخطبة فقد جاء في الحديث عن جابر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :
( إذا خطب أحدكم المرأة فاستطاع أن ينظر منها ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل )
رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي ووافقهما الألباني .
وعن المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ) رواه النسائي والترمذي وابن ماجة وغيرهم وهو حديث صحيح .
ومعنى يؤدم بينكما : أن تقع الألفة والملائمة بينكما .
والخاطب لا يكون محرماً لمخطوبته ولا لأمها في السفر سواء كان لحج أو عمرة أو لغيرهما لأنه أجنبي عنهما ولا يجوز له السفر بهما فقد جاء في الحديث عن ابن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :( لا تسافر المرأة ثلاثاً إلا ومعها ذو محرم ) رواه مسلم .
وجاء في حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم . فقام رجل فقال : يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجةً وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا . قال : انطلق فحج مع امرأتك ) رواه البخاري ومسلم .
وأخيراً ينبغي التنبيه على أن كثيراً من عامة الناس في بلادنا يطلقون لفظ الخاطب على من كان قد عقد الزواج ولم يدخل بزوجته فإن كان الأمر كذلك فمن عقد على امرأته ولم يدخل بها فهي زوجته شرعاً فيجوز له أن يسافر بها وهو محرم على أمها فيجوز لها أن تسافر معه .
يسألونك فتاوى - (ج 4 / ص 388)
عدم الالتزام بالأحكام الشرعية يجلب المصائب
يقول السائل: أنا شاب أدرس في غير بلدي، وكان لي صديق يدرس في نفس البلد، هو وزوجته، ثم ضاقت به الظروف فلم يستطع أن يدفع إيجار الشقة فنزل علي ضيفًا هو وزوجته حتى يفرغا من دراستهما وقد كان صديقي كثير الخروج لدروسه، مما سمح بوجود علاقة بيني وبين زوجته بالجماع الكامل لمدة شهرين، ثم عدت إلى دولتي وفوجئت أن هذا الجماع أثمر طفلاً يشبهني وقد أخبرتني زوجة صديقي بأنه ولدي، ولما رأى أبوه الولد أنكره لعدم شبهه به، وهو الآن يفكر جديًّا في طلاقها؛ لأنه يكاد يجزم بأن الولد ليس ولده، وقد مرَّ على الطفل عام ونصف ولم يسجله باسمه، ولا يريد أن يفعل والسؤال: أنا أعرف أنني أخطأت، ومستعد لما تملونه عليّ. ولكن ما ذنب هذا الطفل، وباسم من يسجل، ومن ينفق عليه، ومع من يعيش؟ وهل أعترف لصديقي بالأمر؟ ماذا أفعل أرجوكم.
الجواب: إن الزنا كبيرة من كبائر الذنوب وقد ازداد إثم هذا الزاني لأنه زنى بزوجة جاره بل بزوجة ضيفه، وعلى هذا الزاني أن يتوب إلى الله عز وجل توبة صادقة نصوحا، حيث إنه قد وقع في ذنب عظيم، وهناك قضية مهمة أود الإشارة إليها وهي أن السبب في وقوع هذه المعاصي هو التساهل في الأحكام الشرعية، حيث إن الخلوة التي حصلت بين السائل وزوجة صديقه هي التي أوقعته في جريمة الزنا، ولو أنه التزم بالحكم الشرعي لما وقع في هذه الجريمة قال النبي صلى الله عليه وسلم :( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ) رواه مسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم :( لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان ) رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/432.
وأما ما يتعلق بالولد الذي هو ثمرة الزنا فقد قرر أهل العلم أن الولد للفراش أي أن الولد ينسب لزوج المرأة الزانية ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت ( كان عتبة بن أبي وقاص عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه، قالت: فلما كان عام الفتح أخذه سعد بن أبي وقاص وقال ابن أخي قد عهد إليَّ فيه فقام عبد بن زمعة فقال أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فتساوقا - أي اختصما - إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال سعد: يا رسول الله ابن أخي كان قد عهد إلي فيه فقال عبد بن زمعة أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو لك يا عبد بن زمعة ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر ثم قال لسودة بنت زمعة: زوج النبي صلى الله عليه وسلم احتجبي منه لما رأى من شبهه بعتبة فما رآها حتى لقي الله ) رواه البخاري ومسلم.
قال الإمام النووي:[ قوله صلى الله عليه وسلم :( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) قال العلماء: العاهر الزاني وعهر زنى وعهرت زنت والعهر الزنا, ومعنى الحجر أي له الخيبة ولا حق له في الولد… وأما قوله صلى الله عليه وسلم :( الولد للفراش ), فمعناه أنه إذا كان للرجل زوجة أو مملوكة صارت فراشاً له فأتت بولد لمدة الإمكان منه لحقه الولد وصار ولداً يجري بينهما التوارث وغيره من أحكام الولادة, سواء كان موافقاً له في الشبه أم مخالفاً ) شرح النووي على صحيح مسلم 4/31.
وقال الحافظ ابن عبد البر:[ فكانت دعوى سعد سبب البيان من الله عز وجل على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في أن العاهر لا يلحق به في الإسلام ولد يدعيه من الزنا وأن الولد للفراش على كل حال والفراش النكاح أو ملك اليمين لا غير … أجمع العلماء - لا خلاف بينهم فيما علمته - أنه لا يلحق بأحد ولد يستلحقه إلا من نكاح أو ملك يمين فإذا كان نكاح أو ملك فالولد للفراش على كل حال ] الاستذكار 2/167-168.
ولا يجوز أن ينسب الولد للزاني حتى ولو اعترف الزاني بأن الولد منه ما دامت الزانية ذات زوج وأما إذا كانت الزانية لا زوج لها فيصح إلحاق الولد بالزاني إن أقر به على قول جماعة من أهل العلم.
فتاوى ابن باز 1-18 - (ج 1 / ص 117)
أما ما ذكر من اختلاطها بالرجال، في المدرسة والمعمل والشرطة وغير ذلك، فليس أمرا جائزا على إطلاقه، بل فيه تفصيل، وهو أنه لا يجوز لها ذلك إلا في حدود الشريعة، حيث تأمن على نفسها وعرضها، وتتمكن من الحجاب الشرعي، وحيث تسلم من خلوة الرجل بها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما ولقوله صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم ولأن الله سبحانه قد جعل الرجال قوامين على النساء بما فضلهم الله به عليهن في الخلق والخلق والعقل - كما تقدم - وبما ينفقونه من الأموال عليهن، كما قال سبحانه: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ الآية، فأطلق سبحانه في هذه الآية قيام الرجال على النساء، ولم يخص ذلك بوقت دون وقت، وهو سبحانه يعلم ما يكون في آخر الزمان، فلو كان الحكم يتغير لبين ذلك سبحانه ولم يهمله، أو لبينه رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، فلما لم يقع شيء من ذلك علم أن قيام الرجال على النساء حكم مستمر إلى يوم القيامة، وقد علم كل من له أدنى بصيرة بأحوال العالم الحاضر، ما قد ترتب على اختلاط المرأة بالرجل في المدرسة والمعمل وغيرهما، من الفساد الكبير، والشر العظيم والعواقب الوخيمة، وكل ذلك يبين فضل ما جاءت به الشريعة، وأن الواجب هو الالتزام بأحكامها في جميع الأحوال، وفي كل زمان ومكان، والحذر من خلافها، ومما ينبغي أن يعلم أن هذا التفضيل إنما هو للجنس على الجنس، ولا يلزم من ذلك أن يكون كل فرد من أفراد الرجال أفضل من كل واحدة من أفراد النساء، بل قد يكون بعض النساء، أفضل من بعض الرجال من وجوه كثيرة - كما هو معلوم من النقل والواقع في كل زمن - فعائشة وخديجة وحفصة ، وغيرهن من أمهات المؤمنين - رضي الله عنهن جميعا - أفضل من كثير من الرجال، وهكذا في كل زمان يوجد في النساء من تفوق بعض الرجال، في عملها وعقلها ودينها، ولكن ذلك لا يلزم منه مساواة المرأة للرجل في كل شي، كما لا يلزم منه الدعوة إلى مساواتها في الميراث والأحكام، وقد سبق فيما ذكرنا من الأدلة عند الكلام على قصة عصا موسى وأهل الكهف، أن الواجب على جميع المكلفين هو الإيمان بالمنزل، والخضوع له والتصديق به، والعمل بمقتضاه، وأنه لا يجوز رده أو بعضه، أو التكذيب بشيء منه؛ لأن الله سبحانه هو أصدق قيلا من خلقه، وهو العالم بأحوال عباده وما يصلحهم، ولأنه سبحانه أمر باتباع المنزل، ولم يجعل لعباده الخيرة في رد شيء منه، ولأن رسوله صلى الله عليه وسلم هو أصدق الخلق وأكملهم عقلا وأزكاهم نفسا، وهو الأمين على وحيه سبحانه، وقد أخبر - عز وجل - أنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وقد بلغ كلام ربه كما أنزل، بلغ شريعته كما أمر بذلك فلا يجوز لأحد بعد ذلك مخالفة المنزل، أو تغيير المشروع برأي أو اجتهاد. وقد أجمع العلماء كافة على أنه لا يجوز لأحد التكذيب بشيء مما أنزل الله أو دفعه، وعدم الرضى به أو العدول عما شرع، وذكروا أن ذلك كفر صريح، وردة عن الإسلام؛ لما سبق من الأدلة، ولقوله سبحانه في هذا المعنى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ وقد سبق ما نقله الإمام الكبير إسحاق بن راهويه ، والقاضي عياض بن موسى ، وشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمهم الله - من إجماع العلماء على ما ذكرنا فراجعه تجد ما يشفي ويكفي.
فتاوى ابن باز 1-18 - (ج 6 / ص 301)
حول توظيف النساء في الدوائر الحكومية
الحمد لله رب العالمين والسلام على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم واقتفى آثارهم إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد اطلعت على ما نشر في الصحف المحلية في الأول من شهر رمضان عام 1400هـ من اعتزام فرع ديوان الخدمة المدنية بالمنطقة الشرقية على توظيف النساء في الدوائر الحكومية للقيام بأعمال النسخ والترجمة والأعمال الكتابية الأخرى ، ثم قرأت ما كتبه الأخ الناصح محمد أحمد حساني في صحيفة الندوة في عددها الصادر في 8 / 9 / 1400 هـ تعقيبا على ذلك الخبر ، وكان صادقا وناصحا للأمة في تعقيبه ، فشكر الله له وأثابه . ذلك أن من المعلوم أن نزول المرأة للعمل في ميدان الرجال يؤدي إلى الاختلاط ، وذلك أمر خطير جدا ، له تبعاته الخطيرة وثمراته المرة وعواقبه الوخيمة ، وهو مصادم للنصوص الشرعية التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها والقيام بالأعمال التي تخصها في بيتها ونحوه ، مما تكون فيه بعيدة عن مخالطة الرجال . والأدلة الصريحة الصحيحة الدالة على تحريم الخلوة بالأجنبية وتحريم النظر إليها وتحريم الوسائل الموصلة إلى الوقوع فيما حرم الله- أدلة كثيرة محكمة قاضية بتحريم الاختلاط المؤدي إلى مالا تحمد عقباه .
منها قوله تعالى : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا وقال تعالى وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وقال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا وقال الله جل وعلا : قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ إلى أن قال سبحانه : وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وقال : إياكم والدخول على النساء يعني الأجنبيات قال رجال من الأنصار أفرأيت الحمو؟ قال الحمو الموت ونهى الإسلام عن الخلوة بالمرأة الأجنبية على الإطلاق إلا مع ذي محرم وعن السفر إلا مع ذي محرم ، سدا لذريعة الفساد وإغلاقا لباب الألم وحسما لأسباب الشر وحماية للنوعين من مكايد الشيطان ، ولهذا صح عن رسول الله أنه قال : ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء وصح عنه أنه قال : اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء وقال : لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما وهذه الآيات والأحاديث صريحة الدلالة في وجوب القرار في البيت والابتعاد عن الاختلاط المؤدي إلى الفساد وتقويض الأسر وخراب المجتمعات فما الذي يلجئنا إلى مخالفتها والوقوع فيما يغضب الله ويحل بالأمة بأسه وعقابه ، ألا نعتبر فيما وقع في المجتمعات التي سبقت إلى هذا الأمر الخطير وصارت تتحسر على ما فعلت وتتمنى أن تعود إلى حالنا التي نحن عليها الآن . لماذا لا ننظر إلى وضع المرأة في بعض البلدان الإسلامية المجاورة كيف أصبحت مهانة مبتذلة بسبب إخراجها من بيتها وجعلها تعمل في غير وظيفتها ، لقد نادى العقلاء هناك وفي البلدان الغربية بوجوب إعادة المرأة إلى وضعها الطبيعي الذي هيأها الله له وركبها عليه جسميا ونفسيا وعقليا ، ولكن بعد ما فات الأوان .
ألا فليتق الله المسئولون في ديوان الخدمة المدنية والرئاسة العامة لتعليم البنات وليراقبوه سبحانه فلا يفتحوا على الأمة بابا عظيما من أبواب الشر ، إذا فتح كان من الصعب إغلاقه . وليعلموا أن النصح لهذا البلد حكومة وشعبا هو العمل على ما يبقيه مجتمعا متماسكا قويا سائرا على نهج الكتاب والسنة ، وسد أبواب الضعف والوهن ومنافذ الشرور والفتن ، ولا سيما ونحن في عصر تكالب الأعداء فيه على المسلمين وأصبحنا أشد ما نكون حاجة إلى عون الله ودفعه عنا شرور أعدائنا ومكائدهم ، فلا يجوز لنا أن نفتح أبوابا من الشر مغلقة .
ولعل في كلمتي هذه ما يذكر المسئولين في ديوان الخدمة المدنية والرئاسة العامة لتعليم البنات بما يجب عليهم من مراعاة أمر الله ورسوله والنظر فيما تمليه المصلحة العامة لهذه الأمة ، والاستفادة مما قاله الأخ محمد أحمد حساني من أن عملية نقص الموظفين لا تعالج بالدعوة إلى إشراك النساء في وظائف الرجال سدا للذريعة وقفلا لباب المحاذير ، بل إن العلاج الصحيح يكون بإيجاد الحوافز لآلاف الشبان الذين لا يجدون في العمل الحكومي ما يشجع للالتحاق به فيتجهون إلى العمل الحر أو إلى المؤسسات والشركات ، ومن هنا منطلق العلاج الصحيح وهو تبسيط إجراءات تعيين الموظفين وعدم التعقيد في الطلبات ، وإعطاء الموظف ما يستحق مقابل جهده ، وعندها سوف يكون لدى كل إدارة فائض من الموظفين . هذا وإنني مطمئن إن شاء الله إلى أن المسئولين بعد قراءتهم لهذه الكلمة سيرجعون عما فكروا فيه من تشغيل المرأة بأعمال الرجال إذا علموا أن ذلك محرم بالكتاب والسنة ومصادم للفطرة السليمة ، ومن أقوى الأسباب في تخلخل المجتمع وتداعي بنيانه ، وهو مع ذلك أمنية غالية لأعداء المسلمين يعملون لها منذ عشرات السنين وينفقون لتحقيقها الأموال الطائلة ويبذلون لذلك الجهود المضنية ، ونرجو أن لا يكون أبناؤنا وإخواننا معينين لهم أو محققين لأغراضهم .
أسأل الله أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من مكايد الأعداء ومخططاتهم المدمرة وأن يوفق المسئولين فيها إلى حمل الناس على ما يصلح شئونهم في الدنيا والآخرة ، تنفيذا لأمر ربهم وخالقهم والعالم بمصالحهم ، وأن يوفق المسئولين في ديوان الخدمة المدنية والرئاسة العامة لتعليم البنات لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد في أمر المعاش والمعاد ، وأن يعيذنا وإياهم وسائر المسلمين من مضلات الفتن وأسباب النقم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعهم بإحسان .
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبدالعزيز بن عبد الله بن باز
فتاوى ابن باز 1-18 - (ج 7 / ص 165)
السؤال الثاني عشر : ما حكم الكشف على الشغالة في المنزل؟
الجواب : عليها الاحتجاب ، وعليك أن تغض البصر وتأمرها بالحجاب لقول الله عز وجل : قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ وعليها الحجاب والتستر ، وعليك ألا تخلو بها لأن الخلوة من أسباب الفتنة ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما فلا تخلو بها ، ولا تخلو بزوجة أخيك ولا زوجة عمك ولا غيرهن ممن ليست محرما لك ، للحديث المذكور ، أما السلام فلا بأس به ولا بالكلام للحاجة لكن بدون خلوة وبدون مصافحة .
أخلاق المؤمنين والمؤمنات
بسم الله الرحمن الرحيم والعاقبة للمتقين ، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وأفضل الدعاة إلى سبيل الله ، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهديه إلى يوم الدين . أما بعد :
فإني أشكر الله عز وجل على ما من به من هذا اللقاء بإخوتي في الله وأخواتي في الله في مقر مستشفى النور التخصصي في مكة المكرمة في رحاب بيت الله العتيق ، أسأله سبحانه أن يجعله لقاء مباركا ، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعا ، وأن يمنحنا الفقه في دينه ، وأن يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا .
ثم أشكر القائمين على هذا المستشفى وعلى رأسهم سعادة المدير على دعوتهم لي لهذا اللقاء ، واسأل الله أن يبارك في جهود الجميع ، وأن يعينهم على كل ما فيه رضاه وعلى كل ما فيه نجاح هذا المستشفى وسلامة القائمين عليه والمعالجين فيه ، كما أسأله سبحانه أن يوفق الجميع لكل خير ، وأن يثبت الجميع على دينه ويعيذنا جميعا من مضلات الفتن إنه خير مسئول .
فتاوى ابن باز 1-18 - (ج 8 / ص 300)
سفر المرأة مع المرأة بدون محرم
س : هل تعد المرأة محرما للمرأة الأجنبية في السفر ، ونحو ذلك أم لا؟
ج : ليست المرأة محرما لغيرها ، إنما المحرم : هو الرجل الذي تحرم عليه المرأة بنسب ؛ كأبيها ، وأخيها ، أو بسب مباح . كالزوج ، وأبي الزوج ، وابن الزوج ، وكالأب من الرضاع ، والأخ من الرضاع ونحوهم .
ولا يجوز للرجل أن يخلو بالمرأة الأجنبية ، ولا أن يسافر بها ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم متفق على صحته ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان رواه الإمام أحمد وغيره ، من حديث عمر رضي الله عنه بإسناد صحيح ...
والله ولي التوفيق .
فتاوى ابن باز 1-18 - (ج 9 / ص 335)
س : أنا ممرض وأعمل في تمريض الرجال ومعي ممرضة تعمل في نفس القسم في وقت ما بعد الدوام الرسمي ويستمر ذلك حتى الفجر ، وربما حصل بيننا خلوة كاملة ، ونحن نخاف على أنفسنا من الفتنة ولا نستطيع أن نغير من هذا الوضع فهل نترك الوظيفة مخافة لله وليس لنا وظيفة أخرى للرزق ، نرجو توجيهنا بما ترون ؟
ج : لا يجوز للمسئولين عن المستشفيات أن يجعلوا ممرضا مداوما وممرضة يبيتان وحدهما في الليل للحراسة والمراقبة ، بل هذا غلط ومنكر عظيم ، وهذا معناه الدعوة للفاحشة ، فإن الرجل إذا خلا بالمرأة في محل واحد فإنه لا يؤمن عليهما الشيطان أن يزين لهما فعل الفاحشة ووسائلها ، ولهذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما فلا يجوز هذا العمل ، والواجب عليك تركه؛ لأنه محرم ويفضي إلى ما حرم الله عز وجل ، وسوف يعوضك الله خيرا منه إذا تركته لله سبحانه ، لقول الله عز وجل ك وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وقوله سبحانه ك وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا وهكذا الممرضة عليها أن تحذر ذلك وأن تستقيل إذا لم يحصل مطلوبها؛ لأن كل واحد منكما مسئول عمل أوجب الله عليه وما حرم عليه
فتاوى ابن باز 1-18 - (ج 9 / ص 343)
س : بعض العاملين في قطاع الصحة يحتم عليهم عملهم الاختلاء بامرأة أجنبية خاصة في آخر الليل في أقسام التنويم داخل مكاتب الأطباء المخصصة ، وعند نصحهم بضرورة وضع حل لمثل هذه الأمور ، يوجهون اللوم على المسئولين ، فماذا لو كان هناك إرشاد وتوجيه في مثل هذه الحالات؟
ج : الواجب أن يتولى ذلك رجال ثقات ، وإذا دعت الحاجة إلى نساء فالواجب أن يكن جماعة من النساء حتى لا يحدث خلوة ، والجماعة من النساء اثنتان أو أكثر يكن على حدة مستقلات والرجال وحدهم ، هؤلاء للنساء وهؤلاء للرجال ، وليس للرجل أن يخلو بامرأة أجنبية عنه لا في الليل ولا في النهار ، وليس للطبيب ولا لغيره أن يخلو بالطبيبة أو المريضة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ك لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما
فتاوى ابن باز 1-18 - (ج 15 / ص 251)
ضابط المحرم
س: هل تعتبر المرأة محرماً للمرأة الأجنبية في السفر والجلوس ونحو ذلك أم لا ؟ (2)
ج: ليست المرأة محرماً لغيرها ، إنما المحرم هو الرجل الذي تحرم عليه المرأة بنسب كأبيها وأخيها ، أو سبب مباح كالزوج وأبي الزوج وابن الزوج ، وكالأب من الرضاع والأخ من الرضاع ونحوهما .
ولا يجوز للرجل أن يخلو بالمرأة الأجنبية ولا أن يسافر بها ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم " (3) متفق على صحته ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : "لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان" (4) رواه الإمام أحمد وغيره من حديث عمر رضي الله عنه بإسناد صحيح .
فتاوى الشيخ عبدالله بن عقيل - (ج 1 / ص 467)
[403] حكم كشف الأطباء على عورات النساء
سائل يسأل عن جواز كشف الطبيب على عورة المرأة، ومعالجتها مع وجود طبيبة من النساء، وعن خلوة الدكتور بالمرأة عند الكشف عليها، وعلاجها، وعن جواز نظره إلى عورتها، ومسها عند الحاجة، وعدمها؟
الإجابة:
والجواب على هذا بأمور:
أولا: المرأة عورة، ومحل مطمع للرجال بكل حال؛ فلهذا لا ينبغي لها أن تمكن الرجال من الكشف عليها، أو معالجتها ما دامت تجد طبيبة من النساء، تحسن الكشف عليها، ومعالجتها.
ثانيا: إذا لم توجد الطبيبة المطلوبة، فلا بأس بمعالجة الرجل لها، وهذا أشبه بحال الضرورة، ولكنه يتقيد بقيود معروفة، ولهذا يقول الفقهاء: الضرورة تقدر بقدرها؛ فلا يحل للطبيب أن يرى منها أو يمس ما لا تدعو الحاجة إلى رؤيته أو مسه، ويجب عليها ستر كل ما لا حاجة إلى كشفه عند العلاج.
ثالثا: مع كون المرأة عورة، فإن العورة تختلف، فمنها: عورة مغلظة، ومنها: ما هو أخف من ذلك، كما أن المرض الذي تعالج منه المرأة قد يكون من الأمراض الخطرة التي لا ينبغي تأخير علاجها، وقد يكون من العوارض البسيطة التي لا ضرر في تأخير علاجها، حتى يحضر محرمها، ولا خطر، كما أن النساء يختلفن: فمنهن القواعد من النساء، ومنهن الشابة الحسناء، ومنهن ما بين ذلك، ومنهن من تأتي وقد أنهكها المرض، ومنهن من تأتي إلى المستشفى من دون أن يظهر عليها أثر المرض، ومنهن من يعمل لها بنج موضعي أو كلي، ومنهن من يكتفى بإعطائها حبوبا ونحوها، ولكل واحدة من هؤلاء حكمها. وعلى كل فالخلوة بالمرأة الأجنبية محرمة شرعا، ولو للطبيب الذي يعالجها؛ لحديث: «لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم» ( ) . فلا بد من حضور أحد معها، سواء كان زوجها أو أحد محارمها الرجال، فإن لم يتهيأ، فمن أقاربها النساء، فإن لم يوجد أحد ممن ذكر، وكان المرض خطرا لا يمكن تأخيره، فلا أقل من حضور الممرضة، ونحوها؛ تفاديا من الخلوة المنهي عنها. واللَّه المستعان.
فتاوى الشيخ عبدالله بن عقيل - (ج 1 / ص 500)
[432] حكم خروج النساء للاحتطاب بدون محرم
بعض نساء أهل البادية وبعض القرى يخرجن للاحتطاب وجمع العشب ورعي الغنم، وغير ذلك، ويبعدن وليس معهن محرم، فهل في ذلك شيء، نرجوكم إرشادنا، عفا اللَّه عنكم؟
الإجابة:
لا يجوز للمرأة السفر بلا محرم، سواء كان السفر طويلا أو قصيرا، وسواء كانت المرأة شابة، أو عجوزا؛ لحديث ابن عباس -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطُب يقول: «لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم» ( ) .
وعن ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : «لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم» . متفق عليه ( ) .
وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تسافر المرأة مسيرة يومين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم. متفق عليه ( ) .
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة، إلا مع ذي محرم» ( ) . وفي رواية: «مسيرة يوم» ( )، وفي رواية: «ليلة» ( ) ، وفي رواية لأبي داود ( ) : «بريدا» .
وما تقدم من تحريم سفرها بلا محرم؛ هو في السفر الذي يحتاج إلى محرم وهو ما يعد سفرا عرفا، وأما ذهابها في أطراف البلد مما لا يعد سفرا عرفا؛ لاحتطاب أو رعي غنم ونحو ذلك، فلا بأس بذلك مع الأمن، وأما مع الخوف فلا يجوز، كما صرح بذلك العلماء.
قال في «زاد المعاد» ( ) : وصح عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: كنت أخدم الزبير خدمة البيت كله، وكان له فرس وكنت أسوسه، وكنت أحتش له، وأقوم عليه ( ) . وصح عنها أنها كانت تعلف فرسه وتسقي الماء وتخرز ( ) الدَّلو وتعجن، وتنقل النوى على رأسها من أرض له على ثلثي فرسخ ( ) . اهـ. واللَّه أعلم.
مقالات عن المرأة - (ج 62 / ص 1)
فتاوى المرأة المسلمة مكتبة مشكاة الإسلامية
فتاوى الاختلاط و النظر و المصافحة و الخلوة
سئل الشيخ صالح الفوزان
ما حكم تحدث المرأة مع صاحب محل الملابس أو الخياط ؟ مع الرجاء توجيه كلمة شاملة إلى النساء .
الجواب :
تحدث المرأة مع صاحب المتجر التحدث الذي بقدر الحاجة و ليس فيه فتنة لا بأس به ، كانت النساء تكلم الرجال في الحاجات و الأمور التي لا فتنة فيها و في حدود الحاجة .
أما إذا كان مصحوباً بضحك أو بمباسطة أو بصوت فاتن فهذا محرم لا يجوز . يقول الله سبحانه و تعالى لأزواج نبيه صلى الله عليه و سلم { فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } و القول المعروف ما يعرفه الناس و بقدر الحاجة أما ما زاد عن ذلك ؛ بأن كان على طريق الضحك و المباسطة ، أو بصوت فاتن ، أو غير ذلك ، أو أن تكشف وجهها أمامه ، أو تكشف ذراعيها ، أو كفيها ؛ فهذه كلها محرمات و منكرات و من أسباب الفتنة و من أسباب الوقوع في الفاحشة .
فيجب على المرأة المسلمة التي تخاف الله عز و جل أن تتقي الله ، تجنب هذا الأمر ، و ألا تكلم الرجال الأجانب بكلام يطمعهم فيها و يفتن قلوبهم ، و إذا احتاجت إلى الذهاب إلى متجر أو إلى مكان فيه الرجال ، فلتحتشم و لتتستر و تتأدب بآداب الإسلام ، و إذا كلمت الرجال ، فلتكلمهم الكلام المعروف الذي لا فتنة فيه و لا ريب فيه .
سئل الشيخ محمد بن عثيمين
أنا أب و لي أبناء و نحن مشغولون بأعمالنا ، لذا نسمح للسائق أن يذهب بزوجتي و بناتي إلى السوق و المحاضرات الدينية و الثقافية ، أرجو إعطائي و إخواني الجواب الكافي حول هذا الفعل من ناحية حله و حرمته . و الله يحفظكم ؟
الجواب :
إذا كان السائق أميناً و ركب معه امرأتان فأكثر إلى السوق ، فإن هذا لا بأس به ، و ذلك لأن المحظور هو الخلوة أو السفر . فلا يحل أن يخلو السائق بامرأة واحدة و لو إلى السوق و لا يحل للسائق أن يسافر و لو بنساء متعددات ، لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ لا يخلو رجل بامرأة إلا مع ذي محرم ، و لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم ] أخرجه البخاري .
فإذا كان الذهاب و المجيء في نفس البلد و لم تحصل خلوة ، بل كان مع السائق امرأتان فأكثر ، و كان السائق أميناً ، فإن هذا لا محظور فيه و لا حرج فيه ، السائق لابد أن يكون أميناً أما إذا كان غير أمين فإنه يُخشى من شره ، و لو كانت المرأة معها امرأة أخرى .
و أما مسألة استجلاب السائقين و الخدم و الخادمات ، فالذي نرى أنه لا ينبغي إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك ، لأن الأمور الواقعة من بعض الخدم من رجال أو نساء توجب للإنسان التوقف في استجلاب هؤلاء الخدم .
سئل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
ما حكم ركوب النساء مع أصحاب سيارات الأجرة بدون محرم ؟
الجواب :
لم يبقَ شك في أن ركوب المرأة الأجنبية مع صاحب السيارة منفردة بدون محرم يرافقها منكر ظاهر ، و فيه عدة مفاسد لا يستهان بها ، سواء كانت المرأة خفرة أو برزة ؛ و الرجل الذي يرضى بهذا لمحارمه ضعيف الدين ، ناقص الرجولة ، قليل الغيرة على محارمه و قد قال صلى الله عليه و سلم [ ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ] أخرجه أحمد .
و ركوبها معه في السيارة أبلغ من الخلوة بها في بيت و نحوه ؛ لأنه يتمكن من الذهاب بها حيث شاء من البلد أو خارج البلد ، طوعاً منها أو كرهاً ، و يترتب على ذلك من المفاسد أعظم مما يترتب على الخلوة المجردة .
و لا يخفى آثار فتنة النساء و المفاسد المترتبة عليها ؛ ففي حديث [ ما تركتُ بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ] أخرجه البخاري .
و في الحديث الآخر [ اتقوا الدنيا و اتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ] أخرجه أحمد .
لهذا و غيره مما ورد في هذا الباب و أخذاً بما تقتضيه المصلحة العامة و يحتمه الواجب الديني علينا و عليكم و نرى أنه يتعين البت في منع ركوب أي امرأة أجنبية مع صاحب التاكسي بدون مرافق لها من محارمها أو من يقوم مقامه من محارمها أو اتباعهم المأمونين المعروفين .
كما يتعين على المسؤولين القيام بهذا الأمر بجد و صرامة ، و يشكل لجنة و تقرر لذلك من الجزاء ما يتناسب مع حالة مرتكبه ، و من خالف ذلك فيطبق بحقه الجزاء المقرر ؛ فمثلاً يقرر عليه غرامة مالية ، فإن عاد ثانياً فتضاعف عليه الغرامة مع حبسه مدة معينة و تعزيره أسواطاً معلومة ، فإن عاد ثالثاً ضوعفت عليه الغرامة و الحبس و التعزير و سُحبت منه الرخصة من مزاولة هذه المهنة ، كما تعزر المرأة التي ترتكب مثل هذا ، و يعزر وليها الذي يرضى لها بمثل ذلك و لكن لابد من إعلان ذلك في الجرائد و الإذاعة و تحذير الناس أولاً و على مدير الشرطة و قلم المرور و شرطة النجدة مراقبة ما ذكر ، و تطبيق الجزاء ، و إعطاء كل مركز أو نقطة الصلاحية بما ذكر ، و كذلك مراكز الحسبة و دوريتهم و أفراد رجالهم . كما ينبغي نصيحة النساء و ولاة أمورهن ، و تذكيرهم بما ورد ، و تخويفهم مغبة طاعة النساء ، فقد روي في الحديث [ هلك الرجال حين أطاعوا النساء ] و في الحديث الآخر [ ما رأيتُ من ناقصات عقل و دين أغلب للب ذي اللب من إحداكن ] و لما أنشده أعشى بأهلة أبياته التي يقول فيها : و هن شر غالب لمن غلب
جعل صلى الله عليه و سلم يرددها و يقول : [ هن شر غالب لمن غلب ]
و الله الموفق .
سئل الشيخ عبد الله بن جبرين
أذهب مع السائق إلى المدرسة صباحاً و العودة ظهراً و معي أخي الذي لا يتجاوز الحادية عشرة من عمره فهل يجوز أن يكون أخي محرماً أم لا ؟ أفيدوني .
الجواب :
ورد النهي الشديد عن الخلوة بالمرأة الأجنبية فقال النبي صلى الله عليه و سلم في حديث عمر و ابن عمر و غيرهما : [ لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ] لذلك نحن ننصح المرأة المسلمة بعدم ركوبها وحدها مع قائد أجنبي مخافة الفتنة و لو أمنته ، فإن الشيطان قد يوسوس بينهما ، و قد رخص فيه بعض المشايخ داخل البلد مع الطرق المسلوكة التي لا تخلو من الناس : لضرورة أو حاجة ملحة كعيادة ، أو سوق لغرض مهم ، أو مدرسة ، أو مقر عمل ، أو زيارة أهل ، أو أقارب و قد يرخص في ذلك إن كان معها نسوة ثقات أو محرم و لو مميزاً و كل ذلك عند الحاجة .
سئل الشيخ بن عثيمين
زوجتي تعمل في مجال التدريس ، و لدي سائق بزوجته و السائق لا يذهب إلا معه و معه زوجته فهل يحرم على زوجتي الذهاب معه للمدرسة ؟ و ماذا لو كانت المسافة بعيدة ؟ جزاكم الله خيراً
الجواب :
إذا كان هذا السائق أميناً فلا بأس لأنه في هذه الحال لم تحدث خلوة بالمرأة ، أما إذا لم يكن أميناً أو ظهرت علامات الفتنة لا يجوز أن تركب معه و لو كانت معه زوجته .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز
ما حكم ركوب المرأة مع سائق أجنبي عنها وحدها ليوصلها داخل المدينة ؟ و ما الحكم إذا ركبتْ المرأة و مجموعة من النساء مع السائق وحدهن ؟
الجواب :
لا يجوز ركوب المرأة مع سائق ليس محرماً لها و ليس معهما غيرهما لأن في هذا حكم الخلوة . و قد صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم : [ لا يخلون رجل بامرأة إلا و معها ذو محرم ] و قال صلى الله عليه و سلم : [ لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما ] أما إن كان معهما رجل آخر أو أكثر أو امرأة أخرى أو أكثر فلا حرج في ذلك إذا لم يكن هناك ريبة . لأن الخلوة تزول بوجود الثالث أو أكثر و هذا في غير السفر ، أما في السفر فليس للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم لقول النبي صلى الله عليه و سلم : [ لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم ] متفق على صحته و لا فرق بين كون السفر من طريق الأرض أو الجو أو البحر .
و الله ولي التوفيق .
سئل الشيخ عبد الله بن جبرين
هناك تساهل من بعض الناس في الكلام مع المرأة الأجنبية ، فمثلاً إذا جاء رجل إلى بيت صديقه و لم يجده تقوم الزوجة بالتكلم مع هذا الرجل القادم ( صديق زوجها ) و تفتح المجلس و تضع القهوة و الشاي له ، فهل هذا يجوز ؟ علماً أنه لا يوجد في البيت سوى هذه الزوجة ؟
الجواب :
لا يجوز للمرأة أن تأذن لأجنبي في بيت زوجها حال غيبته و لو كان صديقاً لزوجها و لو كان أميناً أو موثوقاً فإن في هذا خلوة بامرأة أجنبية و قد ورد في الحديث [ لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ] . كما يحرم على الرجل أن يطلب من امرأة صديقه أن تدخله و أن تقوم بخدمته و لو وثق من نفسه بالأمانة و الديانة مخافة أن يوسوس له الشيطان و يدخل بينهما .
و يجب على الزوج أن يُحِذر امرأته من إدخال أحد من الأجانب في البيت و لو كان من أقاربه لقول النبي صلى الله عليه و سلم [ إياكم و الدخول على النساء ] قالوا : يا رسول الله ، أرأيت الحمو ؟ قال : [ الحمو الموت ] و الحمو هو أخو الزوج أو قريبه ، فغيره بطريق الأولى .
سئل الشيخ محمد بن عثيمين
هل يجوز لي النظر إلى المرأة التي أريد الزواج بها بدون علم أهلها ، كأن تحضر إلى قرابة لي فأنظر إليها دون علمها و علم أهلها ، مع العلم إني عازم بإذن الله على التقدم لها ، و لكن لم تحصل الخطبة بل حصل أخذ موافقة منها و من والدتها قبل أن أتقدم رسمياً إليها ، مع إني قد استخرت الاستخارة الشرعية ، فهل يجوز لي هذا النظر ؟
الجواب :
يجوز لك هذا النظر ، لأن الإنسان إذا عزم على خطبة امرأة ، و غلب على ظنه أنه يُجاب ، فله أن ينظر إليها بل يُسن أن ينظر إليها ، بشرط أن لا يكون هناك خلوة و أن يأمن الفتنة على نفسه ، فإذا لم يكن خلوة و أمن الفتنة على نفسه و نظر إليها ما يكفي لرغبته فيها ، كالنظر إلى الوجه و إلى الرأس و إلى الكفين و إلى القدمين فإن هذا لا بأس به . بل هو من الأمور المشروعة ، فإنه أحرى أن يؤدم بين الزوجين ، يعني أحرى أن يؤلف بينهما .
و يسأل بعض الناس يقول هل يجوز أن أطلب صورتها الفوتوغرافية لأنظر إليها ؟
فنقول : لا يجوز .
أولاً / لأن الصورة قد تبقى بيد الخطيب حتى و إن أحجم عن التقدم لخطبتها .
ثانياً / لأن الصورة لا تمثل الواقع و الحقيقة ، فقد تشوه المنظر و قد تحسن المنظر فينخدع الإنسان .
ثالثاً / لأنه لا ينبغي للإنسان أن يمكن أحداً من أن يلتقط صورة أهله ، بناته و أخواته و غيرهن . بل لا يجوز له هذا لما في ذلك من الفتنة ، و ربما تقع هذه الصورة في أيدي أناس فساق ، يعرضون بناتك على الناس إن كن جميلات صرن فتنة للناس ، و إن كن قبيحات صرن مشتمة للناس .
سئل الشيخ عبد الله بن جبرين
أنا امرأة أسكن مع أهل زوجي و يسكن عنا أخوة زوجي ، و يحصل كثيراً من الأوقات من نظرة فجائية ، فهل يصيبني لفحة من النار أم لا ؟
ملحوظة : تكررت النظرة من أحد أخوة زوجي حتى لاحظتُ أنه يسرق النظر إلي و أنا في بيت الخلاء ، و لقد أخبرتُ زوجي بذلك و لكنه لم يصدق في أخيه ذلك ، فما الحكم في ذلك ؟ و ما هي نصيحتكم لي ؟ و جزاكم الله خيراً .
الجواب :
ورد الحديث أن النبي صلى الله عليه و سلم سُئل عن نظرة الفجأة فقال : [ اصرف بصرك ] أخرجه مسلم .
و معناه : أن النظر إذا وقع على امرأة أجنبية بدون قصد فإنه يصرف بصره في تلك اللحظة و لا يحدق النظر ، و في حديث آخر قال صلى الله عليه و سلم [ لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى و ليست لك الآخرة ] أخرجه أبو داوود .
و بكل حال عليكِ أولاً الحرص على التستر و تغطية الوجه و نحوه عند أخوة الزوج و نحوهم من الأجانب ، و عليك أن تخبري زوجك بنصحهم عن تحديق النظر و عن التحسس للغفلة ، أو إذا رأيت من يتعمد هذا النظر و يظهر منه القصد للغفلة فلابد من الابتعاد عنه حيث فعل ما لا يحل له .
و الله أعلم .
سئل لشيخ عبد العزيز بن باز
هناك من دعاة التمدن من يُجوّز النظر إلى وجه زوجة الأخ ويستدلون ببعض الأدلة ما مدى صحتها وكيف يرى سماحتكم الرد عليها والتصدي لها ؟
الجواب :
زوجة الأخ كغيرها من النساء الأجنبيات لا يحل لأخيه النظر إليها كزوجة العم والخال وتحوهما. ولا يجوز له الخلوة بواحدة منهن كسائر الأجنبيات, وليس لواجدة منهن أن تكشف لأخي زوجها أو عمه أو خاله أو يسافر أو يخلوا بها لعموم قوله سبحانه : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } الآية . و هي عامة لأزواج النبي صلى الله عليه و سلم و غيرهن في أصح قولي أهل العلم
و لقوله سبحانه { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }
و قول الله سبحانه { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ }
و قول النبي صلى الله عليه و سلم [ لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ] متفق عليه ، و قول النبي صلى الله عليه و سلم [ لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ] و لما في كشفها لأخي زوجها و نحوه ، و نظره إلى وجهها من أسباب الفتنة و الوقوع فيما حرم الله .
و هذه الأمور و الله أعلم هي الحكمة في وجوب الحجاب ، و تحريم النظر و الخلوة لأن الوجه هو مجمع المحاسن .
و الله ولي التوفيق .
سئل الشيخ عبد الله بن جبرين
إذا كانت الفتيات متحجبات فهل يجوز لهن النظر إلى من يعلمهن من الرجال لاسيما إذا كان المعلم شابا ًوسيماً ؟
الجواب :
نظر المرأة إلى الرجل إذا كان يُخشى منه الفتنة لا يجوز . لقوله صلى الله عليه و سلم [ أفعمياوان أنتما ] و أما إذا نظرت إليه نظراً عادياً . لاسيما إذا كان كبير السن فهذا أخف مع أمن الفتنة و غض البصر و مع هذا فلا يجوز إلا إذا كانت المرأة من تغض بصرها و لا تحدق النظر خوف الفتنة لكن نظرها إلى الرجال أخف حيث لم يؤمر الرجال أن يتحجبوا إذا دخلوا الأسواق و أمر النساء بغض الطرف و غض البصر { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ }
سئل الشيخ محمد بن عثيمين
هل يؤاخذ المرء على النظر إلى النساء في الحرم مع أنه بغير شهوة و لا تمتع علماً بأن النساء هن اللواتي يجذبن إليهن النظر ؟
الجواب :
الحقيقة أن مشكلة النساء في الحرم مشكلة كبيرة لأن من النساء من يحضرن إلى هذا المكان الذي هو مكان عبادة و خضوع يحضرن على وجه يفتن من لا يُفتن ، فتأتي المرأة متبرجة متطيبة و ربما يبدو من حركاتها أنها تغازل الرجال ، و هذا أمر منكر في غير المسجد الحرام فكيف بالمسجد الحرام ؟! و نصيحتي لمن يسمعنّ و يقرأنّ منهنّ أن يتقين الله تعالى في أنفسهن و أن يحترمن بيت الله عز و جل من وقوع المعاصي فيه ، و على الرجال إذا رأوا امرأة على وجه غير سائغ ، عليهم أن ينصحوها و ينهروها أو يبلغوا عنها من يستطيع منعها و نهرها ، و الناس و لله الحمد فيهم خير .
لكن مع هذا نقول : إن الرجل يجب عليه أن يغض بصره بقدر المستطاع { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ } فعليه أن يغض بصره ما استطاع لاسيما إذا رأى من نفسه تحركاً لتمتع أو لذة ، فإنه يجب عليه الغض أكثر و أكثر ، و الناس في هذا الباب يختلفون اختلافاً كبيراً .
سئل الشيخ عبد الله بن جبرين
أنا من إخوانكم في الله ، و منّ الله علي بالاستقامة و لله الحمد ، و أسكن أنا و أخي في بيت واحد ، و كل منا متزوج ، فهل يجوز أن أصافح زوجة أخي مع حضور المحرم كزوجها أو زوجتي أو أطفالنا ؟ و هل يجوز أن أجلس معها مع حضور المحرم و هي بلباس الرداء المعتاد عندنا و النقاب المعروف عندنا بالبرقع بدون أن تضع على وجهها خماراً ؟ و هل يجوز أن أعلمها أمور الدين مع محارمي و أناقشها في أمور الدين ؟ كذلك هل يجوز أن أسألها عن نواقص في أمور الدين ؟ كذلك هل يجوز أن أسألها عن نواقص البيت ؟ وجهوني جزاكم الله خيراً .
الجواب :
لا يجوز أن تصافح زوجة أخيك فأنت غير محرم لها ، فلا يحل لك لمس امرأة أجنبية و لو كان بحضور زوجها أو أحد محارمها أو نساء غيرها أو أطفال عندكم ، فأما الجلوس معها فلا يجوز مع الخلوة و الانفراد ، و لو كانت متحجبة متسترة ، فإن كان هناك محرم أو نساء زالت الخلوة بشرط التستر الكامل للوجه و البدن أي بالبرقع ضيق الفتحات و الرداء الساتر للبدن كله ، فأما تعليمها و مناقشتها في أمور الدين و سؤالها عن نواقص البيت فيجوز ذلك بشرط التستر الكامل و عدم الخلوة و يكون بكلام معتاد بقدر الحاجة .
و الله أعلم .
سئل الشيخ عبد الله بن جبرين
يعتقد بعض النساء الكبيرات السن أنه يحل للشاب أن يجلس مع زوجة خاله و أنها كخالته ، و يقولون:
" أعقب عمك و لا تعقب خالك " و أحاول إقناعهن بخطأ ذلك ، و أن الآية الموضحة للمحارم واضحة فلا يقتنعن ، فهل تقول لهم شيئاً ؟
الجواب :
لاشك أن زوجة الخال أجنبية من ابن أخته ، تحل له بعد الفراق ؛ و على هذا فيحرم عليها أن تبرز أمامه سافرة ، و حرام عليه الخلوة بها أو النظر إلى عورتها كالوجه و المحاسن فهو لم يُذكر مع جملة المحارم في قوله تعالى { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ }
و هي لم تذكر مع المحرمات في قوله تعالى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } و على هذا فاعتقاد محرميته لها لا أصل له ، فيجب الانتباه لذلك .
سئل الشيخ بن جبرين
امرأة تقبل زوج أختها عند السلام إذا جاء من سفر و لا تصافحه بيدها ، فهل يجوز أم لا ؟ علماً أن زوج واحدة ابن عم لها أما الثانية فليس ابن عمها بل إنه زوج أختها ، أفيدونا جزاكم الله خيراً .
الجواب :
لا يجوز للمرأة أن تقبل غير محارمها ، كزوج أختها أو ابن عمها ، كما لا يحل لها أن تبدي زينتها أمامه ، حيث أنه أجنبي و يجوز أن تسلم عليه و هي متسترة و في غير خلوة و يجب الإنكار على من فعل ذلك ممن رآه و بيان أنه عادة جاهلية أبطلها الإسلام .
سئل الشيخ عبد الله بن جبرين
هل يجوز الصلاة أمام منظر طبيعي ؟ و هل تأثم المرأة إذا صافحت رجلاً و هي ترتدي قفازاً ؟
الجواب :
لا يجوز للمرأة أن تصافح الأجانب منها غير المحارم و لو كانت قد لبست القفاز و صافحت من وراء الكم أو العباءة فكله مصافحة و لو من وراء حائل .
و أما الصلاة المذكورة فلا تجوز إذا كان ذلك المنظر مصوراً و شيئاَ يشغل بال المصلي فإن كان أمراً معتاداً فلا بأس بذلك .
سئل الشيخ محمد بن عثيمين
بعض الناس يقتني صور النساء الأجنبيات و ينظر إليها و يستمتع بذلك بحجة أن هذه صور و ليس حقيقة ، فما حكم الشرع في ذلك ؟
الجواب :
هذا تهاون خطير جداً و ذلك أن الإنسان إذا نظر للمرأة سواء كان ذلك بواسطة وسائل الإعلام المرئية ، أو بواسطة الصحف أو غير ذلك ، فإنه لابد أن يكون من ذلك فتنة على قلب الرجل ، تجره إلى أن يتعمد النظر إلى المرأة مباشرة ، و هذا شيء مشاهد ، و لقد بلغنا أن من الشباب من يقتني صور النساء الجميلات ليتلذذ بالنظر إليهن ، أو يتمتع بالنظر إليهن ، و هذا يدل على عظم الفتنة في مشاهدة هذه الصور ، سواء كانت في مجلات أو في صحف أو في غيرها ، لأن في ذلك فتنة تضره في دينه ، و يتعلق قلبه بالنظر إلى النساء ، فيبقى ينظر إليهن مباشرة .
و الله أعلم .
سئل الشيخ عبد الله بن جبرين
ما حكم قراءة المجلات التي تُظهر صور نساء شبه عاريات و رؤية تلك الصور ؟
الجواب :
ننصح كل مسلم البعد عن الفتن و أسبابها ليحفظ عليه دينه الذي هو عصمة أمره ، و لاشك أن مشاهدة الصور شبه العارية لنساء جميلات من أقوى الدوافع إلى العهر و مقارفة الفواحش ، فإنها تبعث الهمم إلى محاولة الاتصال بأولئك أو بمن يشابههم و بذل كل وسيلة في سبيل الحصول على شيء من ذلك لقوة الدافع .
فالأليق بالمسلم الناصح لنفسه حمايتها و حفظها عن كل ما يقدح بسلوكه
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 380)
ج - الخلوة :
14 - فلا يحلّ للرّجل والمرأة إذا كانا أجنبيّين أن يخلو أحدهما بالآخر ، لما ورد في حديث البخاريّ مرفوعاً « إيّاكم والدّخول على النّساء » وحديثه الآخر « لا يخلونّ رجل بامرأة إلاّ مع ذي محرم »
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 665)
اختلاط
«تّعريف»
1 - الاختلاط ضمّ الشّيء إلى الشّيء ، وقد يمكن التّمييز بينهما كما في الحيوانات ، وقد لا يمكن كما في المائعات فيكون مزجاً.
ولا يخرج استعمال الفقهاء له عن هذا المعنى.
الألفاظ ذات الصّلة :
2 - الامتزاج هو انضمام شيء إلى شيء بحيث لا يمكن التّمييز بينهما ، ويختلف عنه الاختلاط بأنّه أعمّ ؛ لشموله ما يمكن التّمييز فيه وما لا يمكن.
الحكم الإجماليّ :
3 - يختلف الحكم بحسب المسائل الّتي يجري فيها الاختلاط ، فقد يكون أثر الاختلاط هو الحرمة.
وذلك تبعاً لقاعدة : إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام ، كما لو اختلطت المساليخ المذكّاة بمساليخ الميتة دون تمييز ، فإنّه لم يجز تناول شيء منها ، ولا بالتّحرّي إلاّ عند المخمصة.
ويجوز التّحرّي إذا كانت الغلبة للمذكّاة كما يقول الحنفيّة.
وكذلك لو اختلطت زوجته بغيرها فليس له الوطء ولا بالتّحرّي ، ومثل ذلك من طلّق إحدى زوجتيه مبهماً ، يحرم عليه الوطء قبل التّعيين.
وقد يكون أثر الاختلاط هو الاجتهاد والتّحرّي غالباً فالأواني إذا كان بعضها طاهراً وبعضها نجساً ولم تتميّز ، وكذلك الثّياب إذا اختلط الطّاهر بالنّجس فإنّه يتحرّى للطّهارة واللّبس.
وهذا عند الجمهور وبعض الفقهاء يقول عدم التّحرّي وهم الحنابلة إلاّ بعضهم.
وقد يكون أثر الاختلاط هو الضّمان.
ومن ذلك ما إذا خلط المودع الوديعة بماله ولم تتميّز فإنّه يضمن لأنّ الخلط إتلاف.
وقد يعتبر الاختلاط إبطالاً لبعض العقود كالوصيّة ، فمن وصّى بشيء معيّن خلطه بغيره على وجه لا يتميّز منه كان رجوعاً في الوصيّة.
ومن صور الاختلاط :
«اختلاط الرّجال بالنّساء »
4 - يختلف حكم اختلاط الرّجال بالنّساء بحسب موافقته لقواعد الشّريعة أو عدم موافقته ، فيحرم.
الاختلاط إذا كان فيه :
أ - الخلوة بالأجنبيّة ، والنّظر بشهوة إليها.
ب - تبذّل المرأة وعدم احتشامها.
ج - عبث ولهو وملامسة للأبدان كالاختلاط في الأفراح والموالد والأعياد ، فالاختلاط الّذي يكون فيه مثل هذه الأمور حرام ، لمخالفته لقواعد الشّريعة.
قال تعالى : «قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم» .
«وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ» .
وقال تعالى عن النّساء : «ولا يبدين زينتهنّ» وقال : «إذا سألتموهنّ متاعاً فاسألوهنّ من وراء حجاب» .
ويقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « لا يخلونّ رجل بامرأة فإنّ ثالثهما الشّيطان » « وقال صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر يا أسماء إنّ المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلاّ هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفّيه » .
كذلك اتّفق الفقهاء على حرمة لمس الأجنبيّة ، إلاّ إذا كانت عجوزاً لا تشتهى فلا بأس بالمصافحة.
ويقول ابن فرحون : في الأعراس الّتي يمتزج فيها الرّجال والنّساء ، لا تقبل شهادة بعضهم لبعض إذا كان فيه ما حرّمه الشّارع ؛ لأنّ بحضورهنّ هذه المواضع تسقط عدالتهنّ.
ويستثنى من الاختلاط المحرّم ما يقوم به الطّبيب من نظر ولمس ؛ لأنّ ذلك موضع ضرورة ، والضّرورات تبيح المحظورات.
5 - ويجوز الاختلاط إذا كانت هناك حاجة مشروعة مع مراعاة قواعد الشّريعة ولذلك جاز خروج المرأة لصلاة الجماع وصلاة العيد ، وأجاز البعض خروجها لفريضة الحجّ مع رفقة مأمونة من الرّجال.
كذلك يجوز للمرأة معاملة الرّجال ببيع أو شراء أو إجارة أو غير ذلك.
ولقد سئل الإمام مالك عن المرأة العزبة الكبيرة تلجأ إلى الرّجل ، فيقوم لها بحوائجها ، ويناولها الحاجة ، هل ترى ذلك له حسناً ؟ قال : لا بأس به ، وليدخل معه غيره أحبّ إليّ ، ولو تركها النّاس لضاعت ، قال ابن رشد : هذا على ما قال إذا غضّ بصره عمّا لا يحلّ له النّظر إليه.
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 2433)
«هـ- حقّ العمل»
14 - الأصل أنّ وظيفة المرأة الأولى هي إدارة بيتها ورعاية أسرتها وتربية أبنائها وحسن تبعّلها ، يقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « المرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيّتها » .
وهي غير مطالبةٍ بالإنفاق على نفسها ، فنفقتها واجبة على أبيها أو زوجها ، لذلك كان مجال عملها هو البيت ، وعملها في البيت يساوي عمل المجاهدين.
ومع ذلك فالإسلام لا يمنع المرأة من العمل فلها أن تبيع وتشتري ، وأن توكّل غيرها ، ويوكّلها غيرها ، وأن تتاجر بمالها ، وليس لأحدٍ منعها من ذلك ما دامت مراعيةً أحكام الشّرع وآدابه ، ولذلك أبيح لها كشف وجهها وكفّيها ، قال الفقهاء : لأنّ الحاجة تدعو إلى إبراز الوجه للبيع والشّراء ، وإلى إبراز الكفّ للأخذ والإعطاء.
وفي الاختيار : لا ينظر الرّجل إلى الحرّة الأجنبيّة إلاّ إلى الوجه والكفّين. ، لأنّ في ذلك ضرورةً للأخذ والإعطاء ومعرفة وجهها عند المعاملة مع الأجانب ، لإقامة معاشها ومعادها لعدم من يقوم بأسباب معاشها.
والنّصوص الدّالّة على جواز عمل المرأة كثيرة ، والّذي يمكن استخلاصه منها ، أنّ للمرأة الحقّ في العمل بشرط إذن الزّوج للخروج ، إن استدعى عملها الخروج وكانت ذات زوجٍ ، ويسقط حقّه في الإذن إذا امتنع عن الإنفاق عليها.
جاء في نهاية المحتاج : إذا أعسر الزّوج بالنّفقة وتحقّق الإعسار فالأظهر إمهاله ثلاثة أيّامٍ ، ولها الفسخ صبيحة الرّابع ، وللزّوجة - وإن كانت غنيّةً - الخروج زمن المهلة نهاراً لتحصيل النّفقة بنحو كسبٍ ، وليس له منعها لأنّ المنع في مقابل النّفقة.
وفي منتهى الإرادات : إذا أعسر الزّوج بالنّفقة خيّرت الزّوجة بين الفسخ وبين المقام معه مع منع نفسها ، فإن لم تمنع نفسها منه ومكّنته من الاستمتاع بها فلا يمنعها تكسّباً ، ولا يحبسها مع عسرته إذا لم تفسخ لأنّه إضرار بها وسواء كانت غنيّةً أو فقيرةً ، لأنّه إنّما يملك حبسها إذا كفاها المئونة وأغناها عمّا لا بدّ لها منه.
وكذلك إذا كان العمل من فروض الكفايات.
جاء في فتح القدير : إن كانت المرأة قابلةً ، أو كان لها حقّ على آخر ، أو لآخر عليها حقّ تخرج بالإذن وبغير الإذن ، ومثل ذلك في حاشية سعدي جلبي عن مجموع النّوازل.
إلاّ أنّ ابن عابدين بعد أن نقل ما في الفتح قال : وفي البحر عن الخانيّة تقييد خروجها بالإذن ، لأنّ حقّه مقدّم على فرض الكفاية.
هذا ، وإذا كان لها مال فلها أن تتاجر به مع غيرها ، كأن تشاركه أو تدفعه مضاربةً دون إذنٍ من أحدٍ.
جاء في جواهر الإكليل : قراض الزّوجة أي دفعها مالاً لمن يتّجر فيه ببعض ربحه ، فلا يحجر عليها فيه اتّفاقاً ، لأنّه من التّجارة.
15 - ثمّ إنّها لو عملت مع الزّوج كان كسبها لها.
جاء في الفتاوى البزّازيّة : أفتى القاضي الإمام في زوجين سعيا وحصّلا أموالاً أنّها له ، لأنّها معينة له ، إلاّ إذا كان لها كسب على حدةٍ فلها ذلك.
وفي الفتاوى : امرأة معلّمة ، يعينها الزّوج أحياناً فالحاصل لها ، وفي التقاط السّنبلة إذا التقطا فهو بينهما أنصافاً.
كما أنّ للأب أن يوجّه ابنته للعمل : جاء في حاشية ابن عابدين : للأب أن يدفع ابنته لامرأةٍ تعلّمها حرفةً كتطريزٍ وخياطةٍ.
وإذا عملت المرأة فيجب أن يكون في حدودٍ لا تتنافى مع ما يجب من صيانة العرض والعفاف والشّرف.
ويمكن تحديد ذلك بما يأتي :
- 1 - ألاّ يكون العمل معصيةً كالغناء واللّهو ، وألاّ يكون معيباً مزرياً تعيّر به أسرتها.
جاء في البدائع والفتاوى الهنديّة : إذا آجرت المرأة نفسها بما يعاب به كان لأهلها أن يخرجوها من تلك الإجارة ، وفي المثل السّائر : تجوع الحرّة ولا تأكل بثدييها ، وعن محمّدٍ رحمه الله تعالى في امرأةٍ نائحةٍ أو صاحب طبلٍ أو مزمارٍ اكتسب مالاً فهو معصية.
- 2 - ألاّ يكون عملها ممّا يكون فيه خلوة بأجنبيٍّ.
جاء في البدائع : كره أبو حنيفة استخدام المرأة والاختلاء بها ، لما قد يؤدّي إلى الفتنة ، وهو قول أبي يوسف ومحمّدٍ ، أمّا الخلوة ، فلأنّ الخلوة بالأجنبيّة معصية ، وأمّا الاستخدام ، فلأنّه لا يؤمن معه الاطّلاع عليها والوقوع في المعصية.
وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « لا يخلونّ رجل بامرأةٍ إلاّ كان الشّيطان ثالثهما » ولأنّه لا يؤمن مع الخلوة مواقعة المحظور.
- 3 - ألاّ تخرج لعملها متبرّجةً متزيّنةً بما يثير الفتنة ، قال ابن عابدين : وحيث أبحنا لها الخروج فإنّما يباح بشرط عدم الزّينة وتغيير الهيئة إلى ما يكون داعيةً لنظر الرّجال والاستمالة ، قال اللّه تعالى : «ولا تَبرَّجْنَ تبرّجَ الجاهليّةِ الأولى» وقال تعالى : «ولا يُبْدِينَ زينَتَهنّ إلاّ ما ظهرَ منها» ، وفي الحديث : « الرّافلةُ في الزّينة في غير أهلها كمثل ظلمة يوم القيامة لا نور لها » .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 2441)
« ر : خلوة » .
قال أبو حنيفة : أكره أن يستأجر الرّجل امرأةً حرّةً يستخدمها ويخلو بها ، لأنّ الخلوة بالمرأة الأجنبيّة معصية.
وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « لا يخلونّ رجل بامرأةٍ إلاّ كان الشّيطان ثالثهما » .
ويمنع الاختلاط المريب بين الرّجال والنّساء على ما سبق تفصيله في مصطلح « اختلاط »
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 4297)
«نظر الطّبيب إلى العورة»
4 - اتّفق الفقهاء على جواز نظر الطّبيب إلى العورة ولمسها للتّداوي.
ويكون نظره إلى موضع المرض بقدر الضّرورة.
إذ الضّرورات تقدّم بقدرها.
فلا يكشف إلا موضع الحاجة ، مع غضّ بصره ما استطاع إلّا عن موضع الدّاء.
وينبغي قبل ذلك أن يعلّم امرأة تداوي النّساء ، لأنّ نظر الجنس إلى الجنس أخفّ.
وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى : أنّه إذا كان الطّبيب أجنبيّاً عن المريضة فلا بدّ من حضور ما يؤمن معه وقوع محظور.
لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « ألا لا يخلونّ رجل بامرأة إلّا كان ثالثهما الشّيطان » .
واشترط الشّافعيّة عدم وجود امرأة تحسن التّطبيب إذا كان المريض امرأة ، ولو كانت المرأة المداوية كافرة ، وعدم وجود رجل يحسن ذلك إذا كان المريض رجلا.
كما شرطوا أن لا يكون غير أمين مع وجود أمين ، ولا ذمّيّا مع وجود مسلم ، أو ذمّيّة مع وجود مسلمة.
قال البلقينيّ : يقدّم في علاج المرأة مسلمة ، فصبيّ مسلم غير مراهق ، فمراهق ، فكافر غير مراهق ، فمراهق ، فامرأة كافرة ، فمحرم مسلم ، فمحرم كافر ، فأجنبيّ مسلم ، فكافر.
واعترض ابن حجر الهيثميّ على تقديم الكافرة على المحرم.
وقال : والّذي يتّجه تقديم نحو محرم مطلقا على كافرة ، لنظره ما لا تنظر هي.
ونصّ الشّافعيّة كذلك على تقديم الأمهر مطلقا ولو من غير الجنس والدّين على غيره.
ونصّوا على أنّه إن وجد من لا يرضى إلّا بأكثر من أجرة المثل فإنّه يكون كالعدم حينئذ حتّى لو وجد كافر يرضى بدونها ومسلم لا يرضى إلّا بها احتمل أنّ المسلم كالعدم.
وصرّح المالكيّة بأنّه لا يجوز النّظر إلى فرج المرأة إلّا إذا كان لا يتوصّل إلى معرفة ذلك إلا برؤيته بنفسه.
أمّا لو كان الطّبيب يكتفي برؤية النّساء لفرج المريضة فلا يجوز له النّظر إليه.
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 6740)
«الخلوة بالمخطوبة»
33 - لا يجوز خلوة الخاطب بالمخطوبة للنّظر ولا لغيره لأنّها محرّمة ولم يرد الشّرع بغير النّظر فبقيت على التّحريم ، ولأنّه لا يؤمن من الخلوة الوقوع في المحظور.
فإنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « ألا لا يخلونّ رجل بامرأة إلاّ كان ثالثهما الشّيطان » .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 6819)
«الخلوة بالأجنبيّة»
6 - الأجنبيّة : هي من ليست زوجةً ولا محرماً ، والمحرم من يحرم نكاحها على التّأبيد ، إمّا بالقرابة ، أو الرّضاعة ، أو المصاهرة ، ويحرم على الرّجل الخلوة بها ،والأصل في ذلك، قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « لا يخلونّ رجل بامرأة إلاّ مع ذي محرم » .
وقد اتّفق الفقهاء على أنّ الخلوة بالأجنبيّة محرّمة.
وقالوا : لا يخلونّ رجل بامرأة ليست منه بمحرّم ، ولا زوجة ، بل أجنبيّة ، لأنّ الشّيطان يوسوس لهما في الخلوة بفعل ما لا يحلّ، قال صلى الله عليه وسلم : « لا يخلونّ رجل بامرأة إلاّ كان ثالثهما الشّيطان » .
وقالوا : إن أمّ بأجنبيّة وخلا بها ، حرم ذلك عليه وعليها.
وقال الحنفيّة : الخلوة بالأجنبيّة حرام إلاّ لملازمة مديونة هربت ، ودخلت خربةً.
«الخلوة بالأجنبيّة مع وجود غيرها معها»
7 - اختلف الفقهاء في حكم خلوة الرّجل بالأجنبيّة مع وجود أكثر من واحدة ، وكذا خلوة عدد من الرّجال بامرأة ، ففصّل الشّافعيّة الحكم في ذلك ، فقال إمام الحرمين : كما يحرم على الرّجل أن يخلو بامرأة واحدة ، كذلك يحرم عليه أن يخلو بنسوة ، ولو خلا رجل بنسوة ، وهو محرم إحداهنّ جاز ، وكذلك إذا خلت امرأة برجال ، وأحدهم محرم لها جاز ، ولو خلا عشرون رجلاً بعشرين امرأةً ، وإحداهنّ محرم لأحدهم جاز ، قال : وقد نصّ الشّافعيّ على أنّه لا يجوز للرّجل أن يصلّي بنساء منفردات ، إلاّ أن تكون إحداهنّ محرماً له.
وحكى صاحب العدّة عن القفّال مثل الّذي ذكره إمام الحرمين ، وحكى فيه نصّ الشّافعيّ في تحريم خلوة الرّجل بنسوة منفرداً بهنّ.
وقد ذكر صاحب المجموع بعد إيراد الأقوال السّابقة أنّ المشهور جواز خلوة رجل بنسوة لا محرم له فيهنّ ، لعدم المفسدة غالباً ، لأنّ النّساء يستحيين من بعضهنّ بعضاً في ذلك.
وفي حاشية الجمل : يجوز خلوة رجل بامرأتين ثقتين يحتشمهما وهو المعتمد.
أمّا خلوة رجال بامرأة ، فإن حالت العادة دون تواطئهم على وقوع فاحشة بها ، كانت خلوةً جائزةً ، وإلاّ فلا.
وفي المجموع : إن خلا رجلان أو رجال بامرأة فالمشهور تحريمه ، لأنّه قد يقع اتّفاق رجال على فاحشة بامرأة ، وقيل : إن كانوا ممّن تبعد مواطأتهم على الفاحشة جاز.
أمّا الحنفيّة فتنتفي عندهم حرمة الخلوة بوجود امرأة ثقة ، وهذا يفيد جواز الخلوة بأكثر من امرأة ، فقد ذكر ابن عابدين ، أنّ الخلوة المحرّمة بالأجنبيّة تنتفي بالحائل ، وبوجود محرم للرّجل معهما ، أو امرأة ثقة قادرة.
وعند المالكيّة تكره صلاة رجل بين نساء أي بين صفوف النّساء ، وكذا محاذاته لهنّ بأن تكون امرأة عن يمينه وأخرى عن يساره ، ويقال مثل ذلك في امرأة بين رجال ، وظاهره ، وإن كنّ محارم.
وعند الحنابلة تحرم خلوة الرّجل مع عدد من النّساء أو العكس كأن يخلو عدد من الرّجال بامرأة.
«الخلوة بالمخطوبة»
8 - المخطوبة تعتبر أجنبيّةً من خاطبها ، فتحرم الخلوة بها كغيرها من الأجنبيّات ، وهذا باتّفاق.
«الخلوة بالأجنبيّة للعلاج»
9 - تحرم الخلوة بأجنبيّة ولو لضرورة علاج إلاّ مع حضور محرم لها ، أو زوج ، أو امرأة ثقة على الرّاجح ، لأنّ الخلوة بها مع وجود هؤلاء يمنع وقوع المحظور ، وهذا عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة.
انظر مصطلح : « ضرورة » .
«إجابة الوليمة مع الخلوة»
10 - تجب إجابة الدّعوة إلى الوليمة ، أو تسنّ ، إذا لم يترتّب على الإجابة خلوة محرّمة ، وإلاّ حرمت ، كما جاء عن الشّافعيّة والحنابلة وهو المفهوم من كلام المالكيّة.
« ر : وليمة » .
«الخلوة بالأمرد»
11 - تحرم الخلوة بالأمرد إن كان صبيحاً ، وخيفت الفتنة ، حتّى رأى الشّافعيّة حرمة خلوة الأمرد بالأمرد وإن تعدّد ، أو خلوة الرّجل بالأمرد وإن تعدّد ، فإن لم تكن هناك ريبة فلا تحرم ، كشارع ومسجد مطروق.
انظر مصطلح : « أمرد » .
«الخلوة بالمحارم»
12 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يجوز خلوة الرّجل بالمحارم من النّساء.
ونصّ الحنفيّة على أنّه يجوز أن يسافر بها ، ويخلو بها - يعني بمحارمه - إذا أمن على نفسه ، فإن علم أنّه يشتهيها أو تشتهيه إن سافر بها أو خلا بها ، أو كان أكبر رأيه ذلك أو شكّ فلا يباح.
وممّا يدخل في حكم الخلوة بالمحارم الخلوة بالمطلّقة طلاقاً رجعيّاً ، مع اختلاف الفقهاء في اعتبار هذه الخلوة رجعةً أم لا ، على ما سيأتي بيانه ، أمّا المطلّقة طلاقاً بائناً فهي كالأجنبيّة في الحكم.
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 10622)
6 - يرى جمهور الفقهاء أنّه لا يجوز أن يخلو رجل بامرأة أجنبيّة ، لأنّ الشّيطان يكون ثالثهما ، يوسوس لهما في الخلوة بفعل ما لا يحلّ ، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « لا يخلونّ رجل بامرأة إلاّ كان ثالثهما الشّيطان » ولفظ الرّجل في الحديث يتناول الشّيخ والشّابّ ، كما أنّ لفظ المرأة يتناول الشّابّة والمتجالّة .
وذهب بعض الحنفيّة إلى جواز الخلوة بالعجوز الشّوهاء ، نقل ابن عابدين : العجوز الشّوهاء والشّيخ الّذي لا يجامع مثله بمنزلة المحارم .
وأجاز الشّاذليّ من المالكيّة خلوة الشّيخ الهرم بالمرأة شابّةً أو متجالّةً وخلوة الشّابّ بالمتجالّة .
وضابط الخلوة اجتماع لا تؤمن معه الرّيبة عادةً ، بخلاف ما لو قطع بانتفائها عادةً ، فلا يعدّ خلوةً .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 13314)
«سفر المرأة بدون محرمٍ»
«أ - سفر المرأة لغير الفرض بدون محرمٍ»
14 - ذهب الفقهاء إلى أنّه ليس للمرأة أن تسافر لغير الفرض كحجّ التّطوع والزّيارة والتّجارة والسّيّاحة وطلب العلم , ونحو هذا من الأسفار الّتي ليست واجبةً إلا مع زوجٍ أو محرمٍ .
قال النّووي : اتّفق العلماء على أنّه ليس لها أن تخرج في غير الحجّ والعمرة إلا مع ذي محرمٍ , إلا الهجرة من دار الحرب , فاتّفقوا على أنّ عليها أن تهاجر منها إلى دار الإسلام وإن لم يكن معها محرم , والفرق بينهما أنّ إقامتها في دار الكفر حرام إذا لم تستطع إظهار الدّين وتخشى على دينها ونفسها , وليس كذلك التّأخر عن الحجّ فإنّهم اختلفوا في الحجّ هل هو على الفور أم على التّراخي .
ومستند ذلك ما وردّ عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « لا يخلونّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرمٍ , ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرمٍ , فقام رجل فقال : يا رسول اللّه إنّ امرأتي خرجت حاجّةً , وإنّي اكتتبت في غزوة كذا وكذا ، قال : فانطلق فحجّ مع امرأتك » .
ولفظ المرأة عام بالنّسبة إلى سائر النّساء , هذا ما اتّفق عليه الجمهور .
واستثنى بعض المالكيّة المتجالّة أي العجوز الّتي لا تشتهى فلها أن تسافر كيف شاءت . وللتّفصيل : « ر : سفر ف 17 » .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 72 / ص 4)
ثالثا نفي المرأة
17- اختلف الفقهاء في نفي المرأة بالتغريب .
41 129 فقال الشافعية في الأصح عندهم ، والحنابلة ، واللخمي من المالكية لا تنفى المرأة الزانية ، وقاطعة الطريق وحدها ، بل تغرب مع زوج أو محرم ، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( لا يخلون رجل بامرأة ، ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم " . فقام رجل فقال يا رسول الله اكتتبت في غزوة كذا وكذا ، وخرجت امرأتي حاجة قال "اذهب فاحجج مع امرأتك )
ولحديث ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها ) ولأن القصد تأديب الزانية بالجلد والنفي ، فإذا خرجت وحدها هتكت جلباب الحياء .
ومقابل الأصح عند الشافعية تغرب وحدها لأنها سفر واجب عليها فأشبه سفر الهجرة ، لكن هذا إذا كان الطريق آمنا ، والأصح أنه يكتفي مع الأمن بامرأة واحدة ثقة .
وقال الحنابلة إن لم يكن لها محرم غربت مع نساء ثقات ، قالوا ويحتمل أن يسقط النفي كما يسقط سفر الحج إذا لم يكن لها محرم ، فإن تغريبها إغراء لها بالفجور وتعريض لها للفتنة .
وقال الشافعية - على الأصح - والحنابلة إذا رفض الزوج أو المحرم الخروج إلا بأجرة لزمها دفع الأجرة من مالها إذا كان لها مال ، لأنها مما يتم بها الواجب ، ولأنها من مؤن سفرها .
ومقابل الأصح عند الشافعية ، وهو احتمال عند الحنابلة أن الأجرة تكون من بيت المال ، سواء كان لها مال أو لا .
وإن رفض الزوج أو المحرم الخروج ولو بأجرة ، قال الحنابلة لم يجبر على الخروج ، وهو الأصح عند الشافعية ، لأن فيه تغريب من لم يذنب ، ولا يأثم بامتناعه .
قال الشافعية وعلى القول الأصح يؤخر التغريب إلى أن يتيسر .
وقال الحنابلة تغرب وحدها مع نسوة ثقات لأنه لا سبيل إلى تأخيره ، فأشبه سفر الهجرة والحج إذا مات محرمها في الطريق .
وهو قول الروياني من الشافعية ويحتاط الإمام في ذلك .
41 130 ومقابل الأصح عند الشافعية يجبر الزوج أو المحرم على الخروج للحاجة إليه في إقامة الواجب .
وقال الحنفية لا تغرب المرأة في حد الزنا أو الحرابة أو التعزير ، وإنما عقوبتها الحبس .
وقال المالكية إنه لا تغريب على المرأة مطلقا ، ولو مع محرم ، أو زوج ، ولو رضيت بذلك على المعتمد في المذهب ، وقالوا إن المرأة تعتبر من قطاع الطريق وتطبق عليها عقوبات الحرابة ، ولكنها لا تغرب .
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 3 / ص 450)
البقاء بين ظهراني الكفار
المجيب أ.د. سعود بن عبدالله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
العقائد والمذاهب الفكرية/الولاء والبراء
التاريخ 15/12/1423هـ
السؤال
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته.
نحن جماعة من الإخوة كتب الله - عز وجل - لنا أن نتغرب عن أوطاننا الإسلامية لنعيش في ديار الكفر. وقد اختلفت أسباب مجيئ كل واحد منا, فمنا المضطر ومنا غير ذلك. فهل تجوز لنا الإقامة والبقاء في هذه الديار بحجة حرية التدين وإقامة الشعائر والدعوة إلى الله؟ -مع العلم أن غالبية الإخوة لا هم لهم إلا الدنيا -، عكس ما يقابل ذلك في أوطاننا من قهر واستبداد وتضييق على الدعوة وكلمة الحق. وكثرة الفساد والفجور وضيق المعيشة (السكن ومصادر تحصيل الرزق)؟؟ وهل إظهار الشعائر في ديار الكفر معناه إظهار العداوة والبغضاء لهم؟ كما جاء في القرآن: "قد بدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا..." أم أن له معنى آخر ؟؟
البعض من الإخوة هنا يعتمدون في مصدر رزقهم على منحة حكومية (الضمان الاجتماعي) مصدرها الضرائب المختلفة، على جميع الأنشطة الاقتصادية الحلال منها والحرام، هذه المنحة تقدم للعاطلين عن العمل حتى يجدوا مصدر رزق. فهل يجوز لمن يتقاضاها أن يشتغل في الخفاء دون أن يصرح للسلطات للحفاظ عليها ويكتب مع الإمضاء في وثيقة طلب المنحة أنه لا عمل له ولا دخل مادي وهذا يتكرر كل مرة يطلبها؟؟ أو أن يصرح بدخل غير صحيح للحصول على جزء منها؟؟ أو أن يصرح ويملأ وثائق بذلك مع وجود شاهدين يشهدان أنه وزوجته يعيشان منفصلين عن بعضهما (ليس بمعنى الطلاق) من أجل حصول الزوجة والأولاد على المنحة لأنهم يفقدونها في حال حصوله على عمل وهو يعيلهم؟؟ ما حكم الاشتغال كسائق لسيارة الأجرة (التاكسي) ونقل الناس من مكان لآخر ولو كان محرما (مخمرة, لهو, قمار...) وركوب النساء معه دون محرم....أفتونا مأجورين بشيء من التوسعة وبارك الله فيكم وسدد خطاكم.
الجواب
من ضيق عليه في معيشته أو دينه في بلده ولم يجد بلدة من بلاد المسلمين تأويه فرحل إلى بلاد الكفار فأقام بها طلباً للعيش والأمان فلا شيء عليه إن شاء الله في إقامته بين ظهراني الكفار، ما دام يقيم شعائر دينه، نتيجة حرية التدين في تلك البلاد، إن كان يستطيع فيها أن يظهر شعائر دينه الاعتقادية والتعبدية - دون منع أو اضطهاد - وشعائر الدين هي: أركان الإسلام وأركان الإيمان، وإظهار المسلم لشعائره التعبدية والعقدية في بلاد الكفار هو إظهار للعداوة والبغضاء والكفر بهم وبما يعبدون من دونه كما في قوله - تعالى -: "قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ" الآية، [الممتحنة:4] وهؤلاء الصنف من الكفار هم الذين أعلنوا الحرب على المؤمنين دون غيرهم من المعاهدين المسالمين الذين أباح الله للمؤمنين أن يبروا بهم ويعدلوا فيهم"لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" [الممتحنة:8] وعداوة المسلم للكافر وبغضه لا تستلزم ظلمه، ولا إنكار المنكر الذي هو عليه باليد أو القوة، لأن ذلك ليس إليه، وقد تترتب عليه، مفسدة عظمى.
وما تصرفه الدولة (الكافرة) منحة للعاطلين عن العمل حتى يجدوا مصدر رزق يدر عليهم ما يسد حاجتهم أخذه حلال للآخذ، ولو كان غالب مصدره الحرام، وقبول المسلم منحة وهدية الكافر جائزة إذا كانت غير مشروطة بحرام.
ولا يجوز لمن يتقاضى هذه المنحة أن يخفي على الدولة ما وجده من عمل - إذا كان هذا العمل يدر عليه ما يكفيه، أما إذا كان هذا العمل لا يدر عليه ما يكفيه فلا بأس عليه حينئذ ولا يجوز له أن يدلي بمعلومات ناقصة أو مغلوطة أو وثائق مكذوبة، أنه وزوجته يعيشان منفصلين من أجل حصول الزوجة والأولاد على هذه المنحة، لأن هذا من الحيل المحرمة والكذب الحرام، فإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار، كما جاء في الحديث الصحيح أما اشتغال المسلم في ديار الغرب كسائق سيارة أجرة ينقل الناس من مكان لآخر، وقد تكون هذه الأمكنة محرمة يزاول فيها الحرام، فلا ينبغي للمسلم الاشتغال بهذه المهنة إذا كان له مندوحة عنها، وإن كان مضطرا ًلذلك فلا بأس عليه - إن شاء الله - بشرط أن ينكر ذلك بقلبه على الأقل.
أما ركوب النساء مع السائق دون محرم داخل البلد أو خارجه فحرام إذا كانت بمفردها مع السائق الأجنبي أما إذا كانت النساء اثنتان فأكثر فجائز لعدم تحقق الخلوة كما في الحديث المتفق عليه "لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم" البخاري (5233) ومسلم
(1341) وفي الحديث الآخر "لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما" أحمد (114) والترمذي (2165) والنسائي في الكبرى (9175). وفقنا الله وإياكم للخير آمين.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 11 / ص 329)
حديث الرجل مع مطلقته
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ الطلاق /مسائل متفرقة
التاريخ 18/3/1424هـ
السؤال
رجل مسلم لا نتهمه في دينه طلق زوجته طلقتين صحيحتين، ثم انتهت عدتها، ثم أخبرها أنه يرغب في الزواج منها مرة أخرى، ولكنه لا يستطيع وعدها بذلك، ولكنه يترك ذلك لأقدار الله، هل يجوز له الاطمئنان عليها عبر الهاتف أو السؤال عنها حين مرضها عبر الهاتف؟ أيضا إذا كان يراعي حدود الله في مكالمته وهي كذلك، وهل يجوز له أن يشتري لها بعض حاجتها ويعطيها إياها ويسأل عن حالها من وراء حجاب؟ أفتونا مأجورين وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
لا بأس بمحادثة الرجل مطلقته بعد خروجها من عدتها فيما أباحه الله -تعالى- والاطمئنان على صحتها عند مرضها، وكذا الإحسان إليها، ووصلها من غير خلوة بها؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم-: "لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم" رواه البخاري (4935) ومسلم (1341) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: "لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان"، رواه أحمد (1/26)، والترمذي (2165)، وابن حبان
(5586)، من حديث عمر -رضي الله عنه-، والله -تعالى- أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 12 / ص 238)
حدود غض البصر
المجيب سعد بن عبد العزيز الشويرخ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ قضايا المرأة /لباس المرأة وحجابها وعورتها
التاريخ 25/08/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل من غض البصر ألا أنظر إلى زميلاتي في العمل في أثناء الحديث معهن وجهًا لوجه، وكذا الحال مع النساء من غض أبصارهن ألا ينظرن وجهًا لوجه مع الرجال الذين يعملون معهن في نفس المكان؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
وجه المرأة عورة يحرم النظر إليه، وقد قال الله عز وجل: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا
مِنْ أَبْصَارِهِم)ْ [النور: 30]. وجاء في حديث عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، عند الترمذي (1173) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المرأةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَت اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ". فقوله صلى الله عليه وسلم: "المرأةُ عورةٌ". يشمل الوجه، والوجه هو محل الزينة والفتنة عند المرأة، ولذا جاءت النصوص بأمر النساء بتغطية الوجه، فقال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ([الأحزاب:59].
وكذلك يحرم الخلوة بالمرأة في العمل وفي غيره؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بامْرَأَةٍ إلَّا كان الشَّيطانُ ثَالِثَهُمَا". أخرجه أحمد (115) والترمذي (2165)، ولأن الخلوة بالمرأة ذريعة إلى حصول مفاسد عظيمة، فالواجب عند العمل أن يكون الرجال في مكان والنساء في مكان آخر، وألا يكون هناك اختلاط بينهم؛ لما يترتب على هذا الاختلاط من مفاسد عظيمة، وللأسف فإن هذا الأمر قد عمت به البلوى في كثير من أقطار المسلمين، ولذا كثر الفساد بينهم وصار الرجال يعملون مع النساء، وهذا مخالف لأحكام الشريعة. والله أعلم.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 12 / ص 282)
سفر المرأة لطلب العلم
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ قضايا المرأة /سفر المرأة
التاريخ 9/3/1424هـ
السؤال
شيخنا الجليل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نرجو منكم الإجابة على السؤال الآتي للأهمية الشديدة وهو:
نحن معهد لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها من المسلمين، ومعهدنا في إحدى الدول العربية، ويأتي إلينا طالبات يدرسن على مدرسات عندنا، وهؤلاء الطالبات بعضهن يأتين من بلاد بعيدة من أوروبا وغيرها من غير محرم، فهل يجوز لهن ذلك لطلب العلم الغير موجود في بلادهن؟ وإذا كان لا يجوز فهل يجوز لنا قبول الطالبات اللاتي أتين وحدهن دون استقدام منا والبحث لهن عن مسكن وقبولهن في المعهد؟
وإذا كان المحرم شرطاً لسفرهن فهل تشترط استدامته، أم يكفي أن يوصلهن إلى البلد فقط؟
وأخيراً فهل يجوز قبول الطالبات الكافرات اللاتي أتين بدون محرم؟ نرجو منكم الإجابة على هذه التساؤلات بالتفصيل مع سرد الأدلة، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فلا يجوز للمرأة أن تسافر مسافة قصر بلا مَحْرَم؛ لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول - وهو يخطب - : "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم" فقام رجل فقال: إن امرأتي خرجتْ حاجّة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، فقال: "انطلق فحج مع امرأتك" متفق عليه. البخاري (3006)، ومسلم (1341).
واشتراط المحرم إنما هو في أثناء السفر، فإذا وصلت المرأة إلى البلد فلها أن تسكن مع نساء ثقات، تأمن بسكنها معهن من الفتنة.
وإذا سافرت المرأة من غير محرم فإنما الإثم عليها، وليس على المسؤولين في المعهد إثم فيما فعلته (من سفرها بغير محرم) ولا بقبولها في المعهد، وقد قال سبحانه: "ولا تزِر وازرة وزر أخرى" [الإسراء: 15]، بل إن المصلحة في قبولها وإسكانها مع نساء ثقات في مجمعٍ يُشرف المعهد على مراقبته وحفظه؛ لأن المنكر (وهو سفرها من غير محرم) قد وقع وانتهى، وفي رفض المعهد لقبولها مفسدة أكبر، فقد تسكن المرأة في سكن مختلط لا يتوفر فيه ما يتوفر في سكن المعهد من الرقابة والحفظ والصيانة.
أما إذا كانت المرأة لا تجد لها محرماً يسافر بها، أو وجدته ولكنه لا يستطيع السفر معها، مع مسيس حاجتها إلى تعلم اللغة العربية التي لا يتوافر لها تعلمها إلا في ذلك البلد البعيد، فأرجو ألاّ بأس أن تسافر بغير محرم، ولكن بشرط أن تكون برفقة نساء ثقات، وأن يكون زمن رحلة السفر لا يبلغ يوماً وليلة، كما هو شأن السفر بالطائرات.
ويتوجّه الأخذ بهذا القول للمرأة التي تقيم في بلاد كافرة، فليس سفرها من غير محرم ـ لا سيما بالطائرة ـ بأخطر عليها من إقامتها في مجتمع يعج بالاختلاط ومظاهر الفتنة والفاحشة، فالمرأة التي تستطيع أن تتعفف عن الفاحشة والاختلاط والتبرج في ذلك المجتمع الجاهلي الكافر مع عدم مرافقة محرمها لها، لهي أقدر على التعفف وصيانة عرضها وكرامتها في جو السماء ساعات معدودات تحت نظر الناس وسمعهم وفي رفقتهم.
وعلى القائمين على المعهد أن يتعاهدوا أخواتهم المؤمنات المغتربات بالحفظ وصيانة أعراضهن، وأن يمنعوا عنهن ذرائع الفتنة ودواعي الفاحشة، وأن يغتنموا إقامتهن بتعليمهن أحكام دينهن ووعظهن، وتربيتهن على أخلاق الإسلام وآدابه؛ فإنهن أمانة في أعناقهم. وقد استرعاهم الله عليهن، وقد جاء في الحديث "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته...". رواه البخاري (5200)، ومسلم (1829).
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 12 / ص 284)
سفر المرأة للسياحة بلا محرم
المجيب د. أحمد بن محمد الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإٌسلامية
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ قضايا المرأة /سفر المرأة
التاريخ 9/10/1424هـ
السؤال
أنا فتاة أسافر إلى أوروبا خلال الصيف بنية الاصطياف والاستجمام وبدون محرم، (ولكن مع صحبة ثقات)، فهل يجوز لي الجمع والقصر في الصلاة؟ علما أنني أقضي الإجازة في أكثر من بلد، بحيث تتعدى فترة إقامتي في كل بلد سبعة أيام متواصلة . وما الحكم لو سافرت بدون محرم أو صحبة ثقات مع أنني أحافظ على نفسي ولله الحمد؟ وجزاكم الله خيرا .
الجواب
أمر الشارع الحكيم المرأة إذا أرادت أن تسافر أن يكون معها محرمها، فقد روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها". متفق عليه البخاري(1088)، ومسلم(1338).
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم" متفق عليه البخاري(3006)، ومسلم(1341).
وفي وجود المحرم مع المرأة مصالح كثيرة فهو يدفع عنها كثيراً من الشرور ويرد عنها ذئاب البشر، ويحفظها بإذن الله من أخطار الطريق، ولا ينبغي للمرأة أن تتعلل بوجود صحبة ثقات، أو وجود الأمن في وسائل السفر الحديثة؛ لأن هذه الأمور ليست مطردة، فقد يحصل للمرأة من العوارض ما تحتاج معه إلى من يرعاها ويكون قريباً منها ويعتني بها، ثم إن المرأة إذا لم يكن معها محرم يطمع بها أهل الشر، وتكون وسائل السفر الآمنة أمثل وسيلة للقرب منها والتحرش بها، وبخاصة في مثل هذه الأسفار الطويلة إلى غير البلاد الإسلامية.
وهنا أمر آخر وهو أن السائلة تقول: (أسافر إلى أوروبا خلال الصيف بنية الاصطياف والاستجمام).
فهي تذكر أن الغرض من سفرها هو الاصطياف والاستجام، ومن المعلوم أن السفر إلى غير البلاد الإسلامية لا يجوز إلا عند الضرورة أو الحاجة التي تدعو إلى ذلك، كأن يطلب علاجاً أو يدرس علماً لا يوجد في بلاد المسلمين، أو يدعو إلى الله تعالى، أو يشتغل بالتجارة ونحو ذلك، مع اشتراط وجود علم يعصمه من الوقوع في الشبهات، ودين يعصمه من الوقوع في الشهوات، وعلى هذا فليس الاصطياف والاستجمام من الأمور الضرورية أو الحاجية التي تسوغ الذهاب إلى هذه البلاد، بل إن السفر لهذا الغرض يوقع في كثير من المفاسد، ليس أقلها التهاون بالحجاب واعتياد رؤية المنكرات وغشيان منتديات الفساد وإضاعة الأوقات، ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن المسافر سفر معصية لا يجوز له أن يترخص برخص السفر ومنها القصر والجمع، لأن سفر المعصية لا تستباح به الرخص، وهذا الرأي وإن كان له وجاهته إلا أن الأرجح فيما يظهر لي هو خلاف هذا، فيجوز للمسافر سفر معصية أن يترخص برخص السفر مع تحمله لإثم هذا السفر المحرم، وبناء على هذا فإذا كانت السائلة تمكث في البلد مدة أربعة أيام فأقل فيجوز لها القصر، وكذلك الجمع عند الحاجة إليه ، وأما إذا كانت الإقامة أكثر من أربعة أيام فليس لها القصر أو الجمع لدخولها في حد الإقامة حينئذ، مع نصيحتي للسائلة أن تستعيض عن السفر إلى بلاد الكفر بالسفر إلى البلاد الإسلامية البعيدة عن الفساد مع التزام الضوابط الشرعية لسفر المرأة، ومن أهم ذلك وجود المحرم معها، وأن تحفظ وقتها فيما ينفعها في الدار الآخرة. وهذا هو مقتضى شكر نعمة الله والصحة والفراغ.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 12 / ص 286)
الاستدلال على جواز سفر المرأة بدون محرم
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ قضايا المرأة /سفر المرأة
التاريخ 16/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرغب في السؤال عن حكم القول بالجواز أو التحريم في مسألة بالاستدلال بشيء سيقع في المستقبل، كما هو في مسألة جواز أن تسافر المرأة دون محرم استناداً لإخبار النبي- صلى الله عليه وسلم- لعدي-رضي الله عنه- أن الظعينة ستخرج بمفردها لا تخاف على نفسها...إلخ....وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
هذا الذي تذكرينه استدل به بعض أهل العلم على أن النهي عن سفر المرأة بغير محرم مخصص بالطريق المخوف، فإذا كان آمناً تأمن فيه المرأة على نفسها وعرضها أن يغتصبها مغتصب أو يغصب مالها ونحو ذلك فإنه يجوز لها أن تخرج بلا محرم، لكن مع نساء ثقات واستدلوا بهذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أخبر عدي بن حاتم - رضي الله عنه-: "يا عدي: هل رأيت الحيرة؟". قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها. قال: "فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله" يقول عدي: قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دعَّار طيء، ... فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله. أخرجه البخاري (3595)، فكون هذا يقع ولا يظهر إنكاره من علماء المسلمين وعامتهم دليلٌ على أن النهي منوط بالخوف على نفس المرأة وعرضها، ومالها أن يعتدى عليه معتدٍ، ولو كان فعلها هذا حراماً لما ساقه النبي - صلى الله عليه وسلم- في حديثه إخباراً عن تمام النعمة بظهور منارات الإسلام واستتباب الأمن، فإن المنكر لا يناسب أن يُساق في هذا الباب، فالذين استدلوا بهذا الحديث لم يستدلوا به؛ لأنه إخبار مجرد، بل كان استدلالهم بما يُشعر به هذا الخبر من جواز هذا الذي سيقع؛ لأنه مسوق في سياق الإخبار عن تمام النعمة باستتباب الأمن وظهور منارات الإسلام في أراضيه الواسعة، وقد أجاب عن الاستدلال بهذا الحديث القائلون بعموم النهي عن سفر المرأة بدون محرم بأن هذا إخبار لا بيان حكم، ويجاب عن هذا بأنه وإن كان خبراً لكنه يحمل معنى جواز ما سيقع؛ لأنه في سياق التذكير بنعمة الله بشيوع الأمن بعد الخوف وظهور راية الإسلام في الأرض المتباعدة. والله أعلم.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 12 / ص 302)
ضوابط معالجة الطبيب للمرأة
المجيب د. فهد بن عبدالرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ قضايا المرأة /مسائل متفرقة
التاريخ 08/10/1425هـ
السؤال
هل هناك أسانيد من القرآن والسنة تؤكد وتحض المسلمات على الذهاب إلى طبيبات من النساء، وليس من الرجال، للولادة ما وجدت النساء؟ أرجوكم أريد إرسال هذه الأحاديث أو الآيات لي، وجزاكم الله خيرًا، أفيدونا.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
إن قضية تعامل المرأة مع الرجل الأجنبي في الشريعة الإسلامية واضحة محسومة ودلائلها كثيرة، ولكون السؤال هو عن معالجة الرجل للمرأة، سواء للتوليد أو لغيره، فإننا نقول إن معاملة الطبيب للمرأة هي تعامل رجل أجنبي لامرأة أجنبية منه، ولذا فإننا سنذكِّر بالأدلة التي تمنع اختلاط الرجل بالمرأة ومسه إياها وخلوته بها ونحو ذلك:
فمن القرآن آيات منها: قوله تعالى في سورة النور: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ)[النور: من الآية31]. وفي آخرها قال سبحانه: (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ)[النور: من الآية31]. وقوله سبحانه في شأن نساء النبي عليه السلام: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)[الأحزاب: من الآية32-33]. وقوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ)[الأحزاب: من الآية59].
وأما من السنة: فمن ذلك ما في الصحيحين البخاري (3006) ومسلم (1341)، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَخْلُوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ إلاَّ ومعَها ذُو مَحْرَمٍ... "الحديث.
ومنها حديث عقبة بن عامر، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إيَّاكم والدُّخولَ على النساءِ". فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحَمو؟ قال: "الحَمُو المَوْتُ". متفق عليه: عند البخاري (5232) ومسلم (2172). والحمو هو: قريب الزوج كأخي الزوج وعمه وابن عمه.
ومنها حديث عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المَرأةُ عَوْرَةٌ فإذا خرَجتِ اسْتَشْرَفَها الشَّيطانُ". أخرجه الترمذي (1173) وحسنه، كما أخرجه ابن حبان في صحيحه (5598) وابن خزيمة في صحيحه (1685)، وصححه الألباني والأرناؤوط.
ومن هذه الآيات والأحاديث نستطيع أن نتبين القواعد والأحكام التي على وفقها يكون تعامل الرجل مع المرأة الأجنبية منه والعكس:
(1) الأصل في المرأة ألا تبدي من زينتها إلا ما ظهر منها، وهي الثياب الظاهرة والعباءة ونحو ذلك، مما لا يمكن ستره، وعلى القول الآخر أنه الوجه والكفان، فلا يجوز لها أن تبدي أكثر من ذلك من شعر أو نحر، أو ذراع، أو ساقين، وإن كان الأرجح هو القول الأول.
(2) أن الأصل في المرأة أن جميع بدنها عورة، كما في حديث ابن مسعود، رضي الله عنه، السابق؛ ولذا فلا يجوز أن يبدو منها إلا ما استثني للنساء وللمحارم.
(3) أن الله تعالى أمر بالحجاب والجلباب وهما ما تختمر به المرأة، ومعنى هذا أن المرأة لا تكون عند رجل ليس محرمًا منها بغير ذلك.
(4) أن الله تعالى نهى المرأة أن تضرب برجلها الأرض حتى لا يسمع صوت الخلخال (وهو الحلي من القدم)، وهذا يدل على أن المرأة يجب أن تبتعد عن الرجل مخافة تأثره بها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، ويدل عليه حديث: "مَا ترَكتُ بعدي فتنةً أضَرَّ عَلَى الرِّجالِ مِن النِّساءِ". رواه البخاري (5096) ومسلم (2740)، من حديث أسامة بن زيد، رضي الله عنهما.
(5) أن خلوة الرجل بالمرأة لا تجوز، فكيف بمماسَّته إياها؟
وعلم من هذا كله أن معالجة الطبيب الرجل للمرأة في الأصل لا تجوز أبدًا إذا تضمنت ما نهى الله عنه مما تقدم، ولإيضاح ذلك فيما يتعلق بالطبيب فأشير إلى أمثلة:
(1) خلوة الطبيب بالمرأة سواء من العيادة في الغرفة وحدهما دون وجود محرم، أو على أقل الأحوال امرأة أخرى كالممرضة (المأمونة)، أو كان ذلك في غرف التنويم إذا كانت المرأة في غرفة منفردة.
(2) حرمة مس الرجل للمرأة بأي سبب وفي أي موضع، ويفحش ويغلظ تحريمه كلما كان في موضع أكثر فتنة وأغلظ في العورة.
(3) حرمة نظر الطبيب إلى المرأة فيما يحرم عليه النظر إليه، كجميع بدن المرأة، أو عند بعضهم جميع البدن ما عدا الوجه والكفين، كنظره إلى رقبتها، أو صدرها، أو ظهرها، أو بطنها, فهو محرم، وإن لم يتضمن مُمَاسَّة.
(4) توليد الرجل للمرأة، وهذا أغلظ ما يمكن تصوره؛ لأنه نظر إلى العورة المغلظة جدًّا، بل ومس لها.
(5) مثل ذلك إجراء العمليات للنساء من قبل الرجال.
إذًا فهذا هو الأصل في معاملة الطبيب للمرأة؛ أنه يحرم عليه ما يحرم على غيره من الرجال وفق الأدلة السابقة.
وليس في الأدلة ما يخص رجلاً دون غيره إلا الزوج لزوجته، والسيد لأمته التي تسرَّى بها، فكل منهما يرى من امرأته كل شيء كما لا يخفى.
وكذلك مما استثني من المحارم، وإنما يجوز لهم ما يظهر غالبًا كالوجه، والشعر، والنحر، وأطراف الذراعين، والساقين، دون ما فوق ذلك على الصحيح من أقوال أهل العلم، كما هو ظاهر آية سورة النور، وأما الطبيب فإنه لم يستثن، ولكن الطبيب إنما نأخذ حكمه من قواعد الضرورة والحاجة التي ذكرها الفقهاء، وهي قواعد مستندة إلى أدلة شرعية ومنها ما يلي:
(1) قاعدة: الضرورات تبيح المحظورات.
(2) قاعدة: الضرورة تقدر بقدرها.
فإذًا متى يجوز للطبيب أن يرتكب شيئًا من المحظورات التي أشرنا إليها؟ الجواب: عند الضرورة فقط أو الحاجة الشديدة التي تنزل منزلة الضرورة، وهذا لا يتحقق أبدًا مع وجود طبيبة من النساء، إذ لا ضرورة إلى الرجل في هذه الحالة، فإذا وجدت طبيبة مسلمة فهي التي يجب أن تعالج المسلمات، فإذا لم توجد فيجوز أن نقدم بذلك المرأة غير المسلمة المأمونة، فإذا لم توجد امرأة مسلمة ولا غير مسلمة فحينئذ نلجأ إلى الطبيب الرجل بشرط كونه مسلمًا، فإذا لم يوجد مسلم جاز حينئذ أن نولي علاج المرأة طبيبًا كافرًا للضرورة، فعلم من هذا أن توليد الرجل للمرأة لا يجوز إلا حين تعذر وجود النساء مطلقًا، وأن يكون بعدم وجود المرأة في تلك الساعة فقد لا يعد عذرًا إلا إذا لم يمكن تأجيل العملية، أو نقل المرأة إلى مستشفى آخر، وإذا طلب الولي- من زوج أو أب أو غيرهما- إذا طلب أن يكون توليد موليته من امرأة فإن ذلك حق له وحق للمرأة والأصل ألا يرد، وحين يكون ذلك مطلبًا اجتماعيًّا، أو كما يقال شعبيًّا، فإن هذه المستشفيات ستوفر طاقمًا نسائيًّا للتوليد.
وأما القاعدة الثانية فإننا نعمل بها حين نلجأ لمعالجة الرجل للمرأة للضرورة فنقول: إن الضرورة تقدر بقدرها. فنظر الطبيب لا ينبغي أن يتعدى موضع الحاجة، وكذلك مسه للمرأة ونحو ذلك، فلا داعي للطبيب حين نضطر لكونه يجري عملية لامرأة في رقبتها مثلاً أن يرى جميع جسمها أو أن يرى طبيب العيون جميع وجهها وهو يستطيع الكشف عن عينها فقط، أو يضع الطبيب مثلاً جهاز الأشعة على بطنها مع إمكانية أن تضعه الممرضة..وهكذا.
وفي الختام لعل من المناسب أن ننقل فتوى لسماحة الشيخ محمد إبراهيم- رحمه الله- مفتي الديار السعودية سابقًا حيث سئل عن كشف الأطباء على عورات النساء للعلاج وخلوتهن بهن، فأجاب- رحمه الله: أولاً: أن المرأة عورة، ومحل مطمع للرجال بكل حال، فلهذا لا ينبغي لها أن تمكن الرجال من الكشف عليها أو معالجتها. ثانيًا: إذا لم يوجد الطبيبة المطلوبة فلا بأس بمعالجة الرجل لها، وهذا أشبه بحال الضرورة، ولكنه يتقيد بقيود معروفة؛ ولهذا يقول الفقهاء: الضرورة تقدر بقدرها؛ فلا يحل للطبيب أن يرى منها أو يمس ما لا تدعو الحاجة إلى رؤيته أو مسه، ويجب عليها ستر كل ما لا حاجة إلى كشفه عند العلاج. ثالثًا: مع كون المرأة عورة، فإن العورة تختلف؛ فمنها عورة مغلظة، ومنها ما هو أخف من ذلك، كما أن المرض الذي تعالج منه المرأة قد يكون من الأمراض الخطرة التي لا ينبغي تأخر علاجها، وقد يكون من العوارض البسيطة التي لا ضرر في تأخر علاجها حتى يحضر محرمها ولا خطر، كما أن النساء يختلفن، فمنهن القواعد من النساء، ومنهن الشابة الحسناء، ومنهن ما بين ذلك، ومنهن من تأتي وقد أنهكها المرض، ومنهن من تأتي إلى المستشفى من دون أن يظهر عليها أثر المرض، ومنهن من يعمل لها بنج موضعي أو كلي، ومنهن من يكتفي بإعطائها حبوبًا ونحوها، ولكل واحدة من هؤلاء حكمها.
وعلى كلٍّ فالخلوة بالمرأة الأجنبية محرمة شرعًا، ولو للطبيب الذي يعالجها؛ لحديث : "مَا خَلَا رجلٌ بامرأةٍ إلَّا كان الشَّيطانُ ثَالِثَهما". انظر ما رواه الترمذي (2165) وابن ماجة (2363)، من حديث عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فلابد من حضور أحد معها سواء كان زوجها أو أحد محارمها الرجال، فإن لم يتهيأ، فلو من أقاربها النساء، فإن لم يوجد أحد ممن ذكر وكان المرض خطيرًا لا يمكن تأخيره فلا أقل من حضور الممرضة ونحوها تفاديًا من الخلوة المنهي عنها. انتهى كلامه رحمه [فتاوى محمد بن إبراهيم (9/12-13)].
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 13 / ص 288)
العمل في القنوات الفضائية المختلطة
المجيب د. خالد بن عبد الله القاسم
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 22/6/1424هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
تعلمون ما للقنوات الفضائية من تأثير على الرأي العام، وقد ظهرت قنوات فعالة في العالم العربي والإسلامي. وسؤالي: هل يجوز العمل في تلك القنوات؟ مع العلم أن تلك القنوات يعمل فيها نساء متبرجات، أي بعبارة أخرى يوجد فيها اختلاط فاضح، وربما تحتوي هذه القنوات على إعلانات ودعايات فيها مواد إعلانية فاضحة أمثال صور نساء غير لائقة، وبالتالي فهذا يسبب إشكالية استحلال الراتب الذي يتقاضاه الموظف في تلك القنوات، مع العلم أنني محافظ على ديني ولله الحمد والمنة، ولدي أفكار إبداعية، وقدرات خطابية جيدة، أرجو من فضيلتكم الإجابة تفصيلياً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فإن الوسائل الإعلامية لا سيما القنوات الفضائية لها أثر كبير على الناس، وإن المصلحين يتحتم عليهم خوض هذه الوسائل الفعالة المؤثرة لإبلاغ الرسالة، وإصلاح الأحوال، أو في أقل الأحوال تخفيف المفاسد وزيادة المصالح، فهم أحق الناس باستخدامها، أما إن لم يكن الهدف الإصلاح أو لم يكن للعامل فيها دور إصلاحي مفيد فإن الأمر يختلف باختلاف القنوات، فإن القنوات التي يغلب عليها المنفعة فلا بأس بالعمل فيها، بشرط ألا يخدم في البرامج الفاسدة، وإن غلبت المضرة فيشترط للعامل أن يعمل في الأمور المفيدة، وأن يكون ساعياً للإصلاح قدر الإمكان، أما إن لم يكن له تأثير إيجابي أو لا يتاح له ذلك فلا يجوز له البقاء في تلك القنوات الفاسدة، بل هو من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال سبحانه:"وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" [المائدة: 2] ويصير العمل من المفاسد المنهي عنها، وقد قال سبحانه:"ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها" [الأعراف: 56].
وإذا جاز له العمل حل له الراتب، وإذا حرم عليه العمل حرم عليه الراتب.
أما ما يتعلق بالاختلاط فإنه يحرم إذا ترتبت عليه مفسدة، وليس حرام بحد ذاته، وإنما يجب على العاملين في تلك القنوات وغيرها تجنب الخلوة بالنساء، فإنها محرمة لقوله -عليه السلام-:"لا يخلون رجلٌ بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما" رواه الترمذي (2165)، وابن ماجة (2363) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-، وتجنب تعمد النظر إليهن لقوله سبحانه:"وقل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم" [النور: 30]، وقوله -صلى الله عليه وسلم- لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه-:"لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة" رواه الترمذي (2777)، وأبو داود (2149) من حديث بريدة -رضي الله عنه-، كما أن عليهم تجنب كل ما يسيء إلى دينهم أو أخلاقهم.
فإن كان العمل في هذه القنوات فيه فتنة للعاملين أو فساد في دينهم أو أخلاقهم، فلا يطلب منهم نفع غيرهم بضرر أنفسهم، وسيجعل الله لهم بديلاً صالحاً، ومن استطاع الإصلاح أو حافظ على دينه وتجنب الفساد فهو في باب عظيم من الجهاد، فلا يدع هذه الثغرة للمفسدين، نسأل الله للجميع التوفيق والثبات، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 14 / ص 320)
رفع ولاية العاضل
المجيب هاني بن عبدالله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/القضاء
التاريخ 2/1/1425هـ
السؤال
أحب فتاة وتحبني، ربطتنا علاقة لها أكثر من عشر سنوات، نريد الزواج، وأبوها يرفض لمشاكل بينه وبين بعض عائلتي، مما نتجت عنه قطيعة بينه وبين معظم أهل بيتي، قررنا الزواج عن طريق القاضي. ما حكم ذلك؟ وهل فيه عقوق لوالدها إذا تزوجتها عن طريق القاضي؟
الجواب
الحمد لله وحده وبعد:
فقد جاء في السؤال ارتباط علاقة حب منذ سنوات بين السائل وفتاة، ومعلوم أن الإسلام في تنظيمه لعلاقات أفراده حَرَّم خلوة الرجل بالمرأة كما قال - عليه الصلاة والسلام- :" لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم" متفق عليه البخاري (5233) ومسلم (1341).
وحرّم الاستمتاع بالمرأة الأجنبية بالكلام أو النظر كما قال - تعالى- : " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم " [ سورة النور:30]، وبعد هذا التنبيه، فإنه إذا تقدم للمرأة رجل كفء لها وأراد الزواج منها بمهر مثلها، ورغبت هي أيضاً في الزواج منه باقتناع تام فإنه يجب على وليها تزويجها منه، فإن منعها فهو عاضل لها، فتنتقل بموجبه الولاية عنه؛ لأنه حق واجب عليه امتنع من أدائه .
فلا حرج عليكما في التقدم للقاضي ليتم عقد النكاح بينكما عن طريقه، وليس هذا من العقوق، ولكني أحب للسائل أن لا يبدأ حياته الزوجية بدعوى قضائية، وليحاول استرضاء والد الفتاة وإقناعه عن طريق بعض معارفه ومن يستحي منهم؛ ليكون ذلك أدعى لدوام الوفاق والبعد عن التنافر، والله الموفق . فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 15 / ص 160)
أبُو الزوجِ الكافرُ هل هو مَحْرم؟!
المجيب د. فهد بن عبدالرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/05/1427هـ
السؤال
من المعروف في الشريعة الإسلامية أن أبا الزوج يعد من المحارم، ويمكن للمرأة أن تكشف أمامه شعرها وبعض جسدها، لكن يبقى السؤال: هل يجوز للمرأة أن تكشف شعرها أمام والد زوجها غير المسلم؟ أي أن الزوج مسلم، لكن أباه غير مسلم. فكيف يمكن للمرأة أن تتصرف في مثل هذا الموضع؟ ونحن نعلم أن معظم الغربيين غير المسلمين ليس لهم أخلاق، وطباعهم فاسدة في الكلام والحركات؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فنبين هنا الأصل في الحكم المسؤول عنه، ثم نبين ما خرج عن الأصل.
فأما الأصل في المحرم ومنه والد الزوج، أنه تتعلق به جميع أحكام المحرمية، من تحريم نكاحه بالمرأة التي هو محرم لها وهي محرم له، ومن جواز نظره إليها مما يجوز نظر المحارم إليه، وهو على الصحيح من أقوال أهل العلم: ما يبدو من المرأة في العادة ويشق عليها تغطيته في البيت، كالوجه، والشعر، والنحر، والكفين، والساعدين، والقدمين، وأسفل الساقين.
ومن أحكام المحرمية أيضاً: جواز الخلوة، والسفر، بحيث يكفي فيما يشترط له المحرم.
هذا الأصل دلت عليه العمومات في ذلك، كقوله -تعالى- في سورة النور: "وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ..." الآية [النور:31]. وكالأحاديث الواردة في الصحيحين وغيرها، كقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يخلون رجل بامرأة، إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم..." صحيح البخاري (1862)، وصحيح مسلم (1341). وغيرها.
وهذه العمومات قد دخل في عمومها المحرم الكافر؛ لأن الأدلة لم تستثن الكافر، فإنه يطلق عليه أب وابن وأخ وعم ووالد ...إلخ.
وعلى هذا جرى الفقهاء، فلم يستثنوا الكافر من أحكام المحرمية، لا في النظر، ولا في غيره، إلا ما رُوي عن الإمام أحمد -رحمه الله- من استثناء سفر الكافر بمحرمه المسلمة، فجعله مَحْرماً في النظر دون السفر؛ لعدم أمانته عليها.
فهذا هو الأصل في هذا الحكم، وهو إباحة النظر من المحرم، ولو كان كافراً، ولكن قد يُخْرَجُ عن هذا الأصل، فيمنع النظر، أو تمنع الخلوة، وذلك عند خشية الفتنة -وهذا عام في جميع المحارم وإن كانوا مسلمين- ولذا حرم العلماء بالإجماع نظر الشهوة، إلا من الزوج لزوجته أو العكس، وقال ابن عبد البر -رحمه الله- ما معناه: "ولو كان الأب ينظر بشهوة حرم عليه النظر".
فنقول في مسألة أبي الزوج الكافر: إن الأصل هو الإباحة، لكن لو خشيت المرأة منه، فإما أن تحتجب منه إن أمكن، فإن الكشف للمحرم ليس بواجب، لا سيما إن كان الاحتجاب سيقتصر على الشعر أي مع كشف الوجه، وإما أن تجتنب ما قد تخشى منه كالخلوة أو نحو ذلك، والمرأة حين تتقي الله فلها مخارج كثيرة بحيث تتفادى الحرج مع والد زوجها؛ "ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً"، والله -تعالى- أعلم.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 15 / ص 329)
محرم المرأة في الحج
المجيب عبد الرحمن بن عبدالله العجلان
المدرس بالحرم المكي
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 3/11/1423هـ
السؤال
هل يصح أن أعتمر مع عمتي وابنها وأخواته حيث أن ابنها عمره 21 سنة محرم لهم فقط وعمري أنا 20 سنة؟ أجيبوني مشكورين.
الجواب
لا يجوز لكِ أن تسافري بدون محرم حتى وإن كان السفر للحج أو العمرة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه-:"لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها" متفق عليه البخاري (1088)، ومسلم (1339)، ولما روى ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم" فقال له رجل: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: انطلق فحج مع امرأتك" متفق عليه البخاري (1862)، ومسلم (1341).
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 15 / ص 406)
اصطحاب القواعد من غير محارم للحج
المجيب د. خالد بن علي المشيقح
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 09/05/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
نحن في دولة غربية ولدينا حملة الحج، فهل يجوز لنا أن نصحب معنا النساء اللائي يتجاوز عمرهن 45 عاماً بدون محارمهن؟ لأن كثيراً منهن يرغبن في الحج، لكن ليس لهن محارم، إن كان هذا جائزاً فهلا ذكرتم لنا شروط ذلك؟. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالمرأة التي ليس لها محرم لا يجب عليها الحج، إذ يشترط لوجوب الحج وجود المحرم، فإذا كانت لا تجده فهي غير مستطيعة وذمتها بريئة، قال الله - عز وجل-: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا"[آل عمران: 97]، ولا يجوز للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم، لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يخلون رجل بامرأة إلا معها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم"، فقال رجل: يا رسول الله إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا وإن امرأتي خرجت حاجة، فقال عليه الصلاة والسلام: "انطلق فحج مع امرأتك"، وهذا في الصحيحين. عند البخاري(1862)، ومسلم(1341)، فدل ذلك على أنه لا بد من المحرم مع المرأة.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 17 / ص 2)
لماذا تحرم علاقة التعارف بين الخطيبين ؟
المجيب البندري بنت عبد العزيز العمر
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 04/02/1427هـ
السؤال
تناقشت أنا وبعض أصدقائي في موضوع يشغل بالنا جميعاً. فالإسلام يحرم الاختلاط، ويحرم الاختلاء بالبنت حتى بعد الخطبة، ولا يمكن معرفة سلوك البنت إلا إذا تم معرفتها قبل الخطبة؛ لأن أغلبهن يكون كالحمل الوديع بعد إعلان الخطبة. فكيف يمكنني أن أجلس مع البنت قبل الخطبة وهو حرام؟
وتطرق الموضوع إلى أن الإسلام لابد أن يتماشى مع قضايا العصر، أو بمعنى آخر علينا أن نفهم الإسلام ونتعامل معه بمفهوم قضايانا الحديثة. فما الرد على هذا الكلام (الاختلاء بالبنت قبل الخطبة، وتطوير مفاهيم الإسلام)؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيمكنك -أخي الفاضل- أن تبين حِكْمة الإسلام في منع الاختلاط، وعدم تعارضه مع ما ذكرت من المصلحة المترتبة على معرفة سلوك الفتاة قبل الاقتران بها من خلال النقاط التالية:
1- مهما جلس الخاطب مع الفتاة فلن يمكنه أن يعرف سلوكياتها كاملة، لأنها ستتجمل ما استطاعت، كما هو الحال مع الخاطب نفسه حين يريد أهل الفتاة معرفة خُلُقَة ودينه، فالجلوس وحده وسيلة عقيمة لا تؤدي الغرض منها، وأفضل منها بكثير السؤال عن الفتاة في مدرستها وبين صديقاتها، وإن كانت سافرت مع قوم أو خرجت معهم في رحلة سُئل عنها، كما يمكن معرفة قدر دينها ومستوى خُلُقها من خلال معرفة صديقاتها فالخليل بالخليل يقتدي، والمرء على دين خليله كما في الحديث عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم-. انظر سنن أبي داود (4833)، وجامع الترمذي (2378).
وإذا كان الخاطب يريد أن يعرف مستوى ثقافتها وفكرها فيمكن من خلال مكالمة هاتفية تحت إشراف ولي المرأة ونظره وعلمه، مع مراعاة الأدب والحشمة وعدم ترخيم الصوت؛ عملاً بقول الله تعالى: "فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض" [الأحزاب:32]، والشرع لا يمنع من ذلك.
2- الاختلاط في مثل هذه الصورة إن ظن البعض أن فيه مصلحة إلا أنه يتعارض مع مفسدة أشد، وهي احتمال الوقوع في الحرام، ولذا قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم" انظر صحيح البخاري (1862)، وصحيح مسلم (1341). وفي حديث آخر" إلا كان الشيطان ثالثهما" انظر جامع الترمذي (2165)، وسنن ابن ماجة (2363). ، وقاعدة الشرع: أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، لاسيما وأن علاقة الرجل هنا بالمرأة خطبة وثيقة الصلة بالنكاح، فيخشى من وقوع ما لا تُحمد عقباه.
3- الإسلام صان المرأة وحفظها من كل ما يخدش حياءها أو يُقلِّل من هيبتها، ولذا منع من اختلاط الخاطب بالمخطوبة لاحتمال ألا تتم الخطبة، فهل تصبح المرأة سلعة لمن شاء أن يتفحصها، ثم إن شاء أمضى العقد أو تراجع، فليست مصلحة الرجل بأعز من مصلحة المرأة ولا أولى، وهذا مقتضى العدل والحكمة، سيما أن الخاطب يمكنه معرفة ما يريد بالحرص على اختيار المرأة الصالحة المعروفة بذلك، والتي تربت وترعرعت في مجتمع صالح.
وبهذا يكفل لكل من الطرفين حقه وتُحفظ مصلحته، وفقك الله وأعانك على سبل الخير.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 17 / ص 490)
أريد الزواج ولكن...
المجيب د. فاتن بنت محمد المشرف
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/ قبل الزواج/اختيار الزوج أو الزوجة
التاريخ 17/04/1425هـ
السؤال
عرفت فتاة ذات خلق ودين، وهي من عائلة فقيرة، وقد أحببتها حباً طاهراً وشريفاً، وقد تقدمت لخطبتها، إلا أن أهلي رفضوا ذلك؛ لأنها من جنسية غير جنسيتي، وقد رفض أهلي هذا رفضاً قاطعاً، علما أن الفتاة سمراء اللون مما أدى أيضاً إلى رفض أهلي لهذه الفتاة، وأنا الآن بين نارين، الأولى هم أهلي الذين يرفضون هذا، والثانية هي الفتاة ذات الدين والخلق التي لا أريد أن أفوت على نفسي فرصة الزواج منها؛ لأني قد استخرت الله في هذا، وقد أراني الله بعض الإشارات والعلامات مثل (أنه في أحد الأيام وفي روضة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد قمت بأداء صلاة الاستخارة، وبعد نصف ساعة من خروجي إذا بأحد الأشخاص الغرباء يلتقي بي، وبعد بعض الوقت يتبين بأنه من أهلها وأنه يعرفني)
علماً بأن هذا ليس حلماً بل حقيقة، وغيرها الكثير من الأحلام التي راودتني بعد أدائي لصلاة الاستخارة، والآن أنا حيران في أمري، فكيف أقنع أهلي بأن الله كتب لي هذه الفتاة؟ وكيف أقنعهم بأن يتقبلوها بينهم؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الأخ السائل الكريم: قال الله -تعالى-: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً" [النساء:36]، فعطف الإحسان إلى الوالدين وبرهما على عبادته، مما يدل على عظم هذا الأمر ووجوبه على الإنسان، وعلى هذا فإذا أراد الإنسان أن يقترن بفتاة، ولم يرغب فيها الأهل فالأولى أن يلبي رغبتهم، خاصة أن الجنسية تختلف، واللون يختلف، مع أن التفاضل في الإسلام بالتقوى، والله سيعوضك خيراً ما دام تركت هذا الأمر طاعة لهما، هذا أولاً.
ثانياً: إذا اقترنت بفتاة لا يرغب فيها أهلك فستكون بعد ذلك منبوذة بينهم، مما يؤدي إلى النفرة من أولادك بعد ذلك؛ لكون أمهم بصفة لا يرغبون فيها، وهذا مما يقلل قدرها بعد ذلك عندك، وقد تواجه كثيراً من المشاكل بهذا السبب.
ثالثاً: التعرف على الفتاة قبل الزواج ومخاطبتها والخلوة بها والالتقاء بها هذا كله محرم شرعاً، لا يجوز، وإن كنت تقول إنه: (حب طاهر شريف)؛ لأن الخلوة بالأجنبية محرم؛ قال صلى الله عليه وسلم-: "لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما"، رواه الترمذي (2165) وأحمد (115) من حديث عمر - رضي الله عنه - وكذلك مكالمتها بالهاتف هي أجنبية وفي هذا فتنة لك، وهذا كله من تسويل الشيطان، يزين للإنسان ذلك على أنه حب طاهر وشريف، فهذه العلاقة التي قامت بينك وبينها محرمة أصلاً، إذاً فالأولى ألا تبني عليها حياتك الزوجية؛ لئلا تنهدم بعد ذلك، وعليك التوبة إذا كنت قد خلوت بها، أو تكلمت معها بما لا ينبغي شرعاً.
رابعاً: قولك: (كيف أقنع أهلي بأن الله كتب لي هذه الفتاة؟!)، خطأ؛ لأن المكتوب لك إلى الآن لا تعلمه، وإن كان الله كتب لك هذه الفتاة فثق أن الله سيسيرك لها.
خامساً: أنصحك بالدعاء المستمر بأن يرزقك الله الزوجة الصالحة التي تحفظ لك أولادك ومالك، وثق ثقة تامة بأن الله قريب ممن يدعوه؛ قال تعالى: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعانِ" [البقرة:186] وسهام الليل قوية لن يضيعها الله، وقد يرزقك الله لهذا السبب امرأة من جنسيتك، ومقاربة لأخلاقك أو أحسن، ومحبوبة عند أهلك ترضيك في الدنيا والآخرة، وهذا هو المطلوب لكل إنسان.
سادساً: الإنسان قاصر النظر قد يرى في الاقتران بهذه الفتاة هو المصلحة، ويعلم الله أن الاقتران بها مضرة على هذا الشخص، وأن الاقتران بغيرها أصلح للإنسان؛ فلذا عليك الدعاء وعدم الإصرار، وربما بعد فترة من الزمن يتضح لك مثل هذا الأمر بارك الله فيك. والله أعلم.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 17 / ص 496)
تعرفت عليه ولا أريد أن أخسره
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/ قبل الزواج/العلاقة بين الخطيبين
التاريخ 4/6/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
أريد أن أطرح عليك مشكلتي: فمشكلتي هي أنني تعرفت على شاب من خلال الهاتف، فهو في الأصل كان يبحث عن زوجة، وقد أخبر صديقتي بأن تبحث له عن زوجة، وهي بدورها أخبرتني، وأنا هاتفته وتحدثت معه، علماً أنه شاب رائع؛ فيه جميع الميزات التي أتمناها في شريك حياتي، ولكن مشكلتي أنه يريدني أن أخرج معه، وأن أهاتفه دائماً بدون علم أهلي طبعاً، وأنا الشيء هذا لا يرضيني، ولكني ولأني خائفة أن يضيع مني هذا الرجل بدأت في مهاتفته، ولا أريد أن أخسره، فهو ليس له غرض إلا الزواج، ولكن لا يريد أن يتزوج من فتاة لا يعرفها جيداً، فعلى هذا الأساس لا يريدني أن أمتنع عن مهاتفته. أرجوكم الحل المناسب؛ فأنا لا أريد أن أخسره، أرجوكم ساعدوني.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده،أما بعد:
إلى الأخت الفاضلة والابنة العزيزة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إن طلبك للزواج ورغبتك في ذلك أمر طبيعي لا غبار عليه، ولكن حدَّد لنا الشارع الحكيم الطرق الصحيحة والسليمة التي تحفظ لنا كرامتنا وتصون عرضنا من أن يدنس، وهذه الطرق عبارة عن ضوابط شرعية على ضوئها تكون العلاقة بين الرجل والمرأة، وعلى ذلك فقد أخطأتِ كثيراً عندما استجبتِ لهذا الشاب بأن يهاتفك أو يخرج معك دون علم أهلك، فهذا الأمر لا يجوز بحال من الأحوال، وأود أن تطرحي عليه سؤالاً ألا وهو: أيحب لأخته أن تخرج مع شاب بدون علمه وعلم أهلها؟ حتى ولو كان صادقاً في نيته في الزواج منها؛ أنا متأكد أنه يرفض ذلك في قرارة نفسه، وإن تظاهر بعدم الرفض.
الأمر الآخر: أرى أنكِ متسرعة في الحكم على الناس، وتفكرين بالعاطفة دون النظر في العواقب مع غياب العقل؛ وهذا ظهر لي من كلامك على هذا الشاب عندما قلتِ: (إنه شاب رائع! وفيه جميع المميزات التي تتمنيها في شريك حياتك...) من الذي أدراك بهذا كله؟ مع أن العلاقة بينكما لم تتجاوز الحديث الهاتفي العابر! كل منكما يتجمل للآخر، ويجامله ويخفي عنه الكثير!.
بنيتي: أنت طلبتِ مني النصيحة والمشورة، فإن لم أكن صادقاً معك في النصيحة، مخلصاً في المشورة فلا خير فيَّ إذاً، فلا تغضبي من كلامي؛ فأنا أحب لك الخير كما أحبه لنفسي تماماً، وكما أحبه لأختي أو ابنتي، وإليك الآتي:
(1) عليك بقطع الصلة مع هذا الشاب وفوراً، ولا تخافي من أن يفوتك هذا الشاب؛ فالله يعوضك خيراً منه بإذنه -تعالى-.
(2) إذا أراد أن يتقدم لك -وهو صادق- فلا بد من أن يأتي من الباب؛ وذلك بالتقدم إلى ولي أمرك، وطلب يدك منه، وإبرام العقد الشرعي بينكما؛ حتى تكون العلاقة بينكما علاقة شرعية، ولابد من مصارحته بقوة ووضوح، وأنك لا تقبلين باستمرار العلاقة على هذا النحو أكثر مما استمرت، ولا تقبلين لنفسك هذا الاستمرار، ولن تقبلي برجل يستمر مع فتاة على هذا النحو، وثقي أنه إذا كان جاداً في الزواج فسيأتي سريعاً، وسترتفع قيمتك وقدرك عنده بذلك، وإن كان لعوباً فسيذهب، ويتظاهر بالغضب لعدم الثقة، فليذهب غير مأسوف عليه.
(3) احرصي على الزواج من رجل صاحب دين وخلق قويم، واستقامة على شرع الله، وسيرة حسنة بين الناس.
(4) لا تنخدعي بما يقوله لك بأنه: لا يريد أن يتزوج من فتاة لا يعرفها جيداً، إلى نهاية كلامه... فهذا كله من خطوات الشيطان التي أمرنا الله بعدم اتباع خطواته، فإن أراد أن يتعرف عليك جيداً يكون ذلك في فترة الخطبة، وعلى وفق الضوابط الشرعية المعروفة في ذلك، وبمعرفة من أهلك (أبوك وإخوتك).
(5) أكثري من الدعاء بأن الله ييسر أمرك، وييسر لك الزوج الصالح الذي تقر به عينك.
(6) احذري أشد الحذر من الخروج والخلوة معه أو مع غيره من الرجال الأجانب ، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان " أخرجه الترمذي (2165) وغيره، فما ظنك يا - أمة الله- باثنين الشيطان ثالثهما؟!.
(7) كثير من مثل هذه العلاقات انتهت بالفشل، وكثير منها انتهى بالعار والشنار على الفتاة وأهلها؛ والقصص في ذلك مشهورة ، فاعتبري بغيرك، واحذري أن تكوني عبرة لغيرك.
(8) كثير من هذا الصنف من الشباب لا يثق بمن تم التعارف بينهما بتلك الصورة، والأمثلة في ذلك كثيرة جداً، وقد سمعنا وشاهدنا وقرأنا عن مئات الحالات في هذا الصدد، فاحذري يا - أمة الله- أن تنضمي إلى تلك القافلة البائسة، أعيذك بالله العلي العظيم من ذلك.
هذا والله أعلم، وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 19 / ص 149)
متعلقة به وهو متزوج
المجيب د. فاتن بنت محمد المشرف
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/ العلاقات العاطفية /الحب
التاريخ 24/06/1425هـ
السؤال
ابتليت بعلاقة ودية مع زميل منذ ثمان سنوات، تزوج من ابنة جيرانه وما زلت ألتقي به، وأشعر أني لا يمكنني أن أرتبط بغيره، وهو يحاول أن يظهر لي وده ومحبته ولكن دون وعد بالارتباط، علما أن علاقته بزوجته غير جيدة، وهو على خلق عظيم، ولكني أشعر خاصة بعد وفاة والدي ولا يوجد لدي إخوة ذكور، فقط أمي وأخواتي اثنتين في البيت، وعلما بأن أهلي يعاملوني معاملة جيدة، لكن تعلقي بهذا الشخص تعلق مرضي، أعينوني بالنصيحة أعانكم الله أنا في حيرة من أمري، وأضيف أني أصلي الاستخارة إذا خطبني غيره، ولم أستطع الموافقة عليهم.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد:
الأخت السائلة: - حفظها الله-:
1- إن التعلق بهذا الشخص أمر محرم لا يجوز؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان" رواه الترمذي (2165) من حديث عمر -رضي الله عنه-، فهذه الخلوة التي تتم ببينك وبينه محرمة شرعاً أدت إلى هذا التعلق، كما أن المكالمات الهاتفية إذا كان فيها فتنة وتعلق بشخص أجنبي لا تجوز قطعاً.
2- إن هذا الشعور الذي تشعرين به يزينه لك الشيطان، بحيث تشعرين بأنك لا تستطيعين العيش بدونه أو مع أحد غيره؛ وكما قال صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم..." رواه البخاري (7171)، ومسلم (2175) من حديث صفية بنت حيي -رضي الله عنها-، وأنا على يقين أن هذا الشخص لو تزوجتيه لخدعك ولم يثق بك؛ لأنه خادع زوجته الأولى الآن، وكيف يثق بامرأة كانت تفعل ذلك، ومن الممكن أن تفعل هذا مع غيره؛ ولذا أقول لك: توبي إلى الله من هذا الفعل، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
وإذا تم ذلك بتوبتك فلو أتى لك أحد بعد ذلك ثم استخرت ستكون النتيجة في صالحك - إن شاء الله-.
3 - إعلمي أن حياتك أثمن من أن تكون تسلية للآخرين، وهذا الشخص لا يتعامل معك إلا على أنك تسلية له وإلا فما معنى إظهار الحب، وعدم الوعد بالارتباط.
4 - تداركي أمرك قبل تلوث سمعتك وفقدان رصيدك من ثقة الناس واحترامهم.
5 - عند ما يتقدم إليك أحد فلا تجعلي نفسك في حال مقارنة بينه وبين هذا الشخص، ولكن فكري واستخيري وأنت تنظرين نظرة متجردة فهذا ادعى لاتخاذ القرار الصحيح.
أسأل الله لي ولك العون والسداد، ونعوذ بالله من غمزات الشيطان.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 3 / ص 386)
:حارب الشيطان بهذه الأمور رقم الفتوى:11947تاريخ الفتوى:27 رمضان 1422السؤال : 1-بسم الله الرحمن الرحيم
سيدي الفاضل
أنا شاب مضى من عمري الآن 30 سنة وغير متزوج أحببت فتاة وأريد الزواج منها ، علاقتي بها أصبحت قوية ، ولكن للأسف فإن الشيطان قوي فخلال علاقتي بها كنت أقوم بتقبيلها قبلاً حارة وكنت في كل مرة أحاسب نفسي وأستغفر ربي ولكنني أعود إليها وقد تواعدت أنا والفتاة على عدم العودة إلى الأمر مرة أخرى وأقسمت على كتاب الله أن لا نكرر الأمر إلا بعد أن نتزوج بإذن الله ولكنني لم ألتزم باليمن الذي أقسمته ، والآن انا احاسب نفسي وأدعو الله أن يغفر لي ذنبي وخاصة ونحن في هذا الشهر الفضيل والكريم الذي يقبل الله فيه التوبة والمغفرة فأرجو أن تفيدوني أكرمكم الله في ذلك الامر وماهو حكم اليمين وماهي الكفارة لذلك اليمين وهل إن شاء الله سيغفر لي ربي ذنبي
أشكركم والله ولي التوفيق
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أخي السائل أن ما وقعت فيه سببه تقصيرك في التزام ما أمرك الله ورسوله به، والمعصية تجر إلى أختها، كما أن الحسنة تدعو إلى أختها، فإذا كنت صادقاً في توبتك -وهذا ما نظنه فيك- فارجع إلى الخلف خطوات لتصلح الطريق من أوله، وحتى لا يغلبك الشيطان مرة أخرى، فعليك أن تلتزم الآتي:
أولاً: يجب عليك أن تغض بصرك عن الحرام، ومن الحرام النظر إلى هذه المرأة، فإن الله يقول: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) والنظرة سهم من سهام إبليس.
ثانيا: لا يجوز لك أن تخلو بهذه المرأة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان" رواه الترمذي، وصححه الألباني.
ولا شيء يقطع الطريق على الشيطان مثل التزام هذا التوجيه النبوي الشريف، الصادر عمن لا ينطق عن الهوى.
ثالثاً: إذا كنت قادراً على الزواج فبادر إليه ولا تسوف، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" متفق عليه.
وكن على يقين بأنك إذا أقدمت على الزواج فإن الله عز وجل سيتولى عونك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ثلاثة حق على الله عونهم -ومنهم- ناكح يريد العفاف" رواه الترمذي وابن ماجه، وحسنه الألباني في تعليقاته على مشكاة المصابيح.
رابعاً: بادر قبل هذا كله بالتوبة الصادقة مما جنيت، ولن تكون تائباً إلا إذا توفرت فيك ثلاثة أمور:
الأول: الندم على ما فات.
الثاني: العزم على أن لا تعود إليه في المستقبل.
الثالث:الإقلاع عنه وتركه في الحال.
وأما عن اليمين التي حلفتها فهي يمين معقودة لأنها حلف على طاعة فيجب عليك التزامها، وحرم عليك الحنث فيها، وطالما أنك قد حنثت فتجب عليك كفارة اليمين، وهي إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فإن عجزت عن واحدة من هذه الثلاث فعليك أن تصوم ثلاثة أيام، والأولى أن تكون متتابعة، ويجوز التفريق بينها على الصحيح من أقوال أهل العلم.
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والهداية
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 4 / ص 139)
:تحرم الخلوة بأجنبية رقم الفتوى:1248تاريخ الفتوى:12 جمادي الأولى 1422السؤال : ما هو تعريف الخلوة؟ وهل وجود المرأة مع رجل غريب داخل السيارة يعتبر خلوة؟ ووجود المرأة مع رجل غريب لغرض التعلم في غرفة بابها مفتوح هل يعتبر خلوة ؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن الخلوة المحرمة هي الخلوة بالمرأة الأجنبية والأجنبية هي من ليست زوجة ولا محرما والمحرم من يحرم نكاحها على التأبيد إما بالقرابة أو الرضاعة أو المصاهرة ويحرم على الرجل الخلوة بها والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم " واتفق الفقهاء على أن الخلوة بالأجنبية محرمة. ومنها الخلوة بها في السيارة وأما جلوس المرأة مع أجنبي عنها للتعلم في غرفة قد فتح بابها ، فإن كان بحيث يراهما محرم بالغ جاز ذلك ، مع وجوب التزام المرأة بحجابها . وان لم يكن الامر كذلك فهي خلوة . والله اعلم
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 5 / ص 460)
أقوال العلماء في حج المرأة بدون محرم رقم الفتوى:14798تاريخ الفتوى:19 ذو الحجة 1424السؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ذهبت والدتي إلى الحج بعد وفاة والدي وكان عمرها 56 عاما وذلك بدون محرم، فهل كان يلزمها محرم للسفر للحج أم لا؟ وهل حجتها صحيحة بدون محرم؟ وهل صحيح شرعا أنه إذا بلغت المرأة سناً معينة لا يلزمها محرم؟
وجزاكم الله خيراً.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلم أن العلماء مختلفون في اشتراط المحرم للمرأة في الحج على الأقوال الآتية:
القول الأول: يشترط وجود المحرم أو الزوج لوجوب الحج على المرأة وهو قول الحنفية والحنابلة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم" رواه الشيخان ، ولهما أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم" فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، فقال: "انطلق فحج مع امرأتك" وذلك لأن المرأة لا تقدر على الركوب والنزول بنفسها، فتحتاج إلى من يُركبها ويُنزلها، ولا يتأتى ذلك إلا مع الزوج أو المحرم.
القول الثاني: لا يشترط لوجوب الحج وجود المحرم أو الزوج وهو قول الشافعية، بل يكفي وجود النسوة الثقات حتى لو فرض وجود الزوج والمحرم القادرين على السفر معها، وهذا هو المشهور من المذهب، لأن الرفقة تقطع الأطماع فيهن، ولأنه سفر واجب لا يشترط له المحرم، كالمسلمة إذا تخلصت من أيدي الكفار، وكالسفر لحضور مجالس الحاكم.
القول الثالث: قول المالكية فقد ذهبوا إلى وجوب وجود الزوج أو المحرم، فإن لم يوجدا، أو وُجدا لكن امتنعا أو عجزا عن مرافقتها، فرفقة مأمونة، والمعتمد صحة ذلك برفقة الرجال المأمونين أو النساء المأمونات، والأحرى أن تكون من الجنسين معاً، على أن تكون المرأة مأمونة في نفسها.
وذهب ابن تيمية إلى جواز سفر المرأة بحج الفريضة بدون محرم -إن عُدم- إذا أمنت على نفسها.
وفرَّق الإمام أحمد في رواية بين الشابة والعجوز، قال المروزي : وسئل عن امرأة عجوز كبيرة ليس لها محرم، ووجدت قوماً صالحين؟ قال: إن تولت هي النزول والركوب، ولم يأخذ رجل بيدها، فأرجو، لأنها تفارق غيرها في جواز النظر إليها، للأمن من المحظور، فكذا هنا. ا.هـ.
ونقلها كذلك المرداوي في الإنصاف، فقال: وعنه: لا يشترط المحرم في القواعد من النساء اللاتي لا يُخشى منهن ولا عليهن فتنة. ا.هـ.
وذهب الشافعية في قول: أنها يجوز لها الخروج للحج وحدها وهو مذهب طائفة، منهم: الشيرازي كما ذكره في المهذب، واستدلوا له بحديث عدي بن حاتم الطائي ، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "هل رأيت الحيرة؟ قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها. قال: فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف الكعبة لا تخاف أحداً إلا الله... الحديث" رواه البخاري .
وليُعلم أن هذا الخلاف الذي ذكرناه هو في حج الفريضة دون حج النافلة، والراجح - والله أعلم - جواز سفر المرأة للحج مع رفقة مأمونة عند أمن الفتنة، وأمن الفتنة يُحدده الزمان والمكان ووسيلة السفر والرفقة فيه وحالة المرأة ، فهو أمر يختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والأحوال.
وعليه، فإن حج والدتك صحيح - إن شاء الله - لأن وجود المحرم ليس من شروط صحة الحج، وإنما هو شرط وجوب عند القائلين به.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 6 / ص 350)
نظرة الشرع للخيانة الزوجية، وضرورة ضبط المصطلحات رقم الفتوى:15726تاريخ الفتوى:11 صفر 1423السؤال :
أحب أن أقول أولا بأنني صحفي ولدي تحقيق عن الخيانة الزوجية أريد وجهة نظر الإسلام في الخيانة الزوجية عند الجنسين سواء كانت خيانة مشروعة مثل الزواج الخفي أو الانحراف وللعلم أنا أعمل في صحيفة نبأ الحقيقة في اليمن
وجزاكم الله خيراً
الفتوى :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ....أما بعد:
فينبغي أولاً ضبط المصطلحات التي نستعملها، حتى نستطيع إنزال الأحكام على ما تتضمنه هذه المصطلحات من معاني فالزنى حرام، والنظر إلى ما حرم الله حرام، وخلوة الرجل بأجنبية عنه حرام، وكذا خلوة المرأة بأجنبي عنها حرام، إلى غير ذلك من المصطلحات الشرعية.
وأما استبدال هذه المصطلحات بمصطلحات أخرى قد ينطوي على محذور ربما تُفطن له وربما لم يتفطن له .
فمصطلح الخيانة الزوجية إن قصد به الزنى فإنه يؤذن بأن الزنى لا يعد جريمة إلاَّ إذا كان خيانة زوجية، فيا ترى ما هو الحكم لو لم يكن متزوجاً؟! وما هو الحكم لو كان برضى زوجته فإنه لا يعد في هذه الحالات خيانة زوجية؟!
وعلى كل، فإننا أردنا التنبيه إلى ضرورة المحافظة على المصطلحات الشرعية، والحذر من استبدالها بمصطلحات أخرى تحتمل حقا وباطلاً.
ولنرجع إلى الإجابة على السؤال فنقول : إن قصد بالخيانة الزوجية الزنى أو ربط علاقات من الزوج مع امرأة أخرى أو العكس فإن ذلك حرام شرعاً، وحرمة الزنى مما هو معلوم من الدين بالضرورة، فقد قال الله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) [الاسراء:32] والآيات والأحاديث في تحريم الزنا كثيرة .
وأما النظر والخلوة فقد وردت النصوص من القرآن والسنة بتحريمهما من ذلك قوله سبحانه : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)[النور: من الآية30] ووجه نفس الخطاب إلى النساء : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ)[النور: من الآية31] وقال صلى الله عليه وسلم : " لا يخلون رجل بامرأة إلاّ ومعها ذو محرم " رواه مسلم .
وأما إن قصد بالخيانة الزوجية أن يتزوج الرجل امرأة أخرى زواجاً شرعياً دون علم زوجته الأولى فهذا لا يصح تسميته خيانة، والزوج لم يفعل حراماً، لكن يطالب بما أمره الله عز وجل به من العدل بين الزوجات في القسم والنفقة، كما قال سبحانه : ( فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ) [النساء:3]
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 8 / ص 282)
يحرم التعارف بين الجنسين إلا عن طريق الخطبة رقم الفتوى:1769تاريخ الفتوى:29 محرم 1422السؤال : ما حكم التعارف بين الجنسين بهدف الزواج ورؤيتهم لبعضهم سراً غير منفردين؟ .
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما يحدث من التعارف بين شاب وفتاة، بقصد الزواج ورؤية بعضهم بعضا أمر منكر ينطوي على مفاسد عظيمة وقد يفضي إلى كبيرة من الكبائر والعياذ بالله. فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل أن يخلو بامرأة ليس معها محرم فقال صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم). متفق عليه. ولأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما كما صح في الحديث. وقد أمر الله تعالى المؤمنين والمؤمنات بغض البصر فقال عز من قائل: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن......) [النور: 30، 31] ولا يخلو هذا الأمر المذكور في السؤال من نظر محرم بل وكلام. وقد يتعدى الأمر للمس باليد فيكون منكراً آخر حيث صح في الحديث: "لأن يطعن أحدكم في رأسه بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له" [رواه الطبراني، وصححه الألباني].
ومن بدر منه شيء من ذلك فعليه بالتوبة النصوح، ومن تاب تاب الله عليه، والطريق الصحيح لمن أراد الزواج أن يسأل من لهم صلة بهذا الأمر أن يرشحوا له من يتزوجها ثم يسأل عنها في محل إقامتها وعن أخلاقها ويتتبعها دون أن تشعر. أو إن وقع في نفسه امرأة ما، فعليه أن يسأل عنها كذلك وعند رؤيته للفتاة المرشحة يكون ذلك في وجود أحد محارمها ويباح النظر للمخطوبة ولا يكون النظر نظر شهوة. وأول شيء يهتم به الرجل من المرأة دينها لقوله صلى الله عليه وسلم: "فاظفر بذات الدين تربت يداك" رواه البخاري ومسلم.
هذا والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 10 / ص 8)
شروط جواز مبيت الفتيات في سكن الجامعة رقم الفتوى:19022تاريخ الفتوى:03 جمادي الأولى 1423السؤال : السلام عليكم
أسأل هل يجوز أن أترك أختي تسافر إلى منطقة مجاورة تبعد حوالي 200 كلم للدراسة بالجامعة والسكن بالمبيت الجامعي مدة أسبوع ثم تعود في الإجازة الأسبوعية ثم تعود للمبيت لنفس المدة إلى نهاية السنة الجامعية مع العلم أنّه ليس بالمبيت محرم لها.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم. متفق عليه.
وأنت محرم لشقيقتك فيجب عليك أنت أو أحد محارمها الآخرين إن وجدوا أن تصحبها في سفرها ذهاباً وإياباً، إما بالنسبة لإقامتها بالجامعة فإذا كانت برفقة زميلاتها فلا بأس بذلك إذا كان السكن تحت حراسة مأمونة، وكان الفتيات فيه يلتزمن فيما بينهن بالآداب الشرعية.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 10 / ص 213)
وجود أخت الزوجة ببيت أختها بالضوابط الشرعية لا حرج فيه رقم الفتوى:19493تاريخ الفتوى:11 جمادي الأولى 1423السؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لي صديقة .. تود أن تعرف ما حكم أن تقيم في بيت أختها لكي تساعدها فهي حامل
وزوج أختها مستقيم وعفيف وإخوانها يزورونها من فترة لأخرى وتجلس مع أولاد أختها وزوج أختها يقضي أغلب وقته في العمل فما الحكم؟ وجزاكم الله خيرا......
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن زوج الأخت أجنبي عن أختها، ولا يجوز لها أن تخلو به، ويجب عليها أن تتحجب عنه لأن تحريمها عليه ليس للتأبيد، وإنما المحرم عليه هو الجمع بينها وبين أختها، وقد قال تعالى:وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنّ [النور:31]. وزوج الأخت ليس من الذين يجوز إبداء الزينة لهم.
ولتحذر الأخت المسلمة من الخلوة بزوج أختها وأخي زوجها، فقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك لخطورته وعواقبه الوخيمة، فقال صلى الله عليه وسلم: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار يا رسول الله: أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. متفق عليه
وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم.
وعلى هذا، فإنه لا يجوز أن تخلو أخت الزوجة بزوج أختها، ولا أن تكشف عليه أو تبدي له زينتها، أما وجودها في البيت معهم لتساعدهم فلا مانع منه إذا لم يحصل شيء مما ذكر من الخلوة وإبداء الزينة، بل هو غرض شرعي نبيل تشكر عليه، لكن يشترط لذلك شروط مبينه في الفتوى رقم:
10146.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 10 / ص 403)
مرافقة الزوجة في السفر مقدم على الخروج في سبيل الله رقم الفتوى:19889تاريخ الفتوى:15 جمادي الأولى 1423السؤال : أختي منقبة وزوجها يسافر ويخرج في سبيل الله بشكل متواصل وهي مقيمة في بلد لا يوجد به أي محارم لها وأهلها لم يروها لسنوات وهي تريد أن تصل الرحم وتزورهم هل يجوز لها أن تسافر إليهم مع أطفالها وأمها من دون محرم . زوجها سوف يأخذها للمطار وسوف يستقبلها محرم عندما تصل وفي الطائرة سيجلس معها أطفالها وأمها أي أنها لن يجلس بجانبها أي أجنبي وزمن الرحلة ساعة ونصف فقط وجزاكم الله خيراً.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يخلون رجل بامرأة، ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم. فقام رجل، فقال: يا رسول الله، اكتتبت في غزوة كذا وكذا، وخرجت امرأتي حاجة. قال: اذهب فاحجج مع امرأتك.
فالجهاد ذروة سنام الإسلام، كما صح الحديث بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحج ركن عظيم من أركان الإسلام، ومع هذا فقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم للرجل في ترك الجهاد وأمره بمرافقة امرأته في الحج، وهذا يدل على تأكد وجوب المحرم للمرأة في السفر وأهميته.
وقد سبق أن ذكرنا أقوال العلماء في هذه المسألة مفصلة في الجواب رقم: 6219.
وهنا ننبه إلى أن النقطتين اللتين أشار لهما السائل لا تبرران سفر المرأة بدون محرم:
النقطة الأولى: قوله إنها في بلد ليس فيه محرم لها وذلك أن المرأة في بيتها لا تحتاج إلى محرم، وإنما تحتاج للمحرم إذا سافرت أو كانت في خلوة.
النقطة الثانية: قوله إنها لن يجلس بجانبها في الطائرة إلا أولادها وأمها وإن زمن الرحلة قصير فنقول: إن العلة التي من أجلها حرم سفر المرأة بدون محرم لا تزال قائمة مع هذا كله إن صح إذ من المعروف والواقع عملياً أن وقت الرحلة المقرر اتجاهها المعلن عنه قد يتخلف كل منهما فقد تتعطل الطائرة لسبب قاهر، وقد يحدث بها خلل أثناء الرحلة فتضطر إلى الهبوط في مطار آخر، وهذا مشاهد، وهنا تكمن الخطورة.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 12 / ص 90)
مشكلة نفسية خطيرة...لكن لها علاج رقم الفتوى:21233تاريخ الفتوى:10 جمادي الثانية 1423السؤال : أنا شاب في ال 19 من عمري لدي مشكلة أني عندي مرض نفسي خطير هو حب تعذيب النساء كلذة جنسية وذلك أكثر لذة عندي من الجنس.. المشكلة أن ذلك المرض قد يتفاقم إلى الشذوذ الكامل وبالتالي كارثة
الحل الطبي هو مشاهدة أي نوع من أنواع المثيرات الجنسية الطبيعية أو سماعها سواء كانت كارتون ورسومات أو حقيقية هل يجوز ذلك في حالتي ؟ وجزاكم الله خيرا
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإسلام دين شامل كامل يحقق التوازن بين مطالب المادة والروح، وما من معضلة كيف كانت سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو نفسية أو خلقية إلا ولها حل في الإسلام علمه من علمه وجهله من جهله.
ونبشر السائل الكريم بأن هذا الداء العضال الذي ألمَّ به له حل، فما من داء إلا وله دواء، فعن ابن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أنزل الله داء إلا أنزل له الدواء. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
وليس علاجك فيما ذكرت من استخدام المؤثرات الجنسية فإن ذلك حرام كما لا يخفى، والعبد إذا أراد أن يتداوى فإن عليه ألا يتداوى بمحرم فإنه داء وليس بدواء، وإن مثله حينئذ كمثل المستجير من الرمضاء بالنار، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تتداووا بحرام. رواه أبو داود من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، وليعلم الأخ السائل أنه إنما أتي من قبل إبليس اللعين، فإن له مدخلين عظيمين ينفذ منهما إلى ابن آدم، وهما مدخل الشهوات ومدخل الشبهات، وقد أصابك عن طريق الشهوات ذلك لأنك حين تلجأ إلى تعذيب النساء إنما تفعل ذلك عن شهوة تجد منها لذة تفوق -كما ذكرت- لذة الاستمتاع الجنسي، وكل ذلك من إغواء الشيطان لك.
وأول طريق للعلاج هي: أن تلجأ إلى الله مستعيذاً به من الشيطان الرجيم، وهو القائل سبحانه:وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف:200].
واعلم أنك وقعت فيما وقعت فيه لأنك قد فتنت بالنساء، وذلك إنما يحدث غالباً إذا كان المرء لديه فضول نظر واختلاط بالنساء الأجنبيات عنه، فعليك أخي السائل أن تتذكر أن الله تعالى قد أشار إلى خطورة فتنة النساء، لأن نفس الرجل مجبولة على حبهن، فقال عز وجل:زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران:14].
وقال تعالى بعدها:قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:15].
وقال صلى الله عليه وسلم محذراً كذلك من فتنتهن: إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء. رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، فعليك أن تحذر من فتنة النساء، ويعينك على ذلك أن تلتزم بالأوامر الشرعية التي أمر الله بها والتي تسد باب الفتنة بهن، ومن ذلك أن تغض بصرك. وتأمل قوله تعالى:قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30].
ومن ذلك ألا تخلو بامرأة أجنبية عنك. وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما. رواه الطبراني عن بريدة رضي الله عنه.
وبالجملة فإن علاجك -أخي السائل- في اللجوء إلى الله تعالى والاستعاذة به من الشيطان الرجيم، وتجنب المثيرات الجنسية، والحذر كل الحذر من فتنة النساء، وسد المنافذ الموصلة إلى ذلك، وذلك بغض البصر وعدم الخلوة بهن والاختلاط وما إلى ذلك، فإن فعلت فسيعصمك الله بإذنه، وهو سبحانه على كل شيء قدير، ونسأل الله سبحانه أن يتوب عليك، ويذهب بأسك ويحصن فرجك.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 12 / ص 410)
حكم تكلم المرأة مع غير محارمها رقم الفتوى:22064تاريخ الفتوى:01 رجب 1423السؤال : هل يجوز للمرأة أن تتكلم مع إخوان زوجها وفي الصباح تقول لهم صباح الخير وفي المساء مساء الخير؟
أرجو الرد عاجلاً ؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الله تعالى في محكم كتابه: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً* وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:32-33].
فإذا كان كلام المرأة طبيعياً، وبدون خضوع بالقول، وبدون تبرج وإبداء زينة.... فهذا لا مانع منه شرعاً، لقول الله تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ [الأحزاب:53].
وهذا الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم، ومعناه أن المرأة يمكن أن تتكلم في حاجتها مع الرجال بالضواط التي أشرنا إلى بعضها، ولا مانع أن يسلموا عليها، وتسلم عليهم إذا أمنت الفتنة والخلوة والاختلاط المريب.
فقد كان بعض الصحابة يسلمون على بعض الصحابيات، وكان أبو بكر وعمر يزوران أم أيمن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلى المسلم أن يراعي في ذلك كله الضوابط الشرعية، فقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدخول على النساء والخلوة بهن.... فقال: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. متفق عليه.
وقال: لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم. رواه البخاري ومسلم.
والحاصل أن صوت المرأة ليس بعورة، وأنه يجوز الكلام مع المرأة لحاجة إذا ضبطت بالضوابط الشرعية.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 12 / ص 442)
من هو المخوَّل بإقامة الحدود رقم الفتوى:22128تاريخ الفتوى:02 رجب 1423السؤال : ما هو رأي الشرع في أمرأة متزوجة منذ36 عاما وهي جدة لأربعه أطفال وسنها 52 عاما وزوجها لم يبخل عليها بشيء سوى العواطف التي لا يجيد إظهارها و(قامت بمصاحبه رجل يصغرها ب 5 سنوات و تقابله دون أن ترتكب الفحشاء) بالله يا أخي أسرع في ردك حتى تقام حدود الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما فعلته هذه المرأة حرام فإن الله عز وجل أمر المؤمنات بغض الأبصار، فقال سبحانه: ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) (النور: من الآية31) ونهى الله عز وجل نساء النبي صلى الله عليه وسلم وهن أطهر نساء الأمة وأمهات المؤمنين، نهاهن أن يتكلمن مع الرجال بكلام فيه لين وخضوع، فقال سبحانه... ( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً ) (الأحزاب: من الآية32)
وحرم النبي صلى الله عليه وسلم خلوة المرأة برجل أجنبي عنها، فقال عليه الصلاة والسلام: " لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم "
وهذه المرأة هداها الله قد تجاوزت كل هذه الحدود وارتكبت كل هذه المحرمات، فالواجب عليها التوبة والمبادرة بها قبل أن يفجأها الموت وهي على هذه الحال.
وحري بها وقد بلغت هذه السن أن تقبل على الله عز وجل وتستعد للموت والرحيل من هذه الدار بأحسن عملها، وليس العكس فلما قاربت القبر سلكت سبيل الغواية. نسأل الله عز وجل العافية من طمس البصائر وموت القلوب.
والخلاصة أن عليها أن تتوب إلى الله عز وجل توبة صادقة مستكملة شروطها وأركانها، وذلك بأن تندم على ما فات، وتقلع عن الذنب في الحال، وتعزم على أن لا تعود إليه في المستقبل.
وأما الحد فلا حد عليها لأنها لم تزن.
ومما ينبغي التنبه له أن الحدود لا يقيمها إلا السلطان أو من ينوب عنه، وليست موكلة إلى آحاد الناس.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 13 / ص 42)
توجه الشاب إلى الزواج مؤشر خير رقم الفتوى:22386تاريخ الفتوى:09 رجب 1423السؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
توجد فتاه في المنزل الذي نسكن فيه وأريد أن أتزوجها إن شاء الله مع العلم أني أبلغ من العمر 19 عاماً وهي أصغر مني بعام فما حكم هذا الشعور تجاهها إلى حين اتخاذ قرار الزواج ؟ أفيدونا أكرمكم الله؟ وجزاكم الله خيراً.....
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا مانع شرعاً من أن تتقدم لهذه الفتاة وتخطبها عند أهلها، ولكن قبل ذلك وبعده لا يجوز لك أن تدخل عليها أو تخلو بها حتى يتم الزواج.
فقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدخول على النساء، وذلك لما يترتب عليه من مخاطر عظيمه وعواقب وخيمة.
فقد روى الترمذي عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والدخول على النساء.....
وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما. رواه الترمذي.
والحاصل أن هذا شيء طيب أن يتوجه الشباب إلى الزواج الحلال امتثالاً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج.......
ولكن عليك أن تحذر من تلك المحاذير التي أشرنا إلى بعضها.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 13 / ص 374)
موقف الشرع من تداوي المرأة عند طبيب رقم الفتوى:23240تاريخ الفتوى:28 رجب 1423السؤال : هل يجوز أن توجد سيدة مع طبيب بدون محرم لها ؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن إجراء الكشف الطبي من قبل طبيب لامرأة ليست من محارمه يجوز للحاجة أو الضرورة عند عدم وجود طبيبة أو مع وجودها وعدم تخصصها في المرض الذي أصيبت به المرأة، فإن وجدت الطبيبة التي تستطيع إجراء هذا الكشف، فلا يجوز للمرأة أن تتحول عنها إلى طبيب رجل، وقد مضى بيان هذا الحكم بضوابطه في الفتاوى التالية أرقامها:
8107
20549
4385
7764.
فإذا جاز للمرأة أن تجري الكشف عند طبيب ثقة، فلا يجوز أن يتم ذلك في خلوة محرمة معه، بل يجب أن يوجد معها أحد محارمها. قال البهوتي في كشاف القناع عن متن الإقناع: ولطبيب نظر ولمس ما تدعو الحاجة إلى نظره ولمسه حتى ظاهر فرجها وباطنه، لأنه موضع حاجة وظاهره ولو ذمياً، قاله في المبدع ومثله المغني، وليكن ذلك مع حضور محرم أو زوج، لأنه لا يأمن مع الخلوة مواقعة المحظور. انتهى
وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم. متفق عليه
وفي مسند أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يخلون أحدكم بامرأة، فإن الشيطان ثالثهما. وصححه الأرناؤوط.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 14 / ص 53)
نصيحة لمقيمة تعمل في بلاد الكفر رقم الفتوى:23602تاريخ الفتوى:06 شعبان 1423السؤال : أعيش في فرنسا مند10 سنين,ذهبت إلى فرنسا لأتم دراستي وفقني الله فحصلت على شهادة عملت في شركة في فرنسا أعمل فيها منذ 4 سنوات
علما أنني قد ذهبت إلى العمرة في رمضان وأعانني الله أن أتحجب و قد علم المديرأنني لن أترك الحجاب في فرنسا وأراد أن يغريني بمنصب راق في الشركة يشترط فيه أن لا أرتدي الحجاب رفضت اقتراحه فأنا أعلم أنهم يحاولون التخلص مني بضغوط حتى أمل وأستقيل وأنا حائرة لأنني كنت قد قررت العمل معهم لأحاول أن اقنع ولوالقليل من زملائي أن الإسلام مختلف عما يسمعون عنه وأود أن أغير بمشيئة لله نظرية ولوشخص واحد وأنا أعرف أن الله اكبر من أي مدير لا أخشى إلا الله ولكن ما يقلقني هو هل يصح لي أن أسكن في بلد وحدي بدون محرم و باستطاعتي أن أجد عملا في بلدي قرب أسرتي المرجو النصيحة
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنشكر السائلة الكريمة على اهتمامها بدينها، وحرصها على تحري الحلال ونسأل الله تعالى أن يثبتها، ونقول لها بأن سفر المرأة دون محرم لا يجوز شرعاً، فقد جاء في الصحيحين وغيرهما واللفظ للبخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يخلون رجل بامرأة، ولا تسافرن المرأة إلا ومعها محرم. فقام رجل فقال: يا رسول الله اكتتبت في غزوة كذا وكذا وخرجت امرأتي حاجة؟ قال: اذهب فحج مع امرأتك"
فإذا كنت تسافرين فلا بد أن يكون معك زوج أو أب أو أخ، وإذا كان السفر أو الإقامة في بلد ما سيؤدي إلى ترك الصلاة أو تضييعها أو خلع الحجاب أو غير ذلك من الواجبات الشرعية، فإنه لا يجوز، وبإمكانك أن تبحثي عن العمل - إذا كنت تحتاجين إليه - في بلد أو غيره من بلاد المسلمين التي تحتاج إلى تخصصك وتمارسي الدعوة إلى الله من خلاله، وبكل وسيلة مشروعة كما هو واجب كل مسلم، ويمكن أن يكون تأثيرك حينئذ أقوى، وعطاؤك أكثر.
ولتعلمي أن المسلم لا يسد عليه باب، فمن اتقى الله تعالى جعل له مخرجاً قال تعالى: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) (الطلاق:2- 3)
والذي ننصحك به هو تقوى الله تعالى، والإقامة ببلدك مع أهلك وذويك، وأداء ما فرض الله عليك من الدعوة إلى هذا الدين العظيم.
وبإمكانك الاطلاع على المزيد من الفائدة والأدلة في الفتوى رقم: 5807والفتوى رقم 3859
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 16 / ص 344)
شروط إباحة تعليم الرجل المرأة القرآن رقم الفتوى:26618تاريخ الفتوى:20 شوال 1423السؤال : هل يجوز تعليم بنت الجيران القرآن الكريم لأنها وأباها مشغولون ولا يملكون الوقت لذلك وعملي إن شاء الله لوجهه تعالى ؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذه البنت لا تخلو من حالين:
إما أن تكون بنتاً صغيرة السن لا يشتهى مثلها ويأمن الإنسان الفتنة بها فهذه لا بأس بتعليمها القرآن، ولو في حال عدم وجود أحد من محارمها.
وإما أن تكون هذه البنت كبيرة السن بالغة أو صغيرة تشتهى فهذه يجوز تعليمها أيضاً ولكن بشرط التقيد بالضوابط الشرعية والتي فيها عدم الخلوة والالتزام بالحجاب الشرعي، وعدم الخضوع بالقول ونحوها، لما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم.
وكذا يجوز تعليمها مع وجود غيرها من النساء إذا أمنت الفتنة، لما ثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوماً من نفسك، فوعدهن يوماً لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن.
وما ورد في السؤال من كون ذلك لوجه الله تعالى فإن هذا لا يعني جواز ذلك دون مراعاة لتلك الضوابط الشرعية.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 17 / ص 444)
مذاهب العلماء في سفر المرأة للعمرة مع رفقة مأمونة رقم الفتوى:28235تاريخ الفتوى:30 ذو القعدة 1423السؤال : أنا مصري مقيم بالمملكة وسوف تصل حماتي لزيارتي فهل يجوز أن تذهب إلى مكة لأداء العمرة مع أمي ووالدي علما بأني مقيم بالرياض وجزاكم الله خيراً...
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمرأة أن تسافر إلى العمرة ولا غيرها بدون محرم، لما ثبت عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخطب ويقول: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، فقال: انطلق فحج مع امرأتك. متفق عليه واللفظ لمسلم.
وذهب بعض أهل العلم إلى جواز سفر المرأة مع الرفقة المأمونة بشرط أن يكون سفرها واجباً.
وعليه؛ فإن كانت العمرة واجبة على من ذكرت لا نافلة فيجوز لها على هذا القول السفر مع من ذكرت، وعلى كل حال فالمسألة مختلف فيها بين أهل العلم -كما رأيت- ولا شك أنه إن تمكنت أنت من السفر معها كان ذلك، متحتما خروجاً من الخلاف وعملاً بالأحوط.
فإن لم تتمكن من ذلك، وكانت هذه المرأة كبيرة في السن ومتدينة فقد يكون في الأخذ بقول من أجاز لها السفر مع الرفقة الآمنة سعة، وراجع الفتوى رقم: 3665.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 18 / ص 74)
حكم مراسلة المرأة للرجل في أمور دعوية رقم الفتوى:28452تاريخ الفتوى:14 ذو الحجة 1423السؤال: السلام عليكم
أنا قد اشتركت في منتدى إسلامي وأشارك في مواضيع أبتغي فيها الأجر عند الله سؤالي هو
ما حكم مراسلة رجل (هو من المشرفين على المنتدى) بغرض إنشاء مشروع لتقديمه لبقية الأعضاء وذلك لتعم الفائدة على الجميع، أي لا بد من الاتصال إما للاستفسار أو للاقتراح وإبداء الرأي وذلك يتم برسائل خاصة بيني وبينه ( أي هو حلقة الوصل بيني وبين باقي المشرفين)
مع مراعاة آداب الحديث ومراعاة الله في كل شيء، الرجاء التوضيح مخافة غضب الله والوقوع في المعاصي جزاك الله عنا خير الجزاء؟
الفتوى: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإسلام قد نظم العلاقة بين أفراد الناس بنظام يلائم فطرة النفس البشرية، ومنع العلاقة بين الرجل الأجنبي والمرأة والحديث بينهما إلا إذا كان ذلك لمقتضى شرعي، وفي حدود الحاجة والضوابط الشرعية.
وذلك بأن تكون المحادثة -مثلاً- لمصلحة شرعية أ وحاجة خاصة أو عامة بشرط عدم الخلوة والخضوع بالقول، فقد قال الله عز وجل: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً [الأحزاب:32].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم.... رواه البخاري ومسلم.
وأما إذا كان الاتصال للاستفسار عن حاجة أو اقتراح لأمر فيه مصلحة أو إبداء رأي... فهذا وما أشبهه لا مانع منه شرعاً، إذا ضبط بالضوابط الشرعية، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم:12562.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 19 / ص 298)
العلاقة الآثمة مع المتزوجة من أخطر الذنوب رقم الفتوى:30425تاريخ الفتوى:29 محرم 1424السؤال : السلام عليكم يا إخوتنا ولكم مني أعز كلام في خاطري لكن اليوم أفشيه لكم كإخوان أعطوا الكثير لنا.
أنا شاب أبلغ من العمر 24 سنة وأعمل بمركز .. تعرفت على إحدى العاملات وكانت أجملهن.. ومع مرور الأيام أصبحنا نتبادل كل المعارف بيننا حتى أصبحنا أحباباً لدرجة لا نستطيع فراق بعضنا بعد نهاية العمل..عشقتها وهي أيضا.. ومشكلتي الكبيرة أنها متزوجة ولها طفلان.. وصلت محبتنا إلى ما كنت أجهله.. حيث تعاملني كعاشق وحبيب وأكثر من زوجها إذ لا تبخل علي حتى وإن طلبت منها المستحيل.. حاولت الهروب منها لكن بلا جدوى.. ربما شفقة أو ربما أحبها كما هي تحبني.. وحتى الآن مضى عام ونصف ولم أستطع التخلص من أكبر مشكلة صادفتها.. غريزة نفسي فيها قوية.. ما العمل وكيف التصرف، ساعدوني .. وأطلب من الله أن يغفر لي ويهديني، أخوكم الضال يحتاج ولو لكلام قد يكون رحمة على نفسي وضميري؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن العلاقة الآثمة مع المتزوجة من أخطر الذنوب، ونسأل الله أن يرزقك توبة صادقة وخلاصاً مما ابتليت به، وإليك هذه الوصايا لعل الله ينفعك بها:
1- تب إلى الله توبة صادقة وأكثر من الاستغفار، قال الله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً [التحريم:8].
2- استعن بالله تعالى واستعذ به مما أصابك، ومن أهم ما يدعى به الدعاء المأثور في صحيح مسلم: اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
والدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال له: يا رسول الله علمني دعاء أنتفع به، قال: قل اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري وقلبي ومنيي -يعني فرجه-. رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الألباني.
ودعاء الخروج من المنزل الذي أخرجه أبو داود وغيره وصححه الألباني، واللفظ لأبي داود: إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال حينئذ هديت وكفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان.
3- أن تحرص على البعد عن هذه المرأة، فلا تنظر إليها، وتذكر دائماً قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30].
وقوله تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36].
ولا تدخل عليها في مكان هي فيه امتثالاً لحديث الصحيحين: إياكم والدخول على النساء.
ولا تخلوّنّ معها في بيت ولا في مكتب ولا في سيارة، لحديث الصحيحين: لا يخلون رجل بامرأة. ، وفي مسند أحمد ومستدرك الحاكم: لا يخلون أحدكم بامرأة فإن الشيطان ثالثهما. صححه الحاكم ووافقه الذهبي.
فاحرص يا أخي على البعد عنها ولو أدى الأمر إلى انتقالك إلى مدينة أخرى، والتحول من عملك في هذا المركز إلى عمل في مؤسسة أخرى، وتذكر أن يوسف عليه السلام فضل السجن على القصر فدعا ربه وقال: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ* فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [يوسف:33-34].
وفي صحيح مسلم أن العالم الذي سأله قاتل مائة نفس عن التوبة قال له: انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء.
4- استحضر خطورة الزنا والفواحش، وما يترتب عليها من الأضرار في الدنيا والآخرة، ومن أخطرها مرض الإيدز الذي نراه الآن.
5- استشعر خطورة إفساد المرأة على زوجها، وتذكر الحديث: ليس منا من خبب امرأة على زوجها وعبداً على سيده. أخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهبي.
6- بادر بالزواج بامرأة صالحة واستعفف بها عن الحرام، ففي الحديث: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج. رواه البخاري ومسلم.
وفي الحديث أيضاً: من رزقه الله امرأة صالحة فقد اعانه على شطر دينه. رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
فالاتصال بالزوجة من أنفع الوسائل في قمع النفس عن الأجنبيات، فقد بوب الإمام مسلم فقال: باب ندب من رأى امرأة فوقعت في نفسه إلى أن يأتي امرأته أو جاريته فيواقعها، وأسند الحديث: إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه.
7- استر نفسك واكتم هذا عن الناس، لما في الحديث: اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألمّ بشيء منها فليستتر بستر الله وليتب إلى الله. اخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
8- أكثر من ذكر الله دائماً فهو الحصن الحصين من الشيطان، ففي الحديث: وآمركم بذكر الله عز وجل كثيراً، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى حصنا حصيناً فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله عز وجل. أخرجه أحمد والترمذي والحاكم وصححه الألباني.
9- حافظ على الصلوات المفروضة في جماعة، وأكثر من النوافل، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما قال الله تعالى: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45].
10- أكثر من المطالعة في كتب الترغيب والترهيب، ومن أهمها رياض الصالحين والمتجر الرابح للدمياطي، وفضائل الأعمال للمقدسي والترغيب والترهيب للمنذري.
11- حاول أن تلازم البيئات الصالحة والمساجد ومجالس العلم، وأن تصاحب من فيها من طلاب العلم وأهل الخير، وأن تشتغل بالتعلم والأعمال الصالحة معهم، واهجر مجالس السوء وأصحاب السوء، كما أوصى العالمُ قاتلَ المائة: انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء.
وراجع علاج العشق في الفتوى رقم:
9360.
وحاول أن تستسمح الزوج ولا تصرح له بالقضية، ففي صحيح البخاري: من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 20 / ص 48)
:جعل الله المحرم حماية للمرأة وصيانة لها رقم الفتوى:30902تاريخ الفتوى:17 صفر 1424السؤال : س: وضح عناية الإسلام بالمرآة من خلال دراسة موضوع المحرمية ؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلقد حفظ الإسلام المرأة وصانها عما يدنس كرامتها ويمس عفتها، ورفع مكانتها وأعلى شأنها، ويكفي أنه سمى سورة من أطول سور القرآن باسم النساء، وأخرى سميت بالنساء الصغرى وهي سورة الطلاق، في اهتمام وعناية لا مزيد عليها بالمرأة أماً وزوجة وأختاً وبنتاً، ومما شرعه الإسلام في سبيل تحقيق صيانة المرأة أنه اشترط المحرم لسفرها أو الدخول عليها ونحو ذلك.
كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم. رواه البخاري، وروى أيضاً: لا يخلونّ رجل بامرأة إلا مع ذي محرم.
ولم يكن المحرم كما زعم أعداء المرأة وأعداء الإسلام انتقاصاً لقدر المرأة، أو أن الأصل فيها الشك والريب لذلك جعل لها المحرم رقيباً في حلها وسفرها، لا ليس الأمر كما زعموا، ولكن المحرم لحماية المرأة من خطر يهدد عرضها أو يثلم عفتها، فهو كالحماية الشخصية التي ترافق الملوك والشخصيات المهمة، فكفى بهذا فخراً وشرفاً للمسلمة.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 20 / ص 67)
أقوال أهل العلم في سفر المرأة رقم الفتوى:3096تاريخ الفتوى:16 صفر 1420السؤال : ما هو حكم سفر المرأة من دون محرم على المذاهب الأربعة ؟ وما هو الصواب منها بالنظر إلى عموم الأدلة ومقاصد الشريعة
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أجمع أهل العلم على تحريم سفر المرأة بدون محرم إذا خيفت الفتنة، واختلفوا فيما إذا بعدت الشبهة وموطنها. فذهب بعضهم إلى تحريم سفر المرأة دون محرم أخذا بعموم ألفاظ الأحاديث الواردة في منع المرأة من السفر دون محرم، ومنها ما رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم" وما رواه الشيخان أيضا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم" فقام رجل فقال: يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا فقال: انطلق فحج مع امرأتك". فأخذ هؤلاء وهم الحنابلة والأحناف والظاهرية. بالمنع من سفر المرأة دون محرم سواء قرب السفر أم بعد، شابة كانت المرأة أم عجوزاً، معها رفقة من النساء أم لا. وذهب الشافعية والمالكية إلى أنه يجوز لها أن تسافر بدون محرم إذا أمنت الطريق بوجود رفقة من نساء أو نحو ذلك. وخصه بعضهم بسفر الحج الواجب وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: "وتحج كل امرأة آمنة مع عدم محرم لزوال العلة" وفرق آخرون بين الشابة والمرأة الكبيرة فأباحوا ذلك للمرأة الكبيرة ومنعوه للشابة. واشترط بعض أهل العلم في الرفقة أن تشتمل على نساء. وعلى كل فلا يخفى أن العلة التي كان الحكم بها محل اتفاق لم تتحقق في زمن مثلما هي متحققة في زمننا هذا. والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 20 / ص 258)
:لا يشترط أن يكن المحرم في نفس السيارة رقم الفتوى:31337تاريخ الفتوى:25 صفر 1424السؤال : السلام عليكم,,
هل يجوز أن اذهب للعمرة بالسيارة والمحرم يكون بالسيارة أوالعكس؟ وأم يجب أن يستقبلني هناك، أو نكون في سيارتين؟؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنك إذا ذهبت إلى العمرة يلزم أن يكون معك محرم، لما صح من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا يخلونّ رجل بامرأة ولا تسافرنّ امرأة إلا ومعها محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله اكتتبت في غزوة كذا وكذا وخرجت امرأتي حاجة، قال: اذهب فحج مع امرأتك. رواه البخاري.
أما أن يكون المحرم معك في نفس السيارة أو يصحبك لكن في سيارة ثانية، فلا مانع من شيء من ذلك، لأن المقصود هو أن يساعدك في الصعود والنزول والبروز وغير ذلك مما تدعو له الحاجة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة: فاشتراط ما اشترطه الله ورسوله أحق وأوثق وحكمته ظاهرة فإن النساء لحم على وضم.... والمرأة معرضة في السفر للصعود والنزول والبروز، محتاجة إلى من يعالجها ويمس بدنها، وتحتاج هي ومن معها من النساء إلى قَيِّم يقوم عليهن.... ج2ص176.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 21 / ص 236)
حكم سلام المرأة على خطيبها رقم الفتوى:32504تاريخ الفتوى:23 ربيع الأول 1424السؤال : أنا فتاة مخطوبة ولا أصافح الرجال، فهل من الممكن أن أسلم على خطيبى أم لا، وكيف أقنع من حولي بأن المصافحة مكروهة إن كانت غير محرمة بالنص؟ وجزاكم الله كل خير.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن سلام الرجل على امرأة لا تحل له وسلامها عليه يجوز إذا أمنت الفتنة ولم توجد ريبة، فعن أسماء بن يزيد الأنصارية قالت: مر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في جوار أتراب لي فسلم علينا. أخرجه البخاري في الأدب المفرد وقال الألباني صحيح، كما أخرجه الإمام أحمد في المسند والطبراني.
وعليه فيجوز لك السلام على خطيبك بشرط عدم الخلوة بينكما لأن الخاطب يعتبر أجنبياً يحرم بينه وبين خطيبته ما يحرم بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: لا يخلونّ رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان. أخرجه الإمام أحمد والترمذي والبيهقي.
هذا إذا لم يكن قد تم عقد القران بينكما وإلا فلا حرج عليك في مصافحته والخلوة معه.
أما المصافحة فإن كانت بين رجل وامرأة لا تحل له فلا تجوز بدليل ما رواه أحمد في المسند والطبراني في المعجم من حديث أميمة بنت رقيقة قالت: قلنا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تصافحنا، قال: إني لا أصافح النساء، وإنما قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة.
وأخرج الطبراني في المعجم الكبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل له.
وإن كانت المصافحة بين رجل ومحرمه من النساء فأفتى الإمام أحمد بن حنبل بكراهتها ونهى عنها فقد ذكر ابن مفلح في كتابه "الآداب الشرعية": أن أحمد بن حنبل سئل عن الرجل يصافح المرأة قال: لا وشدد فيه جداً، قلت فيصافحها بثوبه، قال: لا، قال رجل: وإن كان ذا محرم قال: لا.
ولعل الصواب تركه في هذا الزمان الذي كثر فيه الفساد والتبرج وكثرت وسائل إثارة الشهوة، فينبغي قطع الطريق وسد الباب على أصحاب الضمائر الخبيثة الذين يقصدون التلذذ بمصافحة المحارم.
والله أعلم.
الدخول على الأجنبية وحدها محرم اتقاقا رقم الفتوى:32829تاريخ الفتوى:08 ربيع الثاني 1424السؤال: السلام عليكم أما بعد:
فأنا أجلس في كل شهر مرة تقريبا مع فتاة هي أعز صديقة لدي لكي أصلح لها الجهاز ولكن لا أشعر بأي رغبة جنسية تجاهها حتى عندما أصافحها، فهل ذلك حرام؟ شكراً.
الفتوى: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الدخول على الأجنبية وحدها والخلوة بها أمر محرم اتفاقاً بين العلماء، كما قال النووي والشوكاني وغيرهما.
ويدل له حديث الصحيحين: "إياكم والدخول على النساء" وحديث الصحيحين: "لا يخلونّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم."
وحديث الحاكم: "لا يخلونَّ أحدكم بامرأة فإن الشيطان ثالثهما" رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، فيجب عليك أن تغض البصر وألا تتكلم معها إلا بالكلام العادي، ويجب عليها الالتزام بالحجاب الشرعي وعدم الخضوع في القول، ويجب عليكما البعد عن الخلوة دائماً مهما كان حالكما، قال تعالى: ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم).
(وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها)
وقال: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض)، وللمزيد من المعلومات حول الموضوع راجع الفتاوى التالية أرقامها:
15406 1248 8890 32617 15383وراجع في الصداقة مع الفتيات الفتاوى التالية أرقامها: 1072 10271 17479 9431 11945
وراجع حكم مصافحة الأجنبية في الفتويين التاليتين: 3045 1025
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 22 / ص 270)
الأسباب المعينة على التخلص من غواية الشيطان رقم الفتوى:33860تاريخ الفتوى:27 ربيع الثاني 1424السؤال : إلى جميع الإخوان إنني أستنصركم على عدوي وعدو كل البشرية ذلك هو الشيطان اللعين، يا عالم هل لي من متاب من ذنب أصبته مراراً وتكراراً؟ كل مرة أقطع فيها الأف العهود ألا أعود و(لكن)- ما أشد لؤمي - سرعان ما يغلبني هذا اللعين رغم تلك العهود العظيمة.. ماذا أعمل؟ كيف أتخلص؟ أواجه الإحسان -من الله- بالمعاصي كلما ذهبت إلي الإنترنت، ياللخزي من كثرة انتكاساتي أخشى أن يكون الله قد طبع على قلبي؟ أعوذ بالله من ذلك، أيها الإخوه إنني أعيش صراعا مريرا أهزم فيه كل مره ألا مرتين فقط، كيف أنزجر؟ ماذا أصنع؟
إنني لأرجو منكم الدعاء لعل التواب الرحيم أن يقبلني وأن أتوب ولا أعود إلى هذه المستنقعات القذرة يا إخوان ما يزيد ندمي أنني كنت على خير عظيم؟ ولكنني ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم انزلقت بعد الهدى، الدعاء الدعاء لي لعل الله أن يجعلني من جنده في هذا الزمن الذي تنكر فيه (المسلمون) لدينهم، في هذا الزمن الذي تكالبت فيه الأعداء وتخلي أبناء الإسلام عنه إلا من رحم ربي، أشهد الله وأشهدكم أني تبت من الآن.. فاللهم ثبتني وانصرني يا أكرم الأكرمين يا أرحم الراحمين، يا ذا الجلال والإكرام آمين يا الله، أتمنى منكم نصيحه حول أمري هذا، وأدعوا الله لي بزوجه صالحه لعل الله أن يجعلها مفتاح الاستقامه إنه ولي ذلك والقادر عليه..؟ وجزاكم الله الدرجات العلى في مستقر رحمته.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الشيطان عدو لنا كما قال الله تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6].
وهو يجري منا مجرى الدم، وقد عزم على إغوائنا وإبعادنا عن الصراط المستقيم حتى نكون في النار، ففي حديث الصحيحين: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.
وقد أخبر الله تعالى عن الشيطان أنه قال: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [صّ:82].
ومن الأسباب المعينة على السلامة من شره:
1- الإيمان بالله وعبادته بإخلاص والتوكل عليه والاستعاذة به، قال الله تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف:200]، وقال الله تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ* إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ [لنحل:98-99-100].
وقد أخبر الله تعالى عن الشيطان أنه قال: قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [الحجر:39-40].
فأجابه الله: قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ* إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ [الحجر:41-42].
2- الالتزام بالكتاب والسنة والإكثار من تلاوة القرآن ولاسيما البقرة وبالأخص آية الكرسي والآيتين الأخيرتين من السورة.
ففي حديث ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم خط خطا بيده ثم قال: هذا سبيل الله مستقيماً ثم خط عن يمينه وشماله، ثم قال: هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه، ثم قرأ: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. رواه أحمد والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وفي حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة. رواه مسلم.
وفي حديث أبي هريرة: أن الشيطان قال له إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقول الشيطان، قال: صدقك وهو كذوب. رواه البخاري.
وروى النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة لا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان. رواه الترمذي والحاكم والطبراني، وقال الهيثمي رجاله ثقات وصححه الألباني في صحيح الترغيب.
3- المحافظة على الصلاة في الجماعة والأذان لها وقيام الليل، فقد روى أبو الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من ثلاثة في قرية ولا بدولا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذنب القاصية. رواه النسائي وقال: قال السائب -أحد رواة الحديث- يعني بالجماعة جماعة الصلاة، ورواه أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وعن ابن مسعود قال: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلة حتى أصبح قال: ذاك رجل بال الشيطان في أذنه. رواه البخاري ومسلم.
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب على كل عقدة عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان. رواه البخاري ومسلم.
4- المحافظة على ذكر الله تعالى دائماً، ولا سيما الأذكار المقيدة: صباحاً ومساء عند النوم وعند الدخول والخروج والأكل والجماع وعند الخلاء ونزع الثياب، ففي حديث الحارث الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وآمركم بذكر الله كثيراً، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره حتى أتى على حصن حصين فأحرز نفسه فيه، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله. رواه أحمد والترمذي والحاكم وأبو يعلى واللفظ لأبي يعلى وصححه الأرنؤوط والألباني وحسين أسد في تحقيق مسند أبي يعلى.
وراجع كتب الأذكار لتعرف دعاء الدخول والخروج والأكل والشرب والجماع وعند الخلاء ونزع الثياب وأذكار الصباح والمساء، وراجع الفتوى رقم: 11882.
5- الالتزام بالجماعة، ففي حديث عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد. رواه الترمذي والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
6- البعد عن اتباع خطوات الشيطان ومظان وجوده، كالسوق ومجالس النساء ولا سيما الخلوة والانفراد بهن، ومجالس الغناء، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [النور:21].
وفي الحديث: لا تكن أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها، ففيها باض الشيطان وفرخ. رواه مسلم من حديث سلمان الفارسي موقوفاً ورفعه الطبراني وغيره، وفي رواية: لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها، فإنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته. رواها مسلم عن سلمان موقوفة ورواها البزار مرفوعه.
وفي الحديث: ألا لا يخلونّ رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما. رواه الحاكم من حديث عمر وصححه ووافقه الذهبي.
وينبغي أن تعلم أن الإنترنت آلة ينبغي الاستفادة من خيرها والبعد عن شرها، ومما يعين على الاستفادة منها أن لا تدخل عليها وحدك، بل اتخذ رفقة صالحة وبرمج معهم برامج مفيدة، ولتكن منها برامج تتابعون فيها دروساً علمية لبعض العلماء، أو تبحثون في كتب نافعة أو تسألون أهل العلم من خلالها عما أشكل عليكم.
وعليك بمراجعة إغاثة اللهفان من مكايد الشيطان لابن القيم، وتلبيس إبليس لابن الجوزي، ووقاية الإنسان من الجن والشيطان لوحيد عبد السلام بالي، والصحيح المسند من أذكار اليوم والليلة لمصطفى العدوي والأذكار النووية، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 12928، 7547، 1568، 6617، 2586، 1208، 31768، 3364، 29324، 30945.والله أعلم.(1/170)
ذِكْرُ اخْتِلَافِ أَلْفَاظِ النَّاقِلِينَ لِخَبَرِ عُمَرَ فِيهِ
320- 7976 أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : خَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي مِثْلِ مَقَامِي هَذَا ثُمَّ قَالَ : " أَحْسِنُوا إِلَى أَصْحَابِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَحْلِفَ عَلَى الْيَمِينِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ عَلَيْهَا ، وَيَشْهَدُ عَلَى الشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ عَلَيْهَا ، فَمَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يَنَالَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ ، وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبَعْدُ ، أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ ، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ، أَلَا وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ تَسُوءُهُ سَيِّئَتُهُ ، وَتَسُرُّهُ حَسَنَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ " أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ ، يُحَدِّثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ : قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ جَرِيرٍ (1)
__________
(1) - مسند أحمد برقم( 179) والمعجم الأوسط للطبراني برقم(1722) ومسند أبي يعلى الموصلي برقم 131 و132) وصحيح ابن حبان برقم(4659 ) وهو صحيح
مشكل الآثار للطحاوي - (ج 8 / ص 219)
باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : « من سرته حسنته ، وساءته سيئته ، فهو مؤمن »
3138 - حدثنا محمد بن علي بن داود قال : حدثنا أحمد بن الحجاج المروزي قال : أخبرنا عبد الله بن المبارك قال : أخبرنا محمد بن سوقة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، أن عمر بن الخطاب خطب الناس بالجابية ، فقال : « قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا مقامي هذا فيكم فقال : » استوصوا بأصحابي خيرا ، ثم الذين يلونهم ، ثم يفشو الكذب ، حتى إن الرجل ليبدأ بالشهادة قبل أن يسألها ، وباليمين قبل أن يسألها ، فمن أراد منكم بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة ، فإن الشيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد ، ولا يخلون أحدكم بامرأة ، فإن الشيطان ثالثهما ، ومن سرته حسنته ، وساءته سيئته ، فهو مؤمن « هكذا حدثنا محمد بن علي هذا الحديث ، فقال فيه : » بحبوحة الجنة « قال : وقال عبد الله ، وقال غيره - كأنه يعني غير محمد بن سوقة - : » بحبحة الجنة « حدثنا فهد بن سليمان قال : حدثنا عبدة بن سليمان ، بمصر قال : أخبرنا ابن المبارك قال : أخبرنا محمد بن سوقة ، ثم ذكر بإسناده مثله غير أنه قال : » بحبحة الجنة «
3139 - حدثنا يزيد بن سنان قال : حدثنا موسى بن إسماعيل قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عبد الله بن المختار ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الله بن الزبير ، عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من ساءته سيئته ، وسرته حسنته ، فهو مؤمن » قال أبو جعفر : هكذا روى حماد هذا الحديث ، عن عبد الله بن المختار ، عن عبد الملك بن عمير ، عن ابن الزبير ، لم يذكر فيه بينهما أحدا . وقد رواه أبو عوانة كذلك أيضا حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا أبو عوانة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الله بن الزبير ، ثم ذكر مثله ، إلا أنه قال : « استوصوا بأصحابي » ورواه أيضا كذلك قزعة بن سويد الباهلي حدثنا يزيد بن سنان قال : حدثنا شيبان بن فروخ قال : حدثنا قزعة بن سويد الباهلي قال : سمعت عبد الملك بن عمير ، عن عبد الله بن الزبير قال : خطبنا عمر بن الخطاب ، ثم ذكر مثله ورواه أيضا كذلك معمر بن راشد حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الله بن الزبير ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قام بالجابية خطيبا ، ثم ذكر مثله ورواه كذلك أيضا يونس بن أبي إسحاق ، عن عبد الملك بن عمير حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا عبد الله بن محمد بن تميم ، وإبراهيم بن الحسن قالا : حدثنا حجاج - وهو ابن محمد قال : حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الله بن الزبير ، عن عمر ، ثم ذكر مثله ورواه أيضا كذلك الحسين بن واقد ، عن عبد الملك بن عمير ، وزاد فيه سماع عبد الملك إياه من عبد الله بن الزبير كما حدثنا أحمد بن عبد المؤمن المروزي قال : حدثنا علي بن الحسن بن شقيق قال : حدثنا الحسين بن واقد قال : حدثنا عبد الملك بن عمير قال : سمعت عبد الله بن الزبير يخطب ، قال : سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب ، قال : « سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب » ، ثم ذكر مثله سواء وقد رواه أيضا شيبان النحوي ، عن عبد الملك بن عمير ، فأدخل بينه وبين ابن الزبير رجلا لم يسمه حدثنا أبو أمية قال : حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي قال : حدثنا شيبان - وهو النحوي ، عن عبد الملك بن عمير ، عن رجل ، سمع عبد الله بن الزبير قال : « خطب عمر بن الخطاب بالشام » ، ثم ذكر مثله غير أنا وجدنا هذا الحديث من رواية عبيد الله بن عمرو الرقي ، عن عبد الملك بن عمير ، بتسمية الرجل الذي بينه وبين ابن الزبير في هذا الحديث ، وأنه مجاهد .
3140 - كما حدثنا يزيد بن سنان قال : حدثنا عبد الحميد بن موسى قال : حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الملك بن عمير ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن الزبير ، عن عمر بن الخطاب ، أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال : « يا أيها الناس ، من أراد بحبحة (1) الجنة فليلزم الجماعة ، فإن الشيطان مع الفرد ، وهو من الاثنين أبعد . . . » ولم يذكر بقية الحديث فاحتمل أن يكون الذي كان عند عبد الملك ، عن مجاهد ، عن أبي الزبير ، عن عمر هو ما في الحديث خاصة ، وما عنده من بقية هذا الحديث عن مجاهد ، أو عن غيره ، عن ابن الزبير ، والله أعلم بحقيقة الأمر في ذلك . ثم وجدنا إسرائيل بن يونس قد روى هذا الحديث ، عن عبد الملك ، عن جابر بن سمرة ، لا عن عبد الله بن الزبير .
__________
(1) البحبحة : التمكن في الحلول والمقام
3141 - كما حدثنا بكار بن قتيبة قال : حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير قال : حدثنا إسرائيل قال : حدثنا عبد الملك بن عمير قال : حدثنا جابر بن سمرة قال : خطبنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالجابية فقال : « قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامي فيكم اليوم فقال : » أحسنوا إلى أصحابي ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل على الشهادة لا يسألها ، وحتى يحلف الرجل على اليمين لا يستحلف ، فمن سره بحبحة (1) الجنة فليلزم الجماعة ؛ فإن الشيطان مع الفذ ، وهو من الاثنين أبعد ، لا يخلون رجل بامرأة ؛ فإن الشيطان ثالثهما ، فمن سرته حسنته ، وساءته سيئته ، فهو مؤمن « ورواه كذلك أيضا جرير بن حازم ، عن عبد الملك حدثنا يزيد بن سنان قال : حدثنا وهب بن جرير قال : حدثنا أبي ح ، وكما حدثنا يزيد بن سنان قال : حدثنا حبان بن هلال قال : حدثنا جرير بن حازم قال : حدثنا عبد الملك بن عمير قال : حدثنا جابر بن سمرة قال : خطبنا عمر رضي الله عنه فقال : » قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم « ، ثم ذكر مثله ثم وجدنا أبا المحياة يحيى بن يعلى التيمي قد روى هذا الحديث ، عن عبد الملك بن عمير ، عن قبيصة بن جابر كما حدثنا روح بن الفرج قال : حدثنا يوسف بن عدي قال : حدثنا أبو المحياة يحيى بن يعلى ، عن عبد الملك بن عمير ، عن قبيصة بن جابر قال : خطبنا عمر رضي الله عنه ، ثم ذكر هذا الحديث . قال أبو جعفر : فتأملنا هذا الحديث لنقف على ما فيه من قول النبي صلى الله عليه وسلم : » من سرته حسنته ، وساءته سيئته ، فهو مؤمن « ، إن شاء الله ، فكان قوله : » من سرته حسنته « محتملا أن يكون : من سرته حسنته إذ كان يرجو قبول الله عز وجل إياها منه ، وقوله : » من ساءته سيئته « ، إذ كان يخاف عقوبة الله عز وجل إياه عليها إيمانا ؛ لأن من رجا من الله عز وجل مثل الذي رجاه ، وخاف منه مثل الذي خافه على الأحوال المحمودة التي وصف الله عز وجل بها أهل الحمد من خلقه بقوله : أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه (2) ، ومن كان كذلك في الرجاء من الله ، والخوف منه ، كان مؤمنا ، والله عز وجل نسأله التوفيق .
__________
(1) البحبحة : التمكن في الحلول والمقام
(2) سورة : الإسراء آية رقم : 57(1/171)
321-7977 أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّبَّاحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ : حَدَّثَنَا هِشَامٌ وَهُوَ ابْنُ حَسَّانَ ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ : خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ : قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامِي فِيكُمُ الْيَوْمَ فَقَالَ : " أَحْسِنُوا إِلَى أَصْحَابِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَشْهَدَ الرَّجُلُ عَلَى الشَّهَادَةِ لَا يَسْأَلُهَا ، وَحَتَّى يَحْلِفَ عَلَى الْيَمِينِ لَا يَسْأَلُهَا ، فَمَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبَعْدُ أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِالْمَرْأَةِ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا ، وَمَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ " (1)
__________
(1) - سنن الترمذى برقم( 2318 ) صحيح
تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 456)
2091 - قَوْلُهُ ( أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو الْمُغِيرَةِ )
قَالَ فِي التَّقْرِيبِ : النَّضْرُ بِالْمُعْجَمَةِ اِبْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَازِمٍ الْبَجَلِيُّ أَبُو الْمُغِيرَةِ الْكُوفِيُّ الْقَاصُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ مِنْ صِغَارِ الثَّامِنَةِ .
( عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ )
بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ الْغَنَوِيِّ ، أَبِي بَكْرٍ الْكُوفِيِّ الْعَابِدِ ، ثِقَةٌ مَرْضِيٌّ عَابِدٌ مِنْ الْخَامِسَةِ .
قَوْلُهُ : ( خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ )
خُطْبَةُ عُمَرَ هَذِهِ مَشْهُورَةٌ ، خَطَبَهَا بِالْجَابِيَةِ وَهِيَ قَرْيَةٌ بِدِمَشْقَ
( فَقَالَ )
أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
( أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ )
أَيْ التَّابِعِينَ
( ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ )
أَيْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ . وَقَوْلُهُ بِأَصْحَابِي وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِهِ وُلَاةَ الْأُمُورِ
( ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ )
أَيْ يَظْهَرُ وَيَنْتَشِرُ بَيْنَ النَّاسِ بِغَيْرِ نَكِيرٍ
( حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ )
أَيْ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ الْحَلِفُ لِجُرْأَتِهِ عَلَى اللَّهِ
( وَيَشْهَدُ الشَّاهِدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ )
قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي أَوَاخِرِ الشَّهَادَاتِ : الْمُرَادُ بِهِ شَهَادَةُ الزُّورِ
( أَلَا )
بِالتَّخْفِيفِ حَرْفُ تَنْبِيهٍ
( لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ )
أَيْ أَجْنَبِيَّةٍ
( إِلَّا كَانَ ثَالِثُهُمَا الشَّيْطَانَ )
بِرَفْعِ الْأَوَّلِ وَنَصْبِ الثَّانِي ، وَيَجُوزُ الْعَكْسُ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ ، وَالْمَعْنَى يَكُونُ الشَّيْطَانُ مَعَهُمَا يُهَيِّجُ شَهْوَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا حَتَّى يُلْقِيَهُمَا فِي الزِّنَا
( عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ )
أَيْ الْمُنْتَظِمَةِ بِنَصْبِ الْإِمَامَةِ
( وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ )
أَيْ اِحْذَرُوا مُفَارَقَتَهَا مَا أَمْكَنَ . وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا : " مَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً " " الْحَدِيثَ " . رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ حُذَيْفَةَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ : تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ . قُلْت : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ ؟ قَالَ فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا ، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَك الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ . قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ : تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ أَيْ أَمِيرَهُمْ . زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ : تَسْمَعُ وَتُطِيعُ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُك وَأُخِذَ مَالُك . وَكَذَا فِي رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ سَبِيعٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ : فَإِنْ رَأَيْت خَلِيفَةً فَالْزَمْهُ وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَك فَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً فَالْهَرَبَ . وَقَالَ الطَّبَرِيُّ . اُخْتُلِفَ فِي هَذَا الْأَمْرِ وَفِي الْجَمَاعَةِ ، فَقَالَ قَوْمٌ هُوَ لِلْوُجُوبِ ، وَالْجَمَاعَةُ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ ، ثُمَّ سَاقَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَصَّى مَنْ سَأَلَهُ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ : عَلَيْك بِالْجَمَاعَةِ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيَجْمَعَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلَى ضَلَالَةٍ . وَقَالَ قَوْمٌ : الْمُرَادُ بِالْجَمَاعَةِ الصَّحَابَةُ دُونَ مَنْ بَعْدَهُمْ . وَقَالَ قَوْمٌ : الْمُرَادُ بِهِمْ أَهْلُ الْعِلْمِ لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُمْ حُجَّةً عَلَى الْخَلْقِ وَالنَّاسُ تَبَعٌ لَهُمْ فِي أَمْرِ الدِّينِ . قَالَ الطَّبَرِيُّ : وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْخَبَرِ لُزُومُ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ فِي طَاعَةِ مَنْ اِجْتَمَعُوا عَلَى تَأْمِيرِهِ ، فَمَنْ نَكَثَ بَيْعَتَهُ خَرَجَ عَنْ الْجَمَاعَةِ . قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ : أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ إِمَامٌ فَافْتَرَقَ النَّاسُ أَحْزَابًا فَلَا يَتْبَعْ أَحَدًا فِي الْفِرْقَةِ وَيَعْتَزِلُ الْجَمِيعَ إِنْ اِسْتَطَاعَ ذَلِكَ خَشْيَةً مِنْ الْوُقُوعِ فِي الشَّرِّ . وَعَلَى ذَلِكَ يَتَنَزَّلُ مَا جَاءَ فِي سَائِرِ الْأَحَادِيثِ ، وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ مَا ظَاهِرُهُ الِاخْتِلَافُ مِنْهَا اِنْتَهَى .
( فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ )
أَيْ الْخَارِجِ عَنْ طَاعَةِ الْأَمِيرِ الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ
( وَهُوَ )
أَيْ الشَّيْطَانُ
( مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ )
أَيْ بَعِيدٌ . قَالَ الطِّيبِيُّ : أَفْعَلُ هُنَا لِمُجَرَّدِ الزِّيَادَةِ وَلَوْ كَانَ مَعَ الثَّلَاثَةِ لَكَانَ بِمَعْنَى التَّفْضِيلِ ، إِذْ الْبُعْدُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالِاثْنَيْنِ دُونَ الِاثْنَيْنِ وَالْفَذِّ ، عَلَى مَا لَا يَخْفَى
( مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ )
بِضَمِّ الْمُوَحَّدَتَيْنِ أَيْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْكُنَ وَسَطَهَا وَخِيَارَهَا
( مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ )
أَيْ إِذَا وَقَعَتْ مِنْهُ
( وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ )
أَيْ أَحْزَنَتْهُ إِذَا صَدَرَتْ عَنْهُ
( فَذَلِكُمْ الْمُؤْمِنُ )
أَيْ الْكَامِلُ لِأَنَّ الْمُنَافِقَ حَيْثُ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ اِسْتَوَتْ عِنْدَهُ الْحَسَنَةُ وَالسَّيِّئَةُ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ } .
قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ )
وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مَنَاقِبِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَعْزُهُ إِلَى أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ بَلْ تَرَكَ بَيَاضًا .
قَالَ الْقَارِي : هُنَا بَيَاضٌ فِي أَصْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَلْحَقَ بِهِ النَّسَائِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إِلَّا إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْحَسَنِ الْخَثْعَمِيَّ فَإِنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ لَهُ الشَّيْخَانِ وَهُوَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ ذَكَرَهُ الْجَزَرِيُّ ، فَالْحَدِيثُ بِكَمَالِهِ إِمَّا صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ اِنْتَهَى .
نيل الأوطار - (ج 13 / ص 423)
قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ إخْرَاجِ هَذَا الْحَدِيثِ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى .
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ قَوْلُهُ : ( أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ) قَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ إطْلَاقَ اسْمِ الصَّحَابِيِّ عَلَيْهِ وَهُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوَاطِنِهِ مِنْ عِلْمِ الِاصْطِلَاحِ قَوْلُهُ : ( الْجَابِيَةُ ) بِالْجِيمِ .
قَالَ فِي الْقَامُوسِ : هُوَ حَوْضٌ ضَخْمٌ ، وَالْجَمَاعَةُ ، وَقَرْيَةٌ بِدِمَشْقَ .
وَبَابُ الْجَابِيَةِ مِنْ أَبْوَابِهَا انْتَهَى .
وَالْمُرَادُ هُنَا الْقَرْيَةُ قَوْلُهُ : ( ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ ) رَتَّبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُشُوَّ الْكَذِبِ عَلَى انْقِرَاضِ الثَّالِثِ .
فَالْقَرْنُ الَّذِي بَعْدَهُ ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُ إلَى الْقِيَامَةِ قَدْ فَشَا فِيهِمْ الْكَذِبُ بِهَذَا النَّصِّ فَعَلَى الْمُتَيَقِّظِ مِنْ حَاكِمٍ أَوْ عَالِمٍ أَنْ يُبَالِغَ فِي تَعَرُّفِ أَحْوَالِ الشَّهَادَةِ وَالْمُخْبِرِينَ ، وَأَنْ لَا يَجْعَلَ الْأَصْلَ فِي ذَلِكَ الصِّدْقَ لِأَنَّ كُلَّ شَهَادَةٍ وَكُلَّ خَبَرٍ قَدْ دَخَلَهُ الِاحْتِمَالُ وَمَعَ دُخُولِ الِاحْتِمَالِ يَمْتَنِعُ الْقَبُولُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ صِدْقِ الْمُخْبِرِ وَالشَّاهِدِ بِأَيِّ دَلِيلٍ .
وَأَقَلُّ الْأَحْوَالِ أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ يَتَجَارَأُ عَلَى الْكَذِبِ وَيُجَازِفُ فِي أَقْوَالِهِ .
وَمِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ لَمْ يُقْبَلْ الْمَجْهُولُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمَنْقُولِ ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ مَلَكَةٌ ، وَالْمَلَكَاتُ مَسْبُوقَةٌ بِالْعَدَمِ فَمَنْ لَا تُعْرَفُ عَدَالَتُهُ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ ، لِأَنَّ الْفِسْقَ مَانِعٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ عَدَمِهِ .
وَكَذَلِكَ الْكَذِبُ مَانِعٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ عَدَمِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ .
وَفِي الْحَدِيثِ التَّوْصِيَةُ بِخَيْرِ الْقُرُونِ وَهُمْ الصَّحَابَةُ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ .
وَقَدْ وَعَدْنَا أَنْ نَذْكُرَ هَهُنَا طَرَفًا مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا وَرَدَ مِنْ مُعَارَضَةِ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِأَفْضَلِيَّةِ الصَّحَابَةِ فَنَقُولُ : قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ مَنْ أَعْلَمَ صَاحِبَ الْحَقِّ بِشَهَادَةٍ لَهُ عِنْدَهُ وَذَمِّ مَنْ أَدَّى شَهَادَةً مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ .
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ خَيْرَ الْقُرُونِ قَرْنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ الْخِيَارُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَنَّهُ لَا أَكْثَرَ خَيْرًا مِنْهُمْ .
وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ كُلٍّ فَرْدٍ فَرْدٍ .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : إنَّ التَّفْضِيلَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَجْمُوعِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُمْ أَفْضَلُ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ لَا كُلِّ فَرْدٍ مِنْهُمْ .
وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا { مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ } وَأَخْرَجَهُ وَأَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَيُدْرِكَنَّ الْمَسِيحُ أَقْوَامًا إنَّهُمْ لَمِثْلُكُمْ أَوْ خَيْرٌ ثَلَاثًا ، وَلَنْ يُخْزِيَ اللَّهُ أُمَّةً أَنَا أَوَّلُهَا وَالْمَسِيحُ آخِرُهَا } وَلَكِنَّهُ مُرْسَلٌ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ تَابِعِيٌّ .
وَأَخْرَجَ الطَّيَالِسِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ عُمَرَ رَفَعَهُ { أَفْضَلُ الْخَلْقِ إيمَانًا قَوْمٌ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ يُؤْمِنُونَ بِي وَلَا يَرَوْنِي } وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُمُعَةَ قَالَ : قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ { يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدٌ خَيْرٌ مِنَّا ، أَسْلَمْنَا مَعَكَ وَجَاهَدْنَا مَعَكَ ؟ قَالَ : قَوْمٌ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِي يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي } وَقَدْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ { بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ } وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ثَعْلَبَةَ رَفَعَهُ { تَأْتِي أَيَّامٌ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ أَجْرُ خَمْسِينَ ، قِيلَ مِنْهُمْ أَوْ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : بَلْ مِنْكُمْ } وَجَمَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الصُّحْبَةَ لَهَا فَضِيلَةٌ وَمَزِيَّةٌ لَا يُوَازِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْأَعْمَالِ ، فَلِمَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضِيلَةُ الصُّحْبَةِ وَإِنْ قَصَّرَ فِي الْأَعْمَالِ ، وَفَضِيلَةُ مَنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ الْأَعْمَالِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِكَثْرَةِ الْأُجُورِ .
فَحَاصِلُ هَذَا الْجَمْعِ أَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى فَضِيلَةِ الصُّحْبَةِ بِاعْتِبَارِ فَضِيلَةِ الصُّحْبَةِ .
وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ أَعْمَالِ الْخَيْرِ فَهُمْ كَغَيْرِهِمْ قَدْ يُوجَدُ فِيمَنْ بَعْدَهُمْ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ أَعْمَالًا مِنْهُمْ أَوْ مِنْ بَعْضِهِمْ ، فَيَكُونُ أَجْرُهُ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ أَكْثَرَ فَكَانَ أَفْضَلَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ ، وَقَدْ يُوجَدُ فِيمَنْ بَعْدَهُمْ مِمَّنْ هُوَ أَقُلُّ عَمَلًا مِنْهُمْ أَوْ مِنْ بَعْضِهِمْ ، فَيَكُونُ مَفْضُولًا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ ، وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْجَمْعِ مَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الصُّحْبَةِ بِلَفْظِ { لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ } فَإِنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ بِاعْتِبَارِ خُصُوصِ أُجُورِ الْأَعْمَالِ لَا بِاعْتِبَارِ فَضِيلَةِ الصُّحْبَةِ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ أَيْضًا حَدِيثُ ثَعْلَبَةَ الْمَذْكُورُ فَإِنَّهُ قَالَ { : لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلًا } ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْخَمْسِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ التَّفْضِيلَ بِاعْتِبَارِ الْأَعْمَالِ ، فَاقْتَضَى الْأَوَّلُ أَفْضَلِيَّةَ الصَّحَابَةِ فِي الْأَعْمَالِ إلَى حَدٍّ يَفْضُلُ نِصْفُ مُدِّهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا ، وَاقْتَضَى الثَّانِي تَفْضِيلَ مَنْ بَعْدَهُمْ إلَى حَدٍّ يَكُونُ أَجْرُ الْعَامِلِ أَجْرَ خَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ الصَّحَابَةِ .
وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ ثَعْلَبَةَ { فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ كَالْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ ، أَجْرُ الْعَامِلِ فِيهِنَّ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلًا ، فَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ : مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ مِنْهُمْ ؟ فَقَالَ : بَلْ مِنْكُمْ } فَتَقَرَّرَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ عَدَمُ صِحَّةِ مَا جَمَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي حَدِيثِ " أُمَّتِي كَالْمَطَرِ " أَنْ يَشْتَبِهَ عَلَى الَّذِينَ يَرَوْنَ عِيسَى وَيُدْرِكُونَ زَمَانَهُ وَمَا فِيهِ مِنْ الْخَيْرِ : أَيُّ الزَّمَانَيْنِ أَفْضَلُ .
قَالَ : وَهَذَا الِاشْتِبَاهُ مُنْدَفِعٌ بِصَرِيحِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي } وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا مِنْ التَّعَسُّفِ الظَّاهِرِ .
وَاَلَّذِي أَوْقَعَهُ فِيهِ عَدَمُ ذِكْرِ فَاعِلِ يَدْرِي فَحَمَلَهُ عَلَى هَذَا وَغَفَلَ عَنْ التَّشْبِيهِ بِالْمَطَرِ الْمُفِيدِ لِوُقُوعِ التَّرَدُّدِ فِي الْخَيْرِيَّةِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ .
وَاَلَّذِي يُسْتَفَادُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ لِلصَّحَابَةِ مَزِيَّةً لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهَا مَنْ بَعْدَهُمْ وَهِيَ صُحْبَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُشَاهَدَتُهُ وَالْجِهَادُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَإِنْفَاذُ أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ ، وَلِمَنْ بَعْدَهُمْ مَزِيَّةٌ لَا يُشَارِكُهُمْ الصَّحَابَةُ فِيهَا وَهِيَ إيمَانُهُمْ بِالْغَيْبِ فِي زَمَانٍ لَا يَرَوْنَ فِيهِ الذَّاتَ الشَّرِيفَةَ الَّتِي جَمَعَتْ مِنْ الْمَحَاسِنِ مَا يَقُودُ بِزِمَامِ كُلِّ مُشَاهِدٍ إلَى الْإِيمَانِ إلَّا مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الشَّقَاوَةُ وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ الْأَعْمَالِ فَأَعْمَالُ الصَّحَابَةِ فَاضِلَةٌ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِحَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ { لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ } الْحَدِيثَ إلَّا أَنَّ هَذِهِ الْمَزِيَّةَ هِيَ لَلسَّابِقِينَ مِنْهُمْ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاطَبَ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ تَأَخَّرَ إسْلَامُهُمْ كَمَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ السَّبَبُ ، وَفِيهِ قِصَّةٌ مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ ، فَاَلَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا } هُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ تَأَخَّرَتْ صُحْبَتُهُمْ ، فَكَانَ بَيْنَ مَنْزِلَةِ أَوَّلِ الصَّحَابَةِ وَآخِرِهِمْ أَنَّ إنْفَاقَ مِثْلِ أُحُدٍ ذَهَبًا مِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ لَا يَبْلُغُ مِثْلَ إنْفَاقِ نِصْفِ مُدٍّ مِنْ مُتَقَدِّمِيهِمْ .
وَأَمَّا أَعْمَالُ مَنْ بَعْدَ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يَرِدْ مَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهَا أَفْضَلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، إنَّمَا وَرَدَ ذَلِكَ مُقَيَّدًا بِأَيَّامِ الْفِتْنَةِ وَغُرْبَةِ الدِّينِ حَتَّى كَانَ أَجْرُ الْوَاحِدِ يَعْدِلُ أَجْرَ خَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ الصَّحَابَةِ فَيَكُونُ هَذَا مُخَصِّصًا لِعُمُومِ مَا وَرَدَ فِي أَعْمَالِ الصَّحَابَةِ ، فَأَعْمَالُ الصَّحَابَةِ فَاضِلَةٌ وَأَعْمَالُ مَنْ بَعْدَهُمْ مَفْضُولَةٌ إلَّا فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالَةِ ، وَمِثْلِ حَالَةِ مَنْ أَدْرَكَ الْمَسِيحَ إنْ صَحَّ ذَلِكَ الْمُرْسَلُ ، وَبِانْضِمَامِ أَفْضَلِيَّةِ الْأَعْمَالِ إلَى مَزِيَّةِ الصُّحْبَةِ يَكُونُونَ خَيْرَ الْقُرُونِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ : { لَا يُدْرَى خَيْرٌ أَوَّلُهُ أَمْ آخِرُهُ } بِاعْتِبَارِ أَنَّ فِي الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ يَكُونُ بِتِلْكَ الْمَثَابَةِ مِنْ كَوْنِ أَجْرِ خَمْسِينَ هَذَا بِاعْتِبَارِ أُجُورِ الْأَعْمَالِ ، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ غَيْرِهَا فَلِكُلِّ طَائِفَةٍ مَزِيَّةٌ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ ، لَكِنَّ مَزِيَّةَ الصَّحَابَةِ فَاضِلَةٌ مُطْلَقًا بِاعْتِبَارِ مَجْمُوعِ الْقَرْنِ لِحَدِيثِ { خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي } فَإِذَا اعْتَبَرْتَ كُلَّ قَرْنٍ قَرْنًا وَوَازَنْتَ بَيْنَ مَجْمُوعٍ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ مَثَلًا ثُمَّ الثَّانِي ثُمَّ كَذَلِكَ إلَى انْقِرَاضِ الْعَالَمِ ، فَالصَّحَابَةُ خَيْرُ الْقُرُونِ ، وَلَا يُنَافِي هَذَا تَفْضِيلُ الْوَاحِدِ مِنْ أَهْلِ قَرْنٍ أَوْ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْوَاحِدِ أَوْ الْجَمَاعَةِ مِنْ أَهْلِ قَرْنٍ آخَرَ فَإِنْ قُلْت : ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَالَ : { يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدٌ خَيْرٌ مِنَّا ، أَسْلَمْنَا مَعَكَ وَجَاهَدْنَا مَعَكَ ؟ فَقَالَ : قَوْمٌ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ يُؤْمِنُونَ بِي وَلَا يَرَوْنِي } يَقْتَضِي تَفْضِيلَ مَجْمُوعِ قَرْنِ هَؤُلَاءِ عَلَى مَجْمُوعِ قَرْنِ الصَّحَابَةِ .
قُلْت : لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يُفِيدُ تَفْضِيلَ الْمَجْمُوعِ عَلَى الْمَجْمُوعِ وَإِنْ سُلِّمَ ذَلِكَ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى التَّرْجِيحِ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ حَدِيثَ " خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي " أَرْجَحُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِمَسَافَاتٍ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا كَوْنُهُ فِي الصَّحِيحِ ، وَكَوْنُهُ ثَابِتًا مِنْ طُرُقٍ ، وَكَوْنُهُ مُتَلَقًّى بِالْقَبُولِ ، فَظَهَرَ بِهَذَا وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَزِيَّتَيْنِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْأَعْمَالِ ، كَمَا ظَهَرَ وَجْهُ الْجَمْعِ بِاعْتِبَارِ الْأَعْمَالِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فَلَمْ يَبْقَ هَهُنَا إشْكَالٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ : { لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ } سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ يَرْغَبُ إلَى الْمَرْأَةِ لِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَيْلِ إلَيْهَا لِمَا رُكِّبَ فِيهِ مِنْ شَهْوَةِ النِّكَاحِ ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تَرْغَبُ إلَى الرَّجُلِ لِذَلِكَ فَمَعَ ذَلِكَ يَجِدُ الشَّيْطَانُ السَّبِيلَ إلَى إثَارَةِ شَهْوَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ فَتَقَعُ الْمَعْصِيَةُ قَوْلُهُ : ( بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ : بُحْبُوحَةُ الدَّارِ وَسَطُهَا ، يُقَالُ بَحْبَحَ : إذَا تَمَكَّنَ وَتَوَسَّطَ الْمَنْزِلَ وَالْمَقَامَ وَالْبُحْبُوحَةُ بِمُهْمَلَتَيْنِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ ، وَالْمُرَادُ أَنَّ لُزُومَ الْجَمَاعَةِ سَبَبُ الْكَوْنِ فِي بُحْبُوحَةِ الْجَنَّةِ لِأَنَّ يَدَ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ إلَى النَّارِ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ : ( مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ .
إلَخْ ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السُّرُورَ لِأَجْلِ الْحَسَنَةِ وَالْحُزْنَ لِأَجْلِ السَّيِّئَةِ مِنْ خِصَالِ الْإِيمَانِ ؛ لِأَنَّ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ لَا يُبَالِي أَحْسَنَ أَمْ أَسَاءَ ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ صَحِيحَ الْإِيمَانِ خَالِصَ الدِّينِ فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ مِنْ سَيِّئَتِهِ فِي غَمٍّ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِهَا مُحَاسَبٌ عَلَيْهَا ، وَلَا يَزَالُ مِنْ حَسَنَتِهِ فِي سُرُورٍ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهَا مُدَّخَرَةٌ لَهُ فِي صَحَائِفِهِ فَلَا يَزَالُ حَرِيصًا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يُوَفِّقَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 19 / ص 378)
لا أستطيع العمل إلا مع جماعة
المجيب جماز عبد الرحمن الجماز
مشرف تربوي بإدارة التربية والتعليم بشقراء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/مفاهيم دعوية خاطئة
التاريخ 20/5/1425هـ
السؤال
أنا شاب أبلغ من العمر عشرين عاماً، لي أهداف كثيرة في الدين والدنيا، تنتابني حالات متفاوتة من قوة الإيمان وضعفه، ومن ضعف الهمة وعلوها، ولكن النتيجة أنني لم أحقق أي هدف من قائمة الأهداف العريضة التي أضعها نصب عيني، وكثيراً ما فكرت في الأسباب، وتوصلت، لأني أريد أن أعمل في ظل فريق عمل، ولا أستطيع أن أعمل بمفردي، حتى يسألوا عني ويساعدونني في وقت ضعف الهمة، فهل هذا عيب مني أو ضعف في شخصيتي؟ وإن لم أجد فريق العمل، فماذا أفعل؟.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وبعد:
فالعمل الجماعي، ومثله العمل المؤسسي، أمر محمود، وحاجة الناس إليه ملِّحة، وطبيعة النفس البشرية، النقص والخلل، فكان لا بد لها من رافد، يعينها ويسددها ويقومها، وقد صح في الحديث، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، يكف عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه" رواد أبو داود (4918) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ، وقال الحسن البصري: (إن المؤمن شعبة من المؤمن، وهو مرآة أخيه، إن رأى منه ما لا يعجبه، سدَّده وقوَّمه ووجَّهه، وحاطه في السر والعلانية، فتنقوا الإخوان والأحداب والمجالس)، فكان العمل الجماعي ضرورة لا يستغنى عنها، ومن فوائده وآثاره:
1- اكتشاف النفس، وما فيها من قوة أو ضعف، أو كمال أو نقص، بل يتعرف الإنسان على أبعاد شخصيته معرفة دقيقة من حلم أو عجلة، أو شجاعة، أو جبن، أو صدق، أو كذب.
2- تقويم الاعوجاج، فأصحابه يصلحون ماله، إما بالنصيحة أو العتاب، أو التوبيخ، أو الهجر.
3- توظيف الطاقات: فمن خلال العمل يستفاد من العامل في كل شيء، ويقضي على أي فراغ يمكن أن يستغله شياطين الإنس والجن في إغوائه وإضلاله، وهكذا الغرائز سوف تعمل بدرجات متساوية ومتوازية، وحينها تكتمل الشخصية المتزنة المتكاملة، وقد صح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة" رواه الترمذي (2165) وغيره من حديث عمر - رضي الله عنه - .
4- بث الأمل ودفع اليأس؛ لأن الذي يعمل وحده تقعده الخواطر، وتثنيه هواجس الشيطان، ويثبطه كلام الناس، وتفرقهم عنه إلى أن يدب اليأس والقنوط إلى النفس، فيترك العمل لهذا الدين.
5- تجديد النشاط والهمة: فمتى فتر الإنسان وتراخى بسبب ضخامة الأعباء ومشقة العمل، ورأى إخوانه يعملون بإتقان، وما هم عليه من خشوع وإقبال، زال الفتور والتراخي، ويروى بسند ضعيف: "ألا أنبئكم بخياركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "خياركم الذين إذا رؤوا، ذكر الله -عز وجل-" رواه ابن ماجة (4119) من حديث أسماء بنت يزيد - رضي الله عنها .
6- اكتساب الخبرات والتجارب، فالعمل الجماعي مجال رحب وواسع، يكتسب فيه العامل من الخبرات والتجارب ما لا يكتسبها لو كان وحده.
7- حفظ الهيبة والكرامة، فلا يجرؤ الأعداء على إيذائه، أو التطاول عليه في دم أو مال، أو عرض، ولو فعلوا ذلك، فإن إخوانه سينصفونه وسيردون له مظلمته.
8- فتح مجالات الأجر والثواب: فهو يُسلِّم ويصافح إخوانه، وينصح لهم، ويقوم بحقوقهم، ويتفقد غائبهم، ويعين محتاجهم، ويلبي دعوتهم، ويشير عليهم ويُعلِّمهم، فالجماعة أتاحت له أجوراً عظيمة.
9- استجلاب تأييد الله وعونه ونصرته: فالأعداء قد أجلبوا بخيلهم ورجلهم، فكانت الجماعة مسددة من الله، وقد صح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "...ويد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ إلى النار" رواه الترمذي (4167) وغيره من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -.
وبهذا يتبين لك - أخي الكريم-أن العمل الجماعي ليس ضعفاً في شخصيتك، ولا عيباً في استقامتك، بل هو رأي حصيف اعمل به ولا تتردد، ومتى لم تجد جماعة تعمل معها، فاصنع أنت الجماعة، واسع في إنشائها، وبصِّرها بضرورة العمل والتعاون من أجل التهكين لمنهج الله في الأرض.
وأذكرك بقول بعض السلف: (كدر الجماعة خير من صفو الفرد) فافهم ذلك جيداً. وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.(1/172)
322-7978 أَخْبَرَنَا قُرَيْشُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَاوَرْدِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ : أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَخْطُبُ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ : " أَكْرِمُوا أَصْحَابِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يَظْهَرُ الْكَذِبُ حَتَّى يَشْهَدَ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَشْهَدْ ، وَيَحْلِفَ الرَّجُلُ ، وَلَا يُسْتَحْلَفَ ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ بُحْبُحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبَعْدُ ، وَلَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ ، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ ، وَمَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ " (1)
__________
(1) - صحيح
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 2 / ص 89)
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يُبْغِضُ الْأَنْصَارَ رَجُلٌ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } . وَقَوْلُهُ : { آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ } . فَإِنَّ مَنْ عَلِمَ مَا قَامَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ مِنْ نَصْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ وَكَانَ مُحِبًّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ؛ أَحَبَّهُمْ قَطْعًا فَيَكُونُ حُبُّهُ لَهُمْ عَلَامَةَ الْإِيمَانِ الَّذِي فِي قَلْبِهِ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ الْإِيمَانُ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ . وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ بُغْضُ مَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْمُنْكَرِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ ؛ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ الْإِيمَانُ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبْغِضًا لِشَيْءِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ أَصْلًا ؛ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إيمَانٌ أَصْلًا كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَكَذَلِكَ مَنْ لَا يُحِبُّ لِأَخِيهِ الْمُؤْمِنِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ؛ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَانِ فَحَيْثُ نَفَى اللَّهُ الْإِيمَانَ عَنْ شَخْصٍ ؛ فَلَا يَكُونُ إلَّا لِنَقْصِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَانِ وَيَكُونُ مِنْ الْمُعَرَّضِينَ لِلْوَعِيدِ لَيْسَ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْوَعْدِ الْمُطْلَقِ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا وَمَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا } كُلُّهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ لَا يَقُولُهُ إلَّا لِمَنْ تَرَكَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَوْ فَعَلَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ؛ فَيَكُونُ قَدْ تَرَكَ مِنْ الْإِيمَانِ الْمَفْرُوضِ عَلَيْهِ مَا يَنْفِي عَنْهُ الِاسْمَ لِأَجْلِهِ فَلَا يَكُونُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْوَعْدِ السَّالِمِينَ مِنْ الْوَعِيدِ . وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ } { وَإِذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ } { وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إلَيْهِ مُذْعِنِينَ } { أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } { إنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } . فَهَذَا حُكْمُ اسْمِ الْإِيمَانِ إذَا أُطْلِقَ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ؛ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ فِعْلَ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكَ الْمُحَرَّمَاتِ وَمَنْ نَفَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَنْهُ الْإِيمَانَ ؛ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَرَكَ وَاجِبًا أَوْ فَعَلَ مُحَرَّمًا فَلَا يَدْخُلُ فِي الِاسْمِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَهْلُهُ الْوَعْدَ دُونَ الْوَعِيدِ ؛ بَلْ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْوَعِيدِ . وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { حَبَّبَ إلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ } . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ المروزي : لَمَّا كَانَتْ الْمَعَاصِي بَعْضُهَا كُفْرٌ وَبَعْضُهَا لَيْسَ بِكُفْرِ فَرَّقَ بَيْنَهَا فَجَعَلَهَا ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ : نَوْعٌ مِنْهَا كُفْرٌ وَنَوْعٌ مِنْهَا فُسُوقٌ وَلَيْسَ بِكُفْرِ وَنَوْعٌ عِصْيَانٌ وَلَيْسَ بِكُفْرِ وَلَا فُسُوقٍ . وَأَخْبَرَ أَنَّهُ كَرَّهَهَا كُلَّهَا إلَى الْمُؤْمِنِينَ . وَلَمَّا كَانَتْ الطَّاعَاتُ كُلُّهَا دَاخِلَةٍ فِي الْإِيمَانِ وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ خَارِجٌ عَنْهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهَا فَيَقُولُ : حَبَّبَ إلَيْكُمْ الْإِيمَانَ وَالْفَرَائِضَ وَسَائِرَ الطَّاعَاتِ ؛ بَلْ أَجْمَلَ ذَلِكَ فَقَالَ : { حَبَّبَ إلَيْكُمُ الْإِيمَانَ } . فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ الطَّاعَاتِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَبَّبَ إلَى الْمُؤْمِنِينَ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَسَائِرَ الطَّاعَاتِ حُبَّ تَدَيُّنٍ لِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ : أَنَّهُ حَبَّبَ ذَلِكَ إلَيْهِمْ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِهِمْ لِقَوْلِهِ : { حَبَّبَ إلَيْكُمُ الْإِيمَانَ } وَيَكْرَهُونَ جَمِيعَ الْمَعَاصِي ؛ الْكُفْرَ مِنْهَا وَالْفُسُوقَ وَسَائِرَ الْمَعَاصِي كَرَاهَةَ تَدَيُّنٍ لِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ : أَنَّهُ كَرَّهَ ذَلِكَ إلَيْهِمْ . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ ؛ فَهُوَ مُؤْمِنٌ } لِأَنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إلَى الْمُؤْمِنِينَ الْحَسَنَاتِ وَكَرَّهَ إلَيْهِمْ السَّيِّئَاتِ . " قُلْت " : وَتَكْرِيهُهُ جَمِيعَ الْمَعَاصِي إلَيْهِمْ يَسْتَلْزِمُ حُبَّ جَمِيعِ الطَّاعَاتِ ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الطَّاعَاتِ مَعْصِيَةٌ وَلِأَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الْمَعَاصِيَ كُلَّهَا إنْ لَمْ يَتَلَبَّسْ بِضِدِّهَا فَيَكُونُ مُحِبًّا لِضِدِّهَا وَهُوَ الطَّاعَةُ ؛ إذْ الْقَلْبُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إرَادَةٍ فَإِذَا كَانَ يَكْرَهُ الشَّرَّ كُلَّهُ ؛ فَلَا بُدَّ أَنْ يُرِيدَ الْخَيْرَ . وَالْمُبَاحُ بِالنِّيَّةِ الْحَسَنَةِ يَكُونُ خَيْرًا وَبِالنِّيَّةِ السَّيِّئَةِ يَكُونُ شَرًّا . وَلَا يَكُونُ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ إلَّا بِإِرَادَةِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ { أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إلَى اللَّهِ : عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ : حَارِثٌ وَهَمَّامٌ وَأَقْبَحُهَا : حَرْبٌ وَمُرَّةُ } . وَقَوْلُهُ أَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ : حَارِثٌ وَهَمَّامٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ هَمَّامٌ حَارِثٌ وَالْحَارِثُ الْكَاسِبُ الْعَامِلُ . وَالْهَمَّامُ الْكَثِيرُ الْهَمِّ - وَهُوَ مَبْدَأُ الْإِرَادَةِ - وَهُوَ حَيَوَانٌ ، وَكُلُّ حَيَوَانٍ حَسَّاسٌ مُتَحَرِّكٌ بِالْإِرَادَةِ فَإِذَا فَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْمُبَاحَاتِ ؛ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ غَايَةٍ يَنْتَهِي إلَيْهَا قَصْدُهُ . وَكُلُّ مَقْصُودٍ إمَّا أَنْ يُقْصَدَ لِنَفْسِهِ وَإِمَّا أَنْ يُقْصَدَ لِغَيْرِهِ . فَإِنْ كَانَ مُنْتَهَى مَقْصُودِهِ وَمُرَادِهِ عِبَادَةَ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَهُوَ إلَهُهُ الَّذِي يَعْبُدُهُ لَا يَعْبُدُ شَيْئًا سِوَاهُ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ ؛ فَإِنَّ إرَادَتَهُ تَنْتَهِي إلَى إرَادَتِهِ وَجْهَ اللَّهِ فَيُثَابُ عَلَى مُبَاحَاتِهِ الَّتِي يَقْصِدُ الِاسْتِعَانَةَ بِهَا عَلَى الطَّاعَةِ كَمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا صَدَقَةً } . وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْهُ أَنَّهُ { قَالَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ لَمَّا مَرِضَ بِمَكَّةَ وَعَادَهُ - إنَّك لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلَّا ازْدَدْت بِهَا دَرَجَةً وَرِفْعَةً حَتَّى اللُّقْمَةُ تَرْفَعُهَا إلَى فِي امْرَأَتِك } . وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ لِأَبِي مُوسَى : " إنِّي أَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي " . وَفِي الْأَثَرِ : نَوْمُ الْعَالِمِ تَسْبِيحٌ . وَإِنْ كَانَ أَصْلُ مَقْصُودِهِ عِبَادَةَ غَيْرِ اللَّهِ ؛ لَمْ تَكُنْ الطَّيِّبَاتُ مُبَاحَةً لَهُ فَإِنَّ اللَّهَ أَبَاحَهَا لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ عِبَادِهِ ؛ بَلْ الْكُفَّارُ وَأَهْلُ الْجَرَائِمِ وَالذُّنُوبِ وَأَهْلُ الشَّهَوَاتِ يُحَاسَبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى النِّعَمِ الَّتِي تَنَعَّمُوا بِهَا فَلَمْ يَذْكُرُوهُ وَلَمْ يَعْبُدُوهُ بِهَا وَيُقَالُ لَهُمْ : { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ } . وَقَالَ تَعَالَى : { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } . أَيْ عَنْ شُكْرِهِ وَالْكَافِرُ لَمْ يَشْكُرْ عَلَى النَّعِيمِ الَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهِ فَيُعَاقِبُهُ عَلَى ذَلِكَ ؛ وَاَللَّهُ إنَّمَا أَبَاحَهَا لِلْمُؤْمِنِينَ وَأَمَرَهُمْ مَعَهَا بِالشُّكْرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ } . وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ يَأْكُلُ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا وَيَشْرَبُ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا } . وَفِي " سُنَنِ ابْنِ ماجه " وَغَيْرِهِ : { الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ بِمَنْزِلَةِ الصَّائِمِ الصَّابِرِ } . وَكَذَلِكَ قَالَ لِلرُّسُلِ : { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا } وَقَالَ تَعَالَى : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } وَقَالَ الْخَلِيلُ : { وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } . فَالْخَلِيلُ إنَّمَا دَعَا بِالطَّيِّبَاتِ لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً وَاَللَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ بَهِيمَةَ الْأَنْعَامِ لِمَنْ حَرَّمَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ مِنْ الصَّيْدِ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَالْمُؤْمِنُونَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَيَشْكُرُوهُ . وَلِهَذَا مَيَّزَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيْنَ خِطَابِ النَّاسِ مُطْلَقًا وَخِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } { إنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ } . فَإِنَّمَا أَذِنَ لِلنَّاسِ أَنْ يَأْكُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ بِشَرْطَيْنِ : أَنْ يَكُونَ طَيِّبًا وَأَنْ يَكُونَ حَلَالًا . ثُمَّ قَالَ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إنْ كُنْتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ } { إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ } . فَأَذِنَ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْأَكْلِ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْحِلَّ ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْهِمْ إلَّا مَا ذَكَرَهُ ؛ فَمَا سِوَاهُ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَكُنْ أَحَلَّهُ بِخِطَابِهِ ؛ بَلْ كَانَ عَفْوًا كَمَا فِي الْحَدِيثِ عَنْ سَلْمَانَ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا : { الْحَلَالُ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عُفِيَ عَنْهُ } . وَفِي حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا وَحَرَّمَ حُرُمَاتٍ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نَسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا } . وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً } . نَفَى التَّحْرِيمَ عَنْ غَيْرِ الْمَذْكُورِ فَيَكُونُ الْبَاقِي مَسْكُوتًا عَنْ تَحْرِيمِهِ عَفْوًا وَالتَّحْلِيلُ إنَّمَا يَكُونُ بِخِطَابِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ الَّتِي أُنْزِلَتْ بَعْدَ هَذَا : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ } . إلَى قَوْلِهِ : { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ } . فَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أُحِلَّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتُ وَقَبْلَ هَذَا لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ . وَقَدْ { حَرَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلَّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ } وَلَمْ يَكُنْ هَذَا نَسْخًا لِلْكِتَابِ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ لَمْ يُحِلَّ ذَلِكَ وَلَكِنْ سَكَتَ عَنْ تَحْرِيمِهِ فَكَانَ تَحْرِيمُهُ ابْتِدَاءَ شَرْعٍ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ مِنْ طُرُقٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ وَأَبِي ثَعْلَبَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ : { لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْت بِهِ أَوْ نَهَيْت عَنْهُ فَيَقُولُ : بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ هَذَا الْقُرْآنُ ؛ فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ أَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ أَلَا وَإِنِّي أُوتِيت الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ } . وَفِي لَفْظٍ : { أَلَا وَإِنَّهُ مِثْلُ الْقُرْآنِ أَوْ أَكْثَرُ . أَلَا وَإِنِّي حَرَّمْت كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ } . فَبَيَّنَ أَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَحْيٌ آخَرُ وَهُوَ الْحِكْمَةُ غَيْرَ الْكِتَابِ . وَأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْوَحْيِ مَا أَخْبَرَ بِتَحْرِيمِهِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَسْخًا لِلْكِتَابِ ؛ فَإِنَّ الْكِتَابَ لَمْ يُحِلَّ هَذِهِ قَطُّ . إنَّمَا أَحَلَّ الطَّيِّبَاتِ وَهَذِهِ لَيْسَتْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَقَالَ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } . فَلَمْ تَدْخُلْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْعُمُومِ ؛ لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَرَّمَهَا ؛ فَكَانَتْ مَعْفُوًّا عَنْ تَحْرِيمِهَا ؛ لَا مَأْذُونًا فِي أَكْلِهَا . وَأَمَّا " الْكُفَّارُ " فَلَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ لَهُمْ فِي أَكْلِ شَيْءٍ وَلَا أَحَلَّ لَهُمْ شَيْئًا وَلَا عَفَا لَهُمْ عَنْ شَيْءٍ يَأْكُلُونَهُ ؛ بَلْ قَالَ : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا } . فَشَرَطَ فِيمَا يَأْكُلُونَهُ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا ؛ وَهُوَ الْمَأْذُونُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاَللَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي الْأَكْلِ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ بِهِ ؛ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ فِي أَكْلِ شَيْءٍ إلَّا إذَا آمَنُوا . وَلِهَذَا لَمْ تَكُنْ أَمْوَالُهُمْ مَمْلُوكَةً لَهُمْ مِلْكًا شَرْعِيًّا ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الشَّرْعِيَّ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّصَرُّفِ الَّذِي أَبَاحَهُ الشَّارِعُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشَّارِعُ لَمْ يُبِحْ لَهُمْ تَصَرُّفًا فِي الْأَمْوَالِ إلَّا بِشَرْطِ الْإِيمَانِ ؛ فَكَانَتْ أَمْوَالُهُمْ عَلَى الْإِبَاحَةِ . فَإِذَا قَهَرَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ طَائِفَةً قَهْرًا يَسْتَحِلُّونَهُ فِي دِينِهِمْ وَأَخَذُوهَا مِنْهُمْ ؛ صَارَ هَؤُلَاءِ فِيهَا كَمَا كَانَ أُولَئِكَ . وَالْمُسْلِمُونَ إذَا اسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا ، فَغَنِمُوهَا مَلَكُوهَا شَرْعًا لِأَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ لَهُمْ الْغَنَائِمَ وَلَمْ يُبِحْهَا لِغَيْرِهِمْ . وَيَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُعَامِلُوا الْكُفَّارَ فِيمَا أَخَذَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ بِالْقَهْرِ الَّذِي يَسْتَحِلُّونَهُ فِي دِينِهِمْ وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ بَعْضِهِمْ مَا سَبَاهُ مِنْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ اسْتِيلَائِهِ عَلَى الْمُبَاحَاتِ . وَلِهَذَا سَمَّى اللَّهُ مَا عَادَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إلَى الْمُسْلِمِينَ " فَيْئًا " ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَفَاءَهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ أَيْ : رَدَّهُ إلَى الْمُؤْمِنِينَ بِهِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَهُ وَيَسْتَعِينُونَ بِرِزْقِهِ عَلَى عِبَادَتِهِ ؛ فَإِنَّهُ إنَّمَا خَلَقَ الْخَلْقَ لِيَعْبُدُوهُ وَإِنَّمَا خَلَقَ الرِّزْقَ لَهُمْ لِيَسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى عِبَادَتِهِ . وَلَفْظُ " الْفَيْءِ " قَدْ يَتَنَاوَلُ " الْغَنِيمَةَ " كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين : { لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ } . لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى : { وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ } صَارَ لَفْظُ " الْفَيْءِ " إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيكِ . وَأَمَّا إذَا فَعَلَ الْمُؤْمِنُ مَا أُبِيحَ لَهُ قَاصِدًا لِلْعُدُولِ عَنْ الْحَرَامِ إلَى الْحَلَالِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ ؛ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ يَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ ؟ قَالَ : أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي الْحَرَامِ كَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ . فَكَذَلِكَ إذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ } . وَهَذَا كَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ } رَوَاهُ أَحْمَد وَابْنُ خزيمة فِي " صَحِيحِهِ " وَغَيْرُهُمَا . فَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إتْيَانَ رُخَصِهِ كَمَا يَكْرَهُ فِعْلَ مَعْصِيَتِهِ . وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَرْوِيهِ : { كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ } . وَلَيْسَ هَذَا لَفْظَ الْحَدِيثِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الرُّخَصَ إنَّمَا أَبَاحَهَا اللَّهُ لِحَاجَةِ الْعِبَادِ إلَيْهَا وَالْمُؤْمِنُونَ يَسْتَعِينُونَ بِهَا عَلَى عِبَادَتِهِ ؛ فَهُوَ يُحِبُّ الْأَخْذَ بِهَا لِأَنَّ الْكَرِيمَ يُحِبُّ قَبُولَ إحْسَانِهِ وَفَضْلِهِ ؛ كَمَا قَالَ فِي حَدِيثِ : { الْقَصْرُ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ } . وَلِأَنَّهُ بِهَا تَتِمُّ عِبَادَتُهُ وَطَاعَتُهُ . وَمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْإِنْسَانُ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ بَلْ يَفْعَلُهُ عَبَثًا ؛ فَهَذَا عَلَيْهِ لَا لَهُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ : { كُلُّ كَلَامِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لَا لَهُ إلَّا أَمْرًا بِمَعْرُوفِ أَوْ نَهْيًا عَنْ مُنْكَرٍ أَوْ ذِكْرًا لِلَّهِ } . وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ } . فَأَمَرَ الْمُؤْمِنَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ : إمَّا قَوْلُ الْخَيْرِ أَوْ الصُّمَاتُ . وَلِهَذَا كَانَ قَوْلُ الْخَيْرِ خَيْرًا مِنْ السُّكُوتِ عَنْهُ وَالسُّكُوتُ عَنْ الشَّرِّ خَيْرًا مِنْ قَوْلِهِ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } . وَقَدْ اخْتَلَفَ " أَهْلُ التَّفْسِيرِ " هَلْ يُكْتَبُ جَمِيعُ أَقْوَالِهِ ؟ فَقَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ : يَكْتُبَانِ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَنِينَهُ فِي مَرَضِهِ . وَقَالَ عِكْرِمَةُ لَا يَكْتُبَانِ إلَّا مَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ أَوْ يُؤْزَرُ . وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا يَكْتُبَانِ الْجَمِيعَ ؛ فَإِنَّهُ قَالَ : { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ } نَكِرَةٌ فِي الشَّرْطِ مُؤَكَّدَةٌ بِحَرْفِ " مِنْ " ؛ فَهَذَا يَعُمُّ كُلَّ قَوْلِهِ . وَأَيْضًا فَكَوْنُهُ يُؤْجَرُ عَلَى قَوْلٍ مُعَيَّنٍ أَوْ يُؤْزَرُ ؛ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَعْرِفَ الْكَاتِبُ مَا أُمِرَ بِهِ وَمَا نُهِيَ عَنْهُ ؛ فَلَا بُدَّ فِي إثْبَاتِ مَعْرِفَةِ الْكَاتِبِ بِهِ إلَى نَقْلٍ . وَأَيْضًا فَهُوَ مَأْمُورٌ إمَّا بِقَوْلِ الْخَيْرِ وَإِمَّا بِالصُّمَاتِ . فَإِذَا عَدَلَ عَمَّا أُمِرَ بِهِ مِنْ الصُّمَاتِ إلَى فُضُولِ الْقَوْلِ الَّذِي لَيْسَ بِخَيْرِ ؛ كَانَ هَذَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَكْرُوهًا وَالْمَكْرُوهُ يَنْقُصُهُ ؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ } . فَإِذَا خَاضَ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ ؛ نَقَصَ مِنْ حُسْنِ إسْلَامِهِ فَكَانَ هَذَا عَلَيْهِ . إذْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ مَا هُوَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِقًّا لِعَذَابِ جَهَنَّمَ وَغَضَبِ اللَّهِ بَلْ نَقْصُ قَدْرِهِ وَدَرَجَتِهِ عَلَيْهِ . وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } . فَمَا يَعْمَلُ أَحَدٌ إلَّا عَلَيْهِ أَوْ لَهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا أُمِرَ بِهِ كَانَ لَهُ . وَإِلَّا كَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَنَّهُ يُنْقِصُ قَدْرَهُ . وَالنَّفْسُ طَبْعُهَا الْحَرَكَةُ لَا تَسْكُنُ قَطُّ ؛ لَكِنْ قَدْ عَفَا اللَّهُ عَمَّا حَدَّثَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ أَنْفُسَهُمْ مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا بِهِ أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ ؛ فَإِذَا عَمِلُوا بِهِ دَخَلَ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ . فَإِذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ كَرَّهَ إلَى الْمُؤْمِنِينَ جَمِيعَ الْمَعَاصِي وَهُوَ قَدْ حَبَّبَ إلَيْهِمْ الْإِيمَانَ الَّذِي يَقْتَضِي جَمِيعَ الطَّاعَاتِ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ ضِدٌّ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ ؛ فَإِنَّ الْمُرْجِئَةَ لَا تُنَازِعُ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي فِي الْقَلْبِ يَدْعُو إلَى فِعْلِ الطَّاعَةِ وَيَقْتَضِي ذَلِكَ وَالطَّاعَةُ مِنْ ثَمَرَاتِهِ وَنَتَائِجِهِ لَكِنَّهَا تُنَازِعُ هَلْ يَسْتَلْزِمُ الطَّاعَةَ ؟ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَدْعُو إلَى الطَّاعَةِ ؛ فَلَهُ مُعَارِضٌ مِنْ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ ، فَإِذَا كَانَ قَدْ كَرَّهَ إلَى الْمُؤْمِنِينَ الْمُعَارِضَ كَانَ الْمُقْتَضِي لِلطَّاعَةِ سَالِمًا عَنْ هَذَا الْمُعَارِضِ . وَأَيْضًا فَإِذَا كَرِهُوا جَمِيعَ السَّيِّئَاتِ لَمْ يَبْقَ إلَّا حَسَنَاتٌ أَوْ مُبَاحَاتٌ ، وَالْمُبَاحَاتُ لَمْ تُبَحْ إلَّا لِأَهْلِ الْإِيمَانِ الَّذِينَ يَسْتَعِينُونَ بِهَا عَلَى الطَّاعَاتِ وَإِلَّا فَاَللَّهُ لَمْ يُبِحْ قَطُّ لِأَحَدِ شَيْئًا أَنْ يَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى كُفْرٍ وَلَا فُسُوقٍ وَلَا عِصْيَانٍ ؛ وَلِهَذَا لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاصِرَ الْخَمْرِ وَمُعْتَصِرَهَا كَمَا لَعَنَ شَارِبَهَا ، وَالْعَاصِرُ يَعْصِرُ عِنَبًا يَصِيرُ عَصِيرًا يُمْكِنُ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ فِي الْمُبَاحِ لَكِنْ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ قَصْدَ الْعَاصِرِ أَنْ يَجْعَلَهَا خَمْرًا ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعِينَهُ بِمَا جِنْسُهُ مُبَاحٌ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ بَلْ لَعَنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُبِحْ إعَانَةَ الْعَاصِي عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَلَا أَبَاحَ لَهُ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ فِي الْمَعْصِيَةِ فَلَا تَكُونُ مُبَاحَاتٍ لَهُمْ إلَّا إذَا اسْتَعَانُوا بِهَا عَلَى الطَّاعَاتِ . فَيَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ السَّيِّئَاتِ أَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ إلَّا الْحَسَنَاتِ ؛ وَلِهَذَا كَانَ مَنْ تَرَكَ الْمَعَاصِيَ كُلَّهَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَشْتَغِلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ . وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا } . فَالْمُؤْمِنُ لَا بُدَّ أَنْ يُحِبَّ الْحَسَنَاتِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُبْغِضَ السَّيِّئَاتِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَسُرَّهُ فِعْلُ الْحَسَنَةِ وَيَسُوءَهُ فِعْلُ السَّيِّئَةِ وَمَتَى قَدَّرَ أَنَّ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ لَيْسَ كَذَلِكَ كَانَ نَاقِصَ الْإِيمَانِ وَالْمُؤْمِنُ قَدْ تَصْدُرُ مِنْهُ السَّيِّئَةُ فَيَتُوبُ مِنْهَا أَوْ يَأْتِي بِحَسَنَاتِ تَمْحُوهَا أَوْ يُبْتَلَى بِبَلَاءِ يُكَفِّرُهَا عَنْهُ وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كَارِهًا لَهَا ؛ فَإِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ حَبَّبَ إلَى الْمُؤْمِنِينَ الْإِيمَانَ وَكَرَّهَ إلَيْهِمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ فَمَنْ لَمْ يَكْرَهْ الثَّلَاثَةَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ . وَلَكِنَّ " مُحَمَّدَ بْنَ نَصْرٍ " يَقُولُ : الْفَاسِقُ يَكْرَهُهَا تَدَيُّنًا . فَيُقَالُ : إنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ دِينَهُ حَرَّمَهَا وَهُوَ يُحِبُّ دِينَهُ وَهَذِهِ مِنْ جُمْلَتِهِ ؛ فَهُوَ يَكْرَهُهَا . وَإِنْ كَانَ يُحِبُّ دِينَهُ مُجْمَلًا وَلَيْسَ فِي قَلْبِهِ كَرَاهَةٌ لَهَا ؛ كَانَ قَدْ عَدِمَ مِنْ الْإِيمَانِ بِقَدْرِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ } . وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا - " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " - : { فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ } . فَعُلِمَ أَنَّ الْقَلْبَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَرَاهَةُ مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ ؛ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ الْإِيمَانِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الثَّوَابَ . وَقَوْلُهُ : { مِنْ الْإِيمَانِ } أَيْ : مِنْ هَذَا الْإِيمَانِ وَهُوَ الْإِيمَانُ الْمُطْلَقُ . أَيْ : لَيْسَ وَرَاءَ هَذِهِ الثَّلَاثِ مَا هُوَ مِنْ الْإِيمَانِ وَلَا قَدْرُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ . وَالْمَعْنَى : هَذَا آخِرُ حُدُودِ الْإِيمَانِ ، مَا بَقِيَ بَعْدَ هَذَا مِنْ الْإِيمَانِ شَيْءٌ ؛ لَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ مِنْ الْإِيمَانِ شَيْءٌ ؛ بَلْ لَفْظُ الْحَدِيثِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ .
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 2 / ص 123)
وَاَلَّذِينَ يَنْفُونَ عَنْ الْفَاسِقِ اسْمَ الْإِيمَانِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ . فَلَيْسَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمِلَّةِ نِزَاعٌ فِي أَصْحَابِ الذُّنُوبِ إذَا كَانُوا مُقِرِّينَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَمَا تَوَاتَرَ عَنْهُ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْوَعِيدِ وَأَنَّهُ يَدْخُلُ النَّارَ مِنْهُمْ مَنْ أَخْبَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِدُخُولِهِ إلَيْهَا وَلَا يُخَلَّدُ مِنْهُمْ فِيهَا أَحَدٌ وَلَا يَكُونُونَ مُرْتَدِّينَ مُبَاحِي الدِّمَاءِ وَلَكِنَّ " الْأَقْوَالَ الْمُنْحَرِفَةَ " قَوْلُ مَنْ يَقُولُ بِتَخْلِيدِهِمْ فِي النَّارِ كَالْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ . وَقَوْلُ غُلَاةِ الْمُرْجِئَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ : مَا نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ يَدْخُلُ النَّارَ ؛ بَلْ نَقِفُ فِي هَذَا كُلِّهِ . وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ غُلَاةِ الْمُرْجِئَةِ الْجَزْمُ بِالنَّفْيِ الْعَامِّ . وَيُقَالُ لِلْخَوَارِجِ : الَّذِي نَفَى عَنْ السَّارِقِ وَالزَّانِي وَالشَّارِبِ وَغَيْرِهِمْ الْإِيمَانَ ؛ هُوَ لَمْ يَجْعَلْهُمْ مُرْتَدِّينَ عَنْ الْإِسْلَامِ ؛ بَلْ عَاقَبَ هَذَا بِالْجَلْدِ وَهَذَا بِالْقَطْعِ وَلَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا إلَّا الزَّانِيَ الْمُحْصَنَ وَلَمْ يَقْتُلْهُ قَتْلَ الْمُرْتَدِّ ؛ فَإِنَّ الْمُرْتَدَّ يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ وَهَذَا يُرْجَمُ بِالْحِجَارَةِ بِلَا اسْتِتَابَةٍ . فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ وَإِنْ نَفَى عَنْهُمْ الْإِيمَانَ فَلَيْسُوا عِنْدَهُ مُرْتَدِّينَ عَنْ الْإِسْلَامِ مَعَ ظُهُورِ ذُنُوبِهِمْ وَلَيْسُوا كَالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ وَيُبْطِنُونَ الْكُفْرَ فَأُولَئِكَ لَمْ يُعَاقِبْهُمْ إلَّا عَلَى ذَنْبٍ ظَاهِرٍ . وَبِسَبَبِ الْكَلَامِ فِي " مَسْأَلَةِ الْإِيمَانِ " تَنَازَعَ النَّاسُ هَلْ فِي اللُّغَةِ أَسْمَاءٌ شَرْعِيَّةٌ نَقَلَهَا الشَّارِعُ عَنْ مُسَمَّاهَا فِي اللُّغَةِ أَوْ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ فِي الشَّرْعِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي اللُّغَةِ لَكِنَّ الشَّارِعَ زَادَ فِي أَحْكَامِهَا لَا فِي مَعْنَى الْأَسْمَاءِ ؟ . وَهَكَذَا قَالُوا فِي اسْمِ " الصَّلَاةِ " وَ " الزَّكَاةِ " وَ " الصِّيَامِ " " وَالْحَجِّ " إنَّهَا بَاقِيَةٌ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ عَلَى مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ لَكِنْ زَادَ فِي أَحْكَامِهَا . وَمَقْصُودُهُمْ أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ مُجَرَّدُ التَّصْدِيقِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ . وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ إلَى أَنَّ الشَّارِعَ تَصَرَّفَ فِيهَا تَصَرُّفَ أَهْلِ الْعُرْفِ فَهِيَ بِالنِّسْبَةِ إلَى اللُّغَةِ مَجَازٌ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى عُرْفِ الشَّارِعِ حَقِيقَةٌ . وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَنْقُلْهَا وَلَمْ يُغَيِّرْهَا وَلَكِنْ اسْتَعْمَلَهَا مُقَيَّدَةً لَا مُطْلَقَةً كَمَا يَسْتَعْمِلُ نَظَائِرَهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ } فَذَكَرَ حَجًّا خَاصًّا وَهُوَ حَجُّ الْبَيْتِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : { فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ } فَلَمْ يَكُنْ لَفْظُ الْحَجِّ مُتَنَاوِلًا لِكُلِّ قَصْدٍ بَلْ لِقَصْدِ مَخْصُوصٍ دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ نَفْسُهُ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرِ اللُّغَةِ وَالشَّاعِرُ إذَا قَالَ : وَاشْهَدْ مِنْ عَوْفٍ حُلُولًا كَثِيرَةً يَحُجُّونَ سَبَّ الزِّبْرِقَانِ الْمُزَعْفَرَا كَانَ مُتَكَلِّمًا بِاللُّغَةِ وَقَدْ قَيَّدَ : لَفْظَهُ : بِحَجِّ سَبِّ الزِّبْرِقَانِ الْمُزَعْفَرَ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ الْحَجَّ الْمَخْصُوصَ دَلَّتْ عَلَيْهِ الْإِضَافَةُ فَكَذَلِكَ الْحَجُّ الْمَخْصُوصُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ دَلَّتْ عَلَيْهِ الْإِضَافَةُ أَوْ التَّعْرِيفُ بِاللَّامِ : فَإِذَا قِيلَ : الْحَجُّ فَرْضٌ عَلَيْك كَانَتْ لَامُ الْعَهْدِ تُبَيِّنُ أَنَّهُ حِجُّ الْبَيْتِ وَكَذَلِكَ " الزَّكَاةُ " هِيَ اسْمٌ لِمَا تَزْكُو بِهِ النَّفْسُ ؛ وَزَكَاةُ النَّفْسِ زِيَادَةُ خَيْرِهَا وَذَهَابُ شَرِّهَا وَالْإِحْسَانُ إلَى النَّاسِ مِنْ أَعْظَمِ مَا تَزْكُو بِهِ النَّفْسُ ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } وَكَذَلِكَ تَرْكُ الْفَوَاحِشِ مِمَّا تَزْكُو بِهِ . قَالَ تَعَالَى . { وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا } وَأَصْلُ زَكَاتِهَا بِالتَّوْحِيدِ وَإِخْلَاصِ الدِّينِ لِلَّهِ ؛ قَالَ تَعَالَى : { وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ } { الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } وَهِيَ عِنْدُ الْمُفَسِّرِينَ التَّوْحِيدُ . وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِقْدَارَ الْوَاجِبِ وَسَمَّاهَا الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ ؛ فَصَارَ لَفْظُ الزَّكَاةِ إذَا عُرِّفَ بِاللَّامِ يَنْصَرِفُ إلَيْهَا لِأَجْلِ الْعَهْدِ وَمِنْ الْأَسْمَاءِ مَا يَكُونُ أَهْلُ الْعُرْفِ نَقَلُوهُ وَيَنْسُبُونَ ذَلِكَ إلَى الشَّارِعِ مِثْلَ لَفْظِ " التَّيَمُّمِ " فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ } فَلَفْظُ " التَّيَمُّمِ " اُسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَاهُ الْمَعْرُوفِ فِي اللُّغَةِ فَإِنَّهُ أَمَرَ بِتَيَمُّمِ الصَّعِيدِ ثُمَّ أَمَرَ بِمَسْحِ الْوُجُوهِ وَالْأَيْدِي مِنْهُ ؛ فَصَارَ لَفْظُ التَّيَمُّمِ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ يَدْخُلُ فِيهِ هَذَا الْمَسْحُ ؛ وَلَيْسَ هُوَ لُغَةُ الشَّارِعِ بَلْ الشَّارِعُ فَرَّقَ بَيْنَ تَيَمُّمِ الصَّعِيدِ وَبَيْنَ الْمَسْحِ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَهُ وَلَفْظُ " الْإِيمَانِ " أَمَرَ بِهِ مُقَيَّدًا بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَكَذَلِكَ لَفْظُ " الْإِسْلَامِ " بِالِاسْتِسْلَامِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ؛ وَكَذَلِكَ لَفْظُ " الْكُفْرِ " مُقَيَّدًا ؛ وَلَكِنْ لَفْظُ " النِّفَاقِ " قَدْ قِيلَ : إنَّهُ لَمْ تَكُنْ الْعَرَبُ تَكَلَّمَتْ بِهِ لَكِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِهِمْ فَإِنَّ نَفَقَ يُشْبِهُ خَرَجَ وَمِنْهُ نَفَقَتْ الدَّابَّةُ إذَا مَاتَتْ : وَمِنْهُ نَافِقَاءُ الْيَرْبُوعِ وَالنَّفَقُ فِي الْأَرْضِ قَالَ تَعَالَى : { فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ } فَالْمُنَافِقُ هُوَ الَّذِي خَرَجَ مِنْ الْإِيمَانِ بَاطِنًا بَعْدَ دُخُولِهِ فِيهِ ظَاهِرًا ؛ وَقَيَّدَ النِّفَاقَ بِأَنَّهُ نِفَاقٌ مِنْ الْإِيمَانِ . وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُسَمِّي مَنْ خَرَجَ عَنْ طَاعَةِ الْمَلِكِ مُنَافِقًا عَلَيْهِ ؛ لَكِنَّ النِّفَاقَ الَّذِي فِي الْقُرْآنِ هُوَ النِّفَاقُ عَلَى الرَّسُولِ . فَخِطَابُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِلنَّاسِ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ كَخِطَابِ النَّاسِ بِغَيْرِهَا ؛ وَهُوَ خِطَابٌ مُقَيَّدٌ خَاصٌّ لَا مُطْلَقٌ يَحْتَمِلُ أَنْوَاعًا . وَقَدْ بَيَّنَ الرَّسُولُ تِلْكَ الْخَصَائِصَ ؛ وَالِاسْمُ دَلَّ عَلَيْهَا ؛ فَلَا يُقَالُ : إنَّهَا مَنْقُولَةٌ وَلَا إنَّهُ زِيدَ فِي الْحُكْمِ دُونَ الِاسْمِ ؛ بَلْ الِاسْمُ إنَّمَا اُسْتُعْمِلَ عَلَى وَجْهٍ يَخْتَصُّ بِمُرَادِ الشَّارِعِ ؛ لَمْ يُسْتَعْمَلْ مُطْلَقًا وَهُوَ إنَّمَا قَالَ : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } بَعْدَ أَنْ عَرَّفَهُمْ الصَّلَاةَ الْمَأْمُورَ بِهَا ؛ فَكَانَ التَّعْرِيفُ مُنْصَرِفًا إلَى الصَّلَاةِ الَّتِي يَعْرِفُونَهَا ؛ لَمْ يَرِدْ لَفْظُ الصَّلَاةِ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ مَعْنَاهُ . وَلِهَذَا كُلُّ مَنْ قَالَ فِي لَفْظِ الصَّلَاةِ : إنَّهُ عَامٌّ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ ؛ أَوْ إنَّهُ مُجْمَلٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ ؛ فَأَقْوَالُهُمْ ضَعِيفَةٌ فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ إنَّمَا وَرَدَ خَبَرًا أَوْ أَمْرًا فَالْخَبَرُ كَقَوْلِهِ : { أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى } { عَبْدًا إذَا صَلَّى } وَسُورَةُ { اقْرَأْ } مِنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ { وَكَانَ بَعْضُ الْكُفَّارِ إمَّا أَبُو جَهْلٍ أَوْ غَيْرُهُ قَدْ نَهَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ وَقَالَ : لَئِنْ رَأَيْته يُصَلِّي لَأَطَأَنَّ عُنُقَهُ . فَلَمَّا رَآهُ سَاجِدًا رَأَى مِنْ الْهَوْلِ مَا أَوْجَبَ نُكُوصَهُ عَلَى عَقِبَيْهِ } فَإِذَا قِيلَ : { أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى } { عَبْدًا إذَا صَلَّى } فَقَدْ عَلِمْت تِلْكَ الصَّلَاةَ الْوَاقِعَةَ بِلَا إجْمَالٍ فِي اللَّفْظِ وَلَا عُمُومٍ . ثُمَّ إنَّهُ لَمَّا فُرِضَتْ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ الصَّلَوَاتِ بِمَوَاقِيتِهَا صَبِيحَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَكَانَ جبرائيل يَؤُمُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْمُسْلِمُونَ يَأْتَمُّونَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } عَرَفُوا أَنَّهَا تِلْكَ الصَّلَاةُ وَقِيلَ : إنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَتْ لَهُ صَلَاتَانِ طَرَفَيْ النَّهَارِ فَكَانَتْ أَيْضًا مَعْرُوفَةً فَلَمْ يُخَاطَبُوا بِاسْمِ مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ إلَّا وَمُسَمَّاهُ مَعْلُومٌ عِنْدَهُمْ . فَلَا إجْمَالَ فِي ذَلِكَ وَلَا يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا يُسَمَّى حَجًّا وَدُعَاءً وَصَوْمًا فَإِنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا كَانَ اللَّفْظُ مُطْلَقًا وَذَلِكَ لَمْ يَرِدْ . وَكَذَلِكَ " الْإِيمَانُ " وَ " الْإِسْلَامُ " وَقَدْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَظْهَرِ الْأُمُورِ وَإِنَّمَا سَأَلَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ وَهُمْ يَسْمَعُونَ وَقَالَ : { هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ } لِيُبَيِّنَ لَهُمْ كَمَالَ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَحَقَائِقَهَا الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تُقْصَدَ لِئَلَّا يَقْتَصِرُوا عَلَى أَدْنَى مُسَمَّيَاتِهَا وَهَذَا كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ : { لَيْسَ الْمِسْكِينُ هَذَا الطَّوَّافَ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَلَا يَسْأَلُ النَّاسَ إلْحَافًا } فَهُمْ كَانُوا يَعْرِفُونَ الْمِسْكِينَ وَأَنَّهُ الْمُحْتَاجُ وَكَانَ ذَلِكَ مَشْهُورًا عِنْدَهُمْ فِيمَنْ يُظْهِرُ حَاجَتَهُ بِالسُّؤَالِ فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الَّذِي يُظْهِرُ حَاجَتَهُ بِالسُّؤَالِ وَالنَّاسُ يُعْطُونَهُ تَزُولُ مَسْكَنَتُهُ بِإِعْطَاءِ النَّاسِ لَهُ وَالسُّؤَالُ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْحِرْفَةِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مِسْكِينًا يَسْتَحِقُّ مِنْ الزَّكَاةِ إذَا لَمْ يُعْطَ مَنْ غَيْرِهَا كِفَايَتُهُ فَهُوَ إذَا وَجَدَ مَنْ يُعْطِيهِ كِفَايَتَهُ لَمْ يَبْقَ مِسْكِينًا وَإِنَّمَا الْمِسْكِينُ الْمُحْتَاجُ الَّذِي لَا يَسْأَلُ وَلَا يُعْرَفُ فَيُعْطَى . فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُقَدَّمَ فِي الْعَطَاءِ فَإِنَّهُ مِسْكِينٌ قَطْعًا وَذَاكَ مَسْكَنَتُهُ تَنْدَفِعُ بِعَطَاءِ مَنْ يَسْأَلُهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : " الْإِسْلَامُ هُوَ الْخَمْسُ " يُرِيدُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ وَاجِبٌ دَاخِلٌ فِي الْإِسْلَامِ فَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَكْتَفِيَ بِالْإِقْرَارِ بِالشَّهَادَتَيْنِ ؛ وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْمُفَصَّلِ لَا يَكْتَفِي فِيهِ بِالْإِيمَانِ الْمُجْمَلِ وَلِهَذَا وَصَفَ الْإِسْلَامَ بِهَذَا . وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَهُوَ كَافِرٌ وَأَمَّا الْأَعْمَالُ الْأَرْبَعَةُ فَاخْتَلَفُوا فِي تَكْفِيرِ تَارِكِهَا وَنَحْنُ إذَا قُلْنَا : أَهْلُ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِالذَّنْبِ فَإِنَّمَا نُرِيدُ بِهِ الْمَعَاصِيَ كَالزِّنَا وَالشُّرْبِ وَأَمَّا هَذِهِ الْمَبَانِي فَفِي تَكْفِيرِ تَارِكِهَا نِزَاعٌ مَشْهُورٌ . وَعَنْ أَحْمَد : فِي ذَلِكَ نِزَاعٌ وَإِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْهُ : إنَّهُ يَكْفُرُ مَنْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهَا وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ كَابْنِ حَبِيبٍ . وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ : لَا يَكْفُرُ إلَّا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَقَطْ وَرِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ : لَا يَكْفُرُ إلَّا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ إذَا قَاتَلَ الْإِمَامَ عَلَيْهَا وَرَابِعَةٌ : لَا يَكْفُرُ إلَّا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ . وَخَامِسَةٌ : لَا يَكْفُرُ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِنْهُنَّ . وَهَذِهِ أَقْوَالٌ مَعْرُوفَةٌ لِلسَّلَفِ . قَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ : مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ كَفَرَ وَمَنْ تَرَكَ الزَّكَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ كَفَرَ . وَمَنْ تَرَكَ الْحَجَّ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ كَفَرَ . وَمَنْ تَرَكَ صَوْمَ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ كَفَرَ . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ كَفَرَ بِاَللَّهِ . وَمَنْ تَرَكَ الزَّكَاةَ مُتَعَمَّدًا فَقَدْ كَفَرَ بِاَللَّهِ . وَمَنْ تَرَكَ صَوْمَ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ كَفَرَ بِاَللَّهِ . وَقَالَ الضَّحَّاكُ : لَا تُرْفَعُ الصَّلَاةُ إلَّا بِالزَّكَاةِ . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : مَنْ أَقَامَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُؤْتِ الزَّكَاةَ فَلَا صَلَاةَ لَهُ . رَوَاهُنَّ أَسَدُ بْنُ مُوسَى . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو : مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ مُمْسِيًا أَصْبَحَ مُشْرِكًا وَمَنْ شَرِبَهُ مُصْبِحًا أَمْسَى مُشْرِكًا فَقِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ النخعي : كَيْفَ ذَلِكَ ؟ قَالَ : لِأَنَّهُ يَتْرُكُ الصَّلَاةَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَخْنَسُ فِي كِتَابِهِ : مَنْ شَرِبَ الْمُسْكِرَ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الْإِيمَانِ . وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ جِبْرِيلَ لَمَّا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ كَانَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ بَعْدَ فَرْضِ الْحَجِّ وَالْحَجُّ إنَّمَا فُرِضَ سَنَةَ تِسْعٍ أَوْ عَشْرٍ . وَقَدْ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُفْرَضْ قَبْلَ سِتٍّ مِنْ الْهِجْرَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ النَّاسَ بِالْإِيمَانِ . وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ مَعْنَاهُ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ بَلْ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَصْلَ مَعْنَاهُ وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ لِبَسْطِهَا مَوْضِعٌ آخَرُ . وَ ( الْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ مَنْ نَفَى عَنْهُ الرَّسُولُ اسْمَ " الْإِيمَانِ " أَوْ " الْإِسْلَامِ " فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَرَكَ بَعْضَ الْوَاجِبَاتِ فِيهِ وَإِنْ بَقِيَ بَعْضُهَا وَلِهَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ وَالسَّلَفُ يَقُولُونَ : إنَّهُ يَكُونُ فِي الْعَبْدِ إيمَانٌ وَنِفَاقٌ . قَالَ أَبُو داود السجستاني : حَدَّثَنَا أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي الْمِقْدَامِ عَنْ أَبِي يَحْيَى قَالَ : سُئِلَ حُذَيْفَةُ عَنْ الْمُنَافِقِ . قَالَ : الَّذِي يَعْرِفُ الْإِسْلَامَ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ . وَقَالَ أَبُو داود : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي البختري عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : الْقُلُوبُ أَرْبَعَةٌ : قَلْبٌ أَغْلَفُ فَذَلِكَ قَلْبُ الْكَافِرِ وَقَلْبٌ مُصَفَّحٌ وَذَلِكَ قَلْبُ الْمُنَافِقِ وَقَلْبٌ أَجْرَدُ فِيهِ سِرَاجٌ يُزْهِرُ فَذَلِكَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ ؛ وَقَلْبٌ فِيهِ إيمَانٌ وَنِفَاقٌ ؛ فَمَثَلُ الْإِيمَانِ فِيهِ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ يَمُدُّهَا مَاءٌ طَيِّبٌ ؛ وَمَثَلُ النِّفَاقِ مَثَلُ قُرْحَةٍ يَمُدُّهَا قَيْحٌ وَدَمٌ ؛ فَأَيُّهُمَا غَلَبَ عَلَيْهِ غَلَبَ . وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا ؛ وَهُوَ فِي " الْمُسْنَدِ " مَرْفُوعًا . وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حُذَيْفَةُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : { هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ } فَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فِيهِمْ نِفَاقٌ مَغْلُوبٌ فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ غَلَبَ نِفَاقُهُمْ فَصَارُوا إلَى الْكُفْرِ أَقْرَبَ . وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : إنَّ الْإِيمَانَ يَبْدُو لُمْظَةً بَيْضَاءَ فِي الْقَلْبِ فَكُلَّمَا ازْدَادَ الْعَبْدُ إيمَانًا ازْدَادَ الْقَلْبُ بَيَاضًا حَتَّى إذَا اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ ابْيَضَّ الْقَلْبُ كُلُّهُ . وَإِنَّ النِّفَاقَ يَبْدُو لُمْظَةً سَوْدَاءَ فِي الْقَلْبِ فَكُلَّمَا ازْدَادَ الْعَبْدُ نِفَاقًا ازْدَادَ الْقَلْبُ سَوَادًا حَتَّى إذَا اسْتَكْمَلَ الْعَبْدُ النِّفَاقَ اسْوَدَّ الْقَلْبُ وَأَيْمُ اللَّهِ لَوْ شَقَقْتُمْ عَنْ قَلْبِ الْمُؤْمِنِ لَوَجَدْتُمُوهُ أَبْيَضَ وَلَوْ شَقَقْتُمْ عَنْ قَلْبِ الْمُنَافِقِ وَالْكَافِرِ لَوَجَدْتُمُوهُ أَسْوَدَ . وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ كَمَا يُنْبِتُ الْمَاءُ الْبَقْلَ . رَوَاهُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ وَهَذَا كَثِيرٌ فِي كَلَامِ السَّلَفِ يُبَيِّنُونَ أَنَّ الْقَلْبَ قَدْ يَكُونُ فِيهِ إيمَانٌ وَنِفَاقٌ وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَدُلَّانِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ شُعَبَ الْإِيمَانِ وَذَكَرَ شُعَبَ النِّفَاقِ وَقَالَ : { مَنْ كَانَتْ فِيهِ شُعْبَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ شُعْبَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا } وَتِلْكَ الشُّعْبَةُ قَدْ يَكُونُ مَعَهَا كَثِيرٌ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ وَلِهَذَا قَالَ : { وَيَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ } فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الْإِيمَانِ أَقَلُّ الْقَلِيلِ لَمْ يَخْلُدْ فِي النَّارِ وَأَنَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ كَثِيرٌ مِنْ النِّفَاقِ فَهُوَ يُعَذَّبُ فِي النَّارِ عَلَى قَدْرِ مَا مَعَهُ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ . وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ لِلْأَعْرَابِ : { لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } نَفَى حَقِيقَةَ دُخُولِ الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِهِمْ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ شُعْبَةٌ مِنْهُ كَمَا نَفَاهُ عَنْ الزَّانِي وَالسَّارِقِ وَمَنْ لَا يُحِبُّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ وَمَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ وَغَيْرَ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فَإِنَّ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ مِمَّنْ نُفِيَ عَنْهُ الْإِيمَانُ لِتَرْكِ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ شَيْءٌ كَثِيرٌ . وَحِينَئِذٍ فَنَقُولُ : مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ : أَسْلَمْنَا أَيْ اسْتَسْلَمْنَا خَوْفَ السَّيْفِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ : هُوَ الْإِسْلَامُ . الْجَمِيعُ صَحِيحٌ فَإِنَّ هَذَا إنَّمَا أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ وَالْإِسْلَامُ الظَّاهِرُ يَدْخُلُ فِيهِ الْمُنَافِقُونَ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ إيمَانٌ وَنِفَاقٌ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ بِخِلَافِ الْمُنَافِقِ الْمَحْضِ الَّذِي قَلْبُهُ كُلُّهُ أَسْوَدُ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلِهَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ يَخْشَوْنَ النِّفَاقَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَمْ يَخَافُوا التَّكْذِيبَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَا يَكْذِبُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَقِينًا وَهَذَا مُسْتَنَدُ مَنْ قَالَ : أَنَا مُؤْمِنٌ حَقًّا فَإِنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ مَا يَعْلَمُهُ مَنْ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ التَّصْدِيقِ الْجَازِمِ وَلَكِنْ الْإِيمَانُ لَيْسَ مُجَرَّدَ التَّصْدِيقِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَعْمَالٍ قَلْبِيَّةٍ تَسْتَلْزِمُ أَعْمَالًا ظَاهِرَةً كَمَا تَقَدَّمَ فَحُبُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ الْإِيمَانِ وَحُبُّ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَبُغْضُ مَا نَهَى عَنْهُ هَذَا مِنْ أَخَصِّ الْأُمُورِ بِالْإِيمَانِ وَلِهَذَا ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ أَنَّ : { مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ } فَهَذَا يُحِبُّ الْحَسَنَةَ وَيَفْرَحُ بِهَا وَيُبْغِضُ السَّيِّئَةَ وَيَسُوءُهُ فِعْلُهَا وَإِنْ فَعَلَهَا بِشَهْوَةِ غَالِبَةٍ وَهَذَا الْحُبُّ وَالْبُغْضُ مِنْ خَصَائِصِ الْإِيمَانِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ الزَّانِيَ حِينَ يَزْنِي إنَّمَا يَزْنِي لِحُبِّ نَفْسِهِ لِذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَوْ قَامَ بِقَلْبِهِ خَشْيَةُ اللَّهِ الَّتِي تَقْهَرُ الشَّهْوَةَ أَوْ حُبُّ اللَّهِ الَّذِي يَغْلِبُهَا ؛ لَمْ يَزْنِ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى عَنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } فَمَنْ كَانَ مُخْلِصًا لِلَّهِ حَقَّ الْإِخْلَاصِ لَمْ يَزْنِ وَإِنَّمَا يَزْنِي لِخُلُوِّهِ عَنْ ذَلِكَ وَهَذَا هُوَ الْإِيمَانُ الَّذِي يُنْزَعُ مِنْهُ لَمْ يُنْزَعْ مِنْهُ نَفْسُ التَّصْدِيقِ وَلِهَذَا قِيلَ : هُوَ مُسْلِمٌ وَلَيْسَ بِمُؤْمِنِ ؛ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ الْمُسْتَحِقَّ لِلثَّوَابِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُصَدِّقًا وَإِلَّا كَانَ مُنَافِقًا ؛ لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ مَنْ صَدَقَ قَامَ بِقَلْبِهِ مِنْ الْأَحْوَالِ الْإِيمَانِيَّةِ الْوَاجِبَةِ مِثْلُ كَمَالِ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمِثْلُ خَشْيَةِ اللَّهِ وَالْإِخْلَاصِ لَهُ فِي الْأَعْمَالِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ بَلْ يَكُونُ الرَّجُلُ مُصَدِّقًا بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُرَائِي بِأَعْمَالِهِ وَيَكُونُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ وَقَدْ خُوطِبَ بِهَذَا الْمُؤْمِنُونَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ فِي سُورَةِ " بَرَاءَةٌ " فَقِيلَ لَهُمْ : { إنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَكْثَرَهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ . وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ؛ وَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ مَنْ لَمْ يَرْتَبْ وَجَاهَدَ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمَنْ لَمْ تَقُمْ بِقَلْبِهِ الْأَحْوَالُ الْوَاجِبَةُ فِي الْإِيمَانِ فَهُوَ الَّذِي نَفَى عَنْهُ الرَّسُولُ الْإِيمَانَ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ التَّصْدِيقُ وَالتَّصْدِيقُ مِنْ الْإِيمَانِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعَ التَّصْدِيقِ شَيْءٌ مِنْ حُبِّ اللَّهِ وَخَشْيَةِ اللَّهِ وَإِلَّا فَالتَّصْدِيقُ الَّذِي لَا يَكُونُ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ إيمَانًا أَلْبَتَّةَ بَلْ هُوَ كَتَصْدِيقِ فِرْعَوْنَ وَالْيَهُودِ وَإِبْلِيسَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَنْكَرَهُ السَّلَفُ عَلَى الجهمية . قَالَ الحميدي : سَمِعْت وَكِيعًا يَقُولُ : أَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ : الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَالْمُرْجِئَةُ يَقُولُونَ : الْإِيمَانُ قَوْلٌ . والجهمية يَقُولُونَ : الْإِيمَانُ الْمَعْرِفَةُ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ : وَهَذَا كُفْرٌ . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الكلابي : سَمِعْت وَكِيعًا يَقُولُ : الجهمية شَرٌّ مِنْ الْقَدَرِيَّةِ قَالَ : وَقَالَ وَكِيعٌ : الْمُرْجِئَةُ : الَّذِينَ يَقُولُونَ : الْإِقْرَارُ يُجْزِئُ عَنْ الْعَمَلِ ؛ وَمَنْ قَالَ هَذَا فَقَدْ هَلَكَ ؛ وَمَنْ قَالَ : النِّيَّةُ تُجْزِئُ عَنْ الْعَمَلِ فَهُوَ كُفْرٌ وَهُوَ قَوْلُ جَهْمٍ وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ . وَلِهَذَا كَانَ الْقَوْلُ : إنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ شَعَائِرِ السُّنَّةِ وَحَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي " الْأُمِّ " : وَكَانَ الْإِجْمَاعُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَنْ أَدْرَكْنَاهُمْ يَقُولُونَ : إنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ لَا يُجْزِئُ وَاحِدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ إلَّا بِالْآخَرِ ؛ وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ - فِي " مَنَاقِبِهِ " - : سَمِعْت حَرْمَلَةَ يَقُولُ : اجْتَمَعَ حَفْصٌ الْفَرْدُ وَمَصْلَانِ الإباضي عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي دَارِ الجروي فَتَنَاظَرَا مَعَهُ فِي الْإِيمَانِ فَاحْتَجَّ مَصْلَانِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَخَالَفَهُ حَفْصٌ الْفَرْدُ فَحَمِيَ الشَّافِعِيُّ وَتَقَلَّدَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ فَطَحَنَ حَفْصًا الْفَرْدَ وَقَطَعَهُ . وَرَوَى أَبُو عَمْرٍو الطلمنكي بِإِسْنَادِهِ الْمَعْرُوفِ عَنْ مُوسَى بْنِ هَارُونَ الْحَمَّالِ قَالَ : أَمْلَى عَلَيْنَا إسْحَاقُ بْنُ راهويه أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ لَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ كَمَا وَصَفْنَا وَإِنَّمَا عَقَلْنَا هَذَا بِالرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ وَالْآثَارِ الْعَامَّةِ الْمُحْكَمَةِ ؛ وَآحَادِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَهَلُمَّ جَرًّا عَلَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ بَعْدَ التَّابِعِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَكَذَلِكَ فِي عَهْدِ الأوزاعي بِالشَّامِ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بِالْعِرَاقِ ؛ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ بِالْحِجَازِ وَمَعْمَرٍ بِالْيَمَنِ عَلَى مَا فَسَّرْنَا وَبَيَّنَّا أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ . وَقَالَ إسْحَاقُ : مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا حَتَّى ذَهَبَ وَقْتُ الظُّهْرِ إلَى الْمَغْرِبِ وَالْمَغْرِبِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ كَافِرٌ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ يُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ وَقَالَ تَرْكُهَا لَا يَكُونُ كُفْرًا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ - يَعْنِي تَارِكَهَا . وَقَالَ ذَلِكَ - وَأَمَّا إذَا صَلَّى وَقَالَ ذَلِكَ فَهَذِهِ مَسْأَلَةُ اجْتِهَادٍ قَالَ : وَاتَّبَعَهُمْ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ عَصْرِنَا هَذَا أَهْلُ الْعِلْمِ إلَّا مَنْ بَايَنَ الْجَمَاعَةَ وَاتَّبَعَ الْأَهْوَاءَ الْمُخْتَلِفَةَ فَأُولَئِكَ قَوْمٌ لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِمْ لَمَّا بَايَنُوا الْجَمَاعَةَ . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ الْإِمَامُ - وَلَهُ كِتَابٌ مُصَنَّفٌ فِي الْإِيمَانِ قَالَ - : هَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنْ كَانَ يَقُولُ : الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ . مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ : عُبَيْدُ بْن عُمَيْرٍ الليثي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ مُجَاهِدُ بْنُ جَبْرِ وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ؛ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ؛ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ؛ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ جَرِيحٍ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ داود بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ . وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ : مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ الزَّهْرِيُّ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو حَازِمٍ الْأَعْرَجُ سَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمْرِيُّ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي ذِئْبٍ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي الماجشون - عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ . وَمِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ : طَاوُوسٌ الْيَمَانِيُّ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ . وَمِنْ أَهْل مِصْرَ وَالشَّامِ : مَكْحُولٌ الأوزاعي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الأيلي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ يَزِيدُ بْنُ شريح سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ حيوة ابْنُ شريح عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ . وَمَنْ سَكَنَ الْعَوَاصِمَ وَغَيْرَهَا مِنْ الْجَزِيرَةِ : مَيْمُونُ بْنُ مهران يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ مَعْقِلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرقي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَالِكٍ المعافي بْنُ عِمْرَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الحراني أَبُو إسْحَاقَ الفزاري مخلد بْنُ الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ بكار يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ . وَمِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ : عَلْقَمَةُ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ أَبُو وَائِلٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ الرَّبِيعُ بْنُ خيثم عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ إبْرَاهِيمُ النخعي الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ سَلَمَةُ بْنُ كهيل مُغِيرَةُ الضبي عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ أَبُو حَيَّانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ سُلَيْمَانُ بْنُ مهران الْأَعْمَشُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ سُفْيَانُ بْنُ عيينة الفضيل بْنُ عِيَاضٍ أَبُو الْمِقْدَامِ ثَابِتُ بْنُ الْعَجْلَانِ ابْنُ شبرمة ابْنُ أَبِي لَيْلَى زُهَيْرٌ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ أَبُو الْأَحْوَصِ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ أَبُو أُسَامَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ زَيْدُ بْنُ الحباب الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الجعفي مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ العبدي يَحْيَى بْنُ آدَمَ وَمُحَمَّدٌ وَيَعْلَى وَعَمْرُو بَنُو عُبَيْدٍ . وَمِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ : الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ سيرين قتادة ابْنُ دِعَامَةَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ المزني أَيُّوبُ السختياني يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ سُلَيْمَانُ التيمي هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ الدستوائي شُعْبَةُ ابْنُ الْحَجَّاجِ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ أَبُو الْأَشْهَبِ يَزِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَبُو عَوَانَةَ وهيب بْنُ خَالِدٍ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التيمي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ يَزِيدُ بْنُ زريع الْمُؤَمِّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِي . وَمِنْ أَهْلِ وَاسِطٍ : هشيم بْنُ بَشِيرٍ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ صَالِحُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ . وَمِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ : الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ أَبُو جَمْرَةَ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ النَّضْرُ بْنُ شميل جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الضبي . قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : هَؤُلَاءِ جَمِيعًا يَقُولُونَ : الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمَعْمُولُ بِهِ عِنْدَنَا . قُلْت : ذَكَرَ مِنْ الْكُوفِيِّينَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ الْإِرْجَاءَ فِي أَهْلِ الْكُوفَةِ كَانَ أَوَّلًا فِيهِمْ أَكْثَرَ وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ قَالَهُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ فَاحْتَاجَ عُلَمَاؤُهَا أَنْ يُظْهِرُوا إنْكَارَ ذَلِكَ فَكَثُرَ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ ذَلِكَ ؛ كَمَا أَنَّ التَّجَهُّمَ وَتَعْطِيلَ الصِّفَاتِ لَمَّا كَانَ ابْتِدَاءَ حُدُوثِهِ مِنْ خُرَاسَانَ كَثُرَ مِنْ عُلَمَاءِ خُرَاسَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ مِنْ الْإِنْكَارِ عَلَى الجهمية مَا لَمْ يُوجَدْ قَطُّ لِمَنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْبِدْعَةُ فِي بَلَدِهِ وَلَا سَمِعَ بِهَا كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ : { إنَّ لِلَّهِ عِنْدَ كُلِّ بِدْعَةٍ يَكَادُ بِهَا الْإِسْلَامُ وَأَهْلُهُ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِعَلَامَاتِ الْإِسْلَامِ ؛ فَاغْتَنِمُوا تِلْكَ الْمَجَالِسَ فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تَنْزِلُ عَلَى أَهْلِهَا } أَوْ كَمَا قَالَ . وَإِذَا كَانَ مِنْ قَوْلِ السَّلَفِ : إنَّ الْإِنْسَانَ يَكُونُ فِيهِ إيمَانٌ وَنِفَاقٌ فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِمْ : إنَّهُ يَكُونُ فِيهِ إيمَانٌ وَكُفْرٌ لَيْسَ هُوَ الْكُفْرُ الَّذِي يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ ؛ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابُهُ فِي قَوْله تَعَالَى { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ } قَالُوا : كَفَرُوا كُفْرًا لَا يَنْقُلُ عَنْ الْمِلَّةِ وَقَدْ اتَّبَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ . قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ المروزي فِي كِتَابِ " الصَّلَاةِ " : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْسِيرِ حَدِيثِ جبرائيل هَذَا فَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا : قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ } وَمَا ذَكَرَ مَعَهُ كَلَامٌ جَامِعٌ مُخْتَصَرٌ لَهُ غَوْرٌ وَقَدْ وَهَمَتْ الْمُرْجِئَةُ فِي تَفْسِيرِهِ فَتَأَوَّلُوهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ قِلَّةٌ مَعْرِفَةً مِنْهُمْ بِلِسَانِ الْعَرَبِ وَغَوْرُ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَدْ أُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَفَوَاتِحَهُ وَاخْتُصِرَ لَهُ الْحَدِيثُ اخْتِصَارًا . أَمَّا قَوْلُهُ : { الْإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ } فَأَنْ تُوَحِّدَهُ وَتُصَدِّقَ بِهِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَتَخْضَعَ لَهُ وَلِأَمْرِهِ بِإِعْطَاءِ الْعَزْمِ لِلْأَدَاءِ لِمَا أَمَرَ مُجَانِبًا لِلِاسْتِنْكَافِ وَالِاسْتِكْبَارِ وَالْمُعَانَدَةِ فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ لَزِمْت مُحَابَّهُ وَاجْتَنَبْت مساخطه . وَأَمَّا قَوْلُهُ : " وَمَلَائِكَتِهِ " فَأَنْ تُؤْمِنَ بِمَنْ سَمَّى اللَّهُ لَك مِنْهُمْ فِي كِتَابِهِ وَتُؤْمِنَ بِأَنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سِوَاهُمْ لَا يَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمْ وَعَدَدَهُمْ إلَّا الَّذِي خَلَقَهُمْ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : " وَكُتُبِهِ " فَأَنْ تُؤْمِنَ بِمَا سَمَّى اللَّهُ مِنْ كُتُبِهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ خَاصَّةً ؛ وَتُؤْمِنَ بِأَنَّ لِلَّهِ سِوَى ذَلِكَ كُتُبًا أَنْزَلَهَا عَلَى أَنْبِيَائِهِ لَا يَعْرِفُ أَسْمَاءَهَا وَعَدَدَهَا إلَّا الَّذِي أَنْزَلَهَا وَتُؤْمِنَ بِالْفُرْقَانِ وَإِيمَانُك بِهِ غَيْرُ إيمَانِك بِسَائِرِ الْكُتُبِ . إيمَانُك بِغَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ إقْرَارُك بِهِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَإِيمَانُك بِالْفُرْقَانِ إقْرَارُك بِهِ وَاتِّبَاعُك مَا فِيهِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : " وَرُسُلِهِ " فَأَنْ تُؤْمِنَ بِمَا سَمَّى اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ رُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِأَنَّ اللَّهَ سَوَّاهُمْ رُسُلًا وَأَنْبِيَاءَ لَا يَعْلَمُ أَسْمَاءَهُمْ إلَّا الَّذِي أَرْسَلَهُمْ وَتُؤْمِنَ بِمُحَمَّدِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِيمَانُك بِهِ غَيْرُ إيمَانِك بِسَائِرِ الرُّسُلِ . إيمَانُك بِسَائِرِ الرُّسُلِ إقْرَارُك بِهِمْ وَإِيمَانُك بِمُحَمَّدِ إقْرَارُك بِهِ وَتَصْدِيقُك إيَّاهُ دَائِبًا عَلَى مَا جَاءَ بِهِ فَإِذَا اتَّبَعْت مَا جَاءَ بِهِ أَدَّيْت الْفَرَائِضَ وَأَحْلَلْت الْحَلَالَ وَحَرَّمْت الْحَرَامَ وَوَقَفْت عِنْدَ الشُّبُهَاتِ وَسَارَعْت فِي الْخَيْرَاتِ وَأَمَّا قَوْلُهُ : " وَالْيَوْمِ الْآخِرِ " فَأَنْ تُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْحِسَابِ وَالْمِيزَانِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَبِكُلِّ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : { وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ } فَأَنْ تُؤْمِنَ بِأَنَّ مَا أَصَابَك لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَك وَأَنَّ مَا أَخْطَأَك لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَك وَلَا تَقُلْ : لَوْ كَانَ كَذَا لَمْ يَكُنْ كَذَا وَلَوْلَا كَذَا وَكَذَا لَمْ يَكُنْ كَذَا وَكَذَا . قَالَ : فَهَذَا هُوَ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ .
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 3 / ص 281)
وَالْعَبْدُ إذَا اعْتَرَفَ وَأَقَرَّ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ أَفْعَالِهِ كُلِّهَا فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ . إنْ اعْتَرَفَ بِهِ إقْرَارًا بِخَلْقِ اللَّهِ كُلَّ شَيْءٍ بِقُدْرَتِهِ وَنُفُوذِ مَشِيئَتِهِ وَإِقْرَارًا بِكَلِمَاتِهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ وَاعْتِرَافًا بِفَقْرِهِ وَحَاجَتِهِ إلَى اللَّهِ وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يَهْدِهِ فَهُوَ ضَالٌّ . وَإِنْ لَمْ يَتُبْ عَلَيْهِ فَهُوَ مُصِرٌّ . وَإِنْ لَمْ يَغْفِرْ لَهُ فَهُوَ هَالِكٌ : خَضَعَ لِعِزَّتِهِ وَحِكْمَتِهِ . فَهَذَا حَالُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَرْحَمُهُمْ اللَّهُ وَيَهْدِيهِمْ وَيُوَفِّقُهُمْ لِطَاعَتِهِ . وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ احْتِجَاجًا عَلَى الرَّبِّ وَدَفْعًا لِلْأَمْرِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ وَإِقَامَةً لِعُذْرِ نَفْسِهِ فَهَذَا ذَنْبٌ أَعْظَمُ مِنْ الْأَوَّلِ . وَهَذَا مِنْ أَتْبَاعِ الشَّيْطَانِ . وَلَا يَزِيدُهُ ذَلِكَ إلَّا شَرًّا . وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الرَّبَّ سُبْحَانَهُ مَحْمُودٌ لِنَفْسِهِ وَلِإِحْسَانِهِ إلَى خَلْقِهِ . وَلِذَلِكَ هُوَ يَسْتَحِقُّ الْمَحَبَّةَ لِنَفْسِهِ وَلِإِحْسَانِهِ إلَى عِبَادِهِ . وَيَسْتَحِقُّ أَنْ يَرْضَى الْعَبْدُ بِقَضَائِهِ . لِأَنَّ حُكْمَهُ عَدْلٌ لَا يَفْعَلُ إلَّا خَيْرًا وَعَدْلًا . وَلِأَنَّهُ لَا يَقْضِي لِلْمُؤْمِنِ قَضَاءً إلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ { إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ . فَكَانَ خَيْرًا لَهُ . وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ . فَكَانَ خَيْرًا لَهُ } . فَالْمُؤْمِنُ يَرْضَى بِقَضَائِهِ لِمَا يَسْتَحِقُّهُ الرَّبُّ لِنَفْسِهِ - مِنْ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ - وَلِأَنَّهُ مُحْسِنٌ إلَى الْمُؤْمِنِ . وَمَا تَسْأَلُهُ طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ وَهُوَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا يَقْضِي اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ قَضَاءً إلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ } وَقَدْ قَضَى عَلَيْهِ بِالسَّيِّئَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْعِقَابِ . فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ خَيْرًا ؟ . وَعَنْهُ جَوَابَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ أَعْمَالَ الْعِبَادِ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْحَدِيثِ . إنَّمَا دَخَلَ فِيهِ مَا يُصِيبُ الْإِنْسَانَ مِنْ النِّعَمِ وَالْمَصَائِبِ كَمَا فِي قَوْلِهِ { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } وَلِهَذَا قَالَ { إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ . فَكَانَ خَيْرًا لَهُ . وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ . فَكَانَ خَيْرًا لَهُ } فَجَعَلَ الْقَضَاءَ : مَا يُصِيبُهُ مِنْ سَرَّاءَ وَضَرَّاءَ . هَذَا ظَاهِرُ لَفْظِ الْحَدِيثِ . فَلَا إشْكَالَ عَلَيْهِ . الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ إذَا قُدِّرَ أَنَّ الْأَعْمَالَ دَخَلَتْ فِي هَذَا . فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ } . فَإِذَا قَضَى لَهُ بِأَنْ يُحْسِنَ فَهَذَا مِمَّا يَسُرُّهُ . فَيَشْكُرُ اللَّهَ عَلَيْهِ . وَإِذَا قَضَى عَلَيْهِ بِسَيِّئَةِ : فَهِيَ إنَّمَا تَكُونُ سَيِّئَةً يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ عَلَيْهَا إذَا لَمْ يَتُبْ مِنْهَا . فَإِنْ تَابَ أُبْدِلَتْ بِحَسَنَةِ . فَيَشْكُرُ اللَّهَ عَلَيْهَا . وَإِنْ لَمْ يَتُبْ اُبْتُلِيَ بِمَصَائِبَ تُكَفِّرُهَا فَصَبَرَ عَلَيْهَا . فَيَكُونُ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُ . وَالرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا يَقْضِي اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ } وَالْمُؤْمِنُ هُوَ الَّذِي لَا يُصِرُّ عَلَى ذَنْبٍ بَلْ يَتُوبُ مِنْهُ . فَيَكُونُ حَسَنَةً كَمَا قَدْ جَاءَ فِي عِدَّةِ آيَاتٍ . إنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ الذَّنْبَ فَيَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ . لَا يَزَالُ يَتُوبُ مِنْهُ حَتَّى يَدْخُلَ بِتَوْبَتِهِ مِنْهُ الْجَنَّةَ . وَالذَّنْبُ يُوجِبُ ذُلَّ الْعَبْدِ وَخُضُوعَهُ وَدُعَاءَ اللَّهِ وَاسْتِغْفَارَهُ إيَّاهُ وَشُهُودَهُ بِفَقْرِهِ وَحَاجَتَهُ إلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا هُوَ . فَيَحْصُلُ لِلْمُؤْمِنِ - بِسَبَبِ الذَّنْبِ - مِنْ الْحَسَنَاتِ مَا لَمْ يَكُنْ يَحْصُلُ بِدُونِ ذَلِكَ . فَيَكُونُ هَذَا الْقَضَاءُ خَيْرًا لَهُ . فَهُوَ فِي ذُنُوبِهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ : إمَّا أَنْ يَتُوبَ فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مِنْ التَّوَّابِينَ الَّذِينَ يُحِبُّهُمْ اللَّهُ . وَإِمَّا أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ بِمَصَائِبَ ؛ تُصِيبُهُ ضَرَّاءُ فَيَصْبِرُ عَلَيْهَا . فَيُكَفِّرُ عَنْهُ السَّيِّئَاتِ بِتِلْكَ الْمَصَائِبِ وَبِالصَّبْرِ عَلَيْهَا تَرْتَفِعُ دَرَجَاتُهُ . وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ { يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلُ ذِكْرِي أَهْلُ مُجَالَسَتِي . وَأَهْلُ شُكْرِي أَهْلُ زِيَادَتِي . وَأَهْلُ طَاعَتِي أَهْلُ كَرَامَتِي . وَأَهْلُ مَعْصِيَتِي لَا أُؤَيِّسُهُمْ مِنْ رَحْمَتِي . إنْ تَابُوا فَأَنَا حَبِيبُهُمْ } أَيْ مُحِبُّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ { وَإِنْ لَمْ يَتُوبُوا فَأَنَا طَبِيبُهُمْ . أَبْتَلِيهِمْ بِالْمَصَائِبِ لِأُكَفِّرَ عَنْهُمْ المعائب } . وَفِي قَوْله تَعَالَى { فَمِنْ نَفْسِكَ } مِنْ الْفَوَائِدِ : أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَرْكَنُ إلَى نَفْسِهِ وَلَا يَسْكُنُ إلَيْهَا . فَإِنَّ الشَّرَّ لَا يَجِيءُ إلَّا مِنْهَا . وَلَا يَشْتَغِلُ بِمَلَامِ النَّاسِ وَلَا ذَمِّهِمْ إذَا أَسَاءُوا إلَيْهِ . فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ السَّيِّئَاتِ الَّتِي أَصَابَتْهُ . وَهِيَ إنَّمَا أَصَابَتْهُ بِذُنُوبِهِ . فَيَرْجِعُ إلَى الذُّنُوبِ فَيَسْتَغْفِرُ مِنْهَا . وَيَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّ نَفْسِهِ وَسَيِّئَاتِ عَمَلِهِ . وَيَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُعِينَهُ عَلَى طَاعَتِهِ . فَبِذَلِكَ يَحْصُلُ لَهُ كُلُّ خَيْرٍ وَيَنْدَفِعُ عَنْهُ كُلُّ شَرٍّ . وَلِهَذَا كَانَ أَنْفَعُ الدُّعَاءِ وَأَعْظَمُهُ وَأَحْكَمُهُ : دُعَاءَ الْفَاتِحَةِ { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } فَإِنَّهُ إذَا هَدَاهُ هَذَا الصِّرَاطَ : أَعَانَهُ عَلَى طَاعَتِهِ وَتَرْكِ مَعْصِيَتِهِ . فَلَمْ يُصِبْهُ شَرٌّ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ . لَكِنَّ الذُّنُوبَ هِيَ مِنْ لَوَازِمِ نَفْسِ الْإِنْسَانِ . وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى الْهُدَى فِي كُلِّ لَحْظَةٍ : وَهُوَ إلَى الْهُدَى أَحْوَجُ مِنْهُ إلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ . لَيْسَ كَمَا يَقُولُهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ : إنَّهُ قَدْ هَدَاهُ . فَلِمَاذَا يَسْأَلُ الْهُدَى ؟ . وَأَنَّ الْمُرَادَ بِسُؤَالِ الْهُدَى : الثَّبَاتُ أَوْ مَزِيدُ الْهِدَايَةِ . بَلْ الْعَبْدُ مُحْتَاجٌ إلَى أَنْ يُعَلِّمَهُ رَبُّهُ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ تَفَاصِيلِ أَحْوَالِهِ . وَإِلَى مَا يَتَوَلَّدُ مِنْ تَفَاصِيلِ الْأُمُورِ فِي كُلِّ يَوْمٍ . وَإِلَى أَنْ يُلْهَمَ أَنْ يَعْمَلَ ذَلِكَ . فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي مُجَرَّدَ عِلْمِهِ إنْ لَمْ يَجْعَلْهُ اللَّهُ مُرِيدًا لِلْعَمَلِ بِعِلْمِهِ وَإِلَّا كَانَ الْعِلْمُ حُجَّةً عَلَيْهِ . وَلَمْ يَكُنْ مُهْتَدِيًا . وَالْعَبْدُ مُحْتَاجٌ إلَى أَنْ يَجْعَلَهُ اللَّهُ قَادِرًا عَلَى الْعَمَلِ بِتِلْكَ الْإِرَادَةِ الصَّالِحَةِ . فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُهْتَدِيًا إلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ - صِرَاطِ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ - إلَّا بِهَذِهِ الْعُلُومِ وَالْإِرَادَاتِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ . وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَاجَاتِ مَا لَا يُمْكِنُ إحْصَاؤُهُ . وَلِهَذَا كَانَ النَّاسُ مَأْمُورِينَ بِهَذَا الدُّعَاءِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ لِفَرْطِ حَاجَتِهِمْ إلَيْهِ . فَلَيْسُوا إلَى شَيْءٍ أَحْوَجَ مِنْهُمْ إلَى هَذَا الدُّعَاءِ . وَإِنَّمَا يَعْرِفُ بَعْضَ قَدْرِ هَذَا الدُّعَاءِ مَنْ اعْتَبَرَ أَحْوَالَ نَفْسِهِ وَنُفُوسِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْمَأْمُورِينَ بِهَذَا الدُّعَاءِ . وَرَأَى مَا فِي النُّفُوسِ مِنْ الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ الَّذِي يَقْتَضِي شَقَاءَهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . فَيَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ - بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ - جَعَلَ هَذَا الدُّعَاءَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْخَيْرِ الْمَانِعَةِ مِنْ الشَّرِّ . وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُصَّ عَلَيْنَا فِي الْقُرْآنِ قِصَّةَ أَحَدٍ إلَّا لِنَعْتَبِرَ بِهَا لِمَا فِي الِاعْتِبَارِ بِهَا مِنْ حَاجَتِنَا إلَيْهِ وَمَصْلَحَتِنَا . وَإِنَّمَا يَكُونُ الِاعْتِبَارُ إذَا قِسْنَا الثَّانِيَ بِالْأَوَّلِ وَكَانَا مُشْتَرِكَيْنِ فِي الْمُقْتَضِي لِلْحُكْمِ . فَلَوْلَا أَنَّ فِي نُفُوسِ النَّاسِ مِنْ جِنْسِ مَا كَانَ فِي نُفُوسِ الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ - فِرْعَوْنَ وَمَنْ قَبْلَهُ - لَمْ يَكُنْ بِنَا حَاجَةٌ إلَى الِاعْتِبَارِ بِمَنْ لَا نُشَبِّهُهُ قَطُّ . وَلَكِنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَ تَعَالَى { مَا يُقَالُ لَكَ إلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ } وَكَمَا قَالَ تَعَالَى { كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } وَقَالَ تَعَالَى { كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ } وَقَالَ تَعَالَى { يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ } . وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَتَسْلُكُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ . قَالُوا : الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ؟ قَالَ : فَمَنْ ؟ } . وَقَالَ { لَتَأْخُذَن أُمَّتِي مَأْخَذَ الْأُمَمِ قَبْلَهَا : شِبْرًا بِشِبْرِ وَذِرَاعًا بِذِرَاعِ . قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَارِسُ وَالرُّومُ ؟ قَالَ : فَمَنْ ؟ } وَكِلَا الْحَدِيثَيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ . { وَلَمَّا كَانَ فِي غَزْوَةِ حنين كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ شَجَرَةٌ - يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ أَنْوَاطٍ يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ وَيَنُوطُونَهَا بِهَا وَيَسْتَظِلُّونَ بِهَا مُتَبَرِّكِينَ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ . فَقَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ . قُلْتُمْ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى : اجْعَلْ لَنَا إلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً . إنَّهَا السَّنَنُ . لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ } . وَقَدْ بَيَّنَ الْقُرْآنُ : أَنَّ السَّيِّئَاتِ مِنْ النَّفْسِ وَإِنْ كَانَتْ بِقَدَرِ اللَّهِ . فَأَعْظَمُ السَّيِّئَاتِ : جُحُودُ الْخَالِقِ . وَالشِّرْكُ بِهِ وَطَلَبُ النَّفْسِ أَنْ تَكُونَ شَرِيكَةً وَنِدًّا لَهُ أَوْ أَنْ تَكُونَ إلَهًا مِنْ دُونِهِ . وَكِلَا هَذَيْنِ وَقَعَ فَإِنَّ فِرْعَوْنَ طَلَبَ أَنْ يَكُونَ إلَهًا مَعْبُودًا دُونَ اللَّهِ تَعَالَى . وَقَالَ { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرِي } وَقَالَ { أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى } وَقَالَ لِمُوسَى { لَئِنِ اتَّخَذْتَ إلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ } و { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ } . وَإِبْلِيسُ يَطْلُبُ : أَنْ يُعْبَدَ وَيُطَاعَ مِنْ دُونِ اللَّهِ . فَيُرِيدُ : أَنْ يُعْبَدَ وَيُطَاعَ هُوَ وَلَا يُعْبَدُ اللَّهُ وَلَا يُطَاعَ . وَهَذَا الَّذِي فِي فِرْعَوْنَ وَإِبْلِيسَ هُوَ غَايَةُ الظُّلْمِ وَالْجَهْلِ . وَفِي نُفُوسِ سَائِرِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ : شُعْبَةٌ مِنْ هَذَا وَهَذَا . إنْ لَمْ يُعِنْ اللَّهُ الْعَبْدَ وَيَهْدِيهِ وَإِلَّا وَقَعَ فِي بَعْضِ مَا وَقَعَ فِيهِ إبْلِيسُ وَفِرْعَوْنُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ . قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ : مَا مِنْ نَفْسٍ إلَّا وَفِيهَا مَا فِي نَفْسِ فِرْعَوْنَ غَيْرَ أَنَّ فِرْعَوْنَ قَدَرَ فَأَظْهَرَ . وَغَيْرَهُ عَجَزَ فَأَضْمَرَ . وَذَلِكَ : أَنَّ الْإِنْسَانَ إذَا اعْتَبَرَ وَتَعَرَّفَ نَفْسَهُ وَالنَّاسَ وَسَمِعَ أَخْبَارَهُمْ : رَأَى الْوَاحِدَ مِنْهُمْ يُرِيدُ لِنَفْسِهِ أَنْ تُطَاعَ وَتَعْلُو بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ . فَالنَّفْسُ مَشْحُونَةٌ بِحُبِّ الْعُلُوِّ وَالرِّيَاسَةِ بِحَسَبِ إمْكَانِهَا فَتَجِدُ أَحَدَهُمْ يُوَالِي مَنْ يُوَافِقُهُ عَلَى هَوَاهُ وَيُعَادِي مَنْ يُخَالِفُهُ فِي هَوَاهُ . وَإِنَّمَا مَعْبُودُهُ : مَا يَهْوَاهُ وَيُرِيدُهُ . قَالَ تَعَالَى { أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا } وَالنَّاسُ عِنْدَهُ فِي هَذَا الْبَابِ : كَمَا هُمْ عِنْدَ مُلُوكِ الْكُفَّارِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ التُّرْكِ وَغَيْرِهِمْ . يَقُولُونَ " يَا رُبَاعِيّ " أَيْ صَدِيقٌ وَعَدُوٌّ . فَمَنْ وَافَقَ هَوَاهُمْ : كَانَ وَلِيًّا وَإِنْ كَانَ كَافِرًا مُشْرِكًا . وَمَنْ لَمْ يُوَافِقْ هَوَاهُمْ : كَانَ عَدُوًّا وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ . وَهَذِهِ هِيَ حَالُ فِرْعَوْنَ . وَالْوَاحِدُ مِنْ هَؤُلَاءِ : يُرِيدُ أَنْ يُطَاعَ أَمْرُهُ بِحَسَبِ إمْكَانِهِ لَكِنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِمَّا تَمَكَّنَ مِنْهُ فِرْعَوْنُ : مِنْ دَعْوَى الْإِلَهِيَّةِ وَجُحُودِ الصَّانِعِ . وَهَؤُلَاءِ - وَإِنْ كَانُوا يُقِرُّونَ بِالصَّانِعِ - لَكِنَّهُمْ إذَا جَاءَهُمْ مَنْ يَدْعُوهُمْ إلَى عِبَادَتِهِ وَطَاعَتِهِ الْمُتَضَمِّنَةِ تَرْكَ طَاعَتِهِمْ : فَقَدْ يُعَادُونَهُ كَمَا عَادَى فِرْعَوْنُ مُوسَى . وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مِمَّنْ عِنْدَهُ بَعْضُ عَقْلٍ وَإِيمَانٍ لَا يَطْلُبُ هَذَا الْحَدَّ بَلْ يَطْلُبُ لِنَفْسِهِ مَا هُوَ عِنْدَهُ . فَإِنْ كَانَ مُطَاعًا مُسْلِمًا : طَلَبَ أَنْ يُطَاعَ فِي أَغْرَاضِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا مَا هُوَ ذَنْبٌ وَمَعْصِيَةٌ لِلَّهِ . وَيَكُونُ مَنْ أَطَاعَهُ فِي هَوَاهُ : أَحَبُّ إلَيْهِ وَأَعَزُّ عِنْدِهِ مِمَّنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَخَالَفَ هَوَاهُ . وَهَذِهِ شُعْبَةٌ مِنْ حَالِ فِرْعَوْنَ . وَسَائِرِ الْمُكَذِّبِينَ لِلرُّسُلِ . وَإِنْ كَانَ عَالِمًا - أَوْ شَيْخًا - أَحَبَّ مَنْ يُعَظِّمُهُ دُونَ مَنْ يُعَظِّمُ نَظِيرَهُ حَتَّى لَوْ كَانَا يَقْرَآنِ كِتَابًا وَاحِدًا كَالْقُرْآنِ أَوْ يَعْبُدَانِ عِبَادَةً وَاحِدَةً مُتَمَاثِلَانِ فِيهَا كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ . فَإِنَّهُ يُحِبُّ مَنْ يُعَظِّمُهُ بِقَبُولِ قَوْلِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ : أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ . وَرُبَّمَا أَبْغَضَ نَظِيرَهُ وَأَتْبَاعَهُ حَسَدًا وَبَغْيًا كَمَا فَعَلَتْ الْيَهُودُ لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو إلَى مِثْلِ مَا دَعَا إلَيْهِ مُوسَى . قَالَ تَعَالَى { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ } وَقَالَ تَعَالَى { وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ } وَقَالَ تَعَالَى { وَمَا تَفَرَّقُوا إلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ } . وَلِهَذَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ بِنَظِيرِ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ فِرْعَوْنَ . وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ مَنْ انْتَقَمَ بِهِ مِنْهُمْ . فَقَالَ تَعَالَى عَنْ فِرْعَوْنَ { إنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } وَقَالَ تَعَالَى عَنْهُمْ { وَقَضَيْنَا إلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا } وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى { تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا }(1/173)
323-7979 أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ : قَامَ فِينَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ عَلَى بَابِ الْجَابِيَةِ ، فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا كَقِيَامِي فِيكُمْ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ " أَكْرِمُوا أَصْحَابِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لِيَحْلِفَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ ، وَيَشْهَدَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ ، فَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنَالَ بُحْبُحَةَ الْجَنَّةٍ فَعَلَيْهِ بِالْجَمَاعَةِ ، فَإِنَّ يَدَ اللَّهِ فَوْقَ الْجَمَاعَةِ ، لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا أَلَا إِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ ، وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبَعْدُ ، أَلَا مَنْ سَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ وَسَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ " (1)
324-7980 أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ قَامَ فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا كَقِيَامِي فِيكُمْ فَقَالَ : " أَكْرِمُوا أَصْحَابِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يَظْهَرُ الْكَذِبُ ، فَيَحْلِفُ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ ، وَيَشْهَدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ ، فَمَنْ أَرَادَ بُحْبُحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْفَذِّ ، وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبَعْدُ ، وَلَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ لَهُ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا " (2)
__________
(1) - المعجم الأوسط للطبراني برقم( 3039) ومسند الطيالسي برقم( 30 ) صحيح
(2) - مسند الحميدى برقم( 35 ) صحيح
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (ج 17 / ص 309)
عن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله أكرموا أصحابي أي السابقين واللاحقين أحياء وأمواتا فإنهم خياركم والخطاب للأمة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يظهر الكذب أي يفشو كما في رواية حتى إن الرجل بكسر إن ويفتح ليحلف بلام التأكيد ولا يستحلف ويشهد عطف على يحلف أو ليحلف ولا يستشهد ألا للتنبيه من سره أي من أحب بحبوبة الجنة بضم الموحدتين أي وسطها وخيارها فليلزم الجماعة أي السواد الأعظم وما عليه الجمهور من الصحابة والتابعين والسلف الصالحين فيدخل فيه حبهم وإكرامهم دخولا أوليا فإن الشيطان مع الفذ بفتح الفاء وتشديد الذال المعجمة أي مقارن للفرد الذي تفرد برأيه وهو أي الشيطان من الاثنين أبعد أي بعيد قال الطيبي أفعل هنا لمجرد الزيادة ولو كان مع الثلاثة لكان بمعنى التفضيل إذ البعد مشترك بين الثلاثة والاثنين دون الاثنين والفذ على ما لا يخفى ولا يخلون رجل نهي تأكيد وتشديد بامرأة أي أجنبية فإن الشيطان ثالثهم أي فلا بد أن يغويهما ومن سرته حسنته أي إذا وقعت منه وساءته سيئته أي أحزنته إذا صدرت عنه فهو مؤمن أي كامل لأن المنافق حيث لا يؤمن بيوم القيامة استوت عنده الحسنة والسيئة وقد قال تعالى ولا تستوي الحسنة ولا السيئة فصلت رواه هنا بياض في أصل المصنف وألحق به النسائي وإسناده صحيح ورجاله رجال الصحيح إلا إبراهيم بن الحسن الخثعمي فإنه لم يخرج له الشيخان وهو ثقة ثبت ذكره الجزري فالحديث بكماله إما صحيح أو حسن وروى أحمد وابن حبان صحيحة والطبراني والحاكم والبيهقي والضياء عن أبي أمامة مرفوعا إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن ورواه الطبراني عن أبي موسى مرفوعا ولفظه من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن وعن جابر عن النبي قال لا تمس النار مسلما رآني أو رأى من رآني رواه الترمذي وكذا الضياء وحسنه الترمذي وروى عبد بن حميد عن أبي سعيد وابن عساكر عن واثلة طوبى لمن رآني ولمن رأى من رآني ولمن رأى من رأى من رآني وروى الطبراني والحاكم عن عبد الله بن بسر طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى لمن رأى من رآني ولمن رأى من رأى من رآني وآمن بي طوبى لهم وحسن مآب وأنشد شعر واستنشق الأرياح من نحو أرضكم لعلي أراكم أو أرى من يراكم وقال بعضهم شعر سعدت أعين رأتك وقرت والعيون التي رأت من رآكا وكأنه لما تذكر المحرومين من ذلك الجناب وعن رؤية الأصحاب وعن خدمة الأتباع من أولي الألباب قال تسلية طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى لمن لم يرني وآمن بي ثلاث مرات رواه الطيالسي وعبد بن حميد عن ابن عمر وقال أيضا طوبى لمن رآني وآمن بي ثم طوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني رواه أحمد وابن حبان عن أبي سعيد وقال أيضا طوبى لمن رآني وآمن بي مرة وطوبى لمن لم يرني وآمن بي سبع مرات رواه أحمد والبخاري في تاريخه وابن حبان والحاكم عن أبي أمامة ورواه أحمد أيضا عن أنس وحاصله أنه قد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل كما هنا من الإيمان بالغيب عن مشاهدة المعجزات التي قارب من رآها أن يكون إيمانه بالعيان وعن عبد الله بن مغفل قال قال رسول الله الله الله بالنصب فيهما أي اتقوا الله ثم اتقوا الله في أصحابي أي في حقهم والمعنى لا تنقصوا من حقهم ولا تسبوهم أو التقدير أذكركم الله ثم أنشدكم الله في حق أصحابي وتعظيمهم وتوقيرهم كما يقول الأب المشفق الله الله في حق أولادي ذكره الطيبي أو التقدير اتقوا مخالفته اتقوا عقابه في عداوة أصحابي المقربين ببابي الملتجئين إلى جنابي لا تتخذوهم غرضا من بعدي بفتح الغين المعجمة والراء أي هدفا لكلامكم القبيح لهم في المحاورات ورميهم في غيبتهم بالوقائع والمكروهات فمن أحبهم فبحبي أي بسبب حبي إياهم أحبهم وقال الطيبي بسبب حبه إياي أحبهم وهو أنسب بقوله ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم والمعنى إنما أحبهم لأنه يحبني وإنما أبغضهم لأنه يبغضي والعياذ بالله تعالى فحق لذلك قول من قال إن من سبهم فقد استوجب القتل في الدنيا على ما سبق من مذهب المالكية ومن آذاهم فقد آذاني أي حكما ومن آذاني فقد آذى الله ونظيره من يطع الرسول فقد أطاع الله النساء ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه أي يعاقبه في الدنيا أو في الأخرى ولعله مقتبس من قوله تعالى إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا الأحزاب و رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب وعن أنس قال قال رسول الله مثل أصحابي في أمتي كالملح في الطعام لا يصلح الطعام إلا بالملح استئناف مبين لوجه الشبه ولا يلزم من التشبيه أن يكون من جميع الوجوه حتى يقال كثرة الملح تفسد الطعام كما قيل في حق النحو أنه في الكلام كالملح في الطعام بل المراد منه أن الطعام بدونه ليس له كمال المرام قال الحسن أي البصري فقذ ذهب ملحنا فكيف نصلح أي في حالنا قلت نصلح بكلامهم ورواياتهم ومعرفة مقاماتهم وحالاتهم وبالاقتداء بأخلاقهم وصفاتهم فإن العبرة بهذه الأشياء دون صورهم وذواتهم رواه أي البغوي في شرح السنة أي بإسناده وكذا رواه أبو يعلى في مسنده عن أنس مرفوعا وعن عبد الله بن بريدة بالتصغير عن أبيه يعني أبا موسى الأشعري قال قال رسول الله ما من أحد من أصحابي من الأولى زائدة لتأكيد نفي الاستغراق والثانية بيانية يموت بأرض إلا بعث أي إلا حشر ذلك الأحد من أصحابي قائدا أي لأهل تلك الأرض ونورا ي هاديا لهم يوم القيامة رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب وكذا رواه الضياء وذكر حديث ابن مسعود لا يبلغني أحد أي من أصحابي عن أحد شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر أي مع كلكم فلو سمعت شيئا منكم ربما تغير خاطري بمقتضى البشرية فالأولى سد باب الذريعة المؤدية إلى الأذية في باب حفظ اللسان أي على ظن أنه أولى بذلك الباب والله أعلم بالصواب(1/174)
325-7981 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ : حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ : إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِينَا فَقَالَ : " أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ ، وَلَا يُسْتَحْلَفُ ، وَحَتَّى يَشْهَدَ وَلَا يُسْتَشْهَدُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبَعْدُ ، لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ ثَلَاثَ مِرَارٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا شَيْطَانٌ ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ ، مَنْ سَرَّتَهُ حَسَنَتْهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ " (1)
__________
(1) - سنن الترمذى برقم(2318 ) والمستدرك للحاكم برقم(387) صحيح
تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 456)
2091 - قَوْلُهُ ( أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو الْمُغِيرَةِ )
قَالَ فِي التَّقْرِيبِ : النَّضْرُ بِالْمُعْجَمَةِ اِبْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَازِمٍ الْبَجَلِيُّ أَبُو الْمُغِيرَةِ الْكُوفِيُّ الْقَاصُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ مِنْ صِغَارِ الثَّامِنَةِ .
( عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ )
بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ الْغَنَوِيِّ ، أَبِي بَكْرٍ الْكُوفِيِّ الْعَابِدِ ، ثِقَةٌ مَرْضِيٌّ عَابِدٌ مِنْ الْخَامِسَةِ .
قَوْلُهُ : ( خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ )
خُطْبَةُ عُمَرَ هَذِهِ مَشْهُورَةٌ ، خَطَبَهَا بِالْجَابِيَةِ وَهِيَ قَرْيَةٌ بِدِمَشْقَ
( فَقَالَ )
أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
( أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ )
أَيْ التَّابِعِينَ
( ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ )
أَيْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ . وَقَوْلُهُ بِأَصْحَابِي وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِهِ وُلَاةَ الْأُمُورِ
( ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ )
أَيْ يَظْهَرُ وَيَنْتَشِرُ بَيْنَ النَّاسِ بِغَيْرِ نَكِيرٍ
( حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ )
أَيْ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ الْحَلِفُ لِجُرْأَتِهِ عَلَى اللَّهِ
( وَيَشْهَدُ الشَّاهِدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ )
قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي أَوَاخِرِ الشَّهَادَاتِ : الْمُرَادُ بِهِ شَهَادَةُ الزُّورِ
( أَلَا )
بِالتَّخْفِيفِ حَرْفُ تَنْبِيهٍ
( لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ )
أَيْ أَجْنَبِيَّةٍ
( إِلَّا كَانَ ثَالِثُهُمَا الشَّيْطَانَ )
بِرَفْعِ الْأَوَّلِ وَنَصْبِ الثَّانِي ، وَيَجُوزُ الْعَكْسُ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ ، وَالْمَعْنَى يَكُونُ الشَّيْطَانُ مَعَهُمَا يُهَيِّجُ شَهْوَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا حَتَّى يُلْقِيَهُمَا فِي الزِّنَا
( عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ )
أَيْ الْمُنْتَظِمَةِ بِنَصْبِ الْإِمَامَةِ
( وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ )
أَيْ اِحْذَرُوا مُفَارَقَتَهَا مَا أَمْكَنَ . وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا : " مَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً " " الْحَدِيثَ " . رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ حُذَيْفَةَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ : تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ . قُلْت : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ ؟ قَالَ فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا ، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَك الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ . قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ : تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ أَيْ أَمِيرَهُمْ . زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ : تَسْمَعُ وَتُطِيعُ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُك وَأُخِذَ مَالُك . وَكَذَا فِي رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ سَبِيعٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ : فَإِنْ رَأَيْت خَلِيفَةً فَالْزَمْهُ وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَك فَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً فَالْهَرَبَ . وَقَالَ الطَّبَرِيُّ . اُخْتُلِفَ فِي هَذَا الْأَمْرِ وَفِي الْجَمَاعَةِ ، فَقَالَ قَوْمٌ هُوَ لِلْوُجُوبِ ، وَالْجَمَاعَةُ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ ، ثُمَّ سَاقَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَصَّى مَنْ سَأَلَهُ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ : عَلَيْك بِالْجَمَاعَةِ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيَجْمَعَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلَى ضَلَالَةٍ . وَقَالَ قَوْمٌ : الْمُرَادُ بِالْجَمَاعَةِ الصَّحَابَةُ دُونَ مَنْ بَعْدَهُمْ . وَقَالَ قَوْمٌ : الْمُرَادُ بِهِمْ أَهْلُ الْعِلْمِ لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُمْ حُجَّةً عَلَى الْخَلْقِ وَالنَّاسُ تَبَعٌ لَهُمْ فِي أَمْرِ الدِّينِ . قَالَ الطَّبَرِيُّ : وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْخَبَرِ لُزُومُ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ فِي طَاعَةِ مَنْ اِجْتَمَعُوا عَلَى تَأْمِيرِهِ ، فَمَنْ نَكَثَ بَيْعَتَهُ خَرَجَ عَنْ الْجَمَاعَةِ . قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ : أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ إِمَامٌ فَافْتَرَقَ النَّاسُ أَحْزَابًا فَلَا يَتْبَعْ أَحَدًا فِي الْفِرْقَةِ وَيَعْتَزِلُ الْجَمِيعَ إِنْ اِسْتَطَاعَ ذَلِكَ خَشْيَةً مِنْ الْوُقُوعِ فِي الشَّرِّ . وَعَلَى ذَلِكَ يَتَنَزَّلُ مَا جَاءَ فِي سَائِرِ الْأَحَادِيثِ ، وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ مَا ظَاهِرُهُ الِاخْتِلَافُ مِنْهَا اِنْتَهَى .
( فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ )
أَيْ الْخَارِجِ عَنْ طَاعَةِ الْأَمِيرِ الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ
( وَهُوَ )
أَيْ الشَّيْطَانُ
( مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ )
أَيْ بَعِيدٌ . قَالَ الطِّيبِيُّ : أَفْعَلُ هُنَا لِمُجَرَّدِ الزِّيَادَةِ وَلَوْ كَانَ مَعَ الثَّلَاثَةِ لَكَانَ بِمَعْنَى التَّفْضِيلِ ، إِذْ الْبُعْدُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالِاثْنَيْنِ دُونَ الِاثْنَيْنِ وَالْفَذِّ ، عَلَى مَا لَا يَخْفَى
( مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ )
بِضَمِّ الْمُوَحَّدَتَيْنِ أَيْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْكُنَ وَسَطَهَا وَخِيَارَهَا
( مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ )
أَيْ إِذَا وَقَعَتْ مِنْهُ
( وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ )
أَيْ أَحْزَنَتْهُ إِذَا صَدَرَتْ عَنْهُ
( فَذَلِكُمْ الْمُؤْمِنُ )
أَيْ الْكَامِلُ لِأَنَّ الْمُنَافِقَ حَيْثُ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ اِسْتَوَتْ عِنْدَهُ الْحَسَنَةُ وَالسَّيِّئَةُ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ } .
قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ )
وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مَنَاقِبِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَعْزُهُ إِلَى أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ بَلْ تَرَكَ بَيَاضًا .
قَالَ الْقَارِي : هُنَا بَيَاضٌ فِي أَصْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَلْحَقَ بِهِ النَّسَائِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إِلَّا إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْحَسَنِ الْخَثْعَمِيَّ فَإِنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ لَهُ الشَّيْخَانِ وَهُوَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ ذَكَرَهُ الْجَزَرِيُّ ، فَالْحَدِيثُ بِكَمَالِهِ إِمَّا صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ اِنْتَهَى .
فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (ج 6 / ص 223)
2795 - (أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم) أي أهل القرن الثاني قال ابن العربي: أوصيكم بأصحابي إلخ وليس هناك أحد غيرهم يكون الموصى به غيرهم وإنما المراد ولاة أمورهم فكانت هذه وصية على العموم (ثم) بعد ذلك (يفشوا الكذب) أي ينتشر بين الناس بغير نكير (حتى يحلف الرجل) تبرعاً (ولا يستحلف) أي لا يطلب منه الحلف لجرأته على اللّه (ويشهد الشاهد ولا يستشهد) أي لا يطلب منه الشهادة يجعل ذلك منصوبة لشيء يتوقعه من حطام الدنيا قال ابن العربي: وقد وجدنا وقوع ذلك في القرن الثاني لكنه قليل ثم زاد في الثالث ثم كثر في الرابع وقوله يحلف ولا يستحلف إشارة إلى قلة الثقة بمجرد الخبر لغلبة التهمة حتى يؤكد خبره باليمين وقوله يشهد ولا يستشهد أي يبديها من قبل نفسه زوراً (ألا لا يخلون رجل بامرأة) أي أجنبية (إلا كان الشيطان ثالثهما) بالوسوسة وتهييج الشهوة ورفع الحياء وتسويل المعصية حتى يجمع بينهما بالجماع أو فيما دونه من مقدماته التي توشك أن توقع فيه والنهي للتحريم واستثنى ابن جرير كالثوري ما منه بد كخلوته بأمة زوجته التي تخدمه حال غيبتها (وعليكم بالجماعة) أي أركان الدين والسواد الأعظم من أهل السنة أي الزموا هديهم فيجب اتباع ما هم عليه من العقائد والقواعد وأحكام الدين قال ابن جرير: وإن كان الإمام في غيرهم وعلم منه أن الأمة إذا أجمعت على شيء لم يجز خلافها (وإياكم والفرقة) أي احذروا الإنفصال عنها ومفارقتهم ما أمكن يقال فرقت بين الشيئين فصلت بينهما وفرقت بين الحق والباطل فصلت أيضاً (فإن الشيطان مع الواحد وهو من الإثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة) بضم الموحدتين أي من أراد أن يسكن وسطها وأخصبها وأحسنها وأوسعها مكاناً قال في الصحاح: بحبوحة الدار بضم الباءين وسطها قال الزمخشري: ومن المجاز تبحبح في الأمر توسع فيه من بحبوحة الدار وهي وسطها وتبحبحت العرب في لغاتها اتسعت فيها [ص 79] (فليلزم الجماعة) فإن من شذ انفرد بمذهبه عن مذاهب الأمة فقد خرج عن الحق لأن الحق لا يخرج عن جماعتها. قال الغزالي: ولا تناقض بين هذا وبين الأخبار الآمرة بالعزلة إذ لا تجتمع الأمة على ضلالة فخرق الإجماع والحكم بالعزلة نحو الزم بيتك وعليك بخاصة نفسك لأن قوله عليكم بالجماعة إلخ يحتمل ثلاثة أوجه: أحدها أنه يعني به في الدين والحكم إذ لا تجتمع الأمة على ضلالة فخرق الإجماع والحكم بخلاف ما عليه جمهور الأمة والشذوذ عنهم ضلال وليس منه من يعتزل عنهم لصلاح دينه، الثاني عليكم بالجماعة بأن لا تنقطعوا عنهم في نحو الجمع والجماعات فإن فيها جمال الإسلام وقوة الدين وغيظ الكفار والملحدين، الثالث أن ذلك في زمن الفتنة للرجل الضعيف في أمر الدين (من سرته حسنته وساءته سيئته فذلكم المؤمن) أي الكامل لأنه لا أحد يفعل ذلك إلا لعلمه بأن له رباً على حسناته مثيباً وسيئاته مجازياً ومن كان كذلك فهو لتوحيد اللّه مخلصاً قال ابن جرير: وفيه تكذيب المعتزلة في إخراجهم أهل الكبائر من الإيمان فإنه سمى أهل الإساءة مؤمنين وإبطال لقول الخوارج هم كافرون وإن أقروا بالإسلام.
- (حم ت ك عن عمر) بن الخطاب قال الترمذي حسن صحيح وقال الحاكم على شرطهما.(1/175)
326-7982 أَخْبَرَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَيُّوبَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ : قَدِمَ عُمَرُ الْجَابِيَةَ ، فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " احْفَظُونِي فِي أَصْحَابِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ يَأْتِي قَوْمٌ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ يَشْهَدُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْتَشْهَدُوا ، وَيَحْلِفُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْتَحْلَفُوا ، فَمَنْ أَحَبَّ الْجَنَّةَ فَعَلَيْهِ بِالْجَمَاعَةِ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مِنَ الْوَاحِدِ قَرِيبٌ ، وَمِنَ الِاثْنَيْنِ أَبَعْدُ ، وَلَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ ، وَمَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ " (1)
__________
(1) - سنن ابن ماجه برقم( 2453 ) والمستدرك للحاكم برقم( 390 ) والمعجم الكبير للطبراني برقم(561) صحيح
حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 5 / ص 63)
2354 - قَوْله ( اِحْفَظُونِي )
أَيْ رَاعُونِي فِي شَأْنهمْ فَلَا تُؤْذُوهُمْ لِأَجْلِ حَقِّي وَصُحْبَتِي أَوْ اِقْتِدَاء بِأَخْلَاقِي وَأَحْوَالِي فِيهِمْ وَأَنَّهُمْ عَلَى الْخَيْر وَهَذَا أَقْرَب إِلَى مَا بَعْده
( وَمَا يُسْتَشْهَدُ )
قِيلَ هُوَ كِنَايَة عَنْ شَهَادَة الزُّورِايّ إِنَّ النَّاس مَا يَطْلُبُونَ مِنْهُ الشَّهَادَة لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَاهِدٍ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي اُنْتُصِبَ شَاهِدًا وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْل الشَّهَادَة
( وَمَا اُسْتُحْلِفَ )
أَيْ مَا عِنْده مُبَالَاة بِالْحَلِفِ وَفِي الزَّوَائِد رِجَال إِسْنَاده ثِقَات إِلَّا أَنَّ فِيهِ عَبْد الْمَلِك بْن حِمْيَر وَهُوَ مُدَلِّس وَقَدْ رَوَاهُ بِالْعَنْعَنَةِ(1/176)
دُخُولُ الْعَبْدِ عَلَى سَيِّدَتِهِ وَنَظَرُهُ إِلَيْهَا
327- 7983 أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَمِّي قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، أَنَّ نَبْهَانَ ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ عَهِدَ إِلَيْنَا إِذَا كَانَ لِإِحْدَانَا مُكَاتَبٌ فَقَضَى مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ فَاضْرِبْنَ دُونَهُ الْحِجَابَ أَخْبَرَنِي بِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ فِي مَوْضِعٍ آخِرَ وَقَالَ : " إِذَا كَانَ عِنْدَ الْمُكَاتَبِ مَا يَقْضِي عَنْهُ فَاحْتَجِبِي مِنْهُ " (1)
328-7984 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ : سَمِعْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ نَبْهَانَ قَالَ : قَالَتْ لِي أُمُّ سَلَمَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِذَا كَانَ عِنْدَ إِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ ، وَكَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ " (2)
-----------------
(1) - مصنف عبد الرزاق برقم( 15730 ) ومسند أحمد برقم( 27387) والمستدرك للحاكم برقم( 2867 ) والمعجم الكبير للطبراني برقم( 19161 ) و سنن البيهقى برقم(22186 ) حديث حسن
فيه نبهان مولى أم سلمة لم يرو عنه غير الزهري
وأعله بعضهم بنبهان مكاتب أم سلمة وأنه لم يرو عنه سوى اثنان .
أقول : وثقه ابن حبان الثقات5/486و التهذيب 10/416 والذهبي في الكاشف (5897) وابن حجر في الفتح 9/337 فقال عن إسناد آخر مثله : إسناده قوي ، وأكثر ماعلل به انفراد الزهري بالرواية عن نبهان ، وليست بعلة قادحة ، فإن من يعرفه الزهري ويصفه بأنه مكاتب أم سلمة ولم يجرحه أحد لا ترد روايته ا هـ وصححه الترمذي والحاكم والذهبي وابن حبان وغيرهم فكل هؤلاء وثقوه وليس ابن حبان وحده فنبهان ثقة كما قال الذهبي . وسكت عليه أبو حاتم الجرح8/502
(2) - سنن أبى داود برقم( 3930 ) وسنن الترمذى برقم(1308 ) وسنن ابن ماجه برقم(2616) حسن
مشكل الآثار للطحاوي - (ج 1 / ص 307)
باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله عليه السلام في قوله لأم سلمة زوجته : « إذا كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه »
258 - حدثنا المزني ، ثنا الشافعي ، ثنا ابن عيينة ، عن الزهري ، عن نبهان ، مولى أم سلمة أنه كان معها ، وأنها سألت كم بقي عليك من كتابتك ؟ فذكر شيئا قد سماه فأمرته أن يعطيه أخاها أو ابن أخيها وألقت الحجاب منه وقالت : عليك السلام وذكرت عن النبي عليه السلام أنه قال : « إذا كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه » قال سفيان سمعته من الزهري وثبته معمر
259 - وحدثنا محمد بن داود البغدادي ، حدثنا سعيد بن داود بن أبي زنبر ، حدثنا مالك بن أنس ، حدثني ابن شهاب ، أن نبهان ، مولى أم سلمة حدثه أنه بينا هو يسير مع أم سلمة زوج النبي عليه السلام في طريق مكة وقد بقي من كتابته ألفا درهم قال فكنت أتمسك بها كيما أدخل عليها وأراها فقالت وهي تسير : ماذا بقي عليك من كتابتك يا نبهان ؟ قلت : ألفا درهم قالت : فهما عندك ؟ فقلت : نعم ، فقالت : ادفع ما بقي عليك من كتابتك إلى محمد بن عبد الله بن أبي أمية فإني قد أعنته بهما في نكاحه وعليك السلام ، ثم ألقت دوني الحجاب ، فبكيت وقلت : والله لا أعطيها إياها أبدا قالت : إنك والله يا بني لن تراني أبدا ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا أنا « إذا كان عند مكاتب إحداكن وفاء بما بقي عليه في كتابته فاضربن دونه الحجاب » حدثنا أبو أمية ، ثنا عبيد الله بن موسى العبسي ، ثنا إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع ، عن الزهري ، عن نبهان ، مولى أم سلمة ، ثم ذكر مثله . فتأملنا ما في هذا الحديث مما ذكر من قول رسول الله عليه السلام فيه لزوجته أم سلمة بعد وقوفنا به وبما سواه من الآثار المروية في الكتابة أن المكاتب لا يعتق بإلقاء الحجاب بينه وبين من كاتبه عليها ثم تأملنا معنى قوله هذا : « إذا كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي » مما قد بين في بعض ما قد رويناه منها في هذا الباب أنه الوفاء بما بقي عليه من كتابته أن تحتجب منه ، وهو غير عتيق يكون ذلك عنده قبل أدائه إياه عن نفسه من كتابته إلى من كان كاتبه ووجدنا الله تعالى ذكر ما أباح لأزواج نبيه عليه السلام من النظر إلى من أباح لهن النظر إليه من الناس وأباح لمن أباح لهن ذلك منه النظر إليهن بقوله : لا جناح عليهن في آبائهن (1) إلى ولا ما ملكت أيمانهن . فوجدنا من كاتبهن مما ذكرنا قد دخل فيما ملكت أيمانهن بالدلالة على ذلك من هذا الحديث وكان ما دل على من كاتبن من المكاتبة مما إذا أداه المكاتب الذي قد حل عليه عتق به وحرم عليه النظر إلى سيدته التي هي من أزواج النبي عليه السلام وكان تأخيره ذلك ليسع له النظر إليها بملكها إياه حراما عليه ؛ لأنه منع واجبا عليه ليبقى له ما يحرم عليه إذا أدى ذلك الواجب لمن هو له عليه فهذا وجه قوله صلى الله عليه وسلم لزوجته أم سلمة : « إذا كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه » ومما يستخرج من هذا الحديث من الأحكام مما يدخل فيه مع أزواج النبي عليه السلام من سواهن من الناس أنا قد وجدنا المكاتبة في حال مكاتبتها لها أن تصلي بلا قناع وإذا برئت من مكاتبتها بأدائها إياها إلى من كاتبها لم يكن ذلك لها وكان عليها أن تصلي كما تصلي سائر النساء بقناع ، فاحتباسها مكاتبتها ليتسع ذلك لها في صلاتها حرام عليها ورأيناها في عدتها من وفاة زوجها أو من طلاقه إياها . تعتد نصف عدة الحرة وإذا أدت فعتقت حالت عن ذلك وكانت فيما يجب عليها من العدة كسائر النساء الحرائر سواها وكانت في عدتها قبل أدائها مكاتبتها لا إحداد عليها في ذلك وبعد أدائها إياها عليها فيها من الإحداد ما على سائر الحرائر سواها في مثلها فإذا احتبست مكاتبتها ليتسع لها ما يحل لها من ذلك ولتكون في عدتها بخلاف سائر الحرائر سواها كان ذلك حراما عليها ورأيناها في مكاتبتها لها أن تسافر بلا محرم إلى حيث شاءت وهي بعد أدائها مكاتبتها في ذلك بخلاف هذا الحكم فإذا احتبست مكاتبتها ليتسع لها هذا المعنى كان حراما عليها ووجدنا سائر المكاتبين من الذكران في حال مكاتباتهم لا زكاة عليهم في أموالهم وهم فيها بعد أدائهم مكاتباتهم وعتاقهم بذلك بخلاف ذلك من وجوب الزكوات عليهم كوجوبها على سائر ذوي الزكوات منهم في أموالهم فإذا احتبسوا مكاتبتهم لسقوط الزكوات عنهم في أموالهم لو أدوا مكاتبتهم كان ذلك حراما عليهم . فهذه وجوه من وجوه الفقه موجودة في قول رسول الله عليه السلام الذي خاطب به زوجته أم سلمة يجب على أهل الفقه الوقوف عليها والتأمل لها في أقوال رسول الله عليه السلام من الفوائد ومن المعاني التي لا يعلمها إلا الله تعالى مما ينزله في كتابه ومما يجريه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) سورة : الأحزاب آية رقم : 55
عون المعبود - (ج 8 / ص 456)
3427 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( عَنْ نَبْهَان )
: بِتَقْدِيمِ النُّون عَلَى الْمُوَحَّدَة
( إِذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ )
: وَعِنْد التِّرْمِذِيّ إِذَا كَانَ عِنْد مُكَاتَب إِحْدَاكُنَّ وَفَاء
( فَلْتَحْتَجِبْ )
: أَيْ إِحْدَاكُنَّ وَهِيَ سَيِّدَته
( مِنْهُ )
: أَيْ مِنْ الْمُكَاتَب فَإِنَّ مِلْكه قَرِيب الزَّوَال وَمَا قَارَبَ الشَّيْء يُعْطَى حُكْمه وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَدْخُل عَلَيْهَا .
قَالَ فِي السُّبُل : وَهُوَ دَلِيل عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى أَنَّ الْمُكَاتَب إِذَا صَارَ مَعَهُ جَمِيع مَال الْمُكَاتَبَة فَقَدْ صَارَ لَهُ مَا لِلْأَحْرَارِ فَتَحْتَجِب مِنْهُ سَيِّدَته إِذَا كَانَ مَمْلُوكًا لِامْرَأَةٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ سَلَّمَ ذَلِكَ وَهُوَ مُعَارَض بِحَدِيثِ عَمْرو بْن شُعَيْب .
وَقَدْ جَمَعَ بَيْنهمَا الشَّافِعِيّ فَقَالَ هَذَا خَاصّ بِأَزْوَاجِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ اِحْتِجَابهنَّ عَنْ الْمُكَاتَب ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ سَلَّمَ مَال الْكِتَابَة إِذَا كَانَ وَاجِدًا لَهُ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا مَنَعَ سَوْدَة مِنْ نَظَر اِبْن زَمْعَةَ إِلَيْهَا ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ قَالَ الْوَلَد لِلْفِرَاشِ .
قُلْت : وَلَك أَنْ تَجْمَع بَيْن الْحَدِيثِينَ أَنَّ الْمُرَاد أَنَّهُ قِنّ إِذَا لَمْ يَجِد مَا بَقِيَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ دِرْهَمًا ، وَحَدِيث أُمّ سَلَمَة فِي مُكَاتَب وَاجِد لِجَمِيعِ مَال الْكِتَابَة وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ سَلَّمَهُ .
وَأَمَّا حَدِيث أُمّ سَلَمَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا : " إِذَا كَاتَبَتْ إِحْدَاكُنَّ عَبْدهَا فَلْيَرَهَا مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْء مِنْ كِتَابَته فَإِذَا قَضَاهَا فَلَا تُكَلِّمهُ إِلَّا مِنْ وَرَاء حِجَاب " . فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ ، وَقَالَ كَذَا رَوَاهُ عَبْد اللَّه بْن زِيَاد بْن سَمْعَان وَهُوَ ضَعِيف ، وَرِوَايَة الثِّقَات عَنْ الزُّهْرِيّ بِخِلَافِهِ اِنْتَهَى ، فَهَذِهِ الرِّوَايَة لَا تُقَاوِم حَدِيث الْكِتَاب .
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة دَلَّ بِمَفْهُومِهِ أَنَّهُ يَجُوز لِمَمْلُوكِ الْمَرْأَة النَّظَر إِلَيْهَا مَا لَمْ يُكَاتِبهَا وَيَجِد مَال الْكِتَابَة وَهُوَ الَّذِي دَلَّ لَهُ مَنْطُوق قَوْله تَعَالَى { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } وَيَدُلّ لَهُ أَيْضًا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا لَمَّا تَقَنَّعَتْ بِثَوْبٍ وَكَانَتْ إِذَا قَنَّعَتْ رَأْسهَا لَمْ يَبْلُغ رِجْلَيْهَا وَإِذَا غَطَّتْ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغ رَأْسهَا فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَيْسَ عَلَيْك بَأْس إِنَّمَا هُوَ أَبُوك وَغُلَامك " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَكْثَر الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ .
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَة إِلَى أَنَّ الْمَمْلُوك كَالْأَجْنَبِيِّ قَالُوا يَدُلّ لَهُ صِحَّة تَزْوِيجهَا إِيَّاهُ بَعْد الْعِتْق وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيث بِأَنَّهُ مَفْهُوم لَا يَعْمَل بِهِ وَلَا يَخْفَى ضَعْف هَذَا ، وَالْحَقّ بِالِاتِّبَاعِ أَوْلَى اِنْتَهَى .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَسَن صَحِيح اِنْتَهَى .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَن الْكُبْرَى : قَالَ الشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم : لَمْ أَحْفَظ عَنْ سُفْيَان أَنَّ الزُّهْرِيّ سَمِعَهُ مِنْ نَبْهَان ، وَلَمْ أَرَ مَنْ رَضِيت مِنْ أَهْل الْعِلْم يُثْبِت هَذَا الْحَدِيث .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَرَوَاهُ مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ حَدَّثَنِي نَبْهَان فَذَكَر سَمَاع الزُّهْرِيّ مِنْ نَبْهَان إِلَّا أَنَّ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِمًا لَمْ يُخَرِّجَا حَدِيثه فِي الصَّحِيح ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَثْبُت عَدَالَته عِنْدهمَا أَوْ لَمْ يَخْرُج عَنْ حَدّ الْجَهَالَة بِرِوَايَةِ عَدْل عَنْهُ ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْر الزُّهْرِيّ عَنْهُ إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا وَهُوَ فِيمَا رَوَاهُ قَبِيصَة عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن مَوْلَى آلِ طَلْحَة عَنْ مُكَاتَب مَوْلَى أُمّ سَلَمَة يُقَال لَهُ نَبْهَان فَذَكَر هَذَا الْحَدِيث . هَكَذَا قَالَهُ اِبْن خُزَيْمَةَ عَنْ قَبِيصَة . وَذَكَرَ مُحَمَّد بْن يَحْيَى الذُّهْلِيُّ أَنَّ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن مَوْلَى آلِ طَلْحَة رَوَى عَنْ الزُّهْرِيّ قَالَ كَانَ لِأُمّ سَلَمَة مُكَاتَب يُقَال لَهُ نَبْهَان .
تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 366)
1182 - قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَخْ )
وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَبْلَ هَذَا بَابٌ مِنْهُ
( عَنْ نَبْهَانَ )
بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ زَادَ أَبُو دَاوُدَ مُكَاتَبِ أُمِّ سَلَمَةَ
( فَلْتَحْتَجِبْ )
أَيْ إِحْدَاكُنَّ وَهِيَ سَيِّدَتُهُ .
( مِنْهُ )
أَيْ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّ مِلْكَهُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ وَمَا قَارَبَ الشَّيْءَ يُعْطَى حُكْمَهُ ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا .
قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )
قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ بَعْدَ ذِكْرِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ اِنْتَهَى .
قَوْلُهُ : ( وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى التَّوَرُّعِ إِلَخْ )
. قَالَ الْقَاضِي : هَذَا أَمْرٌ مَحْمُولٌ عَلَى التَّوَرُّعِ وَالِاحْتِيَاطِ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ أَنْ يَعْتِقَ بِالْأَدَاءِ لَا أَنَّهُ يَعْتِقُ بِمُجَرَّدِ أَنْ يَكُونَ وَاجِدًا لِلنَّجْمِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْجَمِيعَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ " . وَلَعَلَّهُ قَصَدَ بِهِ مَنْعَ الْمُكَاتَبِ عَنْ تَأْخِيرِ الْأَدَاءِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ لِيَسْتَبِيحَ بِهِ النَّظَرَ إِلَى السَّيِّدَةِ وَسَدَّ هَذَا الْبَابِ عَلَيْهِ اِنْتَهَى .
حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 5 / ص 190)
2511 - قَوْلُه ( إِذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ )
الْخِطَاب لِلنِّسَاءِ مُطْلَقًا قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا الْحَدِيث عِنْد أَهْل الْعِلْم مَحْمُول عَلَى التَّوَرُّع لِأَنَّهُ يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ الْقُدْرَة عَلَى الْأَدَاء فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ عِنْده إِلَّا بِإِذْنٍ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَدِيث لَا يَخْلُو مِنْ ضَعْفٍ لِأَنَّ رَاوِيه نَبْهَان وَعَلَى تَقْدِير ثُبُوت الْحَدِيث يُحْمَلُ عَلَى خُصُوص الْحُكْم الْمَذْكُور بِأَزْوَاجِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَاء عَلَى أَنَّ الْخِطَاب بِإِحْدَاكُنَّ مَعَهُنَّ وَالْحَمْلُ عَلَى الْخُصُوص قَدْ رُوِيَ عَنْ اِبْن مَاجَهْ أَيْضًا وَقَالَ اِبْن شُرَيْحٍ قَالَ ذَلِكَ لِيُحَرِّكَهُ اِحْتِجَابهنَّ عَنْهُ عَلَى تَعْجِيل الْأَدَاء وَالْمَصِير إِلَى الْحُرِّيَّة وَلَا يَتْرُكُ ذَلِكَ مِنْ أَجْل دُخُوله عَلَيْهِنَّ أَيْ فَالْمَطْلُوب بَيَان الْمَصْلَحَة فِي حَمْله عَلَى الْأَدَاء لَا بَيَان الْحُكْم وَقِيلَ مَعْنَاهُ فَلْيَسْتَعِدَّ لِلِاحْتِجَابِ مِنْهُ إِشَارَة إِلَى قُرْب زَمَانه وَحُصُوله بِمُجَرَّدِ الْأَدَاء وَبِالْجُمْلَةِ فَالْحَدِيث دَلِيل عَلَى اِنْتِفَاء الِاحْتِجَاب مِنْ الْعَبْد
فتاوى السبكي - (ج 1 / ص 139)
( آيَةٌ أُخْرَى ) قَوْله تَعَالَى { أَوْ نِسَائِهِنَّ } قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْوَاحِدِيُّ فِي الْبَسِيطِ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ يَعْنِي النِّسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ كُلَّهُنَّ ، فَلَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ مُؤْمِنَةٍ أَنْ تَتَجَرَّدَ بَيْنَ يَدَيْ امْرَأَةٍ مُشْرِكَةٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ أَمَةً لَهَا .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ تَرَاهُنَّ يَهُودِيَّاتٌ وَلَا نَصْرَانِيَّاتٌ لِئَلَّا يَصِفْنَهُنَّ لِأَزْوَاجِهِنَّ ، وَقَوْلُهُ { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } يَعْنِي الْمَمَالِيكَ وَالْعَبِيدَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُظْهِرَ لِمَمْلُوكِهَا إذَا كَانَ عَتِيقًا مَا تُظْهِرُ لِمَحَارِمِهَا ، مَا لَمْ يَعْتِقْ بِالْأَدَاءِ أَوْ بِالْإِبْرَاءِ .
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا وَجَدَ مُكَاتَبُ إحْدَاكُنَّ وَفَاءً فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ } هَذَا كَلَامُ الْوَاحِدِيِّ ، وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ { أَوْ نِسَائِهِنَّ } قِيلَ عُنِيَ بِهِ نِسَاءُ الْمُسْلِمِينَ ، ذَكَرَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَوْلُهُ { أَوْ نِسَائِهِنَّ } قَالَ بَلَغَنِي أَنَّهُنَّ نِسَاءُ الْمُسْلِمِينَ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمَةٍ أَنْ تُرِي مُشْرِكَةً عَوْرَتَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ أَمَةً لَهَا فَذَلِكَ قَوْلُهُ { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ ثنا الْحُسَيْنُ ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْغَازِي عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نَسِيِّ قَالَ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ " أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ نِسَاءً يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَاتِ مَعَهُنَّ نِسَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَامْنَعْ ذَلِكَ وَحِلَّ دُونَهُ .
قَالَ ثُمَّ إنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَامَ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ مُبْتَهِلًا اللَّهُمَّ أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَدْخُلُ الْحَمَّامَ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ وَلَا سَقَمٍ تُرِيدُ الْبَيَاضَ لِوَجْهِهَا فَسَوِّدْ وَجْهَهَا يَوْمَ تَبْيَضُّ الْوُجُوهُ " وَقَوْلُهُ ( أَيْمَانُهُنَّ ) اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ .
فَقَالَ بَعْضُهُمْ أَوْ مَمَالِيكُهُنَّ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ عَلَيْهَا أَنْ تُظْهِرَ لَهُمْ مِنْ زِينَتِهَا مَا تُظْهِرُ لِهَؤُلَاءِ ، ذَكَرَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ ثنا حَجَّاجٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ مُخْلَدٍ التَّمِيمِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } قَالَ فِي الْقِرَاءَةِ الْأُولَى ( أَيْمَانُكُمْ ) وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } مِنْ إمَاءِ الْمُشْرِكِينَ كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَبْلُ مِنْ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ { أَوْ نِسَائِهِنَّ } عُنِيَ بِهِنَّ نِسَاءُ الْمُسْلِمَاتِ دُونَ الْمُشْرِكَاتِ ثُمَّ قَالَ ( أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ) مِنْ الْإِمَاءِ الْمُشْرِكَاتِ .
هَذَا كَلَامُ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . انْتَهَى .
سبل السلام - (ج 6 / ص 498)
( وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ وَكَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدَّى فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ وَصَحِّحْهُ التِّرْمِذِيُّ ) وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ ( الْأُولَى ) أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا صَارَ مَعَهُ جَمِيعُ مَالِ الْمُكَاتَبَةِ فَقَدْ صَارَ لَهُ مَا لِلْأَحْرَارِ فَتَحْتَجِبُ مِنْهُ سَيِّدَتُهُ إذَا كَانَ مَمْلُوكًا لِامْرَأَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ سَلَّمَ ذَلِكَ ، وَهُوَ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا الشَّافِعِيُّ فَقَالَ : هَذَا خَاصٌّ بِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ احْتِجَابُهُنَّ عَنْ الْمُكَاتَبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ سَلَّمَ مَالَ الْكِتَابَةِ إذَا كَانَ وَاحِدًا لَهُ وَإِلَّا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا مَنَعَ سَوْدَةُ مِنْ نَظَرِ ابْنِ زَمْعَةَ إلَيْهَا مَعَ أَنَّهُ قَدْ قَالَ { الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ } قُلْت وَلَك أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ قِنٌّ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ دِرْهَمًا .
وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فِي مُكَاتَبٍ وَاحِدٍ لِجَمِيعِ مَالِ الْكِتَابَةِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ سَلَّمَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا { إذَا كَاتَبَتْ إحْدَاكُنَّ عَبْدَهَا فَلْيُرِهَا مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ كِتَابَتِهِ فَإِذَا قَضَاهَا فَلَا تُكَلِّمُهُ إلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يُقَاوِمُ حَدِيثَ الْكِتَابِ .
( الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ) دَلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَمْلُوكِ الْمَرْأَةِ النَّظَرُ إلَيْهَا مَا لَمْ يُكَاتِبْهَا وَيَجِدْ مَالَ الْكِتَابَةِ ، وَهُوَ الَّذِي دَلَّ لَهُ مَنْطُوقُ قَوْله تَعَالَى : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } فِي سُورَةِ النُّورِ وَفِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا { قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ لَمَّا تَقَنَّعَتْ بِثَوْبٍ وَكَانَتْ إذَا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَهَا لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا وَإِذَا غَطَّتْ بِهِ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ عَلَيْك بَأْسٌ إنَّمَا هُوَ أَبُوك وَغُلَامُك } أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مُجَاهِدٍ .
قَالَ { كَانَ الْعَبِيدُ يَدْخُلُونَ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } يُرِيدُ مَمَالِيكُهُنَّ : وَفِي تَيْسِيرِ الْبَيَانِ لِلْأَوْزَاعِيِّ أَنَّ رُؤْيَةَ الْمَمْلُوكِ لِمَالِكَتِهِ : الْمَنْصُوصُ أَيْ لِلشَّافِعِيِّ وَذَكَرَ الْخِلَافَ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَرَدَّهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا نَقَلْنَا عَنْهُ أَوَّلًا : فَيَحْتَمِلُ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلٌ لَهُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ .
وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّ الْمَمْلُوكَ كَالْأَجْنَبِيِّ قَالُوا : يَدُلُّ لَهُ صِحَّةُ تَزْوِيجِهَا إيَّاهُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَفْهُومٌ لَا يُعْمَلُ بِهِ .
وَعَنْ الْآيَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ الْمَمْلُوكَاتُ مِنْ الْإِمَاءِ لِلْحَرَائِرِ وَخَصَّهُنَّ بِالذِّكْرِ رَفْعًا لِتَوَهُّمِ مُغَايَرَتِهِنَّ لِلْحَرَائِرِ فِي قَوْله تَعَالَى : { أَوْ نِسَائِهِنَّ } إذْ الْإِمَاءُ لَسْنَ مِنْ نِسَائِهِنَّ .
وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ هَذَا وَتَكَلُّفُهُ وَالْحَقُّ بِالِاتِّبَاعِ أَوْلَى .
نيل الأوطار - (ج 9 / ص 418)
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ رِقٌّ مَمْلُوكٌ ، وَكُلُّ مَمْلُوكٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَالْوَصِيَّةُ بِهِ ، وَهُوَ الْقَدِيمُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ : بِيعَتْ بَرِيرَةُ بِعِلْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ فَفِيهِ أَبْيَنُ بَيَانٍ أَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ قَالَ : وَلَا أَعْلَمُ خَبَرًا يُعَارِضُهُ ، قَالَ : وَلَا أَعْلَمُ دَلِيلًا عَلَى عَجْزِهَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ : إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ ، وَبِهِ قَالَتْ الْعِتْرَةُ ، قَالُوا : لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ بِدَلِيلِ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ وَالِاسْتِخْدَامِ ، وَتَأَوَّلَ الشَّافِعِيُّ حَدِيثَ بَرِيرَةَ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ قَدْ عَجَزَتْ وَكَانَ بَيْعُهَا فَسْخًا لِكِتَابَتِهَا ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ قَوْلُهُ : ( فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ ) ظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ إذَا كَانَ مَعَ الْمُكَاتَبِ مِنْ الْمَالِ مَا يَفِي بِمَا عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ حُرًّا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ سَلَّمَهُ إلَى مَوْلَاتِهِ وَقِيلَ : إنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ سَلَمَةَ بِالِاحْتِجَابِ مِنْ مُكَاتَبِهَا إذَا كَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي لِتَعْظِيمِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُخْتَصًّا بِهِنَّ ، ثُمَّ قَالَ : وَمَعَ هَذَا فَاحْتِجَابُ الْمَرْأَةِ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرَاهَا وَاسِعٌ ، وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَةَ أَنْ تَحْتَجِبَ مِنْ رَجُلٍ قَضَى أَنَّهُ أَخُوهَا ، وَذَلِكَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لِلِاحْتِيَاطِ وَأَنَّ الِاحْتِجَابَ مِمَّنْ لَهُ أَنْ يَرَاهَا مُبَاحٌ ا هـ وَالْقَرِينَةُ الْقَاضِيَةُ بِحَمْلِ هَذَا الْأَمْرِ عَلَى النَّدْبِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ الْمَذْكُورُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ حُكْمَ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ تَسْلِيمِ جَمِيعِ مَالِ الْكِتَابَةِ حُكْمُ الْعَبْدِ ، وَالْعَبْدُ يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَى سَيِّدَتِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ السَّلَفِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ الْهَادَوِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ النَّظَرُ إلَى سَيِّدَتِهِ وَمِنْ مُتَمَسَّكَاتِهِمْ لِذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ : لَا تَغُرَّنَّكُمْ آيَةُ النُّورِ ، فَالْمُرَادُ بِهَا الْإِمَاءُ قَالَ فِي الْبَحْرِ : وَخَصَّهُنَّ بِالذِّكْرِ لِتَوَهُّمِ مُخَالَفَتِهِنَّ لِلْحَرَائِرِ فِي قَوْله تَعَالَى : { أَوْ نِسَائِهِنَّ } ا هـ وَقَدْ تَمَسَّكَ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ فَقَالُوا : حُكْمُ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ تَسْلِيمِ جَمِيعِ مَالِ الْكِتَابَةِ حُكْمُ الْعَبْدِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ مِنْ الْإِرْثِ وَالْأَرْشِ وَالدِّيَةِ وَالْحَدِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَتَمَسَّكَ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُ يَعْتِقُ مِنْ الْمُكَاتَبِ بِقَدْرِ مَا أَدَّى مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ ، وَتَتَبَعَّضُ الْأَحْكَامُ الَّتِي يُمْكِنُ تَبَعُّضُهَا فِي حَقِّهِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدِيثِ عَلِيٍّ الْمَذْكُورَيْنِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ مِيرَاثِ الْمُعْتَقِ بَعْضَهُ مِنْ كِتَابِ الْفَرَائِضِ أَقْوَالًا فِي الْمُكَاتَبِ الَّذِي قَدْ أَدَّى بَعْضَ مَالِ كِتَابَتِهِ قَوْلُهُ : ( يُودَى الْمُكَاتَبُ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مَبْنِيًّا لِلْمَجْهُولِ : أَيْ يُؤَدِّي الْجَانِي عَلَيْهِ مِنْ دِيَتِهِ أَوْ أَرْشِهِ لِمَا كَانَ مِنْهُ حُرًّا بِحِسَابِ دِيَةِ الْحُرِّ وَأَرْشِهِ وَلِمَا كَانَ مِنْهُ عَبْدًا بِحِسَابِ دِيَةِ الْعَبْدِ وَأَرْشِهِ
الروضة الندية - (ج 2 / ص 180)
فيصير عند الوفاء حراً ويعتق منه بقدر ما سلم لحديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يودي المكاتب بحصة ما أدى دية الحر وما بقي دية العبد أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي . وأخرج أحمد وأبو داود نحوه من حديث علي ، وقد ذهب إلى هذا بعض أهل العلم ، وذهب آخرون إلى أن حكم المكاتب حكم العبد حتى يوفي مال الكتابة . واستدلوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أيما عبد كوتب بمائة أوقية فأداها إلا عشر أوقيات فهو رقيق رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي والحاكم وصححه . وفي لفظ لأبي داود المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم ولا يعارض هذا ما تقدم . فالجمع ممكن بحمل هذا على ما لا يمكن تبعضه من الأحكام . وفي حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه . فأثبت له ههنا حكم الحر لأن العبد يجوز له أن ينظر إلى مولاته لقوله تعالى : أو ما ملكت أيمانهن قال في المسوي المكاتب عبد ما بقي عليه شئ ، وعليه أكثر أهل العلم فلا يرث من قريبه شيئاً ، وإذا أصاب حداً ضرب حد العبد .
وإذا عجز عن تسليم مال الكتابة عاد في الرق لكون المالك لم يعتقه إلا بعوض ، وإذا لم يحصل العوض لم يحصل العتق . وقد إاشترت عائشة بريرة بعد أن كاتبها أهلها كما تقدم .
شرح النيل وشفاء العليل - إباضية - (ج 24 / ص 269)
لَا وَطْءَ مُكَاتَبَةٍ عِنْدَنَا إذْ هِيَ حُرَّةٌ .
الشَّرْحُ
( لَا وَطْءَ مُكَاتَبَةٍ ) بِحُكْمِ التَّسَرِّي ( عِنْدَنَا إذْ هِيَ حُرَّةٌ ) عِنْدَنَا وَلَوْ لَمْ تَقْضِ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا مِمَّا وَقَعَتْ بِهِ الْمُكَاتَبَةُ فَيَجُوزُ وَطْئُهَا بَعْدَ النِّكَاحِ كَسَائِرِ الْحَرَائِرِ عَقْدًا بَعْدَ الْمُكَاتَبَةِ لَا قَبْلَهَا وَأَمَّا عِنْدَ غَيْرِنَا فَمَنْ قَالَ : الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ كُلُّهُ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ يُجِيزُ وَطْأَهَا مَا بَقِيَ عَلَيْهَا بَعْضٌ وَمَنْ قَالَ يُعْتِقُ مِنْهَا مِقْدَارَ مَا قَضَتْ فَإِنَّهُ لَا يُجِيزُ تَسَرِّيهَا ، فَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ دِرْهَمٌ ، وَعَنْ عَائِشَةَ مَا بَقِيَ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ شَيْءٌ } ، فَهَذِهِ رِوَايَاتُ قَوْمِنَا نَصٌّ فِي كَوْنِهِ عَبْدًا ، وَرَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ وَكَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ } ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ بَعْضٌ مِنْ رَقَبَتِهِ لَمْ يَجِبْ الِاحْتِجَابُ مِنْهُ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَتْ قَلِيلًا مِنْ عَبْدٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا الِاحْتِجَابُ مِنْهُ لَكِنْ قَيَّدَهُ فِي الْحَدِيثِ بِأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ قَوْمِنَا أَيْضًا ، وَمِنْ رِوَايَتِهِمْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { يُؤَدِّي الْمُكَاتَبُ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ دِيَةَ الْحُرِّ وَبِقَدْرِ مَا رُقَّ مِنْهُ دِيَةَ الْعَبْدِ ، } وَزَعَمُوا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ إنْ عَاشَ وَإِنْ مَاتَ وَإِنْ جَنَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ ، وَرَوَوْا أَنَّ بَرِيرَةَ بِيعَتْ وَهِيَ فِي الْمُكَاتَبَةِ ، وَزَعَمُوا إنْ عَجَزَ رُدَّ إلَى الرِّقِّ . وَالْمُكَاتَبَةُ عَقْدُ عِتْقٍ بِعِوَضٍ مُنَجَّمٍ بِنَجْمَيْنِ فَأَكْثَرَ ، وَهِيَ خَارِجَةٌ عَنْ قَوَاعِدِ الْمُعَامَلَاتِ عِنْدَ مَنْ قَالَ إنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ لِدَوَرَانِهَا بَيْنَ السَّيِّدِ وَرَقِيقِهِ ، وَلِأَنَّ بَيْعَ مَالِهِ بِمَالِهِ ، وَكَانَتْ الْمُكَاتَبَةُ مُتَعَارَفَةٌ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَأَقَرَّهَا الشَّارِعُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ : إسْلَامِيَّةٌ لَمْ تَكُنْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَأَوَّلُ مَنْ كُوتِبَ فِي الْإِسْلَامِ بَرِيرَةُ مِنْ النِّسَاءِ وَسَلْمَانُ مِنْ الرِّجَالِ وَالتَّأْجِيلُ شَرْطٌ فِيهَا ، وَأَقَلُّ نُجُومِهَا نَجْمَانِ ، وَذَلِكَ أَمْكَنُ كَتَحْصِيلِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَدَاءِ ، هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَاَلَّذِي عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ جَوَازُ الْكِتَابَةِ حَالًّا وَمُؤَجَّلًا وَمُنَجَّمًا وَنَقْدًا وَاَللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ التَّنْجِيمَ وَذَكَرَ الْكِتَابَ الدَّالَّ عَلَيْهَا فَتَقُولُ لَيْسَ قَيْدًا بَلْ هُوَ حُكْمٌ جَارٍ مِنْ الْغَالِبِ ، وَأَجَابَتْ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الْمُطْلَقَ لَا يَعُمُّ مَعَ أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْأَدَاءِ يَمْنَعُ صِحَّتَهَا كَمَا فِي السَّلَمِ فِيمَا لَا يُوجَدُ عِنْدَ الْمَحَلِّ ، وَنُدِبَ كَاتِبُ الرَّقِيقِ أَنْ يَضَعَ عَنْهُ قَدْرَ الرُّبْعِ ، قِيلَ : وَيَأْثَمُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ وَإِذَا كَاتَبَ لِأَجَلٍ كُرِهَ أَنْ يَتَعَجَّلَ بِحَقِّهِ وَلُوحِظَ عَنْهُ بَعْضُهُ وَلَا بَأْسَ بِطِيبِ نَفْسِ الْمَكَاتِبِ ، وَإِنْ بِلَا حَظٍّ ، وَعَنْ ابْنِ مَحْبُوبٍ : لَا يَأْخُذُ شَيْئًا قَبْلَ الْأَجَلِ ، وَإِنْ أُعِينَ فِي أَدَاءِ مُكَاتَبَتِهِ وَفَضَلَ بِيَدِهِ شَيْءٌ جَعَلَهُ فِي مُكَاتَبٍ آخَرَ . وَفِي حَدِّ زَانٍ بِمُكَاتَبَةٍ قَوْلَانِ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ ، وَقِيلَ : إنْ ظَنَّ الْحِلَّ فَلَا حَدَّ ، وَإِنْ تَعَمَّدَ الزِّنَى حُدَّ ، وَإِنْ أَجْبَرَهَا عَلَى زِنًى فَعَلَيْهِ عُقْرُهَا إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ : إنَّهَا أَمَةٌ حَتَّى لَا يُبْقِي عَلَيْهَا شَيْءٌ ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ زِنًى .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 10595)
«عتق المكاتب»
22 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ المكاتب لا يعتق حتّى يؤدّي ما عليه من الكتابة ، إذ هو عبد ما بقي عليه درهم واحد ، واستدلّوا بما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه : أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم » .
وقوله عليه الصلاة والسلام : « أيّما عبد كاتب على مائة أوقيّة فأدّاها إلاّ عشر أواق فهو عبد » فعلى هذا إن أدّى العبد عتق وإن لم يؤدّ لم يعتق .
وفي رواية عن أحمد : أنّه إذا ملك ما يؤدّي عتقه عتق ويعتق معه ولده ، لما روي عن أمّ سلمة رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « إذا كان لإحداكنّ مكاتب ، وكان عنده ما يؤدّي ، فلتحتجب منه » .
فالرّسول صلى الله عليه وسلم أمرهنّ بالحجاب بمجرّد ملكه لما يؤدّي ، ولأنّه مالك لوفاء مال الكتابة ، أشبه ما لو أدّاه ، فعلى هذه الرّواية يصير حرّاً بملك الوفاء ، وإن هلك ما في يديه قبل الأداء صار ديناً في ذمّته ، وقد أصبح حرّاً .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 14386)
مُكاتَبة
التّعريف
1 - المكاتبة في اللغة : مصدر كاتب وهي مفاعلة , والأصل في باب المفاعلة أن يكون من اثنين فصاعداً .
يقال : كاتب يكاتب كتاباً ومكاتبةً , وهي معاقدة بين العبد وسيّده , يكاتب الرّجل عبده أو أمته على مالٍ منجّمٍ , ويكتب العبد عليه أنّه معتق إذا أدّى النجوم .
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ .
قال ابن حجرٍ المكاتبة تعليق عتقٍ بصفة على معاوضةٍ مخصوصةٍ .
الألفاظ ذات الصّلة
«أ - العتق»
2 - العتق في اللغة : خلاف الرّقّ .
وفي الاصطلاح : هو تحرير الرّقبة وتخليصها من الرّقّ .
والصّلة بينهما أنّ المكاتبة سبب من أسباب العتق .
«أصل المكاتبة ومشروعيتها»
«أصلها»
3 - كانت المكاتبة معروفة في الجاهليّة , فأقرّها الإسلام .
وأوّل من كوتب في الإسلام أبو المؤمّل , وقد حثّ الرّسول صلى الله عليه وسلم على إعانته في نجوم الكتابة , فقال : « أعينوا أبا المؤمّل » , فأعين , فقضى كتابته , وفضلت عنده فضلة , فقال له صلّى اللّه عليه وسلّم : « أنفقها في سبيل اللّه » , وقيل غير ذلك .
والأصل فيها قوله تعالى : « وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً » .
وما روي عن أمّ سلمة رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال : « إذا كان لإحداكنّ مكاتب , فكان عنده ما يؤدّي فلتحتجب منه » .
وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « ثلاثة حق على اللّه عونهم : المجاهد في سبيل اللّه , والمكاتب الّذي يريد الأداء , والنّاكح الّذي يريد العفاف » .
وأجمعت الأمّة على مشروعيّة المكاتبة فلا خلاف أنّها جائزة بين العبد وسيّده , إذا كانت على شروطها .
«الحكم التّكليفي»
4 - المكاتبة مندوبة عند جمهور الفقهاء .
قال مالك : الأمر عندنا أنّه ليس على سيّد العبد أن يكاتبه إذا سأله ذلك , فلا يكره أحد على مكاتبة عبده , وإنّما يستحب .
واستحبّت لأنّ العبد قد يقصد بها الاستقلال والاكتساب والتّزوج , فيكون أعفّ له .
وذهب عكرمة وعطاء ومسروق وعمرو بن دينارٍ إلى أنّها واجبة إذا طلبها العبد , محتجّين بظاهر قوله تعالى : « فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً » , فالأمر عندهم للوجوب .
وهناك رواية عن الإمام أحمد بن حنبلٍ بوجوب الكتابة إذا دعا إليها العبد المكتسب الصّدوق .
وحجّة الجمهور : أنّ الأصل أن لا يحمل أحد على عتق مملوكه , لذا تحمل الآية على النّدب , لئلا تعارض هذا الأصل .
«حكمة مشروعيّة المكاتبة»
5 - إنّ حكمة تشريع المكاتبة مصلحة السّيّد والعبد , فالسّيّد فعل معروفاً من أعمال البرّ المندوبة , والعبد تؤوّل كتابته غالباً إلى رفع الرّقّ عنه وتمتعه بحرّيّته .
«أركان المكاتبة»
6 - أركان المكاتبة هي : المولى , العبد , الصّيغة , العوض .
ولكلّ ركنٍ شروط وأحكام تتعلّق به وتفصيلها فيما يلي :
«أ - المولى»
7 - هو كل مكلّفٍ أهلٍ للتّصرف تصح منه المكاتبة , ولا يشترط فيه أن يكون أهلاً للتّبرع .
«ب - العبد المكاتب»
8 - اتّفق الفقهاء على أنّه يشترط في العبد المكاتب العقل .
واختلفوا في اشتراط البلوغ :
فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه يجوز مكاتبة الصّغير المميّز , ووافقهم ابن القاسم من المالكيّة في الجملة , فقال : تجوز مكاتبة صغيرٍ ذكرٍ أو أنثى وإن لم يبلغ عشر سنين . وذهب الشّافعيّة إلى اشتراط البلوغ , وقال أشهب من المالكيّة : يمنع مكاتبة ابن عشر سنين .
«ج - الصّيغة»
9 - الصّيغة هي اللّفظ أو ما يقوم مقامه ممّا يدل على العتق على مالٍ منجّمٍ , مثل : كاتبتك على كذا في نجمٍ أو نجمين فصاعداً ولا يفتقر إلى قوله : إن أدّيت فأنت حر , لأنّ لفظ الكتابة يقتضي الحرّيّة .
وهذا مذهب أبي حنيفة ومالكٍ وأحمد .
وقال الشّافعيّة : لا يُعتق حتّى يقول ذلك أو ينوي بالكتابة الحرّيّة .
«د - العوض»
10 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ العوض في المكاتبة يجوز أن يكون حالاً أو مؤجّلاً , وإن كان مؤجّلاً فيجوز أن يكون على نجمٍ واحدٍ .
وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى اشتراط أن يكون العوض في الكتابة ديناً مؤجّلاً ومنجّماً بنجمين معلومين فأكثر .
ويشترط في عوض المكاتبة ما يشترط في العوض في سائر العقود .
وللتّفصيل انظر مصطلح : « عوض ف 4 وما بعدها » .
«صفة المكاتبة»
11 - المكاتبة عقد لازم فلا خيار لأحد المتعاقدين في فسخه إذا أبى الآخر , وهذا عند المالكيّة والحنابلة .
وعند الحنفيّة والشّافعيّة هي عقد لازم من جانب المولى إذا كانت المكاتبة صحيحةً , غير لازمٍ في جانب المكاتب .
أمّا إذا كانت فاسدةً فلا تلزم من الجانبين عند الحنفيّة , وهو الأصح عند الشّافعيّة .
«عتق المكاتب بالأداء»
12 - إذا أدّى المكاتب نجوم الكتابة عتق , ويعان المكاتب على الأداء من الزّكاة والصّدقات وما يعينه به سيّده .
«تصرفات المكاتب»
13 - بعد التزام العبد بالمكاتبة يصبح كالحرّ في بعض التّصرفات , فله أن يبيع ويشتري ويقاسم شركاءه , ويقرّ بالدّين لمن لا يتّهم عليه , وبالحدّ والقطع الرّاجعين لرقبته , ويضارب ويعير ويودع ويؤجّر ويقاصّ , ويتصرّف في مكاسبه , وينفق على نفسه دون تبذيرٍ , ودون إخراج المال بغير عوضٍ .
وليس للسّيّد منعه من كلّ تصرفٍ فيه صلاح المال واكتساب المنافع .
«ولاء المكاتب»
14 - إذا أدّى المكاتب لمولاه ما عليه من المال وعتق , فإنّ ولاءه يكون لمولاه , لقوله صلى الله عليه وسلم : « الولاء لمن أعتق » .
والتّفصيل في مصطلح : « ولاء » .
فتاوى نور على الدرب للعثيمين - (ج / ص 1)
السؤال
تقول أيضاً هناك من يقول إن حجاب المرأة لا يشمل الوجه والكفين ويستدلون بأدلة لا تحضرني الآن لكنهم يخاصمونني فيها فنرجو توضيح ذلك لنا لكي نخرج من المأزق الذي نقع فيه عند المحاورة معهم.
الجواب
الشيخ: نقول كما أنها الأدلة لا تحضرها فإنه لا يمكن أن نسوقها في هذا الظرف القصير ولكننا نقول إن الأدلة على وجوب احتجاب المرأة في وجهها ويديها الأدلة كثيرة منها قول الله تبارك وتعالى (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن) ومنها قوله تعالى (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) ومنها أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا كان لإحداكن مكاتب وملك ما يؤدي كتابته فلتحتجب منه) ومنها أيضاً حديث عائشة أنها كانت تقول كنا نكشف وجوهنا يعني في الإحرام فإذا حاذون أي الركبان أسدلنا على وجوهنا وغطيناها والأدلة كثيرة وقد صنفت في ذلك مصنفات متعددة ومن أرادها فإنه ميسرة ولله الحمد ومن أبرز من كتب فيها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوي في تفسير سورة النور وفي غيرها.(1/176)
نَظَرُ الْمَرْأَةِ إِلَى عُرْيَةِ الْمَرْأَةِ
329-7985أَخْبَرَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " " لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عُرْيَةِ الرَّجُلِ ، وَلَا تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إِلَى عُرْيَةِ الْمَرْأَةِ ، وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي الثَّوْبِ ، وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ " (1)
__________
(1) - سنن أبى داود برقم( 4020 ) ومسند أبي عوانة برقم(629) وصحيح ابن حبان برقم( 5665 ) صحيح
عون المعبود - (ج 9 / ص 41)
3502 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( إِلَى عُرْيَة الرَّجُل )
: قَالَ النَّوَوِيّ : ضَبَطْنَاهَا عَلَى ثَلَاثَة أَوْجُه : عِرْيَة بِكَسْرِ الْعَيْن وَإِسْكَان الرَّاء ، وَعُرْيَة بِضَمِّ الْعَيْن وَإِسْكَان الرَّاء ، وَعُرَيَّة بِضَمِّ الْعَيْن وَفَتْح الرَّاء وَتَشْدِيد الْيَاء وَكُلّهَا صَحِيحَة .
قَالَ أَهْل اللُّغَة : عُرْيَة الرَّجُل بِضَمِّ الْعَيْن وَكَسْرهَا هِيَ مُتَجَرِّدَة . وَالثَّالِثَة عَلَى التَّصْغِير اِنْتَهَى .
وَفِي النِّهَايَة : لَا يَنْظُر الرَّجُل إِلَى عُرْيَة الْمَرْأَة . هَكَذَا جَاءَ فِي بَعْض رِوَايَات مُسْلِم يُرِيد مَا يَعْرَى مِنْهَا وَيَنْكَشِف ، وَالْمَشْهُور فِي الرِّوَايَة : لَا يَنْظُر إِلَى عَوْرَة الْمَرْأَة اِنْتَهَى .
وَالْحَدِيث فِيهِ تَحْرِيم نَظَرِ الرَّجُل إِلَى عَوْرَة الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ إِلَى عَوْرَة الْمَرْأَة وَهَذَا لَا خِلَاف فِيهِ ، وَكَذَلِكَ نَظَرَ الرَّجُل إِلَى عَوْرَة الْمَرْأَة ، وَالْمَرْأَة إِلَى عَوْرَة الرَّجُل حَرَام بِالْإِجْمَاعِ .
وَنَبَّهَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَظَرِ الرَّجُل إِلَى عَوْرَة الرَّجُل عَلَى نَظَره إِلَى عَوْرَة الْمَرْأَة وَذَلِكَ بِالتَّحْرِيمِ أَوْلَى وَهَذَا التَّحْرِيم فِي حَقّ غَيْر الْأَزْوَاج وَالسَّادَة أَمَّا الزَّوْجَانِ فَلِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمَا النَّظَر إِلَى عَوْرَة صَاحِبه جَمِيعهَا ، وَأَمَّا السَّيِّد مَعَ أَمَته فَإِنْ كَانَ يَمْلِك وَطْأَهَا فَهُمَا كَالزَّوْجَيْنِ .
قَالَهُ النَّوَوِيّ : فِي شَرْح مُسْلِم وَأَطَالَ الْكَلَام فِيهِ
( وَلَا يُفْضِي الرَّجُل إِلَى الرَّجُل )
: مِنْ بَاب الْإِفْعَال .
قَالَ فِي الْمِصْبَاح : أَفْضَى الرَّجُل بِيَدِهِ إِلَى الْأَرْض مَسَّهَا بِبَطْنِ رَاحَتِهِ ، وَأَفْضَى إِلَى اِمْرَأَته بَاشَرَهَا وَجَامَعَهَا ، وَأَفْضَيْت إِلَى الشَّيْء وَصَلْت إِلَيْهِ ، وَفِيهِ النَّهْي عَنْ اِضْطِجَاع الرَّجُل مَعَ الرَّجُل فِي ثَوْب وَاحِد ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة مَعَ الْمَرْأَة سَوَاء كَانَ بَيْنهمَا حَائِل أَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنهمَا حَائِل بِأَنْ يَكُونَا مُتَجَرِّدَيْنِ .
قَالَ الطِّيبِيُّ : لَا يَجُوز أَنْ يَضْطَجِع رَجُلَانِ فِي ثَوْب وَاحِد مُتَجَرِّدَيْنِ ؛ وَكَذَا الْمَرْأَتَانِ وَمَنْ فَعَلَ يُعَزَّر اِنْتَهَى .
قَالَ النَّوَوِيّ : فَهُوَ نَهْي تَحْرِيم إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنهمَا حَائِل ، وَفِيهِ دَلِيل عَلَى تَحْرِيم لَمْس عَوْرَة غَيْره بِأَيِّ مَوْضِع مِنْ بَدَنه كَانَ وَهَذَا مُتَّفَق عَلَيْهِ ، وَهَذَا مِمَّا تَعُمّ بِهِ الْبَلْوَى وَيَتَسَاهَل فِيهِ كَثِير مِنْ النَّاس بِاجْتِمَاعِ النَّاس فِي الْحَمَّام ، فَيَجِب عَلَى الْحَاضِر فِيهِ أَنْ يَصُونَ بَصَره وَيَده وَغَيْرهَا عَنْ عَوْرَة غَيْره ، وَأَنْ يَصُونَ عَوْرَته عَنْ بَصَر غَيْره وَيَد غَيْره مِنْ قَيِّم وَغَيْره ، وَيَجِب عَلَيْهِ إِذَا رَأَى مَنْ يُخِلّ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا أَنْ يُنْكِر عَلَيْهِ . قَالَ الْعُلَمَاء : وَلَا يَسْقُط عَنْهُ الْإِنْكَار بِكَوْنِهِ يَظُنّ أَنْ لَا يَقْبَل مِنْهُ بَلْ يَجِب عَلَيْهِ الْإِنْكَار إِلَّا أَنْ يَخَاف عَلَى نَفْسه أَوْ غَيْره فِتْنَة وَاَللَّه أَعْلَم .
وَأَمَّا كَشْف الرَّجُل عَوْرَته فِي حَال الْخَلْوَة بِحَيْثُ لَا يَرَاهُ آدَمِي فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ جَازَ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ حَاجَة فَفِيهِ خِلَاف الْعُلَمَاء اِنْتَهَى مُخْتَصَرًا .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ .
مشكل الآثار للطحاوي - (ج 7 / ص 270)
باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نهيه عن المكامعة والمعاكمة
2748 - حدثنا بحر بن نصر قال : حدثنا ابن وهب قال : أنا عبد الله بن لهيعة ، عن عياش بن عباس قال : حدثني أبو الحصين الهيثم بن شفي قال : انطلقت أنا وأبو عامر الحجري إلى إيلياء لنصلي بها ، وقاضي أهل إيلياء يومئذ أبو ريحانة الأزدي ، فلما كان ذات يوم سبقني أبو عامر بالرواح إلى المسجد ، قال : فجلست عند صاحبي ، فقال لي : أدركت قصص أبي ريحانة ؟ قلت : لا ، قال : فإنه حدثنا : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم عشرا : الوشر (1) ، والوشم ، والنتف ، ومكامعة (2) الرجل الرجل بغير شعار (3) ، ومكامعة المرأة المرأة بغير شعار ، والحرير أن تضعوه من أسفل ثيابكم كما يصنعه العجم ، والحرير أن تضعوه من أعلى ثيابكم كما يصنعه العجم ، والنمر ، والنهبة (4) ، والخاتم إلا لذي سلطان » . حدثنا يحيى بن عثمان قال : ثنا سعيد بن أبي مريم ، ويحيى بن عبد الله بن بكير ، وحسان بن غالب الحجري ، قالوا : ثنا عبد الله بن سويد بن حيان قال : ثنا عياش بن عباس القتباني ، عن الهيثم بن شفي ، أخبره قال : خرجت أنا وأبو عامر الحجري ، ثم ذكر مثله . حدثنا فهد قال : ثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار المرادي قال : ثنا المفضل بن فضالة ، عن عياش بن عباس القتباني ، عن أبي الحصين الهيثم بن شفي ، أنه سمعه يقول : خرجت أنا وصاحب لي يسمى أبا عامر رجل من المعافر لنصلي بإيلياء ، ثم ذكر مثله . هكذا روى هذا الحديث ابن لهيعة ، وعبد الله بن سويد ، والمفضل بن فضالة ، فقالوا فيه جميعا : مكامعة الرجل الرجل ، ومكامعة المرأة المرأة . وقد روى يحيى بن أيوب أيضا عن عياش بن عباس فخالفهم في ذلك وقال : معاكمة .
__________
(1) الوشر : تحديد الأسنان وترقيق الأطراف
(2) المكامعة : المضاجعة
(3) الشعار : الثوب الذي يلي الجلد من البدن والمعنى بلا حاجب من ثوب
(4) النهبة : كل ما يؤخذ بلا حق قهرا وظلما كالمال المنهوب من الغنيمة وغيرها
2749 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس البغدادي قال : حدثنا أبو كريب قال : حدثنا زيد بن الحباب ، عن يحيى بن أيوب ، عن عياش بن عباس ، عن الهيثم أبي الحصين الحجري ، عن أبي عامر الحجري ، أنه سمع أبا ريحانة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن عشر خصال : عن معامكة الرجل الرجل ، والمرأة المرأة في شعار (1) ليس بينهما شيء ، يعني لحافا ، والوشر ، والنتف ، والوشم ، والنهبة (2) ، وركوب النمور (3) ، واتخاذ الديباج (4) على العاتق ، واتخاذ الديباج في أسفل الجباب ، والخاتم إلا لذي سلطان » . قال أبو جعفر : وكان معنى المكامعة المذكورة في أحاديث ابن لهيعة ، وعبد الله بن سويد ، والمفضل بن فضالة المضاجعة المذكورة فيها . وكان معنى المعاكمة المذكورة في حديث يحيى بن أيوب هي ضم الشيء إلى الشيء ، ومنه قيل : عكمت الثياب إذا شددت بعضها إلى بعض . ومما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن هذه المعاني .
__________
(1) الشعار : الثوب الذي يلي الجلد من البدن والمعنى بلا حاجب من ثوب
(2) النهبة : كل ما يؤخذ بلا حق قهرا وظلما كالمال المنهوب من الغنيمة وغيرها
(3) النمار : جلود النُّمور، وهي السِّباع المعروفة، واحِدُها : نَمِر. والنمار أيضا : كلُّ شَمْلَةٍ مُخَطَّطة من مَآزِر الأعراب فهي نَمِرة، وجمعُها : نِمار.
(4) الديباج : هو الثِّيابُ المُتَّخذة من الإبْرِيسَم أي الحرير الرقيق
2750 - ما قد حدثنا محمد بن عبد الرحيم المروي قال : حدثنا دحيم قال : حدثنا ابن أبي فديك قال : حدثني الضحاك بن عثمان ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا ينظر الرجل إلى عرية الرجل ، ولا تنظر المرأة إلى عرية المرأة ، ولا يفضي (1) الرجل إلى الرجل في ثوب ، ولا تفضي (2) المرأة إلى المرأة في ثوب »
__________
(1) يفضي : يصل ، والمعنى : النهي عن اضطجاع الرجلين أو المرأتين متجردين تحت ثوب واحد
(2) تفضي : تصل ، والمعنى : النهي عن اضطجاع الرجلين أو المرأتين متجردين تحت ثوب واحد
2751 - وما قد حدثنا أبو أمية قال : حدثنا يحيى بن يعلى بن الحارث المحاربي قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن هشام ، عن محمد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا تباشر (1) المرأة المرأة ، ولا الرجل الرجل » . وقد روى الليث بن سعد حديث أبي ريحانة الذي ذكرناه عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الحصين ، فخالف رواية الذين ذكرناهم في هذا الباب في إسناده وفي متنه .
__________
(1) تباشر : من المباشرة وهي الملامسة في الثوب الواحد ، فتحس بنعومة بدنها وغير ذلك ، وقد يكون المراد مطلق الاطلاع على بدنها مما يجوز للمرأة أن تراه ولا يجوز للرجل أن يراه
2752 - كما قد حدثنا الربيع المرادي قال : حدثنا شعيب بن الليث بن سعد قال : حدثنا الليث ، عن يزيد يعني ابن أبي حبيب ، عن أبي الحصين الحجري ، عن أبي ريحانة ، ولم يذكر بينه وبينه أحدا أنه قال : « بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الوشر (1) ، والوشم ، والنبذة ، والمشاغرة (2) ، والمكامعة (3) ، والوصال ، والملامسة (4) » . وأجاز لنا علي بن عبد العزيز ، عن أبي عبيد في المكامعة : هي أن يضاجع الرجل الرجل في ثوب واحد ، وأخذ من الكميع وهو الضجيع ، قال : ومنه قيل لزوج المرأة هو كميعها . قال أبو عبيد في هذه الإجازة : وقد روي هذا الحديث من حديث الليث . فذكر ما حدثه أبو النضر ، عن الليث بن سعد ، عن عياش بن عباس رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم : « أنه نهى عن المكاعمة » قال : أبو عبيد : والمكاعمة أن يلثم الرجل صاحبه ، أخذ من كعام البعير ، وهو أن يشد فمه إذا هاج ، يقال : كعمته أكعمه كعما فهو مكعوم ، وكذلك كل مشدود الفم فهو مكعوم . قال ذو الرمة : بين الرجا والرجا من جنب واصية يهماء خابطها بالخوف مكعوم يقول : قد سد الخوف فمه فمنعه من الكلام . فجعل النبي صلى الله عليه وسلم اللثام حين يلثمه بمنزلة ذلك الكعام . وأما قوله : المكامعة فهو أن يضاجع الرجل صاحبه في ثوب واحد ، أخذ من الكميع ، والكميع هو الضجيع . قال أوس بن حجر : وهبت الشمأل البليل وإذ بات كميع الفتاة ملتفعا وأما ما في هذا الحديث من الوشر فإن عليا أجاز لنا عن أبي عبيد قال : هي التي تبشر أسنانها حتى تفلجها وتحددها . وأما الوشم ففي اليد ، وذلك أن المرأة كانت تغرز ظهر كفها ومعصمها بإبرة أو مسلة حتى تؤثر فيه ، ثم تحشوه بالكحل فيخضر بذلك . وأما بقية ما في هذا الحديث فقد مضى منه في الباب الذي قبل هذا الباب ما قد مضى منه فيه غير النهي عن لبس الخاتم إلا لذي سلطان ، فإنا أخرناه لنجعله في باب مما بعد من أبواب كتابنا هذا إن شاء الله تعالى ، والله عز وجل نسأله التوفيق .
__________
(1) الوشر : تحديد الأسنان وترقيق الأطراف
(2) المشاغرة : نكاح معروف في الجاهلية كان يقول الرجُل للرَّجُل : زوجني أختك أو بنتَك أو من تَلي أمرها حتى أزوجك أختي أو بنتي أو من ألي أمرها ، ولا يكون بينهما مهر ويكون بُضْعُ كل واحدةٍ منهما في مقابلة بضع الأخرى
(3) المكامعة : المضاجعة
(4) الملامسة : بيع السلعة وإلزام المشتري بها بمجرد لمسه لها(1/177)
إِفْضَاءُ الْمَرْأَةِ إِلَى الْمَرْأَةِ
330- 7986 أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ الْبَلْخِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : " نَهَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ تُبَاشِرَ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ أَجَلْ أَنْ تَصِفَهَا لِزَوْجِهَا " (1)
__________
(1) - مصنف ابن أبي شيبة م برقم ( 17591) وسنن البيهقى برقم( 13947) صحيح
تباشر : من المباشرة وهي الملامسة في الثوب الواحد ، فتحس بنعومة بدنها وغير ذلك ، وقد يكون المراد مطلق الاطلاع على بدنها مما يجوز للمرأة أن تراه ولا يجوز للرجل أن يراه(1/178)
مُبَاشَرَةُ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ
331-7987 أَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، كِلَاهُمَا عَنْ شَقِيقٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا تُبَاشِرِ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَصِفَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا " (1)
----------------
(1) - صحيح البخارى برقم( 5240 و5241 ) وصحيح ابن حبان برقم( 4235 )
موسوعة الأسرة المسلمة معدلة - (ج 1 / ص 40)
مخالفات السفر والخروج والاختلاط
1- وضع الطيب أو العطر أو البخور الذي يشمه الرجال عند خروجها،والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أيهما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية) أبو داود والنسائي. 2- ركوب المرأة مع السائق الأجنبي(غير المحرم) والخلوة معه وعدم التحجب عنه وكأ،ه من محارمها، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا يخلوه أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم) متفق عليه. 3- كثرة الخروج من البيت والذهاب إلى الأسواق، والله تعال يقول: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) . 4- الاختلاط بالرجال الأجانب من أقارب المرأة أو أقارب الزوج أو غيرهم، والتساهل بالمزاح معهم ومصافحتهم، وإظهار الزينة أمامهم، وعدم التستر عندهم قال: صلى الله عليه وسلم (إياكم والدخول على النساء) فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو يا رسول الله، قال: (الحمو الموت) متفق عليه. 5- تساهل بعض النساء ف العلاج عند الأطباء وكشف ما لا يجوز بغير ضرورة قصوى لذلك. 6- سفر المرأة بدون محرم سواء بالسيارة أو الطائرة أو غيرهما، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) متفق عليه. 7- خروج بعض النساء للعمل الذي يفضي إلى محرم كإهمال الزوج والأبناء أو ترك الفرائض أو الاختلاط أو إهمال الخادمة.
مخالفات عامة
1- ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتنا صح في الأوساط النسائية، والله تعالى يقول: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم)
2- عقوق الوالدين برفع الصوت عليهما أو نهرهما وعدم طاعتهما، والله تعالى يقول: (فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما)
3- انتشار آفات اللسان من غيبة ونميمة وغيرهما.
4- إهمال غض البصر، وكأن الله أمر به الرجل دون النساء، وقد قال تعال: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصرهن ويحفظن فروجهن) وإطلاق العنان للنظر للأجانب وخصوصا على شاشات التلفاز وغيرها مما يسبب الفتنة.
5- أن تنظر المرأة إلى المرأة فتصفها لأحد محارمها بغير غرض شرعي كالنكاح، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تباشر المرأة المرأة فتصفها لزوجها كأنه ينظر إليها) متفق عليه.
6- فعل بعض المحرمات التي تؤدي إلى اللعن من الله، قال صلى الله عليه وسلم (لعن اله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله) متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم (لعن الله الواصلة والمستوصلة).
7- الخضوع بالقول، ولين الكلام مع الرجال الأجانب، وهذا حرام ويكثر هذا عند الكلام بالهاتف مما يؤدي إلى المعاكسات ووقوع الساذجات فريسة سهلة للذئاب البشرية.
8- غرور وكبر بعض النساء لحسن منظرهن أو لارتدائهن للملابس أو الحلي غالية الثمن، قال رسول الله صلى الله عليه (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) مسلم
9- عدم التزود من الطاعات فبعض النساء هداهن الله لا يعرفن القرآن إلا في رمضان وبعضهن لا يعرفن صلاة الوتر وصلاة الضحى ولا يحافظن على السنن الرواتب.
10- بعض النساء هداهن الله قد يقمن بصبغ شعرهن بالسواد وتغيير الشيب به بدلا من الحناء والكتم، وقد قال: صلى الله عليه وسلم (يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بالسواد، كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة) أبو داود والنسائي.
11- مخالفة سنة من سنن الفطرة وهي تقليم الأظافر فتجد إحداهن تطيل أظافرها ثم تضع عليها صبغا يعرف باسم (المناكير) وهذا الصبغ يمنع وصول الماء إلى الأظافر ثم تأتي من وضعته لتتوضأ وتصلي فتبطل صلاتها لأن وضوءها غير صحيح حيث إن الماء لم يصل إلى الأظافر، فإن كان لابد من وضعه فيجب على المرأة أن تزيله قبل الوضوء.
12- اتخاذ المرأة صديقات سوء يحثونا على التساهل في حقوق الله عليها والتفريط في المحافظة على شرفها وكرامتها وإيقاعها فيما لا تحمد عقباه.
13- تجاوز مدة الحداد على الميت أكثر من ثلاث ليال ما لم يكن المتوفى هو زوجها، قال: صلى الله عليه وسلم (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال، إلا زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا) متفق عليه.
14- عدم التقيد بشروط الحداد وتجنب لبس الزينة والحلي والخضاب والكحل والطيب ونحو ذلك وأن لا تخرج من بيتها إلا لضرورة، ولا يشترط عليها لبس السواد فإن ذلك لا أصل له وهو أمر باطل ومذموم.
فتح الباري لابن حجر - (ج 15 / ص 56)
4839 - قَوْله ( لَا تُبَاشِر الْمَرْأَة الْمَرْأَة )
زَادَ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَته " فِي الثَّوْب الْوَاحِد " .
قَوْله ( فَتَنْعَتهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُر إِلَيْهَا )
قَالَ الْقَابِسِيّ هَذَا أَصْل لِمَالِك فِي سَدّ الذَّرَائِع ، فَإِنَّ الْحِكْمَة فِي هَذَا النَّهْي خَشْيَة أَنْ يُعْجِب الزَّوْج الْوَصْف الْمَذْكُور فَيُفْضِي ذَلِكَ إِلَى تَطْلِيق الْوَاصِفَة أَوْ الِافْتِتَان بِالْمَوْصُوفَةِ ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَة النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيق مَسْرُوق عَنْ اِبْن مَسْعُود بِلَفْظِ " لَا تُبَاشِر الْمَرْأَة الْمَرْأَة وَلَا الرَّجُل الرَّجُل " وَهَذِهِ الزِّيَادَة ثَبَتَتْ فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس عِنْده وَعِنْد مُسْلِم وَأَصْحَاب السُّنَن مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد بِأَبْسَط مِنْ هَذَا وَلَفْظه " لَا يَنْظُر الرَّجُل إِلَى عَوْرَة الرَّجُل وَلَا تَنْظُر الْمَرْأَة إِلَى عَوْرَة الْمَرْأَة وَلَا يُفِضْ الرَّجُل إِلَى الرَّجُل فِي الثَّوْب الْوَاحِد وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَة إِلَى الْمَرْأَة فِي الثَّوْب الْوَاحِد " قَالَ النَّوَوِيّ : فِيهِ تَحْرِيم نَظَر الرَّجُل إِلَى عَوْرَة الرَّجُل وَالْمَرْأَة إِلَى عَوْرَة الْمَرْأَة ، وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَاف فِيهِ ، وَكَذَا الرَّجُل إِلَى عَوْرَة الْمَرْأَة وَالْمَرْأَة إِلَى عَوْرَة الرَّجُل حَرَام بِالْإِجْمَاعِ ، وَنَبَّهَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَظَرِ الرَّجُل إِلَى عَوْرَة الرَّجُل وَالْمَرْأَة إِلَى عَوْرَة الْمَرْأَة عَلَى ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، وَيُسْتَثْنَى الزَّوْجَانِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا النَّظَر إِلَى عَوْرَة صَاحِبه ، إِلَّا أَنَّ فِي السَّوْأَة اِخْتِلَافًا وَالْأَصَحّ الْجَوَاز لَكِنْ يُكْرَه حَيْثُ لَا سَبَب ، وَأَمَّا الْمَحَارِم فَالصَّحِيح أَنَّهُ يُبَاح نَظَر بَعْضهمْ إِلَى بَعْض لِمَا فَوْق السُّرَّة وَتَحْت الرُّكْبَة ، قَالَ وَجَمِيع مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّحْرِيم حَيْثُ لَا حَاجَة ، وَمِنْ الْجَوَاز حَيْثُ لَا شَهْوَة . وَفِي الْحَدِيث تَحْرِيم مُلَاقَاة بَشَرَتَيْ الرَّجُلَيْنِ بِغَيْرِ حَائِل إِلَّا عِنْد ضَرُورَة ، وَيُسْتَثْنَى الْمُصَافَحَة ، وَيَحْرُم لَمْسُ عَوْرَة غَيْره بِأَيِّ مَوْضِع مِنْ بَدَنه كَانَ بِالِاتِّفَاقِ ، قَالَ النَّوَوِيّ : وَمِمَّا تَعُمّ بِهِ الْبَلْوَى وَيَتَسَاهَل فِيهِ كَثِير مِنْ النَّاس الِاجْتِمَاع فِي الْحَمَّام فَيَجِب عَلَى مَنْ فِيهِ أَنْ يَصُونَ نَظَرَهُ وَيَده وَغَيْرهمَا عَنْ عَوْرَة غَيْره وَأَنْ يَصُونَ عَوْرَته عَنْ بَصَر غَيْره ، وَيَجِب الْإِنْكَار عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ ، وَلَا يَسْقُط الْإِنْكَار بِظَنِّ عَدَم الْقَبُول إِلَّا إِنْ خَافَ عَلَى نَفْسه أَوْ غَيْره فِتْنَة ، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَثِير مِنْ مَسَائِل هَذَا الْبَاب فِي كِتَاب الطَّهَارَة .
شرح ابن بطال - (ج 13 / ص 368)
قال أبو الحسن بن القابسى: هذا من أبين ما تحمى به الذرائع، فإن وصفتها لزوجها بحسن خيف عليه الفتنة، فيكون ذلك سببًا لطلاق زوجته، ونكاحها إن كانت ثيبًا، وإن كانت ذات بعل كان ذلك سببًا لبغضه زوجته ونقصان منزلتها عنده، وإن وصفتها بقبح، كان ذلك غيبة، وقد جاء عن النبى، عليه السلام، أنه نهى الرجل عن مباشرة الرجل مثل نهيه للمرأة سواء.
قال الطبرى: وحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « لا يباشر الرجل الرجل، ولا المرأة المرأة » .
قال الطبرى: وفيه من البيان أن مباشرة الرجل الرجل والمرأة المرأة مفضيًا كل واحد منهما بجسده إلى جسد صاحبه غير جائز.
فإن قال قائل: هذه الأخبار هى على العموم أم على الخصوص؟ قيل: على العموم فيما عنيت به، وعلى الخصوص فيما يحتمله ظاهرها.
فإن قيل: وكيف كان ذلك؟ قيل: لقيام الحجة بجواز مصافحة الرجل الرجل والمرأة المرأة، وذلك مباشرة من كل واحد منهما صاحبه ببعض جسده، فكان معلومًا بذلك، إذ لم يكن فى قوله عليه السلام: « لا يباشر الرجل الرجل ولا المرأة المرأة » استثناء مقرون به فى الخبر، وكانت المصافحة مباشرة وهى من الأمور التى ندب المسلمون إليها كالذى حدثنا أحمد بن منصور، حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا بكر أبو عبيدة الناجى، حدثنا الحسن، عن البراء بن عازب، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « إن المسلمين إذا التقيا فتصافحا تحاتت ذنوبهما » .
وحدثنا أبو كريب، حدثنا ابن المبارك، حدثنا يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن زحر، عن على بن يزيد، عن القاسم، عن أبى أمامة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « تمام تحيتكم بينكم المصافحة » ، ونحو ذلك من الأخبار الدالة على أن المسلمين مندوبون إلى مباشرة بعضهم بعضًا بالأكف مصافحة عند الالتقاء، وكان محالاً اجتماع الأمر بفعل الشىء والنهى عنه فى حالة واحدة، علم أن الذى ندب العبد إلى المباشرة به من جسم أخيه غير الذى نهى عنه من مباشرته به.
وقال ابن القاسم: سئل مالك عن الخدم يبيتون عراة فى لحاف واحد فى الشتاء، فكرهه وأنكر أن تبيت النساء عراة لا ثياب عليهن؛ لأن ذلك إشراف على العورات، وذلك غير جائز لنهى النبى، عليه السلام، عن مباشرة الرجال والنساء بعضهم بعضًا.
فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (ج 14 / ص 140)
9723 - (لا تباشر) خبر بمعنى النهي (المرأة المرأة) زاد النسائي في الثوب الواحد أي لا تمس امرأة بشرة أخرى ولا تنظر إليها فالمباشرة كناية عن النظر إذ أصلها التقاء البشرتين فاستعير إلى النظر إلى البشرة يعني لا تنظر إلى بشرتها (فتنعتها) أي تصف ما رأت من حسن بشرتها وهو عطف على تباشر (لزوجها كأنه ينظر إليها) فيتعلق قلبه بها فيقع بذلك فتنة والنهي منصب على المباشرة والنعت معاً فتجوز المباشرة بغير توصيف قال القابسي: هذا الحديث أصل لمالك في سد الذرائع فإن حكمة النهي خوف أن يعجب الزوج الوصف فيفضي إلى تطليق الواصفة أو الافتتان بالموصوفة.
- (حم خ د) في النكاح (ت) في الاستئذان (عن ابن مسعود) ولم يخرجه مسلم وعزاه له الطبراني فوهم.
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (ج 10 / ص 50)
وللعلماء خلاف في جواز النظر إلى المرأة التي يريد أن يتزوجها فجوزه الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق رحمهم الله مطلقا أذنت المرأة أم لم تأذن لحديثي جابر والمغيرة المذكورين في أول الحسان وجوزه مالك بإذنها وروى عنه المنع مطلقا قال النووي رحمه الله قيل المراد بقوله شيئا صفره أو زرقه وفي هذا دلالة على جواز ذكر مثل هذا للنصيحة وفيه استحباب النظر إليها قبل الخطبة حتى إن كرهها تركها من غير إيذاء بخلاف ما إذا تركها بعد الخطبة وإذا لم يمكنه النظر استحب أن يبعث امرأة تصفها له وإنما يباح له النظر إلى وجهها وكفيها فحسب لأنهما ليسا بعورة في حقه فيستدل بالوجه على الجمال وضده وبالكفين على سائر أعضائها باللين والخشونة ا ه وظاهره جواز إمساسها فإن به يتبين اللين وضده وهو لا يستفاد من الحديث رواه سلم وعن ابن مسعود قال قال رسول الله لا تباشر المرأة المرأة قيل لا نافية بمعنى الناهية وقيل ناهية المباشرة بمعنى المخالطة والملامسة وأصله من لمس البشرة البشرة والبشرة ظاهر جلد الإنسان أي لا تمس بشرة امرأة بشرة أخرى فتنعتها بالرفع والنصب أي فتصف نعومة بدنها ولينة جسدها لزوجها كأنه ينظر إليها فيتعلق قلبه بها ويقع بذلك فتنة والمنهى في الحقيقة هو الوصف المذكور قال الطيبي رحمه الله المعنى به في الحديث النظر مع المس فتنظر إلى ظاهرها من الوجه والكفين وتجس باطنها باللمس وتقف على نعومتها وسمنها فتنعتها عطف على تباشر فالنفي منصب عليهما فتجوز المباشرة بغير التوصيف في شرح الأكمل قد استدل الفقهاء بهذا الحديث على جواز السلم في الحيوان لأنه أخبر أن وصف الشيء يجعله كالمعاينة فكان مما يمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره كالمحسوس المشاهد حال البيع وما أمكن ضبط صفته ومعرفة مقداره جاز السلم فيه بالاتفاق وأقول إن أخبار النبي يدل على أن وصف الشيء يجعله كالمعاينة فيما هو منظور بدليل قوله كأنه ينظر إليها وعدم جواز السلم في الحيوان عند أبى حنيفة ليس من تلك
مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين - (ج 2 / ص 208)
والقول بتحريم التصوير بالكاميرا أحوط ، والقول بحله أقعد لكن القول بالحل مشروط بأن لا يتضمن أمراً محرماً فإن تضمن أمراً محرماً كتصوير امرأة أجنبية ، أو شخص ليعلقه في حجرته تذكاراً له ، أو يحفظه فيما يسمونه (البوم) ؛ ليتمتع بالنظر إليه وذكراه ، كان ذلك محرماً لأن اتخاذ الصور واقتناءها في غير ما يمتهن حرام عند أهل العلم أو أكثرهم ، كما دلت على ذلك السنة الصحيحة.
ولا فرق في حكم التصوير بين ما له ظل وهو المجسم ، وما لاظل له لعموم الأدلة في ذلك وعدم المخصص.
ولا فرق أيضاً في ذلك بين ما يصور لعباً ولهواً وما يصور على السبورة لترسيخ المعنى في أفهام الطلبة كما زعموا وعلى هذا فلا يجوز للمدرس أن يرسم على السبورة صورة إنسان أو حيوان.
وإن دعت الضرورة إلى رسم شيء من البدن فليصوره منفرداً ، بأن يصور الرجل وحدها ، ثم يشرح ما يحتاج إلى شرح منها ثم يمسحها ويصور اليد كذلك ثم يمسحها ويصور الرأس وهكذا كل جزء وحده فهذا لا بأس به إن شاء الله - تعالى - .
وأما من طلب منه التصوير في الامتحان فليصور شجرة أو جبلاً أو نهراً؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، مع أني لا أظن ذك يطلب منه إن شاء الله - تعالى - . وأما مشاهدة الصور في المجلات والصحف والتلفزيون فإن كانت صور غير آدمي فلا بأس بمشاهدتها ، لكن لا يقتنيها من أجل هذه الصور وإن كانت صور آدمي؛ فإن كان يشاهدها تلذذاً أو استمتاعاً بالنظر فهو حرام ، وإن كان غير تلذذ ولا استمتاع ولا يتحرك قلبه ولا شهوته بذلك ،فإن كان ممن يحل النظر إليه كنظر الرجل إلى الرجل ونظر المرأة إلى المرأة أو إلى الرجل أيضاً على القول الراجح فلا بأس به لكن لا يقتنيه من أجل هذه الصور، وإن كان ممن لا يحل له النظر إليه كنظر الرجل إلى المرأة الأجنبية فهذا موضع شك وتردد، والاحتياط أن لا ينظر خوفاً من الفتنة وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال: "لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها" والنعت بالصورة أبلغ من النعت بالوصف إلا أن هذا الحديث رواه الإمام أحمد من وجه آخر بلفظ: "لتنعتها لزوجها" وذكر في فتح الباري ص 338 ج 9 الطبعة السلفية أن النسائي زاد في روايته : "في الثوب الواحد" وهو مفهوم من قوله: "لا تباشر" ومجموع الروايات يقتضي أن الزوجة عمدت إلى مباشرة المرأة لتصف لزوجها ما تحت الثياب منها ، ومن أجل هذا حصل عندنا الشك والتردد في جواز نظر الرجل إلى صورة المرأة في الصحف والمجلات والتلفزيون والبعد عن وسائل الفتن مطلوب والله المستعان.
يسألونك فتاوى - (ج 1 / ص 186)
مشاهدة الأفلام الإباحية حرام شرعاً
يقول السائل : ما حكم مشاهدة الأفلام الإباحية والصور العارية ؟
الجواب : إن الإسلام يحارب الفساد والإنحلال بمختلف ألوانه وأشكاله ويقطع كل الطرق التي تؤدي إليه ولا شك أن الأفلام الإباحية والصور العارية مظهر من مظاهر الإنحلال والفساد وأنها من الوسائل المؤدية إليه لذلك لا شك لدي في حرمة مشاهدة الأفلام الإباحية والصور الخليعة لأن للوسائل أحكام المقاصد كما قرر فقهاء الإسلام .
قال العز بن عبد السلام :[ للوسائل أحكام المقاصد فالوسيلة إلى أفضل المقاصد هي أفضل الوسائل والوسيلة إلى أرذل المقاصد هي أرذل الوسائل ] .
ومن المعروف عند العقلاء أن مشاهدة الأفلام الجنسية والصور الخليعة وسيلة من وسائل انتشار الفساد الخلقي والإنحلال وانتشار الموبقات وقد تؤدي إلى الزنا واللواط واستعمال العادة السرية فما أدى إلى الحرام فهو حرام وقد سمعنا وقرأنا عن حوادث كثيرة كان سببها مشاهدة تلك الأفلام الساقطة والصور الخليعة كالزنا واللواط وغير ذلك من المفاسد الأخلاقية .
وانظر يا أخي إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم :( لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها ) رواه البخاري .
ومعنى الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم ينهى المرأة أن ترى إمرأة أخرى وهي عارية وبعد ذلك تقوم بوصفها لزوجها فتجعله يفتتن بالمرأة الموصوفة .
ومن المعلوم أن هذا الوصف يجعل الزوج يتخيل تلك المرأة بصفاتها التي نقلت إليه من زوجته ومع أن الأمر يتعلق بالخيال فقط فقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عنه فما بالك بمشاهدة الأفلام الجنسية حيث الصوت والصورة فهذا يؤدي إلى مفسدة أعظم من مجرد التفكير بامرأة وصفت له .
قال الشيخ علي بن الحسن الحموي الشافعي رحمه الله معلقاً على الحديث السابق [ ... فصلى الله وسلم على منقذ العباد من الردى نبي الرحمة والهدى ، تالله لقد صدق لأن الرجل الأجنبي إذا سمع وصف امرأة أجنبية تشكلت في قلبه وانطبعت في مرآة نفسه ويوحي الشيطان لعنه الله له عند ذلك كلاماً من غروره وأمانيه ويحول بينه وبين تقوى الله ومراضيه وتخطر له هنالك خواطر قبيحة وهواجس ذميمة فتارة بالزنا والفحشاء ...] أحكام النظر ص 58 - 59 .
وكل هذا يحدث نتيجة التفكير في امرأة وإن ما ينتج عن مشاهدة الأفلام الجنسية لهو أعظم وأخطر بكثير مما وصف الشيخ المذكور رحمه الله .
ولا أظن أن مسلماً تقياً يعرف مقاصد الشرع الشريف يقول بجواز ذلك هذا إذا أضفنا إلى ما تقدم أن إعداد الأفلام الجنسية والصور العارية حرام لأن فيها انتهاكاً للمحرمات والنظر إلى ما حرم الله كما أن نشر تلك الأفلام حرام أيضاً وطبع تلك الصور حرام أيضاً وترويج ذلك ونشره حرام أيضاً فالقضية كلها تدور ضمن دائرة التحريم .
استعمال الصحون اللاقطة
يقول السائل : ما حكم استعمال الصحون التي تلتقط بث برامج التليفزيون عبر الأقمار الصناعية ؟
الجواب : إن الصحون المشار إليها في السؤال كغيرها من الأدوات مثل التلفزيون والفيديو والمسجل والراديو ، لا حكم لها في ذاتها وإنما الحكم في لاستعمالها فهي أدوات قد تستعمل في الخير وفي الشر ولكن هذه الأدوات وأمثالها من وسائل الإعلام صار شرها أكثر من خيرها وضررها أكثر من نفعها ، ولا يستطيع كثير من الناس ضبط استعمالها في بيوتهم فمثلاً إن ما يعرف بالصحون اللاقطة لبرامج التلفزيون تستعمل استعمالاً سيئاً فأكثر البرامج التي تبث عليها برامج فساد وأفلام جنسية ساقطة وأفلام بوليسية تنشر الفحشاء والمنكر وتشجع الإجرام وصارت من معاول هدم الأخلاق ومحاربة الفضيلة .
ولو سألت من عندهم مثل هذه الأجهزة لأخبروك عن البرامج الرهيبة التي تلتقط فبعض تلك المحطات مخصصة لبث الأفلام الجنسية باستمرار وبعضها لأفلام الإجرام والقتل وغير ذلك من المصائب .
وهذه وتلك تترك آثاراً سيئة على المشاهدين عامة والشباب خاصةً وقد سمعنا عن بعض المآسي التي تحدث نتيجة لمشاهدة الأفلام الساقطة .
وبناء على مفاسد هذه الأجهزة فإن المرء المسلم عليه أن يحتاط لدينه ويحافظ على أهله وأولاده أمام هذه الهجمة الشرسة ويمتنع عن إدخالها إلى بيته لأنه إن فعل ذلك يكون كمن وضع السم في الدسم وعرض نفسه وأهله وأولاده للفساد والإفساد ولا يزعم أحد أنه يستطيع أن يراقب استعمال هذه الصحون في بيته فإن ذلك يكاد يكون مستحيلاً .
وعلى الآباء أن يتقوا الله في أولادهم وأسرهم فإن المسؤولية الأولى تقع على عاتقهم ، فقد قال الله تعالى :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم :( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) .
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 6 / ص 488)
مدح الوالدة لا شيء فيه بل هو من البر بها رقم الفتوى:1609تاريخ الفتوى:16 صفر 1420السؤال : هل يجوز للرجل أن يتغزل بوالدته ؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم ..... وبعد: إن كنت تقصد بالتغزل ذكر محاسن المرأة ومفاتنها فهذا لا يجوز بالوالدة ولا بغيرها. لما فيه من إشاعة الفاحشة وإثارة العواطف إلى ما حرم الله تعالى والجهر بالقول السوء. قال الله تعالى: ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم في الدنيا والآخرة ) . [ النور: 19]. وقال تعال: ( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم). [النساء: 148]. وفي الصحيحين من حديث أبي مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تباشر المرأة فتصفها لزوجها كأنه ينظر إليها". فهذا الحديث يدل على أنه لا يجوز وصف محاسن المرأة للرجل. وإن كنت تقصد بالتغزل مدحها وذكر بعض أخلاقها الحميدة كالكرم والورع والزهد والصبر ونحو ذلك فهذا جائز بل قد يكون محموداً إن كان فيه مرضاتها وإدخال السرور عليها، مع أن عبارتك بعيدة منه أشد البعد. والله تعالى أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 27 / ص 325)
"لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها.." رقم الفتوى:41535تاريخ الفتوى:16 صفر 1420السؤال : ما هو الحديث الذي ينهى عن أن تذكر الزوجة لزوجها محاسن ومفاتن امرأة أخرى؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث الذي ينهى المرأة أن تصف لزوجها المرأة، هو ما رواه البخاري من حديث ابن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 36 / ص 406)
تخيل صور النساء من الأخلاق المذمومة رقم الفتوى:5473تاريخ الفتوى:16 صفر 1420السؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هل محرم أن يقوم الرجل بالتخيل بمشاهد جنسية لأي امرأة ويترتب على ذلك أنه يشعر بالشهوة بهدف المتعة؟ وهل يعتبر ذلك زنا أم لا؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الخواطر العابرة التي تمر بالإنسان من حديث نفس أو تخيلات، لا يترتب عليها إثم ولا تعتبر زنى ما دامت كذلك، أما الاسترسال فيها وتمتيع الخاطر بها فلا ينبغي للإنسان أن يشغل نفسه به، لما فيه من تعريض النفس للمثيرات والوساوس الشيطانية.
ولأنه مدعاة إلى ارتكاب المحرمات والاستجابة للغرائز البهيمية، وبالتالي فهو وسيلة إلى الحرام، يدل على ذلك ما رواه البخاري من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها". والأولى للمسلم أن يشغل ذلك الفراغ بما يعود عليه بما ينفعه في دنياه وأخراه. ولا يترك الشيطان يلعب به، فهو مسؤول عن وقته فيمَ أفناه؟
وليعلم الأخ السائل أن الاسترسال في هذه التخيلات قد يتحول إلى نوع إدمان، فيصبح المرء أسيراً لها، وقد يؤثر هذا على علاقته بزوجته التي قد لا يرى فيها ما يتخيله في تلك النساء المتوهمات. فلا هو ظفر بما تخيل، ولا سلم في تفكيره فرضي بما قسم الله له. والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 51 / ص 401)
الاسترسال في الخواطر يعرض النفس للمثيرات وعبث الشيطان رقم الفتوى:71475تاريخ الفتوى:07 محرم 1427السؤال:
أنا فتاة عمري 22 سنة طالبة ماجستير وغير متزوجة في بعض الأحيان ألجأ إلى التخيل في أي أمر أحبه ولا أستطيع أن أفعله في الواقع أو قد أستطيع ولكن دائما أعيش مع الخيالات لذا فإني أتخيل أني ألتقي برجل معين وأحبه وأتزوجه ونعيش حياة سعيدة وأبقى أعيش هذه الحياة الخيالية كأن أصحو صباحا وأحضر الفطور وأوقظ زوجي ويذهب إلى عمله ويعود ظهرا وهكذا فهل هذا يعتبر حراما وإذا قمت بتحديد شخص معين زوجا لي هل في هذا حرام ؟
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الخواطر العابرة التي تمر بالإنسان من حديث نفس أو تخيلات لا يترتب عليها إثم ما دامت كذلك، أما الاسترسال فيها وتمتيع الخاطر بها فلا ينبغي للإنسان أن يشغل نفسه به لما فيه من تعريض النفس للمثيرات والوساوس الشيطانية، ولأنه مدعاة إلى ارتكاب المحرمات، وبالتالي فهو وسيلة إلى الحرام.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن وصف المرأة المرأة لزوجها لما يمكن أن يترتب على ذلك، روى البخاري من حديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها . والأولى بالمسلمة أن تشغل فراغها بما يعود عليها بما ينفعها في دينها ودنياها، ولا تترك الشيطان يلعب بها فهي مسؤولة عن وقتها فيما أفنته. وقد علمت مما ذكر أن مداومتك على العيش مع الخيالات ليس صوابا .
والله أعلم .
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 58 / ص 473)
نشر إعلانات الزواج عن طريق الانترنت جائز بشروط رقم الفتوى:7905تاريخ الفتوى:12 صفر 1422السؤال : تقوم بعض النساء عبر الانترنت بإرسال بعض الكلام إذا أردت زوجاً كأن تقوم بوصف نفسها مثلاً تصف شعرها وبدنها وبياضها أو أي شيء منها فهل هذا جائز أم أن هذا غير جائز؟ وما معنى الحديث: " لا تنعت المرأة المرأة لزوجها وأريد شرح الحديث وجزاكم الله خيرا.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحقيقة أن مواقع الزواج على الانترنت كثيرة، وهي بين مواقع متخصصة، وخدمات تقدمها بعض المواقع رغبة في تكثير عدد متصفحيها.
وانتشار هذه الظاهرة يدل على حجم وعمق المعاناة التي تعيشها المرأة المسلمة في مجتمعاتنا، التي جعلت الزواج صعباً، فصار الحرام أسهل من الحلال، حتى طلَّ علينا شبح العنوسة، وصار يهدد أمل الشباب في إقامة أسر سعيدة، ويقضي عليهم باليأس والقنوط، كل ذلك بسبب حيدة المجتمع عن الأخذ بأحكام الإسلام في تيسيره أمر الزواج، في هذا الوضع المزري الذي لولاه لما باحت العذراء ذات الخدر بسرها- والذي وجدت في الإنترنت سبيلاً للبوح به - مما يدل على عمق المأساة وحجم المشكلة.
هذا ما نظنه سبب المشكلة. أما الحكم عليها فيختلف باختلاف المواقع: فمنها الجاد الذي هدفه التوفيق بين الجنسين ويتخذ احتياطات جيدة في ذلك، فيقوم باستقبال الطلبات من الطرفين، ثم يقوم بالمطابقة بينها، ثم يُعْلِم الطرفين بذلك دون أن ينشر شيئاً من بياناتهما، وهذه الطريقة لا حرج فيها، بل هي من التعاون على البر والتقوى، مع التنبيه إلى أن الأمر بعد موافقة الطرفين يعتبر مجرد خطبة له أحكام الخطبة، أما الزواج فله شروطه التي يجب توافرها للحكم بصحته.
ومن المواقع ما هو هازل، أو ما يتخذ مسرحاً للفارغين، وذلك بأن ينشر الطرفان بياناتهما وعنوانهما، وهذا ما يجعل القضية محفوفة بالمخاطر، وسبيلاً للعب بعواطف البنات، والتغرير بهن. فينبغي اجتناب هذه الطريقة سداً للذريعة المفضية إلى ما لا تحمد عقباه.
أما الحديث المذكور قصته: لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها، فقد رواه البخاري وغيره. وحكمة النهي فيه - كما يقول العلماء- هي خوف أن يعجب الزوج الوصف فيفضي إلى تطليق الواصفة لأنها دون من وصفت، أو الافتتان بالموصوفة. وهذا في غير طالب الزواج، أما طالب الزواج فيجوز له رؤية من يريد نكاحها في غير خلوة، فمن باب أولى أن توصف له.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 58 / ص 474)
نشر إعلانات الزواج عن طريق الانترنت جائز بشروط رقم الفتوى:7906تاريخ الفتوى:12 صفر 1422السؤال : تقوم بعض النساء عبر الانترنت بإرسال بعض الكلام إذا أردت زوجاً كأن تقوم بوصف نفسها مثلاً تصف شعرها وبدنها وبياضها أو أي شيء منها فهل هذا جائز أم أن هذا غير جائز؟ وما معنى الحديث: " لا تنعت المرأة المرأة لزوجها وأريد شرح الحديث وجزاكم الله خيرا.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحقيقة أن مواقع الزواج على الانترنت كثيرة، وهي بين مواقع متخصصة، وخدمات تقدمها بعض المواقع رغبة في تكثير عدد متصفحيها.
وانتشار هذه الظاهرة يدل على حجم وعمق المعاناة التي تعيشها المرأة المسلمة في مجتمعاتنا، التي جعلت الزواج صعباً، فصار الحرام أسهل من الحلال، حتى طلَّ علينا شبح العنوسة، وصار يهدد أمل الشباب في إقامة أسر سعيدة، ويقضي عليهم باليأس والقنوط، كل ذلك بسبب حيدة المجتمع عن الأخذ بأحكام الإسلام في تيسيره أمر الزواج، في هذا الوضع المزري الذي لولاه لما باحت العذراء ذات الخدر بسرها- والذي وجدت في الإنترنت سبيلاً للبوح به - مما يدل على عمق المأساة وحجم المشكلة.
هذا ما نظنه سبب المشكلة. أما الحكم عليها فيختلف باختلاف المواقع: فمنها الجاد الذي هدفه التوفيق بين الجنسين ويتخذ احتياطات جيدة في ذلك، فيقوم باستقبال الطلبات من الطرفين، ثم يقوم بالمطابقة بينها، ثم يُعْلِم الطرفين بذلك دون أن ينشر شيئاً من بياناتهما، وهذه الطريقة لا حرج فيها، بل هي من التعاون على البر والتقوى، مع التنبيه إلى أن الأمر بعد موافقة الطرفين يعتبر مجرد خطبة له أحكام الخطبة، أما الزواج فله شروطه التي يجب توافرها للحكم بصحته.
ومن المواقع ما هو هازل، أو ما يتخذ مسرحاً للفارغين، وذلك بأن ينشر الطرفان بياناتهما وعنوانهما، وهذا ما يجعل القضية محفوفة بالمخاطر، وسبيلاً للعب بعواطف البنات، والتغرير بهن. فينبغي اجتناب هذه الطريقة سداً للذريعة المفضية إلى ما لا تحمد عقباه.
أما الحديث المذكور قصته: لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها كأنه ينظر إليها، فقد رواه البخاري وغيره. وحكمة النهي فيه - كما يقول العلماء- هي خوف أن يعجب الزوج الوصف فيفضي إلى تطليق الواصفة لأنها دون من وصفت، أو الافتتان بالموصوفة. وهذا في غير طالب الزواج، أما طالب الزواج فيجوز له رؤية من يريد نكاحها في غير خلوة، فمن باب أولى أن توصف له.والله أعلم.(1/178)
332-7988 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ ، عَنْ أَبِي حَصِينٍ ، عَنْ يَحْيَى ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : " لَا تُبَاشِرِ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ ، وَلَا الرَّجُلُ الرَّجُلَ " (1)
__________
(1) - صحيح(1/179)
بَابٌ نَظْرَةُ الْفَجْأَةِ
333-7989 أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ : حَدَّثَنَا يُونُسُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظْرَةِ الْفَجْأَةِ فَقَالَ : " غُضَّ بَصَرَكَ " (1)
----------------------
(1) - مسند الطيالسي برقم( 700 ) صحيح
نظر الفجأة : أن يقع نظره على الأجنبية من غير قصد
التمهيد لابن عبد البر - (ج 10 / ص 245)
ذكر عبد الرزاق عن معمر والثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة أن رجلا طلق امرأته ثلاثا فأبت أن تجلس في بيتها فاتى ابن مسعود فقال هي تريد تخرج إلى أهلها فقال احبسها ولا تدعها فقال إنها تأبى علي قال فقيدها قال إن لها إخوة غليظة رقابهم قال فاستأد ( 134 ) عليهم الأمير ( 135 ) وفي هذا الحديث وجوب استتار المرأة إذا كانت ممن للعين فيها حظ عن عيون الرجال وف ذلك تحريم للنظر إليهن وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينظر إلى فاطمة هذه إذ جاءته في هذه القصة حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال حدثنا سفيان بن عيينة عن مجالد عن الشعبي عن فاطمة ابنة قيس قالت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فاستتر مني وأشار عني بثوبه على وجهه وكذلك في حديث قيلة ابنة مخرمة الحديث الطويل في قدومها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ بيده خلفه إذ قيل له أرعدت المسكينة فقال ولم ينظر إلي يا مسكينة عليك السكينة وفي حديث بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي لاتتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة وقد روى ذلك أيضا من حديث علي رضي الله عنه وقال جرير سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة فقال غض بصرك رواه جماعة منهم الثوري وابن علية ويزيد بن زريع عن يونس بن عبيد عن عمرو بن سعيد عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جرير وهذا النهي إنما ورد خوفا من دواعي الفتنة وأن تحمله النظرة إلى أن يتأمل ما تقود إليه فتنة في دينه وهذا نبي من أنبياء الله عز وجل وهو داود صلى الله عليه وسلم كان سبب خطيئته إليه النظر وقد ذكرنا ما يجوز النظر إليه من الشهادة عليها وشبهها في غير هذا الموضع وأما قوله اعتدي في بيت أم شريك ثم قال تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي في بيت ابن أم مكتوم ففيه دليل على أن المرأة الصالحة المتجالة لا بأس أن يغشاها الرجال ويتحدثون عندها ومعنى الغشيان الإلمام والورود قال حسان بن ثابت يمدح بني جفنة % يغشون حتى ما تهر كلابهم % لا يسألون عن السواد المقبل ( 136 ) % % % وزعم قوم أنه أمدح بيت قالته العرب حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا مجالد بن سعيد الهمداني عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس فذكر الحديث وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا بنت قيس إنما السكنى والنفقة للمرأة إذا كان لزوجها عليها رجعة فإذا لم يكن له عليها رجعة فلا سكنى لها ولا نفقة ثم قال لها ( 137 ) اعتدي عند أم شريك ابنة ( 138 ) العكر ثم قال تلك امرأة يتحدث عندها اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل محجوب البصر فتضعي ثيابك ولا يراك ( 139 ) قال ابو عمر أم شريك هذه امرأة من بني عامر بن لؤي وقد ذكرناها في كتاب النساء من كتاب الصحابة ( 149 ) بما يغني عن ذكرها ههنا وفي قوله في هذا الحديث فتضعي ثيابك ولا يراك دليل على أن المرأة غير واجب عليها أن تحتجب من الرجل الأعمى وهكذا في حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها انتقلي إلى ابن أم مكتوم فإنه رجل قد ذهب بصره فإن وضعت شيئا من ثيابك لم ير شيئا وهذا يرد حديث نبهان مولى أم سلمة عن أم سلمة قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وميمونة جالستان فاستأذن عليه ابن أم مكتوم الأعمى فقال احتجبا منه فقلنا يا رسول الله أليس بأعمى لا يبصرنا قال أفعمياوان أنتما لا تبصرانه ففي هذا الحديث دليل على أنه واجب على المرأة أن تحتجب عن الأعمى ويشهد له ظاهر قول الله عز وجل !< وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن >! الاية فمن ذهب إلى حديث نبهان هذا احتج بما ذكرنا وقال ليس في حديث فاطمة أنه أطلق لها النظر إليه وقال مكروه للمرأة أن تنظر إلى الرجل الأجنبي الذي ليس بزوج ولا ذي محرم ( قال ) ( 141 ) وكما لا يجوز للرجل أن ينظر إلى المرأة فكذلك لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجل لأن الله يقول !< وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن >! 142 كم قال ( قل ) ( 143 ) !< للمؤمنين يغضوا من أبصارهم >! ( 144 ) وقد قال بعض مشيخة الأعراب لأن ينظر إلى وليتي مائة رجل خير من أن تنظر هي إلى رجل واحد ومن ذهب إلى حديث فاطمة هذا على ظاهره دفع حديث نبهان عن أم سلمة وقال نبهان مجهول لم يرو عنه غير ابن شهاب وروى عنه ابن شهاب حديثين لا أصل لهما أحدهما هذا والآخر حديث المكاتب أنه إذا كان معه ما يؤذي وجب الاحتجاب منه قال وهما حديثان لا اصل لهما ودفعهما وقال حديث فاطمة بنت قيس حديث صحيح الإسناد والحجة به لازمة قال وحديث نبهان لا تقوم به حجة قال أبو عمر حديث نبهان هذا حدثناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عبد الله بن المبارك قال أخبرنا يونس عن الزهري قال حدثني نبهان مولى أم سلمة عن أم سلمة قالت كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعند ميمونة فأقبل ابن أم مكتوم وذلك بعد أن أمر بالحجاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجبا منه فقلنا يا رسول الله إنه مكفوف لا يبصرنا قال أفعيماوان أنتما لا تبصرانه وأخبرنا عبد الله بن محمد بن حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن العلاء حدثنا ابن المبارك عن يونس عن الزهري قال حدثني نبهان مولى أم سلمة عن أم سلمة فذكره ( 145 ) قال أبو داود هذا ( 146 ) لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ( 147 ) واستدل بعض أصحابه بهذا الحديث على أن كلام المرأة ليس بعروة وهذا ما لا يحتاج إليه لتقرر الأصول عليه وأما قوله يغشاها أصحابي فمعلوم ( 148 ) أنها عورة كما أن فاطمة عورة إلا أنه علم أن أم شريك من السترة والاحتجاب بحال ليست بها فاطمة ولعل فاطمة من شأنها أن تقعد فضلا ( 149 ) لا تحترز كاحتراز أم شريك ولا يجوز أن تكون أم شريك وإن كانت من القواعد أن تكون فضلا ( 149 ) ويجوز أن تكون فاطمة شابة ليست من القواعد وتكون أم شريك من القواعد فليس عليها جناح ما لم تتبرز بزينة فهذا كله فرق بين حال أم شريك وفاطمة وإن كانتا جميعا امرأتين العورة منهما واحدة ولاختلاف الحالتين أمرت فاطمة بأن تصير إلى ابن أم مكتوم الأعمى حيث لا يراها هو ولا غيره في بيته ذلك وأما وجه قوله لزوجته ميمونة وأم سلمة إذا جاء ابن أم مكتوم احتجبا منه فقالتا أليس بأعمى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفعمياوان أنتما فإن الحجاب على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليس كالحجاب على غيرهن لما هن فيه من الجلالة ولموضعهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل قول الله تعالى !< يا نساء >! !< النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن >! 150 الاية وقد يجوز للرجل أن ينظر لأهله من الحجاب بما أداه إليه اجتهاده حتى يمنع منهن المرأة فضلا عن الأعمى وأما الفرق بين ميمونة وأم سلمة وبين عائشة إذ اباح لها النظر إلى الحبشة فإن عائشة كانت ذل كالوقت والله أعلم غير بالغة لأنه نكحها صبية بنت ست سنين أو سبع وبنى بها بنت تسع ويجوز أن يكون قبل ضرب الحجاب مع ما في النظر إلى السودان مما تقتحمه العيون وليس الصبايا كالنساء في معرفة ما هنالك من أمر الرجال حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن شاذان قال حدثنا معلى قال حدثنا ليث بن سعد عن أبي الزبير قال سألت عبد الحميد بن عبد الله بن أبي عمرو بن حفص عن طلاق جده فاطمة بنت قيس فقال عبد الحميد طلقها البتة ثم خرج إلى اليمن ووكل بها عياش بن أبي ربيعة فأرسل إليها عياش ببعض النفقة فسخطتها فقال لها عياش ما لك علينا من نفقة ولا مسكن وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسليه فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما قال فقال ليس لك نفقة ولا مسكن ولكن متاع بالمعروف اخرجي عنهم فقالت أخرج إلى بيت أم شريك فقال إن بيتها يوطأ فانتقلي إلى بيت عبد الله بن أم مكتوم الأعمى فهو أقل واطية وأنت تضعين ثيابك عنده فانتقلت إليه حتى حلت
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 12 / ص 472)
مناصحة النساء في الأسواق
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
التاريخ 18/2/1423
السؤال
لدي محل تجاري وتواجهني مشكلة في التعامل مع النساء، هل يجب علي أن أنكر على كل امرأة تدخل محلي إذا كانت كاشفة الوجه، أو متنقبة، أو لابسة عباءة ملفتة للنظر؟ مع العلم أن مثل هذا الأمر يحرجني كثيراً في التعامل مع النساء لا سيما في وجود خلاف في قضية الحجاب.
الجواب
أولاً: -جزاك الله خيراً- على غيرتك على أعراض المسلمين، وحرصك على إبراء ذمتك من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فسددك الله، وزادك حرصاً وتقى، وثبتنا وإياك على دينه القويم.
ثانياً: أما النقاب إذا لم يكن واسعاً فلا ينبغي إنكاره؛ لأنه قد وردت به الرخصة، كما يدل لذلك حديث: "لا تنتقب المرأة المحرمة" أخرجه البخاري (1838)، ولو كان النقاب محرماً لما خص -عليه الصلاة والسلام- المحرمة بالنهي عنه.
ثالثاً: وأما العباءة الضيقة التي تصف مفاتن المرأة كالعباءة المخصرة، فلم يقل أحد من أهل العلم بجواز لبسها حتى يصح لقائل أن يحتج بمقولة:(لا إنكار في مسائل الخلاف)؛ لأن من الشروط المتفق عليها بين العلماء أن يكون الحجاب واسعاً لا يصف المفاتن.
وإذا تقرر أن مثل هذه العباءات مما اتفق أهل العلم على تحريمه، وجب الإنكار على من لبسته.
وكذلك الشأن في كل حجاب يكون زينة في نفسه، يجب الإنكار على من لبسته، ولا يسوغ أن يعتذر على الإنكار في هذه الأمثلة بقاعدة (لا إنكار في مسائل الخلاف)؛ لأن أهل العلم متفقون على اشتراط ألا يكون الحجاب زينة في نفسه، والمقاصد التي راعاها الشرع في فرض الحجاب تدل عليه دلالة ظاهرة، وإن خالف في هذا مخالف عد خلافه شذوذاً لا يتابع عليه ولا يعتد به.
رابعاً: مسألة كشف الوجه الخلاف فيها مشهور، ليس هذا مقام بسطه، ولا النظر في أدلته.
ولكن مخالفة النساء اليوم لم تقتصر على كشف الوجه فحسب، فغالب من تتساهل في كشف وجهها لا يخلو حالها من إبداء الزينة إما في الوجه أو غيره، أو بكشف الشعر، أو العنق...إلخ وخلاف العلماء إنما هو في الوجه والكفين.
فإذا كان الواقع هو هذا، لم يكن بد من الإنكار عليهن، فليس في مثل هذا خلاف، ولا هو من موارد الاجتهاد.
خامساً: طريقة الإنكار على تلك المتبرجات تقع حسب الوسع، وتُمْليها وتصرفها الجدوى من الإنكار، فإذا كان الإنكار عليهن علانية باللسان لا يجدي شيئاً، وإنما يجلب لك شيئاً من أذيتهن وسلاطة ألسنتهن ونحو ذلك، فجرب طريقة أخرى تؤدي المقصود، وتقيم الحجة، وتبرئ الذمة، وتعتذر بها إلى الله، كإهداء شريط، أو كتاب، أو نحو ذلك، مما يساق فيه الإنكار مساق موعظة تذكرها بالله، وتخوفها عقابه، وتحذرها مغبة المعصية وشؤمها.
إن عاطفة المرأة -أخي- هو خير ما يستجديه الناصح؛ لتقع موعظته موقعها من قلبها، ولذا فمن الحكمة أن يمزج خطاب الموعظة بكلمات الثناء التي لا يظهر فيها كذب ولا تكلف، ولن تعدم في قلبها بقية من إيمان، وخوف من الله -سبحانه-، وحب له ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- تثني بها عليها؛ لتستعطفها لموعظتك.
ومن الحكمة في الموعظة والإنكار مجانبة اتهامها بالفسق أو عدم الغيرة، ولو كان حالها كذلك، فإن هذا كما أنه لا ينفع فهو يضر، وربما حملها ذلك إلى أن تأخذها العزة بالإثم، فتعرض عن الاستماع للنصح وقبوله.
سادساً: لا يسعك أبداً أن يخلو قلبك من إنكار تلك المنكرات الظاهرة، مهما اعتادها بصرك، ومهما كثرت المبتليات بها.
ولهذا فاعلم أن من أشد ما يناقض هذا الإنكار القلبي لتلك المنكرات من إبداء الزينة، أو التبرج والسفور والتساهل بمد عينك إليها، أو التحدث إليها في غير ما تقتضيه حاجة الشراء، فضلاً عن المضاحكة، أو الخضوع بالقول.
ولا يسعك إلا غض بصرك عنها، وكف لسانك عن الاسترسال في الحديث معها، وتجنب الخلوة بها.
سابعاً: اعلم أن قاعدة (لا إنكار في مسائل الخلاف) ليست على إطلاقها، فلا يصح أن تحمل ما لا تحتمل، ولا أن تورد في غير مواردها.
والأخذ بهذه القاعدة بإطلاق خلاف لإجماع أئمة السلف، فحدود هذه القاعدة قاصرة على تلك المسائل الاجتهادية التي وقع الخلاف فيها قوياً، ولكل قول فيها حظٌّ من النظر،
أما الخلاف الضعيف الذي ليس له حظٌّ من النظر والاعتبار، ويخالف ظاهر النصوص ومقتضى القياس الصحيح، ولا يعرف له مستند صحيح من كتاب أو سنة، فمثل هذا لا عبرة به ولا ترد عليه هذه القاعدة، بل يجب الإنكار عليه والرد على صاحبه.
ولو أخذنا بهذه القاعدة على العموم لأفضى ذلك إلى سقوط شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فما أكثر المسائل التي وقع فيها الخلاف، ولكن العبرة بما وافق الكتاب والسنة.
وأحيلك -للاستزادة في هذا الموضوع- إلى مليء، ومن أحال على مليء فقد أتبع... إلى كتاب (إعلام الموقعين) لابن القيم (3/332).
أعاننا الله وإياك على لزوم جادة التقوى، والعمل على ما يحب ويرضى، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 13 / ص 181)
أضرار العادة السرية ووسائل علاجها
المجيب عبدالرحمن بن عبدالعزيز المجيدل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/هموم الشباب
التاريخ 7/2/1423
السؤال
أنا شاب أبلغ من العمر تسع عشرة سنة، وكنت أمارس العادة السرية منذ أن بلغت، ولم أكن أعلم بحرمتها ولا مضارها إلا منذ زمن قريب، وبعد ذلك حاولت التخلص منها بشتى الوسائل، ولكن دون جدوى، فكرت في الزواج، ولكن حالتي المادية لم تسمح بذلك فأنا أمتلك القوة الجسمية أما المالية فلا. بدأت أبحث عن المواقع الإباحية في الإنترنت، وكلما خرجت منها أو استخدمت العادة السرية بكيت ودعوت الله بالمغفرة، ولكن سرعان ما أرجع إليها في اليوم التالي، مستواي الدراسي انخفض وآثار العادة بدأت تظهر علىَّ، وأملي فيك كبير بعد الله أن تخلصني من هذه المشكلة -وجزاك الله خيراً.
الجواب
أخي الكريم قرأت رسالتك، وآلمني ما أصابك، واعتصر قلبي وأنا أقرأ حزنك من وقع الكلمات -أعانك الله وربط على قلبك-، وقد أدركت معاناتك، وإليك الجواب:
أولاً: أن تعلم أن ما أصابك من الذنوب هو مقدر عليك، ولعل ذلك بسبب تقصيرك في أمر ربك، وذلك أن تكون عقوبات لذنوب سبقت أو لتقصير في حمل النفس على الطاعات.
ثانياً: أنت على خير -إن شاء الله- في محاولاتك، وحزنك، وتألمك على ما حصل منك، وهذا يدل على إيمانك ورجائك لما عند الله، وخوفك من عقابه.
ثالثاً: أنت قادر وتملك جميع الوسائل لإصلاح نفسك، وإياك أن تعتقد أن محاولاتك السابقة الفاشلة أفقدتك القدرة، فإن الشيطان يريد منك أن تصل إلى مرحلة اليأس من صلاح حالك، وعند ذلك تفرح عدوك على نفسك.
رابعاً: منهج التغيير أنت وصلت إلى هذا المنحدر بالتدرج، فالصعود إلى القمة سيكون بالتدرج أيضاً، أغمض عينيك واسترخِ في مكان خالٍ، وقل في قرارة نفسك أنا قادر على إصلاح نفسي، أنا رجل، ولدي القدرة على النجاح (عشرين مرة) يستوطن في عقلك الباطن قدرة تخرج عقدة الفشل، وغير حالك ونظامك في جميع ساعات الاستيقاظ، ابتعد عن الإنترنت، وقل:"سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِيْ الْجَاهِلِيْنَ" [القصص:55] ارتبط بعمل يشغل وقت فراغك سواء في أمر دين أو دنيا، صارح نفسك، وخاطب عقلك كم مرة فعلت هذه الفعلة، وكانت البداية شهوة فأصبحت عادة مالكة لك تقوم بها بلا لذة، فأصبحت عبداً لها، فهل يفعل العاقل ما يضره ولا ينفعه؟ كنت تمارسها وأنت ثائر تغالبك الشهوة، واليوم عادة تسيرك فتمارسها فتدفعك إلى مثلها، وهكذا تدور في حلقة مفرغة، تذكر اللذَّات الماضيات، هل تسعدك الآن أم تشقيك؟ فهل من العقل والحكمة أن يفعل ما يندم المسلم عليه في الدنيا قبل الآخرة، فالصبر عن الشهوة أيسر من الحزن ومعالجة التوبة.
أخي أراك تسكب الزيت على النار، وتقول: لماذا تشتعل هذه النار، كيف تقوم باستدعاء المواقف والصور من خيالك وأرشيف عقلك وتتلذذ بذلك فيعظم سلطان الشهوة ويثور بركان الرغبة لهذه الفعلة -سبحان الله- ما هكذا يكون العلاج إذا مر بخاطرك مشهد يؤثر عليك فاقطع حبل الخيال، وقم واخرج من المكان، واعمل ما يصرفك كأن تتصل بالهاتف أو تخرج بالسيارة، وأما مشاهدتك للصور عبر الإنترنت فهذا يحتاج إلى استئصال، غض بصرك عن النظر إلى من تحب، ولا تغشى المواقف التي تستثار فيها شهوتك كالأسواق، وأمام المدارس، أو في مدرستك، أو في المناسبات، احرص على قراءة القرآن، وطول المكث في المسجد، والمبادرة إلى الصلاة، وكثرة زيارة المقابر وتشييع الموتى، وحاول أن تربط نفسك بالصالحين من عباد الله الذين تجد في أخلاقهم حُسْناً، أكثر من ذكر الله في خلوتك، وصل على محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأكثر من ذلك.
وهناك وسائل خاصة جداً:
لا تأوِ إلى الفراش إلا إذا غلبك النوم، لا تنم وحدك، ولا تجلس في الحمام إلا بقدر الحاجة، وادخل وأنت خائف، فإذا خرجت وسلمت فافرح، واحمد ربك، ولا تلبس من السراويل ما فيه فتحة من الأمام، ولا تنم إلا على طهارة وعلى جنبك الأيمن، ولا تنم على بطنك، والبس من السراويل ما هو واسع، وإياك والضيق والقصير، وابتعد عن جميع الكتب والمجلات والصور والمحالّ التي تذكر بما فيك، وإياك والتحدث للآخرين عن عملك، واستتر يستر الله عليك.
وإني أختم رسالتي إليك بآية من كتاب الله، وحديث من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد قال الله -تعالى-: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِيْنَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوْا مِنْ رَحْمَةِ اللَهْ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيْعَاَ" [الزمر:53]، بل يبدلها لك حسنات -إن صدقت توبتك-، "وَالَّذِينَ لا يَدْعُوْنَ مَعَ اللهِ إِلهاً آَخَرَ وَلا يَقْتُلُوْنَ النَّفْسَ الَّتِيْ حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحقِّ ولا يَزْنُونَ ومَنْ يَفْعَل ذلِكَ يَلْقَ أَثَاماً" إلى قوله "إلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وعَمِلَ عَمَلاً صَالحِاً فَأُولئِكَ يُبِدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِم حَسَنَاتٍ وكَانَ اللهُ غفُوْرَاً رَحِيْماً" [الفرقان:68-70].
وأما الحديث فهو بشرى لك ما دمت تجاهد نفسك.
ولفظه: "أذنب عبد ذنباً، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال الله: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي ربِ اغفر لي ذنبي، فقال الله -سبحانه-: عبدي أذنب ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي ربِ اغفر لي ذنبي، فقال الله: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب اعمل ما شئت، فقد غفرت لك" أخرجه مسلم (2758).
والله أسأل أن يحفظك من نفسك والشيطان، ويقر عينك بالاستقامة على الصراط المستقيم.
ملاحظة: في حكم استعمال العادة السرية خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: إنها مباحة، وقال آخرون: إنها مكروهة، وقال جمع: إنها محرمة، والراجح أنها مكروهة وعند الاضطرار إليها، فهي في حكم المباح، لكن الإدمان عليها له عواقب سيئة جداً.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 17 / ص 370)
أكره الحرام ولا أملك الطول
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ استشارات اجتماعية/أخرى
التاريخ 12-2-1424
السؤال
نشئت نشأة طيبة بعيدة عن الزلل ولله الحمد... ولكني الآن ينتابني شعور كبير جداً بالرغبة بالارتباط بأي فتاة مع سهولة الوقوع في الحرام إلا أنني أدعو ربي ليل نهار أن يجنبني الوقوع فيه.
الحالة المادية لا تسمح أبداً بالزواج .. وأنا أخشى حقيقة أن أسلب إيماني بالوقوع في الحرام.. مع العلم أني شديد الحرص على الابتعاد عن مواطن الفحش والنظر إليه. أرجو إرشادي سريعاً ولكم مني الدعاء بالتوفيق.
الجواب
الأخ الكريم...
شكراً لثقتك واتصالك بنا في موقع " الإسلام اليوم"
وأشكرك على حرصك على دينك وإيمانك ومصارحتك بما تشعر به من منازعات نفسية تحاول جذبك إلى المعصية ثم إن حل معضلتك يكون بالتالي:
أولاً- أكثر من الاستعانة بالله عز وجل ، وخاصة من قولك: لا حول ولا قوة إلا
بالله العلي العظيم.
ثانياً - استمر في البعد عن كل المثيرات للشهوة.
ثالثاً - ابذل قصارى جهدك في السعي في أمر الزواج ولو بالاقتراض من أصدقائك
وأحبابك واعلم أن من سعى لإعفاف نفسه فإن الله في عونه كما ثبت بذلك الحديث
وأرجو ألا تيأس ولا تستصعب الأمر فإني أعرف إخواناً لك كانوا من أشد الناس فقراً فلما سعوا في أمر الزواج تيسر أمرهم وانقضت حوائجهم.
رابعاً - أحسن الظن بالله عز وجل في تيسير أمرك وإعانتك طالما أردت طاعته والبعد عن معصيته.
خامساً - أنبئك عن توجيه النبي -صلى الله عليه وسلم- لمثلك يوم قال:"يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحفظ للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإن له وجاء" فالصوم لمن عجز عن الزواج حل لتضييق مجاري الشهوة في البدن.
سادساً - اشتغل بالعلم والدعوة فإن فيهما سلوة عن التفكير في هذه الأمور
سابعاً - اصحب من تراه أكثر منك تقوى وورعاً وعلما وفضلا فإن فيه إعانة لك على
غض بصرك واشتغالك بما ينفعك.
ثامناً - انهمك في متابعة قضايا المسلمين المأساوية فإن فيها تخفيف لحدة مطالب
النفس وشهواتها وبالأخص قضية فلسطين الجريحة.
والله أسأل لك التوفيق والسداد والإعانة والثبات على الحق والموت عليه إنه جواد
كريم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 19 / ص 233)
علاج الشهوة
المجيب عبد الرحمن بن عبد العزيز المجيدل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات تربوية وتعليمية/ انحرافات سلوكية/العادة السرية
التاريخ 21-12-1423
السؤال
أنا شاب أبلغ من العمر تسع عشرة سنة ، وكنت أمارس العادة السرية منذ أن بلغت ، ولم أكن أعلم بحرمتها ولا مضارها إلا منذ زمن قريب ، وبعد ذلك حاولت التخلص منها بشتى الوسائل ، ولكن دون جدوى ، فكرت في الزواج ، ولكن حالتي المادية لم تسمح بذلك فأنا أمتلك القوة الجسمية أما المالية فلا . بدأت أبحث عن المواقع الإباحية في الإنترنت ، وكلما خرجت منها أو استخدمت العادة السرية بكيت ودعوت الله بالمغفرة، ولكن سرعان ما أرجع إليها في اليوم التالي، مستواي الدراسي انخفض وآثار العادة بدأت تظهر عليَّ ، وأملي فيكم كبير بعد الله أن تساعدوني في حل هذه المشكلة وجزاكم الله خيراً .
الجواب
أخي الكريم...
شكراً لثقتك واتصالك بنا في موقع " الإسلام اليوم"
قرأت رسالتك ، وآلمني ما أصابك ، واعتصر قلبي وأنا أقرأ حزنك من وقع الكلمات - أعانك الله وربط على قلبك - ، وقد أدركت معاناتك ، وإليك الجواب:
أولاً: يجب أن تعلم أن ما أصابك من الذنوب هو مقدر عليك ، ولعل ذلك بسبب تقصيرك في أمر ربك ، وذلك أن تكون عقوبات لذنوب سبقت أو لتقصير في حمل النفس على الطاعات.
ثانياً : أنت على خير -إن شاء الله - في محاولاتك ، وحزنك ، وتألمك على ما حصل منك ، وهذا يدل على إيمانك ورجائك لما عند الله ، وخوفك من عقابه.
ثالثاً : أنت قادر وتملك جميع الوسائل لإصلاح نفسك ، وإياك أن تعتقد أن محاولاتك السابقة الفاشلة أفقدتك القدرة ، فإن الشيطان يريد منك أن تصل إلى مرحلة اليأس من صلاح حالك، وعند ذلك تفرح عدوك على نفسك.
رابعاً : أنت وصلت إلى هذا المنحدر بالتدرج، فالصعود إلى القمة سيكون بالتدرج أيضاً ، أغمض عينيك واسترخِ في مكان خالٍ ، وقل في قرارة نفسك أنا قادر على إصلاح نفسي ، أنا رجل ، ولدي القدرة على النجاح ( عشرين مرة) يستوطن في عقلك الباطن قدرة تخرج عقدة الفشل ، وغيِّر حالك ونظامك في جميع ساعات الاستيقاظ ، وابتعد عن الإنترنت ، وقل: " سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِينْ " [ القصص:55] ارتبط بعمل يشغل وقت فراغك سواء في أمر دين أو دنيا ، صارح نفسك ، وخاطب عقلك كم مرة فعلت هذه الفعلة، وكانت البداية شهوة فأصبحت عادة مالكة لك تقوم بها بلا لذة ، فأصبحتَ عبداً لها ، فهل يفعل العاقل ما يضره ولا ينفعه ؟ كنت تمارسها وأنت ثائر تغالبك الشهوة ، واليوم عادة تسيرك فتمارسها فتدفعك إلى مثلها ، وهكذا تدور في حلقة مفرغة ، تذكر اللذَّات الماضية ، هل تسعدك الآن أم تشقيك ؟ فهل من العقل والحكمة أن يفعل ما يندم المسلم عليه في الدنيا قبل الآخرة ، فالصبر عن الشهوة أيسر من الحزن ومعالجة التوبة.
أخي أراك تسكب الزيت على النار ، وتقول :لما ذا تشتعل هذه النار ؟ كيف تقوم باستدعاء المواقف والصور من خيالك وأرشيف عقلك وتتلذذ بذلك فيعظم سلطان الشهوة ويثور بركان الرغبة لهذه الفعلة - سبحان الله ما هكذا يكون العلاج إذا مر بخاطرك مشهد يؤثر عليك فاقطع حبل الخيال ، وقم واخرج من المكان ، واعمل ما يصرفك كأن تتصل بالهاتف أو تخرج بالسيارة ، وأما مشاهدتك للصور عبر الإنترنت فهذا يحتاج إلى استئصال ، غض بصرك عن النظر إلى من تحب ، ولا تغشى المواقف التي تستثار فيها شهوتك كالأسواق ، وأمام المدارس ، أو في مدرستك أو في المناسبات ، احرص على قراءة القرآن ، وطول المكث في المسجد والمبادرة إلى الصلاة ، وكثرة زيارة القبور وتشييع الموتى ، وحاول أن تربط نفسك بالصالحين من عباد الله تجد في أخلاقهم حُسناً ، أكثر من ذكر الله في خلوتك ، وصل على محمد - صلى الله عليه وسلم- وأكثر من ذلك.
وهناك وسائل خاصة جداً :
لا تأوِ إلى الفراش إلا إذا غلبك النوم ، لا تنم وحدك ، ولا تجلس في الحمام إلا بقدر الحاجة ، وادخل وأنت خائف ، فإذا خرجت وسلمت فافرح ، واحمد ربك ، ولا تنم إلا على طهارة وعلى جنبك الأيمن ، ولا تنم على بطنك ، والبس من السراويل ما هو واسع ، وإياك والضيق والقصير ، وابتعد عن جميع الكتب والمجلات والصور والمحالّ التي تذكر بما فيك ، وإياك والتحدث للآخرين عن عملك ، واستتر يستر الله عليك.
وإني أختم رسالتي إليك بآية من كتاب الله ، وحديث من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم فقد قال - تعالى- : " قُل يا عِبادِيَ الّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً " [ الزمر:53] بل يبدلها لك حسنات - إن صدقت توبتك -، والذِّينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ باِلحَقِّ ولاَ يَزْنوُنَ ومَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثاَماً " إلى قوله " إلاَّ مَنْ تاَبَ وَ آمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صاَلِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاَتِهِمْ حَسَناَتٍ وكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً " [الفرقان : 86-70].
وأما الحديث فهو بشرى لك ما دمت تجاهد نفسك.
ولفظه : " أذنب عبد ذنباً ، فقال : اللهمَّ اغفر لي ذنبي ، فقال الله : أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ، ثم عاد فأذنب ، فقال : أي ربِ اغفر لي ذنبي ، فقال الله - سبحانه - : عبدي أذنب ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب ، ثم عاد فأذنب فقال : أي ربِ اغفر لي ذنبي فقال الله : أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب اعمل ما شئت ، فقد غفرت لك " أخرجه مسلم(2758).
والله أسأل أن يحفظك من نفسك والشيطان ، ويقر عينك بالاستقامة على الصراط المستقيم .
ملاحظة : في حكم استعمال العادة السرية خلاف بين أهل العلم ، فمنهم من قال : إنها مباحة ، وقال آخرون : إنها مكروهة ، وقال جمع : إنها محرمة ، والراجح أنها مكروهة وعند الاضطرار إليها فهي في حكم المباح، لكن الإدمان عليها له عواقب سيئة جداً .
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 1 / ص 301)
غُضَّ بصرك عن النظر إلى الحرام واتق الله
تاريخ الفتوى : 16 صفر 1420
السؤال
أنا مواظب على الصلاة، ومع أنني متزوج لكني أنظر إلى النساء كثيراً، وهذه العادة ملازمة لي منذ الشباب إلى الآن، ولم أتب منها ماذا أفعل. فأنا تعودت على ذلك، مع العلم أني لم أخن زوجتي يوما من الأيام ؟ جزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أما بعد:
اعلم أن من دلائل الإيمان غض البصر عن الحرام كما قال تعالى : (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) [النور: 30] ومن تعود على إطلاق بصره لما لا يحل له فليتق الله، وليراع شكر هذه النعمة فلا يستعملها في معاصي الله، فإن من تمام شكر الله أن تستخدم هذه الجوارح في مرضاة الله، وكما أنك لا تحب أن يرى الناس ويتابعو أهلك فلا ترضى هذا لنفسك. والله عز وجل يوفقك للخير ويجنبك الشر. وفيما رزقك الله من الحلال غنية عن ذلك. والله تعالى أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 45 / ص 205)
يسكن مع شخص عنده تلفاز وتضعف نفسه أحيانا فينظر إلى المحرمات رقم الفتوى:65382تاريخ الفتوى:26 جمادي الثانية 1426السؤال:
أنا شاب أعمل في الخارج أسكن في غرفة مع شخص مسلم مشكلتي هي وجود tvكما يوجد دش وبه قنوات خارجة وأنا أحيانا أضعف وأشاهد رغم أني لا أحب ذلك ولكن أشاهد حاولت الابتعاد ولكني أبتعد وأرجع مع وجود المؤثر وأنا لا أملك أن أغير مكان سكني هذا، ولا أملك تغيير مكان عملي وهو ليس جهازي ولا أملك بيعه ولكني تكلمت مع هذا الشخص في شأن الدش ولم أقل له عن السبب فأنا لا أعلم إذا كان يشاهد أم لا ولكني أخاف أن أقول له عن السبب فيشاهد فماذا أفعل. أثابكم الله فأنا متضايق من هذا الذنب ولا أشعر بلذة عند المشاهدة ولكن أجد نفسي فريسة للشيطان فماذا أفعل .
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يخفى أنك على علم بمخاطر هذه الأمور، وإنما يتعين البحث عن الحل لمشكلتك، فننصحك بالاستعانة بالله الذي لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض ليعينك على غض بصرك عن الصور المحرم نظرها، وليوفر سكنا وجوا يساعدك على الالتزام بالدين، فعليك بالا لتجاء إليه أوقات الإجابة، واحرص على الالتزام بالصلاة في المسجد مع الجماعة، والصبر على الجلوس في المساجد ومصاحبة أهل الخير فيها لعلك تجد من المستقيمين من يمكن السكن معه بعيدا عن المرئيات الفاسدة. ويمكن أن تجد منهم من يستطيع نصح زميلك حتى يقلع عن استخدام وسائل الإعلام إلا فيما يرضي الله، وعليك بالحرص على الإحسان لهذا الزميل ومخالقته بالأخلاق الحسنة، فإن دعوة الحال أبلغ من دعوة المقال، واحرص على فتح القنوات المفيدة لتشغل بها الوقت عن القنوات الفاسدة فإن شغل الناس بالخير عن الشر هو أمثل وسائل تغيير منكرهم. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 15938 ، 24146 ، 48937 .
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 50 / ص 344)
غُضَّ بصرك عن النظر إلى الحرام واتق الله رقم الفتوى:705تاريخ الفتوى:16 صفر 1420السؤال : أنا مواظب على الصلاة، ومع أنني متزوج لكني أنظر إلى النساء كثيراً، وهذه العادة ملازمة لي منذ الشباب إلى الآن، ولم أتب منها ماذا أفعل. فأنا تعودت على ذلك، مع العلم أني لم أخن زوجتي يوما من الأيام ؟ جزاكم الله خيرا
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أما بعد:
اعلم أن من دلائل الإيمان غض البصر عن الحرام كما قال تعالى : (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) [النور: 30] ومن تعود على إطلاق بصره لما لا يحل له فليتق الله، وليراع شكر هذه النعمة فلا يستعملها في معاصي الله، فإن من تمام شكر الله أن تستخدم هذه الجوارح في مرضاة الله، وكما أنك لا تحب أن يرى الناس ويتابعو أهلك فلا ترضى هذا لنفسك. والله عز وجل يوفقك للخير ويجنبك الشر. وفيما رزقك الله من الحلال غنية عن ذلك. والله تعالى أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 55 / ص 91)
موقف الزوجة من الزوج القاسي الذي يمنعها حقوقها رقم الفتوى:73827تاريخ الفتوى:28 ربيع الأول 1427السؤال:
أنا فتاه في 26 من عمري متدينة وملتزمة, متزوجة منذ سنة و 7 شهور تقريبا لم أنجب أطفالا. مشكلتي مع زوجي أنه قاس جدا معي, ضربني عدة مرات لأسباب بسيطة جدا, (مثلا غضبت منه لأنه كان يعاكس فتاه أخرى وأنا معه, قلت له غض بصرك وخف الله) فضربني حتى اتصل بالإسعاف بسبب ما حدث لي بعد الضرب, حتى أنه في يوم ضربني بشدة على وجهي وكل جسدي وطردني بملابس النوم خارج المنزل, وأمي أقنعتني أن أرجع, ورجعت فعلا, وفي يوم اكتشفت أنه كان يكتب رسائل لفتاة كان يحبها وصارحته بأني أعرف, قال لي إني لن أطال شيئا منه أبدا وأنه لا يحب هذه الفتاة, وقاطعني ثمانية أشهرلا يكلمني ولا أراه مطلقا بلا سبب مقنع, يعيش معي في نفس المنزل ولكن في حجرة مختلفة ويغلق الباب بالمفتاح دائما, وطوال الوقت خارج البيت للفجر, حاولت أن أكلمه كثيرا كان يرفض بشدة, قلت له حرام أن تقاطعني كل هذه المدة ولم يهتم, لا توجد معاشرة بيننا منذ زواجنا, إلا مرات معدودة, فهو يفضل أن يمارس عادته السرية وهو يشاهد الأفلام الجنسية كما تعود لسنين, مع أنني حاولت تغيير هذه العادة فيه و لكن دون جدوى, يأمرني أن أصرف على المنزل وإن لم أفعل فغادري المنزل, حيث إنه يدفع الإيجار ويريدني أن أتحمل أنا مصاريف المعيشة, مع العلم أنه قادر على أن يتحملها. بكل تأكيد أنا الآن أكرهه لأني أحس أنه لا يرحمني ولا يتقي الله في, و الله يعلم أنني حاولت كثيرا لتكون حياتنا سعيدة, ولا أعرف ما هو القرار الصحيح, أفيدوني أفادكم الله ؟
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان الأمر كما ذكرت فإننا نرى إن كان لا يستجيب لنصحك أن توسطي في الأمر من يمكن أن يكون له تأثير عليه من أقاربك أو أقاربه ، وأن تذكريه بالله تعالى ، وبحرمة ما يفعل، وأن تهدي إليه بعض الأشرطة المؤثرة والكتب النافعة ، والهداية أولا وآخرا بيد الله تعالى ، فإن استجاب وكف عن أفعاله فالحمد لله تعالى ، وإلا فإننا نرى أن القرار المناسب هو طلب الطلاق وأن تفتدي نفسك منه بما تستطيعين ، ولن يضيعك الله تعالى أبدا ، وسيعوضك الله تعالى من هو خير منه ، وفقك الله لما يرضيه ، ويسر أمرك وأعانك وهدى زوجك .
والله أعلم .(1/179)
النَّظَرُ إِلَى شَعْرِ ذِي مَحْرَمٍ
334- 7990أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ عَمَّتِهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ : حَدَّثَتْنَا عَائِشَةُ قَالَتْ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، يَرْجِعُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ ، وَأَرْجِعُ بِنُسُكٍ وَاحِدٍ ، فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِي إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَرْدَفَنِي خَلْفَهُ عَلَى جَمَلٍ فِي لَيْلَةٍ شَدِيدَةِ الْحَرِّ فَكُنْتُ أَحْسِرُ خِمَارِي عَنْ عُنُقِي ، فَيَتَنَاوَلُ رِجْلِي فَيَضْرِبُهَا بِالرَّاحِلَةِ فَقُلْتُ : هَلْ تَرَى مِنْ أَحَدٍ ؟ فَانْتَهَيْنَا إِلَى التَّنْعِيمِ ، فَأَهْلَلْتُ مِنْهَا بِالْعُمْرَةِ ، فَقَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ لَمْ يَبْرَحْ ، وَذَلِكَ يَوْمَ النَّفْرِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ " أَلَا أَدْخُلُ الْبَيْتَ ؟ " فَقَالَ : " ادْخُلِي الْحِجْرَ ، فَإِنَّهُ مِنَ الْبَيْتِ " (1)
__________
(1) - نص برقم( 2924) ومستخرج أبي عوانة برقم( 2547 ) صحيح
= أردفه : حمله خلفه = الإهلال : رفع الصوت بالتلبية = النفر : الخروج من مكان إلى مكان ، والخروج من مكة بعد أداء المناسك(1/180)
مُعَانَقَةُ ذِي مَحْرَمٍ
335-7991 أَخْبَرَنِي الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، خَرَجَ النِّسَاءُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ يَتْبَعُونَهُمْ بِالْمَاءِ ، فَكَانَتْ فَاطِمَةُ فِيمَنْ خَرَجَ ، فَلَمَّا لَقِيَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَنَقَتْهُ وَجَعَلَتْ تَغْسِلُ جُرْحَهُ بِالْمَاءِ فَيَزْدَادُ الدَّمُ ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ حَصِيرٍ ، فَأَحْرَقَتْهُ بِالنَّارِ فَكَمَدَتْهُ حَتَّى لَصَقَ بِالْجُرْحِ ، وَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ " (1)
----------------
(1) - المعجم الكبير للطبراني برقم( 5691) صحيح
فتح الباري لابن حجر - (ج 11 / ص 409)
3767 - بَاب حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ
وَهُوَ يُسْأَلُ عَنْ جُرْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ مَنْ كَانَ يَغْسِلُ جُرْحَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ يَسْكُبُ الْمَاءَ وَبِمَا دُووِيَ قَالَ كَانَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَام بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَغْسِلُهُ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَسْكُبُ الْمَاءَ بِالْمِجَنِّ فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَزِيدُ الدَّمَ إِلَّا كَثْرَةً أَخَذَتْ قِطْعَةً مِنْ حَصِيرٍ فَأَحْرَقَتْهَا وَأَلْصَقَتْهَا فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَئِذٍ وَجُرِحَ وَجْهُهُ وَكُسِرَتْ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ
3767 - قَوْله : ( يَعْقُوب )
هُوَ اِبْن عَبْد الرَّحْمَن الْإِسْكَنْدَرَانِيّ .
قَوْله : ( فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ )
هِيَ بِنْت رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَوْضَحَ سَعِيد بْن عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ فِيمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ سَبَبَ مَجِيءِ فَاطِمَةَ إِلَى أُحُدٍ وَلَفْظُهُ " لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَانْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ خَرَجَ النِّسَاءُ إِلَى الصَّحَابَةِ يُعِينُونَهُمْ ، فَكَانَتْ فَاطِمَةُ فِيمَنْ خَرَجَ ، فَلَمَّا رَأَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِعْتَنَقَتْهُ وَجَعَلَتْ تَغْسِلُ جِرَاحَاتِهِ بِالْمَاءِ فَيَزْدَادُ الدَّمُ ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ أَخَذَتْ شَيْئًا مِنْ حَصِيرٍ فَأَحْرَقَتْهُ بِالنَّارِ وَكَمَدَتْهُ بِهِ حَتَّى لَصِقَ بِالْجُرْحِ فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ " . وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ زُهَيْرِ بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِي حَازِم " فَأَحْرَقَتْ حَصِيرًا حَتَّى صَارَتْ رَمَادًا ، فَأَخَذَتْ مِنْ ذَلِكَ الرَّمَادِ فَوَضَعَتْهُ فِيهِ حَتَّى رَقَأَ الدَّمُ " وَقَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ " ثُمَّ قَالَ يَوْمَئِذٍ : اِشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْم دَمَّوْا وَجْهَ رَسُولِهِ . ثُمَّ مَكَثَ سَاعَة ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " وَقَالَ اِبْن عَائِذ " أَخْبَرَنَا الْوَلِيد بْن مُسْلِم حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد بْن جَابِر أَنَّ الَّذِي رَمَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بِأُحُدٍ فَجَرَحَهُ فِي وَجْهِهِ قَالَ : خُذْهَا مِنِّي وَأَنَا اِبْن قَمِيئَةَ ، فَقَالَ : أَقَمْأَك اللَّهُ . قَالَ فَانْصَرَفَ إِلَى أَهْلِهِ فَخَرَجَ إِلَى غَنَمِهِ فَوَافَاهَا عَلَى ذُرْوَةِ جَبَلٍ ، فَدَخَلَ فِيهَا فَشَدَّ عَلَيْهِ تَيْسُهَا فَنَطَحَهُ نَطْحَةً أَرْدَاهُ مِنْ شَاهِقِ الْجَبَلِ فَتَقَطَّعَ " وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ التَّدَاوِي ، وَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ قَدْ يُصَابُونَ بِبَعْضِ الْعَوَارِضِ الدُّنْيَوِيَّةِ مِنْ الْجِرَاحَاتِ وَالْآلَامِ وَالْأَسْقَامِ لِيَعْظُمَ لَهُمْ بِذَلِكَ الْأَجْرُ وَتَزْدَادَ دَرَجَاتُهُمْ رِفْعَةً ، وَلِيَتَأَسَّى بِهِمْ أَتْبَاعُهُمْ فِي الصَّبْرِ عَلَى الْمَكَارِهِ ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ .(1/180)
قُبْلَةُ ذِي مَحْرَمٍ
336-7992 أَخْبَرَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ : أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ قَالَ : أَخْبَرَنَا مَيْسَرَةُ بْنُ حَبِيبٍ النَّهْدِيُّ قَالَ : أَخْبَرَنِي الْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ : حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ أَشْبَهَ كَلَامًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا حَدِيثًا وَلَا جَلْسَةً مِنْ فَاطِمَةَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَآهَا قَدْ أَقْبَلَتْ ، رَحَّبَ بِهَا ، ثُمَّ قَامَ إِلَيْهَا ، فَقَبَّلَهَا ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهَا فَجَاءَ بِهَا حَتَّى يَجْلِسَهَا فِي مَكَانِهِ ، وَكَانَتْ إِذَا رَأَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، رَحَّبَتْ بِهِ ، ثُمَّ قَامَتْ إِلَيْهِ فَقَبَّلَتْهُ ، وَإِنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ ، فَرَحَّبَ بِهَا ، وَقَبَّلَهَا ، ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا فَبَكَتْ ، ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا فَضَحِكَتْ فَقُلْتُ لِلنِّسَاءِ : مَا كُنْتُ أَرَى إِلَّا أَنَّ لَهَا فَضْلًا عَلَى النِّسَاءِ ، فَإِذَا هِيَ مِنَ النِّسَاءِ بَيْنَمَا هِيَ تَبْكِي ، إِذْ ضَحِكَتْ ، فَسَأَلْتُهَا مَا قَالَ لَكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَتْ : إِنِّي إِذًا لَبَذِرَةٌ ، فَلَمَّا أَنْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلْتُهَا فَقَالَتْ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ أَجَلِي قَدْ حَضَرَ ، وَإِنِّي مَيِّتٌ فَبَكَيْتُ " ثُمَّ قَالَ : " إِنَّكِ لَأَوَّلُ أَهْلِي بِي لُحُوقًا ، فَسُرِرْتُ ، وَأَعْجَبَنِي فَضَحِكْتُ " (1)
__________
(1) - مسند ابن راهويه برقم( 6 - 2103) والأدب المفرد للبخاري برقم( 979 ) صحيح
يسألونك فتاوى - (ج 1 / ص 371)
حكم الإكرام بالقيام
يقول السائل : ما حكم قيام الناس لشخص يدخل إلى مجلسهم ؟
الجواب : يجوز القيام للقادم إذا كان القيام بقصد إكرام أهل الفضل كالعلماء والوالدين لأن احترام هؤلاء وأمثالهم مطلوب شرعاً .
وقد ثبت في الحديث الصحيح ، عن أبي سعيد الخدري ، أن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليه فجاء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( قوموا إلى سيدكم ، أو قال خيركم .... الحديث ) رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري .
قال الإمام النووي: " قوله صلى الله عليه وسلم : قوموا إلى سيدكم أو خيركم فيه إكرام أهل الفضل وتلقيهم بالقيام لهم إذا أقبلوا ، هكذا احتج به جماهير العلماء لاستحباب القيام .... ، قلت القيام للقادم من أهل الفضل مستحب ، وقد جاء فيه أحاديث ولم يصح في النهي عنه شيء صريح " شرح النووي على صحيح مسلم 12/440 .
ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( ما رأيت أحداً من الناس كان أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم كلاماً ولا حديثاً ولا جلسة من فاطمة، قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأها قد أقبلت ، رحب بها ثم قام إليها فقبلها ، ثم أخذ بيدها فجاء بها حتى يجلسها في مكانه ، وكانت إذا أتاها النبي صلى الله عليه وسلم رحبت به ، ثم قامت إليه فأخذت بيده فقبلته .... ) رواه أبو داود والترمذي ، وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني ، انظر صحيح الأدب المفرد ص356.
ويؤيد ذلك ما جاء في الحديث الطويل في قصة توبة كعب بن مالك ، حين تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، فتاب الله عليه ، وفيه: ( وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر ، فتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنئوني بالتوبة يقولون: لتهنك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد ، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم وحوله الناس ، فقام إليّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنأني .... ) رواه البخاري ومسلم وغير ذلك من الأحاديث .
وينبغي التنبيه ، أنه ورد النهي عن القيام للقادم إذا كان بقصد المباهاة والتفاخر والسمعة والكبرياء ، فقد ورد في الحديث عن معاوية بن أبي سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من سرّه أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار ) رواه أبو داود والترمذي وحسنه .
وقد جعل ابن رشد المالكي ، القيام للقادم على أربعة أوجه :
1 - محظور ، وهو أن يقع لمن يريد أن يقام له تكبراً وتعاظماً على القائمين إليه .
2 - مكروه ، وهو أن يقع لمن لا يتكبر ولا يتعاظم على القائمين ، ولكن يخشى أن يدخل إلى نفسه بسبب ذلك ما يحذر ، ولما فيه من التشبه بالجبابرة .
3 - جائز ، وهو أن يقع على سبيل البر والإكرام لمن لا يريد ذلك ، ويؤمن معه التشبه بالجبابرة .
4 - مندوب ، وهو أن يقوم لمن قدم من سفر فرحاً بقدومه ، أو إلى من تجددت له نعمة ، فهنئه بحصولها ، أو مصيبة فيعزيه بسببها . " فتح الباري 13/290 .
قال الشيخ أحمد بن قدامة المقدسي: " وقد قال العلماء: يستحب القيام للوالدين والإمام العادل ، وفضلاء الناس ، وقد صار هذا كالشعار بين الأفاضل ، فإذا تركه الإنسان في حق من يصلح أن يفعله في حقه ، لم يأمن أن ينسبه إلى إهانته والتقصير في حقه ، فيوجب ذلك حقداً ، واستحباب هذا في حق القادم لا يمنع الذي يقام له أن يكره ذلك ويرى أنه ليس بأهل لذلك " مختصر منهاج القاصدين ص 251 .(1/181)
مُصَافَحَةُ ذِي مَحْرَمٍ
337-7993 أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قَالَ : أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ ، عَنْ مَيْسَرَةَ بْنِ حَبِيبٍ ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : مَا رَأَيْتُ امْرَأَةً أَشْبَهَ حَدِيثًا وَكَلَامًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَاطِمَةَ ، وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ بَيْتَهُ أَخَذَ بِيَدِهَا فَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ ، وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا ، قَامَتْ إِلَيْهِ ، فَقَبَّلَتْهُ وَأَخَذَتْ بِيَدِهِ ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ ، فَأَسَرَّ إِلَيْهَا ، فَبَكَتْ ، ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا ، فَضَحِكَتْ ، فَقُلْتُ : كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ فَضْلًا عَلَى النِّسَاءِ ، فَإِذَا هِيَ مِنْهُنَّ ، بَيْنَا هِيَ تَبْكِي إِذَا هِيَ تَضْحَكُ ، فَسَأَلْتُهَا فَقَالَتْ : إِنِّي إِذًا لَبَذِرَةٌ ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلْتُهَا فَقَالَتْ : " أَسَرَّ إِلَيَّ وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ مَيِّتٌ ، فَبَكَيْتُ ، ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيَّ ، أَنِّي أَوَّلُ أَهْلِهِ لُحُوقًا بِهِ فَضَحِكْتُ " (1)
---------------
(1) - مسند أحمد برقم( 26785 و27171 ) وصحيح ابن حبان برقم( 7079 ) صحيح(1/181)
338-7994 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " مَا مَسَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ إِلَّا امْرَأَةً يَمْلِكُهَا " (1)
__________
(1) - صحيح البخارى برقم( 7214) وسنن الترمذى برقم( 3621 ) و سنن أبى داود برقم ( 2943)
فتح الباري لابن حجر - (ج 20 / ص 256)
6674 - حَدِيث عَائِشَة كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِع النِّسَاء بِالْكَلَامِ بِهَذِهِ الْآيَة ( لَا يُشْرِكْنَ بِاَللَّهِ شَيْئًا ) كَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَزَّار مِنْ طَرِيق عَبْد الرَّزَّاق بِسَنَدِ حَدِيث الْبَاب إِلَى عَائِشَة قَالَتْ . " جَاءَتْ فَاطِمَة بِنْت عُتْبَةَ - أَيْ اِبْن رَبِيعَة بْن عَبْد شَمْس أُخْت هِنْد بِنْت عُتْبَةَ - تُبَايِع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ عَلَيْهَا أَنْ لَا تَزْنِي ، فَوَضَعَتْ يَدهَا عَلَى رَأْسهَا حَيَاءً ، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَة : بَايِعِي أَيَّتهَا الْمَرْأَة ، فَوَاَللَّهِ مَا بَايَعْنَاهُ إِلَّا عَلَى هَذَا قَالَتْ : فَنَعَمْ إِذًا " وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فَوَائِد هَذَا الْحَدِيث فِي تَفْسِير سُورَة الْمُمْتَحَنَة وَفِي أَوَّل هَذَا الْحَدِيث هُنَاكَ زِيَادَة غَيْر الزِّيَادَة الَّتِي ذَكَرْتهَا هُنَا مِنْ عِنْد الْبَزَّار .
قَوْله ( قَالَتْ وَمَا مَسَّتْ يَد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَد اِمْرَأَة إِلَّا اِمْرَأَة يَمْلِكُهَا )
هَذَا الْقَدْر أَفْرَدَهُ النَّسَائِيُّ فَأَخْرَجَهُ عَنْ مُحَمَّد بْن يَحْيَى عَنْ عَبْد الرَّزَّاق بِسَنَدِ حَدِيث الْبَاب بِلَفْظِ لَكِنْ مَا مَسَّ وَقَالَ : يَد اِمْرَأَة قَطُّ ، وَكَذَا أَفْرَدَهُ مَالِك عَنْ الزُّهْرِيّ بِلَفْظِ ، مَا مَسَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ اِمْرَأَة قَطُّ ، إِلَّا أَنْ يَأْخُذ عَلَيْهَا فَإِذَا أَخَذَ عَلَيْهَا فَأَعْطَتْهُ قَالَ : اِذْهَبِي فَقَدْ بَايَعْتُك أَخْرَجَهُ مُسْلِم قَالَ النَّوَوِيّ : هَذَا الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطِع وَتَقْدِير الْكَلَام مَا مَسَّ يَد اِمْرَأَة قَطُّ وَلَكِنْ يَأْخُذ عَلَيْهَا الْبَيْعَة . ثُمَّ يَقُول لَهَا اِذْهَبِي إِلَخْ . قَالَ : وَهَذَا التَّقْدِير مُصَرَّح بِهِ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى فَلَا بُدَّ مِنْهُ اِنْتَهَى . وَقَدْ ذَكَرْت فِي تَفْسِير الْمُمْتَحَنَة مَنْ خَالَفَ ظَاهِر مَا قَالَتْ عَائِشَة ، مِنْ اِقْتِصَاره فِي مُبَايَعَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّسَاء عَلَى الْكَلَام ؛ وَمَا وَرَدَ أَنَّهُ بَايَعَهُنَّ بِحَائِلٍ أَيْ بِوَاسِطَةٍ بِمَا يُغْنِي عَنْ إِعَادَته ، وَيُعَكِّر عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ مِنْ التَّقْدِير ، وَقَدْ يُؤْخَذ مِنْ قَوْل أُمّ عَطِيَّة فِي الْحَدِيث الَّذِي بَعْدَهُ فَقَبَضَتْ اِمْرَأَة يَدَهَا ، أَنَّ بَيْعَة النِّسَاء كَانَتْ أَيْضًا بِالْأَيْدِي فَتُخَالِفُ مَا نُقِلَ عَنْ عَائِشَة مِنْ هَذَا الْحَصْر ، وَأُجِيبَ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْحَائِل ، وَيَحْتَمِل أَنَّهُنَّ كُنَّ يُشِرْنَ بِأَيْدِيهِنَّ عِنْد الْمُبَايَعَة بِلَا مُمَاسَّة ، وَقَدْ أَخْرَجَ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ بِسَنَدٍ حَسَن عَنْ أَسْمَاء بِنْت يَزِيد مَرْفُوعًا إِنِّي لَا أُصَافِح النِّسَاء وَفِي الْحَدِيث أَنَّ كَلَام الْأَجْنَبِيَّة مُبَاح سَمَاعه وَأَنَّ صَوْتهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ ، وَمَنَعَ لَمْس بَشَرَة الْأَجْنَبِيَّة مِنْ غَيْر ضَرُورَة لِذَلِكَ .
عون المعبود - (ج 6 / ص 416)
2552 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( إِلَّا أَنْ يَأْخُذ عَلَيْهَا )
: الْعَهْد وَالْمِيثَاق . وَقَالَ النَّوَوِيّ : هَذَا الِاسْتِثْنَاء مُتَقَطِّع وَتَقْدِير الْكَلَام مَا مَسَّ اِمْرَأَة قَطّ لَكِنْ يَأْخُذ عَلَيْهَا الْبَيْعَة بِالْكَلَامِ فَإِذَا أَخَذَهَا بِالْكَلَامِ قَالَ اِذْهَبِي فَقَدْ بَايَعْتُك ، وَهَذَا التَّقْدِير مُصَرَّح بِهِ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَلَا بُدّ مِنْهُ
( فَإِذَا أَخَذَ عَلَيْهَا )
: الْعَهْد
( فَأَعْطَتْهُ )
أَيْ أَعْطَتْ الْمَرْأَة الْمِيثَاق لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ عَنْ عَائِشَة قَالَتْ " كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِع النِّسَاء بِالْكَلَامِ بِهَذِهِ الْآيَة { لَا يُشْرِكْنَ بِاَللَّهِ شَيْئًا } قَالَتْ وَمَا مَسَّتْ يَد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِمْرَأَةً إِلَّا اِمْرَأَة يَمْلِكهَا اِنْتَهَى .
وَقَالَ النَّوَوِيّ : فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ بَيْعَة النِّسَاء بِالْكَلَامِ مِنْ غَيْر أَخْذ كَفّ وَفِيهِ أَنَّ بَيْعَة الرِّجَال بِأَخْذِ الْكَفّ مَعَ الْكَلَام ، وَفِيهِ أَنَّ كَلَام الْأَجْنَبِيَّة يُبَاح سَمَاعه عِنْد الْحَاجَة ، وَأَنَّ صَوْتهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ ، وَأَنَّهُ لَا يَلْمِس بَشَرَة الْأَجْنَبِيَّة مِنْ غَيْر ضَرُورَة كَتَطْبِيبٍ وَفَصْد وَحِجَامَة وَقَلْع ضِرْس وَكَحْل عَيْن وَنَحْوهَا مِمَّا لَا تُوجَد اِمْرَأَة تَفْعَلهُ جَازَ لِلرَّجُلِ الْأَجْنَبِيّ فِعْله لِلضَّرُورَةِ اِنْتَهَى .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالنَّسَائِيُّ .
موطأ محمد بشرح اللكنوي - (ج 3 / ص 254)
قوله: إني لا أصافح النساء، فيه دليل على أنه لا ينبغي المصافحة عند البيعة بالنساء، وأن بيعة النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء لم تكن بأخذ اليد، وهو مُفاد قول عائشة: ما مست يدُ رسول اللّه يدَ امرأة قط إلاَّ امرأةً يملكها، أخرجه البخاري، وفي رواية له عنها: "ما مسَّت يده يد امرأة قط في مبايعة، ما يبايعهن إلاَّ بقوله: قد بايعتُكِ على ذلك". وأخرج أبو نعيم في "كتاب المعرفة" من حديث نُهَيَّةَ بنت عبد اللّه البكرية قالت: وفدت مع أبي على النبي صلى الله عليه وسلم فبايع الرجال وصافحهم، وبايع النساء ولم يصافحهن. وعند أحمد من حديث ابن عمر: أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يصافح النساء. وجاءت اخبار ضعيفة بمصافحته النساء عند البيعة أحياناً، فعند الطبراني من حديث معقل بن يسار: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصافح النساء في بيعة الرضوان من تحت الثوب، وأخرج ابن عبد البر، عن عطاء وقيس بن أبي حازم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بايع لم يصافح النساء إلاَّ على يده ثوب وضع الثوب على يده كان في أول الأمر، كذا في الأوجز 15/262، كذا ذكره ابن حجر والزرقاني، ولعله محمول على مصافحة العجائز، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الباب "لا أصافح النساء" الثابت بالطرق الصحيحة صريح في عدم مصافحته.
أي في حصول البيعة ووجوب الطاعة.
شكّ من الراوي في اللفظ والمعنى واحد.
طرح التثريب - (ج 7 / ص 169)
الْحَدِيثُ الثَّانِي وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَايِعُ النِّسَاءَ بِالْكَلَامِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاَللَّهِ شَيْئًا قَالَتْ : وَمَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ إلَّا امْرَأَةً يَمْلِكُهَا } وَعَنْهَا قَالَتْ { مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْتَحِنُ الْمُؤْمِنَاتِ إلَّا بِالْآيَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { إذَا جَاءَك الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَك عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاَللَّهِ } وَلَا وَلَا } فِيهِ عَشْرُ فَوَائِدَ : ( الْأُولَى ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ عَنْ مَحْمُودٍ وَهُوَ ابْنُ غَيْلَانَ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ بَعْضَهُ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِلَفْظِ { مَا كَانَ يَمْتَحِنُ إلَّا بِالْآيَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ { إذَا جَاءَك الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَك } } الْآيَةَ قَالَ مَعْمَرٌ فَأَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ { مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ إلَّا امْرَأَةً يَمْلِكُهَا } وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ { كَانَ الْمُؤْمِنَاتُ إذَا هَاجَرْنَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْتَحِنُ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إذَا جَاءَك الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَك عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاَللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ } } إلَى آخِرِ الْآيَةِ ، قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمِحْنَةِ { وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَقْرَرْنَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِنَّ قَالَ : لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْطَلِقْنَ فَقَدْ بَايَعْتُنَّ وَلَا وَاَللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ غَيْرَ أَنَّهُ يُبَايِعُهُنَّ بِالْكَلَامِ } قَالَتْ عَائِشَةُ { مَا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النِّسَاءِ قَطُّ إلَّا بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا مَسَّتْ كَفُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّ امْرَأَةٍ قَطُّ وَكَانَ يَقُولُ لَهُنَّ : إذَا أَخَذَ عَلَيْهِنَّ قَدْ بَايَعْتُكُنَّ كَلَامًا } لَفْظُ مُسْلِمٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ .
{ مَا مَسَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ امْرَأَةً قَطُّ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا فَإِذَا أَخَذَ عَلَيْهَا فَأَعْطَتْهُ قَالَ : اذْهَبِي فَقَدْ بَايَعْتُك } .
( الثَّانِيَةُ ) الْمُبَايَعَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْمُبَايِعَ لِلْإِمَامِ يَلْتَزِمُ لَهُ أُمُورًا كَأَنَّهُ بَاعَهُ إيَّاهَا وَأَخَذَ عِوَضَهَا ثَوَابَهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى { إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ } الْآيَةَ وَالِامْتِحَانُ الِاخْتِبَارُ وَالْمُرَادُ اخْتِبَارُ صِحَّةِ إيمَانِهِمْ بِإِقْرَارِهِنَّ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَالْتِزَامِهِنَّ إيَّاهَا وَقَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمِحْنَةِ فَقَدْ بَايَعَ الْبَيْعَةَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي الشَّرْعِ .
( الثَّالِثَةُ ) قَوْلُهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { كَانَ يُبَايِعُ النِّسَاءَ بِالْكَلَامِ } أَيْ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ أَخْذِ كَفٍّ وَلَا مُصَافَحَةٍ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ بَيْعَةَ الرِّجَالِ بِأَخْذِ الْكَفِّ وَالْمُصَافَحَةِ مَعَ الْكَلَامِ وَهُوَ كَذَلِكَ ، وَمَا ذَكَرَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِنْ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ دَعَى بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَغَمَسَ فِيهِ يَدَهُ ثُمَّ غَمَسَ فِيهِ أَيْدِيَهُنَّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا صَافَحَهُنَّ بِحَائِلٍ وَكَانَ عَلَى يَدِهِ ثَوْبٌ قِطْرِيٌّ ، وَقِيلَ : كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُصَافِحُهُنَّ عَنْهُ وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا سِيَّمَا الْأَخِيرُ وَكَيْفَ يَفْعَلُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمْرًا لَا يَفْعَلُهُ صَاحِبُ الْعِصْمَةِ الْوَاجِبَةِ .
( الرَّابِعَةُ ) وَفِيهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ تَمَسَّ يَدُهُ قَطُّ يَدَ امْرَأَةٍ غَيْرِ زَوْجَاتِهِ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ لَا فِي مُبَايَعَةٍ وَلَا فِي غَيْرِهَا وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ هُوَ ذَلِكَ مَعَ عِصْمَتِهِ وَانْتِفَاءِ الرِّيبَةِ فِي حَقِّهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى بِذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ لِتَحْرِيمِهِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُعَدَّ جَوَازُهُ مِنْ خَصَائِصِهِ ، وَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ : إنَّهُ يَحْرُمُ مَسُّ الْأَجْنَبِيَّةِ وَلَوْ فِي غَيْرِ عَوْرَتِهَا كَالْوَجْهِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ النَّظَرِ حَيْثُ لَا شَهْوَةَ وَلَا خَوْفَ فِتْنَةٍ فَتَحْرِيمُ الْمَسِّ آكَدُ مِنْ تَحْرِيمِ النَّظَرِ ، وَمَحَلُّ التَّحْرِيمِ مَا إذَا لَمْ تَدْعُ لِذَلِكَ ضَرُورَةٌ فَإِنْ كَانَ ضَرُورَةً كَتَطْبِيبٍ وَفَصْدٍ وَحِجَامَةٍ وَقَلْعِ ضِرْسٍ وَكَحْلِ عَيْنٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يُوجَدُ امْرَأَةٌ تَفْعَلُهُ جَازَ لِلرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ فِعْلُهُ لِلضَّرُورَةِ .
( الْخَامِسَةُ ) دَخَلَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ الْمَحَارِمُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ تَمَسَّ يَدُهُ يَدَ أَحَدٍ مِنْ مَحَارِمِهِ وَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّوَرُّعِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُمْتَنِعًا ، وَإِنْ اقْتَضَتْ عِبَارَةُ النَّوَوِيِّ فِي الرَّوْضَةِ امْتِنَاعَهُ حَيْثُ قَالَ : وَيَحْرُمُ مَسُّ كُلِّ مَا جَازَ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ الْمَحَارِمِ لَكِنَّهَا عِبَارَةٌ مُؤَوَّلَةٌ وَغَيْرُ مَأْخُوذٍ بِظَاهِرِهَا ، وَقَدْ حَكَى شَيْخُنَا الْإِمَامُ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْإِسْنَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْجَوَازِ ، وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ مَسُّ بَطْنِ أُمِّهِ وَلَا ظَهْرِهَا وَلَا أَنْ يَغْمِزَ سَاقَهَا وَلَا رِجْلَهَا وَلَا أَنْ يُقَبِّلَ وَجْهَهَا وَقَدْ يَكُونُ لَفْظُ الْحَدِيثِ مِنْ الْعُمُومِ الْمَخْصُوصِ أَوْ يَدَّعِي دُخُولَ الْمَحَارِمِ فِيمَا يَمْلِكُهُ أَيْ يَمْلِكُ مَسَّهُ لَا أَنَّ الْمُرَادَ يَمْلِكُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ .
( السَّادِسَةُ ) وَفِيهِ جَوَازُ سَمَاعِ كَلَامِ الْأَجْنَبِيَّةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَأَنَّ صَوْتَهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ .
( السَّابِعَةُ ) قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي حَكَيْنَاهَا فِي آخِرِ الْفَائِدَةِ الْأُولَى عَنْ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد مَا مَسَّ بِيَدِهِ امْرَأَةً قَطُّ إلَّا أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ وَتَقْدِيرُهُ مَا مَسَّ امْرَأَةً قَطُّ لَكِنْ يَأْخُذُ عَلَيْهَا الْبَيْعَةَ بِالْكَلَامِ .
قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا التَّقْدِيرُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَلَا بُدَّ مِنْهُ .
( الثَّامِنَةُ ) قَوْلُهُ مَا كَانَ يَمْتَحِنُ الْمُؤْمِنَاتِ إلَّا بِالْآيَةِ أَيْ يَتْلُو الْآيَةَ الْمَذْكُورَةَ عَلَيْهِنَّ وَلَا يَزِيدُ شَيْئًا مِنْ قِبَلِهِ فَإِنْ قِيلَ : قَدْ أَخَذَ عَلَيْهِنَّ تَرْكَ النِّيَاحَةِ قِيلَ : هِيَ دَاخِلَةٌ فِي الْمَعْرُوفِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ .
{ وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوفٍ } وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ { كَانَتْ الْمَرْأَةُ إذَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَّفَهَا عُمَرُ بِاَللَّهِ مَا خَرَجْت رَغْبَةً بِأَرْضٍ عَنْ أَرْضٍ وَبِاَللَّهِ مَا خَرَجْت الْتِمَاسَ دُنْيَا وَبِاَللَّهِ مَا خَرَجْت إلَّا حُبًّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ } فِيهِ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ .
( التَّاسِعَةُ ) قَوْلُهُ ( وَلَا وَلَا ) إشَارَةً إلَى بَقِيَّةِ الْآيَةِ وَهُوَ { وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ } إلَى آخِرِهَا .
( الْعَاشِرَةُ ) قَطُّ تَأْكِيدُ النَّفْيِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي وَجَمَعَ فِيهَا الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ أَرْبَعَ لُغَاتٍ وَهِيَ فَتْحُ الْقَافِ وَضَمُّهَا مَعَ تَشْدِيدِ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَهِيَ مَضْمُومَةٌ بِكُلِّ حَالٍ ، وَزَادَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لُغَةً خَامِسَةً وَهِيَ فَتْحُ الْقَافِ وَتَشْدِيدُ الطَّاءِ وَكَسْرُهَا وَسَادِسَةٌ وَسَابِعَةٌ وَهُمَا فَتْحُ الْقَافِ مَعَ تَخْفِيفِ الطَّاءِ سَاكِنَةً وَمَكْسُورَةً وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْضَ مَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ سِوَى خَمْسِ لُغَاتٍ وَلَمْ يَنْقُلْ فِيهَا ابْنُ سِيدَهْ فِي الْمُحْكَمِ سِوَى ثَلَاثِ لُغَاتٍ ثُمَّ حَكَى عَنْ بَعْضِ النَّحْوِيِّينَ أَنَّ أَصْلَ قَوْلِهِمْ : قَطُّ بِالتَّشْدِيدِ قَطُطٌ فَلَمَّا سُكِّنَ الْحَرْفُ الثَّانِي جُعِلَ الْآخَرُ مُتَحَرِّكًا إلَى إعْرَابِهِ وَلَوْ قِيلَ فِيهِ بِالْخَفْضِ وَالنَّصْبِ لَكَانَ وَجْهًا فِي الْعَرَبِيَّةِ .
انْتَهَى .
فَأَمَّا الْكَسْرُ فَقَدْ عَرَفْت أَنَّ النَّوَوِيَّ حَكَاهُ وَاسْتَفَدْنَا مِنْ هَذَا الْبَحْثِ لُغَةً ثَامِنَةً وَهِيَ فَتْحُ الْقَافِ وَتَشْدِيدُ الطَّاءِ وَفَتْحُهَا وَأَشْهَرُ هَذِهِ اللُّغَاتِ فَتْحُ الْقَافِ وَتَشْدِيدُ الطَّاءِ وَضَمُّهَا .
تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 171)
3228 - قَوْلُهُ : ( مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْتَحِنُ )
أَيْ يَخْتَبِرُ
( إِلَّا بِالْآيَةِ الَّتِي إِلَخْ )
أَيْ بِمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ : كَانَ يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ بِهَذِهِ الْآيَةِ بِقَوْلِ اللَّهِ { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَك الْمُؤْمِنَاتُ } إِلَخْ
( { إِذَا جَاءَك الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَك } )
أَيْ قَاصِدَاتٍ لِمُبَايَعَتِك عَلَى الْإِسْلَامِ
( الْآيَةَ )
تَمَامُهَا { عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاَللَّهِ شَيْئًا } أَيْ شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ كَائِنًا مَا كَانَ { وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ } هُوَ مَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ وَأْدِ الْبَنَاتِ أَيْ دَفْنِهِنَّ أَحْيَاءً لِخَوْفِ الْعَارِ وَالْفَقْرِ { وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ } أَيْ لَا يُلْحِقْنَ بِأَزْوَاجِهِنَّ وَلَدًا لَيْسَ مِنْهُمْ . قَالَ الْفَرَّاءُ : كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَقِطُ الْمَوْلُودَ فَتَقُولُ لِزَوْجِهَا هَذَا وَلَدِي مِنْك فَذَلِكَ الْبُهْتَانُ الْمُفْتَرَى بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَذَلِكَ أَنَّ الْوَلَدَ إِذَا وَضَعَتْهُ الْأُمُّ سَقَطَ بَيْنَ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا أَنَّهَا تَنْسُبُ وَلَدهَا مِنْ الزِّنَا إِلَى زَوْجِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ دَخَلَ تَحْتَ النَّهْيِ عَنْ الزِّنَا { وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوفٍ } أَيْ فِي كُلِّ أَمْرٍ هُوَ طَاعَةٌ لِلَّهِ وَإِحْسَانٌ إِلَى النَّاسِ ، وَكُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ الشَّرْعُ وَنَهَى عَنْهُ ، وَالْمَعْرُوفُ مَا عُرِفَ حُسْنُهُ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ { فَبَايِعْهُنَّ } أَيْ إِذَا بَايَعْنَك عَلَى هَذِهِ الشُّرُوطِ فَبَايِعْهُنَّ { وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ } أَيْ عَمَّا مَضَى { إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } أَيْ بَلِيغُ الْمَغْفِرَةِ بِتَمْحِيقِ مَا سَلَفَ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ لِعِبَادِهِ
( قَالَ مَعْمَرٌ )
أَيْ بِالْإِسْنَادِ السَّابِقِ
( مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
أَيْ عِنْدَ الْمُبَايَعَةِ ، وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ : قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَدْ بَايَعْتُك كَلَامًا " ؛ وَلَا وَاَللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ اِمْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ . مَا يُبَايِعُهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ " قَدْ بَايَعْتُك عَلَى ذَلِكَ " . قَالَ الْحَافِظُ : وَكَأَنَّ عَائِشَةَ أَشَارَتْ بِذَلِكَ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَا جَاءَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ فَعِنْدَ اِبْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ وَالْبَزَّارِ وَالطَّبَرِيِّ وَابْنِ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ عَطِيَّةَ فِي قِصَّةِ الْمُبَايَعَةِ قَالَ فَمَدّ يَدَهُ مِنْ خَارِجِ الْبَيْتِ وَمَدَدْنَا أَيْدِيَنَا مِنْ دَاخِلِ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ " اللَّهُمَّ اِشْهَدْ " ، وَكَذَا حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ الَّذِي فِيهِ : قَبَضَتْ مِنَّا اِمْرَأَةٌ يَدَهَا فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُنَّ كُنَّ يُبَايِعْنَهُ بِأَيْدِيهِنَّ ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَدَّ الْأَيْدِي مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ إِشَارَةٌ إِلَى وُقُوعِ الْمُبَايَعَةِ وَإِنْ لَمْ تَقَعَ مُصَافَحَتُهُ ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَبْضِ الْيَدِ التَّأَخُّرُ عَنْ الْقَبُولِ أَوْ كَانَتْ الْمُبَايَعَةُ تَقَعُ بِحَائِلٍ ، فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَايَعَ النِّسَاءَ أَتَى بِبُرْدٍ قِطْرِيٍّ فَوَضَعَهُ فِي يَدِهِ وَقَالَ لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ ، وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مُرْسَلًا نَحْوُهُ ، وَعِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ كَذَلِكَ ، وَأَخْرَجَ اِبْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ بَكِيرٍ عَنْهُ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْمِسُ يَدَهُ فِي إِنَاءٍ وَتَغْمِسُ الْمَرْأَةُ يَدَهَا فِيهِ وَيُحْتَمَلُ التَّعَدُّدُ ، وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ أَنَّهُ بَايَعَهُنَّ بِوَاسِطَةِ عُمَرَ ، وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّ أُمَيْمَةَ بِنْتَ رُقَيْقَةَ بِقَافَيْنِ مُصَغَّرًا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا دَخَلَتْ فِي نِسْوَةٍ تُبَايِعُ فَقُلْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اُبْسُطْ يَدَك نُصَافِحْك فَقَالَ " إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ وَلَكِنْ سَآخُذُ عَلَيْكُنَّ " فَأَخَذَ عَلَيْنَا حَتَّى بَلَغَ { وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوفٍ } فَقَالَ فِيمَا أَطَقْتُنَّ وَاسْتَطَعْتُنَّ فَقُلْنَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا .
وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ مَا قَوْلِي لِمِائَةِ اِمْرَأَةٍ إِلَّا كَقَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ . وَقَدْ جَاءَ فِي أَخْبَارٍ أُخْرَى أَنَّهُنَّ كُنَّ يَأْخُذْنَ بِيَدِهِ عِنْدَ الْمُبَايَعَةِ مِنْ فَوْقِ ثَوْبٍ . أَخْرَجَهُ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ .
قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ .(1/182)
مُصَافَحَةُ النِّسَاءِ
339-7995 أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُسُ وَهُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْأَيْلِيُّ قَالَ : قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ : " لَا ، وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ ، غَيْرَ أَنَّهُ يُبَايِعُهُنَّ بِالْكَلَامِ " (1)
__________
(1) - صحيح مسلم برقم( 4941) وسنن ابن ماجه برقم( 2985)
شرح النووي على مسلم - (ج 6 / ص 337)
3470 - قَوْلهَا : ( كَانَ الْمُؤْمِنَات إِذَا هَاجَرْنَ يُمْتَحَنَّ بِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النَّبِيّ إِذَا جَاءَك الْمُؤْمِنَات ... } إِلَى آخِرَة )
، مَعْنَى يُمْتَحَنَّ : يُبَايِعهُنَّ عَلَى هَذَا الْمَذْكُور فِي الْآيَة الْكَرِيمَة .
وَقَوْلهَا : ( فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا فَقَدْ أَقَرَّ بِالْمِحْنَةِ )
مَعْنَاهُ : فَقَدْ بَايَعَ الْبَيْعَة الشَّرْعِيَّة .
قَوْلهَا : ( وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَد اِمْرَأَة قَطُّ غَيْر أَنَّهُ يُبَايِعهُنَّ بِالْكَلَامِ )
فِيهِ : أَنَّ بَيْعَة النِّسَاء بِالْكَلَامِ مِنْ غَيْر أَخْذ كَفّ .
وَفِيهِ : أَنَّ بَيْعَة الرِّجَال بِأَخْذِ الْكَفّ مَعَ الْكَلَام .
وَفِيهِ : أَنَّ كَلَام الْأَجْنَبِيَّة يُبَاح سَمَاعه عِنْد الْحَاجَة ، وَأَنَّ صَوْتهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ ، وَأَنَّهُ لَا يَلْمِس بَشَرَة الْأَجْنَبِيَّة مِنْ غَيْر ضَرُورَة كَتَطْبِيبٍ وَفَصْد وَحِجَامَة وَقَلْع ضِرْس وَكَحْل عَيْن وَنَحْوهَا مِمَّا لَا تُوجَد اِمْرَأَة تَفْعَلهُ ؛ جَازَ لِلرَّجُلِ الْأَجْنَبِيّ فِعْله لِلضَّرُورَةِ .
وَفِي ( قَطُّ ) خَمْسُ لُغَات : فَتْح الْقَاف ، وَتَشْدِيد الطَّاء مَضْمُومَة وَمَكْسُورَة ، وَبِضَمِّهِمَا ، وَالطَّاء مُشَدَّدَة ، وَفَتْح الْقَاف مَعَ تَخْفِيف ، الطَّاء سَاكِنَة وَمَكْسُورَة ، وَهِيَ لِنَفْيِ الْمَاضِي .
يسألونك فتاوى - (ج 1 / ص 146)
مصافحة المرأة الأجنبية حرام شرعاً
يقول السائل : ما هو الحكم الشرعي في مصافحة الرجل لابنة عمه أو ابنة خالته ؟
الجواب : ينبغي أن يعلم أولاً أن المصافحة هي الأخذ باليد وكلامنا هنا في مصافحة المرأة الأجنبية وهي التي يحل للشخص نكاحها سواء كانت ابنة عمه أو ابنة خاله أو غير ذلك ، فإذا علم هذا فقد اتفق علماء الأمة من السلف والخلف على تحريم مصافحة المرأة الأجنبية ولم يعرف لهم مخالف على مر العصور والأزمان فيما أعلم ، والأدلة متضافرة على تحريم ذلك فمنها :
1. عن عائشة رضي الله عنها قالت :( كانت المؤمنات إذا هاجرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمتحنهن في قوله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ... الخ الآية ) ، قالت : فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات فقد أقر بالمحنة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهن قال لهن صلى الله عليه وسلم : أنطلقن فقد بايعتكن ، لا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام ) رواه البخاري ومسلم .
وفي روايةٍ أخرى للبخاري عن عائشة قال ( فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها صلى الله عليه وسلم قد بايعتك كلاماً لا والله وما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ما يبايعهن إلا بقوله بايعتك على ذلك ) .
2. عن أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها قالت : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة نبايعه فقلن :نبايعك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فيما استطعتن وأطقتن ، قالت : فقلت : الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا هلم نبايعك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لمرأة واحدة ) رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم ، وقال الترمذي حديث حسن صحيح .
3. عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كان لا يصافح النساء في البيعة ) رواه أحمد وقال الهيثمي وإسناده صحيح .
4. عن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ) رواه الطبراني والبيهقي ، قال المنذري ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح .
5. إن الإسلام حرم النظر إلى المرأة الأجنبية من غير سبب مشروع بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حث المسلم على أن يصرف بصره إذا وقع على امرأة أجنبية فقد ثبت في الحديث عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة ، فقال : إصرف بصرك ) رواه مسلم .
وعن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة ) رواه أحمد وأبو داوود والترمذي وهو حديث حسن ، والأدلة على تحريم النظر إلى الأجنبية بدون سبب مشروع كثيرة وإذا كان النظر محرماً فمن باب أولى اللمس لأن اللمس أعظم أثراً في النفس من مجرد النظر حيث أن اللمس أكثر إثارة للشهوة وأقوى داعياً للفتنة من النظر بالعين وكل منصف يعلم ذلك .
وقد اشتبه على قوم حديث وارد في بيعة النساء للنبي صلى الله عليه وسلم فهموا منه جواز المصافحة وهو حديث أم عطية الأنصارية رضي الله عنها قالت :( بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا ( أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا ) ونهانا عن النياحة فقبضت امرأة منا يدها فقالت أسعدتني فلانة أريد أن أجزيها فما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فانطلقت فرجعت فبايعها ) رواه البخاري .
فقد زعموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم بايع النساء مصافحة بدليل قولها :( فقبضت امرأة منا يدها ) وهذا الفهم خطأ بين لما يلي :
أ . إن المراد بقبض اليد في الحديث التأخر عن القبول كما قال الحافظ ابن حجر ومثل ذلك قوله تعالى في حق المنافقين ( ويقبضون أيديهم ) فهو كناية عن عدم الإنفاق في سبيل الله . ومما يرد هذا الزعم ما جاء في رواية أخرى لحديث أم عطية السابق . ، رواها الإمام مسلم في صحيحه عن عاصم عن حفصة عن أم عطية قالت : لما نزلت هذه الآية ( يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ) قالت كان منه النياحة، قالت : فقلت : يا رسول الله إلا آل فلان كانوا أسعدوني في الجاهلية فلا بد لي من أن أسعدهم . فقال عليه السلام : إلا آل فلان ) .
ومثل ذلك ما ورد في رواية أخرى لحديث أم عطية عند النسائي .
فهذه الروايات الثلاث لحديث أم عطية يظهر منها أن المراد بقولها فقبضت امرأة منا يدها التأخر عن قبول المبايعة فلم تبايع مباشرة ولكنها أخرت البيعة حتى تذهب لإسعاد المرأة التي أسعدتها في الجاهلية ، بدليل قولها : ( ثم أجيئك فأبايعك ) كما في رواية النسائي وهي رواية صحيحة .
ب. إن الروايات الثابتة والصريحة الواردة في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء تؤكد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصافح النساء في البيعة ، وحديث أم عطية ليس فيه ذكر للمصافحة أصلاً .
ج. وأما ما ورد في بعض الروايات من أن النبي صلى الله عليه وسلم صافح النساء بحائل وكان على يده ثوب وأن عمر صافحهن عنه فكل ذلك لا يصح ولا يثبت كما قال أهل الحديث .
وقد زعم بعض الناس أن ترك النبي صلى الله عليه وسلم للمصافحة لا يدل على أن على المسلمين أن يتأسوا به صلى الله عليه وسلم في ذلك . لأن التأسي لا يكون إلا بأفعاله وهو لم يفعل شيئاً سوى أنه امتنع عن المصافحة .
وهذا خطأ واضح لأن التأسي يكون بالترك أيضاً فالتأسي في الحقيقة هو فعل ، قال الآمدي :[ أما التأسي بالغير فقد يكون بالفعل والترك ] .
وقال الشوكاني :[ تركه صلى الله عليه وسلم للشيء كفعله له في التأسي به ] . ويكفي هذا القدر من الأدلة لأن المقام لا يحتمل مزيداً من التفصيل .
يسألونك فتاوى - (ج 4 / ص 123)
تحرم مصافحة المرأة الأجنبية
يقول السائل : في يوم العيد وأثناء زيارتنا للأقارب تخرج بعض النساء متبرجات ويمددن أيديهن للمصافحة فإذا لم نصافحهن يغضبن ونُعتبر عندهن من المتشددين ويقلن لنا هذا يوم عيد لا يجوز أن تزورونا بدون مصافحتنا ؟
الجواب : يجب أن يعلم أولاً أن أيام العيد هي أيام طاعة لله سبحانه وتعالى وذكرٍ له جل جلاله ففي هذه الأيام المباركة التي قال الله فيها :( وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ) سورة البقرة الآية 203 . وهي أيام التشريق . وقال النبي صلى الله عليه وسلم :( أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل ) رواه مسلم .
وأيام التشريق هي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة . قال الإمام النووي :[ وفي الحديث استحباب الإكثار من الذكر في هذه الأيام من التكبير وغيره ] شرح النووي على صحيح مسلم 3/209 .
وقد ورد عن طائفة من السلف التكبير في هذه الأيام المباركة مطلقاً ومقيداً بعد الصلوات الخمس وقد سبق أن بينت ذلك مفصلاً.
فهذه الأيام المباركة لا يجوز التحلل من الأحكام الشرعية فيها بحجة أنها أيام عيد وهذا مفهوم خاطئ لدى كثير من الناس بل يجب أن تزداد طاعتنا لله عز وجل في هذه الأيام المباركة الفاضلة .
وأما تبرج النساء فلا شك في تحريمه سواء كان في العيد أو في غير العيد بل هو مجمع على تحريمه ، يقول الله تعالى :( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَءَاتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) سورة الأحزاب الآية 33 .
وقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسمنة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ) رواه مسلم
قال الإمام النووي : [ هذا الحديث من معجزات النبوة فقد وقع هذان الصنفان وهما موجودان وفيه ذم هذين الصنفين قيل : معناه كاسيات من نعمة الله عاريات من شكرها . وقيل : معناه تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهاراً بحالها ونحوه . وقيل : معناه تلبس ثوباً رقيقاً يصف لون بدنها . وأما مائلات فقيل : معناه عن طاعة الله وما يلزمهن حفظه . مميلات أي يعلمن غيرهن فعلهن المذموم . وقيل : مائلات يمشين متبخترات مميلات لأكتافهن . وقيل : مائلات يمشطن المشطة المائلة ، وهي مشطة البغايا . مميلات يمشطن غيرهن تلك المشطة . ومعنى رؤوسهن كأسنمة البخت أن يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوهما ] شرح النووي على صحيح مسلم 5/291 .
ويجب على الآباء والأزواج والأولياء عامة منع بناتهم وزوجاتهم وأخواتهم من التبرج ومن قَبل تبرجهن فهو ديوث ينطبق عليه ما ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ثلاثة قد حرّم الله عليهم الجنة مدمن الخمر والعاق والديوث الذي يُقر الخبث في أهله ) . رواه الإمام أحمد في مسنده
وفي رواية أخرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ثلاث لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة العاق والديه والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال والديوث ) رواه أحمد وذكر الشيخ الألباني أن حديث ابن عمر رواه النسائي والحاكم والبيهقي في سننه من طريقين صحيحين وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وأقرهما الألباني على ذلك . جلباب المرأة المسلمة ص 145 .
وعن عمار رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ثلاثة لا يدخلون الجنة أبداً الديوث والرجلة من النساء ومدمن الخمر . قالوا : يا رسول الله أما مدمن الخمر فقد عرفناه فما الديوث ؟ قال : الذي لا يبالي من دخل على أهله . قلنا : فما الرَجُلة من النساء ؟ قال : التي تَشبَّهُ بالرجال ) رواه الطبراني والبيهقي في شعب الإيمان وهو حديث حسن ، وقال المنذري :[ رواه الطبراني ورواته لا أعلم فيهم مجروحاً وشواهده كثيره ] الترغيب والترهيب 3/214 . والديوث هو الذي يقر الخبث في أهله كما ورد مفسراً في حديث ابن عمر ، وقال ابن منظور :[ الديوث هو الذي لا يغار على أهله ] لسان العرب 4/456 ، وفسره به ابن الأثير في النهاية 2/147 .
وقال العلامة علي القاري :[ والديوث الذي يقر أي يثبت بسكوته على أهله أي من امرأته أو جاريته أو قرابته الخبث أي الزنا أو مقدماته وفي معناه سائر المعاصي كشرب الخمر وترك غسل الجنابه ونحوهما ، قال الطيبي: أي الذي يرى فيهن ما يسوءه ولا يغار عليهن ولا يمنعهن فيقر في أهله الخبث ] مرقاة المفاتيح 7/ 241 .
ويجب التحذير مما يحصل من بعض الرجال في العيد من دخولهم على النساء في البيوت وهن لوحدهن بحجة أنها زيارة يوم العيد فهذا لا يجوز شرعاً وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال في الحديث :( إياكم والدخول على النساء . فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت ) رواه البخاري ومسلم .
قال الإمام النووي [ وأما قوله صلى الله عليه وسلم :( الحمو الموت ) فمعناه أن الخوف منه أكثر من غيره والشر يتوقع منه والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي والمراد بالحمو هنا أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه . فأما الآباء والأبناء فمحارم لزوجته تجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت وإنما المراد الأخ وابن الأخ والعم وابنه ونحوهم ممن ليس بمحرم ، وعادة الناس المساهلة فيه ويخلو بامرأة أخيه فهذا هو الموت . وهو أولى بالمنع من الأجنبي لما ذكرناه فهذا الذي ذكرته هو صواب معنى الحديث ] شرح النووي على صحيح مسلم 5/329 .
وروى الإمام مسلم بسنده عن عبد الرحمن بن جبير أن عبد الله بن عمرو بن العاص حدثه أن نفراً من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس فدخل أبو بكر الصديق وهي تحته يومئذ - أي زوجته - فرآهم فكره ذلك فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : لم أر إلا خيراً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان ) .
قال الإمام النووي : [ المُغِيبة بضم الميم وكسر الغين المعجمة وإسكان الياء وهي التي غاب عنها زوجها والمراد غاب زوجها عن منزلها سواء غاب عن البلد بأن سافر أو غاب عن المنزل وإن كان في البلد هكذا ذكره القاضي وغيره وهذا ظاهر متعين . قال القاضي : ودليله هذا الحديث وأن القصة التي قيل الحديث بسببها وأبو بكر رضي الله عنهما غائب عن منزله لا عن البلد ، والله أعلم ] شرح النووي على صحيح مسلم 5/330 .
وأما مصافحة النساء الأجنبيات فهي حرام سواء في العيد أو غير العيد باتفاق العلماء والخلاف في ذلك شاذ غير معتبر بل مردود وقد دل على تحريم المصافحة أدلة كثيرة منها :
حديث عائشة رضي الله عنها قالت :( كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمتحنهن بقول الله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ…) الخ الآية . قالت : من أقر بهذا الشرط من المؤمنات فقد أقر بالمحنة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهن قال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلقن فقد بايعتكن . لا والله ما مست يد رسول الله يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام ) رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية للبخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت :( فمن أقرَّ بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بايعتك كلاماً . لا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ، ما بايعهن إلا بقوله قد بايعتك على ذلك ).
وفي رواية أخرى لحديث عائشة عند ابن ماجة :[ ولا مست كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة قط وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن قد بايعتكن كلاماً ). صحيح سنن ابن ماجة رقم 2324.
قال الحافظ ابن حجر:[ قوله قد بايعتك كلاماً أن يقول ذلك كلاماً فقط لا مصافحة باليد كما جرت العادة بمصافحة الرجال عند المبايعة ] فتح الباري 10/261.
وعن أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها قالت :[ أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة نبايعه فقلن نبايعك يا رسول الله على أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف ، فقال رسول اللهصلى الله عليه وسلم ( فيما استطعتن وأطقتن ) ، قالت : فقلن الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا هلم نبايعك يا رسول الله . فقال :( إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة أو مثل قولي لامرأة واحدة )] رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة ومالك وأحمد وابن حبان والدار قطني ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح سنن الترمذي 4/152 . وقال الحافظ ابن كثير : هذا إسناد صحيح . تفسير ابن كثير 4/352.
وعن معقل بن يسار رضي الله عنهما أن رسول اللهصلى الله عليه وسلم قال :( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ) رواه الطبراني والبيهقي . قال المنذري :[ رجال الطبراني ثقات رجال الصحيح ]. الترغيب والترهيب 3/39 . وقال الشيخ الألباني :[ رواه الروياني في مسنده ، وهذا سند جيد رجاله كلهم ثقات من رجال الشيخين غير شداد بن سعيد فمن رجال مسلم وحده ، وفيه كلام يسير لا ينزل به حديثه عن رتبة الحسن … والمِخيَط بكسر الميم وفتح الياء ما يخاط به كالإبرة والمسلة ونحوهما . وفي الحديث وعيد شديد لمن مس امرأة لا تحل له ، ففيه دليل على تحريم مصافحة النساء لأن ذلك مما يشمله المس دون شك ]. سلسلة الأحاديث الصحيحة ، المجلد الأول ، الحديث رقم 326.
وخلاصة الأمر أن تبرج النساء في العيد وغيره حرام شرعاً ولا يجوز الدخول على النساء الأجنبيات منفردات وتحرم مصافحتهن وعلى الناس أن يتقوا الله في تصرفاتهم في أيام العيد وغيرها .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 13950)
«ثالثاً : المصافحة بين الرّجل والمرأة»
يختلف حكم المصافحة الّتي تقع بين الرّجل والمرأة بحسب كونهما من المحارم أو من غيرهم :
6 - فأمّا مصافحة المحارم فقد ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة في المعتمد عندهم إلى جوازها , وهو ما ذهب إليه الحنابلة في الوالدين مع الأبناء روايةً واحدةً وفي غيرهم في رواية بناءً على قولهم بجواز لمس المحارم في غير محلّ العورة بشرط الأمن من الفتنة وعدم خوف الشّهوة , لما روي « أنّ الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقبّل فاطمة رضي اللّه عنها إذا دخلت عليه , وتقبّله إذا دخل عليها » , وكذلك صحّ عن أبي بكر رضي اللّه عنه أنّه قبّل ابنته عائشة رضي اللّه عنها , ولأنّ مسّ المحارم في غير عورة يغلب فيه الصّلة والرّحمة والشّفقة , ويندر اقترانه بالشّهوة .
وإذا كان لمس المحارم على النّحو المذكور مباحاً فإنّ المصافحة نوع من اللّمس , فتكون مشروعةً في حقّ المحارم , ويشملها حكم الاستحباب الّذي أستفيد من الأحاديث المتقدّمة . وذهب الشّافعيّة في قول والحنابلة في غير الوالدين مع الأبناء في رواية إلى عدم جواز مصافحة المحارم بناءً على القول بعد جواز مسّهم , ولكنّ المعتمد في المذهبين كقول الجمهور المتقدّم , وهو جواز لمس المحارم في غير عورة إذا انتفت الشّهوة ولو كان ذلك بغير حاجة ولا شفقة .
7 - وأمّا المصافحة الّتي تقع بين الرّجل والمرأة من غير المحارم فقد اختلف قول الفقهاء في حكمها وفرّقوا بين مصافحة العجائز ومصافحة غيرهم :
فمصافحة الرّجل للمرأة العجوز الّتي لا تشتهي ولا تشتهى , وكذلك مصافحة المرأة للرّجل العجوز الّذي لا يشتهي ولا يشتهى , ومصافحة الرّجل العجوز للمرأة العجوز , جائز عند الحنفيّة والحنابلة ما دامت الشّهوة مأمونةً من كلا الطّرفين , واستدلوا بما روي « أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : كان يصافح العجائز » , ولأنّ الحرمة لخوف الفتنة , فإذا كان أحد المتصافحين ممّن لا يشتهي ولا يشتهى فخوف الفتنة معدوم أو نادر .
ونصّ المالكيّة على تحريم مصافحة المرأة الأجنبيّة وإن كانت متجالّةً , وهي العجوز الفانية الّتي لا إرب للرّجال فيها , أخذاً بعموم الأدلّة المثبتة للتّحريم .
وعمّم الشّافعيّة القول بتحريم لمس المرأة الأجنبيّة ولم يستثنوا العجوز , فدلّ ذلك على اعتبارهم التّحريم في حقّ مصافحتها , وعدم التّفرقة بينها وبين الشّابّة في ذلك .
وأمّا مصافحة الرّجل للمرأة الأجنبيّة الشّابّة فقد ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة في الرّواية المختارة , وابن تيميّة إلى تحريمها , وقيّد الحنفيّة التّحريم بأن تكون الشّابّة مشتهاةً , وقال الحنابلة : وسواء أكانت من وراء حائل كثوب ونحوه أم لا .
واستدلّ الفقهاء على تحريم مصافحة المرأة الأجنبيّة الشّابّة بحديث عائشة رضي اللّه عنها قالت : « كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يمتحنّ بقول اللّه عزّ وجلّ { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ } الآية قالت عائشة فمن أقرّ بهذا من المؤمنات فقد أقرّ بالمحنة , وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أقررن بذلك من قولهنّ قال لهنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : انطلقن فقد بايعتكنّ , ولا واللّه ما مسّت يد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يد امرأة قط غير أنّه يبايعهنّ بالكلام , قالت عائشة : واللّه ما أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم النّساء قط إلّا بما أمره اللّه تعالى وما مسّت كف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كفّ امرأة قط وكان يقول لهنّ إذا أخذ عليهنّ قد بايعتكنّ كلاماً » .
وقد فسّر ابن عبّاس رضي اللّه عنهما المحنة بقوله : « وكانت المحنة أن تستحلف باللّه أنّها ما خرجت من بغض زوجها ولا رغبةً من أرض إلى أرض ولا التماس دنيا ولا عشقاً لرجل منّا بل حباً للّه ولرسوله » .
وبما روي عن معقل بن يسار أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال : « لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمسّ امرأةً لا تحل له » ووجه دلالة الحديث على التّحريم ما فيه من الوعيد الشّديد لمن يمس امرأةً لا تحل له ولا شكّ في أنّ المصافحة من المسّ .
واستدلوا أيضاً بالقياس على النّظر إلى المرأة الأجنبيّة , فإنّه حرام باتّفاق الفقهاء إذا كان متعمّداً وكان بغير سبب مشروع , لما ورد في النّهي عنه من الأحاديث الصّحيحة , ووجه القياس أنّ تحريم النّظر لكونه سبباً داعياً إلى الفتنة , واللّمس الّذي فيه المصافحة أعظم أثراً في النّفس , وأكثر إثارةً للشّهوة من مجرّد النّظر بالعين , قال النّووي : وقد قال أصحابنا كل من حرّم النّظر إليه حرّم مسّه , بل المس أشد , فإنّه يحل النّظر إلى أجنبيّة إذا أراد أن يتزوّجها , ولا يجوز مسها .
«رابعاً : مصافحة الصّغار»
8 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ لمس الصّغار بشهوة حرام , سواء في حالة اتّحاد الجنس أم في حالة اختلافه , وسواء أبلغ الصّغار حدّ الشّهوة أم لم يبلغوها , ومن اللّمس المصافحة, ومن شروط مشروعيّة المصافحة عدم خوف الفتنة .
فإن كان اللّمس بغير شهوة وكان الصّغير أو الصّغيرة ممّن لا يشتهى جاز لمسه عند الحنفيّة والحنابلة , سواء اتّحد الجنس أم اختلف , لعدم خوف الفتنة في هذه الحال , وهو الأصح عند الشّافعيّة , وبناءً عليه تحل مصافحته ما دامت الشّهوة منعدمةً , لأنّها نوع من اللّمس فتأخذ حكمه , وقد صرّح في الهداية بجواز مصافحة الصّغيرة الّتي لا تشتهى .
وأمّا إذا بلغ الصّغير أو الصّغيرة حدّ الشّهوة فحكمه من حيث اللّمس كحكم الكبار .
والمصافحة مثله , فيفرّق فيها بين حالة اتّحاد الجنس وحالة اختلافه كما تقدّم بيانه .
وذهب المالكيّة إلى أنّ الصّغير ابن ثمان سنوات فأقل يجوز مسه وإن اختلف الجنس , فإن زاد عن هذه السّنّ أخذ حكم الرّجال في المسّ , وأمّا الصّغيرة فإن لم تتجاوز سنّ الرّضاع جاز مسها , وإن جاوزت سنّ الرّضاع وكانت مطيقةً « أيّ مشتهاةً » حرم مسها , وإن لم تكن مطيقةً فقد أختلف فيها , ومذهب المدوّنة المنع .
وبناءً عليه يعرف حكم مصافحة الصّغار عندهم , لأنّها نوع من اللّمس .
وللتّفصيل « ر : عورة » .
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 13 / ص 39)
مصافحة الأجنبيات في بلاد الغرب
المجيب د. أحمد بن محمد الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإٌسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 28/06/1425هـ
السؤال
أنا أعمل في إحدى شركات الاتصالات، وأنا من الشباب الملتزمين -ولله الحمد-، ومرة طُلِب مني السفر للخارج لأخذ دورة متخصصة في مجال عملي، وعند وصولي إلى الدولة الغربية حصلت أمور كثيرة أحصرها فيما يلي، وأود إجابتكم عنها واحدة واحدة مشكورين مأجورين، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الدورة متخصصة جدًا، ولا يوجد لها مثيل في الدول العربية جميعاً، وكذلك سافرت برفقة مجموعة من الزملاء:
1-عند دخولنا المعهد المخصص قابلتنا امرأة كبيرة في السن، واستقبلتنا استقبالاً حاراً، وكل واحد منا تسلم عليه مصافحة وتسأله عن اسمه الخ... فأنا عملت كما عمل أصحابي، وسلمت عليها محرجاً منها.
2- بعض المحاضرات تقدمها نسوة متبرجات فما العمل؟.
3- عند مقابلتنا لمسؤولات، أو عندما نريد أن نسألهن لا بد أن تضع وجهك ونظرك إلى وجهها، وتتحدث معها، فهل هناك محظور شرعي؟.
4- ونحن في شوارع تلك الدولة نرى نساء شبه عاريات، مع حرصنا الشديد على تجنب ذلك.
سؤالي يا شيخ في هذه الحالة، هل علينا إثم؟ وماذا نعمل؟ أرجو إجابة عن سؤالي من منظور التسامح والرفق في الدين، وكذلك تزويدي بأكثر من رأي لعلمائنا الأجلاء؛ لكي تتم الفائدة.
الجواب
لا يجوز للرجل أن يصافح امرأة أجنبية منه، ولو كانت كبيرة في السن، لعموم النصوص الواردة في تحريم ذلك ، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم : "إني لا أصافح النساء " رواه النسائي(4181) وابن ماجة(2874)، ولما رواه البخاري(4891) وغيره عن عائشة -رضي الله عنها- قالت : "والله ما مست يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام ".ولما رواه معقل بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير من أن يمس امرأة لاتحل له " أخرجه الطبراني في الكبير(20/210) والرويائي في مسنده(227/2)، وقال المنذري : ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح " وحسن الحديث الألباني في غاية المرام [196] والصحيحة [226].
ويمكن لمن ابتلي بامرأة أجنبية تمد يدها لتصافحه أن يعتذر عن ذلك برفق، ويبين أن سبب امتناعه هو سبب شرعي يلزمه به دينه ، وليس القصد منه تنقص المرأة أو الترفع عنها، وغالباً ما يحصل الاقتناع إذا أحسن الشخص تفسير موقفه بالامتناع من المصافحة ، وقد يكون هذا الموقف أحيانا وسيلة إلى جذب انتباه الطرف الآخر إلى أحكام الإسلام ومبادئه، وربما أدى به ذلك في النهاية إلى الإسلام .
ولكن إذا تيقَّن الإنسان في بعض الحالات أن امتناعه عن المصافحة سيجر عليه مفسدة أكبر، أو يفوت عليه مصلحة أعظم من مفسدة المصافحة، كعدم القبول للعمل أو الدراسة، وهو محتاج إليهما حاجة شديدة ،ولا يجد بديلاً عن ذلك، فيرى بعض العلماء أنه لو صافح المرأة في مثل هذه الحال فلا حرج عليه ، لأن كثيراً من أحكام المسلمين في بلاد الغرب ينطبق عليها حكم الضرورة أو الحاجة التي تقرب منها ، لكن لا يجوز أن يتساهل في هذا الأمر ويجعله قاعدة عامة، بل هو وضع استثنائي، وحالة خاصة تقدر بقدرها، ومثل ذلك يقال في المحاضرات التي تقدمها نسوة متبرجات، والنظر إلى النساء، فهذا لا يجوز، وعلى المسلم أن يختار المحاضرات التي يتولاها الرجال، ويغض بصره عن النظر إلى النساء، مادام ذلك ممكناً، وأما إذا اضطر إلى حضور مثل هذه المحاضرات؛ نظراً لعدم وجود الرجال، ولا يستطيع أن يحصل على هذه الدورة أو الشهادة إلا عبر المرور بهذه المحاضرات، وهذا التخصص مهم يحتاجه المجتمع المسلم ولا يستغني عنه، فعليه إذا حضر هذه المحاضرات أن يقتصر على الحد الأدنى منها، مع الحرص على غض البصر، والبعد عن مجتمع النساء داخل القاعة الدراسية، فيكون جلوسه وحديثه ومشاركته مع الرجال دون النساء. والله أعلم.(1/183)
340-7996 الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأنا أَسْمَعُ ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ أُمَيْمَةَ ابْنَةِ رُقَيْقَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ " (1)
__________
(1) - موطأ مالك برقم( 1812) ونص برقم( 4198 ) وسنن ابن ماجه برقم( 2984 ) صحيح
شرح سنن النسائي - (ج 5 / ص 475)
4110 -
حَاشِيَةُ السِّنْدِيِّ :
قَوْله ( قُلْنَا اللَّه وَرَسُوله أَرْحَم بِنَا )
أَيْ حَيْثُمَا أَطْلَقَ الْبَيْعَة بَلْ قَيَّدَ بِالِاسْتِطَاعَةِ
( هَلُمَّ نُبَايِعك )
أَيْ تُبَايِع كُلّ وَاحِدَة مِنَّا بِالْيَدِ عَلَى الِانْفِرَاد فَإِنَّ الْبَيْعَة بِالْيَدِ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا الِاجْتِمَاع وَلِذَلِكَ أَجَابَهُنَّ صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْيِ الْأَمْرَيْنِ فَقَالَ إِنِّي لَا أُصَافِح النِّسَاء أَيْ بِالْيَدِ إِنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةٍ فَلَا حَاجَة إِلَى الِانْفِرَاد فِي الْبَيْعَة الْقَوْلِيَّة وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم .
المنتقى - شرح الموطأ - (ج 4 / ص 442)
1556 - ( ش ) : هَذِهِ الْبَيْعَةُ الَّتِي ذَكَرَتْهَا أُمَيْمَةُ كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ؛ لِأَنَّهَا مَذْكُورَةٌ فِي الْمُمْتَحَنَةِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ الْآيَةَ ، وَمَا كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِمَكَّةَ مِنْ مُبَايَعَةٍ فَلَمْ يَكُنْ فِيهَا ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَقُولُ لَهُنَّ فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ وَقَوْلُهُ فَإِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَرْحَمُ بِنَا مَعْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ يُرْفِقُنَا وَيَرْضَى مِنَّا بِمَا بَذَلْنَا مِنْ أَنْفُسِنَا إكْرَامًا مِنْهُ . .
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ مَعْنَاهُ بِوَلَدٍ تَنْسُبُهُ إِلَى الزَّوْجِ يُقَالُ : كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَقِطُ الْوَلِيدَ فَتَتَبَنَّاهُ .
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ يُرِيدُ لَا أُبَاشِرُ أَيْدِيَهُنَّ بِيَدِي يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الِاجْتِنَابَ وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ حُكْمِ مُبَايَعَةِ الرِّجَالِ الْمُصَافَحَةَ فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ فِي مُبَايَعَةِ النِّسَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُبَاشَرَتِهِنَّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الْمُبَايَعَةِ ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ فَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ بِالْقَوْلِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَلِذَلِكَ صَحَّتْ مُبَايَعَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بِالْمُكَاتَبَةِ دُونَ الْمُصَافَحَةِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فِي الْمُعَاقَدَةِ وَإِلْزَامِ ذَلِكَ وَالْتِزَامِهِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ .
فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (ج 6 / ص 92)
2636 - (إني لا أصافح النساء) وفي رواية للطبراني لا أمس يد النساء وهذا قاله لأميمة بنت رقيقة لما أتته في نسوة تبايعه على أن لا نشرك باللّه شيئاً ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان من بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف قال لهن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: فيما استطعتنّ وأطقتنّ فقلنا: اللّه ورسوله أرحم بنا من أنفسنا هلم نبايعك على ذلك فقال: إني لا أصافح النساء وإنما قولي لمئة امرأة كقولي أو مثل قولي لامرأة واحدة انتهى هذا سياق الحديث عند مخرجيه.
- (ت ن ه عن أميمة) بالتصغير (بنت رقيقة) بضم الراء وفتح القاف وهي بقافين بنت أبي صيفي بن هاشم بن عبد مناف وقيل هي بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى فعلى الأول تكون بنت عم أبي المصطفى صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم الثاني أخت خديجة زوجته ولشرفها نسبت إليها بنتها وهي أميمة بنت عبد بجاد - بموحدة مفتوحة وجيم خفيفة - من بني تميم بن مرة رهط الصديق ورواه عنه أيضاً من هذا الوجه باللفظ المذكور أحمد والبيهقي قال ابن حجر في [ص 17] تخريج المختصر حديث صحيح.
التمهيد لابن عبد البر - (ج 6 / ص 491)
$ حديث ثان لمحمد بن المنكدر ( 1 ) مالك عن محمد بن المنكدر عن أمية بنت رقيقة ( 2 ) قالت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم $ = في نسوة بايعنه على الإسلام فقلنا ( 3 ) يا رسول الله نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما استطعتن وأطقتن قالت فقلنا ( 4 ) الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا هلم نبايعك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة أو مثل قولي لامرأة واحدة قال أبو عمر لا خلاف عن مالك في إسناد هذا الحديث ومتنه عند أحد من رواته عنه فيما علمت وهكذا رواه الثوري عن محمد بن المنكدر سمع أمية بنت رقيقة مثل حديث مالك ( هذا ) سواء إلى آخره إلا أنه قال بعد قوله ( الله ) أرحم بنا من أنفسنا قالت فقلنا يا رسول الله ألا تصافحنا فقال إني لا أصافح النساء ثم ذكره سواء ورواه ابن عيينة عن محمد بن المنكدر مختصرا في هذا الحديث من الفقه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبايع الناس على الإسلام وشروطه وشرائعه ومعالمه ( 7 ) على حسبما ذكرنا في الباب قبل هذا وهذه البيعة على حسبما نص الله في كتابه وأنه لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وكل ما كلفهم وافترض عليهم ففي وسعهم وطاقتهم ذلك كله وأكثر منه وأما قول رسول الله
صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فيما استطعتن وأطقتن فإنما ذلك مردود إلى قولها ولا نعصيك في معروف فكل معروف يأمر به يلزمهن إذا أطقن القيام به وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم وهذا كله داخل تحت قوله عز وجل لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ( 1 ) وأما المعروف في هذا الحديث فجاء بلفظ النكرة فكل ما وقع عليه اسم معروف لزمهم وكان صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا بمعروف وقد قيل إن المعروف ههنا أن لا ينحن على موتاهن ولا يخلون رجل بامرأة ذكر معمر عن قتادة قال أخذ عليهن أن لا ينحن ولا يخلون بحديث الرجال إلا مع ذي محرم ( 2 ) أخبرنا عبدالوارث بن سفيان قراءة مني عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا موسى بن معاوية قال وكيع عن سفيان عن منصور عن سالم في قوله ولا يعصينك في معروف قال النوح ( 1 ) قال وحدثنا وكيع عن يزيد مولى الصهباء ( 2 ) عن شهر بن حوشب عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال النوح ( 3 ) قال وحدثنا وكيع عن سفيان عن زيد بن أسلم ولا يعصينك في معروف ( 3 ) قال لا ينشرن شعرا ولا يخدشن وجها ولا يدعون ويلا ( 4 ) قال وحدثنا وكيع عن أبي جعفر عن الربيع عن أبي العالية في قوله ولا يعصينك في معروف قال في كل شيء وافق طاعة ( ولم ير لنبيه عليه السلام أن يطاع في معصية ( 5 )
وقرأت على أحمد بن عبدالله بن محمد أن أبا محمد الحسن بن إسماعيل حدثهم قال حدثنا عبدالملك بن بحر حدثنا محمد بن إسماعيل بن سالم قال حدثنا سنيد بن داود قال حدثنا حجاج بن محمد عن أبي جعفر عن أبي العالية قال في كل شيء وافق الطاعة ) فلم يرض لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يطاع في معصية فكيف بغيره ( 1 ) قال سنيد قال حدثنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء الخراساني عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط عليهن فيما يمتحنهن به نياحة الجاهلية أن لا ينحن بها ولا يخلون بالرجال في البيوت قال وحدثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد في قوله ولا يعصينك في معروف قال لا يخلو الرجل بالمرأة قال حدثنا حجاج عن ابن جريج عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحنهن بهذه الآية !< يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا >! 1 ولا ولا ولا قالت عائشة فمن أقر من المؤمنات بهذا فقد أقر بالمحنة فإذا أقررن بذلك قال لهن انطلقن فقد بايعتكن قالت عائشة لا والله ما مست امرأة قط يده غير أنه يبايعهن بالكلام قال وحدثنا حجاج عن ابن جريج قال أخبرني موسى بن عقبة عن محمد بن المنكدر أنه سمع أميمة بنت رقيقة تزعم أنها بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشترط عليها ما اشترط على المؤمنات في كتاب الله ثم قال فيما أطقت يا رقيقة قال وحدثنا حجاج عن ابن جريج في قوله !< ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن >! قال كانت المرأة في الجاهلية تلد الجارية فتأخذ الغلام فتجعله في مكانها وتقول لزوجها هو ولدك قال وحدثنا سنيد قال حدثنا هشيم قال أخبرنا هشام عن حفصة بنت سيرين عن أم عطية قالت أخذ علينا
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعصينك في معروف ومن المعروف أن لا ينحن قالت فلما وفت امرأة منهن إلا امرأتين أم سليم وابنة الربيع قال وحدثنا هشيم قال أخبرنا يونس عن الحسن قال كان فيما أخذ عليهن أن لا يتحدثن مع الرجال إلا أن يكون محرما فإن الرجل قد تلاطفه المرأة في الكلام فيمنى في فخذه حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية عن عاصم عن حفصة عن أم عطية قالت لما نزلت إذا جاءك المؤمنات يبايعنك إلى قوله ولا يعصينك في معروف قالت وكانت منه النياحة فقالت يا رسول الله إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية فلا بد أن أسعدهم فقال إلا آل فلان ( 1 ) وأخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا أحمد بن الحسن بن عبدالجبار الصوفي سنة اثنتين وثلاثمائة قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا زكرياء بن يحيى بن عمارة عن عبدالعزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة لن يزلن في أمتي التفاخر في الأحساب والنياحة والأنواء زكريا بن يحيى هذا ثقة ( 1 ) روى عنه أيضا مسلم بن إبراهيم وعبدالأعلى بن حماد وعمرو بن علي وأخبرنا عبيد بن محمد قال حدثنا عبدالله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا أسباط عن هشام عن حفصة عن أم عطية قالت بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا ننوح فما وفى منا إلا خمس سماهن هشام منهن أم سليم ( 2 ) قال أبو عمر وفي حديثنا ( المذكور ) في هذا الباب حديث مالك عن محمد بن المنكدر عن أميمة عن النبي صلى الله عليه وسلم
في قوله إني لا أصافح النساء دليل على أنه لا يجوز لرجل أن يباشر امرأة لا تحل له ولا يمسها بيده ولا يصافحها وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهم وفي قوله صلى الله عليه وسلم إني لا أصافح النساء دليل على أنه كان يصافح الرجال عند البيعة وغيرها صلى الله عليه وسلم ولو كان لا يرى المصافحة لقال إني لا أصافح أحدا ألا ترى إلى الحديث المروي عن عثمان رحمه الله أنه قال ما تغنيت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ( 1 ) وقد ذكرنا دخول المصافحة في المبايعة عند ذكرنا حديث البيعة في باب عبدالله بن دينار من هذا الكتاب وذكرنا هناك من الآثار في ذلك ما يكفي وقد أخبرنا خلف بن قاسم حدثنا أحمد بن صالح بن عمر المقرئ حدثنا أحمد بن جعفر بن محمد المنادي حدثنا جعفر بن شاكر حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء قال كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصافح النساء ( 2 ) قال وقد حدثنا سفيان بن المنصور عن إبراهيم قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصافح النساء وعلى يده ثوب قال وحدثنا سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بايع لا يصافح النساء إلا وعلى يده ثوب وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن اصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عيسى بن يونس عن المقدام بن ثابت عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وابنة عم ( لي ) لنبايعه فقال إني لا أصافح النساء ( 1 ) وحدثنا سلمة بن سعيد قال حدثنا علي بن عمر الحافظ قال حدثنا محمد بن سليمان بن محمد الباهلي قال حدثنا عبدالله بن عبدالصمد بن أبي خراش قال حدثنا عيسى بن يونس عن مقدام بن ثابت أبي المقدام عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وابنة عم لي نبايعه فقال إني لا أصافح النساء قال أبو الحسن علي بن عمر مقدام بن ثابت أخو عمر بن ثابت وأبوهما ثابت بن هرمز يكنى أبا المقدام حدث عن سعيد بن المسيب وغيره روى عنه الحكم بن عتيبة وشعبة والثوري وغيرهم وله أخ يكنى أبا عبيدة يحدث عن أبي بردة ابن أبي موسى ورى عنه ابن أخيه عمر بن ثابت ومقدام بن ثابت هذا غريب الحديث يحدث عن شهر بن حوشب وأبي هارون العبدي ولم يرو عنه هذا الحديث غير عيسى بن يونس وقد روى ابن وهب وإبراهيم بن طهمان وسعيد بن داود الزبيري ( جميعا ) عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة في بيعة النساء قالت ما مس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده يد امرأة قط إلا أن يأخذ عليها فإذا أخذ عليها فأعطته قال اذهبي فقد بايعتك وهذا ليس في الموطأ عند أحد من رواته فيما علمت وقد روى يحيى بن معين عن معن بن عيسى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت لم يصافح رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة قط حدثنا خلف بن القاسم حدثنا أبو أحمد بن المفسر الدمشقي قال حدثنا أحمد بن علي قال حدثنا يحيى بن معين فذكره وهذا حديث لا أعلم أحدا حدث بن غير ابن معين وقد وهم في إسناده وغلط ذكره النسائي قال حدثنا معاوية بن صالح قال حدثنا يحيى بن معين فذكره والصواب في الحديث ما في موطأ مالك عن ابن المنكدر
وحدثنا عبدالله بن محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو خالد وابن نمير عن الأجلح عن أبي إسحاق عن البراء أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا ( 1 ) وروى أبو الحكم العنزي ( 2 ) عن البراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله واستغفراه غفر لهما وحماد بن سلمة عن ( ثابت ) عن أنس قال لما جاء أهل اليمن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءكم أهل اليمن وهم أول من جاء بالمصافحة وحدثنا عبدالوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا يعقوب بن كعب قال حدثنا مبشر بن إسماعيل عن حسان بن نوح عن عبدالله بن بسر قال ترون يدي هذه صافحت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث ومبايعة الرجال كانت كمبايعة النساء على ما في حديث عبادة ذكر االبخاري قال حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب عن الزهري قال أخبرني أبو إدريس عائذ الله بن عبدالله أن عبادة بن الصامت وكان قد شهد بدرا وهو أحد النقباء قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوفي به فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله عليه فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك ( 1 ) حدثنا عبدالوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن الهشيم قال حدثنا سليمان بن عبدالرحمان الدمشقي قال حدثنا إسماعيل
ابن عياش ( 1 ) قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عبدالله بن الزبير وعبدالله بن جعفر أنهما بايعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما ابنا سبع سنين فلما رآهما رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسم وبسط يده فبايعهما حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا ابن أبي أويس قال حدثنا أبي عن ابن شهاب أن عروة حدثه أن عائشة حدثته عن بيعة النساء قالت ما مس رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط إلا أن يأخذ عليها فإذا أخذ عليها فأعطته قال إذهبي فقد بايعتك وسيأتي في حديث عبدالله بن دينار في البيعة ما فيه زيادة بيان وكفاية إن شاء الله تعالى
لقاءات الباب المفتوح - (ج 80 / ص 12)
الرد على شبهة مصافحة المرأة الأجنبية:
________________________________________
السؤال: فضيلة الشيخ! أورد بعض الكتاب المعاصرين شبهة حول مصافحة المرأة الأجنبية وقالوا: لا بأس بالمصافحة العفوية؛ والخلوة البريئة بالأجنبية مع سلامة القلب، وأن الإيمان في القلب، وأما قوله عليه الصلاة والسلام: (إني لا أصافح النساء) فهذا خاص به عليه الصلاة والسلام، فما تعليقكم على هذه الشبهة وفقكم الله؟
________________________________________
الجواب: تعليقنا على هذه الشبهة: أنها خطأ، أن هذا القول خطأ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) وهذا عام، وقال: (إياكم والدخول على النساء) وهذا عام، حتى قالوا: (يا رسول الله! أرأيت الحمو -أي: قريب الزوج يدخل على بيت قريبه- قال: الحمو الموت) أي: فاحذروه، والمصافحة أشد من الخلوة؛ لأن المصافحة إن كانت بلا حائل ففيها مباشرة الجسم للجسم ولا يخفى ما يحصل في ذلك من فوران الشهوة، مهما كان قلب الإنسان، والثاني: إذا كان بحائل فيمكن أن يغوي الشيطان الشخص حتى يغمز اليد بقوة أو بشدة، أو ينفضها، أو ما أشبه ذلك، مما يحرك الشهوة، فالمسألة خطأ كلها. وأما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم تمس يده يد امرأة، فليس هذا خاصاً به، بل هو عليه الصلاة والسلام يجوز له من الخلوة بالنساء ما لا يجوز لغيره، وقد ثبت في أحاديث متعددة تدل على جواز خلوة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالمرأة وجواز كشفها له، في حجة الوداع سألته امرأة: عن حجها عن أبيها وكانت امرأة جميلة فجعل الفضل بن عباس وهو رديف الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ناقته جعل ينظر إليها فصرف وجهه، وهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يجوز له من النظر إلى النساء ما لا يجوز لغيره؛ لأنه أبعد الناس عن الريبة، فهذه الشبهة ليست شبهة في الواقع إلا على من كان في قلبه مرض، فإن المتنبي يقول:
ومن يك ذا فم مر مريض يجد مراً به الماء الزلال
يسألونك فتاوى - (ج 1 / ص 144)
يحرم على النساء المشاركة في فرق الرقص الشعبي
يقول السائل : ما حكم اشتراك الفتيات فيما يعرف بفرق الرقص الشعبي والدبكة ؟
الجواب : لا يجوز شرعاً للفتاة المسلمة أن تشترك في فرق الرقص الشعبي وفرق الدبكة وهذا الفعل حرام شرعاً لما يترتب عليه من المفاسد و المحرمات فمن ذلك :
1. إن هذه الفرق تكون مختلطة في الغالب فهي تتكون من شباب وشابات وهذا عمل منكر ومحرم شرعاً .
2. إن هذه الفرق حتى لو كانت خاصة بالفتيات لا يجوز الإشتراك فيها لأنها تعرض رقصاتها على الناس في الأماكن العامة وهذا حرام شرعاً .
3. إن مثل هذه الفرق رقصاتها مصحوبة بالموسيقى المحرمة شرعاً .
4. إن هذه الفرق وأمثالها مظهر من مظاهر الإنحلال والميوعة ومحاربة الفضيلة .
5. وكذلك فإنها مظهر من مظاهر الغزو الفكري الذي يركز على إحياء ما يعرف بالفلكلور الشعبي وإظهاره على أنه من تراث الأمة المسلمة مع أن تراث الأمة المسلمة أعظم وأجل من هذه الترهات وسفاسف الأمور .
إن تراث هذه الأمة يتمثل بعقيدتها ودينها وما خلفه عظماؤها وقادتها الأماجد .
وبناءً على ذلك كله يحرم على الفتاة المسلمة أن تشترك بمثل هذه الفرق ولا يحل للآباء ولأولياء الأمور أن يسمحوا لبناتهم أو أخواتهم أو زوجاتهم بالمشاركة بمثل هذه الفرق وأمثالها .
نظر الطبيب إلى المرأة
يقول السائل ما هي حدود نظر الطبيب إلى المرأة الأجنبية ؟
الجواب : ينبغي أن يعلم أن الإسلام حث على حفظ العورات وعلى عدم كشفها إلا في حالاتٍ خاصة تقتضي كشف العورة .
وكذلك فإن المرأة إن أصابها المرض واحتاجت للعلاج فالمشروع في حقها أن تراجع طبيبة ولا يحل لها مراجعة الطبيب إذا وجدت الطبيبة وكان بإمكانها مراجعتها فإن لم توجد المرأة الطبيبة أو تعذرت مراجعتها أو لم تكن من أهل الاختصاص بمرض تلك المرأة فيجوز أن تراجع الطبيب الرجل وهنا لا بد من معرفة الضوابط التالية في تعامل الطبيب مع المريضة الأجنبية :
أولاً : أن تتم المعاينة والكشف بحضور محرم للمرأة أو زوجها أو امرأة موثوقة خشية الخلوة المنهي عنها شرعاً .
ثانياً : ألا يطلع على شيء من بدنها ( عدا الوجه والكفين ) إلا بمقدار ما يقتضيه العلاج فيجب على الطبيب أن يستر جسم المريضة إلا موضع المعالجة .
يقول الإمام الغزالي رحمه الله :[ وتقدر الحاجة التي يجوز إظهار العورة معها بحيث لا يعد التكشف بسببها هتكاً للمروءة ] .
ثالثاً : إذا استطاع الطبيب معالجة المرأة بالنظر دون اللمس فهو الواجب وعلى الطبيب أن يغض بصره وأن يتقي الله ربه في ذلك .
رابعاً : ينبغي للمرأة إذا احتاجت للمعالجة عند طبيب رجل أن تختار الطبيب الثقة الأمين صاحب الدين .
ويذكر هنا أنه لا يجوز للرجل أن يكشف عند الطبيبة الأجنبية إلا إذا لم يوجد الطبيب الرجل وهو الصحيح الذي تؤيده الأدلة الشرعية ومما يؤسف له أن بعض ذوي النفوس المريضة يرغبون في المعالجة عند الطبيبة ويفضلونها على الطبيب الرجل وقد يكون العكس صحيحاً وهو أن بعض النساء يفضلن أن يتولى علاجهن الطبيب دون الطبيبة لأغراض قد تكون صحيحة أو خبيثة .
يسألونك فتاوى - (ج 4 / ص 364)
القواعد من النساء
يقول السائل: ما المقصود بالقواعد من النساء اللواتي ذكرن في سورة النور وما حدود التعامل معهن من حيث النظر والمصافحة أفيدونا؟
الجواب: قال الله تعالى:(وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ( سورة النور الآية 60. قال الزبيدي:[ القاعد من النساء التي قعدت عن الولد وعن الحيض وعن الزوج والجمع قواعد. وفي الأفعال: قعدت المرأة عن الحيض: انقطع عنها وعن الأزواج: صبرت، وفي التنزيل:(وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ( قال الزجاج: هن اللواتي قعدن عن الأزواج، وقال ابن السكيت: امرأة قاعد، إذا قعدت عن المحيض، فإذا أردت القعود قلت: قاعدة… وقال أبو الهيثم: القواعد من صفات الإناث، لا يقال رجال قواعد. وفي حديث أسماء الأشهلية:( إنا معاشر النساء محصورات مقصورات قواعد بيوتكم وحوامل أولادكم ) قال ابن الأثير: القواعد: جمع قاعد، وهي المرأة الكبيرة المسنة، هكذا يقال بغير هاء، أي أنها ذات قعود، فأما قاعدة فهي فاعلة من قولك قد قعدت قعوداً، ويجمع على قواعد أيضاً ] تاج العروس من جواهر القاموس 5/ 196.
وقد اتفق أهل التفسير على أن القواعد من النساء هن اللواتي لا مطمع للرجال فيهن لكبرهن في العمر وانقطاع الحيض عنهن. أخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن الحسن (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ( يقول المرأة إذا قعدت عن النكاح. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ( يعني المرأة الكبيرة التي لا تحيض من الكبر (اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا( يعني تزويجاً.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله:(اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا( قال: لا يردنه. تفسير السيوطي 6/223. وقال الإمام القرطبي في تفسير الآية السابقة:[ قوله تعالى:(وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ( القواعد واحدتها قاعد بلا هاء ليدل حذفها على أنه قعود الكبر كما قالوا امرأة حامل ليدل بحذف الهاء أنه حمل حبل .... وقالوا في غير ذلك قاعدة في بيتها وحاملة على ظهرها بالهاء … القواعد العجز اللواتي قعدن عن التصرف من السن وقعدن عن الولد والمحيض وهذا قول أكثر العلماء، قال ربيعة: هي التي إذا رأيتها تستقذرها من كبرها ] تفسير القرطبي 12/309. وقال ابن كثير:[ والقواعد من النساء، قال سعيد بن جبير ومقاتل بن حيان والضحاك وقتادة: هن اللواتي انقطع عنهن الحيض ويئسن من الولد:(اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا( أي لم يبق لهن تشوف إلى التزوج فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة أي ليس عليهن من الحجر في التستر كما على غيرهن من النساء ] تفسير ابن كثير 3/304- 305. فالقواعد من النساء هن الكبيرات في العمر ولا مطمع للرجال فيهن وقد انقطع الحيض عنهن فإذا كانت المرأة كذلك جاز لها التخفف من الجلباب الشرعي كما قال تعالى:(فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ( والمقصود بوضع الثياب الرداء الذي ترتديه المرأة فوق ثيابها وهو الجلباب المعروف الذي ترتديه المرأة فوق ثيابها عند الخروج من البيت وهذا ما ذهب إليه أهل العلم فقد أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عمر رضي الله عنهما في الآية قال: تضع الجلباب. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبرانى والبيهقى في السنن عن ابن مسعود (أن يضعن ثيابهن) قال: الجلباب والرداء. تفسير فتح القدير للشوكاني 4/ 55.
وقال ابن كثير:[… قال ابن مسعود في قوله:(فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ( قال: الجلباب أو الرداء. وكذلك روي عن ابن عباس وابن عمر ومجاهد وسعيد بن جبير وأبي الشعثاء وإبراهيم النخعي والحسن وقتادة والزهري والأوزاعي وغيرهم، وقال
أبو صالح تضع الجلباب وتقوم بين يدي الرجل في الدرع والخمار، وقال سعيد بن جبير وغيره في قراءة عبد الله بن مسعود أن يضعن من ثيابهن وهو الجلباب من فوق الخمار فلا بأس أن يضعن عند غريب أو غيره بعد أن يكون عليها خمار صفيق ] تفسير ابن كثير 3/304- 305.
وقال ابن الجوزي [ قوله تعالى:(أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ( أي عند الرجال ويعني بالثياب الجلباب والرداء والقناع الذي فوق الخمار هذا المراد بالثياب لا جميع الثياب ] تفسير ابن الجوزي6/62-63.
وقد علل الإمام القرطبي جواز التخفف من الجلباب للقواعد من النساء بقوله:[ إنما خص القواعد بذلك لانصراف الأنفس عنهن إذ لا مذهب للرجال فيهن فأبيح لهن ما لم يبح لغيرهن وأزيل عنهن كلفة التحفظ المتعب لهن ] تفسير القرطبي12/309. وقد بين الله سبحانه وتعالى أنه يجوز للقواعد من النساء وضع الثياب بشرط أن لا يبدين زينتهن للرجال ولا يتبرجن والتبرج عند العلماء هو أن تظهر المرأة زينتها ومحاسنها مما يجب عليها ستره وذلك قوله تعالى:(غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(. قال الإمام القرطبي:[ قوله تعالى:{ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ }أي غير مظهرات ولا متعرضات بالزينة لينظر إليهن فإن ذلك من أقبح الأشياء وأبعده عن الحق والتبرج التكشف والظهور للعيون ] تفسير القرطبي 12/309.
ومع جواز تخففهن من الثياب إلا أن الاستعفاف خير لهن بنص الآية الكريمة (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ( وقد أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي في السنن عن عاصم الأحول قال: دخلت على حفصة بنت سيرين وقد ألقت عليها ثيابها، فقلت أليس يقول الله (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ( قالت: اقرأ ما بعده (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ( وهو ثياب الجلباب. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ( قال: يلبسن جلابيبهن. ذكرهما السيوطي في تفسيره 6/223.
وعليه فلا ينبغي للقواعد من النساء أن يتوسعن في هذا الأمر فيتساهلن في لباسهن تساهلاً كبيراً ويتبرجن فإن ذلك حرام عليهن. [ وفي ختم الآية بقوله تعالى:(وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ( إشارة إلى تحذير النساء المتقدمات بالسن - المرخص لهن بترك شيء من الحجاب - من ادعاء كونهن قواعد ولسن كذلك، أو خروجهن - بدعوى الرخصة - متبرجات بزينة وذلك مما لم يأذن به الله تعالى، السميع لما يقلن العليم بما يتصرفن الخبير بما يكتمن في قلوبهن ] حجاب المسلمة بين انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ص111.
وأما بالنسبة للنظر إلى النساء الكبيرات فلا بأس بالنظر إليهن قال الشيخ ابن قدامة المقدسي:[ والعجوز التي لا يشتهى مثلها لا بأس بالنظر منها إلى ما يظهر غالباً لقول الله تعالى:(وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا( قال ابن عباس في قوله تعالى:(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ … وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ( قال: فنسخ واستثنى من ذلك القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً الآية وفي معنى ذلك الشوهاء التي لا تشتهى ] المغني 7/102 - 103. وأما مصافحة النساء الكبيرات فلا تجوز على الراجح من أقوال أهل العلم لأن الأدلة التي حرمت مصافحة المرأة الأجنبية عامة شاملة لعموم النساء الشابات والعجائز بلا فرق بينهن، قال الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز والشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين جواباً على السؤال التالي: هل تجوز مصافحة المرأة الأجنبية؟ وإذا كانت تضع على يدها حاجزاً من ثوب وغيره فما الحكم؟ وهل يختلف الأمر إذا كان المصافح شاباً أو شيخاً أو كانت امرأة عجوزاً؟ قال الشيخان المذكوران:[ لا تجوز مصافحة النساء غير المحارم مطلقاً سواء كن شابات أو عجائز وسواء أكان المصافح شاباً أم شيخاً كبيراً لما في ذلك من خطر الفتنة لكل منهما، وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( إني لا أصافح النساء ) وقالت عائشة رضي الله عنها ( ما مست يد رسول اللهصلى الله عليه وسلم يد امرأة قط، ما كان يبايعهن إلا بالكلام ] ولا فرق بين كونها تصافحه بحائل أو بغير حائل، لعموم الأدلة ولسد الذرائع المفضية إلى الفتنة ] فتاوى العلماء للنساء ص 50. وقال الدكتور عبد الكريم زيدان:[ ومن عرض أقوال الفقهاء وأدلتهم وذكر ما جاء في السنة النبوية الشريفة بشأن المس والمصافحة بين الرجل والمرأة الأجنبية يترجح عندي عدم جواز المصافحة بين الرجل والمرأة الأجنبية سواء بدأ بالمصافحة الرجل أو بدأت بها المرأة سواء شابين أو عجوزين أو كان أحدهما شاباً والآخر عجوزاً، لأن الأحاديث التي ذكرنا وأفادت حظر المصافحة بين الرجل والمرأة الأجنبية جاءت مطلقة دون أن يرد فيها ما يقيد عدم الجواز بالشاب والشابة وجوازها بالنسبة للعجوز ] المفصل في أحكام المرأة 3/239.
وخلاصة الأمر أنه يجوز للنساء الكبيرات في العمر أن يتخففن من الجلباب بشرط أن لا يتبرجن ولا بأس بالنظر إلى ما يظهر من المرأة الكبيرة التي لا تشتهى وأما مصافحتها فحرام شرعاً.
فتاوى ابن باز 1-18 - (ج 3 / ص 310)
ج2- لا يجوز للمسلم أن يصافح أو يقبل غير زوجته ومحارمه بل ذلك من المحرمات ومن أسباب الفتنة وظهور الفواحش ، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : إني لا أصافح النساء وقالت عائشة رضي الله عنها : ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط حين البيعة إنما كان يبايعهن بالكلام وأقبح من المصافحة للنساء غير المحارم تقبيلهن سواء كن من بنات العم أو بنات الخال أو من الجيران أو من سائر القبيلة كل ذلك محرم بإجماع المسلمين . .
ومن أعظم الوسائل لوقوع الفواحش المحرمة . فالواجب على المسلم الحذر من ذلك وإقناع جميع النساء المعتادات لذلك من الأقارب وغيرهم بأن ذلك محرم ولو اعتاده الناس ، ولا يجوز للمسلم ولا للمسلمة فعله وإن اعتاده قرابتهم أو أهل بلدهم ، بل يجب إنكار ذلك وتحذير المجتمع منه ، ويكتفي بالكلام في السلام من غير مصافحة ولا تقبيل .
فتاوى ابن باز 1-18 - (ج 4 / ص 237)
حكم مصافحة الطالب لزميلته
س 1 : ما حكم مصافحة الطالب لزميلته في الدراسة ؟ وماذا يفعل لو مدت يدها للسلام عليه ؟
ج 1 : لا تجوز الدراسة المختلطة مع الفتيات في محل واحد أو في مدرسة واحدة ، أو في كراس واحدة بل هذا من أعظم أسباب الفتنة فلا يجوز للطالب ولا للطالبة هذا الاشتراك لما فيه من الفتن .
وليس للمسلم أن يصافح المرأة الأجنبية عنه ولو مدت يدها إليه . ويخبرها أن المصافحة لا تجوز للرجال الأجانب؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حين بيعته للنساء : إني لا أصافح النساء وثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط ، ما كان يبايعهن إلا بالكلام ) وقد قال الله عز وجل : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ولأن المصافحة للنساء من غير محارمهن من وسائل الفتنة للطرفين فوجب تركها .
أما السلام الشرعي الذي ليس فيه فتنة ومن دون مصافحة ولا ريبة ولا خضوع بالقول ومع الحجاب وعدم الخلوة فلا بأس به ، لقول الله عز وجل : يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ولأن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كن يسلمن عليه ويستفتينه فيما يشكل عليهن ، وهكذا كانت النساء يستفتين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يشكل عليهن .
أما مصافحة المرأة للنساء ولمحارمها من الرجال كأبيها وأخيها وعمها وغيرهم من المحارم فليس في ذلك بأس ، والله ولي التوفيق .
نشرت بالمجلة العربية في باب " فاسألوا أهل الذكر " .
فتاوى ابن باز 1-18 - (ج 6 / ص 305)
حكم مصافحة النساء من وراء حائل
سـ : الأخ الذي رمز لاسمه : ر ع . ق ا من المعهد العلمي بحوطة بني تميم بالمملكة العربية السعودية يسأل عن حكم مصافحة المرأة الأجنبية إذا كانت عجوزا وكذلك يسأل عن الحكم إذا كانت تضع على يدها حاجزا من ثوب ونحوه؟
جـ : لا تجوز مصافحة النساء غير المحارم مطلقا سواء كن شابات أم عجائز ، وسواء كان المصافح سابا أم شيخا كبيرا لما في ذلك من خطر الفتنة لكل منهما ، وقد صح عن رسول الله أنه قال : إني لا أصافح النساء وقالت عائشة رضي الله عنها : ما مست يد رسول الله يد امرأة قط ما كان يبايعهن إلا بالكلام ولا فرق بين كونها تصافحه بحائل أو بغير حائل لعموم الأدلة ولسد الذرائع المفضية إلى الفتنة والله ولي التوفيق .
نشرت في المجلة العربية .
فتاوى الزحيلي - (ج 1 / ص 364)
ما حكم المصافحة في المذهب الحنفي؟ هل هو حرام أم أنه فقط ينقض الوضوء ( بالنسبة لمصافحة الأجانب ) ؟
هناك فرق بين حرمة المصافحة ونقض الوضوء ، أما المصافحة للمرأة الأجنبية فحرام مطلقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ( إني لا أصافح النساء ) ) قال ذلك في البيعة على الإسلام.
أما نقض الوضوء بلمس المرأة أو العكس فلا ينقض عند الحنفية مجرد اللمس ، وكذا عند المالكية والحنابلة إن لم يوجد شيء في النفس وتتحرك الشهوة ، وينقض لمس المرأة مطلقاً ، اللامس والملموس بين الكبار أو البالغين لا الأطفال في مذهب الشافعية سواء تحركت الشهوة أم لا.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 13 / ص 39)
مصافحة الأجنبيات في بلاد الغرب
المجيب د. أحمد بن محمد الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإٌسلامية
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/الأخلاق
التاريخ 28/06/1425هـ
السؤال
أنا أعمل في إحدى شركات الاتصالات، وأنا من الشباب الملتزمين -ولله الحمد-، ومرة طُلِب مني السفر للخارج لأخذ دورة متخصصة في مجال عملي، وعند وصولي إلى الدولة الغربية حصلت أمور كثيرة أحصرها فيما يلي، وأود إجابتكم عنها واحدة واحدة مشكورين مأجورين، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الدورة متخصصة جدًا، ولا يوجد لها مثيل في الدول العربية جميعاً، وكذلك سافرت برفقة مجموعة من الزملاء:
1-عند دخولنا المعهد المخصص قابلتنا امرأة كبيرة في السن، واستقبلتنا استقبالاً حاراً، وكل واحد منا تسلم عليه مصافحة وتسأله عن اسمه الخ... فأنا عملت كما عمل أصحابي، وسلمت عليها محرجاً منها.
2- بعض المحاضرات تقدمها نسوة متبرجات فما العمل؟.
3- عند مقابلتنا لمسؤولات، أو عندما نريد أن نسألهن لا بد أن تضع وجهك ونظرك إلى وجهها، وتتحدث معها، فهل هناك محظور شرعي؟.
4- ونحن في شوارع تلك الدولة نرى نساء شبه عاريات، مع حرصنا الشديد على تجنب ذلك.
سؤالي يا شيخ في هذه الحالة، هل علينا إثم؟ وماذا نعمل؟ أرجو إجابة عن سؤالي من منظور التسامح والرفق في الدين، وكذلك تزويدي بأكثر من رأي لعلمائنا الأجلاء؛ لكي تتم الفائدة.
الجواب
لا يجوز للرجل أن يصافح امرأة أجنبية منه، ولو كانت كبيرة في السن، لعموم النصوص الواردة في تحريم ذلك ، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم : "إني لا أصافح النساء " رواه النسائي(4181) وابن ماجة(2874)، ولما رواه البخاري(4891) وغيره عن عائشة -رضي الله عنها- قالت : "والله ما مست يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام ".ولما رواه معقل بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير من أن يمس امرأة لاتحل له " أخرجه الطبراني في الكبير(20/210) والرويائي في مسنده(227/2)، وقال المنذري : ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح " وحسن الحديث الألباني في غاية المرام [196] والصحيحة [226].
ويمكن لمن ابتلي بامرأة أجنبية تمد يدها لتصافحه أن يعتذر عن ذلك برفق، ويبين أن سبب امتناعه هو سبب شرعي يلزمه به دينه ، وليس القصد منه تنقص المرأة أو الترفع عنها، وغالباً ما يحصل الاقتناع إذا أحسن الشخص تفسير موقفه بالامتناع من المصافحة ، وقد يكون هذا الموقف أحيانا وسيلة إلى جذب انتباه الطرف الآخر إلى أحكام الإسلام ومبادئه، وربما أدى به ذلك في النهاية إلى الإسلام .
ولكن إذا تيقَّن الإنسان في بعض الحالات أن امتناعه عن المصافحة سيجر عليه مفسدة أكبر، أو يفوت عليه مصلحة أعظم من مفسدة المصافحة، كعدم القبول للعمل أو الدراسة، وهو محتاج إليهما حاجة شديدة ،ولا يجد بديلاً عن ذلك، فيرى بعض العلماء أنه لو صافح المرأة في مثل هذه الحال فلا حرج عليه ، لأن كثيراً من أحكام المسلمين في بلاد الغرب ينطبق عليها حكم الضرورة أو الحاجة التي تقرب منها ، لكن لا يجوز أن يتساهل في هذا الأمر ويجعله قاعدة عامة، بل هو وضع استثنائي، وحالة خاصة تقدر بقدرها، ومثل ذلك يقال في المحاضرات التي تقدمها نسوة متبرجات، والنظر إلى النساء، فهذا لا يجوز، وعلى المسلم أن يختار المحاضرات التي يتولاها الرجال، ويغض بصره عن النظر إلى النساء، مادام ذلك ممكناً، وأما إذا اضطر إلى حضور مثل هذه المحاضرات؛ نظراً لعدم وجود الرجال، ولا يستطيع أن يحصل على هذه الدورة أو الشهادة إلا عبر المرور بهذه المحاضرات، وهذا التخصص مهم يحتاجه المجتمع المسلم ولا يستغني عنه، فعليه إذا حضر هذه المحاضرات أن يقتصر على الحد الأدنى منها، مع الحرص على غض البصر، والبعد عن مجتمع النساء داخل القاعة الدراسية، فيكون جلوسه وحديثه ومشاركته مع الرجال دون النساء. والله أعلم.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 13 / ص 100)
مصافحة المرأة الأجنبية
المجيب
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/آداب المعاملة
التاريخ 16/2/1423
السؤال
ما حكم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية وخاصة زوجة الأخ، أخت الزوجة، بنت العم والخال مع الدليل؟ وجزاكم الله خير الجزاء.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه،
وبعد: فالمصافحة: مفاعلة من وضع صفح الكف في صفح كف آخر، وصفح الكف بطنها، ومصافحة الرجل للمرأة الأجنبية عنه محرمة مطلقاً، سواء كانت ذات رحم، كبنت العم، وبنت الخال، ونحوهما، أو كانت قريبة من غير ذي الأرحام، كزوجة الأخ، وأخت الزوجة، أو كانت بعيدة كسائر النساء، هذا قول الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة السلف، وإنما خالف أبو حنيفة وأحمد في العجوز التي انقطع إرب الرجال منها، وقد دل على تحريم مصافحة الأجنبية حديث معقل بن يسار مرفوعاً:" لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له"، وهذا حديث أخرجه الروياني (1283) والطبراني في الكبير (20/211) من حديث شداد بن سعيد، عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير، عن معقل -رضي الله عنه-، وهذا إسناد صحيح، قال ابن تيمية بعد ذكره تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية - :" والمس كالنظر، وأولى".
فإن قيل: جاء عند البخاري (4892) عن أم عطية -رضي الله عنها- قالت: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا: (أن لا يشركن بالله شيئاً )، ونهانا عن النياحة، فقبضت امرأة يدها فقالت: أسعدتني فلانة فأريد أن أجزيها"، وهذا دال على أن المبايعة كانت بالمصافحة، وإلا لما صح التعبير بقبض اليد.
فالجواب: أن قبض اليد محتمل للقبض الحسي، وللقبض المعنوي، كأن يكون كناية عن التأخر عن قبول البيعة حتى ترد الإسعاد لصاحبتها، وإنما يجب الجزم بهذا الاحتمال الثاني لحديث عائشة -رضي الله عنها- في الصحيحين (البخاري (4891) ومسلم (1866)) قالت: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية بقول الله -تعالى-: (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك - إلى قوله- غفور رحيم) فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :" قد بايعتك " كلاماً، ولا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة، ما يبايعهن إلا بقوله: قد بايعتك على ذلك"، ولحديث مالك في الموطأ عن محمد بن المنكدر عن أميمة بنت رقيقة أنها قالت:" أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نسوة بايعنه على الإسلام، إلى أن قالت: فقلن: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا، هلم نبايعك يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم:" إني لا أصافح النساء، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة"، وأخرجه الترمذي (1597) والنسائي (4181) وابن ماجة (2874) وأحمد (27006) من هذه الطريق ، وإسناده صحيح.
فإن قيل: ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصافح النساء في المبايعة من وراء ثوب، فقد جاء عند أحمد في مسنده (27572) عن أسماء بنت يزيد -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع نساء المسلمين للبيعة فقالت له أسماء ألا تحسر لنا عن يدك يا رسول الله ، فقال: " إني لست أصافح النساء ".
فالجواب: أن الراوي عن أسماء هو شهر بن حوشب، وهو كثير الإرسال والأوهام، فحاله لا تحتمل المخالفة، والله أعلم.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 14 / ص 469)
مصافحة الأجنبيات
المجيب عبدالله بن عبدالوهاب بن سردار
خطيب جامع العمودي بالمدينة النبوية
التصنيف الفهرسة/ العادات/مسائل متفرقة
التاريخ 15/11/1423هـ
السؤال
السلام عليكم.
من المعلوم حرمة مصافحة النساء الأجنبيات، ولكن في العيد وعندما نذهب إلى أقاربنا يخرج لنا بنات ونساء أعمامنا وأخوالنا ويقومون بتقديم أيديهم للمصافحة فما العمل في مثل هذا الموقف؟ وهل يجوز عدم صلة الرحم لهذا السبب؟ علماً بأنني أستحي عندما يمدون أيديهن فأسلم عليهن رغم أنني كاره لذلك أشد الكره. أفيدوني أفادكم الله وأحسن إليكم.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أخي الكريم: جعلك الله تقياً وحفظك أينما كنت.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يصافح النساء، ويدل على ذلك ما جاء في قول أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-:"والله ما مسَّت يد رسول الله يد امرأة إلا امرأة يملكها" رواه البخاري (7214).
وقال -صلى الله عليه وسلم-:"إني لا أصافح النساء" رواه الإمام مالك (1893) وغيره.
ومنع النبي -صلى الله عليه وسلم- من لمس المرأة الأجنبية وحذر منه فقال:"لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له" رواه الطبراني (20/210) وهو صحيح.
فإذا كان الأمر كذلك فالواجب على المسلم الحذر من الوقوع في المعصية خوفاً من عقاب الله عز وجل وحذراً من الفتنة التي قد تحصل بسبب المصافحة.
وأنصحك بما يلي:
(1) قبل الأعياد والمناسبات والزيارات: انشر في العائلة الحكم الشرعي من خلال نشر الفتاوى أو المطويات ليتعلم الناس الحكم الشرعي وليمتنع النساء من مصافحتك حين تزور أقرباءك فيقل إحراجك في تلك الزيارات.
(2) عليك أن تنشر في العائلة أيضاً قبل الأعياد والمناسبات والزيارات أنك لا تريد مصافحة النساء لأن الأمر محرم وهذا سيقلل من إحراجك أيضاً.
(3) كن في كل الأحوال لطيفاً هيناً ليناً حسن المعاملة حتى تكون مقبولاً وتكون نصيحتك مقبولة، وإذا وجدت من الأقرباء جفوة أو إساءة فاصبر ولا ترد عليهم بإساءة.
(4) ولو كلمت أمك أو أختك وأقنعتهم بالحكم الشرعي ليعينوك على إفهام النساء الأخريات فهو خير.
(5) قلل من الزيارات التي تسبب الوقوع في هذه المعصية ولكن لا تقطعها.
(6) اجتهد في صلة الرحم بالوسائل الأخرى مثل الاتصال الهاتفي، ومثل لقاء أخوالك وأعمامك خارج البيوت، مع تقديم الخدمة لهم وتقديم الهدية ولو كانت يسيرة، حتى تكون واصلاً للرحم، وحتى يقل الضغط عليك.
أما خالاتك وعماتك فزرهن حين يكن وحدهن إذا تيسر ذلك، وصلهن بالاتصال الهاتفي والهدايا وحاول إقناعهن إما بشكل مباشر منك أو بواسطة أمك وأختك أو غيرهما، والله الموفق. أعانك الله وثبتك.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 16 / ص 399)
ينقمون منا أننا لا نصافح النساء!
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 19/01/1427هـ
السؤال
نحن مجموعة من الشباب التزمنا بديننا، وقصرنا الإزار، وأطلقنا اللحى مع المحافظة على الفرائض -والحمد لله-، ولكن بعض الناس شنوا حملة ضدنا، وقالوا: تقصير الإزار ليس وقته الآن، وأن هناك شيئاً أهم، ويعترضون عندما لا نصافح النساء، فعابوا علينا هذا. أرشدونا وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فمن نعم الله -تعالى- على العبد أن يكرمه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ومن ذلك عدم إسبال الإزار والثوب والسراويل وغيرها، فعن أبي ذر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال" "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم"، قال فقرأها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث مرار، قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال: "المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب"، رواه البخاري (4907)، ومسلم (106).
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء"، رواه البخاري (5446)، ومسلم (2084).
وأُزرة الرجل المسلم من كعبيه حتى منتصف ساقيه، فعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأسفل من عضلة ساقي أو ساقه فقال: "هذا موضع الإزار فإن أبيت فأسفل فإن أبيت فلا حق للإزار في الكعبين". رواه أحمد (22732)، والنسائي في الكبرى (9687)، والترمذي (1782)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وفي حديث بيعة الرضوان جاء فيه عن إياس بن سلمة عن أبيه -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث عثمان -رضي الله عنه- إلى أهل مكة، فأجاره أبان بن سعيد وحمله على سرجه وردفه حتى قدم به مكة، فقال له: يا ابن عم مالي أراك متخشعا أسبل كما يسبل قومك. قال: هكذا متزر صاحبنا إلى أنصاف ساقيه. قال: يا ابن عم طف بالبيت. قال: إنا لا نصنع شيئاً حتى يصنعه صاحبنا. رواه ابن أبي شيبة (7/386)، والروياني في المسند (1155)، واللفظ له.
وإعفاء اللحية واجب، فلا يجوز أخذ ما دون القبضة؛ لحديث نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خالفوا المشركين وفروا اللحى وأحفوا الشوارب". وكان ابن عمر إذا حج قبض على لحيته فما فضل أخذه. رواه البخاري (5553).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس". رواه مسلم (260).
وأخرج أبو داود (4201) من حديث جابر -رضي الله عنه- قال: كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة.
وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح (10/350).
وقد حكى ابن حزم -رحمه الله تعالى- الاتفاق على تحريم حلقها. مراتب الإجماع (182)، الفروع (1/130).
والتزام السنة في الإزار واللحية لا يقتضي ترك ما هو أهم منهما ولا يعارضه، ولكن في حال الخوف الشديد فإن الضرورة تُقدر بقدرها.
أما مصافحة النساء الأجنبيات فلا شك في حرمته، لأدلة كثيرة، منها: حديث أميمة بنت رقيقة -رضي الله عنها- قالت: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في نسوة من الأنصار نبايعه، فقلنا: يا رسول الله نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزني ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف، قال: "فيما استطعتن وأطقتن". قالت: قلنا الله ورسوله أرحم بنا، هلمَّ نبايعك يا رسول الله. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة": رواه أحمد (26466)، والنسائي (4181)، وصححه ابن حبان (4553).
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: " والله ما مست يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يد امرأة إنه يبايعهن بالكلام". رواه البخاري ( 4983)، ومسلم (1866).
فهذا أشرف الخلق وأطهرهم وأتقاهم لا يصافح النساء الأجنبيات فلنا به أسوة وقدوة -عليه الصلاة والسلام-.
وعن معقل بن يسار -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له: رواه الروياني (1283)، والطبراني (20/211) رقم ( 486)، وقال المنذري -رحمه الله تعالى-: رواه الطبراني والبيهقي ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح ا.هـ: الترغيب والترهيب (3/26).
ولا يخفى على أحد ما يترتب على ذلك من إثارة للفتن والشهوات.
والواجب على المسلم امتثال أوامر الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- من غير تشهٍ وانتقاء، قال تعالى: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً"، [الأحزاب:36]، بل الواجب التسليم المطلق، قال تعالى: "فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً"، [النساء:65].
أما الانتقاء وفعل ما يوافق هواه ورد ما يخالفه فليس من صفات المؤمنين، قال تعالى: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً" [الأحزاب:21].قال الترمذي: الأسوة الحسنة في الرسول - صلى الله عليه وسلم - الاقتداء به، والاتباع لسنته، وترك مخالفته في قوله أو فعله . والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 10 / ص 287)
السلامة في ترك مصافحة الأجنبيات رقم الفتوى:19657تاريخ الفتوى:12 جمادي الأولى 1423السؤال : السلام عليكم ، جزاكم الله خيرا على هذه الخدمة المتميزة أما بعد فسؤالي كالتالي:
أنا شاب عمري 16 سنة أسكن في إحدى الدول الإسلامية ، شاركت في مسابقة علمية على مستوي الوطن العربي تنظمها وزارة التربية والتعليم في بلدي ، فزت بمركز عال في هذه المسابقة ، وتمت دعوتي لحضور حفل استلام الجوائز ، والذي ترعاه إحدى الأميرات في بلدنا فيجب علي الصعود على المنصة والتسليم على هذه الأميرة واستلام الجائزة ، وإلا فلن أستلم الجائزة - مع العلم بأن الجائزة قيمة- فهل يجوز لي أن أسلم عليها؟(لأن تجنب ذلك صعب) وجزاكم الله عنا كل خير.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا بأس أن تحضر الحفل، وتغض بصرك، وتصعد إلى المنصة لاستلام جائزتك، ولكن لا تمد يدك لمصافحة هذه المرأة، وأخبرها أنك لا تصافح النساء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لا أصافح النساء. رواه أحمد والنسائي وابن ماجه.
فإن سلمت لك الجائزة فلله الحمد، وإن لم تسلمها لك فاتركها لله عز وجل. واعلم أن من ترك شيئاً لله عوضه خيراً، وأن من يتق الله تعالى يرزقه من حيث لا يحتسب، ويهيئ له السبل المباحة الموصولة لذلك.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 11 / ص 28)
"إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ" حديث صحيح رقم الفتوى:20150تاريخ الفتوى:17 جمادي الأولى 1423السؤال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنا لم أصافح النساء" الرجاء إكمال نص الحديث
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أخرج الإمامان مالك في الموطإ وأحمد في المسند وغيرهما عَنْ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ أَنَّهَا قَالَتْ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِسْوَةٍ بَايَعْنَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَقُلْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ نُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا نَسْرِقَ وَلَا نَزْنِيَ وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانٍ نَفْتَرِيهِ بَيْنَ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا وَلَا نَعْصِيَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ قَالَتْ فَقُلْنَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا هَلُمَّ نُبَايِعْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ إِنَّمَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ كَقَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مِثْلِ قَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 16 / ص 424)
الأدلة على حرمة مصافحة الأجنبيات رقم الفتوى:26796تاريخ الفتوى:21 شوال 1423السؤال : ما رأي الدين في المصافحة وما هي الأدلة وماذا يمكننا أن نقول للشخص الذي يسألنا لماذا لا تصافح وهل كان الخلفاء الراشدون لا يصافحون؟ رجاءاً تعجيل الرد.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اتفقت المذاهب المتبوعة على حرمة مصافحة النساء غير المحارم، وعلى ذلك دلت الأحاديث، ومن ذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إني لا أصافح النساء. رواه أحمد والنسائي وابن ماجه ، وقول عائشة رضي الله عنها: ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة، ما كان يبايعهن إلا بالكلام. رواه البخاري ومسلم.
هذا هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثله خلفاؤه الراشدون، وذوو العلم والفضل من سلف هذه الأمة.
أما من يسأل لماذا لا تصافح؟ فيجاب بأن تحريم المصافحة من حدود الله، وقد قال تعالى: تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون [البقرة:229]
وانظر الفتاوى التالية:
1025 22788 13279
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 21 / ص 236)
حكم سلام المرأة على خطيبها رقم الفتوى:32504تاريخ الفتوى:23 ربيع الأول 1424السؤال : أنا فتاة مخطوبة ولا أصافح الرجال، فهل من الممكن أن أسلم على خطيبى أم لا، وكيف أقنع من حولي بأن المصافحة مكروهة إن كانت غير محرمة بالنص؟ وجزاكم الله كل خير.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن سلام الرجل على امرأة لا تحل له وسلامها عليه يجوز إذا أمنت الفتنة ولم توجد ريبة، فعن أسماء بن يزيد الأنصارية قالت: مر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في جوار أتراب لي فسلم علينا. أخرجه البخاري في الأدب المفرد وقال الألباني صحيح، كما أخرجه الإمام أحمد في المسند والطبراني.
وعليه فيجوز لك السلام على خطيبك بشرط عدم الخلوة بينكما لأن الخاطب يعتبر أجنبياً يحرم بينه وبين خطيبته ما يحرم بين الرجل والمرأة الأجنبية عنه، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: لا يخلونّ رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان. أخرجه الإمام أحمد والترمذي والبيهقي.
هذا إذا لم يكن قد تم عقد القران بينكما وإلا فلا حرج عليك في مصافحته والخلوة معه.
أما المصافحة فإن كانت بين رجل وامرأة لا تحل له فلا تجوز بدليل ما رواه أحمد في المسند والطبراني في المعجم من حديث أميمة بنت رقيقة قالت: قلنا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تصافحنا، قال: إني لا أصافح النساء، وإنما قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة.
وأخرج الطبراني في المعجم الكبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل له.
وإن كانت المصافحة بين رجل ومحرمه من النساء فأفتى الإمام أحمد بن حنبل بكراهتها ونهى عنها فقد ذكر ابن مفلح في كتابه "الآداب الشرعية": أن أحمد بن حنبل سئل عن الرجل يصافح المرأة قال: لا وشدد فيه جداً، قلت فيصافحها بثوبه، قال: لا، قال رجل: وإن كان ذا محرم قال: لا.
ولعل الصواب تركه في هذا الزمان الذي كثر فيه الفساد والتبرج وكثرت وسائل إثارة الشهوة، فينبغي قطع الطريق وسد الباب على أصحاب الضمائر الخبيثة الذين يقصدون التلذذ بمصافحة المحارم.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 22 / ص 256)
حكم مصافحة الأجنبية وإلقاء السلام عليها رقم الفتوى:33816تاريخ الفتوى:25 ربيع الثاني 1424السؤال : هل تجوز مصافحة زوجة الأخ، وهل يجوز السلام عليها بدون مصافحة؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن زوجة الأخ أجنبية وليست من المحارم، وعلى ذلك.. فلا تجوز مصافحتها، لأنه لا تجوز مصافحة النساء غير المحارم مطلقاً، لما رواه النسائي في البيعة وابن ماجه في الجهاد وأحمد في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني لا أصافح النساء.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة، ما كان يبايعهن إلا بالكلام. رواه البخاري في الطلاق، ومسلم في الإمارة.
ولا فرق بين كونها تصافحه بحائل أو بغير حائل، لعموم الأدلة ولسد الذرائع المفضية إلى الفتنة، وأما السلام بدون مصافحة فجائز إذا أمنت الفتنة وبدون خلوة، فقد عادت أم الدرداء رجلاً من أهل المسجد من الأنصار. رواه البخاري تعليقاً.
وروى البخاري أيضاً عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال رضي الله عنهما قالت: فدخلت عليهما، قلت: يا أبت كيف تجدك؟ ويا بلال كيف تجدك؟... الحديث.
ولأن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كنّ يسلمن عليه ويستفتينه في ما يشكل عليهن، وهكذا كانت النساء يستفتين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ما يشكل عليهن.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 26 / ص 109)
النساء اللاتي حضرن بيعة العقبة رقم الفتوى:39212تاريخ الفتوى:28 شعبان 1424السؤال : من هما المرأتان الشهيدتان في بيعة العقبة؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم يكن في بيعة العقبة الأولى أو الثانية أي نوع من القتال حتى يقال إن هنالك من استشهد هناك، ولكن لعل المقصود من شهدتا بيعة العقبة الثانية "الكبرى" من النساء، فقد شهدتها أم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية، وأم منيع أسماء بنت عمرو رضي الله عنهما، قال الحافظ ابن حجر في الإصابة في ترجمته لأم منيع هذه: وقد أخرج ابن سعد عن الواقدي بسند له إلى أم عمارة قالت: كان الرجال تصفق على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة والعباس آخذ بيده، فلما بقيت أنا وأم منيع نادى زوجي غزية بن عمرو: يا رسول الله هاتان امرأتان حضرتا معنا يبايعنك، فقال: قد بايعتكما، إني لا أصافح النساء. انتهى.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 35 / ص 92)
بيان خطأ القول بأن الرسول محرم لكل نساء المسلمين رقم الفتوى:52862تاريخ الفتوى:17 رجب 1425السؤال :
قرأت في أحد المواقع أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان محرما لجميع نساء المسلمين بعد نزول آية تحريم استبداله لزوجاته عليه السلام فما صحة هذا القول؟
الفتوى :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الإجابة على السؤال نريد أن نقول لك أولاً: إن الآية التي نهت عن تبدل النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه وهي قول الله تعالى: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ {الأحزاب:52}.
قد صحح أهل العلم أن أولها وهو قوله تعالى "لا يحل لك النساء من بعد" قد نسخ بقوله: تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَن تَشَاء... الآية، وراجع في هذا فتوانا رقم: 14075.
وأما عن سؤالك، فقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يصافح الأجنبيات من النساء، ورد ذلك فيما رواه النسائي وابن ماجه وأحمد ومالك: أنه صلى الله عليه وسلم قال: إني لا أصافح النساء.
وفي شرح سنن ابن ماجه للسندي: أي الأجنبيات... وفي سنن الترمذي وغيره عن طاوس قال: ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة؛ إلا امرأة يملكها.
وفي أحاديث كثيرة أن عائشة رضي الله عنها وغيرها من أمهات المؤمنين كن يرفعن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجات النساء الأجنبيات اللاتي يأتين يستفتين في أمور دينهن. مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن محرماً لجميع نساء المسلمين، وعليه فما قرأته في الموقع المذكور غير صحيح.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 37 / ص 154)
حرمة مصافحة الاجنبية ليست من خصوصيات سيد المرسلين رقم الفتوى:55256تاريخ الفتوى:18 رمضان 1425السؤال:
ما حكم الإسلام في مصافحة الرجال للنساء ؟ وهل حديث مالك عن محمد بن المنكدر عن أميمة بنت رقيقة الذي ذكرت فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إني لا أصافح النساء يصف خصوصية من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم حيث إنه لم يأمر الرجال بالامتناع عن ذلك صراحة ؟
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية محرمة،وليس الحكم المذكور في الحديث الذي ذكر السائل من خصوصيات الرسول صلى الله عليه وسلم، ويدل لعدم الخصوصية أن الأصل اتباعه في كل مالم يثبت تخصيصه به. ويدل لهذا قول الله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ {الأحزاب:21}. ويدل له أيضا ثبوت نهيه صلى الله عليه وسلم عن مس النساء الأجنبيات. ففي الحديث: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له. رواه الطبراني وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح، وقال المنذرى رجاله ثقات وصححه الشيخ الألباني. وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 2412 ، 1025، 3045 ، 27658 ، 36155.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 40 / ص 401)
حكم مصافحة الأقارب العجائز رقم الفتوى:59396تاريخ الفتوى:18 محرم 1426السؤال :
لقد أرسلت لكم سؤالا يتعلق بالمصافحة وتم إجابتي بالفتاوى 1025/15995/12503 وحيث إن الموضوع في غاية الأهمية لأنه يوجد لدينا بليبيا عادات وتقاليد تختلف عن البلدان الإسلامية الأخرى وبالإضافة إلى كبار السن فهم ليس لهم أي مستوى تعليمي فتوجد لدي زوجات أعمامي وزوجات أخوالي فإن لم أصافحهن فسوف تسبب مشاكل عائلية وبالإضافة إلى أنهن مثل أمي فهن كبيرات في السن وفي المصافحة لا توجد أي شبهة يمكن للشيطان أن يدخل في أحد الطرفين فهل يجوز المصافحة بالقفاز إن تطلب الأمر أو أن أبتعد عن زيارة أقاربي أي قطع صلة الرحم؟
فأرشدونا جزاكم الله عن الإسلام والمسلمين خيرا
الفتوى :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على المسلم الاحتياط لنفسه والسعي في سبيل التورع عن الأمور المشتبه فيها والمختلف فيها، فإن السلامة مما اختلف في جوازه وتحريمه إنما تتم بالبعد عنه.
ومسألة مصافحة العجائز اللاتي لا تخشى بهن الفتنة ورد فيها خلاف بين العلماء فعلاً، ولكن المسلم العاقل يحرص على سلامته من عذاب الله، ويقدم رضى الله على رضى الناس، ويتابع الهدي النبوي ويقدمه على العوائد، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم البعد عن مصافحة النساء والوعيد الشديد على مسهن، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة، ما كان يبايعهن إلا بالكلام. رواه البخاري ومسلم.
وقد أخرج الإمامان مالك في الموطأ وأحمد في المسند وغيرهما عن أميمة بنت رقيقة أنها قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة بايعنه على الإسلام فقلن: يا رسول الله؛ نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لا أصافح النساء، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة أو مثل قولي لامرأة واحدة. والحديث صححه الألباني والأرناؤوط.
وثبت عنه في الوعيد على مسهن قوله صلى الله عليه وسلم: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له. رواه الطبراني والبيهقي. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رجاله ثقات.
وبهذا يتضح أن الأسلم والأرضى لله أن تترك مصافحتهن، وأما المصافحة بالقفاز فقد سئل الإمام أحمد عنها، وأفتى بمنعها. واعلم أن العوائد يجب نبذها عند خلافها للشرع كما قال الناظم:
فالعرف إن صادم أمر الباري *وجب أن ينبذ بالبراري
إذ ليس بالمفيد جري العيد *بخلف أمر المبدئ المعيد
واعلم أن قلوب العباد بيد الله، فإذا قدمت طاعته على هواهم أرضاهم عنك، فقد روى ابن حبان في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من التمس رضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى الناس عنه، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس.
فالحاصل أنا ننصحك بترك المصافحة وبالاتصال بأعمامك وأخوالك دون أن تدخل على زوجاتهم، واحرص على تعليمهم العلم الشرعي وتقوية إيمانهم حتى يخضعوا للحق جميعاً، وليكن ذلك بحكمة ورفق، وراجع الفتاوى التالية أرقامها للمزيد في الموضوع: 27658، 15995، 33816، 36155.
والله أعلم.(1/184)
نَظَرُ النِّسَاءِ إِلَى الْأَعْمَى
341-7997 أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ نَبْهَانَ ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ أَقْبَلَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أُمِرَ بِالْحِجَابِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " احْتَجِبَا مِنْهُ " فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلَيْسَ هُوَ أَعْمَى لَا يُبْصِرُنَا ، وَلَا يَعْرِفُنَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا ؟ أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ ؟ " قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ : مَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى عَنْ نَبْهَانَ غَيْرَ الزُّهْرِيِّ (1)
__________
(1) - سنن أبى داود برقم( 4114) وسنن الترمذى برقم( 3005 ) حسن
عون المعبود - (ج 9 / ص 146)
3585 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( حَدَّثَنِي نَبْهَان )
: بِنُونٍ مَفْتُوحَة ثُمَّ مُوَحَّدَة سَاكِنَة
( اِحْتَجِبَا )
: الْخِطَاب لِأُمِّ سَلَمَة وَمَيْمُونَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا
( مِنْهُ )
: أَيْ مِنْ اِبْن أُمّ مَكْتُوم
( أَفَعَمْيَاوَانِ )
: تَثْنِيَة عَمْيَاء تَأْنِيث أَعْمَى . وَقَدْ اِسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أُمّ سَلَمَة هَذَا مَنْ قَالَ إِنَّهُ يَحْرُم عَلَى الْمَرْأَة نَظَر الرَّجُل كَمَا يَحْرُم عَلَى الرَّجُل نَظَر الْمَرْأَة ، وَهُوَ أَحَد قَوْل الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد قَالَ النَّوَوِيّ : وَهُوَ الْأَصَحّ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { قُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ } وَلِأَنَّ النِّسَاء أَحَد نَوْعَيْ الْآدَمِيِّينَ فَحَرُمَ عَلَيْهِنَّ النَّظَر إِلَى النَّوْع الْآخَر قِيَاسًا عَلَى الرِّجَال وَيُحَقِّقهُ أَنَّ الْمَعْنَى الْمُحَرِّم لِلنَّظَرِ هُوَ خَوْف الْفِتْنَة وَهَذَا فِي الْمَرْأَة أَبْلَغ فَإِنَّهَا أَشَدّ شَهْوَة وَأَقَلّ عَقْلًا فَتُسَارِع إِلَيْهَا الْفِتْنَة أَكْثَر مِنْ الرَّجُل .
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ فِيمَا عَدَا مَا بَيْن سُرَّته وَرُكْبَته بِحَدِيثِ عَائِشَة قَالَتْ " رَأَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُر إِلَى الْحَبَشَة يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِد حَتَّى أَكُون أَنَا الَّذِي أَسْأَمهُ فَاقْدُرُوا قَدْر الْجَارِيَة الْحَدِيثَة السِّنّ الْحَرِيصَة عَلَى اللَّهْو " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ .
وَيُجَاب عَنْهُ بِأَنَّ عَائِشَة كَانَتْ يَوْمَئِذٍ غَيْر مُكَلَّفَة عَلَى مَا تَقْضِي بِهِ عِبَارَة الْحَدِيث . وَقَدْ جَزَمَ النَّوَوِيّ بِأَنَّ عَائِشَة كَانَتْ صَغِيرَة دُون الْبُلُوغ أَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْل الْحِجَاب . وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظ بِأَنَّ فِي بَعْض طُرُق الْحَدِيث أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْد قُدُوم وَفْد الْحَبَشَة وَأَنَّ قُدُومهمْ كَانَ سَنَة سَبْع وَلِعَائِشَة يَوْمَئِذٍ سِتّ عَشْرَة سَنَة . وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ فَاطِمَة بِنْت قَيْس الْمُتَّفَق عَلَيْهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدّ فِي بَيْت اِبْن أُمّ مَكْتُوم وَقَالَ إِنَّهُ رَجُل أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابك عِنْده وَيُجَاب بِأَنَّهُ يُمْكِن ذَلِكَ مَعَ غَضّ الْبَصَر مِنْهَا وَلَا مُلَازَمَة بَيْن الِاجْتِمَاع فِي الْبَيْت وَالنَّظَر .
( قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا لِأَزْوَاجِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة إِلَخْ )
: أَيْ حَدِيث أُمّ سَلَمَة مُخْتَصّ بِأَزْوَاجِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَحَدِيث فَاطِمَة بِنْت قَيْس لِجَمِيعِ النِّسَاء هَكَذَا جَمَعَ الْمُؤَلِّف أَبُو دَاوُدَ بَيْنَ الْأَحَادِيث . قَالَ الْحَافِظ فِي التَّلْخِيص : قُلْت : وَهَذَا جَمْع حَسَن وَبِهِ جَمَعَ الْمُنْذِرِيُّ فِي حَوَاشِيهِ وَاسْتَحْسَنَهُ شَيْخنَا اِنْتَهَى . وَجَمَعَ فِي الْفَتْح بِأَنَّ الْأَمْر بِالِاحْتِجَابِ مِنْ اِبْن أُمّ مَكْتُوم لَعَلَّهُ لِكَوْنِ الْأَعْمَى مَظِنَّة أَنْ يَنْكَشِف مِنْهُ شَيْء وَلَا يَشْعُر بِهِ فَلَا يَسْتَلْزِم عَدَم جَوَاز النَّظَر مُطْلَقًا . قَالَ وَيُؤَيِّد الْجَوَاز اِسْتِمْرَار الْعَمَل عَلَى جَوَاز خُرُوج النِّسَاء إِلَى الْمَسَاجِد وَالْأَسْوَاق وَالْأَسْفَار مُنْتَقِبَات لِئَلَّا يَرَاهُنَّ الرِّجَال وَلَمْ يُؤْمَر الرِّجَال قَطُّ بِالِانْتِقَابِ لِئَلَّا يَرَاهُمْ النِّسَاء ، فَدَلَّ عَلَى مُغَايَرَة الْحُكْم بَيْن الطَّائِفَتَيْنِ ، وَبِهَذَا اِحْتَجَّ الْغَزَالِيّ .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَسَن صَحِيح .
تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 87)
2702 - قَوْلُهُ : ( أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ )
الْأَيْلِيُّ
( عَنْ نَبْهَانَ )
الْمَخْزُومِيِّ مَوْلَاهُمْ ، كُنْيَتُهُ أَبُو يَحْيَى الْمَدَنِيُّ مُكَاتَبُ أُمِّ سَلَمَةَ ، مَقْبُولٌ مِنْ الثَّالِثَةِ .
قَوْلُهُ : ( أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَيْمُونَةُ )
بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْمُسْتَتِرِ فِي كَانَتْ وَسَوَّغَهُ الْفِعْلُ ، وَتُرْوَى مَنْصُوبَةً عَطْفًا عَلَى اِسْمِ أَنَّ وَمَجْرُورَةً عَطْفًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي . وَقَالَ الطِّيبِيُّ : الْأَوْجَهُ الْعَطْفُ عَلَى اِسْمِ أَنَّ لِيُشْعِرَ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ وَمَيْمُونَةُ دَاخِلَةٌ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْمَعْطُوفِ وَإِيقَاعَ الْفَصْلِ يَدُلُّ عَلَى أَصَالَةِ الْأَوَّلِ وَتَبَعِيَّةِ الثَّانِيَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ } أَوْقَعَ الْفَصْلَ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ إِسْمَاعِيلَ تَتَابَعَ لَهُ فِي الرَّفْعِ ، وَلَوْ عَطَفَ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ أَوْهَمَ الشَّرِكَةَ
( أَقْبَلَ اِبْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ )
وَهُوَ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ { أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى }
( فَدَخَلَ عَلَيْهِ )
أَيْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
( أَفَعَمْيَاوَانِ )
تَثْنِيَةُ عَمْيَاءَ ، تَأْنِيثُ أَعْمَى
( أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ )
قِيلَ فِيهِ تَحْرِيمُ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَى الْأَجْنَبِيِّ مُطْلَقًا ، وَبَعْضٌ خَصَّهُ بِحَالِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ عَلَيْهَا جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ عَائِشَةَ : كُنْت أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ ، وَمَنْ أَطْلَقَ التَّحْرِيمَ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ آيَةِ الْحِجَابِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ نَظَرُ الْمَرْأَةِ إِلَى الرَّجُلِ فِيمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ بِلَا شَهْوَةٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَرَعِ وَالتَّقْوَى . قَالَ السُّيُوطِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : كَانَ النَّظَرُ إِلَى الْحَبَشَةِ عَامَ قُدُومِهِمْ سَنَةَ سَبْعٍ وَلِعَائِشَةَ يَوْمئِذٍ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً ، وَذَلِكَ بَعْدَ الْحِجَابِ فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى جَوَازِ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَى الرَّجُلِ اِنْتَهَى .
وَبِدَلِيلِ أَنَّهُنَّ كُنَّ يَحْضُرْنَ الصَّلَاةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ نَظَرُهُنَّ إِلَى الرِّجَالِ ، فَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَمْ يُؤْمَرْنَ بِحُضُورِ الْمَسْجِدِ وَالْمُصَلَّى وَلِأَنَّهُ أُمِرَتْ النِّسَاءُ بِالْحِجَابِ عَنْ الرِّجَالِ ، وَلَمْ يُؤْمَرْ الرِّجَالُ بِالْحِجَابِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ هَذَا مَا لَفْظُهُ : هَذَا لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً ، أَلَا تَرَى إِلَى اِعْتِدَادِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ عِنْدَ اِبْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ . قَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ : " اِعْتَدِّي عِنْدَ اِبْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ . فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَك عِنْدَهُ " اِنْتَهَى . وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ : هَذَا جَمْعٌ حَسَنٌ ، وَبِهِ جَمَعَ الْمُنْذِرِيُّ فِي حَوَاشِيهِ وَاسْتَحْسَنَهُ شَيْخُنَا اِنْتَهَى . وَقَالَ فِي الْفَتْحِ : الْأَمْرُ بِالِاحْتِجَابِ مِنْ اِبْنِ مَكْتُومٍ ، لِعِلْمِهِ لِكَوْنِ الْأَعْمَى مَظِنَّةَ أَنْ يَنْكَشِفَ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَا يَشْعُرُ بِهِ ، فَلَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمُ جَوَازِ النَّظَرِ مُطْلَقًا .
قَالَ : وَيُؤَيِّدُ الْجَوَازَ اِسْتِمْرَارُ الْعَمَلِ عَلَى جَوَازِ خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَالْأَسْفَارِ ، مُنْتَقِبَاتٍ لِئَلَّا يَرَاهُنَّ الرِّجَالُ ، وَلَمْ يُؤْمَرْ الرِّجَالُ قَطُّ بِالِانْتِقَابِ لِئَلَّا يَرَاهُمْ النِّسَاءُ . فَدَلَّ عَلَى مُغَايَرَةِ الْحُكْمِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ .
قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ : أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ نَبْهَانَ ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْهَا وَإِسْنَادُهُ قَوِيٌّ ، وَأَكْثَرُ مَا عُلِّلَ بِهِ اِنْفِرَادُ الزُّهْرِيِّ بِالرِّوَايَةِ عَنْ نَبْهَانَ وَلَيْسَتْ بِعِلَّةٍ قَادِحَةٍ . فَإِنَّ مَنْ يَعْرِفُهُ الزُّهْرِيُّ وَيَصِفُهُ بِأَنَّهُ مُكَاتَبُ أُمِّ سَلَمَةَ ، وَلَمْ يُجَرِّحْهُ أَحَدٌ لَا تُرَدُّ رِوَايَتُهُ .
مشكل الآثار للطحاوي - (ج 1 / ص 298)
باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله عليه السلام في جوابه كان لزوجتيه أم سلمة وميمونة رضوان الله عليهما لما دخل عليه ابن أم مكتوم الأعمى وهما عنده بعدما أنزل الحجاب : « احتجبا منه » فقلنا : يا رسول الله إنه أعمى لا يرانا ولا يعرفنا ومن قوله لهما : « أعمياوان أنتما »
250 - حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، حدثني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن نبهان مولى أم سلمة أن أم سلمة أخبرته أنها كانت عند رسول الله عليه السلام وميمونة ، قالت : فبينا نحن عنده أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه ، وذلك بعد أن أمر بالحجاب فقال رسول الله عليه السلام : « احتجبا منه » فقلنا : يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا ؟ فقال رسول الله عليه السلام « أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه »
251 - حدثنا أحمد بن شعيب ، أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، أخبرنا عبد الرزاق ، حدثني ابن المبارك ، عن يونس ، عن الزهري ، عن نبهان مولى أم سلمة ، عن أم سلمة ، قالت : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة فاستأذن ابن أم مكتوم ، وذلك بعد الحجاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « قوما » فقلت : يا رسول الله إنه أعمى لا يبصرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أفعمياوان أنتما ؟ » فكان في هذا الحديث ما قد دل أن الله عز وجل لما حجب أمهات المؤمنين عن الناس فمنعهم من رؤيتهن بقوله تعالى : وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب (1) أنه قد كان في ذلك حجب الناس عنهن كما حجبهن عن الناس ، وأنه حرام عليهن النظر إلى الناس الذين يحرم عليهم النظر إليهن فدخل في ذلك العميان والبصراء جميعا فتوهم متوهم أن ما في هذا الحديث مما ذكرنا ما قد خالف ما في الحديث المروي في أمر عائشة رضوان الله عليها
__________
(1) سورة : الأحزاب آية رقم : 53
252 - وهو ما حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب ، حدثني عمرو بن الحارث ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة قالت : « رأيت رسول الله عليه السلام يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون وأنا جارية فاقدروا قدر الجارية العربة الحديثة السن »
253 - وما قد حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، قال : قال عمرو : عن أبي الأسود ، عن عروة ، عن عائشة : وكان يوما عندي تعني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعب السودان بالدرق (1) والحراب فإما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإما قال : « تنظرين ؟ » فقلت : نعم فأقامني وراءه حذاء خده ، وهو يقول : « دونكم يا بني أرفدة » حتى إذا مللت قال : « حسبك ؟ » قلت : نعم قال : « اذهبي »
__________
(1) الدرق : جمع الدرقة وهي الترس إذا كان من جلد ليس فيه خشب ولا عصب
254 - حدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب ، وحدثني بكر بن مضر ، عن ابن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث ، عن أبي سلمة ، عن عائشة ، قالت : دخل الحبشة المسجد يلعبون فقال لي : « يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم ؟ » فقلت : نعم فقام بالباب وجئته فوضعت ذقني على عاتقه وأسندت وجهي إلى خده ومن قولهم يومئذ أبا القاسم طيبا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « حسبك » فقلت يا رسول الله لا تعجل فقام ، ثم قال : « حسبك » فقلت : لا تعجل يا رسول الله قالت : وما بي حب النظر إليهم ، ولكن أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي أو مكاني منه
255 - وما قد حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ، حدثنا بشر بن بكر ، حدثني الأوزاعي ، حدثني ابن شهاب ، حدثني سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، قال دخل عمر بن الخطاب والحبشة يلعبون في المسجد فزجرهم ، فقال رسول الله عليه السلام : « دعهم يا عمر فإنهم بنو أرفدة » فكان جوابنا له عن ذلك أن ما في حديث عائشة هذا لم يبن لنا مضادته لحديث أم سلمة وميمونة الذي رويناه في الفصل الأول من هذا الباب وكان ما في حديث أم سلمة وميمونة مكشوف المعنى وموقوفا به على أنه كان بعد نزول الحجاب وعلى أن ما فيه مما خاطب به رسول الله عليه السلام أم سلمة وميمونة زوجتيه كان لامرأتين بالغتين قد لحقهما العبادة وكان حديث عائشة لا ذكر فيه لتقدم نزول الحجاب في نساء رسول الله عليه السلام عن الناس وفي حجاب الناس عنهن وليس لأحد أن يحمله على أنه كان بعد نزول الحجاب إلا كان لمخالفه أن يحمله على أنه كان قبل نزول الحجاب فيتكافآن في ذلك وإذا تكافآ فيه ارتفع وقد يحتمل أيضا أن يكون ما في حديث عائشة كان وهي حينئذ لم تبلغ مبلغ النساء فلم يلحقها العبادات فكان ذلك الذي كان منها كان ولا تعبد عليها فقال هذا القائل وفيما رويتم عن عائشة ما يجب دفعه وترك قبوله ؛ لأن فيه لعب السودان بالدرق في مسجد رسول الله عليه السلام ، وذلك من اللهو الذي لا يصلح في غيره من المساجد وكيف فيه على تجاوز حرمته حرمتهم غير المسجد الحرام ووصل ذلك بما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
256 - مما قد حدثناه علي بن معبد ، حدثنا عبد الله بن بكر السهمي ، قال أبو جعفر لم يكن هذا من سهم قريش كان من سهم باهلة عن حميد الطويل عن أنس بن مالك وما قد حدثنا علي بن شيبة ، حدثنا يزيد بن هارون ، حدثنا حميد ، عن أنس بن مالك قال : قدم رسول الله عليه السلام المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما في الجاهلية فقال : « إن الله أبدلكما بهما خيرا منهما يوم الفطر ويوم النحر » وكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله أن الذي في حديث عائشة مما كان من السودان في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس من اللهو المذموم ؛ لأنه مما يحتاج إليه من أمثالهم في الحرب فذلك محمود منهم في المسجد وفيما سواه والذي في حديث أنس مما كانوا يفعلونه في الجاهلية من اللعب كان على جهة اللهو مما لا يقابل بمثله عدو ولا منفعة فيه للإسلام ولا لأهله فذلك مذموم من أهله غير محمود منهم وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صنف من اللهو الذي يرجع إليه أنه آلة في حرب العدو وأنه محمود
257 - كما حدثنا بكار ، حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، حدثنا هشام الدستوائي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلام ، عن عبد الله بن زيد الأزرق ، عن عقبة بن عامر ، عن رسول الله عليه السلام قال : « إن الله عز وجل يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة صانعه يحتسب في صنعته الأجر والرامي به ، والمنبله فارموا واركبوا وأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا وليس من اللهو إلا ثلاثة تأديب الرجل فرسه ومداعبته امرأته ورميه بقوسه ومن ترك الرمي بعد ما علمه كانت نعمة كفرها » وحدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا مروان بن معاوية ، حدثنا هشام بن زكريا ، بإسناده وكما حدثنا الربيع ، ثنا بشر بن بكر ، حدثنا أبو رجاء ، حدثني أبو سلام ، حدثني خالد بن زيد ، قال : قال لي عقبة بن عامر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر مثله . وكان ما قد رويناه من حديث عقبة هذا قد دل على أن ما كان من اللهو مما يراد به تعليم آلة الحرب مما هو مأمور به محمود عليه أهله فبان مما ذكرنا بتوفيق الله وعونه أن لا شيء فيما رويناه في هذا الباب عن رسول الله عليه السلام مضاد لشيء مما رويناه عنه فيه وأن كل نوع منه فلمعنى أراده صلى الله عليه وسلم به وأن تمييز ذاك ووضعه مواضعه يؤخذ من أهل العلم بمثله لا ممن سواهم والحمد لله
تأويل مختلف الحديث - (ج 1 / ص 67)
قالوا: حديث يبطله الإجماع والكتاب، قالوا: رويتم أن ابن أم مكتوم استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده امرأتان من أزواجه فأمرهما بالاحتجاب فقالتا: يا رسول الله إنه أعمى فقال: أفعمياوان أنتما والناس مجمعون على أنه لا يحرم على النساء أن ينظرن إلى الرجال إذا استترن وقد كن يخرجن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد ويصلين مع الرجال وقلتم في تفسير قول الله عز وجل: " ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " إنه الكحل والخاتم.
قال أبو محمد: ونحن نقول إن الله عز وجل أمر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاحتجاب إذ أمرنا أن لا نكلمهن إلا من وراء حجاب فقال: " وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب " وسوء دخل عليهن الأعمى والبصير من غير حجاب بينه وبينهن لأنهما جميعاً يكونان عاصيين لله عز وجل ويكن أيضاً عاصيات لله تعالى إذا أذن لهما في الدخول عليهن وهذه خاصة لأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم كما خصصن بتحريم النكاح على جميع المسلمين فإذا خرجن عن منازلهن لحج أو غير ذلك من الفروض أو الحوائج التي لا بد من الخروج لها زال فرض الحجاب لأنه لا يدخل عليهن حينئذ داخل فيجب أن يحتجبن منه إذا كن في السفر بارزات وكان الفرض إنما وقع ي المنازل التي هن بها نازلات.
شرح الزرقاني على موطأ مالك - (ج 6 / ص 114)
نبهان عن أم سلمة: «أنه صلى الله عليه وسلم قال لها ولميمونة وقد دخل عليهما ابن أم مكتوم: احتجبا منه، فقالتا: إنه أعمى، فقال صلى الله عليه وسلم: أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه؟» وأجاب عياض بأنه تغليظ على أزواجه في الحجاب لحرمتهن، فكما غلظ الحجاب على الرجال فيهن غلظ عليهن أن ينظرن إلى الرجال، ولا خلاف أن على المرأة أن تغض بصرها كما على الرجل غضه كما نص الله، وإنما خص ابن أم مكتوم بذلك لأنه لا يدري ما ينكشف منها، ألا ترى قوله: تضعين ثيابك وإذا وضعت خمارك لم يرك فلا يخشى لعماه ما يخشى من غيره من النظر لتردّده للمجاورة والملازمة ولما عليها من المشقة في التحرّز من النظر إليها، وإلى هذا أشار أبو داود وغيره، قال الزواوي: ويحتمل أنه أباح لها الاعتداد عند ابن أمّ مكتوم لضرورتها إلى ذلك، ولا ضرورة بأزواجه صلى الله عليه وسلم في النظر إليه مع أن قوله تعالى: {يا نساء النبي لستنّ كأحد من النساء} (الأحزاب: 32) يدل على صحة ما قاله أبو داود ومن وافقه. (فإذا حللت فآذنيني) بمدّ الهمزة أعلميني. وفي رواية لمسلم: «لا تفوتيني بنفسك» وفي أخرى له: «وأرسل إليها أن لا تسبقيني بنفسك» قيل: فيه جواز التعريض، واستبعده عياض بأنه ليس في قوله آذنيني ولا تسبقيني بنفسك غير أمرها بالتربص دون تسمية زوج، والتعريض إنما هو من الزوج أو نائبه، أما المجهول فلا تعريض فيه ولا مواعدة، ولو أن الوليّ أو أجنبياً قال لها: إذا حللت زوّجتك أو لا تتزوّجي أحداً حتى تشاوريني لم يكن تعريضاً ولا مواعدة في العدّة، ولكن الحديث حجة في منع التعريض والمواعدة والخطبة في العدّة إذ لم يفعل صلى الله عليه وسلم شيئاً من ذلك، وردّه الزواوي والأبي بأن الله قد أباح التعريض في القرآن، قال الزواوي: والترك لا يدل على المنع لأنه قد يكون لا لمعنى من المعاني أو لعدم الحاجة إليه في ذلك الوقت أو لمعنى عادي أو طبعي. وقال ابن عبد البر: كره جماعة أن يقول
طرح التثريب - (ج 7 / ص 192)
( الْخَامِسَةُ ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ نَظَرِ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ وَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا أَوْجُهٌ : ( أَحَدُهَا ) وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ جَوَازَهُ فَتَنْظُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ إلَّا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ .
وَ ( الثَّانِي ) لَهَا أَنْ تَنْظُرَ مِنْهُ مَا يَبْدُو فِي الْمِهْنَةِ فَقَطْ وَهَذَا الْحَدِيثُ مُحْتَمَلٌ لِلْوَجْهَيْنِ .
وَ ( الثَّالِثُ ) وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ لِجَمَاعَةِ تَحْرِيمِ نَظَرِهَا لَهُ كَمَا يَحْرُمُ نَظَرُهُ إلَيْهَا وَاسْتَدَلَّ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ } { وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأُمِّ سَلَمَةَ وَأُمِّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا احْتَجِبَا عَنْهُ أَيْ عَنْ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَتَا : إنَّهُ أَعْمَى لَا يُبْصِرُنَا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ } .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَحَسَّنَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا بِجَوَابَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا نَظَرَتْ إلَى وُجُوهِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ وَإِنَّمَا نَظَرَتْ لَعِبَهُمْ وَحِرَابَهُمْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَعَمُّدُ النَّظَرِ إلَى الْبَدَنِ وَإِنْ وَقَعَ بِلَا قَصْدٍ صَرَفَتْهُ فِي الْحَالِ .
وَ ( الثَّانِي ) لَعَلَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ فِي تَحْرِيمِ النَّظَرِ أَوْ أَنَّهَا كَانَتْ صَغِيرَةً قَبْلَ بُلُوغِهَا فَلَمْ تَكُنْ مُكَلَّفَةً عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : إنَّ الصَّغِيرَ الْمُرَاهِقَ لَا يُمْنَعُ النَّظَرَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ النَّظَرُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَلَا خَوْفِ فِتْنَةٍ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ حَرُمَ قَطْعًا .(1/185)
342-7998 أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ : حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ : حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ قَالَ : أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ ، عَنْ نَبْهَانَ ، مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأنا وَمَيْمُونَةُ جَالِسَتَانِ فَجَلَسَ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى فَقَالَ : " احْتَجِبَا مِنْهُ " قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ بِأَعْمَى لَا يُبْصِرُنَا قَالَ : " فَأَنْتُمَا لَا تُبْصِرَانِهِ ؟ "(1)
__________
(1) - سنن البيهقى برقم( 13907) المعجم الكبير للطبراني برقم(19163) وسنن أبى داود برقم( 4114) وهو حديث حسن .
عون المعبود - (ج 9 / ص 146)
3585 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( حَدَّثَنِي نَبْهَان )
: بِنُونٍ مَفْتُوحَة ثُمَّ مُوَحَّدَة سَاكِنَة
( اِحْتَجِبَا )
: الْخِطَاب لِأُمِّ سَلَمَة وَمَيْمُونَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا
( مِنْهُ )
: أَيْ مِنْ اِبْن أُمّ مَكْتُوم
( أَفَعَمْيَاوَانِ )
: تَثْنِيَة عَمْيَاء تَأْنِيث أَعْمَى . وَقَدْ اِسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أُمّ سَلَمَة هَذَا مَنْ قَالَ إِنَّهُ يَحْرُم عَلَى الْمَرْأَة نَظَر الرَّجُل كَمَا يَحْرُم عَلَى الرَّجُل نَظَر الْمَرْأَة ، وَهُوَ أَحَد قَوْل الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد قَالَ النَّوَوِيّ : وَهُوَ الْأَصَحّ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { قُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ } وَلِأَنَّ النِّسَاء أَحَد نَوْعَيْ الْآدَمِيِّينَ فَحَرُمَ عَلَيْهِنَّ النَّظَر إِلَى النَّوْع الْآخَر قِيَاسًا عَلَى الرِّجَال وَيُحَقِّقهُ أَنَّ الْمَعْنَى الْمُحَرِّم لِلنَّظَرِ هُوَ خَوْف الْفِتْنَة وَهَذَا فِي الْمَرْأَة أَبْلَغ فَإِنَّهَا أَشَدّ شَهْوَة وَأَقَلّ عَقْلًا فَتُسَارِع إِلَيْهَا الْفِتْنَة أَكْثَر مِنْ الرَّجُل .
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ فِيمَا عَدَا مَا بَيْن سُرَّته وَرُكْبَته بِحَدِيثِ عَائِشَة قَالَتْ " رَأَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُر إِلَى الْحَبَشَة يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِد حَتَّى أَكُون أَنَا الَّذِي أَسْأَمهُ فَاقْدُرُوا قَدْر الْجَارِيَة الْحَدِيثَة السِّنّ الْحَرِيصَة عَلَى اللَّهْو " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ .
وَيُجَاب عَنْهُ بِأَنَّ عَائِشَة كَانَتْ يَوْمَئِذٍ غَيْر مُكَلَّفَة عَلَى مَا تَقْضِي بِهِ عِبَارَة الْحَدِيث . وَقَدْ جَزَمَ النَّوَوِيّ بِأَنَّ عَائِشَة كَانَتْ صَغِيرَة دُون الْبُلُوغ أَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْل الْحِجَاب . وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظ بِأَنَّ فِي بَعْض طُرُق الْحَدِيث أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْد قُدُوم وَفْد الْحَبَشَة وَأَنَّ قُدُومهمْ كَانَ سَنَة سَبْع وَلِعَائِشَة يَوْمَئِذٍ سِتّ عَشْرَة سَنَة . وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ فَاطِمَة بِنْت قَيْس الْمُتَّفَق عَلَيْهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدّ فِي بَيْت اِبْن أُمّ مَكْتُوم وَقَالَ إِنَّهُ رَجُل أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابك عِنْده وَيُجَاب بِأَنَّهُ يُمْكِن ذَلِكَ مَعَ غَضّ الْبَصَر مِنْهَا وَلَا مُلَازَمَة بَيْن الِاجْتِمَاع فِي الْبَيْت وَالنَّظَر .
( قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا لِأَزْوَاجِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة إِلَخْ )
: أَيْ حَدِيث أُمّ سَلَمَة مُخْتَصّ بِأَزْوَاجِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَحَدِيث فَاطِمَة بِنْت قَيْس لِجَمِيعِ النِّسَاء هَكَذَا جَمَعَ الْمُؤَلِّف أَبُو دَاوُدَ بَيْنَ الْأَحَادِيث . قَالَ الْحَافِظ فِي التَّلْخِيص : قُلْت : وَهَذَا جَمْع حَسَن وَبِهِ جَمَعَ الْمُنْذِرِيُّ فِي حَوَاشِيهِ وَاسْتَحْسَنَهُ شَيْخنَا اِنْتَهَى . وَجَمَعَ فِي الْفَتْح بِأَنَّ الْأَمْر بِالِاحْتِجَابِ مِنْ اِبْن أُمّ مَكْتُوم لَعَلَّهُ لِكَوْنِ الْأَعْمَى مَظِنَّة أَنْ يَنْكَشِف مِنْهُ شَيْء وَلَا يَشْعُر بِهِ فَلَا يَسْتَلْزِم عَدَم جَوَاز النَّظَر مُطْلَقًا . قَالَ وَيُؤَيِّد الْجَوَاز اِسْتِمْرَار الْعَمَل عَلَى جَوَاز خُرُوج النِّسَاء إِلَى الْمَسَاجِد وَالْأَسْوَاق وَالْأَسْفَار مُنْتَقِبَات لِئَلَّا يَرَاهُنَّ الرِّجَال وَلَمْ يُؤْمَر الرِّجَال قَطُّ بِالِانْتِقَابِ لِئَلَّا يَرَاهُمْ النِّسَاء ، فَدَلَّ عَلَى مُغَايَرَة الْحُكْم بَيْن الطَّائِفَتَيْنِ ، وَبِهَذَا اِحْتَجَّ الْغَزَالِيّ .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَسَن صَحِيح .(1/186)
وَضْعُ الْمَرْأَةِ ثِيَابَهَا عِنْدَ الْأَعْمَى
343-7999 أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ : حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ : سَأَلْتُ فَاطِمَةَ ابْنَةَ قَيْسٍ فَأَخْبَرَتْنِي أَنَّ زَوْجَهَا الْمَخْزُومِيَّ طَلَّقَهَا ، فَأَبَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا ، فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا نَفَقَةَ لَكِ ، فَاذْهَبِي فَانْتَقِلِي إِلَى ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ، فَكُونِي عِنْدَهُ ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ " (1)
344-8000 أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ قَالَ : سَمِعْتُ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ قَالَتْ : أَرْسَلَ إِلَيَّ زَوْجِي أَبُو عَمْرِو بْنُ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي " رَبِيعَةَ بِطَلَاقِي وَأَرْسَلَ إِلَيَّ بِخَمْسَةِ آصُعِ شَعِيرٍ وَخَمْسَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ فَقُلْتُ : مَا لِي غَيْرُ هَذَا وَلَا أَعْتَدُّ فِي بَيْتِكُمْ قَالَ : لَا فَشَدَدْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " كَمْ طَلَّقَكِ " قُلْتُ : ثَلَاثًا قَالَ : " صَدَقَ وَلَيْسَ لَكِ نَفَقَةٌ اعْتَدِّي فِي بَيْتِ ابْنِ عَمِّكِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ، فَإِنَّهُ ضَرِيرُ الْبَصَرِ تُلْقِينَ ثِيَابَكِ عَنْكِ فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُكِ فَآذِنِينِي ، فَخَطَبَنِي خُطَّابٌ مِنْهُمْ مُعَاوِيَةُ وَأَبُو الْجَهْمِ " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَمَّا مُعَاوِيَةُ تَرِبٌ خَفِيفُ الْحَالِ ، وَأَبُو الْجَهْمِ يَضْرِبُ النِّسَاءَ ، أَوْ فِيهِ شِدَّةٌ عَلَى النِّسَاءِ ، وَلَكِنْ عَلَيْكِ بِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ " أَوْ قَالَ : " انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ "(2)
----------------
(1) - موطأ مالك برقم( 1228 ) وصحيح مسلم برقم( 3772)
(2) - موطأ مالك برقم( 1228 ) وصحيح مسلم برقم( 3770-3772) وسنن أبى داود برقم( 2286) ونص برقم(3257 و3258)
شرح النووي على مسلم - (ج 5 / ص 240)
2709 - فِيهِ حَدِيث فَاطِمَة بِنْت قَيْس
( أَنَّ أَبَا عَمْرو بْن حَفْص طَلَّقَهَا )
هَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُور أَنَّهُ أَبُو عَمْرو بْن حَفْص وَقِيلَ أَبُو حَفْص بْن عَمْرو وَقِيلَ أَبُو حَفْص بْن الْمُغِيرَة وَاخْتَلَفُوا فِي اِسْمه وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ اِسْمه عَبْد الْحَمِيد ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ : اِسْمه أَحْمَد . وَقَالَ آخَرُونَ : اِسْمه كُنْيَته .
وَقَوْله : ( أَنَّهُ طَلَّقَهَا ) هَذَا هُوَ الصَّحِيح الْمَشْهُور الَّذِي رَوَاهُ الْحُفَّاظ وَاتَّفَقَ عَلَى رِوَايَته الثِّقَات عَلَى اِخْتِلَاف أَلْفَاظهمْ فِي أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ الْبَتَّة أَوْ آخِر ثَلَاث تَطْلِيقَات . وَجَاءَ فِي آخِر صَحِيح مُسْلِم فِي حَدِيث الْجَسَّاسَة مَا يُوهِم أَنَّهُ مَاتَ عَنْهَا . قَالَ الْعُلَمَاء : وَلَيْسَتْ هَذِهِ الرِّوَايَة عَلَى ظَاهِرهَا بَلْ هِيَ وَهْم أَوْ مُؤَوَّلَة وَسَنُوَضِّحُهَا فِي مَوْضِعهَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .
وَأَمَّا قَوْله فِي رِوَايَة ( أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا )
وَفِي رِوَايَة : ( أَنَّهُ طَلَّقَهَا الْبَتَّة ) ، وَفِي رِوَايَة : ( طَلَّقَهَا آخِر ثَلَاث تَطْلِيقَات ) ، وَفِي رِوَايَة : ( طَلَّقَهَا طَلْقَة كَانَتْ بَقِيَتْ مِنْ طَلَاقهَا ) ، وَفِي رِوَايَة ( طَلَّقَهَا ) وَلَمْ يَذْكُر عَدَدًا وَلَا غَيْره . فَالْجَمْع بَيْن هَذِهِ الرِّوَايَات أَنَّهُ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْل هَذَا طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا هَذِهِ الْمَرَّة الطَّلْقَة الثَّالِثَة فَمَنْ رَوَى أَنَّهُ طَلَّقَهَا مُطْلَقًا أَوْ طَلَّقَهَا وَاحِدَة أَوْ طَلَّقَهَا آخِر ثَلَاث تَطْلِيقَات فَهُوَ ظَاهِر وَمَنْ رَوَى الْبَتَّة فَمُرَاده طَلَّقَهَا طَلَاقًا صَارَتْ بِهِ مَبْتُوتَة بِالثَّلَاثِ وَمَنْ رَوَى ثَلَاثًا أَرَادَ تَمَام الثَّلَاث .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَيْسَ لَك عَلَيْهِ نَفَقَة )
وَفِي رِوَايَة : ( لَا نَفَقَة لَك وَلَا سُكْنَى ) وَفِي رِوَايَة : ( لَا نَفَقَة ) مِنْ غَيْر ذِكْر السُّكْنَى .
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُطَلَّقَة الْبَائِن الْحَائِل هَلْ لَهَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى أَوْ لَا ؟ فَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَأَبُو حَنِيفَة وَآخَرُونَ : لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَأَحْمَد : لَا سُكْنَى لَهَا وَلَا نَفَقَة . وَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَآخَرُونَ : تُحْجَب لَهَا السُّكْنَى وَلَا نَفَقَة لَهَا . وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهُمَا جَمِيعًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ } فَهَذَا أَمْر السُّكْنَى . وَأَمَّا النَّفَقَة فَلِأَنَّهَا مَحْبُوسَة عَلَيْهِ . وَقَدْ قَالَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : لَا نَدَع كِتَاب رَبّنَا وَسُنَّة نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ اِمْرَأَة جَهِلَتْ أَوْ نَسِيَتْ . قَالَ الْعُلَمَاء . الَّذِي فِي كِتَاب رَبّنَا إِنَّمَا هُوَ إِثْبَات السُّكْنَى . قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : قَوْله : ( وَسُنَّة نَبِيّنَا ) هَذِهِ زِيَادَة غَيْر مَحْفُوظَة لَمْ يَذْكُرهَا جَمَاعَة مِنْ الثِّقَات . وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يُوجِب نَفَقَة وَلَا سُكْنَى بِحَدِيثِ فَاطِمَة بِنْت قَيْس . وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَ السُّكْنَى دُون النَّفَقَة لِوُجُوبِ السُّكْنَى بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى : { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ } وَلِعَدَمِ وُجُوب النَّفَقَة بِحَدِيثِ فَاطِمَة مَعَ ظَاهِر قَوْل اللَّه تَعَالَى : { وَإِنْ كُنَّ أُولَات حَمْل فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } فَمَفْهُومه أَنَّهُنَّ إِذَا لَمْ يَكُنْ حَوَامِل لَا يُنْفَق عَلَيْهِنَّ ، وَأَجَابَ هَؤُلَاءِ عَنْ حَدِيث فَاطِمَة فِي سُقُوط النَّفَقَة بِمَا قَالَهُ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَغَيْره أَنَّهَا كَانَتْ اِمْرَأَة لِسَنَةٍ وَاسْتَطَالَتْ عَلَى أَحْمَائِهَا فَأَمَرَهَا بِالِانْتِقَالِ عِنْد اِبْن أُمّ مَكْتُوم وَقِيلَ : لِأَنَّهَا خَافَتْ فِي ذَلِكَ الْمَنْزِل ، بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ مُسْلِم مِنْ قَوْلهَا : ( أَخَاف أَنْ يُقْتَحَم عَلَيَّ ) وَلَا يُمْكِن شَيْء مِنْ هَذَا التَّأْوِيل فِي سُقُوط نَفَقَتهَا وَاَللَّه أَعْلَم .
وَأَمَّا الْبَائِن الْحَامِل فَتُجِبْ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَة .
وَأَمَّا الرَّجْعِيَّة فَتَجِبَانِ لَهَا بِالْإِجْمَاعِ .
وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجهَا فَلَا نَفَقَة لَهَا بِالْإِجْمَاعِ وَالْأَصَحّ عِنْدنَا وُجُوب السُّكْنَى لَهَا فَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا فَالْمَشْهُور أَنَّهُ لَا نَفَقَة كَمَا لَوْ كَانَتْ حَائِلًا وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا تَجِب وَهُوَ غَلَط وَاَللَّه أَعْلَم .
قَوْله : ( طَلَّقَهَا الْبَتَّة وَهُوَ غَائِب فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيله بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ )
فِيهِ أَنَّ الطَّلَاق يَقَع فِي غِيبَة الْمَرْأَة وَجَوَاز الْوَكَالَة فِي أَدَاء الْحُقُوق وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ وَقَوْله ( وَكِيله ) مَرْفُوع هُوَ الْمُرْسَل .
قَوْله : ( فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدّ فِي بَيْت أُمّ شَرِيك ثُمَّ قَالَ : تِلْكَ اِمْرَأَة يَغْشَاهَا أَصْحَابِي )
قَالَ الْعُلَمَاء : أُمّ شَرِيك هَذِهِ قُرَشِيَّة عَامِرِيَّة وَقِيلَ : إِنَّهَا أَنْصَارِيَّة ذَكَرَ مُسْلِم فِي آخِر الْكِتَاب فِي حَدِيث الْجَسَّاسَة أَنَّهَا أَنْصَارِيَّة وَاسْمهَا غَزِيَّة ، وَقِيلَ غُزَيْلَة بِغَيْنٍ مُعْجَمَة مَضْمُومَة ثُمَّ زَاي فِيهِمَا ، وَهِيَ بِنْت دَاوُدَ بْن عَوْف بْن عَمْرو بْن عَامِر بْن رَوَاحَة بْن حُجَيْر بْن عَبْد بْن مُعَيْص بْن عَامِر بْن لُؤَيّ بْن غَالِب ، وَقِيلَ فِي نَسَبهَا غَيْر هَذَا ، قِيلَ إِنَّهَا الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ : غَيْرهَا .
وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيث أَنَّ الصَّحَابَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ كَانُوا يَزُورُونَ أُمّ شَرِيك وَيُكْثِرُونَ التَّرَدُّد إِلَيْهَا لِصَلَاحِهَا فَرَأَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَلَى فَاطِمَة مِنْ الِاعْتِدَاد عِنْدهَا حَرَجًا ، مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَلْزَمهَا التَّحَفُّز مِنْ نَظَرهمْ إِلَيْهَا وَنَظَرهَا إِلَيْهِمْ وَانْكِشَاف شَيْء مِنْهَا ، وَفِي التَّحَفُّظ مِنْ هَذَا مَعَ كَثْرَة دُخُولهمْ وَتَرَدُّدهمْ مَشَقَّة ظَاهِرَة ، فَأَمَرَهَا بِالِاعْتِدَادِ عِنْد اِبْن أُمّ مَكْتُوم لِأَنَّهُ لَا يُبْصِرهَا وَلَا يَتَرَدَّد إِلَى بَيْته مَنْ يَتَرَدَّد إِلَى بَيْت أُمّ شَرِيك ، وَقَدْ اِحْتَجَّ بِهِ بَعْض النَّاس بِهَذَا عَلَى جَوَاز نَظَر الْمَرْأَة إِلَى الْأَجْنَبِيّ بِخِلَافِ نَظَره إِلَيْهَا ، وَهَذَا قَوْل ضَعِيف ، بَلْ الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُور الْعُلَمَاء وَأَكْثَر الصَّحَابَة أَنَّهُ يَحْرُم عَلَى الْمَرْأَة النَّظَر إِلَى الْأَجْنَبِيّ كَمَا يَحْرُم عَلَيْهِ النَّظَر إِلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارهمْ ... } { وَ قُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارهنَّ } وَلِأَنَّ الْفِتْنَة مُشْتَرَكَة وَكَمَا يَخَاف الِافْتِتَان بِهَا تَخَاف الِافْتِتَان بِهِ ، وَيَدُلّ عَلَيْهِ مِنْ السُّنَّة حَدِيث نَبْهَان مَوْلَى أُمّ سَلَمَة عَنْ أُمّ سَلَمَة أَنَّهَا كَانَتْ هِيَ وَمَيْمُونَة عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اِحْتَجِبَا مِنْهُ " فَقَالَتَا : إِنَّهُ أَعْمَى لَا يُبْصِر فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا فَلَيْسَ تُبْصِرَانِهِ ؟ " وَهَذَا الْحَدِيث حَدِيث حَسَن رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيْرهمَا قَالَ التِّرْمِذِيّ هُوَ حَدِيث حَسَن وَلَا يُلْتَفَت إِلَى قَدَح مِنْ قَدَح فِيهِ بِغَيْرِ حُجَّة مُعْتَمَدَة .
وَأَمَّا حَدِيث فَاطِمَة بِنْت قَيْس مَعَ اِبْن أُمّ مَكْتُوم ، فَلَيْسَ فِيهِ إِذْن لَهَا فِي النَّظَر إِلَيْهِ بَلْ فِيهِ أَنَّهَا تَأْمَن عِنْده مِنْ نَظَر غَيْرهَا وَهِيَ مَأْمُورَة بِغَضِّ بَصَرهَا فَيُمْكِنهَا الِاحْتِرَاز عَنْ النَّظَر بِلَا مَشَقَّة بِخِلَافِ مُكْثهَا فِي بَيْت أُمّ شَرِيك .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَإِذَا حَلَلْت فَآذِنِينِي )
هُوَ بِمَدِّ الْهَمْزَة أَيْ أَعْلِمِينِي وَفِيهِ جَوَاز التَّعْرِيض بِخِطْبَةِ الْبَائِن وَهُوَ الصَّحِيح عِنْدنَا .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَمَّا أَبُو الْجَهْم فَلَا يَضَع الْعَصَا عَنْ عَاتِقه )
، فِيهِ تَأْوِيلَانِ مَشْهُورَانِ أَحَدهمَا أَنَّهُ كَثِير الْأَسْفَار ، وَالثَّانِي أَنَّهُ كَثِير الضَّرْب لِلنِّسَاءِ وَهَذَا أَصَحّ ، بِدَلِيلِ الرِّوَايَة الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِم بَعْد هَذِهِ أَنَّهُ ضِرَاب لِلنِّسَاءِ . وَفِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز ذِكْر الْإِنْسَان بِمَا فِيهِ عِنْد الْمُشَاوَرَة وَطَلَب النَّصِيحَة وَلَا يَكُون هَذَا مِنْ الْغِيبَة الْمُحَرَّمَة بَلْ مِنْ النَّصِيحَة الْوَاجِبَة . وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاء إِنَّ الْغِيبَة تُبَاح فِي سِتَّة مَوَاضِع أَحَدهَا الِاسْتِنْصَاح وَذَكَرْتهَا بِدَلَائِلِهَا فِي كِتَاب الْأَذْكَار ثُمَّ فِي رِيَاض الصَّالِحِينَ . وَاعْلَمْ أَنَّ ( أَبَا الْجَهْم ) هَذَا بِفَتْحِ الْجِيم مُكَبَّر وَهُوَ أَبُو الْجَهْم الْمَذْكُور فِي حَدِيث الْأَنْبِجَانِيَّة ، وَهُوَ غَيْر أَبِي الْجُهَيْم الْمَذْكُور فِي التَّيَمُّم وَفِي الْمُرُور بَيْن يَدَيْ الْمُصَلِّي فَإِنَّ ذَاكَ بِضَمِّ الْجِيم مُصَغَّر وَقَدْ أَوْضَحَتْهُمَا بِاسْمَيْهِمَا وَنَسَبَيْهِمَا وَوَصْفَيْهِمَا فِي بَاب التَّيَمُّم ثُمَّ فِي بَاب الْمُرُور بَيْن يَدَيْ الْمُصَلِّي ، وَذَكَرْنَا أَنَّ أَبَا الْجَهْم هَذَا هُوَ اِبْن حُذَيْفَة الْقُرَشِيّ الْعَدَوِيُّ . قَالَ الْقَاضِي وَذَكَرَهُ النَّاس كُلّهمْ وَلَمْ يَنْسَوْهُ فِي الرِّوَايَة إِلَّا يَحْيَى بْن يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيّ أَحَد رُوَاة الْمُوَطَّأ فَقَالَ أَبُو جَهْم بْن هِشَام قَالَ وَهُوَ غَلَط وَلَا يُعْرَف فِي الصَّحَابَة أَحَد يُقَال لَهُ أَبُو جَهْم بْن هِشَام قَالَ وَلَمْ يُوَافِق يَحْيَى عَلَى ذَلِكَ أَحَد مِنْ رُوَاة الْمُوَطَّأ وَلَا غَيْرهمْ .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَلَا يَضَع الْعَصَا عَنْ عَاتِقه ) الْعَاتِق هُوَ مَا بَيْن الْعُنُق وَالْمَنْكِب وَفِي هَذَا اِسْتِعْمَال الْمَجَاز وَجَوَاز إِطْلَاق مِثْل هَذِهِ الْعِبَارَة فِي قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَضَع الْعَصَا عَنْ عَاتِقه ) وَفِي مُعَاوِيَة ( أَنَّهُ صُعْلُوك لَا مَال لَهُ ) مَعَ الْعِلْم بِأَنَّهُ كَانَ لِمُعَاوِيَةَ ثَوْب يَلْبَسهُ وَنَحْو ذَلِكَ مِنْ الْمَال الْمُحَقَّر وَأَنَّ أَبَا الْجَهْم كَانَ يَضَع الْعَصَا عَنْ عَاتِقه فِي حَال نَوْمه وَأَكْله وَغَيْرهمَا وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ كَثِير الْحَمْل لِلْعَصَا وَكَانَ مُعَاوِيَة قَلِيل الْمَال جِدًّا جَازَ إِطْلَاق هَذَا اللَّفْظ عَلَيْهِمَا مَجَازًا ، فَفِي هَذَا جَوَاز اِسْتِعْمَال مِثْله فِي نَحْو هَذَا وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ أَصْحَابنَا وَقَدْ أَوْضَحْته فِي آخِر كِتَاب الْأَذْكَار .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَأَمَّا مُعَاوِيَة فَصُعْلُوك )
هُوَ بِضَمِّ الصَّاد وَفِي هَذَا جَوَاز ذِكْره بِمَا فِيهِ لِلنَّصِيحَةِ كَمَا سَبَقَ فِي ذِكْر أَبِي جَهْم .
قَوْلهَا : ( فَلَمَّا حَلَلْت ذَكَرْت لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان وَأَبَا الْجَهْم خَطَبَانِي )
هَذَا تَصْرِيح بِأَنَّ مُعَاوِيَة الْخَاطِب فِي هَذَا الْحَدِيث هُوَ مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان بْن حَرْب وَهُوَ الصَّوَاب ، وَقِيلَ إِنَّهُ مُعَاوِيَة آخَر وَهَذَا غَلَط صَرِيح نَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرّ بِهِ وَقَدْ أَوْضَحْته فِي تَهْذِيب الْأَسْمَاء وَاللُّغَات فِي تَرْجَمَة مُعَاوِيَة وَاَللَّه أَعْلَم .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اِنْكِحِي أُسَامَة بْن زَيْد فَكَرِهَتْهُ ثُمَّ قَالَ : اِنْكِحِي أُسَامَة فَنَكَحَتْهُ فَجَعَلَ اللَّه فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطَتْ )
فَقَوْلهَا : ( اِغْتَبَطَتْ ) هُوَ بِفَتْحِ التَّاء وَالْبَاء وَفِي بَعْض النُّسَخ ( وَاغْتَبَطَتْ بِهِ ) وَلَمْ تَقَع لَفْظَة ( بِهِ ) فِي أَكْثَر النُّسَخ . قَالَ أَهْل اللُّغَة : الْغِبْطَة أَنْ يَتَمَنَّى مِثْل حَال الْمَغْبُوط مِنْ غَيْر إِرَادَة زَوَالهَا عَنْهُ وَلَيْسَ هُوَ بِحَسَدٍ أَقُول مِنْهُ غَبَطْته بِمَا نَالَ أَغْبِطهُ بِكَسْرِ الْبَاء غَبْطًا وَغِبْطَة فَاغْتَبَطَ هُوَ كَمَنَعْته فَامْتَنَعَ وَحَبَسْته فَاحْتَبَسَ .
وَأَمَّا إِشَارَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بِنِكَاحِ أُسَامَة فَلَمَّا عَلَّمَهُ مِنْ دِينه وَفَضْله وَحُسْن طَرَائِفه وَكَرَم شَمَائِله فَنَصَحَهَا بِذَلِكَ فَكَرِهَتْهُ لِكَوْنِهِ مَوْلًى وَقَدْ كَانَ أَسْوَد جِدًّا فَكَرَّرَ عَلَيْهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَثّ عَلَى زَوَاجه لَمَّا عَلِمَ مِنْ مَصْلَحَتهَا فِي ذَلِكَ وَكَانَ كَذَلِكَ ، وَلِهَذَا قَالَتْ : ( فَجَعَلَ اللَّه لِي فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطْت ) وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّوَايَة الَّتِي بَعْد هَذَا : ( طَاعَة اللَّه وَطَاعَة رَسُوله خَيْر لَك ) .
المنتقى - شرح الموطأ - (ج 3 / ص 305)
1064 - ( ش ) : قَوْلُهُ : إِنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ تُرِيدُ آخِرَ طَلْقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ لَهُ فِيهَا ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ أَرْسَلَ امْرَأَتَهُ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ مِنْ طَلَاقِهَا ، وَقَوْلُهَا : وَهُوَ غَائِبٌ بِالشَّامِ تُرِيدُ غَائِبًا عَنْهَا فَأَنْفَذَ إلَيْهَا طَلَاقَهَا ثُمَّ إِنَّ وَكِيلَهُ أَرْسَلَ إلَيْهَا بِشَعِيرٍ عَنْ نَفَقَتِهَا فَسَخِطَتْهُ وَلَمْ تَرْضَ ذَلِكَ لِمَا اعْتَقَدَتْ أَنَّ لَهَا عَلَيْهِ النَّفَقَةَ فَسَأَلَتْ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهَا : لَيْسَ لَك نَفَقَةٌ ، وَهَذَا بَيِّنٌ فِي أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ الْمَبْتُوتَةَ غَيْرَ الْحَائِلِ لَا نَفَقَةَ لَهَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ فِي قَوْلِهِمَا لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ النَّفَقَةُ فِي الْعِدَّةِ ، وَإِنْ كَانَتْ مَبْتُوتَةً حَامِلًا ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةِ بِنْتِ قَيْسٍ : لَيْسَ لَك نَفَقَةٌ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهَا بَائِنٌ بِالطَّلَاقِ فَلَمْ تَجِبْ النَّفَقَةُ كَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا .
( مَسْأَلَةٌ ) ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَلَهَا النَّفَقَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَهَذِهِ رِوَايَةُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهِيَ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ الشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا نَفَقَةَ لَك وَلَا سُكْنَى ، وَإِنَّمَا هُوَ تَأْوِيلٌ مِمَّنْ رَوَى ذَلِكَ أَوْ رَوَى عَنْهُ عَلَى الْمَعْنَى دُونَ لَفْظِ الْحَدِيثِ لَمَّا أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ أَوْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَقَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْحُكْمَيْنِ عَلَى وَجْهَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمِّ شَرِيكٍ : تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ هَذِهِ السُّكْنَى بِمُدَّةِ الْعِدَّةِ ، وَأَنَّهَا أَمْرٌ لَازِمٌ لَهَا وَبَدَلٌ مِنْ الِاعْتِدَادِ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِبَذَاءٍ فِي لِسَانِهَا ، وَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ لَمَّا سَأَلَهُ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ عَنْ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا أَيْنَ تَعْتَدُّ فَقَالَ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا فَقَالَ لَهُ مَيْمُونُ فَأَيْنَ حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ تِلْكَ امْرَأَةٌ فَتَنَتْ النَّاسَ إنَّهَا كَانَتْ لَسِنَةً قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ : إِنَّ الْبَذَاءَ ، وَالشَّرَّ الْعَظِيمَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا مِمَّا يَقْتَضِي إخْرَاجَهَا مِنْ مَسْكَنِهِ إِلَى غَيْرِهِ وَتَعَلَّقَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مِنْ هَذِهِ الْفَاحِشَةِ الْمُبِيحَةِ لِلْخُرُوجِ مَا لَيْسَتْ بِمُبَيِّنَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الزِّنَى فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْفَاحِشَةَ الزِّنَى ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الزِّنَى وَاحِدٌ إِذَا غَابَتْ الْحَشَفَةُ وَجَبَ الرَّجْمُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَالَ : الزِّنَى الْفَاحِشَةُ كَمَا يَقُولُونَ أُخْرِجَتْ فَرُجِمَتْ ، وَإِنَّمَا الْفَاحِشَةُ النُّشُوزُ وَسُوءُ الْخَلْقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ : إِذَا كَثُرَ مِثْلُ هَذَا مِنْ النُّشُوزِ بَيْنَهُمَا ، وَالْأَذَى وَلَمْ يَطْمَعْ فِي إصْلَاحِهِ انْتَقَلَتْ الْمَرْأَةُ إِلَى مَسْكَنٍ غَيْرِهِ ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهَ عَنْهَا فِي قِصَّةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي قَيْسٍ أَنَّهَا كَانَتْ فِي مَكَانٍ وَحْشٍ فَخِيفَ عَلَى نَاحِيَتِهَا فَلِذَلِكَ تَرَخَّصَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إسْحَقَ ، وَهَذَا الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ مِمَّا يُبِيحُ لِلْمَرْأَةِ إِذَا وَقَعَ أَنْ تَنْتَقِلَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إِلَى غَيْرِهِ كَمَا قِيلَ فِي الْبَدْوِيَّةِ الْمُعْتَدَّةِ أَنَّهَا تَسْتَوِي مَعَ أَهْلِهَا حَيْثُ اسْتَوَوْا فِي الْجُمْلَةِ ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ كُلَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهَا الِانْتِقَالُ إِلَّا لِعُذْرٍ ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ الْعُذْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ .
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ : رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَك عِنْدَهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَى الْمَرْأَةِ الْقُعُودُ عَلَى حَالَةٍ يُبَاحُ لِلنَّاسِ النَّظَرُ إلَيْهَا مَعَهَا ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ عَنْهَا مَعَ نَظَرِ النَّاسِ إلَيْهَا ، وَالْمَكْفُوفُ الْأَعْمَى لَا يَنْظُرُ إلَيْهَا فَلَا حَرَجَ فِي تَرْكِ سَتْرِ شَعْرِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُبَاحُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ ذِي مَحْرَمِهِ وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَرَجٌ فِي النَّظَرِ إِلَى الرَّجُلِ عَلَى غَالِبِ أَحْوَالِهِ الَّتِي يَكُونُ عَلَيْهَا جَالِسًا وَمُتَصَرِّفًا بَيْنَ النَّاسِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَاعَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إزَالَةَ الْحَرَجِ عَنْهَا فِي التَّسَتُّرِ لِكَوْنِهِ أَعْمَى وَكَانَتْ هِيَ بَصِيرَةً فَلَمْ يُنْكِرْ نَظَرَهَا إِلَيْهِ ، وَقَدْ رَوَى نَبْهَانُ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ كُنْت أَنَا وَمَيْمُونَةُ جَالِسَتَيْنِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى فَقَالَ احْتَجِبَا مِنْهُ فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ بِأَعْمَى لَا يُبْصِرُنَا فَقَالَ : أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا غَيْرَ أَنَّ نَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثٌ آخَرُ وَحَدِيثُ فَاطِمَةَ صَحِيحٌ وَرُوِيَ عَنْهُ حَدِيثٌ آخَرُ مُنْكَرٌ أَيْضًا وَرُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُكَاتَبِ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّيهِ فِي كِتَابَتِهِ احْتَجَبَتْ مِنْهُ سَيِّدَتُهُ ، وَعَلَى أَنَّهُ قَدْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّخْتِيَانِيُّ حَدِيثُ نَبْهَانَ خَاصٌّ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَك عِنْدَهُ ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ الْحَدِيثَ غَيْرُ ثَابِتٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ مَعَ كَوْنِهِ مَمْنُوعًا مَعَ عَدَمِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَهُ عَوْرَةٌ مَخْصُوصَةٌ فَإِذَا سَتَرَهَا لَمْ يَحْرُمْ النَّظَرُ إِلَيْهِ وَجَمِيعُ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ إِلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا فَإِذَا كَشَفَتْ بَعْضَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنْ يَنْظُرُ إلَيْهَا جَازَ لَهَا ذَلِكَ وَلَمْ يَجُزْ فِي مَوْضِعٍ يَكُونُ فِيهِ مَنْ يَنْطُرُ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ نَاظِرٌ إِلَى عَوْرَةٍ مِنْهَا ، وَالْوَجْهُ ، وَالْكَفَّانِ ، وَإِنْ قُلْنَا : لَيْسَا بِعَوْرَةٍ مِنْهَا ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَجْنَبِيٍّ النَّظَرُ إِلَيْهِمَا إِلَّا عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ فَحُكْمُ الْمَنْعِ مُتَعَلِّقٌ بِهَا ، وَالْإِبَاحَةُ مُخْتَصَّةٌ بِهَا فِي حُكْمِ الْأَجْنَبِيِّ فَذَلِكَ مِنْهَا كَجَمِيعِ جَسَدِ الرَّجُلِ خَلَا مَا يُوصَفُ بِالْعَوْرَةِ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ التَّغْلِيظِ ، وَالتَّخْفِيفِ فَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ عَلَى وَجْهٍ مَا ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعالَى قُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ غَضَّ أَبْصَارِهِنَّ عَنْ الْعَوْرَاتِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ غَضَّ أَبْصَارِهِنَّ عَنْ النَّظَرِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ مِنْ الِالْتِذَاذِ بِالنَّظَرِ إِلَى الْأَجْنَبِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا حَلَلْت فَآذِنِينِي يُرِيدُ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُك فَأَعْلِمِينِي قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ : فِيهِ التَّعْرِيضُ بِالْخُطْبَةِ فِي الْعِدَّةِ فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَعْلَمَتْهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمِ ابْنَ هِشَامٍ خَطَبَاهَا ، وَهُوَ أَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ الْعَدَوِيُّ وَأَبُو جَهْمِ بْنُ هِشَامٍ انْفَرَدَ بِهِ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، وَهُوَ وَهْمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم : أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ فِيهِ شِدَّةً عَلَى النِّسَاءِ وَكَثْرَةَ تَأْدِيبٍ ، وَهَذَا اللَّفْظُ ، وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ أَنْ يَضَعَ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ وَقْتَ نَوْمِهِ وَأَكْلِهِ فَصَحِيحٌ عَلَى مَقَاصِدِ الْعَرَبِ فِي كَلَامِهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ إِلَّا الْمُبَالَغَةَ فِي وَصْفِهِ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ .
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ وَرَاعَى فِي ذَلِكَ حَاجَةَ النِّسَاءِ إِلَى الْمَالِ يَكُونُ عِنْدَ الزَّوْجِ لِمَا لَهُنَّ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ ، وَالْكِسْوَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أَوْرَدَتْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمَشُورَةِ وَتَفْوِيضِ الِاخْتِيَارِ إِلَيْهِ فَنَصَحَهَا وَذَكَرَ لَهَا مَا عَلِمَ مِنْ حَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِمَّا تَحْتَاجُ هِيَ إِلَى مَعْرِفَتِهِ لِتَعَلُّقِ ذَلِكَ بِمَنَافِعِهَا وَمَضَارِّهَا وَفَعَلَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ النُّصْحِ لِلنِّسَاءِ ، وَالرِّجَالِ وَأَهْلِ الْحَاجَةِ ، وَالضَّعْفِ قَالَ ابْنُ وَضَاحٍ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فِيهِ إنْكَاحُ الْمَوَالِي الْقُرَشِيَّاتِ ؛ لِأَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ قُرَشِيَّةٌ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ مَوْلًى وَجَازَ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَرَهُ مِنْ الْخِطْبَةِ عَلَى الْخِطْبَةِ لَمَّا لَمْ يُوجَدْ ركون إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا تَسْمِيَةُ صَدَاقٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَرْكَنْ إِلَى إحْدَاهُمَا أَنَّهَا إنَّمَا ذَكَرَتْ أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَاهَا وَلَمْ تَذْكُرْ رُكُونًا إِلَى أَحَدِهِمَا ، لَوْ كَانَ مِنْهَا رُكُونٌ إِلَى أَحَدِهِمَا لَذَكَرَتْهُ دُونَ الْآخَرِ وَهَذِهِ حَالَةٌ تَجُوزُ فِيهَا الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَةِ غَيْرِهِ فَخَطَبَهَا لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ .
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهَا فَكَرِهَتْهُ تُرِيدُ أَنَّهَا كَرِهَتْ نِكَاحَهُ لِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي وَلَعَلَّهَا كَرِهَتْ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مِنْ الْمَوَالِي وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَكْرَهُ ذَلِكَ وَتَتَرَفَّعُ عَنْهُ فَأَعَادَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَنْكِحَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ لِمَا عَلِمَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لَهَا وَلِمَا أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ مِنْ جَوَازِ إنْكَاحِ الْقُرَشِيَّاتِ الْمَوَالِيَ قَالَتْ : فَنَكَحْته فَجَعَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ خَيْرًا كَثِيرًا وَاغْتَبَطَتْ بِهِ تُرِيدُ أَنَّهَا عَرَفَتْ حُسْنَ الْعَاقِبَةِ فِي اتِّبَاعِ رَأْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنِكَاحِهَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ ، وَإِنْ كَانَتْ كَرِهَتْهُ أَوَّلًا ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا .
الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار - (ج 6 / ص 143)
1 ( 23 - باب ما جاء في نفقة المطلقة )
1186 - مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن فاطمة بنت قيس أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب بالشام فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته فقال والله مالك علينا من شيء فجاءت إلى رسول الله فذكرت ذلك له فقال ( ( ليس لك عليه نفقة ) ) وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال ( ( تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي عند عبد الله بن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده فإذا حللت فآذنيني ) ) قالت فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم بن هشام خطباني فقال رسول الله ( ( أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له أنكحي أسامة بن زيد ) ) قالت فكرهته ثم قال ( ( أنكحي أسامة بن زيد ) ) فنكحته فجعل الله في ذلك خيرا واغتبطت به
1187 - مالك أنه سمع بن شهاب يقول المبتوتة لا تخرج من بيتها حتى تحل وليست لها نفقة إلا أن تكون حاملا فينفق عليها حتى تضع حملها
قال مالك وهذا الأمر عندنا
قال أبو عمر أما قول فاطمة في هذا الحديث أن زوجها طلقها البتة ففيه جواز طلاق البتة لأنه لم ينكره رسول الله ولم يختلف في هذا اللفظ عن مالك في هذا الحديث
وكذلك رواه الليث عن الأعرج عن أبي سلمة عن فاطمة
---
الاستذكار ج:6 ص:164
وكذلك رواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن فاطمة
وكذلك رواه مجالد عن الشعبي عن فاطمة
وكذلك رواه الليث عن أبي الزبير عن عبد الحميد بن عبد الله بن أبي عمرو بن حفص أن جده طلق فاطمة البتة
وقد روي أنه طلقها ثلاثا مجتمعات
وروي عنه أن طلاقه ذلك كان آخر ثلاث تطليقات
وقد ذكرنا الآثار بذلك كله في ( ( التمهيد ) ) وذكرنا هذه المسألة مجودة في أول كتاب الطلاق والحمد لله
وفي هذا الحديث نص ثابت أن المبتوتة ليس لها نفقة على زوجها الذي بت طلاقها وهذا إذا لم تكن حاملا فإن كانت المبتوتة حاملا فالنفقة لها بإجماع من العلماء لقول الله عز وجل في المطلقات المبتوتات وإن كن أولت حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن الطلاق 6
وهذا لا شك في المبتوتات لأن اللواتي لازواجهن عليهن الرجعة لا خلاف بين علماء الأمة في أن النفقة لهن وسائر المؤنة على أزواجهن حوامل كن أو غير حوامل لأنهن في حكم الزوجات في النفقة والسكنى والميراث ما كن في العدة
وهذا بين واضح في أن قوله - عز وجل وإن كن أولت حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن الطلاق 6 أنهن المبتوتات
واختلف العلماء في النفقة للمبتوتة إذا لم تكن حاملا
فأباها قوم وهم أهل الحجاز منهم مالك والشافعي
وتابعهم على ذلك أحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد
وحجتهم هذا الحديث قوله لفاطمة ( ( ليس لك عليه نفقة ) )
وهو حديث مروي من وجوه صحاح متواترة عن فاطمة
وممن قال إن المبتوتة لا نفقة لها إن لم تكن حاملا عطاء بن أبي رباح وبن شهاب وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والحسن البصري
وبه قال الليث بن سعد والأوزاعي وبن ابي ليلى
حدثنا عبد الوارث بن أبي سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا مطلب بن شعيب قال أخبرنا عبد الله بن صالح قال حدثنا الليث قال حدثني عقيل بن خالد عن بن شهاب قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن فاطمة بنت قيس وهي أخت الضحاك بن قيس أخبرته أنها كانت تحت أبي عمرو بن حفص بن المغيرة فطلقها ثلاثا وأمر وكيله لها بنفقة رغبت عنها فقال وكيله ما لك علينا من نفقة فجاءت رسول الله فسألته عن ذلك فقال لها صدق ونقلها إلى بن أم مكتوم وذكر تمام الخبر
وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي لكل مطلقة السكنى والنفقة ما دامت في العدة حاملا كانت أو غير حامل مبتوتة أو رجعية
وهو قول عثمان البتي وبن شبرمة
وحجتهم في ذلك أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - و عبد الله بن مسعود قالا في المطلقة ثلاثا لها السكنى والنفقة ما كانت في العدة
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن شاذان قال حدثنا المعلى قال حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عمر قال المطلقة ثلاثا لها السكنى والنفقة ما دامت في العدة
وذكر عبد الرزاق عن الثوري عن سلمة بن كهيل عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس قالت طلقني زوجي ثلاثا فجئت النبي فسألته فقال ( ( لا نفقة لك ولا سكنى ) )
قال فذكرت ذلك لإبراهيم فقال قال عمر بن الخطاب لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة
حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا محمد بن شاذان قال حدثني المعلى قال حدثني يعقوب عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عمر بن الخطاب أنه كان يقول لا يجوز في دين المسلمين قول امرأة وكان يجعل للمطلقة ثلاثا السكنى والنفقة وروى شعبة عن حماد عن إبراهيم عن شريح في المطلقة ثلاثا قال لها النفقة والسكنى
وقالت طائفة المطلقة المبتوتة إن لم تكن حاملا لا سكنى لها ولا نفقة منهم الشعبي وميمون بن مهران وعكرمة ورواية عن الحسن
وروي ذلك عن علي وبن عباس وجابر بن عبد الله
وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وداود حدثنا عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني محمد بن شاذان قال حدثنا المعلى بن منصور قال أخبرنا أبو عوانة عن مطرف عن عامر قال سألت فاطمة بنت قيس عن المرأة يطلقها زوجها ثلاثا فقالت طلقني زوجي ثلاثا على عهد رسول الله فأتيت النبي - عليه السلام - فلم يجعل لي سكنى ولا نفقة فقيل لعامر إن عمر لم يصدقها فقال عامر ألا تصدق امرأة فقيهة نزل بها هذا
وروى مجاهد وغيره هذا الحديث عن الشعبي فزاد فيه أن رسول الله قال لها ( ( لا سكنى لك ولا نفقة إنما السكنى والنفقة لمن لزوجها عليها رجعة ) )
وحدثني أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني يزيد بن هارون قال حدثني عمرو بن ميمون بن مهران عن أبيه قال جلست إلى سعيد بن المسيب فسألته فقال إنك لتسأل سؤال رجل قد تبحر في العلم قبل اليوم قال قلت إني بأرض أسأل بها قال فكيف وجدت ما أفتيتك به مما يفتيك به غيري ممن سألت من العلماء قلت وافقتهم إلا في فريضة واحدة قال وما هي قلت سألتك عن المطلقة ثلاثا أتعتد في بيت زوجها أم تنتقل إلى أهلها فقلت تعتد في بيت زوجها وقد كان من أمر فاطمة بنت قيس ما قد علمت فقال سعيد تلك امرأة فتنت الناس وسأخبرك عن شأنها أنها لما طلقت استطالت على أحمائها وآذنتهم بلسانها فأمرها رسول الله أن تنتقل إلى بن أم مكتوم قال قلت لئن كان رسول الله أمرها بذلك إن لنا في رسول الله أسوة حسنة مع أنها أحرم الناس عليه ليس له عليها رجعة ولا بينهما ميراث
قال أبو عمر قد ذكرنا من الحجة لهذا القول وغيره في ( ( التمهيد ) ) ما فيه شفاء لمن طلب العلم لله عز وجل
وأما قوله اعتدي في بيت أم شريك ثم قال تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي في بيت بن أم مكتوم ففيه دليل على أن المرأة المتجالة العجوز الصالحة جائز أن يغشاها الرجال في بيتها ويتحدثون عندها وكذلك لها أن تغشاهم في بيوتهم ويرونها وتراهم فيما يحل ويجمل وينفع و لا يضر
قال الله عز وجل والقواعد من النساء التي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجت بزينة النور 60
والغشيان في كلام العرب الإلمام والورود
قال حسان بن ثابت
يغشون حتى ما تهر كلابهم لا يسألون عن السواد المقبل ( 1 )
فمعنى قوله تلك امرأة يغشاها أصحابي أن يلمون بها ويردون عليها ويجلسون عندها
وفي رواية الشعبي في هذا الحديث في أم شريك تلك امرأة يتحدث عندها
وفي رواية أبي بكر بن أبي الجهم أن بيت أم شريك يغشى
وفي حديث بن الزبير أن بيت أم شريك يوطأ
وقد ذكرنا الأسانيد بهذه الألفاظ في ( ( التمهيد ) )
وفي ذلك دليل على أن القوم كانوا يتحدثون بالمعاني
وفي رواية بن عيينة عن مجالد عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس في هذا الحديث قالت أتيت النبي فاستتر مني وأشار سفيان بن عيينة بيده على وجهه
وفي حديث قيلة بنت مخرمة في قدومها على رسول الله فأومأ بيده خلفه وقال - ولم ينظر إلي يا مسكينة عليك السكينة
وفي حديث بريدة الأسلمي أن رسول الله قال لعلي - رضي الله عنه - ( ( لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة
---
الاستذكار ج:6 ص:168
وقال جرير سألت رسول الله عن نظر الفجاءة فقال ( ( غض بصرك ) )
وهذه الآثار وما كان مثلها في معناها يدلك على أن قوله لفاطمة بنت قيس عند بن أم مكتوم تضعين ثيابك ولا يراك أراد به الإعلان بأن نظر الرجل إلى المرأة وتأمله لها وتكرار بصره في ذلك لا يجوز له لما فيه من داعية الفتنة
وفي حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن فاطمة أن النبي قال لها انتقلي إلى بيت بن أم مكتوم فإنه رجل قد ذهب بصره فإن وضعت شيئا من ثيابك لم ير شيئا وفي هذا الحديث دليل على جواز نظر المرأة الرجل الأعمى وكونها معه وإن لم تكن ذات محرم منه في دار واحدة وبيت واحد وفي ذلك ما يرد حديث نبهان - مولى أم سلمة - عن أم سلمة قالت كنت أنا وميمونة جالستين عند رسول الله فاستأذن عليه بن أم مكتوم الأعمى فقال احتجبا منه فقلنا يا رسول الله أليس بأعمى ولا يبصرنا قال فعمياوان أنتما
ففي هذا الحديث نهيه عن نظرهما إلى بن أم مكتوم وفي حديث فاطمة إباحة نظرها إليه
ويشهد لحديث نبهان هذا ظاهر قول الله تعالى وقل للمؤمنت يغضضن من أبصرهن النور 31 كما قال قل للمؤمنين يغضوا من أبصرهم النور 30
ويشهد لذلك من طريق الغيرة أن نظرها إليه كنظره إليها
و قد قال بعض الأعراب لأن ينظر إلى وليتي عشرة رجال خير من أن تنظر هي إلى رجل واحد
ومن قال بحديث فاطمة احتج بصحة إسناده وأنه لا مطعن لأحد من أهل العلم بالحديث فيه وقال إن نبهان - مولى أم سلمة - ليس ممن يحتج بحديثه وزعم أنه لم يرو إلا حديثين منكرين
أحدهما هذا
والآخر عن أم سلمة عن النبي في المكاتب إذا كان عنده ما يؤدي به كتابته احتجبت منه سيدته
---
الاستذكار ج:6 ص:169
ومن صحح حديث نبهان قال إنه معروف وقد روى عنه بن شهاب ولم يأت بمنكر
وزعم أن أزواج النبي في الحجاب لسن كسائر النساء
قال الله عز وجل يا نساء النبي لستن كأحد من النساء الأحزاب 23
وقال إن نساء النبي - عليه السلام - لا يكلمن إلا من وراء حجاب متجالات كن أو غير متجالات
وقال الستر والحجاب عليهن أشد منه على غيرهن لظاهر القرآن وحديث نبهان عن أم سلمة عن النبي وأما قولها إن أبا معاوية وأبا جهم بن هشام خطباني فقد وهم فيه يحيى بن يحيى صاحبنا وغلط غلطا سمحا لأنه ليس في الصحابة أحد يقال له أبو جهم بن هشام ولا قاله أحد من رواة مالك لهذا الحديث ولا غير مالك وإنما هو أبو جهم هكذا جاء ذكره في هذا الحديث عند جماعة رواته غير منسوب وهو أبو جهم بن حذيفة بن غانم العدوي القرشي وقد ذكرناه في كتابنا في الصحابة بما يكفي من ذلك من ذكره وأظن يحيى شبه عليه بأبي جهل بن هشام والله أعلم
وفي ترك رسول الله الإنكار على فاطمة وقولها إن معاوية وأبا جهم خطباني ولا أنكر عليها ذلك بل خطبها مع ذلك لأسامة بن زيد دليل على صحة ما قدمنا ذكره في أول كتاب النكاح عن مالك وغيره من العلماء أن نهي رسول الله أن يخطب الرجل على خطبة أخيه ليس على ظاهره وأن المعنى فيه الركون والميل والمقاربة فإذا كان ذلك لم يجز حينئذ أن يخطب أحد على خطبة أخيه وهذا في معنى نهيه أن يبيع الرجل على بيع أخيه
وفي هذا الحديث دليل على أن من أخبر على أخيه لمن يستنصحه فيه عند الخطبة لما هو عليه من الخلق المذموم المعيب فليس بمغتاب
وأما قوله ذلك ليس بغيبة وأنه جائز حسن من النصيحة التي هي الدين
قال رسول الله ( ( إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له فإن الدين النصيحة لله عز وجل ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) )
وفي هذا الباب سؤال الحاكم عن الشاهد عنده فواجب على المسؤول أن يقول
---
الاستذكار ج:6 ص:170
فيه الحق الذي يعلمه لينفذ القضاء فيه بما أمره الله عز وجل به من رد شهادته للفسق أو قبولها للعدالة
وفي قوله صعلوك لا مال له دليل على أن المال من واجبات النكاح وخصال الناكح وأن الفقر من عيوبه وأنه لو بين أو عرف ذلك منه ورضي به لجاز كسائر العيوب
وأما قوله لا يضع عصاه عن عاتقه ففيه دليل على أن المفرط في الوصف لا يلحقه الكذب والمبالغ في النعت بالصدق لا يدركه الذم ألا ترى أن رسول الله قال في أبي جهم لا يضع عصاه عن عاتقه وهو قد ينام ويصلي ويأكل ويشرب ويشتغل بما يحتاج إليه من شغله في دنياه
وإنما أراد المبالغة في أدب النساء باللسان واليد وربما يحسن الأدب بمثله كما يصنع الوالي في رعيته
وقد روي عن النبي أنه قال لرجل أوصاه ( ( لا ترفع عصاك عن أهلك وأخفهم في الله عز وجل ) )
وروي عنه - عليه السلام - أنه قال علق سوطك حيث يراه أهلك
والعرب تكنى بالعصاة عن أشياء كثيرة منها الطاعة والألفة ومنها الإخافة والشدة
وقد أشبعنا هذا المعنى في ( ( التمهيد ) ) وأتينا بما قيل في معنى العصا أو وجوهها بالشواهد في الشعر وغيره هناك والحمد لله تعالى
عون المعبود - (ج 5 / ص 155)
1944 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( طَلَّقَهَا الْبَتَّة )
: وَفِي بَعْض الرِّوَايَات الْآتِيَة أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ، وَفِي بَعْضهَا طَلَّقَهَا آخِر ثَلَاث تَطْلِيقَات ، وَفِي بَعْضهَا فَبَعَثَ إِلَيْهَا بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ لَهَا . وَالْجَمْع بَيْن هَذِهِ الرِّوَايَات أَنَّهُ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَ هَذَا طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا هَذِهِ الْمَرَّة الطَّلْقَة الثَّالِثَة ، فَمَنْ رَوَى أَنَّهُ طَلَّقَهَا آخِر ثَلَاث تَطْلِيقَات أَوْ طَلَّقَهَا طَلْقَة كَانَتْ بَقِيَتْ لَهَا فَهُوَ ظَاهِر ، وَمَنْ رَوَى الْبَتَّة فَمُرَاده طَلَّقَهَا طَلَاقًا صَارَتْ بِهِ مَبْتُوتَة بِالثَّلَاثِ ، وَمَنْ رَوَى ثَلَاثًا أَرَادَ تَمَام الثَّلَاث . كَذَا أَفَادَ النَّوَوِيّ
( وَهُوَ )
: أَيْ أَبُو عَمْرو
( فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا وَكِيله بِشَعِيرٍ )
: أَيْ لِلنَّفَقَةِ
( فَتَسَخَّطَتْهُ )
: مِنْ بَاب التَّفَعُّل أَيْ اِسْتَقَلَّتْهُ ، يُقَال سَخِطَ عَطَاءَهُ أَيْ اِسْتَقَلَّهُ ، وَلَمْ يَرْضَ بِهِ . وَفِي رِوَايَة مُسْلِم فَسَخِطَتْهُ . قَالَ الْقَارِي : وَيُمْكِن أَنْ يَكُون مِنْ بَاب الْحَذْف وَالْإِيصَال ، وَالضَّمِير يَرْجِع إِلَى الْوَكِيل أَيْ غَضِبَتْ عَلَى الْوَكِيل بِإِرْسَالِهِ الشَّعِير قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا
( وَاَللَّه مَا لَك عَلَيْنَا مِنْ شَيْء )
: أَيْ لِأَنَّك بَائِنَة أَوْ مِنْ شَيْء غَيْر الشَّعِير
( لَيْسَ لَك عَلَيْهِ نَفَقَة )
: أَيْ وَلَا سُكْنَى كَمَا فِي بَعْض الرِّوَايَات الْآتِيَة
( إِنَّ تِلْكِ )
: بِكَسْرِ الْكَاف أَيْ هِيَ
( يَغْشَاهَا )
: أَيْ يَدْخُل عَلَيْهَا
( تَضَعِينَ ثِيَابك )
: أَيْ لَا تَخَافِينَ مِنْ نَظَر رَجُل إِلَيْك . قَالَ النَّوَوِيّ : أَمَرَهَا بِالِانْتِقَالِ إِلَى بَيْت اِبْن أُمّ مَكْتُوم ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبْصِرُهَا وَلَا يَتَرَدَّد إِلَى بَيْته مَنْ يَتَرَدَّد إِلَى بَيْت أُمّ شَرِيك حَتَّى إِذَا وَضَعَتْ ثِيَابهَا لِلتَّبَرُّزِ نَظَرُوا إِلَيْهَا .
وَقَدْ اِحْتَجَّ بَعْض النَّاس بِهَذَا عَلَى جَوَاز نَظَر الْمَرْأَة إِلَى الْأَجْنَبِيّ بِخِلَافِ نَظَره إِلَيْهَا وَهُوَ ضَعِيف ، وَالصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنَّهُ يَحْرُم عَلَى الْمَرْأَة النَّظَر إِلَى الْأَجْنَبِيّ كَمَا يَحْرُم عَلَيْهِ النَّظَر إِلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارهمْ } الْآيَة ، وَلِحَدِيثِ أُمّ سَلَمَة " أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا " وَأَيْضًا لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيث رُخْصَة لَهَا فِي النَّظَر إِلَيْهِ بَلْ فِيهِ أَنَّهَا آمِنَة عِنْده مِنْ نَظَر غَيْره ، وَهِيَ مَأْمُورَة بِغَضِّ بَصَرهَا عَنْهُ اِنْتَهَى
( فَإِذَا حَلَلْت )
: أَيْ خَرَجْت مِنْ الْعِدَّة
( فَآذِنِينِي )
: بِالْمَدِّ وَكَسْر الذَّال أَيْ فَأَعْلِمِينِي
( وَأَبَا جَهْم )
: بِفَتْحِ فَسُكُون هُوَ عَامِر بْن حُذَيْفَة الْعَدَوِيُّ الْقُرَشِيّ ، وَهُوَ مَشْهُور بِكُنْيَتِهِ ، وَهُوَ الَّذِي طَلَبَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْبِجَانِيَّته فِي الصَّلَاة . قَالَ النَّوَوِيّ : وَهُوَ غَيْر أَبِي جَهْم الْمَذْكُور فِي التَّيَمُّم ، وَفِي الْمُرُور بَيْن يَدَيْ الْمُصَلِّي
( فَلَا يَضَع عَصَاهُ عَنْ عَاتِقه )
: بِكَسْرِ الْفَوْقِيَّة أَيْ مَنْكِبه ، وَهُوَ كِنَايَة عَنْ كَثْرَة الْأَسْفَار أَوْ عَنْ كَثْرَة الضَّرْب وَهُوَ الْأَصَحّ ، بِدَلِيلِ الرِّوَايَة الْأُخْرَى أَنَّهُ ضَرَّاب لِلنِّسَاءِ ، ذَكَرَهُ النَّوَوِيّ ، وَقَالَ : فِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز ذِكْر الْإِنْسَان بِمَا فِيهِ عِنْد الْمُشَاوَرَة وَطَلَب النَّصِيحَة ، وَلَا يَكُون هَذَا فِي الْغِيبَة الْمُحَرَّمَة بَلْ مِنْ النَّصِيحَة الْوَاجِبَة
( فَصُعْلُوكٌ )
: بِضَمِّ الصَّاد أَيْ فَقِير
( لَا مَال لَهُ )
: صِفَة كَاشِفَة
( اِنْكِحِي )
: بِهَمْزِ وَصْل وَكَسْر الْكَاف أَيْ تَزَوَّجِي
( فَكَرِهَتْهُ )
: أَيْ اِبْتِدَاء لِكَوْنِهِ مَوْلًى أَسْوَد جِدًّا . وَإِنَّمَا أَشَارَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنِكَاحِ أُسَامَة لِمَا عَلِمَهُ مِنْ دِينه وَفَضْله وَحُسْن طَرَائِقه وَكَرَم شَمَائِله فَنَصَحَهَا بِذَلِكَ
( ثُمَّ قَالَ انْكِحِي )
: إِنَّمَا كَرَّرَ عَلَيْهَا الْحَثّ عَلَى زَوَاجه لِمَا عَلِمَ مِنْ مَصْلَحَتهَا فِي ذَلِكَ وَكَانَ كَذَلِكَ ، وَلِذَا قَالَتْ فَجَعَلَ اللَّه تَعَالَى إِلَخْ
( وَاغْتَبَطْت بِهِ )
: بِفَتْحِ التَّاء وَالْبَاء أَيْ صِرْت ذَات غِبْطَة بِحَيْثُ اغْتَبَطَتْنِي النِّسَاء لِحَظٍّ كَانَ لِي مِنْهُ قَالَهُ الْقَارِي ، وَقَالَ النَّوَوِيّ : قَالَ أَهْل اللُّغَة الْغِبْطَة أَنْ يَتَمَنَّى مِثْل حَال الْمَغْبُوط مِنْ غَيْر إِرَادَة زَوَالهَا عَنْهُ ، وَلَيْسَ هُوَ الْحَسَد ، تَقُول مِنْهُ غَبَطْته بِمَا نَالَ أَغْبَطهُ بِكَسْرِ الْبَاء غَبْطًا وَغِبْطَة فَاغْتَبَطَ هُوَ كَمَنَعْتُهُ فَامْتَنَعَ وَحَبَسْته فَاحْتَبَسَ اِنْتَهَى . وَفِي الْحَدِيث حُجَّة لِمَنْ قَالَ إِنَّ الْمُطَلَّقَة ثَلَاثًا لَا نَفَقَة لَهَا وَلَا سُكْنَى . قَالَ النَّوَوِيّ : اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْمُطَلَّقَة الْبَائِن الْحَائِل [ أَيْ غَيْر الْحَامِل ] هَلْ لَهَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى أَمْ لَا ، فَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَأَبُو حَنِيفَة وَآخَرُونَ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَة . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَأَحْمَد : لَا سُكْنَى لَهَا وَلَا نَفَقَة . وَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَآخَرُونَ : يَجِب لَهَا السُّكْنَى وَلَا نَفَقَة لَهَا . وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهُمَا جَمِيعًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدكُمْ } فَهَذَا أَمْر بِالسُّكْنَى . وَأَمَّا النَّفَقَة فَلِأَنَّهَا مَحْبُوسَة عَلَيْهِ . وَقَدْ قَالَ عُمَر : لَا نَدَعُ كِتَاب رَبّنَا وَسُنَّة نَبِيّنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ اِمْرَأَة جَهِلَتْ أَوْ نَسِيَتْ . قَالَ الْعُلَمَاء الَّذِي فِي كِتَاب رَبّنَا إِنَّمَا هُوَ إِثْبَات السُّكْنَى . قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : قَوْله وَسُنَّة نَبِيّنَا هَذِهِ زِيَادَة غَيْر مَحْفُوظَة لَمْ يَذْكُرهَا جَمَاعَة مِنْ الثِّقَات . وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يُوجِب نَفَقَة وَلَا سُكْنَى بِحَدِيثِ فَاطِمَة بِنْت قَيْس ، وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَ السُّكْنَى دُون النَّفَقَة لِوُجُوبِ السُّكْنَى بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ } وَلِأَنَّ وُجُوب النَّفَقَة بِحَدِيثِ فَاطِمَة مَعَ ظَاهِر قَوْل اللَّه تَعَالَى { وَإِنْ كُنَّ أُولَات حَمْل فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } فَمَفْهُومه أَنَّهُنَّ إِذَا لَمْ يَكُنَّ حَوَامِل لَا يُنْفَقْنَ عَلَيْهِنَّ . وَأَجَابَ هَؤُلَاءِ عَنْ حَدِيث فَاطِمَة فِي سُقُوط النَّفَقَة بِمَا قَالَهُ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَغَيْره أَنَّهَا كَانَتْ اِمْرَأَة لَسِنَة وَاسْتَطَالَتْ عَلَى أَحْمَائِهَا فَأَمَرَهَا بِالِانْتِقَالِ فَتَكُون عِنْد اِبْن أُمّ مَكْتُوم . وَقِيلَ : لِأَنَّهَا خَافَتْ فِي ذَلِكَ الْمَنْزِل بِدَلِيلِ مَا رَوَاهُ مُسْلِم مِنْ قَوْلهَا أَخَاف أَنْ يُقْتَحَم عَلَيَّ ، وَلَا يُمْكِن شَيْء مِنْ هَذَا التَّأْوِيل فِي سُقُوط نَفَقَتهَا وَاللَّهُ أَعْلَم .
وَأَمَّا الْبَائِن الْحَامِل فَتَجِبُ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَة . وَأَمَّا الرَّجْعِيَّة فَتَجِبَانِ لَهَا بِالْإِجْمَاعِ .
وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجهَا فَلَا نَفَقَة لَهَا بِالْإِجْمَاعِ . وَالْأَصَحّ عِنْدنَا وُجُوب السُّكْنَى لَهَا ، فَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا فَالْمَشْهُور أَنَّهُ لَا نَفَقَة كَمَا لَوْ كَانَتْ حَائِلًا . وَقَالَ بَعْض أَصْحَابنَا : تَجِب وَهُوَ غَلَط وَاللَّهُ أَعْلَم . قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم وَالنَّسَائِيُّ .
( أَبَا حَفْص بْن الْمُغِيرَة )
: وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الرِّوَايَة الْأُولَى أَنَّ اِسْم زَوْجهَا أَبُو عَمْرو بْن حَفْص . قَالَ النَّوَوِيّ : هَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُور أَنَّهُ أَبُو عَمْرو بْن حَفْص ، وَقِيلَ أَبُو حَفْص بْن عَمْرو ، وَقِيلَ أَبُو حَفْص بْن الْمُغِيرَة
( فِيهِ )
: أَيْ فِي الْحَدِيث
( وَحَدِيث مَالِك )
: أَيْ الْمَذْكُور أَوَّلًا .
( وَخَبَر خَالِد بْن الْوَلِيد )
: بِالنَّصْبِ عَطْف عَلَى الْحَدِيث أَيْ وَسَاقَ الْحَدِيث مَعَ ذِكْر خَبَر خَالِد بْن الْوَلِيد ، وَهُوَ إِتْيَانه مَعَ نَفَر مِنْ بَنِي مَخْزُوم إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا كَانَ فِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدِّمَة
( أَنْ لَا تَسْبِقِينِي بِنَفْسِك )
: هُوَ مِنْ التَّعْرِيض بِالْخِطْبَةِ ، وَهُوَ جَائِز فِي عِدَّة الْوَفَاة ، وَكَذَا فِي عِدَّة الْبَائِن بِالثَّلَاثِ . وَفِيهِ قَوْل ضَعِيف فِي عِدَّة الْبَائِن ، وَالصَّوَاب الْأَوَّل لِهَذَا الْحَدِيث .
( وَلَا تَفُوتِينِي بِنَفْسِك )
: تَعْرِيض بِالْخِطْبَةِ
( قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَذَلِكَ )
: أَيْ بِلَفْظِ أَنَّ زَوْجهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا
( رَوَاهُ الشَّعْبِيّ )
: رِوَايَة الشَّعْبِيّ أَخْرَجَهَا الْمُؤَلِّف
( وَالْبَهِيّ )
: رِوَايَته أَخْرَجَهَا مُسْلِم
( وَعَطَاء عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَاصِم )
: رِوَايَة عَطَاء عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَاصِم عَنْ فَاطِمَة بِنْت قَيْس ، أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ
( وَأَبُو بَكْر بْن أَبِي الْجَهْم )
: رِوَايَته أَخْرَجَهَا مُسْلِم
( كُلّهمْ )
: أَيْ الشَّعْبِيّ وَالْبَهِيّ وَعَبْد الرَّحْمَن بْن عَاصِم وَأَبُو بَكْر بْن أَبَى الْجَهْم .
إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام - (ج 3 / ص 10)
قَوْلُهُ " طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ " يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حِكَايَةً لِلَّفْظِ أَوْقَعَ بِهِ الطَّلَاقَ .
وَقَوْلُهُ " طَلَّقَهَا ثَلَاثًا " تَعْبِيرٌ عَمَّا وَقَعَ مِنْ الطَّلَاقِ بِلَفْظِ " أَلْبَتَّةَ " .
وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَجْعَلُ لَفْظَ " أَلْبَتَّةَ " لِلثَّلَاثِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ هُوَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ ، كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَيَكُونُ قَوْلُهُ " طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ " تَعْبِيرًا عَمَّا وَقَعَ مِنْ الطَّلَاقِ بِلَفْظِ " الطَّلَاقُ ثَلَاثًا " وَهَذَا يَتَمَسَّكُ بِهِ مَنْ يَرَى جَوَازَ إيقَاعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ دَفْعَةً ، لِعَدَمِ الْإِنْكَارِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
إلَّا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ " طَلَّقَهَا ثَلَاثًا " أَيْ أَوْقَعَ طَلْقَةً تَتِمُّ بِهَا الثَّلَاثُ .
وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ " ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ " .
وَقَوْلُهُ " وَهُوَ غَائِبٌ " فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي غَيْبَةِ الْمَرْأَةِ ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ .
وَقَوْلُهُ " فَأَرْسَلَ إلَيْهَا وَكِيلَهُ بِشَعِيرٍ " يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا وَيَكُونُ الْوَكِيلُ هُوَ الْمُرْسِلُ .
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا وَيَكُونُ الْوَكِيلُ هُوَ الْمُرْسَلُ .
وَقَدْ عَيَّنَ بَعْضُهُمْ لِلرِّوَايَةِ : الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ " وَكِيلَهُ " يَعُودُ عَلَى أَبِي عَمْرِو بْنِ حَفْصٍ .
وَقِيلَ : اسْمُهُ كُنْيَتُهُ .
وَقِيلَ : اسْمُهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ .
وَقِيلَ اسْمُهُ أَحْمَدُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَبُو حَفْصِ بْنُ عَمْرٍو وَقِيلَ : أَبُو حَفْصِ بْنُ الْمُغِيرَةِ .
وَمَنْ قَالَ " أَبُو عَمْرِو بْنُ حَفْصٍ " أَكْثَرُ .
وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ " لَيْسَ لَكِ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ " هَذَا مَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ ، إذَا كَانَتْ الْبَائِنُ حَائِلًا وَأَوْجَبَهَا أَبُو حَنِيفَةَ .
وَقَوْلُهُ " وَلَا سُكْنَى " هُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ ، وَأَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ السُّكْنَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ } وَأَمَّا سُقُوطُ النَّفَقَةِ : فَأَخَذُوهُ مِنْ مَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ } فَمَفْهُومُهُ : إذَا لَمْ يَكُنَّ حَوَامِلَ لَا يُنْفَقُ عَلَيْهِنَّ .
وَقَدْ نُوزِعُوا فِي تَنَاوُلِ الْآيَةِ لِلْبَائِنِ .
أَعْنِي قَوْلَهُ " أَسْكِنُوهُنَّ " وَمَنْ قَالَ : لَهَا السُّكْنَى فَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى الِاعْتِذَارِ عَنْ حَدِيثِ فَاطِمَةَ .
فَقِيلَ فِي الْعُذْرِ : مَا حَكَوْهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ " أَنَّهَا كَانَتْ امْرَأَةً لَسِنَةً اسْتَطَالَتْ عَلَى أَحْمَائِهَا ، فَأَمَرَهَا بِالِانْتِقَالِ " .
وَقِيلَ : لِأَنَّهَا خَافَتْ فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ .
وَقَدْ جَاءَ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ { أَخَافُ أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيَّ } .
وَاعْلَمْ أَنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ عَلَى خِلَافِ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ سَبَبَ الْحُكْمِ : أَنَّهَا اخْتَلَفَتْ مَعَ الْوَكِيلِ بِسَبَبِ سَخَطِهَا الشَّعِيرَ ، وَأَنَّ الْوَكِيلَ ذَكَرَ : أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَأَنَّ ذَلِكَ اقْتَضَى أَنْ سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَابَهَا بِمَا أَجَابَ .
وَذَلِكَ يَقْتَضِي : أَنَّ التَّعْلِيلَ بِسَبَبِ مَا جَرَى مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي وُجُودِ النَّفَقَةِ لَا بِسَبَبِ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي ذُكِرَتْ فَإِنْ قَامَ دَلِيلٌ أَقْوَى وَأَرْجَحُ مِنْ هَذَا الظَّاهِرِ عُمِلَ بِهِ .
وَقَوْلُهُ " فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ " قِيلَ : اسْمُهَا غَزِيَّةُ وَقِيلَ : غُزَيْلَةُ وَهِيَ قُرَشِيَّةٌ عَامِرِيَّةٌ وَقِيلَ : إنَّهَا أَنْصَارِيَّةٌ .
وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ { تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي } قِيلَ : كَانُوا يَزُورُونَهَا ، وَيُكْثِرُونَ مِنْ التَّرَدُّدِ إلَيْهَا لِصَلَاحِهَا .
فَفِي الِاعْتِدَادِ عِنْدَهَا حَرَجٌ ، وَمَشَقَّةٌ فِي التَّحَفُّظِ مِنْ الرُّؤْيَةِ : إمَّا رُؤْيَتِهِمْ لَهَا ، أَوْ رُؤْيَتِهَا لَهُمْ ، عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى تَحْرِيمَ نَظَرِ الْمَرْأَةِ لِلْأَجْنَبِيِّ ، أَوْ لَهُمَا مَعًا .
وَقَوْلُهُ " اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ .
فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى " قَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَرْوِي جَوَازَ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ ، فَإِنَّهُ عُلِّلَ بِالْعَمَى وَهُوَ مُقْتَضٍ لِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ ، لَا لِعَدَمِ رُؤْيَتِهَا .
فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَوَازَ الِاعْتِدَادِ عِنْدَهُ : مُعَلَّلٌ بِالْعَمَى الْمُنَافِي لِرُؤْيَتِهِ وَاخْتَارَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَحْرِيمَ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ ، مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } { وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ } وَفِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا إذَا خَافَتْ الْفِتْنَةَ حَرُمَ عَلَيْهَا النَّظَرُ .
فَإِذًا هَذِهِ حَالَةٌ يَجِبُ فِيهَا الْغَضُّ فَيُمْكِنُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَيْهَا وَلَا تَدُلُّ الْآيَةُ حِينَئِذٍ عَلَى وُجُوبِ الْغَضِّ مُطْلَقًا ، أَوْ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرَ اللَّفْظِ : فَهُوَ مُحْتَمِلٌ لَهُ احْتِمَالًا جَيِّدًا ، يَتَوَقَّفُ مَعَهُ الِاسْتِدْلَال عَلَى مَحِلِّ الْخِلَافِ .
وَقَالَ هَذَا الْمُتَأَخِّرُ : وَأَمَّا حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ ، مَعَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ : فَلَيْسَ فِيهِ إذْنٌ لَهَا فِي النَّظَرِ إلَيْهِ ، بَلْ فِيهِ : أَنَّهَا تَأْمَنُ عِنْدَهُ مِنْ نَظَرِ غَيْرِهِ .
وَهِيَ مَأْمُورَةٌ بِغَضِّ بَصَرِهَا ، فَيُمْكِنُهَا الِاحْتِرَازُ عَنْ النَّظَرِ بِلَا مَشَقَّةٍ ، بِخِلَافِ مُكْثِهَا فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ .
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ : إعْرَاضٌ عَنْ التَّعْلِيلِ بِعَمَاهُ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ : مَوْجُودٌ فِي نَظَرِهَا إلَيْهِ ، مَعَ مُخَالَطَتِهَا لَهُ فِي الْبَيْتِ ،وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إنَّمَا عَلَّلَ بِالْعَمَى لِكَوْنِهَا تَضَعُ ثِيَابَهَا مِنْ غَيْرِ رُؤْيَتِهِ لَهَا فَحِينَئِذٍ يَخْرُجُ التَّعْلِيلُ عَنْ الْحُكْمِ بِاعْتِدَادِهَا عِنْدَهُ .
المحلى لابن حزم - (ج 5 / ص 477)
1880 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَخْطِبَ عَلَى خِطْبَةِ مُسْلِمٍ سَوَاءً رُكْنًا وَتَقَارُبًا أَوْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ , إِلاَّ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ لَهَا فِي دِينِهِ وَحُسْنِ صُحْبَتِهِ , فَلَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَخْطِبَ عَلَى خِطْبَةِ غَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ فِي الدِّينِ وَجَمِيلِ الصُّحْبَةِ. أَوْ إِلاَّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ الأَوَّلُ فِي أَنْ يَخْطُبَهَا فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْطُبَهَا حِينَئِذٍ. أَوْ إِلاَّ أَنْ يَدْفَعَ الْخَاطِبُ الأَوَّلُ الْخِطْبَةَ فَيَكُونُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَخْطُبَهَا حِينَئِذٍ. أَوْ إِلاَّ أَنْ تَرُدَّهُ الْمَخْطُوبَةُ فَلِغَيْرِهِ أَنْ يَخْطُبَهَا حِينَئِذٍ وَإِلَّا فَلاَ.
برهان ذَلِكَ : مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ شِمَاسَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ : " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ فَلاَ يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَبْتَاعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ ، وَلاَ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَذَرَ
فَفِي هَذَا الْخَبَرِ تَحْرِيمُ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ الْمُسْلِمِ حَتَّى يَذَرَ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِصِّيصِيُّ ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : سَمِعْت نَافِعًا يُحَدِّثُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيعَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ ، وَلاَ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ الرَّجُلِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ.
قال أبو محمد رحمه الله :
وَأَمَّا إذَا رَدَّتْهُ الْمَخْطُوبَةُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَطْعُ الْخِطْبَةِ , لأََنَّ فِي تَمَادِيهِ الإِضْرَارَ بِهَا وَالظُّلْمَ لَهَا فِي مَنْعِهِ بِذَلِكَ غَيْرَهُ مِنْ خِطْبَتِهَا , فَكُلُّ خِطْبَةٍ تَكُونُ مَعْصِيَةً فَلاَ حُكْمَ لَهَا.
وَأَمَّا إذَا كَانَ فَوْقَهُ فِي دِينِهِ وَحُسْنِ صُحْبَتِهِ فَلِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْمَشْهُورِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا : مَنْ خَطَبَكِ قَالَتْ : مُعَاوِيَةُ وَرَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ آخَرُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَإِنَّهُ غُلاَمٌ مِنْ غِلْمَانِ قُرَيْشٍ لاَ شَيْءَ لَهُ ,
وَأَمَّا الآخَرُ فَإِنَّهُ صَاحِبُ شَرٍّ لاَ خَيْرَ فِيهِ , انْكِحِي أُسَامَةَ قَالَتْ : فَكَرِهْتُهُ , فَقَالَ لَهَا ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ : فَنَكَحَتْهُ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَذَكَرَتْ حَدِيثَهَا , وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا : فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي قَالَتْ : فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلاَ يَضَعُ عَصَاهُ ، عَنْ عَاتِقِهِ
وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لاَ مَالَ لَهُ , انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ قَالَتْ : فَكَرِهْتُهُ , ثُمَّ قَالَ : انْكِحِي أُسَامَةَ , فَنَكَحَتْهُ , فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطَتْ.
قال أبو محمد رحمه الله : فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَشَارَ عَلَيْهَا بِاَلَّذِي هُوَ أَجْمَلُ صُحْبَةً لَهَا مِنْ أَبِي جَهْمٍ الْكَثِيرِ الضَّرْبِ لِلنِّسَاءِ , وَأُسَامَةُ أَفْضَلُ مِنْ مُعَاوِيَةَ.
فإن قيل : وَمَا يُدْرِيك أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ كَانَ قَبْلَ خَبَرِ النَّهْيِ ، عَنْ أَنْ يَخْطِبَ أَحَدٌ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ.
قلنا : قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : الدِّينُ النَّصِيحَةُ الدِّينُ النَّصِيحَةُ الدِّينُ النَّصِيحَةُ وَهَذَا حُكْمٌ بَاقٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَمِنْ أَنْصَحِ النَّصَائِحِ : أَنْ يَكُونَ مَرِيدٌ يُرِيدُ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ قَدْ خَطَبَهَا مَنْ هُوَ أَحْسَنُ صُحْبَةً , وَأَفْضَلُ دِينًا , مِنْ الَّذِي خَطَبَهَا قَبْلَهُ فَيَخْطُبُهَا هُوَ.
وَأَمَّا إنْ تَرَكَ خِطْبَتَهَا مِنْ أَجْلِ الْخَاطِبِ قَبْلَهُ فَقَطْ فَمَا نَصَحَ الْمُسْلِمَةَ وَلَقَدْ غَشَّهَا وَهَذَا لاَ يَجُوزُ. وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ مُعَاوِيَةَ فَتًى مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ فِي غَايَةِ الْجَمَالِ وَالْحِلْمِ. وَأُسَامَةُ مَوْلَى كَلْبِيٌّ أَسْوَدُ كَالْقَارِ فَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّهُ لاَ فَضْلَ لَهُ عَلَيْهِ إِلاَّ بِالدِّينِ الَّذِي هُوَ نِهَايَةُ الْفَضْلِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَايَةِ النُّصْحِيَّةِ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ بِلاَ شَكٍّ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّ ذَلِكَ إذَا رُكْنًا وَتَقَارُبًا فَدَعْوَى فَاسِدَةٌ بَاطِلٌ , لأََنَّهُ لَمْ يُعَضِّدْهَا قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ , وَلاَ إجْمَاعٌ , وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ , وَلاَ نَظَرٌ صَحِيحٌ إنَّمَا هُوَ رَأْيٌ سَاقِطٌ فَقَطْ.
يسألونك فتاوى - (ج 1 / ص 328)
بطلان الدعوة إلى تأخير سن الزواج
يقول السائل : يطالب بعض الناس بتأخير سن الزواج ، ويرفضون الزواج المبكر ، فما قولكم في ذلك ؟
الجواب : حض الإسلام على الزواج ورغّب فيه والزواج من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومن طريقته وهديه عليه الصلاة والسلام ، والزواج المبكر أفضل وأولى من تأخير سن الزواج في حق الذكر والأنثى على السواء ، يقول الله تعالى : ( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) سورة النور /32 .
قال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية:"هذه المخاطبة تدخل في باب الستر والصلاح أي زوجوا من لا زوج له منكم ، فإنه طريق التعفف ، والخطاب للأولياء .... وقوله ( الأيامى منكم) ، أي الذين لا أزواج لهم من النساء والرجال " تفسير القرطبي 12/236 .
وقد حض الرسول صلى الله عليه وسلم على التبكير في الزواج وعدم تأخيره فمن ذلك - ما جاء في حديث طويل ، عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث حيث قال: ( اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد الطلب فقالا: والله لو بعثنا هذين الغلامين قالا لي وللفضل بن عباس ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .... إلى أن قال: وقد بلغنا النكاح .... فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لمحمية - رجل كان مسؤولاً عن الصدقات - :( أنكح هذا الغلام ابنتك -للفضل بن عباس- فأنكحه وقال لنوفل بن الحارث: أنكح هذا الغلام ابنتك -لي- عبد المطلب بن ربيعة ، فأنكحني ....الخ الحديث) رواه مسلم .
والشاهد في هذا ، قول عبد المطلب " وقد بلغنا النكاح " أي الحلم كقوله تعالى : ( حتى إذا بلغوا النكاح ) أي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتزويجهما وهما غلامان .
- ما رواه مسلم بإسناده عن فاطمة بنت قيس ، وفيه أن الرسولصلى الله عليه وسلم أمرها أن تتزوج أسامة بن زيد ، حيث قال لها: ( أنكحي أسامة بن زيد ، فكرهته ، ثم قال أنكحي أسامة بن زيد ، فنكحته فجعل الله فيه خيراً كثيراً ، واغتبطت به ) ، وقد كان أسامة بن زيد يوم زوجه النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس ، دون السادسة عشرة من عمره .
- وعن عائشة رضي الله عنها ، أن الرسولصلى الله عليه وسلم قال : ( لو كان أسامة جارية لكسوته وحليته حتى أُنفِقَهُ ) رواه ابن ماجة وأحمد ، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة 3/16 .
والمراد أنه لو كان أسامة بن زيد بنتاً لزينه وألبسه الحلي حتى يتزوج .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ) رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم ، وهو حديث حسن ، كما قال الشيخ الألباني ، صحيح سنن الترمذي 1/315 .
- وعن علي رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ( يا علي ، ثلاثٌ لا تؤخرها ، الصلاة إذا آنت ، والجنازة إذا حضرت ، والأيم إذا وجدت لها كفؤاً ) رواه الترمذي وقال: غريب حسن ، كما نقله الألباني في المشكاة 1/192 .
والأيم هي المرأة التي لا زوج لها .
وبناءً على ما تقدم ، نرى أن الأصل في الفتاة أن تتزوج إذا تقدم لها الخاطب الكفؤ ما دامت بالغة عاقلة ، ولا يجوز لوليها أن يتأخر في تزويجها إذا وجد الكفؤ وقد ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: " زوجوا أولادكم إذا بلغوا لا تحملوا آثامهم " ذكره ابن الجوزي في أحكام النساء ص304 .
وهذا يشمل الذكور والإناث فينبغي للولي أن لا يتأخر في تزويج أولاده وبناته حتى لا يقعوا في المعاصي والآثام .
وورد عن الحسن البصري أنه قال: " بادروا نساءَكم التزويج " .
وذكر ابن الجوزي عن بعض السلف أنه قال: " كان يقال العجلة من الشيطان إلا في خمس ، إطعام الطعام إذا حضر الضيف ، وتجهيز الميت إذا مات ، وتزويج البكر إذا أدركت ، وقضاء الدين إذا وجب ، والتوبة من الذنب إذا أذنب " أحكام النساء ص304 .
وقد أورد بعض أهل العلم أضرار تأخير زواج الفتاة فقال:"والواقع أن في تأخير زواج الأنثى إذا بلغت ، أضراراً كثيرة .
منها : احتمال انزلاقها إلى الفاحشة .
ومنها: أن يفوتها الزوج الكفؤ .
ومنها: قد يفوتها قطار الزواج بالكلية .
ومنها: كدورة نفسها ، وكراهية وليها الذي أخر زواجها بعدم قبوله من تقدم إليها من الخطّاب الأكفاء وقد يصدر منها ما لا تحمد عقباه .
ومنها: قد يصيب نفسها شيء من التعقيد والسخط على كل من حولها ، ولا شك أن الولي يتحمل قسطه من هذه النتائج والآثام بسبب تأخيره تزويجها " المفصل في أحكام المرأة 6/309
وينبغي التذكير بأن قانون الأحوال الشخصية المعمول به في بلادنا ، قد حدد أقل سن للزواج كما جاء في المادة الخامسة منه ما يلي:
(( يشترط في أهلية الزواج أن يكون الخاطب والمخطوبة عاقلين ، وأن يتم الخاطب السنة السادسة عشرة وأن تتم المخطوبة الخامسة عشرة من العمر )) .
وهذا تحديد مقبول ينبغي العمل به .
شرح الأربعين النووية - (ج 2 / ص 64)
الغريب:
ألبتة: البت: القطع. قال في (المصباح) (بت الرجل طلاق امرأته، فهي مبتوتة، والأصل مبتوت طلاقها) والمراد- هنا- أنه طلقها طلاقا بائنا لا رجعة فيه.
فسخطته: السخط: ضد الرضا، قال في (مختار الصحاح): أسخطه: أغضبه، وتسخط عطاءه، استقله. فالمراد -هنا- أنها استقلت النفقة.
"أم شريك: بفتح الشين وكسر الراء، بعدها ياء، ثم كاف: إحدى فضليات نساء الصحابة رضي الله عنهم.
يغشاها أصحابي: يراد بغشيانهم، كثرة ترددهم إلا، لصلاحها وفضلها.
فآذنيني: بمد الهمزة، أي أعلميني.
فلا يضع عصاه عن عاتقه: العاتق ما بين العنق والمنكب، وهو مكان وضع العصا.
وهذا التعبير، كناية عن شدته على النساء، وكثرة ضربه لهن ويفسر هذا المعنى روايتا (مسلم).
الأولى: "وأما أبو جهم فرجل ضَراب للنساء".
والثانية: "وأبو جهم فيه شدة على النساء".
و "جهم" مفتوح الجيم، ساكن الهاء.
فصعلوك: بضم الماد، التصعلك، هو الفقر، والصعلوك هو الفقير.
انكحي أسامة: بكسر الهمزة، ضبطه المطرزي.
المعنى الإجمالي:
بَت أبو عمرو بن حفص طلاق زوجته فاطمة بنت قيس.
والمبتوتة ليس لها نفقة على زوجها، ولكنه أرسل إليها بشعير، فظنت أن نفقتها واجبة عليه ما دامت في العدة، فاستقلت الشعير وكرهته، فأقسم أنه ليس لها عليه شيء.
فشكته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرها أنه ليس لها نفقة عليه ولا سكنى، وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك.
ولما ذكر صلى الله عليه وسلم أن أم شريك يكثر على بيتها تردد الصحابة، أمرها أن تعتد عند ابن أم مكتوم لكونه رجلا أعمى، فلا يبصرها إذا وضعت ثيابها، وأمرها أن تخبره بانتهاء عدتها.
ولعله أرادها لأسامة بن زيد، فخشى أن تعتد فتتزوج قبل أن يعلم.
فلما اعتدت خطبها (معاوية) و (أبو جهم) فاستشارت النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
بما أن النصح واجب -لا سيما للمستشير- فإنه لم يُشرْ عليها بواحد منهما. ولم يرده لها لأن أبا جهم شديد على النساء وسيئ الخلق، ومعاوية فقير ليس عنده مال، وأمرها بنكاح أسامة، فكرهته لكونه مَوْلَى.
و لكنها امتثلت أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فقبلته، فاغتبطت به، وجعل الله فيه خيراً كثيراً.
ما يؤخذ من الحديث:
1- قوله: "طلقها ثلاثا" ليس معناه، تكلم بهن دفعة واحدة، فهذا محرم غضب منه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: " أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟ ".
ولكنه -كما قال النووي-: (كان قد طلقها قبل هذا اثنتين).
وكما ورد في بعض ألفاظ هذا الحديث في (مسلم) [ أنه طلقها طلقة كانت بقيت لها من طلاقها].
2- أن المطلقة طلاقاً باتا، ليس لها نفقة ولا سكنى في عدتها، ما لم تكن حاملا.
3- جواز التعريض بخطبة المعتدة البائن، حيث قال: " فإذا حللت فآذنيني".
4- ذكر الغائب بما يكره على وجه النصح، ولا يكون- حينئذ- غيبة محرمة.
5- جواز نكاح غير المكافئ في النسب، إذا رضيت به الزوجة والأولياء فـ(أسامة) قد مسه الرق، وفاطمة قرشية.
6- وجوب النصح لكل أحد لا سيما المستشير.
فمن استشارك فقد ائتمنك، وأداء الأمانة واجب.
7- تستر المرأة عن الرجال، وابتعادها عن أمكنتهم ومجتمعاتهم.
8- ليس في أمرها بالاعتداد في بيت ابن أم مكتوم دليل على جواز نظر المرأة إلى الرجل، فقد أمرها بالابتعاد عن الرجال عند هذا الأعمى مع أمرها يغض بصرها عنه؟ قال الله تعالى: {وقلْ لِلْمُؤمنَاتِ يغضضن من أبصارهِن }.
وكما أمر صلى الله عليه وسلم أم سلمة وميمونة بالاحتجاب حين دخل ابن أم مكتوم، فقالتا: إنه أعمى.
فقال: "أفعمياوان أنتما فليس تبصرانه؟ " حديث حسن في السنن. قال النووي: الصحيح الذي عليه الجمهور وأكثر أصحابنا أنه يحرم على المرأة النظر إلى الأجنبي، كما يحرم نظره إليها. ثم استدل بالآية وقال: إن الفتنة مشتركة، كما يخاف الافتتان بها، يخاف الافتتان به. ويدل عليه من السنة حديث أم سلمة.
9- جواز الخطبة على خطبة الغيرِ إذا لم يعلم بالخاطب، وعلم أنه لم يُجب
10- أن امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم خير وبركة، سواء أحبه الإنسان أو لا.
اختلاف العلماء:
اختلف العلماء هل للبائن نفقة وسكنى، زمن العدة، أو لا؟
فذهب الإمام أحمد: إلى أنه ليس لها نفقة، ولا سكنى، وهو قول علي، وابن عباس، وجابر.
وبه قال عطاء، وطاوس، والحسن، وعكرمة، وإسحاق، وأبو ثور وداود، مستدلين بحديث الباب.
وذهب الحنفية إلى أن لها النفقة والسكنى، وهو مروى عن عمر، وابن مسعود وقال به ابن أبى ليلى، وسفيان الثوري، مستدلين بما روى عن عمر: (لا ندع كتاب ربنا لقول امرأة).
وذهب مالك، والشافعي، إلى أن لها السكنى دون النفقة، وهو مذهب عائشة، وفقهاء المدينة السبعة، ورواية عن أحمد، مستدلين بقوله تعالى: {أسكنوهن مِنْ حَيثُ سكنتم مِنْ وجدكم}.
والصحيح، هو القول الأول، لقوة الدليل وعدم المعارض.
فأما القول الثاني فضعيف، لأن هذه الكلمة التي استدلوا بها، لم تثبت عن عمر.
فقد سئل الإمام أحمد: أيصح هذا عن عمر؟ قال: لا.
وعلى فرض صحتها، فصريح كلام النبي صلى الله عليه وسلم مقدم كل اجتهاد كل أحد.
وأما أصحاب القول الثالث، فلا يستقيم لهم الاستدلال بالآية، لأنها جاءت في حكم الرجعية، لا في حكم البائن.
ويوضح ذلك قوله تعالى: {لا تَدري لَعَل الله يحدث بَعدَ ذلِكَ أمرا}.
وإحداث الأمر، معناه تغيره نحو الزوجة ورغبته فيها في زمن العدة، وهو مستحيل في البائن.
لقاءات الباب المفتوح - (ج 3 / ص 30)
جواز تدريس الأعمى للنساء:
___________________________________
السؤال: ما حكم دخول الكفيف على النساء لقصد التعليم في المدارس؟
___________________________________
الجواب: دخول الرجل الأعمى على النساء للتعليم لا بأس به؛ لأنه يجوز للمرأة أن تنظر إلى الأعمى ما لم يكن هناك فتنة، والدليل على هذا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت قيس: (اعتَدِّي في بيت ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابك عنده)، وأذِنَ لعائشة أن تنظر إلى الحَبَشَة وهم يلعبون في المسجد. لكن إن حصل من هذا فتنة بكونه يتلذذ بصوت المرأة، أو يُدْنيها إلى جنبه مثلاً، ويمسك على يدها، وما أشبه ذلك فإنه لا يجوز، لا من أجل أنه يحرم النظر إلى الرجل، ولكن من أجل ما اقترن به من الفتنة.......
لقاءات الباب المفتوح - (ج 14 / ص 10)
حكم تدريس الأعمى في مدارس البنات:
___________________________________
السؤال: ما رأيك في أن هناك مشايخ فاقدي البصر يدرسون في المدارس الثانوية أو المتوسطة للبنات فعندما تريد المرأة قراءة القرآن يجب أن ترتل فما رأيك في تحسين صوتها أمام هذا الرجل؟
___________________________________
الجواب: تدريس الأعمى للنساء إذا كان موثوقاً لا بأس به، أما إذا كان مشتبهاً فيه فإنه لا يجوز أن يدرس، بل يجب أن يمنع من التدريس على أي حال كان، ويبقى السؤال إذا درس هل يجوز للمرأة أن تنظر إليه، والجواب: نعم. يجوز للمرأة أن تنظر إليه بشرط ألا يكون ذلك عن شهوة؛ لأن نظر المرأة للرجال ليس بحرام، ودليله حديث فاطمة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (اعتدي في بيت ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستر عائشة رضي الله عنها وهي تنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد، وأما تلاوة القرآن عند هذا الرجل الأعمى وتحسين المرأة صوتها بذلك فأخشى أن يكون فيه فتنة، وأرى أن ترتل القرآن ترتيلاً بدون تحسين الصوت؛ لأن تحسين الصوت خطير بالنسبة للمرأة ولا سيما الشابة، فقد قال الله تبارك وتعالى لنساء نبيه صلى الله عليه وسلم: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً [الأحزاب:32] فهي ترتل لكن بصوت عادي بدون تحسين ولا ترقيق لصوتها.
لقاءات الباب المفتوح - (ج 49 / ص 18)
حكم الاختلاط بين الرجال والنساء، وحكم قيادة النساء للسيارات:
________________________________________
السؤال: فضيلة الشيخ: في بلادنا الكويت كثر الاختلاط في الجامعات؛ فالمدرس أحياناً يخلو بالبنت، وكذلك بالنسبة لتعليم النساء قيادة السيارات، نجد أن المدرب يخلو بالبنت وهو يدربها ساعة أو ساعتين، فما حكم ذلك جزاكم الله خيراً؟
________________________________________
الجواب: أقول بالنسبة للطالبات: الواجب عليهن أن يغطين وجوههن، وأما النظر إلى المدرس فهذا لا بأس به إذا لم يكن لشهوة أو لتمتع بالنظر إليه، وإنما كان من أجل التلقي منه، هذا لا بأس به؛ لأن نظر المرأة إلى الرجل ليس حراماً، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت قيس : (اعتدي في بيت ابن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده) وكان صلى الله عليه وسلم يستر عائشة وهي تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد. فالقول الراجح من أقوال العلماء: أن المرأة لا بأس أن تنظر إلى الرجل بشرط ألا يكون نظرها لشهوة أو تمتع. وأما بالنسبة لتدريب الفتاة على قيادة السيارة وانفرادها برجلٍ يدربها فهذا لا يجوز، وهو أكبر فتنة مما لو انفرد بها في حجرة؛ لأن من المعلوم أن النفس تحب من أحسن إليها، وهذا المدرب إذا عامل الفتاة باللطف واللين يكون هناك فتنة كبيرة لا يتصورها الإنسان، وكيف عندما تجد الطالبة نفسها بجانبه يريها كيف يعمل عجلة القيادة، وكيف يعمل بالفرامل، وكيف يعمل كذا، فهذا خطير جداً جداً. ثم إن من رأيي أنا أن المرأة لا تقود السيارة .. هل قلَّ الرجال وما بقي إلا أن نضطر إلى النساء؟!! أبداً ما قل الرجال، فهم كثيرون، وقيادة السيارة للمرأة فيها أخطار كثيرة، إذا كنا الآن نخشى من شبابنا إذا ذهبوا في السيارات إلى البر وغيره نخشى عليهم من الفتنة، فكيف بالمرأة؟ من يضبط المرأة إذا أخذت السيارة وخرجت إلى البر أو إلى أي إنسان تريده؟! الحقيقة أني أتعجب من بعض الناس كيف ينظرون إلى الأمور بظواهرها! يقولون: إن المرأة لا بأس أن تقود السيارة كما كانت النساء تركب الجمال في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. نقول: نحن لا ننكر أصل قيادة المرأة للسيارة، فليس هو في ذاته منكراً، لكن لما يترتب عليه من المفاسد الكثيرة العظيمة نمنعه، والشريعة الإسلامية جاءت لسد الذرائع الموصلة إلى المحرمات ثم ليس هناك ضرورة؛ فالشباب كثيرون والحمد لله، والمرأة إذا تعود أخوها أو ابنها قيادة السيارة كفاها. فالواجب منع المرأة من قيادة السيارة؛ لا لأن ذلك حرام عليها، وإنما هو من باب سد الذرائع الموصلة إلى الحرام، ولما يترتب على ذلك من مفاسد محققة. وإلى هنا ينتهي هذا اللقاء، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح العمل، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 17 / ص 366)
أحبها وتحبني وأبوها يرفضني
المجيب عبد الرحمن بن عبد العزيز المجيدل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/ قبل الزواج/تأخر الزواج وعقباته
التاريخ 29/5/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
أنا متخرج من الجامعة الآن ولم أحصل على وظيفة حتى الآن، ووقعت في حب فتاة ما، وفي نفس الوقت هي أيضا وقعت في حبي، وكلنا عزم على توظيف هذا الحب بالطريق الشرعي وهو الزواج..، ولكن والد هذه الفتاة لا يريد أن يزوج ابنته إلا لشاب لا يقل راتبه عن خمسة آلاف ريال، وهذا يكلفني أن أصبر سنتين أو ثلاث حتى تأتي الوظيفة، وأنا لا أستطيع البعد عنها وهي لا تستطيع البعد عني، وكلانا لا يريد إلا الطريق الشرعي. فبماذا تنصحوني؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
نبارك لك زيارة موقعك الإسلام اليوم، وعرضك هذه المشكلة.
أخي: اعلم أني سأبعث لأبيها رسالة أنت حاملها: "إنك أيها الأب المبارك تعيش المسؤولية وتؤدي الأمانة، فحرصك على إسعاد ابنتك مما يجب عليك، وحسن اختيار الزوج من رعاية الأمانة، مما يؤكد في اختيار الزوج أن يكون ذا مال يستطيع أن يسعد ابنتك، وقد جعل المال الذي هو مؤنة النكاح الاستطاعة، قال - صلى الله عليه وسلم -: "من استطاع منكم الباءة فليتزوج" رواه البخاري (1905)، ومسلم (1400) من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، ومعلوم أن القدرة على النكاح - الجماع- يستطيعها كل الشباب الأسوياء، فليس ثمة مراد للرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا المهر وما بعده، وقد آجر نبي من أولى العزم (موسى - عليه السلام -) نفسه لأبي زوجته ثمان سنين لإعفاف نفسه، فهل أراك تفرط في ابنتك وتزوجها من يعجز عن القيام بما تحتاج إليه كل زوجة؟.
أيها الأب المبارك تذكر أن فاطمة بنت قيس - رضي الله عنها - استشارت الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيمن تقدم لخطبتها فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أما أبو جهم فكان لا يضع العصا عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة بن زيد " - الحديث رواه مسلم (1480)، فذكر لها الرسول - صلى الله عليه وسلم أن المانع من قبول معاوية - رضي الله عنه أنه لا مال له مع أن أبا سفيان - رضي الله عنه - كان موسراً ومرجواً، وهو والده، وأمه من أعظم الأمهات رعاية وعناية هند بنت عتبة عالية الشرف - رضي الله عنهم -، فكأني بمن خطب ابنتك يحمل شهادة ولا يحمل مالاً كمعاوية - رضي الله عنه - ، لديه أم عظيمة شريفة مشفقة وأب غني ومع ذلك فقد وصف حاله الرسول - صلى الله عليه وسلم - "صعلوك لا مال له".
وأما الرسالة الثانية فإليك وحدك، إلى قلبك المعني، إلى روحك الخفاقة، إلى شوقك وحبك، اعلم وفقك الله أن الزواج مسؤولية وواجبات وحقوق، وأن المال من أعظم أسباب سعادة الحياة بين الزوجين، وأن العاجز عن تلبية الطلبات هو المهموم وليس زوجه، وأن بيت الزوجية لا يصلح أن يكون خيمة ولا شقة خالية من المهمات والحاجيات، فلذا عليك بالصبر، فخير عيشنا الصبر، كما قال عمر - رضي الله عنه - ، وفي الحياة مُنىً لا تدرك، وآمالٌ تحتاج إلى أعمال، فالعاقل من لم تطفى رغائبه على مصالحه، فاصرف النفس وألجم القلب، وأعرض بالبصر، ومن غاب عن البصر فإنه يخف عن القلب خياله، واحرص على نفع نفسك تحقيقاً لقوله - صلى الله عليه وسلم - " احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز ..." رواه مسلم (2664) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ، فإذا تحسن وضعك فأنت مطلوب لا طالب، ولا بارك الله ولا حيا الله حباً يلفك بالحاجة، ويذل نفسك فتقبل الإحسان والصدقة، ويزاح عنك الواجب من المناسبات؛ لأنك مسكين لا تجد، فالعزة وقوة النفس والترفع عن الاحتياج للآخرين بوابة الرفعة.
أيها الابن الكريم: أعلم أن الذي يرضيك أن أحمل على هذا الأب حملة شعواء وأصفه بالطمع والجشع، وأبين لك أنك ما دمت تحب هذه الفتاة وهي تحبك فهي لك وأنت لها، وأن استمراركما في العلاقة والمكالمة والزيارة والمواعدة كل ذلك جائز وسائغ، ما دام أنكما عازمان على الزواج -وإن كنتما لا تستطيعان ذلك-، وما دام أن الزواج سيكون ولو بعد حين، فاستمرا في علاقتكما ولا تثريب عليكما.
أعلم أن هذا الكلام هو الذي يسرك أن تقرأه جواباً على سؤالك، ولكن ثق يا بني أنك لن تسر به أبداً لو كانت هذه الفتاة أختك، أو ابنتك، ولو قرأته في تلك الحال لغلت الدماء في عروقك، ولقلت إن الولي على الفتاة لم يجعل إلا المراعاة مصالحها، وليضم عقله إلى عاطفتها، ويرشد اختيارها، ولقلت إن الحب وحده ليس مهراً، وإن الفقر إذا دخل من النافذة خرج الحب من الباب، ولأنكرت، وحق لك أن تنكر تصرف هذا الشاب الذي يساوم هذه الفتاة بعاطفتها، ويريد أن يظفر بها لتعلقها.
أي بني: إنك لن تستطيع أن تعيش حياة زوجية مع امرأة تحبك إلا إذا كانت تحترمك، ولن تحترمك المرأة وهي تراك في حال من الفقر الشديد لعطالتك وعدم عملك، وكونك ستصبح محل إحسان الناس وموضع صدقاتهم وزكواتهم.
كلا يا بني تذكر قول الله: "وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله" [النور:33]، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" (سبق تخريجه). وادع ربك واسأله، وأبشر بالخير، فهو القريب المجيب، وسيجعل لك الله من أمرك يسراً، حفظك الله ورزقك الصبر، وانتظار الفرج، وهداك للتي هي أحسن من الأحوال، والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 59 / ص 437)
تخيري صاحب الدين والخلق رقم الفتوى:8702تاريخ الفتوى:25 ربيع الأول 1422السؤال :
أتمنى أن يخبرني أحدكم إذا كانت المراسلة بين الجنسين حلالا إذا لم يتخللها أي شيئ أم حرام؟
أود أن أضيف أننى أبلغ من العمر خمساً وعشرين سنة ..... وأنا أراسل ابن خالي فقط و أقصد من ذلك الزواج لأنني أحبه وأظن أنه يحبني ألا يعتبر ذلك سعياً في الخير؟
و أتمنى من حضرتكم الدعاء لي بالتوفيق في مهمتي بالزواج منه وأن يسعدني الله و يرشدني إلى الطريق الصحيح. وأن يرزقني الخير والبركات.
أريد مشورة أخرى و نصيحة من أخ أكبر ذي خبرة.
وهي أنه قبل فترة تقدم لخطبتي رجل ورفضت لأنني أنتظر ابن خالي على الرغم من أنه لم يعدني بشىء.
بعد ذلك أخبرتني ابنة خالتي أنهم يودون خطبتي لأخيها.
وأنا أعيش في حيرة شديدة هل أوافق أم لا. أم انتظر ابن خالي الذى أكن له الود.
هل أتوكل على الله وأوافق أم أصبر؟
الفتوى :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يعتبر ذلك سعياً إلى الخير بل من استدراج الشيطان واتباع خطواته، والمرأة مطلوبة وليست طالبة، والأولى لك أن تبتعدي عن ذلك، وقد سبق حكم المحادثة بين الرجال والنساء عبر الإنترنت برقم 1072 ، 1759
وما دام أهل ابن خالتك قد تكلموا في خطبتك، وكان ابن خالتك ممن يرضى دينه وخلقه فلا داعي للقلق والحيرة، واستخيري الله تعالى في الموافقة عليه، ولا حرج في رفضك من تقدم إليك قبله.
فقد خطب فاطمة بنت قيس معاوية بن أبي سفيان وأبو جهم، فجاءت تستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها صلى الله عليه وسلم: " أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، "انكحي أسامة بن زيد" فكرهته، ثم قال "انكحي أسامة" فنكحته، فجعل الله فيه خيراً، واغتبطت. ] رواه مسلم.
والله أعلم.(1/186)
دُخُولُ الْمُخَنَّثِ عَلَى النِّسَاءِ ، وَذِكْرُ الِاخْتِلَافِ عَلَى عُرْوَةَ فِي الْخَبَرِ في ذلكَ
345-8001 أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ آدَمَ ، عَنْ عَبْدَةَ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَهَا ، وَفِي الْبَيْتِ مُخَنَّثٌ فَقَالَ : " الْمُخَنَّثُ لِأَخِي أُمِّ سَلَمَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الطَّائِفَ غَدًا ، فَإِنِّي أَدُلُّكُ عَلَى بِنْتِ غَيْلَانَ ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعَ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ " فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَدْخُلَنَّ هَؤُلَاءِ عَلَيْكُمْ " (1)
__________
(1) - موطأ مالك برقم(1462) وسنن البيهقى برقم( 17436) وصحيح البخارى برقم( 4324) وصحيح مسلم برقم( 5819) وأبو داود برقم(4931)
المخنث : الذي يشبه النساء في أخلاقه وفي كلامه وحركاته. وتارة يكون هذا خلقة من الأصل ، وتارة يكون بتكلف وهو المنهي عنه
التمهيد لابن عبد البر - (ج 12 / ص 202)
# حديث موفي أربعين لهشام بن عروة مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن مخنثا كان عند أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقال لعبد الله بن أبي أمية ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع يا عبد الله إن فتح الله عليكم الطائف غدا فإني أدلك على ابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخلن هؤلاء عليكم ( 399 ) هكذا روى هذا الحديث جمهور الرواة عن مالك مرسلا ورواه سعيد بن أبي مريم عن مالك عن هشام عن أبيه عن أم سلمة والصواب عن مالك ما في الموطأ ولم يسمعه عروة من أم سلمة وإنما رواه عن زينب ابنتها عنها كذلك قال ابن عيينة وأبو معاوية عن هشام فأما حديث ابن أبي مريم عن مالك فحدثناه أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا محمد بن عيسى قال حدثنا يحيى بن أيوب قال حدثنا سعيد بن أبي مريم قال أخبرنا مالك قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها وكان مخنث عندهم جالسا فقال المخنث لعبد الله ابن أبي أمية أخي أم سلمة إن فتح الله عليكم الطائف غدا فأنا أدلك على ابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخلن هؤلاء عليكم وأما حديث ابن عيينة فحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أمها أم سلمة قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي مخنث فسمعه يقول لعبد الله بن أبي أمية يا عبد الله أرأيت إن فتح الله عليكم الطائف غدا فعليك بابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخلن هؤلاء عليكم قال سفيان قال ابن جريج اسمه هيت يعني المخنث ( 400 ) وأخبرنا محمد بن إبراهيم وإبراهيم بن شاكر قالا حدثنا محمد بن أحمد ابن يحيى قال حدثنا محمد بن أيوب بن حبيب الرقي قال حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق قال حدثنا أبو كريب قال حدثنا أبو معاوية عن هشام ابن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة فذكرا الحديث بتمامه قال أبو عمر ذكر عبد الملك بن حبيب عن حبيب كاتب مالك قلت لمالك إن سفيان زاد في حديث ابنة غيلان أن مخنثا يقال له هيت وليس في كتابك هيت فقال مالك صدق ( 401 ) وهو كذلك وكان النبي صلى الله عليه وسلم غربه إلى الحمى وهو موضع من ذي الحليفة ذات الشمال من مسجدها قال حبيب وقلت لمالك وقال سفيان في الحديث إذا قعدت تثنت وإذا تكلمت تغنت قال مالك صدق كذلك هو في الحديث قال وقلت لمالك قال سفيان في تفسير تقبل بأربع وتدبر بثمان يعني مظلة الأعراب مقدمها أربع ومدبرها ثمان فقال مالك لم تصنع شيئا إنا هي عكن أربع إذا أقبلت وثمان إذا أدبرت وذلك أن الظهر لا تنكسر ( 402 ) فيه العكن قال أبو عمر كل ما ذكره حبيب كاتب مالك عن سفيان بن عيينة أنه قال في الحديث يعني حديث هشام بن عروة هذا فغير معروف فيه عند أحد من رواته عن هشام لا ابن عيينة ولا غيره ولم يقل سفيان في نسق الحديث أن مخنثا يدعى هيت وإنما ذكره عن ابن جريج بعد تمام الحديث على ما ذكرناه عن الحميدي عنه وهو أثبت الناس في ابن عيينة وكذلك قوله عن سفيان أنه كان يقول في الحديث إذا فعدت تثنت وإذا تكلمت تغنت هذا ما لم يقله سفيان ولا غيره فيما علمت في حديث هشام بن عروة وهذا اللفظ لا يحفظ إلا من رواية الواقدى والعجب أنه يحكيه عن سفيان ويحكي عن مالك أنه كذلك فصارت رواية عن مالك ولم يرو ذلك عن مالك ( احد ) ( 403 ) غير حبيب ولا ذكره عن سفيان غيره أيضا والله أعلم وحبيب كاتب مالك متروك الحديث ضعيف عند جميعهم لا يكتب حديثه ولا يلتفت إلى ما يجيء ( 404 ) به أخبرنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى قال حدثنا أبو سعيد بن الأعرابي قال حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الجبار العطاردي قال حدثنا يونس بن بكير عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب ابنة أم سلمة عن أم سلمة قالت كان عندي مخنث فقال لعبد الله أخي إن فتح الله عليكم الطائف غدا فإن أدلك على ابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان فسمع رسول الله قوله فقال لا يدخلن هؤلاء عليكم قال وحدثنا يونس بن بكير عن أبي إسحاق قال وقد كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مولى لخالته فاخته ابنة عمرو بن عائذ مخنث يقال له ماثع يدخل على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون في بيته ولا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يفطن لشيء من أمر النساء مما يفطن إليه الرجال ولا يرى أن له في ذلك أربا فسمعه وهو يقول لخالد بن الوليد يا خالد إن فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف فلا تنفلتن منك بادية ابنة غيلان بن سلمة فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع هذا منه ألا أرى الخبيث يفطن لما أسمع ثم قال لنسائه لا يدخل عليكم ( 405 ) فحجب عن بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي هذا الحديث من الفقه إباحة دخول المخنثين من الرجال على النساء وإن لم يكونوا منهن بمحرم والمخنث الذي لا بأس بدخوله على النساء هو المعروف عندنا اليوم بالمؤنث وهو الذي لا أرب له في النساء ولا يهتدي إلى شيء من أمورهن فهذا هو المؤنث المخنث الذي لا بأس بدخوله على النساء ( 406 ) فأما إذا فهم معاني النساء والرجال كما فهم هذا المخنث وهو المذكور في هذا الحديث لم يجز للنساء أن يدخل عليهن ولا جاز له الدخول عليهن بوجه من الوجوه لأنه حينئذ ليس من الذين قال الله عز وجل فيهم !< غير أولي الإربة من الرجال >! وليس المخنث الذي تعرف فيه الفاحشة خاصة وتنسب إليه وإنما المخنث شدة التأنيث في الخلقة حتى يشبه المرأة في اللين والكلام والنظر والنغمة وفي العقل والفعل وسواء كانت فيه عاهة الفاحشة أم لم ( 407 ) تكن وأصل التخنث التكسر واللين فإذا كان كما وصفنا لك ولم يكن له في النساء ارب وكان ضعيف العقل لا يفطن لأمور الناس أبله فحينئذ يكون من غير أولي الإربة الدين أبيح لهم الدخول على النساء ألا ترى أن ذلك المخنث لما فهم من أمور النساء قصة بنت غيلان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ عن دخوله على النساء ونفاه إلى الحمى فيما روي واختلف العلماء في معنى قوله عز وجل !< أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال >! اختلافا متقارب المعنى لمن تدبر ذكر أبن أبي شيبة قال حدثنا سهل بن يوسف عن عمرو عن الحسن !< أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال >! قال هم قوم طبعوا على التخنيث فكان الرجل منهم يتبع الرجل يخدمه ليطعمه وينفق عليه لا يستطيعون غشيان النساء ولا يشتهونه قال وحدثنا ابن إريس عن ليث عن مجاهد في قوله !< غير أولي الإربة من الرجال >! قال هو الأبله الذي لا يعرف أمر النساء قال وأخبرنا جرير عن مغيرة عن الشعبي قال هو الذي لم يبلغ أربه أن يطلع على عورات النساء وذكر محمد بن ثور وعبد الرزاق جميعا عن معمر عن قتادة أو التابعين غير أولي الإربة قال هو التابع الذي يتبعك فيصيب من طعامك غير أولي الإربة يقول لا أرب له ليس له في النساء حاجة وعن علقمة قال هو الأحمق الذي لا يريد النساء ولا يردنه وعن طاوس وعكرمة مثله وعن سعيد بن جبير هو الأحمق الضعيف العقل وعن عكرمة أيضا هو العنين ووكيع عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال هو الذي يريد الطعام ولا يريد النساء ليس له هم إلا بطنه وعن الشعبي أيضا وعطاء مثله وعن الضحاك هو الأبله وقال الزهري هو الأحمق الذي لا همة له في النساء ولا أرب وقيل كل من لا حاجة له في النساء من الأتباع نحو الشيخ والهرم والمجبوب والطفل والمعتوه والعنين قال أبو عمر هذه أقاويل متقاربة المعنى ويجتمع في أنه لا فهم له ولاهمة ينتبه بها إلى أمر النساء وبهذه الصفة كان ذلك المخنث عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمع منه ما سمع من وصف محاسن النساء ( 408 ) أمر بالاحتجاب منه وذكر معمر عن الزهري وهشام بن عروة عن عروة عن عائشة قالت كان رجل يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة فدخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة فقال إنها إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان فقال لأرى هذا يعلم ما ههنا لا يدخلن هذا عليكم فحجبوه وأما قوله تقبل بأربع وتدبر بثمان فالذي ذكر حبيب عن مالك هو كذلك أو قريب منه وإنما وصف امرأة لها في بطنها أربع عكن فإذا بلغت خصريها صارت أطراف العكن ثمانيا أربع من ههنا وأربعا ههنا فإذا أقبلت إليك واستقبلتك ببطنها رأيت لها أربعا فإذا أدبرت عنك صارت تلك الأربع ثمانيا من جهة الأطراف المجتمعة وهكذا فسره كل من تكلم في هذا الحديث واستشهد عليه بعضهم بقول النابغة في قوائم ناقته % على هضبات بينما هن أربع % % أنخن لتعريس فعدن ثمانيا % يعني أن هذه الناقة إذا رفعت قوائمها أربع فإذا انحنت قوائها وانطوت صارت ثمانيا وقد روي هذا الخبر عن سعد بن أبي وقاص بخلاف هذا اللفظ حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن واضح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا بكر بن عبد الرحمان قال حدثنا عيسى بن المختار عن ابن أبي ليلى عن عبد الكريم عن مجاهد عن عامر بن سعد عن سعد بن مالك أنه خطب امرأة وهو بمكة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ليت عندي من رآها ومن يخبرني عنها فقال رجل مخنث يدعى هيت أنا أنعتها لك إذا أقبلت قلت تمشي على ست وإذا أدبرت قلت تمشي على أربع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرى هذا إلامنكرا ما أراه إلا يعرف أمر النساء وكان يدخل على سودة فنهاه أن يدخل عليها فلما قدم المدينة نفاه فكان كذلك حتى أمر عمر فجلد فكان يرخص له يدخل المدينة يوم الجمعة فيتصدق يعني يسأل الناس قاله ابن وضاح وأما الواقدي وابن الكلبي فإنهما قد ذكرا أن هيتا المخنث قال لعبد الله ابن أبي أمية المخزومي وهو أخو أم سلمة لأبيها وأمه عاتكة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له وهو في بيت أخت أم سلمة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع إن افتتحتم الطائف فعليك ببادية ابنة غيلان بن سلمة الثقي فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان مع ثغر كالأقحوان إن جلست تثنت وأن تكلمت تغنت بين رجليها مثل الإناء المكفو وهي ( 409 ) كما قال قيس بن الحطيم % تغترق الطرف وهي لاهية % كأنما شف وجهها نزف % % بين شكول النساء خلقتها % قصدا فلا جبلة ولا قصف % % تنام عن كبر شأنها فإذا % % قامت رويدا تكاد تنقصف % فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لقد غلغلت ( 410 ) النظر إليها يا عبد الله ثم أجلاه عن المدينة إلى الحمى قال فلما افتتحت الطائف تزوجها عبد الرحمان بن عوف فولدت له بريهة في قول ابن الكلبي قال ولم يزل هيت بذلك المكان حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فلما ولي أبو بكر كلم فيه فأبى أن يرده فلما ولي عمر كلم فيه فأبى ثم كلم فيه بعد وقيل له إنه قد كبر وضعف فأذن له أن يدخل كل جمعة فيسأل ( 411 ) ويرجع إلى مكانه قال وكان هيت مولى لعبد الله بن أبي أمية المخزومي وكان مونا له أيضا فمن ثم قيل الخنث قال أبو عمر يقال بادية ( 412 ) ابنة غيلان بالياء وبادنه بالنون والصواب عندهم بالياء نادية وهو قول أكثرهم وكذلك ذكره الزبير بالياء فالله أعلم وأما قوله تغنت فقالوا إنه من العنة لا من الغناء أي كانت تتغنن في كلامها من لينها ورخامة صوتها يقال من هذه الكلمة تغنن الرجل وتغنى مثل تظنن وتظني قال ابن إسحاق وممن استشهد يوم الطائف عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة أخو سلمة من زمعة
فتح الباري لابن حجر - (ج 15 / ص 47)
4834 - قَوْله ( حَدَّثَنَا عَبْدَة )
هُوَ اِبْن سُلَيْمَان
( عَنْ هِشَام ) هُوَ اِبْن عُرْوَة ( عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَب بِنْت أُمّ سَلَمَة عَنْ أُمّ سَلَمَة )
فِي رِوَايَة سُفْيَان " عَنْ هِشَام فِي غَزْوَة الطَّائِف عَنْ أُمّهَا أُمّ سَلَمَة " هَكَذَا قَالَ أَصْحَاب هِشَام بْن عُرْوَة وَهُوَ الْمَحْفُوظ وَسَيَأْتِي فِي اللِّبَاس مِنْ طَرِيق زُهَيْر بْن مُعَاوِيَة " عَنْ هِشَام أَنَّ عُرْوَة أَخْبَرَهُ أَنَّ زَيْنَب بِنْت أُمّ سَلَمَة أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمّ سَلَمَة أَخْبَرَتْهَا " وَخَالَفَهُمْ حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ هِشَام فَقَالَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرو بْن أَبِي سَلَمَة " وَقَالَ مَعْمَر " عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة " وَرَوَاهُ مَعْمَر أَيْضًا عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة ، وَأَرْسَلَهُ مَالِك فَلَمْ يَذْكُر فَوْق عُرْوَة أَحَدًا أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ ، وَرِوَايَة مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيِّ عِنْد مُسْلِم وَأَبِي دَاوُدَ أَيْضًا .
قَوْله ( أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدهَا وَفِي الْبَيْت )
أَيْ الَّتِي هِيَ فِيهِ .
قَوْله ( مُخَنَّث )
تَقَدَّمَ فِي غَزْوَة الطَّائِف أَنَّ اِسْمه هِيت ، وَأَنَّ اِبْن عُيَيْنَةَ ذَكَرَهُ عَنْ اِبْن جُرَيْجٍ بِغَيْرِ إِسْنَاد ، وَذَكَرَ اِبْن حَبِيب فِي " الْوَاضِحَة " عَنْ حَبِيب كَاتِب مَالِك قَالَ " قُلْت لِمَالِك إِنَّ سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ زَادَ فِي حَدِيث بِنْت غَيْلَان أَنَّ الْمُخَنَّث هِيت وَلَيْسَ فِي كِتَابك هِيت ، فَقَالَ : صَدَقَ هُوَ كَذَلِكَ " وَأَخْرَجَ الْجُوزَجَانِيُّ فِي تَارِيخه مِنْ طَرِيق الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن بْن عَلِيّ قَالَ " كَانَ مُخَنَّث يَدْخُل عَلَى أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَال لَهُ هِيت " وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى وَأَبُو عَوَانَة وَابْن حِبَّان كُلّهمْ مِنْ طَرِيق يُونُس " عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة أَنَّ هِيتًا كَانَ يَدْخُل " الْحَدِيث . وَرَوَى الْمُسْتَغْفِريّ مِنْ مُرْسَل مُحَمَّد بْن الْمُنْكَدِر " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَى هِيتًا فِي كَلِمَتَيْنِ تَكَلَّمَ بِهِمَا مِنْ أَمْر النِّسَاء ، قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر : إِذَا اِفْتَتَحْتُمْ الطَّائِف غَدًا فَعَلَيْك بِابْنَةِ غَيْلَان " فَذَكَرَ نَحْو حَدِيث الْبَاب وَزَادَ " اِشْتَدَّ غَضَب اللَّه عَلَى قَوْم رَغِبُوا عَنْ خَلْق اللَّه وَتَشَبَّهُوا بِالنِّسَاءِ " وَرَوَى اِبْن أَبِي شَيْبَة وَالدَّوْرَقِيّ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّار مِنْ طَرِيق عَامِر بْن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص عَنْ أَبِيهِ أَنَّ اِسْم الْمُخَنَّث هِيت أَيْضًا ، لَكِنْ ذَكَرَ فِيهِ قِصَّة أُخْرَى . وَذَكَرَ اِبْن إِسْحَاق فِي الْمَغَازِي أَنَّ اِسْم الْمُخَنَّث فِي حَدِيث الْبَاب مَاتِع وَهُوَ بِمُثَنَّاةٍ وَقِيلَ بِنُونٍ ، فَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيِّ قَالَ " كَانَ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة الطَّائِف مَوْلًى لِخَالَتِهِ فَاخِتَة بِنْت عَمْرو بْن عَائِذ مُخَنَّث يُقَال لَهُ مَاتِع يَدْخُل عَلَى نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَكُون فِي بَيْته لَا يَرَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَفْطِن لِشَيْءٍ مِنْ أَمْر النِّسَاء مِمَّا يَفْطِن لَهُ الرِّجَال وَلَا أَنَّ لَهُ إِرْبَة فِي ذَلِكَ ، فَسَمِعَهُ يَقُول لِخَالِدِ بْن الْوَلِيد : يَا خَالِد إِنْ اِفْتَتَحْتُمْ الطَّائِف فَلَا تَنْفَلِتَنّ مِنْك بَادِيَة بِنْت غَيْلَان بْن سَلَمَة ، فَإِنَّهَا تُقْبِل بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِر بِثَمَانٍ ، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ : لَا أُرَى هَذَا الْخَبِيث يَفْطِن لِمَا أَسْمَع ، ثُمَّ قَالَ لِنِسَائِهِ : لَا تُدْخِلَنّ هَذَا عَلَيْكُنَّ ، فَحُجِبَ عَنْ بَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَحَكَى أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي كَوْن مَاتِع لَقَب هِيت أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ أَنَّهُمَا اِثْنَانِ خِلَافًا ، وَجَزَمَ الْوَاقِدِيُّ بِالتَّعَدُّدِ فَإِنَّهُ قَالَ : كَانَ هِيت مَوْلَى عَبْد اللَّه بْن أَبِي أُمَيَّة ، وَكَانَ مَاتِع مَوْلَى فَاخِتَة ، وَذُكِرَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَاهُمَا مَعًا إِلَى الْحِمَى ، وَذَكَرَ الْبَارُودِيّ فِي " الصَّحَابَة " مِنْ طَرِيق إِبْرَاهِيم بْن مُهَاجِر عَنْ أَبِي بَكْر بْن حَفْص " أَنَّ عَائِشَة قَالَتْ لِمُخَنَّثٍ كَانَ بِالْمَدِينَةِ يُقَال لَهُ أَنَّة بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَتَشْدِيد النُّون : أَلَا تَدُلّنَا عَلَى اِمْرَأَة نَخْطُبهَا عَلَى عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر ؟ قَالَ : بَلَى ، فَوَصَفَ اِمْرَأَة تُقْبِل بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِر بِثَمَانٍ ، فَسَمِعَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا أَنَّة اخْرُج مِنْ الْمَدِينَة إِلَى حَمْرَاء الْأَسَد وَلْيَكُنْ بِهَا مَنْزِلك " وَالرَّاجِح أَنَّ اِسْم الْمَذْكُور فِي حَدِيث الْبَاب هِيت ، وَلَا يَمْتَنِع أَنْ يَتَوَارَدُوا فِي الْوَصْف الْمَذْكُور ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي غَزْوَة الطَّائِف ضَبْط هِيت ، وَوَقَعَ فِي أَوَّل رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة عِنْد مُسْلِم " كَانَ يَدْخُل عَلَى أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَنَّث وَكَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْر أُولِي الْإِرْبَة ؛ فَدَخَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَهُوَ عِنْد بَعْض نِسَائِهِ وَهُوَ يَنْعَت اِمْرَأَة " الْحَدِيث ، وَعُرِفَ مِنْ حَدِيث الْبَاب تَسْمِيَة الْمَرْأَة وَأَنَّهَا أُمّ سَلَمَة وَالْمُخَنَّث بِكَسْرِ النُّون وَبِفَتْحِهَا مَنْ يُشْبِه خَلْقه النِّسَاء فِي حَرَكَاته وَكَلَامه وَغَيْر ذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَصْل الْخِلْقَة لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ لَوْم وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَكَلَّف إِزَالَة ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ بِقَصْدٍ مِنْهُ وَتَكَلُّف لَهُ فَهُوَ الْمَذْمُوم وَيُطْلَق عَلَيْهِ اِسْم مُخَنَّث سَوَاء فَعَلَ الْفَاحِشَة أَوْ لَمْ يَفْعَل ، قَالَ اِبْن حَبِيب : الْمُخَنَّث هُوَ الْمُؤَنَّث مِنْ الرِّجَال وَإِنْ لَمْ تُعْرَف مِنْهُ الْفَاحِشَة ، مَأْخُوذ مِنْ التَّكَسُّر فِي الْمَشْي وَغَيْره ، وَسَيَأْتِي فِي كِتَاب الْأَدَب لَعْن مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ . وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِمُخَنَّثٍ قَدْ خَضَّبَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَقِيلَ : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ هَذَا يَتَشَبَّه بِالنِّسَاءِ ، فَنَفَاهُ إِلَى النَّقِيع ، فَقِيلَ أَلَا تَقْتُلهُ فَقَالَ : إِنِّي نُهِيت عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ " .
قَوْله ( فَقَالَ لِأَخِي أُمّ سَلَمَة )
تَقَدَّمَ شَرْح حَاله فِي غَزْوَة الطَّائِف ، وَوَقَعَ فِي مُرْسَل اِبْن الْمُنْكَدِر أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِعَبْدِ الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر فَيُحْمَل عَلَى تَعَدُّد الْقَوْل مِنْهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا : لِأَخِي عَائِشَة وَلِأَخِي أُمّ سَلَمَة . وَالْعَجَب أَنَّهُ لَمْ يُقَدِّر أَنَّ الْمَرْأَة الْمَوْصُوفَة حَصَلَتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ، لِأَنَّ الطَّائِف لَمْ يُفْتَح حِينَئِذٍ ، وَقُتِلَ عَبْد اللَّه بْن أَبِي أُمَيَّة فِي حَال الْحِصَار ، وَلَمَّا أَسْلَمَ غَيْلَان بْن سَلَمَة وَأَسْلَمَتْ بِنْته بَادِيَة تَزَوَّجَهَا عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف فَقُدِّرَ أَنَّهَا اُسْتُحِيضَتْ عِنْده وَسَأَلَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُسْتَحَاضَة ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَة إِلَى ذَلِكَ فِي كِتَاب الطَّهَارَة ، وَتَزَوَّجَ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر لَيْلَى بِنْت الْجُودِيّ وَقِصَّته مَعَهَا مَشْهُورَة ، وَقَدْ وَقَعَ حَدِيث فِي سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص أَنَّهُ خَطَبَ اِمْرَأَة بِمَكَّة فَقَالَ : مَنْ يُخْبِرنِي عَنْهَا ؟ فَقَالَ مُخَنَّث يُقَال لَهُ هِيت : أَنَا أَصِفهَا لَك . فَهَذِهِ قِصَص وَقَعَتْ لِهِيت .
قَوْله ( إِنْ فَتَحَ اللَّه لَكُمْ الطَّائِف غَدًا )
وَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي أُسَامَة عَنْ هِشَام فِي أَوَّله " وَهُوَ مُحَاصِر الطَّائِف يَوْمئِذٍ " وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي غَزْوَة الطَّائِف وَاضِحًا .
قَوْله ( فَعَلَيْك ) هُوَ إِغْرَاء مَعْنَاهُ اِحْرِص عَلَى تَحْصِيلهَا وَالْزَمْهَا .
قَوْله ( غَيْلَان )
فِي رِوَايَة حَمَّاد بْن سَلَمَة " لَوْ قَدْ فُتِحَتْ لَكُمْ الطَّائِف لَقَدْ أَرَيْتُك بَادِيَة بِنْت غَيْلَان " وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْط بَادِيَة فَالْأَكْثَر بِمُوَحَّدَةٍ ثُمَّ تَحْتَانِيَّة وَقِيلَ بِنُونٍ بَدَل التَّحْتَانِيَّة حَكَاهُ أَبُو نُعَيْم ، وَلِبَادِيَةَ ذِكْرٌ فِي الْمَغَازِي ، ذَكَرَ اِبْن إِسْحَاق أَنَّ خَوْلَة بِنْت حَكِيم قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ فَتَحَ اللَّه عَلَيْك الطَّائِف أَعْطِنِي حُلِيّ بَادِيَة بِنْت غَيْلَان وَكَانَتْ مِنْ أَحْلَى نِسَاء ثَقِيف ، وَغَيْلَان هُوَ اِبْن سَلَمَة بْن مُعَتِّب بِمُهْمَلَةِ ثُمَّ مُثَنَّاة ثَقِيلَة ثُمَّ مُوَحَّدَة اِبْن مَالِك الثَّقَفِيّ ، وَهُوَ الَّذِي أَسْلَمَ وَتَحْته عَشْر نِسْوَة فَأَمَرَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَخْتَار أَرْبَعًا ، وَكَانَ مِنْ رُؤَسَاء ثَقِيف وَعَاشَ إِلَى أَوَاخِر خِلَافَة عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ .
قَوْله ( تُقْبِل بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِر بِثَمَانٍ )
قَالَ اِبْن حَبِيب عَنْ مَالِك مَعْنَاهُ أَنَّ أَعْكَانَهَا يَنْعَطِف بَعْضهَا عَلَى بَعْض وَهِيَ فِي بَطْنهَا أَرْبَع طَرَائِق وَتَبْلُغ أَطْرَافهَا إِلَى خَاصِرَتهَا فِي كُلّ جَانِب أَرْبَع ، وَلِإِرَادَةِ الْعُكَن ذِكْر الْأَرْبَع وَالثَّمَان . فَلَوْ أَرَادَ الْأَطْرَاف لَقَالَ بِثَمَانِيَةٍ . ثُمَّ رَأَيْت فِي " بَاب إِخْرَاج الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنْ الْبُيُوت " عَقِب هَذَا الْحَدِيث مِنْ وَجْه آخَر عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة فِي غَيْر رِوَايَة أَبِي ذَرّ : قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه تُقْبِل بِأَرْبَعٍ يَعْنِي بِأَرْبَعِ عُكَن بِبَطْنِهَا فَهِيَ تُقْبِل بِهِنَّ ، وَقَوْله وَتُدْبِر بِثَمَانٍ يَعْنِي أَطْرَاف هَذِهِ الْعُكَن الْأَرْبَع لِأَنَّهَا مُحِيطَة بِالْجَنْبِ حِين يَتَجَعَّد . ثُمَّ قَالَ : وَإِنَّمَا قَالَ بِثَمَانٍ وَلَمْ يَقُلْ بِثَمَانِيَةٍ - وَوَاحِد الْأَطْرَاف مُذَكَّر - لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ ثَمَانِيَة أَطْرَاف ا ه . وَحَاصِله أَنَّ لِقَوْلِهِ ثَمَانٍ بِدُونِ الْهَاء تَوْجِيهَيْنِ إِمَّا لِكَوْنِهِ لَمْ يُصَرِّح بِلَفْظِ الْأَطْرَاف وَإِمَّا لِأَنَّهُ أَرَادَ الْعُكَن ، وَتَفْسِير مَالِك الْمَذْكُور تَبِعَهُ فِيهِ الْجُمْهُور ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ : يُرِيد أَنَّ لَهَا فِي بَطْنهَا أَرْبَع عُكَن فَإِذَا أَقْبَلَتْ رُؤْيَت مَوَاضِعهَا بَارِزَة مُتَكَسِّرًا بَعْضهَا عَلَى بَعْض وَإِذَا أَدْبَرَتْ كَانَتْ أَطْرَاف هَذِهِ الْعُكَن الْأَرْبَع عِنْد مُنْقَطِع جَنْبَيْهَا ثَمَانِيَة . وَحَاصِله أَنَّهُ وَصَفَهَا بِأَنَّهَا مَمْلُوءَة الْبَدَن بِحَيْثُ يَكُون لِبَطْنِهَا عُكَن وَذَلِكَ لَا يَكُون إِلَّا لِلسَّمِينَةِ مِنْ النِّسَاء ، وَجَرَتْ عَادَة الرِّجَال غَالِبًا فِي الرَّغْبَة فِيمَنْ تَكُون بِتِلْكَ الصِّفَة ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْله فِي حَدِيث سَعْد " إِنْ أَقْبَلَتْ قُلْت تَمْشِي بِسِتٍّ ، وَإِنْ أَدْبَرَتْ قُلْت تَمْشِي بِأَرْبَعٍ " كَأَنَّهُ يَعْنِي يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا وَطَرَفَيْ ذَاكَ مِنْهَا مُقْبِلَة وَرُدَّ فِيهَا مُدْبِرَة ، وَإِنَّمَا نَقَصَ إِذَا أَدْبَرَتْ لِأَنَّ الثَّدْيَيْنِ يَحْتَجِبَانِ حِينَئِذٍ . وَذَكَرَ اِبْن الْكَلْبِيّ فِي الصِّفَة الْمَذْكُورَة زِيَادَة بَعْد قَوْله وَتُدْبِر بِثَمَانٍ " بِثَغْرٍ كَالْأُقْحُوَانِ ، إِنْ قَعَدَتْ تَثَنَّتْ ، وَإِنْ تَكَلَّمَتْ تَغَنَّتْ . وَبَيْن رِجْلَيْهَا مِثْل الْإِنَاء الْمَكْفُوء " مَعَ شِعْرٍ آخَر . وَزَادَ الْمَدِينِيّ مِنْ طَرِيق يَزِيد بْن رُومَان عَنْ عُرْوَة مُرْسَلًا فِي هَذِهِ الْقِصَّة " أَسْفَلهَا كَثِيب وَأَعْلَاهَا عَسِيب " .
قَوْله ( فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدْخُلَنّ هَذَا عَلَيْكُمْ )
فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ " عَلَيْكُنَّ " وَهِيَ رِوَايَة مُسْلِم ، وَزَادَ فِي آخِر رِوَايَة الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة " فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا أُرَى هَذَا يَعْرِف مَا هَاهُنَا لَا يَدْخُل عَلَيْكُنَّ . قَالَتْ فَحَجَبُوهُ " وَزَادَ أَبُو يَعْلَى فِي رِوَايَته مِنْ طَرِيق يُونُس عَنْ الزُّهْرِيِّ فِي آخِره " وَأَخْرَجَهُ فَكَانَ بِالْبَيْدَاءِ يَدْخُل كُلّ يَوْم جُمْعَة يَسْتَطْعِم ، وَزَادَ اِبْن الْكَلْبِيّ فِي حَدِيثه " فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ غَلْغَلْت النَّظَر إِلَيْهَا يَا عَدُوّ اللَّه . ثُمَّ أَجَلَاهُ عَنْ الْمَدِينَة إِلَى الْحِمَى " وَوَقَعَ فِي حَدِيث سَعْد الَّذِي أَشَرْت إِلَيْهِ " إِنَّهُ خَطَبَ اِمْرَأَة بِمَكَّة ، فَقَالَ هِيت : أَنَا أَنْعَتهَا لَك : إِذَا أَقْبَلَتْ قُلْت تَمْشِي بِسِتٍّ ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ قُلْت تَمْشِي بِأَرْبَعٍ . وَكَانَ يَدْخُل عَلَى سَوْدَة فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أُرَاهُ إِلَّا مُنْكَرًا فَمَنَعَهُ . وَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَة نَفَاهُ " وَفِي رِوَايَة يَزِيد بْن رُومَان الْمَذْكُورَة " فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالِك قَاتَلَك اللَّه ، إِنْ كُنْت لَأَحْسَبك مِنْ غَيْر أُولِي الْإِرْبَة مِنْ الرِّجَال ، وَسَيَّرَهُ إِلَى خَاخٍ " بِمُعْجَمَتَيْنِ وَقَدْ ضُبِطَتْ فِي حَدِيث عَلِيّ فِي قِصَّة الْمَرْأَة الَّتِي حَمَلْت كِتَاب حَاطِب إِلَى قُرَيْش ، قَالَ الْمُهَلَّب : إِنَّمَا حَجَبَهُ عَنْ الدُّخُول إِلَى النِّسَاء لَمَّا سَمِعَهُ يَصِف الْمَرْأَة بِهَذِهِ الصِّفَة الَّتِي تُهَيِّج قُلُوب الرِّجَال فَمَنَعَهُ لِئَلَّا يَصِف الْأَزْوَاج لِلنَّاسِ فَيَسْقُط مَعْنَى الْحِجَاب ا ه ، وَفِي سِيَاق الْحَدِيث مَا يُشْعِر بِأَنَّهُ حَجَبَهُ لِذَاتِهِ أَيْضًا لِقَوْلِهِ " لَا أُرَى هَذَا يَعْرِف مَا هَاهُنَا " وَلِقَوْلِهِ " وَكَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْر أُولِي الْإِرْبَة ، فَلَمَّا ذَكَرَ الْوَصْف الْمَذْكُور دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ أُولِي الْإِرْبَة فَنَفَاهُ لِذَلِكَ " وَيُسْتَفَاد مِنْهُ حَجْبُ النِّسَاء عَمَّنْ يَفْطِن لِمَحَاسِنِهِنَّ ، وَهَذَا الْحَدِيث أَصْل فِي إِبْعَاد مَنْ يُسْتَرَاب بِهِ فِي أَمْر مِنْ الْأُمُور ، قَالَ الْمُهَلَّب : وَفِيهِ حُجَّة لِمَنْ أَجَازَ بَيْع الْعَيْن الْمَوْصُوفَة بِدُونِ الرُّؤْيَة لِقِيَامِ الصِّفَة مَقَام الرُّؤْيَة فِي هَذَا الْحَدِيث ، وَتَعَقَّبَهُ اِبْن الْمُنَيِّر بِأَنَّ مَنْ اِقْتَصَرَ فِي بَيْع جَارِيَة عَلَى مَا وَقَعَ فِي الْحَدِيث مِنْ الصِّفَة لَمْ يَكْفِ فِي صِحَّة الْبَيْع اِتِّفَاقًا فَلَا دَلَالَة فِيهِ . قُلْت : إِنَّمَا أَرَادَ الْمُهَلَّب أَنَّهُ يُسْتَفَاد مِنْهُ أَنَّ الْوَصْف يَقُوم مَقَام الرُّؤْيَة فَإِذَا اِسْتَوْعَبَ الْوَصْف حَتَّى قَامَ مَقَام الرُّؤْيَة الْمُعْتَبَرَة أَجْزَأَ ، هَذَا مُرَاده ، وَانْتِزَاعه مِنْ الْحَدِيث ظَاهِر . وَفِي الْحَدِيث أَيْضًا تَعْزِير مَنْ يَتَشَبَّه بِالنِّسَاءِ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ الْبُيُوت وَالنَّفْي إِذَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ طَرِيقًا لِرَدْعِهِ ، وَظَاهِر الْأَمْر وُجُوب ذَلِكَ ، وَتَشَبُّه النِّسَاء بِالرِّجَالِ وَالرِّجَال بِالنِّسَاءِ مِنْ قَاصِد مُخْتَار حَرَام اِتِّفَاقًا ، وَسَيَأْتِي لَعْنُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي كِتَاب اللِّبَاس .
شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 317)
4048 - قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَدْخُل هَؤُلَاءِ عَلَيْكُمْ )
إِشَارَة إِلَى جَمِيع الْمُخَنَّثِينَ لِمَا رَأَى مِنْ وَصْفهمْ لِلنِّسَاءِ ، وَمَعْرِفَتهمْ مَا يَعْرِفهُ لِلرِّجَالِ مِنْهُنَّ . قَالَ الْعُلَمَاء : الْمُخَنَّث ضَرْبَانِ : أَحَدهمَا مِنْ خُلِقَ كَذَلِكَ ، وَلَمْ يَتَكَلَّف التَّخَلُّق بِأَخْلَاقِ النِّسَاء ، وَزِيّهنَّ ، وَكَلَامهنَّ ، وَحَرَكَاتهنَّ ، بَلْ هُوَ خِلْقَة خَلَقَهُ اللَّه عَلَيْهَا فَهَذَا لَاذِمٌ عَلَيْهِ ، وَلَا عَتَبَ ، وَلَا إِثْم وَلَا عُقُوبَة ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُور لَا صُنْع لَهُ فِي ذَلِكَ ، وَلِهَذَا لَمْ يُنْكِر النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلًا دُخُوله عَلَى النِّسَاء ، وَلَا خَلْقه الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ حِين كَانَ مِنْ أَصْل خِلْقَته ، وَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ بَعْد ذَلِكَ مَعْرِفَته لِأَوْصَافِ النِّسَاء ، وَلَمْ يُنْكِر صِفَته وَكَوْنه مُخَنَّثًا . الضَّرْب الثَّانِي مِنْ الْمُخَنَّث هُوَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ خِلْقَة ، بَلْ يَتَكَلَّف أَخْلَاق النِّسَاء وَحَرَكَاتهنَّ وَهَيْئَاتهنَّ وَكَلَامهنَّ ، وَيَتَزَيَّا بِزِيِّهِنَّ ، فَهَذَا هُوَ الْمَذْمُوم الَّذِي جَاءَ فِي الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة لَعْنه ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْحَدِيث الْآخَر ( لَعَنَ اللَّه الْمُتَشَبِّهَات مِنْ النِّسَاء بِالرِّجَالِ ، وَالْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنْ الرِّجَال ) وَأَمَّا الضَّرْب الْأَوَّل فَلَيْسَ بِمَلْعُونٍ ، وَلَوْ كَانَ مَلْعُونًا لَمَا أَقَرَّهُ أَوَّلًا . وَاللَّه أَعْلَم .
عون المعبود - (ج 10 / ص 459)
4281 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( إِنْ يَفْتَح اللَّه الطَّائِف )
: أَيْ حِصْنه
( دَلَلْتُك )
: وَفِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم : أَدُلّك
( عَلَى اِمْرَأَة تُقْبِل بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِر بِثَمَانٍ )
: أَيْ أَرْبَع عُكَن وَثَمَان عُكَن مَعْنَاهُ أَنَّ لَهَا أَرْبَع عُكَن تُقْبِل بِهِنَّ مِنْ كُلّ نَاحِيَة ثِنْتَانِ وَلِكُلِّ وَاحِدَة طَرَفَانِ فَإِذَا أَدْبَرَتْ صَارَتْ الْأَطْرَاف ثَمَانِيَة
( أَخْرِجُوهُمْ )
: أَيْ الْمُخَنَّثِينَ
( مِنْ بُيُوتكُمْ )
: قَالَ الْقَارِي : الْخِطَاب بِالْجَمْعِ الْمُذَكَّر تَعْظِيمًا لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ
( قَالَ أَبُو دَاوُدَ )
: أَيْ مُفَسِّرًا لِقَوْلِهِ تُقْبِل بِأَرْبَعٍ إِلَخْ
( كَانَ لَهَا أَرْبَع عُكَن )
: جَمْع عُكْنَة بِالضَّمِّ وَهُوَ مَا اِنْطَوَى وَتَثَنَّى مِنْ لَحْم الْبَطْن سِمَنًا .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ .
وَالْمُخَنَّث اِسْمه هِيت بِكَسْرِ الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخِر الْحُرُوف وَبَعْدهَا تَاء ثَالِث الْحُرُوف ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ وَغَيْره ، وَقِيلَ اِسْمه مَاتِع وَقِيلَ إِنَّهُ هِنْب بِالْهَاءِ وَبَعْدهَا نُون سَاكِنَة وَبَاء مُوَحَّدَة وَذَكَرَ بَعْضهمْ أَنَّ هِيتًا وَهِنْبًا وَمَاتِعًا أَسْمَاء لِثَلَاثَةٍ مِنْ الْمُخَنَّثِينَ كَانُوا عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُونُوا يُزَنُّونَ [ يُتَّهَمُونَ ] بِالْفَاحِشَةِ الْكُبْرَى إِنَّمَا كَانَ تَأْنِيثهمْ لِينًا فِي الْقَوْل وَخِضَابًا فِي الْأَيْدِي وَالْأَرْجُل كَخِضَابِ النِّسَاء وَلَعِبًا كَلَعِبِهِمْ .
وَالْمَرْأَة بَادِيَة بِبَاءٍ مُوَحَّدَة وَبَعْد الْأَلِف دَال مُهْمَلَة وَيَاء آخِر الْحُرُوف مَفْتُوحَة وَتَاء تَأْنِيث وَقِيلَ فِيهَا بَادِنَة بَعْد الدَّال الْمُهْمَلَة نُون وَالْمَشْهُور بِالْيَاءِ وَأَبُوهَا غَيْلَان بْن سَلَمَة الثَّقَفِيّ الَّذِي أَسْلَمَ وَتَحْته عَشْر نِسْوَة .
المنتقى - شرح الموطأ - (ج 4 / ص 84)
1259 - ( ش ) : قَوْلُهُ أَنَّ مُخَنَّثًا كَانَ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْمُخَنَّثُ هُوَ الْمُؤَنَّثُ مِنْ الرِّجَالِ ، وَإِنْ لَمْ تُعْرَفْ فِيهِ الْفَاحِشَةُ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ تَثَنِّي الشَّيْءِ وَتَكَسُّرِهِ وَالْمُخَنَّثُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ اسْمُهُ هيْت وَكَانَ مَوْلًى لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ أَخِي أُمِّ سَلَمَةَ وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَلَا أَرَى ذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ إِلَى أُولِي الْإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ قَالَ عِكْرِمَةُ هُوَ الْمُخَنَّثُ الَّذِي لَا يَقُومُ لَهُ يُرِيدُ الْعِنِّينَ وَقِيلَ هُوَ الشَّيْخُ الْهَرِمُ وَالْخُنْثَى وَالْمَعْتُوهُ وَالطِّفْلُ وَالْعِنِّينُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ الْأَحْمَقُ الَّذِي لَا حَاجَةَ لَهُ فِي النِّسَاءِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ هُوَ الَّذِي يَتْبَعُك لِيُصِيبَ مِنْ طَعَامِك وَلَا يُرِيدُ النِّسَاءَ وَلَا يَهُمُّهُ إِلَّا بَطْنُهُ فَلَا يُخَافُ مِنْهُ عَلَى النِّسَاءِ . وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ " كَانَ رَجُلٌ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَكَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَوْمًا وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ وَهُوَ يَنْعَتُ امْرَأَةً فَقَالَ : إنَّهَا إِذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أَلَا أَرَى هَذَا يَعْلَمُ مَا هَاهُنَا لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُمْ " فَحَجَبُوهُ وَقَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ " إِنَّ هِيتًا قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ وَهُوَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ إِنْ افْتَتَحْتُمْ الطَّائِفَ فَعَلَيْك بِبَادِنَةَ بِنْتِ غَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ الثَّقَفِيِّ فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ مَعَ ثَغْرٍ كَالْأُقْحُوَانِ إِنْ قَعَدَتْ ثَبَتَتْ ، وَإِنْ تَكَلَّمَتْ تَغَنَّتْ بَيْنَ رِجْلَيْهَا كَالْإِنَاءِ الْمَكْفُوفِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يَسْمَعُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لَقَدْ غَلْغَلْت النَّظَرَ إلَيْهَا يَا عَدُوَّ اللَّهِ ، ثُمَّ أَجْلَاهُ عَنْ الْمَدِينَةِ إِلَى الْحِمَى " فَلَمَّا فُتِحَ الطَّائِفُ تَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَوَلَدَتْ لَهُ بُرَيْهَةَ وَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَوُلِّيَ أَبُو بَكْرٍ كَلَّمَهُ فِيهِ أَنْ يَرُدَّهُ فَأَبَى أَنْ يَرُدَّهُ فَلَمَّا وُلِّيَ عُمَرُ قِيلَ إنَّهُ قَدْ ضَعُفَ وَكَبِرَ وَاحْتَاجَ فَأَذِنَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ كُلَّ جُمْعَةٍ فَيَسْأَلَ النَّاسَ ، ثُمَّ يَرْجِعَ إِلَى مَكَانِهِ .
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ أَعْكَانَهَا وَهِيَ تَرَاكِيبُ اللَّحْمِ فِي الْبَطْنِ حَتَّى يَنْعَطِفَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ فَهِيَ فِي بَطْنِهَا أَرْبَعُ طَرَائِقَ وَتَبْلُغُ أَطْرَافُهَا إِلَى خَاصِرَتَيْهَا فِي كُلِّ جَانِبٍ أَرْبَعٌ فَهِيَ عَلَى هَذَا ثَمَانٍ وَأَرَادَ الْعُكَنَ وَاحِدَتُهَا عُكْنَةٌ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ فَلِذَلِكَ أَتَى بِلَفْظِ الْعَدَدِ عَلَى التَّأْنِيثِ .
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ : وَلَا يَدْخُلَنَّ هَؤُلَاءِ عَلَيْكُمْ ، مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْمَنْعُ مِنْ دُخُولِ مَنْ يَفْطِنُ لِمَحَاسِنِ النِّسَاءِ مِنْ الْمُخَنَّثِينَ وَمَنْ يُحْسِنُ وَصْفَهُنَّ وَيَهْتَبِلُ بِذَلِكَ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مَنْ لَا يَتَفَطَّنُ لِذَلِكَ وَلَا يَهْتَبِلُ بِهِ وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ الْحَسْنَاءِ مِنْهُنَّ وَالْقَبِيحَةِ فَهُوَ الَّذِي أُبِيحَ لَهُ الدُّخُولُ عَلَى النِّسَاءِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ هُوَ الَّذِي لَا يَنْتَشِرُ ذَكَرُهُ .
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا أُولُو الْإِرْبَةِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ ذَوُو مَحَارِمَ وَأَجْنَبِيُّونَ فَأَمَّا ذَوُو الْمَحَارِمِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ الدُّخُولُ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمِهِمْ وَيَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَنْظُرُوا مِنْهَا إِلَى مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ كَالْوَجْهِ وَالشَّعْرِ وَالْمِعْصَمَيْنِ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا بَأْسَ أَنْ يَرَى الرَّجُلُ شَعْرَ امْرَأَتِهِ وَامْرَأَةِ أَبِيهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَبِّلَ خَدَّ ابْنَتِهِ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ ، وَوَجْهُ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ هَذَا مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِانْكِشَافِهِ مِنْهَا وَأَمَّا أَنْ يَرَاهَا مُتَجَرِّدَةً فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ ، وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لِيَسْتَأْذِنِ الرَّجُلُ عَلَى أُمِّهِ وَأُخْتِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرَى أُمَّهُ عُرْيَانَةً ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مِمَّا تَسْتُرُهُ غَالِبًا كَالْعَوْرَةِ الْمُخَفَّفَةِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ الْآيَةَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرِيدُ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتُرَ مِنْهَا فِي الصَّلَاةِ كُلَّ مَوْضِعٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرَاهُ الْقُرَبَاءُ ، وَلَيْسَ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُظْهِرَ فِي الصَّلَاةِ إِلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْقُرْبَى أَنْ يَرَوْا مِنْهَا ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ فَاقْتَضَى قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي إسْحَاقِ أَنَّهُ مَنَعَ رُؤْيَةَ ذَوِي الْمَحَارِمِ لِشَعْرِ الْمَرْأَةِ وَأَبَاحَ لَهُ رُؤْيَةَ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ .
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا أُمُّ الزَّوْجَةِ فَجَوَّزَ مَالِكٌ النَّظَرَ إِلَى شَعْرِهَا وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ كَالْأُمِّ وَالْأُخْتِ .
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ بِذِي مَحْرَمٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ مُبَاحًا لَهُ ، أَوْ غَيْرَ مُبَاحٍ فَإِنْ كَانَ مُبَاحًا وَهُوَ الزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهَا وَتَنْظُرُ هِيَ مِنْهُ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ مَنْ لَا يَحِلُّ لَك فَرْجُهَا فَلَا تَطَّلِعْ عَلَى عَوْرَتِك فِي صِحَّةٍ وَلَا مَرَضٍ وَحَالِ ضَرُورَةٍ ، وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا مُحَرَّمَةُ الْوَطْءِ كَالْأَجْنَبِيَّةِ .
( مَسْأَلَةٌ ) وَمَنْ لَا يُبَاحُ لَهُ الْوَطْءُ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ صَغِيرٌ وَكَبِيرٌ فَأَمَّا الصَّغِيرُ فَيَجُوزُ نَظَرُهُ لَهَا .
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْكَبِيرُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ خَصِيٌّ وَفَحْلٌ فَأَمَّا الْخَصِيُّ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَبْدًا ، أَوْ حُرًّا فَإِنْ كَانَ عَبْدًا لَهَا فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الْمَرْأَةِ خَصِيُّهَا ؛ لِأَنَّ فِي نَظَرِهِ إِلَى وَجْهِهَا أَنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ كَوْنُهُ مِلْكًا لَهَا وَكَوْنُهُ خَصِيًّا ؛ لِأَنَّ فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّأْنِيثِ فَأَمَّا رُؤْيَةُ شَعْرِهَا فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ يَرَى شَعْرَ سَيِّدَتِهِ إِنْ كَانَ وَغْدًا وَكُرِهَ ذَلِكَ لِذِي الْمَنْظَرِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إِنَّ مَا تَمْلِكُهُ مِنْ الْخِصْيَانِ بِخِلَافِ مَنْ لَا تَمْلِكُهُ وَلَا يَرَى شَعْرَهَا وَزِينَتَهَا مَنْ لَا تَمْلِكُهُ ، وَإِنْ كَانَ لِزَوْجِهَا .
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْخَصِيُّ الْعَبْدُ لِزَوْجِهَا وَلِغَيْرِ زَوْجِهَا فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا إِذَا بَلَغَ الْحُلُمَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ أَنْ يَرَى وَجْهَهَا ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا لَا بَأْسَ أَنْ يَرَى شَعْرَهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَنْظَرٌ .
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْحُرُّ مِنْ الْخِصْيَانِ فَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى النِّسَاءِ قَالَ عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ كَانَ وَغْدًا ، أَوْ غَيْرَ وَغْدٍ .
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الْفَحْلُ فَإِنَّهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ عَبْدٌ وَحُرٌّ فَأَمَّا الْعَبْدُ لَهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى سَيِّدَتِهِ وَيَرَى شَعْرَهَا إِنْ كَانَ لَا مَنْظَرَ لَهُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ ، وَكَذَلِكَ مُكَاتَبُهَا وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَقَالَ لَا تَغُرَّنَّكُمْ هَذِهِ الْآيَةُ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إنَّمَا عَنَى بِهَا الْإِمَاءَ وَلَمْ يَعْنِ بِهَا الْعَبِيدَ وَقَالَ طَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ لَا يَرَى شَعْرَهَا وَمَعْنَى ، أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ نَبْهَانُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عَهِدَ إلَيْنَا إِذَا كَانَ عِنْدَ مُكَاتَبِ إحْدَاكُنَّ وَفَاءٌ بِمَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ فَاضْرِبْنَ دُونَهُ الْحِجَابَ " قَالَ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ الْعَبْدَ يَجُوزُ أَنْ يَرَى مِنْ سَيِّدَتِهِ مَا يَرَاهُ ذَوُو الْمَحَارِمِ كَالْأَبِ وَالْأَخِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ، وَلَيْسَ مِنْ ذَوِي الْمَحَارِمِ الَّذِي يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ مَعَهُ ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ مِنْهَا لَا تَدُومُ إذْ يُمْكِنُ أَنْ تُعْتِقَهُ فِي سَفَرِهَا فَيَحِلُّ لَهُ تَزْوِيجُهَا وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ عِنْدِي غَيْرَ أَنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ مَذْهَبُ الْقَاضِي أَبِي إِسْحَاقَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَاَلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأُجْرُوا مَجْرَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ وَأُمِرُوا بِالِاسْتِئْذَانِ فِي الْعَوْرَاتِ الثَّلَاثِ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَسْتُرُونَ فِيهَا كَمَا يَسْتُرُونَ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ .
( مَسْأَلَةٌ ) فَأَمَّا عَبْدُ غَيْرِهَا فَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا كَالْحُرِّ الْأَجْنَبِيِّ .
( مَسْأَلَةٌ ) وَلَا يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ أَجْنَبِيٌّ وَأَمَّا الضَّرُورَةُ فَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ الْغَرِيبَةِ تَلْجَأُ إِلَى الرَّجُلِ يَقُومُ بِحَوَائِجِهَا وَيُنَاوِلُهَا الْحَاجَةَ لَا بَأْسَ بِهِ وَلْيُدْخِلْ مَعَهُ غَيْرَهُ أَحَبُّ إلَيَّ ، وَوَجْهُ ذَلِكَ : أَنَّهَا حَالُ ضَرُورَةٍ كَحَالَةِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا .
( مَسْأَلَةٌ ) وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الْمَرْأَةِ يُرِيدُ نِكَاحَهَا يَنْظُرُ إلَيْهَا قِيلَ : فَيَغْتَفِلُهَا مِنْ كُوَّةٍ وَنَحْوِهَا فَكَرِهَ ذَلِكَ ، وَوَجْهُ إبَاحَةِ الدُّخُولِ عَلَيْهَا وَالنَّظَرِ إلَيْهَا الضَّرُورَةُ . وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى النَّظَرِ إلَيْهَا لِيَعْلَمَ هَلْ تُوَافِقُهُ صُورَتُهَا وَمَحَاسِنُهَا ، وَإِنَّمَا كُرِهَ اِغْتِفَالُهَا لِئَلَّا يَنْظُرَ مِنْهَا إِلَى عَوْرَةٍ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِهَا ؛ لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ..
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا الرَّجُلُ يُرِيدُ شِرَاءَ الْأَمَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى وَجْهِهَا وَيَدَيْهَا وَهَلْ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى بَدَنِهَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى سَاقَيْهَا وَعَجُزِهَا وَبَطْنِهَا وَقَالَ لَا حُرْمَةَ لَهَا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَضَعُ يَدَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهَا وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ يَنْظُرُ إِلَى جَمِيعِهَا إِلَّا الْفَرْجَ ، وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ .
شرح ابن بطال - (ج 13 / ص 363)
قال المهلب: أصل هذا الحديث قوله عليه السلام: « لا تباشر المرأة المرأة فتنعتها لزوجها حتى كأنه يراها » ، فلما سمع النبى - صلى الله عليه وسلم - وصف المخنث للمرأة بهذه الصفة التى تهيم نفوس الناس، منع أن يدخل عليهن؛ لئلا يصفهن للرجال فيسقط معنى الحجاب.
قال غيره: وفيه من الفقه أنه لا ينبغى أن يدخل على النساء من المؤنثين من يفطن لمحاسنهن ويحسن وصفهن، وأن من علم محاسنهن لا يدخل فى معنى قوله تعالى: {غير أولى الإربة من الرجال} [النور: 31]، وإنما غير أولى الإربة الأبله العنين الذى لا يفطن لمحاسنهن، ولا إرب له فيهن، وهذا الحديث أصل فى نفى كل من يتأذى به وإبعاده بحيث يؤمن أذاه.
قال المهلب: قال ابن حبيب: والمخنث هو المؤنث من الرجال وإن لم تعرف فيه الفاحشة، وهو مأخوذ من تكسر الشىء، ومنه حديثه الآخر أنه نهى عليه السلام عن اختناث الأسقية، وهو أن تكسر أفواه الأسقية ليشرب منها.
وكان يدخل على أزواج النبى - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنه كان عندهن من غير ذوى الإربة.
حدثنى ابن حبيب، عن مالك فى قوله: « تقبل بأربع وتدبر بثمان » ، أنه أراد أعكانها؛ لأن العكن هى أربع طوابق فى بطنها بعضها فوق بعض، فإذا بلغت خصريها صارت أحواقها ثمانيًا أربعًا من هاهنا، وأربعًا من هاهنا، وقوله: « تدبر بثمان » ، ولم يقل: بثمانية، وإن كان يقع ذلك على الأطراف، والأطراف مذكرة، فإنما أراد العطن التى هى مؤنثة، واحدها عكنة؛ لأن كل جزء من العطن يلزمه من التأنيث ما يلزم جمعه، وهذا من التأنيث المحمول على المعنى.
وقال ابن الكلبى: هذا المؤنث يسمى: هيت، وهو مولى لعبد الله بن أبى أمية أخى أم سلمة لأمها، وكان طوس مولى عبد الله بن أبى أمية ومن قبله سرى إلى طوس الخنث.
قال المهلب: وفى وصف المخنث لمحاسن المرأة حجة لمن أجاز بيع الأعيان الغائبة على الصفة كما قاله مالك خلافًا للشافعى، ولو لم تكن الصفة فى هذا الحديث بمعنى الرؤية لم ينه النبى، عليه السلام، المؤنث عن الدخول على النساء، والله أعلم، وقد تقدمت هذه المسألة فى كتاب البيوع.
شرح ابن بطال - (ج 17 / ص 172)
قال الطبرى: إن قال قائل: ماوجه لعن النبى - عليه السلام المخنثين من الرجال، والخنث خلق الله لم يكتسبه العبد ولا له فيه صنع، وإنما يذم العبد على مايكسبه مما له السبيل إلى فعله وتركه، ولو جاز ذمه على غير فعله لجاز ذمه على لونه وعرقه وسائر أجزاء جسمه؟
قيل: وجه لعن النبى إياه إنما هو لغير صورته التى لا يقدر على تغييرها، وإنما لعنه لتأنيثه وتشبهه فى ذلك بخلق النساء، وقد خلقه الله بخلاف ذلك، ومحاولته تغيير الهيئة التى خلقه الله عليها من خلق الرجال إلى خلق النساء، وله سبيل إلى اكتساب خلق الرجال واجتلاب منه إلى نفسه.
ولفعله من الأفعال مايكره الله ونهى عنه رسول الله من التشبه بالنساء فى اللباس والزينة، وذلك أن رسول الله إذ رأى المخنث لم ينكر الخنث منه، وقد رأى خضاب يديه ورجليه بالحناء، حتى سمعه يصف من أمر النساء ماكره سماعه، وذلك وصفه للرجال نساء من يدخل منزله، وذلك مما كان النبى - عليه السلام - ينهى عنه النساء فكيف الرجال؟!
فأمر بنفيه وتقدم إليها بمنعه من دخوله عليها، ولو كان ما عليه المخنث من الهيئة والصورة التى هى له خلقة موجبة اللعن والنفى لكان عليه السلام إذ رآه قد أمر بطرحه من بيت زوجه ونفيه، قال ما سمعه أو لم يقله، وإنما وجب ذمه، إذ أتى من محارم الله ما يستحق عليه الذم.
فإن قيل: فإن حكمه حكم الرجال، فكيف جاز أن يدخل على أزواج النبى عليه السلام بعد أن أنزل الحجاب؟!
قيل: هو من جملة من استثناه الله من جملة الرجال غير أولى الأربة من الرجال، وقد اول ذلك عكرمة أنه المخنث الذى لا حاجة له فى النساء، وبذلك ورد الخبر عن النبى - عليه السلام.
روى معمر، عن الزهرى، عن عروة، عن عائشة قالت: كان مخنث يدخل على أزواج النبى - عليه السلام - يعدونه من غير أولى الإربة، فدخل عليه النبى وهو يصف أمرأة... وذكر الحديث « فأمر، عليه السلام، ألا يدخل عليهم » .
روى ابن وهب، عن يحى بن أيوب، عن ابن جريح، عن عطاء، عن ابن عباس قال: المؤنثون أولاد الجن. قيل له: وكيف؟! قال: نهى الله ورسوله أن يأتى الرجل امرأته وهى حائض فإذا أتاها سبقه الشيطان إليها فحملت منه فأتت بالمؤنث.
قال المؤلف: وفى حديث ابن عباس وأم سلمه إخراج كل من يتأذى به الناس بإظهار المعاصى والمنكر، ونفيهم عن مواضع التأذى بهم، وقد تقدم فى باب إخراج الخصوم وأهل الريب من البيوت فى كتاب الأحكام أنه يخرج كل من تأذى به جيرانه، وتكرى عليه داره، ويمنع من السكنى فيها حتى يتوب.
طرح التثريب - (ج 8 / ص 395)
الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَعَنْهَا قَالَتْ { كَانَ رَجُلٌ يَدْخُلُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَنَّثٌ فَكَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ ، وَهُوَ يَنْعَتُ امْرَأَةً فَقَالَ إنَّهَا إذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أَرَى هَذَا يَعْلَمُ مَا هَهُنَا لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُنَّ هَذَا } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( فِيهِ ) فَوَائِدُ : الْأُولَى أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَفِيهِ { قَالَتْ فَحَجَبُوهُ : } وَرَوَاهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَيْضًا أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ رَبَاحِ بْنِ زَيْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ .
وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا التِّرْمِذِيِّ عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ { أَنَّ مُخَنَّثًا كَانَ عِنْدَهَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَيْتِ قَالَ لِأَخِي أُمِّ سَلَمَةَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ إنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الطَّائِفَ غَدًا فَإِنِّي أَدُلُّك عَلَى بِنْتِ غَيْلَانَ فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ قَالَتْ فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا يَدْخُلْ هَؤُلَاءِ عَلَيْكُمْ } .
( الثَّانِيَةُ ) : الْمُخَنَّثُ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ الْأُولَى أَفْصَحُ هُوَ الَّذِي يُشْبِهُ النِّسَاءَ فِي أَخْلَاقِهِ وَكَلَامِهِ وَحَرَكَاتِهِ فَيَلِينُ فِي قَوْلِهِ وَيَتَكَسَّرُ فِي مِشْيَتِهِ وَيَنْثَنِي فِيهَا وَقَدْ يَكُونُ هَذَا خِلْقَةً لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ وَقَدْ يَتَكَلَّفُ ذَلِكَ وَيَتَصَنَّعُهُ فَالْأَوَّلُ لَا ذَمَّ عَلَيْهِ وَلَا إثْمَ وَلَا عُقُوبَةَ ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ لَا صُنْعَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَالثَّانِي مَذْمُومٌ جَاءَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِلَعْنِهِ ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ { لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ وَالْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنْ الرِّجَالِ } .
وَقَدْ كَانَ هَذَا الْمُخَنَّثُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَلِهَذَا لَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُلُقَهُ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ حِينَ كَانَ مِنْ أَصْلِ خِلْقَتِهِ وَأَقَرَّهُ عَلَى الدُّخُولِ عَلَى النِّسَاءِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ شَيْئًا مِنْ أَحْوَالِهِنَّ وَلَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْحَسَنَةِ مِنْهُنَّ وَالْقَبِيحَةِ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى مَنْ كَانَ ذَلِكَ فِيهِ خِلْقَةً أَنَّهُ كَذَلِكَ فَلَمَّا ظَهَرَ لَهُ مِنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ مَنَعَهُ الدُّخُولَ عَلَيْهِنَّ .
( الثَّالِثَةُ ) : اُخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْأَشْهَرُ أَنَّهُ ( هِيتٌ ) : بِكَسْرِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ وَآخِرُهُ تَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ فَوْقٍ ، وَقِيلَ صَوَابُهُ ( هِنْبٌ ) : بِالنُّونِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَهُ ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ وَقَالَ إنَّ مَا سِوَاهُ تَصْحِيفٌ قَالَ وَالْهَنَبُ الْأَحْمَقُ وَقِيلَ ( تَابِعٌ ) : بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ مَوْلَى أَبِي فَاخِتَةَ الْمَخْزُومِيَّةِ .
( الرَّابِعَةُ ) : قَدْ بَيَّنَ فِي الْحَدِيثِ سَبَبَ دُخُولِهِ عَلَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ ، وَهُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ أَيْ الْحَاجَةِ إلَى النِّسَاءِ وَأَنَّهُ لَا يَنْظُرُ فِي أَوْصَافِهِنَّ وَلَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ مِنْهُنَّ وَلَا شَهْوَةَ لَهُ أَصْلًا وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجِبُ الِاحْتِجَابُ مِنْهُ بِنَصِّ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ فَلَمَّا فُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ هَذَا أَنَّهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ حُجِبَ وَمُنِعَ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِنَّ كَغَيْرِهِ مِنْ الرِّجَالِ فَفِيهِ أَنَّ التَّخَنُّثَ وَلَوْ كَانَ أَصْلِيًّا لَا يَقْتَضِي الدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ وَأَنَّهُ كَانَ الْمُقْتَضِي لِدُخُولِهِ اعْتِقَادُ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ لَا كَوْنِهِ مُخَنَّثًا .
( الْخَامِسَةُ ) : قَوْلُهَا { ، وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ } .
قَدْ تَبَيَّنَ بِرِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهَا أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَقَوْلُهَا { ، وَهُوَ يَنْعَتُ } بِالنُّونِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقٍ أَيْ يَصِفُ وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ الْمَنْعُوتَةُ قَدْ تَبَيَّنَ بِالرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهَا بِنْتُ غَيْلَانَ وَاسْمُهَا ( بَادِيَةُ ) : بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ وَقِيلَ بِالنُّونِ حَكَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ الصَّوَابُ بِالْبَاءِ ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ .
( السَّادِسَةُ ) : قَوْلُهُ { إذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ : } .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ مَعْنَاهُ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ عُكَنٍ وَأَدْبَرَتْ بِثَمَانِ عُكَنٍ ، وَالْعُكَنُ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْكَافِ جَمْعُ عُكْنَةٍ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى أَعْكَانٍ قَالُوا وَمَعْنَاهُ أَنَّ لَهَا أَرْبَعَ عُكَنٍ تُقْبِلُ بِهِنَّ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ ثِنْتَانِ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ طَرَفَانِ فَإِذَا أَدْبَرَتْ صَارَتْ الْأَطْرَافُ ثَمَانِيَةً قَالُوا ، وَإِنَّمَا أَنَّثَ فَقَالَ ثَمَانٍ وَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ يَقُولَ ( بِثَمَانِيَةٍ ) : فَإِنَّ الْمُرَادَ الْأَطْرَافُ وَهِيَ مُذَكَّرَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذَكَّرْ لَفْظُهُ وَمَتَى حُذِفَ الْمَعْدُودُ جَازَ حَذْفُ التَّاءِ وَلَمْ يَلْزَمْ إثْبَاتُهَا كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ } هَذَا كَلَامُ الْمَازِرِيِّ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّثَ الْعَدَدَ لِتَأْنِيثِ الْمَعْدُودِ ، وَهُوَ الْعُكَنُ جَمْعُ عُكْنَةٍ .
( السَّابِعَةُ ) : رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْوَاقِدِيُّ وَالْكَلْبِيُّ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا الْمُخَنَّثُ ( هِيتٌ ) : وَكَانَ مَوْلًى لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيِّ أَخِي أُمِّ سَلَمَةَ لِأَبِيهَا وَفِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ بِثَمَانٍ مَعَ ثَغْرٍ كَالْأُقْحُوَانِ إنْ جَلَسَتْ تَثَنَّتْ ، وَإِنْ تَكَلَّمَتْ تَغَنَّتْ بَيْنَ رِجْلَيْهَا كَالْإِنَاءِ الْمَكْفُو ، وَهِيَ كَمَا قَالَ قَيْسُ بْنُ الْخَطِيمِ تَعْتَرِفُ الطَّرْفَ وَهِيَ لَاهِيَةٌ كَأَنَّمَا شَفَّ وَجْهَهَا شَرَفُ بَيْنَ شُكُولِ النِّسَاءِ خِلْقَتُهَا قَصْدًا فَلَا عَبْلَةُ وَلَا نِصْفُ تَنَامُ عَنْ كِبَرِ شَأْنِهَا فَإِذَا قَامَتْ رُوَيْدًا تَكَادُ تَنْقَصِفُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَقَدْ غَلَّظْت النَّظَرَ إلَيْهَا يَا عَدُوَّ اللَّهِ ثُمَّ أَجَلَاهُ عَنْ الْمَدِينَةِ إلَى الْحِمَى } قَالَ فَلَمَّا فُتِحَتْ الطَّائِفُ تَزَوَّجَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَوَلَدَتْ لَهُ فِي قَوْلِ الْكَلْبِيِّ ، وَلَمْ يَزَلْ ( هِيتٌ ) : بِذَلِكَ الْمَكَانِ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا وَلِيَ أَبُو بَكْرٍ كُلِّمَ فِيهِ فَأَبَى أَنْ يَرُدَّهُ فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ كُلِّمَ فِيهِ فَأَبَى أَنْ يَرُدَّهُ ثُمَّ كُلِّمَ فِيهِ بَعْدُ وَقِيلَ إنَّهُ قَدْ كَبُرَ وَضَعُفَ وَضَاعَ فَأُذِنَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ كُلَّ جُمُعَةٍ فَيَسْأَلَ وَيَرْجِعَ إلَى مَكَانِهِ .
( الثَّامِنَةُ ) : قَوْلُهُ { لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُمْ هَذَا : } كَذَا رُوِّينَاهُ بِلَفْظِ الْغَيْبَةِ وَنُونِ التَّوْكِيدِ الشَّدِيدَةِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ { هَذَا : } فَاعِلًا وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِ الْخِطَابِ لَهُنَّ وَيَكُونُ قَوْلُهُ هَذَا مَفْعُولًا وَيَدُلُّ لِلرِّوَايَةِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ { لَا يَدْخُلُ هَؤُلَاءِ عَلَيْكُمْ } ، وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى جَمِيعِ الْمُخَنَّثِينَ لَمَّا رَأَى مِنْ وَصْفِهِمْ النِّسَاءَ وَمَعْرِفَتِهِمْ مَا يَعْرِفُهُ الرِّجَالُ مِنْهُنَّ فَكَانَ هَذَا سَبَبًا لِوُرُودِ هَذَا الْأَمْرِ ثُمَّ إنَّهُ عَمَّمَ الْحُكْمَ فِي كُلِّ مَنْ وَصْفُهُ كَوَصْفِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( التَّاسِعَةُ ) : تَقَدَّمَ فِي الْفَائِدَةِ السَّابِعَةِ زِيَادَةٌ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ الدُّخُولِ عَلَى النِّسَاءِ وَهِيَ نَفْيُهُ إلَى الْحِمَى وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ غَرَّبَ هِيتًا : وَمَاتِعًا : إلَى الْحِمَى } ، ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ وَذَكَرَ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَارُودِيُّ نَحْوَ الْحِكَايَةِ عَنْ { مُخَنَّثٍ كَانَ بِالْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهُ أَنَّةَ : وَذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَاهُ إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ } حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالنَّوَوِيُّ وَقَالَا وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ ( هِيتٌ ) : قَالَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِلْقَاضِي عِيَاضٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِخْرَاجُهُ وَنَفْيُهُ كَانَ لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ : ( أَحَدُهَا ) : الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ وَكَانَ مِنْهُمْ وَيَتَكَتَّمُ ذَلِكَ ( وَالثَّانِي ) : وَصْفُهُ النِّسَاءَ وَمَحَاسِنَهُنَّ وَعَوْرَاتِهِنَّ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ وَقَدْ نُهِيَ أَنْ تَصِفَ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا فَكَيْفَ إذَا وَصَفَهَا الرَّجُلُ لِلرِّجَالِ وَ ( الثَّالِثُ ) أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَطَّلِعُ مِنْ النِّسَاءِ وَأَجْسَامِهِنَّ وَعَوْرَاتِهِنَّ عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ النِّسَاءِ فَكَيْفَ الرِّجَالُ لَا سِيَّمَا عَلَى مَا جَاءَ فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ وَصَفَهَا حَتَّى وَصَفَ مَا بَيْنَ رِجْلَيْهَا أَيْ فَرْجَهَا وَمَا حَوَالَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الْعَاشِرَةُ ) فِيهِ جَوَازُ الْعُقُوبَةِ بِالنَّفْيِ عَنْ الْوَطَنِ لِمَنْ يُخَافُ مِنْهُ الْفَسَادُ وَالْفِسْقُ وَعَلَى تَحْرِيمِ ذِكْرِ مَحَاسِنِ الْمَرْأَةِ بِعَيْنِهَا ؛ لِأَنَّ فِيهِ إطْلَاعَ النَّاسِ عَلَى عَوْرَتِهَا وَتَحْرِيكَ النُّفُوسِ إلَى مَا لَا يَحِلُّ مِنْهَا وَأَمَّا ذِكْرُ مَحَاسِنِ مَنْ لَا تُعْرَفُ مِنْ النِّسَاءِ فَهُوَ جَائِزٌ إنْ لَمْ يَدْعُ إلَى مَفْسَدَةٍ مِنْ تَهْيِيجِ النُّفُوسِ عَلَى الْوُقُوعِ فِي مُحَرَّمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 3 / ص 362)
وَإِذَا اُشْتُهِرَ عَنْ شَخْصٍ الْفَاحِشَةُ بَيْنَ النَّاسِ لَمْ يُرْجَمْ ؛ لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ الْمُلَاعَنَةِ وَقَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنْ جَاءَتْ بِهِ يُشْبِهُ الزَّوْجَ فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ يُشْبِهُ الرَّجُلَ الَّذِي رَمَاهَا بِهِ فَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا } فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ } فَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ : أَهَذِهِ الَّتِي قَالَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَوْ كُنْت رَاجِمًا أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتهَا } ؟ فَقَالَ : لَا تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُعْلِنُ السُّوءَ فِي الْإِسْلَامِ : فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَرْجُمُ أَحَدًا إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ ظَهَرَ عَنْ الشَّخْصِ السُّوءُ . وَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الشَّبَهَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ وَكَذَلِكَ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا مَرَّ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْجِنَازَةِ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا إلَى آخِرِهِ قَالَ : { أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ } وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ { يُوشِكُ أَنْ تَعْلَمُوا أَهْلَ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَبِمَ ذَلِكَ ؟ قَالَ : بِالثَّنَاءِ الْحَسَنِ وَالثَّنَاءِ السَّيِّئِ } . فَقَدْ جَعَلَ الِاسْتِفَاضَةَ حُجَّةً وَبَيِّنَةً فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَلَمْ يَجْعَلْهَا حُجَّةً فِي الرَّجْمِ . وَكَذَلِكَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ عِنْدَ أَحْمَد وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ فِي الْجِرَاحِ إذَا أَدَّوْهَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ رَأَى الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ وَالصَّبِيَّ فِي لِحَافٍ أَوْ فِي بَيْتِ مِرْحَاضٍ أَوْ رَآهُمَا مُجَرَّدَيْنِ أَوْ مَحْلُولَيْ السَّرَاوِيلِ وَيُوجَدُ مَعَ ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ . مِنْ وُجُودِ اللِّحَافِ قَدْ خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ إلَى مَكَانِهِمَا أَوْ يَكُونُ مَعَ أَحَدِهِمَا أَوْ مَعَهُمَا ضَوْءٌ قَدْ أَظْهَرَهُ فَرَآهُ فَأَطْفَأَهُ فَإِنَّ إطْفَاءَهُ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِخْفَائِهِ بِمَا يَفْعَلُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَا يُسْتَخْفَى بِهِ إلَّا مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْبَيَانِ عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ . فَهَذَا الْبَابُ بَابٌ عَظِيمُ النَّفْعِ فِي الدِّينِ وَهُوَ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ الَّتِي أَهْمَلَهَا كَثِيرٌ مِنْ الْقُضَاةِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ زَاعِمِينَ أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ أَحَدٌ إلَّا بِشُهُودِ عَايَنُوا أَوْ إقْرَارٍ مَسْمُوعٍ وَهَذَا خِلَافُ مَا تَوَاتَرَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَسُنَّةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَخِلَافُ مَا فُطِرَتْ عَلَيْهِ الْقُلُوبُ الَّتِي تَعْرِفُ الْمَعْرُوفَ وَتُنْكِرُ الْمُنْكَرَ وَيَعْلَمُ الْعُقَلَاءُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا تَأْبَاهُ سِيَاسَةٌ عَادِلَةٌ ؛ فَضْلًا عَنْ الشَّرِيعَةِ الْكَامِلَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ } . فَفِي الْآيَةِ دَلَالَاتٌ . أَحَدُهَا قَوْلُهُ : { إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا } فَأَمَرَ بِالتَّبَيُّنِ عِنْدَ مَجِيءِ كُلِّ فَاسِقٍ بِكُلِّ نَبَأٍ ؛ بَلْ مِنْ الْأَنْبَاءِ مَا يُنْهَى فِيهِ عَنْ التَّبَيُّنِ وَمِنْهَا مَا يُبَاحُ فِيهِ تَرْكُ التَّبَيُّنِ وَمِنْ الْأَنْبَاءِ مَا يَتَضَمَّنُ الْعُقُوبَةَ لِبَعْضِ النَّاسِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَ الْأَمْرَ بِأَنَّهُ إذَا جَاءَنَا فَاسِقٌ بِنَبَأٍ خَشْيَةَ أَنْ نُصِيبَ قَوْمًا بِجَهَالَةِ فَلَوْ كَانَ كُلُّ مَنْ أُصِيبَ بِنَبَأٍ كَذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَدْلِ وَالْفَاسِقِ بَلْ هَذِهِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ الْإِصَابَةَ بِنَبَأِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ لَا يُنْهَى عَنْهَا مُطْلَقًا وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ فِي جِنْسِ الْعُقُوبَاتِ فَإِنَّ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي إخْبَارِ وَاحِدٍ بِأَنَّ قَوْمًا قَدْ حَارَبُوا بِالرِّدَّةِ أَوْ نَقْضِ الْعَهْدِ . وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ مَتَى اقْتَرَنَ بِخَبَرِ الْفَاسِقِ دَلِيلٌ آخَرُ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ فَقَدْ اسْتَبَانَ الْأَمْرُ وَزَالَ الْأَمْرُ بِالتَّثَبُّتِ فَتَجُوزُ إصَابَةُ الْقَوْمِ وَعُقُوبَتُهُمْ بِخَبَرِ الْفَاسِقِ مَعَ قَرِينَةٍ إذَا تَبَيَّنَ بِهِمَا الْأُمُورُ فَكَيْفَ خَبَرُ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ مَعَ دَلَالَةٍ أُخْرَى ؛ وَلِهَذَا كَانَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَوْثٌ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ فَإِذَا انْضَافَ إيمَانُ الْمُقْسِمِينَ صَارَ ذَلِكَ بَيِّنَةً تُبِيحُ دَمَ الْمُقْسِمِ عَلَيْهِ . وَقَوْلُهُ : { أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ } فَجَعَلَ الْمَحْذُورَ هُوَ الْإِصَابَةُ لِقَوْمِ بِلَا عِلْمٍ فَمَتَى أُصِيبُوا بِعِلْمِ زَالَ الْمَحْذُورُ وَهَذَا هُوَ الْمَنَاطُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ كَمَا قَالَ : { إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } وَقَالَ : { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } . وَأَيْضًا فَإِنَّهُ عَلَّلَ ذَلِكَ بِخَوْفِ النَّدَمِ وَالنَّدَمُ إنَّمَا يَحْصُلُ عَلَى عُقُوبَةِ الْبَرِيءِ مِنْ الذَّنْبِ كَمَا فِي سُنَنِ أَبِي داود : { ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ فَإِنَّ الْإِمَامَ إنْ يُخْطِئْ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ } فَإِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ أَنْ يُخْطِئَ فَيُعَاقِبَ بَرِيئًا أَوْ يُخْطِئَ فَيَعْفُوَ عَنْ مُذْنِبٍ كَانَ هَذَا الْخَطَأُ خَيْرُ الْخَطَأَيْنِ . أَمَّا إذَا حَصَلَ عِنْدَهُ عِلْمٌ أَنَّهُ لَمْ يُعَاقِبْ إلَّا مُذْنِبًا فَإِنَّهُ لَا يَنْدَمُ وَلَا يَكُونُ فِيهِ خَطَأٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد أَنَّ التَّغْرِيبَ جَاءَ فِي السُّنَّةِ فِي مَوْضِعَيْنِ " أَحَدُهُمَا " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الزَّانِي إذَا لَمْ يُحْصَنْ : { جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ } وَالثَّانِي نَفْيُ الْمُخَنَّثِينَ فِيمَا رَوَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا مُخَنَّثٌ وَهُوَ يَقُولُ لِعَبْدِ اللَّهِ أَخِيهَا : إنْ فَتَحَ اللَّهُ لَك الطَّائِفَ غَدًا أَدُلُّك عَلَى ابْنَةِ غَيْلَانَ فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعِ وَتُدْبِرُ بِثَمَانِ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيُّ . وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ { لَا يَدْخُلَنَّ هَؤُلَاءِ عَلَيْكُمْ } وَفِي رِوَايَةٍ { أَرَى هَذَا يَعْرِفُ مِثْلَ هَذَا لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُمْ بَعْدَ الْيَوْمِ } . قَالَ ابْنُ جريج : الْمُخَنَّثُ هُوَ هيْت وَهَكَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ . وَقَدْ قِيلَ : إنَّهُ هَنَبٌ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مَاتِعٌ وَقِيلَ هَوَانٌ . وَرَوَى الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ والمترجلات مِنْ النِّسَاءِ وَقَالَ : أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ وَأَخْرِجُوا فُلَانًا وَفُلَانًا : يَعْنِي الْمُخَنَّثِينَ } وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا ثَلَاثَةً : - بَهْمٌ وَهيْتُ وَمَاتِعٌ - عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُونُوا يُرْمَوْنَ بِالْفَاحِشَةِ الْكُبْرَى إنَّمَا كَانَ تَخْنِيثُهُمْ وَتَأْنِيثُهُمْ لِينًا فِي الْقَوْلِ وَخِضَابًا فِي الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ كَخِضَابِ النِّسَاءِ وَلَعِبًا كَلَعِبِهِنَّ . وَفِي سُنَنِ أَبِي داود عَنْ أَبِي يَسَارٍ الْقُرَشِيِّ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ . { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِمُخَنَّثِ وَقَدْ خَضَّبَ رِجْلَيْهِ وَيَدَيْهِ بِالْحِنَّاءِ فَقَالَ : مَا بَالُ هَذَا ؟ فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ فَأَمَرَ بِهِ فَنُفِيَ إلَى النَّقِيعِ فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَقْتُلُهُ فَقَالَ : إنِّي نُهِيت عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ } قَالَ أَبُو أُسَامَةَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ : وَالنَّقِيعُ نَاحِيَةٌ عَنْ الْمَدِينَةِ وَلَيْسَ بِالْبَقِيعِ وَقِيلَ : إنَّهُ الَّذِي حَمَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِبِلِ الصَّدَقَةِ ثُمَّ حَمَاهُ عُمَرُ وَهُوَ عَلَى عِشْرِينَ فَرْسَخًا مِنْ الْمَدِينَةِ وَقِيلَ : عِشْرِينَ مِيلًا . وَنَقِيعُ الْخُضُمَّاتِ مَوْضِعٌ آخَرُ قُرْبَ الْمَدِينَةِ وَقِيلَ : هُوَ الَّذِي حَمَاهُ عُمَرُ . وَالنَّقِيعُ مَوْضِعٌ يَسْتَنْقِعُ فِيهِ الْمَاءُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ : { أَوَّلُ جُمْعَةٍ جُمِعَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي نَقِيعِ الْخُضُمَّاتِ } . فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ بِإِخْرَاجِ مِثْلِ هَؤُلَاءِ مِنْ الْبُيُوتِ فَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِي يُمَكِّنُ الرِّجَالَ مِنْ نَفْسِهِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِهِ وَبِمَا يُشَاهِدُونَهُ مِنْ مَحَاسِنِهِ وَفِعْلِ الْفَاحِشَةِ الْكُبْرَى بِهِ شَرٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهُوَ أَحَقُّ بِالنَّفْيِ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ وَإِخْرَاجِهِ عَنْهُمْ ؛ فَإِنَّ الْمُخَنَّثَ فِيهِ إفْسَادٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَشَبَّهَ بِالنِّسَاءِ فَقَدْ تُعَاشِرُهُ النِّسَاءُ وَيَتَعَلَّمْنَ مِنْهُ وَهُوَ رَجُلٌ فَيُفْسِدُهُنَّ وَلِأَنَّ الرِّجَالَ إذَا مَالُوا إلَيْهِ فَقَدْ يُعْرِضُونَ عَنْ النِّسَاءِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا رَأَتْ الرَّجُلَ يَتَخَنَّثُ فَقَدْ تَتَرَجَّلُ هِيَ وَتَتَشَبَّهُ بِالرِّجَالِ فَتُعَاشِرُ الصِّنْفَيْنِ وَقَدْ تَخْتَارُ هِيَ مُجَامَعَةَ النِّسَاءِ كَمَا يَخْتَارُ هُوَ مُجَامَعَةَ الرِّجَالِ . وَأَمَّا إفْسَادُهُ لِلرِّجَالِ فَهُوَ أَنْ يُمَكِّنَهُمْ مِنْ الْفِعْلِ بِهِ - كَمَا يَفْعَلُ بِالنِّسَاءِ - بِمُشَاهَدَتِهِ وَمُبَاشَرَتِهِ وَعِشْقِهِ فَإِذَا أُخْرِجَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ وَسَافَرَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ سَاكِنٍ فِيهِ النَّاسُ وَوَجَدَ هُنَاكَ مَنْ يَفْعَلُ بِهِ الْفَاحِشَةَ فَهُنَا يَكُونُ نَفْيُهُ بِحَبْسِهِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ لَيْسَ مَعَهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَإِنْ خِيفَ خُرُوجُهُ فَإِنَّهُ يُقَيَّدُ إذْ هَذَا هُوَ مَعْنَى نَفْيِهِ وَإِخْرَاجِهِ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ .
نيل الأوطار - (ج 9 / ص 468)
قَوْلُهُ : ( مُخَنَّثٌ ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا وَالْفَتْحُ الْمَشْهُورُ : وَهُوَ الَّذِي يُلَيِّنُ فِي قَوْلِهِ وَيَتَكَسَّرُ فِي مِشْيَتِهِ وَيَتَثَنَّى فِيهَا كَالنِّسَاءِ ، وَقَدْ يَكُونُ خِلْقَةً وَقَدْ يَكُونُ تَصَنُّعًا مِنْ الْفَسَقَةِ ، وَمَنْ كَانَ ذَلِكَ فِيهِ خِلْقَةً فَالْغَالِبُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا أَرَبَ لَهُ فِي النِّسَاءِ ، وَلِذَلِكَ كَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْدُدْنَ هَذَا الْمُخَنَّثَ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ ، وَكُنَّ لَا يَحْجُبْنَهُ إلَّا إنْ ظَهَرَ مِنْهُ مَا ظَهَرَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ ، فَقَالَ الْقَاضِي : الْأَشْهَرُ أَنَّ اسْمَهُ هِيتٌ بِكَسْرِ الْهَاءِ ثُمَّ تَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ فَوْقِيَّةٍ ، وَقِيلَ : صَوَابُهُ هَنَبٌ بِالنُّونِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَهُ ابْنُ دُرُسْتَوَيْهِ ، وَقَالَ : إنَّ مَا سِوَاهُ تَصْحِيفٌ وَإِنَّهُ الْأَحْمَقُ الْمَعْرُوفُ ، وَقِيلَ : اسْمُهُ مَاتِعٌ بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ : مَوْلَى فَاخِتَةَ الْمَخْزُومِيَّةِ بِنْتِ عَمْرِو بْنِ عَائِذٍ .
قَوْلُهُ : ( تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ ) الْمُرَادُ بِالْأَرْبَعِ هِيَ الْعُكَنُ جَمْعُ عُكْنَةٍ ، وَهِيَ الطَّيَّةُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبَطْنِ مِنْ كَثْرَةِ السِّمَنِ ، يُقَالُ : تَعَكَّنَ الْبَطْنُ : إذَا صَارَ ذَلِكَ فِيهِ ، وَلِكُلِّ عُكْنَةٍ طَرَفَانِ ، فَإِذَا رَآهُنَّ الرَّائِي مِنْ جِهَةِ الْبَطْنِ وَجَدَهُنَّ أَرْبَعًا وَإِذَا رَآهُنَّ مِنْ جِهَةِ الظَّهْرِ وَجَدَهُنَّ ثَمَانِيًا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ : مَعْنَاهُ أَنَّ أَعْكَانَهَا يَنْعَطِفُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ ، وَهِيَ فِي بَطْنِهَا أَرْبَعُ طَرَائِقَ وَتَبْلُغُ أَطَارِفُهَا إلَى خَاصِرَتِهَا ، وَفِي كُلِّ جَانِبٍ أَرْبَعٌ ، قَالَ الْحَافِظُ : وَتَفْسِيرُ مَالِكٍ الْمَذْكُورُ تَبِعَهُ فِيهِ الْجُمْهُورُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ وَصَفَهَا بِأَنَّهَا مَمْلُوءَةُ الْبَدَنِ بِحَيْثُ يَكُونُ لِبَطْنِهَا عُكَنٌ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا لِلسَّمِينَةِ مِنْ النِّسَاءِ ، وَجَرَتْ عَادَةُ الرِّجَالِ فِي الرَّغْبَةِ فِيمَنْ تَكُونُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ وَقِيلَ : الْأَرْبَعُ هِيَ الشُّعَبُ الَّتِي هِيَ الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ ، وَالثَّمَانِ : الْكَتِفَانِ وَالْمَتْنَتَانِ وَالْأَلْيَتَانِ وَالسَّاقَانِ ، وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ ذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ فِيهَا مَا ذُكِرَ فَلَا وَجْهَ لِجَعْلِهِ مِنْ صِفَاتِ الْمَدْحِ الْمَقْصُودَةِ فِي الْمَقَامِ قَوْلُهُ : ( هَؤُلَاءِ ) إشَارَةٌ إلَى جَمِيعِ الْمُخَنَّثِينَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ كَانَ الْمُخَنَّثُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةً : مَانِعٌ ، وَهَدَمٌ وَهِيتٌ قَوْلُهُ : ( مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ ) الْإِرْبَةُ وَالْإِرْبُ : الْحَاجَةُ وَالشَّهْوَةُ .
قِيلَ : وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ التَّابِعُونَ الَّذِينَ يَتْبَعُونَ الرَّجُلَ لِيُصِيبُوا مِنْ طَعَامِهِ وَلَا حَاجَةَ لَهُمْ إلَى النِّسَاءِ لِكِبَرٍ أَوْ تَخْنِيثٍ أَوْ عُنَّةٍ .
قَوْلُهُ : ( أَرَى هَذَا .
إلَخْ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : هَذَا يَدُلُّ أَنَّهُمْ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ شَيْئًا مِنْ أَحْوَالِ النِّسَاءِ وَلَا يَخْطِرُ لَهُ بِبَالٍ ، وَيُشْبِهُ أَنَّ التَّخْنِيثَ كَانَ فِيهِ خِلْقَةً وَطَبِيعَةً وَلَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ إلَّا ذَلِكَ ، وَلِهَذَا كَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ قَوْلُهُ : ( وَأَخْرَجَهُ ) لَفْظُ الْبُخَارِيِّ : { أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ قَالَ : فَأَخْرَجَ فُلَانًا وَفُلَانًا } وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَزَادَ " وَأَخْرَجَ عُمَرُ مُخَنَّثًا " وَفِي رِوَايَةٍ " وَأَخْرَجَ أَبُو بَكْرٍ آخَرَ " قَالَ الْعُلَمَاءُ : إخْرَاجُ الْمُخَنَّثِ وَنَفْيِهِ كَانَ لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ كَانَ يُظَنُّ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ ثُمَّ لَمَّا وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ الْكَلَامُ زَالَ الظَّنُّ وَالثَّانِي : وَصْفُهُ النِّسَاءَ وَمَحَاسِنَهُنَّ وَعَوْرَاتِهِنَّ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ ، وَقَدْ نُهِيَ أَنْ يَصِفَ الْمَرْأَةَ زَوْجُهَا فَكَيْفَ إذَا وَصَفَهَا غَيْرُهُ مِنْ الرِّجَالِ لِسَائِرِهِمْ ؟ الثَّالِثُ : أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَطَّلِعُ النِّسَاءَ وَأَجْسَامَهُنَّ وَعَوْرَاتِهِنَّ عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ النِّسَاءِ قَوْلُهُ : ( فَيَسْأَلُ ثُمَّ يَرْجِعُ ) أَيْ يَسْأَلُ النَّاسَ شَيْئًا ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى الْبَادِيَةِ ، وَالْبَيْدَاءُ بِالْمَدِّ : الْقَفْرُ ، وَكُلُّ صَحْرَاءَ فَهِيَ بَيْدَاءُ كَأَنَّهَا تُبِيدُ سَالِكَهَا أَيْ تَكَادُ تُهْلِكُهُ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلُ جَوَازِ الْعُقُوبَةِ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ الْوَطَنِ لِمَا يُخَافُ مِنْ الْفَسَادِ وَالْفِسْقِ ، وَجَوَازِ الْإِذْنِ بِالدُّخُولِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِلْحَاجَةِ
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 13387)
مُخَنَّّث
التّعريف
1 - المخنّث لغةً : بفتح النون وكسرها من الانخناث , وهو التّثنّي والتّكسر وذلك للينه وتكسره , والاسم الخنث , ويقال للمخنّث : خناثة وخنيثة .
وفي الاصطلاح : من تشبه حركاته حركات النّساء خلقاً أو تخلقاً .
وقال ابن عابدين نقلاً عن صاحب النّهر : المخنِّث بكسر النون مرادف للوطيّ .
وقال ابن حبيبٍ : المخنّث هو المؤنّث من الرّجال وإن لم تعرف منه الفاحشة .
الألفاظ ذات الصّلة
«أ - الخنثى»
2 - الخنثى في اللغة : الّذي خلق له فرج الرّجل وفرج المرأة .
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ .
والفرق بين المخنّث والخنثى : أنّ المخنّث لا خفاء في ذكوريّته .
وأمّا الخنثى فالحكم بكونه رجلاً أو امرأةً لا يتأتّى إلا بتبين علامات الذكورة أو الأنوثة فيه .
«ب - الفاسق»
3 - الفاسق في اللغة : من الفسق وهو في الأصل خروج الشّيء من الشّيء على وجه الفساد , ومنه قولهم : فسق الرطب : إذا خرج عن قشره .
ويطلق على : الخروج عن الطّاعة , وعن الدّين , وعن الاستقامة .
وفي الاصطلاح : الفاسق هو المسلم الّذي ارتكب كبيرةً قصداً , أو صغيرةً مع الإصرار عليها بلا تأويلٍ .
والعلاقة بين الفاسق والمخنّث إذا كان بتكلف ولم يكن خلقة العموم والخصوص , لأنّ كلّ مخنّثٍ بالمفهوم المذكور فاسق , وليس كل فاسقٍ مخنّثاً .
«الأحكام المتعلّقة بالمخنّث»
4 - المخنّث ضربان :
أحدهما : من خلق كذلك ولم يتكلّف التّخلق بأخلاق النّساء وزيّهنّ وكلامهنّ وحركاتهنّ , بل هو خلقة خلقه اللّه عليها , فهذا لا ذم عليه ولا عتب ولا إثم ولا عقوبة , لأنّه معذور لا صنع له في ذلك .
والثّاني : من لم يكن كذلك خلقةً , بل يتعمّد التّشبه بالنّساء في الأقوال والأفعال , وباختياره , فهذا هو المذموم الّذي جاء في الأحاديث الصّحيحة لعنه .
وتترتّب عليهما أحكام مختلفة نتعرّض لها فيما يلي :
«أ - شهادة المخنّث»
5 - صرّح الحنفيّة وهو المتبادر من أقوال غيرهم بأنّه لا تقبل شهادة مخنّثٍ .
ومراده المخنّث الّذي يباشر الرّديء من الأفعال , أو يتشبّه بالنّساء تعمداً لذلك في تزيينه , وتكسير أعضائه , وتليين كلامه لكون ذلك معصيةً , لما روى ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « لعن اللّه المخنّثين من الرّجال , والمترجلات من النّساء » يعني المتشبّهات بالرّجال .
وأمّا الّذي في كلامه لين , وفي أعضائه تكسر خلقةً , ولم يشتهر بشيء من الأفعال الرّديئة فهو عدل مقبول الشّهادة .
«ب - نظر المخنّث إلى غير محارمه من النّساء»
6 - صرّح بعض الفقهاء بأنّه لا يجوز للمخنّث الّذي يأتي بالرّديء من الأفعال النّظر إلى النّساء , واختلفوا في المخنّث الّذي في أعضائه لين أو تكسر بأصل الخلقة ولا يشتهي النّساء : فقد رخّص بعض الحنفيّة والحنابلة في ترك مثله مع النّساء استدلالاً بقوله تعالى : « أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ » وفي رواية أبي بكرٍ عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال : « غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ » هو المخنّث , وعن مجاهدٍ وقتادة : الّذي لا إرب له في النّساء , وهو من لا شهوة له .
وقيل : هو المجبوب الّذي جفّ ماؤه , وقيل : المراد به الأبله الّذي لا يدري ما يصنع بالنّساء , وإنّما همه بطنه , والأصل في هذا الباب حديث أمّ سلمة رضي الله عنها قالت : « دخل عليّ النّبي صلى الله عليه وسلم وعندي مخنّث , فسمعته يقول لعبد اللّه بن أبي أميّة يا عبد اللّه أرأيت إن فتح اللّه عليكم الطّائف غداً فعليك بابنة غيلان , فإنّها تقبل بأربع , وتدبر بثمان , فقال النّبي صلى الله عليه وسلم : لا يدخلن هؤلاء عليكم » .
قال ابن جريجٍ : كان اسم هذا المخنّث هيت , وبهذا صرّح السّرخسيّ حيث قال : إنّ هيت المخنّث كان يدخل بيوت أزواج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتّى سمع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم منه كلمةً شنيعةً أمر بإخراجه .
وقيل : كان اسمه ماتع , وقيل : صوابه هنب .
«ج - الصّلاة خلف المخنّث»
7 - صرّح الزهري بقوله : لا نرى أن يصلّى خلف المخنّث إلا من ضرورةٍ لا بدّ منها , كأن يكون ذا شوكةٍ , أو من جهته , فلا تعطّل الجماعة بسببه .
وقد رواه معمر عن الزهريّ بغير قيدٍ , ولفظه : قلت فالمخنّث ؟ قال : لا ولا كرامة , لا يؤتم به .
أمّا المخنّث الّذي فيه تكسر وتثنٍّ وتشبه بالنّساء فلا مانع من الصّلاة خلفه إذا كان ذلك أصل خلقته .
«د - تعزير المخنّث»
8 - صرّح الحنفيّة بأنّ المخنّث يعزّر ويحبس حتّى يحدث توبةً .
وقال الشّربيني الخطيب : القاعدة أنّه لا تعزير في غير معصيةٍ , ولكن استثني منه نفي المخنّث مع أنّه ليس بمعصية للمصلحة .
«هـ - حد من قال لآخر يا مخنّث»
9 - صرّح المالكيّة بأنّه يحد الشّخص في قوله لحرّ عفيفٍ مسلمٍ : يا مخنّث إن لم يحلف أنّه لم يرد قذفه , فإن حلف بأنّه لم يرد قذفه , وإنّما أراد أنّه يتكسّر في القول والفعل كالنّساء فلا يحد بل يؤدّب , هذا إن لم يخصّ العرف المخنّث بمن يؤتى .
وأمّا إن خصّه العرف بهذا كما هو الآن , فيحد مطلقاً حلف أم لم يحلف , لأنّه يعتبر كمصرٍّ على معصيته .(1/187)
346- 8002 أَخْبَرَنَا نُوحُ بْنُ حَبِيبٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ رَبَاحِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامًا مَعْنَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِذَا مُخَنَّثٌ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ وَكَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ فَسَمِعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ : إِنَّهَا إِذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ يَنْعَتُ امْرَأَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَلَا أَرَى هَذَا يَعْلَمُ مَا هَاهُنَا لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُمْ فَاحْجُبُوهُ " (1)
347-8003 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ رَجُلٌ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَنَّثٌ فَكَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ وَهُوَ يَنْعَتُ امْرَأَةً فَقَالَ : إِنَّهَا إِذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَلَا أَرَى هَذَا يَعْلَمُ مَا هَاهُنَا ، لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُمْ ، فَحَجَبُوهُ " (2)
348-8004 أَخْبَرَنِي هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ بَيْتَ أُمِّ سَلَمَةَ ، وَعِنْدَهَا مُخَنَّثٌ فَقَالَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ ، لَوْ قَدْ فَتَحْتَ الطَّائِفَ لَقَدْ أُرِيتُكَ بَادِيَةَ بِنْتَ غَيْلَانَ ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ ، وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَدْخُلْ عَلَيْكُمْ هَذَا " (3)
__________
(1) - صحيح
(2) - سنن أبى داود برقم(4109 ) ومسند أحمد برقم(25929) وصحيح ابن حبان برقم( 4565) صحيح
عون المعبود - (ج 9 / ص 143)
3583 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( عَنْ مَعْمَر )
: بْن رَاشِد
( عَنْ الزُّهْرِيّ وَهِشَام بْن عُرْوَة )
: فَمَعْمَر يَرْوِي عَنْ شَيْخَيْنِ الزُّهْرِيّ وَهِشَام وَهُمَا يَرْوِيَانِ عَنْ عُرْوَة بْن الزُّبَيْر
( كَانَ يَدْخُل عَلَى أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَنَّث )
: بِفَتْحِ النُّون وَكَسْرهَا وَالْفَتْح الْمَشْهُور ، وَهُوَ الَّذِي يَلِين فِي قَوْله وَيَتَكَسَّر فِي مِشْيَته وَيَنْثَنِي فِيهَا كَالنِّسَاءِ ، وَقَدْ يَكُون خِلْقَة وَقَدْ يَكُون تَصَنُّعًا مِنْ الْفَسَقَة ، وَمَنْ كَانَ ذَلِكَ فِيهِ خِلْقَة فَالْغَالِب مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَا إِرْب لَهُ فِي النِّسَاء ، وَلِذَلِكَ كَانَ أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْدُدْنَ هَذَا الْمُخَنَّث مِنْ غَيْر أُولِي الْإِرْبَة وَكُنَّ لَا يَحْجُبْنَهُ إِلَى أَنْ ظَهَرَ مِنْهُ مَا ظَهَرَ مِنْ هَذَا الْكَلَام
( إِذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ )
: الْمُرَاد بِالْأَرْبَعِ هِيَ الْعُكَن جَمْع عُكْنَة وَهِيَ الطَّيَّة الَّتِي تَكُون فِي الْبَطْن مِنْ كَثْرَة السِّمَن يُقَال تَعَكَّنَ الْبَطْن إِذَا صَارَ ذَلِكَ فِيهِ وَلِكُلِّ عُكْنَة طَرَفَانِ فَإِذَا رَآهُنَّ الرَّائِي مِنْ جِهَة الْبَطْن وَجَدَهُنَّ أَرْبَعًا وَإِذَا رَآهُنَّ مِنْ جِهَة الظَّهْر وَجَدَهُنَّ ثَمَانِيًا ، وَحَاصِله أَنَّهُ وَصَفَهَا بِأَنَّهَا مَمْلُوءَة الْبَدَن بِحَيْثُ يَكُون لِبَطْنِهَا عُكَن وَذَلِكَ لَا يَكُون إِلَّا لِلسَّمِينَةِ مِنْ النِّسَاء وَجَرَتْ عَادَة الرِّجَال غَالِبًا فِي الرَّغْبَة فِيمَنْ تَكُون بِتِلْكَ الصِّفَة
( هَذَا )
: أَيْ الْمُخَنَّث
( فَحَجَبُوهُ )
: أَيْ مَنَعُوهُ .
قَالَ النَّوَوِيّ : فِي الْحَدِيث مَنْع الْمُخَنَّث مِنْ الدُّخُول عَلَى النِّسَاء وَمَنْعهنَّ مِنْ الظُّهُور عَلَيْهِ وَبَيَان أَنَّ لَهُ حُكْم الرِّجَال الْفُحُول الرَّاغِبِينَ فِي النِّسَاء فِي هَذَا الْمَعْنَى ، وَكَذَا حُكْم الْخَصِيّ وَالْمَجْبُوبِ ذَكَرُهُ اِنْتَهَى .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ اِنْتَهَى .
وَقَالَ الْمِزِّيُّ : حَدِيث كَانَ يَدْخُل عَلَى أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَنَّث الْحَدِيث أَخْرَجَهُ مُسْلِم فِي الِاسْتِئْذَان عَنْ عَبْد بْن حُمَيْدٍ عَنْ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر بْنِ رَاشِد عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة .
وَأَبُو دَاوُدَ فِي اللِّبَاس عَنْ مُحَمَّد بْن دَاوُدَ بْن سُفْيَان عَنْ عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر بِهِ .
وَعَنْ مُحَمَّد بْن عُبَيْد عَنْ مُحَمَّد بْن ثَوْر عَنْ مَعْمَر بِهِ .
وَالنَّسَائِيُّ فِي عُمْرَة النِّسَاء عَنْ مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن عَبْد اللَّه عَنْ عَبْد الرَّزَّاق بِهِ . وَعَنْ نُوح بْن حَبِيب عَنْ إِبْرَاهِيم بْن خَالِد عَنْ رَبَاح بْن زَيْد عَنْ مَعْمَر بِهِ . وَرَوَاهُ مَعْمَر أَيْضًا عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَة . وَرَوَاهُ حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَر بْن سَلَمَة وَرَوَاهُ جَمَاعَة عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَب بِنْت أَبِي سَلَمَة عَنْ أُمّ سَلَمَة اِنْتَهَى كَلَام الْمِزِّيّ .
( زَادَ )
: أَيْ يُونُس فِي رِوَايَته
( وَأَخْرَجَهُ )
: أَيْ أَخْرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ الْمُخَنَّث
( فَكَانَ )
: أَيْ الْمُخَنَّث
( بِالْبَيْدَاءِ )
: بِالْمَدِّ الْقَفْر وَكُلّ صَحْرَاء فَهِيَ بَيْدَاء كَأَنَّهَا تُبِيد سَالِكهَا أَيْ تَكَاد تُهْلِكهُ
( يَسْتَطْعِم )
: أَيْ يَطْلُب الطَّعَام وَهُوَ حَال مِنْ ضَمِير يَدْخُل ، وَفِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز الْعُقُوبَة بِالْإِخْرَاجِ مِنْ الْوَطَن لِمَا يُخَاف مِنْ الْفَسَاد وَالْفِسْق .
( إِنَّهُ )
: أَيْ ذَلِكَ الْمُخَنَّث
( إِذًا يَمُوت مِنْ الْجُوع )
: أَيْ بِسَبَبِهِ
( فَيَسْأَل ثُمَّ يَرْجِع )
: أَيْ يَسْأَل النَّاس شَيْئًا ثُمَّ يَرْجِع إِلَى الْبَيْدَاء .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث زَيْنَب بِنْت أُمّ سَلَمَة عَنْ أُمّهَا أُمّ سَلَمَة وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ كَذَلِكَ فِي كِتَاب الْأَدَب وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .
(3) - صحيح(1/188)
349-8005 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ زَيْنَبَ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهَا أَخُوهَا عَبْدُ اللَّهِ وَعِنْدَهَا مُخَنَّثٌ وَهُوَ يَقُولُ : يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الطَّائِفَ فَعَلَيْكَ بِابْنَةِ غَيْلَانَ ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ سَلَمَةَ : " لَا يَدْخُلَنَّ هَذَا عَلَيْكِ " خَالَفَهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ (1)
350-8006 الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ : حَدَّثَنِي مَالِكٌ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ مُخَنَّثًا ، كَانَ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمَعُ يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الطَّائِفَ غَدًا ، فَأَنَا أَدُلُّكَ عَلَى ابْنَةِ غَيْلَانَ ، فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُمْ هَؤُلَاءِ " قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ : حَدِيثُ هِشَامٍ أَوْلَى بِالصَّوَابِ ، وَالزُّهْرِيُّ أَثْبَتُ فِي عُرْوَةَ مِنْ هِشَامٍ ، وَهِشَامٌ مِنَ الْحُفَّاظِ ، وَحَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ خَطَأٌ (2)
__________
(1) - صحيح
(2) - المعجم الكبير للطبراني برقم(8218 ) صحيح ، ولا مانع من تعدد الرواية فالكل معانيها متقاربة(1/189)
لَعْنُ الْمُتَرَجِّلَاتِ مِنَ النِّسَاءِ
351-8007 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ بِشْرٍ وَهُوَ ابْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ : حَدَّثَنَا هِشَامٌ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ : حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَعَنَ الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ ، الْمُتَرَجِّلَاتِ مِنَ النِّسَاءِ " وَقَالَ : " أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ " فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُلَانًا ، وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلَانًا " (1)
------------
(1) - سنن أبى داود برقم( 4932 ) ومسند أحمد برقم(2158) صحيح
عون المعبود - (ج 10 / ص 460)
4282 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( وَالْمُتَرَجِّلَات مِنْ النِّسَاء )
: أَيْ الْمُتَشَبِّهَات بِهِمْ زِيًّا وَهَيْئَة وَمِشْيَة وَرَفْع صَوْت وَنَحْوهَا لَا رَأْيًا وَعِلْمًا فَإِنَّ التَّشَبُّه بِهِمْ مَحْمُود ، كَمَا رُوِيَ أَنَّ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا كَانَتْ رِجْلَة الرَّأْي أَيْ رَأْيهَا كَرَأْيِ الرِّجَال عَلَى مَا فِي النِّهَايَة
( قَالَ )
أَيْ خِطَابًا عَامًّا
( وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتكُمْ )
: قَالَ الْقَارِي أَيْ مَسَاكِنكُمْ أَوْ بَلَدكُمْ .
وَفِي أَحَادِيث الْبَاب مَنْع الْمُخَنَّث مِنْ الدُّخُول عَلَى النِّسَاء وَمَنْعهنَّ مِنْ الظُّهُور عَلَيْهِ ، وَبَيَان أَنَّ لَهُ حُكْم الرِّجَال الْفُحُول الرَّاغِبِينَ فِي النِّسَاء فِي هَذَا الْمَعْنَى ، وَكَذَا حُكْم الْخَصِيّ وَالْمَجْبُوب ذَكَره .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَاب اللِّبَاس .
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 3 / ص 362)
وَإِذَا اُشْتُهِرَ عَنْ شَخْصٍ الْفَاحِشَةُ بَيْنَ النَّاسِ لَمْ يُرْجَمْ ؛ لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ الْمُلَاعَنَةِ وَقَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنْ جَاءَتْ بِهِ يُشْبِهُ الزَّوْجَ فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ يُشْبِهُ الرَّجُلَ الَّذِي رَمَاهَا بِهِ فَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا } فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَوْلَا الْأَيْمَانُ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ } فَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ : أَهَذِهِ الَّتِي قَالَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَوْ كُنْت رَاجِمًا أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتهَا } ؟ فَقَالَ : لَا تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُعْلِنُ السُّوءَ فِي الْإِسْلَامِ : فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَرْجُمُ أَحَدًا إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلَوْ ظَهَرَ عَنْ الشَّخْصِ السُّوءُ . وَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الشَّبَهَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ وَكَذَلِكَ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا مَرَّ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الْجِنَازَةِ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا إلَى آخِرِهِ قَالَ : { أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ } وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ { يُوشِكُ أَنْ تَعْلَمُوا أَهْلَ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَبِمَ ذَلِكَ ؟ قَالَ : بِالثَّنَاءِ الْحَسَنِ وَالثَّنَاءِ السَّيِّئِ } . فَقَدْ جَعَلَ الِاسْتِفَاضَةَ حُجَّةً وَبَيِّنَةً فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ وَلَمْ يَجْعَلْهَا حُجَّةً فِي الرَّجْمِ . وَكَذَلِكَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ عِنْدَ أَحْمَد وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ فِي الْجِرَاحِ إذَا أَدَّوْهَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ رَأَى الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ وَالصَّبِيَّ فِي لِحَافٍ أَوْ فِي بَيْتِ مِرْحَاضٍ أَوْ رَآهُمَا مُجَرَّدَيْنِ أَوْ مَحْلُولَيْ السَّرَاوِيلِ وَيُوجَدُ مَعَ ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ . مِنْ وُجُودِ اللِّحَافِ قَدْ خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ إلَى مَكَانِهِمَا أَوْ يَكُونُ مَعَ أَحَدِهِمَا أَوْ مَعَهُمَا ضَوْءٌ قَدْ أَظْهَرَهُ فَرَآهُ فَأَطْفَأَهُ فَإِنَّ إطْفَاءَهُ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِخْفَائِهِ بِمَا يَفْعَلُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَا يُسْتَخْفَى بِهِ إلَّا مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْبَيَانِ عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ . فَهَذَا الْبَابُ بَابٌ عَظِيمُ النَّفْعِ فِي الدِّينِ وَهُوَ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ الَّتِي أَهْمَلَهَا كَثِيرٌ مِنْ الْقُضَاةِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ زَاعِمِينَ أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ أَحَدٌ إلَّا بِشُهُودِ عَايَنُوا أَوْ إقْرَارٍ مَسْمُوعٍ وَهَذَا خِلَافُ مَا تَوَاتَرَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَسُنَّةُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَخِلَافُ مَا فُطِرَتْ عَلَيْهِ الْقُلُوبُ الَّتِي تَعْرِفُ الْمَعْرُوفَ وَتُنْكِرُ الْمُنْكَرَ وَيَعْلَمُ الْعُقَلَاءُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا تَأْبَاهُ سِيَاسَةٌ عَادِلَةٌ ؛ فَضْلًا عَنْ الشَّرِيعَةِ الْكَامِلَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ } . فَفِي الْآيَةِ دَلَالَاتٌ . أَحَدُهَا قَوْلُهُ : { إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا } فَأَمَرَ بِالتَّبَيُّنِ عِنْدَ مَجِيءِ كُلِّ فَاسِقٍ بِكُلِّ نَبَأٍ ؛ بَلْ مِنْ الْأَنْبَاءِ مَا يُنْهَى فِيهِ عَنْ التَّبَيُّنِ وَمِنْهَا مَا يُبَاحُ فِيهِ تَرْكُ التَّبَيُّنِ وَمِنْ الْأَنْبَاءِ مَا يَتَضَمَّنُ الْعُقُوبَةَ لِبَعْضِ النَّاسِ ؛ لِأَنَّهُ عَلَّلَ الْأَمْرَ بِأَنَّهُ إذَا جَاءَنَا فَاسِقٌ بِنَبَأٍ خَشْيَةَ أَنْ نُصِيبَ قَوْمًا بِجَهَالَةِ فَلَوْ كَانَ كُلُّ مَنْ أُصِيبَ بِنَبَأٍ كَذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَدْلِ وَالْفَاسِقِ بَلْ هَذِهِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ الْإِصَابَةَ بِنَبَأِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ لَا يُنْهَى عَنْهَا مُطْلَقًا وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ فِي جِنْسِ الْعُقُوبَاتِ فَإِنَّ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي إخْبَارِ وَاحِدٍ بِأَنَّ قَوْمًا قَدْ حَارَبُوا بِالرِّدَّةِ أَوْ نَقْضِ الْعَهْدِ . وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ مَتَى اقْتَرَنَ بِخَبَرِ الْفَاسِقِ دَلِيلٌ آخَرُ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ فَقَدْ اسْتَبَانَ الْأَمْرُ وَزَالَ الْأَمْرُ بِالتَّثَبُّتِ فَتَجُوزُ إصَابَةُ الْقَوْمِ وَعُقُوبَتُهُمْ بِخَبَرِ الْفَاسِقِ مَعَ قَرِينَةٍ إذَا تَبَيَّنَ بِهِمَا الْأُمُورُ فَكَيْفَ خَبَرُ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ مَعَ دَلَالَةٍ أُخْرَى ؛ وَلِهَذَا كَانَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَوْثٌ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ فَإِذَا انْضَافَ إيمَانُ الْمُقْسِمِينَ صَارَ ذَلِكَ بَيِّنَةً تُبِيحُ دَمَ الْمُقْسِمِ عَلَيْهِ . وَقَوْلُهُ : { أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ } فَجَعَلَ الْمَحْذُورَ هُوَ الْإِصَابَةُ لِقَوْمِ بِلَا عِلْمٍ فَمَتَى أُصِيبُوا بِعِلْمِ زَالَ الْمَحْذُورُ وَهَذَا هُوَ الْمَنَاطُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ كَمَا قَالَ : { إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } وَقَالَ : { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } . وَأَيْضًا فَإِنَّهُ عَلَّلَ ذَلِكَ بِخَوْفِ النَّدَمِ وَالنَّدَمُ إنَّمَا يَحْصُلُ عَلَى عُقُوبَةِ الْبَرِيءِ مِنْ الذَّنْبِ كَمَا فِي سُنَنِ أَبِي داود : { ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ فَإِنَّ الْإِمَامَ إنْ يُخْطِئْ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ } فَإِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ أَنْ يُخْطِئَ فَيُعَاقِبَ بَرِيئًا أَوْ يُخْطِئَ فَيَعْفُوَ عَنْ مُذْنِبٍ كَانَ هَذَا الْخَطَأُ خَيْرُ الْخَطَأَيْنِ . أَمَّا إذَا حَصَلَ عِنْدَهُ عِلْمٌ أَنَّهُ لَمْ يُعَاقِبْ إلَّا مُذْنِبًا فَإِنَّهُ لَا يَنْدَمُ وَلَا يَكُونُ فِيهِ خَطَأٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد أَنَّ التَّغْرِيبَ جَاءَ فِي السُّنَّةِ فِي مَوْضِعَيْنِ " أَحَدُهُمَا " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الزَّانِي إذَا لَمْ يُحْصَنْ : { جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ } وَالثَّانِي نَفْيُ الْمُخَنَّثِينَ فِيمَا رَوَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا مُخَنَّثٌ وَهُوَ يَقُولُ لِعَبْدِ اللَّهِ أَخِيهَا : إنْ فَتَحَ اللَّهُ لَك الطَّائِفَ غَدًا أَدُلُّك عَلَى ابْنَةِ غَيْلَانَ فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعِ وَتُدْبِرُ بِثَمَانِ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيُّ . وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ { لَا يَدْخُلَنَّ هَؤُلَاءِ عَلَيْكُمْ } وَفِي رِوَايَةٍ { أَرَى هَذَا يَعْرِفُ مِثْلَ هَذَا لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْكُمْ بَعْدَ الْيَوْمِ } . قَالَ ابْنُ جريج : الْمُخَنَّثُ هُوَ هيْت وَهَكَذَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ . وَقَدْ قِيلَ : إنَّهُ هَنَبٌ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مَاتِعٌ وَقِيلَ هَوَانٌ . وَرَوَى الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ والمترجلات مِنْ النِّسَاءِ وَقَالَ : أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ وَأَخْرِجُوا فُلَانًا وَفُلَانًا : يَعْنِي الْمُخَنَّثِينَ } وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا ثَلَاثَةً : - بَهْمٌ وَهيْتُ وَمَاتِعٌ - عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُونُوا يُرْمَوْنَ بِالْفَاحِشَةِ الْكُبْرَى إنَّمَا كَانَ تَخْنِيثُهُمْ وَتَأْنِيثُهُمْ لِينًا فِي الْقَوْلِ وَخِضَابًا فِي الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ كَخِضَابِ النِّسَاءِ وَلَعِبًا كَلَعِبِهِنَّ . وَفِي سُنَنِ أَبِي داود عَنْ أَبِي يَسَارٍ الْقُرَشِيِّ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ . { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِمُخَنَّثِ وَقَدْ خَضَّبَ رِجْلَيْهِ وَيَدَيْهِ بِالْحِنَّاءِ فَقَالَ : مَا بَالُ هَذَا ؟ فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ فَأَمَرَ بِهِ فَنُفِيَ إلَى النَّقِيعِ فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَقْتُلُهُ فَقَالَ : إنِّي نُهِيت عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ } قَالَ أَبُو أُسَامَةَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ : وَالنَّقِيعُ نَاحِيَةٌ عَنْ الْمَدِينَةِ وَلَيْسَ بِالْبَقِيعِ وَقِيلَ : إنَّهُ الَّذِي حَمَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِبِلِ الصَّدَقَةِ ثُمَّ حَمَاهُ عُمَرُ وَهُوَ عَلَى عِشْرِينَ فَرْسَخًا مِنْ الْمَدِينَةِ وَقِيلَ : عِشْرِينَ مِيلًا . وَنَقِيعُ الْخُضُمَّاتِ مَوْضِعٌ آخَرُ قُرْبَ الْمَدِينَةِ وَقِيلَ : هُوَ الَّذِي حَمَاهُ عُمَرُ . وَالنَّقِيعُ مَوْضِعٌ يَسْتَنْقِعُ فِيهِ الْمَاءُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ : { أَوَّلُ جُمْعَةٍ جُمِعَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي نَقِيعِ الْخُضُمَّاتِ } . فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَ بِإِخْرَاجِ مِثْلِ هَؤُلَاءِ مِنْ الْبُيُوتِ فَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِي يُمَكِّنُ الرِّجَالَ مِنْ نَفْسِهِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِهِ وَبِمَا يُشَاهِدُونَهُ مِنْ مَحَاسِنِهِ وَفِعْلِ الْفَاحِشَةِ الْكُبْرَى بِهِ شَرٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهُوَ أَحَقُّ بِالنَّفْيِ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ وَإِخْرَاجِهِ عَنْهُمْ ؛ فَإِنَّ الْمُخَنَّثَ فِيهِ إفْسَادٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَشَبَّهَ بِالنِّسَاءِ فَقَدْ تُعَاشِرُهُ النِّسَاءُ وَيَتَعَلَّمْنَ مِنْهُ وَهُوَ رَجُلٌ فَيُفْسِدُهُنَّ وَلِأَنَّ الرِّجَالَ إذَا مَالُوا إلَيْهِ فَقَدْ يُعْرِضُونَ عَنْ النِّسَاءِ ؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا رَأَتْ الرَّجُلَ يَتَخَنَّثُ فَقَدْ تَتَرَجَّلُ هِيَ وَتَتَشَبَّهُ بِالرِّجَالِ فَتُعَاشِرُ الصِّنْفَيْنِ وَقَدْ تَخْتَارُ هِيَ مُجَامَعَةَ النِّسَاءِ كَمَا يَخْتَارُ هُوَ مُجَامَعَةَ الرِّجَالِ . وَأَمَّا إفْسَادُهُ لِلرِّجَالِ فَهُوَ أَنْ يُمَكِّنَهُمْ مِنْ الْفِعْلِ بِهِ - كَمَا يَفْعَلُ بِالنِّسَاءِ - بِمُشَاهَدَتِهِ وَمُبَاشَرَتِهِ وَعِشْقِهِ فَإِذَا أُخْرِجَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ وَسَافَرَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ سَاكِنٍ فِيهِ النَّاسُ وَوَجَدَ هُنَاكَ مَنْ يَفْعَلُ بِهِ الْفَاحِشَةَ فَهُنَا يَكُونُ نَفْيُهُ بِحَبْسِهِ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ لَيْسَ مَعَهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَإِنْ خِيفَ خُرُوجُهُ فَإِنَّهُ يُقَيَّدُ إذْ هَذَا هُوَ مَعْنَى نَفْيِهِ وَإِخْرَاجِهِ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ .
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 3 / ص 364)
وقَوْله تَعَالَى { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُقُوبَةِ الزَّانِيَيْنِ حَرَّمَ مُنَاكَحَتَهُمَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ هَجْرًا لَهُمَا وَلِمَا مَعَهُمَا مِنْ الذُّنُوبِ وَالسَّيِّئَاتِ . كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ } وَجَعَلَ مُجَالِسَ فَاعِلِ ذَلِكَ الْمُنْكَرِ مِثْلَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنَّكُمْ إذًا مِثْلُهُمْ } وَهُوَ زَوْجٌ لَهُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ } أَيْ عُشَرَاءَهُمْ وَقُرَنَاءَهُمْ وَأَشْبَاهَهُمْ وَنُظَرَاءَهُمْ وَلِهَذَا يُقَالُ الْمُسْتَمِعُ شَرِيكُ الْمُغْتَابِ . وَرُفِعَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَوْمٌ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَكَانَ فِيهِمْ جَلِيسٌ لَهُمْ صَائِمٌ فَقَالَ : ابْدَءُوا بِهِ فِي الْجَلْدِ أَلَمْ تَسْمَعْ اللَّهَ يَقُولُ { فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ } ؟ فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْمُجَالَسَةِ وَالْعِشْرَةِ الْعَارِضَةِ حِينَ فِعْلِهِمْ لِلْمُنْكَرِ يَكُونُ مُجَالِسُهُمْ مِثْلًا لَهُمْ فَكَيْفَ بِالْعَشْرَةِ الدَّائِمَةِ . وَالزَّوْجُ يُقَالُ لَهُ الْعَشِيرُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { رَأَيْت النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ قِيلَ : يَكْفُرْنَ بِاَللَّهِ ؟ قَالَ : يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ } فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ . أَمَّا الْمُشْرِكُ فَلَا إيمَانَ لَهُ يَزْجُرُهُ عَنْ الْفَوَاحِشِ وَمُجَامَعَةِ أَهْلِهَا . وَأَمَّا الزَّانِي فَفُجُورُهُ يَدْعُوهُ إلَى ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْرِكًا . وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزَّانِيَ لَيْسَ بِمُؤْمِنِ مُطْلَقِ الْإِيمَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَافِرًا مُشْرِكًا كَمَا فِي الصَّحِيحِ : { لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ } وَذَلِكَ أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : { وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } فَعُلِمَ أَنَّ الْإِيمَانَ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيَزْجُرُ وَأَنَّ فَاعِلَهُ إمَّا مُشْرِكٌ وَإِمَّا زَانٍ لَيْسَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَمْنَعُهُمْ إيمَانُهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّ الزَّانِيَةَ فِيهَا إفْسَادُ فِرَاشِ الرَّجُلِ وَفِي مُنَاكَحَتِهَا مُعَاشَرَةُ الْفَاجِرَةِ دَائِمًا وَمُصَاحَبَتُهَا وَاَللَّهُ قَدْ أَمَرَ بِهَجْرِ السُّوءِ وَأَهْلِهِ مَا دَامُوا عَلَيْهِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الزَّانِي فَإِنَّ الزَّانِيَ إنْ لَمْ يُفْسِدْ فَرَاشَ امْرَأَتِهِ كَانَ قَرِينَ سُوءٍ لَهَا كَمَا قَالَ الشَّعْبِيُّ : مَنْ زَوَّجَ كَرِيمَتَهُ مِنْ فَاسِقٍ فَقَدْ قَطَعَ رَحِمَهَا . وَهَذَا مِمَّا يَدْخُلُ بِهِ عَلَى الْمَرْأَةِ ضَرَرٌ فِي دِينِهَا وَدُنْيَاهَا فَنِكَاحُ الزَّانِيَةِ أَشَدُّ مِنْ جِهَةِ الْفِرَاشِ وَنِكَاحُ الزَّانِي أَشَدُّ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ السَّيِّدُ الْمَالِكُ الْحَاكِمُ عَلَى الْمَرْأَةِ فَتَبْقَى الْمَرْأَةُ الْحُرَّةُ الْعَفِيفَةُ فِي أَسْرِ الْفَاجِرِ الزَّانِي الَّذِي يُقَصِّرُ فِي حُقُوقِهَا وَيَتَعَدَّى عَلَيْهَا . وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ فِي الدِّينِ وَعَلَى ثُبُوتِ الْفَسْخِ بِفَوَاتِ هَذِهِ الْكَفَاءَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ بِدُونِ ذَلِكَ وَهُمَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ فَإِنَّ مَنْ نَكَحَ زَانِيَةً مَعَ أَنَّهَا تَزْنِي فَقَدْ رَضِيَ بِأَنْ يَشْتَرِكَ هُوَ وَغَيْرُهُ فِيهَا وَرَضِيَ لِنَفْسِهِ بِالْقِيَادَةِ وَالدِّيَاثَةِ وَمَنْ نَكَحَتْ زَانٍ وَهُوَ يَزْنِي بِغَيْرِهَا فَهُوَ لَا يَصُونُ مَاءَهُ حَتَّى يَضَعَهُ فِيهَا ؛ بَلْ يَرْمِيهِ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا مِنْ الْبَغَايَا فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الزَّانِيَةِ الْمُتَّخِذَةِ خِدْنًا فَإِنَّ مَقْصُودَ النِّكَاحِ حِفْظُ الْمَاءِ فِي الْمَرْأَةِ وَهَذَا الرَّجُلُ لَا يَحْفَظُ مَاءَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ شَرَطَ فِي الرِّجَالِ أَنْ يَكُونُوا مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَقَالَ : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } وَهَذَا الْمَعْنَى مِمَّا لَا يَنْبَغِي إغْفَالُهُ ؛ فَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَصَّهُ وَبَيَّنَهُ بَيَانًا مَفْرُوضًا كَمَا قَالَ تَعَالَى : { سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا } . فَأَمَّا تَحْرِيمُ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ فَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ وَفِيهِ آثَارٌ عَنْ السَّلَفِ وَإِنْ كَانَ الْفُقَهَاءُ قَدْ تَنَازَعُوا فِيهِ وَلَيْسَ مَعَ مَنْ أَبَاحَهُ مَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ . وَقَدْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ { وَالْمُحْصَنَاتُ } وَزَعَمُوا أَنَّ الْبَغْيَ مِنْ الْمُحْصَنَاتِ وَتِلْكَ الْآيَاتُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ أَقَلَّ مَا فِي الْإِحْصَانِ الْعِفَّةُ وَإِذَا اُشْتُرِطَ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ فَذَاكَ تَكْمِيلٌ لِلْعِفَّةِ وَالْإِحْصَانِ وَمَنْ حَرَّمَ نِكَاحَ الْأَمَةِ لِئَلَّا يُرِقَّ وَلَدَهُ كَيْفَ يُبِيحُ الْبَغِيَّ الَّتِي تُلْحِقُ بِهِ مَنْ لَيْسَ بِوَلَدِهِ وَأَيْنَ فَسَادُ فِرَاشِهِ مِنْ رِقِّ وَلَدِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ النِّكَاحَ هُنَا هُوَ الْوَطْءُ وَالْمَعْنَى أَنَّ الزَّانِيَ لَا يَطَأُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَطَؤُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَهَذَا أَبْلَغُ فِي الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ فَمَنْ وَطِئَ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً بِنِكَاحِ فَهُوَ زَانٍ وَكَذَلِكَ مَنْ وَطِئَهَا زَانٍ فَإِنَّ ذَمَّ الزَّانِي بِفِعْلِهِ الَّذِي هُوَ الزِّنَا حَتَّى لَوْ اسْتَكْرَهَهَا أَوْ استدخلت ذَكَرَهُ وَهُوَ نَائِمٌ كَانَتْ الْعُقُوبَةُ لِلزَّانِي دُونَ قَرِينِهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ . وَالْمَقْصُودُ قَوْلُهُ { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً } فَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّانِيَ لَا يَتَزَوَّجُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلَيْسَ هَذَا لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ فَاجِرًا بَلْ لِخُصُوصِ كَوْنِهِ زَانِيًا وَكَذَلِكَ فِي الْمَرْأَةِ لَيْسَ لِمُجَرَّدِ فُجُورِهَا بَلْ لِخُصُوصِ زِنَاهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ جَعَلَ الْمَرْأَةَ زَانِيَةً إذَا تَزَوَّجَتْ زَانِيًا كَمَا جَعَلَ الزَّوْجَ زَانِيًا إذَا تَزَوَّجَ زَانِيَةً هَذَا إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ يَعْتَقِدَانِ تَحْرِيمَ الزِّنَا وَإِذَا كَانَا مُشْرِكَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ ذَلِكَ . وَمَضْمُونُهُ أَنَّ الرَّجُلَ الزَّانِيَ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ حَتَّى يَتُوبَ وَذَلِكَ بِأَنْ يُوَافِقَ اشْتِرَاطَهُ الْإِحْصَانَ وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ زَانِيَةً لَا تُحْصِنُ فَرْجَهَا عَنْ غَيْرِ زَوْجِهَا بَلْ يَأْتِيهَا هُوَ وَغَيْرُهُ كَانَ الزَّوْجُ زَانِيًا هُوَ وَغَيْرُهُ يَشْتَرِكُونَ فِي وَطْئِهَا كَمَا تَشْتَرِكُ الزُّنَاةُ فِي وَطْءِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفْيُ الْوَلَدِ الَّذِي لَيْسَ مِنْهُ . فَمَنْ نَكَحَ زَانِيَةً فَهُوَ زَانٍ أَيْ تَزَوَّجَهَا وَمَنْ نَكَحَتْ زَانِيًا فَهِيَ زَانِيَةٌ أَيْ تَزَوَّجَتْهُ ؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الزُّنَاةِ قَصَرُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى الزَّوَانِي فَتَكُونُ الْمَرْأَةُ خِدْنًا وَخَلِيلًا لَهُ لَا يَأْتِي غَيْرَهَا فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ زَانِيًا لَا يُعِفُّ امْرَأَتَهُ وَإِذَا لَمْ يُعِفَّهَا تَشَوَّقَتْ هِيَ إلَى غَيْرِهِ فَزَنَتْ بِهِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَى نِسَاءِ الزَّوَانِي أَوْ مَنْ يَلُوطُ بِالصِّبْيَانِ فَإِنَّ نِسَاءَهُ يَزْنِينَ لِيَقْضِينَ إرْبَهُنَّ وَوَطَرَهُنَّ ويراغمن أَزْوَاجَهُنَّ بِذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَعِفُّوا أَنْفُسَهُمْ عَنْ غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ فَهُنَّ أَيْضًا لَمْ يَعْفِفْنَ أَنْفُسَهُنَّ عَنْ غَيْرِ أَزْوَاجِهِنَّ ؛ وَلِهَذَا يُقَالُ : " عِفُّوا تَعِفُّ نِسَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَبَرُّوا آبَاءَكُمْ تَبَرُّكُمْ أَبْنَاؤُكُمْ " فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ وَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ وَمِنْ عُقُوبَةِ السَّيِّئَةِ السَّيِّئَةُ بَعْدَهَا ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا رَضِيَ أَنْ يَنْكِحَ زَانِيَةً رَضِيَ بِأَنْ تَزْنِيَ امْرَأَتُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً فَأَحَدُهُمَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مَا يُحِبُّ لِلْآخَرِ فَإِذَا رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَنْكِحَ زَانِيًا فَقَدْ رَضِيَتْ عَمَلَهُ وَكَذَلِكَ إنْ رَضِيَ الرَّجُلُ أَنْ يَنْكِحَ زَانِيَةً فَقَدْ رَضِيَ عَمَلَهَا وَمَنْ رَضِيَ الزِّنَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الزَّانِي . فَإِنَّ أَصْلَ الْفِعْلِ هُوَ الْإِرَادَةُ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ " مَنْ غَابَ عَنْ مَعْصِيَةٍ فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا أَوْ فَعَلَهَا " : وَفِي الْحَدِيثِ { الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ } وَأَعْظَمُ الْخِلَّةِ خِلَّةُ الزَّوْجَيْنِ . وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ فِي نُفُوسِ بَنِي آدَمَ مِنْ الْغَيْرَةِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ فَيَسْتَعْظِمُ الرَّجُلُ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَعْظَمَ مِنْ غَيْرَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَزْنِيَ فَإِذَا لَمْ يَكْرَهْ أَنْ تَكُونَ زَوْجَتُهُ بَغِيًّا وَهُوَ دَيُّوثٌ كَيْفَ يَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ زَانٍ وَلِهَذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ هُوَ دَيُّوثٌ أَوْ قَوَّادٌ يَعِفُّ عَنْ الزِّنَا فَإِنَّ الزَّانِيَ لَهُ شَهْوَةٌ فِي نَفْسِهِ وَالدَّيُّوثُ لَيْسَ لَهُ شَهْوَةٌ فِي زِنَا غَيْرِهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إيمَانٌ يَكْرَهُ بِهِ زِنَا غَيْرِهِ بِزَوْجَتِهِ كَيْفَ يَكُونُ مَعَهُ إيمَانٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الزِّنَا فَمَنْ اسْتَحَلَّ أَنْ يَتْرُكَ امْرَأَتَهُ تَزْنِي اسْتَحَلَّ أَعْظَمَ الزِّنَا وَمَنْ أَعَانَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ كَالزَّانِي وَمَنْ أَقَرَّ عَلَى ذَلِكَ مَعَ إمْكَانِ تَغْيِيرِهِ فَقَدْ رَضِيَهُ وَمَنْ تَزَوَّجَ غَيْرَ تَائِبَةٍ فَقَدْ رَضِيَ أَنْ تَزْنِيَ إذْ لَا يُمْكِنُهُ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ كَيْدَ النِّسَاءِ عَظِيمٌ . وَلِهَذَا جَازَ لِلرَّجُلِ إذَا أَتَتْ امْرَأَتُهُ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ أَنْ يَعْضُلَهَا لِتَفْتَدِي نَفْسَهَا مِنْهُ وَهُوَ نَصُّ أَحْمَد وَغَيْرِهِ لِأَنَّهَا بِزِنَاهَا طَلَبَتْ الِاخْتِلَاعَ مِنْهُ وَتَعَرَّضَتْ لِإِفْسَادِ نِكَاحِهِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُقَامَ مَعَهَا حَتَّى تَتُوبَ وَلَا يَسْقُطَ الْمُهْرُ بِمُجَرَّدِ زِنَاهَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُلَاعِنِ لَمَّا قَالَ : مَالِي قَالَ { لَا مَالَ لَك عِنْدَهَا إنْ كُنْت صَادِقًا عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْت مِنْ فَرْجِهَا وَإِنْ كُنْت كَاذِبًا عَلَيْهَا فَهُوَ أَبْعَدُ لَك } لِأَنَّهَا إذَا زَنَتْ قَدْ تَتُوبُ ؛ لَكِنَّ زِنَاهَا يُبِيحُ لَهُ إعْضَالَهَا حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ نَفْسَهَا إنْ اخْتَارَتْ فِرَاقَهُ أَوْ تَتُوبُ . وَفِي الْغَالِبِ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَزْنِي بِغَيْرِ امْرَأَتِهِ إلَّا إذَا أَعْجَبَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ فَلَا يَزَالُ يَزْنِي بِمَا يُعْجِبُهُ فَتَبْقَى امْرَأَتُهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُعَلَّقَةِ الَّتِي لَا هِيَ أَيِّمٌ وَلَا ذَاتُ زَوْجٍ فَيَدْعُوهَا ذَلِكَ إلَى الزِّنَا وَيَكُونُ الْبَاعِثُ لَهَا عَلَى ذَلِكَ مُقَابَلَةُ زَوْجِهَا عَلَى وَجْهِ الْقِصَاصِ مُكَايِدَةً لَهُ وَمُغَايَظَةً ؛ فَإِنَّهُ مَا لَمْ يَحْفَظْ غَيْبَهَا لَمْ تَحْفَظْ غَيْبَهُ وَلَهَا فِي بُضْعِهِ حَقٌّ كَمَا لَهُ فِي بُضْعِهَا حَقٌّ فَإِذَا كَانَ مِنْ الْعَادِينَ لِخُرُوجِهِ عَمَّا أَبَاحَ اللَّهُ لَهُ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَحْصَنَ نَفْسَهُ وَأَيْضًا فَإِنَّ دَاعِيَةَ الزَّانِي تَشْتَغِلُ بِمَا يَخْتَارُهُ مِنْ الْبَغَايَا فَلَا تَبْقَى دَاعِيَتُهُ إلَى الْحَلَالِ تَامَّةً وَلَا غَيْرَتُهُ كَافِيَةً فِي إحْصَانِهِ الْمَرْأَةَ فَتَكُونُ عِنْدَهُ كَالزَّانِيَةِ الْمُتَّخِذَةِ خِدْنًا . وَهَذِهِ مَعَانٍ شَرِيفَةٌ لَا يَنْبَغِي إهْمَالُهَا . وَعَلَى هَذَا فَالْمَرْأَةُ المساحقة زَانِيَةٌ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ { زِنَا النِّسَاءِ سِحَاقُهُنَّ } وَالرَّجُلُ الَّذِي يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ بِمَمْلُوكِ أَوْ غَيْرِهِ هُوَ زَانٍ وَالْمَرْأَةُ النَّاكِحَةُ لَهُ زَانِيَةٌ فَلَا تَنْكِحُهُ إلَّا زَانِيَةٌ أَوْ مُشْرِكَةٌ وَلِهَذَا يَكْثُرُ فِي نِسَاءِ اللُّوطِيَّةِ مَنْ تَزْنِي بِغَيْرِ زَوْجِهَا وَرُبَّمَا زَنَتْ بِمَنْ يتلوط هُوَ بِهِ مُرَاغَمَةً لَهُ وَقَضَاءً لِوَطَرِهَا وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الْمُزَوَّجَةُ بِمُخَنَّثِ يُنْكَحُ كَمَا تُنْكَحُ هِيَ مُتَزَوِّجَةٌ بِزَانٍ بَلْ هُوَ أَسْوَأُ الشَّخْصَيْنِ حَالًا فَإِنَّهُ مَعَ الزِّنَا صَارَ مُخَنَّثًا مَلْعُونًا عَلَى نَفْسِهِ لِلتَّخْنِيثِ غَيْرُ اللَّعْنَةِ الَّتِي تُصِيبُهُ بِعَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنْ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ لَعَنَ الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ والمترجلات مِنْ النِّسَاءِ وَقَالَ { أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ . } وَكَيْفَ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِمُخَنَّثِ قَدْ انْتَقَلَتْ شَهْوَتُهُ إلَى دُبُرِهِ ؟ فَهُوَ يُؤْتَى كَمَا تُؤْتَى الْمَرْأَةُ وَتَضْعُفُ دَاعِيَتُهُ مِنْ أَمَامِهِ كَمَا تَضْعُفُ دَاعِيَةُ الزَّانِي بِغَيْرِ امْرَأَتِهِ عَنْهَا فَإِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ غَيْرَةٌ عَلَى نَفْسِهِ ضَعُفَتْ غَيْرَتُهُ عَلَى امْرَأَتِهِ وَغَيْرِهَا ؛ وَلِهَذَا يُوجَدُ مَنْ كَانَ مُخَنَّثًا لَيْسَ لَهُ كَبِيرُ غَيْرَةٍ عَلَى وَلَدِهِ وَمَمْلُوكِهِ وَمَنْ يَكْفُلُهُ وَالْمَرْأَةُ إذَا رَضِيَتْ بِالْمُخَنَّثِ وَاللُّوطِيِّ كَانَتْ عَلَى دِينِهِ فَتَكُونُ زَانِيَةً وَأَبْلَغَ فَإِنَّ تَمْكِينَ الْمَرْأَةِ مِنْ نَفْسِهَا أَسْهَلُ مِنْ تَمْكِينِ الرَّجُلِ مِنْ نَفْسِهِ فَإِذَا رَضِيَتْ ذَلِكَ مِنْ زَوْجِهَا رَضِيَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا . وَلَفْظُ هَذِهِ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى { الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً } الْآيَةُ يَتَنَاوَلُ هَذَا كُلَّهُ إمَّا بِطَرِيقِ عُمُومِ اللَّفْظِ أَوْ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ وَفَحْوَى الْخِطَابِ الَّذِي هُوَ أَقْوَى مِنْ مَدْلُولِ اللَّفْظِ وَأَدْنَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ كَمَا قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي حَدِّ اللُّوطِيِّ وَنَحْوِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 5 / ص 124)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ لُبْسِ الْكُوفِيَّةِ لِلنِّسَاءِ . مَا حُكْمُهَا إذَا كَانَتْ بِالدَّائِرِ وَالْفَرْقِ ؟ وَفِي لُبْسِهِنَّ الفراجي ؟ وَمَا الضَّابِطُ فِي التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ فِي الْمَلْبُوسِ ؟ هَلْ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ كُلُّ زَمَانٍ بِحَسَبِهِ ؟ .
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . الْكُوفِيَّةُ الَّتِي بِالْفَرْقِ وَالدَّائِرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَسْتُرَ الشَّعْرَ الْمَسْدُولَ هِيَ مِنْ لِبَاسِ الصِّبْيَانِ وَالْمَرْأَةُ اللَّابِسَةُ لِذَلِكَ مُتَشَبِّهَةٌ بِهِمْ . وَهَذَا النَّوْعُ قَدْ يَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَعَلَهُ مِنْ النِّسَاءِ قَصَدَتْ التَّشَبُّهَ بالمردان كَمَا يَقْصِدُ بَعْضُ الْبَغَايَا أَنْ تُضَفِّرَ شَعْرَهَا ضَفِيرًا وَاحِدًا مَسْدُولًا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ وَأَنْ تُرْخِيَ لَهَا السَّوَالِفَ وَأَنْ تَعْتَمَّ ؛ لِتُشْبِه المردان فِي الْعِمَامَةِ وَالْعِذَارِ وَالشَّعْرِ . ثُمَّ قَدْ تَفْعَلُ الْحُرَّةُ بَعْضَ ذَلِكَ لَا تَقْصِدُ هَذَا ؛ لَكِنْ هِيَ فِي ذَلِكَ مُتَشَبِّهَةٌ بِالرِّجَالِ . وَقَدْ اسْتَفَاضَتْ السُّنَنُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا بِلَعْنِ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ والمتشبهين مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ " { أَنَّهُ لَعَنَ الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ والمترجلات مِنْ النِّسَاءِ } وَأَمَرَ بِنَفْيِ الْمُخَنَّثِينَ . وَقَدْ نَصَّ عَلَى نَفْيِهِمْ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد وَغَيْرُهُمَا . وَقَالُوا جَاءَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّفْيِ فِي حَدِّ الزِّنَا وَنَفْيِ الْمُخَنَّثِينَ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : { صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ مِنْ أُمَّتِي لَمْ أَرَهُمَا بَعْدُ : كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ عَلَى رُءُوسِهِنَّ مِثْلُ أَسْنِمَةِ الْبُخْتِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا . وَرِجَالٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ مِثْلُ أَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا عِبَادَ اللَّهِ } . وَفِي السُّنَنِ أَنَّهُ { مَرَّ بِبَابِ أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ تَعْتَصِبُ فَقَالَ : يَا أُمَّ سَلَمَةَ لَيَّةٌ لَا لَيَّتَيْنِ } وَقَدْ فُسِّرَ قَوْلُهُ : { كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ } بِأَنْ تَكْتَسِيَ مَا لَا يَسْتُرُهَا فَهِيَ كَاسِيَةٌ وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ عَارِيَةٌ مِثْلُ مَنْ تَكْتَسِي الثَّوْبَ الرَّقِيقَ الَّذِي يَصِفُ بَشَرَتَهَا ؛ أَوْ الثَّوْبَ الضَّيِّقَ الَّذِي يُبْدِي تَقَاطِيعَ خَلْقِهَا مِثْلَ عَجِيزَتِهَا وَسَاعِدِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَإِنَّمَا كُسْوَةُ الْمَرْأَةِ مَا يَسْتُرُهَا فَلَا يُبْدِي جِسْمَهَا وَلَا حَجْمَ أَعْضَائِهَا لِكَوْنِهِ كَثِيفًا وَاسِعًا . وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ الضَّابِطُ فِي نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَشَبُّهِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَعَنْ تَشَبُّهِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ وَأَنَّ الْأَصْلَ فِي ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ رَاجِعًا إلَى مُجَرَّدِ مَا يَخْتَارُهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَيَشْتَهُونَهُ وَيَعْتَادُونَهُ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ إذَا اصْطَلَحَ قَوْمٌ عَلَى أَنْ يَلْبَسَ الرِّجَالُ الْخُمُرَ الَّتِي تُغَطِّي الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ وَالْعُنُقَ وَالْجَلَابِيبَ الَّتِي تُسْدَلُ مِنْ فَوْقِ الرُّءُوسِ حَتَّى لَا يَظْهَرَ مِنْ لَابِسِهَا إلَّا الْعَيْنَانِ وَأَنْ تَلْبَسَ النِّسَاءُ الْعَمَائِمَ وَالْأَقْبِيَةَ الْمُخْتَصَرَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا سَائِغًا . وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ . فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِلنِّسَاءِ : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ } الْآيَةَ وَقَالَ : { قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ } الْآيَةَ . وَقَالَ : { وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } . فَلَوْ كَانَ اللِّبَاسُ الْفَارِقُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مُسْتَنَدُهُ مُجَرَّدُ مَا يَعْتَادُهُ النِّسَاءُ أَوْ الرِّجَالُ بِاخْتِيَارِهِمْ وَشَهْوَتِهِمْ لَمْ يَجِبْ أَنْ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ الْجَلَابِيبَ وَلَا أَنْ يَضْرِبْنَ بِالْخُمُرِ عَلَى الْجُيُوبِ وَلَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْهِنَّ التَّبَرُّجَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَادَةً لِأُولَئِكَ وَلَيْسَ الضَّابِطُ فِي ذَلِكَ لِبَاسًا مُعَيَّنًا مِنْ جِهَةِ نَصِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ جِهَةِ عَادَةِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَلَى عَهْدِهِ بِحَيْثُ يُقَالُ : إنَّ ذَلِكَ هُوَ الْوَاجِبُ وَغَيْرُهُ يَحْرُمُ . فَإِنَّ النِّسَاءَ عَلَى عَهْدِهِ كُنَّ يَلْبَسْنَ ثِيَابًا طَوِيلَاتِ الذَّيْلِ . بِحَيْثُ يَنْجَرُّ خَلْفَ الْمَرْأَةِ إذَا خَرَجَتْ وَالرَّجُلُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُشَمِّرَ ذَيْلَهُ حَتَّى لَا يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ ؛ وَلِهَذَا لَمَّا { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرِّجَالَ عَنْ إسْبَالِ الْإِزَارِ وَقِيلَ لَهُ : فَالنِّسَاءُ ؟ قَالَ : يُرْخِينَ شِبْرًا قِيلَ لَهُ : إذَنْ تَنْكَشِفَ سُوقُهُنَّ قَالَ : ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ } قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ صَحِيحٌ . حَتَّى إنَّهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ رُوِيَ أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمَرْأَةِ إذَا جَرَّتْ ذَيْلَهَا عَلَى مَكَانٍ قَذِرٍ ثُمَّ مَرَّتْ بِهِ عَلَى مَكَانٍ طَيِّبٍ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِذَلِكَ وَذَلِكَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ جَعَلَ الْمَجْرُورَ بِمَنْزِلَةِ النَّعْلِ الَّذِي يَكْثُرُ مُلَاقَاتُهُ النَّجَاسَةَ فَيَطْهُرُ بِالْجَامِدِ كَمَا يَطْهُرُ السَّبِيلَانِ بِالْجَامِدِ لِمَا تَكَرَّرَ مُلَاقَاتُهُمَا النَّجَاسَةَ . ثُمَّ إنَّ هَذَا لَيْسَ مُعِينًا لِلسَّتْرِ فَلَوْ لَبِسَتْ الْمَرْأَةُ سَرَاوِيلَ أَوْ خُفًّا وَاسِعًا صُلْبًا كَالْمُوقِ وَتَدَلَّى فَوْقَهُ الْجِلْبَابُ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ حَجْمُ الْقَدَمِ لَكَانَ هَذَا مُحَصِّلًا لِلْمَقْصُودِ بِخِلَافِ الْخُفِّ اللَّيِّنِ الَّذِي يُبْدِي حَجْمَ الْقَدَمِ ؛ فَإِنَّ هَذَا مِنْ لِبَاسِ الرِّجَالِ . وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ لَوْ لَبِسَتْ جُبَّةً وَفَرْوَةً لِحَاجَتِهَا إلَى ذَلِكَ إلَى دَفْعِ الْبَرْدِ لَمْ تَنْهَ عَنْ ذَلِكَ . فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ : لَمْ يَكُنْ النِّسَاءُ يَلْبَسْنَ الْفِرَاءَ قُلْنَا : فَإِنَّ ذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِالْحَاجَةِ فَالْبِلَادُ الْبَارِدَةُ يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى غِلَظِ الْكُسْوَةِ وَكَوْنِهَا مُدَفِّئَةً وَإِنْ لَمْ يُحْتَجْ إلَى ذَلِكَ فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ فَالْفَارِقُ بَيْنَ لِبَاسِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ يَعُودُ إلَى مَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ وَمَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ . وَهُوَ مَا يُنَاسِبُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ الرِّجَالُ وَمَا تُؤْمَرُ بِهِ النِّسَاءُ . فَالنِّسَاءُ مَأْمُورَاتٌ بِالِاسْتِتَارِ وَالِاحْتِجَابِ دُونَ التَّبَرُّجِ وَالظُّهُورِ ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَشْرَعْ لَهَا رَفْعُ الصَّوْتِ فِي الْأَذَانِ وَلَا التَّلْبِيَةِ وَلَا الصُّعُودُ إلَى الصَّفَا والمروة وَلَا التَّجَرُّدُ فِي الْإِحْرَامِ . يَتَجَرَّدُ الرَّجُلُ . فَإِنَّ الرَّجُلَ مَأْمُورٌ أَنْ يَكْشِفَ رَأْسَهُ وَأَنْ لَا يَلْبَسَ الثِّيَابَ الْمُعْتَادَةَ وَهِيَ الَّتِي تُصْنَعُ عَلَى قَدْرِ أَعْضَائِهِ فَلَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا الْخُفَّ لَكِنَّ لَمَّا كَانَ مُحْتَاجًا إلَى مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَيَمْشِي فِيهِ رَخَّصَ لَهُ فِي آخِرِ الْأَمْرِ إذَا لَمْ يَجِدْ إزَارًا أَنْ يَلْبَسَ سَرَاوِيلَ وَإِذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ أَنْ يَلْبَسَ خُفَّيْنِ . وَجَعَلَ ذَلِكَ بَدَلًا لِلْحَاجَةِ الْعَامَّةِ بِخِلَافِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ حَاجَةً خَاصَّةً لِمَرَضِ أَوْ بَرْدٍ فَإِنَّ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ إذَا لَبِسَهُ وَلِهَذَا طَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا الْقِيَاسَ وَخَالَفَهُ الْأَكْثَرُونَ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ . وَلِأَجْلِ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا . وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا لَمْ تُنْهَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ اللِّبَاسِ ؛ لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِالِاسْتِتَارِ وَالِاحْتِجَابِ فَلَا يَشْرَعُ لَهَا ضِدُّ ذَلِكَ لَكِنْ مُنِعَتْ أَنْ تَنْتَقِبَ وَأَنْ تَلْبَسَ الْقُفَّازَيْنِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِبَاسٌ مَصْنُوعٌ عَلَى قَدْرِ الْعُضْوِ وَلَا حَاجَةَ بِهَا إلَيْهِ .
السيل الجرار للشوكاني - (ج 3 / ص 158)
أقول هذه الخصال الأربع قد ثبت في الصحيحين وغيرهما لعن الفاعلة الواحدة منها وذلك يدل على أنها من الكبائر ولي الباب أحاديث صحيحة وفي بعض ألفاظها في صحيح مسلم وغيره زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة أن تصل شعرها بشيء فلا وجه لقول المصنف بشعر غير المحرم فإن علة النهي ما في ذلك من التغرير على الزوج وهو يستوي شعر المحرم وغيره بل شعر بني آدم وغيرهم ومثل هذا ما في بعض ألفاظ الحديث أيما امرأة زادت في شعرها شعرا ليس منه فإنه زور
قوله وتشبه النساء بالرجال والعكس
ص133
أقول قد ثبت في الصحيح لعن المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء واللعن يدل على تأكد التحريم والمراد بالمخنثين المتشبهين بالنساء من الرجال والمراد بالمترجلات المتشبهات بالرجال من النساء فمن تشبه من أي من النوعين بالنوع الآخر إما في كلامه أو في حركاته في ملبوسه فهو داخل تحت هذه اللعنة لأنه لم يخص صلى الله عليه وسلم نوعا من أنواع الشبه دون نوع
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 53 / ص 328)
نصح المنحرف وإلا فالسلامة لا يعدلها شيء رقم الفتوى:72924تاريخ الفتوى:28 صفر 1427السؤال:
معي بنت في الصف أشك أنها غير سوية فقد قالت لي كلاما و تصرفت تصرفات غريبة، فأنا بصراحة خفت منها و قررت ألا أتحدث معها فقد صدمت لأني أسمع قصصا كثيرة و لكني لم أتخيل أن أقابل بنتا هكذا، و أصبحت أشك في جميع البنات فهل صحيح أن أبتعد عنها تماما و أعاملها كالولد يعني أتحجب منها أم فقط أعاملها كزميلة مع العلم أني لم أكن صديقتها و لكني لا أعلم لماذا تجرأت للقول و التصرف هكذا
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإننا ننصحك بالابتعاد عن هذه البنت وعن مثيلاتها، فقد روى الإمام أحمد وأصحاب السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء، وفي رواية: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال، والمتشبهين من الرجال بالنساء.
وإن استطعت نصيحتها وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر وبيان هذه الأحاديث وما أشبهها فلا شك أن ذلك أفضل، ونرجو أن تطلعي على الفتوى رقم: 61019.والله أعلم.(1/189)
352-8008 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ : أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ : حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ ، عَنْ يَحْيَى ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَخْرَجَ مُخَنَّثًا ، وَأَنَّ عُمَرُ أَخْرَجَ فُلَانًا وَفُلَانًا " (1)
353-8009 أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ قَالَ : حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ : حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ : حَدَّثَنِي سُهَيْلٌ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : " لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ ، وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ " (2)
__________
(1) - صحيح بما قبله
نيل الأوطار - (ج 10 / ص 158)
قَوْلُهُ : ( لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ ..
إلَخْ ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ التَّشَبُّهُ بِالنِّسَاءِ ، وَعَلَى النِّسَاءِ التَّشَبُّهُ بِالرِّجَالِ فِي الْكَلَامِ وَاللِّبَاسِ وَالْمَشْيِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْمُتَرَجِّلَاتُ مِنْ النِّسَاءِ : الْمُتَشَبِّهَاتُ بِالرِّجَالِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْمُخَنَّثِينَ ضَبْطًا وَتَفْسِيرًا وَذُكِرَ مَنْ أَخْرَجَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ .
وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : { أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُخَنَّثٍ قَدْ خَضَّبَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِالْحِنَّاءِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا بَالُ هَذَا ؟ قَالُوا : يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ ، فَأَمَرَ بِهِ فَنُفِيَ إلَى النَّقِيعِ -بِالنُّونِ - فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَقْتُلُهُ ، فَقَالَ : إنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْتُلَ الْمُصَلِّينَ } .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَخْرَجَ مُخَنَّثًا ، وَأَخْرَجَ عُمَرُ وَاحِدًا .
وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَ الْخُنَيْثَ } .
(2) - سنن أبى داود برقم( 4100 ) ومسند أحمد برقم(8532) وصحيح ابن حبان برقم(5845) وهو صحيح
فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (ج 11 / ص 363)
7257 - (لعن اللّه الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل) فيه كما قال النووي حرمة تشبه الرجال بالنساء وعكسه لأنه إذا حرم في اللباس ففي الحركات والسكنات والتصنع بالأعضاء والأصوات أولى بالذم والقبح فيحرم على الرجال التشبه بالنساء وعكسه في لباس اختص به المشبه بل يفسق فاعله للوعيد عليه باللعن. قال جمع: ليس المراد هنا حقيقة اللعن بل التنفير فقط ليرتدع من سمعه عن مثل فعله ويحتمل كونه دعاء بالإبعاد وقد قيل إن لعن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لأهل المعاصي كان تحذيراً لهم عنها قبل وقوعها فإذا فعلوها استغفر لهم ودعا لهم بالتوبة وأما من أغلظ له ولعنه تأديباً على فعل فعله فقد دخل في عموم شرطه حيث قال: سألت ربي أن يجعل لعني له كفارة ورحمة.
- (د ك) في اللباس (عن أبي هريرة) قال الحاكم: على شرط مسلم، وأقره الذهبي في التلخيص وقال في الكبائر: إسناده صحيح وقال في الرياض: إسناده صحيح.
يسألونك فتاوى - (ج 1 / ص 136)
وما حكم من يلبسن لباساً من قطعتين على شكل ( تنورة وبلوزة ) ؟
الجواب : يقول الله سبحانه وتعالى :( يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) .
وقال أيضاً :( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ) .
إن ستر المرأة لجميع بدنها إلا ما استثني واجب أوجبه الله سبحانه وتعالى على المرأة المسلمة وبينت نصوص الكتاب والسنة شروط هذا اللباس وهي :
أولاً : أن يكون ساتراً لجميع بدن المرأة ما عدا الوجه والكفين على قول جمهور أهل العلم لما جاء في حديث عائشة عن أسماء بنت أبي بكرٍ رضي الله عنها ( دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثيابٌ رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها : يا أسماء إن المرأة إن إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا ، وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه ) رواه أبو داود والبيهقي وهو حديث حسن كما قال الشيخ ناصر الدين الألباني . فينبغبي للمرأة المسلمة أن تغطي جميع بدنها ما عدا وجهها وكفيها ويدخل في ذلك القدمان ويلاحظ أن بعض النساء يتساهلن في ستر أقدامهن وهذا مخالف لشرع الله .
ثانياً : أن يكون فضفاضاً واسعاً غير ضيق لأن الضيق يصف جسم المرأة وهذا يتنافى مع المقصود من الحجاب ولا يتحقق ذلك إلا باللباس الفضفاض الواسع .
ثالثاً : أن يكون صفيقاً غير شفاف أي ثخيناً سميكاً فلا يشف عما تحته وقد ورد في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام :( سيكون في آخر أمتي نساءٌ كاسياتٌ عاريات على رؤوسهن كأسمنة البخت العنوهن فإنهن ملعونات ) رواه الطبراني بسندٍ صحيح كما قال الشيخ الألباني .
رابعاً : أن لايكون زينةٍ في نفسه فلا يجوز للمرأة أن تلبس ما يبهر العيون من الملابس التي عليها نقوشٌ وزخارف مذهبة ونحو ذلك لأن هذه الملابس زينة في نفسها وقد نهيت المرأة عن إظهار زينتها قال تعالى :( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ..) ونهى الله سبحانه وتعالى عن التبرج في قوله تعالى :( وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ) .
خامساً : أن لا يكون معطراً مطيباً فلا يحل للمرأة أن تستعمل الطيب والعطور إذا خرجت من بيتها لقوله صلى الله عليه وسلم ( أيما إمرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية ) رواه النسائي وأبو داود والترمذي وقال حسنٌ صحيح .
سادساً : أن لا يشبه لباس الرجل ، إن المرأة بطبيعتها وتكوينها الجسدي تختلف عن الرجل فلها لباسها وللرجل لباسه فلذلك لا يحل للمرأة أن تتشبه بالرجل وكذلك لا يحل للرجل أن يتشبه بالمرأة فقد جاء في الحديث ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل ) رواه ابن داود وابن ماجة والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي .
وجاء في الحديث عن ابن عباس قال ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ) رواه البخاري .
سابعاً : أن لا يشبه لباس غير المسلمات لأن الإسلام نهى عن التشبه بغيرهم في أمور كثيرة وللمسلمين شخصيتهم وهيئتهم الخاصة بهم فعليهم أن يخالفوا غيرهم في ذلك ( فعن عبد الله بن عمرو قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ ثوبين معصفرين فقال إن هذه ثياب الكفار فلا تلبسها ) رواه مسلم .
ثامناً : أن لا يكون لباس شهرة وهو كل ثوب قصد به الإشتهار يبن الناس كأن يكون نفيساً جداً ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ( من لبس ثوب شهرةٍ في الدنيا ألسبه الله ثوب مذلةٍ يوم القيامة ثم ألهب فيه ناراً ) رواه أبو داود وابن ماجة وهو حديثٌ حسن .
هذه شورط لباس المرأة المسلمة وينبغي للمرأة المسلمة أن تحقق هذه الشروط في لباسها حتى يكون شرعياً وقبل أن أختم حديثي أود التنبيه على بعض الأمور ، منها :
- أن ما تلبسه النساء على شكل تنورة وبلوزة ليس شرعياً لأن مقتضى ذلك اللباس أن يصف المرأة ويكون ضيقاً في الغالب فلا يجوز لبسه .
- ومنها وضع بعض النساء على رؤوسهن فوق غطاء الرأس ما يشبه العقال الذي يلبسه الرجال ويكون مزيناً ومزخرفاً فهذا مما لا يجوز لبسه لأن فيه تشبهاً واضحاً بالرجال .
- ومنها أنه لا يجوز للمرأة المسلمة أن تستعمل أدوات الزينة ومساحيق التجميل والعطور عند خروجها من بيتها .
- ومنها أن بعض النساء تلبس معطفاً وتحته بنطال وتزعم أن ذلك يغني عن الجلباب فهذا ليس بصحيح ولا يجوز لها الخروج على تلك الهيئة .
- ومنها أنه لا يشترط في لباس المرأة المسلمة لونٌ معين فيجوز أن يكون بأي لونٍ إلا أن عليها تجنب الألون اللافتة للأنظار .
وأخيراً فإنه يجب أن التنبيه على أن المرأة المسلمة ملزمة بلباسها الشرعي كلما خرجت من بيتها وليس فقط عندما تذهب إلى الصلاة كما تفعل بعض النساء عندما يذهبن إلى الصلاة في المساجد فيحملن ملابس الصلاة بأيديهن فإذا وصلنَّ إلى المسجد ارتديناها فإذا قضيت الصلاة خلعنها فهذا حرام شرعاً واستهزاء بدين الله هو كبيرة من الكبائر لأن الله سبحانه وتعالى فرض على المرأة اللباس الشرعي دائماً وباستمرار .
ملحوظة : أنصح كل امرأةٍ أن تقرأ كتاب حجاب المرأة المسلمة للشيخ ناصر الدين الألباني أو جلباب المرأة المسلمة كما في طبعته الجديدة . ففيه خيرٌ عظيم وقد استفدت منه كثيراً .
يسألونك فتاوى - (ج 4 / ص 353)
خروج المرأة من بيتها بغير جلباب من كبائر الذنوب
تقول السائلة: هل خروج المرأة من بيتها بغير جلباب يُعد من كبائر الذنوب أم من صغائرها وما عقوبة من لا تلتزم بالجلباب الشرعي أفيدونا؟
الجواب: إن الجلباب الشرعي فريضة من فرائض الله في حق المرأة البالغة وهذا أمر متفق عليه بين أهل العلم بلا خلاف ونقل بعض العلماء الإجماع عليه وقد دلت على ذلك النصوص الشرعية من كتاب الله سبحانه وتعالى والأحاديث النبوية فمن ذلك قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً( سورة الأحزاب الآية 59. وقوله تعالى:(وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ(. سورة النور الآية 31. قال القرطبي:[ وقال ابن عطية: ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بأن لا تبدي، وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه، أو إصلاح شأن، ونحو ذلك فـ{ما ظهر} على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه . قلت - القائل القرطبي - هذا قول حسن، إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة، وذلك في الصلاة والحج، فيصلح أن يكون الاستثناء راجعاً إليهما ] تفسير القرطبي12/229.
وقال ابن كثير:[ أي: ولا يظهرن شيئاً من الزينة للأجانب، إلا ما لا يمكن إخفاؤه، وقال ابن مسعود: كالرداء والثياب، يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها، وما يبدو من أسافل الثياب، فلا حرج عليها فيه، لأن هذا لا يمكن إخفاؤه ] تفسير ابن كثير4/538. وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأسماء رضي الله عنها :( يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها شيء إلا هذا وهذا، وأشار إلى وجهه وكفيه ). رواه أبو داود وحسنه الشيخ الألباني وذكر له شواهد انظر صحيح الترغيب والترهيب 2/463. وغير ذلك من الأدلة التي توجب الجلباب الشرعي.
إذا تقرر هذا فإن الواجب على المرأة المسلمة البالغة أن تلتزم بالجلباب الشرعي ويحرم عليها أن تخرج من بيتها بدون ذلك فإذا خرجت من بيتها بدون الجلباب فهي متبرجة وخاصة إذا أضيف إليه التعطر (والمكياج) عند الخروج من البيت ولبس الملابس الضيقة كالبنطلون والتشبه بالرجال وكذلك تصفيف الشعر والتنمص ونحو ذلك من إظهار الزينة. والتبرج من كبائر الذنوب باتفاق العلماء وقد عدَّ الشيخ ابن حجر المكي خروج المرأة من بيتها متعطرة متزينة من الكبائر وأن الأدلة الشرعية تدل عليه. انظر الزواجر عن اقتراف الكبائر 2/96- 97.
وقد توعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المتبرجة بأنها لا تدخل الجنة ولا تشم رائحتها كما سيأتي وهذا يدل على أن التبرج من الكبائر. ومن زعم أن التبرج من صغائر الذنوب فقوله باطل مردود عليه لأنه مخالف للنصوص الصريحة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ومنها: قوله تعالى:(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا( سورة الأحزاب الآية 33. وقوله تعالى:(وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ( سورة النور الآية 60. وورد في الحديث أن أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه على الإسلام فقال:( أبايعك على ألا تشركي بالله شيئاً ولا تسرقي ولا تزني ولا تقتلي ولدك ولا تأتي ببهتان تفتريه بين يديك ورجليك ولا تنوحي ولا تتبرجي تبرج الجاهلية الأولى) رواه أحمد وصحح إسناده الشيخ أحمد محمد شاكر.
وعن أبي هريرة رضي الله عنهما قال:( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلَ يلبسُ لِبْسَةَ المرأةِ والمرأةَ تلبس لِبْسَة الرجل ) رواه أبو داود وصححه الشيخ الألباني.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال ) رواه البخاري.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال صلى الله عليه وسلم :( ثلاثةٌ لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال والديوث) رواه النسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي وصححه الشيخ الألباني.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أيما امرأة استعطرت ثم خرجت، فمرت على قوم ليجدوا ريحها؛ فهي زانية) رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال حسن صحيح وحسنه الشيخ الألباني.انظر صحيح الترغيب والترهيب 2/451.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لعن الله الواشمات والمُستوشمات والنامصات والمُتنمصات والمُتفلجات للحسن المغيرات خلق الله ) رواه البخاري ومسلم، والنامصة: هي التي ترقق الحاجبين للنساء، والمتنمصة: هي التي يتم ترقيق حواجبها.
وعن أبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:( صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) رواه مسلم قال الإمام النووي:[…هذا الحديث من معجزات النبوة, فقد وقع هذان الصنفان, وهما موجودان. وفيه ذم هذين الصنفين قيل: معناه كاسيات من نعمة الله عاريات من شكرها, وقيل: معناه تستر بعض بدنها, وتكشف بعضه إظهاراً بحالها ونحوه, وقيل: معناه تلبس ثوباً رقيقاً يصف لون بدنها. وأما (مائلات) فقيل: معناه عن طاعة الله, وما يلزمهن حفظه. (مميلات) أي يعلمن غيرهن فعلهن المذموم, وقيل: مائلات يمشين متبخترات, مميلات لأكتافهن. وقيل: مائلات يمشطن المشطة المائلة, وهي مشطة البغايا. مميلات يمشطن غيرهن تلك المشطة. ومعنى ( رؤوسهن كأسنمة البخت ) أن يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوهما ] شرح النووي على صحيح مسلم 5/291. ويمكن أن يحمل قوله صلى الله عليه وسلم :( رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ) على اللواتي يصففن شعورهن حتى تصبح رءوسهن مثل سنام الجمل.
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرحال ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات ). رواه أحمد وابن حبان والطبراني والحاكم، وصححه ابن حبان والحاكم وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2/462.
وعن أبي أذينة الصدفي رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( خير نسائكم الودود الولود المواتية المواسية إذا اتقين الله، وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات وهن منافقات لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم ) رواه البيهقي وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة 4/464. وغير ذلك من النصوص.
وخلاصة الأمر أن التبرج من كبائر الذنوب لأن المتبرجة مستحقة للعن، واللعن إنما يكون على كبائر الذنوب فقط فعلى كل متبرجة أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى وتلتزم بالجلباب وأن تتذكر قول الله عز وجل:(أَلَم يَأْنِ للَّذَينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُم لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وِ لا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلُ فَطَالَ عَلَيهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنهُمْ فَاسِقُونَ( سورة الحديد الآية 16. وأن تتذكر قول الرسولصلى الله عليه وسلم :( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال:من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى ). واعلمي أيتها الأخت المتبرجة أن الحجاب إيمان وطهارة وتقوى وحياء وعفة وأن التبرج معصية لله عز وجل وللرسول صلى الله عليه وسلم وموجب للطرد من رحمة الله تعالى لأن المتبرجة ملعونة وكذلك فإن التبرج موجب للنار نسأل الله العفو والعافية.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 12 / ص 241)
لبس المرأة لباس زوجها
المجيب عبد العزيز بن أحمد الدريهم
رئيس كتابة العدل بمحافظة المزاحمية
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ قضايا المرأة /لباس المرأة وحجابها وعورتها
التاريخ 18/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فضيلة الشيخ: ما حكم لبس المرأة ملابس زوجها من فروة، أو كوت، أو بجامة، إلى غير ذلك من ملابسه؟ وإذا كانت المرأة أحياناً تضطر أن تشتري من السوق ملابس ذات مقاس كبير ولا تجد إلا ملابس رجالية، فما حكم لبسها؟ وجزاكم الله كل خير.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. أما بعد:
فقد اتفق أهل العلم على تحريم تشبه الرجل بالمرأة والعكس، فيما هو من خصائص أحدهما لباساً كان أو هيئة أو شكلاً أو فعلاً، وأن ذلك من الكبائر، إلا ما كان من جبلة الإنسان ككلامه مثلاً، والأدلة على ذلك كثيرة، منها: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال" أخرجه البخاري (5885).
قال الحافظ ابن حجر نقلاً عن الطبري: المعنى: (لا يجوز للرجل التشبه بالنساء في اللباس والزينة التي تختص بالنساء ولا... العكس) ا.هـ.
فإذا عُلم وتعارف الناس على لباس أنه مخصص للرجال فحينئذ لا يجوز للمرأة لبسه والعكس صحيح، وهذا يختلف بالطبع من بلد إلى بلد آخر، كما هو معلوم. كما أن حال السعة يختلف عن حال الضرورة بمعنى أن المرأة التي تخشى على نفسها الضرر إذا لم تلبس ما يقيها عن البرد إلا لباس الرجل لفترة محدودة ليست كمن تلبس لباس الرجل مختارة وبدون حاجة.
وليحذر الجميع من مخالفة أمر الله -تعالى-، فقد جاء الوعيد على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم- فيما أخرجه أبو داود (4098)، وصححه ابن حبان (5751)، والحاكم 4/215، والألباني، قال: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل". والله الهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 14 / ص 454)
لبس وتفصيل الجنز
المجيب د. عبدالله بن عمر السحيباني
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ العادات/الألبسة
التاريخ 25/6/1424هـ
السؤال
ما حكم لبس وتفصيل قماش الجنز سواء للرجال أو للنساء أو للأطفال؟
الجواب
لبس قماش الجنز أو تفصيله جائز لا بأس به، ذلك أن الأصل في جميع الألبسة هو الحل والإباحة، إلا ما ورد الشرع بتحريمه والنهي عنه، وقماش الجنز أصل مادته من القطن، وقد كان يستخدم في أول ظهوره للعمال في المصانع والمناجم، نظراً لقوته ورخص ثمنه، ثم أصبح يصنع بكثرة في الأزياء والملابس الرجالية والنسائية.
وهذا النوع من القماش وإن كان الأصل فيه الجواز والإباحة إلا أنه قد يشتمل على بعض المحاذير الشرعية فيحرم لأجل ذلك، لا لذات القماش ومن ذلك على سبيل المثال أن يكون في هذا اللباس تشبه للرجل بالمرأة أو العكس، وذلك بأن يلبس الرجل ما يصلح للمرأة أو تلبس المرأة ما يصلح للرجل، وهذا راجع إلى الغالب في الاستعمال، لا مجرد ما يختاره الرجل أو المرأة، وما يشتهيانه ويعتادانه من دون ضابط شرعي، ولذا يحرم على المرأة لبس البنطال أو غيره مما يلبسه الرجال غالباً، ولأن المرأة مأمورة بالاستتار والاحتجاب، وهذا اللباس يبدي مقاطع جسم المرأة وحجم أعضائها وإن كان كثيفاً، وهذا النوع من اللباس وهو الضيق أحد المعاني المقصودة بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال: "صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رؤوسهن مثل أسنمة البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها...) الحديث رواه مسلم، وقد فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - كاسيات عاريات "بأن تكتسي المرأة ما لا يسترها فهي كاسية وهي عارية في الحقيقة، مثل من تلبس الثوب الرقيق أو الضيق الذي يبدي تقاطيع خلقها، وقد لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث "الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل" رواه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، ومن المحاذير في ذلك أيضاً أن يكون في تفصيل قماش الجنز أو هيئته تشبه بأهل الكفر أو الفسوق، وهذا عام أيضاً للرجال والنساء، وإن كان وقوعه في حق النساء أكثر وأوضح، فيحرم ذلك للنهي عن التشبه بالكفار، ولأن في التشبه موالاة للمتشبه به وتعظيماً له، وقد يجر التشبه في الظاهر إلى التأثر بالمعتقدات أو الأفكار في الباطن، ولذا يروى عن ابن مسعود - رضي الله عنه - "لا يشبه الزي الزي حتى تشبه القلوب القلوب"، والحقيقة أن التشبه بالكفار من النساء أو الشباب أو غيرهم نوع من الهزيمة النفسية، والشعور بالنقص والضعف والتبعية، يقول ابن خلدون في مقدمته (147): (المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه، ونحلته وسائر أحواله وعوائده، والسبب في ذلك أن النفس أبداً تعتقد الكمال فيمن غلبها)، ومن المحاذير الشرعية في هذا النوع من الأقمشة وفي غيره أيضاً: أن يفصل على هيئة لا تستر الستر المأمور به شرعاً، وذلك بأن يكون اللباس مفصلاً تفصيلاً يبدي مقاطع الجسم وحدود العورة لضيقه وإحاطته بالجسم، فهذا أيضاً محرم، ويستوي في ذلك الرجل والمرأة أيضاً، وإن كان في حق المرأة أقبح وأشنع.
أما الأطفال الصغار من الذكور أو الإناث وخاصة من بلغ منهم سن التمييز، فإنه يحل لهم ما يحل للكبار ويحرم عليهم ما يحرم على الكبار من الألبسة، وعلى الولي التبعة والمسؤولية في ذلك، لأن الولي إذا كان يأمر الصبي بالصلاة وهو ابن سبع سنين، ويضربه عليها إذا بلغ عشراً، فكيف يحل له أن يلبسه المحرمات أو يمكنه منها.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 14 / ص 455)
الثياب الضيقة للرجال
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ العادات/الألبسة
التاريخ 23/8/1424هـ
السؤال
ما هو حكم تضييق الثياب للرجال؟ مع العلم أنه تشبه بالنساء، وما حكم التضييق للرجال والنساء؟ ولماذا قيل تشبه بالنساء
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فالمسألة فيها تفصيل: فاللباس الضيق على غير العورة لا حرج فيه على الرجل، اللهم إلا إذا كان فيه تشبه بالكفار، بحيث يشتهر عند الناس أن هذا اللباس لا يلبسه إلا الكفار، وأنه من خصائص لبسهم.
فقد لبس النبي -صلى الله عليه وسلم- جبة ضيقة الكمين، كما في حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان عليه جبة شامية ضيقة الكمين فذهب يخرج يده من كمها فضاقت عليه فأخرج يده من أسفلها..." الحديث رواه مسلم (274).
أما ما يواري العورة ففيه تفصيل:
فما يلي حقويه (معقد الإزار والسروال) لا بد أن يكون فيه شيء من التحجيم لجزء من العورة، ولكن لا حرج -بشرط ألا يجاوز مقدار الحاجة-؛ لأن الإزار أو السروال أو البنطال لا يستمسك على الحقو إلا بذلك، فالحاجة تقتضيه.
وما جاوز موضع الحاجة فلا يجوز أن يكون ضيقاً يحجِّم العورة.
ولا يعتبر ساتراً للعورة بالمعنى الشرعي؛ لأن ما يستر العورة يجب أن يكون واسعاً لا يصف (إلا ما تقتضيه الحاجة، وقد سبق ذكره)، صفيقاً لا يشف ما تحته.
ونحن نربأ بالشاب العاقل ذي المروءة والحياء أن يخرج للناس بهذه البناطيل الضيقة، التي لا تليق بالرجل السوي الخلوق الحيي.
وأما النساء فحكم لبسها للضيق عند النساء هو كحكم لبس الرجل له عند الرجال بالتفصيل السابق.
فالبنطال الضيق (كالسترتش ونحوه) لا يجوز للمرأة أن تلبسه عند النساء، ويخشى على من لبسته أن يحق عليها قوله -صلى الله عليه وسلم-:"صنفان من أهل النار لم أرهما... ونساء كاسيات عارياتٌ، مميلاتٌ مائلاتٌ رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" رواه مسلم (2128) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، ومعنى كاسيات عاريات: أي كاسيات في الصورة، عاريات في الحقيقة؛ لأنهن يلبسن ملابس تصف (تحجم) الجسد، فتبدو عوراتهن موصوفة بارزة، بحيث يحجم لباسهن الأفخاذ والأرداف، وهذا يناقض المقصود من اللبس.
فعن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - قال: كساني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبطية كثيفة كانت مما أهداها دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"مالك لم تلبس القبطية؟" قلت: يا رسول الله، كسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"مرها فلتجعل تحتها غلالة إني أخاف أن تصف حجم عظامها" أخرجه أحمد (5/205) وحسنه الألباني في (جلباب المرأة) برقم (131).
كما لا يجوز للمرأة أن تلبس الضيق عند أحد من محارمها سوى زوجها فحسب.
لقد رأينا تساهل النساء في لباسهن عند محارمهن -غير الزوج- أفضى بكثير منهن إلى نزع جلباب الحياء والجرأة في التبرج والسفور والتساهل في الحشمة والحجاب.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 7 / ص 348)
حكم لبس بدلة (الجاكيت) رقم الفتوى:16909تاريخ الفتوى:17 ربيع الأول 1423السؤال : هل يجوز لبس البدلة الأجنبية المعروفة بالجاكيت؟
وجزاكم الله خيراً.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأصل في اللباس أنه من الأمور المباحة حتى يرد دليل على التحريم، وذلك للقاعدة الشرعية العامة: الأصل في الأشياء الإباحة.
وقد ذكر أهل العلم ضوابط عامة للباس الرجال، من هذه الضوابط:
أولاً: ألا يكون فيه تشبه بالنساء، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل". رواه أبو داود بسند صحيح.
ثانياً: ألا يكون ضيقاً فيصف.
ثالثاً: ألا يكون خفيفاً فيشف.
رابعاً: ألا يشابه لبس الكفار، لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ ثوبين معصفرين، فقال: إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها". رواه مسلم.
خامساً: ألا يكون ثوب شهرة، ففي حديث ابن عمر في سنن أبي داود بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لبس ثوب شهرة، ألبسه الله يوم القيامة ثوباً مثله، ثم يلهب فيه النار".
فإذا تحققت هذه الشروط في أي نوع من اللباس كان مباحاً، فالجاكيت الأصل فيه أنه مباح، والقول بتحريمه لمشابهة الكفار لا يمكن الجزم به، لأنه لا مانع من أن يكون -أصلاً- من زي المسلمين، فقد قيل إن أصلها من لبس الأتراك وهم مسلمون، فيكون من نوع الزي الذي يفعلونه هم أيضاً.
قال ابن تيمية -رحمه الله- وهو يتحدث عن ضوابط مشابهة الكفار: النوع الثاني: ما ليس في الأصل مأخوذاً عنهم، لكنهم يفعلونه أيضاً، فهذا ليس فيه محذور المشابهة، ولكن قد يفوت فيه منفعة المخالفة، فتتوقف كراهة ذلك وتحريمه على دليل شرعي وراء كونه من مشابهتهم، إذ ليس كوننا تشبهنا بهم أولى من كونهم تشبهوا بنا.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 8 / ص 315)
لا يجوز للمرأة التشبه بالرجال رقم الفتوى:1776تاريخ الفتوى:16 صفر 1420السؤال : ما حكم ارتداء السيدات ملابس يتشبهن بها بالرجال؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
ليس للمرأة أن تتشبه بالرجل لا في الملابس ولا في غيرها. لقول ابن عباس رضي الله عنهما: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال" [رواه البخاري والترمذي وأبو داود]. وروى أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل". وهذا دليل على أن التشبه المذكور من الكبائر، عافانا الله جميعاً. والله أعلم
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 22 / ص 139)
حكم الرجل يلبس لبسة المرأة رقم الفتوى:33484تاريخ الفتوى:20 ربيع الثاني 1424السؤال : أنا رجل حقيقي ولكن أحب أن ألبس الملابس الداخلية للمرأة ( تحتية وليس الصدرية) وهل أكون من المتشبهين للمرأة؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ريب أن لبس الرجل ملابس النساء من التشبه المحرم الملعون صاحبه على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل.
فعليك التوبة إلى الله من هذا الفعل المشين، بالاقلاع عنه فوراً، والندم على ما سلف، والعزم على عدم العود.
والله أعلم.
التشبه بالنساء في البلاد التي اعتيد فيها ذلك رقم الفتوى:72176تاريخ الفتوى:04 صفر 1427السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.... أما بعد:
من المعروف أن تشبه الرجال بالنساء حرام والعكس أيضاً حرام... البعض يقول بأن الرجل إذا ذهب إلى بلاد الكفر أو أي بلد اعتيد فيها للرجال بأن يلبسوا الأساور والحلق والخواتم (غير التختم) والسنسال يجوز لهم ذلك.. لأنه ليس فيه تشبه بالنساء (في تلك البلد) ولأن لبس مثل هذه الزينة أمر عادي عند الرجال (في تلك البلاد)... فما حكم الشرع في ذلك؟ وبارك الله فيكم، ووفقكم إلى ما فيه عزة ونصر للإسلام.
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز للمرأة أن تتشبه بالرجل ولا للرجل أن يتشبه بالمرأة، لقول ابن عباس رضي الله عنهما: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء, والمتشبهات من النساء بالرجال. رواه البخاري والترمذي وأبو داود. وروى أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل. وهذا دليل على أن التشبه المذكور من الكبائر، عافانا الله جميعاً.
وكما أنه لا يجوز تشبه أي من الجنسين بالجنس الآخر، فإنه كذلك لا يجوز التشبه بالكفار أو الفساق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: من تشبه بقوم فهو منهم. وفي رواية: حشر معهم. رواه أحمد وأبو داود. وروى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا النصارى. الحديث.
قال صاحب عون المعبود: قال القاري: أي من شبه نفسه بالكفار مثلاً في اللباس وغيره أو الفساق أو الفجار أو بأهل التصوف والصلحاء الأبرار فهو منهم، أي في الإثم والخير. وقال العلقمي: أي من تشبه بالصالحين يكرم كما يكرمون، ومن تشبه بالفساق لم يكرم.
وبناء على هذا، فالرجل إذا ذهب إلى بلاد الكفر أو أي بلد أعتيد فيها للرجال بأن يلبسوا الأساور والحلق والخواتم أو أي حلية أخرى مما خص الشرع لبسه للنساء، فليس له أن يلبس ذلك. لأنه لا يخلو من أن يكون متشبها بالنساء أو بالكفار والفساق، وكل ذلك حرام، وقد بينا من قبل ما يجوز للرجل لبسه من الحلي، ولك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 6148.
والله أعلم.
موسوعة الأسرة المسلمة معدلة - (ج 2 / ص 124)
آداب اللباس
دخل أحد الصحابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يلبس خاتمًا من ذهب، فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم بيده، وخلع الخاتم من إصبعه، وألقى به على الأرض، وقال: (يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده) ثم انصرف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال بعض الناس للرجل: خذ خاتمك انتفع به. قال: لا. والله لا آخذه أبدًا وقد ألقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
***
كان العرب قبل الإسلام يطوفون حول الكعبة وهم عراة، يقصدون بذلك أن يتجردوا من كل الثياب التي عصوا الله -تعالى- فيها، فأتى الإسلام وأكد أن العبرة بطهارة الجوهر مع التحلي بالزينة المناسبة، قال تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد} [الأعراف: 31].
كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس مع صحابته فقال لهم: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر). فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة. فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن حُسن المظهر وجمال الملبس أمر حسن يحبه الإسلام وليس من الكبر، قائلا: (إن الله جميل يحب الجمال. الكِبْرُ بطر الحق (إي إنكاره) وغمط الناس (أي احتقارهم) [مسلم].
والمسلم يعلم أن الملابس نعمة من الله تعالى لعباده؛ فبها يسترون عوراتهم، ويتقون الحر والبرد، قال تعالى: {وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر} [النحل: 81].
وقال تعالى: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم وريشًا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون} [الأعراف: 26]. وهكذا ترشد الآيات إلى أهمية الملابس التي تستر النفس، كما ترشد إلى أن خير ما يستر الإنسان به نفسه التقوى؛ لأنها تقي صاحبها من عذاب الله وغضبه، كما تقي الثياب الجسد من الحر والبرد.
ويقول الشاعر:
إذا المرءُ لم يلبسْ ثيابًا من التُّقى
تقلب عُريانًا وإن كأن كاسيا
وخير لباس المرءِ طاعة ربه
ولا خير فيمن كان لله عاصيا
وهناك آداب يحرص المسلم على الالتزام بها في زيه ولباسه، منها:
عدم التباهي بها: فعلى المسلم ألا يتخذ من ملابسه وسيلة للمباهاة والتفاخر.
وليس من التباهي حب المرء أن يكون ثوبه حسنًا وملبسه حسنًا، فقد ظن بعض الصحابة أن ذلك من التباهي والكبرياء فحزن لذلك، فطمأنه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: (إن الله جميل يحب الجمال) [مسلم].
التوسط: فلا تكون باهظة الثمن؛ لأن ذلك من قبيل الإسراف، ولا تكون رخيصة، بل تكون متوسطة. فالتوسط في الأمور كلها مطلوب ومحمود.
مناسبتها للمرء: فلا تلبس النساء ملابس الرجال، ولا يلبس الرجال ملابس النساء. وفي الحديث: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لِبسة المرأة، والمرأة تلبس لِبسة الرجل) [أبو داود].
ألا يلبس الرجال الحرير والذهب: قال صلى الله عليه وسلم: (حُرِّم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي، وأحل لإناثهم) [أحمد والترمذي].
الجمال والتناسق: بحيث تكون مناسبة للحجم، فلا يرتدي الصغير ملابس الكبير، ولا يرتدي الكبير ملابس الصغير حتى لا تبعث على السخرية، ويحسن أن تكون ألوانها متناسقة.
التصدق بالملابس: فيقوم المسلم بإعطائها من يستحق تقربًا إلى الله -تعالى-. قال صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم كسا مسلمًا ثوبًا إلا كان في حفظٍ من الله ما دام منه عليه) [الترمذي].
ارتداء الثياب البيضاء: قال صلى الله عليه وسلم: (البسوا من ثيابكم البياض؛ فإنها أطهر وأطيب، وكَفِّنوا فيها موتاكم) [النسائي]. وهذا الأمر على سبيل الاستحباب، وليس الإلزام، فلا مانع أن يلبس الإنسان من الألوان الأخرى ما يناسبه.
شكر الله على الثوب الجديد: فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لبس ثوبًا جديدًا سماه باسمه -قميصًا أو رداءً أو عمامة- ثم يقول: (اللهم لك الحمد. أنت كسوتَنيه أسألك من خيره وخير ما صُنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له) [أبوداود والترمذي].
والمسلم يحمد ربه على نعمة الثياب والملابس، فيقول: (الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في الناس) [الترمذي]. وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوبًا قيل له: تبْلى ويخلف الله تعالى. وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وقد لبس ثوبًا، فقال له: (البس جديدًا، وعش حميدًا، ومت شهيدًا) [ابن ماجه وأحمد وابن السني].
البدء باليمين عند اللبس: على المسلم أن يراعي عند ارتداء الثياب أن يبدأ باليمين؛ لما في ذلك من خير وبركة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في شأنه كله. [متفق عليه] وإذا أراد أن يخلعها فلْيبدأ بالجانب الأيسر.
ذكر الله عند خلع الثياب: فإذا خلع المسلم ثيابه قال: باسم الله الذي لا إله إلا هو. قال صلى الله عليه وسلم: (سَتْرُ ما بين أعين الجن وعَوْرات بني آدم إذا وضع أحدهم ثوبه أن يقول: باسم الله) [الطبراني].
نظافة الملبس: المسلم يحرص على أن يكون ثوبه حسنًا نظيفًا، كما يحرص على كي ملابسه، فإن نظافة الملبس تعطي الإنسان احترامًا ووقارًا بين الناس.
تعطيره: كان صلى الله عليه وسلم إذا أعطاه أحد عطرًا أو طيبًا لا يرفضه، وكان يحب الروائح الحسنة، ويقول: (حبب إلي من الدنيا النساء والطيب) [النسائي].
ثياب المرأة: المسلمة تلتزم بالزي الإسلامي، وتلبس ما يستر عورتها، ويغطي بدنها، وهي لا تلبس الملابس القصيرة أو الشفافة أو الضيقة أو ما إلى ذلك مما يؤدي إلى الفتنة، وإشعال نار الشهوة.
لبس أجمل الثياب يوم الجمعة وفي العيدين: قال صلى الله عليه وسلم: (من اغتسل يوم الجمعة فأحسن طهوره، ولبِس من أحسن ثيابه، ومسَّ ما كتب الله له من طيب أهله، ثم أتى الجمعة، ولم يلْغُ (لم يخطئ ولم يقل قولا باطلا) ولم يفرِّق بين اثنين: غُفِرَ له ما بينه وبين الجمعة الأخرى) [أبوداود وابن ماجه وأحمد].
ويقول الحسن -رضي الله عنه-: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العيدين أن نلبس أجود ما نجد، وأن نتطيب بأجود ما نجد، وأن نضحِّي بأثمن ما نجد. [الحاكم].(1/190)
لَعْنُ الْمُخَنَّثِينَ وَإِخْرَاجُهُمْ
354-8010 أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ ، وَعَبْدُ الصَّمَدِ ، وَوَهْبٌ ، وَأَبُو دَاوُدَ قَالُوا : حَدَّثَنَا هِشَامٌ ، عَنْ يَحْيَى ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ الْمُخَنَّثِينَ وَقَالَ : " أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ ، فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُلَانًا ، وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلَانًا " (1)
__________
(1) - مسند أحمد برقم( 2010 و2158) صحيح(1/191)
مَا ذُكِرَ فِي النِّسَاءِ
355-8011 أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَطَاءٌ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : شَهِدْتُ الصَّلَاةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ عِيدٍ ، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى بِلَالٍ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، وَوَعَظَ النَّاسَ وَذَكَّرَهُمْ وَحَثَّهُمْ عَلَى طَاعَتِهِ ، ثُمَّ مَضَى إِلَى النِّسَاءِ وَمَعَهُ بِلَالٌ ، فَأَمَرَهُنَّ بِتَقْوَى اللَّهِ وَوَعَظَهُنَّ وَذَكَرَّهُنَّ ، وَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ حَثَّهُنَّ عَلَى طَاعَتِهِ ثُمَّ قَالَ : " تَصَدَّقْنَ ، فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطَبُ جَهَنَّمَ " فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْ سَفِلَةِ النِّسَاءِ سَفْعَاءُ الْخَدَّيْنِ : لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ ، فَجَعَلْنَ يَنْزِعْنَ حُلِيَّهُنَّ قَلَائِدَهُنَّ وَأَقْرِطَتَهُنَّ وَخَوَاتِيمَهُنَّ يَقْذِفْنَهُ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ يَتَصَدَّقْنَ بِهِ " (1)
----------------
(1) - صحيح مسلم برقم( 2085 ) ونص برقم( 1586 )
شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 278)
1467 - قَوْله : ( فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْل الْخُطْبَة بِغَيْرِ أَذَان وَلَا إِقَامَة )
هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَا أَذَان وَلَا إِقَامَة لِلْعِيدِ ، وَهُوَ إِجْمَاع الْعُلَمَاء الْيَوْم ، وَهُوَ الْمَعْرُوف مِنْ فِعْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ . وَنُقِلَ عَنْ بَعْض السَّلَف فِيهِ شَيْء خِلَاف إِجْمَاع مَنْ قَبْله وَبَعْده ، وَيُسْتَحَبّ أَنْ يُقَال فِيهَا : الصَّلَاة جَامِعَة بِنَصْبِهَا الْأَوَّل عَلَى الْإِغْرَاء وَالثَّانِي عَلَى الْحَال .
قَوْله : ( فَقَالَتْ اِمْرَأَة مِنْ سِطَة النِّسَاء ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ سِطَة بِكَسْرِ السِّين وَفَتْح الطَّاء الْمُخَفَّفَة ، وَفِي بَعْض النُّسَخ ( وَاسِطَة النِّسَاء ) قَالَ الْقَاضِي : مَعْنَاهُ مِنْ خِيَارهنَّ ، وَالْوَسَط الْعَدْل وَالْخِيَار قَالَ : وَزَعَمَ حُذَّاق شُيُوخنَا أَنَّ هَذَا الْحَرْف مُغَيَّر فِي كِتَاب مُسْلِم ، وَأَنَّ صَوَابه ( مِنْ سَفَلَة النِّسَاء ) وَكَذَا رَوَاهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة فِي مُسْنَده ، وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنه ، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ أَبِي شَيْبَة اِمْرَأَة لَيْسَتْ مِنْ عِلْيَة النِّسَاء ، وَهَذَا ضِدُّ التَّفْسِير الْأَوَّل ، وَيُعَضِّدهُ قَوْله : بَعْده سَفْعَاء الْخَدَّيْنِ ، هَذَا كَلَام الْقَاضِي ، وَهَذَا الَّذِي اِدَّعَوْهُ مِنْ تَغْيِير الْكَلِمَة غَيْر مَقْبُول بَلْ هِيَ صَحِيحَة ، وَلَيْسَ الْمُرَاد بِهَا مِنْ خِيَار النِّسَاء كَمَا فَسَّرَهُ هُوَ ، بَلْ الْمُرَاد اِمْرَأَة مِنْ وَسَط النِّسَاء جَالِسَة فِي وَسَطهنَّ . قَالَ الْجَوْهَرِيّ وَغَيْره مِنْ أَهْل اللُّغَة : يُقَال وَسَطْت الْقَوْم أَسِطهُمْ وَسْطًا وَسِطَة أَيْ تَوَسَّطْتهمْ .
قَوْله : ( سَفْعَاء الْخَدَّيْنِ )
بِفَتْحِ السِّين الْمُهْمَلَة أَيْ فِيهَا تَغَيُّر وَسَوَاد .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تُكْثِرْنَ الشَّكَاة )
هُوَ بِفَتْحِ الشِّين أَيْ الشَّكْوَى .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَتَكْفُرْنَ الْعَشِير )
قَالَ أَهْل اللُّغَة : يُقَال : هُوَ الْعَشِير الْمُعَاشِر وَالْمُخَالِط ، وَحَمَلَهُ الْأَكْثَرُونَ هُنَا عَلَى الزَّوْج . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ كُلّ مُخَالِط . قَالَ الْخَلِيل : يُقَال : هُوَ الْعَشِير وَالشَّعِير عَلَى الْقَلْب وَمَعْنَى الْحَدِيث أَنَّهُنَّ يَجْحَدْنَ الْإِحْسَان لِضَعْفِ عَقْلهنَّ وَقِلَّة مَعْرِفَتهنَّ فَيُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى ذَمّ مَنْ يَجْحَد إِحْسَان ذِي إِحْسَان .
قَوْله : ( مِنْ أَقْرِطَتِهِنَّ )
هُوَ جَمْع قُرْط . قَالَ اِبْن دُرَيْدٍ : كُلّ مَا عُلِّقَ مِنْ شَحْمَة الْأُذُن فَهُوَ قُرْط سَوَاء كَانَ مِنْ ذَهَب أَوْ خَرَز وَأَمَّا الْخُرْص فَهُوَ الْحَلْقَة الصَّغِيرَة مِنْ الْحُلِيّ . قَالَ الْقَاضِي : قِيلَ : الصَّوَاب قُرْطَتهِنَّ بِحَذْفِ الْأَلِف وَهُوَ الْمَعْرُوف فِي جَمْع قُرْط كَخُرْجٍ وَخُرْجَة ، وَيُقَال فِي جَمْعه قِرَاط كَرُمْحٍ وَرِمَاح . قَالَ الْقَاضِي : لَا يَبْعُد صِحَّة أَقْرِطَة ، وَيَكُون جَمْع جَمْع أَيْ جَمْع قِرَاط لَا سِيَّمَا وَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيث .
شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 278)
1467 - قَوْله : ( فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْل الْخُطْبَة بِغَيْرِ أَذَان وَلَا إِقَامَة )
هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَا أَذَان وَلَا إِقَامَة لِلْعِيدِ ، وَهُوَ إِجْمَاع الْعُلَمَاء الْيَوْم ، وَهُوَ الْمَعْرُوف مِنْ فِعْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ . وَنُقِلَ عَنْ بَعْض السَّلَف فِيهِ شَيْء خِلَاف إِجْمَاع مَنْ قَبْله وَبَعْده ، وَيُسْتَحَبّ أَنْ يُقَال فِيهَا : الصَّلَاة جَامِعَة بِنَصْبِهَا الْأَوَّل عَلَى الْإِغْرَاء وَالثَّانِي عَلَى الْحَال .
قَوْله : ( فَقَالَتْ اِمْرَأَة مِنْ سِطَة النِّسَاء ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ سِطَة بِكَسْرِ السِّين وَفَتْح الطَّاء الْمُخَفَّفَة ، وَفِي بَعْض النُّسَخ ( وَاسِطَة النِّسَاء ) قَالَ الْقَاضِي : مَعْنَاهُ مِنْ خِيَارهنَّ ، وَالْوَسَط الْعَدْل وَالْخِيَار قَالَ : وَزَعَمَ حُذَّاق شُيُوخنَا أَنَّ هَذَا الْحَرْف مُغَيَّر فِي كِتَاب مُسْلِم ، وَأَنَّ صَوَابه ( مِنْ سَفَلَة النِّسَاء ) وَكَذَا رَوَاهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة فِي مُسْنَده ، وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنه ، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ أَبِي شَيْبَة اِمْرَأَة لَيْسَتْ مِنْ عِلْيَة النِّسَاء ، وَهَذَا ضِدُّ التَّفْسِير الْأَوَّل ، وَيُعَضِّدهُ قَوْله : بَعْده سَفْعَاء الْخَدَّيْنِ ، هَذَا كَلَام الْقَاضِي ، وَهَذَا الَّذِي اِدَّعَوْهُ مِنْ تَغْيِير الْكَلِمَة غَيْر مَقْبُول بَلْ هِيَ صَحِيحَة ، وَلَيْسَ الْمُرَاد بِهَا مِنْ خِيَار النِّسَاء كَمَا فَسَّرَهُ هُوَ ، بَلْ الْمُرَاد اِمْرَأَة مِنْ وَسَط النِّسَاء جَالِسَة فِي وَسَطهنَّ . قَالَ الْجَوْهَرِيّ وَغَيْره مِنْ أَهْل اللُّغَة : يُقَال وَسَطْت الْقَوْم أَسِطهُمْ وَسْطًا وَسِطَة أَيْ تَوَسَّطْتهمْ .
قَوْله : ( سَفْعَاء الْخَدَّيْنِ )
بِفَتْحِ السِّين الْمُهْمَلَة أَيْ فِيهَا تَغَيُّر وَسَوَاد .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تُكْثِرْنَ الشَّكَاة )
هُوَ بِفَتْحِ الشِّين أَيْ الشَّكْوَى .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَتَكْفُرْنَ الْعَشِير )
قَالَ أَهْل اللُّغَة : يُقَال : هُوَ الْعَشِير الْمُعَاشِر وَالْمُخَالِط ، وَحَمَلَهُ الْأَكْثَرُونَ هُنَا عَلَى الزَّوْج . وَقَالَ آخَرُونَ : هُوَ كُلّ مُخَالِط . قَالَ الْخَلِيل : يُقَال : هُوَ الْعَشِير وَالشَّعِير عَلَى الْقَلْب وَمَعْنَى الْحَدِيث أَنَّهُنَّ يَجْحَدْنَ الْإِحْسَان لِضَعْفِ عَقْلهنَّ وَقِلَّة مَعْرِفَتهنَّ فَيُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى ذَمّ مَنْ يَجْحَد إِحْسَان ذِي إِحْسَان .
قَوْله : ( مِنْ أَقْرِطَتِهِنَّ )
هُوَ جَمْع قُرْط . قَالَ اِبْن دُرَيْدٍ : كُلّ مَا عُلِّقَ مِنْ شَحْمَة الْأُذُن فَهُوَ قُرْط سَوَاء كَانَ مِنْ ذَهَب أَوْ خَرَز وَأَمَّا الْخُرْص فَهُوَ الْحَلْقَة الصَّغِيرَة مِنْ الْحُلِيّ . قَالَ الْقَاضِي : قِيلَ : الصَّوَاب قُرْطَتهِنَّ بِحَذْفِ الْأَلِف وَهُوَ الْمَعْرُوف فِي جَمْع قُرْط كَخُرْجٍ وَخُرْجَة ، وَيُقَال فِي جَمْعه قِرَاط كَرُمْحٍ وَرِمَاح . قَالَ الْقَاضِي : لَا يَبْعُد صِحَّة أَقْرِطَة ، وَيَكُون جَمْع جَمْع أَيْ جَمْع قِرَاط لَا سِيَّمَا وَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيث .
نيل الأوطار - (ج 9 / ص 243)
قَوْلُهُ : ( فَقَامَتْ امْرَأَةٌ ) قَالَ الْحَافِظُ : لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ إلَّا أَنَّهُ يَخْتَلِجُ فِي خَاطِرِي أَنَّهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ الَّتِي تُعْرَفُ بِخَطِيبَةِ النِّسَاءِ ، فَإِنَّهَا رَوَتْ أَصْلَ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِلَفْظِ : { خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى النِّسَاءِ وَأَنَا مَعَهُنَّ ، فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ إنَّكُنَّ أَكْثَرُ حَطَبِ جَهَنَّمَ ، فَنَادَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنْت عَلَيْهِ جَرِيئَةً : وَلِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لِأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ } فَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الَّتِي أَجَابَتْهُ فَإِنَّ الْقِصَّةَ وَاحِدَةٌ .
قَوْلُهُ : ( مِنْ سَطَةِ النِّسَاءِ ) أَيْ مِنْ خِيَارِهِنَّ ، وَالسَّفْعَاءُ : الَّتِي فِي خَدِّهَا غَبَرَةٌ وَسَوَادٌ وَالْعَشِيرُ : الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الزَّوْجُ وَالْحَدِيثُ فِيهِ فَوَائِدُ : مِنْهَا : مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَهُنَا لِأَجْلِهِ ، وَهُوَ جَوَازُ صَدَقَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ مَالِهَا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إذْنِ زَوْجِهَا أَوْ عَلَى مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَالِهَا كَالثُّلُثِ ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ الْقِصَّةِ تَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : وَلَا يُقَالُ فِي هَذَا : إنَّ أَزْوَاجَهُنَّ كَانُوا حُضُورًا لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُنْقَلْ ، وَلَوْ نُقِلَ فَلَيْسَ فِيهِ تَسْلِيمُ أَزْوَاجِهِنَّ لَهُنَّ ذَلِكَ ، فَإِنَّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ حَقٌّ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ حَتَّى يُصَرِّحَ بِإِسْقَاطِهِ ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ الْقَوْمَ صَرَّحُوا بِذَلِكَ ، وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ قَرِيبًا .
وَمِنْهَا : أَنَّ الصَّدَقَةَ مِنْ دَوَافِعِ الْعَذَابِ لِأَنَّهُ أَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ ثُمَّ عَلَّلَ بِأَنَّهُنَّ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ لِمَا يَقَعُ مِنْهُنَّ مِنْ كُفْرَانِ النِّعَمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَمِنْهَا : بَذْلُ النَّصِيحَةِ وَالْإِغْلَاطُ بِهَا لِمَنْ اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ فِي حَقِّهِ ، وَمِنْهَا : جَوَازُ طَلَبِ الصَّدَقَةِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ لِلْمُحْتَاجِينَ وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ غَيْرَ مُحْتَاجٍ وَمِنْهَا : مَشْرُوعِيَّةُ وَعْظِ النِّسَاءِ وَتَعْلِيمِهِنَّ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ وَتَذْكِيرِهِنَّ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِنَّ وَحَثِّهِنَّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَتَخْصِيصِهِنَّ بِذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ مُنْفَرِدٍ ، وَمَحِلُّ ذَلِكَ كُلِّهِ إذَا أُمِنَتْ الْفِتْنَةُ وَالْمَفْسَدَةُ
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 11 / ص 142)
المرأة الرشيدة تتصدق بما شاءت من مال رقم الفتوى:20360تاريخ الفتوى:22 جمادي الأولى 1423السؤال : السلام عليكم
هل يجوز شرعا أن تتصدق المرأة بصداقها -مهرها-؟
بارك الله فيكم.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المرأة إذا ملكت صداقها أصبح من ضمن ممتلكاتها، وقد اختلف أهل العلم في أحقية تصرف المرأة في مالها بالهبة أو بالصدقة من غير إذن زوجها، فقال الليث: (لا يجوز لها ذلك مطلقاً إلا بإذنه).
ووافقه الإمام مالك فيما زاد على الثلث، وذهب الجمهور إلى أنه يجوز لها التصرف مطلقاً من غير إذن الزوج إذا لم تكن سفيهة، فإن كانت سفيهة لم يجز، وذلك لحديث جابر رضي الله عنه، وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تصدقن، فإن أكثركن حطب جهنم" متفق عليه.
قال الشوكاني في نيل الأوطار في هذا الحديث دليل على جواز صدقة المرأة من مالها من غير توقف على إذن زوجها، وعلى مقدار معين من مالها كالثلث.
والحاصل أنه يجوز للمرأة إذا كانت رشيدة أن تتصدق بما شاءت من صداقها، ولا يتوقف ذلك على إذن زوجها عند الجمهور، وهو الصواب للحديث المتقدم.
والله أعلم.(1/191)
356-8012 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنِ الْحَكَمِ ، قَالَ : سَمِعْتُ ذَرًّا ، يُحَدِّثُ عَنْ وَائِلِ بْنِ مَهَانَةَ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لِلنِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ ، فَإِنَّكُنَّ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ " فَقَالَتِ امْرَأَةٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فِيمَ ؟ أَوْ لِمَ ؟ أَوْ بِمَ ؟ قَالَ : " إِنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ " (1)
357-8013 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ : حَفِظْنَاهُ مِنْ مَنْصُورٍ سَمِعَهُ مِنْ ذَرٍّ يُحَدِّثُ عَنْ وَائِلِ بْنِ مَهَانَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَصَدَّقْنَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ ، وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ ، فَإِنَّكُنَّ أَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ لَيْسَتْ مِنْ عِلْيَةِ النِّسَاءِ " وَلِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : " لِأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ " (2)
__________
(1) - مسند أحمد برقم( 4118) وهو صحيح
(2) - مسند أحمد برقم( 3635و4100 و4204 ) صحيح
اللقاء الشهري - (ج 15 / ص 10)
حكم هجر المرأة لزوجها
ــــــــــــــــــــــــــــ
[ السؤال ] فضيلة الشيخ: أسأل الله تعالى أن يجمعنا وإياك في مستقر رحمته، وأريد أن يجمع الله بك الشمل ويصلح الحال، هذه امرأة لها زوج مضى على زواجها أكثر من أربعين سنة، وهي ليست هنا ولا زوجها، والمرأة تصلي التراويح وتصوم التطوع وتحرص على الخير، ولكن لها ما يقارب سنة ونصفاً لا علاقة لها بزوجها لهجرها له مع أنهما في بيت واحد، ولها أكثر من أربعة أشهر لا تكلمه ولا تستأذنه في ذهاب ولا إياب، بل ولا تأبه به عند أبنائه، وربما تهزأ به وتتكلم عليه، فهل يسعها ذلك؟ وهل تأثم بذلك؟ وما الواجب عليها الآن؟ وماذا يفعل زوجها؟ وهل إذا وقع زوجها في شيء من الحرام هل تأثم به؟ أرجو لها النصيحة ولمن في مثل حالها ممن تقصر في حق زوجها من بعض النساء مع أنها تعمل بعض الصالحات؟
الجواب: الواجب على كل من الزوجين أن يعاشر الآخر بالمعروف؛ لقول الله تبارك وتعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] وإذا نشزت المرأة عن زوجها وصارت لا تعطيه حقه، أو تعطيه حقه وهي متكرهة متبرمة، فإنها تعتبر ناشزاً، وقد قال الله تعالى: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً [النساء:34]. وثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أن المرأة إذا دعاها الرجل إلى فراشه فأبت عليه لعنتها الملائكة حتى تصبح) والعياذ بالله. ولهذا يجب على هذه المرأة أن تتقي الله في نفسها وفي زوجها، وأن تعود إلى العشرة بالمعروف، وأن تذكَّر ما سبق من ماضي حياتهما وألا تجحد الجميل؛ فإن جحد الجميل -أعني: جحد جميل الزوج- من أسباب دخول النار والعياذ بالله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وعظ النساء ذات يوم، وقال: (يا معشر النساء تصدقن؛ فإني رأيتكن أكثر أهل النار قلن: بم يا رسول الله؟ قال: لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير). قال العلماء: العشير: الزوج، ومعنى تكفرن العشير: أي تجحدن حقه ولا تقمن به، فعلى المرأة هذه أن تتقي الله عز وجل فيما بقي من عمرها، ولعلها لم يبق من عمرها مع زوجها إلا القليل، فلترجع إلى حظيرة الزواج، ولتصنع معروفاً في زوجها وفي أولادهما، لأن الأولاد إذا رأوا ما بين هذه المرأة وزوجها من التباعد ربما يُحدِث في نفوسهم شيئاً، وهذه الكلمة أقولها لهذه المرأة ومن يشابهها من النساء. كما أقول أيضاً: إن الواجب على الرجال أن يتقوا الله تعالى في النساء كما وصاهم بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في خطبته في عرفة في حجة الوداع حيث قال: (اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله). فالواجب على كل من الزوجين أن يعاشر الآخر بالمعروف.
السؤال : بالنسبة للرجل الذي قاطعته امرأته وهجرته، قد يظن أنه يعمل بعض المنكرات وهو ليس من أهل المنكرات لكبر سنه ولبعده عن ذلك.
الجواب: إذا كان الأمر هكذا، صار مقاطعتها لزوجها أشد إثماً؛ لأنه ليس لمقاطعتها وجه من الوجوه، فيكون إثمها أعظم، ونكرر نصيحتنا لها أن تتقي الله عز وجل، وأن تعود إلى رشدها وإلى معاشرة زوجها بالمعروف.
اللقاء الشهري - (ج 28 / ص 2)
الأسئلة
نصيحة في تربية الأبناء والزوجة
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ السؤال: ] فضيلة الشيخ: الأب في البيت عليه مسئولية تربية أولاده وأهل بيته، ولكن الآباء تجاه هذه المسئولية بين القسوة والتفريط، فما هي الطريقة المثلى التي تراها في تربية الزوجة والأولاد والبنات وفقك الله؟
الجواب: الغالب أن جميع الأعمال يكون الناس فيها ثلاثة أقسام: مُفرِّط، ومُفْرِط، ومعتدل، المُفرِّط هو المهمل، والمُفْرِط هو المشدد، والمعتدل هو الذي بين هذا وهذا، والإنسان العاقل يعرف كيف يربي أهله، يعاملهم تارة بالحزم وتارة باللين، حسب ما تقتضيه الأحوال، إذا رأى منهم شدة فليكن أمامهم ليناً، وإذا رأى منهم ليناً وقبولاً فليكن أمامهم حازماً ولا أقول: شديداً بل يكون حازماً لا يفوت الفرصة. أما بعض الناس فإنه يريد أن يشق على أهله، يريد منهم أن يكون كل شيء كاملاً وهذا غلط، يقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة؛ إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر) أتدرون ما معنى: (لا يفرك)؟ أي: لا يبغض ولا يكره مؤمنة أي: زوجته (إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر) وهكذا ينبغي للعاقل المؤمن أن يوازن بين الحسنات والسيئات، لا يحمل الشيء على السوء مع أن فيه أشياء حسنة، إن الإنسان الذي يجحد الحسنات ويظهر السيئات ما هو إلا كالمرأة، لما حدث النبي صلى الله عليه وسلم النساء بأنهن أكثر أهل النار، قالوا: لِمَ يا رسول الله؟ قال: (لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم وجدت منك سيئة واحدة لقالت: ما رأيت خيراً قط) وهكذا الإنسان ربما ينزل بنفسه إلى مرتبة المرأة، إذا أحسنت إليه مدى الدهر ثم أسأت مرة واحدة محت جميع الحسنات، فنحن نقول: ارفق بأهلك، إن كرهت منهم خلقاً فارض منهم خلقاً آخر، لا تكن شديداً ولا مهملاً. وأشد من ذلك من إذا خالفته امرأته في أدنى شيء بت طلاقها والعياذ بالله، لو كان الشاي متقدماً حلاوته أو مرارته، قال: ما هذا الشغل؟ أنت طالق ثلاثاً، نسأل الله العافية، والمرأة السهلة اليوم يتعب الإنسان ويشيب رأسه ما وجد امرأة كيف يبت طلاقها في كل شيء، وزد على ذلك أننا نسمع كثيراً من يقول: أنتِ طالق ثلاثاً وأنت عليَّ كظهر أمي، والله عز وجل يقول في حق من يقولون: إن نسائهم عليهم كظهر أمهاتهم يقول: وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً [المجادلة:2] منكر لا يرضاه الشرع، وزور: كذب، كيف تكون زوجتك التي هي حل لك مثل أمك التي هي حرام عليك؟!! فنصيحتي لإخواني الذين يريدون تربية أهليهم وأولادهم: أن يكونوا بين اللين وبين الشدة، والعاقل يراعي الحال، ولكل حال مقال.(1/192)
358-8014 أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ قَالَ : حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ : حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ ذَرٍّ ، عَنْ حَسَّانَ ، عَنْ وَائِلِ بْنِ مَهَانَةَ قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : " تَصَدَّقْنَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ نَحْوَهُ " وَلَمْ يَرْفَعْهُ (1)
359-8015 أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ ، عَنْ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ ، عَنْ عِمْرَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ ، وَاطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ " (2)
__________
(1) - صحيح ولا يضر وقفه ، إذ الرفع زيادة ثقة فتقبل
(2) - سنن الترمذى برقم( 2807) ومسند أحمد برقم( 8171 و20385 ) وصحيح البخارى برقم( 3241 )
ومسلم برقم(7114 )
فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 268)
5968 - قَوْله ( سَلْم )
بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَسُكُون اللَّام
( اِبْن زَرِير )
بِزَايٍّ ثُمَّ رَاءٍ وَزْن عَظِيم ، وَأَبُو رَجَاء هُوَ الْعَطَارِدِيّ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِهَذَا السَّنَد وَالْمَتْن فِي صِفَة الْجَنَّة مِنْ بَدْء الْخَلْق ، وَيَأْتِي شَرْحه فِي صِفَة الْجَنَّة وَالنَّار مِنْ كِتَاب الرِّقَاق هَذَا .
قَوْله ( تَابَعَهُ أَيُّوب وَعَوْف ، وَقَالَ حَمَّاد بْن نُجَيْح وَصَخْر عَنْ أَبِي رَجَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس )
أَمَّا مُتَابَعَة أَيُّوب فَوَصَلَهَا النَّسَائِيُّ وَتَقَدَّمَ بَيَان ذَلِكَ وَاضِحًا فِي كِتَاب النِّكَاح . وَأَمَّا مُتَابَعَة عَوْف فَوَصَلَهَا الْمُؤَلِّف فِي كِتَاب النِّكَاح . وَأَمَّا مُتَابَعَة حَمَّاد بْن نُجَيْح - وَهُوَ الْإِسْكَاف - الْبَصْرِيّ فَوَصَلَهَا النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق عُثْمَان بْن عُمَر بْن فَارِس عَنْهُ ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْكِتَابَيْنِ سِوَى هَذَا الْحَدِيث الْوَاحِد ، وَقَدْ وَثَّقَهُ وَكِيع وَابْن مَعِين وَغَيْرهمَا . وَأَمَّا مُتَابَعَة صَخْر - وَهُوَ اِبْن جُوَيْرِيَةَ - فَوَصَلَهَا النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيق الْمُعَافَى بْن عِمْرَانَ عَنْهُ وَابْن مَنْدَهْ فِي كِتَاب التَّوْحِيد مِنْ طَرِيق مُسْلِم بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا صَخْر بْن جُوَيْرِيَةَ وَحَمَّاد بْن نُجَيْح قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاء ، وَقَدْ وَقَعَتْ لَنَا بِعُلُوّ فِي " الْجَعْدِيَّات " مِنْ رِوَايَة عَلِيّ بْن الْجَعْد عَنْ صَخْر قَالَ سَمِعْت أَبَا رَجَاء حَدَّثَنَا اِبْن عَبَّاس بِهِ ، قَالَ التِّرْمِذِيّ بَعْد أَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيق عَوْف : وَقَالَ أَيُّوب عَنْ أَبِي رَجَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس ، وَكِلَا الْإِسْنَادَيْنِ لَيْسَ فِيهِ مَقَال ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون عَنْ أَبِي رَجَاء عِنْد كُلّ مِنْهُمَا . وَقَالَ الْخَطِيب فِي " الْمُدْرَج " : رَوَى هَذَا الْحَدِيث أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ عَنْ أَبِي الْأَشْهَب وَجَرِير بْن حَازِم وَسَلْم بْن زَرِير وَحَمَّاد بْن نُجَيْح وَصَخْر بْن جُوَيْرِيَةَ عَنْ أَبِي رَجَاء عَنْ عِمْرَانَ وَابْن عَبَّاس بِهِ ، وَلَا نَعْلَم أَحَدًا جَمَعَ بَيْن : هَؤُلَاءِ فَإِنَّ الْجَمَاعَة رَوَوْهُ عَنْ أَبِي رَجَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس ، وَسَلْم إِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي رَجَاء عَنْ عِمْرَانَ ، وَلَعَلَّ جَرِيرًا كَذَلِكَ ، وَقَدْ جَاءَتْ الرِّوَايَة عَنْ أَيُّوب عَنْ أَبِي رَجَاء بِالْوَجْهَيْنِ ، وَرَوَاهُ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة عَنْ فِطْر عَنْ أَبِي رَجَاء عَنْ عِمْرَانَ ، فَالْحَدِيث عَنْ أَبِي رَجَاء عَنْهُمَا وَاَللَّه أَعْلَم . قَالَ اِبْن بَطَّال : لَيْسَ قَوْله " اِطَّلَعْت فِي الْجَنَّة فَرَأَيْت أَكْثَر أَهْلهَا الْفُقَرَاء " يُوجِب فَضْل الْفَقِير عَلَى الْغَنِيّ ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ الْفُقَرَاء فِي الدُّنْيَا أَكْثَر مِنْ الْأَغْنِيَاء فَأَخْبَرَ عَنْ ذَلِكَ كَمَا تَقُول أَكْثَر أَهْل الدُّنْيَا الْفُقَرَاء إِخْبَارًا عَنْ الْحَال ، وَلَيْسَ الْفَقْر أَدْخَلَهُمْ الْجَنَّة وَإِنَّمَا دَخَلُوا بِصَلَاحِهِمْ مَعَ الْفَقْر ، فَإِنَّ الْفَقِير إِذَا لَمْ يَكُنْ صَالِحًا لَا يَفْضُل . قُلْت : ظَاهِر الْحَدِيث التَّحْرِيض عَلَى تَرْك التَّوَسُّع مِنْ الدُّنْيَا كَمَا أَنَّ فِيهِ تَحْرِيض النِّسَاء عَلَى الْمُحَافَظَة عَلَى أَمْر الدِّين لِئَلَّا يَدْخُلْنَ النَّار كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِير ذَلِكَ فِي كِتَاب الْإِيمَان فِي حَدِيث " تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَر أَهْل النَّار ، قِيلَ : بِمَ ؟ قَالَ : بِكُفْرِهِنَّ ، قِيلَ يَكْفُرْنَ بِاَللَّهِ ؟ قَالَ : يَكْفُرُونَ بِالْإِحْسَانِ " .
فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 395)
6064 - قَوْله ( عَنْ أَبِي رَجَاء )
هُوَ الْعُطَارِدِيّ
وَعِمْرَان
هُوَ اِبْن حُصَيْنٍ ، وَالسَّنَد كُلّه بَصْرِيُّونَ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيث بِهَذَا السَّنَد فِي آخِر " بَاب كُفْرَان الْعَشِير " وَفِي أَوَاخِر كِتَاب النِّكَاح وَتَقَدَّمَ فِي " بَاب فَضْل الْفَقْر " بَيَان الِاخْتِلَاف عَلَى أَيُّوب عَنْ أَبِي رَجَاء فِي صَحَابِيِّهِ ، وَتَقَدَّمَ بَحْث اِبْن بَطَّال فِيمَا يَتَعَلَّق بِهِ مِنْ فَضْل الْفَقْر ،
وَقَوْله اِطَّلَعْت
بِتَشْدِيدِ الطَّاء أَيْ أَشْرَفْت ، وَفِي حَدِيث أُسَامَة بْن زَيْد الَّذِي بَعْده " قُمْت عَلَى بَاب الْجَنَّة " وَظَاهِره أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ لَيْلَة الْإِسْرَاء أَوْ مَنَامًا ، وَهُوَ غَيْر رُؤْيَته النَّار وَهُوَ فِي صَلَاة الْكُسُوف ، وَوَهِمَ مَنْ وَحَّدَهُمَا . وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ : رَأَى ذَلِكَ لَيْلَة الْإِسْرَاء أَوْ حِين خَسَفَتْ الشَّمْس ، كَذَا قَالَ .
قَوْله ( فَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاء )
فِي حَدِيث أُسَامَة " فَإِذَا عَامَّة مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِين " وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُطْلَق عَلَى الْآخَر وَقَوْله " فَإِذَا أَكْثَر " فِي حَدِيث أُسَامَة " فَإِذَا عَامَّة مَنْ دَخَلَهَا " .
قَوْله ( بِكُفْرِهِنَّ ) أَيْ بِسَبَبِ كُفْرهنَّ تَقَدَّمَ شَرْحه مُسْتَوْفًى فِي " بَاب كُفْرَان الْعَشِير " قَالَ الْقُرْطُبِيّ إِنَّمَا كَانَ النِّسَاء أَقَلّ سَاكِنِي الْجَنَّة لِمَا يَغْلِب عَلَيْهِنَّ مِنْ الْهَوَى ، وَالْمَيْل إِلَى عَاجِل زِينَة الدُّنْيَا ، وَالْإِعْرَاض عَنْ الْآخِرَة لِنَقْصِ عَقْلهنَّ وَسُرْعَةِ اِنْخِدَاعِهِنَّ .
شرح ابن بطال - (ج 13 / ص 316)
قال المهلب: إنما استحق النساء النار بكفرانهن العشير من أجل أنهن يكثرن ذلك الدهر كله، ألا ترى أن النبى، عليه السلام، قد فسره، فقال: « لو أحسنت إلى إحداهن الدهر » ، لجازت ذلك بالكفران الدهر كله، فغلب استيلاء الكفران على دهرها، فكأنها مصرة أبدًا على الكفر، والإصرار من أكبر أسباب النار.
وفى هذا الحديث تعظيم حق الزوج على المرأة، وأنه يجب عليها شكره والاعتراف بفضله؛ لستره لها وصيانته وقيامه بمؤنتها وبذله نفسه فى ذلك، ومن أجل هذا فضل الله الرجال على النساء فى غير موضع من كتابه، فقال: {الرجال قوامون على النساء بما فضل} [النساء: 34] الآية، وقال: {وللرجال عليهن درجة} [البقرة: 228]، وقد أمر عليه السلام من أسديت إليه نعمة أن يشكرها، فكيف نعم الزوج التى لا تنفك المرأة منها دهرها كله؟
وقد قال بعض العلماء: شكر الإنعام فرض. واحتج بقوله عليه السلام: « من أسديت إليه نعمة فليشكرها » ، وبقوله: {أن اشكر لى ولوالديك} [لقمان: 14]، فقرن بشكره شكر الآباء، قال: فكذلك شكر غيرهم واجب، وقد يكون شكر النعمة فى نشرها، ويكون فى أقل من ذلك، فيجزئ فيه الإقرار بالنعمة والمعرفة بقدر الحاجة.
وفيه أن الكسوف والزلازل والآيات الحادثة إنما هى كما قال الله: {وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا} [الإسراء: 59]، وأمرهم عليه السلام عند رؤية آيات الله بالفزع إلى الصلاة، فدل أن الصلاة تصرف النقم، وبها يعتصم من المحن، إذ هى أفضل الأعمال.
شرح ابن بطال - (ج 19 / ص 223)
قال المؤلف: فى ظاهر هذه الأحاديث فضل الفقر، كما ترجم البخارى، وقد طال تنازع الناس فى هذه المسألة، فذهب قوم إلى تفضيل الفقر، وذهب آخرون إلى تفضيل الغنى، واحتج من فضل الفقر بهذه الآثار بغيرها، فمنها أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقول فى دعائه: « اللهم أحينى مسكينًا، وأمتنى مسكينًا، واحشرنى فى زمرة المساكين » . من حديث ثابت بن محمد العابد العوفى، عن الحارث بن النعمان الليثى، عن أنس بن مالك، عن النبى - صلى الله عليه وسلم - ذكره الترمذى، ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم - : « اللهم من آمن بى وصدّق ما جئت به، فأقلل له فى المال والولد » . وقوله - صلى الله عليه وسلم - : « إن الفقراء يدخلون الجنة وأصحاب الجد محبوسون » . روى الترمذى، عن محمود بن غيلان، عن قبيصة، عن سفيان، عن محمد بن عمرو، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة، عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: « يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة سنة، نصف يوم » قال الترمذى: وهذا حديث صحيح.
واحتج من فضل الغنى بقوله - صلى الله عليه وسلم - : « إن المكثرين هم الأقلون، إلا من قال بالمال هكذا وهكذا » . وبقوله - صلى الله عليه وسلم - : « لا حسد إلا فى اثنتين، أحدهما: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته فى الحق » الحديث. وبقوله لسعد: « إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالةً يتكففون الناس » .
وقال لأبى لبابة حين قال: يا رسول الله، إن توبتى أن أنخلع من مالى صدقةً إلى الله ورسوله: « أمسك عليك بعض مالك فإنه خير لك » .
وقال فى معاوية: « إنه لصعلوك لا مال له » ، ولم يكن - صلى الله عليه وسلم - ليذمّ حالة فيها الفضل.
وأحسن ما رأيت فى هذه المسألة ما قاله أحمد بن نصر الداودى قال: الفقر والغنى محنتان من الله تعالى وبليتان يبلو بهما أخيار عباده ليبدى صبر الصابرين وشكر الشاكرين وطغيان البطرين، وإنما أشكل ذلك على غير الراسخين، فوضع قوم الكتب فى تفضيل الغنى على الفقر، ووضع آخرون فى تفضيل الفقر، وأغفلوا الوجه الذى يجب الحض عليه والندب إليه، وأرجو لمن صحت نيته وخلصت لله طويته، وكانت لوجهه مقالته أن يجازيه الله على نيته ويعلمه، قال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الكهف: 7]، وقال تعالى: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: 35]، وقال: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ} [فصلت: 51]، وقال: {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج: 19 - 21]، وقال تعالى: {فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّى أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّى أَهَانَنِ} [الفجر: 15، 16]، وقال: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِى الأَرْضِ} [الشورى: 27] الآية، وقال: {وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ} [الزخرف: 33] الآية، وقال: {كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 6، 7]، وقال: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8]، يعنى لحب المال، وقال - صلى الله عليه وسلم - : « ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخاف عليكم أن تفتح الدنيا عليكم.. » الحديث.
وكان - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ من فتنة الفقر، وفتنة الغنى، فدل هذا كله أن ما فوق الكفاف محنة، لا يسلم منها إلا من عصمه الله، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : « ما قل وكفى خير مما كثر وألهى » . وقال عمر ابن الخطاب لما أُوتى بأموال كسرى: « ما فتح الله هذا على قوم إلا سفكوا دماءهم وقطعوا أرحامهم. وقال: اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينت لنا، اللهم إنك منعت هذا رسولك إكرامًا منك له، وفتحته على لتبتلينى به، اللهم سلطنى على هلكته فى الحق واعصمنى من فتنته » . فهذا كله يدل على فضل الكفاف، لا فضل الفقر كما خيلّ لهم، بل الفقر والغنى بليتان كان النبى - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ من فتنتهما، ويدل على هذا قوله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} [الإسراء: 29]، وقال: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67]، وقال: {وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِى جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5]، وقال فى ولى اليتيم: {وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6]، وقال: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: 9]، وقال - صلى الله عليه وسلم - لأبى لبابة: « أمسك عليك بعض مالك » . وقال لسعد: « إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالةً يتكففون الناس » . وهذا من الغنى الذى لا يطغى، ولو كان كل ما زاد كان أفضل لنهاه النبى - صلى الله عليه وسلم - أن يوصى بشىء، واقتصرت أيدى الناس عن الصدقات وعن الإنفاق فى سبيل الله، وقال لعمرو بن العاص: « هل لك أن أبعثك فى جيش يسلمك الله ويغنمك، وأرغب لك رغبةً من المال؟ فقال: ما للمال كانت هجرتى، إنما كانت لله ولرسوله. فقال: نعم المال الصالح للرجل الصالح » .
ولم يكن - صلى الله عليه وسلم - ليحض أحدًا على ما ينقص حظه عند الله، فلا يجوز أن يقال إن إحدى هاتين الخصلتين أفضل من الأخرى؛ لأنهما محنتان، وكأن قائل هذا يقول: إن ذهاب يد الإنسان أفضل عند الله من ذهاب رجله، وإن ذهاب سمعه أفضل من ذهاب بصره؛ فليس هاهنا موضع للفضل، وإنما هى محن يبلو الله بها عباده؛ ليعلم الصابرين والشاكرين من غيرهما، ولم يأت فى الحديث، فيما علمنا، أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو على نفسه بالفقر، ولا يدعو بذلك على أحد يريد به الخير، بل كان يدعو بالكفاف ويستعيذ بالله من شرّ فتنة الفقر وفتنة الغنى، ولم يكن يدعو بالغنى إلا بشريطة يذكرها فى دعائه.
فأماّ ما روى عنه أنه كان يقول: « اللهم أحينى مسكينًا وأمتنى مسكينًا، واحشرنى فى زمرة المساكين » . فإن ثبت فى النقل فمعناه ألا يجاوز به الكفاف، أو يريد به الاستكانة إلى الله، ويدل على صحة هذا التأويل أنه ترك أموال بنى النضير وسهمه من فدك وخيبر، فغير جائز أن يظن به أن يدعو إلى الله ألا يكون بيده شىء، وهو يقدر على إزالته من يده بإنفاقه. وما روى عنه أنه قال: « اللهم من آمن بى وصدّق ما جئت به، فأقلل له من المال والولد » . فلا يصح فى النقل ولا فى الاعتبار، ولو كان إنما دعا بذلك فى المال وحده لكان محتملا أن يدعو لهم بالكفاف، وأما دعاؤه بقلة الولد فكيف يدعو أن يقل المسلمون، وما يدفعه العيان مدفوع عنه - صلى الله عليه وسلم - ، وأحاديثه لا تتناقض.
كيف يذمّ معاوية، ويأمر أبا لبابة وسعدًا أن يبقيا ما ذكر من المال ويقول: إنه خير، ثم يخالف ذلك، وقد ثبت أنه دعا لأنس بن مالك وقال: « اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته » . قال أنس: فلقد أحصت ابنتى أنى قدّمت من ولد صُلبى مقدم الحجاج البصرة مائةً وبضعةً وعشرين نسمةً بدعوة رسول الله، وعاش بعد ذلك سنين وولد له » . فلم يدع له بكثرة المال إلا وقد أتبع ذلك بقوله: « وبارك له فيما أعطيته » .
فإن قيل: فأى الرجلين أفضل: المبتلى بالفقر، أو المبتلى بالغنى إذا صلحت حال كل واحد منهما؟
قيل: السؤال عن هذا لا يستقيم؛ إذ قد يكون لهذا أعمال سوى تلك المحنة يفضل بها صاحبه والآخر كذلك، وقد يكون هذا الذى صلح حاله على الفقر لا يصلح حاله على الغنى، ويصلح حال الآخر على الفقر والغنى.
فإن قيل: فإن كان كل واحد منهما يصلح حاله فى الأمرين، وهما فى غير ذلك من الأعمال متساويان قد أدّى الفقير ما يجب عليه فى فقره من الصبر والعفاف والرضا، وأدّى الغنى ما يجب عليه من الإنفاق والبذل والشكر والتواضع، فأى الرجلين أفضل؟ قيل: علم هذا عند الله.
وأمّا قوله: « وأصحاب الجد محبوسون » . فإنما يحبس لهذا أهل التفاخر والتكاثر، وإنما من أدّى حق الله فى ماله، ولم يرد به التفاخر وأرصد باقيه لحاجته إليه، فليس أولئك بأولى منه فى السبق إلى شىء، ويدل على هذا قوله - صلى الله عليه وسلم - : « لا حسد إلا فى اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته فى الحق » . فبين أنه لا شىء أرفع من هاتين الحالتين، وهو المبين عن الله تعالى معنى ما أراد، ولو كان من هذه حاله مسبوقًا فى الأخرى لما حضّ النبى - صلى الله عليه وسلم - على أن يتنافس فى عمله، ولحضّ أبا لبابة على الحالة التى يسبق بها إلى الجنة، ألا ترى قوله - صلى الله عليه وسلم - فى حديث: « الخيل لثلاثة: لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر، فالذى هى عليه وزر فرجل ربطها فخرًا ورياءً ونواءً لأهل الإسلام » . فهذا من المحبوسين للحساب، والأولان فهو كفافهما، غير أن آفات الغنى أكثر، والناجون من أهل الغنى أقل، إذ لا يكاد يسلم من آفاته إلا من عصمه الله؛ فلذلك عظمت منزلة المعصوم فيه؛ لأن الشيطان يسول فيه إما فى الأخذ بغير حقه، أو فى الوضع فى غير حقه، أو فى منعه من حقه، أو فى التجبر والطغيان من أجله، أو فى قلة الشكر عليه أو فى المنافسة فيه إلى ما لا يبلغ صفته. قال المهلب: وليس فى قوله - صلى الله عليه وسلم - : « يدخل فقراء أمتى الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة عام » تفضيل للفقر؛ لأن تقديم دخول الجنة لا تستحق به الفضيلة، ألا ترى أن النبى - صلى الله عليه وسلم - أفضل البشر ولا يتقدم بالدخول فى الجنّة حتى يشفع فى أمته، وكذلك صالح المؤمنين يشفعون فى قوم دونهم فى الدرجة، وإنما ينظر يوم القيامة بين الناس فيقدم الأقل حسابًا فالأقل، فلذلك قدم الفقراء، لأنهم لا علقة عليهم فى حساب الأموال، فيدخلون الجنة قبل الأغنياء، ثم يحاسب أصحاب الأموال فيدخلون الجنة، وينالون فيها من الدرجات ما قد لا يبلغه الفقراء، وكذلك ليس فى قوله - صلى الله عليه وسلم - : « اطلعت فى الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء » . ما يوجب فضل الفقراء، وإنما معناه أن الفقراء فى الدنيا أكثر من الأغنياء، فأخبر عن ذلك كما نقول أكثر أهل الدنيا الفقراء، لا من جهة التفضيل، وإنما هو إخبار عن الحال، وليس الفقر أدخلهم الجنة، إنما أدخلهم الله الجنة بصلاحهم مع الفقر؛ أرأيت الفقير إذا لم يكن صالحًا فلا فضل له فى الفقر، وأما حديث سهل فلا يخلو أن يكون فضل الرجل الفقير على الغنى من أجل فقره أو من أجل فضله، فإن كان من أجل فضله فلا حجة فيه لمن فضل الفقر، وإن كان من أجل فقره فكان ينبغى أن يشترط فى ملء الأرض مثله لا فقير فيهم.
ولا دليل فى الحديث يدل على تفضيله عليه مع جهة فقره؛ لأنا نجد الفقير إذا لم يكن صالحًا؛ فكل غنى صالح خير منه، وفى حديث خباب أن هجرتهم لم تكن لدنيا يصيبونها، ولا نعمة يستعجلونها، وإنما كانت لله؛ ليثبتهم عليها فى الآخرة بالجنة والنجاة من النار، فمن قتل منهم قبل أن يفتح الله عليهم البلاد قالوا: مرّ ولم يأخذ من أجره شيئًا فى الدنيا، وكان أجره فى الآخرة موفرًا له وكان الذى بقى منهم حتى فتح الله عليهم الدنيا، ونالوا من الطيبات؛ خشوا أن يكون عجل لهم أجر طاعتهم وهجرتهم فى الدنيا بما نالوا منها من النعيم؛ إذ كانوا على نعيم الآخرة أحرص. وتركه - صلى الله عليه وسلم - الأكل على الخوان وأكل المرقق، فإنما فعل ذلك كأنه رفع الطيبات للحياة الدائمة فى الآخرة، ولم يرض أن يستعجل فى الدنيا الفانية شيئًا منها أخذًا منه بأفضل الدارين، وكان قد خيره الله بين أن يكون نبيًا عبدًا أو نبيًا ملكًا، فأختار عبدًا، فلزمه أن يفى الله بما اختاره، والمال إنما يرغب فيه مع مقارنة الدين ليستعان به على الآخرة، والنبى - صلى الله عليه وسلم - قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فلم يحتج إلى المال من هذه الوجوه، وكان قد ضمن الله له رزقه بقوله: {نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132].
وقول عائشة: « لقد توفى رسول الله وما فى بيتى شىء يأكله ذو كبد، إلا شطر شعير » هو فى معنى حديث أنس الذى قبله من الأخذ بالاقتصاد وبما يسد الجوعة، وفيه بركة النبى - صلى الله عليه وسلم - . وفيه أن الطعام المكيل يكون فناؤه معلومًا للعلم بكيله وأن الطعام غير المكيل فيه البركة؛ لأنه غير معلوم مقداره.
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 1 / ص 470)
سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ : - أَحْمَد بْنُ تيمية قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ مَا يَقُولُ سَيِّدُنَا وَشَيْخُنَا - شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَقُدْوَةُ الْأَنَامِ أَيَّدَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ - فِي رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا فِي " حَدِيثِ النُّزُولِ " : أَحَدُهُمَا مُثْبِتٌ وَالْآخَرُ نَافٍ . فَقَالَ الْمُثْبِتُ : يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَقَالَ النَّافِي : كَيْفَ يَنْزِلُ ؟ فَقَالَ الْمُثْبِتُ : يَنْزِلُ بِلَا كَيْفٍ فَقَالَ النَّافِي : يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ أَمْ لَا يَخْلُو ؟ فَقَالَ الْمُثْبِتُ : هَذَا قَوْلٌ مُبْتَدَعٌ وَرَأْيٌ مُخْتَرَعٌ فَقَالَ النَّافِي : لَيْسَ هَذَا جَوَابِي بَلْ هُوَ حَيْدَةٌ عَنْ الْجَوَابِ فَقَالَ لَهُ الْمُثْبِتُ : هَذَا جَوَابُك . فَقَالَ النَّافِي : إنَّمَا يَنْزِلُ أَمْرُهُ وَرَحْمَتُهُ فَقَالَ الْمُثْبِتُ : أَمْرُهُ وَرَحْمَتُهُ يَنْزِلَانِ كُلَّ سَاعَةٍ وَالنُّزُولُ قَدْ وَقَّتَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُلُثَ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَقَالَ النَّافِي : اللَّيْلُ لَا يَسْتَوِي وَقْتُهُ فِي الْبِلَادِ فَقَدْ يَكُونُ اللَّيْلُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَاعَةً وَنَهَارُهَا تِسْعَ سَاعَاتٍ وَيَكُونُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ سِتَّ عَشْرَةَ سَاعَةً وَالنَّهَارُ ثَمَانِ سَاعَاتٍ وَبِالْعَكْسِ ؛ فَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي طُولِ اللَّيْلِ وَقِصَرِهِ بِحَسَبِ الْأَقَالِيمِ وَالْبِلَادِ وَقَدْ يَسْتَوِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَقَدْ يَطُولُ اللَّيْلُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ حَتَّى يَسْتَوْعِبَ أَكْثَرَ الْأَرْبَعِ وَعِشْرِينَ سَاعَةً وَيَبْقَى النَّهَارُ عِنْدَهُمْ وَقْتٌ يَسِيرٌ ؛ فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ ثُلُثُ اللَّيْلِ دَائِمًا وَيَكُونُ الرَّبُّ دَائِمًا نَازِلًا إلَى السَّمَاءِ . وَالْمَسْئُولُ إزَالَةُ الشُّبَهِ وَالْإِشْكَالِ وَقَمْعِ أَهْلِ الضَّلَالِ .
الْجَوَابُ
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ أَحْمَد وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ : فِي النُّزُولِ وَالْإِتْيَانِ وَالْمَجِيءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . هَلْ يُقَالُ إنَّهُ بِحَرَكَةِ وَانْتِقَالٍ ؟ أَمْ يُقَالُ بِغَيْرِ حَرَكَةٍ وَانْتِقَالٍ ؟ أَمْ يُمْسِكُ عَنْ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ ؟ عَلَى " ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ " ذَكَرَهَا الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي كِتَابِ " اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ " . ( فَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ وَغَيْرِهِ . ( وَالثَّانِي : قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ وَأَهْلِ بَيْتِهِ . ( وَالثَّالِثُ : قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَطَّةَ وَغَيْرِهِ . ثُمَّ هَؤُلَاءِ فِيهِمْ مَنْ يَقِفُ عَنْ إثْبَاتِ اللَّفْظِ مَعَ الْمُوَافَقَةِ عَلَى الْمَعْنَى وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْهُمْ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرُهُ . وَمِنْهُمْ مَنْ يُمْسِكُ عَنْ إثْبَاتِ الْمَعْنَى مَعَ اللَّفْظِ وَهُمْ فِي الْمَعْنَى مِنْهُمْ مَنْ يَتَصَوَّرُهُ مُجْمَلًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَصَوَّرُهُ مُفَصَّلًا ؛ إمَّا مَعَ الْإِصَابَةِ وَإِمَّا مَعَ الْخَطَأِ . وَاَلَّذِينَ أَثْبَتُوا هَذِهِ رِوَايَةً عَنْ " أَحْمَد " هُمْ وَغَيْرُهُمْ - مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إلَى السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ - لَهُمْ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَوْلَانِ : ( أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إثْبَاتُ أَمْرِهِ وَمَجِيءُ أَمْرِهِ . و ( الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ عَمْدُهُ وَقَصْدُهُ . وَهَكَذَا تَأَوَّلَ هَؤُلَاءِ قَوْله تَعَالَى { ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ } قَالُوا قَصَدَ وَعَمَدَ . وَهَذَا تَأْوِيلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قُتَيْبَةَ ذَكَرَ فِي كِتَابِ " مُخْتَلِفِ الْحَدِيثِ " لَهُ : الَّذِي رَدَّ فِيهِ عَلَى أَهْلِ الْكَلَامِ الَّذِينَ يَطْعَنُونَ فِي الْحَدِيثِ . فَقَالَ : قَالُوا حَدِيثٌ فِي التَّشْبِيهِ يُكَذِّبُهُ الْقُرْآنُ وَالْإِجْمَاعُ . قَالُوا رَوَيْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { يَنْزِلُ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَيَقُولُ : هَلْ مِنْ دَاعٍ ؟ فَأَسْتَجِيبَ لَهُ . أَوْ مُسْتَغْفِرٍ ؟ فَأَغْفِرَ لَهُ } و { يَنْزِلُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ إلَى أَهْلِ عَرَفَةَ } . و { يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ } . وَهَذَا خِلَافٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا } وَقَوْلُهُ : { وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إلَهٌ } . فَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ أَنَّهُ يَكُونُ بِكُلِّ مَكَانٍ . وَلَا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ . وَنَحْنُ نَقُولُ فِي قَوْلِهِ : { مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ } أَنَّهُ مَعَهُمْ بِالْعِلْمِ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ كَمَا تَقُولُ لِرَجُلِ وَجَّهْته إلَى بَلَدٍ شَاسِعٍ وَوَكَّلْته بِأَمْرِ مِنْ أَمْرِك : احْذَرْ التَّقْصِيرَ وَالْإِغْفَالَ لِشَيْءِ مِمَّا تَقَدَّمْت فِيهِ إلَيْك ؛ فَإِنِّي مَعَك ؛ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيَّ تَقْصِيرُك أَوْ جَدُّك بِالْإِشْرَافِ عَلَيْك ؛ وَالْبَحْثِ عَنْ أُمُورِك ؛ فَإِذَا جَاءَ هَذَا فِي الْمَخْلُوقِ وَاَلَّذِي لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ : فَهُوَ فِي الْخَالِقِ الَّذِي يَعْلَمُ الْغَيْبَ أجوز . وَكَذَلِكَ هُوَ بِكُلِّ مَكَانٍ يَرَاك لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا فِي الْأَمَاكِنِ هُوَ فِيهَا بِالْعِلْمِ بِهَا وَالْإِحَاطَةِ فَكَيْفَ يَسُوغُ لِأَحَدِ أَنْ يَقُولَ : إنَّهُ بِكُلِّ مَكَانٍ عَلَى الْحُلُولِ مَعَ قَوْلِهِ : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } أَيْ اسْتَقَرَّ ؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ } أَيْ اسْتَقْرَرْت وَمَعَ قَوْلِهِ : { إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } ؟ . وَكَيْفَ يَصْعَدُ إلَيْهِ شَيْءٌ هُوَ مَعَهُ أَوْ يَرْتَفِعُ إلَيْهِ عَمَلٌ هُوَ عِنْدَهُ ؟ وَكَيْفَ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ وَتَعْرُجُ بِمَعْنَى تَصْعَدُ يُقَالُ عَرَجَ إلَى السَّمَاءِ إذَا صَعِدَ وَاَللَّهُ ذُو الْمَعَارِجِ وَالْمَعَارِجُ الدَّرَجُ . فَمَا هَذِهِ الدَّرَجُ ؟ فَإِلَى مَنْ تُؤَدِّي الْمَلَائِكَةُ الْأَعْمَالَ إذَا كَانَ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى مِثْلُهُ بِالْمَحَلِّ الْأَدْنَى وَلَوْ أَنَّ هَؤُلَاءِ رَجَعُوا إلَى فِطَرِهِمْ وَمَا رُكِّبَتْ عَلَيْهِ خِلْقَتُهُمْ مِنْ مَعْرِفَةِ الْخَالِقِ : لَعَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ وَهُوَ الْأَعْلَى وَبِالْمَكَانِ الرَّفِيعِ وَأَنَّ الْقُلُوبَ عِنْدَ الذِّكْرِ تَسْمُو نَحْوَهُ وَالْأَيْدِي تَرْتَفِعُ بِالدُّعَاءِ إلَيْهِ . وَمِنْ الْعُلُوِّ يُرْجَى الْفَرَجُ وَيُتَوَقَّعُ النَّصْرُ وَالرِّزْقُ . وَهُنَاكَ الْكُرْسِيُّ وَالْعَرْشُ وَالْحُجُبُ وَالْمَلَائِكَةُ . يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ } { يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ } . وَقَالَ فِي الشُّهَدَاءِ : { أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } قِيلَ لَهُمْ شُهَدَاءُ : لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ مَلَكُوتَ اللَّهِ وَاحِدُهُمْ شَهِيدٌ كَمَا يُقَالُ : عَلِيمٌ وَعُلَمَاءُ وَكَفِيلٌ وَكُفَلَاءُ . وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا } أَيْ لَاِتَّخَذْنَا ذَلِكَ عِنْدَنَا لَا عِنْدَكُمْ ؛ لِأَنَّ زَوْجَةَ الرَّجُلِ وَوَلَدَهُ يَكُونَانِ عِنْدَهُ بِحَضْرَتِهِ لَا عِنْدَ غَيْرِهِ . وَالْأُمَمُ كُلُّهَا ؛ عَجَمُهَا وَعَرَبُهَا تَقُولُ : إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي السَّمَاءِ مَا تُرِكَتْ عَلَى فِطْرَتِهَا وَلَمْ تُنْقَلْ عَنْ ذَلِكَ بِالتَّعْلِيمِ . وَفِي الْحَدِيثِ { أَنَّ رَجُلًا أَتَى إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمَةِ أَعْجَمِيَّةٍ لِلْعِتْقِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ اللَّهُ ؟ قَالَتْ : فِي السَّمَاءِ . قَالَ مَنْ أَنَا ؟ قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ ؛ فَقَالَ هِيَ مُؤْمِنَةٌ وَأَمَرَهُ بِعِتْقِهَا } . وَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ : - مَجِّدُوا اللَّهَ فَهُوَ لِلْمَجْدِ أَهْلٌ رَبُّنَا فِي السَّمَاءِ أَمْسَى كَبِيرَا بِالْبِنَاءِ الْأَعْلَى الَّذِي سَبَقَ النَّاسَ وَسَوَّى فَوْقَ السَّمَاءِ سَرِيرَا شَرْجَعًا مَا يَنَالُهُ بَصَرُ الْعَيْنِ تُرَى دُونَهُ الْمَلَائِكُ صَوْرَا وَصَوْرًا جَمْعُ أَصْوَرَ وَهُوَ الْمَائِلُ الْعُنُقِ وَهَكَذَا قِيلَ فِي حَمَلَةِ الْعَرْشِ صُورٌ وَكُلُّ مَنْ حَمَلَ شَيْئًا ثَقِيلًا عَلَى كَاهِلِهِ أَوْ عَلَى مَنْكِبِهِ لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ أَنْ يَمِيلَ عُنُقُهُ . وَفِي " الْإِنْجِيلِ " أَنَّ الْمَسِيحَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ : لَا تَحْلِفُوا بِالسَّمَاءِ فَإِنَّهَا كُرْسِيُّ اللَّهِ . وَقَالَ لِلْحَوَارِيِّينَ : إنْ أَنْتُمْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ فَإِنَّ أَبَاكُمْ - الَّذِي فِي السَّمَاءِ - يَغْفِرُ لَكُمْ كُلِّكُمْ اُنْظُرُوا إلَى طَيْرِ السَّمَاءِ : فَإِنَّهُنَّ لَا يَزْرَعْنَ وَلَا يَحْصُدْنَ وَلَا يَجْمَعْنَ فِي الْأَهْوَاءِ وَأَبُوكُمْ الَّذِي فِي السَّمَاءِ هُوَ الَّذِي يَرْزُقُهُمْ أَفَلَسْتُمْ أَفْضَلَ مِنْهُنَّ ؟ وَمِثْلُ هَذَا مِنْ الشَّوَاهِدِ كَثِيرٌ يَطُولُ بِهِ الْكِتَابُ . قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى { وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إلَهٌ } فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحُلُولِ بِهِمَا وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ إلَهُ السَّمَاءِ وَمَنْ فِيهَا وَإِلَهُ الْأَرْضِ وَمَنْ فِيهَا . وَمِثْلُ هَذَا مِنْ الْكَلَامِ قَوْلُك : هُوَ بِخُرَاسَانَ أَمِيرٌ وَبِمِصْرِ أَمِيرٌ ؛ فَالْإِمَارَةُ تَجْتَمِعُ لَهُ فِيهِمَا وَهُوَ حَالٌّ بِأَحَدِهِمَا أَوْ بِغَيْرِهِمَا . هَذَا وَاضِحٌ لَا يَخْفَى . فَإِنْ قَالَ لَنَا : كَيْفَ النُّزُولُ مِنْهُ جَلَّ وَعَزَّ ؟ قُلْنَا لَا نَحْكُمُ عَلَى النُّزُولِ مِنْهُ بِشَيْءِ ؛ وَلَكِنَّا نُبَيِّنُ كَيْفَ النُّزُولُ مِنَّا وَمَا تَحْتَمِلُهُ اللُّغَةُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ . وَالنُّزُولُ مِنَّا يَكُونُ بِمَعْنَيَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا : الِانْتِقَالُ مِنْ مَكَانٍ إلَى مَكَانٍ كَنُزُولِك مِنْ الْجَبَلِ إلَى الْحَضِيضِ وَمِنْ السَّطْحِ إلَى الدَّارِ . وَالْمَعْنَى الْآخَرُ : إقْبَالُك إلَى الشَّيْءِ بِالْإِرَادَةِ وَالنِّيَّةِ . كَذَلِكَ الْهُبُوطُ وَالِارْتِفَاعُ وَالْبُلُوغُ وَالْمَصِيرُ وَأَشْبَاهُ هَذَا مِنْ الْكَلَامِ . وَمِثَالُ ذَلِكَ إنْ سَأَلَك سَائِلٌ عَنْ مَحَلِّ قَوْمٍ مِنْ الْأَعْرَابِ - وَهُوَ لَا يُرِيدُ الْمَصِيرَ إلَيْهِمْ - فَتَقُولُ لَهُ : إذَا صِرْت إلَى جَبَلِ كَذَا فَانْزِلْ مِنْهُ وَخُذْ يَمِينًا وَإِذَا صِرْت إلَى وَادِي كَذَا فَاهْبِطْ فِيهِ ثُمَّ خُذْ شِمَالًا وَإِذَا سِرْت إلَى أَرْضِ كَذَا فَاعْلُ هَضْبَةً هُنَاكَ حَتَّى تُشْرِفَ عَلَيْهِمْ ؛ وَأَنْتَ لَا تُرِيدُ فِي شَيْءٍ مِمَّا تَقُولُهُ افْعَلْهُ بِبَدَنِك إنَّمَا تُرِيدُ افْعَلْهُ بِنِيَّتِك وَقَصْدِك . وَقَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ : بَلَغْت إلَى الْأَحْزَابِ تَشْتُمُهُمْ وَصِرْت إلَى الْخُلَفَاءِ تَطْعَنُ عَلَيْهِمْ وَجِئْت إلَى الْعِلْمِ تَزْهَدُ فِيهِ وَنَزَلْت عَنْ مَعَالِي الْأَخْلَاقِ إلَى الدَّنَاءَةِ ؛ لَيْسَ يُرَادُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا انْتِقَالَ الْجِسْمِ وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْقَصْدُ إلَى الشَّيْءِ بِالْإِرَادَةِ وَالْعَزْمِ وَالنِّيَّةِ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : { إنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ } لَا يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ مَعَهُمْ بِالْحُلُولِ ؛ وَلَكِنْ بِالنَّصْرِ وَالتَّوْفِيقِ وَالْحِيَاطَةِ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { مَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْت مِنْهُ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْت مِنْهُ بَاعًا وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْته هَرْوَلَةً } . قَالَ : ثِنَا عَنْ عَبْدِ الْمُنْعِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ { أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا نُودِيَ مِنْ الشَّجَرَةِ { فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ } أَسْرَعَ الْإِجَابَةَ وَتَابَعَ التَّلْبِيَةَ وَمَا كَانَ ذَلِكَ إلَّا اسْتِئْنَاسًا مِنْهُ بِالصَّوْتِ وَسُكُونًا إلَيْهِ . وَقَالَ : إنِّي أَسْمَعُ صَوْتَك وَأَحُسُّ حِسَّك وَلَا أَدْرِي مَكَانَك فَأَيْنَ أَنْتَ ؟ . قَالَ : أَنَا فَوْقَك وَأَمَامَك وَخَلْفَك وَمُحِيطٌ بِك وَأَقْرَبُ إلَيْك مِنْ نَفْسِك } يُرِيدُ أَنِّي أَعْلَمُ بِك مِنْك ؛ لِأَنَّك إذَا نَظَرْت إلَى مَا بَيْنَ يَدَيْك خَفِيَ عَلَيْك مَا وَرَاءَك وَإِذَا سَمَوْت بِطَرْفِك إلَى مَا هُوَ فَوْقَك ذَهَبَ عَنْك عِلْمُ مَا تَحْتَك وَأَنَا لَا يَخْفَى عَلَيَّ خَافِيَةٌ مِنْك فِي جَمِيعِ أَحْوَالِك . وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ رَابِعَةَ الْعَابِدَةِ العدوية قَالَتْ : شَغَلُوا قُلُوبَهُمْ عَنْ اللَّهِ بِحُبِّ الدُّنْيَا وَلَوْ تَرَكُوهَا لَجَالَتْ فِي الْمَلَكُوتِ ثُمَّ رَجَعَتْ إلَيْهِمْ بِطَرْفِ الْفَائِدَةِ وَلَمْ تُرِدْ أَنَّ أَبْدَانَهُمْ وَقُلُوبَهُمْ تَجُولُ فِي السَّمَاءِ بِالْحُلُولِ ؛ وَلَكِنْ تَجُولُ هُنَاكَ بِالْفِكْرِ وَالْقَصْدِ وَالْإِقْبَالِ . وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي ممندية الْأَعْرَابِيِّ قَالَ : اطَّلَعْت فِي النَّارِ فَرَأَيْت الشُّعَرَاءَ لَهُمْ كظيظ يَعْنِي الْتِقَاءً وَأَنْشَدَ فِيهِ : - جِيَادٌ بِهَا صَرْعَى لَهُنَّ كظيظ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اطَّلَعْت فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ وَاطَّلَعْت فِي النَّارِ فَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ } إنَّ اطِّلَاعَهُ فِيهَا كَانَ بِالْفِكْرَةِ وَالْإِقْبَالِ كَانَ حَسَنًا . قُلْت : وَتَأْوِيلُ الْمَجِيءِ وَالْإِتْيَانِ وَالنُّزُولِ وَنَحْوِ ذَلِكَ - بِمَعْنَى الْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ - هُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ . وَتَأَوَّلُوا ذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى { ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ } وَجَعَلَ ابْنُ الزاغوني وَغَيْرُهُ ذَلِكَ : هُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد . وَالصَّوَابُ : أَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ مُبْتَدَعَةٌ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ شَيْئًا مِنْهَا وَلَا أَحَدٌ مِنْ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ ؛ وَهِيَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ الْمُتَوَاتِرُ عَنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ : أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ . وَلَكِنَّ بَعْضَ الْخَائِضِينَ بِالتَّأْوِيلَاتِ الْفَاسِدَةِ يَتَشَبَّثُ بِأَلْفَاظِ تُنْقَلُ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ وَتَكُونُ إمَّا غَلَطًا أَوْ مُحَرَّفَةً ؛ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الأوزاعي وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ فِي النُّزُولِ " يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ " فَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّ النُّزُولَ مَفْعُولٌ مَخْلُوقٌ مُنْفَصِلٌ عَنْ اللَّهِ وَأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ : ( يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) هَذَا الْمَعْنَى وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ؛ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ . وَآخَرُونَ - كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى فِي " إبْطَالِ التَّأْوِيلِ " - قَالُوا لَمْ يُرِدْ الأوزاعي أَنَّ النُّزُولَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهَذَا الْكَلَامِ بِقَوْلِهِ : يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَشَبَّهُوا ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ } { لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } فَزَعَمُوا أَنَّ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ : لَيْسَ تَنْزِيهًا لَهُ عَنْ اتِّخَاذِ الْوَلَدِ - بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ الْفَاسِدِ وَهُوَ : أَنَّ الرَّبَّ لَا يُنَزَّهُ عَنْ فِعْلٍ مِنْ الْأَفْعَالِ - بَلْ يَجُوزُ عَلَيْهِ كُلُّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ . وَكَذَلِكَ جَعَلُوا قَوْلَ الأوزاعي وَغَيْرِهِ : إنَّ النُّزُولَ لَيْسَ بِفِعْلِ يَشَاؤُهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمْ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ لَا مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ وَأَنَّ الْأَفْعَالَ الِاخْتِيَارِيَّةَ لَا تَقُومُ بِذَاتِ اللَّهِ . فَلَوْ كَانَ صِفَةَ فِعْلٍ لَزِمَ أَنْ لَا يَقُومَ بِذَاتِهِ ؛ بَلْ يَكُونُ مُنْفَصِلًا عَنْهُ . وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : النُّزُولُ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ وَمَعَ هَذَا فَهُوَ عِنْدَهُمْ أَزَلِيٌّ كَمَا يَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الِاسْتِوَاءِ وَالْمَجِيءِ وَالْإِتْيَانِ وَالرِّضَى وَالْغَضَبِ وَالْفَرَحِ وَالضَّحِكِ وَسَائِرِ ذَلِكَ : إنَّ هَذَا جَمِيعَهُ صِفَاتٌ ذَاتِيَّةٌ لِلَّهِ وَإِنَّهَا قَدِيمَةٌ أَزَلِيَّةٌ لَا تَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ ؛ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ الَّذِي وَافَقُوا فِيهِ ابْنَ كُلَّابٍ وَهُوَ أَنَّ الرَّبَّ لَا يَقُومُ بِذَاتِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ ؛ بَلْ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَلَا يَقُومُ بِهِ فِعْلٌ يَحْدُثُ بِمَشِيئَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ . بَلْ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْفِعْلَ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ وَإِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَأَكْثَرُ الْعُقَلَاءِ يَقُولُونَ فَسَادُ هَذَا مَعْلُومٌ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ ؛ كَمَا قَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ : إنَّ الْفَلَكَ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ وَإِنَّهُ أَبْدَعَهُ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ . وَجُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ يَقُولُونَ : الشَّيْءُ الْمُعَيَّنُ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالصِّفَاتِ إذَا كَانَ حَاصِلًا بِمَشِيئَةِ الرَّبِّ وَقُدْرَتِهِ لَمْ يَكُنْ أَزَلِيًّا . فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَصْلِ ابْنِ كُلَّابٍ وَمَنْ وَافَقَهُ كَالْحَارِثِ المحاسبي وَأَبِي الْعَبَّاسِ القلانسي وَأَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَالْقُضَاةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ الطَّيِّبِ وَأَبِي يَعْلَى بْنِ الْفَرَّاءِ وَأَبِي جَعْفَرٍ السَّمَّانِيِّ وَأَبِي الْوَلِيدِ الباجي وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأَعْيَانِ ؛ كَأَبِي الْمَعَالِي الجويني وَأَمْثَالِهِ ؛ وَأَبِي الْوَفَاءِ بْنِ عَقِيلٍ وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ الزاغوني وَأَمْثَالِهِمَا : أَنَّ الرَّبَّ لَا يَقُومُ بِهِ مَا يَكُونُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَيُعَبِّرُونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ لَا تُحِلُّهُ الْحَوَادِثُ وَوَافَقُوا فِي ذَلِكَ الْجَهْمَ بْنَ صَفْوَانَ وَأَتْبَاعَهُ مِنْ الجهمية وَالْمُعْتَزِلَةِ صَارُوا فِيمَا وَرَدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ صِفَاتِ الرَّبِّ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ : إمَّا أَنْ يَجْعَلُوهَا كُلَّهَا مَخْلُوقَاتٍ مُنْفَصِلَةً عَنْهُ . فَيَقُولُونَ : كَلَامُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ بَائِنٌ عَنْهُ ؛ لَا يَقُومُ بِهِ كَلَامٌ . وَكَذَلِكَ رِضَاهُ وَغَضَبُهُ وَفَرَحُهُ وَمَجِيئُهُ وَإِتْيَانُهُ وَنُزُولُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ هُوَ مَخْلُوقٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ لَا يَتَّصِفُ الرَّبُّ بِشَيْءِ يَقُومُ بِهِ عِنْدَهُمْ . وَإِذَا قَالُوا هَذِهِ الْأُمُورُ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ : فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا مُنْفَصِلَةٌ عَنْ اللَّهِ بَائِنَةٌ وَهِيَ مُضَافَةٌ إلَيْهِ ؛ لَا أَنَّهَا صِفَاتٌ قَائِمَةٌ بِهِ . وَلِهَذَا يَقُولُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ : إنَّ هَذِهِ آيَاتُ الْإِضَافَاتِ وَأَحَادِيثُ الْإِضَافَاتِ وَيُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ يَقُولُ آيَاتُ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثُ الصِّفَاتِ وَإِمَّا أَنْ يَجْعَلُوا جَمِيعَ هَذِهِ الْمَعَانِيَ قَدِيمَةً أَزَلِيَّةً وَيَقُولُونَ نُزُولُهُ وَمَجِيئُهُ وَإِتْيَانُهُ وَفَرَحُهُ وَغَضَبُهُ وَرِضَاهُ ؛ وَنَحْوُ ذَلِكَ : قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ كَمَا يَقُولُونَ : إنَّ الْقُرْآنَ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ . ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ مَعْنًى وَاحِدًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ حُرُوفًا أَوْ حُرُوفًا وَأَصْوَاتًا قَدِيمَةً أَزَلِيَّةً مَعَ كَوْنِهِ مُرَتَّبًا فِي نَفْسِهِ . وَيَقُولُونَ : فَرْقٌ بَيْنَ تَرْتِيبِ وُجُودِهِ وَتَرْتِيبِ مَاهِيَّتِهِ كَمَا قَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْأُمُورِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَقَائِلِيهَا ؛ وَأَدِلَّتِهَا السَّمْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ قَوْلَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَلَا قَوْلَ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْمَشْهُورِينَ بِالْإِمَامَةِ - أَئِمَّةِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ - كالأوزاعي وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ راهويه وَأَمْثَالِهِمْ ؛ بَلْ أَقْوَالُ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ وَعُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ : مَوْجُودَةٌ فِي الْكُتُبِ الَّتِي يُنْقَلُ فِيهَا أَقْوَالُهُمْ بِأَلْفَاظِهَا بِالْأَسَانِيدِ الْمَعْرُوفَةِ عَنْهُمْ . كَمَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي كُتُبٍ كَثِيرَةٍ مِثْلِ كِتَابِ " السُّنَّةِ " " وَالرَّدِّ عَلَى الجهمية " لِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الجعفي شَيْخِ الْبُخَارِيِّ ؛ وَلِأَبِي داود السجستاني وَلِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَلِأَبِي بَكْرٍ الْأَثْرَمِ وَلِحَنْبَلِ بْنِ إسْحَاقَ وَلِحَرْبِ الكرماني وَلِعُثْمَانِ بْنِ سَعِيدٍ الدارمي وَلِنُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ الخزاعي وَلِأَبِي بَكْرٍ الْخَلَّالِ وَلِأَبِي بَكْرِ بْنِ خزيمة وَلِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ وَلِأَبِي الْقَاسِمِ الطبراني وَلِأَبِي الشَّيْخِ الأصبهاني وَلِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ منده وَلِأَبِي عَمْرٍو الطلمنكي وَأَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ . وَفِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ الْمُسْنَدَةِ قِطْعَةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ ذَلِكَ مِثْلُ تَفْسِيرِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَعَبْدِ بْنِ حميد ودحيم وسنيد وَابْنِ جَرِيرٍ الطبري وَأَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ ؛ وَتَفْسِيرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ ؛ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كُتُبِ التَّفْسِيرِ الَّتِي يُنْقَلُ فِيهَا أَلْفَاظُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ بِالْأَسَانِيدِ الْمَعْرُوفَةِ . فَإِنَّ مَعْرِفَةَ مُرَادِ الرَّسُولِ وَمُرَادِ الصَّحَابَةِ هُوَ أَصْلُ الْعِلْمِ وَيَنْبُوعُ الْهُدَى ؛ وَإِلَّا فَكَثِيرٌ مِمَّنْ يَذْكُرُ مَذْهَبَ السَّلَفِ وَيَحْكِيهِ لَا يَكُونُ لَهُ خِبْرَةٌ بِشَيْءِ مِنْ هَذَا الْبَابِ كَمَا يَظُنُّونَ أَنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثِهَا . أَنَّهُ لَا يَفْهَمُ أَحَدٌ مَعَانِيَهَا ؛ لَا الرَّسُولُ وَلَا غَيْرُهُ وَيَظُنُّونَ أَنَّ هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ : { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ } مَعَ نَصْرِهِمْ لِلْوَقْفِ عَلَى ذَلِكَ ؛ فَيَجْعَلُونَ مَضْمُونَ مَذْهَبِ السَّلَفِ أَنَّ الرَّسُولَ بَلَّغَ قُرْآنًا لَا يُفْهَمُ مَعْنَاهُ ؛ بَلْ تَكَلَّمَ بِأَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَهُوَ لَا يَفْهَمُ مَعْنَاهَا وَأَنَّ جِبْرِيلَ كَذَلِكَ ؛ وَأَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ كَذَلِكَ . وَهَذَا ضَلَالٌ عَظِيمٌ وَهُوَ أَحَدُ أَنْوَاعِ الضَّلَالِ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَالرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَنُّ أَهْلِ التَّخْيِيلِ وَظَنُّ أَهْلِ التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ وَظَنُّ أَهْلِ التَّجْهِيلِ . وَهَذَا مِمَّا بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ . وَاَللَّهُ يَهْدِينَا وَسَائِرَ إخْوَانِنَا إلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ صِرَاطِ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا . وَالْمَقْصُودُ هُنَا : الْكَلَامُ عَلَى مَنْ يَقُولُ يَنْزِلُ وَلَا يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ وَإِنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ فِي هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : مِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ أَنْ يُقَالَ : يَخْلُو أَوْ لَا يَخْلُو كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ وَغَيْرُهُ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : بَلْ يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ وَقَدْ صَنَّفَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ منده مُصَنَّفًا فِي الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ قَالَ : لَا يَخْلُو مِنْ الْعَرْشِ أَوْ لَا يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ - كَمَا تَقَدَّمَ بَعْضُ كَلَامِهِ - . وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَتَوَقَّفُ عَنْ أَنْ يَقُولَ يَخْلُو أَوْ لَا يَخْلُو . وَجُمْهُورُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ . وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَتَوَقَّفُ عَنْ أَنْ يُقَالَ : يَخْلُو أَوْ لَا يَخْلُو لِشَكِّهِمْ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُمْ جَوَابُ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَأَمَّا مَعَ كَوْنِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ قَدْ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَكِنْ يُمْسِكُ فِي ذَلِكَ لِكَوْنِهِ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ وَلِمَا يُخَافُ مِنْ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ . وَأَمَّا الْجَزْمُ بِخُلُوِّ الْعَرْشِ فَلَمْ يَبْلُغْنَا إلَّا عَنْ طَائِفَةٍ قَلِيلَةٍ مِنْهُمْ . وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ - وَهُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا - أَنَّهُ لَا يَزَالُ فَوْقَ الْعَرْشِ وَلَا يَخْلُو الْعَرْشُ مِنْهُ مَعَ دُنُوِّهِ وَنُزُولِهِ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَلَا يَكُونُ الْعَرْشُ فَوْقَهُ . وَكَذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ كَمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَلَيْسَ نُزُولُهُ كَنُزُولِ أَجْسَامِ بَنِي آدَمَ مِنْ السَّطْحِ إلَى الْأَرْضِ بِحَيْثُ يَبْقَى السَّقْفُ فَوْقَهُمْ بَلْ اللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَحْتَاجُ إلَى بَسْطٍ .
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 2 / ص 476)
وَسُئِلَ عَمَّنْ قَالَ : إنَّ " الْفَقِيرَ وَالْغَنِيَّ " لَا يَفْضُلُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ إلَّا بِالتَّقْوَى . فَمَنْ كَانَ أَتْقَى لِلَّهِ كَانَ أَفْضَلَ وَأَحَبَّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى . وَإِنَّ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ الَّذِي قَالَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَدْخُلُ فُقَرَاءُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمِائَةِ عَامٍ } هَذَا فِي حَقِّ ضُعَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَصَعَالِيكِهِمْ الْقَائِمِينَ بِفَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ مُخْتَصًّا بِمُجَرَّدِ مَا عُرِفَ وَاشْتُهِرَ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ مِنْ السَّجَّادِ وَالْمُرَقَّعَةِ وَالْعُكَّازِ وَالْأَلْفَاظِ الْمُنَمَّقَةِ ؛ بَلْ هَذِهِ الْهَيْئَاتُ الْمُعْتَادَةُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ مُخْتَرَعَةٌ مُبْتَدَعَةٌ فَهَلْ الْأَمْرُ عَلَى مَا ذُكِرَ أَمْ لَا ؟ ؟ .
الْجَوَابُ
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَصْلٌ قَدْ كَثُرَ تَنَازُعُ النَّاسِ : أَيُّهُمَا أَفْضَلُ " الْفَقِيرُ الصَّابِرُ أَوْ الْغَنِيُّ الشَّاكِرُ " ؟ ؟ وَأَكْثَرُ كَلَامِهِمْ فِيهَا مَشُوبٌ بِنَوْعِ مِنْ الْهَوَى أَوْ بِنَوْعِ مِنْ قِلَّةِ الْمَعْرِفَةِ وَالنِّزَاعُ فِيهَا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ وَالصُّوفِيَّةِ وَالْعَامَّةِ وَالرُّؤَسَاءِ وَغَيْرِهِمْ . وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى فِي كِتَابِ " التَّمَامِ لِكِتَابِ الرِّوَايَتَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ " لِأَبِيهِ فِيهَا عَنْ أَحْمَد رِوَايَتَيْنِ . ( إحْدَاهُمَا أَنَّ الْفَقِيرَ الصَّابِرَ أَفْضَلُ . وَذُكِرَ أَنَّهُ اخْتَارَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَبُو إسْحَاقَ بْنُ شاقلا وَوَالِدُهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَنَصَرَهَا هُوَ . وَ ( الثَّانِيَةُ : أَنَّ الْغَنِيَّ الشَّاكِرَ أَفْضَلُ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ قُتَيْبَةَ . وَ " الْقَوْلُ الْأَوَّلُ " يَمِيلُ إلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَالْفِقْهِ وَالصَّلَاحِ مِنْ الصُّوفِيَّةِ وَالْفُقَرَاءِ وَيُحْكَى هَذَا الْقَوْلُ عَنْ الجنيد وَغَيْرِهِ وَ " الْقَوْلُ الثَّانِي " يُرَجِّحُهُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ . كَأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ عَطَاءٍ وَغَيْرِهِ وَرُبَّمَا حَكَى بَعْضُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ إجْمَاعًا وَهُوَ غَلَطٌ . وَفِي الْمَسْأَلَةِ " قَوْلٌ ثَالِثٌ " وَهُوَ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ هَذَا أَفْضَلَ مِنْ هَذَا مُطْلَقًا وَلَا هَذَا أَفْضَلَ مِنْ هَذَا مُطْلَقًا بَلْ أَفْضَلُهُمَا أَتْقَاهُمَا . كَمَا قَالَ تَعَالَى { إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : الْغِنَى وَالْفَقْرُ مَطِيَّتَانِ لَا أُبَالِي أَيَّتَهمَا رَكِبْت . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا } وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتِيَارُ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ الشَّيْخُ ابْنُ حَفْصٍ السهروردي وَقَدْ يَكُونُ هَذَا أَفْضَلَ لِقَوْمِ وَفِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ . وَهَذَا أَفْضَلَ لِقَوْمِ وَفِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الْكَرَامَةِ اسْتَوَيَا فِي الدَّرَجَةِ وَإِنْ فَضَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِي سَبَبِهَا تَرَجَّحَ عَلَيْهِ ؛ هَذَا هُوَ الْحُكْمُ الْعَامُّ . وَالْفَقْرُ وَالْغِنَى حَالَانِ يَعْرِضَانِ لِلْعَبْدِ بِاخْتِيَارِهِ تَارَةً وَبِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ أُخْرَى كَالْمَقَامِ وَالسَّفَرِ وَالصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَالْإِمَارَةِ والائتمار وَالْإِمَامَةِ والائتمام . وَكُلُّ جِنْسٍ مِنْ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ لَا يَجُوزُ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِتَفْضِيلِهِ عَلَى الْآخَرِ ؛ بَلْ قَدْ يَكُونُ هَذَا أَفْضَلَ فِي حَالٍ ؛ وَهَذَا فِي حَالٍ وَقَدْ يَسْتَوِيَانِ فِي حَالٍ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ فِي ( شَرْحِ السُّنَّةِ للبغوي عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى : { وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إلَّا الْغِنَى ؛ وَلَوْ أَفْقَرْته لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ ؛ وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إلَّا الْفَقْرُ وَلَوْ أَغْنَيْته لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إلَّا الصِّحَّةُ وَلَوْ أَسْقَمْته لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ مِنْ عِبَادِي مَنْ لَا يُصْلِحُهُ إلَّا السَّقَمُ وَلَوْ أَصْحَحْته لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ إنِّي أُدَبِّرُ عِبَادِي ؛ إنِّي بِهِمْ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } . وَفِي هَذَا الْمَعْنَى مَا يُرْوَى : { إنَّ اللَّهَ يَحْمِي عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ الدُّنْيَا ؛ كَمَا يَحْمِي أَحَدُكُمْ مَرِيضَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ } . وَيُرْوَى فِي مُنَاجَاةِ مُوسَى نَحْوُ هَذَا . ذَكَرَهُ أَحْمَد فِي الزُّهْدِ . فَهَذَا فِيمَنْ يَضُرُّهُ الْغِنَى وَيُصْلِحُهُ الْفَقْرُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ { نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ } . وَكَمَا أَنَّ الْأَقْوَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ " ثَلَاثَةٌ " فَالنَّاسُ " ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ " : غَنِيٌّ وَهُوَ مَنْ مَلَكَ مَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ . وَفَقِيرٌ ؛ وَهُوَ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَمَامِ كِفَايَتِهِ . وَقِسْمٌ ثَالِثٌ : وَهُوَ مَنْ يَمْلِكُ وَفْقَ كِفَايَتِهِ ؛ وَلِهَذَا كَانَ فِي أَكَابِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَالسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مَنْ كَانَ غَنِيًّا : كَإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ وَأَيُّوبَ وداود وَسُلَيْمَانَ وَعُثْمَانَ بْنِ عفان وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وأسيد بْنِ الحضير وَأَسْعَدَ بْنِ زرارة وَأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وعبادة بْنِ الصَّامِتِ وَنَحْوِهِمْ . مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْخَلْقِ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ . وَفِيهِمْ مَنْ كَانَ فَقِيرًا : كَالْمَسِيحِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ وَمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَنَحْوِهِمْ . مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْخَلْقِ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَقَدْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ اجْتَمَعَ لَهُ الْأَمْرَانِ : الْغِنَى تَارَةً وَالْفَقْرُ أُخْرَى ؛ وَأَتَى بِإِحْسَانِ الْأَغْنِيَاءِ وَبِصَبْرِ الْفُقَرَاءِ : كَنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ . وَالنُّصُوصُ الْوَارِدَةُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ حَاكِمَةٌ بِالْقِسْطِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ فِي الْقُرْآنِ لَمْ يُفَضِّلْ أَحَدًا بِفَقْرِ وَلَا غِنًى كَمَا لَمْ يُفَضِّلْ أَحَدًا بِصِحَّةِ وَلَا مَرَضٍ . وَلَا إقَامَةٍ وَلَا سَفَرٍ وَلَا إمَارَةٍ وَلَا ائْتِمَارٍ وَلَا إمَامَةٍ وَلَا ائْتِمَامٍ ؛ بَلْ قَالَ : { إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } وَفَضَّلَهُمْ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ : مِنْ الْإِيمَانِ وَدَعَائِمِهِ وَشُعَبِهِ كَالْيَقِينِ وَالْمَعْرِفَةِ وَمَحَبَّةِ اللَّهِ وَالْإِنَابَةِ إلَيْهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَرَجَائِهِ وَخَشْيَتِهِ وَشُكْرِهِ وَالصَّبْرِ لَهُ . وَقَالَ فِي آيَةِ الْعَدْلِ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا } . وَلِذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَاؤُهُ يَعْدِلُونَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ . غَنِيِّهِمْ وَفَقِيرِهِمْ فِي أُمُورِهِمْ . وَلَمَّا طَلَبَ بَعْضُ الْأَغْنِيَاءِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إبْعَادَ الْفُقَرَاءِ نَهَاهُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ . وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ . فَقَالَ : { وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } الْآيَةَ . وَقَالَ : { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } وَلَمَّا طَلَبَ بَعْضُ الْفُقَرَاءِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَا يَصْلُحُ لَهُ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ . وَقَالَ : { يَا أَبَا ذَرٍّ إنِّي أَرَاك ضَعِيفًا وَإِنِّي أُحِبُّ لَك مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي . لَا تَأَمَّرَن عَلَى اثْنَيْنِ . وَلَا تَوَلَّيَن مَالَ يَتِيمٍ } . وَكَانُوا يَسْتَوُونَ فِي مَقَاعِدِهِمْ عِنْدَهُ وَفِي الِاصْطِفَافِ خَلْفَهُ ؛ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَمَنْ اخْتَصَّ مِنْهُمْ بِفَضْلِ عَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ ذَلِكَ الْفَضْلَ كَمَا قَنَتَ لِلْقُرَّاءِ السَّبْعِينَ وَكَانَ يَجْلِسُ مَعَ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَكَانَ أَيْضًا لِعُثْمَانِ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وأسيد بْنِ الحضير وَعَبَّادِ بْنِ بِشْرٍ وَنَحْوِهِمْ مِنْ سَادَاتِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الْأَغْنِيَاءِ مَنْزِلَةٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ وَهَذِهِ سِيرَةُ الْمُعْتَدِلِينَ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِي الْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ . وَهَذَا هُوَ الْعَدْلُ وَالْقِسْطُ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَهِيَ طَرِيقَةُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَمَالِكٍ وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ . وَغَيْرِهِمْ . فِي مُعَامَلَتِهِمْ لِلْأَقْوِيَاءِ وَالضُّعَفَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ . وَفِي الْأَئِمَّةِ كَالثَّوْرِيِّ وَنَحْوِهِ مَنْ كَانَ يَمِيلُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَيَمِيلُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ مُجْتَهِدًا فِي ذَلِكَ طَالِبًا بِهِ رِضَا اللَّهِ حَتَّى عُتِبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَرَجَعَ عَنْهُ . وَفِيهِمْ مَنْ كَانَ يَمِيلُ مَعَ الْأَغْنِيَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ : كَالزُّهْرِيِّ وَرَجَاءِ بْنِ حيوة وَأَبِي الزِّنَادِ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأُنَاسٍ آخَرِينَ وَتَكَلَّمَ فِيهِمْ مَنْ تَكَلَّمَ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَأْوِيلٌ وَاجْتِهَادٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْعَدْلُ وَالْقِسْطُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ . وَنُصُوصُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَدِلَةٌ فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ { أَنَّ الْفُقَرَاءَ قَالُوا لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ . يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَلَهُمْ فُضُولُ أَمْوَالٍ يَتَصَدَّقُونَ بِهَا وَلَا نَتَصَدَّقُ فَقَالَ : أَلَا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا ؟ إذَا فَعَلْتُمُوهُ أَدْرَكْتُمْ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يَلْحَقْكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ إلَّا مَنْ عَمِلَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ فَعَلَّمَهُمْ التَّسْبِيحَ الْمِائَةَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ . فَجَاءُوا إلَيْهِ فَقَالُوا : إنَّ إخْوَانَنَا مِنْ الْأَغْنِيَاءِ سَمِعُوا ذَلِكَ فَفَعَلُوهُ فَقَالَ : ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيه مَنْ يَشَاءُ } وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ مَرَاسِيلِ أَبِي صَالِحٍ فَهَذَا فِيهِ تَفْضِيلٌ لِلْأَغْنِيَاءِ الَّذِينَ عَمِلُوا مِثْلَ عَمَلِ الْفُقَرَاءِ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ بِالْقَلْبِ وَالْبَدَنِ وَزَادُوا عَلَيْهِمْ بِالْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ . وَثَبَتَ عَنْهُ أَيْضًا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ : { يَدْخُلُ فُقَرَاءُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ بِنِصْفِ يَوْمٍ - خَمْسِمِائَةِ عَامٍ - وَفِي رِوَايَةٍ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا } فَهَذَا فِيهِ تَفْضِيلُ الْفُقَرَاءِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ الْأَغْنِيَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَكِلَاهُمَا حَقٌّ ؛ فَإِنَّ الْفَقِيرَ لَيْسَ مَعَهُ مَالٌ كَثِيرٌ يُحَاسَبُ عَلَى قَبْضِهِ وَصَرْفِهِ فَلَا يُؤَخَّرُ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ لِأَجْلِ الْحِسَابِ فَيَسْبِقُ فِي الدُّخُولِ وَهُوَ أَحْوَجُ إلَى سُرْعَةِ الثَّوَابِ لِمَا فَاتَهُ فِي الدُّنْيَا مِنْ الطَّيِّبَاتِ . وَالْغَنِيُّ يُحَاسَبُ فَإِنْ كَانَ مُحْسِنًا فِي غِنَاهُ غَيْرَ مُسِيءٍ وَهُوَ فَوْقَهُ رُفِعَتْ دَرَجَتُهُ عَلَيْهِ بَعْدَ الدُّخُولِ وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ سَاوَاهُ وَإِنْ كَانَ دُونَهُ نَزَلَ عَنْهُ . وَلَيْسَتْ حَاجَتُهُ إلَى سُرْعَةِ الثَّوَابِ كَحَاجَةِ الْفَقِيرِ . وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي " حَوْضِهِ " : الَّذِي طُولُهُ شَهْرٌ وَعَرْضُهُ شَهْرٌ : { مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ أَوَّلُ النَّاسِ عَلَيَّ وِرْدًا فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ : الدَّنِسِينَ ثِيَابًا الشُّعْثِ رُءُوسًا الَّذِينَ لَا يَنْكِحُونَ الْمُتَنَعِّمَاتِ وَلَا تُفْتَحُ لَهُمْ أَبْوَابُ الْمُلُوكِ يَمُوتُ أَحَدُهُمْ وَحَاجَتُهُ تَخْتَلِجُ فِي صَدْرِهِ لَا يَجِدُ لَهَا قَضَاءً } فَكَانُوا أَسْبَقَ إلَى الَّذِي يُزِيلُ مَا حَصَلَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ اللَّأْوَاءِ وَالشِّدَّةِ وَهَذَا مَوْضِعُ ضِيَافَةٍ عَامَّةٍ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ الْأَشَدُّ جُوعًا فِي الْإِطْعَامِ وَإِنْ كَانَ لِبَعْضِ الْمُسْتَأْخِرِينَ نَوْعُ إطْعَامٍ لَيْسَ لِبَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ لِاسْتِحْقَاقِهِ ذَلِكَ بِبَذْلِهِ عِنْدَهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَحُّ مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَفِيهَا الْحُكْمُ الْفَصْلُ : إنَّ الْفُقَرَاءَ لَهُمْ السَّبْقُ وَالْأَغْنِيَاءَ لَهُمْ الْفَضْلُ وَهَذَا قَدْ يَتَرَجَّحُ تَارَةً وَهَذَا كَالسَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَمَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا ؛ وَقَدْ يُحَاسَبُ بَعْدَهُمْ مَنْ إذَا دَخَلَ رُفِعَتْ دَرَجَتُهُ عَلَيْهِمْ . وَمَا رُوِيَ : { أَنَّ ابْنَ عَوْفٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ حَبْوًا } كَلَامٌ مَوْضُوعٌ لَا أَصْلَ لَهُ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِأَدِلَّةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ أَفْضَلَ الْأُمَّةِ أَهْلُ بَدْرٍ ثُمَّ أَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَالْعَشْرَةُ مُفَضَّلُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ وَالْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ أَفْضَلُ الْأُمَّةِ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ قَالَ : { اطَّلَعَتْ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ وَاطَّلَعْت فِي النَّارِ فَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ } وَثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ : { احْتَجَّتْ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَقَالَتْ الْجَنَّةُ : مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَقَالَتْ النَّارُ : مَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إلَّا الْجَبَّارُونَ والمتكبرون } وَقَوْلُهُ : { وَقَفْت عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ يَدْخُلُهَا الْمَسَاكِينُ وَإِذَا أَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ إلَّا أَهْلُ النَّارِ فَقَدْ أُمِرَ بِهِمْ إلَى النَّارِ } هَذَا مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلِّ خَيْرٍ } . فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ فِيهَا مَعْنَيَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ الْجَنَّةَ دَارُ الْمُتَوَاضِعِينَ الْخَاشِعِينَ لَا دَارُ الْمُتَكَبِّرِينَ الْجَبَّارِينَ سَوَاءٌ كَانُوا أَغْنِيَاءَ أَوْ فُقَرَاءَ ؛ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ { أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إيمَانٍ . فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنًا أَفَمِنْ الْكِبْرِ . ذَاكَ فَقَالَ : لَا - إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ وَلَكِنَّ الْكِبْرَ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ } فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّجَمُّلَ فِي اللِّبَاسِ الَّذِي لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْغِنَى وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْكِبْرِ . وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ : فَقِيرٌ مُخْتَالٌ وَشَيْخٌ زَانٍ وَمَلِكٌ كَذَّابٌ } وَكَذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ : { لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ جَبَّارًا وَمَا يَمْلِكُ إلَّا أَهْلَهُ } . فَعُلِمَ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ : أَنَّ مِنْ الْفُقَرَاءِ مَنْ يَكُونُ مُخْتَالًا ؛ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ . وَأَنَّ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ مَنْ يَكُونُ مُتَجَمِّلًا غَيْرَ مُتَكَبِّرٍ ؛ يُحِبُّ اللَّهُ جَمَالَهُ . مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ { إنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إلَى صُوَرِكُمْ وَلَا إلَى أَمْوَالِكُمْ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ } وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ هِرَقْلَ لِأَبِي سُفْيَانَ : أَفَضُعَفَاءُ النَّاسِ اتَّبَعَهُ أَمْ أَشْرَافُهُمْ ؟ قَالَ : بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ . قَالَ : وَهُمْ أَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ . وَقَدْ قَالُوا لِنُوحِ : { أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ } فَهَذَا فِيهِ أَنَّ أَهْلَ الرِّئَاسَةِ وَالشَّرَفِ يَكُونُونَ أَبْعَدَ عَنْ الِانْقِيَادِ إلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ ؛ لِأَنَّ حُبَّهُمْ لِلرِّئَاسَةِ يَمْنَعُهُمْ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمُسْتَضْعَفِينَ . وَفِي هَذَا الْمَعْنَى الْحَدِيثُ الْمَأْثُورُ - إنْ كَانَ مَحْفُوظًا - { اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ } فَالْمَسَاكِينُ ضِدُّ الْمُتَكَبِّرِينَ . وَهُمْ الْخَاشِعُونَ لِلَّهِ . الْمُتَوَاضِعُونَ لِعَظَمَتِهِ الَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ . سَوَاءٌ كَانُوا أَغْنِيَاءَ أَوْ فُقَرَاءَ . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ إنَّ اللَّهَ خَيَّرَهُ : بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا رَسُولًا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا مَلِكًا فَاخْتَارَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا رَسُولًا ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الرَّسُولَ يَتَصَرَّفُ بِأَمْرِ سَيِّدِهِ ؛ لَا لِأَجْلِ حَظِّهِ وَأَمَّا الْمَلِكُ فَيَتَصَرَّفُ لِحَظِّ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا . كَمَا قِيلَ لِسُلَيْمَانَ : { هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } فَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ : أَنَّهُ اخْتَارَ الْعُبُودِيَّةَ وَالتَّوَاضُعَ . وَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَعْلَى هُوَ وَمَنْ اتَّبَعَهُ . كَمَا قَالَ : { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ } وَقَالَ : { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } وَلَمْ يُرِدْ الْعُلُوَّ وَإِنْ كَانَ قَدْ حَصَلَ لَهُ . وَقَدْ أُعْطِيَ مَعَ هَذَا مِنْ الْعَطَاءِ مَا لَمْ يُعْطَهُ غَيْرُهُ وَإِنَّمَا يُفَضَّلُ الْغِنَى لِأَجْلِ الْإِحْسَانِ إلَى الْخَلْقِ وَالْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ وَإِلَّا فَذَاتُ مِلْكِ الْمَالِ لَا يَنْفَعُ بَلْ قَدْ يَضُرُّ وَقَدْ صَبَرَ مَعَ هَذَا مِنْ اللَّأْوَاءِ وَالشِّدَّةِ عَلَى مَا لَمْ يَصْبِرْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَنَالَ أَعْلَى دَرَجَاتِ الشَّاكِرِينَ وَأَفْضَلَ مَقَامَاتِ الصَّابِرِينَ وَكَانَ سَابِقًا فِي حَالَيْ الْفَقْرِ وَالْغِنَى لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ لَا يُصْلِحُهُ إلَّا أَحَدُهُمَا كَبَعْضِ أَصْحَابِهِ وَأُمَّتِهِ . ( الْمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ الصَّلَاحَ فِي الْفُقَرَاءِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الْأَغْنِيَاءِ . كَمَا أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْأَغْنِيَاءِ فَهُوَ أَكْمَلُ مِنْهُ فِي الْفُقَرَاءِ فَهَذَا فِي هَؤُلَاءِ أَكْثَرُ وَفِي هَؤُلَاءِ أَكْثَرُ لِأَنَّ فِتْنَةَ الْغِنَى أَعْظَمُ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ فَالسَّالِمُ مِنْهَا أَقَلُّ . وَمَنْ سَلِمَ مِنْهَا كَانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ سَلِمَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ فَقَطْ ؛ وَلِهَذَا صَارَ النَّاسُ يَطْلُبُونَ الصَّلَاحَ فِي الْفُقَرَاءِ لِأَنَّ الْمَظِنَّةَ فِيهِمْ أَكْثَرُ . فَهَذَا هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . فَلِهَذَا السَّبَبِ صَارَتْ الْمَسْكَنَةُ نِسْبَتُهُ وَكَذَلِكَ لَمَّا رَأَوْا الْمَسْكَنَةَ وَالتَّوَاضُعَ فِي الْفُقَرَاءِ أَكْثَرَ اعْتَقَدُوا أَنَّ التَّوَاضُعَ وَالْمَسْكَنَةَ هُوَ الْفَقْرُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ . بَلْ الْفَقْرُ هُنَا عَدَمُ الْمَالِ وَالْمَسْكَنَةُ خُضُوعُ الْقَلْبِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِيذُ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ وَشَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى وَقَالَ : بَعْضُ الصَّحَابَةِ اُبْتُلِينَا بِالضَّرَّاءِ فَصَبَرْنَا وَابْتَلَيْنَا بِالسَّرَّاءِ فَلَمْ نَصْبِرْ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَاَللَّهِ مَا الْفَقْرُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ أَخَافَ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فتنافسوها } وَلِهَذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ الْفَقْرَ وَالْغَالِبُ عَلَى الْأَنْصَارِ الْغِنَى وَالْمُهَاجِرُونَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَنْصَارِ وَكَانَ فِي الْمُهَاجِرِينَ أغنياؤهم مِنْ أَفْضَلِ الْمُهَاجِرِينَ مَعَ أَنَّهُمْ بِالْهِجْرَةِ تَرَكُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا صَارُوا بِهِ فُقَرَاءَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ .
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 15 / ص 70)
لماذا النساء هن الأقل في الجنة؟!
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 16/04/1427هـ
السؤال
ورد في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أقل ساكني الجنة النساء".
والكثيرون يسألون عن هذا الحديث، كيف يكون هذا منصفا للنساء؟ ألا يجب أن يكون عدد الرجال والنساء متساويا في الجنة؟
وكونهن قليل في الجنة هل يعني أن الرجال سيطغون في عددهم في الجنة؟ فأرجو توضيح هذه المسألة.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
صح من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء فقال: "يا معشر النساء تصدقن؛ فإني رأيتكن أكثر أهل النار". فقُلْنَ: وبم ذلك يا رسول الله؟ قال: "تكثرن اللعن، وتكفرن العشير...". الحديث رواه الشيخان البخاري (1462)، ومسلم (80). وروى مسلم (2738) وغيره من حديث عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أقل ساكني الجنة النساء".
والعلة في ذلك جاءت مفسرة في حديث أبي سعيد المتقدم: "أنهن يكثرن اللعن ويكفرن العشير". وفي كتاب الأخبار للالكائي قالوا: يا رسول الله ألسن أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا؟ قال: "بلا، ولكن إذا أعطين لن يشكرن وإذا ابتلين لن يصبرن".
يقول القرطبي -رحمه الله-: إنما كان النساء أقل ساكني الجنة لما يغلب عليهن من الهوى والميل إلى عاجل زينة الحياة الدنيا، ونقصان عقلوهن، وضعفهن عن عمل الآخرة والتأهب لها، لميلهن إلى الدنيا والتزين بها، وأكثرهن معرضات عن الآخرة،سريعات الانصياع لراغبيهن من المعرضين عن الدين، عسيرات الاستجابة لمن يدعوهن إلى الآخرة وأعمالها. اهـ.
قلت: وكون أكثر أهل الجنة الرجال، لا يعني أن النساء قليلات معدودات، ولكن الغالب منهن أن يكن بهذه الصفات فيقعن في النار، وإلا ففي الجنة الكثير والكثير مما لا يعد ولا يحصى من المؤمنات، قياسه حديث عمران -رضي الله عنه-: "اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء". أخرجه البخاري (3241)، ومسلم (2738). وهذا لا يعني أن الأغنياء في النار، ولكن أن الغالب فيهم عدم الصدق وقلة الأمانة وضبط النفس، فكانوا أقل نسبة من عدد الفقراء.
وقوله أيضاً: "إن أقل ساكني الجنة النساء". كما ذكر ذلك مفسرو الحديث، أي في أول الأمر قبل خروج عاصياتهن من النار، فلا دلالة فيه أيضاً على أن نساء الدنيا أقل من الرجال في الجنة، فقلتهن -إذًا- باعتبار أول الأمر، وقبل مرورهن بالتمحيص والتطهير من عذاب الآخرة الذي يمر به جميع العصاة سواء من الأغنياء العصاة، أو من النساء العاصيات، أو غيرهم من المسلمين العصاة.
تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 399)
2528 - قَوْلُهُ : ( أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ )
قَالَ اِبْنُ بَطَّالٍ : هَذَا لَا يُوجِبُ فَضْلَ الْفَقِيرِ عَلَى الْغَنِيِّ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ الْفُقَرَاءَ فِي الدُّنْيَا أَكْثَرُ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ ، فَأَخْبَرَ عَنْ ذَلِكَ كَمَا تَقُولُ أَكْثَرُ أَهْلِ الدُّنْيَا الْفُقَرَاءُ إِخْبَارًا عَنْ الْحَالِ ، وَلَيْسَ الْفَقْرُ أَدْخَلَهُمْ الْجَنَّةَ وَإِنَّمَا دَخَلُوا بِصَلَاحِهِمْ مَعَ الْفَقْرِ ، فَإِنَّ الْفَقِيرَ إِذَا لَمْ يَكُنْ صَالِحًا لَا يَفْضُلُ . قَالَ الْحَافِظُ : ظَاهِرُ الْحَدِيثِ التَّحْرِيضُ عَلَى تَرْكِ التَّوَسُّعِ مِنْ الدُّنْيَا كَمَا أَنَّ فِيهِ تَحْرِيضَ النِّسَاءِ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى أَمْرِ الدِّينِ لِئَلَّا يَدْخُلْنَ النَّارَ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ : " تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ " . قِيلَ بِمَ ؟ قَالَ " بِكُفْرِكُنَّ " . قِيلَ يَكْفُرْنَ بِاَللَّهِ قَالَ يَكْفُرْنَ بِالْإِحْسَانِ . وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ : إِنَّمَا كَانَ النِّسَاءُ أَقَلَّ سَاكِنِي الْجَنَّةِ لِمَا يَغْلِبُ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْهَوَى وَالْمَيْلِ إِلَى عَاجِلِ زِينَةِ الدُّنْيَا وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الْآخِرَةِ لِنَقْصِ عَقْلِهِنَّ وَسُرْعَةِ اِنْخِدَاعِهِنَّ اِنْتَهَى .
قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )
قَالَ الْجَزَرِيُّ : هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ اِبْنِ عَبَّاسٍ ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ .
قَوْلُهُ : ( وَكِلَا الْإِسْنَادَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا مَقَالٌ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو رَجَاءٍ سَمِعَ مِنْهُمَا جَمِيعًا )
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا : وَقَالَ الْخَطِيبُ فِي الْمُدْرَجِ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ أَبِي الْأَشْعَبِ وَجَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ وَسَلْمِ بْنِ زَرِيرٍ وَحَمَّادِ بْنِ نَجِيحٍ وَصَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَّةَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ بِهِ ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا جَمَعَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ ، فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ رَوَوْهُ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ . وَسَلْمٌ إِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ وَلَعَلَّ جَرِيرًا كَذَلِكَ وَقَدْ جَاءَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ بِالْوَجْهَيْنِ ، وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ فِطْرٍ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ ، فَالْحَدِيثُ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اِنْتَهَى .
طرح التثريب - (ج 9 / ص 224)
( الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ ) قَوْلُهُ { وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ } هَكَذَا هُوَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ بِالتَّاءِ وَهِيَ لُغَةٌ مُتَكَرِّرَةٌ فِي الْأَحَادِيثِ وَكَلَامِ الْعَرَبِ ، وَالْأَكْثَرُ حَذْفُهَا وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ وَأَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ .
( الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ ) اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ فِي الْجَنَّةِ أَكْثَرُ مِنْ الرِّجَالِ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ ( أَمَا تَفَاخَرُوا أَمَّا تَذَاكَرُوا الرِّجَالُ أَكْثَرُ فِي الْجَنَّةِ أَمْ النِّسَاءِ ؟ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَوْ لَمْ يَقُلْ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَاَلَّتِي تَلِيهَا عَلَى أَضْوَءِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ اثْنَتَانِ يَرَى مُخَّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ وَمَا فِي الْجَنَّةِ أَعْزَبُ } وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " اخْتَصَمَ الرِّجَالُ ، وَالنِّسَاءُ أَيُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ أَكْثَرُ فَسَأَلُوا أَبَا هُرَيْرَةَ فَذَكَرَهُ فَإِذَا خَلَّتْ الْجَنَّةُ عَنْ الْعُزَّابِ وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ زَوْجَتَانِ كَانَ النِّسَاءُ مِثْلَيْ الرِّجَالِ " وَيُعَارِضُهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ { إنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ } .
وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ { اطَّلَعْت فِي النَّارِ فَرَأَيْت أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ } وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحِ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُنَّ أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَكْثَرُ أَهْلِ النَّارِ لِكَثْرَتِهِنَّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يَخْرُجُ مِنْ مَجْمُوعِ هَذَا أَنَّ النِّسَاءَ أَكْثَرُ وَلَدِ آدَمَ قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْآدَمِيَّاتِ وَإِلَّا فَقَدْ جَاءَ أَنَّ لِلْوَاحِدِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ الْحَوَرِ الْعَدَدَ الْكَثِيرَ قُلْت ) .
وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ عِنْدِ الزَّبِيدِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ { إنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ الَّذِي لَهُ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ زَوْجَةً } .
( فَإِنْ قُلْت ) كَيْفَ اقْتَصَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى ذِكْرِ زَوْجَتَيْنِ ( قُلْت ) الزَّوْجَتَانِ مِنْ نِسَاءِ الدُّنْيَا ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ بِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ نَوْعَ النِّسَاءِ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الْحُورِ ، وَالْآدَمِيَّاتِ فِي الْجَنَّةِ أَكْثَرُ مِنْ نَوْعِ الرِّجَالِ مِنْ بَنِي آدَمَ وَرِجَالُ بَنِي آدَمَ أَكْثَرُ مِنْ نِسَائِهِمْ ، وَعَنْ هَذَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَقَلُّ سَاكِنِي الْجَنَّةِ النِّسَاءُ وَأَكْثَرُ سَاكِنِي جَهَنَّمَ النِّسَاءُ } يَعْنِي نِسَاءُ بَنِي آدَمَ هُنَّ أَقَلُّ فِي الْجَنَّةِ وَأَكْثَرُ فِي النَّارِ ( قُلْت ) وَإِذَا قُلْنَا بِالْأَوَّلِ إنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَيْنِ مِنْ نِسَاءِ الدُّنْيَا فَيُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ { أَقَلُّ سَاكِنِي الْجَنَّةِ النِّسَاءُ } وَلَعَلَّ رَاوِيَهُ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى فِي فَهْمِهِ فَأَخْطَأَ ، فَهِمَ مِنْ كَوْنِهِنَّ أَكْثَرَ سَاكِنِي جَهَنَّمَ أَنَّهُنَّ أَقَلُّ سَاكِنِي الْجَنَّةِ .
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ وَأَنَّهُنَّ أَكْثَرُ سَاكِنِي الْجِهَتَيْنِ مَعًا لِكَثْرَتِهِنَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .(1/193)
ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ عَلَى أَبِي رَجَاءٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
360-8016 أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ هِلَالٍ ، وَعِمْرَانُ بْنُ مُوسَى قَالَا : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ : حَدَّثَنَا أَيُّوبُ ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حَصِينٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نَظَرْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ ، وَنَظَرْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ " (1)
361-8017 أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ ، وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ " (2)
362-8018 أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ : حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ وَهُوَ ابْنُ عَوْنٍ قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدٌ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ يُحَدِّثُ قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ ، وَاطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَإِذَا عَامَّةُ أَهْلِهَا الْمَسَاكِينُ " أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُعَافَى ، عَنْ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (3)
363-8019 وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ نَجِيحٍ ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الضُّعْفَاءُ " وَقَالَ يَحْيَى : " الْمَسَاكِينَ ، وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ " (4)
364-8020 أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِدٌ ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ ، وَإِذَا أَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ ، وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ " (5)
365-8021 أَخْبَرَنَا نُصَيْرُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ : حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حَصِينٍ قَالَ : سَمِعْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " عَامَّةُ أَهْلِ النَّارِ النِّسَاءُ " (6)
366-8022 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ : سَمِعْتُ مُطَرِّفَ بْنَ الشِّخِّيرِ ، أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حَصِينٍ ، حَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَقَلُّ سُكَّانِ الْجَنَّةِ النِّسَاءُ "(7)
367-8023 أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْخَطْمِيُّ ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ : كُنَّا مَعَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي حَجٍّ أَوْ عَمْرَةٍ ، فَلَمَّا كُنَّا بِمَرِّ الظَّهْرَانِ إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ فِي هَوْدَجِهَا وَاضِعَةً يَدَهَا عَلَى هَوْدَجِهَا ، فَلَمَّا نَزَلَ دَخَلَ الشِّعْبَ وَدَخَلْنَا مَعَهُ فَقَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَكَانِ ، فَإِذَا نَحْنُ بِغِرْبَانٍ كَثِيرٍ فِيهَا غُرَابٌ أَعْصَمُ ، أَحْمَرُ الْمِنْقَارِ وَالرِّجْلَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا كَقَدْرِ هَذَا الْغُرَابِ مَعَ هَذِهِ الْغِرْبَانِ " (8)
368-8024 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا نَضْرَةَ ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الدُّنْيَا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا لِيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ " (9)
__________
(1) - مسند أحمد برقم( 20462) صحيح
(2) - صحيح البخارى برقم( 3241و 5198 و 6449 و 6546 ) وصحيح مسلم رقم(7114 )
(3) - مسند البزار برقم( 3582) ومسند عبد بن حميد برقم( 693) صحيح
(4) - المعجم الكبير للطبراني برقم( 14632) صحيح
(5) - صحيح
(6) - المعجم الكبير للطبراني برقم( 14644) صحيح
(7) - مسند أحمد برقم( 20451) و مستخرج أبي عوانة برقم( 3267 ) صحيح
(8) - المستدرك للحاكم برقم( 8782) وهو صحيح
(9) - صحيح مسلم برقم( 7124 ) وسنن الترمذى برقم( 2350 ) وسنن ابن ماجه برقم( 4135)
شرح النووي على مسلم - (ج 9 / ص 105)
4925 - قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الدُّنْيَا خَضِرَة حُلْوَة ، وَإِنَّ اللَّه مُسْتَخْلِفكُمْ فِيهَا ، فَيَنْظُر كَيْف تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاء ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ
( فَاتَّقُوا الدُّنْيَا )
وَمَعْنَاهُ : تَجَنَّبُوا الِافْتِتَان بِهَا وَبِالنِّسَاءِ ، وَتَدْخُل فِي النِّسَاء الزَّوْجَات وَغَيْرهنَّ ، وَأَكْثَرهنَّ فِتْنَة الزَّوْجَات ، لِدَوَامِ فِتْنَتهنَّ وَابْتِلَاء أَكْثَر النَّاس بِهِنَّ . وَمَعْنَى ( الدُّنْيَا خَضِرَة حُلْوَة ) يَحْتَمِل أَنَّ الْمُرَاد بِهِ شَيْئَانِ أَحَدهمَا : حُسْنهَا لِلنُّفُوسِ ، وَنَضَارَتهَا وَلَذَّتهَا كَالْفَاكِهَةِ الْخَضْرَاء الْحُلْوَة ، فَإِنَّ النُّفُوس تَطْلُبهَا طَلَبًا حَثِيثًا ، فَكَذَا الدُّنْيَا . وَالثَّانِي : سُرْعَة فَنَائِهَا كَالشَّيْءِ الْأَخْضَر فِي هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ . وَمَعْنَى ( مُسْتَخْلِفكُمْ فِيهَا ) جَاعِلكُمْ خُلَفَاء مِنْ الْقُرُون الَّذِينَ قَبْلكُمْ ، فَيَنْظُر هَلْ تَعْمَلُونَ بِطَاعَتِهِ ، أَمْ بِمَعْصِيَتِهِ وَشَهَوَاتكُمْ .
تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 480)
2117 - قَوْلُهُ : ( بِنَهَارٍ )
فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجَّلَ الْعَصْرَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ
( ثُمَّ قَامَ خَطِيبًا )
وَاعِظًا
( فَلَمْ يَدَعْ )
أَيْ لَمْ يَتْرُكْ
( شَيْئًا )
أَيْ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الدِّينِ مِمَّا لَا بُدَّ مَعَهُ
( يَكُونُ )
أَيْ يَقَعُ ذَلِكَ الشَّيْءُ
( إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ )
أَيْ سَاعَةَ الْقِيَامَةِ
( حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ )
أَيْ مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ وَحَفِظَهُ
( وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ )
أَيْ مَنْ أَنْسَاهُ اللَّهُ وَتَرَكَ نَصْرَهُ
( فَكَانَ )
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَكَانَ
( فِيمَا قَالَ )
أَيْ مِنْ خُطْبَتِهِ وَمَوْعِظَتِهِ
( إِنَّ الدُّنْيَا خَضِرَةٌ )
بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ ، أَيْ نَاعِمَةٌ طَرِيَّةٌ مَحْبُوبَةٌ
( حُلْوَةٌ )
بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ لَذِيذَةٌ حَسَنَةٌ ، وَإِنَّمَا وَصَفَهَا بِالْخَضِرَةِ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الشَّيْءَ النَّاعِمَ خَضِرًا أَوْ لِشَبَهِهَا بِالْخَضْرَوَاتِ فِي ظُهُورِ كَمَالِهَا وَسُرْعَةِ زَوَالِهَا . وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّهَا تَفْتِنُ النَّاسَ ، بِلَوْنِهَا وَطَعْمِهَا
( وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ )
أَيْ جَاعِلُكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ قَرْنٍ خَلَوْا قَبْلَكُمْ فَيَنْظُرَ تُطِيعُونَهُ أَوْ لَا
( أَلَا )
لِلتَّنْبِيهِ
( فَاتَّقُوا الدُّنْيَا )
أَيْ اِحْذَرُوا زِيَادَتَهَا عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ الْمُعِينَةِ لِلدِّينِ النَّافِعَةِ فِي الْأُخْرَى
( وَاتَّقُوا النِّسَاءَ )
أَيْ كَيْدَهُنَّ وَمَكْرَهُنَّ
( وَكَانَ فِيمَا قَالَ )
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُطْبَتِهِ
( أَلَا )
لِلتَّنْبِيهِ
( هَيْبَةُ النَّاسِ )
أَيْ عَظَمَتُهُمْ وَشَوْكَتُهُمْ وَمَخَافَتُهُمْ وَمَهَابَتُهُمْ
( أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ )
أَيْ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ أَوْ يَأْمُرَ بِهِ
( قَدْ وَاللَّهِ رَأَيْنَا أَشْيَاءَ فَهِبْنَا )
أَيْ خِفْنَا مِنْ هَابَهُ يَهَابُهُ أَيْ يَخَافُهُ . وَالْمَعْنَى مَنَعَتْنَا هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ نَتَكَلَّمَ فِيهَا
( يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ )
مِنْ الْغَدْرِ وَهُوَ تَرْكُ الْوَفَاءِ
( لِوَاءٌ )
بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ عَلِمَ إِعْلَامًا بِسُوءِ حَالِهِ وَقُبْحِ مَآلِهِ
( بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ )
مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْغَدْرِ
( وَلَا غَدْرَةَ أَعْظَمَ مِنْ غَدْرَةِ إِمَامٍ عَامَّةٍ )
قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : أَرَادَ بِهِ الْمُتَغَلِّبَ الَّذِي يَسْتَوْلِي عَلَى أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَبِلَادِهِمْ بِتَأْمِيرِ الْعَامَّةِ وَمُعَاضَدَتِهِمْ إِيَّاهُ مِنْ غَيْرِ مُؤَامَرَةٍ مِنْ الْخَاصَّةِ ، وَأَهْلِ الْعَقْدِ مِنْ أُولِي الْعِلْمِ وَمَنْ يَنْضَمُّ إِلَيْهِمْ مِنْ ذَوِي السَّابِقَةِ وَوُجُوهِ النَّاسِ
( يُرْكَزُ )
بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ، أَيْ يُغْرَزُ كَمَا فِي رِوَايَةٍ
( لِوَاؤُهُ عِنْدَ اِسْتِهِ )
بِهَمْزَةِ الْوَصْلِ مَكْسُورَةٍ ، الْعَجُزُ أَوْ حَلْقَةُ الدُّبُرِ أَيْ يُنْصَبُ لِوَاؤُهُ عِنْدَ اِسْتِهِ تَحْقِيرًا لَهُ
( أَلَا )
لِلتَّنْبِيهِ
( خُلِقُوا )
أَيْ جُبِلُوا عَلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ فِيهِمْ مِنْ اِخْتِيَارِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ
( عَلَى طَبَقَاتٍ شَتَّى )
أَيْ مَرَاتِبَ مُخْتَلِفَةٍ بِاعْتِبَارِ اِخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَأَوْقَاتِهِمَا .
( فَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا )
أَيْ مِنْ أَبَوَيْهِ الْمُؤْمِنَيْنِ أَوْ فِي بِلَادِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ حِينَ يُولَدُ قَبْلَ التَّمْيِيزِ لَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ إِلَّا بِاعْتِبَارِ مَا عَلِمَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ الْأَزَلِ ، أَوْ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إِلَيْهِ أَمْرُهُ فِي الِاسْتِقْبَالِ
( يَحْيَى )
أَيْ يَعِيشُ فِي جَمِيعِ عُمْرِهِ مِنْ حِينِ تَمْيِيزِهِ إِلَى اِنْتِهَاءِ عُمْرِهِ
( مُؤْمِنًا )
أَيْ كَامِلًا أَوْ نَاقِصًا
( وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا )
أَيْ وَكَذَلِكَ جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْهُمْ
( وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا )
أَيْ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ وَهُوَ لَا يُنَافِي مَا وَرَدَ : كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا قَابِلِيَّةُ قَبُولِ الْهِدَايَةِ لَوْلَا مَانِعٌ مِنْ بَوَاعِثِ الضَّلَالَةِ ، كَمَا يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ : " فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ " الْحَدِيثَ .
( وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا وَيَحْيَى كَافِرًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا )
فَالْعِبْرَةُ بِالْخَوَاتِيمِ ، وَكَأَنَّ التَّقْسِيمَ غَالِبِيٌّ ، وَإِلَّا فَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا وَيَحْيَى كَافِرًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا وَيَحْيَى مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ كَافِرًا . وَلَعَلَّ عَدَمَ ذِكْرِهِمَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْخَاتِمَةِ .
وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا ذُكِرَ إِجْمَالًا
( أَلَا )
لِلتَّنْبِيهِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ
( وَإِنَّ مِنْهُمْ )
أَيْ مِنْ بَنِي آدَمَ
( الْبَطِيءَ الْغَضَبِ )
فَعِيلَ مِنْ الْبُطْءِ مَهْمُوزٌ ، وَقَدْ يُبْدَلُ وَيُدْغَمُ وَهُوَ ضِدُّ السَّرِيعِ
( سَرِيعَ الْفَيْءِ )
أَيْ سَرِيعَ الرُّجُوعِ مِنْ الْغَضَبِ
( وَمِنْهُمْ سَرِيعُ الْغَضَبِ سَرِيعُ الْفَيْءِ فَتِلْكَ بِتِلْكَ )
وَفِي الْمِشْكَاةِ فَإِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى .
قَالَ الْقَارِي : أَيْ إِحْدَى الْخَصْلَتَيْنِ مُقَابَلَةٌ بِالْأُخْرَى وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ وَالذَّمَّ فَاعِلُهُمَا لِاسْتِوَاءِ الْحَالَتَيْنِ فِيهِ بِمُقْتَضَى الْعَقْلِ ، فَلَا يُقَالُ فِي حَقِّهِ إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ وَلَا شَرُّهُمْ اِنْتَهَى . وَهَاهُنَا قِسْمٌ رَابِعٌ لَمْ يَذْكُرْهُ التِّرْمِذِيُّ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ . فَفِي الْمِشْكَاةِ : وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ بَطِيءَ الْغَضَبِ بَطِيءَ الْفَيْءِ ، فَإِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى . قَالَ الْقَارِي : وَالتَّقْسِيمُ بِمُقْتَضَى الْعَقْلِ رُبَاعِيٌّ لَا خَامِسَ لَهُ . وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ فِيهِ جَمِيعِ الْأَخْلَاقِ الْمَرْضِيَّةِ وَالدَّنِيَّةِ ، وَأَنَّ كَمَالَهُ أَنْ تَغْلِبَ لَهُ الصِّفَاتُ الْحَمِيدَةُ عَلَى الذَّمِيمَةِ ، لَا أَنَّهَا تَكُونُ مَعْدُومَةً فِيهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ } حَيْثُ لَمْ يَقُلْ وَالْعَادِمِينَ ، إِذْ أَصْلُ الْخَلْقِ لَا يَتَغَيَّرُ وَلَا يَتَبَدَّلُ . وَلِذَا وَرَدَ : وَلَوْ سَمِعْتُمْ أَنَّ جَبَلًا زَالَ عَنْ مَكَانِهِ فَصَدِّقُوهُ ، وَإِنْ سَمِعْتُمْ أَنَّ رَجُلًا تَغَيَّرَ عَنْ خَلْقِهِ أَيْ الْأَصْلِيِّ فَلَا تُصَدِّقُوهُ . وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَبْدِيلِ الْأَخْلَاقِ فِي الْجُمْلَةِ دُعَاؤُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّهُمَّ اِهْدِنِي لِصَالِحِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِصَالِحِهَا إِلَّا أَنْتَ ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ " اِنْتَهَى .
( أَلَا وَإِنَّ مِنْهُمْ حَسَنَ الْقَضَاءِ )
أَيْ مُسْتَحْسَنَ الْأَدَاءِ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ
( حَسَنَ الطَّلَبِ )
أَيْ إِذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى أَحَدٍ
( وَمِنْهُمْ سَيِّئُ الْقَضَاءِ حَسَنُ الطَّلَبِ )
أَيْ فَإِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى كَمَا فِي رِوَايَةِ
( وَمِنْهُمْ حَسَنُ الْقَضَاءِ سَيِّئُ الطَّلَبِ فَتِلْكَ بِتِلْكَ )
: وَفِي الْمِشْكَاةِ : مِنْكُمْ مَنْ يَكُونُ حَسَنَ الْقَضَاءِ ، وَإِذَا كَانَ لَهُ أَفْحَشَ فِي الطَّلَبِ . قَالَ الْقَارِي : بِأَنْ لَمْ يُرَاعِ الْأَدَبَ وَآذَى فِي تَقَاضِيهِ ، وَعَسُرَ عَلَى صَاحِبِهِ فِي الطَّلَبِ
( أَلَا وَإِنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ )
أَيْ حَرَارَةٌ غَرِيزِيَّةٌ ، وَحِدَةٌ جِبِلِّيَّةٌ مُشْعِلَةٌ جَمْرَةَ نَارٍ مَكْمُونَةٍ فِي كَانُونِ النَّفْسِ
( إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ )
كَمَا يُوجَدُ مِثْلُ هَذَا عِنْدَ حَرَارَةِ الطَّبِيعَةِ فِي أَثَرِ الْحُمَّى
( وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ )
. قَالَ فِي النِّهَايَةِ : الْأَوْدَاجُ مَا أَحَاطَ بِالْعُنُقِ مِنْ الْعُرُوقِ الَّتِي يَقْطَعُهَا الذَّابِحُ وَاحِدُهَا وَدَجٌ بِالتَّحْرِيكِ ، وَقِيلَ الْوَدَجَانِ هُمَا عِرْقَانِ غَلِيظَانِ عَنْ جَانِبَيْ ثُغْرَةِ النَّحْرِ اِنْتَهَى .
( فَمَنْ أَحَسَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ )
أَيْ أَدْرَكَ ظُهُورَ أَثَرٍ مِنْهُ أَوْ مَنْ عَلِمَ فِي بَاطِنِهِ شَيْئًا مِنْهُ
( فَلْيَلْصَقْ بِالْأَرْضِ )
مِنْ بَابِ عَلِمَ يَعْلَمُ أَيْ فَلْيَلْتَزِقْ بِهَا حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُهُ ، وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّعَةِ عَنْ الِاسْتِعْلَاءِ ، وَتَذْكَارِ أَنَّ مَنْ كَانَ أَصْلُهُ مِنْ التُّرَابِ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يَتَكَبَّرَ
( وَلَمْ يَبْقَ مِنْ الدُّنْيَا فِيمَا مَضَى مِنْهَا )
أَيْ فِي جُمْلَةِ مَا مَضَى مِنْهَا
( إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا فِيمَا مَضَى مِنْهُ )
يَعْنِي نِسْبَةُ مَا بَقِيَ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا إِلَى جُمْلَةِ مَا مَضَى كَنِسْبَةِ مَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا إِلَى مَا مَضَى مِنْهُ . وَقَوْلُهُ إِلَّا كَمَا بَقِيَ مُسْتَثْنًى مِنْ فَاعِلِ لَمْ يَبْقَ أَيْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مِثْلُ مَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا قَوْلُهُ :
( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ )
فِي سَنَدِهِ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنُ جُدْعَانَ وَهُوَ صَدُوقٌ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ ضَعِيفٌ عِنْدَ غَيْرِهِ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ .
قَوْلُهُ : ( وَفِي الْبَابِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَأَبِي زَيْدِ بْنِ أَخْطَبَ وَحُذَيْفَةَ وَأَبِي مَرْيَمَ إِلَخْ )
أَمَّا حَدِيثُ أَبِي زَيْدِ بْنِ أخطب فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ فِي الْفِتَنِ . وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ وَأَبِي مَرْيَمَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ .
فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (ج 8 / ص 159)
4270- (الدنيا حلوة) أي مشتهاة مونقة تعجب الناظرين فمن استكثر منها أهلكته كالبهيمة إذا أكثرت من رعي الزرع الأخضر أهلكها ففي تشبيه الدنيا بالخضرة التي ترعاها الأنعام إشارة إلى أن المستكثر منها كالبهائم فغلى العاقل القنع بما تدعو الحاجة منها وتجنب الإفراط والتفريط في تناولها فإنه مهلك وهذا الحديث رواه مسلم بزيادة ولفظه الدنيا حلوة خضرة وإن اللّه مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء اهـ بنصه، والاستخلاف إقامة الغير مقام النفس أي جعل اللّه الدنيا مزينة لكم وابتلاء لكم فينظر هل تتصرفون فيها بغير ما يرضاه؟ وقوله فاتقوا أي احذروا من الاغترار بما فيها فإنه في وشيك الزوال واحذروا النساء [ص 545] وقبول قولهنّ فإنهنّ ناقصات عقل وقوله أول فتنة بني إسرائيل هي أن رجلاً اسمه عائيل طلب من ابن أخيه أو ابن عمه أن يزوجه بنته فأبى فقتله لينكحها وقيل لينكح زوجته وهو الذي نزلت فيه آية البقرة <تنبيه> هل الدنيا ما على الأرض إلى قيام الساعة أو كل موجود قبل الحشر أو ما أدرك حساً والآخرة ما أدرك عقلاً أو ما فيه شهوة للنفس؟ رجح النووي الثاني وبعض المحققين ما قبل الآخر.
- (طب عن ميمونة) بنت الحارث الهلالية أمّ المؤمنين ماتت بعد الخمسين وعزاه المصنف نفسه في الأحاديث المتواترة إلى الشيخين معاً ولفظهما الدنيا خضرة حلوة وذكر أنه متواتر.
اللقاء الشهري - (ج 64 / ص 3)
عظم فتنة النساء
ـــــــــــــــــــــــ
[ السؤال: ] فضيلة الشيخ! تكلمتم عن الزنا -والعياذ بالله- وأسبابه، وقد كثرت أسباب الزنا وأعظمها المرأة التي حذر النبي صلى الله عليه وسلم من شأنها؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) وقال عليه الصلاة والسلام: (فاتقوا الدنيا واتقوا النساء) فهل من كلمة توجيهية في التحذير من هذه الفتنة؟
الجواب: الكلمة حول هذا الموضوع:أن نعلم أن الله عز وجل ذو حكمة بالغة فرَّق بين الرجال والنساء قدراً وفرَّق بينهما شرعاً، أما تفريقه بينهما قدراً فاسأل علماء التشريح للأجساد تجد أن تركيبة المرأة ليست كتركيبة الرجل، بل بينهما اختلاف عظيم، وانظر إلى الفرق التكويني -الذي لا يحتاج إلى علماء- يبن المرأة والرجل.. فالصوت يختلف، حتى إن بعض الرجال إذا كان صوته يشبه النساء يقولون: فلان صوته كصوت المرأة، وبعض النساء يكون صوتها جهورياً غليظاً كصوت الرجل، فالأول يستنكر والثانية تستنكر؛ لأنها خرجت عن مقتضى العادة التي جعلها الله عز وجل للصنفين، كذلك أيضاً في القوة والتحمل والجلد، ولهذا رفع الجهاد عن النساء؛ لأنهن لسن أهلاً لذلك، قالت عائشة رضي الله عنها: () لأنها لا يمكن أن تصمد في القتال، وإذا وجد امرأة نادرة فهذا شيء نادر لا حكم له. ثم هناك أشياء ثانية لا أود أن أتعرض لها فيما يتعلق بشئونها الخاصة، فالفرق أمر معلوم، ولا أحد ينكر هذا. وفرَّق الله بينهما شرعاً، فعلى النساء واجبات ليست على الرجال، وعلى الرجال واجبات ليست على النساء، وإن كان الأصل أن يتساوى الرجال والنساء في أحكام الله، لكن هناك أحكام اقتضت حكمة الرب عز وجل أن تختص بالنساء وأحكام اقتضت حكمة الله أن تكون للرجال، ولو لم يكن من ذلك إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم للنساء يخاطبهن: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبِّ الرجل الحازم من إحداكن. قلن: يا رسول الله! ما نقصان عقلنا؟ قال: أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟) هذا
نقص دين، الرجل يصلي ويصوم في رمضان وهي لا تصلي ولا تصوم في هذا الشهر الفضيل، هذا نقصان دين، وأما العقل فقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً بالشهادة، فإن شهادة الرجل بشهادة امرأتين، وشهادة المرأة لا تقبل في الحدود الشرعية، لا تقبل في الزنا، لو أن مائة امرأة شهدت على رجل بأنه زنى لم تقبل، ولو شهد أربعة رجال قبلوا، وأشياء كثيرة شرعية فرَّق الله بها بين الرجل والمرأة. ثم إنه لما كانت فتنة النساء عظيمة حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله كما في الحديث الذي ذكره السائل، وبتوجيهه وإرشاده عليه الصلاة والسلام، حيث أمر بابتعاد النساء عن الرجال حتى في مواطن العبادة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) لأن آخرها أبعد من أولها عن الرجال، فصار خيرها، وكان صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة يبقى قليلاً لا ينصرف من أجل أن تنصرف النساء قبل أن يختلط بهن الرجال، ورويت أحاديث في نهي المرأة أن تحتضن الطريق، أي: تكون في وسط الطريق؛ لئلا تختلط بالرجال، وهذا أمر معروف في الشرع لا يجهله إلا من لم يقرأ ما كتبه العلماء رحمهم الله في ذلك. لهذا أقول: إن على الإنسان أن يقي نفسه وأهله نار جهنم؛ بتوجيه النساء إلى ما ينبغي أن يكن عليه من العفة والحياء والتستر والبعد عن الاختلاط بالرجال، بل وعن مخاطبة الرجال على وجه يكون سبباً للفتنة، ولهذا قال الله تبارك وتعالى: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً [الأحزاب:32].
فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ - (ج 2 / ص 128)
خامسًا:- أن النساء ناقصات عقل ودين وضعيفات تصور وإِدراك، وفي طاعتهن بهذا وأَمثاله من المفاسد المنتشرة ما لا يعلمه إِلا الله. وأَكثر ما يفسد الملك والدول طاعة النساء. وفي الصحيحين عن أُسامة بن زيد مرفوعًا: ((مَا تركت بَعْدِيْ على أُمَّتِيْ مِن فِتنة أَضرُّ على الرِّجَال مِن النِّسَاء)) وعن أَبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا ((إِنَّ الدُّنيَا حُلوَةٌ خضِرَةٌ، وإِنَّ الله مُسْتخلِفكمْ فِيْها فيَنظرُ كيْف تعْمَلوْن فاتَّقوْا الدُّنيَا، وَاتَّقوْا النِّسَاءَ(1) فإِنَّ أَوَّل فِتنة بَنِيْ إِسْرَائِيْل كانت فِيْ النِّسَاء)) وفي صحيح البخاري عن أَبي بكرة مرفوعًا: ((لن يُفلِح قوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهمْ امْرَأَة)) وروي أَيضًا ((هلك الرِّجَال حِنْن أَطَاعوْا النِّسَاء)) (2). وفي الحديث الآخر ((مَا رَأَيْتُ مِن ناقِصَاتِ عَقل وَدِيْن أَغْلَبَ لِلُبِّ ذِيْ اللبِّ مِن إِحْدَاكُنَّ)). ولما أَنشده أَعشى باهلة أَبياته التي يقول فيها: وهن شر غالب لمن غلب. جعل النبي صلى الله عليه وسلم يرددها ويقول: ((هُنَّ شر غالِب لِمَنْ غلبْ)). فيتعين على الرجال القيام على النساء والأَخذ على أَيديهن ومنعهن من هذه الملابس والأَزياء المنكرة. وأَن لا يداهنوا في حدود الله، كما هو الواجب عليهم شرعًا. قال تعالى: (*)(3).
وقد صرح العلماء: أَن ولي المرأَة يجب عليه أَن يجنبها الأَشياء المحرمة من لباس وغيره ويمنعها منه. فإِن لم يفعل تعين عليه التعزير بالضرب وغيره، وفي الحديث: ((كُلُّكُمْ رَاع وَمَسْئُوْلٌ عن رَعِيَّتِهِ)) (4).
__________
(1) أخرجه ابن ماجه.
(2) أخرجه أحمد والطبراني.
(3) التحريم آية 6 .
(4) متفق عليه.
والمقصود: أَن معالجة هذه الأَضرار الاجتماعية المنتشرة من أَهم المهمات. وهي متعلقة بولاة الأَمر أَولاً. ثم بقيِّم المرأَة ووليها ثانيًا. ثم المرأَة نفسها مسئولة عما يتعلق بها وبناتها وفي بيتها، كما على طلبة العلم بيان أَحكام هذه المسائل والتحذير منها، وعلى رجال الحسبة والأَمر بالمعروف والنهي عن المنكر : أَن ينكروا هذه الأَشياء ويجتهدوا في إِزالتها.
نسأَل الله أَن يجنبنا مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأَن ينصر دينه ويعلي كلمته، ويذل أَعداءه، إِنه جواد كريم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ - (ج 10 / ص 26)
الثانية : اختلاط النساء بالأجانب لغرض الفساد ، وهذا لا إشكال في تحريمه .
الثالثة : اختلاط النساء بالأجانب في : دور العلم والحوانيت والمكاتب والمستشفيات والحفلات ونحو ذلك فهذا في الحقيقة قد يظن السائل في بادئ الأمر أنه لا يؤدي إلى افتتان كل واحد من النوعين بالآخر . ولكشف حقيقة هذا القسم فإنا نجيب عنه من طريق : مجمل ، ومفصل .
أما المجمل : فهو أن الله تعالى جبل الرجال على القوة والميل إلى النساء ، وجبل النساء على الميل إلى الرجال مع وجود ضعف ولين ، فإذا حصل الاختلاط نشأ على ذلك آثار تؤدي إلى حصول الغرض السيء ، لأن النفوس أمارة بالسوء ، والهوى يعمي ويصم والشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر .
وأما المفصل : فالشريعة مبنية على المقاصد ووسائلها ، ووسائل المقصود الموصلة إليه حكمه ، فالنساء مواضع قضاء وطر الرجال ، وقد سد الشارع الأبواب المفضية إلى تعليق كل فرد من أفراد النوعين بالآخر وينجلي ذلك بما نسوقه لك من الأدلة من الكتاب والسنة .
أما الأدلة من الكتاب فستة :
الدليل الأول : قال تعالى : { وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون } (1) وجه الدلالة أنه لما حصل اختلاط بين امرأة عزيز مصر وبين يوسف عليه السلام ظهر منها ما كان كامناً فطلبت منه أو يوافقها ، ولكن أدركه الله برحمته فعصمه منها ، وذلك في قوله تعالى : { فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم } (2) وكذلك إذا حصل اختلاط بالنساء اختار كل من النوعين من يهواه من النوع الآخر ، وبذل بعد ذلك الوسائل للحصول عليه .
__________
(1) سورة يوسف - آية 23 .
(2) سورة يوسف - آية 34 .
الدليل الثاني : أمر الله الرجال بغض البصر ، وأمر النساء بذلك فقال تعالى : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن } (1) الآية .
وجه الدلالة من الآيتين : أنه أمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر ، وأمره يقتضي الوجوب ، ثم بين تعالى أن هذا أزكى وأطهر . ولم يعفو الشارع إلا عن نظر الفجأة ، فقد روى الحاكم في المستدرك عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ( يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة) قال الحاكم بعد إخراجه : صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه : ووافقه الذهبي في تلخيصه ، وبمعناه عدة أحاديث .
__________
(1) سورة النور - آية 30-31 .
قلت : وإني لأعجب من تكرير بعض القراء صدر سورة يوسف ، بخلاف سورة النور فلا يقرؤونها وقد قال بعض السلف : ما حصلناه في سورة يوسف اتفقناه في سورة النور . والعجب الثاني قراءة صدر سورة مريم دون تكميل الموضوع الذي سيقت له من بيان حقيقة عيسى ونفي الولد والأمر بعبادة الله واختلاف الأحزاب في عيسى ...الخ . وبعض يخص السور أو الآيات ببعض المساجد ، وبعض يقرأ آيات الرحمة دون غيرها ، وهكذا بعض لا يقرأ الآيات التي تذم بعض الأشخاص إذا كان من بلده ...
وما أمر الله بغض البصر إلا لأن النظر إلى من يحرم النظر إليه زناً ، فروى أبو هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (العينان زناهما النظر ، والأذنان زناهما الاستماع ، واللسان زناه الكلام ، واليد زناها البطش ، والرجل زناها الخطا) متفق عليه ، واللفظ لمسلم . وإنما كان زناً لأنه تمتع بالنظر إلى محاسن المرأة ومؤد إلى دخولها في قلب ناظرها ، فتعلق في قلبه ، فيسعى إلى إيقاع الفاحشة بها . فإذا نهى الشارع عن النظر إليهن لما يؤدي إليه من المفسدة وهو حاصل في الاختلاط ، فكذلك الاختلاط ينهى عنه لأنه وسيلة إلى ما لا تحمد عقباه من التمتع بالنظر والسعي إلى ما هو أسوأ منه .
الدليل الثالث : الأدلة التي سبقت في أن المرأة عورة ، ويجب عليها التستر في جميع بدنها ، لأن كشف ذلك أو شيئاً منه يؤدي إلى النظر إليها ، والنظر إليها يؤدي إلى تعلق القلب بها ، ثم تبذل الأسباب للحصول عليها ، وكذلك الاختلاط .
الدليل الرابع : قال تعالى : { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } (1) .
وجه الدلالة أنه تعالى منع النساء من الضرب بالأرجل وإن كان جائزاً في نفسه لئلا يكون سبباً إلى سمع الرجال صوت الخلخال فيثير ذلك دواعي الشهوة منهم إليهن . وكذلك الاختلاط يمنع لما يؤدي إليه من الفساد .
الدليل الخامس : قوله تعالى : { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور } (2) فسرها ابن عباس وغيره : هو الرجال يدخل على أهل البيت بيتهم ، ومنهم المرأة الحسناء وتمر به، فإذا غفلوا لحظ ، فإذا فطنوا غض ، وقد اطلع إليه من قلبه أنه لو اطلع على فرجها وأنه لو قدر عليها فزنى بها .
وجه الدلالة أن الله تعالى وصف العين التي تسارق النظر إلى ما لا يحل النظر إليه من النساء بأنها خائنة فكيف بالاختلاط .
__________
(1) سورة النور - آية 31 .
(2) سورة غافر - آية 19 .
الدليل السادس : أنه أمرهن بالقرار في بيوتهن ، قال تعالى : { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } الآية (1) .
وجه الدلالة : أن الله أمر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاهرات المطهرات الطيبات بلزوم بيوتهن ، وهذا الخطاب عام لغيرهن من نساء المسلمين ، لما تقرر في علم الأصول أن خطاب المواجهة يعم إلا ما دل الدليل على تخصيصه ، وليس هناك دليل يدل على الخصوص ، فإذا كن مأمورات بلزوم البيوت إلا إذا اقتضت الضرورة خروجهن ، فكيف يقال بجواز الاختلاط على نحو ما سبق . على أنه كثر في هذا الزمان طغيان النساء وخلعهن جلباب الحياء ، واستهتارهن بالتبرج والسفور عند الرجال الأجانب والتعري عندهم ، وقل الوازع عن من أنيط به الأمر من أزواجهن وغيرهم .
وأما الأدلة من السنة فإننا نكتفي بذكر عشر أدلة :
الأول : روى الإمام أحمد في المسند بسنده عن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي رضي الله عنهما أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله : إني أحب الصلاة معك .
قال : (قد علمت أنك تحبين الصلاة معي وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك ، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في مسجد قومك ، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي) . قال فأمرت فبني لها مسجد في أقصى بيت من بيوتها وأظلمه ، فكانت والله تصلي فيه حتى ماتت .
وروى ابن خزيمة في صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إن أحب صلاة المرأة إلى الله في أشد مكان من بيتها ظلمة) .
وبمعنى هذين الحديثين عدة أحاديث تدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد .
وجه الدلالة : أنه إذا شرع في حقها أن تصلي في بيتها وأنه أفضل حتى من الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه ، فلئن يمنع الاختلاط من باب أولى .
__________
(1) سورة الأحزاب - آية 23 .
الثاني : ما رواه مسلم والترمذي وغيرهما بأسانيدهم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ) ، قال الترمذي بعد إخراجه : حديث حسن صحيح .
وجه الدلالة : أن الرسول صل الله عليه وسلم شرع للنساء إذا أتين إلى المسجد فإنهن ينفصلن عن الجماعة على حده ، ثم وصف أول صفوفهن بالشر والمؤخر منهن بالخير . وما ذلك إلا لبعد المتأخرات عن الرجال عن مخالطتهم ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ، وذم أول صفوفهن لحصول عكس ذلك ، ووصف آخر صفوف الرجال بالشر إذا كان معهم نساء في المسجد لفوات التقدم والقرب من الإمام وقربه من النساء اللاتي يشغلن البال وربما أفسدت به العبادة وشوشن النية والخشوع . فإذا كان الشرع توقع حصول ذلك في مواطن العبادة مع أنه لم يحصل اختلاط ، فحصول ذلك إذا وقع اختلاط من باب أولى ، فيمنع الاختلاط من باب أولى .
الثالث : روى مسلم في صحيحه عن زينب زوجة عبد الله ابن مسعود رضي الله عنها قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيباً ) .
وروى أبو داود في سننه والإمام أحمد والشافعي في مسنديهما بأسانيدهم ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ولكن ليخرجن وهن تفلات ) .
قال ابن دقيق العيد : فيه حرمة التطيب على مريده الخروج إلى المسجد لما فيه من تحريك داعية الرجال وشهوتهم ، وربما يكون سبباً لتحريك شهوة المرأة أيضاً . قال ويلحقن بالطيب ما في معناه كحسن الملبس والحلي الذي يظهر أثره والهيئة الفاخرة قال الحافظ ابن حجر : وكذلك الاختلاط بالرجال . وقال الخطابي في (معالم السنن): التفل سوء الرائحة . يقال : امرأة تفله إذا لم تتطيب ، ونساء تفلات .
الرابع : روى أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء ) رواه البخاري ومسلم .
وجه الدلالة : أنه وصفهن بأنهن فتنة ، فكيف يجمع بين الفاتن والمفتون ؟ هذا لا يجوز.
الخامس : عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن الدنيا حلوة خضرة ، وإن الله مستحلفكم فيها فناظر كيف تعملون ، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل في النساء ) رواه مسلم .
وجه الدلالة : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باتقاء النساء ، وهو أمر يقتضي الوجوب ، فكيف يحصل الامتثال مع الاختلاط ؟! هذا لا يجوز .
السادس :روى أبو داود في السنن والبخاري في الكنى بسنديهما ، عن حمزة بن السيد الأنصاري ، عن أبيه رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال النبي صلى الله عليه وسلم للنساء : ( استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق ، عليكن بحافات الطريق) فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها ) هذا لفظ أبي داود .
قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث : (يحفظن الطريق) هو أن يركبن حقها ، وهو وسطها .
وجه الدلالة : أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا منعهن من الاختلاط في الطريق لأنه يؤدي إلى الافتنان ، فكيف يقال بجواز الاختلاط في غير ذلك ؟!
السابع : روى أبو داود الطيالسي في سننه وغيره ، عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بنى المسجد جعل باباً للنساء ، وقال لا يلج من هذا الباب من الرجال أحد ) وروى البخاري في ( التاريخ الكبير) عن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا تدخلوا المسجد من باب النساء) .
وجه الدلالة أن الرسول صلى الله عليه وسلم منع اختلاط الرجال والنساء في أبواب المساجد دخولاً وخروجاً ومنع أصل اشتراكهما في أبواب المسجد سداً لذريعة الاختلاط ، فإذا منع الاختلاط في هذه الحال ، ففيه ذلك من باب أولى .
الثامن : روى البخاري في صحيحه ، عن أم سلمة رضي الله عنها قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته قال النساء حين يقضي تسليمه ومكث النبي صلى الله عليه وسلم في مكانه يسيراً ) وفي رواية ثانية له : ( كان يسلم فتنصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عله وسلم ) وفي رواية ثالثة : ( كن إذا سلمن من المكتوبة قمن وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله ، فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال ) .
وجه الدلالة : أنه منع الاختلاط بالفعل ، وهذا فيسه تنبيه على منع الاختلاط في غير هذا الموضع .
الدليل العاشر : روى الطبراني في (المعجم الكبير) عن معقل ابن يسار رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل له ) .
قال الهيتمي في (مجمع الرزوائد ) : رجاله رجال الصحيح . وقال المنذري في (الترغيب والترهيب ) : رجاله ثقات .
وروى الطبراني أيضاً من حديث أبي أمامه رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لأن يزحم رجل خنزيراً متلطخاً بطين وحماة خير له من أن يزحم منكبه منكب امرأة لا تحل له ) .
وجه الدلالة من الحديثين : أنه صلى الله عليه وسلم منع مماسة الرجل للمرأة بحائل وبدون حائل إذا لم يكن محرماً لها ، بما في ذلك من الأثر السيء ، وكذلك الاختلاط يمنع ذلك .
فمن تأمل ما ذكرناه من الأدلة تبين له أن القول بأن الاختلاط لا يؤدي إلى فتنة إنما هو بحسب تصور بعض الأشخاص وإلا فهو في الحقيقة يؤدي إلى فتنة ، ولهذا منعه الشارع حسماً لماة الفساد .
ولا يدخل في ذلك ما تدعو إليه الضرورة وتشتد الحاجة إليه ويكون في مواضع العبادة كما يقع في الحرم المكي والحرم المدني نسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين ، وأن يزيد المهتدي منهم هدى ، وأن يوفق ولاتهم لفعل الخيرات وترك المنكرات ، والأخذ على أيدي السفهاء ، إنه سميع قريب مجيب ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه .
مفتي الديار السعودية
(ص-ف 1118 في 14-5-1388هـ)
فتاوى ابن باز 1-18 - (ج 4 / ص 239)
حكم الاختلاط في التعليم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد :
فقد اطلعت على ما نشرته جريدة السياسة الصادرة يوم 24 / 7 / 1404 هـ بعددها 5644 منسوبا إلى مدير جامعة صنعاء عبد العزيز المقالح الذي زعم فيه أن المطالبة بعزل الطالبات عن الطلاب مخالفة للشريعة ، وقد استدل على جواز الاختلاط بأن المسلمين من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يؤدون الصلاة في مسجد واحد ، الرجل والمرأة ، وقال ( ولذلك فإن التعليم لا بد أن يكون في مكان واحد ) ، وقد استغربت صدور هذا الكلام من مدير لجامعة إسلامية في بلد إسلامي يطلب منه أن يوجه شعبه من الرجال والنساء إلى ما فيه السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ولا شك أن هذا الكلام فيه جناية عظيمة على الشريعة الإسلامية . لأن الشريعة لم تدع إلى الاختلاط حتى تكون المطالبة بمنعه مخالفة لها ، بل هي تمنعه وتشدد في ذلك كما قال الله تعالى : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى الآية ، وقال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ وقال سبحانه : وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ . إلى أن قال سبحانه : وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وقال تعالى : وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ الآية ، وفي هذه الآيات الكريمات الدلالة الظاهرة على شرعية لزوم النساء لبيوتهن حذرا من الفتنة بهن ، إلا من حاجة تدعو إلى الخروج ، ثم حذرهن سبحانه من التبرج تبرج الجاهلية ، وهو إظهار محاسنهن ومفاتنهن بين الرجال ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء متفق عليه من حديث أسامة بن زيد رضي إله عنه وخرجه مسلم في صحيحه عن أسامة وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنهما جميعا ، وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الفتنة بهن عظيمة ، ولا سيما في هذا العصر الذي خلع فيه أكثرهن الحجاب ، وتبرجن فيه تبرج الجاهلية ، وكثرت بسبب ذلك الفواحش والمنكرات وعزوف الكثير من الشباب والفتيات عما شرع الله من الزواج في كثير من البلاد ، وقد بين الله سبحانه أن الحجاب أطهر لقلوب الجميع فدل ذلك على أن زواله أقرب إلى نجاسة قلوب الجميع وانحرافهم عن طريق الحق ، ومعلوم أن جلوس الطالبة مع الطالب في كرسي الدراسة من أعظم أسباب الفتنة ،
ومن أسباب ترك الحجاب الذي شرعه الله للمؤمنات ونهاهن عن أن يبدين زينتهن لغير من بينهم الله سبحانه في الآية السابقة من سورة النور ، ومن زعم أن الأمر بالحجاب خاص بأمهات المؤمنين فقد أبعد النجعة وخالف الأدلة الكثيرة الدالة على التعميم وخالف قوله تعالى : ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ فإنه لا يجوز أن يقال إن الحجاب أطهر لقلوب أمهات المؤمنين ورجال الصحابة دون من بعدهم ولا شك أن من بعدهم أحوج إلى الحجاب من أمهات المؤمنين ورجال الصحابة رضي الله عنهم لما بينهم من الفرق العظيم في قوة الإيمان والبصيرة بالحق ، فإن الصحابة رضي الله عنهم رجالا ونساء ومنهن أمهات المؤمنين هم خير الناس بعد الأنبياء وأفضل القرون بنص الرسول صلى الله عليه وسلم المخرج في الصحيحين ، فإذا كان الحجاب أطهر لقلوبهم فمن بعدهم أحوج إلى هذه الطهارة وأشد افتقارا إليها ممن قبلهم؛ ولأن النصوص الواردة في الكتاب والسنة لا يجوز أن يخص بها أحد من الأمة إلا بدليل صحيح يدل على التخصيص ، فهي عامة لجميع الأمة في عهده صلى الله عليه وسلم وبعده إلي يوم القيامة؛ لأنه سبحانه بعث رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين في عصره وبعده إلى يوم القيامة كما قال عز وجل : قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا وقال سبحانه : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وهكذا القرآن الكريم لم ينزل لأهل عصر النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أنزل لهم ولمن بعدهم ممن يبلغه كتاب الله كما قال تعالى : هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ وقال عز وجل : وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ الآية ، وكان النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا يختلطن بالرجال لا في المساجد ولا في الأسواق الاختلاط الذي ينهي عنه المصلحون اليوم ويرشد القرآن والسنة وعلماء الأمة إلى التحذير منه حذرا من فتنته ، بل كان النساء في مسجده صلى الله عليه وسلم يصلين خلف الرجال في صفوف متأخرة عن الرجال وكان يقول صلى الله عليه وسلم : خير صفوف الرجال أولها وشره آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها حذرا من افتتان آخر صفوف الرجال بأول صفوف النساء ، وكان الرجال في عهده صلى الله عليه وسلم يؤمرون بالتريث في الانصراف حتى يمضي النساء ويخرجن من المسجد لئلا يختلط بهن الرجال في أبواب المساجد مع ما هم عليه جميعا رجالا ونساء من الإيمان والتقوى فكيف بحال من بعدهم ، وكانت النساء ينهين أن يتحققن الطريق ويؤمرن بلزوم حافات الطريق حذرا من الاحتكاك بالرجال والفتنة بمماسة بعضهم بعضا عند السير في الطريق ، وأمر الله سبحانه نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن حتى يغطين بها زينتهن حذرا من الفتنة بهن ، ونهاهن سبحانه عن إبداء زينتهن لغير من سمى الله سبحانه في كتابه العظيم حسما لأسباب الفتنة وترغيبا في أسباب العفة والبعد عن مظاهر الفساد والاختلاط ، فكيف يسوغ لمدير جامعة صنعاء- هداه الله وألهمه رشده- بعد هذا كله ، أن يدعو إلى الاختلاط ويزعم أن الإسلام دعا إليه وأن الحرم الجامعي كالمسجد ، وأن ساعات الدراسة كساعات الصلاة ، ومعلوم أن الفرق عظيم ، والبون شاسع ، لمن عقل عن الله أمره ونهيه ، وعرف حكمته سبحانه في تشريعه لعباده ، وما بين في كتابه العظيم من الأحكام في شأن الرجال والنساء ، وكيف يجوز لمؤمن أن يقول إن جلوس الطالبة بحذاء الطالب في كرسي الدراسة مثل جلوسها مع أخواتها في صفوفهن خلف الرجال ، هذا لا يقوله من له أدنى مسكة من إيمان وبصيرة يعقل ما يقول ، هذا لو سلمنا وجود الحجاب الشرعي ، فكيف إذا كان جلوسها مع الطالب في كرسي الدراسة مع التبرج وإظهار المحاسن والنظرات الفاتنة والأحاديث التي تجر إلى الفتنة ، فالله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله ، قال الله عز وجل : فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ
مجلة البحوث الإسلامية العدد 15 ص 6 إلى 11 ربيع الأول ربيع الثاني جمادى الأولى جمادى الثانية 1406 هـ .
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 2 / ص 33)
هل في حديث "ما تركت بعدي فتنة أشد على الرجال من النساء" استهانة بهن؟!
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 21/10/1424هـ
السؤال
أرجو من حضرتكم إيضاح وتفسير المعنى في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:"ما تركت بعدي فتنة أشد على الرجال من النساء" وأرجو أن يكون ذلك بإسهاب؛ لما قد يبدو من ظاهر الحديث من أنه استهانة بحق النساء وتقليل من شأنهن... وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:
الحديث المذكور في السؤال أخرجه البخاري ح (5096) من حديث أُسَامَةَ بْن زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ قَالَ:"مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ
مِنْ النِّسَاءِ" وأخرجه مسلم ح (2742) من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ" ومعنى الحديث التحذير من الفتنة بالنساء، وذلك أن الله سبحانه وتعالى ركب في طبيعة الرجل الميل إلى المرأة ومحبتها، كما قال سبحانه:"زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ ......" [آل عمران: الآية14]
فإذا كان هذا فيما أباحه الله من الزواج فهو مطلوب، وقد امتن الله به على عباده، قال سبحانه:" وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً..." [النحل: الآية72]، وقال سبحانه:"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً...." [الروم: الآية21]، ورغب النبي صلى الله عليه وسلم في الزواج وحث عليه، لما يحصل فيه من غض البصر وتحصين الفرج وبقاء النسل، ففي الصحيحين البخاري (5065) ومسلم (1400) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ"، وفي مسلم (1403) من حديث جابر رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:"إِذَا أَحَدُكُمْ أَعْجَبَتْهُ الْمَرْأَةُ فَوَقَعَتْ فِي قَلْبِهِ فَلْيَعْمِدْ إِلَى امْرَأَتِهِ فَلْيُوَاقِعْهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ"، وأما إذا كان الميل والمحبة وقضاء الشهوة عن الطرق المحرمة فالمرأة تكون فتنة للرجل حيث أوقعته فيما حرم الله، ولهذا قال سبحانه:"وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ..." [النساء: الآية24]، وقال سبحانه:"الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُم وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ...." [المائدة:5]، وقد تكون الزوجة فتنة لزوجها إذا صرفته عن طاعة الله، أو أمرته بمعصية الله سبحانه وتعالى، مثل أن تحمله على قطيعة أرحامه، أو تحمله على التساهل في ترك أوامر الله مثل الصلاة أو الزكاة أو الجهاد ونحو ذلك، ولهذا قال سبحانه وتعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ..." [التغابن: الآية14].
وحث النبي صلى الله عليه وسلم على اختيار الزوجة الصالحة التي تعين زوجها على الاستقامة والخير وتحفظه في نفسها وماله، ففي الصحيحين البخاري (5090) ومسلم (1466) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ"، وفي صحيح مسلم (1467) من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ"، ونهى الله سبحانه وتعالى المرأة عن التبرج وإظهار الزينة لغير محارمها؛ حتى لا تكون فتنة للرجل، وأمرها بالعفاف والحشمة وغض البصر.
قال تعالى:"وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" [النور:31]، وقال تعالى:"وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ...." [الأحزاب:الآية33] والمرأة حينما تخالف ما شرع الله سبحانه وتعالى، وتنحرف عن الصراط المستقيم تكون فتنة للرجال ، وقد وقع ما حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منه من فتنة الرجال بالنساء، وهي من أعظم الفتن التي تفاقم خطرها، وعظم خطبها ، ولعل من المناسب أن أذكر بعض مظاهر الفتنة بالمرأة في زماننا الحاضر:
1) سفور النساء وتبرجهن في كثير من المجتمعات الإسلامية، مما ترتب عليه إطلاق النظر إليهن وإثارة الغرائز وثوران الشهوة والوقوع فيما حرم الله والافتتان بهن. وكما قيل:
نظرةٌ، فابتسامةٌ ، فسلامُ فكلامٌ ، فموعدٌ فلقاءُ
2) تفننت وسائل الإعلام بأنواعها من تلفاز وفضائيات وفيديو ومجلات وكتب في عرض صور النساء الخليعة وشبه العارية مما لم يوجد في عصر مضى، وأصبحت الفتنة بهن عظيمة، حيث تعلق كثير من الرجال بصورهن وافتتنوا بهن.
3) كثر الاختلاط بين الجنسين في كثير من مجالات الأعمال، مما أدى إلى حصول الفتنة بالنساء التي حذَّر منها النبي صلى الله عليه وسلم.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 13 / ص 280)
ظهور المرأة في الإعلانات التلفزيونية
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 26/5/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هناك أحد طلاب العلم في حوار له في إحدى الجرائد يقول: (إنه لا يوجد أي محظور شرعي ما دامت المرأة تشارك في مثل هذه الإعلانات بحجابها الشرعي، والكلمات الهادفة والبناءة، مشيراً إلى أن المرأة تعتبر أكثر تأثيرًا في النساء من الرجال) فما رأيكم بهذا الكلام؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله، إن أعظم فتنة من فتن الشهوات هي فتنة النساء، وقد أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم- بذلك، وحذّر من فتنة النساء بقوله: "فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء"رواه مسلم(2742) من حديث أبي سعيد الخدري، وقال - صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" رواه البخاري(5096)، ومسلم(2740) من حديث أسامة بن زيد -رضي الله عنه-، ولم يزل الشيطان يستغل الكافرات والفاسقات من النساء في فتنة الرجال؛ وذلك بتعرضها للرجال متبرجة وسافرة، ومتعطرة، وقد عظمت فتنة المرأة في هذا العصر؛ لما وفرته الحضارة من وسائل البث، والعرض، والإغراء، فاستعملت المرأة ذاتها ، وصورتها لترويج التجارة، وأنواع السلع، فاستعملت عارضة أزياء، وسمسارة في المحلات ، وخادمة في الطائرات والفنادق، كما استعملت في ترويج الصحف، ومن ذلك استعمالها في الإعلانات التلفزيونية، وفي الإعلانات الصحفية، ومن المعلوم أنه لا بد فيمن تستعمل في هذه الأغراض ذاتها، أو صورتها لا بد أن تكون جميلة، وأنيقة، ومغرية بكلامها، وحركاتها، وزيِّها، فاستعمال صورة المرأة أو ذاتها في وسائل الإعلان ليس الغرض منه مخاطبة النساء، بل الغرض منه إمتاع الرجال، وإغراء الرجال،وشد أنظارهم، وأسماعهم، ولا ترضى مسلمة عفيفة بأن تكون أداة لترويج السلع، ولو كانت السلع مباحة فضلاً عن أن تكون محرمة، ويشترك في إثم هذه الأعمال المرأة المصورة، ومَنْ صورها، وَمنْ نشر صورتها ومن أعان على ذلك بأي قدر من الإعانة القولية، والفعلية أو المالية، "ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره"[الزلزلة: 8]، "ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"[المائدة: 2]، وعلى كل هؤلاء نصيبهم من آثام من كانوا سبباً في فتنته، ومعصيته لربه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً، وعلى من أفتى بحل استعمال المرأة، أو صورتها في الإعلانات نصيبه من الإثم كذلك، فكم من العيون ترمق وجه هذه المرأة الفاتنة، وتنظر إليها بشهوة عارمة، وكم تكون هذه المشاهد سبباً في وقوع كثير من الناظرين فيما حرم الله من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والله عز وجل يقول: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن" إلى قوله -تعالى-: "ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون"[النور: 30-31]، وقال - صلى الله عليه وسلم-: "العين تزني وزناها النظر، والأذن تزني وزناها الاستماع..." رواه البخاري(6243)، ومسلم(2657) من حديث ابن عباس، ومما لا شك فيه أن استعمال المرأة ذاتها أو صورتها في هذه المجالات هي دعوة للفجور فهي حرام، وقد أثمرت ثمراتها الخبيثة في مجتمعات المسلمين فتدنست وتنجست بعد الطيب والطهر، وهذا مطلب لأعداء الإسلام من اليهود والنصارى، والمنافقين، ومن شابههم من فسقة المسلمين، كما قال -تعالى-: "ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً"[النساء: 27]. والله أعلم.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 15 / ص 190)
تحذير الرسول من فتنة النساء وحبه لهن
المجيب أ.د. بكر بن زكي عوض
أستاذ مقارنة الأديان بجامعة الأزهر
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 14/2/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحديث الأول:قال قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء".
الحديث الثاني: عن أنس -رضي الله عنه- عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:" حُبِّبَ إلي من دنياكم: النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة " ففي الحديث الأول طلب من الرسول -صلى الله عليه وسلم- الحذر من النساء في حين كانت من الأمور المحببة إليه كما ذكر في الحديث الثاني، فكيف نوفق بين هذين الحديثين؟ وجزاكم الله خيراً
الجواب
بالنسبة للحديث الأول: خلق الله المرأة بطبع تؤثر به على الرجل من طريق الكلمة اللينة أو المشية المتكسرة أو النظرة الحانية أو الرائحة النفاذة أو الملابس الشفافة أو الحركة المثيرة، وما لم يحرص الرجل على اتقاء هذه المغريات فإنه سيتأثر بها لا محالة، وقد يصل الأثر الناتج عن التأثير إلى حد الوقوع في المعصية، فكان الأمر بالحذر من فتنة النساء أو غواية النساء، وبخاصة أن رجال بني إسرائيل لم يأخذوا بهذا الاحتياط، فكثر الزنا وعمت الفاحشة وما قصة أستير بخافية عن أحد، وسفر نشيد الإنشاد يؤكد ذلك ويدعو إليه.
إن التوراة حملت المرأة -حواء- سبب الغواية والطرد من الجنة حين أغوت آدم فأكل كما في النص"المرأة التي جعلتها معي هي التي أكلت من الشجرة وأعطتني فأكلت" فصدر الأمر الإلهي لهما بالخروج من الجنة.
والنصرانية على نفس النهج تسير وترى المرأة حبائل الشيطان وأساس الغواية وسبب الخطيئة الجريئة، والإسلام لا يرى المرأة سبباً في الإخراج من الجنة، ولكنه يخبر عن قدرتها البالغة على التأثير في جنس الرجال، فكان التحذير من غوايتهن دون تحريم الاتصال شرعاً بهن.
وأما الحديث الثاني فهو إخبار عن الفطرة التي فطر الله الإنسان عليها في الأمرين الأولين فمن مِن الناس لا يحب الرائحة الطيبة -إلا من كان مريضاً بالحساسية- والهواء العليل، ومَنْ مِن الرجال لا يعلق قلبه بالنساء، وإن اختلفت مظاهر التعلق فهو متعلق بها أماً وأختاً وجدة وعمة وخالة وزوجة وابنة...إلخ.
كل ذلك بالفطرة وليس الأمر خاصاً بالرسول -صلى الله عليه وسلم- فالإخبار لم يرد على سبيل الحصر أو التخصيص دون سائر الناس، والنص فيه إخبار عن حب الزوج لزوجه، والعيش مع زوجة محبوبة ومُحبة في نفس الوقت من أسباب السعادة في الحياة.
إن الحديث لا يراد به الافتتان بالنساء من قبل الرسول -وحاشاه- فكل زوجاته أرامل، طاعنات في السن سوى عائشة -رضي الله عنهن جميعاً- فأي افتتان بالنساء في مثل هذا الموطن؟
وسعادة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الحقة كانت في الصلاة، حيث تقر العين، وينشرح الصدر ويطمئن القلب، وفي الختام ليس في الحديث الأول ما يحرم الاتصال المشروع ولا في الثاني ما يأذن بارتباط شرعي الحب فيه مرفوع، الله أعلم.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 17 / ص 350)
يخشى الفتنة، ولا يستطيع الزواج
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/ قبل الزواج/تأخر الزواج وعقباته
التاريخ 13/11/1424هـ
السؤال
السلام عليكم، أنا طالب جامعي في المرحلة الرابعة، وفي الجامعة فساد لا يتصوره العقل، فالمرأة عارية تعرض مفاتنها وتلبس ما يعرض جسدها، وأنا شاب وسيم وجذَّاب للفتيات، ولكني وبفضل الله حافظت على التزامي، ولكي أنجو من طاقتي الجنسية، ولكي لا أقع في الزنا حاولت الزواج، ولكني يتيم الأب والأم، ولم يكن عندي من يعينني على الزواج.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أخي السائل لقد قرأت رسالتك مرات عديدة، وشعرت وأنا أقرؤها بمدى المعاناة التي تعايشها وتمر بها، وأن هذا البلاء الذي يحيط بك في هذا الوسط الجامعي من تبرج وسفور وانحلال في الأخلاق، ومناظر تهيج النفوس، وتعمل على فوران الشهوة وتأججها وزيادة لهيبها المستعر، وذلك بواسطة أولئك الفاتنات السافرات، واللائي تجردن من الحياء والحشمة والعفاف قبل أن يتجردن من ثيابهن، وقد اتخذهن الشيطان جنوداًَ له؛ ليغويهن ويغوي بهن. نسأل الله السلامة من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ولقد حذَّرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - من فتنة النساء، كما جاء في الحديث المتفق عليه عند البخاري (5096) ومسلم (2740) من حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" وفي رواية أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قوله - صلى الله عليه وسلم - في نهاية الحديث "... فاتقوا الدنيا واتقوا النساء" رواه مسلم (2742) .
فيا أخي الكريم كن على حذر من هذه الفتنة العظيمة.
ولقد سرني كثيراً عندما علمت - رغم هذا الشر كله - بأنك ملتزم ومحافظ على دينك، نسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يحفظنا وإياك من شر أنفسنا والشيطان اللهم آمين.
أخي المبارك: ليكن لك في رسول الله يوسف - صلى الله عليه وسلم - الكريم ابن الكريم ابن الكريم صلوات ربي وتسليمه على نبينا وعليهم جميعاً وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
فلقد فضل يوسف - صلى الله عليه وسلم - أن يرمى في غياهب السجن وألم القيد، على أن يفعل ما أمرته به امرأة العزيز من ممارسة الفجور والزنا معها، فقال - كما حكى عنه القرآن: "قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ" [يوسف:33] فما كانت النتيجة؟ (فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم).
وبعد هذا كله أظهر الله براءته وأطلق سراحه، وفوق هذا أصبح عزيز مصر يتحكَّم في خزائنها، وهذا جزاء من يتقي الله ويخشاه، (وإنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين).
فعليك أخي الكريم بهذه الأمور:
1. عليك بغض البصر امتثالاً لأمر الله - جل وعلا -: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ" [النور:30].
2. عليك بالعفة والبعد عن كل ما يثير شهوتك، قال تعالى: "وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ " [النور:33].
3. عليك بالصوم قال - صلى الله عليه وسلم -: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" رواه البخاري (1905) ومسلم (1400) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - ومعنى (وجاء)، أي وقاية وحرز أن يقع في الحرام.
4. إذا استطعت أن تقلل من حضورك للجامعة فافعل.
5. عليك بمصاحبة أهل الخير من العلماء والدعاة وطلبة العلم.
6. عليك بطلب العلم الشرعي والاجتهاد فيه.
7. عليك بالبعد عن كل شيء يثير شهوتك، سواء كان مقروءاً أو مسموعاً أو مشاهداً.
8. عليك باستحضار عظمة الله في قلبك، وتذكر ما أعد الله لعباده المتقين من النعيم في الجنة، والتي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وتذكر أن لك زوجات من الحور العين هن في انتظارك في الجنة، فلا تضح بهن من أجل قضاء شهوة عابرة تذهب لذتها وتبقى حسرتها في الدنيا والآخرة.
9. تذكر ما أعده الله للعصاة والزناة من العذاب الأليم والهوان الشديد، فاحذر أن تكون منهم..
10. تذكر الناس وهم في عرصات يوم القيامة، وقد بلغهم من الهم والغم والكرب ما الله به عليم، فقد بلغ منهم العرق مبلغاً عظيماً، وإذا بهم والحالة هذه ينادى على أناس وعلى رؤوس الأشهاد تعالوا لكي تستظلوا تحت ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله، ومن بين هؤلاء الصنف من الناس شاب نشأ في طاعة الله، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله رب العالمين، فاجتهد أن تكون أحد الرجلين من ذلك الصنف، نسأل الله من فضله.
11. اجتهد في الدعاء وتضرع إلى ربك الكريم بأن يصرف عنك هذا البلاء، وأن يثبتك على طاعته، وأن يهيئ لك سبل الزواج إنه سميع مجيب وبالإجابة قدير، وإن استطعت أخي السائل أن تقرأ كتاب (عندما ينتصر العفاف) لأخينا الشيخ خالد أبو صالح - حفظه الله - فذلك خير، فالكتاب جيد في بابه، وقد أجاد فيه صاحبه وأفاد.
نسأل الله -سبحانه وتعالى - بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يطهر قلبك، ويحفظ فرجك ويستر عيبك، ويغفر ذنبك، وييسر لك إعفاف نفسك بزوجة صالحة تسر بها إذا نظرت إليها، اللهم آمين هذا والله أعلم.
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 18 / ص 86)
زوجي على علاقة بكاهنة!
المجيب سليمان بن إبراهيم الأصقه
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/ المشكلات الزوجية/الخيانة
التاريخ 08/02/1427هـ
السؤال
ذهب زوجي إلى كاهنة، وبينتُ له أن ذلك حرام، لكنه لا يقبل ما أقول، وشغفت به هذه الكاهنة حباً، وهو يكذب ويقول لي ليس ثمة شيء، وأنا أجد رسائلهما والصور. ويقول لي: إنه لا يرغب في الزواج، ويقول لها عكس ذلك. وأنا أكره عالم هؤلاء الكهان، ولا أريد أن تشاركني هذه المرأة في زوجي، فماذا أفعل؟
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه، وبعد:
فنِعَم ما فعلت -أيتها الأخت- حين نهيت زوجك عن الذهاب لهذه الكاهنة، وأخبرتيه أنه حرام، بل إن ذلك من كبائر الذنوب. قال صلى الله عليه وسلم: "فلا تأتوا الكهان" أخرجه مسلم (537) من حديث معاوية بن الحكم السلمي -رضي الله عنه-.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سأل أناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس بشيء" أخرجه البخاري برقم (5762)، ومسلم برقم (2228).
وعن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة" أخرجه مسلم برقم (2230)، بل قد جاء أن تصديق الكاهن فيما يقول كفر -والعياذ بالله- والعراف والكاهن جنس واحد.
كما أنك أحسنت في كراهة عالم الكهان، وعدم رغبتك في أن تشاركك هذه المرأة في زوجك بهذه الطريقة المنكرة، إذ لا يجوز لزوجك أن يتصل بهذه المرأة ويعقد معها صداقة حب وتبادل صور وهي أجنبية منه، فإن هذا من أعظم أسباب الفواحش وأضر الفتن. قال صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" أخرجه البخاري برقم (5096)، ومسلم برقم (2740) من حديث أسامة بن زيد -رضي الله عنهما-.
وقال صلى الله عليه وسلم: "فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" أخرجه مسلم برقم (2742) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- فاستمري على ما أنت عليه فلست بمخطئة، وعليك بالصبر واختيار أحسن الطرق لإقناع زوجك للكف عما يفعل، وإذا كنت كذلك فأنت على خير وأجر -بإذن الله تعالى- وفقك الله وهدى زوجك للخير، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 19 / ص 472)
مبتلى بالنظر إلى النساء
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/عقبات في طريق الهداية
التاريخ 26/10/1424هـ
السؤال
إني مبتلى بفتنة النظر إلى النساء وصورهن مع أني أصلي وأحفظ الكثير من القرآن، فهل لي من طريق إلى التخلص من هذا؟ ونسألكم الدعاء.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أحلَّ لنا الطيبات، وحرَّم علينا الخبائث والمنكرات، والصلاة والسلام على معلّم الناس الخير نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
إلى الأخ السائل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بداية أشكر لك ثقتك البالغة واتصالك بنا عبر موقع الإسلام اليوم، ونتمنى منك دوام الاتصال والمراسلة على الموقع.
أخي الكريم: لقد قرأت رسالتك أكثر من مرة، وسرني جداً محافظتك على الصلاة في أوقاتها، وكذلك حفظك لكثير من كتاب الله - جل وعلا- نسأل الله أن يثبتنا وإياك على الحق اللهم آمين.
ولكن ساءني جداً ما ابتليت به من فتنة النظر إلى النساء، الله أسأل أن يعصمنا وإياك وكل مسلم من شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، ولكن سعدت كثيراً بكونك غير راضٍ على ما أنت فيه من هذا البلاء العظيم والشر المستطير، فالنظر إلى النساء فتنة عظيمة وبلية عظمى، وقد حذرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- من فتنة النساء، فعن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء" متفق عليه البخاري(5096)، ومسلم(2741).
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" أخرجه مسلم(2742).
فيا أخي الكريم: تب إلى الله وبادر بالإقلاع عن هذا الفعل المحرم فإنه من خطوات الشيطان الذي أمرنا المولى - جل وعلا- بعدم اتباعه فقال تعالى: "ولا تتبعوا خطوات الشيطان" [البقرة:168]، وتذكر وأنت تنظر إلى حرمات المسلمين تذكر نساء أهل بيتك وكل من تمتٌّ لك بصلة، هل ترضى أن ينظر أحد إليهم ويتلذَّذ بذلك النظر المحرم، الجواب معروف، فكما أنك لا تحب ذلك لأهلك وأقاربك فكذلك الناس لا يحبون ذلك لأهليهم ولا لأقاربهم، فاتق الله في حرمات الناس يتقي الناس الله في حرماتك، والجزاء من جنس العمل، وإني ناصحك بأمور تعينك بعد فضل الله على أن تقلع عن هذا الشر العظيم فمستعيناً بالله أقول:
(1) الامتثال لأمر الله - جل وعلا-؛ وذلك بغض البصر، قال تعالى: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ"[النور:30)].
(2) المبادرة بالتوبة والإسراع فيها وإياك والتسويف، والعزم الأكيد على عدم العودة إلى هذه المنكرات مرة أخرى، وعليك بالندم على ما قدمت يداك في سالف دهرك، واعلم بأن الله يفرح بتوبة العبد إذا تاب إليه ورجع نادماً على ما اقترف من معاص وذنوب، عن أنس - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح" متفق عليه البخاري(6309)، ومسلم(2747) وهذا لفظ مسلم.
(3) إذا همت نفسك بفعل المنكر والقبيح من النظر إلى هذا العفن القذر فتذكر بأن لله يراك ومطلع عليك، فاستح أن يراك وأنت في معصية، فلا تجعل الله أهون الناظرين إليك، فاجتهد -يا رعاك الله- أن يراك ربك حيث أمرك، ويفتقدك حيث نهاك، فإذا دعتك نفسك وزين لك الشيطان فعل المعصية فاعلم بأن الله "يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ"[غافر:19]، وصدق من قال:
إذا ما خلوت الدهر يوماً *** فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل طرفة *** ولا أن ما يخفى عليه يغيب.
وقال آخر:
إذا ما خلوت بريبة في ظلمة *** والنفس داعية إلى العصيان
فاستح من نظر الإله وقل لها*** يا نفس إن الذي خلق الظلام يراني.
(4) استبدل هذه القاذورات بالذي هو خير لك في دينك ودنياك، وفي حياتك وبعد موتك، وذلك بطلب العلم الشرعي والاجتهاد في حفظ كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم- وليكن عندك همة عالية، وليكن لك هدفاً نبيلاً في هذه الحياة بأن تكون داعية إلى الله على بصيرة وعلم.
(5) عليك بالإكثار من القراءة في الكتب التي ترقق القلب وتحفِّز على فعل الطاعات وترك المنكرات، وكذلك الإكثار من الأشرطة الإسلامية النافعة والتي تتحدث عن الموت وشدته، والقبر وظلمته، والقيامة وأهوالها، والحساب وصعوبته، والصراط وحدته، والجنة ونعيمها، والنار وعذابها، فاحرص أن تكون من أهل الجنة، واحذر أن تكون من أهل النار.
(6) عليك أن تستحضر دائماً وأبداً بأنك إلى الله راحل، وبين يديه واقف، وهو سبحانه سائلك عن كل كبيرة وصغيرة فعلتها، في حياتك فماذا ستقول له عندما يسألك عن هذه الأوقات التي ضيعتها وأنت تشاهد هذا العفن وتفعل هذه المنكرات؟.
فيا بني احرص أن تلقى الله وأنت على طاعة، واحذر أن يأتيك الموت وأنت على معصية، عن ابن عمر - رضي الله عنهما- قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بمنكبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل" فكان ابن عمر رضي الله عنهما- يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك" أخرجه البخاري(6416).
(7) عليك أن تشغل نفسك بالطاعة وفعل الخير، وفعل كل ما يقربك لله؛ لأن النفس إذا لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية.
(8) عليك بمصاحبة الصالحين والأخيار من طلبة العلم والدعاة، وحضور مجالس العلم والذكر، والبعد عن مصاحبة أهل الشر والفجور والضلال والغواية، والبعد عن مجالس الشر والسوء، فمصاحبة الفريق الأول شفاء ونجاة وفلاح وفوز في الدنيا والآخرة، ومصاحبة الفريق الثاني: داء وهلاك وخسران في الدنيا والآخرة، قال تعالى: "الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ"[الزخرف:67].
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "مثل الجليس الصالح كبائع المسك إذا لم تشتر منه شممت منه رائحة طيبة، ومثل الجليس السوء كنافخ الكير إذا لم يحرقك لجلوسك معه شممت منه رائحة كريهة" متفق عليه البخاري(2101-5534)، ومسلم(2628).
(9) إذا همت نفسك بالنظر إلى الحرام فتذكر بأن الله هو الذي أنعم عليك بهذه النعمة وهو سبحانه قادر أن يسلبها منك، ولا أحد يستطيع أن يردها لك، فهل يكون ذلك هو شكرك لهذه النعمة العظيمة والتي قد حرم منها فئام من البشر؟ وكل واحد منهم يتمنى أن ينفق كل ما عنده ويرد إليه بصره ولو ساعة واحدة يرى بها من يحب، - فيا رعاك الله- احفظ بصرك واتق ربك يحفظك الله،"هَلْ جَزَاءُ الإحسان إِلَّا الإحسان"[الرحمن:60]، والجزاء من جنس العمل، قال - صلى الله عليه وسلم-: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك"جزء من حديث أخرجه الترمذي(2518)، وغيره من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما- وقال عنه: هذا حديث حسن صحيح، والرجاء أن ترجع إلى شرح هذا الحديث في المصدر المشار إليه، وهناك شريط بهذا الاسم لفضيلة الشيخ عائض القرني، وكذلك شريط بنفس الاسم لفضيلة الشيخ وحيد بالي فاحرص على سماع مثل هذه الأشرطة النافعة - بإذن الله تعالى-.
(10) وفي الختام أقول لك عليك بكثرة الذكر والاستغفار، وأكثر من الدعاء والجأ إلى الله بصدق بأن يصرف عنك هذا الشر المستطير من هذه الفتن الفتاكة القاتلة، فالله سبحانه هو الذي يعصم عباده من الخطأ والزلل، "رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ"[البقرة: من الآية286]. هذا والله أعلم، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والهداية والرشاد ، وأن يجنبنا وإياك مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن إنه ولي ذلك والقادر عليه ومولاه، وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 11 / ص 402)
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا رقم الفتوى:20904تاريخ الفتوى:07 جمادي الثانية 1423السؤال : بسم الله الرحمن الرحيم :
جدتي وخالتي دفعتا لي مبلغأ وقدره 3500 ريال لكي أجعلة في إحدى الجمعيات الخيرية كصدقة جارية ولكن كنت في وقتها بحاجة للمبلغ فصرفتة على نفسي وفى نيتي إذا توفر المبلغ عندي بعدها سأدفعة ولكن لم يتوفر المبلغ إلى الآن ؟
ملاحظات : 1- جدتي توفيت رحمها الله 2- أنا غير موظف علما أنني انتظر الوظيفة لكي أدفع المبلغ جامعي !!! 3- هل أدفع من مال زوجتي وهى راضية0 4-المبلغ له 3سنوات 0 وجزاكم الله خير الجزاء
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المال الذي أخذته من جدتك وخالتك يعتبر أمانة في عنقك يجب عليك أداؤها ودفعها إلى الجهة المخصص لها في أقرب وقت ممكن، قال الله تعالى:إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا .[النساء:58]، وقال سبحانه:وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ [المؤمنون:8].
حتى ولو توفيت جدتَّك التي أمنتك على المال فمن الأمانة والوفاء لها أن تنفذ ما تركت عندك جدتك وخالتك.
وحتى لو طالت المدة فإن ذلك لا يسقطه، ولا يبرر عدم الأداء، وإذا كانت زوجتك راضية بدفع المبلغ فلا مانع من ذلك بشرط أن يكون ذلك بطيب نفسها.
وننصح السائل الكريم إذا كان يحس من نفسه ضعفاً أمام المادة ألاَّ يتحمل الأمانات المالية حتى لا يقع في الحرج ؛ لأن فتنة المال من أشر الفتن، وقد قال صلى الله عليه وسلم: الدنيا حلوة خضرة، وإن الله تعالى مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء... رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 12 / ص 90)
مشكلة نفسية خطيرة...لكن لها علاج رقم الفتوى:21233تاريخ الفتوى:10 جمادي الثانية 1423السؤال : أنا شاب في ال 19 من عمري لدي مشكلة أني عندي مرض نفسي خطير هو حب تعذيب النساء كلذة جنسية وذلك أكثر لذة عندي من الجنس.. المشكلة أن ذلك المرض قد يتفاقم إلى الشذوذ الكامل وبالتالي كارثة
الحل الطبي هو مشاهدة أي نوع من أنواع المثيرات الجنسية الطبيعية أو سماعها سواء كانت كارتون ورسومات أو حقيقية هل يجوز ذلك في حالتي ؟ وجزاكم الله خيرا
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإسلام دين شامل كامل يحقق التوازن بين مطالب المادة والروح، وما من معضلة كيف كانت سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو نفسية أو خلقية إلا ولها حل في الإسلام علمه من علمه وجهله من جهله.
ونبشر السائل الكريم بأن هذا الداء العضال الذي ألمَّ به له حل، فما من داء إلا وله دواء، فعن ابن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أنزل الله داء إلا أنزل له الدواء. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
وليس علاجك فيما ذكرت من استخدام المؤثرات الجنسية فإن ذلك حرام كما لا يخفى، والعبد إذا أراد أن يتداوى فإن عليه ألا يتداوى بمحرم فإنه داء وليس بدواء، وإن مثله حينئذ كمثل المستجير من الرمضاء بالنار، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تتداووا بحرام. رواه أبو داود من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، وليعلم الأخ السائل أنه إنما أتي من قبل إبليس اللعين، فإن له مدخلين عظيمين ينفذ منهما إلى ابن آدم، وهما مدخل الشهوات ومدخل الشبهات، وقد أصابك عن طريق الشهوات ذلك لأنك حين تلجأ إلى تعذيب النساء إنما تفعل ذلك عن شهوة تجد منها لذة تفوق -كما ذكرت- لذة الاستمتاع الجنسي، وكل ذلك من إغواء الشيطان لك.
وأول طريق للعلاج هي: أن تلجأ إلى الله مستعيذاً به من الشيطان الرجيم، وهو القائل سبحانه:وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف:200].
واعلم أنك وقعت فيما وقعت فيه لأنك قد فتنت بالنساء، وذلك إنما يحدث غالباً إذا كان المرء لديه فضول نظر واختلاط بالنساء الأجنبيات عنه، فعليك أخي السائل أن تتذكر أن الله تعالى قد أشار إلى خطورة فتنة النساء، لأن نفس الرجل مجبولة على حبهن، فقال عز وجل:زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران:14].
وقال تعالى بعدها:قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:15].
وقال صلى الله عليه وسلم محذراً كذلك من فتنتهن: إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء. رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، فعليك أن تحذر من فتنة النساء، ويعينك على ذلك أن تلتزم بالأوامر الشرعية التي أمر الله بها والتي تسد باب الفتنة بهن، ومن ذلك أن تغض بصرك. وتأمل قوله تعالى:قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30].
ومن ذلك ألا تخلو بامرأة أجنبية عنك. وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما. رواه الطبراني عن بريدة رضي الله عنه.
وبالجملة فإن علاجك -أخي السائل- في اللجوء إلى الله تعالى والاستعاذة به من الشيطان الرجيم، وتجنب المثيرات الجنسية، والحذر كل الحذر من فتنة النساء، وسد المنافذ الموصلة إلى ذلك، وذلك بغض البصر وعدم الخلوة بهن والاختلاط وما إلى ذلك، فإن فعلت فسيعصمك الله بإذنه، وهو سبحانه على كل شيء قدير، ونسأل الله سبحانه أن يتوب عليك، ويذهب بأسك ويحصن فرجك.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 20 / ص 80)
من طرق دعوة الرجل للفتيات رقم الفتوى:30995تاريخ الفتوى:18 صفر 1424السؤال : أصبحت ملتزماً ولكن لي علاقات ببعض الفتيات المحترمات وأريد أن أدلهم على طريق الفلاح ولكني أخاف أنني قد أغضب الله.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنشكر لك حرصك على دعوة هؤلاء الفتيات وإرشادهن إلى طريق الفلاح، ولكن ينبغي أن تعلم أنه يحرم على المسلم أن يقيم علاقات أو صداقات مع الأجنبيات، لأن ذلك بريد الزنا والوقوع في ما حرم الله، ولو كانت هؤلاء الأجنبيات عفيفات، فليحذر المسلم من ذلك، ففي الصحيحين عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء. وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ....فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.
وقد قال تعالى: لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر [النور: 21].
ومن رأى مقدار الفتنة والفساد الحاصل بسبب مخالطة الرجال للنساء وإقامة صدقات معهن، علم كمال شفقة ورحمة النبي صلى الله عليه وسلم في منع أمته من ذلك، وتمكن دعوة هؤلاء الفتيات بإهدائهن بعض الكتب أو الأشرطة، أو إرشادهن إلى رفقة صالحة من النساء، دون وجود علاقات معهن تجر إلى ما حرم الله.
وراجع الفتوى رقم:
10708 للأهمية، والفتوى رقم: 23350
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 35 / ص 45)
دعوة المرأة إلى طريق الهداية عن طريق بنات جنسها أولى. رقم الفتوى:5271تاريخ الفتوى:16 صفر 1420السؤال : أنا شاب ملتزم ولله الحمد لى جارة شابة غير ملتزمة وتكلم الأولاد وتفتنهم وأنا والحمد لله لا أفتن بها ولكنها حاولت أكثر من مرة أن تتحدث معى ولكننى امتنعت وأنا والحمد لله من الممكن لو كلمتها وتحدثت معها من الممكن أن أكلمها عن الإسلام وتلتزم مع العلم أنى أتاكد تماما أنها تقتنع بأى شيء أقوله فبماذا تنصحوني أن افعل أرجو من سيادتكم الرد فى أسرع وقت لكى أقوم باتخاذ القرار فى هذا الموضوع وعمل اللازم وجزاكم الله خيرا
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن فتنة النساء من أعظم الفتن، وأكثرها خطراً وضرراً، كما في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ".
وروى مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" .
وهذه الفتنة لا ينبغي لأحد أن يأمنها على نفسه، فلربما فتن الصالح العابد بنظرة، ولهذا جاء التحذير من النظر، والأمر بغض البصر عاما لجميع المؤمنين، دون تفريق بين صالح وطالح ، ومستقيم ومنحرف، وتوجه الخطاب أولاً لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أنهم أعظم الناس إيماناً ويقيناً وثباتاً.
ولهذا ننصح بالإعراض عن هذه الفتاة، وأن تبحث عمن يقوم بدعوتها من النساء الصالحات، كزوجتك أو زوجة أحد إخوانك، فهذا أسلم لك ولها، وأبعد عن الشبهة والريبة خصوصاً أنها -كما ذكرت في سؤالك - تتعرض للأولاد وتفتنهم، فهي منزوعة الحياء. والسلامة لا يعدلها شيء.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 35 / ص 244)
الواجب على من يعمل في مكان مختلط رقم الفتوى:53285تاريخ الفتوى:28 رجب 1425السؤال:
أنا أعمل في مركز الإنترنت في العراق هل يجوز أن أعمل في المركز أم لا، مع أن فيه اختلاطاً ويأتيه البنات المحجبات وغير المحجبات ويتكلمن معي، هل يجوز هذا النوع من العمل أم لا، أرجوكم أجيبوني؟
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على المسلم أن ينأى بنفسه عن كل ما يمكن أن يسبب له فتنة أو يوقعه في إثم، وإن أكبر ما يتخوف على الرجل منه الفتنة بالنساء، ففي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء.
وروى مسلم من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.
وعليه؛ فإذا كان بإمكانك وجود عمل غير هذا فلا تتردد في تركه، وكذا الحال إذا كنت غير محتاج للعمل فيه أصلاً، وأما إن كنت مضطرا إليه لمعاشك ولم تجد غيره، فلا مانع من بقائك فيه في انتظار وجود فرصة عمل أخرى بعيدة عن مواطن الفتنة، وفي انتظار ذلك فحاول -ما استطعت- أن تغض بصرك وتتجنب الحديث مع النساء في غير ما تدعو له الحاجة، مع تجنب الخلوة بهن وكل ما من شأنه إثارة الفتنة.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 42 / ص 194)
مخاطبة الأجنبي الأجنبية عبر الهاتف وغيره رقم الفتوى:61560تاريخ الفتوى:18 ربيع الأول 1426السؤال:
من أين لك أن تفتي بمثل هذه الفتوى ؟ ومن قال لك إنه يحرم أن تكلم الأجنبية على الهاتف النقال ؟أرجو أن ترسل لي مصدر هذه الفتوى المزعومة ؟
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع من خطاب الرجل للمرأة والمرأة للرجل مباشرة أو عبر الهاتف مادام ذلك لتحقيق هدف شرعي كتعليم العلوم الشرعية والعلوم الدنيوية التي يترتب عليها مصلحة تعود على المجتمع بالخير والنفع وما أشبه ذلك من الامور إذا لم يكن هنالك من النساء من هي قادرة على القيام بهذه المهمة وبنفس القدر من الجودة والإتقان وذلك لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الوارد في البخاري قال : " قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم : غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوما من نفسك فوعدهن يوما لقيهن فيه فوعظهن وامرهن" ووجه الدلالة هنا سماعه صلى الله عليه وسلم من النساء وسماعهن منه وعلى المرأة في تلك الحالة أن تنأى عن الخضوع بالقول وعن كل ما يؤدي الى الفتنة وأما إذا لم يتعلق بخطاب الأجنبية الأجنبي أو الأجنبي الأجنبية غرض شرعي أو مصلحة دنيوية فإن ثمت نصوص كثيرة تحث على قطع الصلة بين الجنسين بعدا عن سائر أسباب الفتنة وحبائل الشيطان قال الله تعالى مخاطبا نساء النبي صلى الله عليه وسلم وهن أبعد النساء عن الريبة والإثم ( فلا تخضن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض ) وفي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما تركت بعدي فتنة اضر على الرجال من النساء " وروى مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء " والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ولا شط أن الخطاب بين الجنسين في الهاتف لغير مصلحة هو حِبَالة من حبائل الشيطان وسبب كبير في الفتنة وبالتالي فهو حرام .
والله أعلم
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 42 / ص 280)
الانفتاح على العصر.. المحمود والمذموم رقم الفتوى:61824تاريخ الفتوى:29 ربيع الأول 1426السؤال:
نحن جماعة موجودون في ألمانيا في بلد صغير ولا يوجد لدينا شيخ أو إمام رغم ذلك بارك لنا الله في مسجد صغير نصلي فيه وكل الإخوة يطالبون بأن نكون منفتحين على العصر الذي نحن فيه، وأنا لست راضيا عن الانفتاح الذي يجمع النساء والرجال، ومثل حلق اللحية والأمثال الشعبية وكلام لا يضر ولا ينفع، أفيدونا بكلام طيب جزاكم الله كل الخير لكي يتسنى لي أن أقرأه عليهم سؤالي؟
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الانفتاح على العصر الذي يرخص فيه الشرع ويأمر به إنما يكون بالمشاركة في الخير والدعوة إلى الله والمساعدة على حل المشاكل بالطرق الشرعية ونحو ذلك، لا بالمشاركة فيما يتنافى مع أخلاقنا وآدابنا، مما قد تترتب عليه بعض المخالفات مع عدم القدرة على الإنكار، وذلك مثل حلق اللحية واختلاط النساء بالرجال، وخضوعهن بالقول وما يترتب على ذلك من الفتنة، وحلق اللحية من الحرام البين، وكنا قد بينا ذلك في فتاوى كثيرة، فراجع فيه فتوانا رقم: 2711.
واختلاط الرجال بالنساء سبب كبير لوقوع الفتنة، ففي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.
وعليه، فنقول لهذه الجماعة التي منَّ الله عليها بهذا المسجد الصغير في تلك البلاد النائية عن الإسلام: إن عليها أن تتقي الله وتبتعد عن هذا النوع من الانفتاح المفسد للدين، فتعفو لحاها وتترك الاختلاط بالنساء، وتنأى عن الأمثال الشعبية التي لا تنفع، وأما ما ينفع فلا حرج في استماعه والاستفادة، ونسأل الله أن يعيننا وإياكم على التمسك بدينه وشرعه، وأن يعصمنا وإياكم من فعل المنكرات، إنه سميع مجيب
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 42 / ص 374)
تناول الطعام بحضرة فتاة متبرجة رقم الفتوى:62042تاريخ الفتوى:06 ربيع الثاني 1426السؤال :
في العمل وعند وقت الراحة لا نستطيع الخروج لتناول الأكل خارج مكان العمل فنضطر للأكل في مكان العمل ومعنا فتاة قد ترتدي أحيانا ملابس غير لائقة وتظهر العورة فهل نستحمل فترة تناول الطعام ثم ننصرف أم يجب علينا الابتعاد عنها أي الفتاة والأكل بالتناوب؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أخي -عصمنا الله وإياك من الزلل- أن فتنة النساء من أعظم الفتن وأخطرها وأضرها على المسلم، ففي الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء.
وروى مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فاتقوا الدنيا ، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.
وتعرض هذه الفتاة لكم بالكيفية التي ذكرت هو عين الفتنة، فلا يجوز لكم البقاء معها، فإن كان في إمكانكم تحصيل عمل غير هذا العمل تبتعدون فيه عنها فذلك أحوط لكم، وإن لم يتيسر لكم ذلك، وكنتم محتاجين إلى هذا العمل فعليكم أن تجتهدوا في غض البصر والابتعاد عنها لا في وقت تناول الأكل فقط، بل في كل الأوقات، وسواء أكلتم بالتناوب أو بطريقة أخرى فالمهم أن تجنبوا أنفسكم هذه الفتنة.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 49 / ص 32)
:الآثار الضارة للعلاقات بين الشباب والشابات رقم الفتوى:68863تاريخ الفتوى:29 رمضان 1426السؤال :
ما هو حكم علاقات ما قبل الزواج و ما هي آثارها على مستقبل الإنسان بعد الزواج؟
الفتوى :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإقامة العلاقات بين الشباب والشابات قبل الزواج من خطوات الشيطان إلى الحرام ، ولا يخفى ما لها من الآثار على الحاضر والمستقبل كما صرحت بذلك نصوص الشرع ، وكما هو مشاهد ، ففي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء . وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها ، فينظر كيف تعملون ، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء .
ومن رأى افتتان الشباب بالنساء ، وكثرة ما يقع من الشر بمصادقتهن ، علم صدق نصح النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ، وكمال شفقته ورحمته بهم .
فكم من فتاة انتهك عرضها وضاع شرفها بسبب تلك العلاقات ، وكم من بنت حرمت من الزواج وعاشت حياة شاذة بسبب ما كان لها من علاقات ، وكم من حالات إجهاض تسببت فيه تلك العلاقات ، بل وكم من طفل بريء وَأَدَتْه أمه خشية الفضيحة والمعرة بين المجتمع وكان سبب ذلك هو تلك العلاقات ، وكم من فتى انحرف وعاش بعيداً عن ربه بسبب ما كان قد أقامه من علاقات ، إلى غير ذلك من الأمور التي يصعب حصرها .
وإذا صحت هذه الملاحظات -وهي صحيحة- فلا شك في أن البيت الذي كان طرفاه قد تعرضا لبعض تلك الآثار ، ستكون الحياة فيه في الغالب متميزة بشيء من الانحراف .
مع أنه لا مانع من أن يكون الحال مستقيما في بيت كان أهله قد ارتبطا بعلاقة قبل الزواج ، وما ذكرناه إنما هو -في الغالب- كما قلنا ، وذلك لأن الله تعالى بفضله وكرمه جعل التوبة من الذنوب والإنابة إلى الله تكفر كل ما كان قد اقترفه الإنسان ، وقد يصلح حال المرء بعد التوبة إلى درجة لم يبلغها من كان مستقيماً من أول أمره .
والله أعلم
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 53 / ص 187)
فتح مقهى أنترنت.. رعي حول الحمى رقم الفتوى:72742تاريخ الفتوى:25 صفر 1427السؤال:
سيّدي الشيخ أرجو أن تقرأ سؤالي إلى الآخر ولا تكون الإجابة برابط لا يفي بحاجتي لمعرفة الجواب المقنع، لقد أفدتموني بشروط فتح مقهى إنترنت، ولكن مهما حرصنا فإنّه يستحيل أن نطبّق هذه الضوابط الشرعيّة ويشغل بالي شيء أهمّ من كوني أنا صاحبة مقهى إنترنت وكونه الأفضل هو غلق المحلّ ابتغاء مرضاة الله، فمرضاة الله قبل كل شيء على الرغم من منع المواقع الإباحية بواسطة برنامج مراقبة، ولكن لا نستطيع أن نمنع كل شيء (chat) وهذا أكيد، وسؤالي هو كيف سنرقى بأمتنا إلى الأحسن خصوصا في هذا العصر إذا أغلقنا الإنترنت وأغلقنا كل جانب اختلط فيه الحرام والحلال ألم نساهم بذلك في تغلب الغرب علينا، ومن يبتغي علما وفائدة سيضطر إلى الذهاب إلى مقهى إنترنت آخر حيث لا مراقبة ولكن تسيب وسيكون مكرها على ذلك لأنّه يحتاج إلى المعلومة أو يحتاج إلى التواصل مع الأقارب أو الأصحاب ويقع الأمر هو اختلاط الفتيات خصوصا بسيئي الأخلاق لأن إدخال الإنترنت في البيت ليس ميسرا لعامة النّاس فقط ميسوري الحال يتمكنون من ذلك... وبهذا نكون قد مكنا للرّديء أن ينتشر ويتغلّب على الأماكن الحريصة على تقوى الله ألم نساهم بذلك في تخلّف الأمة وضياعها، فماذا ترون يا شيخنا وبما تشير علينا، هل أغلق أفضل أمام الله أم أستمر مع المراقبة والحرص؟
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالإنترنت -كما بينا في فتاوى كثيرة- هو سلاح ذو حدين، فهو يمكن المسلم من تبليغ أفكاره ومعتقداته، ودعوته إلى العالمين، تحقيقاً لمقاصد الدين الإسلامي وعالميته بأقل التكاليف، وهو سبيل جديد ومطور للحصول على أي كتاب يمكن أن يكون محملا على الإنترنت.
وهو عصب الحياة المعاصرة، ومن خلاله بإمكان المرء أن يؤثر في الرأي العام، وهو مع هذا وسيلة إلى تفشي الرذيلة والفاحشة بين أفراد المجتمع، لما يقع بواسطته من الحديث من الجنسين، والكشف عما لا تحل رؤيته، ولا شك أن فتنة النساء من أعظم الفتن، وأكثرها خطراً وضرراً، كما في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء.
وروى مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فاتقوا الدنيا واتقوا النساء, فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء. وهو أيضاً وسيلة إلى بث السموم والمعتقدات السيئة بين ضعاف النفوس.
وعليه.. فمن أراد فتح مقهى إنترنت، وعلم أنه يستطيع التحكم فيه، بحيث لا يبث خلاله إلا ما يرضي الله، فلا شك في أن فتحه أفضل من تركه، وأما إن علم أن مهما حرص، فإنه يستحيل أن يطبق الضوابط الشرعية لفتح المقهى - كما قالت السائلة - فإن البعد عنه أولى وأنجى.
ولتعلم الأخت الكريمة أن السلامة في الدين لا يعدلها شيء، وأن من رتع حول الحمى أوشك أن يواقعه، وأن المؤمن يفر من أماكن الفتن، ويستعيذ بالله منها، ولتعلم كذلك أن الغرب لم يتغلب علينا إلا بعد أن ابتعدنا عن ديننا، وجرينا خلفه نقلده في كل صغير وكبير.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 54 / ص 104)
الهدية بين شاب وفتاة أجنبيين.. رؤية شرعية رقم الفتوى:73299تاريخ الفتوى:10 ربيع الأول 1427السؤال:
جزاكم الله خيرا على الاهتمام بموضوعي، ولكن الإجابة لم تكن واضحة، أرجو توضيح الآتي :-
أنا تلقيت هدايا من علاقات سابقة مع بنات للأسف، كانت هذه الهدايا إما هدية عادية في مناسبة مثل الأعياد أو مساعدات مالية لظروف صعبة مررت بها، فقد كانت هذه البنت أوضاعها أحسن من أوضاعي وكنت أمر أنا بظروف صعبة، فجزاكم الله خيرا أفيدوني أنا أستخدم هذه الهدايا او النقود، وقد منحت لي هذه الهدايا أو النقود ليس من باب العلاقة المحرمة بل عن طريق محبتها لي أو عن طريق أني كنت محتاجا للمساعدة المالية لظروف معينة، فأرجو أن تكون الفتوى واضحة وهي هل أستخدم هذه الأشياء أم ماذا، ومن ضمن هذه الهدايا سيارة فقد كنت عاجزا عن شراء سيارة أذهب بها إلى العمل .
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه الهدايا التي قلت إنك تلقيتها من علاقات سابقة مع بنات لا يمكن تصور أنها خالية من الأغراض الفاسدة. لأنها إذا كان موجبها هو احتياجك إليها، فإنك لست أحوج المحتاجين، طالما أن لك عملا. ولأنه من المستحيل أن يرتبط شاب بفتاة أو فتيات عن طريق المحبة، ولا يكون التهادي بينهم من باب العلاقة المحرمة.
ثم اعلم أن العلاقة المحرمة ليس معناها الوقوع في الزنا الموجب للحد، بل ثمت أنواع كثيرة من الزنا لا توجب الحد، وهي داخلة في عموم العلاقة المحرمة. فقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه. وهذا لفظ مسلم.
ثم اعلم أن فتنة النساء من أعظم الفتن، وأكثرها خطرا وضررا، كما في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء. وروى مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.
وهذه الفتنة لا ينبغي لأحد أن يأمنها على نفسه، فلربما فتن الصالح العابد بنظرة. لذا ننصحك -أيها الأخ الكريم- بالابتعاد عن كل هذا، وأن تتخلص من جميع هذه الهدايا بالتصدق بها على المحتاجين أو صرفها في وجوه البر ونحو ذلك، وأن لا تحتفظ بها، فإنا لا نرى إلا أنها أهديت لمقاصد غير سليمة.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 57 / ص 452)
:عمل المرأة شرطية رقم الفتوى:74783تاريخ الفتوى:29 ربيع الثاني 1427السؤال:
هل يجوز عمل المرأة شرطية أم هو حرام؟
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأليق بالمرأة والأحوط لها في دينها هو القرار في البيت كما أمرها الله تعالى قال جل من قائل : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى { الأحزاب :33 } ومع ذلك فإنها إذا احتاجت للعمل أو احتاج له مجتمعها فلها أن تمارس منه ما يتلاءم وطبيعتها وأنوثتها, كأن تكون طبيبة نساء, أو مدرسة للبنات ونحو ذلك. وأما أن تعمل المرأة في مجال الشرطة وهي مهنة لا تنفك عن الاختلاط لأن العاملين فيها هم الغالب رجال؛ ولأن الممارسات والتحقيقات تكون في الغالب مع الرجال, فهذا ما لا نرى إباحته لما سينجر عنه من الفتنة والفساد, وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الفتنة أيما تحذير ففي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء . وروى مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فاتقوا الدنيا واتقوا النساء, فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء . وقد سألت أمنا عائشة رضي الله عنها فقالت : يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ قال: نعم جهاد لا قتال فيه؛ الحج والعمرة رواه أحمد وأصله في البخاري. ولا شك أن أقل ما سيؤول إليه حال المرأة العاملة في الشرطة هو التبرج والسفور إضافة إلى ما ذكر من الاختلاط ، فنسأل الله العلي القدير أن يرد المسلمات إلى بيوتهن, ويصلح حال الأمة, إنه ولي ذلك والقادر عليه .
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 57 / ص 467)
الفصل بين الجنسين قدر الإمكان متعين رقم الفتوى:74797تاريخ الفتوى:01 جمادي الأولى 1427السؤال:
أود أولا أن أشكركم علماءنا الأفاضل على مجهوداتكم الطيبة لنصرة دين الله عز وجل.. بارك الله فيكم
المشكلة هي على الشكل الآتي:
لقد تم بفضل الله إنشاء جمعية إسلامية خيرية بإحدى المدن المغربية .. المهم أن الجمعية الآن تحتاج لمقر والذي سيتم كراؤه عما قريب.. السؤال الذي يحيرني هنا هو كالآتي:
الجمعية تضم شبابا وبنات، الحمد لله كلهم على خلق جيد وهم متأدبون بآداب الإسلام، لكن هل هذا يمكننا من الاجتماع سويا في المقر قصد الإعداد للمشاريع وتطويرها؟ هل يعتبر هذا الأمر خلوة ؟
للإشارة فالجمعية تضم حوالي 40 شخصا عدد الإناث فيها أكبر من الذكور، أضف إلى ذلك أن هناك منهم من غير فئة الشباب ( رجل أعمال، مدرسة، ربة بيت...) لكن عددهم قليل جدا.
وقد كنا نستفيد إلى حدود الأيام الأخيرة من مقر بمؤسسة دار الشباب إلا أن هذه الإمكانية الآن أصبحت غير متوفرة..
عذرا على الإطالة وجزاكم الله خيرا.
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن فتنة النساء من أعظم الفتن وأكثرها خطرا وضررا؛ كما في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء . وروى مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فاتقوا الدنيا واتقوا النساء, فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء .
واختلاط الرجال بالنساء على الوضع الشائع الآن يعد من أكبر دواعي الفتن والفساد. قال الله تعالى : قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ { النور: 30 - 31 } وروى عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إياكم والدخول على النساء, فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال: الحمو الموت . متفق عليه.
لذلك فإن نصيحتنا لكم هي أن تفصلوا بين الجنسين في المدخل والمخرج والمرافق وغير ذلك, وأن يكون التواصل بينهما عبر الأزواج والزوجات أو الإخوة والأخوات, وإذا احتيج إلى غير ذلك فليكن عبر الهاتف وفي حدود ما تدعو إليه الحاجة دون دخول فيما لا تدعو إليه, ودون أي خضوع في القول, فإن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح, والسلامة لا يعدلها شيء .
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 57 / ص 496)
الهدية التي لا يراد منها غرض صحيح رقم الفتوى:74832تاريخ الفتوى:03 جمادي الأولى 1427السؤال:
في البداية جزاكم الله خيراً على هذا الموقع النافع للأمة الإسلامية، وسؤالي هو وباختصار شديد، أني على علاقة عاطفية بإحدى زميلاتي في العمل ونتبادل الهدايا، وفي بعض الأحيان تمنحني مبلغا من المال كعطاء غير مردود، فهل هذا المال حرام أم حلال وما هو الموقف من الهدايا؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه، نريد أولاً أن ننبهك إلى أن أية علاقة عاطفية بين رجل وامرأة خارج الزواج فهي محرمة، لما تشتمل عليه من الاستمتاع المحرم بالأجنبية والخلوة معها، وللمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم: 32829.
وفيما يتعلق بموضوع الهدية، فقد بينا من قبل أنها إن كان المراد منها غرضا غير صحيح كما هو الحال هنا، فإنها لا تحل للمهدي له، وعليه أن يتخلص منها بالتصدق بها أو نحو ذلك، ولا يجوز له أن ينتفع بها، فننصحك -إذاً- بالتوبة من العلاقة التي ذكرت، وبالتخلص من جميع الهدايا التي وصلتك من هذه الجهة.
واعلم أن فتنة النساء من أعظم الفتن، وأكثرها خطراً وضرراً، كما في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء.
وروى مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 60 / ص 315)
مصداقة الفتيات في الجامعة شر وبلاء رقم الفتوى:9431تاريخ الفتوى:02 ذو الحجة 1424السؤال : بسم الله الرحمن الرحيم
بصراحة أنا شاب عمري 20عاما تعرفت على زميلتي في الجامعة ، متدينة ومتحجبة أحبها وعندما نلتقي
نلتقي في الأماكن العامة ولوقت قصير لانتحدث إلا في الأمور العامة بالرغم من أنها تحبني أيضا ، لا أعرف إن كان ما أقوم به حراما أم حلالا
علما أننا نتحدث في أمور الدين أكثر الأحيان.
وقالت لي في آخر لقاء بيننا: إنه ما اجتمع اثنان إلا وكان الشيطان ثالثها
ويعلم الله أنه ليس في نفسي أي شئ خبيث أفيدونا زادكم الله علما
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء".
وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء".
ومن رأى افتتان الشباب بالنساء، وكثرة ما يقع من الشر بمصادقتهن، أو النظر إليهن، علم صدق نصح النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، وكمال شفقته ورحمته بهم.
وأي فتنة أعظم من أن تخاطب فتاة تعلم أنها تحبك، وتعلم هي أنك تحبها؟! فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وإذا كنت في شك من هذا، فانظر إلى حال قلبك حين تكون معها، وحين تفارقها، وتتفكر في أمرها.
وكم من إنسان بدأ بما بدأت به، ثم آل أمره إلى عشق مستحكم، قد لا ينفع فيه الدواء، هذا إن استعصم وكف نفسه عن الزنا، عياذا بالله من ذلك.
وينبغي أن تسأل نفسك وتحاسبها: ما الهدف من هذه اللقاءات؟ وإلى متى؟ وماذا بعد؟ وكم من معصية بالقلب أو بالعين أو بالأذن تسجل عليك أثناء ذلك؟
وهل ترضى أن يصدر هذا من زوجتك أو أختك مع شاب مثلك؟!
إن الإسلام لا يقر علاقة حب تنشأ بين رجل وامرأة أجنبية عنه إلا في ظل الزواج الذي أباحه الله تعالى، ورغب فيه.
ولهذا ننصحك بقطع هذه العلاقة من الآن، والتوبة إلى الله تعالى مما سبق، والعزم على عدم العود لشيء من ذلك، ومما يعينك على ذلك تجنب البقاء في الأماكن التي تتواجد فيها، وإشغال نفسك بصحبة الرجال الأخيار، والكون معهم في فترات الراحة أثناء الدراسة، وإذا دعاك الشيطان لمعاودة اللقاء فاعتصم بالصلاة وقراءة القرآن.
ونسأل الله تعالى أن يصرف عنك هذا البلاء، وأن يقينا وإياك الفتن ما ظهر منها وما بطن. والله أعلم.
مشكل الآثار للطحاوي - (ج 9 / ص 331)
باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : « ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء » ، ومن قوله : « لكل أمة فتنة ، وفتنة أمتي المال »
3664 - حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا يوسف بن يعقوب السدوسي صاحب السلعة ح وحدثنا محمد بن بحر بن مطر ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، ح وحدثنا عبد الرحمن بن الجارود البغدادي ، حدثنا هوذة بن خليفة البكراوي ، قالوا : حدثنا سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن أسامة بن زيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء » . حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا مسدد ، حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، عن أبي عثمان ، عن أسامة بن زيد ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله . وحدثنا عبد الرحمن بن الجارود ، حدثنا عارم ، ومسدد ، قالا : حدثنا المعتمر ، عن أبيه ، ثم ذكر بإسناده مثله . فقال قائل : ففي هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد ذكرتموه عنه فيه ، وقد رويتم عنه ما يخالف ذلك .
3665 - فذكر ما قد حدثنا يونس ، أخبرني ابن وهب ، أخبرني معاوية بن صالح ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه ، عن كعب بن عياض ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « لكل أمة فتنة ، وفتنة أمتي المال » قال : ففي هذا الحديث أن فتنة أمته المال ، فكيف يجوز أن تكون فتنة النساء أعظم من ذلك ؟ فكان جوابنا له في ذلك : أن قوله صلى الله عليه وسلم : « ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من فتنة النساء » هو على الفتنة التي تلحق الرجال دون النساء ، وفي ذلك ما قد دل أنه ترك صلى الله عليه وسلم في أمته فتنا سوى النساء ، وكان قوله صلى الله عليه وسلم : « فتنة أمتي المال » على فتنة تعم الرجال والنساء من أمته ، فكانت تلك الفتنة أوسع وأكثر أهلا من الفتنة الأخرى ، وكل واحدة منهما فأهلها الأهل الذين قد دل كل واحد من هذين الحديثين عليهم من هم ، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم من تحذيره من فتنة الدنيا ومن فتنة النساء .
3666 - ما قد حدثنا أبو أمية ، حدثنا عثمان بن عمر بن فارس ، حدثنا شعبة ، عن أبي سلمة ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : « إن الدنيا حلوة خضرة (1) ، وإن الله عز وجل مستخلفكم فيها ، فينظر كيف تعملون ، فاتقوا فتنة الدنيا وفتنة النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل بالنساء » فكان في هذا الحديث ذكره فتنة النساء التي ذكرها في حديث أبي عثمان النهدي ، وذكر فتنة الدنيا ، وفيها الفتنة بالمال المذكورة في حديث كعب بن عياض والفتن بما سوى ذلك ، والله الموفق .
__________
(1) خضرة : غضَّة ناعِمَة طريَّة نضرة كالثمرة الطيبة
دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين - (ج 1 / ص 311)
702 ــــ (الحديث الثاني) من أحاديث الباب (عن أبي سعيد الخدري رضي الله عن النبي قال: إن الدنيا حلوة خضرة) بفتح المعجمة الأولى وكسر الثانية. قال في «النهاية»: الخضر نوع من البقول ليس من أحرارها وجيدها، فشبه الدنيا للرغبة فيها والميل إليها بالفاكهة الحلوة الخضرة، فإن الحلو مرغوب فيه من حيث الذوق، والأخضر مرغوب فيه من حيث النظر، فإذا اجتمعا زادت الرغبة. وفيه إشارة إلى عدم بقائها وهو من التشبيه المطوي فيه الأداة. قيل: والفرق بين هذا النوع والاستعارة أن هذا لا يتغير حسنه إذا ظهرت الأداة، فإن قولك: المال خضرة في الحسن كقولك المال كالخضرة، ولا كذلك الاستعارة فإن قولك: رأيت أسداً يرمي، ليس كقولك: رأيت رجلاً كأسد، ذكره العاقولي (وإن الله مستخلفكم فيها) بكسر اللام: أي: جعلكم خلفاء في الدنيا: أي: أنتم بمنزلة الوكلاء فيها. وقيل معناه: جعلكم خلفاء ممن كان قبلكم، فإنها لم تصل إلى قوم إلا بعد آخرين (فينظر) أي: فيعلم علم مشاهدة وعيان (كيف تعملون) من إنفاقها في مراضيه فتثابون، أو في مساخطه فتأثمون، فإن الجزاء إنما يترتب على ما يبدو في عالم الشهادة من الأعمال كما تقدم، أو فينظر كيف تعملون: أي: أتعتبرون بحالهم وتتدبرون في مآلهم (فاتقوا الدنيا) أي: اجتنبوا فتنتها واحذروا أن تميلكم محبتها والاغترار بها عن أوامر الله تعالى واجتناب مناهيه فيها (واتقوا النساء) أي: اجتنبوا الافتتان بهن: أي: أن يمنعكم التمتع بهن لاستيلاء محبتهن عن القيام بأداء حقوق العبودية والتقرّب إلى مراضي الله تعالى، فإن بمقدار محبة السوي والركون إليه البعد عن المولى، ويدخل فيهن كما قال المصنف الزوجات وهن أكثر فتنة لدوام فتنتهن وابتلاء أكثر الناس بهن (فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) أي: بسببهن، فهو كحديث «عذبت امرأة في هرة» قال شارح «الأنوار السنية» يحتمل أن يكون إشارة إلى قصة هاروت وماروت، لأنهما فتنا بسبب امرأة من بني إسرائيل. ويحتمل أن يكون إشارة إلى قصة بلعامبن باعوراء لأنه إنما هلك بمطاوعة زوجته. وبسببهن هلك كثير من الفضلاء (رواه مسلم).(1/194)
369-8025 أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَا : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِي النَّاسِ فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ " (1)
__________
(1) - صحيح البخارى برقم( 5096) و صحيح مسلم برقم ( 7122 ) وسنن الترمذى برقم( 3007)
صحيح مسلم برقم ( 7122 ) وسنن الترمذى برقم( 3007)
فتح الباري لابن حجر - (ج 14 / ص 337)
4706 - قَوْله ( عَنْ أُسَامَة بْن زَيْد )
زَادَ مُسْلِم مِنْ طَرِيق مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان عَنْ أَبِيهِ مَعَ أُسَامَة سَعِيد بْن زَيْد ، وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيّ لَا نَعْلَم أَحَدًا قَالَ فِيهِ " عَنْ سَعِيد بْن زَيْد " غَيْر مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان .
قَوْله ( مَا تَرَكْت بَعْدِي فِتْنَة أَضَرّ عَلَى الرِّجَال مِنْ النِّسَاء )
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدِّين السُّبْكِيُّ : فِي إِيرَاد الْبُخَارِيّ هَذَا الْحَدِيث عَقِب حَدِيثَيْ اِبْن عُمَر وَسَهْل بَعْد ذِكْرِ الْآيَة فِي التَّرْجَمَة إِشَارَة إِلَى تَخْصِيص الشُّؤْم بِمَنْ تَحْصُل مِنْهَا الْعَدَاوَة وَالْفِتْنَة ، لَا كَمَا يَفْهَمهُ بَعْض النَّاس مِنْ التَّشَاؤُم بِكَعْبِهَا أَوْ أَنَّ لَهَا تَأْثِيرًا فِي ذَلِكَ ، وَهُوَ شَيْء لَا يَقُول بِهِ أَحَد مِنْ الْعُلَمَاء ، وَمَنْ قَالَ إِنَّهَا سَبَب فِي ذَلِكَ فَهُوَ جَاهِل ، وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّارِع عَلَى مَنْ يَنْسُب الْمَطَر إِلَى النَّوْء الْكُفْر فَكَيْف بِمَنْ يَنْسُب مَا يَقَع مِنْ الشَّرّ إِلَى الْمَرْأَة مِمَّا لَيْسَ لَهَا فِيهِ مَدْخَل ، وَإِنَّمَا يَتَّفِق مُوَافَقَة قَضَاء وَقَدَر فَتَنْفِر النَّفْس مِنْ ذَلِكَ ، فَمَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فَلَا يَضُرّهُ أَنْ يَتْرُكهَا مِنْ غَيْر أَنْ يَعْتَقِد نِسْبَة الْفِعْل إِلَيْهَا . قُلْت : وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِير ذَلِكَ فِي كِتَاب الْجِهَاد ، وَفِي الْحَدِيث أَنَّ الْفِتْنَة بِالنِّسَاءِ أَشَدّ مِنْ الْفِتْنَة بِغَيْرِهِنَّ ، وَيَشْهَد لَهُ قَوْله تَعَالَى ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبّ الشَّهَوَات مِنْ النِّسَاء ) فَجَعَلَهُنَّ مِنْ حُبّ الشَّهَوَات ، وَبَدَأَ بِهِنَّ قَبْل بَقِيَّة الْأَنْوَاع إِشَارَة إِلَى أَنَّهُنَّ الْأَصْل فِي ذَلِكَ ، وَيَقَع فِي الْمُشَاهَدَة حُبّ الرَّجُل وَلَد مِنْ اِمْرَأَته الَّتِي هِيَ عِنْده أَكْثَر مِنْ حُبّه وَلَدَهُ مِنْ غَيْرهَا ، وَمِنْ أَمْثِلَة ذَلِكَ قِصَّة النُّعْمَان بْن بَشِير فِي الْهِبَة ، وَقَدْ قَالَ بَعْض الْحُكَمَاء : النِّسَاء شَرّ كُلّهنَّ وَأَشَرّ مَا فِيهِنَّ عَدَم الِاسْتِغْنَاء عَنْهُنَّ وَمَعَ أَنَّهَا نَاقِصَة الْعَقْل وَالدِّين تَحْمِل الرَّجُل عَلَى تَعَاطِي مَا فِيهِ نَقْصُ الْعَقْل وَالدِّين كَشَغْلِهِ عَنْ طَلَب أُمُور الدِّين وَحَمْلِهِ عَلَى التَّهَالُك عَلَى طَلَب الدُّنْيَا وَذَلِكَ أَشَدّ الْفَسَاد وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد فِي أَثْنَاء حَدِيث " وَاتَّقُوا النِّسَاء ، فَإِنَّ أَوَّل فِتْنَة بَنِي إِسْرَائِيل كَانَتْ فِي النِّسَاء .
عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 21 / ص 226)
6905 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) عن ( سليمان التيمي ) قال سمعت ( أبا عثمان النهدي ) عن ( أسامة بن زيد ) رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء
مطابقته للترجمة من حيث إن الشؤم أشد منهن ولهذا ذكره بعد حديثي ابن عمرو سهل بن سعد وفتنتهن أشد الفتن وأعظمها ويشهد له قوله عز وجل زين للناس حب الشهوات من النساء ( آل عمران 14 ) فقدمهن على جميع الشهوات لأن المحنة بهن أعظم المحن على قدر الفتنة بهن وقد أخبر الله عز وجل أن منهن لنا أعداء فقال إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ( التغابن 14 ) ويروي أن الله عز وجل لما خلق المرأة فرح الشيطان فرحا شديدا وقال هذه حبالتي التي لا تكاد يخطيني من نصبتها له وجاء في الحديث النساء حبائل الشيطان وروي استعيذوا من شرار النساء وكونوا من خيارهن على حذر وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أوثق سلاح إبليس النساء وسليمان التيمي هو سليمان بن طرخان أبو المعتمر التيمي البصري وأبو عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي بفتح النون وسكون الهاء وبالدال المهملة
والحديث أخرجه مسلم في آخر الدعوات عن سعيد بن منصور وغيره وأخرجه الترمذي في الاستئذان عن محمد بن عبد الأعلى
وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن عمرو بن علي وأخرجه ابن ماجه في الفتن عن بشر بن هلال
قوله أضر وذلك أن المرأة ناقصة العقل والدين وغالبا ترغب زوجها عن طلب الدين وأي فساد أضر من ذلك وروي عنه صلى الله تعالى عليه وسلم قالوا يا رسول الله وما فتنتهن قال إذا لبس ربط الشام وحلل العراق وعصب اليمن وملن كما تميل أسنمة البخت فإذا فعلن ذلك كلفن الغير ما ليس عنده وقد أخرج مسلم من حديث أبي سعيد في إثناء حديث واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت من النساء
عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 24 / ص 99)
11 -( باب قول النبي صلى الله عليه وسلم - صلى الله عليه وسلم - هذا المال خضرة حلوة )
أي هذا باب في بيان ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا المال أشار به إلى المال الذي يتصرف فيه الناس قوله خضرة التاء فيه للمبالغة أو باعتبار أنواع المال وكذا الكلام في حلوة
وقال الله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا ( آل عمران 14 )
سيقت هذه الآية كلها في رواية كريمة وفي رواية أبي ذر زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين الآية وفي رواية أبي زيد المروزي حب الشهوات الآية وكانت رواية الإسماعيلي مثل رواية أبي ذر وزاد إلى قوله ذلك متاع الحياة الدنيا قوله زين للناس أي في هذه الدنيا من أنواع الملاذ من النساء فبدأ بهن لأن الفتنة بهن أشد لقوله في ( الصحيح ) ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء فإذا كان القصد بهن الإعفاف وكثرة الأولاد فهذا مطلوب مرغوب فيه مندوب إليه لقوله الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة الحديث ثم ذكر البنين فلا يخلو حبهم إما أن يكون للتفاخر والزينة فهو داخل فيها وإما أن يكون لتكثير النسل وتكثير أمة محمد فهذا محمود ممدوح كما في الحديث تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة قوله القناطير المقنطرة اختلف المفسرون في مقدار القنطار على أقوال فقال الضحاك المال الجزيل وقيل ألف دينار وقيل ألف ومائتان وقيل اثنا عشر ألفا وقيل أربعون الفا وقيل سبعون ألفا وقيل ثمانون ألفا وروى الإمام أحمد من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله القنطار اثنا عشر ألف أوقية كل أوقية خير مما بين السماء والأرض ورواه ابن ماجه أيضا وروى ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عارم عن حماد عن سعيد الحرشي عن أبي نصرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال القنطار ملء مسك الثور ذهبا وروي عن حماد مرفوعا والموقوف أصح وعن سعيد بن جبير القنطار مائة ألف دينار قوله المقنطرة مبنية من لفظ القنطار للتوكيد كقولهم ألف مؤلفة وبدرة مبدرة قوله والخيل المسومة أي المعلمة والأنعام الأزواج الثمانية قوله والحرث بمعنى الأراضي المتخدة للغراس والزراعة وروى أحمد من حديث سويد بن هبيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خير مال امرىء مهرة مأمورة أو سكة مأبورة المأمورة الكثيرة النسل والسكة النخيل المصطف والمأبورة الملقحة قوله ذلك أي المذكور متاع الحياة الدنيا أي إنما هذه زهرة الحياة الدنيا وزينتها الفانية الزائلة قوله والله عنده حسن المآب أي حسن المرجع والثواب
قال عمر اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينته لنا اللهم إني أسألك أن أنفقه في حقه أي قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في الآية المذكورة إنا لا نستطيع أي لا نقدر إلا أن نفرح بما زينته لنا أي بما حصل لنا مما في آية زين للناس حب الشهوات من النساء ثم لما رأى أن فتنة المال والغنى مسلطة على من فتحه الله عليه لتزيين الله تعالى له ولشهوات الدنيا في نفوس العباد دعا الله تعالى بقوله اللهم إني أسألك أن أنفقه في حقه لأن من أخذ المال من حقه ووضعه في حقه فقد سلم من فتنته وهذا الأثر وصله الدارقطني في ( غرائب مالك ) من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن يحيى بن سعيد هو الأنصاري أن عمر بن الخطاب أتي بمال من المشرق يقال له نفل كسرى فأمر به فصب وغطي ثم دعا الناس فاجتمعوا ثم أمر به فكشف عنه فإذا هو حلي كثير وجواهر ومتاع فبكى عمر رضي الله تعالى عنه وحمد الله عز وجل فقالوا ما يبكيك يا أمير المؤمنين هذه غنائم غنمها الله لنا ونزعها من أهلها فقال ما فتح الله من هذا على قوم إلا سفكوا دماءهم واستحلوا حرمتهم قال فحدثني زيد بن أسلم أنه بقي من ذلك المال مناطق وخواتم فرفع فقال له عبد الله بن أرقم حتى متى تحبسه لا تقسمه قال بلى إذا رأيتني فارغا فاذني به فلما رآه فارغا بسط شيئا في حش نخلة ثم جاء به في مكتل فصبه فكأنه استكثره ثم قال اللهم أنت قلت زين للناس حب الشهوات الآية حتى فرغ منها ثم قال لا نستطيع ألا أن نحب ما زينت لنا فقني شره وارزقني أن أنفقه في حقك فما قام حتى ما بقي منه شيء وهذا التعليق قد سقط في رواية أبي زيد المروزي
شرح ابن بطال - (ج 13 / ص 183)
قد تقدم الكلام فى معنى أحاديث الشؤم فى كتاب الجهاد فى باب ما يذكر من شؤم الفرس، فأغنى عن إعادته، وسيأتى فى كتاب الطب فى باب الطيرة رد قول من زعم أن أحاديث الشؤم تعارض نهيه، عليه السلام، عن الطيرة، ونفى التعارض عنها، وتوجيهها على ما يليق بها، إن شاء الله.
وفى حديث أسامة أن فتنة النساء أعظم الفتن مخافة على العباد؛ لأنه عليه السلام عمم جميع الفتن بقوله: « ما تركت بعدى فتنة أضر على الرجال من النساء » ، ويشهد لصحة هذا الحديث قول الله تعالى: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين} [آل عمران: 14] الآية، فقدم النساء على جميع الشهوات، وقد روى عن بعض أمهات المؤمنين أنها قالت: من شقائنا قدمنا على جميع الشهوات.
فالمحنة بالنساء أعظم المحن على قدر الفتنة بهن، وقد أخبر الله مع ذلك أن منهن لنا عدوًا، فينبغى للمؤمن الاعتصام بالله، والرغبة إليه فى النجاة من فتنتهن، والسلامة من شرهن، وقد روى فى الحديث أنه لما خلق الله المرأة فرح الشيطان فرحًا عظيمًا، وقال: هذه حبالتى التى لا يكاد يخطئنى من نصبتها له.
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 6 / ص 110)
وَقَالَ الشَّيْخُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَنَذْكُرُ أَشْيَاءَ مِنْ مُنْكَرَاتِ دِينِ النَّصَارَى لِمَا رَأَيْت طَوَائِفَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ اُبْتُلِيَ بِبَعْضِهَا وَجَهِلَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنَّهَا مِنْ دِينِ النَّصَارَى الْمَلْعُونِ هُوَ وَأَهْلُهُ . وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ فِي الْخَمِيسِ الْحَقِيرِ . الَّذِي قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ السَّبْتِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إلَى الْقُبُورِ . وَكَذَلِكَ يُبَخِّرُونَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ فِي الْبَخُورِ بَرَكَةً وَدَفْعَ مَضَرَّةٍ وَيَعُدُّونَهُ مِنْ الْقَرَابِينِ مِثْلَ الذَّبَائِحِ وَيَرْقُونَهُ بِنُحَاسٍ يَضْرِبُونَهُ كَأَنَّهُ نَاقُوسٌ صَغِيرٌ وَبِكَلَامٍ مُصَنَّفٍ وَيُصَلِّبُونَ عَلَى أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْمُنْكَرَةِ حَتَّى إنَّ الْأَسْوَاقَ تَبْقَى مَمْلُوءَةً أَصْوَاتَ النَّوَاقِيسِ الصِّغَارِ وَكَلَامَ الرقايين مِنْ الْمُنَجِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ بِكَلَامِ أَكْثَرُهُ بَاطِلٌ وَفِيهِ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ أَوْ كُفْرٌ . وَقَدْ أُلْقِيَ إلَى جَمَاهِيرِ الْعَامَّةِ أَوْ جَمِيعِهِمْ إلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَعْنِي بِالْعَامَّةِ هُنَا : كُلَّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ حَقِيقَةَ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَى فِقْهٍ وَدِينٍ قَدْ شَارَكَهُمْ فِي ذَلِكَ أُلْقِيَ إلَيْهِمْ أَنَّ هَذَا الْبَخُورَ الْمَرْقِيَّ يَنْفَعُ بِبَرَكَتِهِ مِنْ الْعَيْنِ وَالسِّحْرِ وَالْأَدْوَاءِ وَالْهَوَاءِ . وَيُصَوِّرُونَ صُوَرَ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ . وَيُلْصِقُونَهَا فِي بُيُوتِهِمْ زَعْمًا أَنَّ تِلْكَ الصُّوَرَ الْمَلْعُونَ فَاعِلُهَا الَّتِي لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا هِيَ فِيهِ تَمْنَعُ الْهَوَامَّ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ طَلَاسِمِ الصَّابِئَةِ . ثُمَّ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَلَى مَا بَلَغَنِي يُصَلِّبُ بَابَ الْبَيْتِ . وَيَخْرُجُ خَلْقٌ عَظِيمٌ فِي الْخَمِيسِ الْحَقِيرِ الْمُتَقَدِّمِ وَعَلَى هَذَا يُبَخِّرُونَ الْقُبُورَ وَيُسَمُّونَ هَذَا الْمُتَأَخِّرَ الْخَمِيسَ الْكَبِيرَ وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ الْخَمِيسُ الْمَهِينُ الْحَقِيرُ هُوَ وَأَهْلُهُ وَمَنْ يُعَظِّمُهُ فَإِنَّ كُلَّ مَا عُظِّمَ بِالْبَاطِلِ مِنْ مَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ بَنِيَّةٍ يَجِبُ قَصْدُ إهَانَتِهِ كَمَا تُهَانُ الْأَوْثَانُ الْمَعْبُودَةُ وَإِنْ كَانَتْ لَوْلَا عِبَادَتُهَا لَكَانَتْ كَسَائِرِ الْأَحْجَارِ . وَمِمَّا يَفْعَلُهُ النَّاسُ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ : أَنَّهُمْ يُوَظِّفُونَ عَلَى الْفَلَّاحِينَ وَظَائِفَ أَكْثَرُهُ كَرْهًا ؛ مِنْ الْغَنَمِ وَالدَّجَاجِ وَاللَّبَنِ وَالْبَيْضِ يَجْتَمِعُ فِيهَا تَحْرِيمَانِ : أَكْلُ مَالِ الْمُسْلِمِ وَالْمُعَاهِدِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَإِقَامَةُ شِعَارِ النَّصَارَى وَيَجْعَلُونَهُ مِيقَاتًا لِإِخْرَاجِ الْوُكَلَاءِ عَلَى الْمَزَارِعِ وَيَطْبُخُونَ مِنْهُ وَيَصْطَبِغُونَ فِيهِ الْبَيْضَ وَيُنْفِقُونَ فِيهِ النَّفَقَاتِ الْوَاسِعَةَ وَيُزَيِّنُونَ أَوْلَادَهُمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يَقْشَعِرُّ مِنْهَا قَلْبُ الْمُؤْمِنِ . الَّذِي لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ بَلْ يَعْرِفُ الْمَعْرُوفَ وَيُنْكِرُ الْمُنْكَرَ . وَخَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يَضَعُونَ ثِيَابَهُمْ تَحْتَ السَّمَاءِ رَجَاءً لِبَرَكَةِ نُزُولِ مَرْيَمَ عَلَيْهَا فَهَلْ يَسْتَرِيبُ مَنْ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى حَبَّةٍ مِنْ الْإِيمَانِ أَنَّ شَرِيعَةً جَاءَتْ بِمَا قَدَّمْنَا بَعْضَهُ مِنْ مُخَالَفَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى . لَا يَرْضَى مَنْ شَرَعَهَا بِبَعْضِ هَذِهِ الْقَبَائِحِ . وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ إنَّمَا هُوَ اخْتِصَاصُ أَعْيَادِ الْكُفَّارِ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ أَوْ مُشَابَهَتُهُمْ فِي بَعْضِ أُمُورِهِمْ فَيَوْمُ الْخَمِيسِ هُوَ عِنْدَهُمْ يَوْمُ عِيدِ الْمَائِدَةِ وَيَوْمُ الْأَحَدِ يُسَمُّونَهُ عِيدَ الْفِصْحِ وَعِيدَ النُّورِ وَالْعِيدَ الْكَبِيرِ . وَلَمَّا كَانَ عِيدًا صَارُوا يَصْنَعُونَ لِأَوْلَادِهِمْ فِيهِ الْبَيْضَ الْمَصْبُوغَ وَنَحْوَهُ لِأَنَّهُمْ فِيهِ يَأْكُلُونَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَيَوَانِ مِنْ لَحْمٍ وَلَبَنٍ وَبَيْضٍ إذْ صَوْمُهُمْ هُوَ عَنْ الْحَيَوَانِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهُ . وَعَامَّةُ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الْمَحْكِيَّةِ عَنْ النَّصَارَى وَغَيْرِهَا مِمَّا لَمْ يُحْكَ قَدْ زَيَّنَهَا الشَّيْطَانُ لِكَثِيرِ مِمَّنْ يَرَى الْإِسْلَامَ وَجَعَلَ لَهَا فِي قُلُوبِهِمْ مَكَانَةً وَحُسْنَ ظَنٍّ وَزَادُوا فِي بَعْضِ ذَلِكَ وَنَقَصُوا وَقَدَّمُوا وَأَخَّرُوا . وَكُلُّ مَا خُصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأَيَّامُ مِنْ أَفْعَالِهِمْ وَغَيْرِهَا فَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُشَابِهَهُمْ فِي أَصْلِهِ وَلَا فِي وَصْفِهِ . وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُمْ يَكْسُونَ بِالْحُمْرَةِ دَوَابَّهُمْ وَيَصْبُغُونَ الْأَطْعِمَةَ الَّتِي لَا تَكَادُ تُفْعَلُ فِي عِيدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَيَتَهَادَوْنَ الْهَدَايَا الَّتِي تَكُونُ فِي مِثْلِ مَوَاسِمِ الْحَجِّ . وَعَامَّتُهُمْ قَدْ نَسُوا أَصْلَ ذَلِكَ وَبَقِيَ عَادَةً مُطَّرِدَةً . وَهَذَا كُلُّهُ تَصْدِيقُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ } وَإِذَا كَانَتْ الْمُتَابَعَةُ فِي الْقَلِيلِ ذَرِيعَةً وَوَسِيلَةً إلَى بَعْضِ هَذِهِ الْقَبَائِحِ . كَانَتْ مُحَرَّمَةً فَكَيْفَ إذَا أَفْضَتْ إلَى مَا هُوَ كُفْرٌ بِاَللَّهِ مِنْ التَّبَرُّكِ بِالصَّلِيبِ وَالتَّعَمُّدِ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ . وَقَوْلُ الْقَائِلِ : الْمَعْبُودُ وَاحِدٌ وَإِنْ كَانَتْ الطُّرُقُ مُخْتَلِفَةً وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ : إمَّا كَوْنَ الشَّرِيعَةِ النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ الْيَهُودِيَّةِ الْمُبَدَّلَيْنِ الْمَنْسُوخَيْنِ مُوَصِّلَةً إلَى اللَّهِ وَإِمَّا اسْتِحْسَانَ بَعْضِ مَا فِيهَا مِمَّا يُخَالِفُ دِينَ اللَّهِ أَوْ التَّدَيُّنَ بِذَلِكَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ كَفْرٌ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَبِالْقُرْآنِ وَبِالْإِسْلَامِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنِ الْأُمَّةِ . وَأَصْلُ ذَلِكَ الْمُشَابَهَةُ وَالْمُشَارَكَةُ . وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ لَك كَمَالُ مَوْقِعِ الشَّرِيعَةِ الْحَنِيفِيَّةِ . وَبَعْضُ حِكَمِ مَا شَرَعَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ [ مِنْ ] مُبَايَنَةِ الْكُفَّارِ وَمُخَالَفَتِهِمْ فِي عَامَّةِ الْأُمُورِ ؛ لِتَكُونَ الْمُخَالَفَةُ أَحْسَمَ لِمَادَّةِ الشَّرِّ وَأَبْعَدَ عَنْ الْوُقُوعِ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ النَّاسُ . فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ إذَا طَلَبَ مِنْهُ أَهْلُهُ وَأَوْلَادُهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُحِيلَهُمْ عَلَى مَا عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَيَقْضِيَ لَهُمْ فِي عِيدِ اللَّهِ مِنْ الْحُقُوقِ مَا يَقْطَعُ اسْتِشْرَافَهُمْ إلَى غَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَمَنْ أَغْضَبَ أَهْلَهُ لِلَّهِ أَرْضَاهُ اللَّهُ وَأَرْضَاهُمْ . فَلْيَحْذَرْ الْعَاقِلُ مِنْ طَاعَةِ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا تَرَكْت بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ } . وَأَكْثَرُ مَا يُفْسِدُ الْمُلْكَ وَالدُّوَلَ طَاعَةُ النِّسَاءِ . فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا أَفْلَحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً } . وَرُوِيَ أَيْضًا : { هَلَكَتْ الرِّجَالُ حِينَ أَطَاعَتْ النِّسَاءَ } وَقَدْ { قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ لَمَّا رَاجَعْنَهُ فِي تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ : إنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ } . يُرِيدُ أَنَّ النِّسَاءَ مِنْ شَأْنِهِنَّ مُرَاجَعَةُ ذِي اللُّبِّ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ : { مَا رَأَيْت مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِلُبِّ ذِي اللُّبِّ مِنْ إحْدَاكُنَّ } . { وَلَمَّا أَنْشَدَهُ الْأَعْشَى - أَعْشَى بَاهِلَةَ - أَبْيَاتَهُ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا : وَهُنَّ شَرُّ غَالِبٍ لِمَنْ غَلَبَ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَدِّدُهَا وَيَقُولُ : وَهُنَّ شَرُّ غَالِبٍ لِمَنْ غَلَبَ } وَلِذَلِكَ امْتَنَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى زَكَرِيَّا حَيْثُ قَالَ : { وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْتَهِدَ إلَى اللَّهِ فِي إصْلَاحِ زَوْجَتِهِ . وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمِ فَهُوَ مِنْهُمْ } . وَقَدْ رَوَى البيهقي بِإِسْنَادِ صَحِيحٍ فِي ( بَابِ كَرَاهِيَةِ الدُّخُولِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ عِيدِهِمْ فِي كَنَائِسِهِمْ ؛ وَالتَّشَبُّهِ بِهِمْ يَوْمَ نيروزهم وَمَهْرَجَانِهِمْ - عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ : قَالَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَا تَعَلَّمُوا رَطَانَةَ الْأَعَاجِمِ وَلَا تَدْخُلُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي كَنَائِسِهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ فَإِنَّ السُّخْطَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ " . فَهَذَا عُمَرَ قَدْ نَهَى عَنْ تَعَلُّمِ لِسَانِهِمْ وَعَنْ مُجَرَّدِ دُخُولِ الْكَنِيسَةِ عَلَيْهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ فَكَيْفَ مَنْ يَفْعَلُ بَعْضَ أَفْعَالِهِمْ ؟ أَوْ قَصَدَ مَا هُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ دِينِهِمْ ؟ أَلَيْسَتْ مُوَافَقَتُهُمْ فِي الْعَمَلِ أَعْظَمُ مِنْ مُوَافَقَتِهِمْ فِي اللُّغَةِ ؟ أو لَيْسَ عَمَلُ بَعْضِ أَعْمَالِ عِيدِهِمْ أَعْظَمُ مِنْ مُجَرَّدِ الدُّخُولِ عَلَيْهِمْ فِي عِيدِهِمْ وَإِذَا كَانَ السُّخْطُ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ بِسَبَبِ عَمَلِهِمْ فَمَنْ يُشْرِكُهُمْ فِي الْعَمَلِ أَوْ بَعْضِهِ أَلَيْسَ قَدْ تَعَرَّضَ لِعُقُوبَةِ ذَلِكَ . ثُمَّ قَوْلُهُ : " اجْتَنِبُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ فِي عِيدِهِمْ " أَلَيْسَ نَهْيًا عَنْ لِقَائِهِمْ وَالِاجْتِمَاعِ بِهِمْ فِيهِ ؟ فَكَيْفَ بِمَنْ عَمِلَ عِيدَهُمْ وَقَالَ ابْنِ عُمَرَ فِي كَلَامٍ لَهُ : مَنْ صَنَعَ نيروزهم وَمَهْرَجَانَهُمْ وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوتَ حُشِرَ مَعَهُمْ . وَقَالَ عُمَرَ : اجْتَنِبُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ فِي عِيدِهِمْ . وَنَصَّ الْإِمَامِ أَحْمَد عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شُهُودُ أَعْيَادِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } قَالَ الشَّعَانِينُ وَأَعْيَادُهُمْ . وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي كَلَامٍ لَهُ قَالَ : فَلَا يُعَاوَنُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ عِيدِهِمْ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَعْظِيمِ شِرْكِهِمْ وَعَوْنِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ . وَيَنْبَغِي لِلسَّلَاطِينِ أَنْ يَنْهَوْا الْمُسْلِمِينَ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٌ وَغَيْرِهِ : لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ . وَأَكْلُ ذَبَائِحِ أَعْيَادِهِمْ دَاخِلٌ فِي هَذَا الَّذِي اُجْتُمِعَ عَلَى كَرَاهِيَتِهِ بَلْ هُوَ عِنْدِي أَشَدُّ : وَقَدْ سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَنْ الرُّكُوبِ فِي السُّفُنِ الَّتِي رَكِبَ فِيهَا النَّصَارَى إلَى أَعْيَادِهِمْ فَكَرِهَ ذَلِكَ مَخَافَةَ نُزُولِ السُّخْطِ عَلَيْهِمْ بِشِرْكِهِمْ . الَّذِي اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ } فَيُوَافِقُهُمْ وَيُعِينُهُمْ { فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } . وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : قُلْت لِعُمَرِ : إنَّ لِي كَاتِبًا نَصْرَانِيًّا قَالَ : ما لَك قَاتَلَك اللَّهُ أَمَا سَمِعْت اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } أَلَا اتَّخَذْت حَنِيفِيًّا قَالَ : قُلْت : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِي كِتَابَتُهُ وَلَهُ دِينُهُ قَالَ : لَا أُكْرِمُهُمْ إذْ أَهَانَهُمْ اللَّهُ وَلَا أُعِزُّهُمْ إذْ أَذَلَّهُمْ اللَّهُ وَلَا أُدْنِيهِمْ إذْ أَقْصَاهُمْ اللَّهُ . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } قَالَ مُجَاهِدٍ : أَعْيَادُ الْمُشْرِكِينَ وَكَذَلِكَ قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ . وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى ( مَسْأَلَةٌ فِي النَّهْيِ عَنْ حُضُورِ أَعْيَادِ الْمُشْرِكِينَ وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ الأصبهاني بِإِسْنَادِهِ فِي شُرُوطِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَنْ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ : { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } قَالَ : عِيدُ الْمُشْرِكِينَ وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ سِنَانٍ عَنْ الضَّحَّاكِ { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } كَلَامَ الْمُشْرِكِينَ . وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ سلام عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } لَا يماكثون أَهْلَ الشِّرْكِ عَلَى شِرْكِهِمْ وَلَا يُخَالِطُونَهُمْ . وَقَدْ دَلَّ الْكِتَابُ وَجَاءَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّةُ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ الَّتِي أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَيْهَا بِمُخَالَفَتِهِمْ وَتَرْكِ التَّشَبُّهِ بِهِمْ إيقَادُ النَّارِ وَالْفَرَحُ بِهَا مِنْ شِعَارِ الْمَجُوسِ عُبَّادِ النِّيرَانِ . وَالْمُسْلِمُ يَجْتَهِدُ فِي إحْيَاءِ السُّنَنِ . وَإِمَاتَةِ الْبِدَعِ . فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ } . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْيَهُودُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ } وَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَقُولَ فِي صَلَاتِنَا { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
اللقاء الشهري - (ج 24 / ص 15)
ظاهرة خروج الفتيات إلى الأسواق
ـــــــــــــــــــــــــ
[ السؤال ] فضيلة الشيخ! كثرت الفتن في هذا الزمان، وبالذات في الأسواق والأماكن العامة التي يكثر فيها خروج النساء دون محرم، كثرةً تلفت الانتباه، لا سيما في هذه المدينة المباركة، فنرى بعض بوادر الشر ونرى كثيراً من النساء بل الفتيات يقفن طوابير لانتظار سيارات النقل الجماعي وغيرها لنقلهن إلى الأسواق، أرجو توجيهاً منكم في هذا الجمع المبارك أسأل الله أن ينفع بكم عباده؟
الجواب: لا شك أن فتنة النساء أضر على الرجال من أي فتنة كانت، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) ولا شك أننا في هذه البلاد قد أنعم الله علينا بنعم كثيرة: أمن، رفاهية، عيش، صحة، وكل هذه من أسباب الشر والفساد، ولهذا يقول الشاعر:
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة والجدة: الغنى. ولا شك أنه يوجد من الفتيات من لها شغف في أن تنزل إلى الأسواق ولو لأدنى حاجة، ولو لحاجة ممكن أن يقضيها أصغر إخوانها، ومع ذلك تريد أن تنزل بنفسها، ولا شك -أيضاً- أنه يوجد من السفهاء في الأسواق أو في المتجرات من يكون سبباً لافتتان النساء به، فتجد المرأة تنزل من أجل أن تذهب إلى هذا المتجر أو إلى هذا السوق فيحصل الشر. ولكن ما هو الخلاص من ذلك؟ الخلاص: أولاً: أن تنمى في مدارك هؤلاء الفتيات العقيدة السليمة، بأن الله سبحانه وتعالى حافظ ومطلع يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. ثانياً: أن تنمى فيهن محبة العفة، والبعد عن الفحشاء وأسبابها. ثالثاً: أن تمنع النساء من الخروج من البيوت؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما نهى عن منعهن من الذهاب إلى المساجد، وأما إلى الأسواق فالرجل حر له أن يمنعها، تمنع من الخروج من البيت إلا لحاجة لا يمكن أن يقضيها أحد سواها، وهذا الاستثناء أقوله من باب الاحتراز، وإلا فلا أظن أن حاجة لا يمكن أن يقضيها إلا النساء؛ لأن بإمكان كل امرأة أن تقول لأخيها: يا أخي اشتر لي الحاجة الفلانية، لكننا ذكرنا هذا الاستثناء احتياطاً، وأن يكون الرجل كما جعله الله عز وجل قوَّاماً على المرأة، لا أن تكون المرأة هي التي تديره؛ لأن الله يقول: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34] فليكن قائماً حقيقة، وليمنعها، ولكن لا بعنف، بل بهدوء وشرح للمفاسد وبيان للثواب والأجر إذا لزمن البيوت؛ لأن الله تعالى قال: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33] أي: نساء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهنَّ أكمل النساء عفة وأقومهن في دين الله، ومع ذلك قال الله لهن: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ
وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:33]. كذلك من أسباب درء هذه الفتنة: أن يوجد للفتاة شغلاً في البيت، بحيث لا يأتي بالخادم إلا عند الضرورة القصوى؛ لأن الخادم إذا دخل في البيت فإن المرأة سوف تكف عن كل عمل، وستبقى حبيسة البيت إذا لم تخرج، وحينئذٍ يضطرها هذا الفراغ إلى أن تخرج، لكن لو لم يكن عندها خادم وصار تشتغل في بيتها بإصلاح الطعام، وغسل الثياب، وفرش الفرش وما أشبه ذلك، صارت فيها حيوية في البيت ونشطت، ولم تبالِ أن تخرج أو لا تخرج. فالمهم أن نصيحتي لإخواني الرجال خاصة وللنساء أيضاً: أن يكون رائدهم الإصلاح دائماً والبعد عن الفتنة.
اللقاء الشهري - (ج 50 / ص 6)
خطر الخادمات والفتنة بهن
ــــــــــــــــــــــــــ
[ السؤال ] فضيلة الشيخ: أشهد الله العلي الكبير في هذا اليوم المبارك أني أحبك في الله، فضيلة الشيخ: أنا شاب لا أتجاوز الخامسة عشرة من عمري، وأنا إن شاء الله من الشباب الملتزم، ولكن في بيتنا خادمة وهي سيمة، فهل يصح أن أراها علماً أني لا أستطيع إخراجها لأن أمي مريضة وتريدها أيضاً، ولكن يا فضيلة الشيخ تعرض لي هذه الفتاة حتى في المنام فما نصيحتك لي وفقك الله؟
الجواب: أقول: أحبه الله الذي أحبنا فيه، وأخبركم -أيها الإخوة- أن المحبة في الله من أوثق عرى الإيمان. أما بالنسبة لالتزامه فأسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياه على الحق. وأما بالنسبة للخادم فأرى أن يفر منها فراره من الأسد، وألا يكلمها وألا ينظر إليها، وأن يسعى في ترحيلها وجلب خادم لا يكون بها فتنة، وإلا فمن المعلوم أن الخادمة هذه إذا كانت وسيمة وهو شاب فإما أن يدعوها هو أو تدعوه هي، فالشيطان لا بد أن يلقي بينهما الوساوس حتى يحصل الشر. فلهذا أقول: لو أنه هو يخدم أمه كما تخدمها هذه الخادمة ولا تبقى هذه الخادمة في البيت لكان هذا أحسن، فأرى أن يبادر بإعطاء هذه الخادمة حقها وترحيلها إلى أهلها، وأن يأتي بخادم لا يفتتن بها ولا تفتتن به، وإلا فالأمر خطير إن لم يصبها قريباً أصابها على المدى البعيد، إلا أن يشاء الله عز وجل، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء). ومن ثم أقول أيها الإخوة: إن خطر الخادمات خطر عظيم، كنت سابقاً أتساهل في مسألة المحرم (أن تأتي الخادمة بلا محرم) بمعنى: أنه إذا جاء بها ثم رجع فلا بأس، لكن بعد أن سمعت ما أكره، رأيت أنه لا بد أن تأتي الخادم بمحرم ويكون ملازماً لها إلى أن ترحل، سمعنا أشياء عجيبة لا أحب أن أذكرها لأنها تحزن كل مسلم..!! فالواجب أن نتقي الله في أنفسنا وفي مجتمعنا، وقد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه (ما ظهر الزنا في قوم إلا ظهرت فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم) أعاذنا الله وإياكم من ذلك.
اللقاء الشهري - (ج 64 / ص 3)
عظم فتنة النساء
ـــــــــــــــــــــــ
[ السؤال: ] فضيلة الشيخ! تكلمتم عن الزنا -والعياذ بالله- وأسبابه، وقد كثرت أسباب الزنا وأعظمها المرأة التي حذر النبي صلى الله عليه وسلم من شأنها؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) وقال عليه الصلاة والسلام: (فاتقوا الدنيا واتقوا النساء) فهل من كلمة توجيهية في التحذير من هذه الفتنة؟
الجواب: الكلمة حول هذا الموضوع:أن نعلم أن الله عز وجل ذو حكمة بالغة فرَّق بين الرجال والنساء قدراً وفرَّق بينهما شرعاً، أما تفريقه بينهما قدراً فاسأل علماء التشريح للأجساد تجد أن تركيبة المرأة ليست كتركيبة الرجل، بل بينهما اختلاف عظيم، وانظر إلى الفرق التكويني -الذي لا يحتاج إلى علماء- يبن المرأة والرجل.. فالصوت يختلف، حتى إن بعض الرجال إذا كان صوته يشبه النساء يقولون: فلان صوته كصوت المرأة، وبعض النساء يكون صوتها جهورياً غليظاً كصوت الرجل، فالأول يستنكر والثانية تستنكر؛ لأنها خرجت عن مقتضى العادة التي جعلها الله عز وجل للصنفين، كذلك أيضاً في القوة والتحمل والجلد، ولهذا رفع الجهاد عن النساء؛ لأنهن لسن أهلاً لذلك، قالت عائشة رضي الله عنها: () لأنها لا يمكن أن تصمد في القتال، وإذا وجد امرأة نادرة فهذا شيء نادر لا حكم له. ثم هناك أشياء ثانية لا أود أن أتعرض لها فيما يتعلق بشئونها الخاصة، فالفرق أمر معلوم، ولا أحد ينكر هذا. وفرَّق الله بينهما شرعاً، فعلى النساء واجبات ليست على الرجال، وعلى الرجال واجبات ليست على النساء، وإن كان الأصل أن يتساوى الرجال والنساء في أحكام الله، لكن هناك أحكام اقتضت حكمة الرب عز وجل أن تختص بالنساء وأحكام اقتضت حكمة الله أن تكون للرجال، ولو لم يكن من ذلك إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم للنساء يخاطبهن: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبِّ الرجل الحازم من إحداكن. قلن: يا رسول الله! ما نقصان عقلنا؟ قال: أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟) هذا
نقص دين، الرجل يصلي ويصوم في رمضان وهي لا تصلي ولا تصوم في هذا الشهر الفضيل، هذا نقصان دين، وأما العقل فقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً بالشهادة، فإن شهادة الرجل بشهادة امرأتين، وشهادة المرأة لا تقبل في الحدود الشرعية، لا تقبل في الزنا، لو أن مائة امرأة شهدت على رجل بأنه زنى لم تقبل، ولو شهد أربعة رجال قبلوا، وأشياء كثيرة شرعية فرَّق الله بها بين الرجل والمرأة. ثم إنه لما كانت فتنة النساء عظيمة حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله كما في الحديث الذي ذكره السائل، وبتوجيهه وإرشاده عليه الصلاة والسلام، حيث أمر بابتعاد النساء عن الرجال حتى في مواطن العبادة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) لأن آخرها أبعد من أولها عن الرجال، فصار خيرها، وكان صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة يبقى قليلاً لا ينصرف من أجل أن تنصرف النساء قبل أن يختلط بهن الرجال، ورويت أحاديث في نهي المرأة أن تحتضن الطريق، أي: تكون في وسط الطريق؛ لئلا تختلط بالرجال، وهذا أمر معروف في الشرع لا يجهله إلا من لم يقرأ ما كتبه العلماء رحمهم الله في ذلك. لهذا أقول: إن على الإنسان أن يقي نفسه وأهله نار جهنم؛ بتوجيه النساء إلى ما ينبغي أن يكن عليه من العفة والحياء والتستر والبعد عن الاختلاط بالرجال، بل وعن مخاطبة الرجال على وجه يكون سبباً للفتنة، ولهذا قال الله تبارك وتعالى: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً [الأحزاب:32].
اللقاء الشهري - (ج 69 / ص 18)
توجيه حيال واقع الفساد الذي يمس المرأة وينادي بإفسادها
ــــــــــــــــــــــــــ
[ السؤال ] فضيلة الشيخ! غير خافٍ عليكم حفظكم الله ما تواجهه المرأة في هذه البلاد وغيرها من بلاد المسلمين من حملات لإخراجها من بيتها ونزع حيائها وحشمتها، وإن المشاهد لأحوال المرأة في الآونة الأخيرة في هذه البلاد يجد تحولاً كبيراً لما كانت عليه في السابق؛ حيث بدأ التساهل في الحجاب والتلاعب بأشكاله في ظل تسابق أهل الأسواق، فقد أغرقوا الأسواق بكم هائل من الملابس والعباءات التي ترغب الفتاة بالسفور والتبرج، كما بدأ ظهور المرأة بألوانها الجميلة وشعرها في الصحف والمجلات والتلفاز وذلك باسم الفن الهادف، والمذيعة المتألقة أو الحاذقة، إلى غير ذلك مما يضيق به صدر كل غيور .. فضيلة الشيخ! ما هو دور طلبة العلم وأولياء الأمور الذين قصروا في توجيه المرأة وأدخلوا وسائل الإعلام التي ساعدت على إخراج المرأة من حيائها وحشمتها؟ نرجو توجيهكم يا فضيلة الشيخ جزاكم الله خيراً.
الجواب: الواقع أن هذه مصيبة -كما قال الأخ السائل- وقد سارت في البلاد سير النار في الهشيم، وأنها مما ينذر بالخطر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعلم البشر بما ينفع الناس ويضرهم في دين الله عز وجل قال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء، وإنما كانت فتنة بني إسرائيل في النساء) ومع الأسف الشديد أن هذا يوجد تحت بصر أولياء الأمور وسمعهم، لكن الرجل يذهب إلى دكانه أو إلى عمله ويترك أهله ولا يفعل فيهم شيئاً، والأمر عند هؤلاء بارد، لكنه -والله- ينذر بالخطر. ثم هذه الموضات التي أغرقت الأسواق وأفسدت الأسواق وأفسدت النساء كلها ضرر على اقتصادياتنا، تجد المرأة الموظفة يذهب نصف راتبها في هذه الموضات، حتى لو كانت الموضة الجديدة أسوأ حالاً من الأولى لكنها جديدة، فتشتري المرأة ثوباً بمائة ريال أو بمائتين ريال أو بخمسمائة ريال أو بستمائة ريال. إن هذه الموضات التي ترد على البلاد هي ضرر على اقتصادنا وضرر على ديننا، تكون المرأة فكرها دائماً في هذه الموضات .. ما الذي أتى اليوم؟ وما الذي سيأتي غداً؟ فيضيع الدين كله من أجل هذا اللباس الذي بعضه لا يجوز شرعاً. لذلك أنصح رجالنا المؤمنين أن ينتبهوا لهذا الأمر، وأن يعلموا أن أعداءهم أعداء حقيقيون، فمنهم أناس لا يهمهم هذا الأمر، لا يهمهم إلا تحصيل الفلوس فقط، ومنهم أناس يقصدون إفساد المسلمين، نسأل الله أن يجعل كيدهم في نحورهم، وأن يوقظ أولياء أمورنا لما فيه الخير والصلاح، وأن يمنعوا أهليهم وأبناءهم وبناتهم من اتباع الموضات التي لا تفيد.
فتاوى ابن باز 1-18 - (ج 1 / ص 436)
خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فإن الدعوة إلى نزول المرأة للعمل في ميدان الرجال المؤدي إلى الاختلاط سواء كان ذلك على جهة التصريح أو التلويح بحجة أن ذلك من مقتضيات العصر ومتطلبات الحضارة أمر خطير جدا له تبعاته الخطيرة، وثمراته المرة، وعواقبه الوخيمة، رغم مصادمته للنصوص الشرعية التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها والقيام بالأعمال التي تخصها في بيتها ونحوه.
ومن أراد أن يعرف عن كثب ما جناه الاختلاط من المفاسد التي لا تحصى فلينظر إلى تلك المجتمعات التي وقعت في هذا البلاء العظيم اختيارا أو اضطرارا بإنصاف من نفسه وتجرد للحق عما عداه يجد التذمر على المستوى الفردي والجماعي، والتحسر على انفلات المرأة من بيتها وتفكك الأسر، ويجد ذلك واضحا على لسان الكثير من الكتاب بل في جميع وسائل الإعلام وما ذلك إلا لأن هذا هدم للمجتمع وتقويض لبنائه .
والأدلة الصحيحة الصريحة الدالة على تحريم الخلوة بالأجنبية وتحريم النظر إليها، وتحريم الوسائل الموصلة إلى الوقوع فيما حرم الله أدلة كثيرة قاضية بتحريم الاختلاط؛ لأنه يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.
وإخراج المرأة من بيتها الذي هو مملكتها ومنطلقها الحيوي في هذه الحياة إخراج لها عما تقتضيه فطرتها وطبيعتها التي جبلها الله عليها .
فالدعوة إلى نزول المرأة في الميادين التي تخص الرجال أمر خطير على المجتمع الإسلامي، ومن أعظم آثاره الاختلاط الذي يعتبر من أعظم وسائل الزنا الذي يفتك بالمجتمع ويهدم قيمه وأخلاقه .
ومعلوم أن الله تبارك وتعالى جعل للمرأة تركيبا خاصا يختلف تماما عن تركيب الرجال هيأها به للقيام بالأعمال التي في داخل بيتها والأعمال التي بين بنات جنسها.
ومعنى هذا: أن اقتحام المرأة لميدان الرجال الخاص بهم يعتبر إخراجا لها عن تركيبها وطبيعتها، وفي هذا جناية كبيرة على المرأة وقضاء على معنوياتها وتحطيم لشخصيتها، ويتعدى ذلك إلى أولاد الجيل من ذكور وإناث؛ لأنهم يفقدون التربية والحنان والعطف، فالذي يقوم بهذا الدور هو الأم قد فصلت منه وعزلت تماما عن مملكتها التي لا يمكن أن تجد الراحة والاستقرار والطمأنينة إلا فيها وواقع المجتمعات التي تورطت في هذا أصدق شاهد على ما نقول.
والإسلام جعل لكل من الزوجين واجبات خاصة على كل واحد منهما أن يقوم بدوره ليكتمل بذلك بناء المجتمع في داخل البيت وفي خارجه .
فالرجل يقوم بالنفقة والاكتساب، والمرأة تقوم بتربية الأولاد والعطف والحنان والرضاعة والحضانة والأعمال التي تناسبها لتعليم الصغار وإدارة مدارسهن والتطبيب والتمريض لهن ونحو ذلك من الأعمال المختصة بالنساء. فترك واجبات البيت من قبل المرأة يعتبر ضياعا للبيت بمن فيه، ويترتب عليه تفكك الأسرة حسيا ومعنويا وعند ذلك يصبح المجتمع شكلا وصورة لا حقيقة ومعنى.
قال الله جل وعلا: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فسنة الله في خلقه أن القوامة للرجل بفضله عليها كما دلت الآية الكريمة على ذلك، وأمر الله سبحانه للمرأة بقرارها في بيتها ونهيها عن التبرج معناه: النهي عن الاختلاط وهو: اجتماع الرجال بالنساء الأجنبيات في مكان واحد بحكم العمل أو البيع أو الشراء أو النزهة أو السفر أو نحو ذلك؛ لأن اقتحام المرأة في هذا الميدان يؤدي بها إلى الوقوع في المنهي عنه، وفي ذلك مخالفة لأمر الله وتضييع لحقوقه المطلوب شرعا من المسلمة أن تقوم بها.
والكتاب والسنة دلا على تحريم الاختلاط وتحريم جميع الوسائل المؤدية إليه قال الله جل وعلا: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا فأمر الله أمهات المؤمنين- وجميع المسلمات والمؤمنات داخلات في ذلك- بالقرار في البيوت لما في ذلك من صيانتهن وإبعادهن عن وسائل الفساد؛ لأن الخروج لغير حاجة قد يفضي إلى التبرج كما يفضي إلى شرور أخرى، ثم أمرهن بالأعمال الصالحة التي تنهاهن عن الفحشاء والمنكر وذلك بإقامتهن الصلاة وإيتائهن الزكاة وطاعتهن لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم وجههن إلى ما يعود عليهن بالنفع في الدنيا والآخرة وذلك بأن يكن على اتصال دائم بالقرآن الكريم وبالسنة النبوية المطهرة اللذين فيهما ما يجلو صدأ القلوب ويطهرها من الأرجاس والأنجاس ويرشد إلى الحق والصواب، وقال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا فأمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام- وهو المبلغ عن ربه- أن يقول لأزواجه وبناته وعامة نساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن وذلك يتضمن ستر باقي أجسامهن بالجلابيب وذلك إذا أردن الخروج لحاجة مثلا لئلا تحصل لهن الأذية من مرضى القلوب. فإذا كان الأمر بهذه المثابة فما بالك بنزولها إلى ميدان الرجال واختلاطها معهم، وإبداء حاجتها إليهم بحكم الوظيفة، والتنازل عن كثير من أنوثتها لتنزل في مستواهم وذهاب
كثير من حيائها ليحصل بذلك الانسجام بين الجنسين المختلفين معنى وصورة.
قال الله جل وعلا: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ الآيتان.
يأمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يبلغ المؤمنين والمؤمنات أن يلتزموا بغض النظر وحفظ الفرج عن الزنا ثم أوضح سبحانه أن هذا الأمر أزكى لهم. ومعلوم أن حفظ الفرج من الفاحشة إنما يكون باجتناب وسائلها ولا شك أن إطلاق البصر واختلاط النساء بالرجال والرجال بالنساء في ميادين العمل وغيرها من أعظم وسائل وقوع الفاحشة، وهذان الأمران المطلوبان من المؤمن يستحيل تحققهما منه وهو يعمل مع المرأة الأجنبية كزميلة أو مشاركة في العمل له. فاقتحامها هذا الميدان معه واقتحامه الميدان معها لا شك أنه من الأمور التي يستحيل معها غض البصر وإحصان الفرج والحصول على زكاة النفس وطهارتها.
وهكذا أمر الله المؤمنات بغض البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء الزينة إلا ما ظهر منها، وأمرهن الله بإسدال الخمار على الجيوب المتضمن ستر رأسها ووجهها؛ لأن الجيب محل الرأس والوجه، فكيف يحصل غض البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء الزينة عند نزول المرأة ميدان الرجال واختلاطها معهم في الأعمال؟ والاختلاط كفيل بالوقوع في هذه المحاذير، كيف يحصل للمرأة المسلمة أن تغض بصرها وهي تسير مع الرجل الأجنبي جنبا إلى جنب بحجة أنها تشاركه في الأعمال أو تساويه في جميع ما تقوم به؟
والإسلام حرم جميع الوسائل والذرائع الموصلة إلى الأمور المحرمة، وكذلك حرم الإسلام على النساء خضوعهن بالقول للرجال لكونه يفضي إلي الطمع فيهن كما في قوله عز وجل: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ يعني مرض الشهوة. فكيف يمكن التحفظ من ذلك مع الاختلاط؟
ومن البدهي أنها إذا نزلت إلى ميدان الرجال لا بد أن تكلمهم وأن يكلموها، ولا بد أن ترقق لهم الكلام وأن يرققوا لها الكلام، والشيطان من وراء ذلك يزين ويحسن ويدعو إلى الفاحشة حتى يقعوا فريسة له، والله حكيم عليم حيث أمر المرأة بالحجاب، وما ذاك إلا لأن الناس فيهم البر والفاجر والطاهر والعاهر فالحجاب يمنع- بإذن الله- من الفتنة ويحجز دواعيها، وتحصل به طهارة قلوب الرجال والنساء، والبعد عن مظان التهمة قال الله عز وجل: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ الآية.
وخير حجاب المرأة بعد حجاب وجهها باللباس هو بيتها. وحرم عليها الإسلام مخالطة الرجال الأجانب؛ لئلا تعرض نفسها للفتنة بطريق مباشر أو غير مباشر، وأمرها بالقرار في البيت وعدم الخروج منه إلا لحاجة مباحة مع لزوم الأدب الشرعي، وقد سمى الله مكث المرأة في بيتها قرارا، وهذا المعنى من أسمى المعاني الرفيعة ففيه استقرار لنفسها وراحة لقلبها وانشراح لصدرها. فخروجها عن هذا القرار يفضي إلى اضطراب نفسها وقلق قلبها وضيق صدرها وتعريضها لما لا تحمد عقباه، ونهى الإسلام عن الخلوة بالمرأة الأجنبية على الإطلاق إلا مع ذي محرم وعن السفر إلا مع ذي محرم، سدا لذريعة الفساد وإغلاقا لباب الإثم وحسما لأسباب الشر، وحماية للنوعين من مكايد الشيطان، ولهذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء
نشر هذا الموضوع مركز الدعوة الإسلامية بلاهور. باكستان الطبعة الأولى في ربيع الثاني عام 1399 هـ الموافق مارس 1979 م.
فتاوى ابن باز 1-18 - (ج 3 / ص 339)
حكم قيادة المرأة للسيارة
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد :
فقد كثر حديث الناس في صحيفة الجزيرة عن قيادة المرأة للسيارة ، ومعلوم أنها تؤدي إلى مفاسد لا تخفى على الداعين إليها ، منها : الخلوة المحرمة بالمرأة ، ومنها : السفور ، ومنها : الاختلاط بالرجال بدون حذر ، ومنها : ارتكاب المحظور الذي من أجله حرمت هذه الأمور ، والشرع المطهر منع الوسائل المؤدية إلى المحرم واعتبرها محرمة ، وقد أمر الله جل وعلا نساء النبي ونساء المؤمنين بالاستقرار في البيوت ، والحجاب ، وتجنب إظهار الزينة لغير محارمهن لما يؤدي إليه ذلك كله من الإباحية التي تقضي على المجتمع قال تعالى : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الآية .
وقال تعالى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وقال تعالى : وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما " فالشرع المطهر منع جميع الأسباب المؤدية إلى الرذيلة بما في ذلك رمي المحصنات الغافلات بالفاحشة وجعل عقوبته من أشد العقوبات صيانة للمجتمع من نشر أسباب الرذيلة .
وقيادة المرأة من الأسباب المؤدية إلى ذلك ، وهذا لا يخفى ولكن الجهل بالأحكام الشرعية وبالعواقب السيئة التي يفضي إليها التساهل بالوسائل المفضية إلى المنكرات - مع ما يبتلي به الكثير من مرضى القلوب من محبة الإباحية والتمتع بالنظر إلى الأجنبيات ، كل هذا يسبب الخوض في هذا الأمر وأشباهه بغير علم وبغير مبالاة بما وراء ذلك من الأخطار وقال الله تعالى : قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ وقال سبحانه : وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ
وقال صلى الله عليه وسلم : ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ، فقلت : يا رسول الله ، إنا كنا في جاهلية وشر فجاء الله بهذا الخير فهل بعده من شر؟ قل : " نعم " قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال : " نعم ، وفيه دخن " قلت : وما دخنه؟ قال : " قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر " قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال : " نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها " قلت يا رسول الله صفهم لنا؟ قال : " هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا " . قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال : " تلزم جماعة المسلمين وإمامهم " . قلت : فإن لم يكن لهم إمام ولا جماعة؟ قال : " فاعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك متفق عليه .
وإنني أدعو كل مسلم أن يتق الله في قوله وفي عمله ، وأن يحذر الفتن والداعين إليها ، وأن يبتعد عن كل ما يسخط الله جل وعلا أو يفضي إلى ذلك ، وأن يحذر كل الحذر أن يكون من هؤلاء الدعاة الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف . وقانا الله شر الفتن وأهلها ، وحفظ لهذه الأمة دينها وكفاها شر دعاة السوء ، ووفق كتاب صحفنا وسائر المسلمين لما فيه رضاه وصلاح أمر المسلمين ونجاتهم في الدنيا والآخرة ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
فتاوى ابن باز 1-18 - (ج 4 / ص 239)
حكم الاختلاط في التعليم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد :
فقد اطلعت على ما نشرته جريدة السياسة الصادرة يوم 24 / 7 / 1404 هـ بعددها 5644 منسوبا إلى مدير جامعة صنعاء عبد العزيز المقالح الذي زعم فيه أن المطالبة بعزل الطالبات عن الطلاب مخالفة للشريعة ، وقد استدل على جواز الاختلاط بأن المسلمين من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يؤدون الصلاة في مسجد واحد ، الرجل والمرأة ، وقال ( ولذلك فإن التعليم لا بد أن يكون في مكان واحد ) ، وقد استغربت صدور هذا الكلام من مدير لجامعة إسلامية في بلد إسلامي يطلب منه أن يوجه شعبه من الرجال والنساء إلى ما فيه السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ولا شك أن هذا الكلام فيه جناية عظيمة على الشريعة الإسلامية . لأن الشريعة لم تدع إلى الاختلاط حتى تكون المطالبة بمنعه مخالفة لها ، بل هي تمنعه وتشدد في ذلك كما قال الله تعالى : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى الآية ، وقال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ وقال سبحانه : وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ . إلى أن قال سبحانه : وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وقال تعالى : وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ الآية ، وفي هذه الآيات الكريمات الدلالة الظاهرة على شرعية لزوم النساء لبيوتهن حذرا من الفتنة بهن ، إلا من حاجة تدعو إلى الخروج ، ثم حذرهن سبحانه من التبرج تبرج الجاهلية ، وهو إظهار محاسنهن ومفاتنهن بين الرجال ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء متفق عليه من حديث أسامة بن زيد رضي إله عنه وخرجه مسلم في صحيحه عن أسامة وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنهما جميعا ، وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الفتنة بهن عظيمة ، ولا سيما في هذا العصر الذي خلع فيه أكثرهن الحجاب ، وتبرجن فيه تبرج الجاهلية ، وكثرت بسبب ذلك الفواحش والمنكرات وعزوف الكثير من الشباب والفتيات عما شرع الله من الزواج في كثير من البلاد ، وقد بين الله سبحانه أن الحجاب أطهر لقلوب الجميع فدل ذلك على أن زواله أقرب إلى نجاسة قلوب الجميع وانحرافهم عن طريق الحق ، ومعلوم أن جلوس الطالبة مع الطالب في كرسي الدراسة من أعظم أسباب الفتنة ،
ومن أسباب ترك الحجاب الذي شرعه الله للمؤمنات ونهاهن عن أن يبدين زينتهن لغير من بينهم الله سبحانه في الآية السابقة من سورة النور ، ومن زعم أن الأمر بالحجاب خاص بأمهات المؤمنين فقد أبعد النجعة وخالف الأدلة الكثيرة الدالة على التعميم وخالف قوله تعالى : ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ فإنه لا يجوز أن يقال إن الحجاب أطهر لقلوب أمهات المؤمنين ورجال الصحابة دون من بعدهم ولا شك أن من بعدهم أحوج إلى الحجاب من أمهات المؤمنين ورجال الصحابة رضي الله عنهم لما بينهم من الفرق العظيم في قوة الإيمان والبصيرة بالحق ، فإن الصحابة رضي الله عنهم رجالا ونساء ومنهن أمهات المؤمنين هم خير الناس بعد الأنبياء وأفضل القرون بنص الرسول صلى الله عليه وسلم المخرج في الصحيحين ، فإذا كان الحجاب أطهر لقلوبهم فمن بعدهم أحوج إلى هذه الطهارة وأشد افتقارا إليها ممن قبلهم؛ ولأن النصوص الواردة في الكتاب والسنة لا يجوز أن يخص بها أحد من الأمة إلا بدليل صحيح يدل على التخصيص ، فهي عامة لجميع الأمة في عهده صلى الله عليه وسلم وبعده إلي يوم القيامة؛ لأنه سبحانه بعث رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين في عصره وبعده إلى يوم القيامة كما قال عز وجل : قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا وقال سبحانه : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وهكذا القرآن الكريم لم ينزل لأهل عصر النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أنزل لهم ولمن بعدهم ممن يبلغه كتاب الله كما قال تعالى : هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ وقال عز وجل : وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ الآية ، وكان النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا يختلطن بالرجال لا في المساجد ولا في الأسواق الاختلاط الذي ينهي عنه المصلحون اليوم ويرشد القرآن والسنة وعلماء الأمة إلى التحذير منه حذرا من فتنته ، بل كان النساء في مسجده صلى الله عليه وسلم يصلين خلف الرجال في صفوف متأخرة عن الرجال وكان يقول صلى الله عليه وسلم : خير صفوف الرجال أولها وشره آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها حذرا من افتتان آخر صفوف الرجال بأول صفوف النساء ، وكان الرجال في عهده صلى الله عليه وسلم يؤمرون بالتريث في الانصراف حتى يمضي النساء ويخرجن من المسجد لئلا يختلط بهن الرجال في أبواب المساجد مع ما هم عليه جميعا رجالا ونساء من الإيمان والتقوى فكيف بحال من بعدهم ، وكانت النساء ينهين أن يتحققن الطريق ويؤمرن بلزوم حافات الطريق حذرا من الاحتكاك بالرجال والفتنة بمماسة بعضهم بعضا عند السير في الطريق ، وأمر الله سبحانه نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن حتى يغطين بها زينتهن حذرا من الفتنة بهن ، ونهاهن سبحانه عن إبداء زينتهن لغير من سمى الله سبحانه في كتابه العظيم حسما لأسباب الفتنة وترغيبا في أسباب العفة والبعد عن مظاهر الفساد والاختلاط ، فكيف يسوغ لمدير جامعة صنعاء- هداه الله وألهمه رشده- بعد هذا كله ، أن يدعو إلى الاختلاط ويزعم أن الإسلام دعا إليه وأن الحرم الجامعي كالمسجد ، وأن ساعات الدراسة كساعات الصلاة ، ومعلوم أن الفرق عظيم ، والبون شاسع ، لمن عقل عن الله أمره ونهيه ، وعرف حكمته سبحانه في تشريعه لعباده ، وما بين في كتابه العظيم من الأحكام في شأن الرجال والنساء ، وكيف يجوز لمؤمن أن يقول إن جلوس الطالبة بحذاء الطالب في كرسي الدراسة مثل جلوسها مع أخواتها في صفوفهن خلف الرجال ، هذا لا يقوله من له أدنى مسكة من إيمان وبصيرة يعقل ما يقول ، هذا لو سلمنا وجود الحجاب الشرعي ، فكيف إذا كان جلوسها مع الطالب في كرسي الدراسة مع التبرج وإظهار المحاسن والنظرات الفاتنة والأحاديث التي تجر إلى الفتنة ، فالله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله ، قال الله عز وجل : فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ
مجلة البحوث الإسلامية العدد 15 ص 6 إلى 11 ربيع الأول ربيع الثاني جمادى الأولى جمادى الثانية 1406 هـ
الَّتِي فِي الصُّدُورِ
مجلة البحوث الإسلامية العدد 15 ص 6 إلى 11 ربيع الأول ربيع الثاني جمادى الأولى جمادى الثانية 1406 هـ .
وأما قوله : ( والواقع أن المسلمين منذ عهد الرسول كانوا يؤدون الصلاة في مسجد واحد الرجل والمرأة ولذلك فإن التعليم لا بد أن يكون في مكان واحد )
فالجواب عن ذلك أن يقال : هذا صحيح ، لكن كان النساء في مؤخرة المساجد مع الحجاب والعناية والتحفظ مما يسبب الفتنة ، والرجال في مقدم المسجد ، فيسمعن المواعظ والخطب ويشاركن في الصلاة ويتعلمن أحكام دينهن مما يسمعن ويشاهدن ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في يوم العيد يذهب إليهن بعد ما يعظ الرجال فيعظهن ويذكرهن لبعدهن عن سماع خطبته ، وهذا كله لا إشكال فيه ولا حرج فيه وإنما الإشكال في قول مدير جامعة صنعاء- هداه الله وأصلح قلبه وفقهه في دينه- : ( ولذلك فإن التعليم لا بد أن يكون في مكان واحد ) فكيف يجوز له أن يشبه التعليم في عصرنا بصلاة النساء خلف الرجال في مسجد واحد ، مع أن الفرق شاسع بين واقع التعليم المعروف اليوم وبين واقع صلاة النساء خلف الرجال في عهده صلى الله عليه وسلم ، ولهذا دعا المصلحون إلى إفراد النساء عن الرجال في دور التعليم ، وأن يكن على حدة والشباب على حدة ، حتى يتمكن من تلقي العلم من المدرسات بكل راحة من غير حجاب ولا مشقة؛ لأن زمن التعليم يطول بخلاف زمن الصلاة؛ ولأن تلقي العلوم من المدرسات في محل خاص أصون للجميع وأبعد لهن من أسباب الفتنة ، وأسلم للشباب من الفتنة بهن ، ولأن انفراد الشباب في دور التعليم عن الفتيات مع كونه أسلم لهم من الفتنة فهو أقرب إلى عنايتهم بدروسهم وشغلهم بها وحسن الاستماع إلى الأساتذة وتلقي العلم عنهم بعيدين عن ملاحظة الفتيات والانشغال بهن ، وتبادل النظرات المسمومة والكلمات الداعية إلى الفجور .
وأما زعمه- أصلحه الله- أن الدعوة إلى عزل الطالبات عن الطلبة تزمت ومخالف للشريعة ، فهي دعوى غير مسلمة ، بل ذلك هو عين النصح لله ولعباده والحيطة لدينه والعمل بما سبق من الآيات القرآنية والحديثين الشريفين ، ونصيحتي لمدير جامعة صنعاء أن يتقي الله عز وجل وأن يتوب إليه سبحانه مما صدر منه ، وأن يرجع إلى الصواب والحق ، فإن الرجوع إلى ذلك هو عين الفضيلة والدليل على تحري طالب العلم للحق والإنصاف . والله المسئول سبحانه أن يهدينا جميعا سبيل الرشاد وأن يعيذنا وسائر المسلمين من القول عليه بغير علم ، ومن مضلات الفتن ونزغات الشيطان ، كما أسأله سبحانه أن يوفق علماء المسلمين وقادتهم في كل مكان لما فيه صلاح البلاد والعباد في المعاش والمعاد ، وأن يهدي الجميع صراطه المستقيم إنه جواد كريم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
فتاوى ابن باز 1-18 - (ج 6 / ص 301)
حول توظيف النساء في الدوائر الحكومية
الحمد لله رب العالمين والسلام على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم واقتفى آثارهم إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد اطلعت على ما نشر في الصحف المحلية في الأول من شهر رمضان عام 1400هـ من اعتزام فرع ديوان الخدمة المدنية بالمنطقة الشرقية على توظيف النساء في الدوائر الحكومية للقيام بأعمال النسخ والترجمة والأعمال الكتابية الأخرى ، ثم قرأت ما كتبه الأخ الناصح محمد أحمد حساني في صحيفة الندوة في عددها الصادر في 8 / 9 / 1400 هـ تعقيبا على ذلك الخبر ، وكان صادقا وناصحا للأمة في تعقيبه ، فشكر الله له وأثابه . ذلك أن من المعلوم أن نزول المرأة للعمل في ميدان الرجال يؤدي إلى الاختلاط ، وذلك أمر خطير جدا ، له تبعاته الخطيرة وثمراته المرة وعواقبه الوخيمة ، وهو مصادم للنصوص الشرعية التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها والقيام بالأعمال التي تخصها في بيتها ونحوه ، مما تكون فيه بعيدة عن مخالطة الرجال . والأدلة الصريحة الصحيحة الدالة على تحريم الخلوة بالأجنبية وتحريم النظر إليها وتحريم الوسائل الموصلة إلى الوقوع فيما حرم الله- أدلة كثيرة محكمة قاضية بتحريم الاختلاط المؤدي إلى مالا تحمد عقباه .
منها قوله تعالى : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا وقال تعالى وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وقال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا وقال الله جل وعلا : قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ إلى أن قال سبحانه : وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وقال : إياكم والدخول على النساء يعني الأجنبيات قال رجال من الأنصار أفرأيت الحمو؟ قال الحمو الموت ونهى الإسلام عن الخلوة بالمرأة الأجنبية على الإطلاق إلا مع ذي محرم وعن السفر إلا مع ذي محرم ، سدا لذريعة الفساد وإغلاقا لباب الألم وحسما لأسباب الشر وحماية للنوعين من مكايد الشيطان ، ولهذا صح عن رسول الله أنه قال : ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء وصح عنه أنه قال : اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء وقال : لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما وهذه الآيات والأحاديث صريحة الدلالة في وجوب القرار في البيت والابتعاد عن الاختلاط المؤدي إلى الفساد وتقويض الأسر وخراب المجتمعات فما الذي يلجئنا إلى مخالفتها والوقوع فيما يغضب الله ويحل بالأمة بأسه وعقابه ، ألا نعتبر فيما وقع في المجتمعات التي سبقت إلى هذا الأمر الخطير وصارت تتحسر على ما فعلت وتتمنى أن تعود إلى حالنا التي نحن عليها الآن . لماذا لا ننظر إلى وضع المرأة في بعض البلدان الإسلامية المجاورة كيف أصبحت مهانة مبتذلة بسبب إخراجها من بيتها وجعلها تعمل في غير وظيفتها ، لقد نادى العقلاء هناك وفي البلدان الغربية بوجوب إعادة المرأة إلى وضعها الطبيعي الذي هيأها الله له وركبها عليه جسميا ونفسيا وعقليا ، ولكن بعد ما فات الأوان .
ألا فليتق الله المسئولون في ديوان الخدمة المدنية والرئاسة العامة لتعليم البنات وليراقبوه سبحانه فلا يفتحوا على الأمة بابا عظيما من أبواب الشر ، إذا فتح كان من الصعب إغلاقه . وليعلموا أن النصح لهذا البلد حكومة وشعبا هو العمل على ما يبقيه مجتمعا متماسكا قويا سائرا على نهج الكتاب والسنة ، وسد أبواب الضعف والوهن ومنافذ الشرور والفتن ، ولا سيما ونحن في عصر تكالب الأعداء فيه على المسلمين وأصبحنا أشد ما نكون حاجة إلى عون الله ودفعه عنا شرور أعدائنا ومكائدهم ، فلا يجوز لنا أن نفتح أبوابا من الشر مغلقة .
ولعل في كلمتي هذه ما يذكر المسئولين في ديوان الخدمة المدنية والرئاسة العامة لتعليم البنات بما يجب عليهم من مراعاة أمر الله ورسوله والنظر فيما تمليه المصلحة العامة لهذه الأمة ، والاستفادة مما قاله الأخ محمد أحمد حساني من أن عملية نقص الموظفين لا تعالج بالدعوة إلى إشراك النساء في وظائف الرجال سدا للذريعة وقفلا لباب المحاذير ، بل إن العلاج الصحيح يكون بإيجاد الحوافز لآلاف الشبان الذين لا يجدون في العمل الحكومي ما يشجع للالتحاق به فيتجهون إلى العمل الحر أو إلى المؤسسات والشركات ، ومن هنا منطلق العلاج الصحيح وهو تبسيط إجراءات تعيين الموظفين وعدم التعقيد في الطلبات ، وإعطاء الموظف ما يستحق مقابل جهده ، وعندها سوف يكون لدى كل إدارة فائض من الموظفين . هذا وإنني مطمئن إن شاء الله إلى أن المسئولين بعد قراءتهم لهذه الكلمة سيرجعون عما فكروا فيه من تشغيل المرأة بأعمال الرجال إذا علموا أن ذلك محرم بالكتاب والسنة ومصادم للفطرة السليمة ، ومن أقوى الأسباب في تخلخل المجتمع وتداعي بنيانه ، وهو مع ذلك أمنية غالية لأعداء المسلمين يعملون لها منذ عشرات السنين وينفقون لتحقيقها الأموال الطائلة ويبذلون لذلك الجهود المضنية ، ونرجو أن لا يكون أبناؤنا وإخواننا معينين لهم أو محققين لأغراضهم .
أسأل الله أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من مكايد الأعداء ومخططاتهم المدمرة وأن يوفق المسئولين فيها إلى حمل الناس على ما يصلح شئونهم في الدنيا والآخرة ، تنفيذا لأمر ربهم وخالقهم والعالم بمصالحهم ، وأن يوفق المسئولين في ديوان الخدمة المدنية والرئاسة العامة لتعليم البنات لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد في أمر المعاش والمعاد ، وأن يعيذنا وإياهم وسائر المسلمين من مضلات الفتن وأسباب النقم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعهم بإحسان .
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبدالعزيز بن عبد الله بن باز
------------------
بين الحجاب والتبرج
مقالات عن المرأة - (ج 48 / ص 1)
أيها المسلمون، لقد امتن الله على عباده بما جعل لهم من اللباس والرياش، قال الله ـ تعالى ـ: يَابَنِى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوارِى سَوْءتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذالِكَ خَيْرٌ.
فاللباس، لستر العورات وهي السوآت، والرياش والريش ما يتجمل به ظاهرا، فالرياش من الضروريات، والريش: من التكملات والزيادة، ولباس التقوى هو الإيمان وخشية الله. قال عبد الرحمن بن أسلم: يتقي فيواري عورته، فذاك لباس التقوى.
أيها الاخوة الكرام، إن هناك تلازم بين شرع الله اللباس لستر العورات للزينة وبين التقوى، كلاهما لباس، هذا يستر عورات القلب ويزينه، وذاك يستر عورات الجسم ويزينه، وهما متلازمان، فمن الشعور بالتقوى والحياء ينبثق الشعور باستقباح عري الجسد والحياء منه ومن لا يستحي من الله ولا يتقيه لا يهمه أن يتعرى وأن يدعو غيره إلى العري، العري من الحياء والتقوى، والعري من اللباس وكشف السوأة.
إن ستر الجسد للذكر والأنثى ليس مجرد اصطلاح وعادات وعرف بيئي، كما تزعم الأبواق المسلطة على حياء الناس والنساء وعفتهم لتدمر إنسانيتهم، إنما هي فطرة خلقها الله في الإنسان، ثم هي شريعة أنزلها الله للبشر.
ومن هنا يستطيع المسلم الواعي أن يربط بين الحملة الضخمة الموجهة إلى حياء الرجال والنساء وأخلاقهم، والدعوة السافرة لهم إلى التكشف والانحلال باسم الزينة والحضارة والتطور من جهة، وبين الخطة اليهودية لتدمير إنسانيتهم، وجعلهم يتزينون بزي الحيوانية وهي زينة التكشف والعري.
إن المسلم الحق هو الذي يمتثل قول الله ـ عز وجل ـ: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ. وقد أمر الله سبحانه إماءه بالحجاب والستر، قال ـ تعالى ـ: ياأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لاِزْواجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذالِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً. قال ابن عباس: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب.
إن هذا الغطاء الذي يستر الوجه والبدن هو علامة المسلمة المحتشمة التي تدين الله بالخضوع والطاعة: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصلاةَ وَيُؤْتُونَ الزكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ.
وقد ذكر العلماء شروطا للبس المرأة المسلمة العارفة لدينها الحريصة على حيائها الأول:
أن يكون ساترا لجميع البدن، الثاني: أن يكون كثيفا غير رقيق ولا شفاف، لأن الغرض من الحجاب الستر، فإذا لم يكن ساترا لا يسمى حجابا، لأنه لا يمنع الرؤية ولا يحجب النظر.
الثالث: ألا يكون زينة في نفسه أو مبهرجا ذا ألوان جذابة يلفت الأنظار لقوله تعالى: وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا، ومعنى (ما ظهر منها) أي بدون قصد ولا تعمد، فإذا كان في ذاته زينة فلا يجوز ارتداؤه، ولا يسمى حجابا، لأن الحجاب هو الذي يمنع ظهور الزينة للأجانب، ومن هنا يعلم أن كثيرا من العباءات التي تباع الآن وفيها من الزينة ما يلفت النظر لا يجوز ارتداؤه.
الرابع: أن يكون واسعا غير ضيق ولا يشف عن البدن، ولا يجسم العورة، ولا يظهر أماكن الفتنة.
الخامس: ألا يكون الثوب معطرا فيه إثارة للرجال لقوله : ((إن المرأة إذا استطعرت فمرت على القوم ليجدوا ريحها فهي زانية))(1)[1].
السادس: أن لا يكون الثوب فيه تشبه بالرجال لحديث أبي هريرة : ((لعن النبي الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل))(2)[2]، وفي الحديث: ((لعن الله المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء))(3)[3].
السابع: أن لا يشبه ملابس الكافرات، قال : ((من تشبه بقوم فهو منهم))(4)[4]، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: رأى رسول الله علي ثوبين معصفرين، فقال: ((أن هذه من ثياب الكفار، فلا تلبسها))(5)[5].
وقد حذر النبي من فتنة النساء قال عليه الصلاة والسلام: ((ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء))(6)[6] متفق عليه، ولقد عرف أعداء الإسلام أن في فساد المرأة وتحللها إفساداً للمجتمع كله.
يقول أحد كبار الماسونية: كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع، فأغرقوهم في حب المادة والشهوات.
وقال آخر: يجب علينا أن نكسب المرأة، فأي يوم مدت إلينا يدها فُزْنا بالمراد وتبدد جيش المنتصرين للدين.
ومن حينها باتت دور الأزياء وصيحات الموضة تنسج لنساء المسلمين كل ما يخدش لحياء ويفضي إلى التهتك، من الملابس الضيقة والعارية والقصيرة والمفتوحة، وأصبحت مجلات الأزياء وغيرها توجه الفتاة المسلمة بكل خبث إلى نوع ما ترتديه من ملابس في صيف عام كذا، أو في شتاء عام كذا، حتى غدت المسلمة أسيرة لآخر الموديلات وأحدث التقليعات التي فيها تشبه بالكافرات، ومحبتهم والإعجاب بهم، وهذا قادح في كمال عقيدة المسلمة.
لحد الركبتين تشمرينا ... ... بربك أي نهر تعبرينا
كأن الثوب ظل في صباح ... ... يزيد تقلعاً حينا فحينا
تظنين الرجال بلا شعور ... ... لأنك ربما لا تشعرينا
قال : ((صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا))(1)[7]، ولقد تحققت نبوة رسول الله فقد وصفهن وصف المشاهد لهن، فمعنى (كاسيات عاريات): يلبس ثيابا رقيقة تصف لون الجسد أو قصيرة، فهي كاسية في الاسم عارية في الحقيقة. ومعنى (مائلات): أي زائغات عن طاعة الله، وما يلزمهن من الحياء والتستر مائلات في مشيتهن. (مميلات): أي مميلات فيرهن فيعلمنهن التبرج والسفور بوسائل متعددة، مميلات لقلوب الرجال لفعلهن، ومعنى (رؤوسهن كأسنمة البخت): أي يعملن شعورهن بلفها وتكويرها إلى أعلى كأسنمة الإبل المائلة.
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد ابن عثيمين عن اللباس الضيق والمفتوح للمرأة فقال: هذا اللباس لباس أهل النار، كما قال النبي : ((صنفان من أهل النار لم أرهما..))، وذكر الحديث السابق، فهذه المرأة التي تلبس هذا اللباس كاسية عارية، لأن اللباس إذا كان ضيقا فإنه يصف حجم البدن ويبين مقاطعه، وكذلك إذا كان مفتوحا، فإنه يبين ما تحته، لأنه ينفتح، فلا يجوز مثل هذا اللباس، وقال ـ حفظه الله ـ في موضع آخر: أرى إنسياق المسلمين وراء هذه الموضة من أنواع الألبسة التي ترد علينا من هنا وهناك، وكثير منها لا يتلاءم مع الزي الإسلامي الذي يكون فيه الستر الكامل للمرأة، مثل الألبسة القصيرة أو الضيقة جدا أو الخفيفة، ومن ذلك لبس البنطلون فإنه يصف حجم رِجل المرأة، وكذلك بطنها وخاصرتها وغير ذلك، فلابسته تدخل تحت الحديث الصحيح السابق، فنصيحتي لنساء المؤمنين ولرجالهن أن يتقوا الله ـ عز وجل ـ، وأن يحرصوا على الزي الإسلامي الساتر وألا يضيعوا أموالهم في اقتناء مثل هذه الألبسة، أما عن حكم لبس مثل هذه الملابس عند المحارم والنساء فقال: وأما بين المرأة والمحارم فإنه يجب عليها أن تستر عورتها، والضيق لا يجوز لا عند المحارم ولا عند النساء إذا كان الضيق شديدا يبين مفاتن المرأة انتهى كلامه ـ حفظه الله ـ.
بارك الله لي ولكم...
الحمد لله رب العالمين ولي الصالحين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد:
أيها الاخوة الكرام، لقد شاع في هذا الزمان بين أوساط كثير من النساء محاذير شرعية في لبسهن، جعل المرأة المسلمة تنحرف عن مسارها الصحيح، هاجرة تعاليم ربها، مقبلة على أهوائها وشهواتها، إن المرأة إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان وزين لها الظهور أمام الرجال بمنظر لافت، وخدعها بأن تمشي فيهم بطريقة معينة، إلى غير ذلك مما يزينه لها الشيطان.
ومما شاع أيها الاخوة الفضلاء ما رأيتموه جميعا بل كل يوم يأتينا عنه نبأ، ألا وهي العباءة لا تحمل أي شكل من أشكال الإغراء، فتارة ترى عباءة مزينة بالقيطان أو مطرزة في موضع الأكمام أو الصدر أو الظهر، أو عبارة مكتوبة عليها بالذهبي عبارات ملفتة أو العباءة الفرنسية، أو موديل الدانتيل، أو موديل التخريم وغيرها وغيرها.
ومن مشاهد الضياع في ارتداء الحجاب، ما يفعله بعض النساء من وضع العباءة على كتفها ولف الطرحة على رأسها ليبدوا قوامها ويمتشق قدها، ولا شك أيها الإخوة أن هذا الفعل فتنة للمرأة وفتنة للرجل، وقد أفتى الشيخ عبد الله بن جبرين بحرمة هذا الفعل، سئل ـ حفظه الله ـ: إنه انتشر بين نساء المسلمين ظاهرة خطيرة وهي لبس بعض النساء العباءة على الكتفين وتغطية الرأس بالطرحة والتي تكون زينة في نفسها، وهذه العباءة تلتصق بالجسم وتصف الصدر وحجم العظام ويلبسن هذا اللباس موضة أو شهرة، ما حكم هذا اللباس وهل هو حجاب شرعي؟ وهل ينطبق عليهن حديث النبي : ((صنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما..))؟
قال ـ حفظه الله ـ: قد أمر الله النساء المؤمنات بالتستر والتحجب الكامل قال ـ تعالى ـ: ياأَيُّهَا النَّبِىُّ قُل لاِزْواجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ. والجلباب: هو الرداء الذي تلتف به المرأة ويستر رأسها وجميع بدنها، فلبس المرأة للعباءة هو من باب التستر والاحتجاب الذي يقصد منه منع الغير من التطلع ومد النظر قال تعالى: ذالِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ، ولا شك أن بروز رأسها ومنكبيها مما يلفت الأنظار نحوها، فإذا لبست العباءة على الكتفين كان ذلك تشبها بالرجال، وكان منه إبراز رأسها وعنقها وحجم المنكبين، وبيان بعض تفاصيل الجسم كالصدر والظهر ونحوه، مما يكون سبباً للفتنة وامتداد الأعين نحوها وقرب أهل الأذى منها ولو كانت عفيفة، وعلى هذا فلا يجوز للمرأة لبس العباءة فوق المنكبين لما فيه من المحذور ويخاف دخولها في الحديث المذكور السابق ذكره، انتهى كلامه ـ حفظه الله ـ.
ومن مظاهر الحجاب العصري الفاسدة المنتشرة بين كثير من الفساد بداعي التقليد والإثارة أو الجهل، ما يفعله كثير منهن من إظهار العينين وجزء من الوجه وربما اكتحلت إحداهن أو وضعت الأصباغ على وجهها لتبدوا بشكل لافت ومثير.
أيها الاخوة الكرام، إن إطلاق المرأة لبصرها تنظر في الرجال وينظرون إليها، لهو فتنة لها ولقلبها، والنساء ضعيفات سريعات التأثر، فينتج عن ذلك فتنة وفساد كبير ـ أعاذنا الله وإياكم ـ.
وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن ما يسمى بالنقاب وطريقة لبسه، ففي بداية الأمر كان لا يظهر إلا العينان فقط، ثم بدأ النقاب بالاتساع شيئا فشيئا فأصبح يظهر مع العينين جزء من الوجه مما يجلب الفتنة، ولا سيما أن كثيرا من النساء يكتحلن عند لبسه. فأجاب فضيلته: في وقتنا هذا لا نفتي بجوازه بل نرى منعه وذلك لأنه ذريعة إلى التوسع فيما لا يجوز، ولهذا لم نفت امرأة من النساء لا قريبة ولا بعيدة بجواز النقاب أو البرقع في أوقاتنا هذه، بل نرى أنه يمنع منعا باتا، وأن على المرأة أن تتقي ربها في هذا الأمر وأن لا تنتقب، لأن ذلك يفتح باب شر لا يمكن إغلاقه، فيما بعد الأسواق والحدائق الأماكن العامة.
ومن مظاهر التناقص في لبس الحجاب، أن ترى المرأة المسلمة بلبس حجابها ولكن فوق ثوب مشقوق الجانبين أو فوق تنورة مفتوحة من الخلف، وربما تلبس عباءتها فوق بنطلون يكون في بعض الأحيان ضيقا، أو تسير بين الرجال ورائحة الطيب تفوح منها، وربما تجد امرأة قد أكملت حجابها ولمت عباءتها ولكنها تتحدث مع صاحب المحل بصوت متكسر يطمع الرجال فيها.
أيها الاخوة المؤمنون، إن هذه المظاهر الشاذة في مجتمعنا المسلم المحافظ لمما يبعث على الأسى والحسرة، ولكن ما هو واجبنا كرجال ملكنا القوامة على النساء، وحملنا مسؤولية التوجيه والتربية لزوجاتنا وبناتنا؟
إن الواجب أن نتقي الله ـ سبحانه ـ أولا وآخرا، وأن ننصح لزوجاتنا وبناتنا، ونعلمهن ما هو حلال ونعينهن عليه، وما هو حرام فنزجرهن عنه، لأن الرجل هو الذي يغار على أهله ويحفظهم من نظرات الساقطين والسافلين، فلنكن أيها الاخوة رسل هداية ومنابر توجيه لأهلينا، نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما فيه مرضاته.
ألا صلوا وسلموا...
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 12 / ص 418)
مناصحة الرجل للنساء
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/صفات الداعي ووظائفه
التاريخ 7/5/1423
السؤال
ما رأيكم فيمن ينصح النساء ويأمرهن بالمعروف دون الرجال, وهو رجل شاب يخشى عليه وعليهن الفتنة، وخصوصاً أنهن غالباً ما يكنَّ لابسات البناطيل الضيقة، وسافرات، ومتبرجات، وفوق هذا غير متزوجات وفي أوج الصبا؟ وإذا قيل له: لم لا تنصح الشباب الذين معهن كما نصحتهن وتهدي لهم أشرطة وكتيبات كما أهديت البنات، قال: إن الفتنة والخطر من البنات أكبر، فإذا اهتدين صلحت كثير من الأمور، وأنه قد يحادث الشباب فيما بعد.
وأخيراً ينوي عمل درس أسبوعي للشباب والبنات معاً أو قد يكونون منفصلين يعظهم فيه, فهل هذا جائز؟
ما حدود الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من الرجال للنساء أو العكس؟
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
لا يجوز للشاب الذي يخشى على نفسه الفتنة مناصحة الفتيات سيما المتبرجات منهن والسافرات؛ لأن القاعدة الأصولية عند أهل العلم تنص على أن "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول كما في الصحيح:"ما تركت بعدي في الناس فتنة أضر على الرجال من النساء" رواه مسلم (2741) من حديث أسامة بن زيد، وسعيد بن زيد -رضي الله عنهم-.
وأما من كان ذا علم وبصيرة، ومعرفة بأساليب الدعوة، ومناهج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأمن على نفسه الفتنة فيجوز، بل قد يجب عليه أمر النساء بالمعروف ونهيهن عن المنكر في الأسواق والمجامع العامة، كما يجوز أن يعقد لهن درساً أو محاضرة من غير اختلاط بهن، بل يكن معزولات في مكان خاص بهن، ويحدثهن عن مكبر الصوت مثلاً، ويجيب على أسئلتهن بما يعلم في جو من الحشمة والوقار والأدب.
والأصل في هذا ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يعقد للنساء مجالس خاصة بهن يعظهن ويناصحهن ويفتيهن، فقد جاء في الصحيح أن النساء قلن: يا رسول الله غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا من نفسك يوماً فواعدهن يوماً فوعظهن وذكرهن.. الحديث انظر البخاري (102) ومسلم (2633).
ولعل الجواب اتضح الآن عما إذا كان يجوز عقد درس للنساء أو لا يجوز، وأما الدروس المختلطة بين الرجال والنساء فلا تجوز بتاتاً لما للاختلاط من آثار مباشرة في إشاعة الفواحش وجرائم الأخلاق والأعراض.
وبهذه المناسبة أود التنبيه بأن الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تقتصر على الوعظ المباشر، والاحتكاك الظاهر، ولكنها تتيسر عبر وسائل عديدة، منها: شراء الأشرطة والكتيبات، وإهداؤها للمراكز الدعوية وأئمة المساجد ونحوهم ليقوموا بدورهم بإيصالها لمستحقيها، ومنها دعوة الدعاة والوعاظ إلى أماكن تجمعات الناس من مساجد ومراكز صيفية ومدارس ودور تحفيظ لإلقاء المحاضرات والدروس، وبهذا يأمن الشاب على نفسه الفتنة، ويقوم في الوقت نفسه بدور أكثر إيجابية وأظهر فاعلية. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 16 / ص 470)
العمل في مكان مختلط
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 03/03/1427هـ
السؤال
أعمل بوظيفة محترمة، ولكن في مكان غير محترم؛ حيث فيه فساد أخلاقي واختلاط، وأرى كل يوم أشياء محرمة، فهل يجب علي أن أترك هذا المكان أو أبقى مع الابتعاد تماماً عن زملاء السوء،؟ علماً أن فرص العمل الآن قليلة جداً، أرشدوني ماذا أفعل؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد ذكرتِ أختنا الكريمة -حفظك الله- أنكِ تعملين في مكان غير محترم ويكثر فيه الاختلاط وما ذكرتهِ -إن كنت لا تستطيعين تجنب الاختلاط، وتغيير المكان لمكان محترم- فإنه يستدعي تركك للعمل، والبحث عن عمل آخر محترم لا اختلاط فيه، فعن أبي موسى -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحاً خبيثة". رواه البخاري (1995)، ومسلم (2628).
قال العلامة ابن عثمين -رحمه الله تعالى-: "الذي أراه أنه لا يجوز الاختلاط بين الرجال والنساء بعمل حكومي، أو بعمل في قطاع خاص، أو في مدارس حكومية أو أهلية، فإن الاختلاط تحصل فيه مفاسد كثيرة ولو لم يكن فيه إلا زوال حياء المرأة وزوال الهيبة عن الرجال، لأنه إذا اختلط الرجال والنساء أصبح لا هيبة عند الرجال، وهذا أعني -الاختلاط بين الرجال والنساء- خلاف ما تقتضيه الشريعة الإسلامية، وخلاف ما كان عليه السلف الصالح. ألم تعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم-جعل للنساء مكاناً خاصاً إذا خرجن إلى مصلى العيد، لا يختلطن بالرجال، كما في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين خطب في الرجال نزل وذهب للنساء فوعظهن وذكَّرهن، وهذا يدل على أنهن لا يسمعن خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- أو إن سمعن لم يستوعبن ما سمعن من الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثم ألم تعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها وخير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها"، وما ذلك إلا لقرب أول صفوف النساء من الرجال، فكان شر الصفوف، ولبعد آخر صفوف النساء من الرجال فكان خير الصفوف، وإذا كان هذا في العبادة المشتركة فما بالك بغير العبادة، ومعلوم أن الإنسان في حال العبادة أبعد ما يكون عما يتعلق بالغريزة الجنسية، فكيف إذا كان الاختلاط بغير عبادة، فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق، فلا يبعد أن تحصل فتنة وشر كبير في هذا الاختلاط.
والذي أدعو إليه إخواننا أن يبتعدوا عن الاختلاط، وأن يعلموا أنه من أضر ما يكون على الرجال، كما قال صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" فنحن والحمد لله -نحن المسلمين- لنا ميزة خاصة يجب أن نتميز بها عن غيرنا، ويجب أن نحمد الله -سبحانه وتعالى- أن منَّ علينا بها، ويجب أن نعلم أننا متبعون لشرع الله الحكيم الذي يعلم ما يصلح العباد والبلاد، ويجب أن نعلم أن من نفروا عن صراط الله -عز وجل- وعن شريعة الله فإنهم في ضلال، وأمرهم صائر إلى الفساد، ولهذا نسمع أن الأمم التي يختلط نساؤها برجالها أنهم الآن يحاولون بقدر الإمكان أن يتخلصوا من هذا، ولكن أنى لهم التناوش من مكان بعيد. نسأل الله أن يحمي بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء وشر وفتنة". ا.هـ والله تعالى أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 16 / ص 506)
مشاهدة البرامج المشتملة على بعض المخالفات
المجيب د. فهد بن عبدالرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 12/04/1427هـ
السؤال
أشعر بالحيرة بخصوص نوع الموسيقى التي يمكن أن نستمع إليها، ونوع البرامج التلفزيونية التي يمكن أن نشاهدها؛ أفيدونا جزاكم الله خيرا.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد اشتمل سؤالك على مسئلتين:
المسألة الأولى: ما يتعلق بالموسيقى.
فاعلم أن الموسيقى يحرم الاستماع إليها لأنها هي المعازف التي نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها، كما في صحيح البخاري، كتاب الأشربة، باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه، (5590) عن أبي عامر أو -أبي مالك- الأشعري، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر، والحرير، والخمر والمعازف".
فقوله: "يستحلّون" دليل على أنها محرمة، و"الحِر" هو الفرج.
بل استدل أهل العلم بآيات من القرآن على تحريم الموسيقى والغناء.
منها قوله -تعالى-: "وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ" [الإسراء:64]. قال مجاهد: صوته هو المزامير.
ومنها قوله -سبحانه-: "أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وتضحكون ولا تبكون وَأَنتُمْ سَامِدُونَ" [النجم:59-61].
فجعل من صفات الكفار المذمومة السمود، والسمود في اللغة هو: اللهو والغناء.
وقد جاءت أحاديث أخرى في الزجر عن استماع المزامير، والمعازف (وهي الموسيقى) وكذلك الغناء، وهي أحاديث يحتج ببعضها، وبعضها مما يمكن الاعتضاد به.
فمنها حديث أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "صوتان ملعونان في الدنيا و الآخرة، صوت عند نعمة، ورنة عند مصيبة" أخرجه البزار (805)، وقال المنذري (4/177): رواته ثقات.
وعند الترمذي (1005) وحسنه، من حديث جابر -رضي الله عنه- نحوه، وفيه: "صوت عند نعمة لهو وطرب ومزامير الشيطان".
وجاء عن الصحابة والتابعين وطوائف من أهل العلم بعدهم ما يدل على اتفاقهم على ذم المعازف وأهلها، وأنها تصدّ عن ذكر الله.
واستفت قلبك يا أخي فيما يتعلق بهذا الأمر لتجد أن القلب يتغير باستماعه للموسيقى والغناء، وإياك أن تستخف باليسير فتتمادى إلى ما فوقه.
المسألة الثانية: ما يتعلق بالبرامج التلفزيونية:
أودّ أن تعلم ويعلم غيرك قواعد لا بد من التنبيه عليها:
القاعدة الأولى: أن الحكم على الشيء يكون بما غلب عليه إذا كان أصله مباحاً.
فقد يكون الجلوس في مكانٍ ما مباحاً في الأصل ؛ غير أنه قد يحرم إذا غلب على هذا المكان حصول الفتنة فيه، أو حدوث المنكرات منه.
يدل على ذلك أدلة منها قوله -تعالى-: "وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ" [النساء:140]، فإذا كان القعود في أصله مباحاً فقد حرم حين يغلب على الحديث ما هو منكر.
القاعدة الثانية: أن المسلم مأمور باجتناب ما يخشى على دينه منه.
ويدل على هذا أدلة كثيرة جداً، منها ما هو مستند على قاعدة سد الذرائع وغيرها.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 17 / ص 371)
أبي يرفض زواجي !!
المجيب عبد الرحمن بن عبد العزيز المجيدل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/ قبل الزواج/تأخر الزواج وعقباته
التاريخ 24-7-1424
السؤال
أنا شاب عمري 22 عاماً ،جميل الهيئة، مشكلتي أنني أعمل في عمل مختلط بالجامعة ، والفتن كثيرة حوالي ، وقد كنت أعقد علاقات غرامية محرمة مع الطالبات، ولكن الحمد لله تبت عن هذا العمل .والآن عرفت فتاة متدينة خلوقة وأريد العفاف وحفظ الدين بالزواج منها ولكن أبي يرفض ذلك بتاتاً بحجة صغر السن.
ماذا عليَّ أن أعمل ؟ أرشدوني وفقكم الله.
الجواب
أيها الأخ المبارك السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قرأت رسالتك، وإليك الجواب: مشكلتك لها ثلاث جهات.
أولاً: أنت عملك في سلك نسائي وهناك اختلاط ولك ماض غير مناسب فالحذر والحرص على الابتعاد عن النار خشية الاحتراق، والنصوص النبوية صريحة وواضحة في الفصل بين الجنسين، منها أن المرأة نهيت أن تحقق الطريق فلا تمشي في وسطه، ومنها أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يترك باباً للنساء في مسجده، ولا يزال يسمى باب النساء في المسجد النبوي ، وكان يتأخر في الاستدارة على المؤمنين حتى تخرج النساء بعد صلاته - صلى الله عليه وسلم -، ونهى عن الدخول على النساء ولو كان من قرابات الزوج "إياكم والدخول على النساء " قال أصحابه أرأيت الحمو؟ قال: "الحمو الموت"، ونهى الواحد أن يدخل على المغيبة (وهي التي غاب عنها زوجها)، ونهى عن الاختلاط "ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما"، ونهيت المرأة عن السفر بغير محرم، فهذه النصوص مع قوله "ما تركت فتنة أضر على الرجال من النساء" تحتم عليك وإن لم يكن في عملك خلوة بواحدة إلا أن ماضيك وصفتك وصفة من يعمل معك كما ذكرت تجعل من الحزم الأخذ بالحيطة وعدم حسن الظن بالنفس، فالحذر الحذر والخشية الخشية.
وأما موقفك من الوالد فالطاعة والبر هو الواجب عليك، ولعل من يتولى تمرير طلبك غيرك من العائلة ويشرح حاجتك لذلك، فلعل ولعل هذا إذا كان الوالد مقتدراً، وأما مع العجز فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فإن تمكنت من الزواج أثناء الدراسة فنعما هي وإن تكن الأخرى فقد صبر من هو أشد منك قوة وفحولة وحبا للنساء، وأحسن منك شكلاً، فلذ بالله واعتصم به، وخذ نفسك بطرق الخير، وألزم نفسك مع رفقة صالحة تحفظك وتعينك، واعلم أن من دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله فهو مع السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه، وقوِّ عزيمتك، واقرأ بتمعُّن سورة يوسف مع تفسيرها، حفظك الله وحفظ لك.
تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 89)
2704 - قَوْلُهُ : ( عَنْ أَبِيهِ )
هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ طَرْخَانَ
( عَنْ أَبِي عُثْمَانَ )
النَّهْدِيِّ .
قَوْلُهُ : ( مَا تَرَكْت بَعْدِي )
أَيْ مَا أَتْرُكُ ، وَعَبَّرَ بِالْمَاضِي لِتَحَقُّقِ الْمَوْتِ
( فِتْنَةً )
أَيْ اِمْتِحَانًا وَبَلِيَّةً
( أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ )
لِأَنَّ الطِّبَاعَ كَثِيرًا تَمِيلُ إِلَيْهِنَّ وَتَقَعُ فِي الْحَرَامِ لِأَجْلِهِنَّ وَتَسْعَى لِلْقِتَالِ وَالْعَدَاوَةِ بِسَبَبِهِنَّ ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَنْ تُرَغِّبَهُ فِي الدُّنْيَا ، وَأَيُّ فَسَادٍ أَضَرُّ مِنْ هَذَا ؟ وَإِنَّمَا قَالَ بَعْدِي : لِأَنَّ كَوْنَهُنَّ فِتْنَةً أَضَرَّ ظَهَرَتْ بَعْدَهُ . قَالَ الْحَافِظُ فِي الْحَدِيثِ : إِنَّ الْفِتْنَةَ بِالنِّسَاءِ أَشَدُّ مِنْ الْفِتْنَةِ بِغَيْرِهِنَّ ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ } فَجَعَلَهُنَّ مِنْ عَيْنِ الشَّهَوَاتِ وَبَدَأَ بِهِنَّ قَبْلَ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُنَّ الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : النِّسَاءُ شَرٌّ كُلُّهُنَّ وَأَشَرُّ مَا فِيهِنَّ عَدَمُ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُنَّ ، وَمَعَ أَنَّهَا نَاقِصَةُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ ، تَحْمِلُ الرَّجُلَ عَلَى تَعَاطِي مَا فِيهِ نَقْصُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ كَشَغْلِهِ عَنْ طَلَبِ أُمُورِ الدِّينِ ، وَحَمْلِهِ عَلَى التَّهَالُكِ عَلَى طَلَبِ الدُّنْيَا وَذَلِكَ أَشَدُّ الْفَسَادِ اِنْتَهَى .
قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي النِّكَاحِ وَمُسْلِمٌ فِي آخِرِ الدَّعَوَاتِ وَالنَّسَائِيُّ فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَابْنُ مَاجَهْ فِي الْفِتَنِ .
قَوْلُهُ :
( وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ )
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَسَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ .
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 12 / ص 418)
مناصحة الرجل للنساء
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/صفات الداعي ووظائفه
التاريخ 7/5/1423
السؤال
ما رأيكم فيمن ينصح النساء ويأمرهن بالمعروف دون الرجال, وهو رجل شاب يخشى عليه وعليهن الفتنة، وخصوصاً أنهن غالباً ما يكنَّ لابسات البناطيل الضيقة، وسافرات، ومتبرجات، وفوق هذا غير متزوجات وفي أوج الصبا؟ وإذا قيل له: لم لا تنصح الشباب الذين معهن كما نصحتهن وتهدي لهم أشرطة وكتيبات كما أهديت البنات، قال: إن الفتنة والخطر من البنات أكبر، فإذا اهتدين صلحت كثير من الأمور، وأنه قد يحادث الشباب فيما بعد.
وأخيراً ينوي عمل درس أسبوعي للشباب والبنات معاً أو قد يكونون منفصلين يعظهم فيه, فهل هذا جائز؟
ما حدود الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من الرجال للنساء أو العكس؟
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
لا يجوز للشاب الذي يخشى على نفسه الفتنة مناصحة الفتيات سيما المتبرجات منهن والسافرات؛ لأن القاعدة الأصولية عند أهل العلم تنص على أن "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول كما في الصحيح:"ما تركت بعدي في الناس فتنة أضر على الرجال من النساء" رواه مسلم (2741) من حديث أسامة بن زيد، وسعيد بن زيد -رضي الله عنهم-.
وأما من كان ذا علم وبصيرة، ومعرفة بأساليب الدعوة، ومناهج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأمن على نفسه الفتنة فيجوز، بل قد يجب عليه أمر النساء بالمعروف ونهيهن عن المنكر في الأسواق والمجامع العامة، كما يجوز أن يعقد لهن درساً أو محاضرة من غير اختلاط بهن، بل يكن معزولات في مكان خاص بهن، ويحدثهن عن مكبر الصوت مثلاً، ويجيب على أسئلتهن بما يعلم في جو من الحشمة والوقار والأدب.
والأصل في هذا ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يعقد للنساء مجالس خاصة بهن يعظهن ويناصحهن ويفتيهن، فقد جاء في الصحيح أن النساء قلن: يا رسول الله غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا من نفسك يوماً فواعدهن يوماً فوعظهن وذكرهن.. الحديث انظر البخاري (102) ومسلم (2633).
ولعل الجواب اتضح الآن عما إذا كان يجوز عقد درس للنساء أو لا يجوز، وأما الدروس المختلطة بين الرجال والنساء فلا تجوز بتاتاً لما للاختلاط من آثار مباشرة في إشاعة الفواحش وجرائم الأخلاق والأعراض.
وبهذه المناسبة أود التنبيه بأن الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تقتصر على الوعظ المباشر، والاحتكاك الظاهر، ولكنها تتيسر عبر وسائل عديدة، منها: شراء الأشرطة والكتيبات، وإهداؤها للمراكز الدعوية وأئمة المساجد ونحوهم ليقوموا بدورهم بإيصالها لمستحقيها، ومنها دعوة الدعاة والوعاظ إلى أماكن تجمعات الناس من مساجد ومراكز صيفية ومدارس ودور تحفيظ لإلقاء المحاضرات والدروس، وبهذا يأمن الشاب على نفسه الفتنة، ويقوم في الوقت نفسه بدور أكثر إيجابية وأظهر فاعلية. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 6 / ص 429)
غير القادر على الزواج هل يلزم تنفيذ وعده رقم الفتوى:15934تاريخ الفتوى:15 صفر 1423السؤال : بسم الله الرحمن الرحيم
إني قد عاهدت نفسي وعاهدت المرأة التي أحببت أني لن أتزوج غيرها وأشهدت الله على ذلك لأني قد عاهدتها بالزواج ولكن هناك عقبات المال أمامنا فما الحكم في ذلك؟
جزاكم الله خيراً.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للرجل المسلم أن يكاتب أو يحادث امرأة أجنبية عنه إلا لحاجة وبقدرها، وفي حدود الأدب وأحكام الشرع، سداً للذريعة ودرءاً للفتنة.
فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ما تركت بعدي في الناس فتنة أضر على الرجال من النساء" رواه البخاري ومسلم .
وعليه، فلا يجوز لك التكلم مع تلك المرأة في الحب وقضايا الزواج، وعليكما بالتوبة إلى الله والاستغفار من ذلك، وإن أردت الزواج منها فتقدم لخطبتها خطبة شرعية من وليها، وإن كنت غير قادر على ذلك فاصرف النظر عن الأمر حتى ييسر الله لك الزواج منها أو من غيرها.
وعهدك لها بالزواج منها لا يلزمك الوفاء به، ولا تأثم لذلك ما دمت غير قادر على ذلك، لأنه من باب الوعد المبين في الجواب رقم: 12729 والله أعلم.(1/195)
370-8026 أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنَ الصُّبْحِ يَوْمًا فَأَتَى النِّسَاءَ فِي الْمَسْجِدِ فَوَقَفَ عَلَيْهِنَّ قَالَ : " مَا رَأَيْتُ مِنْ نَوَاقِصَ عُقُولٍ قَطُّ وَدِينٍ أَذْهَبَ بِقُلُوبِ ذَوِي الْأَلْبَابِ مِنْكُنَّ ، أَمَّا نُقْصَانُ دِينِكُنَّ فَالْحَيْضَةُ الَّتِي تُصِيبُكُنَّ تَمْكُثُ إِحْدَاكُنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَمْكُثَ لَا تُصَلِّي ، وَلَا تَصُومُ فَذَلِكَ نُقْصَانُ دِينِكُنَّ ، وَأَمَّا نُقْصَانُ عُقُولِكُنَّ فَشَهَادَتُكُنَّ إِنَّمَا شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ شَهَادَةٍ ، مُخْتَصَرٌ " (1)
371-8027 أَخْبَرَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبِي ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : أَخْبَرَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ : لَمَّا اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكْوَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ قَالَ : " لَيُصَلِّ لِلنَّاسِ أَبُو بَكْرٍ " قَالَتْ عَائِشَةُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ ، وَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَمُرْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يُصَلِّي لِلنَّاسِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لِيُصَلِّ لِلنَّاسِ أَبُو بَكْرٍ فَرَاجَعَتْهُ عَائِشَةُ " فَقَالَ : " لَيُصَلِّ لِلنَّاسِ أَبُو بَكْرٍ ، فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ " خَالَفَهُ مَعْمَرٌ (2)
372-8028 أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ : حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ " فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يَمْلِكْ دَمْعَهُ فَلَوْ أَمَرْتَ غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ : " وَمَا بِي إِلَّا أَنْ يَتَشَاءَمَ النَّاسُ بِمَقَامِ أَوَّلِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَ تَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَاجَعَتْهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا " قَالَ : " مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ ، فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ " (3)
__________
(1) - صحيح ابن خزيمة برقم( 2264 ) صحيح
(2) - مسند الشاميين للطبراني برقم( 1759) صحيح
(3) - البخارى برقم( 679 و198 و 664 و 665 و 683 و 687 و712 و713 ،و716 ، 2588 و3099 و 3384و 4442 و 4445 و 5714 و 7303 )
فتح الباري لابن رجب - (ج 5 / ص 130)
713 - حدثنا قتيبة بن سعيد : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، قالت : لما ثقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء بلال يؤذنه بالصلاة ، فقالَ : (( مروا أبا بكر يصلي بالناس )) . فقلت : يا رسول الله ، أبو بكر رجل أسيف ، وأنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس ، فلو أمرت عمر ؟ فقالَ : (( مروا أبا بكر يصلي
بالناس )) . فقلت لحفصة : قولي لهُ : إن أبا بكر رجل أسيف ، وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس ، فلو أمرت عمر . قالَ : (( إنكن لأنتن صواحب يوسف ، مروا أبا بكر أن يصلي بالناس )) . فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفسه خفة ، فقام يهادى بين رجلين ، ورجلاه تخطان في الأرض حتى دخل المسجد ، فلما سمع أبو بكر حسه ذهب أبو بكر يتأخر ، فأومأ إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى جلس عن يسار أبو بكر ، فكان أبو بكر يصلي قائما ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي قاعدا ، يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والناس يقتدون بصلاة أبي بكر .
قد تقدم ذكر هذا الحديث والإشارة إلى ما قيل في هذه اللفظة ، وهي : (( عن يسار أبي بكر )) ؛ فأن أبا معاوية تفرد بها ، وما قيل فيما بعدها ، وأنه مدرج ، واختلاف الناس : هل كانَ أبو بكر إماما أو مأموما .
فإن قوله : (( يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - )) قد قيل أن المراد به :
أنه كانَ يراعي في صلاته التخفيف على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويفعل ما كانَ أسهل عليهِ وأخف وأيسر ، فكان ذَلِكَ اقتداؤه به ، من غير أن يكن مؤتما به ، كما قالَ النبي - صلى الله عليه وسلم - لعثمان بن أبي العاص لما استعمله على الطائف ، وأمره بتخفيف الصلاة بالناس ، وقال لهُ : (( اقتد بأضعفهم )) - أي : راع حال الضعفاء ممن يصلي وراءك ، فص صلاة لا تشق عليهم .
والأكثرون فسروا اقتداء أبي بكر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، بأنه كانَ مؤتما بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إماما لأبي بكر .
وأما قوله: (( والناس يقتدون بصلاة أبي بكر )) فاختلف الناس في تأوياه - أيضا.
فقالت طائفة : المعنى أن أبا بكر كانَ يسمعهم التكبير لضعف صوت النبي - صلى الله عليه وسلم - حينئذ ، فكان اقتداؤهم بصوت أبي بكر ، وكان مبلغا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لم يكن إماما
للناس ، فاقتداء أبي بكر والناس كلهم إنما كانَ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما كانَ أبو بكر يبلغ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - التكبير ؛ ليتمكنوا من الاقتداء .
ومما يتفرع على ذَلِكَ : أن الشعبي قالَ : إذا انتهيت إلى الصف الآخر ، ولم يرفعوا رؤسهم ، وقد رفع الإمام ، فاركع ؛ فإن بعضكم أئمة بعض .
وهذا قول غريب ، والجمهور على خلافه ، وأن الاعتبار بالإمام وحده في إدراك الركعة بإدراك ركوعه .
وهذا هوَ المعنى الذي بوب عليهِ البخاري هاهنا ، وكذلك عليهِ النسائي وغيره .
وهو قول أصحاب الشافعي ، على قولهم : إن أبا بكر كانَ مؤتما بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ فإنهم اختلفوا : هل كانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - إماما لأبي بكر ، أو مأموما به ؟ على وجهين .
وقال الإمام أحمد : بل كانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - إماما لأبي بكر ، وكان أبو بكر إماما للناس الذين وراءه ، فكانت تلك الصلاة بإمامين .
واختلفت الرواية عن الإمام أحمد في الصلاة بإمامين : هل هي من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو هوَ حكم عام يستوي فيهِ جميع الأمة ؟ على ثلاث روايات عنه .
وأختار أبو بكر ابن جعفر وغيره من أصحابنا رواية اختصاص النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك .
وروى حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، أن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ وجعا ، فأمر أبا بكر أن يصلي بالناس ، ووجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خفة ، فقعد إلى جنب أبي بكر ، فأم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر وهو قاعد وأم الناس أبو بكر وهو قائم .
خرجه الدار قطني وغيره .
والصحيح : أن قوله : (( فوجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خفة )) إلى آخر الحديث مدرج من قول عروة ، كما رواه مالك وابن نمير وغيرهما ، عن هشام بغير هذا اللفظ ، وقد سبق ذَلِكَ .
عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 6 / ص 293)
664 - حدثنا ( عمر بن حفص بن غياث ) قال حدثني أبي قال حدثنا ( الأعمش ) عن ( إبراهيم ) قال ( الأسود كنا عند عائشة ) رضي الله تعالى عنها فذكرنا المواظبة على الصلاة والتعظيم لها قالت لما مرض رسول الله مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس فقيل له إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام في مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس وأعاد فأعادوا له فأعاد الثالثة فقال إنكن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس فخرج أبو بكر فصلى فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة فخرج يهادى بين رجلين كأني أنظر رجليه تخطان الأرض من الوجع فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم أن مكانك ثم أتي به حتى جلس إلى جنبه قيل للأعمش وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأبو بكر يصلي بصلاته والناس يصلون بصلاة أبي بكر فقال برأسه نعم
مناسبته للترجمة من حيث إنه خرج إلى الجماعة وهو مريض يهادي بين اثنين فكان هذا المقدار هو الحد لحضور الجماعة حتى لو زاد على ذلك أو لم يجد من يحمله إليها لا يستحب له الحضور فلما تحامل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وخرج بين اثنين دل على تعظيم أمر الجماعة ودل على فضل الشدة على الرخصة وفيه ترغيب لأمته في شهود الجماعة لما لهم فيه من عظيم الأجر ولئلا يعذر أحد منهم نفسه في التخلف عن الجماعة ما أمكنه وقدر عليها
ذكر رجاله وهم خمسة كلهم قد ذكروا غير مرة والأعمش هو سليمان والأسود بن يزيد النخعي
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث في ثلاثة مواضع بصيغة الجمع وفيه العنعنة في موضع واحد وفيه القول في أربعة مواضع وفيه أن رواته كوفيون وفيه رواية الابن عن الأب وفيه التصريح باسم الجد ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ةأخرجه البخاري أيضا في الصلاة عن قتيبة عن أبي معاوية وعن مسدد عن عبد الله بن داود وأخرجه مسلم فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن يحيى بن يحيى وعن منجاب ابن الحارث وعن إسحاق بن إبراهيم وأخرجه النسائي فيه عن أبي كريب عن أبي معاوية وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة وعن علي بن محمد
ذكر اختلاف الروايات في هذه القصة عند مسلم في لفظ أول ما اشتكى في بيت ميمونة رضي الله تعالى عنها واستأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له قالت فخرج ويده على الفضل بن عباس رضي الله تعالى عنهما والأخرى على رجل آخر وهو يخط برجليه في الأرض قالت فلما اشتد به وجعه قال أهريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد إلى الناس فأجلسناه في مخضب لحفصة ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب حتى طفق يشير إلينا أن قد فعلتن ثم خرج إلى الناس فصلى بهم وخطبهم قالت عائشة إن أبا بكر إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر فليصل بالناس ففعلت حفصة فقال مه إنكن لأنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل بالناس فقالت لعائشة ما كنت لأصيب منك خيرا وفي ( فضائل الصحابة ) لأسد بن موسى حدثنا أبو معاوية عن عبد الرحمن بن أبي بكر عن ابن أبي مليكة عن عائشة في حديث طويل في مرض النبي صلى الله عليه وسلم ورأى رسول الله من نفسه خفة فانطلق يهادي بين رجلين فذهب أبو بكر يستأخر فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بيده مكانك فاستفتح النبي صلى الله عليه وسلم من حيث انتهى أبو بكر من القراءة وفي حديثه عن المبارك بن فضالة عن الحسن مرسلا فلما دخل المسجد ذهب أبو بكر يجلس فأومأ إليه أن كما كنت فصلى النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر ليريهم أنه صاحب صلاتهم من بعده وتوفي رسول الله من يومه ذلك يوم الاثنين وعند ابن حبان فأجلسناه في مخضب لحفصة من نحاس ثم خرج فحمد الله تعالى وأثنى عليه واستغفر للشهداء الذين قتلوا يوم أحد وعنها رجع من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول وا رأساه فقال بل أنا يا عائشة وارأساه ثم قال وما ضرك لو مت قبلي فغسلتك وكفنتك وصليت عليك ثم دفنتك فقلت لكأني بك لو فعلت ذلك رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك فتبسم رسول الله ثم بدا في وجعه الذي مات فيه وعنها أغمي عليه ورأسه في حجري فجعلت أمسحه وأدعو له بالشفاء فلما أفاق قال لا بل اسأل الله الرفيق الأعلى مع جبريل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام وفي لفظ سمعته وأنا مسندته إلى صدري يقول اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى وفي لفظ إن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله في الصف خلفه ولفظه عند الترمذي صلى خلف أبي بكر في مرضه الذي مات فيه قاعدا وقال حسن صحيح غريب وعنده من حديث أنس صلى في مرضه خلف أبي بكر قاعدا في ثوب متوشحا به وقال حسن صحيح زاد النسائي وهي آخر صلاة صلاها مع القوم قال ابن حبان خالف شعبة زائدة بن قدامة في متن هذا الخبر عن موسى فجعل شعبة النبي صلى الله عليه وسلم مأموما حيث صلى قاعدا والقوم قيام وجعله زائدة إماما حيث صلى قاعدا والقوم قيام وهما متقنان حافظان وليس بين حديثيهما تضاد ولا تهاتر ولا ناسخ ولا منسوخ بل مجمل مفسر وإذا ضم بعضها إلى بعض بطل التضاد بينهما واستعمل كل خبر في موضعه بيان ذلك أنه صلى في علته صلاتين في المسجد جماعة لا صلاة واحدة في إحداهما كان إماما وفي الأخرى كان مأموما والدليل على أن ذلك في خبر عبد الله بن جريج بين رجلين أحدهما العباس والآخر علي رضي الله تعالى عنه وفي خبر مسروق خرج بين بريرة ونوبة فهذا يدلك على أنها كانت صلاتين لا صلاة واحدة وكذلك التوفيق بين كلام نعيم بن أبي هند وبين كلام عاصم بن أبي النجود في متن خبر أبي وائل فإن فيه وجيء بنبي لله فوضع بحذاء أبي بكر في الصف قال أبو حاتم في هذه الصلاة كان النبي صلى الله عليه وسلم مأموما وصلى قاعدا خلف أبي بكر فإن عاصما جعل أبا بكر مأموما وجعل نعيم أبا بكر إماما وهما ثقتان حافظان متقنان وذكر أبو حاتم أنه خرج بين الجاريتين إلى الباب ومن الباب أخذه العباس وعلي رضي الله تعالى عنهما حتى دخلا به المسجد وذكر الدارقطني في ( سننه ) خرج رسول الله يهادي بين الرجلين أسامة والفضل حتى صلى خلف أبي بكر فيما ذكره السهيلي وزعم بعض الناس أن طريق الجمع أنهم كانوا يتناوبون الأخذ بيده وكان العباس ألزمهم بيده وأولئك يتناوبونها فذكرت عائشة أكثرهم ملازمة ليده وهو العباس وعبرت عن أحد المتناوبين برجل آخر فإن قلت ليس بين المسجد وبيته مسافة تقتضي التناوب قلت يحتمل أن يكون ذلك لزيادة في إكرامه أو لالتماس البركة من يده وفي حديث حماد بن سلمة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله تعالى عنها إن رسول الله كان وجعا فأمر أبا بكر يصلي بالناس فوجد رسول الله خفة فجاء فقعد إلى جنب أبي بكر فأم رسول الله أبا بكر وهو قاعد وأم أبو بكر الناس وهو قائم وفي حديث قيس عن عبد الله ابن أبي السفر عن الأرقم بن شرحبيل عن ابن عباس عن العباس بن عبد المطلب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه مروا أبا بكر فليصل بالناس ووجد النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه خفة فخرج يهادي بين رجلين فتأخر أبو بكر فجلس إلى جنب أبي بكر فقرأ من المكان الذي انتهى إليه أبو بكر من السورة وفي حديث ابن خزيمة أخرجه عن سالم بن عبيد قال مرض رسول الله فأغمي عليه ثم أفاق فقال أحضرت الصلاة قلن نعم قال مروا بلالا فليؤذن ومروا أبا بكر فليصل بالناس ثم أغمي عليه فذكر الحديث وفيه أقيمت الصلاة قلن نعم قال جيئوني بإنسان فأعتمد عليه فجاؤا ببريرة ورجل آخر فاعتمد عليهما ثم خرج إلى الصلاة فأجلس إلى جنب أبي بكر فذهب أبو بكر يتنحى فأمسكه حتى فرغ من الصلاة وفي كتاب عبد الرزاق أخبرني ابن جريج أخبرني عطاء قال اشتكى رسول الله فأمر أبا بكر يصلي بالناس فصلى النبي صلى الله عليه وسلم للناس يوما قاعدا وجعل أبا بكر وراءه بينه وبين الناس قال فصلى الناس وراءه قياما وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا وعند أبي داود من حديث عبد الله بن زمعة لما قال مروا أبا بكر يصلي بالناس خرج عبد الله ابن زمعة فإذا عمر في الناس وكان أبو بكر غائبا فقال قم يا عمر فصل بالناس فتقدم فلما سمع رسول الله صوته قال أين أبو بكر يأبى الله ذلك والمسلمون فبعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلي عمر تلك الصلاة فصلى أبو بكر بالناس ذكر معناه قوله والتعظيم لها بالنصب عطفا على المواظبة قوله مرضه الذي مات فيه قد بين الزهري في روايته كما في الحديث الثاني من هذا الباب أن ذلك كان بعد أن اشتد به المرض واستقر في بيت عائشة قوله فأذن على صيغة المجهول من التأذين وفي رواية الأصيلي وأذن بالواو وقال بعضهم وهو أوجه قلت لم يبين ما وجه الأوجهية بل الفاء أوجه على ما لا يخفى قوله وإذن أي بالصلاة كما في رواية أخرى جاء كذلك وفي أخرى وجاء بلال يؤذنه بالصلاة وفي أخرى إن هذه الصلاة صلاة الظهر وفي مسلم خرج لصلاة العصر قوله مروا أصله أؤمروا لأنه من أمر فحذفت الهمزة للاستثقال واستغني عن الألف فحذفت فبقي مروا على وزن علو لأن المحذوف فاء الفعل وقال الكرماني وهذا أمر من رسول الله لأبي بكر ولفظ مروا يدل على أنهم الأمرون لا رسول الله ثم أجاب بقوله الأصح عند الأصولي أن المأمور بالأمر بالشيء ليس أمرا به سيما وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ههنا بلفظ الأمر حيث قال فليصل انتهى هذه مسألة معروفة في الأصول وفيها خلاف قال بعضهم إن الأمر بالأمر بالشيء يكون أمرا به ومنهم من منع ذلك وقالوا معناه بلغوا فلانا أني أمرته قوله فليصل بالناس الفاء فيه للعطف تقديره فقولوا له قولي فليصل قوله فقيل له قائل ذلك عائشة كما جاء في بعض الروايات قوله أسيف على وزن فعيل بمعنى فاعل من الأسف وهو شدة الحزن والمراد أنه رقيق القلب سريع البكاء ولا يستطيع لغلبة البكاء وشدة الحزن والأسف عند العرب شدة الحزن والندم يقال منه أسف فلان على كذا يأسف إذا اشتد حزنه وهو رجل أسيف وأسوف ومنه قول يعقوب عليه الصلاة والسلام يا أسفي على يوسف ( يوسف 84 ) يعني واحزناه واجزعاه تأسفا وتوجعا لفقده وقيل الأسيف الضعيف من الرجال في بطشه وأما الأسف فهو الغضبان المتلهف قال تعالى فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا ( الأعراف 150 ) وسيأتي بعد ستة أبواب من حديث ابن عمر في هذه القصة فقالت له عائشة إنه رجل رقيق القلب إذا قرأ غلبه البكاء ومن رواية مالك عن هشام عن أبيه عنها بلفظ قالت عائشة قلت إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر رضي الله تعالى عنه كما ذكرناه عن قريب قوله وأعاد أي رسول الله مقالته في أبي بكر بالصلاة قوله فأعادوا له أي من كان في البيت يعني الحاضرون له مقالتهم في كون أبي بكر أسيفا فإن قلت الخطاب لعائشة كما ترى فما وجه الجمع قلت جمع لأنهم كانوا في مقام الموافقين لها على ذلك ووقع في حديث أبي موسى بالإفراد ولفظه فعادت وفي رواية ابن عمر فعاودته قوله فأعاد الثالثة أي فأعاد المرة الثالثة في مقالته تلك وفي رواية أخرى فراجعته مرتين أو ثلاثا وفي اجتهاد عائشة في أن لا يتقدم والدها وجهان أحدهما ما هو مذكور في بعض طرقه قالت وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس من بعده رجلا قام مقامه أبدا وكنت أرى أنه لن يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به فأردت أن يعدل ذلك رسول الله عن أبي بكر الوجه الثاني أنها علمت أن الناس علموا أن أباها يصلح للخلافة فإذا رأوه استشعروا بموت رسول الله بخلاف غيره
قوله إنكن صواحب يوسف أي مثل صواحبه في التظاهر على ما يردن من كثرة الإلحاح فيما يمكن إليه وذلك لأن عائشة وحفصة بالغتا في المعاودة إليه في كونه أسيفا لا يستطيع ذلك والصواحب جمع صاحبة على خلاف القياس وهو شاذ وقيل يراد بها امرأة العزيز وحدها وإنما جمعها كما يقال فلان يميل إلى النساء وإن كان مال إلى واحدة وعن هذا قيل إن المراد بهذا الخطاب عائشة وحدها كما أن المراد زليخا وحدها في قصة يوسف قوله فليصل بالناس وفي رواية الكشميهني للناس قوله فخرج أبو بكر يصلي فإن قلت كيف تتصور الصلاة وقت الخروج قلت لفط يصلي وقع حالا من الأحوال المنتظرة وفي رواية فصلى بفاء العطف وهي رواية المستملي والسرخسي ورواية غيرهما يصلي بالياء آخر الحروف وظاهره أنه شرع في الصلاة ويحتمل أنه تهيأ لها ويؤيده رواية الأكثرين لأنه حال ففي حالة الخروج كان متهيأ للصلاة ولم يكن مصليا فإن قلت في رواية أبي معاوية عن الأعمش فلما دخل في الصلاة قلت يحتمل أن يكون المعنى فلما أراد الدخول في الصلاة أو فلما دخل في مكان الصلاة وفي رواية موسى بن أبي عائشة فأتاه الرسول صلى الله عليه وسلم أي بلال لأنه هو الذي أعلم بحضور الصلاة وفي رواية فقال له إن رسول الله يأمرك أن تصلي بالناس فقال أبو بكر وكان رجلا رقيقا يا عمر صل بالناس فقال له عمر أنت أحق بذلك وقول أبي بكر هذا لم يرد به ما أرادت عائشة قال النووي تأوله بعضهم على أنه قاله تواضعا وليس كذلك بل قاله للعذر المذكور وهو أنه رقيق القلب كثير البكاء فخشي أن لا يسمع الناس وقيل يحتمل أن يكون رضي الله تعالى عنه فهم من الإمامة الصغرى الإمامة الكبرى وعلم ما في تحملها من الخطر وعلم قوة عمر رضي الله تعالى عنه على ذلك فاختاره ويؤيده أنه عند البيعة أشار عليهم أن يبايعوه أو يبايعوا أبا عبيدة بن الجراح قوله فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة ظاهره أنه وجدها في تلك الصلاة بعينها ويحتمل أن يكون ذلك بعدها وفي رواية موسى بن أبي عائشة فصلى أبو بكر تلك الأيام ثم إن رسول الله وجد من نفسه خفة فعلى هذا لا يتعين أن تكون الصلاة المذكورة هي العشاء قوله يهادي بين رجلين بلفظ المجهول من المفاعلة يقال جاء فلان يهادي بين اثنين إذا كان يمشي بينهما معتمدا عليهما من ضعفه متمايلا إليهما في مشيه من شدة الضعف والرجلان هما العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما على ما يأتي في الحديث الثاني من حديثي الباب وقد مر في بيان اختلاف الروايات فخرج بين بريرة ونوبة بضم النون وفتح الباء الموحدة وكان عبدا أسود ويدل عليه حديث سالم بن عبيد في صحيح ابن خزيمة بلفظ فخرج بين بريرة ورجل آخر وقال بعضهم وذكره بعضهم في النساء الصحابيات وهو وهم قلت أراد بالبعض الذهبي فإنه ذكر نوبة في باب النون في الصحابيات وقال خرج رسول الله في مرضه بين بريرة ونوبة وإسناده جيد وقد علمت أن الذهبي من جهابذة المتأخرين لا يجاري في فنه قوله يخطان الأرض أي لم يكن يقدر على رفعهما من الأرض قوله أن مكانك كلمة أن بفتح الهمزة وسكون النون ومكانك منصوب على معنى إلزم مكانك وفي رواية عاصم أن اثبت مكانك وفي رواية موسى بن أبي عائشة فأومأ إليه بأن لا يتأخر قوله ثم أتي به بضم الهمزة أي أتي برسول الله حتى جلس إلى جنبه وبين ذلك في رواية الأعمش حتى جلس عن يسار أبي بكر على ما سيأتي في باب مكان الجلوس وقال القرطبي في ( شرح مسلم ) لم يقع في الصحيح بيان جلوسه هل كان عن يمين أبي بكر أو عن يساره قلت هذا غفلة منه وقد بين ذلك في ( الصحيح ) كما ذكرناه الآن قوله فقيل للأعمش هو سليمان ويروى قيل بدون الفاء وظاهر هذا أنه منقطع لأن الأعمش لم يسنده لكن في رواية أبي معاوية عنه ذكر ذلك متصلا بالحديث وكذا في رواية موسى بن أبي عائشة ذكر ما يستفاد من هذه القصة وهو على وجوه الأول فيه الإشارة إلى تعظيم الصلاة بالجماعة الثاني فيه تقديم أبي بكر وترجيحه على جميع الصحابة الثالث فيه فضيلة عمر بن الخطاب بعده الرابع فيه جواز الثناء في الوجه لمن أمن عليه الإعجاب الخامس فيه ملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه وخصوصا لعائشة السادس في هذه القصة وجوب القسم على النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال فيها فأذن له أي فأذنت له نساؤه بالتمريض في بيت عائشة على ما سيأتي السابع فيه جواز مراجعة الصغير للكبير الثامن فيه المشاورة في الأمر العام التاسع فيه الأدب مع الكبير حيث أراد أبو بكر التأخر عن الصف العاشر البكاء في الصلاة لا يبطلها وإن كثر وذلك لأنه علم حال أبي بكر في رقة القلب وكثرة البكاء ولم يعدل عنه ولا نهاه عن البكاء وأما في هذا الزمان فقد قال أصحابنا إذا بكى في الصلاة فارتفع بكاؤه فإن كان من ذكر الجنة أو النار لم يقطع صلاته وإن كان من وجع في بدنه أو مصيبة في ماله أو أهله قطعها وبه قال مالك وأحمد وقال الشافعي البكاء والأنين والتأوه يبطل الصلاة إذا كانت حرفين سواء بكى للدنيا أو للآخرة الحادي عشر أن الإيماء يقوم مقام النطق لكن يحتمل أن اقتصار النبي صلى الله عليه وسلم على الإشارة أن يكون لضعف صوته ويحتمل أن يكون للإعلام بأن مخاطبة من يكون في الصلاة بالإيماء أولى من النطق الثاني عشر فيه تأكيد أمر الجماعة والأخذ فيها بالأشد وإن كان المرض يرخص في تركها ويحتمل أن يكون فعل ذلك لبيان جواز الأخذ بالأمثل وإن كانت الرخصة أولى الثالث عشر استدل به الشعبي على جواز ائتمام بعض المأمومين ببعض وهو مختار الطبري أيضا وأشار إليه البخاري كما يأتي إن شاء الله تعالى ورد بأن أبا بكر رضي الله تعالى عنه كان مبلغا وعلى هذا فمعنى الاقتداء اقتداؤه بصوته والدليل عليه أنه كان جالسا وأبو بكر كان قائما فكانت بعض أفعاله تخفى على بعض المأمومين فلأجل ذلك كان أبو بكر كالإمام في حقهم الرابع عشر استدل به البعض على جواز استخلاف الإمام لغير ضرورة لصنيع أبي بكر رضي الله تعالى عنه الخامس عشر استدل به البعض على جواز مخالفة موقف الإمام للضرورة كمن قصد أن يبلغ عنه ويلتحق به من زحم عن الصف السادس عشر فيه إتباع صوت المكبر وصحة صلاة المستمع والسامع ومنهم من شرط في صحته تقدم إذن الإمام السابع عشر استدل به الطبري على أن للإمام أن يقطع الاقتداء به ويقتدي هو بغيره من غير أن يقطع الصلاة الثامن عشر فيه جواز إنشاء القدوة في أثناء الصلاة التاسع عشر استدل به البعض على جواز تقدم إحرام المأموم على الإمام بناء على أن أبا بكر كان دخل في الصلاة ثم قطع القدوة وائتم برسول الله والدليل عليه ما رواه أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس فابتدأ النبي صلى الله عليه وسلم القراءة من حيث انتهى أبو بكر كما قدمناه العشرون استدل به على صحة صلاة القادر على القيام قائما خلف القاعد خلافا للمالكية وأحمد حيث أوجب القعود على من يصلي خلف القاعد قلت يصلي القائم خلف القاعد عند أبي حنيفة وأبي يوسف وبه قال الشافعي ومالك في رواية وقال أحمد والأوزاعي يصلون خلفه قعودا وبه قال حماد بن زيد وإسحاق وابن المنذر وهو المروي عن أربعة من الصحابة وهم جابر بن عبد الله وأبو هريرة وأسيد ابن حضير وقيس بن فهد حتى لو صلوا قياما لا يجزيهم وعند محمد بن الحسن لا تجوز صلاة القائم خلف القاعد وبه قال مالك في رواية ابن القاسم عنه وزفر الحادي والعشرون استدل له ابن المسيب على أن مقام المأموم يكون عن يسار الإمام لأنه جلس على يسار أبي بكر والجماعة على خلافه ويتمشى قوله على أن الإمام هو أبو بكر وأما من قال الإمام هو النبي صلى الله عليه وسلم فلا يتمشى قوله قلت اختلفت الروايات هل كان النبي صلى الله عليه وسلم الإمام أو أبو بكر الصديق فجماعة قالوا الذي رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان الإمام إذا جلس عن يسار أبي بكر ولقوله فكان رسول الله يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائما يقتدي به وكان أبو بكر مبلغا لأنه لا يجوز أن يكون للناس إمامان وجماعة قالوا كان أبو بكر هو الإمام لما رواه شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر وفي رواية مسروق عنها أنه صلى خلف أبي بكر جالسا في مرضه الذي توفي فيه وروي حديث عائشة بطرق كثيرة في الصحيحين وغيرهما وفيه اضطراب غير قادح وقال البيهقي لا تعارض في أحاديثها فإن الصلاة التي كان فيها النبي صلى الله عليه وسلم إماما هي صلاة الظهر يوم السبت أو يوم الأحد والتي كان فيها مأموما هي صلاة الصبح من يوم الإثنين وهي آخر صلاة صلاها حتى خرج من الدنيا وقال نعيم بن أبي هند الأخبار التي وردت في هذه القصة كلها صحيحة وليس فيها تعارض فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مرضه الذي مات فيه صلاتين في المسجد في إحداهما كان إماما وفي الأخرى كان مأموما وقال الضياء المقدسي وابن ناصر صح وثبت أنه صلى خلفه مقتديا به في مرضه الذي توفي فيه ثلاث مرات ولا ينكر ذلك إلا جاهل لا علم له بالرواية وقيل إن ذلك كان مرتين جمعا بين الأحاديث وبه جزم ابن حبان وقال ابن عبد البر الآثار الصحاح على أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الإمام الثاني والعشرون فيه تقديم الأفقه الأقرأ وقد جمع الصديق رضي الله تعالى عنه بين الفقه والقرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكره أبو بكر بن الطيب وأبو عمرو الدواني الثالث والعشرون فيه جواز تشبيه أحد بأحد في وصف مشهور بين الناس الرابع والعشرون فيه أن للمستخلف أن يستخلف في الصلاة ولا يتوقف على أذن خاص له بذلك
رواه أبو داود عن شعبة عن الأعمش بعضه
أي روي الحديث المذكور أبو داود وسليمان الطيالسي قوله بعضه بالنصب بدل من الضمير الذي في رواه وروايته هذه وصلها البزار قال حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى حدثنا أبو داود به ولفظه كان رسول الله المقدم بين يدي أبي بكر هكذا رواه مختصرا يعني يوم صلى بالناس وأبو بكر إلى جنبه
وزاد أبو معاوية جلس عن يسار أبي بكر فكان أبو بكر يصلي قائما
يعني زاد أبو معاوية محمد بن حازم الضرير في روايته عن الأعمش بإسناده وهذه الزيادة أسندها البخاري في باب الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم عن قتيبة عنه على ما يأتي إن شاء الله تعالى ورواه ابن حبان عن الحسن بن شعبان عن ابن نمير عنه بلفظ فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس قاعدا وأبو بكر قائما
شرح ابن بطال - (ج 3 / ص 375)
اختلف العلماء فى من أولى بالإمامة، فقالت طائفة: يؤم القوم أعلمهم وأفضلهم، قال عطاء: يؤم القوم أفقههم، فإن كانوا فى الفقه سواء فأقرؤهم، فإن كانوا فى الفقه والقراءة سواء فَأَسَنُّهم.
قال مالك، والأزواعى، والشافعى: يؤم القوم أفقههم، وهو قول أبى ثور.
وقال الليث: يؤمهم أفضلهم وخيرهم.
وقالت طائفة: القارئ أولى من الفقيه، هذا قول الثورى، وأبى حنيفة، وأحمد، وإسحاق.
واحتجوا بما رواه الأعمش، وشعبة، عن إسماعيل بن رجاء، عن أوس بن ضمعج، عن أبى مسعود البدرى، قال: قال رسول الله: « يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا فى القراءة سواء فأعلمهم بالسُّنَّة، فإن كانوا فى السُّنَّةِ سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا فى الهجرة سواء، فأقدمهم إسلامًا » ، وزاد فيه شعبة: « ولا يؤم الرجل فى أهله، ولا فى سلطانه، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه » ، والتكرمة: فراشه، قاله إسماعيل بن رجاء، وبما رواه ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان سالم مولى أبى حذيفة يؤم المهاجرين والأنصار فى مسجد قباء حين أقبلوا من مكة؛ لأنه كان أكثرهم قرآنًا، فيهم أبو سلمة بن عبد الأسود، وعمر بن الخطاب.
قالوا: وحديث أبى مسعود معارض لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « مروا أبا بكر يُصلى بالناس » ؛ لأنه كان فيهم من كان أقرأ منه للقرآن.
قيل: لا تعارض بينهما بحمد الله، ويحتمل أن يكون النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: « يؤم القوم أقرؤهم » فى أول الإسلام حين كان حفاظ القرآن قليلاً وقت قدم عمرو بن سلمة، وهو صبى، للصلاة فى مسجد عشيرته وفيه الشيوخ، وكان تنكشف عورته عند السجود، فدل أن إمامته بهم فى مثل هذه الحال كانت لعدم من يقرأ من قومه، ولهذا المعنى كان يؤم سالم المهاجرين والأنصار فى مسجد قباء، حين أقبلوا من مكة مهاجرين، لعدم الحُفَّاظ حينئذ.
فأما وقت قوله - صلى الله عليه وسلم - : « مروا أبا بكر يصلى بالناس » فقد كان تقرر الإسلام وكثر حفاظ القرآن وتفقهوا فيه، فلم يكن الصديق، رضى الله عنه، على جلالته وثاقب فهمه، وتقدمه فى كل خير، يتأخر عن مساواة القُرَّاء، بل فضلهم بعلمه، وتقدمهم فى أمره، ألا ترى قول أبى سعيد: وكان أبو بكر أعلمنا.
وقال الطبرى: لما استخلف النبى - صلى الله عليه وسلم - الصديق، رضى الله عنه، على الصلاة بعد إعلامه لأمته أن أحقهم بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله صح أنه يَوْمَ قَدَّمَهُ للصلاة كان اقرأ أمته لكتاب الله وأعلمهم وأفضلهم؛ لأنهم كانوا لا يتعلمون شيئًا من القرآن حتى يتعلموا معانيه وما يراد به، كما قال ابن مسعود: كان الرجل منَّا إذا تعلم عشر آياتٍ لم يجاوزهن حتى يتعلم معانيهن والعمل بهن.
ولما كان النبى - صلى الله عليه وسلم - لا يستحق أن يتقدمه أحد فى الصلاة وجعل ما كان إليه منها بمحضر جميع الصحابة لأبى بكر، رضى الله عنه، كان جميع أمور الإسلام تبعًا للصلاة، ولهذا قدمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للصلاة، والصلاة لا يقوم بها إلا الدعاة ومن إليه السياسة وعقد الخلافة؛ كصلاة الجمع والأعياد التى لا يصلح القيام بها إلا لمن إليه القيام بأمر الأمة وسياسة الرعيّة.
وصح أنه أفضل الأُمة بعدهُ لقيام الحجة بأن أولى البرية بعقد الخلافة أفضلهم وأقومهم بالحق وأعدلهم وأوفرهم أمانة وأحسنهم على محجة الحق استقامة، وكذلك كان الصديق، رضى الله عنه.
قال المهلب: إن قال قائل: إن عمر أعلم من أبى بكر، واستدل بحديث الذَّنُوب والذَّنُوبيْن، و « فى نزعه ضعف » ، قيل: إنه ليس كما ظننت، إنما الضعف فى المدة التى وليها أبو بكر، لا فيه ولا فى علمه، إنما كان الضعف فى نشر السنن لقرب مدته وضعفها عن أن يتمكن بتثبيت؛ لأنه ابتلى بارتداد الناس ومقاتلة العرب.
وأما مراجعة عائشة، وحرصها أن يستخلف غير أبى بكر، فإنما خَشِيَتْ أن يتشاءم الناس بإمامة أبى بكر فيقولون: مُذْ أمنَّا هذا فقدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقد روى هذا عنها، رضى الله عنها.(1/196)
بَرَكَةُ الْمَرْأَةِ
373-8029 أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ : أَخْبَرَنَا حَمَّادٌ ، عَنِ ابْنِ سَخْبَرَةَ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَعْظَمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً " (1)
__________
(1) - مسند أحمد برقم( 25861) ومصنف ابن أبي شيبة برقم(16380) والمستدرك للحاكم برقم(2732) وصححه ووافقه الذهبي وسنن البيهقى برقم(14745) ومسند الشهاب برقم( 117) وهو حديث حسن
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 310)
بَابُ الصَّدَاقِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ السُّنَّةُ : تَخْفِيفُ الصَّدَاقِ وَأَلَّا يَزِيدَ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَنَاتِهِ : فَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ أَعْظَمَ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً } وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : خَيْرُهُنَّ أَيَسَرُهُنَّ صَدَاقًا } وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَلْزِمُوا النِّسَاءَ الرِّجَالَ وَلَا تُغَالُوا فِي الْمُهُورِ } . وَخَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّاسَ فَقَالَ : أَلَا لَا تُغَالُوا فِي مُهُورِ النِّسَاءِ ؛ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرَمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ : كَانَ أَوْلَاكُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَصْدَقَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلَا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً . قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ صَحِيحٌ . وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصْدِقَ الْمَرْأَةَ صَدَاقًا يَضُرُّ بِهِ إنْ نَقَدَهُ وَيَعْجِزُ عَنْ وَفَائِهِ إنْ كَانَ دَيْنًا . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : { جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنِّي تَزَوَّجْت امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ . فَقَالَ : عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتهَا ؟ قَالَ : عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ فَكَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الْجَبَلِ مَا عِنْدَنَا مَا نُعْطِيك ؛ وَلَكِنْ عَسَى أَنْ نَبْعَثَك فِي بَعْثٍ تُصِيبُ مِنْهُ قَالَ : فَبَعَثَ بَعْثًا إلَى بَنِي عَبْسٍ فَبَعَثَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فِيهِمْ } . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ . " وَالْأُوقِيَّةُ " عِنْدَهُمْ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَهِيَ مَجْمُوعُ الصَّدَاقِ لَيْسَ فِيهِ مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ . وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو الأسلمي : { أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِينُهُ فِي صَدَاقِهَا فَقَالَ : كَمْ أَصْدَقْت ؟ قَالَ : فَقُلْت ؛ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ . فَقَالَ : لَوْ كُنْتُمْ تَغْرِفُونَ الدَّرَاهِمَ مِنْ أَوْدِيَتِكُمْ مَا زِدْتُمْ } رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَد فِي مُسْنَدِهِ . وَإِذَا أَصْدَقَهَا دَيْنًا كَثِيرًا فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ يَنْوِي أَلَّا يُعْطِيَهَا إيَّاهُ كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِصَدَاقِ يَنْوِي أَلَّا يُؤَدِّيَهُ إلَيْهَا فَهُوَ زَانٍ وَمَنْ ادَّانَ دَيْنًا يَنْوِي أَلَّا يَقْضِيَهُ فَهُوَ سَارِقٌ } . وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ أَهْلِ الْجَفَاءِ وَالْخُيَلَاءِ وَالرِّيَاءِ مِنْ تَكْثِيرِ الْمَهْرِ لِلرِّيَاءِ وَالْفَخْرِ وَهُمْ لَا يَقْصِدُونَ أَخْذَهُ مِنْ الزَّوْجِ وَهُوَ يَنْوِي أَلَّا يُعْطِيَهُمْ إيَّاهُ : فَهَذَا مُنْكَرٌ قَبِيحٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ خَارِجٌ عَنْ الشَّرِيعَةِ . وَإِنْ قَصَدَ الزَّوْجُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ وَهُوَ فِي الْغَالِبِ لَا يُطِيقُهُ فَقَدْ حَمَّلَ نَفْسَهُ وَشَغَلَ ذِمَّتَهُ وَتَعَرَّضَ لِنَقْصِ حَسَنَاتِهِ وَارْتِهَانِهِ بِالدَّيْنِ ؛ وَأَهْلُ الْمَرْأَةِ قَدْ آذَوْا صِهْرَهُمْ وَضَرُّوهُ . وَالْمُسْتَحَبُّ فِي " الصَّدَاقِ " مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْيَسَارِ : أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ لَا يَزِيدُ عَلَى مَهْرِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بَنَاتِهِ وَكَانَ مَا بَيْنَ أَرْبَعِمِائَةٍ إلَى خَمْسِمِائَةٍ . بِالدَّرَاهِمِ الْخَالِصَةِ نَحْوًا مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا . فَهَذِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَنَّ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَاقِ { قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ : صَدَاقُنَا إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرُ أَوَاقٍ وَطَبَّقَ بِيَدَيْهِ . وَذَلِكَ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ } رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَد فِي مُسْنَدِهِ وَهَذَا لَفْظُ أَبِي داود فِي سُنَنِهِ . { وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ : قُلْت لِعَائِشَةَ : كَمْ كَانَ صَدَاقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَتْ : كَانَ صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا . قَالَتْ أَتَدْرِي مَا النَّشُّ ؟ قُلْت : لَا قَالَتْ : نِصْفُ أُوقِيَّةٍ : فَذَلِكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ } . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ عُمَرَ أَنَّ صَدَاقَ بَنَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ فَمَنْ دَعَتْهُ نَفْسُهُ إلَى أَنْ يَزِيدَ صَدَاقَ ابْنَتِهِ عَلَى صَدَاقِ بَنَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّوَاتِي هُنَّ خَيْرُ خَلْقِ اللَّهِ فِي كُلِّ فَضِيلَةٍ وَهُنَّ أَفْضَلُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ فِي كُلِّ صِفَةٍ : فَهُوَ جَاهِلٌ أَحْمَقُ . وَكَذَلِكَ صَدَاقُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ . وَهَذَا مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْيَسَارِ فَأَمَّا الْفَقِيرُ وَنَحْوُهُ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُصْدِقَ الْمَرْأَةَ إلَّا مَا يَقْدِرُ عَلَى وَفَائِهِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ . وَالْأَوْلَى تَعْجِيلُ الصَّدَاقِ كُلِّهِ لِلْمَرْأَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا أَمْكَنَ فَإِنْ قَدَّمَ الْبَعْضَ وَأَخَّرَ الْبَعْضَ : فَهُوَ جَائِزٌ . وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ الطَّيِّبُ يُرَخِّصُونَ الصَّدَاقَ . { فَتَزَوَّجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ } . قَالُوا : وَزْنُهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثٌ . وَزَوَّجَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ بِنْتَه عَلَى دِرْهَمَيْنِ وَهِيَ مِنْ أَفْضَلِ أَيِّمٍ مِنْ قُرَيْشٍ بَعْدَ أَنْ خَطَبَهَا الْخَلِيفَةُ لِابْنِهِ فَأَبَى أَنْ يُزَوِّجَهَا بِهِ . وَاَلَّذِي نُقِلَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِنْ تَكْثِيرِ صَدَاقِ النِّسَاءِ فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَالَ اتَّسَعَ عَلَيْهِمْ وَكَانُوا يُعَجِّلُونَ الصَّدَاقَ كُلَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ ؛ لَمْ يَكُونُوا يُؤَخِّرُونَ مِنْهُ شَيْئًا . وَمَنْ كَانَ لَهُ يَسَارٌ وَوَجَدَ فَأَحَبَّ أَنْ يُعْطِيَ امْرَأَتَهُ صَدَاقًا كَثِيرًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا } . أَمَّا مَنْ يَشْغَلُ ذِمَّتَهُ بِصَدَاقِ لَا يُرِيدُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ أَوْ يَعْجِزُ عَنْ وَفَائِهِ : فَهَذَا مَكْرُوهٌ . كَمَا تَقَدَّمَ وَكَذَلِكَ مَنْ جَعَلَ فِي ذِمَّتِهِ صَدَاقًا كَثِيرًا مِنْ غَيْرِ وَفَاءٍ لَهُ : فَهَذَا لَيْسَ بِمَسْنُونِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الفتاوى الكبرى - (ج 4 / ص 148)
529 - 529 - 131 - قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ : السُّنَّةُ : تَخْفِيفُ الصَّدَاقِ ، وَأَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَنَاتِهِ : فَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ أَعْظَمَ النِّسَاءِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُنَّ مَئُونَةً } " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { خَيْرُهُنَّ أَيْسَرُهُنَّ صَدَاقًا } " وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَلْزِمُوا النِّسَاءَ الرِّجَالَ ، وَلَا تُغَالُوا فِي الْمُهُورِ } " .
{ وَخَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّاسَ فَقَالَ : أَلَا لَا تُغَالُوا فِي مُهُورِ النِّسَاءِ ؛ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ : كَانَ أَوْلَاكُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ مَا أَصْدَقَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلَا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً } .قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ صَحِيحٌ .
وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَصْدُقَ الْمَرْأَةَ صَدَاقًا يَضُرُّ بِهِ إنْ نَقَدَهُ ، وَيَعْجِزُ عَنْ وَفَائِهِ إنْ كَانَ دَيْنًا .
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : { جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنِّي تَزَوَّجْت امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ .
فَقَالَ : عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتهَا ؟ قَالَ : عَلَى أَرْبَعِ أَوْرَاقٍ .
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلَى أَرْبَعِ أَوْرَاقٍ فَكَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عَرْضِ هَذَا الْجَبَلِ ، مَا عِنْدَنَا مَا نُعْطِيك ؛ وَلَكِنْ عَسَى أَنْ نَبْعَثَك فِي بَعْثٍ تُصِيبُ مِنْهُ قَالَ : فَبَعَثَ بَعْثًا إلَى بَنِي عَبْسٍ فَبَعَثَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فِيهِمْ } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ .
" وَالْأُوقِيَّةُ " عِنْدَهُمْ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا ، وَهِيَ مَجْمُوعُ الصَّدَاقِ ، لَيْسَ فِيهِ مُقَدَّمٌ وَمُؤَخَّرٌ .
وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ : أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ { تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعِينُهُ فِي صَدَاقِهَا ، فَقَالَ : كَمْ أَصَدَقْت ؟ قَالَ : فَقُلْت ؛ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ .
فَقَالَ : لَوْ كُنْتُمْ تَغْرِفُونَ الدَّرَاهِمَ مِنْ أَوْدِيَتِكُمْ مَا زِدْتُمْ } " رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ، وَإِذَا أَصْدَقَهَا دَيْنًا كَثِيرًا فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ لَا يُعْطِيَهَا إيَّاهُ كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ قَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : { مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِصَدَاقٍ يَنْوِي أَنْ لَا يُؤَدِّيَهُ إلَيْهَا فَهُوَ زَانٍ ، وَمَنْ ادَّانَ دَيْنًا يَنْوِي أَنْ لَا يَقْضِيَهُ فَهُوَ سَارِقٌ } " .
وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ أَهْلِ الْجَفَاءِ وَالْخُيَلَاءِ وَالرِّيَاءِ مِنْ تَكْثِيرِ الْمَهْرِ لِلرِّيَاءِ وَالْفَخْرِ ، وَهُمْ لَا يَقْصِدُونَ أَخْذَهُ مِنْ الزَّوْجِ ، وَهُوَ يَنْوِي أَنْ لَا يُعْطِيَهُمْ إيَّاهُ : فَهَذَا مُنْكَرٌ قَبِيحٌ ، مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ ، خَارِجٌ عَنْ الشَّرِيعَةِ .
وَإِنْ قَصَدَ الزَّوْجُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ وَهُوَ فِي الْغَالِبِ لَا يُطِيقُهُ فَقَدْ حَمَّلَ نَفْسَهُ ، وَشَغَلَ ذِمَّتَهُ ، وَتَعَرَّضَ لِنَقْصِ حَسَنَاتِهِ ، وَارْتِهَانِهِ بِالدَّيْنِ ؛ وَأَهْلُ الْمَرْأَةِ قَدْ آذَوْا صِهْرَهُمْ وَضَرُّوهُ .
وَالْمُسْتَحَبُّ فِي " الصَّدَاقِ " مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْيَسَارِ : أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ لَا يَزِيدُ عَلَى مَهْرِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بَنَاتِهِ ، وَكَانَ مَا بَيْنَ أَرْبَعِمِائَةٍ إلَى خَمْسِمِائَةٍ .
بِالدَّرَاهِمِ الْخَالِصَةِ ، نَحْوًا مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا .
فَهَذِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَنَّ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَاقِ ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { كَانَ : صَدَاقُنَا إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرُ أَوَاقٍ ، وَطَبَّقَ بِيَدَيْهِ .
وَذَلِكَ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ } .
رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ، وَهَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد فِي سُنَنِهِ .
وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ : { قُلْت لِعَائِشَةَ : كَمْ كَانَ صَدَاقُ رَسُولِ اللَّهِ ؟ قَالَتْ : كَانَ صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا .
قَالَتْ أَتَدْرِي مَا النَّشُّ ؟ قُلْت : لَا .
قَالَتْ : نِصْفُ أُوقِيَّةٍ : فَذَلِكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ عُمَرَ أَنَّ { صَدَاقَ بَنَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ } ، فَمَنْ دَعَتْهُ نَفْسُهُ إلَى أَنْ يَزِيدَ صَدَاقَ ابْنَتِهِ عَلَى صَدَاقِ بَنَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّوَاتِي هُنَّ خَيْرُ خَلْقِ اللَّهِ فِي كُلِّ فَضِيلَةٍ ، وَهُنَّ أَفْضَلُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ فِي كُلِّ صِفَةٍ : فَهُوَ جَاهِلٌ أَحْمَقُ .
وَكَذَلِكَ صَدَاقُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ .
وَهَذَا مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْيَسَارِ .
فَأَمَّا الْفَقْرُ وَنَحْوُهُ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَصْدُقَ الْمَرْأَةَ إلَّا مَا يَقْدِرُ عَلَى وَفَائِهِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ .
وَالْأَوْلَى تَعْجِيلُ الصَّدَاقِ كُلِّهِ لِلْمَرْأَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا أَمْكَنَ ، فَإِنْ قَدَّمَ الْبَعْضَ وَأَخَّرَ الْبَعْضَ : فَهُوَ جَائِزٌ .
وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ الطَّيِّبُ يُرَخِّصُونَ الصَّدَاقَ .
فَتَزَوَّجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ .
قَالُوا : وَزْنُهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَثُلُثٌ .
وَزَوَّجَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ بِنْتَه عَلَى دِرْهَمَيْنِ ، وَهِيَ مِنْ أَفْضَلِ أَيِّمٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، بَعْدَ أَنْ خَطَبَهَا الْخَلِيفَةُ لِابْنِهِ فَأَبَى أَنْ يُزَوِّجَهَا بِهِ .
وَاَلَّذِي نُقِلَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِنْ تَكْثِيرِ صَدَاقِ النِّسَاءِ فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَالَ اتَّسَعَ عَلَيْهِمْ ، وَكَانُوا يَجْعَلُونَ الصَّدَاقَ كُلَّهُ قَبْلَ الدُّخُولِ ، فَلَمْ يَكُونُوا يُؤَخِّرُونَ مِنْهُ شَيْئًا .
وَمَنْ كَانَ لَهُ يَسَارٌ وَوَجَدَ فَأَحَبَّ أَنْ يُعْطِيَ امْرَأَتَهُ صَدَاقًا كَثِيرًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَآتَيْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا } " .
أَمَّا مَنْ يَشْغَلُ ذِمَّتَهُ بِصَدَاقٍ لَا يُرِيدُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ ، أَوْ يَعْجِزَ عَنْ وَفَائِهِ : فَهَذَا مَكْرُوهٌ .
كَمَا تَقَدَّمَ وَكَذَلِكَ مَنْ جَعَلَ فِي ذِمَّتِهِ صَدَاقًا كَثِيرًا مِنْ غَيْرِ وَفَاءٍ لَهُ : فَهَذَا لَيْسَ بِمَسْنُونٍ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ - (ج 10 / ص 139)
تخفيض المهور وتحديدها ومجازاة من يزيد عليها أو يسرف في الولائم
من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب السمو الملكي
أمير منطقة الرياض سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
بناء على البحث الشفهي الذي جرى بيننا وبين الشيخ عبد الله ابن خميس حول موضوع المهور ، وأمر سموكم بإرفاق صورة مما صدر منا ... نرفق لسموكم صورة من الفتوى في هذا الشأن ، ونسأل الله أن يرفق سموكم إلى ما فيه الخير والصلاح ، والله يحفظكم . والسلام .
مفتي الديار السعودية
(ص-ف3388-1 في 20-10-1388هـ)
( صورة الفتوى )
الحمد لله نحمده ، ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمد عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد : فإن الله قد بعث محمداً صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه الكتاب والحكمة ، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى توفاه الله . ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى توفاه الله . وقد أكمل به الدين ، وأتم به النعمة ، ودرج على سبيله خلفاؤه الراشدون ومن تبعهم بإحسان ، وأمر عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله وأولي الأمر منهم وهم العلماء والأمراء ، كما أوجب سبحانه على أولي الأمر النصح لرعايتهم ، والاهتمام بشئون من ولاهم الله أمرهم وحملهم على ما يصلحهم ويضمن مصالحهم في شئون دينهم ودنياهم ، وأخذهم بحكم الله ورسوله ، فيلزمونهم بفعل ما أمر الله به وترك ما نهى عنه ، كما أوجب عليهم أن يردوا ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول -أي إلى كتاب الله ، وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم .
وإن من الأشياء التي تمادى الناس فيها حتى وصلوا إلى حد الإسراف والتباهي مسألة (التغالي في المهور) والإسراف في الألبسة والولائم ونحو ذلك ، وقد تضجر علماء الناس وعقلاؤهم من هذا لما سببه من المفاسد الكثيرة التي منها تأيم كثير من النساء بسبب عجز كثير من الرجال عن تكاليف الزواج ، ونجم عن ذلك مفاسد كثيرة متعددة . وبدافع الغيرة الدينية والسعي وراء الصالح العام رأى ولاة الأمور وقادة الناس من رجال الدولة وعلماء المسلمين وإحصان فروجهم تدعو إلى وضع حد لهذا الأمر الذي تباهى فيه الناس حتى خرجوا فيه عن الحد المألوف المرغب فيه من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مستوى لا يستطيع الكثير من الناس معه إعفاف فروجهم ، وبناء على ذلك جرت اجتماعات وكتابات من طلبة العلم وغيرهم للنظر في هذا الموضوع ولم يبق إلا إصدار فتوى يتمشى الناس على ضوئها ، ويحملهم ولاة الأمر على العمل بها ، فاستعنت بالله وبحثت الموضوع من جميع أطرافه وتحرر ما يلي :
أن تخفيف الصداق وعدم تكليف الزوج بما يشق عليه مأمور به شرعاً باتفاق العلماء سلفاً وخلفاً وهو السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر الإمام الموفق بن قدامه في (المغنى) استحباب عدم المغالاة في الصداق والأحاديث الواردة في ذلك ، منها ما روي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أعظم النساء بركة أيسرهن مئونة) رواه أبو حفص بإسناده ، ومنها ما رواه أبو العجفاء قال : قال عمر رضي الله عنه : ألا لا تغلو صداق النساء : فإنه لو كان مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشر أوقية ، وإن الرجل ليغلي بصدقه امرأته حتى يكون لها عداوة في قلبه ، حتى يقول كلفت لكم عرق القربة . أخرجه النسائي وأبو داود مختصراً ثم قال الموفق : ولا تستحب الزيادة على هذا -يعني صداق النبي صلى الله عليه وسلم- لأنه إذا كثر ربما تعذر عليه فيتعرض للضرر في الدنيا والآخرة .
وعقد الإمام ابن القيم في كتابه (زاد المعاد) فصلاً خاصاً بفضائه صلى الله عليه وسلم في الصداق قال فيه : ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : (كان صداق النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشأ فذلك خمسمائة) وقال عمر رضي الله عنه ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئاً من نسائه ولا أنكح شيئاً من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أوقية . قال الترمذي: حديث حسن صحيح . انتهى .
وفي سنن أبي داود من حديث جابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أعطي في صداق ملء كفه سويقاً أو تمراً فقد استحل) وفي الترمذي (أن امرأة من فزارة من تزوجت على نعلين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رضيت من نفسك ومالك بنعلين؟ قالت نعم . فأجازه) قال الترمذي : حديث صحيح . وفي الصحيحين (أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله قد وهبت نفسي لك، فقامت طويلاً ، فقال رجل : يا رسول الله قد وهبت نفسي لك ، فقامت طويلاً ، فقال رجل : يا رسول الله زوجتنيها إن لم تكن ، إن لم تكن لك بها حاجة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنك إن أعطيتها إزاري هذا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك إن أعطيتها إزارك جلست ولا إزار لك فالتمس شيئاً . قال : فالتمس ولو خاتماً من حديد . فالتمس ولم يجد شيئاً . قال : فالتمس ولو خاتماً من حديد . فالتمس ولم يجد شيئاً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل معك شيء من القرآن ؟ قال : نعم ، سورة كذا ، وسورة سماها ، فقال صلى الله عليه وسلم: زوجتكما بما معك من القرآن ، ثم قال ابن القيم : فتضمنت هذه الأحاديث أن الصداق لا يتقدر أقله ، وأن قبضة السويق وخاتم الحديد والنعلين يصح تسميتها مهراً. وتحل بها الزوجة . وتضمنت أن المغالاة في المهر مكروهة في النكاح وأنها من قلة بركته وعسره . إلى أن قال : ومن ادعى في هذه الأحاديث التي ذكرناها اختصاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنها منسوخة أو أن عمل أهل المدينة على خلافها فدعوى لا يقوم عليها دليل ، والأصل يردها . وقد زوج سيد أهل المدينة من التابعين سعيد بن المسيب ابنته على درهمين ولم ينكر عليه أحد ، بل عد ذلك من مناقبه وفضائله ، وقد تزوج عبد الرحمن ابن عوف على صداق خمسة دراهم وأقره النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ.
وقال النووي رحمه الله في (ِشرح مسلم) على حديث عائشة في صداق النبي صلى الله عليه وسلم : استدل بهذا الحديث على أنه يستحب كون الصداق خمسمائة درهم .انتهى. وخمسمائة الدرهم نصف مثقال وخمس مثقال ، فعشرة الدراهم سبعة مثاقيل ، وهي تساوي من الريالات مائة وأربعين ريالاً تقريباً .
وقال شيخ الإسلام بن تيمية كما في (الاختيارات) : كلام الإمام أحمد أن يكون الصداق أربعمائة درهم ، وهذا هو الصواب مع القدرة واليسار ، فيستحب بلوغه ولا يزاد عليه .اهـ.
إن الزوج إذا تكلف من الصداق ما لا يقدر عليه ولا يتناسب مع حاله استحق الإنكار عليه ، لأنه فعل شيئاً مكروهاً ولو كان ذلك الصداق دون صداق النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد روى مسلم في صحيحه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إني تزوجت امرأة من الأنصار ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل نظرت إليها فإن في عيون الأنصار شيئاً . قال : قد نظرت إليها . قال : على كم تزوجتها ؟ قال : على أربع أواق . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم على أربع أواق كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل ! ما عندنا ما نعطيك ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه . قال : فبعث بعثاً بعث ذلك الرجل فيهم . قال النووي في شرحه لهذا الحديث . معنى هذا الكلام كراهة إكثار المهر بالنسبة إلى حال الزوج . وقال أبو المحاسن الحنفي في (ألمعتصر) ، من المختصر من مشكل الآثار : الحق أن الإنكار على ما زاد على المقدار الذي يناسب حاله وحالها ، لأنه من الإسراف المذموم ، لا عن مطلق الزيادة فإنها مباحة . اهـ. وروى أحمد والطبراني في الكبير والأوسط والحاكم في المستدرك عن أبي حدرد الأسلمي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستعينه في مهر امرأة قال : كم أمهرتها ؟ قال : مائتي درهم . قال : لو كنتم تغرفون من بطحان ما زدتم . قال في ( مجمع الزوائد) : رجال أحمد رجال الصحيح . اهـ.
مما لا شك فيه أن الزواج أمر مشروع مرغوب فيه ، وفي غالب الحالات يصل إلى حد الوجوب ، وأغلب الناس لا يتمكن من الوصول إلى هذا الأمر المشروع الواجب أو المستحب مع وجود هذه المغالاة في المهور . ومن المعلوم أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . ومن هذا يؤخذ مشروعية إرشاد الناس وردعهم عن التمادي في هذا الأمر الذي يحول دون المرء ودون فعل ما أوجبه الله عليه ، لا سيما والأمر بتقليل المهر لا يتضمن مفسدة ، بل هو مصلحة محضة للزوج والزوجة ، بل هو أمر للشارع مرغب فيه كما تقدم .
أن امتناع ولي الأمر من تزويجها بالكفء إذا خطبها ورضيت به إذا لم يدفع ذلك الصداق الكثير الذي يفرضه من اجل أطماعه الشخصية أو لقصد الإسراف والمباهاة أمر لا يسوغ شرعاً بل هو من باب العضل المنهي عنه الذي يفسق به فاعله إذا تكرر ، وتنتقل بسببه الولاية إلى غيره ، وحالة عضل الأولياء كلهم لولي الأمر أن يتدخل ويتولى التزويج بنفسه .
أن كثرة المهور والمغالاة فيها عائق قوي للكثير من التزوج ولا يخفى ما ينجم عن ذلك من المفاسد الكثيرة وتفشي المنكرات بين الرجال والنساء ، والوسائل لها حكم الغايات والشريعة المطهرة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها ، ولو لم يكن في السعي في تقليل المهور إلا سد الذرائع المسببة فعل المحرمات لكفى .
ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه (أعلام الموقعين) فصلاً في تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد ، وذكر في هذا الفصل أن أساس الشريعة ومبناها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وأنها عدل كلها ، ومصالح كلها ، وحكمة كلها ، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل .
ولا يخفى ما سببته المغالاة في المهور من المفاسد ، فكم من حرة مصونة عضلها أولياؤها وظلموها فتركوها إيما بدون زوج ولا ذرية وكم من امرأة ألجأها ذلك إلى الاستجابة لداعي الهوى والشيطان فجرت العار والخزي على نفسها وعلى أهلها وعشيرتها مما ارتكبته من المعاصي التي تسبب غضب الرحمن ، وكم من شاب أعيته الأسباب فلم يقدر على هذه التكاليف التي ما أنزل الله بها من سلطان فاحتوشته الشياطين وجلساء السوء حتى أضلوه وأوردوه موارد العطب والخسران ، فخسره أهله ، وفسد اتجاهه ، وبل خسرته أمته ووطنه ، وخسر دنياه وآخرته .
أن كثرة الصداق وإن كان فيها شيء من المصلحة للمرأة وأوليائها فإنما يترتب على ذلك من المفاسد يربو على تلك المصلحة إن وجدت ، والقاعدة الشرعية أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح .
أن الواجب على ولاة الأمور الاهتمام بأمر رعيتهم ودفع الشعر عنهم ، ولا سيما في أمور الدين . وحيث عرفنا مما تقدم ما يترتب على المغالاة في المهور من الشرور فإن الواجب على ولاة الأمور التدخل في هذا الموضوع ووضع حد لهذا السرف والمباهاة اللذين سببا عضل النساء وظلمهن وغير ذلك مما تقدمت الإشارة إليه .
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (كتاب الحسبة) في بحث التسعير أنه إذا تضمن العدل بين الناس مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ زيادة على عوض المثل فهو جائز ، بل واجب . وحمل الناس على تخفيف المهور والحالة ما تقدم من هذا الباب لأن المقصود به العدل والخير للرعية .
أما قول الله تعالى : { وآتيتم إحداهن قنطاراً } فغاية ما يدل عليه جواز دفع القادر للقنطار لا تكليف العاجز عنه به ومنع الرجل موليته من النكاح بالكفء إلا إذا بذله ، بدليل إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على أبي حدرد الأسلمي إمهاره مائتين ، وعلى الرجل المتزوج امرأة من الأنصار بأربع أواق ، لكون ذلك لا يناسب حالهما ، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم هي المبينة لكتاب الله والمفسرة له . وهذا كالجواب لمن يرى أنه في الآية دلالة على جواز المغالاة في المهور ، وإلا فهناك قول آخر قوي ، وهي أنها لا تدل على جواز ذلك ، قال أبو حيان في (البحر المحيط) : قال قوم : لا تدل على ذلك -أي على إباحة المغالاة في الصداق- لأنه تمثيل على جهة المبالغة في الكثرة ، كأنه قيل وآتيتم هذا المقدار العظيم الذي لا يؤتى لأحد ، وهو شبيه بقوله صلى الله عليه وسلم (من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة) ومعلوم أن مسجداً لا يكون كمفحص قطاة ، وإنما هو تمثيل للمبالغة في الصغر ، وقد قال صلى الله عليه وسلم لن أمهر مائتين وجاء ليستعين في مهره وغضب صلى الله عليه وسلم : (كأنكم تقطعون الذهب والفضة من عرض الحسرة) .
ونقل أبو حيان عن الفخر الرازي أنه قال : لا دلالة فيها على المغالاة ، لأن قوله تعالى: { وآتيتم } لا تدل على جواز إيتاء القنطار ، ولا يلزم من جعل الشيء شرطاً لشيء آخر كون ذلك الشرط في نفسه جائز الوقوع ، كقوله صلى الله عليه وسلم : (من قتل له قتيل فأهله بخير النظرين) . وبهذا يتبين أن لا مبرر في الآية لتكليف العاجز ما لا يقدر عليه ، ولا لعضل النساء والتضحية بمستقبلهن وإهدار كرامتهن في سبيل الوصول إلى الأطماع والجشع والمباهاة .
أما القصة المروية عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي ما روى أبو يعلى من طريق محمد بن إسحاق ، حدثني محمد ابن عبد الرحمن ، عن مجالد ، عن الشعبي، عن مسروققال : ركب عمر بن الخطاب رضي الله عنه منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : أيها الناس ما إكثاركم في صداق النساء . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فيما دون ذلك ، ولو أن الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها ، فلا أعرف ما زاد الرجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم . قال ثم نزل . فاعترضته امرأة من قريش فقالت : يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء عن أربعمائة درهم . فقالت أما سمعت الله يقول : { وآتيتم إحداهن قنطاراً } الآية . قال : فقال : اللهم غفراً كل الناس أفقه من عمر ، ثم رجع فركب المنبر فقال : أيها الناس إني نهيتكم أن تزيدوا النساء في صداقهن على أربعمائة ، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب فليفعل . قال : قال أبو يعلي وأظنه قال : فمن طابت نفسه فليفعل . اهـ.
فالجواب عنها أن زيادة اعتراض المرأة عليه لها طرق لا تخلو من مقال : منها طريق أبي يعلى المتقدمة فيها مجالد بن سعيد وقد قال الإمام أحمد فيه : يرفع كثيراً مما لا يرفعه الناس ليس بشيء . وقال ابن معين وغيره لا يتحج به . وقال البخاري فيه : ضعيف . وتكلم فيه جملة من أئمة الجرح والتعديل بغير ذلك .
ومن طرق القضية طريق أخرى عند ابن المنذر من رواية قيس ابن الربيع ، وقد تكلم فيع غير واحد كالبخاري وابن مهدي ويحي بن معين وغيرهم ، وذكره البخاري في الضعفاء وقال النسائي في (كتاب الضعفاء والمتروكين) : قيس بن الربيع متروك الحديث . وحيث أن طرق القصة لا تخلو من مقال فإنها لا تصلح للاحتجاج ولا لمعارضة تلك النصوص الثابتة المتقدم ذكرها ، لا سيما وأنه لم ينقل عن أحد من الصحابة مخالفة عمر أو الإنكار عليه غير ما جاء عن هذه المرأة . وقد علمت كلام العلماء في سند قصتها . وحينئذ فكلام عمر وهو المحدث الملهم إذا خلا من هذه الزيادة موافق لتلك النصوص وملزم بالعمل بها ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ) وقال : (اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر) .
إذا تقرر في هذا فإن الطريق الذي نرى حمل الرعية على العمل به في هذا الصدد يتلخص فيما يلي :
بالنسبة للرياض ومكة وجدة والمدينة وغيرها من مدن المملكة الكبار نرى أن يكون الحد الأعلى للصداق أربعة آلاف ريال فأقل ، حسب مراتب الناس وأحوالهم ، ومعها من التوابع ما يتلاءم مع مقدار الصداق .
أما بالنسبة لغير من ذكر هنا فنرى أن يكتب لكل قاضي بلدة وأميرها أن يجمع أعيانهم ويخبرهم بإلزام ولاة الأمور لهم بتخفيض المهور ، ثم يستعرضون حالة مواطنيهم ويتفقون على ما يتناسب مع حالتهم ، ملاحظين حالة الأضعف ومتوسط الحال منهم ، وما تم اتفاقهم عليه تعين الإلزام به .
الذين سبقوا في هذا الميدان واتفقوا فيما بينهم من بعض القبائل في الحجاز وتهامة وغيرهم بدافع منهم على محارمهم على صداق يتلاءم مع مستوى حالتهم المادية مراعين في ذلك حالة الأضعف منهم فهؤلاء يشجعون على الاستمرار على ما هم عليه ، ولا يمكن أحد من أفراد تلك الجهات مخالفة ما اتفقوا عليه .
يلزم الجميع بمنع آلات اللهو والطرب والأغاني ، وعلاوة على ذلك يمنع الدف وإن كان أصله مباحاً نظراً لما ارتكب بسببه من التوسع في استعمال آلات اللهو والطرب المحرمة واختلاط الرجال بالنساء ، ورفع أصواتهن بالأغاني ، وإقلاق راحة المجاورين بتلك الأصوات المنكرة ، مع ما يقترن بذلك من بذل الأموال في سبيل غير مشروع للمغنيات وغيرهن .
يلاحظ القضاء على كل ما من شأنه الإسراف والبذخ والتطاول من تلك التكاليف التي كان لها السبب الأعظم في المغالاة في المهور : كالإسراف في الولائم ، والأثاث كغرف النوم والألبسة كالفساتين ونحوها ، والحلي كالعقود الثمينة ونحوها .
يكتفي بوليمة واحدة لا إسراف فيها ، سواء كانت عند الزوج أو عند أهل الزوجة حسبما يحصل الاتفاق عليه ، مع أن أصل شرعيتها من جانب الزوج . وبناء على ذلك تلغى الحفائل والمباهاة .
يجعل في كل بلد لجنة رقابة مرجعها القاضي تتولى ملاحظة تطبيق ما تقدم ، ومن ثبت مخالفته فيعاقب بعقوبة مالية ، وتصادر الزيادة ، وترصد للمحتاجين للزواج ، كما يبلغ مأذون عقود الأنكحة أخذ التعهد على كل من أراد عقد زواج بأن لا يزيد على ما ذكر .
متى امتنع ولي أمر المرأة من تزويجها بالكفء الذي رضيت به بدافع الطمع والرغبة منه في الزيادة على ما تقرر فلولي الأمر التدخل في الموضوع بالوجه الشرعي .
ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين ، ويثبتهم على دينهم ويهدينا وإياهم من مضلات الفتن ، ما ظهر منها وما بطن .
أملاه الفقير إلى ربه محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
مفاسد المغالاة في المهور
الذي ينبغي توخي الصداق النبوي ، إلا أنه عقد تغير الأحوال تسوغ الزيادة ، لا المغالاة .
وبالنسبة إلى حاجة الأعزاب إلى النكاح فإنه قد وصل غالباً إلى حد لا يستطيعه كثير من الناس فيفوت الوطء بالنسبة إليهما ، وتحصيل السنل ، وتحصين الفرج ، كل هذا من مفاسد هذه المغالاة ، فمن المناسب أن ينظر إلى ذلك ويرد الناس إلى شيء يصطلحون عليه ، كما وجد في نواح عديدة ناحية أو ناحيتين أو ثلاث اصطلحوا على مقادير وأذن لهم في ذلك . وأفتي لهم في ذلك . بعضها في تهامة الشمالية وبعضها الجنوبية . فإنه يفوت بها مفاسد لا يعملها إلا رب العزة ، ومن قواعد الشريعة إرتكاب إحدى المفسدتين لتفويت أعلاهما . مع أنه بالنظر والتحقيق في الآية : { وآتيتم إحداهن قنطاراً } (1) ليس نصاً في المنع ، لكن قد يكون فيه شيء من الإيماء أو قد يفهم منه أن القلقة هي التي ينبغي ، ولذلك أمير المؤمنين عمرهم بذلك ، فلما ذكرت له المرأة الآية كان عنده شيء من الورع فكف عما هم به . هذا في الذي تؤتاه ولو قناطير فإنها ملكته ، والمسألة التي فيها الكلام هي عند ابتداء ذلك . المقصود أنه ينبغي أن يفطن له.
كما أن هنا مضرة أخرى وهي ربما يتزوجون من البلاد الأخرى فإن في ذلك مفاسد دينية ودنيوية وسمتية ، وخلل ضار لبنات الوطن ، فإنه غالباً قد يتزوج امرأة خفيفة الدين إن كان المعتقد صحيحاً وإن كان وثنياً فالزواج غير صحيح .
وإن كان صحيحاً في ذاته ولكن فيه فساد أحوال وأخلاق . فإنه لا يجوز للرجال أن يكونوا هكذا .
(1) سورة النساء - آية 20 .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 1274)
«الإسراف في المهر»
15 - المهر يجب إمّا بالتّسمية أو بالعقد.
فإذا سمّي في العقد ، وعّين مقداره ، وجب المسمّى ، وإلاّ وجب مهر المثل ، وهذا متّفقٌ عليه بين الفقهاء.
ولم يحدّد الشّافعيّة والحنابلة ، وكذلك المالكيّة في روايةٍ أقلّ المهر ، وحدّد الحنفيّة أقلّ المهر بعشرة دراهم ، وقال المالكيّة في المشهور عندهم : أقلّه ربع دينارٍ شرعيٍّ ، أو ثلاثة دراهم فضّةً خالصةً.
ولا حدّ لأكثر المهر إجماعاً بين الفقهاء.
والدّليل عليه قوله تعالى : «وإن أردتم استبدال زوجٍ مكان زوجٍ وآتيتم إحداهنّ قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً» .
لأنّ القنطار يطلق على المال الكثير.
ولكن حذّر الفقهاء من الإسراف والمغالاة في المهر ، وقالوا : تكره المغالاة في الصّداق ، لما روي عن عائشة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « أعظم النّساء بركةً أيسرهنّ مؤنةً » وفسّروا المغالاة في المهر بما خرج عن عادة أمثال الزّوجة ، وهي تختلف باختلاف أمثالها ، إذ المائة قد تكون كثيرةً جدّاً بالنّسبة لامرأةٍ ، وقليلةً جدّاً بالنّسبة لأخرى.
واستدلّوا كذلك بكراهة الإسراف في المهر بأنّ الرّجل يغلي بصدقة المرأة « أي فوق طاقته » ، حتّى يكون لها عداوةٌ في قلبه ، ولأنّه إذا كثر بما تعذّر عليه فيتعرّض للضّرر في الدّنيا والآخرة.
ولتفصيل الموضوع راجع مصطلح : « مهرٌ » .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 5095)
«المهر والنّفقة»
59 - أرشد اللّه تعالى إلى تسهيل أمر التّزويج ولو كان الخاطب فقيراً ، إن كان صالحاً ، فقال تعالى : «وَأنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُم وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإمَائِكُمْ إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنهم اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم « إنّ من يمن المرأة تيسير خطبتها ، وتيسير صداقها » وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « إنّ من أعظم النّساء بركة أيسرهنّ مؤنة » وقال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه : ' لا تغالوا في صداق النّساء ، فإنّها لو كانت مكرمة في الدّنيا أو تقوى في الآخرة كان أولاكم بها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فتقليل الصّداق سنّة.
وكذا أرشد اللّه تعالى إلى العشرة بين الزّوجين بالمعروف ، وأداء كلّ منهما ما عليه من الحقّ للآخر ، مع ترك الشّحّ بحقّه هو ، لتتيسّر الحياة بينهما ، قال تعالى : «وَإن امْرَأةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزَاً أو إعْرَاضَاً فلا جُنَاحَ عليهما أنْ يُصْلِحَا بينهما صُلْحَاً ، وَالصُّلْحُ خَيرٌ وَأُحْضِرَت الأنْفُسُ الشُّحّ وإنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقوا فَإنَّ اللَّهَ كَانَ بما تَعْمَلونَ خَبِيرَاً» .
هذا في حال قيام الزّوجيّة ، وكذا بعد انفصامها ، لقول اللّه تعالى : «وَإنْ طَلَّقْتُموهُنَّ مِنْ قَبل أنْ تَمَسُّوهنَّ وقد فَرَضتُم لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضتُم إلا أنْ يَعْفُونَ أو يَعفُو الَّذي بِيدِه عُقْدَةُ النِّكَاحِ وأنْ تَعْفُوا أقْربُ للتَّقوَى ولا تَنْسَوا الفَضْلَ بينكمْ إنَّ اللَّهَ بمَا تَعملونَ بَصير» .
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 11 / ص 149)
هل للمهر حد في الشرع
المجيب عبد الحكيم محمد أرزقي بلمهدي
كلية الشريعة/ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ النكاح/الصداق ( المهر )
التاريخ 17/06/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
أحاول أن أعيد الناس للسنة النبوية في المهر، فكم أخصص تقريباً؟ وكيف المقدَّم والمؤخَّر؟ وهل يجوز أن يكون المقدَّم غير مقبوض بموافقة الطرفين ووليهما؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فليس في الشرع حد لأكثر المهر ولا لأقله، فإن الله -تعالى- قال: "وآتيتم إحداهن قنطارا"[النساء: 20]، وقال: "فآتوهن أجورهن فريضة"[النساء: 24]، وقال: "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة"[النساء: 4]، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال للذي رغب في الزواج من التي وهبت نفسها للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "التمس ولو خاتماً من حديد"، ثم زوجه - صلى الله عليه وسلم- بما معه من القرآن، رواه البخاري(5135)، ومسلم(1425) عن سهل بن سعد -رضي الله عنه-، وإن كان في بعض المذاهب حد لأقل ما يجزئ في الصداق، وهو اجتهاد ليس بنص يرجع إليه أو يوقف عنده.
والذي يحكم مهور الناس الأعراف، ما لم يخالف هذا العرف نصوص الشرع وقواعده، أو يؤدي إلى مفاسد، بحيث يلزم من العمل بهذا العرف مثلا تعطُّل النكاح، أو تأخر سن الزواج بسبب عدم القدرة على الوفاء بمتطلبات المهر.
وقد ورد في الشرع الحث على تيسير أمر النكاح وتسهيله وعدم المغالاة في المهور، فعن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة" رواه أحمد(44595) من حديث عائشة -رضي الله عنها-، وما أصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امرأة من نسائه ولا أُصدِقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية كما جاء عن عمر -رضي الله عنه- فيما رواه الترمذي(1114)، والنسائي(3349)، وأبوداود(2106)، وابن ماجة(1887).
وأما المهر فيجوز تعجيله كله، وتأجيله كله، وتعجيل بعضه، وتأجيل الباقي، ولا حرج في ذلك إن شاء الله.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 29 / ص 209)
يسر المؤنة سبب في بركة النكاح رقم الفتوى:44235تاريخ الفتوى:25 ذو الحجة 1424السؤال :
تقدم لي شاب للزواج، فطلب والدي منه مهرا مرتفعا، ووافق الشاب وتم قراءة الفاتحة. أنا أعلم حديث الرسول عليه الصلاة و السلام الذي يقول، (أقلكن مهورا، أكثركن بركة). أريد ممن يكون فيهن بركة، فماذا أفعل؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا..
الفتوى :
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأقنعي ولي أمرك بتقليل المهر وأن لا يشق على الزوج، فإن اقتنع فذلك المطلوب، وإلا، فيمكنك أن تهبي لزوجك من المهر بعد النكاح ما تحبين.
وننبه إلى أن لفظ الحديث عند أحمد: إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة. وعند أحمد أيضا: أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة.والله أعلم.(1/197)