مَسْأَلَةُ كُلِّ رَاعٍ عَمَّا اسْتُرْعِي
َ275- 7931 أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ ، عَنْ شُعَيْبٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " كُلُّ رَاعٍ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ : الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ " (1)
__________
(1) - البخارى برقم( 893 و2409 و2554 و 2558 و2751 و 5188 و 5200 و 7138 )
فتح الباري لابن حجر - (ج 3 / ص 298)
844 - قَوْلُهُ : ( أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه )
هُوَ اِبْن الْمُبَارَك ، وَيُونُس هُوَ اِبْن يَزِيد الْأَيْلِيُّ .
قَوْلُهُ : ( كُلّكُمْ رَاعٍ وَزَادَ اللَّيْث إِلَخْ )
فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ رِوَايَة اللَّيْث مُتَّفِقَة مَعَ اِبْن الْمُبَارَك إِلَّا فِي الْقِصَّة فَإِنَّهَا مُخْتَصَّة بِرِوَايَةِ اللَّيْث ، وَرِوَايَة اللَّيْث مُعَلَّقَة ، وَقَدْ وَصَلَهَا الذُّهْلِيُّ عَنْ أَبِي صَالِح كَاتِب اللَّيْث عَنْهُ ، وَقَدْ سَاقَ الْمُصَنِّف رِوَايَة اِبْن الْمُبَارَك بِهَذَا الْإِسْنَاد فِي كِتَاب الْوَصَايَا فَلَمْ يُخَالِف رِوَايَة اللَّيْث إِلَّا فِي إِعَادَة قَوْلُهُ فِي آخِره " وَكُلّكُمْ رَاعٍ إِلَخْ " .
قَوْلُهُ : ( وَكَتَبَ رُزَيْق بْن حُكَيْم )
هُوَ بِتَقْدِيمِ الرَّاء عَلَى الزَّايِ ، وَالتَّصْغِير فِي اِسْمه وَاسْم أَبِيهِ فِي رِوَايَتنَا ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي غَيْرهَا ، وَقِيلَ بِتَقْدِيمِ الزَّاي وَبِالتَّصْغِيرِ فِيهِ دُون أَبِيهِ .
قَوْلُهُ : ( أُجَمِّع )
أَيْ أُصَلِّي بِمَنْ مَعِي الْجُمُعَة .
قَوْلُهُ : ( عَلَى أَرْض يَعْمَلهَا )
أَيْ يَزْرَع فِيهَا .
قَوْلُهُ : ( وَرُزَيْق يَوْمَئِذٍ عَلَى أَيْلَةَ )
بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَسُكُون التَّحْتَانِيَّة بَعْدهَا لَام بَلْدَة مَعْرُوفَة فِي طَرِيق الشَّام بَيْن الْمَدِينَة وَمِصْر عَلَى سَاحِل الْقُلْزُم ، وَكَانَ رُزَيْق أَمِيرًا عَلَيْهَا مِنْ قِبَل عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز ، وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْأَرْض الَّتِي كَانَ يَزْرَعهَا مِنْ أَعْمَال أَيْلَةَ ، وَلَمْ يَسْأَل عَنْ أَيْلَةَ نَفْسهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ مَدِينَة كَبِيرَة ذَات قَلْعَة وَهِيَ الْآن خَرَاب يَنْزِل بِهَا الْحَاجّ الْمِصْرِيّ وَالْغَزِّيّ وَبَعْض آثَارهَا ظَاهِر .
قَوْلُهُ : ( وَأَنَا أَسْمَع )
هُوَ قَوْل يُونُس ، وَالْجُمْلَة حَالِيَّة ، وَقَوْلُهُ " يَأْمُرهُ " حَالَة أُخْرَى ، وَقَوْلُهُ " يُخْبِرهُ " حَال مِنْ فَاعِل يَأْمُرهُ ، وَالْمَكْتُوب هُوَ الْحَدِيث ، وَالْمَسْمُوع الْمَأْمُور بِهِ قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ . وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْمَكْتُوب هُوَ عَيْن الْمَسْمُوع ، وَهُوَ الْأَمْر وَالْحَدِيث مَعًا ، وَفِي قَوْلُهُ " كَتَبَ " تَجَوُّز كَأَنَّ اِبْن شِهَاب أَمْلَاهُ عَلَى كَاتِبه فَسَمِعَهُ يُونُس مِنْهُ ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الزُّهْرِيُّ كَتَبَهُ بِخَطِّهِ وَقَرَأَهُ بِلَفْظِهِ فَيَكُون فِيهِ حَذْف تَقْدِيره فَكَتَبَ اِبْن شِهَاب وَقَرَأَهُ وَأَنَا أَسْمَع ، وَوَجْه مَا اُحْتُجَّ بِهِ عَلَى التَّجْمِيع مِنْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كُلّكُمْ رَاعٍ " أَنَّ عَلَى مَنْ كَانَ أَمِيرًا إِقَامَة الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة - وَالْجُمُعَة مِنْهَا - وَكَانَ رُزَيْق عَامِلًا عَلَى الطَّائِفَة الَّتِي ذَكَرَهَا ، وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُرَاعِيَ حُقُوقهمْ وَمِنْ جُمْلَتهَا إِقَامَة الْجُمُعَة . قَالَ الزَّيْن ابْن الْمُنِير : فِي هَذِهِ الْقِصَّة إِيمَاء إِلَى أَنَّ الْجُمُعَة تَنْعَقِد بِغَيْرِ إِذْن مِنْ السُّلْطَان إِذَا كَانَ فِي الْقَوْم مَنْ يَقُوم بِمَصَالِحِهِمْ . وَفِيهِ إِقَامَة الْجُمُعَة فِي الْقُرَى خِلَافًا لِمَنْ شَرَطَ لَهَا الْمُدُن ، فَإِنْ قِيلَ ؛ قَوْلُهُ " كُلّكُمْ رَاعٍ " يَعُمّ جَمِيع النَّاس فَيَدْخُل فِيهِ الْمَرْعِيّ أَيْضًا ، فَالْجَوَاب أَنَّهُ مَرْعِيّ بِاعْتِبَارٍ ، رَاعٍ بِاعْتِبَارٍ ، حَتَّى وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَحَد كَانَ رَاعِيًا لِجَوَارِحِهِ وَحَوَاسّه ، لِأَنَّهُ يَجِب عَلَيْهِ أَنْ يَقُوم بِحَقِّ اللَّه وَحَقّ عِبَاده ، وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَى بَقِيَّة فَوَائِد هَذَا الْحَدِيث فِي كِتَاب الْأَحْكَام إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .
قَوْلُهُ فِيهِ ( قَالَ وَحَسِبْت أَنْ قَدْ قَالَ )
جَزَمَ الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّ فَاعِل " قَالَ " هُنَا هُوَ يُونُس ، وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّهُ سَالِم ، ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ اِبْن عُمَر . وَسَيَأْتِي فِي كِتَاب الِاسْتِقْرَاض بَيَان ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَقَدْ رَوَاهُ اللَّيْث أَيْضًا عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَة ، أَخْرَجَهُ مُسْلِم .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 10701)
«العدل في الحكم»
19 - تحدّث الفقهاء عن العدل في الحكم وحرمة جور الحاكم على رعيّته وأصل ذلك قوله تعالى : « إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ » .
وقوله تعالى : « وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ » .
ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « كلّكم راع وكلّكم مسئول عن رعيّته ، الإمام راع ومسئول عن رعيّته » .
وقوله صلى الله عليه وسلم : « ما من عبد يسترعيه اللّه رعيّةً يموت يوم يموت وهو غاشّ لرعيّته إلاّ حرّم اللّه عليه الجنّة » .
وفي رواية : « ما من أمير يلي أمر المسلمين ثمّ لا يجهد لهم وينصح إلاّ لم يدخل معهم الجنّة » .
وقوله صلى الله عليه وسلم : « اللّهمّ من ولي من أمر أمّتي شيئاً فشقّ عليهم فاشقق عليه » .
وتفصيل ذلك في مصطلح : « الإمامة الكبرى ف 11 » .
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 5 / ص 81)
سماع الأطفال للموسيقى ...رؤية شرعية رقم الفتوى:13622تاريخ الفتوى:16 صفر 1420السؤال : - في الأفلام الكرتونية للأطفال ( الإسلامية وغير الإسلامية) يوجد تأثيرات موسيقية (صوتية) هل يجوز سمعاها وإسماعها للأطفال علما أنها فقط تأثيرات ولا ترتبط بأي أغاني
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله عز وجل قد استرعى الوالدين أولادهما وكلفهما القيام بما يصلحهم، فقد قال صلى الله عليه وسلم :" كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته ، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها .. " الحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما .
وفي صحيح مسلم يقول صلى الله عليه وسلم : " ما من راعٍ يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلاَّ حرَّم اله عليه الجنة ".
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الآباء والأمهات بأمر أبنائهم بالصلاة لسبع، وضربهم عليها لعشره وألحق بها العلماء الصيام .
وهذا ليتعود الأبناء على القيام بالواجبات والكف عن المحرمات، وإن كانوا غير محاسبين عليها إن فرطوا فيها قبل البلوغ ، ولكن الإثم يقع على الوالدين إن لم يأمروهم بالطاعة، ويكفوهم عن المعصية .
فليتق الله الإنسان في نفسه عند ما يربي أولاده، وليتذكر قول الله سبحانه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ)[لتغابن:14].
بعد هذا نقول للأخ السائل : إن سماع الموسيقى حرام - ولو لم يكن هناك غناء - فلا ينبغي أن يمكن الأطفال من سماع المحرمات، ولا ينبغي للأب أن يجلب لهم ما يفسد عليهم دينهم .
ونسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 5 / ص 122)
السعي في تزويج البنات مسؤولية من... رقم الفتوى:13770تاريخ الفتوى:06 ذو الحجة 1422السؤال: في السنوات الثلاثة الأخيرة طلبت من والدتي أن تجد لي زوجاً متديناً، ولم أسأل والدي لما في ذلك من الإحراج، ولسوء الحظ لم يأخذ والدي هذا الأمر على محمل الجد، ولم يفعل شيئاً حقيقياً.
وعليه، فقد سألت أختي عن ذلك، وبدلاً من أي عمل فقد طلبوا مني إرسال إعلان على الإنترنت بهذا الخصوص.
عمري الآن 25 سنة وأشعر أنني كبرت، أخاف الله ولا أريد فعل الفاحشة أو نحوها، كيف أحقق هذا الواجب وأظل ضمن إطار الإسلام؟
الفتوى: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن ييسر لك أمر زواجك، وأن يحفظنا وإياك بالإسلام حتى نرد جنه النعيم.
ونوجه النصح للأب بتقوى الله تعالى، واتباع أوامره، ومن أوامر الله تعالى القيام بواجب الرعاية لمن استرعاه الله عليهم، ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها...".
ونقول لهذا الوالد: اعلم أن أبناءك وبناتك أمانة في عنقك، تسأل عنهم يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون بين يدي رب السموات والأرض. فاحذر أن ترد على الله وأنت مقصر في رعايتك.
وأصغ لهذا الحديث الذي رواه البخاري عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُحَدِّثُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ- قَالَ عُمَرُ فَلَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ فَقُلْتُ إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ قَالَ سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ فَقَالَ قَدْ بَدَا لِي أَنْ لَا أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا قَالَ عُمَرُ فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا فَكُنْتُ عَلَيْهِ أَوْجَدَ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ إِلَّا أَنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ذَكَرَهَا فَلَمْ أَكُنْ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ تَرَكَهَا لَقَبِلْتُهَا.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفيه (أي الحديث) عرض الإنسان بنته وغيرها من مولياته على من يعتقد خيره وصلاحه، لما فيه من النفع العائد على المعروضة عليه، وأنه لا استحياء في ذلك، وفيه أنه لا بأس بعرضها عليه، ولو كان متزوجاً، لأن أبابكر كان حينئذٍ متزوجا. أ.هـ.
وعلى هذا الأب أن يدرك أن الإسلام قد رغب في تقليل التكاليف في أمر الزواج حتى لا تكون عائقاً عن الزواج، ففي مسند أحمد عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة".
والوقوف أمام الشباب والشابات عائقاً بغلاء المهور، وغير ذلك مدعاة لفساد عريض، وما نراه في مجتمعاتنا إنما هو حصاد لهذه المقدمات السيئة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" رواه الترمذي عن أبي هريرة.
أما أنت فعليك أن لا يحجزك الحياء عن مفاتحة والدك بالأمر، وتذكيره بالله تعالى، وعليك قبل ذلك وبعده أن ترفعي أمرك للذي لا تخفى عليه خافية، فإن الأمر كله بيده، وهو أكرم الأكرمين سبحانه. جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله حييٌ يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صِفراً خائبتين" رواه الترمذي من حديث سلمان الفارسي.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 35 / ص 34)
الآثار الضارة المترتبة على غياب دور الأب والأم في التربية رقم الفتوى:52681تاريخ الفتوى:13 رجب 1425السؤال:
سيدي المحترم إني لأحتار كيف لي أن أبدأ رسالتي هذه ..ولكني مضطرة فمشكلتي لم يجد حتى الكبار لها حلا ..
أنا فتاة في العشرين من العمر لي ابنة خالة في نفس عمري وهي صاحبة المشكلة الأساسية وهنا سأتحدث بلسانها
سيدتي \\\" ابنة خالتي هي من تتحدث \\\"
لي أخت تكبرني بخمس سنوات ومنذ عرفت نفسي وهي تتسبب لي بالمشاكل منذ أن بلغت سن المراهقة وهي تحدث لنا كعائلة من العار والفضائح ما قد كفاني ..
تقول أنها لم تعط أحدا أكثر من ساعات متعة ولم تتخل عن عذريتها أبدا \\\"اعذرني إن كانت كلماتي تفتقد الأدب المطلوب خاصة أن هذه هي أول مرة أكتب لك \\\"
حين كانت في الثالثة عشر من عمرها كنت أنا طفلة وكنت أراها وهي تستقبل أصدقاءها في المنزل، أمي امرأة قد فعلت بها الأيام الكثير وهي لا تعلم الكثير من القصص لأنني حين كنت صغيرة كنت أخاف منها والآن أصبحت أخاف أن أفقد أمي أو أبي من جراء ما تفعل في المرة الأخيرة فعلت فعلتها مع الشخص الذي كان على وشك
خطبتي وتخليصي من جحيم جعلته هي سمة لحياتي وبالطبع تخلى عن الفكرة بمجرد أن عرف أن أختي على ذلك النمط ..
وأخذت الكثير من الوقت قبل أن أتمكن من نسيان ما حدث وقد تناسيته مؤخرا خاصة أنني وجدتها قد أصلحت نفسها كثيرا فقد تحجبت أتعلم معنى أنها تحجبت حتى من زوج خالتي الذي رباها ورباني وعاد الجميع ليحترمها من جديد وتغيرت صورتها أخيرا وما عدنا نفكر بها تلك الأفكار السوداء التي كانت تراودنا كلما جاء ذكرها ..
ومنذ فترة سافرت أمنا إلى مسقط رأسها بلدها فنحن مغتربين في المملكة العربية السعودية في مدينة صغيرة تنتشر فيها الأخبار والأقاويل بسرعة البرق وكان أبي بالمستشفى يصارع جلطة ألمت بقلبه أي أنه اقترب كثيرا من الموت وكنا نحن في بيت خالتي الذي لايبعد عنا الكثير وخرج أبي من المستشفى وقد عافاه الله وعدنا إلى بيتنا منذ يومين تقريبا ويومها نمنا أنا وإخوتي الصغار نوما غريبا ليس في موعد نومنا ليس ناتجا عن تعب أو إرهاق ولو لم يكن بعض الظن إثم لجزمت أنها قد وضعت لنا المنوم في الأكل أو في العصير واستيقظت بعد فترة أظنها فترة انتهاء مفعول الدواء لأجد سريرها مرتبا كما كان قبل أن أنام وبحثت عنها في البيت ووجدتها في أقصاه وقد أغلقت الباب بالمفتاح أثار الوضع شكي وريبتي وبعد \\\" \\\" سيناريو \\\" طويل أظنك تفهمه فتحت لي الباب وهي في غاية الارتباك ووجدتها قد خبأته .. رجل غريب في بيتنا وهي في وضع مخزي تلبس ما لا يجوز لها لبسه سوى لزوجها ..
أتتخيل ياسيدي موقفي وأنا أرى أختي التي تكبرني وهي في هذا الوضع وأختي الثانية التي تصغرني وتصغرها تخرج ذلك الرجل وفي عيناها آلاف الأسئلة كيف ستمسح الصورة من عينيها أو من عيني لا أدري ..
ولم أجد سوى خالتي لأستنجد بها وجاءت خالتي ومعها زوجها وبما أن أبي كان في عمله فقد كان ذلك في صالحه وصالحها وصالحنا فإن أخبرناه ثق أنه سيموت دون أدنى شك لن يحتمل أن يعرف ذلك عن ابنته ..
سيدي قد خرجت عن الملة أمام أعيننا جميعا قالت \\\" لا أؤمن بالرب أو بمحمد \\\"
قالتها سيدي ثم تأتي وتقول لنا لم أكن بوعيي .. تكفر وهي ليست بوعيها .. تخطئ وهي ليست بوعيها .. تكره الجميع وهي ليست بوعيها ..أيعقل ذلك .. لا أظن ..
سيدي ..
لا أعرف كيف أتصرف ماعدت أرى شيئا في الحياة سوى ما أرتني إياه أختي ..
اؤمن بالله وأعلم أنه القدر ولكنني قد كنت رمزا للعفة وها هي تغير حتى صورتي في أمام المجتمع ..
سيدي ..أريد حلا سريعا .. سيدي .. كان ذلك بوح ابنة خالتي بعثته إليك علنا نجد الحل فيما ترد به علينا
سيدي ..قد فوضنا أمرنا لله ..واتكلنا عليه ..ولكننا أردنا أن نأخذ بمشورتك .. في انتظار ردك ..
دمت بخير وسعادة
تقبل تحياتي ..
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن قول الفتاة: لا أومن بالرب أو بمحمد صلى الله عليه وسلم، هو عين الردة والكفر الصريح المخرج من الملة.
وأما قولها: إنها لم تكن بوعيها لما تلفظت بهذه الكلمات، فإننا لا نعلم صدقه من كذبه، وإن الواجب عليها التوبة إلى الله تعالى من هذا القول، والندم على تفريطها في جنبه، وعقد العزم على عدم العودة لذلك أبدا، فإنها لا تدري متى يحين أجلها، ولربما قبضت روحها على إثر ردتها دون إمهال للتوبة، نسأل الله حسن العاقبة، وراجعي الفتوى رقم: 17875، والفتوى رقم: 16362.
وأما خلوتها مع الرجل الأجنبي وكشف عورتها أمامه فإنه لا يدل وحده على أنها ارتكبت جريمة الزنا الموجب للحد، فإن الزنا لا يثبت إلا بأمور انظريها في الفتوى رقم:7940.
وبالنسبة لقول الفتاة: إنها لم تتخل عن عذريتها أبدا، فإنه استخفاف بحق الله تعالى وجهل فاضح بشرعه، فكأنها تعتقد أن ما حرمه الله فقط هو حقيقة الزنا الذي هو الوطء في الفرج، وكأن أي عمل دون ذلك مباح.
وإن الله تعالى عندما حرم الزنا حرم أيضا مقدماته، وما يؤدي إليه، فحرم الخلوة والاختلاط، وحرم المصافحة والنظر والكلام بدون حاجة بين الجنسين، وأمر المرأة بالحجاب وبالقرار في البيت، وشرع غير ذلك من التدابير الواقية من الزنا، وراجعي الفتوى رقم: 11038.
هذا؛ وإن العجب لا ينقضي من غياب دور الأب والأم في تربية وتقويم ابنتهما، فإن الله قد ولاهما أمرها واسترعاهما إياها ووعد على تربية البنات الأجر الكثير، فقال صلى الله عليه وسلم: من عال ثلاث بنات فأدبهن ورحمهن وأحسن إليهن فله الجنة. رواه أحمد بإسناد صحيح. وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: إنما سموا الأبرار لأنهم بروا الآباء والأبناء، كما أن لوالديك عليك حقا، كذلك لولدك عليك حق. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل في أهله راع ومسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية ومسئولة عن رعيتها.... متفق عليه. وقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ{التحريم:6}.
ولقد حذر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من تضييع الأمانة التي وكلها الله للآباء فقال: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. رواه مسلم.
وإن والدي الفتاة ـ كما يظهر من السؤال ـ قد ضيعا الأمانة وغشا رعيتهما، دل على ذلك سماحهما لابنتهما أن تستقبل زملاءها من الشباب في البيت وهي في سن الثالثة عشرة، وكذلك تأخرها في لبس الحجاب، ولم يظهر دورهما عندما تحرشت بخطيب أختها حتى ترك الخطبة.
وعلى هذا؛ فإن الواجب عليهما أن يتوبا إلى الله تعالى من تضييعهما للأمانة الملقاة على كاهلهما، والعمل على استدراك ما فاتهما في تربية الأبناء فيأمران البنات بالحجاب، وبكل واجب، وينهيانهن عن كل محرم. وعليك أن تخبري والد الفتاة بالخبر الذي ذكرتيه في سؤالك، ولك أن تترفقي به خوفا على صحته، لأنه هو المسئول الأول عن ابنته، وعنده من الصلاحيات التي أعطاها الله له ما يمكنه من تربية أبنائه على الوجه المطلوب.
ومما ينبغي التنبه له أن زوج الخالة ليس من المحارم، وعلى ذلك فالواجب الاحتجاب منه حتى ولو كان مشاركا في تربية بنات أخت زوجته، فإنه أجنبي عنهن.
والله أعلم.(1/139)
276-7932 أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ ؟ حَتَّى يُسْأَلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ " قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ : لَمْ يَرْوِ هَذَا أَحَدٌ عَلِمْنَاهُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ غَيْرَ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ رَاهَوَيْهِ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، مِثْلَهُ (1)
__________
(1) - سنن الترمذى برقم( 1807 )ومستخرج أبي عوانة برقم( 5684) وابن حبان برقم( 4569و4570 ) و فتح الباري 113/13 وقال : إسناده صحيح والسلسلة الصحيحة برقم( 1636) وهو صحيح
قلت : وأخرجه في المعجم الأوسط للطبراني برقم( 1770) موصولا والأحاديث المختارة للضياء - (ج 3 / ص 200) برقم(2458 و2459) ورجح المرسل وسنن الترمذى - (ج 6 / ص 495)
قَالَ مُحَمَّدٌ وَرَوَى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ ». قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ هَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- مُرْسَلاً.
قلت الوصل زيادة ثقة فتقبل وهو الصواب
وفي الفتح:
1627 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُ وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ
قَالَ أَبُو عِيسَى وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَأَبِي مُوسَى وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَحَدِيثُ أَنَسٍ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ حَكَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ الرَّمَادِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّدٌ بِنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَشَّارٍ قَالَ وَرَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا وَهَذَا أَصَحُّ قَالَ مُحَمَّدٌ وَرَوَى إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ قَالَ سَمِعْت مُحَمَّدًا يَقُولُ هَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 2 / ص 287)
إرشادات لدعوة الزوجة للاتزام رقم الفتوى:10574تاريخ الفتوى:09 رجب 1422السؤال :
السلام عليكم، زوجتي على قدر من الدين لا بأس به ولكنها غير ملتزمة كليا وأنا لا أريد أن أجبرها على الالتزام فما الحل جزاكم الله ، ولو سمحتم اذكروا بعضا من آيات القرآن أو الأحاديث.
الفتوى :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فينبغي لك مناصحة زوجتك بالحسنى فيما عندها من أوجه التقصير في جنب الله جل وعلا، سيما إذا كان التقصير بترك الواجبات أو فعل المحرمات، كالتبرج أو استماع الأغاني الماجنة. واعلم أنك مسؤول عنها، فيجب عليك نصحها وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر وحملها على الالتزام بالدين، قال تعالى: ( يا أيها الذين قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) [التحريم:6] وقال صلى الله عليه وسلم: " كلكم راع ومسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته" رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم: " إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته" رواه ابن حبان فهذه بعض الآيات والأحاديث التي تدل على وجوب القيام على الأهل تعليماً وإرشاداً وإنكاراً، فاحرص على ذلك، واستعن عليه بكثرة الدعاء والاستغفار، وكن حازماً - في بعض الأحيان- إذا اقتضى الأمر ذلك.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 37 / ص 133)
موقف الزوج من الزوجة إذا كانت تذبح لغير الله رقم الفتوى:55208تاريخ الفتوى:18 رمضان 1425السؤال :
هل يأثم الزوج إذا لم ينه زوجته عن الذبح لغير الله وهل يعتبر في هذه الحالة مشركا مثلها.
الفتوى :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الذبح لغير الله شرك لأن الذبح تقربا وتذللا وخضوعا عبادة من العبادات التي لا يجوز صرفها لغير الله عز وجل، قال الله سبحانه: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ {الأنعام:162،163}.
وقال سبحانه: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ {الكوثر 2} أي وانحر لربك.
وفي صحيح مسلم عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله من ذبح لغير الله
قال النووي رحمه الله: فإن قصد تعظيم المذبوح له غير الله تعالى والعبادة له كان ذلك كفرا، فإن كان الذابح مسلما قبل ذلك صار بالذبح مرتدا. اهـ
وعليه فإن ما تفعله زوجتك من الذبح لغير الله شرك وكفر وعليك أن تنهاها عن ذلك وتمنعها منه فإنك مسؤول عنها، فيجب عليك نصحها وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر وحملها على ترك الذبح لغير الله ، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ {التحريم:6} وقال صلى الله عليه وسلم: كلكم راع ومسؤول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته رواه ابن حبان
وقبل نهيك ومنعك لها عليك أن تبين لها حرمة هذا الفعل وخطورته وأنه من الشرك فلعل الله يشرح صدرها للحق وأكثر من الدعاء لها بترك هذا الفعل والرجوع إلى الحق
والله نسأل أن يوفق الجميع للتوحيد واجتناب الشرك والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 40 / ص 129)
خطوات عملية للقضاء على البطالة رقم الفتوى:58722تاريخ الفتوى:29 ذو الحجة 1425السؤال :
الدكتور عبد الله ممكن أن تبدي لي رأيك :أنا طالبة أعد رسالة ماجستير عن البطالة في مجتمع الإمارات دراسة مقارنة وقد أوردت في رسالتي مبحثا عن آراء وفتاوى الفقهاء والمفكرين المعاصرين ومن له علم شرعي وأود من حضرتك أن تخبرني عن رأيك في أحكام البطالة وهل لها أحكام خاصة وما نصائحك للشباب الذين يعانون المر في ظل الاقتصاديات الحديثة دون مراعاة من قبل هؤلاء لحال الشعوب التي أهلكتها النظم الرأسمالية وغيرها وتركت شباب هذه الأمة يصارعون دوامة البطالة ودفعهم للكسب الحرام والسخط على مجتمعاتهم وماهي نصيحتك للمسؤولين والمعنيين بالأمر؟
علما بأني سأورد جوابكم موثقا باسمكم الكريم في رسالتي ولكم جزيل الشكر إن قبلتم ذلك وجزاكم الله الخير.
الفتوى :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن البطالة مشكلة من مشاكل المجتمعات التي لابد من تعاون المجتمع على حلها، وننصح الشباب والصالحين للعمل من أفراد الأمة بالحرص على التكسب بحسب ما يتوفر لهم مع الحرص على الحلال، فقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في التكسب والسعي والتحرك واستغناء المرء عن الآخرين وأكله من كسب يده، وهذا هو هدي الأنبياء والصحابة والعلماء، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على عمل اليد: ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده. رواه البخاري. وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أي الكسب أطيب؟ فقال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور. رواه أحمد والحاكم وصححه الألباني.
وقال: إن أطيب ما أكلتم من كسبكم. رواه الترمذي وقال فيه: حسن صحيح.
وقال: لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً. رواه الترمذي والحاكم وصححه الألباني.
وقد رغب صلى الله عليه وسلم في الاستغناء عن الناس والقناعة وعدم الإشراف والسؤال للآخرين، ودعاء الله والالتجاء إليه والاستعانة به، فقد كان يبايع أصحابه على أن لا يسألوا الناس، كما في حديث مسلم، وقد قال: قد أفلح من أسلم وزرق كفافا وقنعه الله بما آتاه. رواه مسلم.
وقال: لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه. رواه البخاري.
وقال: من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل. رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع.
وقد كان أصحاب النبي يتاجرون ويزرعون ويؤجرون أنفسهم، وكان من سلف هذه الأمة من يمتهن المهن ويتكسب بها حتى اشتهر بعضهم بنسبته لمهنته أو مكان عمله كالبزار والخواص والدارقطني والدباغ والحداد والبقال، وكان من الصحابة من يؤجر نفسه عند الحاجة بشيء من التمر ثم يرجع بعدما يحقق مهمته.
فقد روى الطبراني في الأوسط عن كعب بن عجرة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته متغيراً! فقلت: بأبي أنت ما لي أراك متغيراً؟ قال: ما دخل في جوفي ما يدخل جوف ذات كبد منذ ثلاث. قال: فذهبت، فإذا بيهودي يسقي إبلا له، فسقيت له على كل دلو بتمرة فجمعت تمراً، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من أين لك يا كعب؟ فأخبرته... الحديث. والحديث حسنه الألباني في صحيح الترغيب.
فهذا الحديث يدل على عدم استنكاف الصحابة عما تيسر من الأعمال مهما قل إنتاجها، وعلى أخذهم ما يحتاجونه عن طريق التكسب لا عن طريق السؤال.
ثم من الأمور المهمة التي يتعين الاعتناء بها أن يحرص العاملون على تنمية الإيمان والأمانة عندهم، فإن الإيمان والأعمال الصالحة من أعظم الوسائل لتحقيق طموحات الإنسان، كما أن الأمانة والقدرة على الأعمال من أعظم الوسائل المساعدة لقبول أصحاب رؤوس الأموال لمعاملة العمال، كما قالت بنت الرجل الصالح لأبيها في شأن موسى: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ {القصص: 26}.
وعليهم أن يستشعروا مسؤولية العباد في إعمار الأرض، وأهمية الاستفادة مما خلق فيها وسخر فيها من الأشياء النافعة، فقد قال الله تعالى: هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا {هود: 61}.
قال ابن كثير في التفسير: أي جعلكم عماراً تعمرونها وتستغلونها.
وقال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً {البقرة: 29}.
كما يتعين كذلك أن يحرصوا على الكسب الحلال، والبعد عن الحرام مهما كانت الأحوال؛ ففي الحديث: إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته. رواه أبو نعيم والطبراني والبزار وصححه الألباني.
وننصح كذلك من حملهم الله تعالى مسؤولية أمور هذه الأمة أن يستشعروا أنهم مسئولون بين يدي الله تعالى عما استرعاهم، فعليهم أن يهتموا بحال أصحاب البطالة وحال المحتاجين من العجزة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: كلكم راع ومسؤول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته. رواه البخاري.
وقال: إن الله سائل كل راع عما استرعاه. رواه الترمذي وله شاهد في الصحيحين.
وقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستشعر هذه المسؤولية دائماً ويذكر عماله بها، فقد روى ابن سعد في الطبقات عنه أنه قال: لو مات جمل ضياعاً على شط الفرات لخشيت أن يسألني الله عنه.
وقد شكت امرأة من المسلمين إلى عمر رضي الله عنه عدم إعطاء ساعيه محمد بن مسلمة لها من الزكاة، فدعا محمد بن مسلمة وقال له: كيف أنت قائل إذا سألك الله عز وجل عن هذه؟ فدمعت عينا محمد ثم أعطى عمر المرأة حمل ثلاثة جمال من القوت، وأمر محمد أن يعطيها حقها لهذا العام والعام الماضي.
والقصة مسبوطة في كتاب الأموال لأبي عبيد.
فعلى المسؤولين أن يحرصوا على إيجاد فرص العمل للصالحين للعمل ويغنوهم بما أمكن من الأعمال عن الحاجة للناس، فقد روى أبو داود وابن ماجه والبيهقي في السنن والحارث في مسنده والطحاوي في شرح معاني الآثار قصة الرجل
الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله، فأمره بالتكسب وعلمه مهنة الاحتطاب، وقد نص أهل العلم على أن المحترف الذي تنقصه آلات حرفته تشترى له الآلات من أموال الزكاة أو من بيت المال.
فلو أن ولاة الأمور علموا الشباب المهن ووفروا لهم الآلات وأماكن العمل لساعد هذا كثيراً في حل مشكلة البطالة، ولا سيما إذا علمنا ما يتوفر في البلاد الإسلامية من الطاقة البشرية والأراضي الصالحة للزراعة والمعادن الهامة التي يمكن أن يوفر بها المسلمون الأغذية والصناعات للعالم لو حصل بينهم التكافل الاجتماعي واستثمر أصحاب رؤوس الأموال أموالهم في استصلاح الأراضي الزراعية واستخراج المعادن ووظفوا طاقات العمال فيها.
ولو أنه جمعت أموال الزكاة والثروات العامة من طرف أمناء لا يريدون شيئاً لأنفسهم ووزعت على مستحقيها بعدالة لاستغنى كثير من الناس أو كلهم كما حصل في عهد السلف الأول، فقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن وأمره بأخذ زكاة أغنيائهم وإعطائها لفقرائهم، ولم يمض إلا زمن يسير حتى لم يعد هناك من يقبل الصدقة.
وكان الخلفاء يأمرون عمالهم بتوزيع الزكوات في البلاد التي جبيت بها فيوزعونها ويرجع العمال ولا شيء معهم، ونقل أبو عبيد في كتاب الأموال الإجماع على أن أهل كل بلد أحق بصدقاتهم ما دام فيهم محتاج وإن أتى ذلك على جميع صدقاتهم حتى يرجع الساعي ولا شيء معه، ونقل في ذلك قصصاً عن معاذ وطاووس أن الواحد منهم كان يمشي ساعياً فيقسم الصدقات في فقراء البلد ثم يرجع ولا شيء معه، ثم ذكر أبو عبيد أن معاذاً بعث بثلث صدقة أهل اليمن إلى عمر، فأنكر عليه عمر! وقال: لم أبعثك جابياً ولا آخذ جزية، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فتردها على فقرائهم، فقال معاذ: ما بعثت إليك بشيء حتى وأنا أجد أحداً يأخذه مني، فلما كان العام الثاني بعث إليه شطر الصدقة، فتراجعا بمثل ذلك، فلما كان العام الثالث بعث إليه بها كلها، فراجعه عمر بمثل ما راجعه قبل، فقال معاذ: ما وجدت أحداً يأخذ مني شيئاً.
وقد تجلى بهذه القصة وغيرها مما حصل أيام عمر بن عبد العزيز صدق حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ليأتين الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب ثم لا يجد أحداً يأخذها منه. رواه البخاري ومسلم.
وقد كان عمال عمر بن عبد العزيز يبحثون عن فقراء يعطونهم الزكاة فلا يجدونهم، فيشتروا بها العبيد ويعتقونهم، وقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن عمر رحمه الله اجتهد في مدة ولايته فرد المظالم وصرف إلى كل ذي حق حقه، وكان مناديه ينادي في كل يوم ينادي: أين الغارمون؟ أين الناكحون؟ أين المساكين؟ أين اليتامى؟ حتى أغني كلا من هؤلاء.
وقد وزع بالعراق الأعطيات على الناس من بيت المال ثم بقي شيء فزوج منه العزاب وقضى الديون، ثم بقي شيء فأمر أن يعان منه أهل الذمة. قال أبو عبيد في كتاب الأموال: كتب عمر بن العزيز إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن وهو بالعراق أن أخرج للناس أعطياتهم، فكتب إليه عبد الحميد إني قد أخرجت للناس أعطياتهم، وقد
بقي في بيت المال مال! فكتب إليه أن انظر كل من أدان في غير سفه ولا سرف فاقض عنه، فكتب: إني قد قضيت عنهم، وبقي في بيت مال المسلمين مال، فكتب إليه: أن انظر كل بكر ليس له مال فشاء أن تزوجه فزوجه وأصدق عنه، فكتب إليه: إني قد زوجت كل من وجدت، وقد بقي في بيت مال المسلمين مال، فكتب إليه بعد مخرج هذا: أن انظر من كانت عليه جزية فضعف عن أرضه فأسلفه ما يقوى به على عمل أرضه.
ثم إنا ننصح وجهاء هذه الأمة وأصحاب رؤوس الأموال بالسعي فيما يستطيعون به مساعدة العاطلين عن العمل، فعلى الوجيه أن يشفع لهم ويمشي معهم حتى يفتح لهم الأبواب التي لا يمكنهم فتحها بأنفسهم، وأن يحتسب الثواب عند الله في ذلك، وعلى الغني أن يقرضهم من ماله وأن يوظفهم في مؤسسته، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته. رواه مسلم.
وقال: اشفعوا تؤجروا. رواه البخاري.
وقال: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعاً. ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد يعني مسجد المدينة شهراً. رواه الأصبهاني وابن أبي الدنيا وحسنه الألباني.
وقد رغب الشارع في الإحسان إلى الناس والقرض الحسن، فقال تعالى: وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {البقرة: 195}.
وفي الحديث القدسي: يا عبدي أنفق أنفق عليك. رواه البخاري ومسلم.
وفي الحديث: كل قرض صدقة. رواه الطبراني وحسن المنذري والألباني سنده.
فعلى هؤلاء أن يسعوا في مساعدة إخوانهم من قرضهم الأموال ليعملوا بها وتكوين دورات مهنية في ميادين الأعمال وتعليم الحرف واللغات ومساعدتهم بالشفاعة لهم في إيصال طلباتهم إلى المسؤولين وإقناعهم بضرورة توظيفهم.
والله أعلم.
موسوعة الأسرة المسلمة معدلة - (ج 3 / ص 17)
حقوق الأبناء على الآباء:
اهتم الإسلام بتربية الأبناء اهتمامًا كبيرًا، وجعل على الآباء لأبنائهم حقوقًا، كما جعل للآباء على أبنائهم حقوقًا، وهذه الحقوق هي:
- اختيار الأم الصالحة: فينبغي أن يختار الأب لأبنائه أمًّا صالحة تقوم على تربية أبنائه تربية صحيحة، بحيث يكون هؤلاء الأبناء قادرين عل حمل أمانة الإسلام، والوصول بها إلى غايتها، والدفاع عنها.
- دفع الضرر عنه، وله صور منها: التأذين في أذن المولود اليمنى وإقامة الصلاة في أذنه اليسرى. فعن أبي رافع عن أبيه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم :، أذَّن في أذن الحسن بن علي -حين ولدته فاطمة- بالصلاة) [أبو داود والترمذي]. هذا سوى ما يجب على الوالد من الدفاع عن ولده وحمايته من أي خطر قد يتعرض له في دينه أو دنياه.
- تسميته اسمًا حسنًا حين ولادته، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحسن الأسماء عبد الله، وعبد الرحمن، حيث قال: (إن أحسن أسمائكم إلى الله
عبد الله، وعبد الرحمن) [مسلم].
وحذر الإنسان من أن يختار لابنه اسمًا قبيحًا، فالإنسان يتضرر بالاسم القبيح ويتأذى به، كما أنه يستبشر بالاسم الحسن؛ ولما في ذلك من اقتداء بالأنبياء والصالحين.
- شرع الإسلام العقيقة عن الولد يوم السابع من ولادته إن تيسر ذلك، ويُذبح عن الولد شاتان، وشاة عن البنت، ويدعي إليها الفقراء والمساكين والأقارب والصالحون والأصدقاء، وذلك لزيادة الترابط بين المسلمين، وزيادة المحبة والأخوة، ودفعًا للأذى عن هذا الطفل، ويُسَنُّ حلق شعره قبل العقيقة.
- ختان المولود: لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، ونتف الإبط، وتقليم الأظافر، وقص الشارب) [البخاري]. ويختن الطفل قبل بلوغه السابعة.
- النفقة والواجبات المالية: النفقة واجبة على الأب لأبنائه ذكورًا كانوا أو إناثًا ما داموا في كفالته، وذلك حتى لا يتركهم يتعرضون للضياع والانحراف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كفى بالمرء إثمًا أن يضيِّع من يعول) [أبوداود].
- العدل بين الأولاد، فتفضيل بعض الأبناء على بعض يؤدي إلى إثارة الحقد والحسد والبغض؛ مما يضر بالترابط الأسري، الذي صانه الإسلام، وحافظ عليه بكل السبل.
- حق التربية والتعليم، فتربية الأبناء تربية سليمة أمانة في عنق الوالدين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه، حفظ أم ضيع) [الترمذي].
حقوق الآباء على الأبناء:
فرض الإسلام على الأبناء طاعة الوالدين، والإحسان إليهما، وحسن صحبتهما، قال تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريمًا. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا} [الإسراء: 23-24]. وسئل الفضيل بن عياض عن بر الوالدين، فقال: ألا تقوم إلى خدمتهما وأنت كسلان. وقيل: ألا ترفع صوتك عليهما، ولا تنظر إليهما شزرًا (باحتقار)، ولا يريا منك مخالفة في ظاهر أو باطن، وأن تترحم عليهما ما عاشا، وتدعو لهما إذا ماتا.
ونهى الإسلام عن عقوق الوالدين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ألا أخبركم بأكبر الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين) [الترمذي].
ومن تكريم الإسلام للأم، واعترافًا بمكانتها ودورها أن جعل حقها في البر أكبر من حق الأب، فقد جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله: يا رسول الله: من أَبِرُّ ؟ قال: (أمك)، قال: ثم من ؟ قال: (أمك)قال: ثم من؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال (أباك، ثم الأقرب فالأقرب) [الترمذي].(1/140)
إِثْمُ مَنْ ضَيَّعَ عِيَالَهُ
277-7933 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ " (1)
__________
(1) - المستدرك للحاكم برقم( 8526) وصححه و قال الحافظ الذهبي في التلخيص : على شرط البخاري ومسلم وهو كما قالا
الفتاوى الفقهية الكبرى - (ج 6 / ص 429)
( وَسُئِلَ ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى عِيَالِهِ هَلْ يَشْمَلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ أَوْ يَخْتَصُّ بِالذُّكُورِ وَإِذَا قَضَى الْعُرْفُ بِهَذَا يُعْمَلُ بِهِ أَوْ لَا ؟
( فَأَجَابَ ) بِأَنَّهُ يَشْمَلُ النَّوْعَيْنِ لَكِنَّ الْمُرَادَ هُنَا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ مِنْ الْقَرَابَةِ الَّذِينَ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ { كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ } هَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِبَلَدِ الْوَاقِفِ عُرْفٌ مُطَّرِدٌ عَلِمَهُ الْوَاقِفُ قَبْلَ وَقْفِهِ ، وَإِلَّا نَزَلَ وَقْفُهُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 2612)
«حكم الإيصاء بالنّسبة للموصي»
7 - الإيصاء بالنّسبة للموصي يكون واجباً عليه إذا كان بردّ المظالم ، وقضاء الدّيون المجهولة ، أو الّتي يعجز عنها في الحال ، لأنّ أداءها واجب ، والإيصاء هو الوسيلة لأدائه ، فيكون واجباً مثله.
وكذلك الإيصاء على الأولاد الصّغار ومن في حكمهم إذا خيف عليهم الضّياع ، لأنّ في هذا الإيصاء صيانةً لهم من الضّياع ، وصيانة الصّغار من الضّياع واجبة بلا خلافٍ ، لحديث : « كفى بالمرء إثماً أن يُضَيِّعَ من يَعُول » .
أمّا الإيصاء بقضاء الدّين المعلوم ، وردّ المظالم المعلومة ، وتنفيذ الوصايا إن كانت ، والنّظر في أمر الأولاد الصّغار ومن في حكمهم الّذين لا يخشى عليهم الضّياع ، فهو سنّة أو مستحبّ باتّفاق الفقهاء ، تأسّياً بالسّلف الصّالح في ذلك ، حيث كان يوصي بعضهم إلى بعضٍ ، كما تقدّم.
هذا هو حكم الإيصاء بالنّسبة للموصي.
أمّا بالنّسبة للوصيّ ، فإنّه إذا أوصى إليه أحد جاز له قبول الوصيّة ، إذا كانت له قدرة على القيام بما أوصي إليه فيه ، ووثق من نفسه أداءه على الوجه المطلوب ، لأنّ الصّحابة رضي الله تعالى عنهم كان بعضهم يوصي إلى بعضٍ ، فيقبلون الوصيّة ، فقد روي أنّ عبد اللّه بن عمر كان وصيّاً لرجلٍ ، وكان الزّبير بن العوّام وصيّاً لسبعةٍ من الصّحابة.
وقياس مذهب أحمد أنّ ترك الدّخول في الوصيّة أولى ، لما فيه من الخطر ، وهو لا يعدل بالسّلامة شيئاً ، ولذلك كان يرى ترك الالتقاط ، وترك الإحرام من قبل الميقات أفضل ، تحرّياً للسّلامة واجتناباً للخطر ، ويدلّ على ذلك ، ما رواه مسلم أنّ النّبيّ قال لأبي ذرٍّ : « إنّي أراك ضعيفاً ، وإنّي أحبّ لك ما أحبّ لنفسي ، فلا تأَمَّرَنّ على اثنين ، ولا تَوَلَّينّ مالَ يتيمٍ » .
وفي ردّ المحتار : أنّه لا ينبغي للوصيّ أن يقبل الوصاية ، لأنّها على خطرٍ ، وعن أبي يوسف : الدّخول فيها أوّل مرّةٍ غلط ، والثّانية خيانة ، والثّالثة سرقة.
وعن الحسن : لا يقدر الوصيّ أن يعدل ولو كان عمر بن الخطّاب.
وقال أبو مطيعٍ : ما رأيت في مدّة قضائي عشرين سنةً من يعدل في مال ابن أخيه.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 14 / ص 185)
هجر الأهل بحجة الدعوة...رؤية شرعية رقم الفتوى:23908تاريخ الفتوى:12 شعبان 1423السؤال : ماحكم الشرع فيمن هجر أولاده وأهله من أجل الدعوة إلى الله ؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأولاد المرء وأهله لهم عليه حقوق يجب أن تؤدى بقدر الاستطاعة، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته...... متفق عليه
وقوله: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول. رواه أحمد وصححه النووي.
فإذا قام الشخص بالإنفاق على أهله بقدر الكفاية، فله أن ينصرف إلى الدعوة إلى الله تعالى والعمل من أجل دينه، والمسلم إذا كان على بصيرة وعلم فلن يضيع حقاً بسبب حق بل يعطي كل ذي حق حقه، متمثلاً حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يرويه سلمان رضي الله عنه، والذي نسوقه مع قصته لمناسبتها لموضوع السؤال، روى البخاري بسنده عن أبي جحيفة عن أبيه قال: آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً فَقَالَ لَهَا مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فَقَالَ كُلْ قَالَ فَإِنِّي صَائِمٌ قَالَ مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ قَالَ فَأَكَلَ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ قَالَ نَمْ فَنَامَ ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ نَمْ فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ سَلْمَانُ: قُمْ الْآنَ فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّه.ُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:َ صَدَقَ سَلْمَانُ
قال الحافظ ابن حجر: وفيه جواز النهي عن المستحبات إذا خشي أن ذلك يفضي إلى السآمة والملل وتفويت الحقوق المطلوبة الواجبة أو المندوبة الراجح فعلها على فعل المستحب المذكور. انتهى من فتح الباري.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 19 / ص 314)
حكم رفع الأولاد لولي الأمر منع والدهم إنفاقه عليهم رقم الفتوى:30466تاريخ الفتوى:16 صفر 1420السؤال : بسم الله الرحمن الرحيم
إلى فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي: أنا أبعث لك بسؤالي وأرجو منك أن تفتي لي في هذا الموضوع وهو أن صديقة لي أمها مطلقة منذ أن كانت هي طفلة وهي لا تعرف والدها الذي تخلى عنها وعن إخوتها برضاه ولم يقم بإعطاء أمها أي حق من حقوقها ولأن الأم غير متعلمة لم تستطع حين ذاك الذهاب والمطالبة بحقوقها المهم أن صديقتي كبرت ولكنهم في حاجة للمال فقامت هي وإخوتها برفع قضية في المحكمة على الوالد ليقدم لهم نفقة أو بعض المال ليساعدهم في تدبير أمور حياتهم وعند مثوله للمحكمة رفض مع أنه يملك المال فقامت المحكمة بسجنه عندها قام الأولاد بإسقاط الدعوى وخرج من السجن لأن البعض أخبرهم أن ما قاموا به تجاه والدهم معصية فهل هذا صحيح يافضيلة الشيخ ؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فننبه السائلة إلى أن هذا الموقع ليس تابعاً للشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله، وإنما هو تابع لوزارة الأوقاف بدولة قطر.
وللجواب على السؤال نقول: إن النفقة على الأولاد واجبة على والدهم، وراجعي الفتوى رقم: 7455 - والفتوى رقم: 8534.
فلو قصر الوالد في ذلك الواجب فلهم أن يصلوا إلى حقهم بالمعروف ولو من غير أن يعلم، كما في حديث هند رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك. رواه البخاري وغيره.
فإن تعذر ذلك وامتنع عن أداء ما أوجب الله عليه وسَّطوا أهل العلم والفضل ومن له كلمة عليه من قريب أو صديق ليذكروه بالله تعالى وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول. رواه أبو داود، وفي مسلم : كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته. فإن امتنع ورفعوا أمره إلى ولي الأمر فرأى تعزيره بحبس أو غيره فلا يأثمون على ذلك، بل هو الآثم المضيع لحق الله تعالى وحق أبنائه.
وبناء على هذا فما فعلتموه برفع أمره للقضاء لا ضير فيه، ولعل ذلك يكون تنبيهاً وإيقاظاً له من غفلته وإهمال أولاده.
ثم إن عفوهم عنه ليخرج من السجن يعد من جميل الإحسان منهم إليه، فجزاهم الله عليه خيراً، فبر الوالدين مطلوب ولو أساءا.
ولعل عدم بركم له فيما مضى من الزمن كان سبباً في حدوث تلك الجفوة، علماً بأن بر الوالدين واجب على الأبناء ولو قصرا في حقوق أبنائهم، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 23257 - والفتوى رقم: 22420.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 37 / ص 436)
التفريط في حق الزوجة والأولاد يستوجب الإثم رقم الفتوى:55891تاريخ الفتوى:09 شوال 1425السؤال:
لي أحد الأقارب خرج للدعوة في سبيل الله مع إحدى الجماعات في شهر رمضان لمدة أربعين يوما وترك زوجته مريضة وأولادا صغارا فهل هذا يجوز شرعا؟
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان قد تركهم وترك لهم النفقة الكافية وأوصى من يرعاهم من القرابة ومن يقوم بشؤونهم التي يحتاجونها فليس آثماً، وقد كان الناس من زمن الصحابة فمن بعدهم إلى يومنا هذا يسافرون لأمر الدنيا من تجارة وطلب رزق فضلاً عن أمر الدين كالجهاد والدعوة إلى الله ونحو ذلك، دون نكير من أحد من أهل العلم، وليس في ذلك ما يمنع شرعاً.
أما إذا كان قصر في حقهم بأن تركهم بلا نفقة أو بلا راعي يتولى شؤونهم فقد فرط، قال صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول. رواه النسائي.
والله أعلم.
55896
فتاوى
عنوان الفتوى:الحكمة من النهي عن قتل الضفدع رقم الفتوى:55896تاريخ الفتوى:09 شوال 1425السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
السادة الكرام حصل جدال شديد بيني وبين صديق لي يقيم في فرنسا حول ما حرمه الله عز وجل من أكل الضفادع والكلاب ....الخ وكل ما كان: على اللحوم ولحم الميتة من الحيوانات وحلل الله عز و جل كل الحيوانات البحرية؟ سؤال الصديق كان: أن الدجاج يمكن أن يأكل كل ما يحصل عليه حتى ولو (فأر ميت) < بالفعل هذه الحالة رأيتها بنفسي >سؤال الصديق أيضا: لماذا حرم لحم الضفادع؟ أما بالنسبة لي ليس لدي جواب لأسئلته ولم أتمكن من الإجابة عن هذا الموضوع وخاصة أنه طلب إثبات من القرآن الكريم
الرجاء مساعدتي في إقناع الصديق بمساعدتكم وأرجو أن تعززوا إجابتكم بآيات من القرآن الكريم.
و جزاكم الله كل خير .
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الإجابة على سؤالك نريد أولاً أن ننصحك بترك الجدال لتفوز ببيت في الجنة، فقد روى أبو داود رضي الله عنه وغيره من حديث أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه. الحديث حسنه الألباني وغيره.
وبالنسبة لما سألت عنه، فإن الله تعالى قد أحل لعباده الطيبات من الرزق وحرم عليهم الخبائث، قال تعالى: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ {المائدة: 4}.
والدجاج إذا أكل النجاسات صار من الجلالة التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج أصحاب السنن عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها. والجلالة هي كل ما يأكل النجاسة.
وبالنسبة للضفدعة فقد ورد النهي عن قتلها، وذاك يستلزم منع أكلها. قال صاحب عون المعبود: روى البيهقي في سننه عن سهل بن سعد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل خمسة: النملة والنحلة والضفدع والصرد والهدهد. انتهى
فنهيه صلى الله عليه وسلم عن قتلها يدل على أن الضفدع يحرم أكلها وأنها غير داخلة فيما أبيح من دواب الماء.
والحكمة من النهي عن قتل الضفدع أن نقيقها تسبيح، روى البيهقي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: لا تقتلوا الضفادع فإن نقيقها تسبيح.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 43 / ص 348)
امتناع الزوج من النفقة على عياله رقم الفتوى:63377تاريخ الفتوى:07 جمادي الأولى 1426السؤال :
بسم الله الرحمن الرحيم
لي أخت متزوجة وعندها طفلان وزوجها كل سنة يسافر للعمرة، أما هذا العام ربنا أكرمه وذهب للحج، ولكن قبل أن يسافر كان يعامل أختي أحسن معاملة وبعد ما رجع من الحج بدأ يعاملها معاملة غريبة ويشتم ويسب بدون داع، وفي يوم قام بطلاقها غيابيا، ماذا أفعل معه والآن لا يسأل على أولاده ولا حتى بتليفون ولا يصرف عليهم ولا أي شيء كأن شيئا لم يكن.
الفتوى :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن إساءة الزوج عشرة زوجته وتركه نفقة أولاده من الأمور المحرمة، لقول الحق سبحانه: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة: 228}.
وفي الحديث: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول. رواه الترمذي وصححه الأرناؤوط.
وعلى هذا، فإن كان ما نسبت إلى زوج أختك صحيحاً فهو آثم تجب عليه التوبة، وأما أنت فينبغي أن تسعي للصلح بين أختك وزوجها، فيردها إلى عصمته إن كانت العدة قائمة وإلا تزوجها من جديد فيعود بذلك الأنس والود الذي كان قائماً بين هذين الزوجين مما يعود بالخير على ولديهما.
فإن وفقت إلى حصول ذلك، فالأمر واضح ، وإلا فلا مانع من رفع أمر هذا الرجل إلى القاضي ليزمه بالنفقة على أولاده إذا تعذر حل القضية ودياً.والله أعلم.(1/141)
278-7934 أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ : سَمِعْتُ سُفْيَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَابِرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ (1)
__________
(1) - سنن أبى داود برقم( 1694 ) ومسند أحمد برقم( 6651و7003 و7019 ) صحيح و قال الحافظ الذهبى فى " العلو " 1 / 79 : قال ابن منده : إسناده صحيح .
عون المعبود - (ج 4 / ص 101)
1442 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( الْخَيْوَانِيّ ) : بِفَتْحِ الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون التَّحْتَانِيَّة الْهَمَدَانِيُّ الْكُوفِيّ مَقْبُول مِنْ الرَّابِعَة كَذَا فِي التَّقْرِيب
( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّع مَنْ يَقُوت ) : قَالَ السِّنْدِيُّ : مَنْ يَقُوت مِنْ قَاتَهُ أَيْ أَعْطَاهُ قُوته وَيُمْكِن أَنْ يُجْعَل مِنْ التَّفْعِيل وَهُوَ مُوَافِق لِرِوَايَةِ مَنْ يُقِيت مِنْ أَقَاتَ أَيْ مَنْ تَلْزَمهُ نَفَقَته مِنْ أَهْله وَعِيَاله وَعَبِيدِهِ اِنْتَهَى . قَالَ الْخَطَّابِيُّ : يُرِيد مَنْ يَلْزَمهُ قُوته ، وَالْمَعْنَى كَأَنَّهُ قَالَ لِلْمُتَصَدِّقِ لَا يَتَصَدَّق بِمَا لَا فَضْل فِيهِ عَنْ قُوت أَهْله يَطْلُب بِهِ الْأَجْر فَيَنْقَلِب ذَلِكَ الْأَجْر إِثْمًا إِذَا أَنْتَ ضَيَّعْتهمْ اِنْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيّ : وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ ، وَأَخْرَجَ مُسْلِم فِي الصَّحِيح مِنْ حَدِيث خَيْثَمَةَ بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِس عَمَّنْ يَمْلِك قُوته " .
فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (ج 10 / ص 335)
[ص 552] 6237 - (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت) أي من يلزم قوته قال الزمخشري: قاته يقوته إذا أطعمه قوتاً ورجل مقوت ومقيت وأقات عليه أقاته فهو مقيت إذا حافظ عليه وهيمن ومنه {وكان اللّه على كل شيء مقيتاً} وحذف الجار والمجرور من الصلاة هنا نظير حذفهما في الصفة من قوله تقدس {واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً} إلى هنا كلامه وهذا صريح في وجوب نفقة من يقوت لتعليقه الإثم على تركه لكن إنما يتصور ذلك في موسر لا معسر فعلى القادر السعي على عياله لئلا يضيعهم فمع الخوف على ضياعهم هو مضطر إلى الطلب لهم لكن لا يطلب لهم إلا قدر الكفاية لأن الدنيا بغيضة للّه وسؤال أوساخ الناس قروح وخموش يوم القيامة قال الحرالي: والضيعة هو التقريظ فيما له غناء وثمرة إلى أن لا يكون له غناء ولا ثمرة.
- (حم د ك) في الزكاة (هق عن ابن عمرو) بن العاص صححه الحاكم وأقره الذهبي، وقال في الرياض: إسناده صحيح، ورواه عنه أيضاً النسائي وهو عند مسلم بلفظ: كفى بالمرء إثماً أن يحبس عن من يملكه قوته، وسببه كما في البيهقي: أن ابن عمرو كان ببيت المقدس فأتاه مولى له فقال: أقيم هنا رمضان؟ قال: هل تركت لأهلك ما يقوتهم؟ قال: لا. قال: سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: فذكره.
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 6 / ص 314)
وَسُئِلَ عَنْ سَفَرِ صَاحِبِ الْعِيَالِ . . . ؟ إلَخْ
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ أَمَّا سَفَرُ صَاحِبِ الْعِيَالِ فَإِنْ كَانَ السَّفَرُ يَضُرُّ بِعِيَالِهِ لَمْ يُسَافِرْ ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " { كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ } وَسَوَاءٌ كَانَ تَضَرُّرُهُمْ لِقِلَّةِ النَّفَقَةِ أَوْ لِضَعْفِهِمْ وَسَفَرُ مِثْلِ هَذَا حَرَامٌ . وَإِنْ كَانُوا لَا يَتَضَرَّرُونَ بَلْ يَتَأَلَّمُونَ وَتَنْقُصُ أَحْوَالُهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي السَّفَرِ فَائِدَةٌ جَسِيمَةٌ تَرْبُو عَلَى ثَوَابِ مُقَامِهِ عِنْدَهُمْ كَعَلَمٍ يَخَافُ فَوْتَهُ وَشَيْخٍ يَتَعَيَّنُ الِاجْتِمَاعُ بِهِ ؛ وَإِلَّا فَمُقَامُهُ عِنْدَهُمْ أَفْضَلُ وَهَذَا لَعَمْرِي إذَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ فِي السَّفَرِ كَانَ مَشْرُوعًا . وَأَمَّا إنْ كَانَ كَسَفَرِ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ إنَّمَا يُسَافِرُ قَلَقًا وَتَزْجِيَةً لِلْوَقْتِ فَهَذَا مُقَامُهُ يَعْبُدُ اللَّهَ فِي بَيْتِهِ خَيْرٌ لَهُ بِكُلِّ حَالٍ وَيَحْتَاجُ صَاحِبُ هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يَسْتَشِيرَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ رَجُلًا عَالِمًا بِحَالِهِ وَبِمَا يُصْلِحُهُ مَأْمُونًا عَلَى ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ أَحْوَالَ النَّاسِ تَخْتَلِفُ فِي مِثْلِ هَذَا اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
طرح التثريب - (ج 7 / ص 433)
( السَّادِسَةُ ) قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى تَحْرِيمِ الْإِيثَارِ بِقُوتِهِ أَوْ قُوتِ عِيَالِهٍ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالْبَدَاءَةِ بِمَنْ يَعُولُ ، وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ } ، وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لَكِنْ صَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ جَوَازَ الْإِيثَارِ بِقُوتِهِ دُونَ قُوتِ عِيَالِهِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ الضِّيَافَةِ الْفَضْلُ عَنْ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ لِتَأَكُّدِهَا وَكَثْرَةِ الْحَثِّ عَلَيْهَا قَالَ : وَلَيْسَتْ الضِّيَافَةُ صَدَقَةً ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي نَزَلَ بِهِ الضَّيْفُ فَأَطْعَمَهُ قُوتَ صِبْيَانِهِ لَكِنَّهُ خَالَفَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَقَالَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ ، وَأَجَابَ عَنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّ الصِّبْيَانَ لَمْ يَكُونُوا مُحْتَاجِينَ لِلْأَكْلِ ، وَإِنَّمَا طَلَبُوهُ عَلَى عَادَةِ الصِّبْيَانِ فِي الطَّلَبِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
سبل السلام - (ج 5 / ص 319)
( 1072 ) - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ } رَوَاهُ النَّسَائِيّ ، وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ " أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ " .
الشَّرْحُ
( وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ } .
رَوَاهُ النَّسَائِيّ ، وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ ) .
الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الْإِنْسَانِ لِمَنْ يَقُوتُهُ ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ آثِمًا إلَّا عَلَى تَرْكِهِ لِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ ، وَقَدْ بُولِغَ هُنَا فِي إثْمِهِ بِأَنْ جُعِلَ ذَلِكَ الْإِثْمُ كَافِيًا فِي هَلَاكِهِ عَنْ كُلِّ إثْمٍ سِوَاهُ .
وَاَلَّذِينَ يَقُوتُهُمْ وَيَمْلِكُ قُوتَهُمْ هُمْ الَّذِينَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ أَهْلُهُ وَأَوْلَادُهُ وَعَبِيدُهُ عَلَى مَا سَلَفَ تَفْصِيلُهُ .
وَلَفْظُ مُسْلِمٍ خَاصٌّ بِقُوتِ الْمَمَالِيكِ وَلَفْظُ النَّسَائِيّ عَامٌّ .
الفقه الإسلامي وأصوله - (ج 2 / ص 268)
-3 التصدق بجميع المال:
إن كانة الفطر: ذهب الحنفية إلى أن زكايتهم، فأراد الصدقة بجميع ماله، وكان ذا مكسب، أو كان واثقاً من نفسه بحسن التوكل، والصبر على الفقر، والتعفف عن المسألة، فهو حسن، وإلا فلا يجوز بل يكره، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: "أي الصدقة أفضل؟ قال: سرّ إلى فقير أو جَهْد من مُقلّ". رواه أحمد والطبراني.
-4 الأولى في الصدقة:
الأولى أن يتصدق المرء من الفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه على الدوام، وإن تصدق بما ينقص من مؤنة من يمونه أثم، لقوله صلى الله عليه وسلم في الأولى: "خير الصدقة: ما كان عن ظهر غنى، وابداً بمن تعول". متفق عليه. أي عن غنى النفس وصبرها على الفقر، ولقوله عليه السلام في حالة الإثم : "كفى بالمرء إثماً أن يضيع مَنْ يقوت(1)". رواه أبو داود والنسائي.
الفقه الإسلامي وأصوله - (ج 2 / ص 450)
والاستطاعة التي تشرط لوجوب الحج قسمان :
القسم الأول : الاستطاعة التي تشترط في الرجال والنساء :
القدرة على الزاد وآلة الركوب، وصحة البدن، وأمن الطريق، وإمكان السير.
آ- القدرة على الزاد وآلة الركوب والنفقة :
ذهب الجمهور الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه يختص اشتراط القدرة على آلة الركوب بمن كان بعيداً عن مكة ذهاباً وإياباً.
والمسافة البعيدة عند الشافعية والحنابلة فهو من كان بينه وبين مكة مرحلتان، وهي مسافة القصر عندهم. وتقدر بـ 88.5 كم.
وعند الحنفية تقدر بـ 81 كم وقيل 83.5 كم.
وذهب المالكية إلى أنه يجب عليه الحج إذا كان صحيح البنية يقدر على المشي، وهو يملك الزاد.
اختلاف العلماء في الزاد ووسائل المواصلة هل يشترط ملكية المكلف لما يحصلها به أو لا يشترط ؟ :
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أن ملك ما يحصل به الزاد ووسيلة النقل شرط لتحقق وجوب الحج.
وذهب الشافعي إلى أَنه يجب الحج بإباحة الزاد والراحلة إذا كانت الإباحة ممن لا منَّةَ له على المباح له، كالوالد إذا بذل الزاد والراحلة لابنه.
- شروط الزاد وآلة الركوب وما يتفرع عليها :
وقد ذكر العلماء شروطاً في القدرة على الزاد وآلة الركوب هي تفسير وبيان لهذا الشرط، نذكرها فيما يلي :
أ- أن الزاد الذي تشترط القدرة عليه هو ما يحتاج إليه في ذهابه ورجوعه من مأكول ومشروب وكسوة بنفقة وسط لا إسراف فيها ولا تقتير، فلو كان يستطيع زاداً أَدنى من الوسط الذي اعتاده لا يعتبر مستطيعاً للحج، ويتضمن اشتراط الزاد أيضاً ما يحتاج إليه من آلات للطعام والزاد مما لا يستغنى عنه.
ب- صرح الفقهاء : بأنه يشترط في الراحلة أن تكون مما يصلح لمثله إما بشراء أَو بكراء.
ومعلوم أن تقدم الحضارة أَلغى استعمال الدواب في الأسفار وأَحل مكانها الطائرات والبواخر والسيارات، فمن وجد نفقة وسيلة للسفر لا تناسبه لا يكون أيضاً مستطيعاً للحج حتى يتوفر لديه أَجر وسيلة سفر تناسب أمثاله.
جـ- إن ملك الزاد ووسيلة النقل يشترط أن يكون فاضلاً عما تمس إليه الحاجة الأصلية.
والحاجة الأصلية تشمل ثلاثة أمور هي :
1) نفقة عياله ومن تلزمه نفقتهم مدة ذهابه وإيابه، لأن النفقة حق للآدميين، وحق العبد مقدم على حق الشرع، وقد روى عبد الله ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت" أخرجه أبو داود والحاكم.
2) ما يحتاج إليه هو وأهله من مسكن، ومما لابد منه لمثله كالخادم وأثاث البيت وثيابه بقدر الأعتدال المناسب له في ذلك كله.
3) قضاء الدين الذي عليه، لأن الدين من حقوق العباد، وهو من حوائجه الأصلية فهو آكد، وسواء كان الدين لآدمي أو لحق الله تعالى كزكاة في ذمته، أو كفارات ونحوها.
فإذا ملك الزاد والحَمولة زائداً عما تقدم فقد تحقق فيه الشرط، وإلا لم يجب عليه الحج.
الفقه الإسلامي وأصوله - (ج 3 / ص 355)
في نفقة الأولاد والأقارب:
تمهيد
- دليل وجوب النفقة:
نفقة الأقارب نوع من التكافل الاجتماعي الذي أرسى الإسلام قواعده وشيد أركانه، وأصل وجوب هذه النفقة مقرر في كتاب الله إجمالاً في أكثر من آية، وجاءت السنة مفصلة وشارحة في أحاديث عديدة، وطبق ذلك في المجتمع الإسلامي في عصوره المختلفة.
يقول جل شأنه: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ....} إلى أن قال: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233].
وفي آية أخرى يقول عز من قائل: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} [النساء: 36].
وفي آية ثالثة يقول سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23].
وفي رابعة يقول جل ثناؤه: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء: 26].
وفي خامسة يقول جل وعلا: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] نزلت في الأبوين الكافرين والمصاحبة بالمعروف كما فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسن العشرة بأن يطعمهما إذا جاعا، ويكسوهما إذا عريا.
أما السنة: فالأحاديث كثيرة نكتفي ببعضها منها:
ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني إلا ما أخذت من ماله بغير علمه فهل عليّ في ذلك من جناح؟، فقال: "خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك".
وما رواه النسائي عن طارق المحاربي قال: قدمنا المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب الناس ويقول: "يد المعطي العليا وأبدأ بمن تعول أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك".
وما رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن بَهز بن حكيم عن أبيه عن جده معاوية بن حَيْدة القشيري قال: قلت يا رسول الله من أبَرّ؟ قال أمك، قلت: ثم من؟، قال : أمك، قلت ثم من؟، قال أمك، قلت ثم من؟، قال: أباك، ثم الأقرب فالأقرب".
وما رواه النسائي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت".
فهذه النصوص توجب النفقة للأقارب في جملتها، ولما كانت دلالتها متنوعة منها القطعي والظني، وكما أن الأحاديث كلها من أخبار الآحاد وثبوتها ظني، وكما أن منها ما صح عند بعض الأئمة بينما لم يصح عند الآخرين لذلك اختلف الأئمة فيمن تجب له هذه النفقة على آراء:
-1 فذهب مالك أن نفقة الأقارب تنحصر في قرابة الولاد المباشرة، فتجب للأب والأم على الولد ذكراً كان أم أنثى، وتجب على الأب لأولاده، ولا تجب على الأم نفقة لأولادها، ولا تجب لغير هؤلاء نفقة على أحد من أقاربهم.
ودليله على وجوب النفقة للوالدين الآيات التي أوجبت ذلك صراحة من قوله تعالى: {وبالوالدين إحساناً}، وقوله : {وصاحبهما في الدنيا معروفاً}، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت ومالك لأبيك".
أما وجوبها للأولاد فبقوله تعالى: {وعلى المولود له زرقهن وكسوتهن بالمعروف} وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذي ما يكفيك وبنيك بالمعروف" قالوا: فهذه النصوص صريحة في ذلك فيقتصر على مورد النص، أما غير هؤلاء فلا يصلون إلى مرتبتهم فلا يقاسون عليهم.
-2 وذهب الشافعي أن النفقة تجب للأصول على الفروع وبالعكس، فالقرابة الموجبة هي قرابة الولاد مطلقاً مباشرة وغير مباشرة.
ودليله على ذلك الأدلة السابقة بتوسع في معنى الوالدين ليشمل الأجداد، والأولاد يشمل أولاد الأولاد لأن الأجداد آباء، وأولاد الأولاد أولاد.
ولا تجب لغير هؤلاء، أما قوله تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك} فلا يدل على وجوب النفقة على القريب الوارث لأنه معطوف على قوله تعالى: {لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده} لا على قوله: {وعلى المولود له رزقهن} ولكننا نقول: إن هذا مجرد احتمال لأن الظاهر أنه معطوف على الأول، لأن الأحاديث صرحت بوجوب النفقة للأقارب غير الأصول والفروع كقول الرسول: "وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك بعد قوله أمك وأباك.
-4 وذهب الحنفية إلى أن القرابة الموجبة للنفقة هي القرابة المحرمة للزواج فتجب على الشخص لكل قريب تربطهما قرابة محرمية، وهي تشمل الأصول والفروع والمحارم من الحواشي كالإخوة والأخوات وأولادهم، والأعمام والعمات والأخوال والخالات، أما القريب غير المحرم فلا تجب له نفقة كأولاد العم والعمة وأولاد الخال والخالة.
وسندهم في ذلك الأدلة السابقة في أول الفصل التي توجب النفقة للأصول والفروع والأقارب الوارثين، ولكنهم قيدوا الوارثين بالمحارم بما روي أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان يقرأ آية البقرة {وعلى الوارث مثل ذلك} بزيادة: {ذي الرحم المحرم} وهي وإن لم تثبت قرآنيتها لعدم تواترها إلا أنها تعتبر تفسيراً وبياناً مسموعاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولأن القرابة المحرمية قرابة قوية تستحق العناية والمحافظة عليها من القطيعة بإيجاب النفقة لها دون غيرها، ولهذا كانت سبباً في تحريم الزواج عند وجودها لما في الزواج من بسط سلطان الزوج على زوجته مما قد يؤدي إلى قطع الرحم، فاقتصر إيجاب النفقة على من اتصف بها دون من هو أدنى منه قرابة.
-5 وذهب الحنابلة إلى أن وجوب نفقة القريب على قريبه يدور مع الإرث وجوداً وعدماً، فإذا كان القريب وارثاً وجبت له النفقة لا فرق بين أصل وفرع ولا بين محرم وغيره.
وسندهم في ذلك قوله تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك} فإنها أوجبت على الوارث مثل ما أوجبته الآية في أولها على الأب من النفقة، وذلك لأن القرابة التي تجعل القريب أحق بتركة قريبه وهو غنم تقتضي أن يقابله غرم وهو وجوب النفقة على الوارث، ولذلك شرطوا اتحاد الدين بين من تجب له النفقة ومن تجب عليه حتى ولو كانوا من الأصول والفروع، في الرواية الراجحة في المذهب.
وفي رواية أخرى يشترط في غير الأصول والفروع، وهذه الرواية - في نظري - هي التي تتفق مع صريح النصوص لأنها مطلقة لم تفرق بين المتفقين في الدين والمخالفين فقوله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} مطلق في كل مولود له، وقوله: {وصاحبهما في الدنيا معروفاً} نزل بخصوص الوالدين الكافرين، وكذلك أدلة وجوب النفقة للأولاد مطلقة، وأما قوله تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك} فظاهرها أنها في الأقرباء الآخرين.
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 5816)
17 - خصال الحاجة الأصليّة ثلاث :
أ - نفقة عياله ومن تلزمه نفقتهم مدّة ذهابه وإيابه عند الجمهور « خلافا للمالكيّة كما نوضّح في الخصلة التّالية » ، لأنّ النّفقة حقّ للآدميّين ، وحقّ العبد مقدّم على حقّ الشّرع.
لما روى عبد اللّه بن عمرو عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال : «كفى بالمرء إثما أن يضيّع من يقوت» .
ب - ما يحتاج إليه هو وأهله من مسكن ، وممّا لا بدّ لمثله كالخادم وأثاث البيت وثيابه بقدر الاعتدال المناسب له في ذلك كلّه ، عند الجمهور خلافا للمالكيّة أيضا.
وقال المالكيّة في هاتين الخصلتين : يبيع في زاده داره الّتي تباع على المفلس وغيرها ممّا يباع على المفلس من ماشية وثياب ولو لجمعته إن كثرت قيمتها ، وخادمه ، وكتب العلم ولو محتاجا إليها.
وإن كان يترك ولده وزوجته لا مال لهم ، فلا يراعي ما يؤول إليه أمره وأمر أهله وأولاده في المستقبل ، وإن كان يصير فقيرا لا يملك شيئا ، أو يترك أولاده ونحوهم للصّدقة ، إن لم يخش هلاكا فيما ذكر أو شديد أذى «.
وهذا لأنّ الحجّ عندهم واجب على الفور كما قدّمنا.
ج - قضاء الدّين الّذي عليه ، لأنّ الدّين من حقوق العباد ، وهو من حوائجه الأصليّة ، فهو آكد ، وسواء كان الدّين لآدميّ أو لحقّ اللّه تعالى كزكاة في ذمّته أو كفّارات ونحوها.
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 8064)
«ترك التّكسّب في رمضان للتّفرّغ للعبادة»
15 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الاكتساب فرض للمحتاج إليه بقدر ما لا بدّ منه.
واختلف الفقهاء أيّهما أفضل: الاشتغال بالكسب أفضل ، أم التّفرّغ للعبادة ؟.
فذهب البعض إلى أنّ الاشتغال بالكسب أفضل ; لأنّ منفعة الاكتساب أعمّ ، فمن اشتغل بالزّراعة - مثلًا - عمّ نفع عمله جماعة المسلمين ، ومن اشتغل بالعبادة نفع نفسه فقط.
وبالكسب يتمكّن من أداء أنواع الطّاعات كالجهاد والحجّ والصّدقة وبرّ الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الأقارب والأجانب ، وفي التّفرّغ للعبادة لا يتمكّن إلاّ من أداء بعض الأنواع كالصّوم والصّلاة.
ومن ذهب إلى أنّ الاشتغال بالعبادة أفضل احتجّ بأنّ الأنبياء والرّسل عليهم الصلاة والسلام ما اشتغلوا بالكسب في عامّة الأوقات ، وكان اشتغالهم بالعبادة أكثر ، فيدلّ هذا على أفضليّة الاشتغال بالعبادة ; لأنّهم عليهم الصلاة والسلام كانوا يختارون لأنفسهم أعلى الدّرجات.
وعليه فمن ملك ما يكفي حاجته في رمضان كان الأفضل في حقّه التّفرّغ للعبادة طلبًا للفضل في هذا الشّهر ، وإلاّ كان الأفضل في حقّه التّكسّب حتّى لا يترك ما افترض عليه من تحصيل ما لا بدّ منه.
وقد أخرج أحمد في مسنده عن وهب بن جابرٍ الخيوانيّ قال: شهدت عبد اللّه بن عمرٍو في بيت المقدس وأتاه مولًى له فقال: إنّي أريد أن أقيم هذا الشّهر هاهنا - يعني رمضان - قال له عبد اللّه: هل تركت لأهلك ما يقوتهم ؟ قال: لا ، قال: أما لا ، فارجع فدع لهم ما يقوتهم ، فإنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: « كفى بالمرء إثمًا أن يضيّع من يقوت » وقد ترجم الخطيب في كتابه الجامع لأخلاق الرّاوي وآداب السّامع لهذا الحديث بقوله: ذكر ما يجب على طالب الحديث من الاحتراف للعيال واكتساب الحلال.
وانظر مصطلح: «اكتساب» .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 70 / ص 5)
النافلة من الصدقات
14- صدقة التطوع مستحبة في جميع الأوقات لقوله تعالى { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً } وأمر بالصدقة في آيات كثيرة وحث عليها ورغب فيها .
ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ، ولا يصعد إلى الله إلا الطيب فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل )
وقد اختلف الفقهاء في حكم التصدق قبل أداء الواجبات من الزكوات والكفارات وقبل الإنفاق على من تجب نفقتهم من الأقارب والزوجات .
فيرى جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والحنابلة أنه يحرم عليه ذلك .والأصح عند الشافعية أنه يحرم صدقته بما يحتاج إليه لنفقة من تلزمه نفقته أو يحتاج إليه لنفقة نفسه ولم يصبر على الإضافة أو ما 41 115 يحتاج إليه لدين لا يرجو له وفاء لخبر ( كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت ) ( وابدأ بمن تعول ) ولأن كفايتهم فرض وهو مقدم على النفل .
ومقابل الأصح عندهم أنها غير مستحبة .
وانظر تفصيل ذلك في مصطلح ( صدقة ف 23 ) .
وقال ابن رجب الحنبلي الصدقة منها ما نفعه متعد كالإصلاح ، وإعانة الرجل على دابته يحمله عليها أو يرفع متاعه عليها ، والكلمة الطيبة ويدخل فيها السلام وتشميت العاطس ، وإزالة الأذى عن الطريق ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ودفن النخامة في المسجد ، وإعانة ذي الحاجة الملهوف وإسماع الأصم ، والبصر للمنقوص بصره ، وهداية الأعمى أو غيره الطريق ، وجاء في بعض روايات حديث أبي ذر ( وبيانك عن الأرتم صدقة ) يعني من لا يطيق الكلام إما لآفة في لسانه أو لعجمة في لغته فيبين عنه ما يحتاج إلى بيانه .
ومنه ما هو قاصر النفع كالتسبيح والتكبير والتحميد والتهليل ، والمشي إلى الصلاة ، والجلوس في المساجد لانتظار الصلاة أو لاستماع الذكر ، والتواضع في اللباس والمشي والهدى ، والتبذل في المهنة واكتساب الحلال والتحري فيه .
فتاوى نور على الدرب للعثيمين - (ج / ص 1)
السؤال
تقول السائلة والدي يكثر من ضرب الغنم فهل عليه إثمٌ في ذلك؟
الجواب
الشيخ: الواجب على من ملكه الله تعالى شئ من هذه الحيوانات أن يرفق بها وأن يسعى إلى ما فيه خيرها ومصلحتها لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت) ولأنه ثبت عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن امرأةً دخلت النار في هرةٍ حبستها لا هي أطعمتها حين حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض وإذا كان يجب على مالك البهائم مراعاة مصالحها فإنه يجب عليه أن يتجنب ما يضرها ومن ذلك أن يضربها ضرباً مبرحاً لغير حاجة لأن هذه الحيوانات تتألم ويلحقها وجع فلا يجوز أن يضربها الإنسان إلا لحاجة وبقدر الحاجة فقط فأبلغ الوالد بذلك إذا كان لا يسمع هذا البرنامج وقل له أن يتقي الله عز وجل فإني أخشى أن يعذب على هذا ولقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنه إذا كان يوم القيامة يقتص للشاة الجلحى من الشاة القرناء هذا وهو في البهائم فكيف في الآدميين.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 11 / ص 442)
هل يلزم الأب المطلق بنفقة ابنه؟
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/النفقات
التاريخ 01/09/1426هـ
السؤال
أنا امرأة تزوجت في سن صغيرة، ولم أوفق في زواجي -والحمد لله على كل حال- تم الطلاق وأنا في سن العشرين ولدي ولد من هذا الزواج، توليت تربيته والإنفاق عليه حيث طلب مني زوجي أن أتنازل عن مصاريفه والإنفاق عليه مقابل الطلاق، وبعد عشر سنوات رزقني الله بالرجل الصالح -والحمد لله- زوجي ملتزم ومتعلم وذو خلق ودين ووضعه المادي جيد، وقد وافقت عليه لأخلاقه، ورغبة مني في الستر, إلا أن زوجي متزوج وزوجته الأولى متعلمة، إلا أنني بعد الزواج تفاجأت بالسلوك غير الحميد من ناحيتها، وبالاتصال علي والتلفظ بما لا يليق، وإرسال الرسائل التي تتهمني فيها بغش زوجها واستدراجه للزواج منه، والله هو العالم أنني لم أفعل ذلك -والحمد لله- الذي مكنني من ضبط مشاعري وعدم الرد عليها، بل ومراعاة ظروفها ووضعها النفسي، كما أنني ألاحظ عدم العدل من قبل زوجي من ناحية المعاملة، فمثلاً أجده يراعي وضعها النفسي، ويشفق عليها ويتحمل منها ما لا يتحمل مني، ولا أجد القبول منه بل أجد الانتقاد.
سؤالي الأول هو: هل يحق لزوجي السابق أن يشترط ألا ينفق على ابنه شرطاً للطلاق؟ وما الحل في هذا الموقف؟
السؤال الثاني: هل هناك حل شرعي لمن ترغب في الستر، سواء كانت أرملة أو مطلقة غير الزواج برجل متزوج. وإن كان العرف في هذا الزمن يعتبر الزواج من رجل متزوج جريمة وخراب ديار؟!
ثالثا: ما الموقف الذي أتخذه مع زوجي وزوجته؟
أخيراً: أنا لا أجد حلاً لما أنا فيه سوى الدعاء، إلا أنني غالباً أفكر في طلب الطلاق، وأجد أن زوجي لن يمانع في ذلك، لأنه غير متمسك بي، وهو رجل فاضل، إلا أنني لا أرى أن لي مكاناً عنده. أفيدوني جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فنفقة الأولاد واجبة على والدهم بلا خلاف؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت"، رواه أحمد (6495) وأبو داود (1692) والنسائي في الكبرى (9177)، من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-.
ولكن لو طلق الرجل زوجته بناءً على طلبها مقابل تحملها نفقتهم صح ذلك، وعدَّه بعض العلماء خلعاً لا طلاقاً؛ لأن ركن الخلع أن يكون بعوض مالي والنفقة مال.
ويلاحظ أن الأخت السائلة لم تسأل عن ذلك إلا بعد مرور عشر سنوات من الطلاق، ورضاها بذلك طيلة الفترة الماضية لكونها موظفة تستطيع أن تنفق على نفسها وعلى ولدها.
والحل هنا إن كان يشق على الأخت السائلة النفقة أن توسط من تراه صالحاً من أهل العقل والدين لإقناع مطلقها بالنفقة على ولده منه وتذكيره بفضل هذه العبادة الجليلة، وفي حال عجز السائلة عن النفقة رجعت النفقة على والد الطفل حتماً حتى لا يتضرر.
أما الحل الشرعي لمن ترغب في الستر فهو الزواج، سواء برجل متزوج أو غير متزوج، وليست المرأة مجبرة على الزواج برجل متزوج، ولكنه خير من بقائها بلا زوج، خاصة أن الأخت السائلة تثني على زوجها، وأنه متعلم وذو خلق وأنه فاضل، فهذا مكسب عظيم إذ يعز وجود مثل ذلك.
أما ما ذكرته السائلة من أن الزواج من رجل متزوج جريمة وخراب ديار فهذا غير صحيح؛ فكثير من النساء الأبكار صغيرات السن -فضلاً عن المطلقات والأرامل- قد تزوجن برجال معددين وعشن حياة سعيدة وطيبة، ولو أن الزواج برجل متزوج جريمة وخراب ديار لما أقدم الناس عليه بهذه الصورة، بل هو أمر جائز شرعاً ومقبول عرفاً وواقع حساً، أما نظرة البعض القاصرة تجاه التعدد فهي مما لا قيمة له لمخالفته الأدلة الشرعية.
أما الموقف الذي تتخذينه مع زوجك فهو التقرب إليه والصبر على ما قد يصدر منه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن خير النساء؟ قال: "التي تطيع إذا أمر، وتسر إذا نظر، وتحفظه في نفسها وماله" رواه الطيالسي في مسنده (2325)، والنسائي في الكبرى (8961).
وأنت موعودة بأجر عظيم، فعن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجا، قيل لها: أدخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت" رواه أحمد (1661)، ورواه ابن حبان (4163)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-
واعلمي أنك في بداية الطريق، والألفة والمحبة تنمو وتزداد مع مضي الوقت، خاصة مع تقربك إليه وعدم إشعاره بما ذكرتيه هنا، وابتعدي عن وساوس الشيطان الذي يتمنى أن يفرح بطلاقك عاجلاً غير آجل، ولا تكوني عوناً له في طلاقك.
أما ما ذكرتيه من غيرة زوجته الأولى فهذا أمر طبعي لا يسلم منه أحد، فعن أنس -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة فانفلقت، فجمع النبي -صلى الله عليه وسلم- فلق الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول: "غارت أمكم" ثم حبس الخادم حتى أتى بصحفة من التي هو في بيتها، فدفع الصحفة، الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت. رواه البخاري (4927)، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 11 / ص 450)
ينفق على إخوته ويحرم أبناءه
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/النفقات
التاريخ 23/06/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أبي يرسل ماله كله إلى أخته وإخوانه المتزوجين، ونحن الآن لا نملك حتى ثمن الخبز، وكل ما لدينا يأخذونه منا، وعندما نناقش والدي يقول: إخوتي وأمي قبلكم، مع العلم أنهم يشتغلون ومتزوجون، ولديهم الأولاد، إلا أخته غير متزوجة، ولكنها معيدة في الجامعة، ودخلها أكثر من دخلنا، فأستحلفكم بالله كيف لنا أن نعيش بدون المال، وكل ما لدينا في يدهم؟ وما الحل مع والدي الذي لا هم له في الدنيا سوى أهله؟ أما نحن فعلى الهامش، فمن يعولنا إن كان والدي هكذا؟. والسلام.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فقد اشتمل سؤال الأخت السائلة على مسائل متفرقة منها:
أولاً: حكم نفقة الزوجة والأولاد، وجوابها: أنه يجب على الزوج أن ينفق على زوجته بالمعروف، كما يجب عليه أن ينفق على أولاده كذلك؛ لأدلة كثيرة منها ما رواه عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت" رواه أبو داود(1692)، وأحمد(2/160)، وصححه الحاكم(1/415)، والنفقة عليهم من أجل العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك" رواه مسلم(995) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وعن ثوبان - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله" رواه مسلم(994).
ثانياً: حكم النفقة على الوالدة والإخوة والأخوات: إن كانت الأم فقيرة ومحتاجة إلى النفقة وجب على أولادها أن ينفقوا عليها بالمعروف، والنفقة واجبة على القادر من الأولاد، فإن كانوا جميعهم قادرين وجبت عليهم بالتساوي.
أما النفقة على الإخوة والأخوات: فنفقة القريب - عدا الوالدين وإن علوا، والأولاد وإن نزلوا - لا تجب إلا بثلاثة شروط:
الأول: أن يكون المنفق وارثاً لمن ينفق عليه؛ لقوله تعالى: "وعلى الوارث مثل ذلك" [البقرة: من الآية 233].
الثاني: فقر المنفق عليه وعجزه عن التكسب، فإن كان أحدهم قادراً على التكسب وتركه سقطت نفقته لكون التفريط منه.
الثالث: غنى المنفق، فإن كان فقيراً فإنه لا تلزمه نفقتهم، ومن وجبت نفقته فالواجب قدر إرثه منهم، وباقي النفقة على باقي الورثة.
ثالثاً: لا يجوز للوالد أن يقصر في نفقة أولاده وزوجته الواجبة عليه لأجل الإحسان إلى غيرهم ممن لا تجب نفقتهم عليه.
رابعاً: يحرم على المرء أن يعتدي على مال غيره، وأن يأخذه بغير علم منه ورضا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه" رواه أحمد(5/72)، وأبو يعلى (1570)، والبيهقي في الخلافيات، وحسنه كما في (خلاصة البدر المنير2/88).
خامساً: دعوى أن والدك مسحور تحتاج إلى تثبت وتبين بأن يُعرض على أحد طلبة العلم الشرعي ممن يعرف المسحور من غيره، ولا يجوز عرضه على كاهن أو ساحر، أو عراف، أو غيرهم ممن لا يحل الذهاب إليهم؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم-: "من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً" رواه مسلم(2230) عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن ثبت أنه مسحور فعليكم علاجه بالرقية الشرعية.
سادساً: لعل ما يصدر من والدكم نتيجة عكسية لأمر قد صدر منكم، سواء بعدم احترامه أو الإكثار عليه في الطلبات مما لا يجب عليه تأمينه أو عدم شكره والثناء على ما يقدمه لكم، لذا فإنه مع كل ما ذُكر يجب عليكم الإحسان إليه وبره، وعدم إظهار الضجر منه؛ لأن منزلة الوالدين عند الله -تعالى- عظيمة، قال -تعالى-: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً" [الإسراء: 23]، وقال تعالى: "ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً" [الأحقاف: 15]، ولا تجعلوا الدنيا سبباً لمعاداة والدكم؛ فعقوقكم له لا يقل إثماً عن تقصيره في النفقة عليكم.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، والله -تعالى- أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 11 / ص 510)
كريم مع أقربائه شحيح مع أبنائه
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/حقوق الوالدين والأقارب والأرحام
التاريخ 12/11/1423هـ
السؤال
ما حكم الشرع في رجل غني يملك أموالاً طائلة، وهو سخي النفس على أقربائه الأبعدين غير الأقربين، فقد يبني لأبناء خاله عمائر فاخرة ويوقف لهم أموالاً وأراضي في حياته غير أنه لا يهتم بأولاده وأهله كثيراً فيعطيهم ما يسد حاجتهم ويبني لهم ما يمشي الحال من البيوت ، فما حكم الإسلام في مثل هذا الرجل، فهل يعتبر أنه من المحسنين أو من المقصرين . أفتونا مأجورين في ضوء الأدلة من القرآن والحديث .
الجواب
الحمد لله وحده وبعد، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم- " دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك" رواه مسلم برقم (995) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- وروى من حديث ثوبان - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- " أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله "صحيح مسلم (994).
وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-" كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت" رواه أبو داود (1692) وأحمد (2/160) وصححه الحاكم (1/415) والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 18 / ص 130)
علّقها زوجها فتعلّقت بآخر ووعدها بالزواج
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/ المشكلات الزوجية/سوء العشرة
التاريخ 28/11/1424هـ
السؤال
أنا امرأة متزوجة، علقني زوجي منذ سنتين، وهجرني وأولادي من كل شيء، تعرفت عن طريق النت على شاب كان أحن إنسان عليَّ، ثم تطورت العلاقة بيننا وعرفنا عن بعض كل شيء أكثر مما أعرفه عن زوجي، وعدني بالزواج بعدما أرفع قضيه طلاق على زوجي، فأصبحنا على اتصال هاتفي، كان يكلمني بحنان، ويساعدني على قضاء شهوتي بالهاتف، والآن -فضيلة الشيخ- أنا أحس بالذنب والخيانة، طلبت منه أن نقطع علاقتنا فوافق على شرط أن أطمئنه على أخباري وصحتي. فضيلة الشيخ: أنا الآن أمر بظروف، وأحتاج لإنسان حنون بجانبي، ونفسي تحدثني بأن أرجع للحديث معه مرة أخري، ولكنى خائفة من الوقوع في الزنا... ماذا أفعل؟ فضيلة الشيخ: هل أنا بهذه الطريقة وقعت في الزنا؟ كيف أطهر نفسي؟ زوجي، علقني، وتزوج وقضى شهوته بالحلال، وأنا إلى متى على هذه الحال؟.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فليس هجر الزوج لزوجته مبرراً لأن ترتبط الزوجة برجل آخر، وتتبادل معه أطراف الحديث فيما حرم الله - تعالى- من كلمات غزلية وقضاء الوطر عبر الهاتف، فهذا لا شك محرم شرعاً وخطوة متقدمة للوقوع في الزنا، قال - تعالى-: "فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً"[الأحزاب: من الآية32]، وما فعلته الأخت السائلة لا يأخذ حكم الزنا من ناحية العقوبة، ولكنه طريق إليه، لذا يجب عليها هجر هذا الشخص وعدم محادثته أبدا،ً وحتى لو طلقت وتزوجها هذا الذئب فإنها -حسب معرفتي واطلاعي- فلن تعيش معه حياة طيبة بل سيعاملها معاملة سيئة بسبب كثرة الشكوك، فلن يثق بها، ولن تثق به؛ لوجود سابقة لهما في هذا المسار.
أما ما يتعلق بهجر زوجها لها وتركها معلقةً فهو أمر محرم، لا يجوز له فعله، قال الله - تعالى-: "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" [البقرة: 229]، ويمكن علاجه بمناصحته، فإن لم تجد المناصحة فلها التقدم للمحكمة الشرعية للنظر فيما ادعته، فإن ثبت صحته ولم يراجعها فسيفرق بينهما.
كما يجب على الأب أن ينفق على أولاده وزوجته، وللمرأة المطالبة بذلك؛ لما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت" رواه أبو داود(1692)، والنسائي في الكبرى
(9177)، وصححه ابن حبان (4240).
وعلى الأخت السائلة أن تشغل نفسها بالطاعة؛ حتى لا تشغلها بالمعصية، وعليها أن ترتب لها جدولاً يومياً لحفظ كتاب الله، وجملة من أحاديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم- وقراءة الكتب النافعة، والاستماع لإذاعة القرآن الكريم،والأشرطة المفيدة، كما عليها أن تجتنب الخلوة بنفسها قدر المستطاع؛ لأن النفس أمارة بالسوء، وعليها اختيار الصحبة الصالحة من النساء؛ لأن المؤمن قوي بإخوانه ولتحذر كل الحذر من ذئاب الشات وشياطينه،وذلك بقطع صلتها به كلياً.والله - تعالى- أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 18 / ص 380)
والدي سيئ الخلق معنا
المجيب يوسف صديق البدري
داعية إسلامي وخطيب مسجد الريان بالمعادي ومستشار اللغة العربية بوزارة التعليم
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الأسرية/معاملة الوالدين
التاريخ 12/01/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمته الله وبركاته.
لا أدري كيف أتكلَّم في هذا الموضوع، وهو أنني لا أحب التعامل مع والدي؛ لأن فيه صفات كثيرة لا أحبها فيه، منها أنه بخيل يهين أمي كثيراً ويضربها ضرباً مبرحاً، لدرجة أنه في مرة تأثرت من الضرب، وجلست شهراً لا تتحرك، وأهم شيء عنده نفسه فقط، وتزوَّج على أمي عدة مرات، بصراحة كلما أحاول أن أتقرب إليه من أجل صلة الرحم أجده يبعدني عنه بكل الطرق، أنا لا أدري كيف أتعامل معه، كثيراً ما يسبِّب لنا مشاكل على أي شيء، لا يحب أن نفعل أي شيء فيه خير أنا وأخي وأمي، وإذا حدث شيء من ذلك تقوم المشاكل بيننا وبينه، وهو لا ينفق عليَّ، أنا الذي أنفق على نفسي منذ أيام الكلية، أنا لا أريد منه شيئاً سوى أن أشعر أن لي أباً مثل باقي الناس، وكذلك هو لا يصلي إلا إذا كان يريد شيئاً من الله يقضيه له، ولا يشجِّع إخواني الشباب على الصلاة، بل العكس إذا وجد أمي تشجعهم على الصلاة تقوم المشاكل بينهما، بالإضافة إلى ذلك فهو يكذب ومنافق، ولا أجد صفة جميلة يتصف بها أبداً. الحمد لله على كل حال، أكيد هذا ابتلاء واختبار من الله لنا، ونسأل الله أن يرزقنا الصبر على هذا البلاء، وأن يصرفه عنَّا، وكل ما أريده من فضيلتكم نصيحة في كيفية التعامل مع هذا الوالد. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبي الرحمة وآله وصحبة أجمعين، وبعد:
فأسأل الله تعالى لك ولأمك ولإخوتك أن يحفظكم من كل سوء، وأن يرزقكم القرب منه ـ سبحانه ـ وأن يعوضكم خيرًا عن هذا الأب الظالم لنفسه المفرط في حق الله وحق من يعول، وهو ـ كما جاء في رسالتك الكريمة ـ اختبار من الله تعالى، حيث قال ـ عز وجل ـ :"ونبلوكم بالشر والخير فتنة"، وكما قال أيضًا:"وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك قديرا"، لكن على كل حال هذا أب - للأسف- سيئ ولا يؤدي للأبوة حقها؛ لأن الأبوة ليست مجرد أن الإنسان ينجب الأولاد ويصرف عليهم وينفق عليهم ـ هذا إن كان ينفق ـ، الأبوة رعاية "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الأب راع في أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته"، "قوا أنفسكم وأهليكم ناراً"، يقول سيدنا علي في هذه الآية: (علِّموهم الخير)، فالأب عليه مسؤولية.. وتربية الأولاد لا بد أن تكون بإظهار المحبة للأولاد وإظهار العاطفة، وفي عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل رجل، وجاء النبي -صلى الله عليه وسلم- يقبِّل الحسن أو الحسين، قال: (أوتقبِّلون أولادكم والله إن لي عشرة من الولد ما قبَّلت واحداً منهم)، قال: "أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك"، فالإنسان لا بد أن يظهر لأولاده منه هذه العاطفة.. الرحمة والحنان والإشفاق والمحبة وإلا يكون إنساناً ناقصاً، هذا قصور في الإنسان وقصور في عاطفة الأبوة، وفي الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود، وغيره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت"، فعلى الوالد أن يرعى أولاده، ولا يوردهم موارد التهلكة، وأن يقوم عليهم بالمعروف، وأن يحوطهم بنصحه، وأن يدلهم على الخير حيث كان، وأن يتخيّر لهم من الحال أحسنه، وهو أمين على ذلك، ومسؤول من الله تعالى على هذا، وموقوف بين يديه تعالى، وفي الأمثال الراشدة (الرائد لا يكذب أهله) أي يدلهم على ما يعتقد أنه الصواب دون أن يخونهم، وعموماً -عليك يا أخت ـ أن تصبري أنت وأمك وإخوتك على سوء معاملة والدك وأن تحسنوا إن أساء، وأن تجتنبوا إساءته ما استطعتم، وأن تكونوا أكثر التصاقًا بوالدتكم الصابرة، وألا تيأسوا من صلاح حاله بكثرة الدعاء له بالهداية؛ فعسى الله أن يتقبل منكم الدعاء، ونسأل الله أن يغيّر الحال إلى أحسنه. والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 3 / ص 8)
:هجر الأولاد بغير سبب من قطيعة الرحم رقم الفتوى:1107تاريخ الفتوى:16 صفر 1420السؤال : بسم الله الرحمن الرحيم ما رأي الاسلام في شخص هجر ابنته من أمها المطلقة على مدة تزيد عن ثماني سنوات ، ولم يرها أبدا في حياته مع أنه لم يؤد حق النفقة لا لأمها ولا لابنتها ما حكم من فعل ذلك وماذا تنصحنا ان نعمل ؟ جزاكم الله كل خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: للأبناء حق مؤكد على الآباء، رعاية ونفقة وتوجيها وإصلاحا، ولا شك أن عمل الأب الوارد في السؤال مخالف لتعاليم الإسلام وأحكامه. قال صلى الله عليه وسلم الله : " كلكم راع وكلم مسئول عن رعيته ، فالأب راع في بيته ومسئول عن رعيته" .[ الحديث متفق عليه]. وقال صلى الله عليه وسلم : " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت" [رواه احمد وابوداود وصححه السيوطي والنووي وحسنه الألباني] . وننصحكم بالاتصال به وتذكيره بالله، والسعي في بره، فالمؤمن لا يقابل الإساءة بالإساءة ، وإنما بالإحسان والمعروف. وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 4 / ص 305)
حكم دفع الابن الزكاة لزوجات أبيه رقم الفتوى:12876تاريخ الفتوى:17 ذو الحجة 1424السؤال : رجل يعيش مع أبيه في منزل واحد ولكن منفصل عنه في الطعام والشراب وهذا الأب له زوجة أخرى وأنجب منها أولادا بالإضافة إلى أولاده من الأولى ولكنه بخيل فهل يجوز لهذا الرجل الذي يعيش في بيت أبيه أن يعطي الزكاة لزوجة أبيه ولإخوته سواء لأبيه وأمه أو لأبيه فقط؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز صرف الزكاة للأب، وإن كان فقيراً، لأن الولد تلزمه نفقة الأب، ومن لزمته نفقته لم يصح دفع الزكاة إليه.
أما زوجة الأب والأولاد، فإن نفقتهم على أبيهم مادام قادراً عليها، وليذكر بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته" رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنه، وفي رواية لأحمد وغيره " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت " فإن لم ينفق عليهم لبخله أو فقره، فيجوز دفع الزكاة إليهم، ويشترط في جواز دفع الزكاة إلى زوجة الأب أن لا تكون هي الزوجة الوحيدة، له لأنها إن كانت الوحيدة، وكان الأب فقيراً والابن موسراً لزمه نفقتها تبعاً للزوم نفقة الأب، وعند ذلك لا يجوز دفع الزكاة إليها.
كما أنها إذا كانت أماً للمزكي ولو كانت زوجة ثانية أو ثالثة لا يجوز دفع الزكاة إليها.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 7 / ص 142)
وازن بين حق الله وحق الأهل وبين العلم والعبادة رقم الفتوى:16429تاريخ الفتوى:26 صفر 1423السؤال : هل الذهاب إلى المساجد لسماع المحاضرات أو الدعوة و ترك الأهل دون امتلاك الأموال حلال أم حرام؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإنفاق على الأهل بقدر الكفاية واجب مقدم على سماع المحاضرات والدروس المستحبة ونحو ذلك، قال صلى الله عليه وسلم "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت" رواه أحمد و أبو داود وصححه النووي و السيوطي .
وإذا كان عند الأهل كفايتهم من المأكل والمشرب والملبس والمسكن، فإنه يستحب للمرء أن يحضر مجالس العلم والذكر ونحوها، وهي مقدمة على ما زاد عن الكفاية في النفقة على الأهل.
وعلى العموم فينبغي على المسلم أن يكون عنده توازن في حياته وفي الحقوق الواجبة عليه، فيوازن بين الدين والدنيا وبين الجسم والروح وبين حق الله وحق الأهل وحق النفس، وبين العلم والعبادة، وبين العلم والدعوة.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 11 / ص 377)
كفى بالمرء إثما أن يضيِّع من يقوت رقم الفتوى:20845تاريخ الفتوى:07 جمادي الثانية 1423السؤال : زوجي يقتطع جزءأ من دخلنا الشهري المحدود ليعطيه لأقاربه على أنها صدقة مع العلم أنهم يصرفون ما هو أكثر منه على شرب السجائر أما نحن فنقضي بقية الشهر في ضائقة مادية تمنعني حتى الخروج من المنزل لعدم تواجد مصروفات للتنقل مع التسول من أمي والتي دخلها أقل مما يصرفه زوجي على أقاربه شهريا مع العلم أن زوجي يعمل في قطاع خاص ومعرض للفصل في أي وقت ولا ندخر شيئاً للغد فماذا تقول له؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأصل في النفقة أن تقدم فيها الزوجة والعيال على غيرهم من الأقارب، قال ابن قدامة : ومن لم يفضل عن قوته إلا نفقة شخص وله امرأة، فالنفقة لها دون الأقارب. واستدل بحديث رواه أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كان أحدكم فقيراً فليبدأ بنفسه، وإن كان له فضل فعلى عياله، وإن كان فضل فعلى ذوي قرابته، أو قال ذوي رحمه، وإن كان فضل فهاهنا وهاهنا ". فإذا أنفق الرجل على أهله ما لا غناء لهم عنه، من مأكول أو مشروب أو ملبوس أو مسكن، جاز له أن يتصدق بما زاد عن ذلك على أقاربه.
هذا فيما إذا زاد عن النفقة، أما إن قصر ماله عن نفقة عياله، فإنه لا يجوز التصدق وتضييع عياله، ففي مسند أحمد عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه يقول: " كفى بالمرء إثما أن يضيِّع من يقوت ".
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 12 / ص 178)
انصح أباك وذكره بمسؤليته تجاه أولاده رقم الفتوى:2145تاريخ الفتوى:20 ربيع الثاني 1422السؤال : عمري تجاوز الواحد والثلاثين ولم اتزوج حتى الآن مسؤل عن إعاله أسره من خمسة أفراد بما فيهم والدتي. والدي لا يصرف اي نقود علينا وهم يعتمدون علي بصورة اساسية علما بأن والدي تزوج قبل عامين. السؤال: ما هو حكم الاسلام في مثل حالتي وما حكمه في والدي وكيف أتصرف معه دون خروج على الدين؟
الفتوى : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ... اعلم بارك الله فيك ! أن ما تقوم به من إنفاق على أسرتك يعتبر من البر والإحسان قال تعالى: "يسألونك ما ينفقون * قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل * وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم" وهذا العمل العظيم الذي تفعله أجره عظيم ، والله جل وعلا يفتح لك أبواب رحمته ويرزقك الرزق الواسع بسببه ، قال تعالى: "وما أنفقتم من شئ فهو يخلفه وهو خير الرازقين ". ومع ذلك فعليك أن تحث الوالد على النفقة على من يعولهم وتذكره بقول النبي صلى الله عليه وسلم " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت " وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، والإمام راع ومسؤول عن رعيته ، والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته ..." الحديث متفق عليه. وذكرّه أن ما يقوم به هو من إضاعة الأمانة التي في عنقه وكل ذلك يكون منك في إطار الأدب والبر ، فإن أصرّ على ذلك فاستمر فيما أنت فيه من خير مع توسيط أهل الخير والصلاح بينكم وبين أبيكم. والله نسأل أن يرزقك من فضله وأن يبارك فيك وأن يرزقك الزوجة الصالحة . هذا والله أعلم .
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 12 / ص 313)
طلب الكسب..بين الوجوب والاستحباب رقم الفتوى:21790تاريخ الفتوى:24 جمادي الثانية 1423السؤال : ما حكم الإسلام في الذي لا يريد العمل بدعوى التفرغ للذهاب إلى المسجد( علماً بأنه يتلقى مبلغاً شهرياً من الحكومة الهولندية( الشوماج ). وجزاكم الله خير الثواب على عملكم القيم. وشكرا
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا حصل للعبد ما يكفيه هو ومن يعول ممن تجب عليه نفقته كالزوجة والأباء والأولاد جاز له ترك العمل، لأن طلب الكسب لا يجب عليه إلا لسد حاجته وحاجة من يعول ممن تجب نفقته، وقضاء ديونه إن كان عليه دين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت.
رواه أحمد وصححه الأرناؤوط.
وروى البخاري عن عمر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يبيع نخل بني النضير، ويحبس لأهله قوت سنتهم.
والجمهور من العلماء على أن الكسب الذي لا يقصد به التكاثر، مما يزيد على حاجة المرء، أفضل من التفرغ للعبادة، إذا قصد به العبد التوسل إلى طاعة الله، من صلة الإخوان، والتعفف عن وجوه الناس، وإعانة الفقراء والمعوزين، وهذا من باب الاستحباب لا الوجوب، وقد علل الجمهور ذلك بأن المتعبد ينفع نفسه فقط، والمتكسب ينفع غيره بما يعينه به من المال، وينفع نفسه بنيل الأجر والثواب على ذلك، وذلك هو خير الناس.. كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلى الله تعالى، أنفعهم للناس. رواه الطبراني في المعجم الصغير، وصححه الألباني في الصحيحة.
وبناءً على ذلك، فإنه لا مانع مما يفعله الشخص المذكور ما دام الذي يأتيه كافياً لسد حاجته وحاجة من تلزمه نفقته، واعلم أيها الأخ السائل أن الله تعالى قد يجري الأرزاق بمثل صنيع صاحبك الذي ذكرت حاله، فقد روى الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: كان أخوان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فكان أحدهما يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، والآخر يحترف، فشكى المحترف أخاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لعلك ترزق به. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
وقال في تحفة الأحوذي : أي أرجو وأخاف أنك مرزوق ببركته، لا أنه مرزوق بحرفتك، فلا تمنن عليه بصنعتك. انتهى.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 14 / ص 80)
التوازن هو: معاشرة الزوجة بالمعروف وتلبية حقوق الأولاد رقم الفتوى:23685تاريخ الفتوى:07 شعبان 1423السؤال : ماتت أمي السنة الماضية عن عمر 47 وبعد موت أمي بشهرين تزوج أبي وعمره 76 سنة من شابة عمرها 21 واحد وعشرين سنة .. عنده الخير الكثير وأصبح بخيلاً معنا حتى في أبسط شيء الطعام ونجده كريماً مع زوجته كل الكرم يعيشها ملكة ونحن في قحط وحرمان وأخذ إرثنا من أمنا وأعطاها زوجته بعد طيبه معنا على حياة أمنا لا نجد إلا قسوتة كيف نتصرف معه تعبنا هل هذا يرضي ربنا نحن نحبه ولا نريد أن نخسره وكذلك نخاف الله فيه ونبره مع كل ما حصل ساعدونا أرجوكم ؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا ينبغي للأبناء أن يغضبوا على أبيهم إذا تزوج بعد وفاة أمهم أو في حياتها، سواء كانت التي تزوجها صغيرة أو كبيرة، ما دام ذلك برضاً منها وقدرة منه على مؤنة النكاح، بل قد نص كثير من الفقهاء على وجوب تزويج الوالد الذي يحتاج إلى الإعفاف على نفقة أبنائه، قال ابن قدامة في المغني: ويلزم الرجل إعفاف أبيه إذا احتاج إلى النكاح، وهذا ظاهر مذهب الشافعي. . انتهى
وقال الزركشي في المنثور: لو قال الأب: أنا محتاج للنكاح، صُدِّق بلا يمين، ووجب على الولد إعفافه. انتهى
ولا وجه لاعتراض الأبناء على أبيهم بسبب صغر سن زوجته، لأن ذلك من المباحات التي لا يملك أحد منع الناس منها، ونقول للأب: يجب عليك أن ترعى أبناءك وزوجتك بالمعروف، دون أن يطغى حق طرف منهم على حق الطرف الآخر، لأن الجميع رعايا تحت مسؤليتك، وأنت مؤتمن عليهم مسئول عنهم جميعاً يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثما إن يضيع من يقوت. رواه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني.
ولا يجوز للأبناء أن يقابلوا تقصير والدهم في حقهم، بتقصيرهم في حقه، لأن المرء مسئول عن كل أفعاله يوم القيامة، وحق الآباء على الأبناء آكد من حق الأبناء على الآباء، في الطاعة والبر والإنفاق،
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 15 / ص 258)
مدى وجوب إنفاق الأب على أبنائه رقم الفتوى:25339تاريخ الفتوى:04 شوال 1423السؤال : هل على الأب (وهو ميسور الحال) أن يلزم ابنته بأن تتحمل نفقات الأسرة بحجة أنه ينفق على أبنائه من زوجته الثانية وعلى أسرة أخيه؟ مع العلم أن أولاد أخيه ذكور وأحدهم يعمل بوظيفة ميسورة وأخبركم بأن أبي منفصل عن أمي ولي أخ شقيق وما زال في مراحل الدراسة.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن إنفاق الرجل على أولاده المحتاجين واجب بالإجماع، قال ابن المنذر رحمه الله: وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم؛ ولأن ولد الإنسان بعضُه،ُ وهو بعضً والدهِ، فكما يجب عليه أن يُنفق على نفسه وأهله كذلك على بعضه وأصلِه. اهـ المغني 8/171 .
والأصل في وجوب النفقة على الولد الكتابُ والسنة والإجماع، أما الإجماع فقد تقدم، وأما الكتاب فقول الله تعالى: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [الطلاق:6]. فأوجب أجر رضاع الولد على أبيه، وقال سبحانه: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233].
ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ هند بنت عتبة : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف. رواه البخاري ومسلم.
وعن وهب قال: إن مولى لعبد الله بن عمرو قال له: إني أريد أن أقيم هذا الشهر هاهنا ببيت المقدس، فقال له: تركت لأهلك ما يقوتهم هذا الشهر ؟ قال: لا، قال: فارجع إلى أهلك فاترك لهم ما يقوتهم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت. رواه أحمد وأبو داود.
فهذه النصوص الشرعية وغيرها تدل على وجوب أن ينفق الرجل على أهل بيته والقيام بمصالحهم، فلا يجوز للوالد التقصير في النفقة على الأولاد ولا تضييعها، بل يلزمه القيام بها على الوجه الأكمل.
وقد اتفق العلماء على أن الوالد لا تلزمه نفقة ولده الذي له مال يستغني به ولو كان هذا الولد صغيراً، واختلفوا في لزوم النفقة على الوالد لابنه البالغ الفقير القادر على الكسب، فأكثر العلماء يرون أنه لا تلزمه نفقته لقدرته على الكسب.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: عن والد غني وله ولد معسر فهل يلزم الوالد الغني أن ينفق على ابنه المعسر؟
فأجاب رحمه الله: نعم، عليه نفقةُ ولدِهِ بالمعروف إذا كان الولدُ فقيراً عاجزاً عن الكسب والوالدُ مُوسراً. اهـ مختصر من الفتاوى الكبرى 3/363، ومجموع الفتاوى 34/105 .
ومفهوم قول شيخ الإسلام: إذا كان الولد فقيراً عاجزاً عن الكسب أن غير العاجز عن الكسب - وهو القادر لا تجب نفقته.
واختلفوا أيضاً في البنت التي بلغت الحلم هل يلزم والدها النفقة عليها أم لا ؟
فذهب أكثر العلماء إلى أنه يلزمه أن ينفق عليها حتى تتزوج -وهو الأقرب والله أعلم- لعجزها عن التكسب، ولأن إلزامها بالتكسب يفضي إلى مفاسد عظيمة.
هذا مجمل ما يفهم من كلام العلماء من الحنفية في المبسوط 5/223، والمالكية في المدونة 2/263، والشافعية في الأم 8/340، والحنابلة في المغني 8/171 .
ولا يجوز للمسلم أن يضيّع النفقة على أولاده بحجة أنه ينفق على أولاد أخيه، قال صلى الله عليه وسلم: وابدأ بمن تعول. رواه مسلم.
ومن حقوق الأولاد التي ينبغي رعايتها حق العدل بين الأولاد، وهذا الحق أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. رواه البخاري ومسلم فلا يجوز تفضيل أولاده من الزوجة الثانية بالإنفاق عليهم وحرمان أولاد الزوجة الأولى.
ومما قد يتعلق به البعض - في موضوع السؤال من قول المصطفى - صلى الله عليه وسلم: أنت ومالُك لأبيك. رواه ابن ماجه، قال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات على شرط البخاري وله طرق وشواهد يصح بها. انظر فتح الباري 5/211، ونصب الراية 3/337.
فالجواب أن اللام في الحديث: ليست للملك بل للإباحة.
قال ابن القيم : واللام في الحديث ليست للملك قطعاً، ومن يقول هي للإباحة أسعد بالحديث وإلا تعطلت فائدته ودلالته. إعلام الموقعين 1/116 .
ومما يدل على أنها ليست للملك أن الابن يرثه أولاده وزوجته وأمه، فلو كان ماله ملكاً لوالده لم يأخذ المال غير الأب.
وليست الإباحة على إطلاقها، بل هي بشروط أربعة:
الشرط الأول: ألا يكون في أخذه ضرر على الابن، فإن كان في أخذه ضرر كما لو أخذ غطاءه الذي يتغطى به من البرد، أو أخذ طعامه الذي يدفع به جوعه، فإن ذلك لا يجوز للأب، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار.
الشرط الثاني: أن لا تتعلق به حاجة الابن، فلو كان عند الابن سيارة يحتاجها في ذهابه وإيابه وليس لديه من الدراهم ما يمكنه أن يشتري بدلها، فليس له أن يأخذها بأي حال.
الشرط الثالث: أن لا يأخذ المال مِن أحد أبنائه ليعطيه لابنٍ آخر؛ لأن ذلك إلقاء للعداوة بين الأبناء، ولأن فيه تفضيلاً لبعض الأبناء على بعض.
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: ولأبٍ أن يأخذ من مال ولده ما شاء، ويتملكه مع حاجة الأب إلى ما يأخذه ومع عدمها، صغيراً كان الولدُ أو كبيراً، بشرطين: أحدهما: أن لا يُجحف بالابن، ولا يضر به، ولا يأخذ شيئاً تعلقت به حاجتُهُ. الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيُعطيه الآخر، نص عليه أحمد، وذلك لأنه ممنوعٌ من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه، فلأن يُمنع من تخصيصه بما أخذ من مال ولده الآخر أولى.
الشرط الرابع: أن تكون عند الأب حاجة للمال الذي يأخذه من ولده، وقد جاء مصرَّحاً بهذا الشرط في بعض الأحاديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أولادكم هبة الله لكم يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ [الشورى:49]. فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها. رواه الحاكم والبيهقي.
والحديث صححه الألباني في السلسة الصحيحة برقم: 2564 وقال: وفي الحديث فائدة فقهية هامة وهي أنه يبيِّن أن الحديث المشهور أنت ومالُك لأبيك. ليس على إطلاقه، بحيث إن الأب يأخذ من مال ابنه ما يشاء، كلا، وإنما يأخذ ما هو بحاجة إليه. والله أعلم.
وعلى ذلك لا يجوز للوالد - وهو ميسور الحال - أن يلزم بنته بالإنفاق على نفسها وأخيها، ولا أن يقدم على ذلك النفقة على أولاده من زوجته الثانية أو أولاد أخيه لما بينّاً.
وقد ثبتت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تفيد الحث على النفقة على الأهل، وأنها من الأعمال الصالحة عند الله تعالى، كما جاء في حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أنفق المسلم نفقة على أهله وهو يحتسبها كانت صدقة له. رواه البخاري.
وعن ابن عمر قال: إنما سماهم الله أبراراً لأنهم بروا الآباء والأبناء، كما أن لوالدك عليك حقّاً كذلك لولدك عليك حقّاً. انظر الأدب المفرد: 94 .
فينبغي لهذا الأب أن يتقي الله تعالى وأن يعدل بين أبنائه، وأن ينفق عليهم مما أعطاه الله تعالى.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 22 / ص 58)
زكاة المال الدخر رقم الفتوى:3325تاريخ الفتوى:16 صفر 1420السؤال : عندي مبلغ من المال أدخره لولدي وأنفق منه ومن راتبي على نفسي وعلى ولدي الذي يرفض والده الإنفاق عليه. أولا: هل يجوز أن أنفق الزكاة علي ولدي حيث أن إنفاقي عليه غير واجب؟ ثانياً: بالنسبة للزكاة ليس في مقدوري إخراجها دفعة واحدة حيث إني أنفق كل دخلي؟ هل يجوز تقسيط الزكاه على دفعات على أن تؤدى كلها قبل مرور الحول الثاني بوقت كاف؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأولاً: المال المدخر تجب فيه الزكاة إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول ، أما إذا استهلك المال في النفقة وغيرها ، ولم يبق منه ما يبلغ النصاب إلى الحول فلا زكاة فيه . وثانياً : هذا الأب إن كان بالوصف المذكور في السؤال يمنع أبناءه النفقة يعتبر آثماً ومضيعاً لأبنائه وسيسأله الله سبحانه وتعالى عن هذا الفعل الشنيع الذي لا تخفى عواقبه على أحد، فقد يلجأ الأبناء مستقبلاً إلى الحرام حتى يسدوا حاجتهم وبذلك يكون الأب متحملاً للعواقب كلها. وقد اتفق أهل العلم على أن النفقة واجبة عليه وأنه يأثم بتركها ، فقد قال صلى الله عليه وسلم " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت" .[رواه أحمد وأبو داود]. وقال صلى الله عليه وسلم : "والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته" .[ متفق عليه]. وأنت جزاك الله خيراً على ما تقومين به من نفقة وتربية لولدك وأنت مأجورة إن شاء الله . أما ثالثاً : فإن لك الحق أن ترجعي بالنفقة على الأب وتطالبيه بها بالوسائل الممكنة، كأن ترفعي أمرك إلى من لهم كلمة في الأسرة، أو المحاكم في بلادكم حتى يلزموا الأب بإعادة كل ما أنفقتيه على ابنك لك. ويجوز لك أن تأخذي من ماله ولو بغير إذنه ما يكفيك ويكفي ولدك إذا امتنع عن النفقة، كما في حديث هند بنت عتبة لما اشتكت زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منعها وأبنائها النفقة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك" والحديث متفق عليه. ورابعاً : وأما إعطاؤك ولدك من زكاة مالك، فالذي يظهر من كلام أهل العلم المنع من ذلك، والله أعلم .
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 22 / ص 87)
حكم إعطاء الزكاة للأولاد. رقم الفتوى:3334تاريخ الفتوى:16 صفر 1420السؤال : هل يجوز اعطاء زكاة مالي لابني الذي لايجد من ينفق عليه لأن أباه يرفض الإنفاق عليه وأنا أتولى هذا؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فاعلمي رحمك الله أن ما تقومين به من إنفاق على ولدك لن يضيع الله جل وعلا أجرك فيه إذا كنت تبغين به وجه الله تعالى، قال تعالى: (وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون) [البقرة: 272]. وقال صلى الله عليه وسلم: "يد المعطي العليا، وابدأ بمن تعول: أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك" رواه النسائي وأحمد وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح.
وقد قرر أهل العلم أن نفقة الابن غير المستغني بكسبه لعجز أو مرض أو نحوهما واجبة على أبيه الغني، وإلى ذلك ذهب الأئمة الأربعة لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق " وأبدأ بمن تعول".
فعليك أن تنصحي أباه وتبيني له أنه مفرط في واجب من الواجبات وهو النفقة على ابنه، وتذكريه بقوله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت" رواه النسائي وهو عند مسلم بلفظ "أن يحبس عمن يملك قوته".
ولئن كان الله تعالى عذب امرأة في هرة منعت عنها نفقتها ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض، فكيف بمن يمنع النفقة عن من هي واجبة له.
وأما إعطاؤه من زكاة مالك أنت فلا يجوز، لأن أهل العلم صرحوا بأن زكاة مال الوالد لا يجوز أن تصرف للابن لأنه مكلف بالنفقة عليه من صلب ماله.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 22 / ص 217)
هل يقوم ما تنفقه الزوجة على زوجها مقام الزكاة رقم الفتوى:33706تاريخ الفتوى:23 ربيع الثاني 1424السؤال : أعمل في وظيفة تدر علي مرتباً كبيراً والحمد لله، زوجي تزوج بأخرى من أجل الإنجاب ومنذ ذلك الحين لم يعد ينفق عليَّ وأقوم بتحمل ميزانية المنزل من الألف إلى الياء حتى الإيجار والماء والنور والتليفون وكل ما يخص المنزل، وأريد أن أعرف كيف تحتسب تلك الأموال التي أنفقتها، هل هي من الصدقات أو من أموال الزكاة، وماذا أفعل مع هذا الزوج، علما بأنه أنجب من الأخرى وبنى لها منزلاً ويقول لي ماذا ستفعلين بالأموال وقد اقترض مني من أجل استكمال البناء لأولاده، علما بأن دخله معقول ولكنهم يعيشون في مستوى مرتفع، أفيدوني أفادكم الله؟
والسلام عليكم ورحمته وبركاته
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن هذا الزوج يجب عليه الإنفاق عليك ودفع المصاريف التي تدخل في النفقة من تكاليف البيت المختلفة إذا كان يستطيع ذلك؛ لقول الله تعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ [الطلاق:7].
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت. رواه أحمد وأبو داود.
لكن إذا كنت تستطيعين القيام بذلك والتزمت به احتساباً للأجر والمثوبة من الله تعالى، فإن الله تعالى لن يضيع سعيك، وستجدين ثواب ذلك عند الله تعالى إن شاء الله، لقول الله تعالى: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [البقرة:215].
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إلا أجرت عليها. متفق عليه.
وكذلك ما تقومين به من الاقتراض لزوجك فإن فيه خيراً كثيراً إن شاء الله تعالى، إلا أن ما تنفقينه لا يمكن أن يقوم مقام الزكاة الواجبة عليك، وللتعرف تعرفاً أكثر على حكم هذه المسائل وغيرها مما يتصل بالموضوع، يمكن الرجوع إلى الفتوى رقم: 4533، والفتوى رقم: 8476. والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 30 / ص 238)
العمل لسد حاجة من تجب نفقته واجب رقم الفتوى:45860تاريخ الفتوى:29 محرم 1425السؤال :
أمي مريضة وهي في حاجة دائمة إلى نقود من أجل الفحوص الطبية، فهل يجوز لي أن ألتحق بمدرسة مهنية وأساعدها حسب المستطاع، أم يجب أن اشتغل في أي عمل حلال وأوفر لها كلما تريد، أفيدوني؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أمر الله سبحانه بالإحسان إلى الوالدين فقال: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [البقرة:83]، وقد قرر أهل العلم أن من الإحسان الواجب: النفقة على الوالدين الفقيرين فإذا كانت أمك فقيرة تعجز عن توفير ما تحتاجه من النفقة أو العلاج والفحوص الطبية ونحو ذلك من الحاجات، وأنت قادر على توفير ذلك من خلال العمل المباح فيجب عليك ذلك العمل، لأن العمل لسد حاجتك أو سد حاجة من تجب عليك نفقته -مثل والدتك- واجب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت. رواه أحمد، وراجع للأهمية الفتوى رقم: 15710، والفتوى رقم: 21790.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 35 / ص 15)
هل يجب على الأخ الإنفاق على إخوته عند عجز الأب رقم الفتوى:52621تاريخ الفتوى:12 رجب 1425
سؤالي هو: أنه توجد عائلة مكونة من خمس بنات وأخ واحد والأب الآن لا يعمل والذي يعمل هو الأخ وقد أنعم الله عليه بعمل ممتاز وماديته ممتازة، ولكن المشكلة أن الوالد يقول بأن الابن غير مجبور أن يصرف على أخواته وإذا أعطاهم يعطيهم الزكاة وأنه يجب على البنات أن ينفقوا هم على أنفسهن وكذلك الأب يشح على بناته والابن كذلك لا يتذكر إلا بعد حين، وإذا أرسل يرسل كل 4 أشهر أو أكثر والأب لديه الآن قطعة أرض ويريد أن يكتبها لابنه دون البنات لأن الولد على رأي الوالد لا يجوز أن يصرف علينا ولا ريال وهذا بدل الذي أنفقه، مع العلم بأن البنات كلهن في سن التعليم وكذلك غير متزوجات، السؤال: على من تجب نفقة البنات وخصوصاً أن الأب أصيب بالجلطة في دماغه ولا يعمل؟
الفتوى :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل أن النفقة على العيال واجبة على الأب، فإذا كانت له أرض أو ممتلكات فعليه أن يبيعها وينفق منها على عياله، فإذا لم يكن له شيء وكان عاجزاً عن العمل وجب على ابنه النفقة عليه وعلى عياله، وما دام هذا الأب فقيراً وعاجزاً ومصاباً بالمرض فعلى الأخ المذكور النفقة على أبيه وأخواته ما دام موسراً قادراً على النفقة، هذا هوالراجح من أقوال أهل العلم، قال ابن قدامة وهو من علماء الحنابلة: وظاهر المذهب -يعني مذهب أحمد- أن النفقة تجب على كل وارث لموروثه.
فإذا ترك النفقه عليهم في هذه الحالة فهو آثم، فقد روى الإمام أحمد وأصحاب السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت. وللمزيد من التفصيل وأقوال أهل العلم نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 44020.
وأما كون الأب يريد كتابة أرضه للابن دون البنات فهذا لا يجوز لأنه من تأثير بعض الأبناء على بعض إذا كان ذلك تبرعاً من الأب على ابنه، أما إذا كان ذلك عن طريق البيع فلا مانع منه لأننا قلنا إن الأب إذا كانت له ممتلكات فإن الابن لا تجب عليه النفقة، وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتوى رقم: 44034.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 50 / ص 224)
حفظ نفس المعصوم مقدمة على الذهاب إلى الحج رقم الفتوى:70235تاريخ الفتوى:24 ذو القعدة 1426السؤال:
لدي ولد يشكو من مرض عقلي مزمن يتقاضى مبلغاًً شهرياً من الدولة لا يكفيه إني أوفر له مبلغاً إضافياً من المال وبدونه ممكن أن ينتحر بالإضافة إلى أنني أوفر له للمستقبل. ذهابي إلى الحج سيؤثر على توفيري له فهل أذهب الحج أم أوفر المبلغ له حتى لا يفكر بالانتحار؟ أرجو أن تكون الإجابة خاصة بدون الإشارة إلى فتوى من الأرشيف ؟
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اتفق العلماء على أن الحج إنما يجب على المسلم المكلف إذا تحققت الاستطاعة؛ لقول الله تعالى : وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا {آل عمران : 97} وممن نقل الإجماع على ذلك النووي في المجموع 3/63 وشيخ الإسلام في شرح العمدة 2 / 174 . والاستطاعة : هي القدرة على ثمن الزاد والراحلة، وفي معنى الراحلة ما حدث من المراكب البرية والبحرية والهوائية بشرط أن يكون ذلك زائداً عن حاجاته الاصلية : كالدين الذي عليه ، والمسكن والملبس ونحوه ، وعن نفقة من تلزمه نفقتهم مدة غيابه إلى أن يعود مع أمن الطريق .
وعليه.. فإن دار الأمر بين أن تنفق على ولدك المذكور أو توفر المال للذهاب للحج، لزمك الإنفاق عليه وترك الحج؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، فالأب راع في بيته ومسؤول عن رعيته . الحديث متفق عليه ، وقال صلى الله عليه وسلم : كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت . رواه أحمد وأبو داود وصححه السيوطي والنووي .
وأما توفير المال له في المستقبل فليس عذراً لإسقاط وجوب الحج عليك ، ولكن لو علمت أنه إن لم تدخر له شيئاً من المال سيقتل نفسه لا محالة فلا يجب عليك الذهاب إلى الحج حتى تعالج هذه المشكلة وتجد لها حلاً؛ لأن حفظ نفس المعصوم مقدمة على الذهاب إلى الحج ، قال قليوبي في حاشيته: ألحقوا بالحج في جواز الترك إنقاذ غريق ، أي ليس عبده ولا دابته ونحوهما ، وخوف صائل أي على غير نفسه أو ماله ، وخوف انفجار ميت. نسأل الله جل جلاله أن يوفقك لما يحبه ويرضاه .
والله أعلم .
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 59 / ص 292)
دفع الزوجة لإيجار البيت والإنفاق على الأولاد هل يحتسب من الزكاة رقم الفتوى:8476تاريخ الفتوى:12 ربيع الأول 1422السؤال : ما حكم الشرع في الزوج المتوسط الحال في عدم الإنفاق على الزوجة والأبناء؟
وهل ما تنفقه الزوجة على بيتها من دفع إيجار ومأكل ومشرب وملابس ومصروفات مدارس وجامعات من زكاة المال أم هذا واجب عليها ولايحتسب من الزكاة؟ علماً بأني قد تعبت نفسياًمن هذا الحال أنا وأولادي لعدم شعورنا بمسؤليته تجاهنا.
وجزاكم الله خيراً
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يجب على الزوج أن ينفق على زوجته وأولاده مما أعطاه الله غير مبذر ولا مقتر، ولا يكلف بما عجز عنه، ولا يعذر فيما أطاق، قال الله تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفساً إلى ما آتاها) [الطلاق: 7].
وبناءً على ذلك فعلى زوجك أن يشعر بالمسؤولية عليه تجاهك، وتجاه أبنائه، ولينفق عليكم مما آتاه الله تعالى.
وليعلم أن تحمل الإنفاق هو من جملة أسباب القوامة التي جعلها الله تعالى له عليكم، كما قال الله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) [النساء: 34].
كما أن الإنفاق على العيال فيه أجر كثير، لمن أحسن النية، وابتغى وجه الله تعالى، كما في الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاصٍ، وفيه: "إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير لك من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها، حتى ما تجعل في في امرأتك".
كما أن التفريط في الإنفاق على من تجب النفقة له فيه إثم كبير، لما في المسند وصحيح مسلم وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت" ولفظ مسلم "كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته".
هذا بالإضافة إلى أن الرجل يعمل ويكد ويرتكب المخاطر ليكسب مالاً طيباً يهيأ به ظروفاً طيبة لنفسه وأسرته، وطبيعة الرجل الكريم ومروءته تدفعانه إلى ذلك، كما يعد خلاف ذلك من الشح المذموم شرعاً وعادةً.
ثم على الزوجة والأولاد أن يراعوا حال معيلهم - إذا لم يقصر - ولا يكلفوه ما لا يطيق، وليقنعوا بما آتاهم الله تعالى، ولا ينظروا إلى من هم فوقهم في المستوى المعيشي، فإن ذلك كفيل لهم - بإذن الله تعالى- أن يجلب لهم السعادة والطمأنينة والاستقرار.
وفي صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً، وقنعه الله بما آتاه" .
وفي المسند والصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله" وهذا لفظ مسلم.
وأما إنفاق المرأة على زوجها وأولادها فغير واجب عليها، فإن قامت به وأحسنت النية، فهي مثابة على ذلك إن شاء الله تعالى.
وأما دفع المرأة لإيجار البيت، ونفقات العيال، واحتساب ذلك زكاة، فلا يجزئ عنها، لأن الزكاة حق واجب في المال يجب إخراجه منه، ولا يجوز لدافعها أن يقي بها ماله مما كان لزاماً عليه أن يدفعه، سواء كان ذلك على سبيل الوجوب الشرعي، أو على سبيل الوجوب العرفي الذي تمليه المروءات والأعراف.
وهذه المرأة يلزمها بطبيعة الحال أن تدفع إيجار البيت الذي تسكنه، وتنفق على نفسها وعلى عيالها إذا لم يقم الزوج بذلك، فكأنها إذا دفعت الزكاة في ذلك وَقَتْ مالها وحفظته مما كان لازماً لها، وبإمكان هذه المرأة أن تلزم الزوج بتحمل واجباته من النفقة إما بطريق الحجة والبرهان وعرض كلام أهل العلم عليه، وإما بتوسيط أهل الإصلاح وإما برفع الأمر إلى المحاكم الشرعية. والأولى - حقيقة - بالمرأة التي لها مال تغطي زكاته هذه النفقات كلها الأولى بها أن تنفق على بيتها وعيالها، وتحتسب الأجر عند الله تعالى في ذلك، وأن تخرج الزكاة طيبة بها نفسها، وأن لا تفكر أصلاً في وسيلة تحول بها بين الفقراء - الحقيقين وبين ما فرض لهم من مال الله الذي هي مستخلفة فيه.
وننبه إلى أنه يجوز للزوجة أن تدفع زكاة مالها لزوجها إن كان فقيراً في أصح قولي العلماء، ويشترط أن تملكه أياها ثم هو يتصرف فيها كيف ما يشاء.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 59 / ص 300)
الإنفاق واجب على الزوج بالمعروف وحسب حاله رقم الفتوى:8497تاريخ الفتوى:12 ربيع الأول 1422السؤال : ما حكم الشرع في الزوج المتوسط الحال في عدم الإنفاق على الزوجة والأبناء؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يجب على الزوج أن ينفق على زوجته وأولاده مما أعطاه الله غير مبذر ولا مقتّر، ولا يكلف بما عجز عنه، ولا يعذر فيما أطاق، ولكن كما قال الله تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفساً إلى ما آتاها) [الطلاق: 7].
وبناءً على ذلك فعلى زوجك أن يشعر بالمسؤولية عليه تجاهك، وتجاه أبنائه، ولينفق عليكم مما آتاه الله تعالى.
وليعلم أن تحمل الإنفاق هو من جملة ثمن القوامة التي جعلها الله تعالى له عليكم، كما قال الله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) [النساء: 34].
كما أن الإنفاق على العيال فيه أجر كثير، لمن أحسن النية، وابتغى وجه الله تعالى، كما في الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاصٍ، وفيه: "إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير لك من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها، حتى ما تجعل في في امرأتك".
كما أن التفريط في الإنفاق على من تجب النفقة له فيه إثم كبير، لما في المسند وصحيح مسلم وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت" ولفظ مسلم "كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته".
هذا بالإضافة إلى أن الرجل يعمل ويكد ويرتكب المخاطر ليكسب مالاً طيباً يهيأ به ظروفاً طيبة لنفسه وأسرته، وطبيعة الرجل الكريم ومروءته تدفعانه إلى ذلك، كما يعد خلاف ذلك من الشح المذموم شرعاً وعادةً.
ثم على الزوجة والأولاد أن يراعوا حال معيلهم - إذا لم يقصر - ولا يكلفوه ما لا يطيق، وليقنعوا بما آتاهم الله تعالى، ولا ينظروا إلى من هم فوقهم في المستوى المعيشي، فإن ذلك كفيل لهم - بإذن الله تعالى- أن يجلب لهم السعادة والطمأنينة والاستقرار.
وفي صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً، وقنعه الله بما آتاه" .
وفي المسند والصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله" وهذا لفظ مسلم.
والله أعلم.(1/142)
279- 7934-م- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ ، قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى فُضَيْلٍ ، عَنْ أَبِي حَرِيزٍ ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمَدَانِيَّ وَهُوَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ حَدَّثَهُ ، أَنَّ وَهْبَ بْنَ جَابِرْ الْخَيْوَانِيَّ حَدَّثَهُ ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ : سَمِعْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " كَفَى بِالْعَبْدِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ " (1)
280-7935 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ ابْنُ أَبِي الْمَزْرَدِ ، عَنْ أَبِي الْحُبَابٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَقُولَانِ فَيَقُولُ : " أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا " وَيَقُولُ الْآخِرُ : " اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا " (2)
__________
(1) - صحيح
(2) - صحيح البخارى برقم ( 1442 ) وصحيح مسلم برقم( 2383 )
فتح الباري لابن حجر - (ج 5 / ص 47)
1351 - قَوْله : ( حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي أَخِي )
هُوَ أَبُو بَكْر بْن أَبِي أُوَيْس ، وَسُلَيْمَان هُوَ اِبْن بِلَال ، وَأَبُو الْحُبَابِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ الْأُولَى خَفِيفَة وَسَمَّاهُ مُسْلِم فِي رِوَايَتِهِ سَعِيد بْن يَسَار وَهُوَ عَمُّ مُعَاوِيَة الرَّاوِي عَنْهُ ، وَمُزَرِّدٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الثَّقِيلَةِ وَاسْم أَبِي مُزَرِّدٍ عَبْد الرَّحْمَن ، وَهَذَا الْإِسْنَاد كُلّه مَدَنِيُّونَ .
قَوْله : ( مَا مِنْ يَوْمِ )
فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ " مَا مِنْ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ إِلَّا وَبِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ يَسْمَعُهُ خَلْقُ اللَّهِ كُلّهمْ " إِلَّا الثَّقَلَيْنِ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، هَلُمُّوا إِلَى رَبِّكُمْ ، إِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْر مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى ، وَلَا غَرَبَتْ شَمْسُهُ إِلَّا وَبِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانِ " فَذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَة .
قَوْله : ( إِلَّا مَلَكًا )
فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ " إِلَّا وَبِجَنْبَتَيْهَا مَلَكَانِ " وَالْجَنْبَة بِسُكُونِ النُّونِ النَّاحِيَة ، وَقَوْلِهِ
" خَلَفًا " )
أَيْ : عِوَضًا .
قَوْله : ( أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا )
التَّعْبِير بِالْعَطِيَّةِ فِي هَذِهِ لِلْمُشَاكَلَةِ ، لِأَنَّ التَّلَفَ لَيْسَ بِعَطِيَّة . وَأَفَادَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ الْكَلَامَ الْمَذْكُورَ مُوَزَّع بَيْنَهُمَا ، فَنُسِبَ إِلَيْهِمَا فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ نِسْبَةَ الْمَجْمُوعِ إِلَى الْمَجْمُوعِ ، وَتَضَمَّنَتْ الْآيَة الْوَعْد بِالتَّيْسِيرِ لِمَنْ يُنْفِقُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ ، وَالْوَعِيدِ بِالتَّعْسِيرِ لِعَكْسِهِ . وَالتَّيْسِيرُ الْمَذْكُورُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِأَحْوَالِ الدُّنْيَا أَوْ لِأَحْوَالِ الْآخِرَةِ ، وَكَذَا دُعَاء الْمَلَكِ بِالْخَلَفِ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ ، وَأَمَّا الدُّعَاءُ بِالتَّلَفِ فَيَحْتَمِلُ تَلَفَ ذَلِكَ الْمَالِ بِعَيْنِهِ أَوْ تَلَفَ نَفْسِ صَاحِبِ الْمَالِ ، وَالْمُرَاد بِهِ فَوَات أَعْمَالِ الْبِرِّ بِالتَّشَاغُلِ بِغَيْرِهَا . قَالَ النَّوَوِيّ : الْإِنْفَاقُ الْمَمْدُوحُ مَا كَانَ فِي الطَّاعَاتِ وَعَلَى الْعِيَالِ وَالضِّيفَانِ وَالتَّطَوُّعَاتِ . وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : وَهُوَ يَعُمُّ الْوَاجِبَات وَالْمَنْدُوبَات ، لَكِنَّ الْمُمْسِكَ عَنْ الْمَنْدُوبَاتِ لَا يَسْتَحِقُّ هَذَا الدُّعَاءَ إِلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ الْبُخْل الْمَذْمُوم بِحَيْثُ لَا تَطِيبُ نَفْسه بِإِخْرَاج الْحَقّ الَّذِي عَلَيْهِ وَلَوْ أَخْرَجَهُ . وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَة إِلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى " طَيِّبَة بِهَا نَفْسه " وَاللَّه أَعْلَمُ .
شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 450)
1678 - قَوْله : ( عَنْ مُعَاوِيَة بْن أَبِي مُزْرَد )
هُوَ بِضَمِّ الْمِيم وَفَتْح الزَّاي وَكَسْر الرَّاء الْمُشَدَّدَة وَاسْم أَبِي مُزْرَد عَبْد الرَّحْمَن بْن يَسَار .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ يَوْم يُصْبِح الْعِبَاد فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُول أَحَدهمَا : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلْفًا ، وَيَقُول الْآخَر : اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا )
قَالَ الْعُلَمَاء : هَذَا فِي الْإِنْفَاق فِي الطَّاعَات وَمَكَارِم الْأَخْلَاق وَعَلَى الْعِيَال وَالضِّيفَان وَالصَّدَقَات وَنَحْو ذَلِكَ ، بِحَيْثُ لَا يُذَمُّ وَلَا يُسَمَّى سَرَفًا ، وَالْإِمْسَاك الْمَذْمُوم هُوَ الْإِمْسَاك عَنْ هَذَا .
عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 10 / ص 58)
2441 - حدثنا ( إسماعيل ) قال حدثني ( أخي ) عن ( سليمان ) عن ( معاوية بن أبي مزرد ) عن ( أبي الحباب ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر أللهم أعط ممسكا تلفا
مطابقته لقوله أللهم أعط منفق مال خلفا ظاهرة لأنه بينه
ذكر رجاله وهم ستة الأول إسماعيل بن أبي أويس الثاني أخوه وهو أبو بكر واسمه عبد الحميد الثالت سليمان بن بلال الرابع معاوية بن أبي مزرد بضم الميم وفتح الزاي وكسر الراء وفي آخره دال مهملة واسمه عبد الرحمن الخامس أبو الحباب بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة الأولى واسمه سعيد بن يسار ضد اليمين عم معاوية المذكور السادس أبو هريرة رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وبصيغة الإفراد في موضع وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه أن رواته كلهم مدنيون وفيه رواية الرجل عن أخيه وفيه رواية الرجل عن عمه
ذكر من أخرجه غيره أخرجه مسلم في الزكاة عن القاسم بن زكريا وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن محمد بن نصر وفي الملائكة عن عباس بن محمد ذكر معناه قوله من من يوم وفي حديث أبي الدرداء ما من يوم طلعت فيه الشمس إلا وبجنبتيها ملكان يناديان يسمعهما خلق الله كلهم إلا الثقلين يا أيها الناس هلموا إلى ربكم إن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى ولا غربت شمسه إلا وبجنبتيها ملكان يناديان يسمعان أهل الأرض إلا الثقلين أللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا مالا تلفا رواه أحمد قوله بجنبتيها تثنية جنبة بفتح الجيم وسكون النون وهي الناحية قوله ما من يوم يعني ليس من يوم وكلمة من زائدة و يوم اسمه وقوله يصبح العباد فيه صفة يوم وقوله إلا ملكان مستثنى من متعلق محذوف وهو خبر ما المعنى ليس يوم موصوف بهذا الوصف ينزل فيه أحد إلا ملكان يقولان كيت وكيت فحذف المستثنى منه ودل عليه بوصف الملكان ينزلان ونظيره في مجيء الموصوف مع الصفة بعد إلا في الاستثناء المفرغ قولك ما أخبرت منكم أحدا إلا رفيقا قوله خلفا بفتح اللام أي عوضا يقال أخلف الله عليك خلفا أي عوضا أي أبدلك بما ذهب منك قوله أعط ممسكا تلفا التعبير بالعطية هنا من قبيل المشاكلة لأن التلف ليس بعطية
ذكر ما يستفاد منه فيه أنه موافق لقوله تعالى وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ( سبأ 93 ) ولقوله ابن آدم أنفق أنفق عليك وهذا يعم الواجب والمندوب وفيه أن الممسك يستحق تلف ماله ويراد به الإمساك عن الواجبات دون المندوبات فإنه قد لا يستحق هذا الدعاء اللهم إلا أن يغلب عليه البخل بها وإن قلت في نفسها كالحبة واللقمة ونحوهما وفيه الحض على الإنفاق في الواجبات كالنفقة على الأهل وصلة الرحم ويدخل فيه صدقة التطوع والفرض وفيه دعاء الملائكة ومعلوم أنه مجاب بدليل قوله من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه
شرح ابن بطال - (ج 5 / ص 487)
قال المؤلف: معنى هذا الحديث: الحض على الإنفاق فى الواجبات، كالنفقة على الأهل وصلة الرحم، ويدخل فيه صدقة التطوع، والفرض، ومعلوم أن دعاء الملائكة مجاب، بدليل قوله: « فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه » ومصداق الحديث قوله تعالى: {وما أنفقتم من شىء فهو يخلفه} [سبأ: 39] يعنى ما أنفقتم فى طاعة الله، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : « ابن آدم، أنفق أُنفق عليك » .
واختلف العلماء فى تأويل هذه الآية، فقال ابن عباس: قوله: {وصدق بالحسنى} [الليل: 6] صدق بالخلف من الله تعالى.
وقال الضحاك: صدق بلا إله إلا الله. وروى عن ابن عباس أيضًا.
وقال مجاهد: صدق بالجنة. وقال قتادة: صدق بموعود الله على نفسه، فعمل به.
قال ابن الأدفوى: وأشبه الأقوال عندى قول من قال: وصدق بالخلف من الله تعالى لنفقته، يدل على ذلك قوله تعالى: {فأما من أعطى واتقى} فكان أولى المعانى به أن يكون عقيبه الخبر بتصديقه بوعد الله بالخلف، ويؤيد ما قلناه حديث أبى هريرة، وقول الملائكة: « اللهم أعط منفقًا خلفًا، وأعط ممسكًا تلفًا » ، وأنزل الله تعالى فى القرآن {فأما من أعطى واتقى} الآية. وقال ابن إسحاق: نزلت هذه الآية فى أبى بكر الصديق، روى أنه اشترى تسعة كانوا فى أيدى المشركين لله، فأنزل الله هذه الآية. وروى أنها نزلت فى رجل ابتاع نخلة كانت على حائط أيتام، فكان يمنعهم أكل ما سقط منها، فابتاعها رجل منه، وتصدق بها عليهم.
وقوله تعالى: {فسنيسره لليسرى} [الليل: 7] يريد الحالة اليسرى، وهى العمل بما يرضاه الله تعالى منه فى الدنيا ليوجب له به الجنة فى الآخرة.
وقالوا فى قوله تعالى: {وكذب بالحسنى} [الليل: 9] وكذب بالخلف، عن ابن عباس، وروى عنه أيضًا: كذب بلا إله إلا الله. وقال قتادة: كذب بموعود الله تعالى. وقال مجاهد: {وكذب بالحسنى} الجنة {فسنيسره للعسرى} أى للعمل بالمعاصى. ودلت هذه الآية أن الله تعالى الموفق للأعمال الحسنة والسيئة، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : « اعملوا فكل ميسر لما خلق له أما أهل السعادة فييسرون لعمل السعادة، وأما أهل الشقاء فييسرون لعمل الشقاء، ثم قرأ: {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى} [الليل: 5، 6] الآية » . وقال الضحاك: العسرى: النار.
فإن قيل: التيسير إنما يكون للحسنى فكيف جاء للعسرى؟.
فالجواب: أنه مثل قوله تعالى: {فبشرهم بعذاب أليم} [آل عمران: 21] أى أن ذلك يقوم لهم مقام البشارة. وأنشد سيبويه: تحية بينهم ضرب وجيع
وقال الفراء: إذا اجتمع خير وشر، فوقع للخير تيسير، جاز أن يقع للشر مثله.
يسألونك فتاوى - (ج 4 / ص 267)
التطوع بإنفاق المال في وجوه الخير أولى من تكرار العمرة
يقول السائل: إنه ينوي أداء العمرة في رمضان ولكن قال له بعض الناس إن الأفضل أن يتصدق بتكاليف العمرة للفقراء والمحتاجين حيث إن أحوالهم صعبة بسبب حالة الإغلاق المفروضة في بلادنا وخاصة أنه قد اعتمر في رمضان في سنوات سابقة فما قولكم في ذلك؟
الجواب: وردت عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضيلة العمرة في أي وقت من السنة وكذا في فضلها في شهر رمضان منها: قال صلى الله عليه وسلم :( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) رواه البخاري ومسلم. وهذا الحديث في فضل العمرة بشكل عام. وأما فضلها في شهر رمضان فقد روى الإمام البخاري بسنده عن عطاء قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يخبرنا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار سماها ابن عباس فنسيت اسمها ما منعك أن تحجي معنا؟ قالت: كان لنا ناضح فركبه أبو فلان وابنه -لزوجها وابنها- وترك ناضحاً ننضح عليه قال: فإذا كان رمضان اعتمري فيه فإن عمرة في رمضان حجة ). وفي رواية أخرى عند البخاري: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:( لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجته قال لأم سنان الأنصارية ما منعك من الحج قالت أبو فلان تعني زوجها كان له ناضحان حج على أحدهما والآخر يسقي أرضاً لنا قال: فإن عمرة في رمضان تقضي حجة أو حجة معي ). وفي رواية عند مسلم قال صلى الله عليه وسلم :( فإذا جاء رمضان فاعتمري فإن عمرة فيه تعدل حجة ). وعن ابن عباس قال:( أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج، فقالت امرأة لزوجها: أحجني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على جملك، فقال: ما عندي ما أحجك عليه، قالت: أحجني على جملك فلان، قال: ذاك حبيس في سبيل الله عز وجل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي تقرأ عليك السلام ورحمة الله وإنها سألتني الحج معك، قالت: أحجني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت: ما عندي ما أحجك عليه، فقالت: أحجني على جملك فلان، فقلت: ذاك حبيس في سبيل الله، فقال: أما إنك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله، قال: وإنها أمرتني أن أسألك ما يعدل حجة معك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أقرئها السلام ورحمة الله وبركاته وأخبرها أنها تعدل حجة معي -يعني عمرة في رمضان- ) رواه أبو داود وغيره وقال الألباني حسن صحيح، انظر صحيح سنن أبي داود 1/ 374. وقال الإمام الترمذي:[ وقال أحمد وإسحق قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن عمرة في رمضان تعدل حجة قال إسحق معنى هذا الحديث مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قرأ ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ( فقد قرأ ثلث القرآن ] سنن الترمذي 3/276-277. وقال الإمام النووي :[ قوله صلى الله عليه وسلم :( فإن عمرة فيه ) أي في رمضان ( تعدل حجة ), وفي الرواية الأخرى:( تقضي حجة ) أي تقوم مقامها في الثواب, لا أنها تعدلها في كل شيء, فإنه لو كان عليه حجة فاعتمر في رمضان لا تجزئه عن الحجة ]. شرح النووي على صحيح مسلم 3/385.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني:[ قال ابن خزيمة: في هذا الحديث أن الشيء يشبه الشيء ويجعل عدله إذا أشبهه في بعض المعاني لا جميعها, لأن العمرة لا يقضى بها فرض الحج ولا النذر … فالحاصل أنه أعلمها أن العمرة في رمضان تعدل الحجة في الثواب لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض, للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض. ونقل الترمذي عن إسحاق بن راهويه أن معنى الحديث نظير ما جاء أن ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ( تعدل ثلث القرآن. وقال ابن العربي: حديث العمرة هذا صحيح, وهو فضل من الله ونعمة, فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها. وقال ابن الجوزي: فيه أن ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وبخلوص القصد ] فتح الباري 3/762-763.
إذا تقرر هذا فإن أبواب الخير كثيرة جداً وطرق الحصول على الحسنات أكثر من أن تعد أو تحصى وأنصح من اعتمر مراراً وتكراراً أن يصرف نفقات العمرة للفقراء والمساكين في بلادنا حيث إن معدلات الفقر قد ارتفعت في بلادنا بشكل ملحوظ وخاصة في ظل ظروف الاحتلال وإغلاق طرق الكسب أمام كثير من الناس بسبب الحواجز وغيرها وكذلك فقد كثرت أعداد الأرامل والأيتام والمعوقين والأسرى وكل هؤلاء بحاجة ماسة للمساعدة فالإنفاق في هذه المجالات أولى من تكرار العمرة في الظروف الحاضرة وينبغي التذكير بأن الصدقة على الفقراء والمساكين ومن في حكمهم أجرها عظيم ولا يقل عن أجر عمرة التطوع إن لم يزد عليها يقول الله تعالى:(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ( سورة البقرة الآية 261.
وورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ) رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفاً ) رواه البخاري ومسلم.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه؛ من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته؛ ومن فرج عن مسلم كربةً فرج الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة ) رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من نفَّس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون … ) رواه مسلم.
وخلاصة الأمر أن التطوع بإنفاق المال في وجوه الخير الكثيرة أولى من عمرة التطوع في الظروف الحالية التي تمر بها بلادنا.
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 3535)
7 - يستحبّ التّبكير بطلب الرّزق والتّجارة فقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: « باكروا للغدوّ في طلب الرّزق ، فإنّ الغدوّ بركة ونجاح » .
قال ابن العربيّ: يروى عن ابن عبّاس وغيره أنّ ما بعد صلاة الصّبح وقت يقسم اللّه فيه الرّزق بين العباد ، وثبت أنّه وقت ينادي فيه الملك: « اللّهمّ أعط منفقاً خلفاً ، وأعط ممسكاً تلفاً » .
وهو وقت ابتداء الحرص ونشاط النّفس وراحة البدن وصفاء الخاطر ، فيقسم لأجل ذلك كلّه وأمثاله.(1/143)
إيجاب نفقة المرأة وكسوتها
281- 7936 أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَارُونَ قَالَ : حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ : حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ : " اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ ، وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَ ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ " (1)
__________
(1) - سنن أبى داود برقم( 1907) مطولا وتهذيب الآثار للطبري برقم( 1139 ) وسنن البيهقى برقم( 9087 ) ومستخرج أبي عوانة برقم( 2808 ) صحيح
عون المعبود - (ج 4 / ص 297)
1628 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( دَخَلْنَا عَلَى جَابِر بْن عَبْد اللَّه )
: قَالَ النَّوَوِيّ : هُوَ حَدِيث عَظِيم مُشْتَمِل عَلَى جُمَل مِنْ الْفَوَائِد وَنَفَائِس مِنْ مُهِمَّات الْقَوَاعِد وَهُوَ مِنْ إِفْرَاد مُسْلِم لَمْ يَرْوِهِ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ كَرِوَايَةِ مُسْلِم ، وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاس عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْفِقْه وَأَكْثَرُوا . وَصَنَّفَ فِيهِ أَبُو بَكْر بْن الْمُنْذِر جُزْءًا كَثِيرًا . وَخَرَّجَ فِيهِ مِنْ الْفِقْه مِائَة وَنَيِّفًا وَخَمْسِينَ نَوْعًا وَلَوْ تُقُصِّيَ لَزِيدَ عَلَى هَذَا الْعَدَد قَرِيب مِنْهُ .
وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِمَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ زَائِرُونَ أَوْ ضِيفَان وَنَحْوهمْ أَنْ يَسْأَل عَنْهُمْ لِيُنْزِلهُمْ مَنَازِلهمْ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث عَائِشَة : " أَمَرَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُنْزِل النَّاس مَنَازِلهمْ " وَفِيهِ إِكْرَام أَهْل بَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فَعَلَ جَابِر بِمُحَمَّدِ بْن عَلِيّ .
وَمِنْهَا اِسْتِحْبَاب قَوْله لِلزَّائِرِ وَالضَّيْف وَنَحْوهمَا مَرْحَبًا .
وَمِنْهَا مُلَاطَفَة الزَّائِر بِمَا يَلِيق بِهِ وَتَأْنِيسه وَهَذَا سَبَب حِلّ جَابِر زِرَّيْ مُحَمَّد بْن عَلِيّ وَوَضَعَ يَده بَيْن ثَدْيَيْهِ .
وَقَوْله وَأَنَا يَوْمئِذٍ غُلَام شَابّ
تَنْبِيه عَلَى أَنَّ سَبَب فِعْل جَابِر ذَلِكَ التَّأْنِيس لِكَوْنِهِ صَغِيرًا أَمَّا الرَّجُل الْكَبِير فَلَا يَحُسّ إِدْخَال الْيَد فِي جَيْبه وَالْمَسْح بَيْن ثَدْيَيْهِ .
وَمِنْهَا جَوَاز إِمَامَة الْأَعْمَى وَلَا خِلَاف فِي جَوَاز ذَلِكَ .
وَمِنْهَا أَنَّ صَاحِب الْبَيْت أَحَقّ بِالْإِمَامَةِ مِنْ غَيْره .
وَمِنْهَا جَوَاز الصَّلَاة فِي ثَوْب وَاحِد مَعَ التَّمَكُّن مِنْ الزِّيَادَة عَلَيْهِ .
( فَقَامَ فِي نِسَاجَة )
: وَهِيَ بِكَسْرِ النُّون وَتَخْفِيف السِّين الْمُهْمَلَة وَبِالْجِيمِ . قَالَ النَّوَوِيّ : هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي نُسَخ بِلَادنَا وَرِوَايَاتنَا لِصَحِيحِ مُسْلِم وَسُنَن أَبِي دَاوُدَ وَوَقَعَ فِي بَعْض النُّسَخ فِي سَاجَة بِحَذْفِ النُّون ، وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاض عَنْ رِوَايَة الْجُمْهُور قَالَ هُوَ الصَّوَاب . قَالَ : وَالسَّاجَة وَالسَّاج جَمِيعًا ثَوْب كَالطَّيْلَسَانِ وَشَبَهِهِ قَالَ رِوَايَة النُّون وَقَعَتْ فِي رِوَايَة الْفَارِسِيّ ، قَالَ وَمَعْنَاهُ ثَوْب مُلَفَّق ، قَالَ : قَالَ بَعْضهمْ : النُّون خَطَأ وَتَصْحِيف .
قُلْت : لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كِلَاهُمَا صَحِيح وَيَكُون ثَوْبًا مُلَفَّقًا عَلَى هَيْئَة الطَّيْلَسَان قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِق : السَّاج وَالسَّاجَة الطَّيْلَسَان وَجَمْعه سِيجَان . اِنْتَهَى . وَقَالَ السُّيُوطِيُّ : نَسَاجَة كَسَحَابَةٍ ضَرْب مِنْ مَلَاحِف مَنْسُوجَة كَأَنَّهَا سُمِّيَتْ بِالْمَصْدَرِ . اِنْتَهَى .
( يَعْنِي )
: تَفْسِير لِلنِّسَاجَةِ
( ثَوْبًا مُلَفَّقًا )
: أَيْ ضُمَّ بَعْضهَا إِلَى بَعْض . قَالَ فِي الْمِصْبَاح : لَفَقْت الثَّوْب لَفْقًا مِنْ بَاب ضَرَبَ ضَمَمْت إِحْدَى الشُّقَّتَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى وَاسْم الشُّقَّة لِفْق عَلَى وَزْن حِمْل وَالْمُلَاءَة لِفْقَانِ
( عَلَى الْمِشْجَب )
: بِمِيمٍ مَكْسُورَة ثُمَّ شِين مُعْجَمَة سَاكِنَة ثُمَّ جِيم ثُمَّ بَاء مُوَحَّدَة وَهُوَ اِسْم لِأَعْوَادٍ يُوضَع عَلَيْهَا الثِّيَاب وَمَتَاع الْبَيْت قَالَهُ النَّوَوِيّ ، وَقَالَ السُّيُوطِيُّ : مِشْجَب كَمِنْبَرٍ عِيدَان تُضَمّ رُءُوسهَا وَتُفَرَّج قَوَائِمهَا فَيُوضَع عَلَيْهَا الثِّيَاب
( عَنْ حَجَّة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
: هِيَ بِكَسْرِ الْحَاء وَفَتْحهَا وَالْمُرَاد حَجَّة الْوَدَاع
( فَقَالَ )
: أَيْ أَشَارَ
( فَعَقَدَ )
: أَيْ بِأَنَامِلِهِ عَدَد تِسْعَة
( مَكَثَ تِسْع سِنِينَ لَمْ يَحُجّ )
: بِضَمِّ الْكَاف وَفَتْحهَا أَيْ لَبِثَ بِالْمَدِينَةِ بَعْد الْهِجْرَة لَكِنَّهُ اِعْتَمَرَ . وَقَدْ فُرِضَ الْحَجّ سَنَة سِتّ مِنْ الْهِجْرَة ، وَقِيلَ سَنَة ثَمَانٍ وَقِيلَ سَنَة تِسْع وَمَرَّ بَيَانه .
( ثُمَّ أَذَّنَ فِي النَّاس )
: بِلَفْظِ الْمَعْرُوف أَيْ أَمَرَ بِأَنْ يُنَادِي بَيْنهمْ ، وَفِي رِوَايَة بِلَفْظِ الْمَجْهُول أَيْ نَادَى مُنَادٍ بِإِذْنِهِ
( فِي الْعَاشِرَة )
: مَعْنَاهُ أَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ وَأَشَاعَهُ بَيْنهمْ لِيَتَأَهَّبُوا لِلْحَجِّ مَعَهُ وَيَتَعَلَّمُوا الْمَنَاسِك وَالْأَحْكَام وَيُشَاهِدُوا أَقْوَاله وَأَفْعَاله وَيُوصِيهِمْ لِيُبَلِّغ الشَّاهِد الْغَائِب وَتَشِيع دَعْوَة الْإِسْلَام وَتَبْلُغ الرِّسَالَة الْقَرِيب وَالْبَعِيد . وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِلْإِمَامِ إِيذَان النَّاس بِالْأُمُورِ الْمُهِمَّة لِيَتَأَهَّبُوا بِهَا
( كُلّهمْ يَلْتَمِس )
: أَيْ يَطْلُب وَيَقْصِد
( أَنْ يَأْتَمّ )
: بِتَشْدِيدِ الْمِيم أَيْ يَقْتَدِي
( وَيَعْمَل بِمِثْلِ عَمَله )
: عَطْف تَفْسِير . قَالَ الْقَاضِي : هَذَا مِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُمْ كُلّهمْ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ وَهُمْ لَا يُخَالِفُونَهُ ، وَلِهَذَا قَالَ جَابِر : وَمَا عَمِلَ مِنْ شَيْء عَمِلْنَا بِهِ ، وَمِثْله تَوَقُّفهمْ عَنْ التَّحَلُّل بِالْعُمْرَةِ مَا لَمْ يَتَحَلَّل حَتَّى أَغْضَبُوهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِمْ وَتَعْلِيق عَلِيٍّ وَأَبِي مُوسَى إِحْرَامهمَا عَلَى إِحْرَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِنْتَهَى . قَالَ فِي الْمِرْقَاة وَقَدْ بَلَغَ جُمْلَة مَنْ مَعَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَصْحَابه فِي تِلْكَ الْحَجَّة تِسْعِينَ أَلْفًا ، وَقِيلَ مِائَة وَثَلَاثِينَ أَلْفًا اِنْتَهَى .
( وَخَرَجْنَا مَعَهُ )
: أَيْ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَة كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بَيْن الظُّهْر وَالْعَصْر
( حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَة )
: فَنَزَلَ بِهَا فَصَلَّى الْعَصْر رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ بَاتَ وَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِب وَالْعِشَاء وَالصُّبْح وَالظُّهْر وَكَانَ نِسَاؤُهُ كُلّهنَّ مَعَهُ فَطَافَ عَلَيْهِنَّ تِلْكَ اللَّيْلَة ثُمَّ اِغْتَسَلَ غُسْلًا ثَانِيًا لِإِحْرَامِهِ غَيْر غُسْل الْجِمَاع الْأَوَّل كَمَا فِي الْمِرْقَاة
( اِغْتَسِلِي )
: فِيهِ اِسْتِحْبَاب غُسْل الْإِحْرَام لِلنُّفَسَاءِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانه
( وَاسْتَذْفِرِي )
: وَالِاسْتِذْفَار بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَهُوَ أَنْ تَشُدّ فَرْجهَا بِخِرْقَةٍ لِتَمْنَع سَيَلَان الدَّم أَيْ شُدِّي فَرْجك . وَفِيهِ صِحَّة إِحْرَام النُّفَسَاء وَهُوَ مُجْمَع عَلَيْهِ
( فِي الْمَسْجِد )
: الَّذِي بِذِي الْحُلَيْفَة . وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب رَكْعَتَيْ الْإِحْرَام
( ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاء )
: هِيَ بِفَتْحِ الْقَاف وَبِالْمَدِّ . قَالَ الْقَاضِي : وَوَقَعَ فِي نُسْخَة الْعَذَرِيّ الْقُصْوَى بِضَمِّ الْقَاف وَالْقَصْر . قَالَ وَهُوَ خَطَأ ، قَالَ اِبْن قُتَيْبَة : كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُوقٌ الْقَصْوَاء وَالْجَدْعَاء وَالْعَضْبَاء ، وَقَالَ مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيُّ التَّابِعِيّ وَغَيْره : إِنَّ الْعَضْبَاء وَالْقَصْوَاء وَالْجَدْعَاء اِسْم لِنَاقَةٍ وَاحِدَة كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
( نَظَرْت إِلَى مَدّ بَصَرِي )
: هَكَذَا وَقَعَ فِي جَمِيع النُّسَخ مَدّ بَصَرِي وَهُوَ صَحِيح وَمَعْنَاهُ مُنْتَهَى بَصَرِي ، وَأَنْكَرَ بَعْض أَهْل اللُّغَة مَدّ بَصَرِي ، وَقَالَ الصَّوَاب مَدَى بَصَرِي وَلَيْسَ هُوَ بِمُنْكَرٍ بَلْ هُمَا لُغَتَانِ وَالْمَدّ أَشْهَر
( مِنْ بَيْن يَدَيْهِ مِنْ رَاكِب وَمَاشٍ )
: فِيهِ جَوَاز الْحَجّ رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَهُوَ مُجْمَع عَلَيْهِ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ دَلَائِل الْكِتَاب وَالسُّنَّة وَإِجْمَاع الْأُمَّة قَالَ اللَّه تَعَالَى : { وَأَذِّنْ فِي النَّاس بِالْحَجِّ يَأْتُوك رِجَالًا وَعَلَى كُلّ ضَامِرٍ } وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْأَفْضَل مِنْهُمَا فَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَجُمْهُور الْعُلَمَاء : الرُّكُوب أَفْضَل اِقْتِدَاء بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهُ أَعْوَن لَهُ عَلَى وَظَائِف مَنَاسِكه وَلِأَنَّهُ أَكْثَر نَفَقَة . وَقَالَ دَاوُدُ : مَاشِيًا أَفْضَل لِمَشَقَّتِهِ
( يَنْزِل الْقُرْآن وَهُوَ يَعْلَم تَأْوِيله )
: مَعْنَاهُ الْحَثّ عَلَى التَّمَسُّك بِمَا أُخْبِركُمْ عَنْ فِعْله فِي حَجَّته تِلْكَ
( فَأَهَلَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
: أَيْ رَفَعَ صَوْته
( بِالتَّوْحِيدِ )
: أَيْ إِفْرَاد التَّلْبِيَة لِلَّهِ بِقَوْلِهِ
( لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ )
وَكَانَتْ الْجَاهِلِيَّة تَزِيد فِي التَّلْبِيَة إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَك تَمْلِكهُ ، فَفِيهِ إِشَارَة إِلَى مُخَالَفَتهَا
( فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِمْ )
: هَكَذَا فِي نُسَخ أَبِي دَاوُدَ وَبَعْض نُسَخ مُسْلِم لَفْظ يَرُدّ بِالرَّاءِ بَعْد الْيَاء مِنْ رَدَّ يَرُدّ وَفِي بَعْض نُسَخ مُسْلِم بِالزَّايِ بَعْد الْيَاء مِنْ الزِّيَادَة ، أَيْ فَلَمْ يَزِدْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنْهُ وَأَخَذَ هَذِهِ النُّسْخَة النَّوَوِيّ فَقَالَ : قَالَ الْقَاضِي عِيَاض فِيهِ إِشَارَة إِلَى مَا رُوِيَ مِنْ زِيَادَة النَّاس فِي التَّلْبِيَة مِنْ الثَّنَاء وَالذِّكْر كَمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَزِيد : لَبَّيْكَ ذَا النَّعْمَاء وَالْفَضْل الْحَسَن لَبَّيْكَ مَرْهُوبًا مِنْك وَمَرْغُوبًا إِلَيْك . وَعَنْ اِبْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْر بِيَدَيْك وَالرَّغْبَاء إِلَيْك وَالْعَمَل وَعَنْ أَنَس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : لَبَّيْكَ حَقًّا تَعَبُّدًا وَرِقًّا قَالَ الْقَاضِي : قَالَ أَكْثَر الْعُلَمَاء الْمُسْتَحَبّ الِاقْتِصَار عَلَى تَلْبِيَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ قَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ
( وَلَزِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلْبِيَته )
: أَيْ يُرَدِّدهَا فِي مَوَاضِع
( قَالَ جَابِر لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجّ )
: اِسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِتَرْجِيحِ الْإِفْرَاد وَلَا دَلِيل فِيهِ
( لَسْنَا نَعْرِف الْعُمْرَة )
: أَيْ مَعَ الْحَجّ أَيْ لَا نَرَى الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ اِسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَوَّل الْجَاهِلِيَّة مِنْ كَوْن الْعُمْرَة مَحْظُورَة فِي أَشْهُر الْحَجّ مِنْ أَفْجَر الْفُجُور . وَقِيلَ مَا قَصَدْنَاهَا وَلَمْ تَكُنْ فِي ذِكْرنَا . وَالْمَعْنَى لَسْنَا نَعْرِف الْعُمْرَة مَقْرُونَة بِالْحَجَّةِ أَوْ الْعُمْرَة الْمُفْرَدَة فِي أَشْهُر الْحَجّ . وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ عَائِشَة أَنَّ الصَّحَابَة خَرَجُوا مَعَهُ لَا يَعْرِفُونَ إِلَّا الْحَجّ ، فَبَيَّنَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ وُجُوه الْإِحْرَام وَجَوَّزَ لَهُمْ الِاعْتِمَار فِي أَشْهُر الْحَجّ فَقَالَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلّ بِحَجٍّ فَلْيُهِلَّ
( فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا )
: فِيهِ أَنَّ الطَّوَاف سَبْع طَوَافَات ، وَفِيهِ أَنَّ السُّنَّة أَنْ يَرْمُل الثَّلَاث الْأُوَل وَيَمْشِي عَلَى عَادَته فِي الْأَرْبَع الْأَخِيرَة وَالرَّمَل هُوَ أَسْرَع الْمَشْي مَعَ تَقَارُب الْخُطَى وَهُوَ الْخَبَب ، وَلَا يُسْتَحَبّ الرَّمَل إِلَّا فِي طَوَاف وَاحِد فِي حَجّ أَوْ عُمْرَة . أَمَّا إِذَا طَافَ فِي غَيْر حَجّ أَوْ عُمْرَة فَلَا رَمَل وَلَا يُسْرِع أَيْضًا فِي كُلّ طَوَاف حَجّ وَإِنَّمَا يُسْرِع فِي وَاحِد مِنْهَا ، وَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحّهمَا طَوَاف يَعْقُبهُ سَعْي ، وَيُتَصَوَّر ذَلِكَ فِي طَوَاف الْقُدُوم وَيُتَصَوَّر فِي طَوَاف الْإِفَاضَة وَلَا يُتَصَوَّر فِي طَوَاف الْوَدَاع وَيُسَنّ الِاضْطِبَاع فِي طَوَاف يُسَنّ فِيهِ الرَّمَل عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيله
( اِسْتَلَمَ الرُّكْن )
: أَيْ مَسَحَهُ بِيَدِهِ وَهُوَ سُنَّة فِي كُلّ طَوَاف وَأَرَادَ بِهِ الْحَجَر الْأَسْوَد وَأَطْلَقَ الرُّكْن عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ غَلَبَ عَلَى الْيَمَانِيّ
( فَجَعَلَ الْمَقَام بَيْنه وَبَيْن الْبَيْت )
: هَذَا دَلِيل لِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاء أَنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ طَائِف إِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافه أَنْ يُصَلِّي خَلْف الْمَقَام رَكْعَتَيْ الطَّوَاف ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ هُمَا وَاجِبَتَانِ أَمْ سُنَّتَانِ ، وَالسُّنَّة أَنْ يُصَلِّيهِمَا خَلْف الْمَقَام فَإِنْ لَمْ يَفْعَل فَفِي الْحِجْر وَإِلَّا فَفِي الْمَسْجِد وَإِلَّا فَفِي مَكَّة وَسَائِر الْحَرَم ، وَلَوْ صَلَّاهَا فِي وَطَنه وَغَيْره مِنْ أَقَاصِي الْأَرْض جَازَ وَفَاتَهُ الْفَضِيلَة وَلَا يُفَوِّت هَذِهِ الصَّلَاة مَا دَامَ حَيًّا . وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَطُوف أَطْوِفَة اُسْتُحِبَّ أَنْ يُصَلِّي عَقِيب كُلّ طَوَاف رَكْعَتَيْهِ ، فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَطُوف أَطْوِفَة بِلَا صَلَاة ثُمَّ يُصَلِّي بَعْد الْأَطْوِفَة لِكُلِّ طَوَاف رَكْعَتَيْهِ . قَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ يَجُوز ذَلِكَ وَهُوَ خِلَاف الْأَوْلَى وَلَا يُقَال مَكْرُوه . وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَة وَعَائِشَة وَطَاوُسٌ وَعَطَاء وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَأَبُو يُوسُف ، وَكَرِهَهُ اِبْن عُمَر وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ وَالزُّهْرِيّ وَمَالِك وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَة وَأَبُو ثَوْر وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن وَابْن الْمُنْذِر وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جُمْهُور الْفُقَهَاء
( قَالَ )
: أَيْ جَعْفَر بْن مُحَمَّد
( فَكَانَ أَبِي )
: مُحَمَّد بْن عَلِيّ يَقُول فِي رِوَايَته
( قَالَ اِبْن نَُفَيْل وَعُثْمَان )
: أَيْ فِي حَدِيثَيْهِمَا
( وَلَا أَعْلَمهُ )
: أَيْ لَا أَعْلَم جَابِرًا
( ذَكَرَهُ )
: هَذَا الْأَمْر وَهُوَ الْقِرَاءَة بِالسُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي رَكْعَتَيْ الطَّوَاف
( إِلَّا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
: وَمِنْ قَوْله وَلَا أَعْلَمهُ مَقُولَة يَقُول أَيْ كَانَ أَبِي يَقُول وَلَا أَعْلَم جَابِرًا ذَكَرَ هَذِهِ الْقِرَاءَة إِلَّا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
( قَالَ سُلَيْمَان )
: بْن عَبْد الرَّحْمَن فِي حَدِيثه
( وَلَا أَعْلَمهُ )
: أَيْ جَابِرًا
( إِلَّا قَالَ )
: جَابِر فِي قِرَاءَة السُّورَتَيْنِ
( كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأ )
: وَلَفْظ مُسْلِم فَكَانَ أَبِي يَقُول وَلَا أَعْلَمهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } وَ { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } : قَالَ النَّوَوِيّ : مَعْنَى هَذَا الْكَلَام أَنَّ جَعْفَر بْن مُحَمَّد رَوَى هَذَا الْحَدِيث عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِر قَالَ : كَانَ أَبِي يَعْنِي مُحَمَّدًا يَقُول إِنَّهُ قَرَأَ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ . قَالَ جَعْفَر وَلَا أَعْلَم أَبِي ذَكَرَ تِلْكَ الْقِرَاءَة عَنْ قِرَاءَة جَابِر فِي صَلَاة جَابِر بَلْ عَنْ جَابِر عَنْ قِرَاءَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاته قَرَأَ فِي الرَّكْعَة الْأُولَى بَعْد الْفَاتِحَة { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } وَفِي الثَّانِيَة بَعْد الْفَاتِحَة { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } وَأَمَّا قَوْله لَا أَعْلَم ذِكْرَهُ إِلَّا عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ هُوَ شَكًّا فِي ذَلِكَ لِأَنَّ لَفْظَة الْعِلْم تُنَافِي الشَّكّ بَلْ جَزَمَ بِرَفْعِهِ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيح عَلَى شَرْط مُسْلِم عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِر أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ بِالْبَيْتِ فَرَمَلَ مِنْ الْحَجَر الْأَسْوَد ثَلَاثًا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَرَأَ فِيهِمَا قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
( ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَيْت فَاسْتَلَمَ الرُّكْن )
: فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِلطَّائِفِ طَوَاف الْقُدُوم إِذَا فَرَغَ مِنْ الطَّوَاف وَصَلَاته خَلْف الْمَقَام أَنْ يَعُود إِلَى الْحَجَر الْأَسْوَد فَيَسْتَلِمهُ ثُمَّ يَخْرُج مِنْ بَاب الصَّفَا لِيَسْعَى ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ هَذَا الِاسْتِلَام لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَإِنَّمَا هُوَ سُنَّة لَوْ تَرَكَهُ لَمْ يَلْزَم دَم
( ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الْبَاب )
: أَيْ الصَّفَا
( إِلَى الصَّفَا )
: أَيْ جَبَل الصَّفَا .
قَالَ النَّوَوِيّ : فِيهِ أَنَّ السَّعْي يُشْتَرَط فِيهِ أَنْ يَبْدَأ مِنْ الصَّفَا ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَالْجُمْهُور .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي رِوَايَة النَّسَائِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيث بِإِسْنَادٍ صَحِيح أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : اِبْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّه بِهِ ، هَكَذَا بِصِيغَةِ الْجَمْع . وَمِنْهَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَرْقَى عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَة ، وَفِي هَذَا الرُّقِيّ خِلَاف قَالَ الْجُمْهُور مِنْ الشَّافِعِيَّة : هُوَ سُنَّة لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا وَاجِب فَلَوْ تَرَكَهُ صَحَّ سَعْيه لَكِنْ فَاتَتْهُ الْفَضِيلَة . وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبّ أَنْ يَرْقَى عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَة حَتَّى رَأَى الْبَيْت إِنْ أَمْكَنَهُ فِيهِ أَنَّهُ يُسَنّ أَنْ يَقِف عَلَى الصَّفَا مُسْتَقْبِل الْكَعْبَة وَيَذْكُر اللَّه تَعَالَى بِهَذَا الذِّكْر الْمَذْكُور وَيَدْعُو وَيُكَرِّر الذِّكْر وَالدُّعَاء ثَلَاث مَرَّات
( أَنْجَزَ وَعْده )
: أَيْ وَفَى وَعْدَهُ بِإِظْهَارِهِ تَعَالَى لِلدِّينِ
( وَنَصَرَ عَبْده )
: يُرِيد بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسه
( وَهَزَمَ الْأَحْزَاب )
: فِي يَوْم الْخَنْدَق
( وَحْده )
: أَيْ مِنْ غَيْر قِتَال الْآدَمِيِّينَ وَلَا سَبَب لِانْهِزَامِهِمْ ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْله تَعَالَى : { وَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا } أَوْ الْمُرَاد كُلّ مَنْ تَحَزَّبَ لِحَرْبِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ هَزَمَهُمْ ، وَكَانَ الْخَنْدَق فِي شَوَّال سَنَة أَرْبَع مِنْ الْهِجْرَة وَقِيلَ سَنَة خَمْس
( ثُمَّ دَعَا بَيْن ذَلِكَ )
: أَيْ بَيْن مَرَّات هَذَا الذِّكْر بِمَا شَاءَ وَقَالَ الذِّكْر ثَلَاث مَرَّات قَالَهُ السِّنْدِيُّ . وَقَالَ الْقَارِيّ : إِنَّهُ دَعَا بَعْد فَرَاغ الْمَرَّة الْأُولَى مِنْ الذِّكْر وَقَبْل الشُّرُوع فِي الْمَرَّة الثَّالِثَة
( حَتَّى إِذَا اِنْصَبَّتْ )
: أَيْ اِنْحَدَرَتْ فِي السَّعْي مَجَاز مِنْ قَوْلهمْ : صَبَّ الْمَاء فَانْصَبَّ
( رَمَلَ )
: وَفِي الْمُوَطَّأ سَعَى وَهُوَ بِمَعْنَى رَمَلَ
( فِي بَطْن الْوَادِي )
: أَيْ الْمَسْعَى وَهُوَ فِي الْأَصْل مَفْرَج بَيْن جِبَال أَوْ تِلَال أَوْ آكَام يَعْنِي اِنْحَدَرَتْ قَدَمَاهُ بِالسُّهُولَةِ فِي صَيِّب مِنْ الْأَرْض وَهُوَ الْمُنْحَدِر الْمُنْخَفِض مِنْهَا أَيْ حَتَّى بَلَغَتَا عَلَى وَجْه السُّرْعَة إِلَى أَرْض مُنْخَفِضَة كَذَا فِي الْمِرْقَاة ، وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب السَّعْي الشَّدِيد فِي بَطْن الْوَادِي حَتَّى يَصْعَد ثُمَّ يَمْشِي بَاقِي الْمَسَافَة إِلَى الْمَرْوَة عَلَى عَادَة مَشْيه ، وَهَذَا السَّعْي مُسْتَحَبّ فِي كُلّ مَرَّة مِنْ الْمَرَاتِب السَّبْع فِي هَذِهِ الْمَوَاضِع وَالْمَشْي مُسْتَحَبّ فِيمَا قَبْل الْوَادِي وَبَعْده ، وَلَوْ مَشَى فِي الْجَمِيع أَوْ سَعَى فِي الْجَمِيع أَجْزَأَهُ وَفَاتَهُ الْفَضِيلَة . هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقِيهِ .
وَعَنْ مَالِك فِيمَنْ تَرَكَهُ ، السَّعْي الشَّدِيد فِي مَوْضِعه رِوَايَتَانِ أَحَدهمَا كَمَا ذَكَرْنَا وَالثَّانِيَة تَجِب عَلَيْهِ إِعَادَته
( فَصَنَعَ عَلَى الْمَرْوَة مِثْل مَا صَنَعَ عَلَى الصَّفَا )
: مِنْ اِسْتِقْبَال الْقِبْلَة وَالذِّكْر وَالدُّعَاء وَالرُّقِيّ كَمَا صَنَعَ عَلَى الصَّفَا وَهَذَا مُتَّفَق عَلَيْهِ
( حَتَّى إِذَا كَانَ آخِر الطَّوَاف عَلَى الْمَرْوَة )
: فِيهِ دَلَالَة لِمَذْهَبِ الْجُمْهُور أَنَّ الذَّهَاب مِنْ الصَّفَا إِلَى الْمَرْوَة يُحْسَب مَرَّة وَالرُّجُوع مِنْ الْمَرْوَة إِلَى الصَّفَا ثَانِيَة وَالرُّجُوع إِلَى الْمَرْوَة ثَالِثَة وَهَكَذَا فَيَكُون اِبْتِدَاء السَّبْع مِنْ الصَّفَا وَآخِرهَا بِالْمَرْوَةِ
( قَالَ )
: النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَوَاب إِذَا
( إِنِّي لَوْ اِسْتَقْبَلْت )
: أَيْ لَوْ عَلِمْت فِي قَبْل
( مِنْ أَمْرِي مَا اِسْتَدْبَرْت )
: أَيْ مَا عَلِمْته فِي دُبُر مِنْهُ . وَالْمَعْنَى لَوْ ظَهَرَ لِي هَذَا الرَّأْي الَّذِي رَأَيْته الْآن لَأَمَرْتُكُمْ بِهِ فِي أَوَّل أَمْرِي وَابْتِدَاء خُرُوجِي
( لَمْ أَسُقْ الْهَدْي )
: بِضَمِّ السِّين يَعْنِي لَمَا جَعَلْت عَلَيَّ هَدْيًا وَأَشْعَرْته وَقَلَّدْته وَسُقْته بَيْن يَدَيَّ فَإِنَّهُ إِذَا سَاقَ الْهَدْي لَا يَحِلّ حَتَّى يَنْحَر وَلَا يَنْحَر إِلَّا يَوْم النَّحْر فَلَا يَصِحّ لَهُ فَسْخ الْحَجّ بِعُمْرَةٍ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَسُقْ إِذْ يَجُوز لَهُ فَسْخ الْحَجّ إِنَّمَا قَالَهُ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ ، وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ الْأَفْضَل لَهُمْ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ إِذْ كَانَ يَشُقّ عَلَيْهِمْ تَرْك الِاقْتِدَاء بِفِعْلِهِ . وَقَدْ يَسْتَدِلّ بِهَذَا الْحَدِيث مَنْ يَجْعَل التَّمَتُّع أَفْضَل وَهَذَا صَرِيح فِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا
( وَلَجَعَلْتهَا )
: أَيْ الْحَجَّة
( عُمْرَة )
: أَيْ جَعَلْت إِحْرَامِي بِالْحَجِّ مَصْرُوفًا إِلَى الْعُمْرَة كَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ مُوَافَقَة
( لَيْسَ مَعَهُ هَدْي )
: الْهَدْي بِإِسْكَانِ الدَّال وَكَسْرهَا وَتَشْدِيد الْيَاء مَعَ الْكِسْرَة
( فَلْيَحْلِلْ )
: بِسُكُونِ الْحَاء أَيْ لِيَصِرْ حَلَالًا وَلْيَخْرُجْ مِنْ إِحْرَامه بَعْد فَرَاغه مِنْ أَفْعَال الْعُمْرَة
( وَلْيَجْعَلْهَا )
: أَيْ الْحَجَّة
( عُمْرَة )
: إِذْ قَدْ أُبِيحَ لَهُ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْإِحْرَام حَتَّى يَسْتَأْنِف الْإِحْرَام لِلْحَجِّ قَالَهُ الْقَارِيّ .
( فَقَامَ سُرَاقَة بْن جُعْشُم )
: هُوَ سُرَاقَة بْن مَالِك بْن جُعْشُم بِضَمِّ الْجِيم وَبِضَمِّ الشِّين الْمُعْجَمَة وَفَتْحهَا ذَكَرَهُمَا الْجَوْهَرِيّ
( أَلِعَامِنَا هَذَا )
: أَيْ جَوَاز فَسْخ الْحَجّ إِلَى الْعُمْرَة . وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر مِنْ سِيَاق الْحَدِيث أَوْ الْإِتْيَان بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُر الْحَجّ أَوْ مَعَ الْحَجّ يَخْتَصّ بِهَذِهِ السَّنَة
( أَمْ لِلْأَبَدِ )
: أَيْ مِنْ الْحَال وَالِاسْتِقْبَال
( هَكَذَا )
: أَيْ كَالتَّشْبِيكِ
( مَرَّتَيْنِ )
: أَيْ قَالَهَا مَرَّتَيْنِ
( لَا )
: أَيْ لَيْسَ لِعَامِنَا هَذَا فَقَطْ
( بَلْ لِأَبَدِ أَبَدٍ )
: بِإِضَافَةِ الْأَوَّل إِلَى الثَّانِي أَيْ آخِر الدَّهْر أَوْ بِغَيْرِ الْإِضَافَة وَكَرَّرَهُ لِلتَّأْكِيدِ ، وَفِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ فِي حَدِيث آخَر عَنْ جَابِر ثُمَّ قَامَ سُرَاقَة بْن مَالِك فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه أَرَأَيْت مُتْعَتنَا هَذِهِ لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ أَيْ مَخْصُوصَة بِهِ لَا تَجُوز فِي غَيْره أَمْ لِجَمِيعِ الْأَعْصَار فَقَالَ هِيَ لِلْأَبَدِ أَيْ لَا يَخْتَصّ بِهِ بَلْ لِجَمِيعِهَا إِلَى أَبَد الْآبَاد . وَهَذَا أَصْرَح دَلِيل عَلَى فَسْخ الْحَجّ إِلَى الْعُمْرَة .
فَمَعْنَى قَوْل سُرَاقَة أَلِعَامِنَا هَذَا عِنْد أَحْمَد بْن حَنْبَل وَجَمَاعَة مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَالظَّاهِرِيَّة أَهَلْ الْفَسْخ لِعَامِنَا هَذَا وَعِنْد الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة وَغَيْرهمَا أَهَلْ التَّمَتُّع لِعَامِنَا هَذَا ، فَعَلَى الْأُولَى مَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَتْ الْعُمْرَة فِي الْحَجّ أَيْ دَخَلَتْ نِيَّة الْعُمْرَة فِي نِيَّة الْحَجّ بِحَيْثُ إِنَّ مَنْ نَوَى الْحَجّ صَحَّ الْفَرَاغ مِنْهُ بِالْعُمْرَةِ ، وَعَلَى الثَّانِي حَلَّتْ الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ وَصَحَّتْ قَالُوا وَالْمَقْصُود إِبْطَال مَا زَعَمَهُ أَهْل الْجَاهِلِيَّة مِنْ أَنَّ الْعُمْرَة لَا تَجُوز فِي أَشْهُر الْحَجّ ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ جَوَاز الْقِرَان وَتَقْدِير الْكَلَام : دَخَلَتْ أَفْعَال الْعُمْرَة فِي الْحَجّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ، قَالُوا : وَيَدُلّ عَلَيْهِ تَشْبِيك الْأَصَابِع .
قَالَ النَّوَوِيّ : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي هَذَا الْفَسْخ هَلْ هُوَ خَاصّ لِلصَّحَابَةِ أَمْ لِتِلْكَ السَّنَة أَمْ بَاقٍ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ أَحْمَد وَطَائِفَة مِنْ أَهْل الظَّاهِر لَيْسَ خَاصًّا بَلْ هُوَ بَاقٍ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَيَجُوز لِكُلِّ مَنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ وَلَيْسَ مَعَهُ هَدْي أَنْ يَقْلِب إِحْرَامه عُمْرَة وَيَتَحَلَّل بِأَعْمَالِهَا . وَقَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَة وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف هُوَ مُخْتَصّ بِهِمْ فِي تِلْكَ السَّنَة لِيُخَالِفُوا مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّة مِنْ تَحْرِيم الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ اِنْتَهَى .
قَالَ اِبْن الْقَيِّم فِي زَاد الْمَعَاد بَعْد ذِكْره حَدِيث الْبَرَاء وَغَضَبه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا لَمْ يَفْعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ الْفَسْخ : وَنَحْنُ نُشْهِد اللَّه عَلَيْنَا أَنَّا لَوْ أَحْرَمْنَا بِحَجٍّ لَرَأَيْنَا فَرْضًا عَلَيْنَا فَسْخه إِلَى عُمْرَة تَفَادِيًا مِنْ غَضَب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتِّبَاعًا لِأَمْرِهِ . فَوَاَللَّهِ مَا نُسِخَ هَذَا فِي حَيَاته وَلَا بَعْده وَلَا صَحَّ حَرْف وَاحِد يُعَارِضهُ وَلَا خُصَّ بِهِ أَصْحَابه دُون مَنْ بَعْدهمْ بَلْ أَجْرَى اللَّه عَلَى لِسَان سُرَاقَة أَنْ سَأَلَهُ هَلْ ذَلِكَ مُخْتَصّ بِهِمْ أَمْ لَا فَأَجَابَهُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَائِن لِأَبَدِ الْأَبَد فَمَا نَدْرِي مَا يُقَدَّم عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيث وَهَذَا الْأَمْر الْمُؤَكَّد الَّذِي غَضِبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ اِنْتَهَى وَتَقَدَّمَ بَعْض الْبَيَان فِي بَاب إِفْرَاد الْحَجّ .
( بِبُدْنٍ )
: بِضَمِّ الْبَاء وَسُكُون الدَّال جَمْع بَدَنَة
( صَبِيغًا )
: أَيْ مَصْبُوغًا
( فَأَنْكَرَ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ذَلِكَ عَلَيْهَا )
: فِيهِ إِنْكَار الرَّجُل عَلَى زَوْجَته مَا رَآهُ مِنْهَا مِنْ نَقْص فِي دِينهَا لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوز فَأَنْكَرَ
قَالَ
: أَيْ جَابِر
( يَقُول بِالْعِرَاقِ )
: أَيْ حِين كَانَ فِيهِ
( مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَة )
: التَّحْرِيش الْإِغْرَاء وَالْمُرَاد هَا هُنَا أَنْ يَذْكُر لَهُ مَا يَقْتَضِي عِتَابهَا
( قُلْت اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلّ )
: فِيهِ أَنَّهُ يَجُوز تَعْلِيق الْإِحْرَام بِإِحْرَامٍ كَإِحْرَامِ فُلَان
( فَحَلَّ النَّاس كُلّهمْ )
: وَفِيهِ إِطْلَاق اللَّفْظ الْعَامّ وَإِرَادَة الْخُصُوص لِأَنَّ عَائِشَة لَمْ تَحِلّ وَلَمْ تَكُنْ مِمَّنْ سَاقَ الْهَدْي ، وَالْمُرَاد بِقَوْلِهِ حَلَّ النَّاس كُلّهمْ أَيْ مُعْظَمهمْ
( وَقَصَّرُوا )
: وَلَمْ يَحْلِقُوا مَعَ أَنَّ الْحَلْق أَفْضَل لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَبْقَى شَعْر يُحْلَق فِي الْحَجّ ، فَلَوْ حَلَقُوا لَمْ يَبْقَ شَعْر فَكَانَ التَّقْصِير هَا هُنَا أَحْسَن لِيَحْصُل فِي النُّسُكَيْنِ إِزَالَة شَعْر
( فَلَمَّا كَانَ يَوْم التَّرْوِيَة )
: هُوَ الثَّامِن مِنْ ذِي الْحِجَّة سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ الْحُجَّاج يَرْتَوُونَ وَيَشْرَبُونَ فِيهِ مِنْ الْمَاء وَيَسْقُونَ الدَّوَابّ لِمَا بَعْده . وَفِيهِ بَيَان أَنَّ السُّنَّة أَنْ لَا يَتَقَدَّم أَحَدٌ إِلَى مِنًى قَبْل يَوْم التَّرْوِيَة . وَقَدْ كَرِهَ مَالِك ذَلِكَ وَقَالَ بَعْض السَّلَف لَا بَأْس بِهِ وَالصَّحِيح أَنَّهُ خِلَاف السُّنَّة
( فَرَكِبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ )
: فِيهِ بَيَان سُنَن إِحْدَاهَا أَنَّ الرُّكُوب فِي تِلْكَ الْمَوَاطِن أَفْضَل مِنْ الْمَشْي ، كَمَا أَنَّهُ فِي جُمْلَة الطَّرِيق أَفْضَل مِنْ الْمَشْي .
وَقَالَ بَعْض الشَّافِعِيَّة الْأَفْضَل فِي جُمْلَة الْحَجّ الرُّكُوب إِلَّا فِي مَوَاطِن الْمَنَاسِك وَهِيَ مَكَّة وَمِنًى وَمُزْدَلِفَة وَعَرَفَات وَالتَّرَدُّد بَيْنهَا . وَالسُّنَّة الثَّانِيَة أَنْ يُصَلِّي بِمِنًى هَذِهِ الصَّلَوَات الْخَمْس . وَالثَّالِثَة أَنْ يَبِيت بِمِنًى هَذِهِ اللَّيْلَة وَهِيَ لَيْلَة التَّاسِع مِنْ ذِي الْحِجَّة ، وَهَذَا الْمَبِيت سُنَّة لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا وَاجِب فَلَوْ تَرَكَهُ فَلَا دَم عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ
( حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْس )
: فِيهِ أَنَّ السُّنَّة أَنْ لَا يَخْرُجُوا مِنْ مِنًى حَتَّى تَطْلُع الشَّمْس وَهَذَا مُتَّفَق عَلَيْهِ
( وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ لَهُ مِنْ شَعْر فَضُرِبَتْ بِنَمِرَةٍ )
: بِفَتْحِ النُّون وَكَسْر الْمِيم اِسْم مَوْضِع قَرِيب مِنْ عَرَفَات وَهِيَ مُنْتَهَى أَرْض الْحَرَم وَكَانَ بَيْن الْحِلّ وَالْحَرَم ، فِيهِ اِسْتِحْبَاب النُّزُول بِنَمِرَةٍ إِذَا ذَهَبُوا مِنْ مِنًى لِأَنَّ السُّنَّة أَنْ لَا يَدْخُلُوا عَرَفَات إِلَّا بَعْد زَوَال الشَّمْس وَبَعْد صَلَاتَيْ الظُّهْر وَالْعَصْر جَمِيعًا . فَالسُّنَّة أَنْ يَنْزِلُوا بِنَمِرَة فَمَنْ كَانَ لَهُ قُبَّة ضَرَبَهَا وَيَغْتَسِلُونَ لِلْوُقُوفِ قَبْل الزَّوَال فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْس سَارَ بِهِمْ الْإِمَام إِلَى مَسْجِد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَخَطَبَ بِهِمْ خُطْبَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وَخُفِّفَتْ الثَّانِيَة جِدًّا ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُمَا صَلَّى بِهِمْ الظُّهْر وَالْعَصْر جَامِعًا بَيْنهمَا ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاة سَارَا إِلَى الْمَوْقِف .
وَفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز الِاسْتِظْلَال لِلْمُحْرِمِ بِقُبَّةٍ وَغَيْرهَا ، وَلَا خِلَاف فِي جَوَازه لِلنَّازِلِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازه لِلرَّاكِبِ ، فَمَذْهَب الشَّافِعِيّ جَوَازه وَبِهِ قَالَ كَثِيرُونَ وَكَرِهَهُ مَالِك وَأَحْمَد . وَفِيهِ جَوَاز اِتِّخَاذ الْقِبَاب وَجَوَازهَا مِنْ شَعْر
( وَلَا تَشُكّ قُرَيْش إِلَخْ )
: أَيْ إِنَّهُمْ لَمْ يَشُكُّوا فِي الْمُخَالَفَة بَلْ تَحَقَّقُوا أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقِف عِنْد الْمَشْعَر الْحَرَام لِأَنَّهُ مِنْ مَوَاقِف الْحُمْس أَهْل حَرَم اللَّه
( فَأَجَازَ )
: أَيْ تَجَاوَزَ عَنْ الْمُزْدَلِفَة إِلَى عَرَفَات . قَالَ النَّوَوِيّ : : مَعْنَى هَذَا أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّة تَقِف بِالْمَشْعَرِ الْحَرَام وَهُوَ جَبَل فِي الْمُزْدَلِفَة يُقَال لَهُ قُزَح ، وَقِيلَ إِنَّ الْمَشْعَر الْحَرَام كُلّ الْمُزْدَلِفَة وَكَانَ سَائِر الْعَرَب يَتَجَاوَزُونَ الْمُزْدَلِفَة وَيَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ فَظَنَّتْ قُرَيْش أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقِف فِي الْمَشْعَر الْحَرَام عَلَى عَادَتهمْ وَلَا يَتَجَاوَز ، فَتَجَاوَزَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَرَفَات لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَمَرَهُ بِذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس } أَيْ سَائِر الْعَرَب غَيْر قُرَيْش ، وَإِنَّمَا كَانَتْ قُرَيْش تَقِف بِالْمُزْدَلِفَةِ لِأَنَّهَا مِنْ الْحَرَم ، وَكَانُوا يَقُولُونَ نَحْنُ أَهْل حَرَم اللَّه فَلَا نَخْرُج مِنْهُ
( حَتَّى أَتَى عَرَفَة )
: مَجَاز ، وَالْمُرَاد قَارَبَ عَرَفَات لِأَنَّهُ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ وَجَدَ الْقُبَّة قَدْ ضُرِبَتْ بِنَمِرَة فَنَزَلَ بِهَا وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ نَمِرَة لَيْسَتْ مِنْ عَرَفَات وَأَنَّ دُخُول عَرَفَات قَبْل صَلَاتَيْ الظُّهْر وَالْعَصْر جَمِيعًا خِلَاف السُّنَّة ، وَالْقُبَّة هِيَ خَيْمَة صَغِيرَة
( حَتَّى إِذَا زَاغَتْ الشَّمْس )
: أَيْ مَالَتْ وَزَالَتْ عَنْ كَبِد السَّمَاء مِنْ جَانِب الشَّرْق إِلَى جَانِب الْغَرْب
( أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ )
: لَقَب نَاقَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَمْ تَكُنْ قَصْوَاء أَيْ مَقْطُوعَة الْأُذُن أَيْ بِإِحْضَارِهَا
( فَرُحِلَتْ )
: هُوَ بِتَخْفِيفِ الْحَاء أَيْ جُعِلَ عَلَيْهَا الرَّحْل
( بَطْن الْوَادِي )
: هُوَ وَادِي عُرَنَة بِضَمِّ الْعَيْن وَفَتْح الرَّاء وَبَعْدهَا نُون ، وَلَيْسَتْ عُرَنَة مِنْ أَرْض عَرَفَات عِنْد الشَّافِعِيّ وَالْعُلَمَاء كَافَّة إِلَّا مَالِكًا فَقَالَ هِيَ مِنْ عَرَفَات
( فَخَطَبَ النَّاس )
: فِيهِ اِسْتِحْبَاب الْخُطْبَة لِلْإِمَامِ بِالْحَجِيجِ يَوْم عَرَفَة فِي هَذَا الْمَوْضِع وَهُوَ سُنَّة بِاتِّفَاقِ جَمَاهِير الْعُلَمَاء وَخَالَفَ فِيهَا الْمَالِكِيَّة . وَمَذْهَب الشَّافِعِيّ أَنَّ فِي الْحَجّ أَرْبَع خُطَب مَسْنُونَة إِحْدَاهَا يَوْم السَّابِع مِنْ ذِي الْحِجَّة يَخْطُب عِنْد الْكَعْبَة بَعْد صَلَاة الظُّهْر ، وَالثَّانِيَة هَذِهِ الَّتِي بِبَطْنِ عُرَنَة يَوْم عَرَفَات ، وَالثَّالِثَة يَوْم النَّحْر ، وَالرَّابِعَة يَوْم النَّفْر الْأَوَّل وَهُوَ الْيَوْم الثَّانِي مِنْ أَيَّام التَّشْرِيق . قَالَ الْعُلَمَاء : وَكُلّ هَذِهِ الْخُطَب أَفْرَاد ، وَبَعْد صَلَاة الظُّهْر إِلَّا الَّتِي يَوْم عَرَفَات فَإِنَّهَا خُطْبَتَانِ وَقَبْل الصَّلَاة ، وَيُعَلِّمهُمْ فِي كُلّ خُطْبَة مِنْ هَذِهِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ إِلَى الْخُطْبَة الْأُخْرَى
( فَقَالَ إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالكُمْ )
: أَيْ تَعَرُّضهَا
( عَلَيْكُمْ حَرَام )
: أَيْ لَيْسَ لِبَعْضِكُمْ أَنْ يَتَعَرَّض لِبَعْضٍ فَيُرِيق دَمه أَوْ يَسْلُب مَاله
( كَحُرْمَةِ يَوْمكُمْ هَذَا )
: يَعْنِي تَعَرُّض بَعْضكُمْ دِمَاء بَعْض وَأَمْوَاله فِي غَيْر هَذِهِ الْأَيَّام كَحُرْمَةِ التَّعَرُّض لَهُمَا فِي يَوْم عَرَفَة
( فِي شَهْركُمْ هَذَا )
: أَيْ ذِي الْحِجَّة
( فِي بَلَدكُمْ هَذَا )
: أَيْ مَكَّة أَوْ الْحَرَم الْمُحْتَرَم . وَفِيهِ تَأْكِيد حَيْثُ جَمَعَ بَيْن حُرْمَة الزَّمَان وَاحْتِرَام الْمَكَان فِي تَشْبِيه حُرْمَة الْأَمْوَال وَالْأَبَدَانِ .
قَالَ النَّوَوِيّ : مَعْنَاهُ مُتَأَكِّدَة التَّحْرِيم شَدِيدَته . وَفِي هَذَا دَلِيل لِضَرْبِ الْأَمْثَال وَإِلْحَاق النَّظِير بِالنَّظِيرِ قِيَاسًا
( أَلَا )
: لِلتَّنْبِيهِ
( إِنَّ كُلّ شَيْء )
: أَيْ فَعَلَهُ أَحَدكُمْ
( مِنْ أَمْر الْجَاهِلِيَّة )
: أَيْ قَبْل الْإِسْلَام
( تَحْت قَدَمَيَّ )
: بِالتَّثْنِيَةِ
( مَوْضُوع )
: أَيْ كَالشَّيْءِ الْمَوْضُوع تَحْت الْقَدَم وَهُوَ مَجَاز عَنْ إِبْطَاله ، وَالْمَعْنَى عَفَوْت عَنْ كُلّ شَيْء فَعَلَهُ رَجُل قَبْل الْإِسْلَام حَتَّى صَارَ كَالشَّيْءِ الْمَوْضُوع تَحْت الْقَدَم .
قَالَ النَّوَوِيّ : فِي هَذِهِ الْجُمْلَة إِبْطَال أَفْعَال الْجَاهِلِيَّة وَبُيُوعهَا الَّتِي لَمْ يَتَّصِل بِهَا قَبْض وَأَنَّهُ لَا قِصَاص فِي قَتْلهَا وَأَنَّ الْإِمَام وَغَيْره مِمَّنْ يَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يَنْهَى عَنْ الْمُنْكَر يَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأ بِنَفْسِهِ وَأَهْله فَهُوَ أَقْرَب إِلَى قَبُول قَوْله وَإِلَى طِيب نَفْس مَنْ قَرُبَ عَهْده بِالْإِسْلَامِ
( وَدِمَاء الْجَاهِلِيَّة مَوْضُوعَة )
: أَيْ مَتْرُوكَة لَا قِصَاص وَلَا دِيَة وَلَا كَفَّارَة ، أَعَادَهَا لِلِاهْتِمَامِ أَوْ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ مَا بَعْده مِنْ الْكَلَام
( وَأَوَّل دَم أَضَعهُ )
: أَيْ أَضَعهُ وَأَتْرُكهُ
( دِمَاؤُنَا )
أَيْ الْمُسْتَحَقَّة لَنَا أَهْل الْإِسْلَام أَوْ دِمَاء أَقَارِبنَا ، وَلِذَا قَالَ الطِّيبِيُّ : اِبْتَدَأَ فِي وَضْع الْقَتْل وَالدِّمَاء بِأَهْلِ بَيْته وَأَقَارِبه لِيَكُونَ أَمْكَن فِي قُلُوب السَّامِعِينَ وَأَسَدّ لِبَاب الطَّمَع بِتَرَخُّصٍ فِيهِ
( دَم اِبْن رَبِيعَة )
: اِسْمه إِيَاس هُوَ اِبْن عَمّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ النَّوَوِيّ : قَالَ الْمُحَقِّقُونَ وَالْجُمْهُور اِسْم هَذَا الِابْن إِيَاس بْن رَبِيعَة بْن الْحَارِث بْن عَبْد الْمُطَّلِب . وَقَالَ الْقَاضِي : وَرَوَاهُ بَعْض رُوَاة مُسْلِم دَم رَبِيعَة بْن الْحَارِث . قَالَ وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ ، قِيلَ هُوَ وَهْم وَالصَّوَاب اِبْن رَبِيعَة لِأَنَّ رَبِيعَة عَاشَ بَعْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى زَمَن عُمَر بْن الْخَطَّاب ، وَتَأَوَّلَهُ أَبُو عُبَيْد فَقَالَ دَم رَبِيعَة لِأَنَّهُ وَلِيّ الدَّم فَنَسَبَهُ إِلَيْهِ اِنْتَهَى .
( كَانَ مُسْتَرْضَعًا )
: عَلَى بِنَاء الْمَجْهُول أَيْ كَانَ لِابْنِهِ ظِئْر تُرْضِعهُ
( فَقَتَلَتْهُ )
: أَيْ اِبْن رَبِيعَة
( هُذَيْل )
: وَكَانَ طِفْلًا صَغِيرًا يَحْبُو بَيْن الْبُيُوت فَأَصَابَهُ حَجَر فِي حَرْب بَنِي سَعْد مَعَ قَبِيلَة هُذَيْل فَقَتَلَهُ
( وَرِبَا الْجَاهِلِيَّة مَوْضُوع )
: يُرِيد أَمْوَالهمْ الْمَغْصُوبَة وَالْمَنْهُوبَة . وَإِنَّمَا خَصَّ الرِّبَا تَأْكِيدًا لِأَنَّهُ فِي الْجُمْلَة مَعْقُول فِي صُورَة مَشْرُوع وَلِيُرَتِّب عَلَيْهِ
قَوْله ( وَأَوَّل رِبًا )
: أَيْ زَائِد عَلَى رَأْس الْمَال
( أَضَع رِبَانَا رِبَا عَبَّاس بْن عَبْد الْمُطَّلِب )
: قِيلَ إِنَّهُ بَدَل مِنْ رِبَانَا وَالْأَظْهَر أَنَّهُ خَبَر
وَقَوْله ( فَإِنَّهُ )
: أَيْ الرِّبَا أَوْ رِبَا عَبَّاس
( مَوْضُوع كُلّه )
: تَأْكِيد بَعْد تَأْكِيد ، وَالْمُرَاد الزَّائِد عَلَى رَأْس الْمَال . قَالَ تَعَالَى { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوس أَمْوَالكُمْ } لِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الزِّيَادَة .
قَالَ النَّوَوِيّ : مَعْنَاهُ الزَّائِد عَلَى رَأْس الْمَال كَمَا قَالَ تَعَالَى { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوس أَمْوَالكُمْ } وَأَنَّ الرِّبَا هُوَ الزِّيَادَة ، فَإِذَا وُضِعَ الرِّبَا فَمَعْنَاهُ وَضْع الزِّيَادَة ، وَالْمُرَاد بِالْوَضْعِ الرَّدّ وَالْإِبْطَال
( فَاتَّقُوا اللَّه فِي النِّسَاء )
: أَيْ فِي حَقّهنَّ وَالْفَاء فَصِيحَة وَهُوَ مَعْطُوف عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى ، أَيْ اِتَّقُوا اللَّه فِي اِسْتَبَاحَهُ الدِّمَاء وَنَهَب الْأَمْوَال وَفِي النِّسَاء
( فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّه )
: أَيْ بِعَهْدِهِ مِنْ الرِّفْق وَحُسْن الْعِشْرَة
( وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّه )
: أَيْ بِشَرْعِهِ أَوْ بِأَمْرِهِ وَحُكْمه ، وَهُوَ قَوْله { فَانْكِحُوا } وَقِيلَ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُول أَيْ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّه بِهَا
( وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ )
: أَيْ مِنْ الْحُقُوق
( أَنْ لَا يُوطِئْنَ )
: بِهَمْزَةٍ أَوْ بِإِبْدَالِهَا بِالتَّخْفِيفِ صِيغَة جَمْع الْإِنَاث مِنْ الْإِيطَاء أَيْ الْأَفْعَال قَالَهُ السِّنْدِيُّ
( فُرُشكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ )
: أَيْ لَا يَأْذَن لِأَحَدٍ أَنْ يَدْخُل مَنَازِل الْأَزْوَاج ، وَالنَّهْي يَتَنَاوَل الرِّجَال وَالنِّسَاء
( فَإِنْ فَعَلْنَ )
: أَيْ الْإِيطَاء الْمَذْكُور
( فَاضْرِبُوهُنَّ )
: قَالَ اِبْن جَرِير فِي تَفْسِيره . الْمَعْنَى لَا يَأْذَن لِأَحَدٍ مِنْ الرِّجَال الْأَجَانِب أَنْ يَدْخُل عَلَيْهِنَّ فَيَتَحَدَّث إِلَيْهِنَّ ، وَكَانَ مِنْ عَادَة الْعَرَب لَا يَرَوْنَ بِهِ بَأْسًا ، فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَة الْحِجَاب نَهَى عَنْ مُحَادَثَتهنَّ وَالْقُعُود إِلَيْهِنَّ ، وَلَيْسَ هَذَا كِنَايَة عَنْ الزِّنَا وَإِلَّا كَانَ عُقُوبَتهنَّ الرَّجْم دُون الضَّرْب
( ضَرْبًا غَيْر مُبَرِّح )
: بِتَشْدِيدِ الرَّاء الْمَكْسُورَة وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة أَيْ مُجَرِّح أَوْ شَدِيد شَاقّ
( وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقهنَّ )
: مِنْ الْمَأْكُول وَالْمَشْرُوب ، وَفِي مَعْنَاهُ سُكْنَاهُنَّ
( وَكِسْوَتهنَّ بِالْمَعْرُوفِ )
بِاعْتِبَارِ حَالكُمْ فَقْرًا وَغِنًى أَوْ بِالْوَجْهِ الْمَعْرُوف مِنْ التَّوَسُّط الْمَمْدُوح
( وَإِنِّي قَدْ تَرَكْت فِيكُمْ )
: أَيْ فِيمَا بَيْنكُمْ
( مَا )
: مَوْصُولَة أَوْ مَوْصُوفَة
( لَنْ تَضِلُّوا بَعْده )
: أَيْ بَعْد تَرْكِي إِيَّاهُ فِيكُمْ أَوْ بَعْد التَّمَسُّك وَالْعَمَل بِمَا فِيهِ
( إِنْ اِعْتَصَمْتُمْ بِهِ )
: أَيْ فِي الِاعْتِقَاد وَالْعَمَل
( كِتَاب اللَّه )
: بِالنَّصْبِ بَدَل أَوْ بَيَان لِمَا فِي التَّفْسِير بَعْد الْإِبْهَام تَفْخِيم لِشَأْنِ الْقُرْآن ، وَيَجُوز الرَّفْع بِأَنَّهُ خَبَر مُبْتَدَأ مَحْذُوف ، أَيْ هُوَ كِتَاب اللَّه ، وَإِنَّمَا اِقْتَصَرَ عَلَى الْكِتَاب لِأَنَّهُ مُشْتَمِل عَلَى الْعَمَل بِالسُّنَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَطِيعُوا اللَّه وَأَطِيعُوا الرَّسُول } وَقَوْله { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } فَيَلْزَم مِنْ الْعَمَل بِالْكِتَابِ الْعَمَل بِالسُّنَّةِ
( وَأَنْتُمْ مَسْئُولُونَ عَنِّي )
: أَيْ عَنْ تَبْلِيغِي وَعَدَمه
( فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ )
: أَيْ فِي حَقِّي
( قَدْ بَلَّغْت )
: أَيْ الرِّسَالَة
( وَأَدَّيْت )
: أَيْ الْأَمَانَة
( وَنَصَحْت )
: أَيْ الْأُمَّة
( ثُمَّ قَالَ )
: أَيْ أَشَارَ
( يَرْفَعهَا )
: حَال مِنْ فَاعِل قَالَ أَيْ رَافِعًا إِيَّاهَا أَوْ مِنْ السَّبَّابَة أَيْ مَرْفُوعَة
( وَيَنْكُتهَا )
: بِضَمِّ الْكَاف وَالْمُثَنَّاة الْفَوْقَانِيَّة أَيْ يُشِير بِهَا إِلَى النَّاس كَاَلَّذِي يَضْرِب بِهَا الْأَرْض . وَالنَّكْت ضَرْب الْأَنَامِل إِلَى الْأَرْض . وَفِي بَعْض النُّسَخ بِالْمُوَحَّدَةِ . وَفِي النِّهَايَة بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة أَيْ يُمِيلهَا إِلَيْهِمْ يُرِيد بِذَلِكَ أَنْ يُشْهِد اللَّه عَلَيْهِمْ . قَالَ النَّوَوِيّ : هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة مِنْ فَوْق . قَالَ الْقَاضِي : هَكَذَا الرِّوَايَة وَهُوَ بَعِيد الْمَعْنَى . قَالَ قِيلَ صَوَابه يَنْكُبهَا بِبَاءٍ مُوَحَّدَة . قَالَ وَرَوَيْنَاهُ فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ وَبِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة مِنْ طَرِيق اِبْن الْأَعْرَابِيّ وَبِالْمُوَحَّدَةِ مِنْ طَرِيق أَبِي بَكْر التَّمَّار ، وَمَعْنَاهُ يَقْلِبهَا وَيُرَدِّدهَا إِلَى النَّاس مُشِيرًا إِلَيْهِمْ ، وَمِنْهُ نَكَبَ كِنَانَته إِذَا قَلَبَهَا اِنْتَهَى .
( اللَّهُمَّ اِشْهَدْ )
: عَلَى عِبَادك بِأَنَّهُمْ قَدْ أَقَرُّوا بِأَنِّي قَدْ بَلَّغْت ، أَوْ الْمَعْنَى اللَّهُمَّ اِشْهَدْ أَنْتَ إِذْ كَفَى بِك شَهِيدًا
( ثُمَّ أَذَّنَ بِلَال ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْر ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْر )
: أَيْ جَمَعَ بَيْنهمَا فِي وَقْت الظُّهْر ، وَهَذَا الْجَمْع كَجَمْعِ الْمُزْدَلِفَة جَمْع نُسُك عِنْد الْحَنَفِيَّة وَجَمْع سَفَر عِنْد الشَّافِعِيّ ، فَمَنْ كَانَ حَاضِرًا أَوْ مُسَافِرًا دُون مَرْحَلَتَيْنِ كَأَهْلِ مَكَّة لَمْ يَجُزْ لَهُ الْجَمْع كَمَا لَا يَجُوز لَهُ الْقَصْر عِنْده
( وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنهمَا شَيْئًا )
: أَيْ مِنْ السُّنَن وَالنَّوَافِل
( حَتَّى أَتَى الْمَوْقِف )
: أَيْ أَرْض عَرَفَات أَوْ اللَّام لِلْعَهْدِ وَالْمُرَاد مَوْقِفه الْخَاصّ ، وَيُؤَيِّد قَوْله
( فَجَعَلَ بَطْن نَاقَته الْقَصْوَاء )
: بِالْحِجْرِ
( إِلَى الصَّخَرَات )
: بِفَتْحَتَيْنِ الْأَحْجَار الْكِبَار . قَالَ النَّوَوِيّ : هُنَّ حُجُرَات مُفْتَرَشَات فِي أَسْفَل جَبَل الرَّحْمَة وَهُوَ الْجَبَل الَّذِي بِوَسَطِ أَرْض ، عَرَفَات فَهَذَا هُوَ الْمَوْقِف الْمُسْتَحَبّ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فَلْيَتَقَرَّبْ مِنْهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَان ، وَأَمَّا مَا اِشْتَهَرَ بَيْن الْعَوَامّ مِنْ الِاعْتِنَاء بِصُعُودِ الْجَبَل وَتَوَهُّمهمْ أَنَّهُ لَا يَصِحّ الْوُقُوف إِلَّا فِيهِ فَغَلَط ، وَالصَّوَاب جَوَاز الْوُقُوف فِي كُلّ جُزْء مِنْ أَرْض ، عَرَفَات . وَأَمَّا وَقْت الْوُقُوف فَهُوَ مَا بَيْن زَوَال الشَّمْس يَوْم عَرَفَة وَطُلُوع الْفَجْر الثَّانِي مِنْ يَوْم النَّحْر . وَقَالَ أَحْمَد : يَدْخُل وَقْت الْوُقُوف مِنْ فَجْر يَوْم عَرَفَة
( وَجَعَلَ حَبْل الْمُشَاة بَيْن يَدَيْهِ )
: قَالَ النَّوَوِيّ : رُوِيَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة وَسُكُون الْبَاء وَرُوِيَ بِالْجِيمِ وَفَتْح الْبَاء : قَالَ الْقَاضِي : الْأَوَّل أَشْبَه بِالْحَدِيثِ ، وَحَبْل الْمُشَاة مُجْتَمَعهمْ ، وَحَبْل الرَّمَل مَا طَالَ مِنْهُ وَضَخُمَ وَأَمَّا بِالْجِيمِ فَمَعْنَاهُ طَرِيقهمْ وَحَيْثُ تَسْلُك الرَّجَّالَة . وَقَالَ الطِّيبِيُّ : بِالْحَاءِ أَيْ طَرِيقهمْ الَّذِي يَسْلُكُونَهُ فِي الرَّمَل ، وَقِيلَ الْحَبْل الرَّمْل الْمُسْتَطِيل وَإِنَّمَا أَضَافَهَا إِلَى الْمُشَاة لِأَنَّهَا لَا يَقْدِر أَنْ يَصْعَد إِلَيْهَا إِلَّا الْمَاشِي وَدُون حَبْل الْمُشَاة وَدُون الصَّخَرَات اللَّاصِقَة بِسَفْحِ الْجَبَل مَوْقِف الْإِمَام وَبِهِ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى الْوُقُوف
( فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا )
: أَيْ قَائِمًا بِرُكْنِ الْوُقُوف رَاكِبًا عَلَى النَّاقَة
( حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْس )
: أَيْ أَكْثَرهَا أَوْ كَادَتْ أَنْ تَغْرُب
( وَذَهَبَتْ الصُّفْرَة قَلِيلًا )
: أَيْ ذَهَابًا قَلِيلًا
( حِين غَابَ الْقُرْص )
: أَيْ جَمِيعه
( فَدَفَعَ )
: أَيْ اِرْتَحَلَ وَمَضَى . وَقَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّه : أَيْ اِبْتَدَأَ السَّيْر وَدَفَعَ نَفْسه وَنَحَّاهَا اِنْتَهَى . قَالَ السِّنْدِيُّ : أَيْ اِنْصَرَفَ مِنْ عَرَفَة إِلَى الْمُزْدَلِفَة
( وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَام )
: بِتَخْفِيفِ النُّون مِنْ بَاب ضَرَبَ ، أَيْ ضَمَّ وَضَيَّقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَام
( مَوْرك رَحْله )
: الْمَوْرِك بِفَتْحِ الْمِيم وَسُكُون الْوَاو وَكَسْر الرَّاء وَفَتْحهَا مُقَدَّم الرَّحْل . قَالَ النَّوَوِيّ : هُوَ الْمَوْضِع الَّذِي يُثْنِي الرَّاكِب رِجْله عَلَيْهِ قُدَّام وَاسِطَة الرَّحْل إِذَا مَلَّ مِنْ الرُّكُوب . وَضَبَطَهُ الْقَاضِي بِفَتْحِ الرَّاء قَالَ وَهُوَ قِطْعَة أُدُم يَتَوَرَّك عَلَيْهَا الرَّاكِب تُجْعَل فِي مُقَدَّم الرَّحْل شِبْه الْمِخَدَّة الصَّغِيرَة ، وَالرَّحْل بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة مَعْرُوف
( السَّكِينَة )
: بِالنَّصْبِ أَيْ اِلْزَمُوهَا
( كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنْ الْحِبَال )
: بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَة وَسُكُون الْبَاء أَيْ التَّلّ اللَّطِيف مِنْ الرَّمْل الْحِبَال فِي الرِّمَال كَالْجِبَالِ فِي الْحَجَر
( أَرْخَى لَهَا )
: أَيْ لِلنَّاقَةِ
( قَلِيلًا )
: أَيْ إِرْخَاء قَلِيلًا أَوْ زَمَانًا قَلِيلًا
( حَتَّى تَصْعَد )
: بِفَتْحِ التَّاء الْمُثَنَّاة مِنْ فَوْق وَضَمّهَا ، يُقَال صَعِدَ فِي الْجَبَل وَأَصْعَدَ ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { إِذْ تُصْعِدُونَ } ذَكَرَهُ النَّوَوِيّ .
( ثُمَّ أَتَى الْمُزْدَلِفَة )
: مَوْضِع مَعْرُوف قِيلَ سُمِّيَتْ بِهِ لِمَجِيءِ النَّاس إِلَيْهَا فِي زُلَف مِنْ اللَّيْل أَيْ سَاعَات قَرِيبَة مِنْ أَوَّله وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { وَإِذَا الْجَنَّة أُزْلِفَتْ } أَيْ قُرِّبَتْ
( فَجَمَعَ بَيْن الْمَغْرِب وَالْعِشَاء )
: أَيْ وَقْت الْعِشَاء
( بِأَذَانٍ وَاحِد وَإِقَامَتَيْنِ )
: قَالَ النَّوَوِيّ : إِنَّ السُّنَّة لِلدَّافِعِ مِنْ عَرَفَات أَنْ يُؤَخِّر الْمَغْرِب إِلَى وَقْت الْعِشَاء ، وَيَكُون هَذَا التَّأْخِير بِنِيَّةِ الْجَمْع ثُمَّ الْجَمْع بَيْنهمَا فِي الْمُزْدَلِفَة فِي وَقْت الْعِشَاء ، وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ ، لَكِنْ مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة وَطَائِفَة أَنَّهُ يَجْمَع بِسَبَبِ النُّسُك وَيَجُوز لِأَهْلِ مَكَّة وَالْمُزْدَلِفَة وَمِنًى وَغَيْرهمْ ، وَعِنْد الشَّافِعِيّ أَنَّهُ جَمَعَ بِسَبَبِ السَّفَر كَمَا تَقَدَّمَ
( وَلَمْ يُسَبِّح )
: أَيْ يُصَلِّ
( بَيْنهمَا )
: أَيْ بَيْن الْمَغْرِب وَالْعِشَاء
( شَيْئًا )
: أَيْ مِنْ النَّوَافِل وَالسُّنَن
( ثُمَّ اِضْطَجَعَ )
: أَيْ لِلنَّوْمِ
( حَتَّى طَلَعَ الْفَجْر )
: وَالْمَبِيت عِنْد أَبِي حَنِيفَة سُنَّة وَهُوَ قَوْل بَعْض الشَّافِعِيَّة ، وَقِيلَ وَاجِب وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِيّ ، وَقِيلَ : رُكْن لَا يَصِحّ إِلَّا بِهِ كَالْوُقُوفِ وَعَلَيْهِ جَمَاعَة مِنْ الْأَجِلَّة . وَقَالَ مَالِك : النُّزُول وَاجِب وَالْمَبِيت سُنَّة وَكَذَا الْوُقُوف بَعْده ، قَالَ الْقَارِيّ : ثُمَّ الْمَبِيت بِمُعْظَمِ اللَّيْل ، وَالصَّحِيح أَنَّهُ بِحُضُورِ لَحْظَة بِالْمُزْدَلِفَةِ
( حِين تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْح )
: أَيْ طَلَعَ الْفَجْر فَصَلَّى بِغَلَسٍ
( بِنِدَاءٍ )
: أَيْ أَذَان
( حَتَّى أَتَى الْمَشْعَر الْحَرَام )
: قَالَ النَّوَوِيّ : الْمَشْعَر بِفَتْحِ الْمِيم وَالْمُرَاد بِهِ هَا هُنَا قُزَح وَهُوَ جَبَل مَعْرُوف فِي الْمُزْدَلِفَة . وَهَذَا الْحَدِيث حُجَّة أَنَّ الْمَشْعَر الْحَرَام قُزَح . وَقَالَ أَكْثَر الْعُلَمَاء : الْمَشْعَر الْحَرَام جَمِيع الْمُزْدَلِفَة اِنْتَهَى كَلَامه . قَالَ الْقَارِيّ : وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى الْمُغَايَرَة بَيْن الْمُزْدَلِفَة وَالْمَشْعَر الْحَرَام مَا فِي الْبُخَارِيّ : كَانَ اِبْن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يُقَدِّم ضَعَفَة أَهْله فَيَقِفُونَ عِنْد الْمَشْعَر بِالْمُزْدَلِفَةِ فَيَذْكُرُونَ اللَّه .
( فَحَمِدَ اللَّه وَكَبَّرَهُ )
: أَيْ قَالَ الْحَمْد لِلَّهِ وَاَللَّه أَكْبَر
( وَهَلَّلَهُ )
: أَيْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه
( وَحْده )
: أَيْ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ إِلَخْ
( حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا )
: أَيْ أَضَاءَ الْفَجْر إِضَاءَة تَامَّة
( ثُمَّ دَفَعَ )
: أَيْ اِنْصَرَفَ مِنْ الْمُزْدَلِفَة إِلَى مِنًى
( وَأَرْدَفَ الْفَضْل بْن عَبَّاس )
: أَيْ بَدَل أُسَامَة
( وَكَانَ رَجِلًا )
: بِفَتْحِ الرَّاء وَكَسْر الْجِيم أَيْ لَمْ يَكُنْ شَدِيد الْجُعُودَة وَلَا شَدِيد السُّبُوطَة بَلْ بَيْنهمَا
( وَسِيمًا )
: أَيْ حَسَنًا
( مَرَّ الظُّعُن )
: بِضَمِّ الظَّاء الْمُعْجَمَة وَالْعَيْن الْمُهْمَلَة جَمْع ظَعِينَة كَالسُّفُنِ جَمْع سَفِينَة ، وَهِيَ الْمَرْأَة فِي الْهَوْدَج
( حَتَّى أَتَى مُحَسِّرًا )
: مُحَسِّر بِضَمِّ الْمِيم وَفَتْح الْحَاء وَكَسْر السِّين الْمُشَدَّدَة الْمُهْمَلَتَيْنِ ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ فِيل أَصْحَاب الْفِيل حُسِرَ فِيهِ أَيْ أَعْيَا وَكَلَّ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { يَنْقَلِب إِلَيْك الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِير }
( فَحَرَّكَ قَلِيلًا )
: أَيْ أَسْرَعَ نَاقَته زَمَانًا قَلِيلًا أَوْ مَكَانًا قَلِيلًا ، فَهِيَ سُنَّة مِنْ سُنَن السَّيْر فِي ذَلِكَ الْمَوْضِع .
قَالَ الْعُلَمَاء : يُسْرِع الْمَاشِي وَيُحَرِّك الرَّاكِب دَابَّته فِي وَادِي مُحَسِّر ، وَيَكُون ذَلِكَ قَدْر رَمْيَة حَجَر
( ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيق الْوُسْطَى )
: فَفِيهِ أَنَّ سُلُوك هَذَا الطَّرِيق فِي الرُّجُوع مِنْ عَرَفَات سُنَّة ، وَهُوَ غَيْر الطَّرِيق الَّذِي ذَهَبَ فِيهِ إِلَى عَرَفَات لِيُخَالِف الطَّرِيق تَفَاؤُلًا بِتَغَيُّرِ الْحَال كَمَا فَعَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُخُول مَكَّة حِين دَخَلَهَا مِنْ الثَّنِيَّة الْعُلْيَا وَخَرَجَ مِنْ الثَّنِيَّة السُّفْلَى
( الَّذِي يُخْرِجك )
: مِنْ الْإِخْرَاج
( إِلَى الْجَمْرَة الْكُبْرَى )
: هِيَ الْجَمْرَة الْأُولَى الَّتِي قَرِيب مَسْجِد الْخَيْف
( حَتَّى أَتَى )
: عَطْف عَلَى سَلَكَ أَيْ حَتَّى وَصَلَ
( الْجَمْرَة الَّتِي عِنْد الشَّجَرَة )
: وَلَعَلَّ الشَّجَرَة إِذْ ذَاكَ كَانَتْ مَوْجُودَة هُنَاكَ ، وَأَمَّا الْجَمْرَة الْكُبْرَى فَهِيَ جَمْرَة الْعَقَبَة وَهِيَ الْجَمْرَة الَّتِي عِنْد الشَّجَرَة . وَفِيهِ أَنَّ السُّنَّة لِلْحَاجِّ إِذَا دَفَعَ مِنْ مُزْدَلِفَة فَوَصَلَ مِنًى أَنْ يَبْدَأ بِجَمْرَةِ الْعَقَبَة وَلَا يَفْعَل شَيْئًا قَبْل رَمْيهَا وَيَكُون ذَلِكَ قَبْل نُزُوله ،
( فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَات يُكَبِّر مَعَ كُلّ حَصَاة مِنْهَا مِثْل حَصَى الْخَذْف )
: بِالْخَاءِ وَالذَّال الْمُعْجَمَتَيْنِ الرَّمْي بِرُءُوسِ الْأَصَابِع . قَالَ الطِّيبِيُّ : بَدَل مِنْ الْحَصَيَات وَهُوَ بِقَدْرِ حَبَّة الْبَاقِلَّا . كَذَا فِي الْمِرْقَاة .
قَالَ النَّوَوِيّ : فِيهِ أَنَّ الرَّمْي بِسَبْعِ حَصَيَات وَأَنَّ قَدْرهنَّ بِقَدْرِ حَصَى الْخَذْف وَهُوَ نَحْو حَبَّة الْبَاقِلَّا ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُون أَكْبَر وَلَا أَصْغَر فَإِنْ كَانَ أَكْبَر أَوْ أَصْغَر أَجْزَأَهُ بِشَرْطِ كَوْنه حَجَرًا ، وَيُسَنّ التَّكْبِير مَعَ كُلّ حَصَاة ، وَيَجِب التَّفْرِيق بَيْن الْحَصَيَات فَيَرْمِيهِنَّ وَاحِدَة وَاحِدَة
( فَرَمَى مِنْ بَطْن الْوَادِي )
: بَيَان لِمَحَلِّ الرَّمْي . وَفِيهِ أَنَّ السُّنَّة أَنْ يَقِف لِلرَّمْيِ فِي بَطْن الْوَادِي بِحَيْثُ يَكُون مِنًى وَعَرَفَات وَالْمُزْدَلِفَة عَنْ يَمِينه وَمَكَّة عَنْ يَسَاره وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح
( وَأَمَرَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ )
: أَيْ بَقِيَّة الْبُدْن
( فَنَحَرَ )
: أَيْ عَلِيّ
( مَا غَبَرَ )
: أَيْ مَا بَقِيَ مِنْ الْمِائَة
( وَأَشْرَكَهُ )
: أَيْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا فِي هَدْيه .
قَالَ النَّوَوِيّ رَحِمَهُ اللَّه : وَظَاهِره أَنَّهُ شَارَكَهُ فِي نَفْس الْهَدْي قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : وَعِنْدِي لَمْ يَكُنْ تَشْرِيكًا حَقِيقَة بَلْ أَعْطَاهُ قَدْرًا يَذْبَحهُ . قَالَ : وَالظَّاهِر أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ الْبُدْن الَّتِي جَاءَتْ مَعَهُ مِنْ الْمَدِينَة وَكَانَتْ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ وَأَعْطَى عَلِيًّا الْبُدْن الَّتِي جَاءَتْ مَعَهُ مِنْ الْيَمَن وَهِيَ تَمَام الْمِائَة اِنْتَهَى . قَالَ الْقَارِيّ : وَلَا يَبْعُد أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَشْرَكَ عَلِيًّا فِي ثَوَاب هَدْيه لِأَنَّ الْهَدْي يُعْطَى حُكْم الْأُضْحِيَّة . ثُمَّ قَالَ النَّوَوِيّ : وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب تَعْجِيل ذَبْح الْهَدَايَا وَإِنْ كَانَتْ كَثِيرَة فِي يَوْم النَّحْر وَلَا يُؤَخِّر بَعْضهَا إِلَى أَيَّام التَّشْرِيق
( بِبَضْعَةٍ )
: بِفَتْحِ الْبَاء الثَّانِيَة وَهِيَ قِطْعَة مِنْ اللَّحْم
( فَجُعِلَتْ )
: أَيْ الْقِطَع
( فِي قِدْر )
: الْقِدْر بِالْكَسْرِ مَعْلُوم يُؤَنَّث
( فَأَكَلَا )
: أَيْ النَّبِيّ وَعَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ
( مِنْ لَحْمهَا )
: الضَّمِير يَعُود إِلَى الْقِدْر ، وَيُحْتَمَل أَنْ يَعُود إِلَى الْهَدَايَا
( وَشَرِبَا مِنْ مَرَقهَا )
: أَيْ مِنْ مَرَق الْقِدْر أَوْ مَرَق لُحُوم الْهَدَايَا وَهَذَا يَدُلّ عَلَى اِسْتِحْبَاب الْأَكْل مِنْ هَدْي التَّطَوُّع ، وَقِيلَ وَاجِب لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَكُلُوا مِنْهَا }
( ثُمَّ أَفَاضَ )
: أَيْ أَسْرَعَ
( إِلَى الْبَيْت )
: أَيْ بَيْت اللَّه لِطَوَافِ الْفَرْض وَيُسَمَّى طَوَاف الْإِفَاضَة وَالرُّكْن .
وَأَكْثَر الْعُلَمَاء وَمِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَة لَا يَجُوز الْإِفَاضَة بِنِيَّةِ غَيْره خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ، حَيْثُ قَالَ لَوْ نَوَى غَيْره كَنَذْرٍ أَوْ وَدَاع وَقَعَ عَنْ الْإِفَاضَة
( فَصَلَّى بِمَكَّة الظُّهْر )
: قَالَ النَّوَوِيّ : فِيهِ مَحْذُوف تَقْدِيره فَأَفَاضَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ طَوَاف الْإِفَاضَة ثُمَّ صَلَّى الظُّهْر ، فَحُذِفَ ذِكْر الطَّوَاف لِدَلَالَةِ الْكَلَام عَلَيْهِ . وَأَمَّا قَوْله فَصَلَّى الظُّهْر بِمَكَّة فَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِم مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر أَنَّ النَّبِيّ أَفَاضَ يَوْم النَّحْر فَصَلَّى الظُّهْر بِمِنًى . وَوَجْه الْجَمْع بَيْنهمَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ لِلْإِفَاضَةِ قَبْل الزَّوَال ثُمَّ صَلَّى الظُّهْر بِمَكَّة فِي أَوَّل وَقْتهَا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَصَلَّى بِهَا الظُّهْر بِأَصْحَابِهِ حِين سَأَلُوهُ ذَلِكَ فَيَكُون مُتَنَفِّلًا بِالظُّهْرِ الثَّانِيَة الَّتِي بِمِنًى اِنْتَهَى . قَالَ الْقَارِيّ : أَوْ يُقَال الرِّوَايَتَانِ حَيْثُ تَعَارَضَتَا فَتَتَرَجَّح صَلَاته بِمَكَّة لِكَوْنِهَا أَفْضَل وَيُؤَيِّدهُ ضِيق الْوَقْت لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رَجَعَ قُبَيْل طُلُوع الشَّمْس مِنْ الْمَشْعَر وَرَمَى بِمِنًى وَنَحَرَ مِائَة مِنْ الْإِبِل ، وَطَبَخَ لَحْمهَا وَأَكَلَ مِنْهَا ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى مَكَّة وَطَافَ وَسَعَى فَلَا شَكّ أَنَّهُ أَدْرَكَهُ الْوَقْت بِمَكَّة وَمَا كَانَ يُؤَخِّرهَا عَنْ وَقْت الْمُخْتَار لِغَيْرِ ضَرُورَة وَلَا ضَرُورَة هُنَا وَاَللَّه أَعْلَم .
( بَنِي عَبْد الْمُطَّلِب )
: وَهُمْ أَوْلَاد الْعَبَّاس وَجَمَاعَته لِأَنَّ سِقَايَة الْحَاجّ كَانَتْ وَظِيفَته
( يَسْقُونَ )
: أَيْ مَرَّ عَلَيْهِمْ وَهُمْ يَنْزِعُونَ الْمَاء مِنْ زَمْزَم وَيَسْقُونَ النَّاس
( عَلَى زَمْزَم )
: قَالَ النَّوَوِيّ : مَعْنَاهُ يَغْرِفُونَ بِالدِّلَاءِ وَيَصُبُّونَهُ فِي الْحِيَاض وَنَحْوهَا فَيُسَبِّلُونَهُ
( فَقَالَ اِنْزِعُوا )
: أَيْ الْمَاء وَالدِّلَاء
( بَنِي عَبْد الْمُطَّلِب )
: يَعْنِي الْعَبَّاس وَمُتَعَلِّقِيهِ بِحَذْفِ حَرْف النِّدَاء ، دَعَا لَهُمْ بِالْقُوَّةِ عَلَى النَّزْع وَالِاسْتِقَاء أَيْ إِنَّ هَذَا الْعَمَل عَمَل صَالِح مَرْغُوب فِيهِ لِكَثْرَةِ ثَوَابه وَالظَّاهِر أَنَّهُ أَمْر اِسْتِحْبَاب لَهُمْ
( فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبكُمْ النَّاس عَلَى سِقَايَتكُمْ )
: أَيْ لَوْلَا مَخَافَة كَثْرَة الِازْدِحَام عَلَيْكُمْ بِحَيْثُ تُؤَدِّي إِلَى إِخْرَاجكُمْ عَنْهُ رَغْبَة فِي النَّزْع قَالَهُ الْقَارِي .
وَقَالَ النَّوَوِيّ : مَعْنَاهُ لَوْلَا خَوْفِي أَنْ يَعْتَقِد النَّاس ذَلِكَ مِنْ مَنَاسِك الْحَجّ فَيَزْدَحِمُونَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَغْلِبُونَكُمْ وَيَدْفَعُونَكُمْ عَنْ الِاسْتِقَاء لَاسْتَقَيْت مَعَكُمْ لِكَثْرَةِ فَضِيلَة هَذَا الِاسْتِقَاء
( فَنَاوَلُوهُ )
: أَيْ أَعْطَوْهُ
( دَلْوًا )
: رِعَايَة لِلْأَفْضَلِ
( فَشَرِبَ مِنْهُ )
: أَيْ مِنْ الدَّلْو أَوْ مِنْ الْمَاء .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم وَابْن مَاجَهْ بِنَحْوِهِ مُطَوَّلًا وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا . وَفِي رِوَايَة أَدْرَجَ فِي الْحَدِيث عِنْد قَوْله وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَام إِبْرَاهِيم مُصَلًّى قَالَ فَقَرَأَ فِيهَا بِالتَّوْحِيدِ وَقُلْ يَا أَيّهَا الْكَافِرُونَ . وَفِي رِوَايَة فَصَلَّى الْمَغْرِب وَالْعَتَمَة بِأَذَانٍ وَإِقَامَة .
لقاءات الباب المفتوح - (ج 159 / ص 10)
المعاشرة بالمعروف:
ومما يتعلق بالنكاح وهو مهم جداً: أنه يجب على كل من الزوجين أن يعاشر الآخر بالمعروف، لقول الله تبارك وتعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] فيجب على المرأة أن تعاشر زوجها بالمعروف وأن تقوم بحقه بقدر الاستطاعة، ويجب على الزوج كذلك أن يعاشر زوجته بالمعروف وأن يتقي الله فيها كما أوصى بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حجة الوداع في أكبر مجمع إسلامي قال: (اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله) فأوصى بالناس، وقال: (استوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع)، وقال عليه الصلاة والسلام: (اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم) والعواني: جمع عانية والعانية هي الأسيرة يعني: بمنزلة الأسير. فالواجب على كل من الزوجين أن يقوم بما أوجب الله عليه من العشرة الحسنة وألا يتسلط الزوج على الزوجة لكونه أعلى منها وكون أمرها بيده، وكذلك للزوجة لا يجوز أن تترفع على الزوج بل على كل منهما أن يعاشر الآخر بالمعروف. ومن المعلوم أنه قد يقع من الزوج كراهة للزوجة إما لتقصيرها في حقه أو لقصور في عقلها وذكائها وما أشبه ذلك، فكيف يعامل هذه المرأة؟ نقول: هذا موجود في القرآن وفي السنة، قال الله تبارك وتعالى: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء:19] وهذا هو الواقع، قد يكره الإنسان زوجته لسبب ثم يصبر فيجعل الله عز وجل في هذا خيراً كثيراً، تنقلب الكراهة إلى محبة، والسآمة إلى راحة وهكذا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة) يعني: لا يبغضها ولا يكرهها (إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر) انظر المقابلة، الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه الله الحكمة، ( إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر ) هل أحد يتم له مراده في هذه الدنيا؟ لا، أبداً، لا يتم مرادك في هذه الدنيا، وإن تم في شيء نقص في شيء، حتى الأيام يقول الله عز وجل: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140] وفي ذلك يقول الشاعر الجاهلي:
ويوم علينا ويوم لنا *** ويوم نُسَاءُ ويوم نُسَرّ
وجرب هذا تجد، لا تبقى الدنيا على حال واحد، ومن الأمثال السائرة: (دوام الحال من المحال). فإذا كرهت من زوجك شيئاً فقابله بما يرضيك حتى تقتنع، وكذلك يقال للمرأة: هذا الذي قدر لك من الرجال فاصبري واحتسبي ويجعل الله لك فرجاً ومخرجاً، فإن تعذر الصبر فإننا نحاول الإصلاح كما قال الله تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35] هذا إذا كان الشقاق بين الطرفين.......
اللقاء الشهري - (ج 15 / ص 10)
حكم هجر المرأة لزوجها
[ السؤال ] فضيلة الشيخ: أسأل الله تعالى أن يجمعنا وإياك في مستقر رحمته، وأريد أن يجمع الله بك الشمل ويصلح الحال، هذه امرأة لها زوج مضى على زواجها أكثر من أربعين سنة، وهي ليست هنا ولا زوجها، والمرأة تصلي التراويح وتصوم التطوع وتحرص على الخير، ولكن لها ما يقارب سنة ونصفاً لا علاقة لها بزوجها لهجرها له مع أنهما في بيت واحد، ولها أكثر من أربعة أشهر لا تكلمه ولا تستأذنه في ذهاب ولا إياب، بل ولا تأبه به عند أبنائه، وربما تهزأ به وتتكلم عليه، فهل يسعها ذلك؟ وهل تأثم بذلك؟ وما الواجب عليها الآن؟ وماذا يفعل زوجها؟ وهل إذا وقع زوجها في شيء من الحرام هل تأثم به؟ أرجو لها النصيحة ولمن في مثل حالها ممن تقصر في حق زوجها من بعض النساء مع أنها تعمل بعض الصالحات؟
الجواب: الواجب على كل من الزوجين أن يعاشر الآخر بالمعروف؛ لقول الله تبارك وتعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] وإذا نشزت المرأة عن زوجها وصارت لا تعطيه حقه، أو تعطيه حقه وهي متكرهة متبرمة، فإنها تعتبر ناشزاً، وقد قال الله تعالى: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً [النساء:34]. وثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أن المرأة إذا دعاها الرجل إلى فراشه فأبت عليه لعنتها الملائكة حتى تصبح) والعياذ بالله. ولهذا يجب على هذه المرأة أن تتقي الله في نفسها وفي زوجها، وأن تعود إلى العشرة بالمعروف، وأن تذكَّر ما سبق من ماضي حياتهما وألا تجحد الجميل؛ فإن جحد الجميل -أعني: جحد جميل الزوج- من أسباب دخول النار والعياذ بالله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وعظ النساء ذات يوم، وقال: (يا معشر النساء تصدقن؛ فإني رأيتكن أكثر أهل النار قلن: بم يا رسول الله؟ قال: لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير). قال العلماء: العشير: الزوج، ومعنى تكفرن العشير: أي تجحدن حقه ولا تقمن به، فعلى المرأة هذه أن تتقي الله عز وجل فيما بقي من عمرها، ولعلها لم يبق من عمرها مع زوجها إلا القليل، فلترجع إلى حظيرة الزواج، ولتصنع معروفاً في زوجها وفي أولادهما، لأن الأولاد إذا رأوا ما بين هذه المرأة وزوجها من التباعد ربما يُحدِث في نفوسهم شيئاً، وهذه الكلمة أقولها لهذه المرأة ومن يشابهها من النساء. كما أقول أيضاً: إن الواجب على الرجال أن يتقوا الله تعالى في النساء كما وصاهم بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في خطبته في عرفة في حجة الوداع حيث قال: (اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله). فالواجب على كل من الزوجين أن يعاشر الآخر بالمعروف.
السؤال : بالنسبة للرجل الذي قاطعته امرأته وهجرته، قد يظن أنه يعمل بعض المنكرات وهو ليس من أهل المنكرات لكبر سنه ولبعده عن ذلك.
الجواب: إذا كان الأمر هكذا، صار مقاطعتها لزوجها أشد إثماً؛ لأنه ليس لمقاطعتها وجه من الوجوه، فيكون إثمها أعظم، ونكرر نصيحتنا لها أن تتقي الله عز وجل، وأن تعود إلى رشدها وإلى معاشرة زوجها بالمعروف.
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 4851)
«انعقاد النّكاح بلفظ التّمليك»
9 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة ومجاهد والثّوريّ وأبو ثور وأبو عبيد إلى انعقاد النّكاح بلفظ التّمليك وبكلّ لفظ وضع لتمليك العين في الحال لقوله صلى الله عليه وسلم : « ملّكتكها بما معك من القرآن » حيث ورد في النّكاح ، ولأنّ التّمليك سبب لملك الاستمتاع فأطلق على النّكاح ، والسّببيّة طريق من طرق المجاز.
ويرى الشّافعيّة وجمهور الحنابلة عدم انعقاد النّكاح بلفظ التّمليك لخبر مسلم « اتّقوا اللّه في النّساء فإنّكم أخذتموهنّ بأمانة اللّه واستحللتم فروجهنّ بكلمة اللّه » قالوا : وكلمة اللّه هي التّزويج أو الإنكاح ، فإنّه لم يذكر في القرآن سواهما فوجب الوقوف عندهما تعبّداً واحتياطاً ، لأنّ النّكاح ينزع إلى العبادات لورود النّدب فيه ، والأذكار في العبادات تتلقّى من الشّرع ، والشّرع إنّما ورد بلفظي التّزويج والإنكاح.
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 69 / ص 2)
تقدير النفقة
8 - اختلف الفقهاء في تقدير نفقة الزوجة على أربعة أقوال
القول الأول أنها مقدرة بكفايتها ، وإليه ذهب الحنفية والمالكية وبه قال بعض الشافعية ، وأكثر الحنابلة وهو المذهب عندهم .
واستدلوا على ذلك بقول الله عز وجل 41 40 { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } موجهين استدلالهم بأن الله عز وجل أوجب على المولود له- وهو الزوج- نفقة زوجته من غير تحديد بمقدار معين ، فيكون على الكفاية في العرف والعادة ، كرزق القاضي والمضارب .
وبما روته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ( أن هند بنت عتبة قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح ، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم ، فقال "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " ) فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم هندا بأن تأخذ ما يكفيها وولدها من مال زوجها بالمعروف دون أن يقدر ذلك بمقدار معين ، والمعروف هو المقدر عرفا بالكفاية ، فدل هذا على أن نفقة الزوجة مقدرة بكفايتها لا بالشرع .
وبما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حجة الوداع فقال "اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله .... ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " )
فرسول الله صلى الله عليه وسلم قيد النفقة الواجبة على الأزواج للزوجات بالمعروف ، والمعروف إنما هو الكفاية دون غيره ، لأن ما نقص عن الكفاية فيه إضرار بالزوجة ، فلا يعد معروفا وكذلك ما زاد على الكفاية فإنه يعد سرفا وليس بمعروف ، لكون السرف ممقوتا ، فكان المعروف هو الكفاية .
وبقياس نفقة الزوجة علي نفقة الأقارب بجامع أنها غير مقدرة بمقدار محدد وإنما هي على الكفاية ، فتكون نفقة الزوجة على الكفاية .
وقالوا إن النفقة إنما وجبت لكونها محبوسة بحق الزوج ممنوعة عن الكسب لحقه ، فكان وجوبها بطريق الكفاية .
القول الثاني إنها مقدرة بمقدار محدد ، وإليه ذهب الشافعية على المعتمد ، والقاضي من الحنابلة .
41 41 وقدرها الشافعية بمدين إذا كان الزوج موسرا ، وبمد إذا كان معسرا ، وبمد ونصف المد إذا كان متوسطا . وقال القاضي الواجب رطلان من الخبز في كل يوم في حق الموسر والمعسر اعتبارا بالكفارات .
واحتجوا لأصل التفاوت بين الموسر والمعسر بقول الله عز وجل { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ }
وأما التقدير فبقياس نفقة الزوجة على الكفارة بجامع أن كلا منهما مال وجب بالشرع .
القول الثالث إن المعتبر في تقدير النفقة عادة أمثال الزوج والزوجة وحال البلد ، وإليه ذهب المالكية ، وهو قول عند بعض الشافعية .
القول الرابع إن المعتبر ما يفرضه القاضي وعليه أن يجتهد ويقدر ، وإليه ذهب بعض الشافعية .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 81 / ص 43)
ب- استمتاع كل من الزوجين بالآخر
138 - ذهب الفقهاء إلى أنه يحل لكل من الزوجين الاستمتاع بالآخر، ولهم في ذلك تفصيل
نص الشافعية والحنابلة على أنه يحل لكل من الزوجين الاستمتاع بالآخر كما يحل له النظر إلى جميع بدن صاحبه وكذا لمسه لحديث ( "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك " )
وقال الحنفية إن من أحكام النكاح الأصلية حل وطء الزوج لزوجه إلا في حالة الحيض والنفاس والإحرام وفي الظهار قبل التكفير قال تعالى { والذين هم لفروجهم حافظون } { إلا على أزوجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } وقال صلى الله عليه وسلم ( "اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله " ) وكلمة الله هي الإنكاح والتزويج، ولأن النكاح ضم وتزويج لغة فيقتضي الانضمام والازدواج، ولا يتحقق 41 312 ذلك إلا بحل الوطء والاستمتاع، وحل الاستمتاع مشترك بين الزوجين، فإن المرأة كما تحل لزوجها فزوجها يحل لها، قال الله عز وجل { لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } وللزوج أن يطالبها بالوطء متى شاء إلا عند اعتراض أسباب مانعة من الوطء كالحيض والنفاس والظهار والإحرام وغير ذلك.
وللزوجة أن تطالب زوجها بالوطء، لأن حله لها حقها، كما أن حلها له حقه، وإذا طالبته يجب على الزوج ويجبر عليه في الحكم مرة واحدة، والزيادة على ذلك تجب فيما بينه وبين الله تعالى من باب حسن المعاشرة واستدامة النكاح فلا يجب عليه عند بعض الحنفية، وعند بعضهم يجب عليه في الحكم.
وأضاف الكاساني ومن الأحكام الأصلية للنكاح الصحيح حل النظر والمس من رأسها - أي الزوجة - إلى قدميها في حال الحياة، لأن الوطء فوق النظر والمس فكان إحلاله إحلالا للمس والنظر من طريق الأولى .
وقال المالكية يحل لكل من الزوجين بالعقد الصحيح النظر لسائر أجزاء البدن حتى نظر الفرج، ويحل بالنكاح والملك للأنثى تمتع بغير وطء دبر .
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 12 / ص 141)
أسباب تعظيم حق الزوج
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ عشرة النساء/حقوق الزوج على زوجته والزوجة على زوجها
التاريخ 12/3/1425هـ
السؤال
قرأت في الكتب عن عظم حق الزوج على زوجته وبأن عليها أن تلعق جراحه بما فيها من دم وصديد، إضافة لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها، لعظم حقه عليها"، وتنتابني الحيرة عن سبب تعظيم حق الزوج فإن كانت المرأة لا تستطيع العيش بدون رجل فالعكس أيضاً صحيح،وإن كان الرجل يكتسب فالمرأة أيضاً قادرة على الاكتساب. أرجو بيان السبب وراء تعظيم حق الزوج على زوجته.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فأما ما يروى عنه - صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده، لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تتبجّس- أي تتفجَّر - بالقيح والصديد، ثم استقبلته تلحسه، ما أدّت حقه" فقد أخرجه أحمد في مسنده رقم: (12614)، لكنه حديث ضعيف لا يحتج به.
وأما سبب تعظيم الشرع لحق الزوج على زوجته فلعظيم منَّته عليها، ولعظم واجباته ومسؤولياته التي يضطلع بها تجاهها، فقد أوجب الشرع عليه ما لم يوجبه على المرأة حتى على نفسها، فأوجب لها عليه مهراً، وأن ينفق عليها، وأعفاها من النفقة على نفسها، وأن يؤمن لها السكن والكسوة، حتى ولو كانت غنِّية، أو كان لها مورد مالي يكفيها، أو يزيد على حاجتها.
كما أوجب عليه نفقة أولاده منها، فإن طلقها في مدة الحمل وجب عليه أن ينفق عليها حتى تضع حملها، فإذا وضعت حملها فلها أن تأخذ أجرةً على إرضاع ولدها منه.
أفلا يعظم حقه عليها مقابل ما كُلِّف به من واجبات تجاهها؟!.
وأنا أسأل: لماذا جعل الله حقّ الأم على ولدها- سواء كان ذكراً أو أنثى- أعظم من حق الأب؟ كما في الحديث المشهور: "يا رسول الله: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك" رواه البخاري (5971) ومسلم (2548) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه .
أليس تعظيم الشرع لحق الأم على حق الأب هو لأجل ما تحتمله من مشاق في حمل الولد وولادته وحضانته وتربيته وتغذيته؟!.
بلى، إنه لكذلك، فكذلك الزوج، عظم حقه على زوجه لعظيم فضله ومنته عليها .
وأكد النبي - صلى الله عليه وسلم- على فضل الزوج على زوجته، ونبَّه إلى عظيم حقه عليها حتى يكون ذلك أدعى لها أن تطيعه ولا تعصيه إلا فيما فيه معصية الله.
إن البيوت لا تصلح بلا رب يسوس الرعية، كما لا يصلح البلد بلا حاكم، ولا السفينة بلا ربان.
على أنه يجب أن تدرك الزوجة أن تعظيم حق الزوج عليها لا يعني هضم منزلتها، ولا بخسها شيئاً من حقوقها، ولا يلزم منه احتقارها وإذلالها.
وعليها أن تدرك أن ما أعطي للرجل لم يؤخذ من المرأة، ولم يكن في ذاته سلباً لكرامتها، ولا بخساً لقدرها.
على أن إيجاب الطاعة للزوج على زوجته لا يمنحه حق الاستبداد والتعسف، ومن فهم ذلك فقد جار على الشريعة، وأساء الظن بها، فالاستبداد داء خطير، لا يدخل مملكة ولا إمارةً إلا أفسدها وأذل أهلها، وأفضى إلى كراهية الرعية لراعيها.. الزوجة لزوجها، والأولاد لوالدهم، والمحكومين لحاكمهم.
لقد منح الشرع الحاكم والأمير والزوج حق الطاعة على أهل مملكته أو بيته، لكنه أوجب لهم عليهم حق الشورى وحرّم عليهم الاستبداد بالرأي، كما قال تعالى: "وشاورهم في الأمر.." [آل عمران:159] "وأمرهم شورى بينهم.." [الشورى:38].
أختي الفاضلة: ما أنصف أحد المرأة..زوجةً وأماً وبنتاً وأختاً كما أنصفها الإسلام، ففي مقابل ما أوجبه عليها من حق الطاعة لزوجها، أوجب الشرع لها على الزوج حقوقاً لم توجبها القوانين الوضعية، فأوجب عليه الرفق بزوجته، وأمره بمعاشرتها بالمعروف، حتى ولو كرهها، "وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً" [النساء:19].
وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوصي في خطبة الوداع بالنساء خيراً، فيقول: "اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف..." الحديث رواه مسلم (1218) من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -.
وقال - صلى الله عليه وسلم-: "إني أحرج عليكم حق الضعيفين: اليتيم والمرأة" أخرجه أحمد(2/439)، وابن ماجة (3678)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في الصحيحة(1015).
وقال - صلى الله عليه وسلم-: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"،رواه الترمذي (3895) وأبو داود (4899) من حديث عائشة - رضي الله عنها - وكان يغضب من ضرب بعض الأزواج لزوجاتهم، فوعظهم في النساء، وقال: "علام يضرب أحدكم امرأته ضرب العبد، ثم يضاجعها من آخر الليل"؟!!.
وقولك: ((تنتابني الحيرة عن سبب تعظيم حق الزوج، فإن كانت المرأة لا تستطيع العيش بدون رجل، فالعكس أيضاً صحيح. وإن كان الرجل يكتسب، فالمرأة أيضاً قادرة على الاكتساب)) هو قول خاطئ؛ فليست المسألة مسألة عيش ولا اكتساب، نعم تستطيع المرأة أن تعيش وتكتسب بلا رجل، لكنها لا تستطيع أن تصبح أماً بلا زوج!، ولا تستطيع أن تشبع رغباتها من طريق الحلال بلا زوج، كما أن الزوج هو الآخر لا يستطيع أن يصبح أباً بلا زوجة، ولا أن يشبع رغباته بالحلال بلا زوجة.
إن الله أوجب على المرأة طاعة زوجها بالمعروف؛ لأن القوامة له، "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم" [النساء:34].
وإنما جعل القوامة بيد الرجل؛ لأنه أقدر من المرأة جسداً وعقلاً، ولذا جعل الله النبوة والرسالة والرئاسة والإمارة في الرجال ولم يجعلها في النساء، وكلفهم بالجهاد وأسقطه عن النساء، لكن ليس في جعل القوامة بيد الرجل ما يوحي بتفضيل منزلته ولا بكرامته عند الله، فليس أحد أكرم عند الله من أحد إلا بالتقوى، فالأتقى هو الأكرم، رجلاً كان أو امرأة، عربياً كان أو عجمياً.
وفقك الله لكل خير، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 16 / ص 197)
هجرها في المضجع من غير نشوز!
المجيب د. محمد بن عبد العزيز المبارك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 17/11/1426هـ
السؤال
هل من حقوق الزوجة أن ينام الزوج في الغرفة معها، حيث إن زوجي له غرفة خاصة به، وإذا أرادني طلب حضوري، ويقول: ليس في الإسلام وجوب النوم معك في سرير أو غرفة. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه وبعد:
فقد جاء في المغني لابن قدامة -رحمه الله- في كتاب عشرة النساء (10/220) ما نصه: قال الله تعالى: "وعاشروهن بالمعروف" [النساء:19]. وقال تعالى: "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف" [البقرة:228]. وقال ابن زيد: يتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيهم، وقال ابن عباس: إني لأحب أن أتزين للمرأة, كما أحب أن تتزين لي؛ لأن الله تعالى يقول: "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف"، وقال الضحاك في تفسيرها: إذا أطعن الله وأطعن أزواجهن فعليه أن يحسن صحبتها, ويكف عنها أذاه وينفق عليها من سعته، وقال بعض أهل العلم: التماثل ها هنا في تأدية كل واحد منهما ما عليه من الحق لصاحبه بالمعروف ولا يمطله به, ولا يظهر الكراهة بل ببشر وطلاقة، ولا يتبعه أذى ولا منة؛ لقول الله تعالى: "وعاشروهن بالمعروف" وهذا من المعروف, ويستحب لكل واحد منهما تحسين الخلق مع صاحبه والرفق به واحتمال أذاه؛ لقول الله تعالى: "وبالوالدين إحسانا وبذي القربى" إلى قوله "والصاحب بالجنب" [النساء:36]. قيل: هو كل واحد من الزوجين، وقال النبي صلى الله عليه وسلم-: "استوصوا بالنساء خيرا" رواه البخاري (3331)، ومسلم (1468)، وأخرجه الترمذي (1163)، وزاد: "فإنهن عوان عندكم". وقال صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله" رواه مسلم (1218). وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن المرأة خلقت من ضلع، لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقا". متفق عليه [صحيح البخاري (5184) وصحيح مسلم (1468)]. وقال صلى الله عليه وسلم: "خياركم خياركم لنسائهم" رواه ابن ماجه (1978).
وحق الزوج عليها أعظم من حقها عليه؛ لقول الله تعالى: "وللرجال عليهن درجة" [البقرة:228]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد, لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق" رواه أبو داود (2140)، وقال: صلى الله عليه وسلم: "إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح" متفق عليه [صحيح البخاري (5194)، وصحيح مسلم (1436)]، وقال صلى الله عليه وسلم لامرأة: "أذات زوج أنت؟" قالت: نعم. قال: "فكيف أنت له؟". قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه. قال: "فانظري أين أنت منه، فإنه جنتك ونارك". رواه أحمد (26806). وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه, ولا تأذن في بيته إلا بإذنه، وما أنفقت من نفقة من غير أمره، فإنه يؤدَّى إليه شطره". رواه البخاري (5195).
أختي السائلة: ما تذكرين في سؤالك محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من يرى أن الزوج إذا كانت له زوجة واحدة يلزمه أن يبيت عندها ليلة من أربع، وينفرد إن أراد في الباقي، ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذا يتضمن: الاجتماع في المنزل والفراش، كما قال رحمه الله: (وقول أصحابنا: يجب على الرجل المبيت عند امرأته ليلة من أربع، وهذا المبيت يتضمن سنتين: إحداهما المجامعة في المنزل، والثانية في المضجع، وقوله تعالى: "واهجروهن في المضاجع"مع قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يَهْجُر إلا في المضجع" دليل على وجوب المبيت في المضجع، ودليل على أنه لا يهجر المنزل، ونص الإمام أحمد في الذي يصوم النهار ويقوم الليل يدل على وجوب المبيت في المضجع، وكذا ما ذكره في النشوز إذا نشزت هجرها في المضجع دليل على أنه لا يفعله بدون ذلك.
وعلى هذا فيلزم الزوج أن يبيت مع زوجه في فراشها ليلة من أربع، وينفرد في سائر الليالي إن شاء، ويؤيد هذا أن المراد من المبيت ما يحصل من الأنس والسكن في المقام الأول، وهذا إنما يتحقق كماله بلزوم فراشها والنوم بجوارها، قال الله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الروم:21].
ويذهب بعض أهل العلم إلى أن من له زوجة واحدة يستحب أن يبيت عندها ويحصنها، وأن أدنى الدرجات أن لا يخلي أربع ليال عن ليلة، إلا أنه لا يلزمه ذلك ابتداء؛ لأنه حقه فله تركه، كما يرون أن الأولى أن يناما في فراش واحد إذا لم يكن لأحدهما عذر في الانفراد، سيما إذا عرف الزوج حرص زوجه على ذلك.
وإذا تقرر هذا أختي الكريمة فإن زوجك قد يحتج بأن ما يفعله جائز عند بعض أهل العلم، أو أن يستمر على عناده لك، فلا أرى أن الحل ليس في سؤالك عن الحكم حلا وحرمة، بل ينبغي لك أن تبحثي عن الداعي الذي لأجله فعل زوجك هذا، واستشعار أسبابه والعمل على التصحيح ما أمكن بروح المودة والمحبة والخضوع، وتلافي الخطأ والقصور. وفق الله السائلة لما يحبه ويرضاه، وأصلح لها ما بينها وبين زوجها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 24 / ص 391)
يجب على الزوجة والزوج وأهل الزوج أن يتعاملوا فيما بينهم بالمعروف والعدل رقم الفتوى:3683تاريخ الفتوى:20 شعبان 1422السؤال : أخت زوجي تعاني من بعض المشاكل مع زوجها. وكل ذلك بسبب أهله فهم ينكرونه عليها. وهو يسمع لهم احيانا. وهي في دوامة فأحيانا يكونون متفقين وأحيانا لا. فما هي النصيحة التي تبعثون بها لها؟ وجازاكم الله خيراً.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فهذه الأخت الكريمة ننصحها بتقوى الله تعالى والصبر ومعالجة الأمور بالحكمة وأن تدفع السيئة بالحسنة كما أوصى الله تعالى بذلك حيث قال: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) [فصلت: 34]. فإن اتقيتِ الله تعالى وصبرت وعالجت أمرك هذا بحكمة فستجدين حلاً له بإذن الله تعالى ، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة أقسم عليهن وأحدثكم حديثا فاحفظوه ما نقص مال من صدقة وما ظلم عبد مظلمة فصبر لها إلا زاده الله تعالى عزاً. ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر". [أخرجه الترمذي وحسنه وابن ماجه وأحمد وحسنه السيوطي]. الشاهد فيه أن العبد إذا ظلم مظلمة فصبر زاده الله تعالى عزاً ورفعة. وينبغي لها أن تتحاور مع زوجها حواراً هادئاً وتتعرف ماذا ينقم أهل زوجها عليها فيمكن أن تكون مخطئة في حقهم فتتراجع عن الخطأ ويصلح بسبب ذلك ما بينهم. وكذلك ننصح زوجها أن يتقي الله سبحانه وتعالى فيها وأن يحفظ وصية النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "استوصوا بالنساء ......". كما في صحيح البخاري ويقول أيضا: "اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ... " كما في صحيح مسلم. وكذلك ننصح أهل الزوج أن يتقوا الله تعالى ويخافوا يوم الحساب يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه. فإذا اتقى الجميع الله تعالى وخافوه انحلت مشاكلهم جميعاً. والله الموفق وهو أعلم.(1/144)
282-7937 أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ نُفَيْلٍ قَالَ : حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ قَالَ : حَدَّثَنِي الْحَجَّاجُ الْبَاهِلِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ حُجَيْرٍ ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ " مَا حَقُّ أَزْوَاجِنَا عَلَيْنَا ؟ " قَالَ : " أَطْعِمْ إِذَا طَعِمْتَ ، وَاكْسُ إِذَا اكْتَسَيْتَ ، وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ ، وَلَا تُقَبِّحْ ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ " (1)
__________
(1) - المعجم الأوسط للطبراني برقم( 6587 ) و سنن أبى داود برقم( 144) ومسند أحمد برقم( 20546 ) صحيح
عون المعبود - (ج 5 / ص 27)
1830 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( وَتَكْسُوهَا )
: بِالنَّصْبِ
( إِذَا اِكْتَسَيْت )
: قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّه : اِلْتِفَات مِنْ الْغَيْبَة إِلَى الْخِطَاب اِهْتِمَامًا بِثَبَاتِ مَا قَصَدَ مِنْ الْإِطْعَام وَالْكِسْوَة ، يَعْنِي كَانَ الْقِيَاس أَنْ يَقُول أَنْ يُطْعِمهَا إِذَا طَعِمَ فَالْمُرَاد بِالْخِطَابِ عَامّ لِكُلِّ زَوْج أَيْ يَجِب عَلَيْك إِطْعَام الزَّوْجَة وَكِسْوَتهَا عِنْد قُدْرَتك عَلَيْهِمَا لِنَفْسِك كَذَا فِي الْمِرْقَاة
( وَلَا تَضْرِب الْوَجْه )
فَإِنَّهُ أَعْظَم الْأَعْضَاء وَأَظْهَرهَا وَمُشْتَمِل عَلَى أَجْزَاء شَرِيفَة وَأَعْضَاء لَطِيفَة . وَفِيهِ دَلِيل عَلَى وُجُوب اِجْتِنَاب الْوَجْه عِنْد التَّأْدِيب
( وَلَا تُقَبِّح )
: بِتَشْدِيدِ الْبَاء أَيْ لَا تَقُلْ لَهَا قَوْلًا قَبِيحًا وَلَا تَشْتُمهَا وَلَا قَبَّحَك اللَّه وَنَحْوه
( وَلَا تَهْجُر إِلَّا فِي الْبَيْت )
: أَيْ لَا تَتَحَوَّل عَنْهَا أَوْ لَا تُحَوِّلهَا إِلَى دَار أُخْرَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِع } .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ .
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 9 / ص 55)
فَصْلٌ وَأَمَّا تَقْدِيرُ الْحَاكِمِ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ فَهَذَا يَكُونُ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِيهَا كَمَا يُقَدِّرُ مَهْرَ الْمِثْلِ إذَا تَنَازَعَا فِيهِ وَكَمَا يُقَدِّرُ مِقْدَارَ الْوَطْءِ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ يَضْرِبُهَا ؛ فَإِنَّ الْحُقُوقَ الَّتِي لَا يُعْلَمُ مِقْدَارُهَا إلَّا بِالْمَعْرُوفِ مَتَى تَنَازَعَ فِيهَا الْخَصْمَانِ قَدَّرَهَا وَلِيُّ الْأَمْرِ . وَأَمَّا الرَّجُلُ إذَا كَانَ يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ كَمَا جَرَتْ عَادَةُ مِثْلِهِ لِمِثْلِهَا : فَهَذَا يَكْفِي وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ الْحَاكِمِ . وَلَوْ طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا نَفَقَةً يُسَلِّمُهَا إلَيْهَا مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا بِالْمَعْرُوفِ فَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّهُ لَا يَفْرِضُ لَهَا نَفَقَةً وَلَا يَجِبُ تَمْلِيكُهَا ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ ؛ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالِاعْتِبَارُ الْمَبْنِيُّ عَلَى الْعَدْلِ . وَالصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ مَرْجِعُهَا إلَى الْعُرْفِ وَلَيْسَتْ مُقَدَّرَةً بِالشَّرْعِ ؛ بَلْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْبِلَادِ وَالْأَزْمِنَةِ وَحَالِ الزَّوْجَيْنِ وَعَادَتِهِمَا ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ } " وَقَالَ : { لَهُنَّ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ . } وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } إلَى قَوْلِهِ : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } إلَى قَوْله تَعَالَى { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } . فَجَعَلَ الْمُبَاحَ أَحَدَ أَمْرَيْنِ : إمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ . وَأَخْبَرَ أَنَّ الرِّجَالَ لَيْسُوا أَحَقَّ بِالرَّدِّ إلَّا إذَا أَرَادُوا إصْلَاحًا ؛ وَجَعَلَ لَهُنَّ مِثْلَ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } وَقَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } وَقَالَ تَعَالَى : { فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ } وَقَوْلُهُ هُنَا : { بِالْمَعْرُوفِ } . يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ رَضِيَتْ بِغَيْرِ الْمَعْرُوفِ لَكَانَ لِلْأَوْلِيَاءِ الْعَضْلُ وَالْمَعْرُوفُ تَزْوِيجُ الْكُفْءِ . وَقَدْ يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ : مَهْرُ مِثْلِهَا مِنْ الْمَعْرُوفِ ؛ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُهُ أُولَئِكَ . وَقَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ } إلَى قَوْلِهِ : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } فَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ التَّرَاضِيَ بِالْمَعْرُوفِ وَالْإِمْسَاكَ بِالْمَعْرُوفِ ؛ وَالتَّسْرِيحَ بِالْمَعْرُوفِ وَالْمُعَاشَرَةَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنَّ لَهُنَّ وَعَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ كَمَا قَالَ : { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } فَهَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ هُوَ الْوَاجِبُ الْعَدْلُ فِي جَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ مِنْ أُمُورِ النِّكَاحِ وَحُقُوقِ الزَّوْجَيْنِ ؛ فَكَمَا أَنَّ مَا يَجِبُ لِلْمَرْأَةِ عَلَيْهِ مِنْ الرِّزْقِ وَالْكِسْوَةِ هُوَ بِالْمَعْرُوفِ ؛ وَهُوَ الْعُرْفُ الَّذِي يَعْرِفُهُ النَّاسُ فِي حَالِهِمَا نَوْعًا وَقَدْرًا وَصِفَةً وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ حَالِهِمَا مِنْ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَالزَّمَانِ كَالشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ؛ وَالْمَكَانِ فَيُطْعِمُهَا فِي كُلِّ بَلَدٍ مِمَّا هُوَ عَادَةُ أَهْلِ الْبَلَدِ وَهُوَ الْعُرْفُ بَيْنَهُمْ . وَكَذَلِكَ مَا يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الْمُتْعَةِ وَالْعِشْرَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهَا وَيَطَأَهَا بِالْمَعْرُوفِ . وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ حَالِهَا وَحَالِهِ . وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْوَطْءِ الْوَاجِبِ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْمَعْرُوفِ ؛ لَا بِتَقْدِيرِ مِنْ الشَّرْعِ قَرَّرْته فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَالْمِثَالُ الْمَشْهُورُ هُوَ " النَّفَقَةُ " فَإِنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِالْمَعْرُوفِ تَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ حَالِ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُسْلِمِينَ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : هِيَ مُقَدَّرَةٌ بِالشَّرْعِ نَوْعًا وَقَدْرًا : مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ مُدًّا وَنِصْفًا أَوْ مُدَّيْنِ ؛ قِيَاسًا عَلَى الْإِطْعَامِ الْوَاجِبِ فِي الْكَفَّارَةِ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَالصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ مَا عَلَيْهِ الْأُمَّةُ عِلْمًا وَعَمَلًا قَدِيمًا وَحَدِيثًا ؛ فَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ قَالَ لِهِنْدِ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ لَمَّا قَالَتْ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَإِنَّهُ لَا يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ } فَأَمَرَهَا أَنْ تَأْخُذَ الْكِفَايَةَ بِالْمَعْرُوفِ وَلَمْ يُقَدِّرْ لَهَا نَوْعًا وَلَا قَدْرًا وَلَوْ تَقَدَّرَ ذَلِكَ بِشَرْعِ أَوْ غَيْرِهِ لَبَيَّنَ لَهَا الْقَدْرَ وَالنَّوْعَ كَمَا بَيَّنَ فَرَائِضَ الزَّكَاةِ وَالدِّيَاتِ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ الْعَظِيمَةِ بِعَرَفَاتِ : { لَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ . } وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ هُوَ الْكِفَايَةُ بِالْمَعْرُوفِ فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكِفَايَةَ بِالْمَعْرُوفِ تَتَنَوَّعُ بِحَالَةِ الزَّوْجَةِ فِي حَاجَتِهَا وَبِتَنَوُّعِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَبِتَنَوُّعِ حَالِ الزَّوْجِ فِي يَسَارِهِ وَإِعْسَاره وَلَيْسَتْ كِسْوَةُ الْقَصِيرَةِ الضَّئِيلَةِ كَكُسْوَةِ الطَّوِيلَةِ الْجَسِيمَةِ وَلَا كِسْوَةُ الشِّتَاءِ كَكِسْوَةِ الصَّيْفِ وَلَا كِفَايَةُ طَعَامِهِ كَطَعَامِهِ وَلَا طَعَامُ الْبِلَادِ الْحَارَّةِ كَالْبَارِدَةِ وَلَا الْمَعْرُوفُ فِي بِلَادِ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ . كَالْمَعْرُوفِ فِي بِلَادِ الْفَاكِهَةِ وَالْخَمِيرِ . وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَد وَسُنَنِ أَبِي داود وَابْنِ ماجه عَنْ { حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ النميري عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ : قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ : تُطْعِمُهَا إذَا أَكَلْت وَتَكْسُوهَا إذَا اكْتَسَيْت ؛ وَلَا تَضْرِبُ الْوَجْهَ ؛ وَلَا تُقَبِّحْ ؛ وَلَا تَهْجُرْ إلَّا فِي الْبَيْتِ . } فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ لِلزَّوْجَةِ مَرَّةً أَنْ تَأْخُذَ كِفَايَةَ وَلَدِهَا بِالْمَعْرُوفِ وَقَالَ فِي الْخُطْبَةِ الَّتِي خَطَبَهَا يَوْمَ أَكْمَلَ اللَّهُ الدِّينَ فِي أَكْبَرِ مَجْمَعٍ كَانَ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ : { لَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وَقَالَ لِلسَّائِلِ الْمُسْتَفْتِي لَهُ عَنْ حَقِّ الزَّوْجَةِ : { تُطْعِمُهَا إذَا أَكَلْت وَتَكْسُوهَا إذَا اكْتَسَيْت } " وَلَمْ يَأْمُرْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ مُعَيَّنٍ ؛ لَكِنْ قَيَّدَ ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ تَارَةً وَبِالْمُوَاسَاةِ بِالزَّوْجِ أُخْرَى . وَهَكَذَا قَالَ فِي نَفَقَةِ الْمَمَالِيكِ ؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : هُمْ إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ؛ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ؛ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ؛ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ } وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا يُطِيقُ } فَفِي الزَّوْجَةِ وَالْمَمْلُوكِ أَمْرُهُ وَاحِدٌ : تَارَةً يَذْكُرُ أَنَّهُ يَجِبُ الرِّزْقُ وَالْكِسْوَةُ بِالْمَعْرُوفِ . وَتَارَةً يَأْمُرُ بِمُوَاسَاتِهِمْ بِالنَّفْسِ . فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ جَعَلَ الْمَعْرُوفَ هُوَ الْوَاجِبُ وَالْمُوَاسَاةُ مُسْتَحَبَّةٌ . وَقَدْ يُقَالُ أَحَدُهُمَا تَفْسِيرٌ لِلْآخَرِ . وَعَلَى هَذَا فَالْوَاجِبُ هُوَ الرِّزْقُ وَالْكِسْوَةُ بِالْمَعْرُوفِ فِي النَّوْعِ وَالْقَدْرِ وَصِفَةِ الْإِنْفَاقِ . وَإِنْ كَانَ الْعُلَمَاءُ قَدْ تَنَازَعُوا فِي ذَلِكَ . أَمَّا " النَّوْعُ " فَلَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يُعْطِيَهَا مَكِيلًا كَالْبُرِّ وَلَا مَوْزُونًا كَالْخُبْزِ وَلَا ثَمَنَ ذَلِكَ كَالدَّرَاهِمِ ؛ بَلْ يُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ . فَإِذَا أَعْطَاهَا كِفَايَتَهَا بِالْمَعْرُوفِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ عَادَتُهُمْ أَكْلَ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ فَيُعْطِيَهَا ذَلِكَ . أَوْ يَكُونَ أَكْلَ الْخُبْزِ وَالْإِدَامِ فَيُعْطِيَهَا ذَلِكَ . وَإِنْ كَانَ عَادَتُهُمْ أَنْ يُعْطِيَهَا حَبًّا فَتَطْحَنَهُ فِي الْبَيْتِ فَعَلَ ذَلِكَ . وَإِنْ كَانَ يَطْحَنُ فِي الطَّاحُونِ وَيَخْبِزُ فِي الْبَيْتِ فَعَلَ ذَلِكَ . وَإِنْ كَانَ يَخْبِزُ فِي الْبَيْتِ فَعَلَ ذَلِكَ . وَإِنْ كَانَ يَشْتَرِي خُبْزًا مِنْ السُّوقِ فَعَلَ ذَلِكَ . وَكَذَلِكَ الطَّبِيخُ وَنَحْوُهُ فَعَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ وَلَا حَبَّاتٍ أَصْلًا ؛ لَا بِشَرْعِ وَلَا بِفَرْضِ ؛ فَإِنَّ تَعَيُّنَ ذَلِكَ دَائِمًا مِنْ الْمُنْكَرِ لَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ مُضِرٌّ بِهِ تَارَةً وَبِهَا أُخْرَى . وَكَذَلِكَ " الْقَدْرُ " لَا يَتَعَيَّنُ مِقْدَارٌ مُطَّرِدٌ ؛ بَلْ تَتَنَوَّعُ الْمَقَادِيرُ بِتَنَوُّعِ الْأَوْقَاتِ . وَأَمَّا " الْإِنْفَاقُ " فَقَدْ قِيلَ : إنَّ الْوَاجِبَ تَمْلِيكَهَا النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ . وَقِيلَ : لَا يَجِبُ التَّمْلِيكُ . وَهُوَ الصَّوَابُ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ الْمَعْرُوفَ ؛ بَلْ عُرْفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا أَنَّ الرَّجُلَ يَأْتِي بِالطَّعَامِ إلَى مَنْزِلِهِ فَيَأْكُلُ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَمَمْلُوكُهُ : تَارَةً جَمِيعًا . وَتَارَةً أَفْرَادًا . وَيَفْضُلُ مِنْهُ فَضْلٌ تَارَةً فَيَدَّخِرُونَهُ وَلَا يَعْرِفُ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ يُمَلِّكُهَا كُلَّ يَوْمٍ دَرَاهِمَ تَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمَالِكِ ؛ بَلْ مَنْ عَاشَرَ امْرَأَةً بِمِثْلِ هَذَا الْفَرْضِ كَانَا عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ تَعَاشَرَا بِغَيْرِ الْمَعْرُوفِ وَتَضَارَّا فِي الْعِشْرَةِ ؛ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ أَحَدُهُمَا ذَلِكَ بِصَاحِبِهِ عِنْدَ الضَّرَرِ ؛ لَا عِنْدَ الْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ . وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْجَبَ فِي الزَّوْجَةِ مِثْلَ مَا أَوْجَبَ فِي الْمَمْلُوكِ . تَارَةً قَالَ : " { لَهُنَّ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } " كَمَا قَالَ فِي الْمَمْلُوكِ . وَتَارَةً قَالَ : { تُطْعِمُهَا إذَا أَكَلْت وَتَكْسُوهَا إذَا اكْتَسَيْت } " كَمَا قَالَ فِي الْمَمْلُوكِ . وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَمْلِيكُ الْمَمْلُوكِ نَفَقَتَهُ فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يَقْتَضِي إيجَابَ التَّمْلِيكِ . وَإِذَا تَنَازَعَ الزَّوْجَانِ فَمَتَى اعْتَرَفَتْ الزَّوْجَةُ أَنَّهُ يُطْعِمهَا إذَا أَكَلَ وَيَكْسُوهَا إذَا اكْتَسَى وَذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ لِمِثْلِهَا فِي بَلَدِهَا فَلَا حَقَّ لَهَا سِوَى ذَلِكَ . وَإِنْ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ أَنْ يُنْفِقَ بِالْمَعْرُوفِ ؛ بَلْ وَلَا لَهُ أَنْ يَأْمُرَ بِدَرَاهِمَ مُقَدَّرَةٍ مُطْلَقًا أَوْ حَبٍّ مُقَدَّرٍ مُطْلَقًا ؛ لَكِنْ يَذْكُرُ الْمَعْرُوفَ الَّذِي يَلِيقُ بِهِمَا .
سبل السلام - (ج 5 / ص 37)
( وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ) أَيْ ابْنِ حَيْدَةَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ فَدَالٍ مُهْمَلَةٍ ، وَمُعَاوِيَةُ صَحَابِيٌّ رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ حَكِيمٌ ، وَرَوَى عَنْ حَكِيمٍ ابْنُهُ بَهْزٌ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ فَزَايٍ ( عَنْ أَبِيهِ قَالَ { قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجِ أَحَدِنَا } هَكَذَا بِعَدَمِ التَّاءِ هِيَ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ ، وَجَاءَ زَوْجَةُ بِالتَّاءِ ( عَلَيْهِ { قَالَ تُطْعِمُهَا إذَا أَكَلْت وَتَكْسُوهَا إذَا اكْتَسَيْت ، وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ ، وَلَا تُقَبِّحْ ، وَلَا تَهْجُرْ إلَّا فِي الْبَيْتِ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَالنَّسَائِيُّ ، وَأَبُو دَاوُد ، وَابْنُ مَاجَهْ ، وَعَلَّقَ الْبُخَارِيُّ بَعْضَهُ ) حَيْثُ قَالَ ( بَابُ هَجْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ فِي غَيْرِ بُيُوتِهِنَّ ، وَيُذْكَرُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ رَفْعُهُ { ، وَلَا تَهْجُرْ إلَّا فِي الْبَيْتِ } ) ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ( وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ ) دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَكِسْوَتِهَا ، وَأَنَّ النَّفَقَةَ بِقَدْرِ سَعَتِهِ لَا يُكَلَّفُ فَوْقَ وُسْعِهِ لِقَوْلِهِ إذَا أَكَلْت ، كَذَا قِيلَ .
وَفِي أَخْذِهِ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ خَفَاءٌ فَمَتَى قَدَرَ عَلَى تَحْصِيلِ النَّفَقَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَخْتَصَّ بِهَا دُونَ زَوْجَتِهِ ، وَلَعَلَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ سَدِّ خَلَّتِهِ لِحَدِيثِ ابْدَأْ بِنَفْسِك ، وَمِثْلُهُ الْقَوْلُ فِي الْكِسْوَةِ ، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الضَّرْبِ تَأْدِيبًا إلَّا أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ ضَرْبِ الْوَجْهِ لِلزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا ، وَقَوْلُهُ لَا تُقَبِّحْ أَيْ لَا تُسْمِعْهَا مَا تَكْرَهُ ، وَتَقُولُ قَبَّحَك اللَّهُ وَنَحْوَهُ مِنْ الْكَلَامِ الْجَافِي ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا تَهْجُرْ إلَّا فِي الْبَيْتِ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ هَجْرَهَا فِي الْمَضْجَعِ تَأْدِيبًا لَهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى { وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ } فَلَا يَهْجُرْهَا إلَّا فِي الْبَيْتِ ، وَلَا يَتَحَوَّلْ إلَى دَارٍ أُخْرَى أَوْ يُحَوِّلْهَا إلَيْهَا إلَّا أَنَّ رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا دَلَّتْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَجَرَ نِسَاءَهُ فِي غَيْرِ بُيُوتِهِنَّ ، وَخَرَجَ إلَى مَشْرُبَةٍ لَهُ ، وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ إنَّ هَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ .
هَذَا ، وَقَدْ يُقَالُ دَلَّ فِعْلُهُ عَلَى جَوَازِ هَجْرِهِنَّ فِي غَيْرِ الْبُيُوتِ ، وَحَدِيثُ مُعَاوِيَةَ عَلَى هَجْرِهِنَّ فِي الْبُيُوتِ ، وَيَكُونُ مَفْهُومُ الْحَصْرِ غَيْرَ مُرَادٍ ، وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْهَجْرِ فَالْجُمْهُورُ فَسَّرُوهُ بِتَرْكِ الدُّخُولِ عَلَيْهِنَّ وَالْإِقَامَةِ عِنْدِهِنَّ عَلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ ، وَهُوَ مِنْ الْهِجْرَانِ بِمَعْنَى الْبُعْدِ ، وَقِيلَ يُضَاجِعُهَا ، وَيُوَلِّيهَا ظَهْرَهُ ، وَقِيلَ يَتْرُكُ جِمَاعَهَا ، وَقِيلَ يُجَامِعُهَا ، وَلَا يُكَلِّمُهَا ، وَقِيلَ مِنْ الْهَجْرِ الْإِغْلَاظُ فِي الْقَوْلِ ، وَقِيلَ مِنْ الْهِجَارِ ، وَهُوَ الْحَبْلُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ الْبَعِيرُ أَيْ أَوْثِقُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ قَالَهُ الطَّبَرِيُّ ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ ، وَوَهَّاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ
الفقه الإسلامي وأصوله - (ج 3 / ص 171)
-42 في حقوق الزوجة غير المالية:
أولاً: يثبت للزوجة على زوجها عدم الإضرار بها بأن يعدل في معاملتها فيعاملها بما يجب أن تعامله به فيحافظ على حقوقها من غير إفراط ولا تفريط، وإنما وجب عليه العدل وعدم الإضرار باعتبار ما له من السلطان والرياسة، فحيث وضعه الشارع في موضع القوامة، وأوجب له على زوجته الطاعة والقرار في البيت ومنحه سلطة التأديب، وهذه أمور لا تستقيم مع إطلاق يده في التصرف بل يجب تقييدها بالعدل من جانبه، حتى تسير الحياة الزوجية في طريق مستقيم لتحقق الغاية المقصودة منها.
ومن هنا جاءت عدة آيات وأحاديث تنبه الزوج إلى أن يعدل ولا يظلم وينفع ولا يضر ويرحم ولا يقسو، فيقول جل شأنه: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} ويقول: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة: 231]، ويقول: {فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً}.
ويقول صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"، وفي حديث آخر يقول: "ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت"، وفي خطبة الوداع يقول: "ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك" يريد أن يقول، إنكم لا تملكون منهن غير الاستمتاع، وهكذا يرسم الإسلام طريقه معاملة الأزواج لزوجاتهم، فمن سار في طريقه نجا، ومن حاد عنه وآذى زوجته بالقول أو بالفعل كان لها الحق أن ترفع الأمر إلى القاضي وهو بماله من الولاية العامة يستطيع زجر الزوج بالقول وتعزيره بما يراه رادعاً له من عداونه، كما يذهب إليه الحنفية. أو تطلب التفريق للضرر وللقاضي أن يأمره بتطليقها، فإن لم يفعل طلقها نيابة عنه وإن لم يرض بذلك الزوج كما يذهب إليه الإمام مالك.
ثانياً: إذا كان له أكثر من زوجة وجب عليه التسوية بينهن في المعاملة، سواء كان ذلك في البيات أو في النفقة بأنواعها، لأن الله شرط حل التعدد بالعدل في قوله جل شأنه: "فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة".
ويستوي في ذلك البكر والثيب والشابةوالعجوز والصحيحة والمريضة والأولى والأخيرة والمسلمة والكتابية، لأن رباط الزوجية واحد في الجميع، فلا يحل له أن يميز واحدة عن غرها في أي شيء من الأمور الظاهرة، فيبيت عند كل واحدة قدر ما يبيت عند الأخرى وتقدير النوبة مفوض إليه.
والمعتبر في المناوبة بين الزوجات الليل لا النهار، إلا إذا كان الزوج يعمل ليلاً فتكون المناوبة بالنهار، وإذا عين الزوج مقدار النوبة بدأ بمن شاء، وعليه أن يوفي كل زوجة نوبتها دون أن يزيد لواحدة على حساب الأخرى إلا إذا أذنت صاحبة الحق في ذلك،أو وجدت ضرورة تدعوه إلى ذلك كأن مرضت إحداهن وليس لها من يقوم بتمريضها غيره.
وإذا تنازلت إحدى الزوجات عن نوبتها أخرى صح ذلك، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر ذلك عندما تنازلت سودة بنت زمعة عن نوبتها لعائشة رضي الله عنهما، وللمتنازلة أن ترجع عن تنازلها متى شاءت لأنها أسقطت حقاً لم يجب بعد فلا يسقط.
يلزم الزوج هذا القسم حتى ولو كان مريضاً، لأن في وجوده عند زوجته إيناساً لها إلا إذا أَذِنَّ له في القرار في بيت إحداهن.
هذا ولا يسقط القسم عنه إلا في حالة السفر، فله أن يأخذ من يشاء منهن للسفر معه، وليس لغيرها عوض عن أيام السفر لتطالب به بعد العودة منه، ولا يجب عليه إجراء القرعة بينهن وإن كان من الأفضل أن يختار من يختارها للسفر بالقرعة بينهن تطييباً لخاطرهن، حتى لا تشعر الباقيات بمرارة التفضيل لمن اختارها، وهذا عند الحنفية. لأنه لا يجب عليه أن يصحب أحداً من نسائه معه في سفره.
وذهب الشافعية إلى أنه يجب عليه أن يقرع بينهن، لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه وأيتهن خرجت قرعتها خرج بها، فإذا أقرع بينهن لا يقضي للباقيات، وإن سافر من غير قرعة فعليه أن يقضي للباقيات بقدر غيبته مع من سافر بها.
وأجيب على ذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك تطييباً لقلوب نسائه، ولأن الزوج لا يجب عليه أن يصحب واحدة منهن، وليست كل زوجة تصلح رفيقة في السفر.
وكما يجب عليه التسوية في البيات، يجب عليه التسوية في النفقة حسب حالة من العسر واليسر على أحد الآراء من مذهب الحنفية، فيعطي الفقيرة والغنية سواء لقوله تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7].
ويعتبر في النفقة حال الزوجين معاً. أخذاً بالراجح من مذهب الحنفية.
المحلى لابن حزم - (ج 5 / ص 422)
1854 - مَسْأَلَةٌ : وَعَلَى الزَّوْجِ كِسْوَةُ الزَّوْجَةِ مُذْ يَعْقِدُ النِّكَاحَ وَنَفَقَتُهَا , وَمَا تَتَوَطَّاهُ وَتَتَغَطَّاهُ وَتَفْتَرِشُهُ , وَإِسْكَانُهَا كَذَلِكَ أَيْضًا صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً ذَاتَ أَبٍ أَوْ يَتِيمَةً غَنِيَّةً أَوْ فَقِيرَةً دُعِيَ إلَى الْبِنَاءِ أَوْ لَمْ يُدْعَ نَشَزَتْ أَوْ لَمْ تَنْشِزْ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً بُوِّئَتْ مَعَهُ بَيْتًا أَوْ لَمْ تُبَوَّأْ.
برهان ذَلِكَ : مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو قَزَعَةَ الْبَاهِلِيُّ " ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ قَالَ : أَنْ تُطْعِمَهَا إذَا طَعِمْتُ وَتَكْسُوَهَا إذَا اكْتَسَيْتُ , وَلاَ تَضْرِبْ الْوَجْهَ , وَلاَ تُقَبِّحْ , وَلاَ تَهْجُرْ إِلاَّ فِي الْبَيْتِ.
قال أبو محمد رحمه الله : أَبُو قَزَعَةَ هَذَا هُوَ سُوَيْدُ بْنُ حُجَيْرٍ ثِقَةٌ , رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ , وَابْنُ جُرَيْجٍ , وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ , وَابْنُهُ قَزَعَةُ , وَغَيْرُهُمْ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي خُطْبَتِهِ فِي عَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ : فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ , فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ. فَعَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلَّ النِّسَاءِ وَلَمْ يَخُصَّ نَاشِزًا مِنْ غَيْرِهَا , وَلاَ صَغِيرَةً ، وَلاَ كَبِيرَةً , وَلاَ أَمَةً مُبَوَّأَةً بَيْتًا مِنْ غَيْرِهَا وَمَا يَنْطِقُ ، عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى أُمَرَاءِ الأَجْنَادِ : أَنْ اُنْظُرُوا إلَى مَنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ أَنْ يَبْعَثُوا بِنَفَقَةٍ أَوْ يَرْجِعُوا وَذَكَرَ بَاقِي الْخَبَرِ , فَلَمْ يَسْتَثْنِ عُمَرُ امْرَأَةً مِنْ امْرَأَةٍ : .
حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ : سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ ، عَنْ امْرَأَةٍ خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَاضِبَةً هَلْ لَهَا نَفَقَةٌ قَالَ : نَعَمْ.
قال أبو محمد رحمه الله :
وَرُوِّينَا ، عَنْ نَحْوِ خَمْسَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ : لاَ نَفَقَةَ لِنَاشِزٍ
وَهَذَا قَوْلٌ خَطَأٌ مَا نَعْلَمُ لِقَائِلِهِ حُجَّةً.
فإن قيل : إنَّ النَّفَقَةَ بِإِزَاءِ الْجِمَاعِ , وَالطَّاعَةِ
قلنا : لاَ , بَلْ هَذَا الْقَوْلُ كَذِبٌ , وَأَوَّلُ مَنْ يُبْطِلُهُ أَنْتُمْ , أَمَّا الْحَنَفِيُّونَ , وَالشَّافِعِيُّونَ فَيُوجِبُونَ النَّفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ الصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرَةِ , وَلاَ جِمَاعَ هُنَالِكَ ، وَلاَ طَاعَةَ. وَالْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ , وَالشَّافِعِيُّونَ : يُوجِبُونَ النَّفَقَةَ عَلَى " الْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ " .
وَلاَ خِلاَفَ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الْمَرِيضَةِ الَّتِي لاَ يُمْكِنُ جِمَاعُهَا , وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا عَلَى النَّاشِزِ فَقَالَ : وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً. فَأَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى النَّاشِزِ إِلاَّ الْهَجْرُ وَالضَّرْبُ , وَلَمْ يُسْقِطْ عَزَّ وَجَلَّ نَفَقَتَهَا ، وَلاَ كِسْوَتَهَا فَعَاقَبْتُمُوهُنَّ أَنْتُمْ بِمَنْعِهَا حَقَّهَا , وَهَذَا شَرْعٌ فِي الدِّينِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ , فَهُوَ بَاطِلٌ.
فَإِنْ قَالُوا : إنَّهَا ظَالِمَةٌ بِنُشُوزِهَا
قلنا : نَعَمْ , وَلَيْسَ كُلُّ ظَالِمٍ يَحِلُّ مَنْعُهُ مِنْ مَالِهِ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ نَصٌّ , وَإِلَّا فَلَيْسَ هُوَ حُكْمُ اللَّهِ ; هَذَا حُكْمُ الشَّيْطَانِ , وَظُلْمَةُ الْعُمَّالِ وَالشَّرْطِ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّهُمْ لاَ يُسْقِطُونَ قَرْضًا أَقْرَضَتْهُ إيَّاهُ مِنْ أَجْلِ نُشُوزِهَا فَمَا ذَنْبُ نَفَقَتِهَا تَسْقُطُ دُونَ سَائِرِ حُقُوقِهَا إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ عَجِيبٌ وَقَالَ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الصَّغِيرَةِ : سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابُنَا. وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ أَسْقَطَهَا حُجَّةً أَصْلاً , فَهُوَ بَاطِلٌ بِلاَ شَكٍّ ,
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
فَصَحَّ أَنَّ مَنْ لاَ برهان لَهُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ فَقَوْلُهُ بَاطِلٌ.
وقال مالك : لاَ نَفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ إِلاَّ حَتَّى يُدْعَى إلَى الْبِنَاءِ.
قال أبو محمد رحمه الله : هَذَا الْحُكْمُ دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ لاَ
برهان عَلَى صِحَّتِهَا , لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ , وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ , وَلاَ قِيَاسٍ , وَلاَ رَأْيٍ صَحِيحٍ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ جَاءَتْ بِخِلاَفِهِ فَهُوَ سَاقِطٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
يسألونك فتاوى - (ج 4 / ص 369)
الإحسان إلى الزوجة من واجبات الزوج
اشتكت مجموعة من النساء من سوء معاملة أزواجهن وقلن إن من أزواجهن من يضربهن ويشتمهن ويسب أهلهن ويسيء معاملتهن وبعضهم يقاطع زوجته الشهر والشهرين وأكثر من ذلك لأسباب تافهة وقالت إحداهن إنكم يا معشر المشايخ تتحدثون دائماً عن حق الزوج على زوجته ولا تتكلمون عن حقوق الزوجة على زوجها فلماذا؟ هلا بينتم لهؤلاء الأزواج حقوق زوجاتهم عليهم.
الجواب:إن الحياة الزوجية في الإسلام تقوم على المودة والمحبة والتفاهم بين الزوجين قال تعالى:(وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) سورة الروم الآية 21.
إن الأساس الذي ينبغي أن تقوم عليه العلاقة الزوجية هو المودة والرحمة وتعني عطف قلوبهم بعضهم على بعض وقال بعض أهل التفسير: المودة المحبة والرحمة الشفقة وقال ابن عباس رضي الله عنهما:[ المودة حب الرجل امرأته والرحمة رحمته إياها أن يصيبها سوء ] تفسير القرطبي 14/17.
ويجب على كل من الزوجين أن يعرف ما له وما عليه وقد بين الإسلام واجبات الزوجين وحقوقهما بياناً شاملاً فقد وردت نصوص كثيرة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم تبين حقوق الزوجة على زوجها. يقول الله تعالى:(وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ( سورة البقرة الآية227. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم :( إن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقاً ) رواه الترمذي وصححه.
فمن حقوق الزوجة على زوجها أن يعاملها معاملة كريمة فيها اللطف والرحمة وحسن المعاملة قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا( سورة النساء الآية 19. قال الإمام القرطبي:[قوله تعالى:(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ( أي على ما أمر الله به من حسن المعاشرة والخطاب للجميع إذ لكل أحد عشرة زوجاً كان أو ولياً ولكن المراد بهذا الأمر في الأغلب الأزواج وهو مثل قوله تعالى:(فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ( وذلك توفية حقها من المهر والنفقة وألا يعبس في وجهها بغير ذنب وأن يكون منطلقاً في القول لا فظاً ولا غليظاً ولا مظهراً ميلاً إلى غيرها، والعشرة: المخالطة والممازجة... فأمر الله سبحانه بحسن صحبة النساء إذا عقدوا عليهن لتكون أدمة ما بينهم وصحبتهم على الكمال فإنه أهدأ للنفس وأهنأ للعيش وهذا واجب على الزوج...] تفسير القرطبي 5/97.
وقد حثّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على حسن معاملة الزوجة في أحاديث كثيرة وقد بوَّب على بعضها الإمام البخاري بتراجم مناسبة فقال:(باب الوصاة بالنساء)، وقال الإمام البخاري أيضاً:(باب المداراة مع النساء)، وقال الإمام البخاري أيضاً:(باب حسن المعاشرة مع الأهل).ومن هذه الأحاديث حديث أبي هريرة أن النبيصلى الله عليه وسلم قال:( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع أعوج وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيراً ).
قال الحافظ ابن حجر معلقاً على هذا الحديث:[ وفي الحديث الندب إلى المداراة لاستمالة النفوس وتألف القلوب وفي سياسة النساء بأخذ العفو منهن والصبر على عوجهن وأن من رام تقويمهن فاته الانتفاع بهن مع أنه لا غنى للإنسان عن امرأة يسكن إليها ويستعين بها على معاشه ] فتح الباري 11/163.
وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( إني أحرج عليكم حق الضعيفين اليتيم والمرأة ) رواه ابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبة حجة الوداع:( واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن ألا إن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقاً فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن) رواه الترمذي وقال حسن صحيح ورواه ابن ماجة وحسّنه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/341.
وعن أبي هريرة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم ) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
قال العلامة ابن علان المكي:[ ( وخياركم خياركم لنسائهم ) وفي رواية ( خيركم خيركم لأهله ) قال في النهاية هو إشارة إلى صلة الرحم والحث عليها، قيل ولعل المراد من حديث الباب أن يعامل زوجته بطلاقة الوجه وكف الأذى والإحسان إليها والصبر على أذاها قلت ويحتمل أن الإضافة فيه للعهد والمعهود هو النبي صلى الله عليه وسلم والمراد ( أنا خيركم لأهلي ) وقد كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس لأهله وأصبرهم على اختلاف أحوالهم] دليل الفالحين 3/106.
ومن حقوق الزوجة على زوجها وجوب الإنفاق عليها بالمعروف من طعام وشراب وكسوة وغير ذلك من لوازم الحياة وأن لا يحرمها مما تشتهيه وأن لا يكون بخيلاً في النفقة عليها ولا على أولاده وكل ذلك يكون حسب حالة الزوج المالية لقوله تعالى:(وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ( سورة البقرة الآية 233، ولقوله تعالى:(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا( سورة البقرة الآية 286.
وعلى الزوج أن يعلم أن المال الذي ينفقه على زوجته وأولاده له فيه أجر عظيم كما ورد في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم :( إذا أنفق الرجل فهي له صدقة ) رواه البخاري ومسلم.
وقد ورد أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه قال:( أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت ) رواه أبو داود وذكر معنى لا تقبح أي لا تقل قبحك الله. وهو حديث حسن صحيح كما قال الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/402.
ومن حقوق الزوجة على زوجها أن لا يفشي أسرارها وأن لا يذكر عيوبها لما ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم :( إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها ) رواه مسلم.
ومن حقوق الزوجة على زوجها أن يأذن لها بزيارة أهلها وأقاربها وجيرانها وكذلك إذا استأذنته بالخروج إلى صلاة الجماعة والجمعة بشرط أن يكون خروجها شرعياً فلا تمس طيباً ولا تخرج متزينة مع أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد ولا ينبغي لزوج منع زوجته من الذهاب إلى المسجد إلا إذا خشي الفتنة عليها أو إذا خرجت متعطرة فيجوز له حينئذ منعها لقوله صلى الله عليه وسلم :( لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد وبيوتهن خير لهن ) رواه أحمد وأبو داود وإسناده صحيح .
وعلى المرأة إذا خرجت من بيتها قاصدة حضور الجماعة أو الجمعة أن تخرج وهي ملتزمة بأحكام الشرع من حيث اللباس والمشي وترك الزينة والطيب فقد ورد في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات) رواه أحمد وأبو داود وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني ومعنى تفلات: غير متطيبات. وفي حديث آخر قوله صلى الله عليه وسلم :( إذا شهدت إحداكن المساجد فلا تمس الطيب ) رواه مسلم.
ومن حقوق الزوجة على زوجها أن يفقهها في دينها لقوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا( سورة التحريم الآية 6. ويجب على الزوج أن يأمرها وأولاده بالمحافظة على الصلاة لقوله الله تعالى:(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا( سورة طه الآية 132.
هذه أهم حقوق الزوجة على زوجها باختصار وينبغي أن يعلم أنه يحرم على الزوج أن يسب زوجته وأهلها أو يلعنها فعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا الفاحش ولا البذيء) رواه الترمذي وابن حبان والحاكم وصححاه.
كما ينبغي أن يعلم أنه لا يجوز للزوج أن يهجر زوجته في الكلام فوق ثلاثة أيام لقول الرسول صلى الله عليه وسلم :( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) رواه البخاري ومسلم. وأما الهجر في المضجع المذكور في قوله تعالى:(وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِع( سورة النساء الآية 34. فهذا الهجر سببه النشوز وأجازه جماعة من العلماء إلى شهر كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم نسائه شهراً.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 11 / ص 265)
هل يضرب الرجل امرأته؟
المجيب أ.د. محمد بن أحمد الصالح
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/النشوز
التاريخ 29/3/1423
السؤال
ما هو النشاز؟ ومتى يضرب الرجل امرأته؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الزواج في الخلق آية من آيات الله الذي نخر له ساجدين، ويقوم على أركان ثلاثة: السكن، المودة، الرحمة. قال -تعالى-:"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الروم:21].
والعلاقة بين الزوجين تسمو على كل العلاقات "هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ" [البقرة:187]، فالزواج إذن ضرورة دينية وضرورة مدنية وجاء وصف عقد النكاح وصفاً متميزاً على جميع العقود "وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً"[النساء:21] وللرجل حق القوامة على المرأة "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ" [النساء:34]، وقال المصطفى - عليه السلام - في بيان أفضل النساء:"هي التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه فيما يكره في نفسها وماله" أبو داود (1664) وابن ماجة (1857) وأحمد (7421) واللفظ له، وقال -عليه السلام-:"إن حسن تبعل المرأة لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله" البيهقي في الشُعَب (15/248) والدر المنثور للسيوطي (2/483) ويعنى بذلك ما يقوم به الرجال من الأعمال من صلاة وجهاد في سبيل الله.
الناشز هي التي تبرز وتستعلي بالعصيان والتمرد، والمنهج في الإسلام لا ينتظر حتى يقع النشوز بالفعل وتعلن راية العصيان وتسقط مهابة القوامة، بل لابد من المبادرة في علاج مبادئ النشوز الذي لا يستقر معه سكن ولا طمأنينة، ومآله بعد ذلك تصدع وانهيار ودمار وتشرد، ولا بد من المبادرة باتخاذ الاجراءات المتدرجة في علاج علامات النشوز وحينئذٍ يباح أن يزاول الزوج بعض أنواع التأديب المصلحة في حالات كثيرة لا للانتقام ولا للإهانة ولا للتعذيب، ولكن لرأب الصدع والإصلاح في هذه المرحلة المبكرة من النشوز، وذلك بالوعظ، وبيان مزايا استمرار الزوجية، وبيان مساوئ الفرقة والاختلاف فإذا لم يجدِ هذا انتقل إلى مرحلة أخرى في التأديب والتهذيب، وهذه المرحلة تتمثل في الهجر في الكلام ثلاثة أيام، وفي المضجع ما شاء على ألا يضر بها، فإذا لم يجدِ هذا الأسلوب انتقل الزوج إلى التأديب الخفيف فلا يضرب الوجه ولا يقبح.
عن معاوية القشيري أنه قال: يا رسول الله ما حق امرأة أحدنا عليه؟ قال:" أن تطعمها إذا طَِعمْت وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت" أبو داود (2142) وأحمد (20011).
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 3 / ص 340)
مسائل في نفقة الزوجة رقم الفتوى:11800تاريخ الفتوى:23 رمضان 1422السؤال :
هل يلزم للزوج أن يمنح لزوجته مصاريف شخصية كل شهر؟ وهل يلزم الزوج أن يطلع زوجته عن مصاريفه وحساب راتبه شهرياً؟ علماً بأن الزوج يعتني بنفقة زوجته وأولاده بصورة جيدة ومن نفقته طبعاً إيجار بيت مناسب والطعام واللباس ويوفر لهم كل ما يطلبون منه ذلك وكل ما يحتاجونه إلى ذلك، ولا يعطي الزوجة مالا شهرياً بل يعطيها عند المناسبات مثل العيد أو عندما يذهبون في إجازة لأنها في حاجة أن تشتري الملابس لها ولبناتها لمدة سنتين لأنها رخيصة في الهند والزوج يرسل جزءاً كثيراً من راتبه إلى والديه وإخوانه، والزوجة تستحي بأن تطلب من زوجها بأن يشتري للبيت ولها مع أنهما يتسوقان مع بعض في كثير من الأوقات.
والزوج يجبر من قبل زوجته وأقرباء الزوجة على أن يعطى زوجته كل شهر مبلغاً من المال لمصاريفها الشخصية ويقولون إن هذا ما تقرره الشريعة؟
علماً بأن الزوجة أيضا تشتغل وتتقاضى راتباً جيداً والزوج لم يسأل شيئاً عن راتبها إلى الآن ولم يستفسر أبداً أين تصرف مالها، ولما ذكر حصل بينهما صراع شديد، آمل الإجابة أن تكون مدعماً من الأدلة من الكتاب والسنة؟
الفتوى :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الزوج يجب عليه أن ينفق على زوجته، وعلى أولاده على قدر استطاعته نفقة لا إسراف فيها ولا تقتير لقول الله عز وجل: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة:233].
ولحديث معاوية القشيري عن أبيه قال: قلت يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت" رواه أبو داود.
ويجب عليه المسكن حسب طاقته أيضاً، لقول الله عز وجل: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ) [الطلاق:6].
ولا يلزمه أن يعطيها مالا لمصاريفها الشخصية ما دام أنفق عليها، وعلى أولادها وكساهم بالمعروف، إذ لا يلزمه أكثر من ذلك، غير أنه إن زادها على الواجبات شيئاً لا إسراف فيه تقوية لأواصر المودة بينهما فهو أمر حسن، ومندوب إليه.
ولا يلزمه أن يطلعها على دخله وحساباته الخاصة، ويحرم عليه أن يطيعها في قطع النفقة عن والديه، أو قطع صلة أرحامه، بل عليه أن يمتثل أمر الله، فالله سبحانه وتعالى يقول: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ) [النساء: من الآية36].
ثم إننا نقول لك: إن الأولى والأجدر بالزوجين أن يسود بينهما جو المودة والتراحم، يقول الله سبحانه وتعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) [الروم: من الآية21].
وأن يحلا مشاكلهما من وراء الستار بحيث لا يطلع عليها قرابات كل منهما ما أمكنهما ذلك، فإن تدخل القرابات يجعل من الأمر البسيط مشكلة ضخمة، ولابد في ذلك كله من تنازل كل من الطرفين عن بعض من الأمور التي يراها حقوقاً له.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 8 / ص 2)
محل وجوب نفقة الزوجة على الزوج رقم الفتوى:17203تاريخ الفتوى:22 ربيع الأول 1423السؤال : هل على المعسر واجب النفقة على زوجته إن كان لديها راتب وسكن خاص بها وساعدته في ذلك برغبتها أو سكنت عند أهلها لحين يتمكن من فتح بيت لها وهل هذا دين عليه أم ماذا؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأصل أن نفقة الزوجات واجبة على أزوجهن ولو كنَّ غنيات، لقوله تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) [الطلاق:7] ، ولما في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود من حديث حكيم بن معاوية عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال -حين سأله رجل ما حق المرأة على الزوج-: "تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت".
ولكن محل وجوب نفقة الزوجة هو ما إذا كان الزوج موسرا بها قادراً عليها. أما إذا كان معسراً ورضيت الزوجة بالبقاء معه، فلا تجب عليه النفقة لعجزه عنها، ولا يطالب بها في ذمته إذا أيسر، لأن ذمته لم تعمر بها أصلاً فسقطت المطالبة بها. والله أعلم.(1/145)
283- 7938 أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ ، عَنْ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ : عِنْدِي دِينَارٌ قَالَ : " أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ " قَالَ : عِنْدِي آخَرُ قَالَ : " أَنْفِقْهُ عَلَى زَوْجَتِكَ " قَالَ : عِنْدِي آخَرُ قَالَ : " أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِكَ " قَالَ : عِنْدِي آخَرُ قَالَ : " أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِكَ " قَالَ : عِنْدِي آخَرُ قَالَ : " أَنْتَ أَبْصَرُ "(1)
__________
(1) - سنن البيهقى برقم( 16151 ) ومسند الحميدى برقم( 1229 ) وصحيح ابن حبان برقم( 3406 ) والأدب المفرد للبخاري برقم( 199) صحيح
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (ج 6 / ص 229)
وعن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي فقال عندي دينار أي وأريد أن أنفقه قال أنفقه على نفسك قال عندي آخر قال أنفقه على ولدك قال عندي آخر قال أنفقه على أهلك قال الطيبي إنما قدم الولد على الزوجة لشدة افتقاره إلى النفقة بخلافها فإنه لو طلقها لأمكنها أن تتزوج بآخر اه والأظهر أن يقال لأن نفقة الزوجة تقبل الإنفكاك عن اللزوم بخلاف نفقة الولد سيما إذا كان صغيرا فقيرا قال عندي آخر قال أنفقه على خادمك قال عندي آخر قال أنت أعلم بحال من يستحق الصدقة من أقاربك وجيرانك وأصحابك رواه أبو داود والنسائي وعن ابن عباس قال قال رسول الله ألا أخبركم يحتمل الإستفهام والتنبيه في الإعلام بخير الناس أي بمن هو من خير الناس إذ ليس الغازي أفضل من جميع الناس مطلقا وكذلك بشر الناس إذ الكافر شر منه كذا قيل والأظهر أن المراد بالناس هم المؤمنون لأنهم المقصودون منهم ومع هذا فلا شك أن قاتل الناس شر منه ولعل نكتة الإطلاق المبالغة في الحث على الأول والتحذير عن الثاني رجل بالرفع على تقدير هو وبالجر على البدلية ممسك صفة رجل أي آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أي متهيىء للقتال مع أعداء الله ألا أخبركم الذي يتلوه أي يتبعه ويقربه في الخيرية رجل معتزل بالوجهين أي متباعد عن الناس منفرد عنهم إلى موضع خال من البوادي والصحارى في غنيمة له أي مثلا وهو تصغير غنم بمعنى قطيع من الغنم يؤدي حق الله فيها ألا أخبركم بشر الناس رجل يسأل منه على صيغة المفعول أي يطلب بالله أي بالقسم به بأن يقول الفقير لشخص أعطني بالله ولا يعطى على البناء للفاعل أي الرجل المسؤول منه به أي بالله قال ابن الملك يسأل بصيغة الفاعل ولا يعطى بصيغة المفعول أي يسأل مالك لنفسه بالله ولا يعطى بالله إذا سئل به اه وهو غير صحيح فتأمل نعم يحتمل أن يكون الفعلان على بناء الفاعل ويقدر الموصول في الثاني فيكون المعنى من شر الناس من يسأل بالله أي باليمين والإلحاح لأنه إيقاع للناس في الحرج ولأنه قد يعطى بسبب الحياء فيكون أخذه حراما ومن لا يعطى بالله أي بالقسم والحلف مع القدرة على السؤال حيث ترك تعظيم الله تعالى وعدل عن الترحم على الفقير الظاهر من حالة الإضطرار والإفتقار الملجىء إلى اليمين سيما إذا كان المسؤول من تجب عليه الزكاة والصدقة
فتاوى السبكي - (ج 4 / ص 428)
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَقَدْ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي الْقَوَاعِدِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ التَّقِيَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الشَّقِيِّ وَالْقَرِيبَ يُقَدَّمُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ ثُمَّ قَالَ : فَإِنْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ عَلَى غَايَةِ الصَّلَاحِ فَفِي تَقْدِيمِهِ عَلَى عِتْقِ الْقَرِيبِ الْفَاسِقِ نَظَرٌ وَوَجْهُ هَذَا النَّظَرِ الَّذِي أَبْدَاهُ الشَّيْخُ فِيهَا تَعَارَضَ الصَّلَاحُ وَالْقَرَابَةُ ، وَاَلَّذِي يَتَرَجَّحُ رُجْحَانًا قَوِيًّا تَقْدِيمُ الْقَرَابَةِ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَهُ السَّائِلُ وَإِنَّ عِتْقَ الْقَرِيبِ الصَّالِحِ أَوْ الْفَاسِقِ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ الْأَجْنَبِيِّ الصَّالِحِ أَوْ الْأَصْلَحِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِالْأَجْنَبِيِّ وَصْفٌ آخَرُ خَاصٌّ أَوْ عَامٌّ كُلِّيٌّ أَوْ جُزْئِيٌّ يَقْتَضِي تَقْدِيمَهُ كَمَا أُنَبِّهُ عَلَيْهِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَلِنَفْرِضَ الْكَلَامَ فِي الْعِتْقِ الَّذِي لَيْسَ بِوَاجِبٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا فَرَضَهُ السَّائِلُ وَإِنَّمَا قُلْت بِأَنَّ وَصْفَ الْقَرَابَةِ مُقَدَّمٌ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إحْسَانٌ وَبِرٌّ وَالْإِحْسَانُ وَالْبِرُّ مُقَدَّمٌ فِيهِ الْقَرِيبُ فَالْعِتْقُ يُقَدَّمُ فِيهِ الْقَرِيبُ .
أَمَّا الْمُقَدَّمَةُ الْأُولَى فَبَيِّنَةٌ بِنَفْيِهَا وَالْمُقَدَّمَةُ الثَّانِيَةُ الدَّلِيلُ عَلَيْهَا أَحَادِيثُ مِنْهَا مَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { : أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ عَبْدًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَلَك مَالٌ غَيْرُهُ ؟ فَقَالَ : لَا ، قَالَ : مَنْ يَشْتَرِيه مِنِّي ؟ فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيُّ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَجَاءَ بِهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : ابْدَأْ بِنَفْسِك فَتَصَدَّقَ عَلَيْهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِك فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِك شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِك فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِك شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا يَقُولُ بَيْنَ يَدَيْك وَعَنْ يَمِينِك وَشِمَالِك } .
أَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحِ وَرُوِيَ فِيهِ خَارِجَ الصَّحِيحِ زِيَادَاتٌ وَأَلْفَاظٌ ، وَالْعَبْدُ الْمَذْكُورُ اسْمُهُ يَعْقُوبُ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ لَفْظَةٌ مُنْكَرَةٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذَكَرَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ عَامَّةَ دَهْرِهِ كَمَا رَوَاهُ النَّاسُ ، قَالَ : ثُمَّ وَجَدْت فِي كِتَابِي دَبَرَ رَجُلٌ مِنَّا غُلَامًا لَهُ فَمَاتَ .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ خَطَأً مِنْ كِتَابِي أَوْ خَطَأً مِنْ سُفْيَانَ فَإِنْ كَانَ مِنْ سُفْيَانَ فَابْنِ جُرَيْجٍ أَحْفَظُ لِحَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ مِنْ سُفْيَانَ وَمَعَ ابْنِ جُرَيْجٍ حَدِيثُ اللَّيْثِ وَغَيْرِهِ ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ يَجِدُ الْحَدِيثَ بِحَدِيدٍ انْجَبَرَ فِيهِ حَيَاةُ الَّذِي دَبَرَهُ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ مَعَ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ وَحْدَهُ ، وَقَدْ اسْتَدَلُّوا عَلَى حِفْظِ الْحَدِيثِ مِنْ خُطَّائِهِ بِأَقَلَّ مِمَّا وَجَدْته فِي حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَاللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ وَفِي حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَغَيْرُ حَمَّادٍ يَرْوِيه عَنْ عَمْرٍو كَمَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَقَدْ أَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ لَقَى سُفْيَانَ قَدِيمًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ فِي حَدِيثِهِ مَاتَ وَعَجِبَ بَعْضُهُمْ حِينَ أَخْبَرْته أَنِّي وَجَدْت فِي كِتَابِي مَاتَ فَقَالَ : لَعَلَّ هَذَا خَطَأٌ مِنْهُ أَوْ زَلَلٌ مِنْهُ حَفِظْته عَنْهُ .
هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ لَكِنِّي نَقَلْته لِمَا فِيهِ مِنْ الْفَائِدَةِ ، وَمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَهُ فِي هَذَا الْمَكَانِ وَغَيْرِهِ عَرَفَ تَمَكُّنَهُ مِنْ عِلْمِ الْحَدِيثِ .
وَلِنَرْجِعْ إلَى مَا كُنَّا بِسَبِيلِهِ : دَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَبِ عَلَى مَنْ سِوَاهُ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا أَوْ مَفْضُولًا صَالِحًا أَوْ غَيْرَهُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ فِي النَّاسِ غَيْرَ أَقَارِبِ الْإِنْسَانِ مَنْ هُوَ أَصْلَحُ مِنْهُمْ غَالِبًا ، وَمِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا لَمَّا { قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَبَرُّ ؟ قَالَ : أُمَّك ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : أُمَّك ثُمَّ أَبَاك ثُمَّ أَدْنَاك ثُمَّ أَدْنَاك } وَالْأَدْنَى هُوَ الْقَرِيبُ .
وَكَذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ { يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ مِنِّي بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ ؟ قَالَ : أُمَّك } وَذَكَرَ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ { وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى الْقَرِيبِ أَنَّهَا ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ } .
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لِزَوْجَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ { زَوْجُك وَوَلَدُك أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْت عَلَيْهِمْ } وَقَدْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ هُوَ أَفْقَرُ مِنْ وَلَدِهَا وَأَصْلَحُ { .
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ قَالَ لَهُ مَعِي دِينَارٌ ؛ قَالَ : أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِك } .
وَلَوْ اسْتَوْعَبْنَا الْأَحَادِيثَ فِي ذَلِكَ لَطَالَ وَالشَّرِيعَةُ طَافِحَةٌ بِذَلِكَ عَلَى خِلَافِ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ وَلَكِنِّي سَأَذْكُرُ فِي آخَرِ الْكَلَامِ مَا حَمَلَ السَّائِلَ عَلَى ذَلِكَ وَجَوَابَهُ وَمَا حَمَلَ الشَّيْخَ عَلَى التَّوَقُّفِ أَيْضًا وَجَوَابَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
( الدَّلِيلُ الثَّانِي ) عَلَى أَنَّ الْقَرِيبَ مُقَدَّمٌ أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ وَاجِبَةٌ وَقَطِيعَتَهَا مُحَرَّمَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ } وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَقَوْلِهِ لِلرَّحِمِ { أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَك وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَك ؟ قَالَتْ : بَلَى ، قَالَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَك } ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { بُلُّوا أَرْحَامَكُمْ وَلَوْ بِالسَّلَامِ } .
وَمِنْ الْمُسْتَفِيضِ الْمُشْتَهَرِ فِي صِفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ ، فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ وَاجِبَةٌ ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنَّ الْوَاصِلَ الَّذِي إذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا } .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ صِلَةِ الْقَرِيبِ الْفَاسِقِ ؛ لِأَنَّ الْقَاطِعَ فَاسِقٌ وَقَدْ أَمَرَ بِصِلَتِهِ وَجُعِلَتْ هِيَ الصِّلَةُ { وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ قَالَ : قَدِمَتْ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ أَفَأَصِلُهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ صِلِي أُمَّك } .
فَهَذَا الْعَبْدُ الْقَرِيبُ الْفَاسِقُ صِلَتُهُ وَاجِبَةٌ وَالصِّلَةُ بِالْإِحْسَانِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِتَوَدُّدٍ أَوْ إعْتَاقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ فَأَيُّ خَصْلَةٍ مِنْ خِصَالِ الْإِحْسَانِ أَسَدَاهَا إلَيْهِ كَانَ بِهَا وَاصِلًا مُؤَدِّيًا لِلْوَاجِبِ الَّذِي عَلَيْهِ وَيُثَابُ عَلَيْهَا ثَوَابَ مَنْ أَدَّى الْوَاجِبَ كَمَا أَنَّ الْمَأْمُورَ بِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ إذَا أَعْتَقَ أَوْ أَطْعَمَ أَوْ كَسَا يُقَالُ : إنَّهُ أَدَّى الْوَاجِبَ الَّذِي عَلَيْهِ وَيُثَابُ ثَوَابَ الْوَاجِبِ ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْخِصَالِ وَكَمَا أَنَّ الْمُكَلَّفَ إذَا صَلَّى الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا يَكُونُ أَدَّى فَرْضَ اللَّهِ وَيُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابَ الْفَرْضِ وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ الْإِتْيَانُ فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ شَاءَ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ قَرِيبَهُ مُمْتَثِلًا أَمْرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِصِلَةِ الرَّحِمِ يُثَابُ عَلَى ذَلِكَ ثَوَابَ الْوَاجِبِ وَيَكُونُ مُؤَدِّيًا لِلْوَاجِبِ الَّذِي عَلَيْهِ وَلَوْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْأَجْنَبِيَّ الَّذِي هُوَ فِي غَايَةِ الصَّلَاحِ لَمْ يَكُنْ عِتْقُهُ ذَلِكَ إلَّا نَفْلًا وَتَطَوُّعًا وَقُرْبَةً لَا وُجُوبَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ وَلَا شَكَّ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ ثَوَابَ الْفَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ النَّفْلِ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ عِتْقَ الْقَرِيبِ أَوْلَى وَهَذَا بُرْهَانٌ قَوِيٌّ .
( الدَّلِيلُ الثَّالِثُ ) وَهُوَ خَاصٌّ بِبَعْضِ الْأَقَارِبِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْقَرِيبُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَإِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ بِعِتْقِهِ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ كَالْوَالِدِ وَالْوَلَدِ ؛ وَوَرَدَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ وَإِنْ كَانَ فِيهَا كَلَامٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوَرَعَ يَقْتَضِي عَدَمَ اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ فِي ذَلِكَ مَعَ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَوُرُودِ الْأَحَادِيثِ ، وَالتَّوَرُّعُ عَنْ الْحَرَامِ أَوْلَى مِنْ الْعِتْقِ الَّذِي هُوَ زِيَادَةُ إحْسَانٍ .
وَالدَّلِيلَانِ الْأَوَّلَانِ عَامَّانِ فِي كُلِّ قَرِيبٍ وَبِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ يُعْرَفُ ضَعْفُ جَمِيعِ مَا قَالَهُ السَّائِلُ أَمَّا قَوْلُهُ الْأَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ وَإِنَّ الشَّرِيعَةَ طَافِحَةٌ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ النَّسَبِ مَعَ قِيَامِ الْمَعْصِيَةِ فَاعْلَمْ أَنَّ هَاهُنَا قَاعِدَةٌ إذَا تَحَقَّقَتْ ظَهَرَ الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا حَصَلَتْ الْغَفْلَةُ بِالذُّهُولِ عَنْهَا وَهِيَ أَنَّ التَّقْدِيمَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ : ( أَحَدُهَا ) أَنْ يَكُونَ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ الَّتِي الْخَلْقُ فِيهَا خُلَفَاءُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى كَالْوِلَايَاتِ وَالْإِمَامَةِ فِي الصَّلَوَاتِ وَأُمُورِ الدِّيَانَاتِ وَجَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَالرُّجُوعُ فِي التَّقْدِيمِ فِي ذَلِكَ إلَى صِفَاتِ ذَلِكَ الشَّخْصِ فِي نَفْسِهِ مِنْ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْقِيَامِ بِمَا فُوِّضَ إلَيْهِ فَمَنْ كَانَ أَكْمَلَ كَانَ بِالتَّقْدِيمِ أَحَقَّ لِئَلَّا يَفُوتَ بِتَأْخِيرِهِ مَصْلَحَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ .
وَفِي هَذَا الْقِسْمِ يَجِبُ تَقْدِيمُ الْأَفْضَلِ عَلَى الْفَاضِلِ وَالْفَاضِلِ عَلَى الْمَفْضُولِ وَالِاحْتِيَاطِ لِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ فَعَلَ خِلَافَ ذَلِكَ لَمْ يُحِطْهُمْ بِنَصِيحَةٍ وَلَمْ يَخْفَ عَنَّا أَنَّ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ وِلَايَةِ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ وَإِنَّمَا نَعْنِي بِالْفَاضِلِ هُنَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا يُفَوَّضُ مِنْ الْعِلْمِ وَالشَّجَاعَةِ وَحُسْنِ الرَّأْيِ وَجَوْدَةِ التَّدْبِيرِ وَالسِّيَاسَةِ وَمَا يَسْتَوْجِبُ صِفَةَ الْكَمَالِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ وَلَوْ انْفَرَدَ شَخْصٌ بِالزِّيَادَةِ بِالتَّقْوَى وَالْكَرَامَةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَعَ عَدَمِ اهْتِدَائِهِ إلَى غَوَائِلِ الْوِلَايَاتِ لَمْ نُقَدِّمْهُ إلَّا فِيمَا يَلِيقُ بِهِ كَالْإِمَامَةِ فِي الصَّلَوَاتِ فَهُوَ مُقَدَّمٌ فِيهَا فَعُرِفَ أَنَّ إطْلَاقَ السَّائِلِ لِتَقْدِيمِ الْأَقْرَبِ فِي هَذَا الْقِسْمِ أَيْضًا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ .
( الْقِسْمُ الثَّانِي ) فِي الْعَطَاءِ مِنْ الْأَرْزَاقِ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ لِعِبَادِهِ مِنْ الْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ كَالْفَيْءِ وَغَيْرِهِ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُقَدِّمَ فِيهِ بِحَسْبِ الْفَضَائِلِ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَلَهُ أَنْ يُسَوِّيَ كَمَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَالتَّقْدِيمُ هَاهُنَا جَائِزٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ إلَّا أَنْ تَقْتَرِنَ بِهِ حَالَةٌ خَاصَّةٌ تُوجِبُهُ .
سبل السلام - (ج 5 / ص 335)
( وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ { جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ قَالَ : أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِك قَالَ : عِنْدِي آخَرُ قَالَ : أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِك قَالَ : عِنْدِي آخَرُ قَالَ : أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِك قَالَ : عِنْدِي آخَرُ قَالَ : أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِك قَالَ : عِنْدِي آخَرُ قَالَ : أَنْتَ أَعْلَمُ } أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَأَبُو دَاوُد وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَالْحَاكِمُ بِتَقْدِيمِ الزَّوْجَةِ عَلَى الْوَلَدِ ) .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ تَقْدِيمُ الزَّوْجَةِ عَلَى الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ : قَالَ ابْنُ حَزْمٍ : اخْتَلَفَ عَلَيَّ يَحْيَى الْقَطَّانُ وَالثَّوْرِيُّ فَقَدَّمَ يَحْيَى الزَّوْجَةَ عَلَى الْوَلَدِ وَقَدَّمَ سُفْيَانُ الْوَلَدَ عَلَى الزَّوْجَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقَدَّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بَلْ يَكُونَانِ سَوَاءً ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا تَكَلَّمَ ثَلَاثًا ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي إعَادَتِهِ قَدَّمَ الْوَلَدَ مَرَّةً وَمَرَّةً قَدَّمَ الزَّوْجَةَ فَصَارَا سَوَاءً .
( قُلْت ) : هَذَا حَمْلٌ بَعِيدٌ فَلَيْسَ تَكْرِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا يَقُولُهُ ثَلَاثًا بِمُطَّرِدٍ بَلْ عَدَمُ التَّكْرِيرِ غَالِبٌ ، وَإِنَّمَا يُكَرِّرُ إذَا لَمْ يُفْهَمْ عَنْهُ وَمِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ جَوَابُ سُؤَالٍ لَا يَجْرِي فِيهِ التَّكْرِيرُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِفَهْمِ السَّائِلِ لِلْجَوَابِ ثُمَّ رِوَايَةُ جَابِرٍ الَّتِي لَا تَرَدُّدَ فِيهَا تُقَوِّي رِوَايَةَ تَقْدِيمِ الْأَهْلِ وَالْحَدِيثُ قَدْ تَقَدَّمَ .
وَفِيهِ حَثٌّ عَلَى إنْفَاقِ الْإِنْسَانِ مَا عِنْدَهُ ، وَأَنَّهُ لَا يَدَّخِرُ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ لَهُ فِي الْآخَرِ بَعْدَ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ : أَنْتَ أَعْلَمُ وَلَمْ يَقُلْ ادَّخِرْ لِحَاجَتِك ، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ .
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار - زيدية - (ج 5 / ص 79)
" مَسْأَلَةٌ " ( ى هـ حص ) وَتَجِبُ مِنْ نِصَابِهَا إذْ هُوَ مُتَعَلِّقُ الْوُجُوبِ كَالْمَالِ ( ك ش ) يَنْخَرِمُ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا زَائِدَةً قُلْنَا : وَلَوْ انْخَرَمَ .
( فَرْعٌ ) لَهُمْ فَلَوْ مَلَكَ نِصَابًا وَنِصْفَ صَاعٍ فَوَجْهَانِ : يُخْرِجُهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ { مَا اسْتَطَعْتُمْ } الْخَبَرُ .
وَكَسَتْرِ بَعْضِ الْعَوْرَةِ ، وَلَا ، كَمَنْ وَجَدَ بَعْضَ الرَّقَبَةِ .
قُلْنَا : لِلرَّقَبَةِ بَدَلٌ .
( فَرْعٌ ) وَيُقَدِّمُ نَفْسَهُ ( قش ) بَلْ الزَّوْجَةَ ، إذْ هِيَ كَالدَّيْنِ لَهَا ( قش ) مُخَيَّرٌ .
لَنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ { ابْدَأْ بِنَفْسِك } الْخَبَرُ .
فَإِنْ مَلَكَ لَهُ وَلِنِصْفٍ ( ى ) فَالزَّوْجَةُ ، ثُمَّ الْعَبْدُ ، ثُمَّ الْوَلَدُ ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ { أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِك } الْخَبَرُ .
وَقِيلَ : الْوَلَدُ ، ثُمَّ الزَّوْجَةُ ، ثُمَّ الْعَبْدُ ( ص ) إنْ لَمْ يَمْلِكْ لِلْجَمِيعِ سَقَطَتْ ، إذْ لَا مُخَصِّصَ .
قُلْنَا : الْمُخَصِّصُ الْخَبَرُ .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 5718)
«تقديم الحوائج بعضها على بعضه»
22 - إذا اجتمعت الحوائج وأمكن تحصيلها حصلت ، وذلك مثل المستحقّين من الزّكاة إذا أمكن إيفاء حاجة الجميع ، فإن تعذّر إيفاء حاجة الجميع قدّم الأشدّ حاجة على غيره.
ولذلك لا يجوز أن يتصدّق الإنسان بصدقة تطوّع وهو محتاج إلى ما يتصدّق به لنفقته أو نفقة عياله.
والقياس في المضاربة عدم الجواز ; لأنّها استئجار بأجر مجهول بل بأجر معدوم ولعمل مجهول لكن ترك القياس ; لأنّ النّاس يحتاجون إلى عقد المضاربة ; لأنّ الإنسان قد يكون له مال لكنّه لا يهتدي إلى التّجارة ، وقد يهتدي إلى التّجارة لكنّه لا مال له ، فكان في شرع هذا العقد دفع الحاجتين واللّه سبحانه وتعالى ما شرع العقود إلاّ لمصالح العباد ودفع حوائجهم.
ومن ذلك شرط الخيار فإنّه مخالف للقياس لكن ترك اعتبار القياس لحاجة النّاس.
ويقول القرافيّ : اعلم أنّ قاعدة القرض خولفت فيها ثلاث قواعد شرعيّة ، قاعدة الرّبا إن كان في الرّبويّات كالنّقدين والطّعام ، وقاعدة المزابنة وهي بيع المعلوم بالمجهول من جنسه إن كان في الحيوان ونحوه من غير المثليّات ، وقاعدة بيع ما ليس عندك في المثليّات.
وسبب مخالفة هذه القواعد مصلحة المعروف للعباد.
وفي قواعد الأحكام للعزّ بن عبد السّلام : اعلم أنّ اللّه تعالى شرع لعباده السّعي في تحصيل مصالح عاجلة وآجلة تجمع كلّ قاعدة منها علّة واحدة ثمّ استثنى منها ما في ملابسته مشقّة شديدة ، أو مفسدة تربو على المصلحة ، وكذلك شرع لهم السّعي في درء مفاسد في الدّارين أو في إحداهما تجمع كلّ قاعدة منها علّة واحدة ثمّ استثنى منها ما في اجتنابه مشقّة شديدة ، أو مصلحة تربو على المفسدة وكلّ ذلك رحمة بعباده ، ويعبّر عن ذلك كلّه بما خالف القياس ، وذلك جار في العبادات والمعاوضات وسائر التّصرّفات.
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 11396)
20 - الغنى المعتبر في صدقة التّطوّع هو أن يكون عند الإنسان فائض عن كفايته وكفاية من يمونه ، فيتصدّق منه ، فإن تصدّق الإنسان بما ينقص مؤنته أو مؤنة من يمونه كان آثماً ، فقد روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه « أنّ رجلاً أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول اللّه ، عندي دينار ، قال : أنفقه على نفسك ، قال : عندي آخر ، قال : أنفقه على ولدك ، قال عندي آخر . قال : أنفقه على أهلك ، قال : عندي آخر ، قال : أنفقه على خادمك ، قال : عندي آخر ، قال : أنت أعلم به » وقال صلى الله عليه وسلم : « كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمّن يملك قوته » وتحلّ صدقة التّطوّع للأغنياء كما تحلّ للفقراء .
والمراد بالغنيّ هنا من منع من أخذ الزّكاة لغناه ، فيحلّ له الأخذ من صدقة التّطوّع ، إلاّ أنّه يستحبّ له التّنزّه عنها والتّعفّف، فلا يأخذها ولا يتعرّض لها ، فإن أظهر الفاقة وأخذها حرم عليه ذلك .(1/146)
الْفَضْلُ فِي ذَلِكَ
284-7939 أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ ، عَنْ ثَوْبَانَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَفْضَلُ دِينَارٍ دِينَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى عِيَالِهِ ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّتِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " قَالَ أَبُو قِلَابَةَ : " بَدَأَ بِالْعِيَالِ "(1)
285-7940 أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ مُزَاحِمِ بْنِ زُفَرَ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " دِينَارٌ أَنْفِقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَدِينَارٌ فِي الْمَسَاكِينِ ، وَدِينَارٌ عَلَى أَهْلِكَ ، وَدِينَارٌ فِي الرِّقَابِ ، وَدِينَارٌ فِي نَسِيَهُ يَحْيَى ، أَفْضَلُهَا دِينَارًا دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ "(2)
__________
(1) - مسند أحمد برقم( 23116) وصحيح ابن حبان برقم( 4315 و4732 ) صحيح
(2) - صحيح مسلم برقم (2358)
شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 435)
مَقْصُود الْبَاب : الْحَثّ عَلَى النَّفَقَة عَلَى الْعِيَال ، وَبَيَان عِظَمِ الثَّوَاب فِيهِ ؛ لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَجِب نَفَقَته بِالْقَرَابَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَكُون مَنْدُوبَةً وَتَكُون صَدَقَةً وَصِلَةً ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَكُون وَاجِبَة بِمِلْكِ النِّكَاح أَوْ مِلْك الْيَمِين ، وَهَذَا كُلّه فَاضِل مَحْثُوث عَلَيْهِ ، وَهُوَ أَفْضَل مِنْ صَدَقَة التَّطَوُّع ، وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَة اِبْن أَبِي شَيْبَة : ( أَعْظَمهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْته عَلَى أَهْلِك ) مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ قَبْله النَّفَقَة فِي سَبِيل اللَّه وَفِي الْعِتْق وَالصَّدَقَة ، وَرَجَّحَ النَّفَقَة عَلَى الْعِيَال عَلَى هَذَا كُلّه لِمَا ذَكَرْنَاهُ ، وَزَادَهُ تَأْكِيدًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيث الْآخَر : ( كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِس عَمَّنْ يَمْلِك قُوتَهُ ) فَقُوتُهُ مَفْعُولُ يَحْبِسَ .
فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (ج 8 / ص 139)
4243 - (دينار أنفقته في سبيل اللّه) أي في موطن الغزو (ودينار أنفقته في رقبة) أي في إعتاقها (ودينار تصدقت به على مسكين) المراد به ما يشمل الفقير لأنهما إذا افترقا اجتمعا وإذا اجتمعا افترقا (ودينار أنفقته على أهلك) يعني على مؤونة من تلزمك مؤونته (أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك) قال القاضي: قوله دينار مبتدأ وأنفقته في سبيل اللّه صفته والجملة أعني أعظمها أجراً إلخ خبرية والنفقة على الأهل أعم من كون نفقتهم واجبة أو مندوبة فهي أكثر الكل ثواباً واستدل به على أن فرض العين أفضل من الكفاية لأن النفقة على الأهل التي هي فرض عين أفضل من النفقة في سبيل اللّه وهو الجراد الذي هو فرض كفاية.
- (م) في الزكاة (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري.
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 6 / ص 399)
وَأَعْظَمُ عَوْنٍ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ خَاصَّةً وَلِغَيْرِهِ عَامَّةً ثَلَاثَةُ أُمُورٍ : أَحَدُهَا : الْإِخْلَاصُ لِلَّهِ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ بِالدُّعَاءِ وَغَيْرِهِ . وَأَصْلُ ذَلِكَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلَوَاتِ بِالْقَلْبِ وَالْبَدَنِ . الثَّانِي : الْإِحْسَانُ إلَى الْخَلْقِ بِالنَّفْعِ وَالْمَالِ الَّذِي هُوَ الزَّكَاةُ . الثَّالِثُ : الصَّبْرُ عَلَى أَذَى الْخَلْقِ وَغَيْرِهِ مِنْ النَّوَائِبِ . وَلِهَذَا يَجْمَعُ اللَّهُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّبْرِ كَثِيرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ } وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } { وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } . وقَوْله تَعَالَى { فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } وَكَذَلِكَ فِي " سُورَةِ ق " : { فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ } . وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ } { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ } . وَأَمَّا قَرْنُهُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فِي الْقُرْآنِ فَكَثِيرٌ جِدًّا . فَبِالْقِيَامِ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّبْرِ يَصْلُحُ حَالُ الرَّاعِي وَالرَّعِيَّةِ إذَا عَرَفَ الْإِنْسَانُ مَا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْجَامِعَةِ : يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَدُعَاؤُهُ وَتِلَاوَةُ كِتَابِهِ وَإِخْلَاصُ الدِّينِ لَهُ وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ . وَفِي الزَّكَاةِ الْإِحْسَانُ إلَى الْخَلْقِ بِالْمَالِ وَالنَّفْعِ : مِنْ نَصْرِ الْمَظْلُومِ وَإِغَاثَةِ الْمَلْهُوفِ وَقَضَاءِ حَاجَةِ الْمُحْتَاجِ . فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ } فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ إحْسَانٍ . وَلَوْ بِبَسْطِ الْوَجْهِ وَالْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ . فَفِي الصَّحِيحَيْنِ : عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حَاجِبٌ وَلَا تَرْجُمَانٌ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إلَّا شَيْئًا قَدَّمَهُ وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إلَّا شَيْئًا قَدَّمَهُ فَيَنْظُرُ أَمَامه فَتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَّقِيَ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةِ طَيِّبَةٍ } . وَفِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا تُحَقِّرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاك وَوَجْهَك إلَيْهِ مُنْبَسِطٌ وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِك فِي إنَاءِ الْمُسْتَقَى } . وَفِي السُّنَنِ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ أَثْقَلَ مَا يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ الْخُلُقُ الْحَسَنُ } . وَرُوِيَ { عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ : يَا أُمَّ سَلَمَةَ ذَهَبَ حُسْنُ الْخُلُقِ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } . وَفِي الصَّبْرِ احْتِمَالُ الْأَذَى وَكَظْمُ الْغَيْظِ وَالْعَفْوُ عَنْ النَّاسِ وَمُخَالَفَةُ الْهَوَى وَتْرُك الْأَشِرِ وَالْبَطَرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ } { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } { إلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } وَقَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } . وَقَالَ تَعَالَى : { وَسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } . وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } { وَمَا يُلَقَّاهَا إلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } { وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } . وَقَالَ تَعَالَى : { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } . قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ : إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ : أَلَا لِيَقُمْ مَنْ وَجَبَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ فَلَا يَقُومُ إلَّا مَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ . فَلَيْسَ حُسْنُ النِّيَّةِ بِالرَّعِيَّةِ وَالْإِحْسَانِ إلَيْهِمْ : أَنْ يَفْعَلَ مَا يَهْوُونَهُ وَيَتْرُكَ مَا يَكْرَهُونَهُ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ } . وَقَالَ تَعَالَى لِلصَّحَابَةِ : { وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ } . وَإِنَّمَا الْإِحْسَانُ إلَيْهِمْ فِعْلُ مَا يَنْفَعُهُمْ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَلَوْ كَرِهَهُ مَنْ كَرِهَهُ ؛ لَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَرْفُقَ بِهِمْ فِيمَا يَكْرَهُونَهُ . فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ قَالَ : { مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إلَّا زَانَهُ وَلَا كَانَ الْعُنْفُ فِي شَيْءٍ إلَّا شَانَهُ } وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ } . وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : وَاَللَّهِ إنِّي لَأُرِيدُ أَنْ أُخْرِجَ لَهُمْ الْمُرَّةَ مِنْ الْحَقِّ فَأَخَافُ أَنْ يَنْفِرُوا عَنْهَا فَاصْبِرْ حَتَّى تَجِيءَ الْحُلْوَةُ مِنْ الدُّنْيَا فَأُخْرِجَهَا مَعَهَا فَإِذَا نَفَرُوا لِهَذِهِ سَكَنُوا لِهَذِهِ . وَهَكَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَتَاهُ طَالِبُ حَاجَةٍ لَمْ يَرُدَّهُ إلَّا بِهَا أَوْ بِمَيْسُورِ مِنْ الْقَوْلِ . { وَسَأَلَهُ مَرَّةً بَعْضُ أَقَارِبِهِ أَنْ يُوَلِّيَهُ عَلَى الصَّدَقَاتِ وَيَرْزُقَهُ مِنْهَا فَقَالَ : إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدِ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ } . فَمَنَعَهُمْ إيَّاهَا وَعَوَّضَهُمْ مِنْ الْفَيْءِ . { وَتَحَاكَمَ إلَيْهِ عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ فِي ابْنَةِ حَمْزَةَ فَلَمْ يَقْضِ بِهَا لِوَاحِدِ مِنْهُمْ ؛ وَلَكِنْ قَضَى بِهَا لِخَالَتِهَا ثُمَّ إنَّهُ طَيَّبَ قَلْبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِكَلِمَةِ حَسَنَةٍ فَقَالَ لِعَلِيِّ : أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْك . وَقَالَ لِجَعْفَرِ : أَشْبَهْت خَلْقِي وَخُلُقِي . وَقَالَ لِزَيْدِ : أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا } . فَهَكَذَا يَنْبَغِي لِوَلِيِّ الْأَمْرِ فِي قَسَمِهِ وَحُكْمِهِ ؛ فَإِنَّ النَّاسَ دَائِمًا يَسْأَلُونَ وَلِيَّ الْأَمْرِ مَا لَا يُصْلِحُ بَذْلُهُ مِنْ الْوِلَايَاتِ وَالْأَمْوَالِ وَالْمَنَافِعِ وَالْأُجُورِ وَالشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيُعَوِّضُهُمْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى إنْ أَمْكَنَ أَوْ يَرُدُّهُمْ بِمَيْسُورِ مِنْ الْقَوْلِ مَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْإِغْلَاظِ ؛ فَإِنَّ رَدَّ السَّائِلِ يُؤْلِمُهُ خُصُوصًا مَنْ يَحْتَاجُ إلَى تَأْلِيفِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ } . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا } إلَى قَوْلِهِ : { وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا } . وَإِذَا حَكَمَ عَلَى شَخْصٍ فَإِنَّهُ قَدْ يَتَأَذَّى فَإِذَا طَيَّبَ نَفْسَهُ بِمَا يَصْلُحُ مِنْ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ كَانَ ذَلِكَ تَمَامَ السِّيَاسَةِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا يُعْطِيهِ الطَّبِيبُ لِلْمَرِيضِ ؛ مِنْ الطِّبِّ الَّذِي يَسُوغُ الدَّوَاءُ الْكَرِيهُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمَّا أَرْسَلَهُ إلَى فِرْعَوْنَ - : { فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى } . { وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمَّا بَعَثَهُمَا إلَى الْيَمَنِ - : يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا } . { وَبَالَ مَرَّةً أَعْرَابِيٌّ فِي الْمَسْجِدِ فَقَامَ أَصْحَابُهُ إلَيْهِ فَقَالَ : لَا تَزْرِمُوهُ أَيْ لَا تَقْطَعُوا عَلَيْهِ بَوْلَهُ ؛ ثُمَّ أَمَرَ بِدَلْوِ مِنْ مَاءٍ فَصُبَّ عَلَيْهِ . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ } وَالْحَدِيثَانِ فِي الصَّحِيحَيْنِ . وَهَذَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الرَّجُلُ فِي سِيَاسَةِ نَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَرَعِيَّتِهِ ؛ فَإِنَّ النُّفُوسَ لَا تَقْبَلُ الْحَقَّ إلَّا بِمَا تَسْتَعِينُ بِهِ مِنْ حُظُوظِهَا الَّتِي هِيَ مُحْتَاجَةٌ إلَيْهَا فَتَكُونُ تِلْكَ الْحُظُوظُ عِبَادَةً لِلَّهِ وَطَاعَةً لَهُ مَعَ النِّيَّةِ الصَّالِحَةِ . أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَاللِّبَاسَ وَاجِبٌ عَلَى الْإِنْسَانِ ؟ حَتَّى لَوْ اضْطَرَّ إلَى الْمَيْتَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَكْلُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ فَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ حَتَّى مَاتَ دَخَلَ النَّارَ ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ لَا تُؤَدَّى إلَّا بِهَذَا وَمَا لَا يَتِمَّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ . وَلِهَذَا كَانَتْ نَفَقَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ مُقَدَّمَةً عَلَى غَيْرِهَا . فَفِي السُّنَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { تَصَدَّقُوا . فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ . فَقَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِك . قَالَ : عِنْدِي آخَرُ . قَالَ : تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِك . قَالَ : عِنْدِي آخَرُ . قَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِك . قَالَ : عِنْدِي آخَرُ . قَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِك . قَالَ عِنْدِي آخَرُ . قَالَ : أَنْتَ أَبْصَرُ بِهِ } . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { دِينَارٌ أَنْفَقْته فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدِينَارٌ أَنْفَقْته فِي رَقَبَةٍ وَدِينَارٌ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ وَدِينَارٌ أَنْفَقْته عَلَى أَهْلِك . أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْته عَلَى أَهْلِك } . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي أمامة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَا ابْنَ آدَمَ إنَّك إنْ تَبْذُلْ الْفَضْلَ خَيْرٌ لَك وَإِنْ تُمْسِكْهُ شَرٌّ لَك وَلَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ ؛ وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ . وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى } . وَهَذَا تَأْوِيلُ قَوْله تَعَالَى { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ } أَيْ الْفَضْلَ . وَذَلِكَ لِأَنَّ نَفَقَةَ الرَّجُلِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ فَرْضُ عَيْنٍ ؛ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فِي الْغَزْوِ وَالْمَسَاكِينِ ؛ فَإِنَّهُ فِي الْأَصْلِ إمَّا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَإِمَّا مُسْتَحَبٌّ ؛ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَصِيرُ مُتَعَيَّنًا إذَا لَمْ يَقُمْ غَيْرُهُ بِهِ ؛ فَإِنَّ إطْعَامَ الْجَائِعِ وَاجِبٌ ؛ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ : { لَوْ صَدَقَ السَّائِلُ لَمَا أَفْلَحَ مَنْ رَدَّهُ } ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَد وَذَكَرَ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ صِدْقَهُ وَجَبَ إطْعَامُهُ . وَقَدْ رَوَى أَبُو حَاتِمٍ البستي فِي صَحِيحِهِ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الطَّوِيلَ " عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي فِيهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ - وَفِيهِ أَنَّهُ كَانَ فِي حِكْمَةِ آلِ داود عَلَيْهِ السَّلَامُ { حَقٌّ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ تَكُونَ لَهُ أَرْبَعُ سَاعَاتٍ : سَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ وَسَاعَةٌ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ وَسَاعَةٌ يَخْلُو فِيهَا بِأَصْحَابِهِ الَّذِينَ يُخْبِرُونَهُ بِعُيُوبِهِ وَيُحَدِّثُونَهُ عَنْ ذَاتِ نَفْسِهِ وَسَاعَةٌ يَخْلُو فِيهَا بِلَذَّتِهِ فِيمَا يَحِلُّ وَيَجْمُلُ ؛ فَإِنَّ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ عَوْنًا عَلَى تِلْكَ السَّاعَاتِ } . فَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اللَّذَّاتِ الْمُبَاحَةِ الْجَمِيلَةِ فَإِنَّهَا تُعِينُ عَلَى تِلْكَ الْأُمُورِ . وَلِهَذَا ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ : أَنَّ الْعَدَالَةَ هِيَ الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ وَالْمُرُوءَةُ ؛ بِاسْتِعْمَالِ مَا يُجَمِّلُهُ وَيُزَيِّنُهُ وَتَجَنُّبِ مَا يُدَنِّسُهُ وَيَشِينُهُ . وَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : إنِّي لَأَسْتَجِمُّ نَفْسِي بِالشَّيْءِ مِنْ الْبَاطِلِ لِأَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى الْحَقِّ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ إنَّمَا خَلَقَ اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ فِي الْأَصْلِ لِتَمَامِ مَصْلَحَةِ الْخَلْقِ ؛ فَإِنَّهُ بِذَلِكَ يَجْتَلِبُونَ مَا يَنْفَعُهُمْ كَمَا خَلَقَ الْغَضَبَ لِيَدْفَعُوا بِهِ مَا يَضُرُّهُمْ وَحَرَّمَ مِنْ الشَّهَوَاتِ مَا يَضُرُّ تَنَاوُلُهُ وَذَمَّ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا .
فَأَمَّا مَنْ اسْتَعَانَ بِالْمُبَاحِ الْجَمِيلِ عَلَى الْحَقِّ فَهَذَا مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ؛ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { فِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ ؟ قَالَ : أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ وِزْرٌ ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : فَلِمَ تَحْتَسِبُونَ بِالْحَرَامِ وَلَا تَحْتَسِبُونَ بِالْحَلَالِ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ { عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ : إنَّك لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلَّا ازْدَدْت بِهَا دَرَجَةً وَرِفْعَةً حَتَّى اللُّقْمَةُ تَضَعُهَا فِي فِي امْرَأَتِك } . وَالْآثَارُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ . فَالْمُؤْمِنُ إذَا كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ أَتَتْ عَلَى عَامَّةِ أَفْعَالِهِ وَكَانَتْ الْمُبَاحَاتُ مِنْ صَالِحِ أَعْمَالِهِ لِصَلَاحِ قَلْبِهِ وَنِيَّتِهِ وَالْمُنَافِقُ - لِفَسَادِ قَلْبِهِ وَنِيَّتِهِ - يُعَاقَبُ عَلَى مَا يُظْهِرُهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ رِيَاءً فَإِنَّ فِي الصَّحِيحِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَلَا إنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ } . وَكَمَا أَنَّ الْعُقُوبَاتِ شُرِّعَتْ دَاعِيَةً إلَى فِعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ فَقَدْ شُرِّعَ أَيْضًا كُلُّ مَا يُعِينُ عَلَى ذَلِكَ . فَيَنْبَغِي تَيْسِيرُ طَرِيقِ الْخَيْرِ وَالطَّاعَةِ وَالْإِعَانَةِ عَلَيْهِ وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ بِكُلِّ مُمْكِنٍ ؛ مِثْلَ أَنْ يَبْذُلَ لِوَلَدِهِ وَأَهْلِهِ أَوْ رَعِيَّتِهِ مَا يُرَغِّبُهُمْ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ : مِنْ مَالٍ أَوْ ثَنَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ ؛ وَلِهَذَا شُرِّعَتْ الْمُسَابَقَةُ بِالْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالْمُفَاضَلَةِ بِالسِّهَامِ وَأَخْذِ الْجُعْلِ عَلَيْهَا ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّرْغِيبِ فِي إعْدَادِ الْقُوَّةِ وَرِبَاطِ الْخَيْلِ لِلْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَابِقُ بَيْنَ الْخَيْلِ هُوَ وَخُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ وَيُخْرِجُونَ الْأَسْبَاقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَكَذَلِكَ عَطَاءُ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ فَقَدْ { رُوِيَ : أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يُسْلِمُ أَوَّلَ النَّهَارِ رَغْبَةً فِي الدُّنْيَا فَلَا يَجِيءُ آخِرُ النَّهَارِ إلَّا وَالْإِسْلَامُ أَحَبُّ إلَيْهِ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ } .
وَكَذَلِكَ الشَّرُّ وَالْمَعْصِيَةُ : يَنْبَغِي حَسْمُ مَادَّتِهِ وَسَدُّ ذَرِيعَتِهِ وَدَفْعُ مَا يُفْضِي إلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ . مِثَالُ ذَلِكَ مَا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : { لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةِ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ } . وَقَالَ : { لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجٌ أَوْ ذُو مَحْرَمٍ } . فَنَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالسَّفَرِ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى الشَّرِّ . وَرُوِيَ { عَنْ الشَّعْبِيِّ : أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِيهِمْ غُلَامٌ ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ فَأَجْلَسَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ . وَقَالَ : إنَّمَا كَانَتْ خَطِيئَةُ داود النَّظَرُ } وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا كَانَ يَعُسُّ بِالْمَدِينَةِ فَسَمِعَ امْرَأَةً تَتَغَنَّى بِأَبْيَاتِ تَقُولُ فِيهَا : هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إلَى خَمْرٍ فَأَشْرَبَهَا هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إلَى نَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ فَدَعَا بِهِ . فَوَجَدَهُ شَابًّا حَسَنًا فَحَلَقَ رَأْسَهُ فَازْدَادَ جَمَالًا فَنَفَاهُ إلَى الْبَصْرَةِ لِئَلَّا تَفْتَتِنُ بِهِ النِّسَاءُ . وَرُوِيَ عَنْهُ : أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلًا يَجْلِسُ إلَيْهِ الصِّبْيَانُ فَنَهَى عَنْ مُجَالَسَتِهِ . فَإِذَا كَانَ مِنْ الصِّبْيَانِ مَنْ تُخَافُ فِتْنَتُهُ عَلَى الرِّجَالِ أَوْ عَلَى النِّسَاءِ مَنَعَ وَلَيَّهُ مِنْ إظْهَارِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ أَوْ تَحْسِينِهِ ؛ لَا سِيَّمَا بترييحه فِي الْحَمَّامَاتِ وَإِحْضَارِهِ مَجَالِسَ اللَّهْوِ وَالْأَغَانِي ؛ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يَنْبَغِي التَّعْزِيرُ عَلَيْهِ . وَكَذَلِكَ مَنْ ظَهَرَ مِنْهُ الْفُجُورُ يُمْنَعُ مِنْ تَمَلُّكِ الْغِلْمَانِ الْمُرِدَّانِ الصُّبَاحِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ؛ فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَكَانَ قَدْ اسْتَفَاضَ عَنْهُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْفُسُوقِ الْقَادِحَةِ فِي الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْرَحَهُ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ فَقَدْ ثَبَتَ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةِ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا . فَقَالَ : وَجَبَتْ وَجَبَتْ . ثُمَّ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةِ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا فَقَالَ : وَجُبْت وَجَبَتْ . فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : هَذِهِ الْجِنَازَةُ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهَا خَيْرًا فَقُلْت وَجَبَتْ لَهَا الْجَنَّةُ وَهَذِهِ الْجِنَازَةُ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهَا شَرًّا فَقُلْت وَجَبَتْ لَهَا النَّارُ . أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ } . مَعَ أَنَّهُ { كَانَ فِي زَمَانِهِ امْرَأَةٌ تُعْلِنُ الْفُجُورَ . فَقَالَ : لَوْ كُنْت رَاجِمًا أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْت هَذِهِ } . فَالْحُدُودُ لَا تُقَامُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ . وَأَمَّا الْحَذَرُ مِنْ الرَّجُلِ فِي شَهَادَتِهِ وَأَمَانَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْمُعَايَنَةِ ؛ بَلْ الِاسْتِفَاضَةُ كَافِيَةٌ فِي ذَلِكَ وَمَا هُوَ دُونَ الِاسْتِفَاضَةِ حَتَّى أَنَّهُ يَسْتَدِلُّ عَلَيْهِ بِأَقْرَانِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : " اعْتَبِرُوا النَّاسَ بِأَخْدَانِهِمْ " . فَهَذَا لِدَفْعِ شَرِّهِ مِثْلَ الِاحْتِرَازِ مِنْ الْعَدُوِّ . وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " احْتَرِسُوا مِنْ النَّاسِ بِسُوءِ الظَّنِّ " . فَهَذَا أَمْرُ عُمَرَ مَعَ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ عُقُوبَةُ الْمُسْلِمِ بِسُوءِ الظَّنِّ .
نيل الأوطار - (ج 10 / ص 460)
كِتَابُ النَّفَقَاتِ بَابُ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَتَقْدِيمِهَا عَلَى نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ ) .
2973 - ( وَعَنْ جَابِرٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ : { ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ ؛ فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ ؛ فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ ) .
2974 - ( وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { تَصَدَّقُوا ، قَالَ رَجُلٌ : عِنْدِي دِينَارٌ ، قَالَ : تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِك ، قَالَ : عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ ، قَالَ : تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِك ، قَالَ : عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ ، قَالَ : تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِك ، قَالَ : عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ ، قَالَ : تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِك ، قَالَ : عِنْدِي دِينَارٌ آخَرُ ، قَالَ : أَنْتَ أَبْصَرُ بِهِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد لَكِنَّهُ قَدَّمَ الْوَلَدَ عَلَى الزَّوْجَةِ ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَبُو عُبَيْدٍ فِي تَحْدِيدِ الْغِنَى بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ ذَهَبًا تَقْوِيَةً بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْخَمْسِينَ دِرْهَمًا )
الشَّرْحُ
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآخَرُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ : اخْتَلَفَ يَحْيَى الْقَطَّانُ وَالثَّوْرِيُّ ، فَقَدَّمَ يَحْيَى الزَّوْجَةَ عَلَى الْوَلَدِ ، وَقَدَّمَ سُفْيَانُ الْوَلَدَ عَلَى الزَّوْجَةِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقَدَّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بَلْ يَكُونَانِ سَوَاءً لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا تَكَلَّمَ ، تَكَلَّمَ ثَلَاثًا ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي إعَادَتِهِ إيَّاهُ مَرَّةً قَدَّمَ الْوَلَدَ وَمَرَّةً قَدَّمَ الزَّوْجَةَ فَصَارَا سَوَاءً ؛ وَلَكِنَّهُ يُمْكِنُ تَرْجِيحُ تَقَدُّمِ الزَّوْجَةِ عَلَى الْوَلَدِ بِمَا وَقَعَ مِنْ تَقْدِيمِهَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ ، وَهَكَذَا قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأَوَّلُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِنْفَاقَ عَلَى أَهْلِ الرَّجُلِ أَفْضَلُ مِنْ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمِنْ الْإِنْفَاقِ فِي الرِّقَابِ وَمِنْ التَّصَدُّقِ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَحَدِيثُ جَابِرٍ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُؤْثِرَ زَوْجَتَهُ وَسَائِرَ قَرَابَتِهِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي نَفَقَةِ نَفْسِهِ ثُمَّ إذَا فَضَلَ عَنْ حَاجَةِ نَفْسِهِ شَيْءٌ فَعَلَيْهِ إنْفَاقُهُ عَلَى زَوْجَتِهِ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ ، ثُمَّ إذَا فَضَلَ عَنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَعَلَى ذَوِي قَرَابَتِهِ ، ثُمَّ إذَا فَضَلَ عَنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ التَّصَدُّقُ بِالْفَاضِلِ ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : " هَكَذَا وَهَكَذَا " أَيْ يَمِينًا وَشِمَالًا كِنَايَةٌ عَنْ التَّصَدُّقِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ الْمُوسِرِ مَئُونَة الْأَبَوَيْنِ الْمُعْسِرَيْنِ كَمَا حَكَى ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا } ثُمَّ قَالَ : وَلَوْ كَانَا كَافِرَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِنْ جَاهَدَاكَ } ، وَ { أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ } ثُمَّ حَكَى بَعْدَ حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ
الْعِتْرَةِ وَالْفَرِيقَيْنِ أَنَّ الْأُمَّ الْمُعْسِرَةَ كَالْأَبِ فِي وُجُوبِ نَفَقَتِهَا وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أُمَّك ثُمَّ أُمَّك } الْخَبَرَ وَحَكَى عَنْ مَالِكٍ الْخِلَافَ فِي الْجَدِّ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ وَأَجَابَ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ دَلِيلٌ ، وَعَلَى فَرْضِ عَدَمِ الدَّلِيلِ فَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَبِ ، ثُمَّ قَالَ : وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ ثُمَّ حَكَى عَنْ عُمَرَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَالْعِتْرَةِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي ثَوْرٍ أَنَّهَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِكُلِّ مُعْسِرٍ عَلَى كُلِّ مُوسِرٍ إذَا كَانَتْ مِلَّتُهُمَا وَاحِدَةً وَكَانَا يَتَوَارَثَانِ وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } وَاللَّامُ لِلْجِنْسِ وَحَكَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهَا إنَّمَا تَلْزَمُ لِلرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَقَطْ ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ لَا تَجِبُ إلَّا لِلْأُصُولِ وَالْفُصُولِ فَقَطْ وَعَنْ مَالِكٍ : لَا تَجِبُ إلَّا لِلْوَلَدِ وَالْوَالِدِ فَقَطْ .
وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ بِمَنْعِ دَلَالَتِهَا عَلَى الْمَطْلُوبِ وَدَعْوَى أَنَّ الْإِشَارَةَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ إلَى عَدَمِ الْمُضَارَّةِ ، وَعَلَى التَّسْلِيمِ فَالْمُرَادُ وَارِثُ الْأَبِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ : لَفْظُ الْوَارِثِ فِيهِ احْتِمَالَاتٌ : أَحَدُهَا : أَنْ يُرَادَ الْمَوْلُودُ لَهُ الْمَذْكُورُ فِي صَدْرِ الْآيَةِ وَهُوَ الْمَوْلُودُ ، وَقَدْ قَالَ بِهَذَا قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ الثَّانِي : أَنْ يُرَادَ وَارِثُ الْمَوْلُودِ ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ السَّلَفِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ الثَّالِثُ : أَنْ يُرَادَ بِهِ الْبَاقِي مِنْ الْأَبَوَيْنِ بَعْدَ الْآخَرِ ، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ وَغَيْرُهُ ، فَحِينَئِذٍ لَفْظُ الْوَارِثِ مُجْمَلٌ لَا يَحِلُّ حَمْلُهُ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْمَعَانِي إلَّا بِدَلِيلٍ ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ كُلِّ مُعْسِرٍ عَلَى مَنْ يَرِثُهُ مِنْ قَرَابَتِهِ الْمُوسِرِينَ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْآيَةِ فِي رِزْقِ الزَّوْجَاتِ وَكِسْوَتِهِنَّ ؛ وَلَكِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ عُمُومُ " فَلِذِي قَرَابَتِك " .
قَوْلُهُ : ( تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِك ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَبَ نَفَقَةُ وَلَدِهِ الْمُعْسِرِ فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا فَذَلِكَ إجْمَاعٌ كَمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَقِيلَ : نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ وَحْدَهُ دُونَ الْأُمِّ ، وَقِيلَ : عَلَيْهِمَا حَسَبُ الْإِرْثِ وَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ فِي بَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَقَارِبِ قَوْلُهُ : ( تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِك ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْخَادِمِ ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ نَفَقَةِ الرَّقِيقِ قَوْلُهُ : ( بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ ذَهَبًا ) قَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا فِي الزَّكَاةِ
يسألونك فتاوى - (ج 1 / ص 331)
أخذ الزوجة من مال زوجها البخيل دون إذنه
تقول السائلة : إن زوجها بخيل جداً في الإنفاق عليها وعلى أولاده فتأخذ نقوداً منه خفية ، فهل يجوز لها ذلك ؟
الجواب : إن إنفاق الزوج على زوجته وأولاده واجب باتفاق أهل العلم ، ويدل على ذلك :
قوله تعالى : ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) سورة البقرة/233 .
وقوله تعالى:( لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ) سورة الطلاق/7 .
قال الإمام البخاري في صحيحه: " باب وجوب النفقة على الأهل والعيال " .
وقال الحافظ ابن حجر: " الظاهر أن المراد بالأهل في الترجمة الزوجة ، وعطف العيال عليها من العام بعد الخاص .... ، ثم ساق الإمام البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الصدقة ما ترك غنى ، واليد العليا خير من اليد السفلى ، وإبدأ بمن تعول ، تقول المرأة: إما أن تطعمني وإما أن تطلقني ، ويقول العبد: أطعمني واستعملني ، ويقول الابن: أطعمني إلى من تدعني ) .
وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الإنفاق على الأهل والعيال والمنفق مأجور إن شاء الله حيث قال : ( إذا أنفق المسلم نفقة على أهله ، وهو يحتسبها كانت له صدقة ) رواه البخاري .
ونقل الحافظ ابن حجر في الفتح عن المهلب قوله: " النفقة على الأهل واجبة بالإجماع وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم فيه وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر فعرفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن يكفوهم ترغيباً لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوع " فتح الباري 11/425 .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( دينار أنفقته في سبيل الله ، ودينار أنفقته في رقبة - عتق رقبة - ، ودينار أنفقته على أهلك ) رواه مسلم .
وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله ، ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله ، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله ) رواه مسلم .
وإذا تقرر هذا ، فنعود إلى جواب السؤال فنقول: يجوز لزوجة البخيل أن تأخذ من مال زوجها البخيل ما يكفي للإنفاق عليها وعلى أولادها بالمعروف أي ما تحصل به الكفاية من غير تقتير ولا إسراف .
ويدل على ذلك ما ورد في قصة هند زوج أبي سفيان كما رواها الإمام البخاري في صحيحه حيث قال البخاري: " باب إذا لم ينفق الرجل ، فللمرأة أن تأخذ ما يكفيها وولدها بالمعروف ، ثم روى بسنده عن عائشة رضي الله عنها ، أن هنداً بنت عتبة قالت: " يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل شحيح ، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم ، فقال رسول الله : ( خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ) .
والمراد بالمعروف ، أي أنها تأخذ القدر الذي عرف بالعادة أن فيه الكفاية لها ولولدها .
مقالات عن المرأة - (ج 43 / ص 2)
الحقوق التي أمرت شريعة الإسلام الزوج بإعطائها للزوجة وهي كما يلي:
1- تقديم المهر المتفق عليه بينهما في الوقت الذي تطلبه الزوجة قبل الدخول أو بعده، ولها الحق أن تمتنع عن تسليم نفسها له حتى يعطيها صداقها، ولا تعد بذلك عاصية لله ولا خارجة على أمر زوجها، فلا تسمى حينئذ ناشزة ولا تحرم من النفقة، لأن الله تعالى يقول: وآتوا النساء صدقاتهن نحلة، ويقول سبحانه: فآتوهن أجورهن فريضة. وبهذا أعطى الإسلام للمرأة حق التملك، لأن العرب في الجاهلية كانوا يمنعونها من هذا الحق ولم تحدد الشريعة الإسلامية قيمة المهر، ولا يشترط فيه إلا أن يكون شيئاً له قيمة، فيجوز أن يكون خاتماً من حديد، أو تعليماً لكتاب الله وما شابه ذلك إذا تراضى عليه المتعاقدان، فعن عامر بن ربيعة أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين فقال رسول الله : ((أرضيت عن نفسك ومالك بنعلين؟ فقالت: نعم فأجازه)) [رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وصححه]. وعن أنس أن أبا طلحة خطب أم سليم فقالت: والله ما مثلك يرد، ولكنك كافر وأنا مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوجك فإن تسلم فذلك مهري ولا أسألك غيره، فأسلم، فكان ذلك مهرها. وقال : ((يُمن المرأة في قلة مهرها ويسر نكاحها وحسن خلقها، وشؤمها غلاء مهرها وعسر نكاحها وسوء خلقها)).
2- الإنفاق عليها على قدر حالته المادية، والنفقة هي الطعام والشراب والملبس والمسكن وأن يكون ذلك كله من حلال، لا إثم فيه ولا شبهة، وليس من المروءة أن يتلذذ الزوج بما يشتهي في المقاهي والنوادي والرحلات. ثم يبخل بشيء من ذلك على زوجته، ومن فعل شيئاً من ذلك وترك زوجته بغير أكل ولا شراب أو يأكل أفضل مما تركه لها، فقد ارتكب إثماً كبيراً إذا لم تسمح له بذلك.وكم يقبح بالزوج أن ينفق على أهله المشبوه والحرام فيفسد بذلك حياتهما معاً، قال الله عز وجل: ولينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها.
وسأل رجل رسول الله قائلاً: ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: ((أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت)). وقال : ((كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت)). وكل هذا حفظ ورعاية للزوجة ووقاية لها.
أيها المسلمون: إن الذي ينفق على نفسه بسخاء ثم يبخل على زوجته وأولاده ببعض ذلك قد يدفع بزوجته ثم بأولاده إلى طريق الفساد والانحراف، وهذا هو ما حرمه الإسلام ونهى عنه.
وأعظم الإسلام الأجر والثواب لمن أنفق على أهله وكفاهم ذل المهانة والافتقار عن الناس قال : ((إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي صدقة)) وقال : ((دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة أي في إعتاقها، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك)).
وروى البخاري ومسلم عن عائشة أن هنداً بنت عتبة قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، قال : ((خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)).
نفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. .
عباد الله: ومن الحقوق للزوجة على زوجها غير المادية:
- وقايتها من النار وذلك بأن يعلمها دينها، كيف تؤمن بالله تعالى الإيمان الحق بأسمائه وصفاته على وجه التنزيه والتعظيم، وأن يعلمها أحكام العبادات من صلاة وطهارة وحيض ونفاس وصيام وزكاة وحج، وأن يبعدها كل البعد عما تعيشه النساء في عصرنا من شرك وشعوذة وذهاب إلى الكهان والسحرة والشوافين والأولياء والصالحين والقبور والأشجار والأحجار لقصد الشفاء والمال وغير ذلك، وأن يعلمها مكارم الأخلاق من تطهير القلب من أمراض الحسد والبغضاء والرياء، وتطهير اللسان من الغيبة والنميمة والكذب والسب والفحش واللعن، وأن لا يأذن لها في التبرج وإظهار مفاتنها أمام الرجال سواء بالبيت أو خارجه لئلا يكون شريكاً لها في الإثم والمعصية بل ويراقبها في ذلك كله ما استطاع إليه سبيلاً، لأن الرجل مكلف ومسؤول أمام الله عن وقاية زوجته وأولاده من النار وهو أمر من أمر الله تعالى حيث يقول عز من قائل في كتابه الكريم: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة قال علي : (أدبوهم وعلموهم). وروى عن ابن عمر قال: حين نزلت هذه الآية: يا رسول الله نقي أنفسنا فكيف لنا بأهلنا؟ فقال : ((تنهونهم عما نهاكم الله عنه وتأمرونهم بما أمركم الله به فيكون بذلك وقاية)).
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 2 / ص 39)
أفضل دينار ينفقه الرجل
المجيب عبد الرحمن بن عبد العزيز العقل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 30/1/1425هـ
السؤال
جاء في الحديث: "أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله"، قال أبو قلابة: وبدأ بالعيال، ثم قال أبو قلابة: وأي رجل أعظم أجراً من رجل ينفق على عيال صغار يعفهم، أو ينفعهم الله به ويغنيهم، صحيح مسلم (994).
وفي حديث آخر: "أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه على فرس في سبيل الله، ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله".
السؤال: هل الحديث يفيد التساوي في الأجر للثلاثة الأصناف، أم يفيد الأفضلية؟ أي: الأول الإنفاق على العيال، والثاني على الفرس، والثالث الإنفاق في سبيل الله. أفيدونا -جزاكم الله كل خير-.
الجواب
جاء جواب هذا الإشكال في حديث آخر رواه مسلم أيضاً في صحيحه (995)من طريق مجاهد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك".
فهذا الحديث صريح الدلالة في أن الإنفاق على الأهل هو أفضل هذه الأنواع، وأعظمها أجراً، بل إن الإنفاق على الأهل واجب، قال الطبري: (الإنفاق على الأهل واجب، والذي يعطيه يؤجر على ذلك بحسب قصده، ولا منافاة بين كونها واجبة، وبين تسميتها صدقة، بل هي أفضل من صدقة التطوع)، وقال المهلب: "النفقة على الأهل واجبة بالإجماع". وقال البخاري -رحمه الله- (باب وجوب النفقة على الأهل والعيال)، وذكر تحته حديث رقم (5355) عن أبي هريرة - رضي الله عنه-: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أفضل الصدقة ما ترك غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول ..." الحديث، والأحاديث الواردة في فضل الإنفاق على الأهل والعيال كثيرة، منها ما رواه البخاري (2742) ومسلم (1628) من طريق عامر بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة، حتى اللقمة ترفعها إلى فيّ امرأتك ..." الحديث. ومنها ما رواه البخاري (5351) من طريق عبد الله بن زيد عن أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم قال : "إذا أنفق المسلم نفقة على أهله - وهو يحتسبها - كانت له صدقة".
أما الديناران الآخران المذكوران في الحديث الوراد في السؤال "دينار ينفقه على فرس في سبيل الله ، ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله..." الحديث رواه مسلم (994) من حديث توبان - رضي الله عنه - فالتفضيل بينهما راجع إلى مقدار منفعتهما في الجهاد في سبيل الله، فأيهما كان أعظم نفعاً فهو أعظم أجراً. والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 32 / ص 213)
التبذير تبديد للمال وتضييع له رقم الفتوى:49127تاريخ الفتوى:07 ربيع الثاني 1425السؤال :
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم إن نفقة الرجل على أهله يحتسبها صدقة، هل يدخل في هذه الأشياء التي ليس لها ضرورة والتي ربما تدخل في باب التبذير؟
الفتوى :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن القرآن والسنة مليئان بالآيات والأحاديث التي تأمر بالإنفاق وتحث عليه وترغب فيه، مثل قول الله تعالى: وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:233]، وقوله تعالى: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [الطلاق:7]، وقال الله تعالى: وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دينار انفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك. رواه مسلم.
وكذلك الحديث الذي أشار إليه السائل، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة. متفق عليه.
ومعلوم أن الله نهى عن الإسراف والتبذير، وعليه فإن الأشياء الزائدة على الحاجة إذا أنفق الرجل فيها ماله لا يكون متصدقاً بل يكون مبدداً، لأن التبذير إنفاق المال في غير حقه، وقد قال الله تعالى: وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا [الإسراء:26]، قال القرطبي: وقوله تعالى: معنى لا تبذر أي لا تسرف في الإنفاق في غير حق، قال الشافعي رضي الله عنه والتبذير إنفاق المال في غير حقه، ولا تبذير في عمل الخير، وهذا هو قول الجمهور إلى أن قال من أنفق ماله في الشهوات زائدا على قدر الحاجات وعرضه بذلك للنفاد فهو مبذر، ومن أنفق ربح ماله في شهواته وحفظ الأصل... فليس بمبذر، ومن أنفق درهما في حرام فهو مبذر، ويحجر عليه في نفقته الدرهم في الحرام، ولا يحجر عليه إن بذله في الشهوات إلا إذا خيف عليه النفاد. انتهى كلام القرطبي رحمه الله تعالى مع تصرف قليل.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 36 / ص 497)
النفقة على الزوجة والعيال هي أعظم النفقات أجرا رقم الفتوى:54907تاريخ الفتوى:12 رمضان 1425السؤال :
هل تعتبر النفقة على الزوجة والأولاد من الصدقات التي يثاب عليها إلى سبعمائة ضعف وإن كانت لا فما أجرها؟
الفتوى :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الإنفاق على الزوجة والأولاد واجب على الرجل، لقول الله تعالى: وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة:233}، وقوله تعالى: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا {الطلاق:7}، والنفقة على الأهل أعظم أجرا من جميع الصدقات فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك. رواه مسلم.
قال المناوي في فيض القدير: ومقصود الحديث الحث على النفقة على العيال وأنها أعظم أجراً من جميع النفقات كما صرحت به رواية مسلم: أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك. انتهى.
قال النووي في شرح مسلم: قال صلى الله عليه وسلم في رواية ابن أبي شيبة: أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك. مع أنه ذكر قبله النفقة في سبيل الله وفي العتق والصدقة ورجح النفقة على العيال على هذا كله لما ذكرناه. انتهى.
وعن أبي عبد الله ويقال له أبي عبد الرحمن ثوبان بن بجدد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله. رواه مسلم.
قال في الفتح قال أبو قلابة: بدأ بالعيال وأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عياله يعفهم وينفعهم الله به. انتهى.
ولا ينقطع الأجر ما لم تنقطع النفقة، فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله هل لي أجر في بني أبي سلمة أن أنفق عليهم ولست بتاركتهم هكذا وهكذا، إنما هم بني فقال: نعم لك أجر ما أنفقت عليهم. متفق عليه، وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في حديثه الطويل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل في في امرأتك. متفق عليه.
قال في المنتقى شرح الموطأ وقوله: وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله..... الحديث. يقتضي أن النفقة إذا أريد بها وجه الله والتعفف والتستر وأداء الحق والإحسان إلى الأهل وعونهم بذلك على الخير من أعمال البر التي يؤجر بها المنفق وإن كان ما يطعمه امرأته، وإن كان غالب الحال أن إنفاق الإنسان على أهله لا يهمله ولا يضيعه ولا يسعى إلا له مع كون الكثير منه واجباً عليه، وما ينفقه الإنسان على نفسه أيضاً يؤجر فيه إذا قصد بذلك التقوي على الطاعة والعبادة. انتهى.
فمما تقدم يتبين لنا عظم أجر الإنفاق على الزوجة والأولاد إذا ابتغي به وجه الله، وأما هل يضاعف هذا الأجر إلى سبعمائة ضعف فالأحاديث عامة في مضاعفة الحسنات إلى سبعمائة ضعف، ومنها ما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله: إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة، وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة، فإن علمها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. وفي الصحيحين أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى: إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به.
قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: وقد قيل إن العمل الذي يضاعف إلى سبعمائة خاص بالنفقة في سبيل الله وتمسك قائله بما في حديث خريم بن فاتك المشار إليه قريبا رفعه من هم بحسنة فلم يعملها فذكر الحديث وفيه ومن عمل حسنة كانت له بعشر أمثالها ومن أنفق نفقة في سبيل الله كانت له بسبعمائة ضعف، وتعقب بأنه صريح في أن النفقة في سبيل الله تضاعف إلى سبعمائة وليس فيه نفي ذلك عن غيرها صريحا ويدل على التعميم حديث أبي هريرة الماضي في الصيام كل عمل بن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. الحديث. انتهى كلامه.
والله أعلم.(1/147)
286-7941 أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا حَاتِمٌ ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَمْرٍو ، عَنِ الزِّبْرِقَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كُلُّ مَا صَنَعْتَ إِلَى أَهْلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِمْ ، مُخْتَصَرٌ " (1)
287-7942 أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ ، عَنْ بَحِيرٍ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " مَا أَطْعَمْتَ نَفْسَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ ، وَمَا أَطْعَمْتَ وَلَدَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ ، وَمَا أَطْعَمْتَ زَوْجَتَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ ، وَمَا أَطْعَمْتَ خَادِمَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ "(2)
__________
(1) - مسند أبي يعلى الموصلي برقم( 6727 ) وصحيح ابن حبان برقم( 4310 ) وصحيح الجامع (4546) صحيح = المرط : كساء من صوف أو خز أو كتان =ابتاع : اشترى
(2) - مسند أحمد برقم( 17642 و17654 ) و السلسلة الصحيحة برقم( 452) صحيح(1/148)
ثَوَابُ مَنْ رَفَعَ اللُّقْمَةَ إِلَى فِي امْرَأَتِهِ
288-7943 أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً إِلَّا أُجِرْتَ حَتَّى اللُّقْمَةِ تَرْفَعُهَا إِلَى فِيِّ امْرَأَتِكَ "(1)
----------------
(1) - صحيح البخارى برقم ( 56 ، 1295 ، 2742 ، 2744 ، 3936 ، 4409 ، 5354 ، 5659 ، 5668 ، 6373 و6733 ) وفيه قصة وسنن أبى داود برقم( 2866) وسنن الترمذى برقم( 2262)
عون المعبود - (ج 6 / ص 327)
2480 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( عَنْ أَبِيهِ )
: أَيْ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص
( مَرِضَ )
: أَيْ سَعْد
( مَرَضًا أَشْفَى فِيهِ )
: وَفِي رِوَايَة الشَّيْخَيْنِ مَرِضْت مَرَضًا أَشْفَيْت عَلَى الْمَوْت . قَالَ النَّوَوِيّ : مَعْنَى أَشْفَيْت عَلَى الْمَوْت أَيْ قَارَبْته وَأَشْرَفْت عَلَيْهِ
( فَعَادَهُ )
: مِنْ الْعِيَادَة إِلَّا اِبْنَتِي أَيْ لَا يَرِثنِي مِنْ الْوَلَد وَخَوَاصّ الْوَرَثَة إِلَّا اِبْنَتِي ، وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ لَهُ عُصْبَة . وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَرِثنِي مِنْ أَصْحَاب الْفُرُوض . قَالَهُ النَّوَوِيّ
( فَبِالشَّطْرِ )
: أَيْ فَأَتَصَدَّق بِالنِّصْفِ
( قَالَ الثُّلُث )
: يَجُوز نَصْبه وَرَفْعه ، أَمَّا النَّصْب فَعَلَى الْإِغْرَاء أَوْ عَلَى تَقْدِير اِفْعَلْ أَيْ اعْط الثُّلُث ، وَأَمَّا الرَّفْع فَعَلَى أَنَّهُ فَاعِل أَيْ يَكْفِيك الثُّلُث . قَالَهُ النَّوَوِيّ
( وَالثُّلُث كَثِير )
: مُبْتَدَأ وَخَبَر . قَالَ الْحَافِظ : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون هَذَا مَسُوقًا لِبَيَانِ الْجَوَاز بِالثُّلُثِ وَأَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَنْقُص عَنْهُ وَلَا يَزِيد عَلَيْهِ وَهُوَ مَا يَبْتَدِرهُ الْفَهْم ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون لِبَيَانِ أَنَّ التَّصَدُّق بِالثُّلُثِ هُوَ الْأَكْمَل أَيْ كَثِير أَجْره ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ كَثِير غَيْر قَلِيل . قَالَ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه : وَهَذَا أَوْلَى مَعَانِيه ، يَعْنِي أَنَّ الْكَثْرَة أَمْر نِسْبِيّ وَعَلَى الْأَوَّل عَوَّلَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا اِنْتَهَى
( إِنَّك )
: اِسْتِئْنَاف تَعْلِيل
( أَنْ تَتْرُك )
: بِفَتْحِ الْهَمْزَة أَيْ تَتْرُك أَوْلَادك أَغْنِيَاء خَيْر ، وَالْجُمْلَة بِأَسْرِهَا خَبَر إِنَّك وَبِكَسْرِهَا عَلَى الشَّرْطِيَّة وَجَزَاء الشَّرْط قَوْله خَيْر عَلَى تَقْدِير فَهُوَ خَيْر وَحَذْف الْفَاء مِنْ الْجَزَاء سَائِغ شَائِع غَيْر مُخْتَصّ بِالضَّرُورَةِ .
قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ
( مِنْ أَنْ تَدَعهُمْ )
: أَيْ تَتْرُكهُمْ
( عَالَة )
: أَيْ فُقَرَاء جَمْع عَائِل
( يَتَكَفَّفُونَ النَّاس )
: أَيْ يَسْأَلُونَهُمْ بِالْأَكُفِّ بِأَنْ يَبْسُطُوهَا لِلسُّؤَالِ
( إِلَّا أُجِرْت )
: بِصِيغَةِ الْمَجْهُول أَيْ بِصَوْتٍ مَأْجُورًا
( فِيهَا )
: وَفِي بَعْض النُّسَخ بِهَا وَالتَّفْسِير لِلنَّفَقَةِ
( حَتَّى اللُّقْمَة )
: بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى نَفَقَة وَيَجُوز الرَّفْع عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأ وَتَدْفَعهَا الْخَبَر قَالَهُ الْحَافِظ . وَجَوَّزَ الْقَسْطَلَّانِيُّ الْجَرّ عَلَى أَنَّ حَتَّى جَارَّة
( إِلَى فِي اِمْرَأَتك )
: أَيْ إِلَى فَمهَا ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُنْفِق لِابْتِغَاءِ رِضَاهُ تَعَالَى يُؤْجَر وَإِنْ كَانَ مَحَلّ الْإِنْفَاق مَحَلّ الشَّهْوَة وَحَظّ النَّفْس لِأَنَّ الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ
( أَتَخَلَّف عَنْ هِجْرَتِي )
: أَيْ أَبْقَى بِسَبَبِ الْمَرَض خَلَفًا بِمَكَّة ، قَالَهُ تَحَسُّرًا وَكَانُوا يَكْرَهُونَ الْمُقَام بِمَكَّة بَعْد مَا هَاجَرُوا مِنْهَا وَتَرَكُوهَا لِلَّهِ
( إِنَّك إِنْ تُخَلَّف بَعْدِي فَتَعْمَل عَمَلًا صَالِحًا إِلَخْ )
: يَعْنِي أَنَّ كَوْنك مُخَلَّفًا لَا يَضُرّك مَعَ الْعَمَل الصَّالِح
( لَعَلَّك إِنْ تُخَلَّف )
: وَفِي بَعْض النُّسَخ لَنْ تُخَلَّف أَيْ بِأَنْ يَطُول عُمْرك
( حَتَّى يَنْتَفِع بِك أَقْوَام )
: أَيْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالْغَنَائِمِ مِمَّا سَيَفْتَحُ اللَّه عَلَى يَدَيْك مِنْ بِلَاد الشِّرْك
( وَيُضَرّ )
: مَبْنِيّ عَلَى الْمَفْعُول
( بِك آخَرُونَ )
: مِنْ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَهْلَكُونَ عَلَى يَدَيْك ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ الَّذِي تَرَجَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَشُفِيَ سَعْد مِنْ ذَلِكَ الْمَرَض وَطَالَ عُمْره حَتَّى اِنْتَفَعَ بِهِ أَقْوَام مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَاسْتَضَرَّ بِهِ آخَرُونَ مِنْ الْكُفَّار حَتَّى مَاتَ سَنَة خَمْسِينَ عَلَى الْمَشْهُور وَقِيلَ غَيْر ذَلِكَ
( اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتهمْ )
: أَيْ تَمِّمْهَا لَهُمْ وَلَا تُنْقِصهَا
( لَكِنَّ الْبَائِس سَعْد بْن خَوْلَة )
: الْبَائِس مَنْ أَصَابَهُ بُؤْس أَيْ ضُرّ ، وَهُوَ يَصْلُح لِلذَّمِّ وَالتَّرَحُّم ، قِيلَ إِنَّهُ لَمْ يُهَاجِر مِنْ مَكَّة حَتَّى مَاتَ بِهَا فَهُوَ ذَمّ وَالْأَكْثَر أَنَّهُ هَاجَرَ وَمَاتَ بِهَا فِي حَجَّة الْوَدَاع فَهُوَ تَرَحُّم
( يَرْثِي لَهُ )
: مِنْ رَثَيْت الْمَيِّت مَرْثِيَّة إِذَا عَدَدْت مَحَاسِنه وَرَثَأْت بِالْهَمْزَةِ لُغَة فِيهِ . فَإِنْ قِيلَ نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَرَاثِي كَمَا رَوَاهُ أَحْمَد وَابْن مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم ، فَإِذَا نُهِيَ عَنْهُ كَيْف يَفْعَلهُ ؟ فَالْجَوَاب أَنَّ الْمَرْثِيَّة الْمَنْهِيّ عَنْهَا مَا فِيهِ مَدْح الْمَيِّت وَذِكْر مَحَاسِنه الْبَاعِث عَلَى تَهْيِيج الْحُزْن وَتَجْدِيد اللَّوْعَة أَوْ فِعْلهَا مَعَ الِاجْتِمَاع لَهَا أَوْ عَلَى الْإِكْثَار مِنْهَا دُون مَا عَدَا ذَلِكَ ، وَالْمُرَاد هُنَا تَوَجُّعه عَلَيْهِ السَّلَام وَتَحَزُّنه عَلَى سَعْد لِكَوْنِهِ مَاتَ بِمَكَّة بَعْد الْهِجْرَة مِنْهَا وَلَا مَدْح الْمَيِّت لِتَهْيِيجِ الْحُزْن كَذَا ذَكَرَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ
( أَنْ مَاتَ بِمَكَّة )
: بِفَتْحِ الْهَمْزَة أَيْ لِأَجْلِ مَوْته بِأَرْضٍ هَاجَرَ مِنْهَا وَكَانَ يَكْرَه مَوْته بِهَا فَلَمْ يُعْطَ مَا تَمَنَّى . قَالَ اِبْن بَطَّال : وَأَنَّ قَوْله يَرْثِي لَهُ فَهُوَ مِنْ كَلَام الزُّهْرِيّ تَفْسِير لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّ الْبَائِس إِلَخْ ، أَيْ رَثَى لَهُ حِين مَاتَ بِمَكَّة وَكَانَ يَهْوَى أَنْ يَمُوت بِغَيْرِهَا .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ .
تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 398)
2042 - قَوْلُهُ : ( مَرِضْت عَامَ الْفَتْحِ )
صَوَابُهُ عَامَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ . قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي : اِتَّفَقَ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ إِلَّا اِبْنَ عُيَيْنَةَ فَقَالَ فِي فَتْحِ مَكَّةَ : أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِهِ . وَاتَّفَقَ الْحَافِظُ عَلَى أَنَّهُ وَهَمَ فِيهِ ، قَالَ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقَعَ لَهُ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً عَامَ الْفَتْحِ وَمَرَّةً عَامَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ ، فَفِي الْأُولَى لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مِنْ الْأَوْلَادِ أَصْلًا ، وَفِي الثَّانِيَةِ كَانَتْ لَهُ اِبْنَةٌ فَقَطْ اِنْتَهَى
( أَشْفَيْت مِنْهُ )
أَيْ أَشْرَفْت ، يُقَالُ أَشْفَى عَلَى كَذَا أَيْ قَارَبَهُ وَصَارَ عَلَى شَفَاهُ . وَلَا يَكَادُ يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الشَّرِّ
( يَعُودُنِي )
حَالٌ
( وَلَيْسَ يَرِثُنِي )
أَيْ مِنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ
( إِلَّا اِبْنَتِي )
لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ عَصَبَةٌ كَثِيرَةٌ ذَكَرَهُ الْمُظْهِرُ .
قَالَ الطِّيبِيُّ : وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ وَرَثَتَك ، وَلَعَلَّ تَخْصِيصَ الْبِنْتِ بِالذِّكْرِ لِعَجْزِهَا . وَالْمَعْنَى لَيْسَ يَرِثُنِي مِمَّنْ أَخَافُ عَلَيْهِ إِلَّا اِبْنَتِي
( فَأُوصِي )
بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ
( بِمَالِي كُلِّهِ )
أَيْ بِتَصَدُّقِهِ لِلْفُقَرَاءِ
( فَالشَّطْرِ )
بِالْجَرِّ أَيْ فَبِالنِّصْفِ . قَالَ اِبْنُ الْمَلَكِ : يَجُوزُ نَصْبُهُ عَطْفًا عَلَى الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ وَرَفْعُهُ أَيْ فَالشَّطْرُ كَافٍ ، وَجَرُّهُ عَطْفًا عَلَى مَجْرُورِ الْبَاءِ
( قُلْت فَالثُّلُثِ )
بِالْجَرِّ وَجَوَّزَ النَّصْبَ وَالرَّفْعَ عَلَى مَا سَبَقَ
( قَالَ الثُّلُثَ )
بِالنَّصْبِ .
قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَجُوزُ نَصْبُ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ وَرَفْعُهُ بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ : أَعْطِ الثُّلُثَ ، وَأَمَّا الرَّفْعُ فَعَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ أَيْ يَكْفِيَك الثُّلُثُ ، أَوْ أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ أَوْ عَكْسُهُ
( وَالثُّلُثُ )
بِالرَّفْعِ لَا غَيْرُ عَلَى الِابْتِدَاءِ خَبَرُهُ
( كَثِيرٌ )
قَالَ السُّيُوطِيُّ : رُوِيَ بِالْمُثَلَّثَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ . قَالَ اِبْنُ الْمَلَكِ : فِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْإِيصَاءَ بِالثُّلُثِ جَائِزٌ لَهُ وَأَنَّ النَّقْصَ مِنْهُ أَوْلَى
( إِنَّك )
اِسْتِئْنَافُ تَعْلِيلٍ
( أَنْ تَذَرَ )
بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَبِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ تَتْرُكَ
( وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ )
أَيْ مُسْتَغْنِينَ عَنْ النَّاسِ
( عَالَةً )
أَيْ فُقَرَاءَ
( يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ )
أَيْ يَسْأَلُونَهُمْ بِالْأَكُفِّ وَمَدِّهَا إِلَيْهِمْ ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ وَرَثَتَهُ كَانُوا فُقَرَاءَ وَهُمْ أَوْلَى بِالْخَيْرِ مِنْ غَيْرِهِمْ .
قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : أَنْ تَذَرَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا رِوَايَتَانِ صَحِيحَتَانِ ، وَفِي الْفَائِقِ ، إِنْ تَذَرُ مَرْفُوعُ الْمَحَلِّ عَلَى الِابْتِدَاءِ أَيْ تَرْكُك أَوْلَادَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ وَالْجُمْلَةُ بِأَسْرِهَا خَبَرُ إِنَّك
( لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً )
مَفْعُولٌ بِهِ أَوْ مُطْلَقٌ
( إِلَّا أُجِرْت فِيهَا )
بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ صِرْت مَأْجُورًا بِسَبَبِ تِلْكَ النَّفَقَةِ
( حَتَّى اللُّقْمَةَ )
بِالنَّصْبِ وَبِالْجَرِّ وَحُكِيَ بِالرَّفْعِ
( تَرْفَعُهَا إِلَى فِي اِمْرَأَتِك )
وَفِي رِوَايَةٍ : حَتَّى مَا تَجْعَلَ فِي فِي اِمْرَأَتِك ، أَيْ فِي فَمِهَا . وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُنْفِقَ لِابْتِغَاءِ رِضَائِهِ تَعَالَى يُؤْجَرُ وَإِنْ كَانَ مَحَلُّ الْإِنْفَاقِ مَحَلَّ الشَّهْوَةِ وَحَظَّ النَّفْسِ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ وَنِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
( أُخَلَّفُ عَنْ هِجْرَتِي )
أَيْ أَبْقَى بِسَبَبِ الْمَرَضِ خَلْفًا بِمَكَّةَ قَالَهُ تَحَسُّرًا وَكَانُوا يَكْرَهُونَ الْمُقَامَ بِمَكَّةَ بَعْدَمَا هَاجَرُوا مِنْهَا وَتَرَكُوهَا لِلَّهِ
( إِنَّك لَنْ تُخَلَّفَ بَعْدِي فَتَعْمَلَ عَمَلًا إِلَخْ )
يَعْنِي أَنَّ كَوْنَك مُخَلَّفًا لَا يَضُرُّك مَعَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ
( لَعَلَّك إِنْ تَخَلَّفَ )
أَيْ بِأَنْ يَطُولَ عُمُرُك
( حَتَّى يَنْتَفِعَ بِك أَقْوَامٌ )
أَيْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالْغَنَائِمِ مِمَّا سَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْك مِنْ بِلَادِ الشِّرْكِ
( وَيُضَرُّ )
مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ
( بِك آخَرُونَ )
مِنْ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَهْلَكُونَ عَلَى يَدَيْك وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ الَّذِي تَرَجَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَشُفِيَ سَعْدٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ وَطَالَ عُمُرُهُ حَتَّى اِنْتَفَعَ بِهِ أَقْوَامٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَاسْتَضَرَّ بِهِ آخَرُونَ مِنْ الْكُفَّارِ حَتَّى مَاتَ سَنَةَ خَمْسِينَ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ . قَالَ النَّوَوِيُّ : هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ فَإِنَّ سَعْدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَاشَ حَتَّى فَتْحِ الْعِرَاقِ وَغَيْرِهِ وَانْتَفَعَ بِهِ أَقْوَامٌ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ وَتَضَرَّرَ بِهِ الْكُفَّارُ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ ، فَإِنَّهُمْ قَتَلُوا رِجَالَهُمْ وَسُبِيَتْ نِسَاؤُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ وَغُنِمَتْ أَمْوَالُهُمْ وَدِيَارُهُمْ . وَوَلِيَ الْعِرَاقَ فَاهْتَدَى عَلَى يَدَيْهِ خَلَائِقُ ، وَتَضَرَّرَ بِهِ خَلَائِقُ بِإِقَامَتِهِ الْحَقَّ فِيهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَنَحْوِهِمْ اِنْتَهَى
( اللَّهُمَّ اِمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ )
أَيْ تَمِّمْهَا لَهُمْ وَلَا تُنْقِصْهَا
( لَكِنَّ الْبَائِسَ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ )
الْبَائِسُ مَنْ أَصَابَهُ بُؤْسٌ أَيْ ضَرَرٌ وَهُوَ يَصْلُحُ لِلذَّمِّ وَالتَّرَحُّمِ قِيلَ إِنَّهُ لَمْ يُهَاجِرْ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى مَاتَ بِهَا فَهُوَ ذَمٌّ ، وَالْأَكْثَرُ أَنَّهُ هَاجَرَ وَمَاتَ بِهَا فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ فَهُوَ تَرَحُّمٌ
( يَرْثِي لَهُ )
، مِنْ رَثَيْت الْمَيِّتَ مَرْثِيَةٌ إِذَا عَدَّدَتْ مَحَاسِنَهُ وَرَثَأَتْ بِالْهَمْزِ لُغَةٌ فِيهِ فَإِنْ قِيلَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَرَاثِي كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ ، فَإِذَا نَهَى عَنْهُ كَيْفَ يَفْعَلُهُ ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَرْثِيَةَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا مَا فِيهِ مَدْحُ الْمَيِّتِ وَذِكْرُ مَحَاسِنِهِ الْبَاعِثُ عَلَى تَهْيِيجِ الْحُزْنِ وَتَجْدِيدِ اللَّوْعَةِ أَوْ فِعْلِهَا مَعَ الِاجْتِمَاعِ لَهَا أَوْ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنْهَا دُونَ مَا عَدَا ذَلِكَ ، وَالْمُرَادُ هُنَا تَوَجُّعُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَحَزُّنُهُ عَلَى سَعْدٍ لِكَوْنِهِ مَاتَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ مِنْهَا لَا مَدْحَ الْمَيِّتِ لِتَهْيِيجِ الْحُزْنِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ
( أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ )
بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ لِأَجْلِ مَوْتِهِ بِأَرْضٍ هَاجَرَ مِنْهَا وَكَانَ يَكْرَهُ مَوْتَهُ بِهَا فَلَمْ يُعْطَ مَا تَمَنَّى . قَالَ اِبْنُ بَطَّالٍ : وَأَمَّا قَوْلُهُ : يَرْثِي لَهُ . فَهُوَ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَكِنَّ الْبَائِسَ " إِلَخْ أَيْ رَثِيَ لَهُ حِينَ مَاتَ بِمَكَّةَ وَكَانَ يَهْوَى أَنْ يَمُوتَ بِغَيْرِهَا .
قَوْلُهُ : ( وَفِي الْبَابِ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ )
أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ .
قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )
أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ .
قَوْلُهُ : ( وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ )
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : اِسْتَقَرَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْعِ الْوَصِيَّةِ بِأَزْيَدَ مِنْ الثُّلُثِ . لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ خَاصٌّ ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى مَنْعِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ ، وَجَوَّزَ لَهُ الزِّيَادَةَ الْحَنَفِيَّةُ وَإِسْحَاقُ وَشَرِيكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مُطْلَقَةٌ فِي الْآيَةِ فَقَيَّدَتْهَا السُّنَّةُ لِمَنْ لَهُ وَارِثٌ فَبَقِيَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ
( وَقَدْ اِسْتَحَبَّ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُنْقِصَ مِنْ الثُّلُثِ إِلَخْ )
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ : الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ اِسْتِحْبَابُ النَّقْصِ عَنْ الثُّلُثِ . وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ : إِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ فُقَرَاءَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُنْقِصَ مِنْهُ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُوصِيَ بِالثُّلُثِ تَبَرُّعًا .(1/148)
ادخار قوت العيال
289- 7944 أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ قَالَ : كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْزِلُ نَفَقَةَ أَهْلِهِ سَنَةً، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " (1)
__________
(1) - سنن الترمذى برقم( 1823) صحيح
شرح الأربعين النووية - (ج 2 / ص 217)
الغريب
بني النضير: بفتح النون وكسر الراء المعجمة، بعدها مثناة تحتية: إحدى طوائف اليهود الذين سكنوا قرب المدينة، فوادَعَهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد قدومه، على أن لا يحاربوه، ولا يعينوا عليه. فنكثوا العهد كما هي عادة اليهود، فحاصرهم حتى نزلوا على الجلاء، على أن لهم ما حملت إبلهم غير السلاح.
مما أفاء الله: الفيء: الرجوع، سمى به المال الذي أخذ من الكفار بغير قتال، لأنه رُدَّ لمصالح المسلمين.
لم يوجف: الإيجاف: الإسراع في السير.
رِكاب: بكسر الراء: هي الإبل.
الكُراع: بضم الكاف، وفتح الراء، بعدها ألف، ثم عين: اسم للخيل.
قال ابن فارس: فأما تسميتهم الخيل كُرَاعاً فلأن العرب تعبر عن الجسم ببعض أعضائه.
المعنى الإجمالي:
لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجراً، وجد حولها طوائف من اليهود، فوادعهم وهادنهم، على أن يبقيهم على دينهم، ولا يحاربوه، ولا يعينوا عليه عَدُوا.
فقتل رجل من الصحابة يقال له (عمرو بن أمية الضمرى) رجلين من بنى عامر، يظنهما من أعداء المسلمين.
فتحمل النبي صلى الله عليه وسلم دية الرجلين، وخرج إلى قرية بنى النضير يستعينهم على الديتين.
فبينما هو جالس في أحد أسواقهم ينتظر إعانتهم، إذ نكثوا العهد وأرادوا اهتبال فرصة قتله.
فجاءه الوحي من السماء بغدرهم، فخرج من قريتهم مُوهِماً لهم وللحاضرين من أصحابه أنه قام لقضاء حاجته، وتوجه إلى المدينة.
فلما أبطأ على أصحابه، خرجوا في أثره فأخبرهم بغدر اليهود- قبحَهُمُ الله تعالى- وحاصرهم في قريتهم ستة أيام، حتى تم الاتفاق على أن يخرجوا إلى الشام والحِيرَة وخَيبَرَ.
فكانت أموالهم فَيْئاً بارداً، حصل بلا مشقة تلحق المسلمين، إذ لم يُوجِفُوا عليه بخيل ولا ركاب.
فكانت أموالهم لله ولرسوله، يَدَخِّرُ منها قوت أهله سنة، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين العامة.
وأولاها في ذلك الوقت عُدةُ الجهاد من الخيل والسلاح، ولكل وقت ما يناسبه من المصارف للمصالح العامة.
ما يستفاد من الحديث:
1- أن أموال بنى النضير صارت فيئا لمصالح المسلمين العامة، إذ حصلت بلا كلفة ولا مشقة تلحق المسلمين المجاهدين.
فكل ما كان مثلها مما تركه الكفار فزعا من المسلمين، أو صولحوا على أنها لنا، والجزية والخراج، فهو لمصالح المسلمين العامة.
2- يكون للإمام منه ما يكفيه ويكفي من يمون. والله المستعان.
3- وأن يتحرى الإمام في صرف الفيء وبيت مال المسلمين المصالح النافعة.
ويبدأ بالأهم فالأهم، ولكل وقت ما يناسبه.
4- جواز ادّخار القوت، وأنه لا ينافى التوكل على اللّه تعالى فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعلى المتوكلين، وقد ادخر قوت أهله.
إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام - (ج 3 / ص 231)
قَوْلُهُ " كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ " يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يُرَادُ بِذَلِكَ : أَنَّهَا كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً لَا حَقَّ فِيهَا لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَيَكُونُ إخْرَاجُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا يُخْرِجُهُ مِنْهَا لِغَيْرِ أَهْلِهِ وَنَفْسِهِ تَبَرُّعًا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَالثَّانِي : أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِمَّا يَشْتَرِكُ فِيهِ هُوَ وَغَيْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَكُونُ مَا يُخْرِجُهُ مِنْهَا لِغَيْرِهِ : مِنْ تَعْيِينِ الْمَصْرِفِ ، وَإِخْرَاجِ الْمُسْتَحَقِّ ، وَكَذَلِكَ مَا يَأْخُذُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِهِ مِنْ بَابِ أَخْذِ النَّصِيبِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي الْمَصْرِفِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ { مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى } ؛ لِأَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ قَدْ ، وَرَدَتْ مَعَ الِاشْتِرَاكِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ، فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى } الْآيَةَ .
فَأَطْلَقَ عَلَى ذَلِكَ كَوْنَهُ إفَاءَةً عَلَى رَسُولِهِ ، مَعَ الِاشْتِرَاكِ فِي الْمَصْرِفِ .
، وَفِي الْحَدِيثِ : جَوَازُ الِادِّخَارِ لِلْأَهْلِ قُوتَ سَنَةٍ ، وَفِي لَفْظِهِ : مَا يُوَجِّهُ الْجَمْعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَدِيثِ الْآخَرِ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ } فَيُحْمَلُ هَذَا الِادِّخَارُ لِنَفْسِهِ وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي نَحْنُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الِادِّخَارِ لِأَهْلِهِ ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَكَادُ يَحْصُلُ شَكٌّ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُشَارِكًا لِأَهْلِهِ فِيمَا يَدَّخِرُهُ مِنْ الْقُوتِ ، وَلَكِنْ يَكُونُ الْمَعْنَى : أَنَّهُمْ الْمَقْصُودُونَ بِالِادِّخَارِ الَّذِي اقْتَضَاهُ حَالُهُمْ ، حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُونُوا لَمْ يَدَّخِرْ ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَقْدِيمِ مَصْلَحَةِ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عَلَى غَيْرِهَا ، لَا سِيَّمَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ ، وَالْمُتَكَلِّمُونَ عَلَى لِسَانِ الطَّرِيقَةِ قَدْ جَعَلُوا - أَوْ بَعْضُهُمْ - مَا زَادَ عَلَى السَّنَةِ خَارِجًا عَنْ طَرِيقَةِ التَّوَكُّلِ .
تحفة الأحوذي - (ج 4 / ص 408)
1641 - قَوْلُهُ : ( عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ النَّصْرِيُّ بِالنُّونِ الْمَدَنِيُّ لَهُ رُؤْيَةٌ وَرَوَى عَنْ عُمَرَ ، قَالَهُ فِي التَّقْرِيبِ
( مِمَّا لَمْ يُوجِفْ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ ) فِي النِّهَايَةِ : الْإِيجَافُ سُرْعَةُ السَّيْرِ وَقَدْ أَوْجَفَ دَابَّتَهُ يُوجِفُهَا إِيجَافًا إِذَا حَثَّهَا اِنْتَهَى .
( بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ : الرِّكَابُ كَكِتَابٍ الْإِبِلُ وَاحِدَتُهَا رَاحِلَةٌ ج كَكُتُبٍ وَرِكَابَاتٌ وَرَكَائِبُ اِنْتَهَى
( فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِصًا ) كَذَا فِي نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ بِالتَّذْكِيرِ ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ خَالِصَةً بِالتَّأْنِيثِ وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ خَاصَّةً
( ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) الْكُرَاعُ بِالضَّمِّ : اِسْمٌ لِجَمِيعِ الْخَيْلِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ . وَالْعُدَّةُ مَا أُعِدَّ لِلْحَوَادِثِ أُهْبَةً وَجِهَازًا لِلْغَزْوِ . وَقَالَ الْحَافِظُ : وَهَذَا لَا يُعَارِضُ حَدِيثَ عَائِشَةَ : أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عَلَى شَعِيرٍ لِأَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ كَانَ يَدَّخِرُ لِأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ ثُمَّ فِي طُولِ السَّنَةِ يَحْتَاجُ لِمَنْ يَطْرُقُهُ إِلَى إِخْرَاجِ شَيْءٍ مِنْهُ فَيُخْرِجُهُ فَيَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُعَوِّضَ مَنْ يَأْخُذُ مِنْهَا عِوَضَهُ فَلِذَلِكَ اِسْتَدَانَ اِنْتَهَى . وَقَالَ السُّيُوطِيُّ لَا يُعَارِضُهُ خَبَرُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ لِأَنَّ الِادِّخَارَ لِنَفْسِهِ وَهَذَا لِغَيْرِهِ . وَقَالَ النَّوَوِيُّ : فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ اِدِّخَارِ قُوتِ سَنَةٍ وَجَوَازِ الِادِّخَارِ لِلْعِيَالِ وَأَنَّ هَذَا لَا يَقْدَحُ فِي التَّوَكُّلِ ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الِادِّخَارِ فِيمَا يَسْتَغِلُّهُ الْإِنْسَانُ مِنْ قَرْيَتِهِ كَمَا جَرَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَأَمَّا إِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ السُّوقِ وَيَدَّخِرَهُ لِقُوتِ عِيَالِهِ فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ ضِيقِ الطَّعَامِ لَمْ يَجُزْ بَلْ يَشْتَرِي مَا لَا يَضِيقُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَقُوتِ أَيَّامٍ أَوْ شَهْرٍ ، وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ سَعَةٍ اِشْتَرَى قُوتَ سَنَةٍ وَأَكْثَرَ ، هَكَذَا نَقَلَ الْقَاضِي هَذَا التَّفْصِيلَ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ، وَعَنْ قَوْمٍ : إِبَاحَتُهُ مُطْلَقًا اِنْتَهَى .
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَصْرِفِ الْفَيْءِ فَقَالَ مَالِكٌ : الْفَيْءُ وَالْخُمُسُ سَوَاءٌ ، يُجْعَلَانِ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَيُعْطِي الْإِمَامُ أَقَارِبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَسْبِ اِجْتِهَادِهِ وَفَرَّقَ الْجُمْهُورُ بَيْنَ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ وَبَيْنَ الْفَيْءِ ، فَقَالُوا : الْخُمُسُ مَوْضُوعٌ فِيمَا عَيَّنَهُ اللَّهُ فِيهِ مِنْ أَصْنَافِ الْمُسْلِمِينَ فِي آيَةِ الْخُمُسِ مِنْ سُورَةِ الْأَنْفَالِ لَا يُتَعَدَّى بِهِ إِلَى غَيْرِهِمْ ، وَأَمَّا الْفَيْءُ فَهُوَ الَّذِي يَرْجِعُ النَّظَرُ فِي مَصْرِفِهِ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ بِحَسْبِ الْمَصْلَحَةِ . وَانْفَرَدَ الشَّافِعِيُّ كَمَا قَالَ اِبْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْفَيْءَ يُخَمَّسُ وَأَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهُ خُمُسُ الْخُمُسِ كَمَا فِي الْغَنِيمَةِ ، وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْخُمُسِ لِمُسْتَحِقِّ نَظِيرِهَا مِنْ الْغَنِيمَةِ . وَقَالَ الْجُمْهُورُ : مَصْرِفُ الْفَيْءِ كُلُّهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ عُمَرَ : فَكَانَتْ هَذِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً . وَتَأَوَّلَ الشَّافِعِيُّ قَوْلَ عُمَرَ الْمَذْكُورَ بِأَنَّهُ يُرِيدُ الْأَخْمَاسَ الْأَرْبَعَةَ كَذَا فِي الْفَتْحِ .
قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ .(1/149)
290-7945 أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ ، وَلَا رِكَابٍ فَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهَا نَفَقَةَ سَنَةٍ ، وَمَا بَقِيَ جَعَلَهُ فِي السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ "(1)
291-7946 أَخْبَرَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَمْرٍو ، وَمَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ ، عَنْ عُمَرَ ، أَنَّ " أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ ، وَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِصًا ، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهَا نَفَقَةَ سَنَةٍ ، وَمَا بَقِيَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ "(2)
__________
(1) - صحيح
(2) - نص برقم(4157) ومصنف ابن أبي شيبة برقم( 32973) ومسند أحمد برقم( 173و344) صحيح
شرح النووي على مسلم - (ج 6 / ص 206)
قَوْله : ( كَانَتْ أَمْوَال بَنِي النَّضِير مِمَّا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله مِمَّا لَمْ يُوجِف عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَاب فَكَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة ، فَكَانَ يُنْفِق عَلَى أَهْله نَفَقَة سَنَة ، وَمَا بَقِيَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاع وَالسِّلَاح عُدَّة فِي سَبِيل اللَّه )
أَمَّا ( الْكُرَاع ) : فَهُوَ الْخَيْل وَقَوْله : ( يُنْفِق عَلَى أَهْله نَفَقَة سَنَة ) أَيْ : يَعْزِل لَهُمْ نَفَقَة سَنَة ، وَلَكِنَّهُ كَانَ يُنْفِقهُ قَبْل اِنْقِضَاء السَّنَة فِي وُجُوه الْخَيْر فَلَا تَتِمّ عَلَيْهِ السَّنَة ، وَلِهَذَا تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِرْعه مَرْهُونَة عَلَى شَعِير اِسْتَدَانَهُ لِأَهْلِهِ ، وَلَمْ يَشْبَع ثَلَاثَة أَيَّام تِبَاعًا ، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة بِكَثْرَةِ جُوعه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجُوع عِيَاله . وَقَوْله : ( كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة ) هَذَا يُؤَيِّد مَذْهَب الْجُمْهُور أَنَّهُ لَا خُمُس فِي الْفَيْء كَمَا سَبَقَ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الشَّافِعِيّ أَوْجَبَهُ ، وَمَذْهَب الشَّافِعِيّ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ مِنْ الْفَيْء أَرْبَعَة أَخْمَاسه وَخُمُسُ خُمُسِ الْبَاقِي ، فَكَانَ لَهُ أَحَد وَعِشْرُونَ سَهْمًا مِنْ خَمْسَة وَعِشْرِينَ ، وَالْأَرْبَعَة الْبَاقِيَة لِذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل ، وَيُتَأَوَّل هَذَا الْحَدِيث عَلَى هَذَا فَنَقُول : قَوْله : ( كَانَتْ أَمْوَال بَنِي النَّضِير ) أَيْ : مُعْظَمهَا .
وَفِي هَذَا الْحَدِيث : جَوَاز اِدِّخَار قُوت سَنَة ، وَجَوَاز الِادِّخَار لِلْعِيَالِ ، وَأَنَّ هَذَا لَا يَقْدَح فِي التَّوَكُّل ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى جَوَاز الِادِّخَار فِيمَا يَسْتَغِلّهُ الْإِنْسَان مِنْ قَرْيَته كَمَا جَرَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَمَّا إِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِي مِنْ السُّوق وَيَدَّخِرهُ لِقُوتِ عِيَاله ، فَإِنْ كَانَ فِي وَقْت الطَّعَام ؛ لَمْ يَجُزْ ، بَلْ يَشْتَرِي مَا لَا يَضِيق عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَقُوتِ أَيَّام أَوْ شَهْر ، وَإِنْ كَانَ فِي وَقْت سَعَة اِشْتَرَى قُوت سَنَة وَأَكْثَر ، هَكَذَا نَقَلَ الْقَاضِي هَذَا التَّفْصِيل عَنْ أَكْثَر الْعُلَمَاء ، وَعَنْ قَوْم إِبَاحَته مُطْلَقًا .
وَأَمَّا مَا لَمْ يُوجِف عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَاب ، فَالْإِيجَاف : الْإِسْرَاع .(1/150)
أَخْذُ الْمَرْأَةِ نَفَقَتَهَا مِنْ مَالِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ ،وذكرُ اختلافِ الزُّهريِّ وهشامِ في لفظِ خبرِ هندٍ في ذلكَ
292-7947 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ : أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : جَاءَتْ هِنْدٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مُمْسِكٌ فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ أَنْفَقَ عَلَى عِيَالِهِ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا حَرَجَ عَلَيْكِ أَنْ تُنْفِقِي عَلَيْهِمْ بِالْمَعْرُوفِ "(1)
-----------------
(1) - صحيح مسلم برقم( 4576 ) وسنن أبى داود برقم( 3535)
شرح النووي على مسلم - (ج 6 / ص 142)
3234 - وَقَوْله : ( جَاءَتْ هِنْد إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه ، وَاَللَّه مَا كَانَ عَلَى ظَهْر الْأَرْض أَهْل خِبَاء أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يُذِلّهُمْ اللَّه مِنْ أَهْل خِبَائِك ، وَمَا عَلَى ظَهْر الْأَرْض أَهْل خِبَاء أَحَبّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يُعِزّهُمْ اللَّه مِنْ أَهْل خِبَائِك ، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَأَيْضًا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ )
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى : ( وَلَا أَصْبَحَ الْيَوْم عَلَى ظَهْر الْأَرْض خِبَاء أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْل خِبَائِك ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاض - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - : أَرَادَتْ بِقَوْلِهَا : أَهْل خِبَاء ) نَفْسه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَنَّتْ عَنْهُ بِأَهْلِ الْخِبَاء إِجْلَالًا لَهُ ، قَالَ : وَيَحْتَمِل أَنْ تُرِيد بِأَهْلِ الْخِبَاء أَهْل بَيْته . وَالْخِبَاء يُعَبَّر بِهِ عَنْ مَسْكَن الرَّجُل وَدَاره . وَأَمَّا
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَأَيْضًا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ )
فَمَعْنَاهُ وَسَتَزِيدِينَ مِنْ ذَلِكَ ، وَيَتَمَكَّن الْإِيمَان مِنْ قَلْبك ، وَيَزِيد حُبّك لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَقْوَى رُجُوعك عَنْ بُغْضه ، وَأَصْل هَذِهِ اللَّفْظَة ( آضَ يَئِيض أَيْضًا ) إِذَا رَجَعَ .
طرح التثريب - (ج 7 / ص 412)
عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { جَاءَتْ هِنْدٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ خِبَاءٌ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يُذِلَّهُمْ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ خِبَائِك ، وَمَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ الْيَوْمَ أَهْلُ خِبَاءٍ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُعِزَّهُمْ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ خِبَائِك ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَيْضًا ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، ثُمَّ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُنْفِقَ عَلَى عِيَالِهِ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا حَرَجَ عَلَيْك أَنْ تُنْفِقِي عَلَيْهِمْ بِالْمَعْرُوفِ } .
( فِيهِ ) فَوَائِدُ : ( الْأُولَى ) أَخْرَجَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُسْلِمٌ ، وَأَبُو دَاوُد ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ بِلَفْظِ مُمْسِكٌ ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد ، وَالنَّسَائِيُّ قِصَّةُ الْخِبَاءِ ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ ، وَمِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ ، وَلَفْظُ يُونُسَ ، وَابْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ فَقَالَ لَا إلَّا بِالْمَعْرُوفِ كُلُّهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ ، وَأَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ { رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا يُعْطِينِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِي بَنِيَّ إلَّا مَا آخُذُهُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ فَهَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ جُنَاحٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيك ، وَيَكْفِي بَنِيك } فَأَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ أَخَصْرَ مِنْ هَذَا .
( الثَّانِيَةُ ) ( هِنْدٌ ) هِيَ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ زَوْجُ أَبِي سُفْيَانَ صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِنَسَبِهَا فِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ ، وَفِي لَفْظِهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ الصَّرْفُ ، وَعَدَمُهُ .
( الثَّالِثَةُ ) قَوْلُهَا مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ خِبَاءٌ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَمْدُودٌ كَذَا رَوَيْنَاهُ عَنْ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ أَهْلِ خِبَاءٍ ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ " أَهْلِ " فِي رِوَايَتِنَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ( يُذِلُّهُمْ ) إنْ صَحَّ حَذْفُهُ فِي رِوَايَتِنَا ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي بَعْدَهَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إنْ أَرَادَتْ بِهِ نَفْسَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَكَنَّتْ عَنْهُ بِهَذَا ، وَأَكْبَرَتْهُ عَنْ مُخَاطَبَتِهِ وَتَعْيِينِهِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُرِيدَ بِأَهْلِ الْخِبَاءِ أَهْلَ بَيْتِهِ ، وَالْخِبَاءُ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ مَسْكَنِ الرَّجُلِ ، وَدَارِهِ انْتَهَى .
وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ هُوَ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِ الْعَرَبِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ يَكُونُ مِنْ وَبَرٍ أَوْ صُوفٍ ، وَلَا يَكُونُ مِنْ شَعْرٍ ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ .
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَيْ أَهْلُ بَيْتٍ كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي بَعْضِ طُرُقِهِ ، وَسُمِّيَ الْبَيْتُ خِبَاءً لِأَنَّهُ يُخَبِّئُ مَا فِيهِ ، وَالْخِبَاءُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ تَقُولُ خَبَأْت الشَّيْءَ خَبْئًا وَخِبَاءً انْتَهَى .
وَفِي الْمُحْكَمِ عَنْ ابْنِ دُرَيْدٍ أَصْلُهُ مِنْ خَبَأْت خِبَاءً قَالَ : وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ أَنَّ الْخَبْأَ أَصْلُهُ الْهَمْزُ إلَّا هُوَ بَلْ قَدْ صَرَّحَ بِخِلَافِ ذَلِكَ انْتَهَى قَالَ الْقُرْطُبِيُّ ، وَوَصْفُ هِنْدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَاءَ لَهَا فِي الْكُفْرِ ، وَمَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ بُغْضِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَبُغْضِ أَهْلِ بَيْتِهِ ، وَمَا آبَتْ إلَيْهِ حَالُهَا لَمَّا أَسْلَمَتْ ، تَذَكُّرٌ لِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهَا بِمَا أَنْقَذَهَا اللَّهُ مِنْهُ ، وَبِمَا أَوْصَلَهَا إلَيْهِ ، وَتَعْظِيمٌ لِحُرْمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلِتَنْبَسِطَ فِيمَا تُرِيدُ أَنْ تَسْأَلَ عَنْهُ ، وَلِتَزُولَ آلَامُ الْقُلُوبِ لِمَا كَانَ مِنْهَا يَوْمَ أُحُدٍ فِي شَأْنِ حَمْزَةَ وَغَيْرِ ذَلِكَ .
( الرَّابِعَةُ ) قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : وَأَيْضًا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ أَيْ سَتَزِيدِينَ مِنْ ذَلِكَ وَيَتَمَكَّنُ الْإِيمَانُ مِنْ قَلْبِك ، وَيَزِيدُ حُبُّك لِلَّهِ وَلِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَقْوَى رُجُوعُك عَنْ بُغْضِهِ .
وَأَصْلُ هَذِهِ اللَّفْظِ آضَ يَئِيضُ أَيْضًا إذَا رَجَعَ ، وَفِي هَذَا بُشْرَى لَهَا بِقُوَّةِ إيمَانِهَا وَتَمَكُّنِهِ وَمَنْقَبَةٌ لَهَا بِذَلِكَ .
( الْخَامِسَةُ ) قَوْلُهَا ( إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ ) أَيْ شَحِيحٌ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ، وَالشُّحُّ عِنْدَهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْبُخْلِ ، وَقِيلَ الشُّحُّ لَازِمٌ كَالطَّبْعِ ، وَضُبِطَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ بِوَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي عِيَاضٌ ( أَحَدُهُمَا ) مَسِيكٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ ، وَالثَّانِي بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : وَكَانُوا يُرَجِّحُونَ فَتْحَ الْمِيمِ ، وَالْآخَرُ جَائِزٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ كَمَا قَالُوا : شِرِّيبٌ وَسِكِّيرٌ ، وَالْأَوَّلُ أَيْضًا مِنْ أَبْنِيَةِ جَمْعِ الْمُبَالَغَةِ ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ : وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْأَشْهَرُ فِي رِوَايَاتِ الْمُحَدِّثِينَ ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ : وَلَمْ تُرِدْ أَنَّهُ شَحِيحٌ مُطْلَقًا فَتَذُمُّهُ بِذَلِكَ ، وَإِنَّمَا وَصَفَتْ مَعَهَا فَإِنَّهُ كَانَ يُقَتِّرُ عَلَيْهَا ، وَعَلَى أَوْلَادِهَا كَمَا قَالَتْ لَا يُعْطِينِي وَبَنِي مَا يَكْفِينِي ، وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْبُخْلِ مُطْلَقًا فَقَدْ يَفْعَلُ الْإِنْسَانُ هَذَا مَعَ أَهْلِ بَيْتِهِ لِأَنَّهُ يَرَى غَيْرَهُمْ أَحْوَجَ مِنْهُمْ ، وَأَوْلَى لِيُعْطِيَ غَيْرَهُمْ ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ بَخِيلًا فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا بِهَذَا .
( السَّادِسَةُ ) فِيهِ جَوَازُ ذِكْرِ الْإِنْسَانِ بِمَا يَكْرَهُهُ إذَا كَانَ لِلِاسْتِفْتَاءِ وَالتَّشَكِّي وَنَحْوِهِمَا ، وَهُوَ أَحَدُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تُبَاحُ فِيهَا الْغِيبَةُ .
( السَّابِعَةُ ) وَفِيهِ جَوَازُ سَمَاعِ كَلَامِ الْأَجْنَبِيَّةِ عِنْدَ الْإِفْتَاءِ وَالْحُكْمِ ، وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا ، وَهَذَا إمَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ صَوْتَهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ أَوْ عَلَى اسْتِثْنَاءِ مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ مِثْلَ الْمَنْعِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ عَوْرَةٌ .
( الثَّامِنَةُ ) فِيهِ وُجُوبُ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِالْكِفَايَةِ ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى تَقْدِيرِهَا بِالْإِمْدَادِ فَقَالَ عَلَى الْمُوسِرِ كُلَّ يَوْمٍ مُدَّانِ ، وَعَلَى الْمُعْسِرِ مُدٌّ ، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ مُدٌّ وَنِصْفٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَى أَصْحَابِنَا ، وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ ، وَقَدَّرَ مَالِكٌ الْمُدَّ فِي الْيَوْمِ ، وَقَدَّرَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيْبَتَيْنِ وَنِصْفًا فِي الشَّهْرِ إلَى ثَلَاثٍ لِأَنَّ مَالِكًا بِالْمَدِينَةِ وَابْنَ الْقَاسِمِ بِمِصْرَ ، وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ قَوْلًا عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ مُقَدَّرَةٌ بِالْكِفَايَةِ .
( التَّاسِعَةُ ) اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى اعْتِبَارِ النَّفَقَةِ بِحَالِ الْمَرْأَةِ ، وَأَوْضَحُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ( مَا يَكْفِيك ) لَكِنْ عَارَضَ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ } فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ حَالِ الزَّوْجِ ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى اعْتِبَارِ حَالِهِمَا مَعًا ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى اعْتِبَارِ حَالِ الزَّوْجِ ، وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ .
( الْعَاشِرَةُ ) وَفِيهِ وُجُوبُ نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ وَأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِالْكِفَايَةِ ، وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَنْضَمَّ إلَى ذَلِكَ الْفَقْرُ فَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْغَنِيِّ ، وَهَلْ يُعْتَبَرُ الصِّغَرُ ، وَالزَّمَانَةُ أَوْ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِيهِ خِلَافٌ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ اعْتِبَارُهُ .
( الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ خَادِمِ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ قَالَ : وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ رَئِيسٌ فِي قَوْمِهِ وَيَبْعُدُ أَنْ يُتَوَهَّمَ عَلَيْهِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَتَهُ نَفَقَتَهَا ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي نَفَقَةِ خَادِمِهَا فَأُضِيفَ ذَلِكَ إلَيْهَا إذْ كَانَتْ الْخَادِمُ فِي ضِمْنِهَا وَمَعْدُودَةً فِي جُمْلَتِهَا انْتَهَى .
وَالْمَعْرُوفُ مِنْ مَذَاهِبِ الْفُقَهَاءِ إيجَابُ نَفَقَةِ خَادِمِ الزَّوْجَةِ ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ ، وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي إيجَابِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُخْدَمُ مِثْلُهَا عَادَةً أَوْ تَحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَرَضٍ ، وَاعْتَبَرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مُوسِرًا رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ أَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ وَاحِدٍ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُفْرَضُ لِخَادِمَيْنِ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى أَحَدِهِمَا لِمَصَالِحِ الدَّاخِلِ وَإِلَى الْآخَرِ لِمَصَالِحِ الْخَارِجِ ، وَاخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ .
( ثَالِثُهَا ) إنْ طَالَبَهَا بِأَحْوَالِ الْمُلُوكِيَّةِ لَزِمَهُ ، وَخَالَفَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فِي إيجَابِ نَفَقَةِ الْخَادِمِ ، وَقَالَ لَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى خَادِمٍ لِزَوْجَتِهِ ، وَلَوْ أَنَّهُ ابْنُ الْخَلِيفَةِ ، وَهِيَ بِنْتُ خَلِيفَةٍ إنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ لَهَا بِمَنْ يَأْتِيَهَا بِالطَّعَامِ وَالْمَاءِ مُهَيِّئًا مُمْكِنًا لِلْأَكْلِ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً ، وَمَنْ يَكْفِيهَا جَمِيعَ الْعَمَلِ مِنْ الْكَنْسِ وَالْفَرْشِ ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِكِسْوَتِهَا كَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ صِفَةُ الرِّزْقِ وَالْكِسْوَةِ قَالَ : وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ قَطُّ بِإِيجَابِ نَفَقَةِ خَادِمِهَا عَلَيْهِ .
( الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ حَقٌّ ، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ اسْتِيفَائِهِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ قَدْرَ حَقِّهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ وَمَنَعَ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ ، وَحَكَى الدَّاوُدِيُّ الْقَوْلَيْنِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ لِأَنَّ مَنْزِلَ الشَّحِيحِ لَا يَجْمَعُ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَسَائِرِ الْمَرَافِقِ الَّتِي تَلْزَمُهُ لَهُمْ ثُمَّ أُطْلِقَ الْإِذْنُ لَهَا فِي أَخْذِ كِفَايَتِهَا وَكِفَايَةِ أَوْلَادِهَا مِنْ مَالِهِ ، وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ قَوْلُهَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى ، وَأَنَّهُ لَا يُدْخِلُ عَلَى بَيْتِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي .
( الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ ) فِيهِ جَوَازُ إطْلَاقِ الْفَتْوَى ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ تَعْلِيقُهَا بِثُبُوتِ مَا يَقُولُهُ الْمُسْتَفْتِي ، وَلَا يَحْتَاجُ الْمُفْتِي أَنْ يَقُولَ إنْ ثَبَتَ كَانَ الْحُكْمُ كَذَا ، وَكَذَا بَلْ يَجُوزُ لَهُ الْإِطْلَاقُ كَمَا أَطْلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ لَا بَأْسَ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ ، وَهَذِهِ الْإِبَاحَةُ ، وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً لَفْظًا فَهِيَ مُقَيَّدَةٌ مَعْنًى فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ صَحَّ مَا ذَكَرْتِ فَخُذِي .
( الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ ) فِيهِ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ مَدْخَلًا فِي كَفَالَةِ أَوْلَادِهَا وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِ أَبِيهِمْ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا امْتَنَعَ الْأَبُ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْوَلَدِ الصَّغِيرِ أَوْ كَانَ غَائِبًا أَذِنَ الْقَاضِي لِأُمِّهِ بِالْأَخْذِ مِنْ مَالِ الْأَبِ أَوْ الِاسْتِقْرَاضِ عَلَيْهِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَى الصَّغِيرِ بِشَرْطِ أَهْلِيَّتِهَا لِذَلِكَ ، وَلَهَا الِاسْتِقْلَالُ بِالْأَخْذِ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ إذْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إفْتَاءً ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فَإِنْ قُلْنَا كَانَ قَضَاءً فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهَا إلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي .
( الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ ) فِيهِ اعْتِمَادُ الْعُرْفِ فِي الْأُمُورِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا تَحْدِيدٌ شَرْعِيٌّ قَالَ النَّوَوِيُّ ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُرْفِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمُنْكِرِينَ لَهُ لَفْظًا الْآخِذِينَ لَهُ عَمَلًا انْتَهَى .
وَقَوْلُهُ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَا إلَّا بِالْمَعْرُوفِ ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ النَّوَوِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ أَنَّ تَقْدِيرَهُ لَا حَرَجَ ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ إلَّا بِالْمَعْرُوفِ أَيْ لَا تُنْفِقِي إلَّا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ لَا حَرَجَ إذَا لَمْ تُنْفِقِي إلَّا بِالْمَعْرُوفِ ( قُلْت ) وَيَحْتَمِلُ أَنَّ تَقْدِيرَهُ لَا تُنْفِقِي إلَّا بِالْمَعْرُوفِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
( السَّادِسَةَ عَشْرَةَ ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ ، وَغَيْرُهُمَا عَلَى جَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ قَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ حِكَايَتِهِ هَذَا الِاسْتِدْلَال عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنْ أَصْحَابِنَا ، وَغَيْرِهِمْ ، وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ كَانَتْ بِمَكَّةَ ، وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ حَاضِرًا بِهَا ، وَشَرْطُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ أَنْ يَكُونَ غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ أَوْ مُسْتَتِرًا لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ أَوْ مُتَعَزِّزًا ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الشَّرْطُ فِي أَبِي سُفْيَانَ مَوْجُودًا فَلَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ بَلْ هُوَ إفْتَاءٌ ، وَفِي كَوْنِ إذْنِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ إفْتَاءً أَوْ قَضَاءً وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ إفْتَاءٌ انْتَهَى .
وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ لَكِنَّهُ قَالَ فِي الْقَضَاءِ فِي الْغَائِبِ ، وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَنْعِهِ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ بِقَضِيَّةِ هِنْدٍ ، وَكَانَ ذَلِكَ قَضَاءً مِنْهُ عَلَى زَوْجِهَا أَبِي سُفْيَانَ ، وَهُوَ غَائِبٌ انْتَهَى .
وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ إلَّا أَنَّ عَنْ مَالِكٍ قَوْلَيْنِ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ فِي الرِّبَاعِ ثُمَّ إنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ إنَّمَا يَكُونُ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ ، وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ الْكُوفِيِّينَ إلَى أَنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ .
( السَّابِعَةَ عَشْرَةَ ) اسْتَدَلَّ بِهِ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ قَضَاءٌ قَالَ : وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُكَلِّفْهَا الْبَيِّنَةَ فِيمَا ادَّعَتْهُ مِنْ ذَلِكَ إذْ كَانَ قَدْ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الزَّوْجِيَّةِ ، وَأَنَّهُ كَانَ كَالْمُسْتَفِيضِ عِنْدَهُمْ بُخْلُ أَبِي سُفْيَانَ انْتَهَى ، وَالْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ جَوَازُ الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ فِي غَيْرِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْأَشْهَرُ عَنْ أَحْمَدَ مَنْعُهُ إلَّا فِي عَدَالَةِ الشُّهُودِ وَجَرْحِهِمْ .
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْمُحَاكَمَةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ فَلَوْ حَكَمَ بِعِلْمِهِ فِي غَيْرِهِ فَفِي فَسْخِهِ قَوْلَانِ ، وَأَمَّا مَا أَقَرَّ بِهِ فِي مَجْلِسِ الْخُصُومَةِ فَحَكَمَ بِهِ فَلَا يُنْقَضُ فَلَوْ أَنْكَرَ بَعْدَ إقْرَارِهِ فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَسَحْنُونٌ يَحْكُمُ فَلَوْ أَنْكَرَ بَعْدَ أَنْ حَكَمَ لَمْ يُفِدْهُ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَمِنْ الْعَجِيبِ جَمْعُ الْبُخَارِيِّ وَالْخَطَّابِيِّ ، وَغَيْرِهِمَا بَيْنَ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ ، وَاَلَّذِي قَبْلَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى مَسْأَلَةِ الظَّفَرِ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى الْفَتْوَى ، وَهَذَانِ : الِاسْتِدْلَال عَلَى الْقَضَاءِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُتَعَذَّرٌ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ ) قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِهِ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ قَالَ : وَهَذَا لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ ( قُلْت ) لَكِنْ لَا يَتَعَيَّنُ فِي ذَلِكَ الْإِذْنُ الصَّرِيحُ فَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيمَا تَقُومُ الْقَرَائِنُ عَلَى الْمُسَامَحَةِ بِهِ .
( التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ ) فِيهِ جَوَازُ خُرُوجِ الْمَرْأَةِ مِنْ بَيْتِهَا لِحَاجَتِهَا إذَا أَذِنَ لَهَا زَوْجُهَا فِي ذَلِكَ أَوْ عَلِمَتْ رِضَاهُ بِهِ .(1/150)
293-7948 أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى ، عَنْ هِشَامٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبِي ، عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي ، وَوَلَدِي إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ قَالَ : " خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ "(1)
__________
(1) - صحيح البخارى برقم( 2211 و 2460 و 3825 و 5359 و5364و5370 و 6641 و 7161 و 7180) وسنن النسائى برقم( 5437)
فتح الباري لابن حجر - (ج 15 / ص 226)
4945 - قَوْله ( يَحْيَى )
هُوَ اِبْن سَعِيد الْقَطَّان ،
وَهِشَام
هُوَ اِبْن عُرْوَة .
قَوْله ( أَنَّ هِنْدًا بِنْت عُتْبَةَ )
كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَة هِنْدًا بِالصَّرْفِ ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَة الْمَاضِيَة فِي الْمَظَالِم بِغَيْرِ صَرْف " هِنْد بِنْت عُتْبَةَ بْن رَبِيعَة " أَيْ اِبْن عَبْد شَمْس بْن عَبْد مَنَافٍ . وَفِي رِوَايَة الشَّافِعِيّ عَنْ أَنَس بْن عِيَاض عَنْ هِشَام " أَنَّ هِنْدًا أُمّ مُعَاوِيَة وَكَانَتْ هِنْد لَمَّا قُتِلَ أَبُوهَا عُتْبَةَ وَعَمّهَا شَيْبَة وَأَخُوهَا الْوَلِيد يَوْم بَدْر شَقَّ عَلَيْهَا ، فَلَمَّا كَانَ يَوْم أُحُد وَقُتِلَ حَمْزَة فَرِحَتْ بِذَلِكَ وَعَمَدَتْ إِلَى بَطْنه فَشَقَّتْهَا وَأَخَذَتْ كَبِدَهُ فَلَاكَتْهَا ثُمَّ لَفَظَتْهَا ، فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْفَتْح وَدَخَلَ أَبُو سُفْيَان مَكَّة مُسْلِمًا - بَعْد أَنْ أَسَرَتْهُ خَيْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَة فَأَجَارَهُ الْعَبَّاس - غَضِبَتْ هِنْد لِأَجْلِ إِسْلَامه ، وَأَخَذَتْ بِلِحْيَتِهِ ثُمَّ إِنَّهَا بَعْد اِسْتِقْرَار النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة جَاءَتْ فَأَسْلَمَتْ وَبَايَعَتْ " وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِر الْمَنَاقِب أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ " يَا رَسُول اللَّه مَا كَانَ عَلَى ظَهْر الْأَرْض مِنْ أَهْل خِبَاء أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْل خِبَائِك ، وَمَا عَلَى ظَهْر الْأَرْض الْيَوْم أَهْل خِبَاء أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْل خِبَائِك . فَقَالَ : أَيْضًا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ . ثُمَّ قَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه ، إِنَّ أَبَا سُفْيَان إِلَخْ " وَذَكَرَ اِبْن عَبْد الْبَرّ أَنَّهَا مَاتَتْ فِي الْمُحَرَّم سَنَةَ أَرْبَع عَشْرَة يَوْم مَاتَ أَبُو قُحَافَة وَالِد أَبِي بَكْر الصِّدِّيق وَأَخْرَجَ اِبْن سَعْد فِي " الطَّبَقَات " مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهَا عَاشَتْ بَعْد ذَلِكَ ، فَرَوَى عَنْ الْوَاقِدِيِّ عَنْ اِبْن أَبِي سَبْرَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر بْن حَزْم " أَنَّ عُمَر اِسْتَعْمَلَ مُعَاوِيَة عَلَى عَمَل أَخِيهِ ، فَلَمْ يَزَلْ وَالِيًا لِعُمَر حَتَّى قُتِلَ وَاسْتُخْلِفَ عُثْمَان فَأَقَرَّهُ عَلَى عَمَله وَأَفْرَدَهُ بِوِلَايَةِ الشَّام جَمِيعًا ، وَشَخَصَ أَبُو سُفْيَان إِلَى مُعَاوِيَة وَمَعَهُ اِبْنَاهُ عُتْبَةَ وَعَنْبَسَة ، فَكَتَبَتْ هِنْد إِلَى مُعَاوِيَة قَدْ قَدِمَ عَلَيْك أَبُوك وَأَخَوَاك ، فَاحْمِلْ أَبَاك عَلَى فَرَس وَأَعْطِهِ أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم ، وَاحْمِلْ عُتْبَةَ عَلَى بَغْل وَأَعْطِهِ أَلْفَيْ دِرْهَم ، وَاحْمِلْ عَنْبَسَةَ عَلَى حِمَار وَاعْطُهُ أَلْف دِرْهَم ، فَفَعَلَ ذَلِكَ . فَقَالَ أَبُو سُفْيَان : أَشْهَد بِاَللَّهِ أَنَّ هَذَا عَنْ رَأْي هِنْد " قُلْت : كَانَ عُتْبَةَ مِنْهَا وَعَنْبَسَة مِنْ غَيْرهَا أُمّه عَاتِكَة بِنْت أَبِي أُزَيْهِر الْأَزْدِيّ . وَفِي " الْأَمْثَال لِلْمَيْدَانِيِّ " أَنَّهَا عَاشَتْ بَعْد وَفَاة أَبِي سُفْيَان ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ قِصَّة فِيهَا أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ مُعَاوِيَة أَنْ يُزَوِّجهُ أُمّه فَقَالَ : إِنَّهَا قَعَدَتْ عَنْ الْوَلَد . وَكَانَتْ وَفَاة أَبِي سُفْيَان فِي خِلَافَة عُثْمَان سَنَة اِثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ .
قَوْله ( إِنَّ أَبَا سُفْيَان )
هُوَ صَخْر بْن حَرْب بْن أُمَيَّة بْن عَبْد شَمْس زَوْجهَا ، وَكَانَ قَدْ رَأْس فِي قُرَيْش بَعْد وَقْعَة بَدْر ، وَسَارَ بِهِمْ فِي أُحُد ، وَسَاقَ الْأَحْزَاب يَوْم الْخَنْدَق ، ثُمَّ أَسْلَمَ لَيْلَة الْفَتْح كَمَا تَقَدَّمَ مَبْسُوطًا فِي الْمَغَازِي .
قَوْله ( رَجُل شَحِيح )
تَقَدَّمَ قَبْلُ بِثَلَاثَةِ أَبْوَاب " رَجُل مِسِّيك " وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطه فَالْأَكْثَر بِكَسْرِ الْمِيم وَتَشْدِيد السِّين عَلَى الْمُبَالَغَة ، وَقِيلَ بِوَزْنِ شَحِيح ، قَالَ النَّوَوِيّ : هَذَا هُوَ الْأَصَحّ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّل أَشْهَر فِي الرِّوَايَة ، وَلَمْ يَظْهَر لِي كَوْن الثَّانِي أَصَحّ فَإِنَّ الْآخَر مُسْتَعْمَل كَثِيرًا مِثْل شِرِّيب وَسِكِّير وَإِنْ كَانَ الْمُخَفَّف أَيّهمَا فِيهِ نَوْع مُبَالَغَة لَكِنَّ الْمُشَدَّد أَبْلَغ ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ عِبَارَة النِّهَايَة فِي كِتَاب الْأَشْخَاص حَيْثُ قَالَ : الْمَشْهُور فِي كُتُب اللُّغَة الْفَتْح وَالتَّخْفِيف . وَفِي كُتُب الْمُحَدِّثِينَ الْكَسْر وَالتَّشْدِيد . وَالشُّحّ الْبُخْل مَعَ حِرْص ، وَالشُّحّ أَعَمّ مِنْ الْبُخْل لِأَنَّ الْبُخْل يَخْتَصّ بِمَنْعِ الْمَال وَالشُّحّ بِكُلِّ شَيْء ، وَقِيلَ الشُّحّ لَازِم كَالطَّبْعِ وَالْبُخْل غَيْر لَازِم ، قَالَ الْقُرْطُبِيّ : لَمْ تُرِدْ هِنْد وَصْف أَبِي سُفْيَان بِالشُّحِّ فِي جَمِيع أَحْوَاله ، وَإِنَّمَا وَصَفَتْ حَالهَا مَعَهُ وَأَنَّهُ كَانَ يُقَتِّر عَلَيْهَا وَعَلَى أَوْلَادهَا ، وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِم الْبُخْل مُطْلَقًا فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الرُّؤَسَاء يَفْعَل ذَلِكَ مَعَ أَهْله وَيُؤْثِر الْأَجَانِب اِسْتِئْلَافًا لَهُمْ . قُلْت : وَوَرَدَ فِي بَعْض الطُّرُق لِقَوْلِ هِنْد هَذَا سَبَب يَأْتِي ذِكْره قَرِيبًا .
قَوْله ( إِلَّا مَا أَخَذْت مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَم )
زَادَ الشَّافِعِيّ فِي رِوَايَته " سِرًّا ، فَهَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ شَيْء ؟ وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الزُّهْرِيِّ " فَهَلْ عَلَيَّ حَرَج أَنْ أُطْعِم مِنْ الَّذِي لَهُ عِيَالنَا ؟
قَوْله ( فَقَالَ : خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ )
فِي رِوَايَة شُعَيْب عَنْ الزُّهْرِيِّ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي الْمَظَالِم " لَا حَرَج عَلَيْك أَنْ تُطْعِمِيهِمْ بِالْمَعْرُوفِ " قَالَ الْقُرْطُبِيّ : قَوْله " خُذِي " أَمْر إِبَاحَة بِدَلِيلِ قَوْله " لَا حَرَج " وَالْمُرَاد بِالْمَعْرُوفِ الْقَدْر الَّذِي عُرِفَ بِالْعَادَةِ أَنَّهُ الْكِفَايَة قَالَ : وَهَذِهِ الْإِبَاحَة وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَة لَفْظًا لَكِنَّهَا مُقَيَّدَة مَعْنًى ، كَأَنَّهُ قَالَ : إِنْ صَحَّ مَا ذَكَرْت . وَقَالَ غَيْره : يَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ صِدْقهَا فِيمَا ذَكَرَتْ فَاسْتَغْنَى عَنْ التَّقْيِيد . وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى جَوَاز ذِكْر الْإِنْسَان بِمَا لَا يُعْجِبهُ إِذَا كَانَ عَلَى وَجْه الِاسْتِفْتَاء وَالِاشْتِكَاء وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَهُوَ أَحَدُ الْمَوَاضِع الَّتِي تُبَاح فِيهَا الْغِيبَة . وَفِيهِ مِنْ الْفَوَائِد جَوَاز ذِكْر الْإِنْسَان بِالتَّعْظِيمِ كَاللَّقَبِ وَالْكُنْيَة ، كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَر ، لِأَنَّ أَبَا سُفْيَان كَانَ مَشْهُورًا بِكُنْيَتِهِ دُونِ اِسْمِهِ فَلَا يَدُلّ قَوْلهَا " إِنَّ أَبَا سُفْيَان " عَلَى إِرَادَة التَّعْظِيم . وَفِيهِ جَوَاز اِسْتِمَاع كَلَامِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ فِي غِيبَة الْآخِر . وَفِيهِ أَنَّ مَنْ نَسَبَ إِلَى نَفْسه أَمْرًا عَلَيْهِ فِيهِ غَضَاضَة فَلْيَقْرُنْهُ بِمَا يُقِيم عُذْره فِي ذَلِكَ . وَفِيهِ جَوَاز سَمَاع كَلَامِ الْأَجْنَبِيَّة عِنْد الْحُكْم وَالْإِفْتَاء عِنْد مَنْ يَقُول إِنَّ صَوْتهَا عَوْرَة وَيَقُول جَازَ هُنَا لِلضَّرُورَةِ . وَفِيهِ أَنَّ الْقَوْل قَوْل الزَّوْجَة فِي قَبْض النَّفَقَة ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الزَّوْج إِنَّهُ مُنْفِق لَكُلِّفَتْ هَذِهِ الْبَيِّنَة عَلَى إِثْبَات عَدَم الْكِفَايَة وَأَجَابَ الْمَازِرِيّ عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ تَعْلِيق الْفُتْيَا لَا الْقَضَاء . وَفِيهِ وُجُوب نَفَقَة الزَّوْجَة وَأَنَّهَا مُقَدَّرَة بِالْكِفَايَةِ ، وَهُوَ قَوْل أَكْثَر الْعُلَمَاء ، وَهُوَ قَوْل لِلشَّافِعَيَّ حَكَاهُ الْجُوَيْنِيّ ، وَالْمَشْهُور عَنْ الشَّافِعِيّ أَنَّهُ قَدَّرَهَا بِالْأَمْدَادِ فَعَلَى الْمُوسِر كُلّ يَوْم مُدَّانِ وَالْمُتَوَسِّط مُدّ وَنِصْف وَالْمُعْسِر مُدّ ، وَتَقْرِيرهَا بِالْأَمْدَادِ رِوَايَة عَنْ مَالِك أَيْضًا ، قَالَ النَّوَوِيّ فِي " شَرْح مُسْلِم " : وَهَذَا الْحَدِيث حُجَّة عَلَى أَصْحَابنَا . قُلْت : وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي الرَّدّ عَلَيْهِمْ ، لَكِنَّ التَّقْدِير بِالْأَمْدَادِ مُحْتَاج إِلَى دَلِيل فَإِنْ ثَبَتَ حُمِلَتْ الْكِفَايَة فِي حَدِيث الْبَاب عَلَى الْقَدْر الْمُقَدَّر بِالْأَمْدَادِ ، فَكَأَنَّهُ كَانَ يُعْطِيهَا وَهُوَ مُوسِر مَا يُعْطِي الْمُتَوَسِّط فَأَذِنَ لَهَا فِي أَخْذِ التَّكْمِلَة ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الِاخْتِلَاف فِي ذَلِكَ فِي " بَابِ وُجُوب النَّفَقَة عَلَى الْأَهْل " وَفِيهِ اِعْتِبَار النَّفَقَة بِحَالِ الزَّوْجَة ، وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّة ، وَاخْتَارَ الْخَصَّاف مِنْهُمْ أَنَّهَا مُعْتَبَرَة بِحَالِ الزَّوْجَيْنِ مَعًا ، قَالَ صَاحِب " الْهِدَايَة " وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ، وَالْحُجَّة فِيهِ ضَمّ قَوْله تَعَالَى ( لِيُنْفِق ذُو سَعَة مِنْ سَعَته ) الْآيَة إِلَى هَذَا الْحَدِيث ، وَذَهَبَتْ الشَّافِعِيَّة إِلَى اِعْتِبَار حَالِ الزَّوْج تَمَسُّكًا بِالْآيَةِ ، وَهُوَ قَوْل بَعْض الْحَنَفِيَّة ، وَفِيهِ وُجُوب نَفَقَة الْأَوْلَاد بِشَرْطِ الْحَاجَة ، وَالْأَصَحّ عِنْد الشَّافِعِيَّة اِعْتِبَار الصِّغَر أَوْ الزَّمَانَة . وَفِيهِ وُجُوب نَفَقَة خَادِم الْمَرْأَة عَلَى الزَّوْج ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ : لِأَنَّ أَبَا سُفْيَان كَانَ رَئِيس قَوْمه وَيَبْعُد أَنْ يَمْنَع زَوْجَته وَأَوْلَاده النَّفَقَة ، فَكَأَنَّهُ كَانَ يُعْطِيهَا قَدْر كِفَايَتهَا وَوَلَدِهَا دُون مَنْ يَخْدُمهُمْ فَأَضَافَتْ ذَلِكَ إِلَى نَفْسهَا لِأَنَّ خَادِمهَا دَاخِل فِي جُمْلَتهَا . قُلْت : وَيَحْتَمِل أَنْ يُتَمَسَّكَ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي بَعْض طُرُقه " أَنْ أُطْعِم مِنْ الَّذِي لَهُ عِيَالنَا " وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوب نَفَقَة الِابْن عَلَى الْأَب وَلَوْ كَانَ الِابْن كَبِيرًا ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا وَاقِعَة عَيْن وَلَا عُمُوم فِي الْأَفْعَال ، فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُونُ الْمُرَاد بِقَوْلِهَا " بَنِيّ " بَعْضهمْ أَيْ مَنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا زَمِنًا لَا جَمِيعهمْ . وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ عِنْد غَيْره حَقّ وَهُوَ عَاجِز عَنْ اِسْتِيفَائِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذ مِنْ مَالِهِ قَدْر حَقِّهِ بِغَيْرِ إِذْنه ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ وَجَمَاعَة ، وَتُسَمَّى مَسْأَلَة الظَّفَر ، وَالرَّاجِح عِنْدهمْ لَا يَأْخُذ غَيْر جِنْس حَقِّهِ إِلَّا إِذَا تَعَذَّرَ جِنْس حَقِّهِ ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَة الْمَنْع ، وَعَنْهُ يَأْخُذ جِنْس حَقِّهِ وَلَا يَأْخُذ مِنْ غَيْر جِنْس حَقِّهِ إِلَّا أَحَد النَّقْدَيْنِ بَدَل الْآخَر ، وَعَنْ مَالِك ثَلَاث رِوَايَات كَهَذِهِ الْآرَاء ، وَعَنْ أَحْمَد الْمَنْع مُطْلَقًا وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَة إِلَى شَيْء مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَاب الْأَشْخَاص وَالْمُلَازَمَة ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُؤْخَذ مِنْ حَدِيث هِنْد جَوَاز أَخْذ الْجِنْس وَغَيْر الْجِنْس ، لِأَنَّ مَنْزِل الشَّحِيح لَا يَجْمَع كُلّ مَا يَحْتَاج إِلَيْهِ مِنْ النَّفَقَة وَالْكِسْوَة وَسَائِر الْمَرَافِق اللَّازِمَة وَقَدْ أَطْلَقَ لَهَا الْإِذْن فِي أَخْذِ الْكِفَايَة مِنْ مَالِهِ ، قَالَ : وَيَدُلّ عَلَى صِحَّة ذَلِكَ قَوْلهَا فِي رِوَايَة أُخْرَى " وَإِنَّهُ لَا يُدْخِل عَلَى بَيْتِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي " . قُلْت : وَلَا دَلَالَة فِيهِ لِمَا اِدَّعَاهُ مِنْ أَنَّ بَيْت الشَّحِيح لَا يَحْتَوِي عَلَى كُلّ مَا يَحْتَاج إِلَيْهِ لِأَنَّهَا نَفَتْ الْكِفَايَة مُطْلَقًا فَتَنَاوَلَ جِنْس مَا يَحْتَاج إِلَيْهِ وَمَا لَا يَحْتَاج إِلَيْهِ ، وَدَعْوَاهُ أَنَّ مَنْزِل الشَّحِيح كَذَلِكَ مُسَلَّمَة لَكِنْ مِنْ أَيْنَ لَهُ أَنَّ مَنْزِل أَبِي سُفْيَان كَانَ كَذَلِكَ ؟ وَاَلَّذِي يَظْهَر مِنْ سِيَاق الْقِصَّة أَنَّ مَنْزِله كَانَ فِيهِ كُلّ مَا يَحْتَاج إِلَيْهِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ لَا يُمَكِّنهَا إِلَّا مِنْ الْقَدْر الَّذِي أَشَارَتْ إِلَيْهِ فَاسْتَأْذَنَتْ أَنْ تَأْخُذ زِيَادَة عَلَى ذَلِكَ بِغَيْرِ عِلْمه ، وَقَدْ وَجَّهَ اِبْنُ الْمُنَيِّرِقَوْله إِنَّ فِي قِصَّة هِنْد دَلَالَة عَلَى أَنَّ لِصَاحِبِ الْحَقّ أَنْ يَأْخُذ مِنْ غَيْر جِنْس حَقِّهِ بِحَيْثُ يَحْتَاج إِلَى التَّقْوِيم ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَذِنَ لِهِنْدٍ أَنْ تَفْرِض لِنَفْسِهَا وَعِيَالهَا قَدْر الْوَاجِب ، وَهَذَا هُوَ التَّقْوِيم بِعَيْنِهِ بَلْ هُوَ أَدَقّ مِنْهُ وَأَعْسَر . وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ : مَدْخَلًا فِي الْقِيَام عَلَى أَوْلَادهَا وَكَفَالَتهمْ وَالْإِنْفَاق عَلَيْهِمْ ، وَفِيهِ اِعْتِمَاد الْعُرْف فِي الْأُمُور الَّتِي لَا تَحْدِيد فِيهَا مِنْ قِبَل الشَّرْع . وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِيهِ اِعْتِبَار الْعُرْف فِي الشَّرْعِيَّات خِلَافًا لِمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ لَفْظًا وَعَمِلَ بِهِ مَعْنًى كَالشَّافِعِيَّةِ ، كَذَا قَالَ ، وَالشَّافِعِيَّة إِنَّمَا أَنْكَرُوا الْعَمَل بِالْعُرْفِ إِذَا عَارَضَهُ النَّصّ الشَّرْعِيّ أَوْ لَمْ يُرْشِد النَّصّ الشَّرْعِيّ إِلَى الْعُرْف ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْخَطَّابِيُّ عَلَى جَوَاز الْقَضَاء عَلَى الْغَائِب ، وَسَيَأْتِي فِي كِتَاب الْأَحْكَام أَنَّ الْبُخَارِيّ تَرْجَمَ " الْقَضَاء عَلَى الْغَائِب " وَأَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيث مِنْ طَرِيق سُفْيَان الثَّوْرِيّ عَنْ هِشَام بِلَفْظِ " إِنَّ أَبَا سُفْيَان رَجُل شَحِيح فَأَحْتَاج أَنْ آخُذ مِنْ مَالِهِ ، قَالَ : خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ " وَذَكَرَ النَّوَوِيّ أَنَّ جَمْعًا مِنْ الْعُلَمَاء مِنْ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ وَمِنْ غَيْرهمْ اِسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيث لِذَلِكَ ، حَتَّى قَالَ الرَّافِعِيّ فِي " الْقَضَاء عَلَى الْغَائِب " : اِحْتَجَّ أَصْحَابنَا عَلَى الْحَنَفِيَّة فِي مَنْعهمْ الْقَضَاء عَلَى الْغَائِب بِقِصَّةِ هِنْد ، وَكَانَ ذَلِكَ قَضَاء مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى زَوْجهَا وَهُوَ غَائِب ، قَالَ النَّوَوِيّ : وَلَا يَصِحّ الِاسْتِدْلَال ، لِأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّة كَانَتْ بِمَكَّة وَكَانَ أَبُو سُفْيَان حَاضِرًا بِهَا ، وَشَرْط الْقَضَاء عَلَى الْغَائِب أَنْ يَكُونُ غَائِبًا عَنْ الْبَلَد أَوْ مُسْتَتِرًا لَا يَقْدِر عَلَيْهِ أَوْ مُتَعَزِّزًا ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الشَّرْط فِي أَبِي سُفْيَان مَوْجُودًا فَلَا يَكُونُ قَضَاء عَلَى الْغَائِب بَلْ هُوَ إِفْتَاء ، وَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيّ فِي عِدَّة مَوَاضِع أَنَّهُ كَانَ إِفْتَاء ا ه وَاسْتَدَلَّ بَعْضهمْ عَلَى أَنَّهُ كَانَ غَائِبًا بِقَوْلِ هِنْد " لَا يُعْطِينِي " إِذْ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَقَالَتْ لَا يُنْفِق عَلَيَّ ، لِأَنَّ الزَّوْج هُوَ الَّذِي يُبَاشِر الْإِنْفَاق . وَهَذَا ضَعِيف لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَادَته أَنْ يُعْطِيهَا جُمْلَة وَيَأْذَن لَهَا فِي الْإِنْفَاق مُفَرَّقًا . نَعَمْ قَوْل النَّوَوِيّ إِنَّ أَبَا سُفْيَان كَانَ حَاضِرًا بِمَكَّة حَقّ ، وَقَدْ سَبَقَهُ إِلَى الْجَزْم بِذَلِكَ السُّهَيْلِيّ ، بَلْ أَوْرَدَ أَخَصّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ أَبَا سُفْيَان كَانَ جَالِسًا مَعَهَا فِي الْمَجْلِس ، لَكِنْ لَمْ يَسُقْ إِسْنَاده ، وَقَدْ ظَفِرْت بِهِ فِي " طَبَقَات اِبْنِ سَعْد " أَخْرَجَهُ بِسَنَدٍ رِجَاله رِجَال الصَّحِيح ، إِلَّا أَنَّهُ مُرْسَل عَنْ الشَّعْبِيّ " أَنَّ هِنْدًا لَمَّا بَايَعَتْ وَجَاءَ قَوْله وَلَا يَسْرِقْنَ قَالَتْ : قَدْ كُنْت أَصَبْت مِنْ مَالِ أَبِي سُفْيَان فَقَالَ أَبُو سُفْيَان : فَمَا أَصَبْت مِنْ مَالِي فَهُوَ حَلَال لَك " . قُلْت : وَيُمْكِن تَعَدُّد الْقِصَّة وَأَنَّ هَذَا وَقَعَ لَمَّا بَايَعَتْ ثُمَّ جَاءَتْ مَرَّة أُخْرَى فَسَأَلَتْ عَنْ الْحُكْم ، وَتَكُونُ فَهِمَتْ مِنْ الْأَوَّل إِحْلَال أَبِي سُفْيَان لَهَا مَا مَضَى فَسَأَلَتْ عَمَّا يُسْتَقْبَل ، لَكِنْ يُشْكِل عَلَى ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ اِبْنِ مَنْدَهْ فِي " الْمَعْرِفَة " مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن زَاذَانَ عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ قَالَ " قَالَتْ هِنْد لِأَبِي سُفْيَان : إِنِّي أُرِيدَ أَنْ أُبَايِع ، قَالَ : فَإِنْ فَعَلْت فَاذْهَبِي مَعَك بِرَجُلٍ مِنْ قَوْمك ، فَذَهَبَتْ إِلَى عُثْمَان فَذَهَبَ مَعَهَا ، فَدَخَلَتْ مُنْتَقِبَة فَقَالَ : بَايِعِي أَنْ لَا تُشْرِكِي " الْحَدِيث ، وَفِيهِ " فَلَمَّا فَرَغَتْ قَالَتْ : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ أَبَا سُفْيَان رَجُل بَخِيل - الْحَدِيث - قَالَ : مَا تَقُول يَا أَبَا سُفْيَان ؟ قَالَ : أَمَّا يَابِسًا فَلَا ، وَأَمَّا رَطْبًا فَأُحِلّهُ " وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي " الْمَعْرِفَة " أَنَّ عَبْد اللَّه تَفَرَّدَ بِهِ بِهَذَا السِّيَاق وَهُوَ ضَعِيف ، وَأَوَّل حَدِيثه يَقْتَضِي أَنَّ أَبَا سُفْيَان لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَآخِرُهُ يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ حَاضِرًا ؛ لَكِنْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُونُ كُلّ مِنْهُمَا تَوَجَّهَ وَحْده أَوْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ لَمَّا اِشْتَكَتْ مِنْهُ ، وَيُؤَيِّد هَذَا الِاحْتِمَال الثَّانِي مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِم فِي تَفْسِير الْمُمْتَحِنَة مِنْ " الْمُسْتَدْرَك " عَنْ فَاطِمَة بِنْتِ عُتْبَةَ " أَنَّ أَبَا حُذَيْفَة بْن عُتْبَةَ ذَهَبَ بِهَا وَبِأُخْتِهَا هِنْد يُبَايِعَانِ ، فَلَمَّا اِشْتَرَطَ وَلَا يَسْرِقْنَ قَالَتْ هِنْد : لَا أُبَايِعك عَلَى السَّرِقَة ، إِنِّي أَسْرِق مِنْ زَوْجِي ، فَكَفَّ حَتَّى أَرْسَلَ إِلَى أَبِي سُفْيَان يَتَحَلَّل لَهَا مِنْهُ فَقَالَ : أَمَّا الرَّطْب فَنَعَمْ وَأَمَّا الْيَابِس فَلَا " وَاَلَّذِي يَظْهَر لِي أَنَّ الْبُخَارِيّ لَمْ يُرِدْ أَنَّ قِصَّة هِنْد كَانَ قَضَاء عَلَى أَبِي سُفْيَان وَهُوَ غَائِب ، بَلْ اِسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى صِحَّة الْقَضَاء عَلَى الْغَائِب وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَضَاء عَلَى غَائِب بِشَرْطِهِ ، بَلْ لَمَّا كَانَ أَبُو سُفْيَان غَيْر حَاضِرِ مَعَهَا فِي الْمَجْلِس وَأَذِنَ لَهَا أَنْ تَأْخُذ مِنْ مَالَهُ بِغَيْرِ إِذْنه قَدْر كِفَايَتهَا كَانَ فِي ذَلِكَ نَوْع قَضَاء عَلَى الْغَائِب فَيَحْتَاج مَنْ مَنَعَهُ أَنْ يُجِيب عَنْ هَذَا ، وَقَدْ اِنْبَنَى عَلَى هَذَا الْخِلَاف يَتَفَرَّع مِنْهُ وَهُوَ أَنَّ الْأَب إِذَا غَابَ أَوْ اِمْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاق عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِير أَذِنَ الْقَاضِي لِلْأُمِّ إِذَا كَانَتْ فِيهَا أَهْلِيَّة ذَلِكَ فِي الْأَخْذ مِنْ مَالِ الْأَب إِنْ أَمْكَنَ أَوْ فِي الِاسْتِقْرَاض عَلَيْهِ وَالْإِنْفَاق عَلَى الصَّغِير ، وَهَلْ لَهَا الِاسْتِقْلَال بِذَلِكَ بِغَيْرِ إِذْن الْقَاضِي ؟ وَجْهَانِ يَنْبَنِيَانِ عَلَى الْخِلَاف فِي قِصَّة هِنْد ، فَإِنْ كَانَتْ إِفْتَاء جَازَ لَهَا الْأَخْذ بِغَيْرِ إِذْن ، وَإِنْ كَانَتْ قَضَاء فَلَا يَجُوز إِلَّا بِإِذْنِ الْقَاضِي . وَمِمَّا رَجَّحَ بِهِ أَنَّهُ كَانَ قَضَاء لَا فُتْيَا التَّعْبِير بِصِيغَةِ الْأَمْر حَيْثُ قَالَ لَهَا " خُذِي " وَلَوْ كَانَ فُتْيَا لَقَالَ مَثَلًا : لَا حَرَج عَلَيْك إِذَا أَخَذْت ، وَلِأَنَّ الْأَغْلَب مِنْ تَصَرُّفَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هُوَ الْحُكْم . وَمِمَّا رَجَّحَ بِهِ أَنَّهُ كَانَ فَتْوَى وُقُوع الِاسْتِفْهَام فِي الْقِصَّة فِي قَوْلهَا " هَلْ عَلَيَّ جُنَاح " ؟ وَلِأَنَّهُ فَوَّضَ تَقْدِير الِاسْتِحْقَاق إِلَيْهَا ، وَلَوْ كَانَ قَضَاء لَمْ يُفَوِّضهُ إِلَى الْمُدَّعِي ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْلِفهَا عَلَى مَا اِدَّعَتْهُ وَلَا كَلَّفَهَا الْبَيِّنَة ، وَالْجَوَاب أَنَّ فِي تَرْك تَحْلِيفهَا أَوْ تَكْلِيفهَا الْبَيِّنَة حُجَّة لِمَنْ أَجَازَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُم بِعِلْمِهِ فَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ صِدْقهَا فِي كُلّ مَا اِدَّعَتْ بِهِ ، وَعَنْ الِاسْتِفْهَام أَنَّهُ لَا اِسْتِحَالَة فِيهِ مِنْ طَالِب الْحُكْم ، وَعَنْ تَفْوِيض قَدْر الِاسْتِحْقَاق أَنَّ الْمُرَاد الْمَوْكُول إِلَى الْعُرْف كَمَا تَقَدَّمَ ، وَسَيَأْتِي بَيَان الْمَذَاهِب فِي الْقَضَاء عَلَى الْغَائِب فِي كِتَاب الْأَحْكَام إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
( تَنْبِيهٌ ) :
أَشْكَلَ عَلَى بَعْضهمْ اِسْتِدْلَال الْبُخَارِيّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى مَسْأَلَة الظَّفَر فِي كِتَاب الْأَشْخَاص حَيْثُ تَرْجَمَ لَهُ " قِصَاص الْمَظْلُوم إِذَا وَجَدَ مَال ظَالِمه " وَاسْتِدْلَاله بِهِ عَلَى جَوَاز الْقَضَاء عَلَى الْغَائِب ، لِأَنَّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى مَسْأَلَة الظَّفَر لَا تَكُون إِلَّا عَلَى الْقَوْل بِأَنَّ مَسْأَلَة هِنْد كَانَتْ عَلَى طَرِيق الْفَتْوَى ، وَالِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى مَسْأَلَة الْقَضَاء عَلَى الْغَائِب لَا يَكُون إِلَّا عَلَى الْقَوْل بِأَنَّهَا كَانَتْ حُكْمًا . وَالْجَوَاب أَنْ يُقَال : كُلّ حُكْم يَصْدُر مِنْ الشَّارِع فَإِنَّهُ يُنَزَّلُ مَنْزِلَة الْإِفْتَاء بِذَلِكَ الْحُكْم فِي مِثْل تِلْكَ الْوَاقِعَة ، فَيَصِحّ الِاسْتِدْلَال بِهَذِهِ الْقِصَّة لِلْمَسْأَلَتَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَم . وَقَدْ وَقَعَ هَذَا الْبَاب مُقَدَّمًا عَلَى بَابَيْنِ عِنْد أَبِي نُعَيْمٍ فِي " الْمُسْتَخْرَج "
فتح الباري لابن حجر - (ج 20 / ص 185)
قَوْله ( بَاب مَنْ رَأَى لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُم بِعِلْمِهِ فِي أَمْر النَّاس إِذَا لَمْ يَخَفْ الظُّنُون وَالتُّهْمَة )
أَشَارَ إِلَى قَوْل أَبِي حَنِيفَة وَمَنْ وَافَقَهُ . أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُم بِعِلْمِهِ فِي حُقُوق النَّاس وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي حُقُوق اللَّه كَالْحُدُودِ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّة عَلَى الْمُسَامَحَة ، وَلَهُ فِي حُقُوق النَّاس تَفْصِيل ، قَالَ : إِنْ كَانَ مَا عَلِمَهُ قَبْلَ وِلَايَته لَمْ يَحْكُم لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا سَمِعَهُ مِنْ الشُّهُود وَهُوَ غَيْر حَاكِم ، بِخِلَافِ مَا عَلِمَهُ فِي وِلَايَته . وَأَمَّا قَوْله " إِذَا لَمْ يَخَفْ الظُّنُون وَالتُّهْمَة " فَقَيَّدَ بِهِ قَوْل مَنْ أَجَازَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِي بِعِلْمِهِ لِأَنَّ الَّذِينَ مَنَعُوا ذَلِكَ مُطْلَقًا اِعْتَلُّوا بِأَنَّهُ غَيْر مَعْصُوم فَيَجُوز أَنْ تَلْحَقهُ التُّهْمَة إِذَا قَضَى بِعِلْمِهِ أَنْ يَكُون حَكَمَ لِصَدِيقِهِ عَلَى عَدُوّهُ فَحُسِمَتْ الْمَادَّة فَجَعَلَ الْمُصَنِّف مَحَلّ الْجَوَاز مَا إِذَا لَمْ يَخَفْ الْحَاكِم الظُّنُون وَالتُّهْمَة ، وَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ يَلْزَم مِنْ الْمَنْع مِنْ أَجْل حَسْم الْمَادَّة أَنْ يَسْمَع مَثَلًا رَجُلًا طَلَّقَ اِمْرَأَته طَلَاقًا بَائِنًا . ثُمَّ رَفَعْته إِلَيْهِ فَأَنْكَرَ فَإِذَا حَلَّفَهُ فَحَلَفَ لَزِمَ أَنْ يُدِيمهُ عَلَى فَرْج حَرَام فَيَفْسُق بِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ أَنْ لَا يَقْبَل قَوْله وَيَحْكُم عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ ، فَإِنْ خَشِيَ التُّهْمَة فَلَهُ أَنْ يَدْفَعهُ وَيُقِيم شَهَادَته عَلَيْهِ عِنْدَ حَاكِم آخَر ، وَسَيَأْتِي مَزِيد لِذَلِكَ فِي " بَاب الشَّهَادَة تَكُون عِنْد الْحَاكِم " وَقَالَ الْكَرَابِيسِيُّ : الَّذِي عِنْدِي أَنَّ شَرْط جَوَاز الْحُكْم بِالْعِلْمِ أَنْ يَكُون الْحَاكِم مَشْهُورًا بِالصَّلَاحِ وَالْعَفَاف وَالصِّدْق وَلَمْ يُعْرَف بِكَبِيرِ زَلَّة وَلَمْ يُؤْخَذ عَلَيْهِ خَرِبَة بِحَيْثُ تَكُون أَسْبَاب التُّقَى فِيهِ مَوْجُودَة وَأَسْبَاب التُّهَم فِيهِ مَفْقُودَة فَهَذَا الَّذِي يَجُوز لَهُ أَنْ يَحْكُم بِعِلْمِهِ مُطْلَقًا . قُلْت : وَكَأَنَّ الْبُخَارِيّ أَخَذَ ذَلِكَ عَنْهُ فَإِنَّهُ مِنْ مَشَايِخه .
قَوْله ( كَمَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدٍ : خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدك بِالْمَعْرُوفِ )
هَذَا اللَّفْظ وَصَلَهُ الْمُؤَلِّف فِي النَّفَقَات مِنْ طَرِيق هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ ، وَقَدْ سَاقَ الْقِصَّة فِي هَذَا الْبَاب بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظ مِنْ طَرِيق الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة وَقَوْله " وَذَلِكَ إِذَا كَانَ أَمْرًا مَشْهُورًا " هَذَا تَفْسِير قَوْل مَنْ قَالَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ مُطْلَقًا ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِالْمَشْهُورِ الشَّيْء الْمَأْمُور بِأَخْذِهِ ،
شرح ابن بطال - (ج 11 / ص 346)
العرف عند الفقهاء أمر معمول به، وهو كالشرط اللازم فى البيوع وغيرها، ولو أن رجلا وكل رجلا على بيع سلعة، فباعها بغير النقد الذى هو عرف الناس لم يجز ذلك، ولزمه النقد الجارى، وكذلك لو باع طعامًا موزونًا أو مكيلاً بغير الوزن أو الكيل المعهود لم يجز، و لزمه الكيل المعهود المتعارف من ذلك.
وقوله: يأخذ للعشرة أحد عشر، يعنى: لكل عشرة دينار من رأس المال ربح دينار.
واختلف العلماء فى ذلك، فأجازه قوم وكرهه آخرون، وممن كرهه: ابن عباس، وابن عمر، ومسروق، والحسن، وبه قال أحمد وإسحاق، وقال أحمد: البيع مردود. وأجازه سعيد ابن المسيب والنخعى، وهو قول مالك والثورى والكوفيين والأوزاعى.
وحجة من كرهه: لأنه عنده بيع مجهول إلا أن يعلم عدد العشرات، فيعلم عدد ربحها، ويكون الثمن كله معلومًا.
وحجة من أجازه: بأن الثمن معلوم، فالربح معلوم.
وأصل هذا الباب بيع الصبرة كل قفيز بدرهم، ولا يعلم مقدار ما فى الصبرة من الطعام، فأجازه قوم وأباه آخرون، ومنهم من قال: لا يلزمه منه إلا القفيز الواحد، ومن البيع العشرة الواحدة.
واختلفوا فى النفقة هل يأخذ لها ربحًا فى بيع المرابحة؟
فقال مالك: لا يؤخذ فى النفقة ربح إلا فيما له تأثير فى السلعة وعين قائمة كالصبغ والخياطة والكمد فهذا كله يحسب فى أصل المال ويحسب له ربح، لأن تلك المنافع كأنها سلعة ضمت إلى سلعة، قال مالك: ولا يحسب فى المرابحة أجر السماسرة، ولا أجر الشد والطى ولا النفقة على الرقيق، ولا كراء البيت، وإنما يحسب هذا فى أصل المال، ولا يحسب له ربح، وأما كراء البز فيحسب له الربح، لأنه لابد منه، ولا يمكنه حمله ببدنه من بلد إلى بلد، فإن أربحه المشترى على ما لا تأثير له جاز إذا رضى بذلك، فإن لم يبين البائع للمشترى ذلك، وأجمل البيع، كان للمشترى رد ذلك كله إن شاء، لأن البائع قد غره.
وقال أبو حنيفة: يحسب فى المرابحة أجر القصارة، وكراء البيت، وأجر السمسرة، ونفقة الرقيق وكسوتهم، ويقول: قام على بكذا وكذا.
وأما أجرة الحجام فأكثر العلماء يجيزونها، هذا إذا كان الذى يعطاه مما يرضى به، فإن أعطى ما لا يرضى به فلا يلزم، ورد إلى عرف الناس، ومما يدل على أن العرف سنة جارية قوله - عليه السلام - لهند: « خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف » . فأطلق لها أن تأخذ من متاع زوجها ما تعلم أن نفسه تطيب لها بمثله، وكذلك أطلق الله لولى اليتيم أن يأكل من ماله بالمعروف.
شرح ابن بطال - (ج 14 / ص 32)
وفيه: أن النفقة على الولد ما داموا صغارًا فرض عليه؛ لقوله: إلى من تدعنى؟ وكذلك نفقة العبد والخادم للمرء واجبة لازمة.
قال ابن المنذر: واختلفوا فى نفقة من بلغ من الأبناء ولا مال له ولا كسب، فقالت طائفة: على الأب أن ينفق على ولد صلبه الذكور حتى يحتلوا والنساء حتى يزوجن ويدخل بهن، فإن طلقها بعد البناء أو مات عنها فلا نفقة لها على أبيها، وإن طلقها قبل البناء فهى على نفقتها، ولا نفقة لولد الولد على الجد، هذا قول مالك.
وقالت طائفة: ينفق على ولده حتى يبلغ الحلم والمحيض، ثم لا نفقة عليه إلا أن يكونوا زمنى، وسواء فى ذلك الذكور والإناث ما لم يكن لهم أموال، وسواء فى ذلك ولده أو ولد ولده وإن سفلوا ما لم يكن لهم أب دونه يقدر على النفقة عليهم، هذا قول الشافعى.
وقال الثورى: يجبر الرجل على نفقة ولده الصغار غلامًا كان أو جارية، فإن كانوا كبارًا أجبر على نفقة النساء ولا يجبر على نفقة الرجال إلا أن يكونوا زمنى.
وأوجبت طائفة النفقة لجميع الأطفال والبالغين من الرجال والنساء إذا لم يكن لهم أموال يستغنون بها عن نفقة الوالد على ظاهر قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهند: « خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف » ، ولم يستثن ولدًا بالغًا دون طفل.
وقوله فى حديث أبى هريرة: يقول الابن: أطعمنى إلى من تدعنى؟ يدل على أنه إنما يقول ذلك من لا طاقة له على الكسب والتحرف، ومن بلغ سن الحلم فلا يقول ذلك؛ لأنه قد بلغ حد السعى على نفسه والكسب لها، بدليل قوله تعالى: {حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم أموالهم} [النساء: 6]، فجعل بلوغ النكاح حدًا فى ذلك.
واختلفوا فى المعسر هل يفرق بينه وبين امرأته بعدم النفقة؟ فقال مالك، والليث، والأوزاعى، والشافعى، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور: إذا أعسر بالنفقة، فللزوجة الخيار بين أن تقيم عليه، ولا يكون لها شىء فى ذمته أصلاً، وبين أن تطلب الفراق فيفرق الحاكم بينهما، وقاله من الصحابة عمر، وعلى، وأبو هريرة، ومن التابعين سعيد بن المسيب، وقال: إن ذلك سنة.
وقالت طائفة: لا يفرق بينهما ويلزمها الصبر عليه وتتعلق النفقة بذمته بحكم الحاكم، هذا قول عطاء، والزهرى، وإليه ذهب الكوفيون والثورى، واحتجوا بقوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} [البقرة: 280]، فوجب أن ينظر حتى يوسر، وبقوله: {وأنكحوا الأيامى منكم} إلى {يغنهم الله} [ النور: 32]، فندب تعالى إلى إنكاح الفقير، فلا يجوز أن يكون الفقر سببًا للفرقة، وهو مندوب معه إلى النكاح.
شرح ابن بطال - (ج 14 / ص 43)
فى هذا الحديث من الفقه: أنه يجوز للإنسان أن يأخذ من مال من منعه من حقه أو ظلمه بقدر ماله عنده، ولا إثم عليه فى ذلك؛ لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - أجاز لهند ما أخذت من مال زوجها بالمعروف، وأصل هذا الحديث فى التنزيل فى قوله تعالى: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} [النحل: 126]، وقد تقدم فى كتاب المظالم اختلاف العلماء فيمن يجحد وديعة ثم يجد المودع له مالاً هل يأخذ عوضًا من حقه أم لا؟
وفيه: أن وصف الإنسان بما فيه من النقص على سبيل التظلم منه والضرورة إلى طلب الإنصاف من حق عليه أنه جائز وليس بغيبة؛ لأن النبى - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر عليها قولها.
واختلف العلماء فى مقدار ما يفرض السلطان للزوجة على زوجها، فقال مالك: يفرض لها بقدر كفايتها فى اليسر والعسر، ويعتبر حالها من حاله، وبه قال أبو حنيفة، وليست مقدرة. قال الشافعى: هى مقدرة باجتهاد الحاكم فيها، وهى معتبرة بحال الزوج دون حال المرأة، فإن كان موسرًا فمدان لكل يوم، وإن كان متوسطًا فمد ونصف، وإن كان معسرًا فمد، فيجب لبنت الخليفة ما يجب لبنت الحارس.
وحجة مالك والكوفيون قوله: {لينفق ذو سعة من سعته} [الطلاق: 7]، ولم يذكر لها تقديرًا. وقال لهند: « خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف » ، فلم يقدر لها ما تأخذه لولدها ونفسها، فثبت أنها غير مقدرة وأنها على قدر كفايتها، وإنما يجب ذلك كله بالعقد والتمكين وهو عوض من الاستمتاع عند العلماء.
أجمع العلماء أن للمرأة نفقتها وكسوتها بالمعروف واجبة على الزوج، وقد ذكر بعض أهل العلم أنه يجب أن يكسو ثياب بلد كذا، والصحيح فى ذلك ألا يحمل أهل البلدان على كسوة واحدة، وأن يؤمر أهل كل بلد من الكسوة بما يجرى فى عرف بلدهم، بقدر ما يطيقه المأمور على قدر الكفاية لها، وما يصلح لمثلها، وعلى قدر يسره وعسره، ألا ترى أن عليًّا شق الحلة بين نسائه حين لم يقدر على أن يكسو كل واحدة منهن بحلة كاملة، وكذلك قال عليه السلام لهند: « خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف » ، ولو كان فى ذلك حد معلوم لأمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به، فينبغى للحاكم أن يجتهد فى ذلك بقدر ما يراه.
شرح ابن بطال - (ج 15 / ص 245)
اختلف العلماء فى القاضى هل يقضى بعلمه؟ فقال الشافعى وأبو ثور: جائز له أن يقضى بعلمه فى حقوق الله وحقوق الناس، سواء علم ذلك قبل القضاء أو بعده. وقال الكوفيون: ما شاهده الحاكم من الأفعال الموجبة للحدود قبل القضاء أو بعده، فإنه لا يحكم فيها بعلمه إلا القذف، وما علمه قبل القضاء من حقوق الناس لم يحكم فيه بعلمه فى قول أبى حنيفة. وقال أبو يوسف ومحمد: يحكم فيما علمه قبل القضاء بعلمه. وقالت طائفة: لا يقضى بعلمه أصلا فى حقوق الله وحقوق الآدميين، وسواء علم ذلك قبل القضاء أو بعده أو فى مجلسه. هذا قول شريح والشعبى، وهو قول مالك وأحمد وإسحاق وأبى عبيد، وقال الأوزاعى: ما أقر به الخصمان عنده أخذهما به وأنفذه عليهما إلا الحدود.
واحتج الشافعى بحديث هند وأن النبى - صلى الله عليه وسلم - قضى لها ولولدها على أبى سفيان بنفقتهم ولم يسألها على ذلك بينة؛ لعلمه بأنها زوجته وأن نفقتها ونفقة ولدها واجبة فى ماله، فحكم بذلك على أبى سفيان لعلمه بوجوب ذلك، وأيضًا فإنه متيقن لصحة ما يقضى به إذا علمه علم يقين وليس كذلك الشهادة؛ لأنها قد تكون كاذبة أو واهمة.
وقد أجمعوا على أنه له أن يعدل ويسقط العدول بعلمه إذا علم أن ماشهدوا به على غير ما شهدوا به، وينفذ علمه فى ذلك ولا يقضى بشهادتهم، مثال ذلك أن يعلم بنتًا لرجل ولدت على فراشه، فإن أقام شاهدين أنها مملوكته فلا يجوز أن يقبل شهادتهما ويبيح له فرجًا حرامًا، وكذلك لو رأى رجلا قتل رجلا، ثم جئ بغير القاتل وشهد شاهدان أنه القاتل فلا يجوز أن يقبل الشهادة، وكذلك لو سمع رجلا طلق امرأته طلاقًا بائنًا، ثم ادعت عليه المرأة الطلاق وأنكر ذلك الزوج، فإن جعل القول قوله فقد أقامه على فرج حرام فيفسق به، ولم يكن له بد من أن لا يقبل قوله فيحكم بعلمه.
واحتج أصحاب أبى حنيفة بأن ما علمه الحاكم قبل القضاء فإنما حصل فى حال الابتداء على طريق الشهادة فلم يجز أن نجعله حاكمًا؛ لأنه لو حكم له لكان قد حكم بشهادة نفسه فكان متهمًا، وصار بمنزلة من قضى بدعواه على غيره، وأيضًا فإن علمه لما تعلق به الحكم على وجه الشهادة فإذا قضى به صار كالقاضى بشاهد واحد.
قالوا: والدليل على جواز حكمه بما علمه فى حال القضاء وفى مجلسه قوله - صلى الله عليه وسلم - : « إنما أقضى على نحو ما أسمع » ولم يفرق بين سماعه من الشهود أو المدعى عليه فيجب أن يحكم بما سمعه من المدعى عليه كما يحكم بما سمعه من الشهود.
واحتج أصحاب مالك فقالوا: الحاكم غير معصوم، ويجوز أن تلحقه الظنة فى أن يحكم لوليه على عدوه، فحسمت المادة فى ذلك بأن لا يحكم بعلمه؛ لأنه ينفرد به ولا يشركه غيره فيه. وأيضًا فإن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال فى حديث اللعان: « إن جاءت به على نعت كذا فهو للذى رميت به فجاءت به على العنت المكروه » ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : « لو كنت راجمًا أحدًا بغير بينة لرجمت هذه » وقد علم أنها زنت فلم يرجمها لعدم البينة، والنبى - صلى الله عليه وسلم - وإن كان لم يقطع أنها تأتى به على أحد النعتين فقد قطع على أنها إن جاءت به على أحدهما، فهو لمن وصف لا محالة، وهذا لا يكون منه إلا بعلم.
وروى عن أبى بكر الصديق أنه قال: لو رأيت رجلا على حد لم أحده حتى يشهد بذلك عندى شاهدان. ولا مخالف له فى الصحابة.
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 7 / ص 418)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ دَيْنٌ فَيَجْحَدُهُ أَوْ يَغْصِبُهُ شَيْئًا . ثُمَّ يُصِيبُ لَهُ مَالًا مِنْ جِنْسِ مَالِهِ . فَهَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مِقْدَارَ حَقِّهِ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : وَأَمَّا إذَا كَانَ لِرَجُلِ عِنْدَ غَيْرِهِ حَقٌّ مِنْ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ . فَهَلْ يَأْخُذُهُ أَوْ نَظِيرَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ؟ فَهَذَا نَوْعَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ ظَاهِرًا لَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتٍ مِثْلَ اسْتِحْقَاقِ الْمَرْأَةِ النَّفَقَةَ عَلَى زَوْجِهَا وَاسْتِحْقَاقَ الْوَلَدِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَالِدُهُ وَاسْتِحْقَاقِ الضَّيْفِ الضِّيَافَةَ عَلَى مَنْ نَزَلَ بِهِ فَهُنَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِدُونِ إذْنِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ بِلَا رَيْبٍ ؛ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عتبة بْنِ رَبِيعَةَ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَإِنَّهُ لَا يُعْطِينِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَبُنَيَّ . فَقَالَ : خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ } فَأَذِنَ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ نَفَقَتَهَا بِالْمَعْرُوفِ بِدُونِ إذْنِ وَلِيِّهِ . وَهَكَذَا مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ غُصِبَ مِنْهُ مَالُهُ غَصْبًا ظَاهِرًا يَعْرِفُهُ النَّاسُ فَأَخَذَ الْمَغْصُوبَ أَوْ نَظِيرَهُ مِنْ مَالِ الْغَاصِبِ . وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَهُوَ يَمْطُلُهُ فَأَخَذَ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ . وَالثَّانِي : أَلَّا يَكُونَ سَبَبُ الِاسْتِحْقَاقِ ظَاهِرًا . مِثْلَ أَنْ يَكُونَ قَدْ جَحَدَ دَيْنَهُ أَوْ جَحَدَ الْغَصْبَ وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُدَّعِي . فَهَذَا فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَد . وَالثَّانِي : لَهُ أَنْ يَأْخُذَ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ . وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَيُسَوِّغُ الْأَخْذَ مَنْ جِنْسِ الْحَقِّ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ وَلَا يُسَوِّغُ الْأَخْذَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَا الْغَرِيمِ . وَالْمُجَوِّزُونَ يَقُولُونَ : إذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ ثَبَتَتْ الْمُعَاوَضَةُ بِدُونِ إذْنِهِ لِلْحَاجَةِ ؛ لَكِنْ مَنْ مَنَعَ الْأَخْذَ مَعَ عَدَمِ ظُهُورِ الْحَقِّ اسْتَدَلَّ بِمَا فِي السُّنَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك } وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ { بَشِيرِ بْنِ الخصاصية أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لَنَا جِيرَانًا لَا يَدَعُونَ لَنَا شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إلَّا أَخَذُوهَا فَإِذَا قَدَرْنَا لَهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَنَأْخُذُهُ ؟ قَالَ : لَا أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك } . وَفِي السُّنَنِ عَنْ { النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ : إنَّ أَهْلَ الصَّدَقَةِ يَعْتَدُونَ عَلَيْنَا أَفَنَكْتُمُ مِنْ أَمْوَالِنَا بِقَدْرِ مَا يَعْتَدُونَ عَلَيْنَا ؟ قَالَ : لَا } رَوَاهُ أَبُو داود وَغَيْرُهُ . فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُبَيِّنُ أَنَّ [ حَقَّ ] الْمَظْلُومِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إذَا كَانَ [ سَبَبُهُ لَيْسَ ] ظَاهِرًا [ و ] أَخَذَهُ خِيَانَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ هُوَ يَقْصِدُ أَخْذَ نَظِيرِ حَقِّهِ ؛ لَكِنَّهُ خَانَ الَّذِي ائْتَمَنَهُ فَإِنَّهُ لَمَّا سَلَّمَ إلَيْهِ مَالَهُ فَأَخَذَ بَعْضَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَالِاسْتِحْقَاقُ [ لَيْسَ ] ظَاهِرًا كَانَ خَائِنًا . وَإِذَا قَالَ : أَنَا مُسْتَحِقٌّ لِمَا أَخَذْته فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَمْ يَكُنْ مَا ادَّعَاهُ ظَاهِرًا مَعْلُومًا . وَصَارَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَنْكَرَتْ نِكَاحَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَإِذَا قَهَرَهَا عَلَى الْوَطْءِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ ظَاهِرَةٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ . وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْحَاكِمَ حَكَمَ عَلَى رَجُلٍ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ بِبَيِّنَةٍ اعْتَقَدَ صِدْقَهَا وَكَانَتْ كَاذِبَةً فِي الْبَاطِنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا لِمَا هُوَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ . فَإِنْ قِيلَ لَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا يُمْنَعُ مِنْهُ ظَاهِرًا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُظْهِرَ ذَلِكَ قُدَّامَ النَّاسِ ؛ لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِإِنْكَارِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ فِي الظَّاهِرِ ؛ لَكِنَّ الشَّأْنَ إذَا كَانَ يُعْلَمُ سِرًّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ ؟ قِيلَ : فِعْلُ ذَلِكَ سِرًّا يَقْتَضِي مَفَاسِدَ كَثِيرَةً مَنْهِيٌّ عَنْهَا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي مَظِنَّةِ الظُّهُورِ وَالشُّهْرَةِ وَفِيهِ أَلَّا يَتَشَبَّهَ بِهِ مَنْ لَيْسَ حَالُهُ كَحَالِهِ فِي الْبَاطِنِ فَقَدْ يَظُنُّ الْإِنْسَانُ خَفَاءَ ذَلِكَ فَيُظْهِرَ مَفَاسِدَ كَثِيرَةً وَيَفْتَحَ أَيْضًا بَابَ التَّأْوِيلِ . وَصَارَ هَذَا كَالْمَظْلُومِ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ الِانْتِصَارُ إلَّا بِالظُّلْمِ كَالْمُقْتَصِّ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ الِاقْتِصَاصُ إلَّا بِعُدْوَانِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاقْتِصَاصُ . وَذَلِكَ أَنَّ نَفْسَ الْخِيَانَةِ مُحَرَّمَةُ الْجِنْسِ . فَلَا يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ بِهَا ؛ كَمَا لَوْ جَرَّعَهُ خَمْرًا أَوْ تلوط بِهِ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالزُّورِ : لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ هَذَا مُحَرَّمُ الْجِنْسِ . وَالْخِيَانَةُ مِنْ جِنْسِ الْكَذِبِ . فَإِنْ قِيلَ : هَذَا لَيْسَ بِخِيَانَةِ ؛ بَلْ هُوَ اسْتِيفَاءُ حَقٍّ . وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ خِيَانَةِ مَنْ خَانَ وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ مَالًا يَسْتَحِقُّ نَظِيرَهُ . قِيلَ هَذَا ضَعِيفٌ لِوُجُوهِ : أَحَدُهَا : أَنَّ الْحَدِيثَ فِيهِ { أَنَّ قَوْمًا لَا يَدَعُونَ لَنَا شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إلَّا أَخَذُوهَا . أَفَنَأْخُذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ بِقَدْرِ مَا يَأْخُذُونَ ؟ فَقَالَ : لَا أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك . وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك } . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ : { أَفَنَكْتُمُ مِنْ أَمْوَالِنَا بِقَدْرِ مَا يَأْخُذُونَ مِنَّا ؟ فَقَالَ : لَا } . الثَّانِي : أَنَّهُ قَالَ : { وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك } . وَلَوْ أَرَادَ بِالْخِيَانَةِ الْأَخْذَ عَلَى طَرِيقِ الْمُقَابَلَةِ لَمْ يَكُنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ خَانَهُ وَمَنْ لَمْ يَخُنْهُ وَتَحْرِيمُ مِثْلِ هَذَا ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ وَسُؤَالٍ . وَقَدْ قَالَ : { وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك } فَعُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّك لَا تُقَابِلُهُ عَلَى خِيَانَتِهِ فَتَفْعَلَ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِك . فَإِذَا أُودِعَ الرَّجُلُ مَالًا فَخَانَهُ فِي بَعْضِهِ ثُمَّ أُودِعَ الْأَوَّلُ نَظِيرَهُ فَفَعَلَ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : { وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك } . الثَّالِثُ : أَنَّ كَوْنَ هَذَا خِيَانَةً لَا رَيْبَ فِيهِ وَإِنَّمَا الشَّأْنُ فِي جَوَازِهِ عَلَى وَجْهِ الْقِصَاصِ ؛ فَإِنَّ الْأُمُورَ مِنْهَا مَا يُبَاحُ فِيهِ الْقِصَاصُ كَالْقَتْلِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَأَخْذِ الْمَالِ . وَمِنْهَا مَا لَا يُبَاحُ فِيهِ الْقِصَاصُ : كَالْفَوَاحِشِ وَالْكَذِبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . قَالَ تَعَالَى فِي الْأَوَّلِ : { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا } . وَقَالَ : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } . وَقَالَ : { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } . فَأَبَاحَ الْعُقُوبَةَ وَالِاعْتِدَاءَ بِالْمِثْلِ . فَلَمَّا قَالَ هَاهُنَا : { وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك } عُلِمَ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُبَاحُ فِيهِ الْعُقُوبَةُ بِالْمِثْلِ .
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 9 / ص 54)
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ إذَا تَحَاكَمَا فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ ؛ هَلْ الْقَوْلُ قَوْلُهَا ؟ أَمْ قَوْلُ الرَّجُلِ ؟ وَهَلْ لِلْحَاكِمِ تَقْدِيرُ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ بِشَيْءِ مُعَيَّنٍ ؟ وَالْمَسْئُولُ بَيَانُ حُكْمِ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِدَلَائِلِهِمَا .
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُقِيمَةً فِي بَيْتِ زَوْجِهَا مُدَّةً تَأْكُلُ وَتَشْرَبُ وَتَكْتَسِي كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ ؛ ثُمَّ تَنَازَعَ الزَّوْجَانِ فِي ذَلِكَ فَقَالَتْ هِيَ : أَنْتَ مَا أَنْفَقْت عَلَيَّ وَلَا كَسَوْتَنِي ؛ بَلْ حَصَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِك . وَقَالَ هُوَ : بَلْ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ كَانَتْ مِنِّي . فَفِيهَا قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ . " أَحَدُهُمَا " الْقَوْلُ قَوْلُهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَنَظِيرُ هَذَا أَنْ يُصْدِقَهَا تَعَلُّمَ صِنَاعَةٍ وَتَتَعَلَّمُهَا ثُمَّ يَتَنَازَعَانِ فِيمَنْ عَلِمَهَا فَيَقُولُ هُوَ : أَنَا عَلَّمْتهَا وَتَقُولُ هِيَ : أَنَا تَعَلَّمْتهَا مِنْ غَيْرِهِ . فَفِيهَا وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد . وَالصَّحِيحُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ . وَأَبُو حَنِيفَةَ يُوَافِقُ عَلَى أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ عِنْدَهُ كَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد . وَأَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ يَقُولُونَ : وَجَبَتْ عَلَى طَرِيقَةِ الصِّلَةِ فَتَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَالْجُمْهُورُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ يَقُولُونَ : وَجَبَتْ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ فَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ . وَلَكِنْ إذَا تَنَازَعَا فِي قَبْضِهَا فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد : الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَقْبُوضِ كَمَا لَوْ تَنَازُعًا فِي قَبْضِ الصَّدَاقِ . وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ ؛ فَإِذَا كَانَتْ الْعَادَةُ أَنَّ الرَّجُلَ يُنْفِقُ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهِ وَيَكْسُوهَا وَادَّعَتْ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يَسُوغُ غَيْرُهُ لِأَوْجُهِ : " أَحَدُهَا " أَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُمْ امْرَأَةٌ قُبِلَ قَوْلُهَا فِي ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ قَوْلُ الْمَرْأَةِ مَقْبُولًا فِي ذَلِكَ لَكَانَتْ الْهِمَمُ مُتَوَفِّرَةً عَلَى دَعْوَى النِّسَاءِ وَذَلِكَ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ . فَعُلِمَ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَقِرًّا بَيْنَهُمْ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا . " الثَّانِي " أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الرَّجُلِ إلَّا بِبَيِّنَةِ فَكَانَ يَحْتَاجُ إلَى الْإِشْهَادِ عَلَيْهَا كُلَّمَا أَطْعَمَهَا وَكَسَاهَا وَكَانَ تَرْكُهُ ذَلِكَ تَفْرِيطًا مِنْهُ إذَا تَرَكَ الْإِشْهَادَ عَلَى الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَمْ يَفْعَلْهُ مُسْلِمٌ عَلَى عَهْدِ السَّلَفِ . " الثَّالِثُ " أَنَّ الْإِشْهَادَ فِي هَذَا مُتَعَذِّرٌ أَوْ مُتَعَسِّرٌ فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ كَالْإِشْهَادِ عَلَى الْوَطْءِ ؛ فَإِنَّهُمَا لَوْ تَنَازَعَا فِي الْوَطْءِ وَهِيَ ثَيِّبٌ لَمْ يُقْبَلْ مُجَرَّدُ قَوْلِهَا فِي عَدَمِ الْوَطْءِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ ؛ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ ؛ بَلْ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ [ قَوْلَ ] الرَّجُلِ أَوْ يُؤْمَرُ بِإِخْرَاجِ الْمَنِيِّ أَوْ يُجَامِعُهَا فِي مَكَانٍ وَقَرِيبٍ مِنْهُمَا مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْوَطْءِ . عَلَى مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ مِنْ النِّزَاعِ . فَهُنَا دَعْوَاهَا وَافَقَتْ الْأَصْلَ وَلَمْ تُقْبَلْ لِتَعَذُّرِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ . وَالْإِنْفَاقُ فِي الْبُيُوتِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَلَا يُكَلَّفُ النَّاسُ الْإِشْهَادَ عَلَى إعْطَاءِ النَّفَقَةِ ؛ فَإِنَّ هَذَا بِدْعَةٌ فِي الدِّينِ وَحَرَجٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَاتِّبَاعٌ لِغَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ . " الرَّابِعُ " أَنَّ الْعُلَمَاءَ مُتَنَازِعُونَ : هَلْ يَجِبُ تَمْلِيكُ النَّفَقَةِ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ . وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَلَا يَجِبُ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا شَيْئًا ؛ بَلْ يُطْعِمُهَا وَيَكْسُوهَا بِالْمَعْرُوفِ . وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ فِي النِّسَاءِ { : لَهُنَّ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } " كَمَا فِي الْمَمْلُوكِ { وَكِسْوَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ } وَقَالَ : " { حَقُّهَا أَنْ تُطْعِمَهَا إذْ طَعِمْت وَتَكْسُوَهَا إذَا اكْتَسَيْت } كَمَا قَالَ فِي الْمَمَالِيكِ : " { إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ . } هَذِهِ عَادَةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ لَا يُعْلَمُ قَطُّ أَنَّ رَجُلًا فَرَضَ لِزَوْجَتِهِ نَفَقَةً ؛ بَلْ يُطْعِمُهَا وَيَكْسُوهَا . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ لَهُ وِلَايَةُ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا كَمَا لَهُ وِلَايَةُ الْإِنْفَاقِ عَلَى رَقِيقِهِ وَبَهَائِمِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ } وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ : الزَّوْجُ سَيِّدٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ . وَقَرَأَ قَوْلَهُ : { وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ } وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : النِّكَاحُ رِقٌّ ؛ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ عِنْدَ مَنْ يُرِقُّ كَرِيمَتَهُ . وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ وَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ } " فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الْمَرْأَةَ عَانِيَةٌ عِنْدَ الرَّجُلِ ؛ وَالْعَانِي الْأَسِيرُ وَأَنَّ الرَّجُلَ أَخَذَهَا بِأَمَانَةِ اللَّهِ فَهُوَ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهَا وَلِهَذَا أَبَاحَ اللَّهُ لِلرَّجُلِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ أَنْ يَضْرِبَهَا وَإِنَّمَا يُؤَدِّبُ غَيْرَهُ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ ؛ فَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ مُؤْتَمَنًا عَلَيْهَا وَلَهُ عَلَيْهَا وِلَايَةٌ : كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا اُؤْتُمِنَ عَلَيْهِ وَوُلِّيَ عَلَيْهِ كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى الْيَتِيمِ وَكَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ وَالشَّرِيكِ وَالْمُضَارِبِ وَالْمُسَاقِي وَالْمُزَارِعِ فِيمَا أَنْفَقَهُ عَلَى مَالِ الشَّرِكَةِ . وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ . وَعِنْدَ النِّكَاحِ مِنْ جِنْسِ الْمُشَارَكَةِ وَالْمُعَاوَضَةِ وَالرَّجُلُ مُؤْتَمَنٌ فِيهِ فَقَبُولُ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ قَبُولِ قَوْلِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَتْ الْمَرْأَةُ نَفَقَتَهَا مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَادَّعَتْ أَنَّهُ لَمْ يُعْطِهَا نَفَقَةً : قُبِلَ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّ الشَّارِعَ سَلَّطَهَا عَلَى ذَلِكَ ؛ كَمَا { قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدِ : خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ لَمَّا قَالَتْ : إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ ؛ وَإِنَّهُ لَا يُعْطِينِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي فَقَالَ : خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ } . وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الزَّوْجُ مُسَافِرًا عَنْهَا مُدَّةً وَهِيَ مُقِيمَةٌ فِي بَيْتِ أَبِيهَا وَادَّعَتْ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً وَلَا أَرْسَلَ إلَيْهَا بِنَفَقَةِ : فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا وَأَمْثَالُ ذَلِكَ . فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الْمَاضِي مُطْلَقًا فِي هَذَا الْبَابِ . وَهَذِهِ الْمَعَانِي مَنْ تَدَبَّرَهَا تَبَيَّنَ لَهُ سِرُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ قَبُولَ قَوْلِ النِّسَاءِ فِي عَدَمِ النَّفَقَةِ فِي الْمَاضِي فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ وَالْفَسَادِ . مَا لَا يُحْصِيهِ إلَّا رَبُّ الْعِبَادِ . وَهُوَ يَئُولُ إلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تُقِيمُ مَعَ الزَّوْجِ خَمْسِينَ سَنَةً ثُمَّ تَدَّعِي نَفَقَةَ خَمْسِينَ سَنَةً وَكِسْوَتَهَا وَتَدَّعِي أَنَّ زَوْجَهَا مَعَ يَسَارِهِ وَفَقْرِهَا لَمْ يُطْعِمْهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ شَيْئًا وَهَذَا مِمَّا يَتَبَيَّنُ النَّاسُ كَذِبَهَا فِيهِ قَطْعًا وَشَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ مُنَزَّهَةٌ عَنْ أَنْ يُحْكَمَ فِيهَا بِالْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ ؛ وَالظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ . " الْوَجْهُ الْخَامِسُ " أَنَّ الْأَصْلَ الْمُسْتَقِرَّ فِي الشَّرِيعَةِ أَنَّ الْيَمِينَ مَشْرُوعَةٌ فِي جَنَبَةِ أَقْوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ ؛ سَوَاءٌ تَرَجَّحَ ذَلِكَ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ ؛ أَوْ الْيَدِ الْحِسِّيَّةِ أَوْ الْعَادَةِ الْعَمَلِيَّةِ ؛ وَلِهَذَا إذَا تَرَجَّحَ جَانِبُ الْمُدَّعِي كَانَتْ الْيَمِينُ مَشْرُوعَةً فِي حَقِّهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد ؛ كَالْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ وَكَمَا لَوْ أَقَامَ شَاهِدًا عَدْلًا فِي الْأَمْوَالِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ لَهُ بِشَاهِدِ وَيَمِينٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُدَّعِي حُجَّةٌ تُرَجِّحُ جَانِبَهُ ؛ وَلِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فِي الزَّوْجَيْنِ إذَا تَنَازَعَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ يُحْكَمُ لِكُلِّ مِنْهُمَا بِمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِاسْتِعْمَالِهِ إيَّاهُ فَيُحْكَمُ لِلْمَرْأَةِ بِمَتَاعِ النِّسَاءِ وَلِلرَّجُلِ بِمَتَاعِ الرِّجَالِ ؛ وَإِنْ كَانَتْ الْيَدُ الْحِسِّيَّةُ مِنْهُمَا ثَابِتَةً عَلَى هَذَا وَهَذَا لِأَنَّهُ يَعْلَمُ بِالْعَادَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَتَصَرَّفُ فِي مَتَاعِ جِنْسِهِ . وَهُنَا الْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِأَنَّ الرَّجُلَ يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ وَيَكْسُوهَا فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ لَهَا جِهَةٌ تُنْفِقُ مِنْهَا عَلَى نَفْسِهَا أُجْرِيَ الْأَمْرُ عَلَى الْعَادَةِ : " الْوَجْهُ السَّادِسُ " أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ أَكَلَتْ وَاكْتَسَتْ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي وَذَلِكَ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الزَّوْجِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ . وَالْأَصْلُ عَدَمُ غَيْرِهِ فَيَكُونُ مِنْهُ كَمَا قُلْنَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ : إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي أَنَّهُ عَلَّمَهَا الصِّنَاعَةَ وَالْقِرَاءَةَ الَّتِي أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَهَا ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْحَادِثَ يُضَافُ إلَى السَّبَبِ الْمَعْلُومِ ؛ كَمَا لَوْ سَقَطَ فِي الْمَاءِ نَجَاسَةٌ فَرُئِيَ مُتَغَيِّرًا بَعْدَ ذَلِكَ وَشُكَّ هَلْ تَغَيَّرَ بِالنَّجَاسَةِ أَوْ غَيْرِهَا ؟ فَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ يُضَافُ التَّغَيُّرُ إلَى النَّجَاسَةِ . وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْتَى عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ فِيمَا إذَا رَمَى الصَّيْدَ وَغَابَ عَنْهُ وَلَمْ يَجِدْ فِيهِ أَثَرًا غَيْرَ سَهْمِهِ أَنَّهُ يَأْكُلُهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ سَبَبٍ آخَرَ زَهَقَتْ بِهِ نَفْسُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَدَّى فِي مَاءٍ أَوْ خَالَطَ كَلْبُهُ كِلَابًا أُخْرَى فَإِنَّ تِلْكَ لِأَسْبَابِ شَارَكَتْ فِي الزُّهُوقِ . وَبَسْطُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ غَيْرُ هَذَا .
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 9 / ص 55)
فَصْلٌ وَأَمَّا تَقْدِيرُ الْحَاكِمِ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ فَهَذَا يَكُونُ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِيهَا كَمَا يُقَدِّرُ مَهْرَ الْمِثْلِ إذَا تَنَازَعَا فِيهِ وَكَمَا يُقَدِّرُ مِقْدَارَ الْوَطْءِ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ يَضْرِبُهَا ؛ فَإِنَّ الْحُقُوقَ الَّتِي لَا يُعْلَمُ مِقْدَارُهَا إلَّا بِالْمَعْرُوفِ مَتَى تَنَازَعَ فِيهَا الْخَصْمَانِ قَدَّرَهَا وَلِيُّ الْأَمْرِ . وَأَمَّا الرَّجُلُ إذَا كَانَ يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ كَمَا جَرَتْ عَادَةُ مِثْلِهِ لِمِثْلِهَا : فَهَذَا يَكْفِي وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ الْحَاكِمِ . وَلَوْ طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا نَفَقَةً يُسَلِّمُهَا إلَيْهَا مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا بِالْمَعْرُوفِ فَالصَّحِيحُ مِنْ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّهُ لَا يَفْرِضُ لَهَا نَفَقَةً وَلَا يَجِبُ تَمْلِيكُهَا ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ ؛ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالِاعْتِبَارُ الْمَبْنِيُّ عَلَى الْعَدْلِ . وَالصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ مَرْجِعُهَا إلَى الْعُرْفِ وَلَيْسَتْ مُقَدَّرَةً بِالشَّرْعِ ؛ بَلْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْبِلَادِ وَالْأَزْمِنَةِ وَحَالِ الزَّوْجَيْنِ وَعَادَتِهِمَا ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ } " وَقَالَ : { لَهُنَّ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ . } وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } إلَى قَوْلِهِ : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } إلَى قَوْله تَعَالَى { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } . فَجَعَلَ الْمُبَاحَ أَحَدَ أَمْرَيْنِ : إمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ . وَأَخْبَرَ أَنَّ الرِّجَالَ لَيْسُوا أَحَقَّ بِالرَّدِّ إلَّا إذَا أَرَادُوا إصْلَاحًا ؛ وَجَعَلَ لَهُنَّ مِثْلَ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } وَقَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ } وَقَالَ تَعَالَى : { فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ } وَقَوْلُهُ هُنَا : { بِالْمَعْرُوفِ } . يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ رَضِيَتْ بِغَيْرِ الْمَعْرُوفِ لَكَانَ لِلْأَوْلِيَاءِ الْعَضْلُ وَالْمَعْرُوفُ تَزْوِيجُ الْكُفْءِ . وَقَدْ يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ : مَهْرُ مِثْلِهَا مِنْ الْمَعْرُوفِ ؛ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُهُ أُولَئِكَ . وَقَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ } إلَى قَوْلِهِ : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } فَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ التَّرَاضِيَ بِالْمَعْرُوفِ وَالْإِمْسَاكَ بِالْمَعْرُوفِ ؛ وَالتَّسْرِيحَ بِالْمَعْرُوفِ وَالْمُعَاشَرَةَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنَّ لَهُنَّ وَعَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ كَمَا قَالَ : { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } فَهَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ هُوَ الْوَاجِبُ الْعَدْلُ فِي جَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ مِنْ أُمُورِ النِّكَاحِ وَحُقُوقِ الزَّوْجَيْنِ ؛ فَكَمَا أَنَّ مَا يَجِبُ لِلْمَرْأَةِ عَلَيْهِ مِنْ الرِّزْقِ وَالْكِسْوَةِ هُوَ بِالْمَعْرُوفِ ؛ وَهُوَ الْعُرْفُ الَّذِي يَعْرِفُهُ النَّاسُ فِي حَالِهِمَا نَوْعًا وَقَدْرًا وَصِفَةً وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ حَالِهِمَا مِنْ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَالزَّمَانِ كَالشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ؛ وَالْمَكَانِ فَيُطْعِمُهَا فِي كُلِّ بَلَدٍ مِمَّا هُوَ عَادَةُ أَهْلِ الْبَلَدِ وَهُوَ الْعُرْفُ بَيْنَهُمْ . وَكَذَلِكَ مَا يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ الْمُتْعَةِ وَالْعِشْرَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهَا وَيَطَأَهَا بِالْمَعْرُوفِ . وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ حَالِهَا وَحَالِهِ . وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْوَطْءِ الْوَاجِبِ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْمَعْرُوفِ ؛ لَا بِتَقْدِيرِ مِنْ الشَّرْعِ قَرَّرْته فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ . وَالْمِثَالُ الْمَشْهُورُ هُوَ " النَّفَقَةُ " فَإِنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِالْمَعْرُوفِ تَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ حَالِ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُسْلِمِينَ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : هِيَ مُقَدَّرَةٌ بِالشَّرْعِ نَوْعًا وَقَدْرًا : مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ مُدًّا وَنِصْفًا أَوْ مُدَّيْنِ ؛ قِيَاسًا عَلَى الْإِطْعَامِ الْوَاجِبِ فِي الْكَفَّارَةِ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَالصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ مَا عَلَيْهِ الْأُمَّةُ عِلْمًا وَعَمَلًا قَدِيمًا وَحَدِيثًا ؛ فَإِنَّ الْقُرْآنَ قَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ قَالَ لِهِنْدِ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ لَمَّا قَالَتْ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَإِنَّهُ لَا يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ } فَأَمَرَهَا أَنْ تَأْخُذَ الْكِفَايَةَ بِالْمَعْرُوفِ وَلَمْ يُقَدِّرْ لَهَا نَوْعًا وَلَا قَدْرًا وَلَوْ تَقَدَّرَ ذَلِكَ بِشَرْعِ أَوْ غَيْرِهِ لَبَيَّنَ لَهَا الْقَدْرَ وَالنَّوْعَ كَمَا بَيَّنَ فَرَائِضَ الزَّكَاةِ وَالدِّيَاتِ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي خُطْبَتِهِ الْعَظِيمَةِ بِعَرَفَاتِ : { لَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ . } وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ هُوَ الْكِفَايَةُ بِالْمَعْرُوفِ فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكِفَايَةَ بِالْمَعْرُوفِ تَتَنَوَّعُ بِحَالَةِ الزَّوْجَةِ فِي حَاجَتِهَا وَبِتَنَوُّعِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَبِتَنَوُّعِ حَالِ الزَّوْجِ فِي يَسَارِهِ وَإِعْسَاره وَلَيْسَتْ كِسْوَةُ الْقَصِيرَةِ الضَّئِيلَةِ كَكُسْوَةِ الطَّوِيلَةِ الْجَسِيمَةِ وَلَا كِسْوَةُ الشِّتَاءِ كَكِسْوَةِ الصَّيْفِ وَلَا كِفَايَةُ طَعَامِهِ كَطَعَامِهِ وَلَا طَعَامُ الْبِلَادِ الْحَارَّةِ كَالْبَارِدَةِ وَلَا الْمَعْرُوفُ فِي بِلَادِ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ . كَالْمَعْرُوفِ فِي بِلَادِ الْفَاكِهَةِ وَالْخَمِيرِ . وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَد وَسُنَنِ أَبِي داود وَابْنِ ماجه عَنْ { حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ النميري عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ : قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ : تُطْعِمُهَا إذَا أَكَلْت وَتَكْسُوهَا إذَا اكْتَسَيْت ؛ وَلَا تَضْرِبُ الْوَجْهَ ؛ وَلَا تُقَبِّحْ ؛ وَلَا تَهْجُرْ إلَّا فِي الْبَيْتِ . } فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ لِلزَّوْجَةِ مَرَّةً أَنْ تَأْخُذَ كِفَايَةَ وَلَدِهَا بِالْمَعْرُوفِ وَقَالَ فِي الْخُطْبَةِ الَّتِي خَطَبَهَا يَوْمَ أَكْمَلَ اللَّهُ الدِّينَ فِي أَكْبَرِ مَجْمَعٍ كَانَ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ : { لَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وَقَالَ لِلسَّائِلِ الْمُسْتَفْتِي لَهُ عَنْ حَقِّ الزَّوْجَةِ : { تُطْعِمُهَا إذَا أَكَلْت وَتَكْسُوهَا إذَا اكْتَسَيْت } " وَلَمْ يَأْمُرْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ مُعَيَّنٍ ؛ لَكِنْ قَيَّدَ ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ تَارَةً وَبِالْمُوَاسَاةِ بِالزَّوْجِ أُخْرَى . وَهَكَذَا قَالَ فِي نَفَقَةِ الْمَمَالِيكِ ؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { : هُمْ إخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ؛ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ؛ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ؛ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ } وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا يُطِيقُ } فَفِي الزَّوْجَةِ وَالْمَمْلُوكِ أَمْرُهُ وَاحِدٌ : تَارَةً يَذْكُرُ أَنَّهُ يَجِبُ الرِّزْقُ وَالْكِسْوَةُ بِالْمَعْرُوفِ . وَتَارَةً يَأْمُرُ بِمُوَاسَاتِهِمْ بِالنَّفْسِ . فَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ جَعَلَ الْمَعْرُوفَ هُوَ الْوَاجِبُ وَالْمُوَاسَاةُ مُسْتَحَبَّةٌ . وَقَدْ يُقَالُ أَحَدُهُمَا تَفْسِيرٌ لِلْآخَرِ . وَعَلَى هَذَا فَالْوَاجِبُ هُوَ الرِّزْقُ وَالْكِسْوَةُ بِالْمَعْرُوفِ فِي النَّوْعِ وَالْقَدْرِ وَصِفَةِ الْإِنْفَاقِ . وَإِنْ كَانَ الْعُلَمَاءُ قَدْ تَنَازَعُوا فِي ذَلِكَ . أَمَّا " النَّوْعُ " فَلَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يُعْطِيَهَا مَكِيلًا كَالْبُرِّ وَلَا مَوْزُونًا كَالْخُبْزِ وَلَا ثَمَنَ ذَلِكَ كَالدَّرَاهِمِ ؛ بَلْ يُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ . فَإِذَا أَعْطَاهَا كِفَايَتَهَا بِالْمَعْرُوفِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ عَادَتُهُمْ أَكْلَ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ فَيُعْطِيَهَا ذَلِكَ . أَوْ يَكُونَ أَكْلَ الْخُبْزِ وَالْإِدَامِ فَيُعْطِيَهَا ذَلِكَ . وَإِنْ كَانَ عَادَتُهُمْ أَنْ يُعْطِيَهَا حَبًّا فَتَطْحَنَهُ فِي الْبَيْتِ فَعَلَ ذَلِكَ . وَإِنْ كَانَ يَطْحَنُ فِي الطَّاحُونِ وَيَخْبِزُ فِي الْبَيْتِ فَعَلَ ذَلِكَ . وَإِنْ كَانَ يَخْبِزُ فِي الْبَيْتِ فَعَلَ ذَلِكَ . وَإِنْ كَانَ يَشْتَرِي خُبْزًا مِنْ السُّوقِ فَعَلَ ذَلِكَ . وَكَذَلِكَ الطَّبِيخُ وَنَحْوُهُ فَعَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ وَلَا حَبَّاتٍ أَصْلًا ؛ لَا بِشَرْعِ وَلَا بِفَرْضِ ؛ فَإِنَّ تَعَيُّنَ ذَلِكَ دَائِمًا مِنْ الْمُنْكَرِ لَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ مُضِرٌّ بِهِ تَارَةً وَبِهَا أُخْرَى . وَكَذَلِكَ " الْقَدْرُ " لَا يَتَعَيَّنُ مِقْدَارٌ مُطَّرِدٌ ؛ بَلْ تَتَنَوَّعُ الْمَقَادِيرُ بِتَنَوُّعِ الْأَوْقَاتِ . وَأَمَّا " الْإِنْفَاقُ " فَقَدْ قِيلَ : إنَّ الْوَاجِبَ تَمْلِيكَهَا النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ . وَقِيلَ : لَا يَجِبُ التَّمْلِيكُ . وَهُوَ الصَّوَابُ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ الْمَعْرُوفَ ؛ بَلْ عُرْفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا أَنَّ الرَّجُلَ يَأْتِي بِالطَّعَامِ إلَى مَنْزِلِهِ فَيَأْكُلُ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَمَمْلُوكُهُ : تَارَةً جَمِيعًا . وَتَارَةً أَفْرَادًا . وَيَفْضُلُ مِنْهُ فَضْلٌ تَارَةً فَيَدَّخِرُونَهُ وَلَا يَعْرِفُ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ يُمَلِّكُهَا كُلَّ يَوْمٍ دَرَاهِمَ تَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمَالِكِ ؛ بَلْ مَنْ عَاشَرَ امْرَأَةً بِمِثْلِ هَذَا الْفَرْضِ كَانَا عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ تَعَاشَرَا بِغَيْرِ الْمَعْرُوفِ وَتَضَارَّا فِي الْعِشْرَةِ ؛ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ أَحَدُهُمَا ذَلِكَ بِصَاحِبِهِ عِنْدَ الضَّرَرِ ؛ لَا عِنْدَ الْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ . وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْجَبَ فِي الزَّوْجَةِ مِثْلَ مَا أَوْجَبَ فِي الْمَمْلُوكِ . تَارَةً قَالَ : " { لَهُنَّ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } " كَمَا قَالَ فِي الْمَمْلُوكِ . وَتَارَةً قَالَ : { تُطْعِمُهَا إذَا أَكَلْت وَتَكْسُوهَا إذَا اكْتَسَيْت } " كَمَا قَالَ فِي الْمَمْلُوكِ . وَقَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَمْلِيكُ الْمَمْلُوكِ نَفَقَتَهُ فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يَقْتَضِي إيجَابَ التَّمْلِيكِ . وَإِذَا تَنَازَعَ الزَّوْجَانِ فَمَتَى اعْتَرَفَتْ الزَّوْجَةُ أَنَّهُ يُطْعِمهَا إذَا أَكَلَ وَيَكْسُوهَا إذَا اكْتَسَى وَذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ لِمِثْلِهَا فِي بَلَدِهَا فَلَا حَقَّ لَهَا سِوَى ذَلِكَ . وَإِنْ أَنْكَرَتْ ذَلِكَ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ أَنْ يُنْفِقَ بِالْمَعْرُوفِ ؛ بَلْ وَلَا لَهُ أَنْ يَأْمُرَ بِدَرَاهِمَ مُقَدَّرَةٍ مُطْلَقًا أَوْ حَبٍّ مُقَدَّرٍ مُطْلَقًا ؛ لَكِنْ يَذْكُرُ الْمَعْرُوفَ الَّذِي يَلِيقُ بِهِمَا .(1/151)
نَفَقَةُ الْمَرْأَةِ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا ، وَذِكْرُ اخْتِلَافِ أَيُّوبَ وَابْنِ جُرَيْجٍ في حديثِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ أَسْمَاءَ
294-7949 أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَفَّانُ قَالَ : حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ : حَدَّثَنَا أَيُّوبُ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ : قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ بَيْتَهُ فَآخُذُ مِنْ مَالِهِ قَالَ : " أَنْفِقِي وَلَا تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكِ "(1)
__________
(1) - مصنف عبد الرزاق برقم ( 16615) ومسند أحمد برقم( 27671) وصحيح البخارى برقم( 1433 ) و سنن أبى داود برقم( 1701 ) وسنن الترمذىبرقم( 2087 ) بألفاظ مقاربة
فتح الباري لابن حجر - (ج 5 / ص 35)
1343 - حَدِيث أَسْمَاء وَهِيَ بِنْت أَبِي بَكْر الصِّدِّيق " لَا تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْك " كَذَا عِنْدَهُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَاعِلَ ، وَفِي رِوَايَةِ لَهُ " لَا تُحْصِي فَيُحْصِي اللَّهُ عَلَيْك " فَأَبْرَزَ الْفَاعِل ، وَكِلَاهُمَا بِالنَّصْبِ لِكَوْنِهِ جَوَاب النَّهْي وَبِالْفَاء .
قَوْله : ( عَبْدَة )
هُوَ اِبْن سُلَيْمَان ، وَهِشَام هُوَ اِبْن عُرْوَة ، وَفَاطِمَة هِيَ بِنْت الْمُنْذِر بْن الزُّبَيْر وَهِيَ زَوْجُ هِشَام ، وَأَسْمَاء جَدَّتُهُمَا لِأَبَوَيْهِمَا . وَقَوْله ( حَدَّثَنَا عُثْمَان عَنْ عَبْدَة ) أَيْ : بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيث كَانَ عِنْدَ عَبْدَة عَنْ هِشَام بِاللَّفْظَيْنِ فَحَدَّثَ بِهِ تَارَةً هَكَذَا وَتَارَةً هَكَذَا ، وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَة عَنْ هِشَام بِاللَّفْظَيْنِ مَعًا ، وَسَيَأْتِي فِي الْهِبَةِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ مِنْ طَرِيقِ اِبْنِ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَام بِاللَّفْظَيْنِ ، لَكِنْ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ بَدَلَ الْكَاف ، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ ، يُقَالُ أَوْعَيْت الْمَتَاع فِي الْوِعَاءِ أُوعِيهِ إِذَا جَعَلْته فِيهِ ، وَوَعَيْت الشَّيْءَ حَفِظْته ، وَإِسْنَاد الْوَعْي إِلَى اللَّهِ مَجَازٌ عَنْ الْإِمْسَاكِ . وَالْإِيكَاءُ شَدُّ رَأْس الْوِعَاء بِالْوِكَاءِ وَهُوَ الرِّبَاطُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ ، وَالْإِحْصَاءُ مَعْرِفَة قَدْر الشَّيْء وَزْنًا أَوْ عَدَدًا ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُقَابَلَةِ ، وَالْمَعْنَى النَّهْي عَنْ مَنْع الصَّدَقَة خَشْيَة النَّفَادِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَعْظَم الْأَسْبَاب لِقَطْعِ مَادَّة الْبَرَكَة ، لِأَنَّ اللَّهَ يُثِيبُ عَلَى الْعَطَاءِ بِغَيْرِ حِسَاب ، وَمَنْ لَا يُحَاسَبُ عِنْدَ الْجَزَاءِ لَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعَطَاءِ ، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ يَرْزُقُهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ فَحَقُّهُ أَنْ يُعْطِيَ وَلَا يَحْسِبَ . وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِالْإِحْصَاءِ عَدُّ الشَّيْءِ لِأَنْ يُدَّخَرَ وَلَا يُنْفَقَ مِنْهُ ، وَأَحْصَاهُ اللَّهُ قَطَعَ الْبَرَكَةَ عَنْهُ أَوْ حَبَسَ مَادَّة الرِّزْق أَوْ الْمُحَاسَبَة عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ . وَسَيَأْتِي ذِكْر سَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَاب الْهِبَة مَعَ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . قَالَ اِبْن رَشِيد : قَدْ تَخْفَى مُنَاسَبَة حَدِيثِ أَسْمَاء لِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ ، وَلَيْسَ بِخَافٍ عَلَى الْفَطِنِ مَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّحْرِيض وَالشَّفَاعَة مَعًا فَإِنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يُقَالَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ، وَهَذِهِ هِيَ النُّكْتَةُ فِي خَتْمِ الْبَابِ بِهِ .
عون المعبود - (ج 4 / ص 107)
1448 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( مَا لِي )
: مَا نَافِيَة
( إِلَّا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْر )
: اِسْم زَوْجهَا
( وَلَا تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْك )
: قَالَ الْخَطَّابِيُّ : مَعْنَاهُ وَأَعْطِي مِنْ نَصِيبك مِنْهُ وَلَا تُوكِي أَيْ لَا تَدَّخِرِي وَالْإِيكَاء شَدُّ رَأْس الْوِعَاء بِالْوِكَاءِ وَهُوَ الرِّبَاط الَّذِي يُرْبَط بِهِ يَقُول لَا تَمْنَعِي مَا فِي يَدك فَتَنْقَطِع مَادَّة الرِّزْق عَلَيْك . وَفِيهِ وَجْه آخَر أَنَّ صَاحِب الْبَيْت إِذَا أَدْخَلَ الشَّيْء بَيْته كَانَ ذَلِكَ فِي الْعُرْف مُفَوَّضًا إِلَى رَبَّة الْمَنْزِل فَهِيَ تُنْفِق مِنْهُ قَدْر الْحَاجَة فِي الْوَقْت وَرُبَّمَا تَدَّخِر مِنْهُ الشَّيْء لِغَابِرِ الزَّمَان ، فَكَأَنَّهُ قَالَ إِذَا كَانَ الشَّيْء مُفَوَّضًا إِلَيْك مَوْكُولًا إِلَى تَدْبِيرك فَاقْتَصِرِي عَلَى قَدْر الْحَاجَة لِلنَّفَقَةِ وَتَصَدَّقِي بِالْبَاقِي مِنْهُ وَلَا تَدَّخِرِيهِ وَاَللَّه أَعْلَم .
قَالَ الْمُنْذِرِيّ : أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم مِنْ حَدِيث اِبْن أَبِي مُلَيْكَة عَنْ عَبَّاد بْن عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر عَنْ أَسْمَاء مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا بِنَحْوِهِ .
تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 197)
1883 - قَوْلُهُ : ( حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ )
بْنُ مَرْوَانَ السَّعْدِيِّ أَبُو صَالِحٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنْ الثَّامِنَةِ
( حَدَّثَنَا أَيُّوبُ )
هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ .
قَوْلُهُ : ( إِنَّهُ لَيْسَ لِي مِنْ شَيْءٍ )
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ : مَا لِي مَالٌ
( إِلَّا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ )
بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ
( الزُّبَيْرُ )
هُوَ اِبْنُ الْعَوَّامِ كَانَ زَوْجَهَا
( أَفَأُعْطِي )
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ : أَفَأَتَصَدَّقُ
( لَا تُوكِي )
مِنْ أَوْكَى يُوكِي إِيكَاءً ، يُقَالُ أَوْكَى مَا فِي سِقَائِهِ إِذَا شَدَّهُ بِالْوِكَاءِ وَهُوَ الْخَيْطِ الَّذِي يَشُدُّ بِهِ رَأْسَ الْقِرْبَةِ وَأَوْكَى عَلَيْنَا أَوْ بَخَلَ
( فَيُوكَى عَلَيْك )
بِفَتْحِ الْكَافِ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ : فَيُوكِي اللَّهُ عَلَيْك . قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ : أَيْ لَا تَدَّخِرِي وَتَشُدِّي مَا عِنْدَك وَتَمْنَعِي مَا فِي يَدِك ، فَتَنْقَطِعَ مَادَّةُ الرِّزْقِ عَنْك اِنْتَهَى . فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ تُنَمِّي الْمَالَ وَتَكُونُ سَبَبًا إِلَى الْبَرَكَةِ وَالزِّيَادَةِ فِيهِ ، وَأَنَّ مَنْ شَحَّ وَلَمْ يَتَصَدَّقْ فَإِنَّ اللَّهَ يُوكِي عَلَيْهِ وَيَمْنَعُهُ مِنْ الْبَرَكَةِ فِي مَالِهِ وَالنَّمَاءِ فِيهِ
( يَقُولُ لَا تُحْصِي فَيُحْصَى عَلَيْك )
هَذَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ : ( لَا تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْك ) مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ ، وَضَمِيرُ يَقُولُ رَاجِعٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَنْفِقِي وَلَا تُحْصِي فَيُحْصِي اللَّهُ عَلَيْك ، وَلَا تُوعِي فَيُوعِي اللَّهُ عَلَيْك " قَالَ الْحَافِظُ : الْإِحْصَاءُ مَعْرِفَةُ قَدْرِ الشَّيْءِ وَزْنًا أَوْ عَدَدًا وَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُقَابَلَةِ ، وَالْمَعْنَى النَّهْيُ عَنْ مَنْعِ الصَّدَقَةِ خَشْيَةَ النَّفَادِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ الْأَسْبَابِ لِقَطْعِ مَادَّةِ الْبَرَكَةِ لِأَنَّ اللَّهَ يُثِيبُ عَلَى الْعَطَاءِ بِغَيْرِ حِسَابٍ . وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْإِحْصَاءِ عَدُّ الشَّيْءِ لِأَنْ يُدَّخَرَ وَلَا يُنْفِقُ مِنْهُ ، وَإِحْصَاءُ اللَّهِ قَطْعُ الْبَرَكَةَ عَنْهُ أَوْ حَبْسُ بِمَادَّةِ الرِّزْقِ أَوْ الْمُحَاسِبَةُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ اِنْتَهَى .
قَوْلُهُ : ( وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ )
أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ ، فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا .
قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الزَّكَاةِ وَفِي الْهِبَةِ ، وَمُسْلِمٌ فِي الزَّكَاةِ ، وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ
( وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ اِبْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ )
رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ اِبْنِ جُرَيْجٍ عَنْ اِبْنِ أَبِي مَلِيكَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَسْمَاءَ
( وَرَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا عَنْ أَيُّوبَ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ )
قَالَ الْحَافِظُ : وَقَدْ رَوَى أَيُّوبُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ اِبْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَصَحَّحَهُ النَّسَائِيُّ ، وَصَرَّحَ أَيُّوبُ عَنْ اِبْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ بِتَحْدِيثِ أَسْمَاءَ لَهُ بِذَلِكَ ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ عَبَّادٍ عَنْهَا ثُمَّ حَدَّثَتْهُ بِهِ اِنْتَهَى .
عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 10 / ص 41)
3341 - حدثنا ( صدقة بن الفضل ) قال أخبرنا ( عبدة ) عن ( هشام ) عن ( فاطمة ) عن ( أسماء ) رضي الله تعالى عنها قالت قال لي النبي صلى الله عليه وسلم لا توكي فيوكى عليك
مطابقته للترجمة من حيث المعنى لأنه نهى عن الإيكاء وهو لا يفعل إلا للإدخار فكان المعنى لا تدخري وتصدقي
ذكر رجاله وهم خمسة الأول صدقة بن الفضل أبو الفضل مر في باب العلم الثاني عبدة بفتح العين وسكون الباء الموحدة ابن سليمان الثالث هشام بن عروة بن الزبير الرابع فاطمة بنت المنذر بن الزبير الخامس أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وفيه الإخبار كذلك في موضع واحد وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه مروزي وعبدة كوفي والبقية مدنيون وفيه رواية التابعية عن الصحابية
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا عن عثمان بن أبي شيبة وفي الهبة عن عبيد الله ابن سعيد وأخرجه مسلم في الزكاة عن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن آدم وفي عشرة النساء عن هناد عن عبدة ذكر معناه قوله لا توكي من أوكى يوكي إيكاء يقال أوكى ما في سقائه إذا شده بالوكاء وهو الخيط الذي يشد به رأس القربة وأوكى علينا أي بخل وفي ( التلويح ) قوله لا توكي أي لا تدخري وتمنعي ما في يدك قلت هذا ليس بتفسيره لغة وإنما معناه لا توكي للادخار قوله فيوكى عليك بفتح الكاف فيوكى على صيغة المجهول وفي رواية مسلم فيوكي الله عليك والمعنى لا توكي مالك عن الصدقة خشية نفاده فيوكي الله عليك أو يمنعك ويقطع مادة الرزق عنك
فدل الحديث على أن الصدقة تنمي المال وتكون سببا إلى البركة والزيادة فيه وأن من شح ولم يتصدق فإن الله يوكي عليه ويمنعه من البركة في ماله والنماء فيه
حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن عبدة وقال لا تحصى فيحصي الله عليك
هذا طريق آخر عن عثمان بن أبي شيبة عن عبدة بالإسناد المذكور والظاهر أن عبدة روى الحديث باللفظين أحدهما لا توكي فيوكى عليك والآخر لا تحصى فيحصي الله عليك وروى النسائي من طريق أبي معاوية عن هشام باللفظين معا وسيأتي في الهبة عند البخاري من طريق ابن نمير عن هشام باللفظين لكن لفظه لا توعي بعين مهملة بدل لا توكى من أوعيت المتاع في الوعاء أوعيه إذا جعلته فيه ووعيت الشيء حفظته قوله لا تحصى من الإحصاء وهو معرفة قدر الشيء أو وزنه أو عدده وهذا مقابلة اللفظ باللفظ وتجنيس الكلام في مثله في جوابه أي يمنعك كما منعت كقوله تعالى ومكروا ومكر الله ( آل عمران 45 ) وقيل معناه لا تحصي ما تعطي فتستكثريه فيكون سببا لانقطاعه وقيل قد يراد بالإحصاء والوعي عنا عده خوف أن تزول البركة منه كما قالت عائشة حتى كلناه ففني وقيل إن عائشة عددت ما أنفقته فنهاها رسول الله عن ذلك
فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (ج 3 / ص 296)
1165 - (أعطي) بإثبات الياء خطاباً لأسماء بنت أبي بكر (ولا توكي) بسكون الياء أي لا تدخري ولا تربطي الوكاء وهو الخيط يربط به (فيوكى عليك) بسكون الألف، قال ابن حجر: هو عند البخاري بفتح الكاف ولم يذكر الفاعل وفي رواية له: لا تحصي فيحصي الله عليك، فأبرز الفاعل، قال: وكلاهما بالنصب لكون جواب النهي بالفاء، والإيكاء شد رأس الوعاء بالوكاء وهو هنا مجاز عن الإمساك فالمعنى لا تمسكي المال في الوعاء وتوكي عليه فيمسك الله فضله عنك كما أمسكت فضل ما أعطاك الله فإن الجزاء من جنس العمل، ومن علم أن الله يرزقه من حيث لا يحتسب فحقه أن يعطي ولا يحسب، وفيه النهي عن منع الصدقة خشية النفاد وأنه أعظم الأسباب لقطع مادّة البركة وأنه تعالى يثيب على العطاء بغير حساب. - (د عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق، قالت، يا رسول الله، ما لي شيء إلا ما أدخل علي الزبير بيته أفأعطي منه؟ فذكره. سكت عليه أبو داود فهو صالح.
دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين - (ج 4 / ص 457)
16 ــــ (وعن أسماء) بسكون المهملة بعدها ميم ألف ممدودة (بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما) تقدمت ترجمتها في باب برّ الوالدين (قالت: قال لي رسول الله : لا توكي) قال في «النهاية»: أي لا تدخري وتشدي ما عندك وتمنعي ما في يدك (فيوكي) بالنصب: أي فيقطع (ا عليك) مادة الرزق، والجزاء من جنس العمل وهذا مفهوم قوله تعالى: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} (سبأ:39). (وفي رواية) هي لمسلم في الزكاة من «صحيحه» (أنفقي أو) شك من الراوي (انفحي أو انضحي) قال المصنف: بكسر الضاد المعجمة، والمعنى: أعطي النضح والنفح العطاء، ويطلق النضح على الصبّ فلعله المراد هنا ويكون أبلغ من النفح (ولا تحصي) أي تمسكي المال وتدخريه من غير إنفاق منه (فيحصى) كذا هو في نسخ الرياض بالمبنى للمجهول وفي الزكاة من البخاري ومسلم فيحصي الله (عليك) بذكر الفاعل ولعل حذفه من نسخ الرياض إن لم يكن من سبق القلم من المصنف من تحريف الكتاب: أي يمسك عنك مادة الرزق والبركة فيه ويناقشك الحساب في الموقف، إذ أصل الإحاطة بالشيء جملة وتفصيلاً، وهذا فيه تلف أيّ تلف، فيكون مطابقاً لأعط كل ممسك تلفاً، ويستفاد منه أن الممسك يعاقب بتلف ما عنده وحبس مادة رزقه والبركة فيه ومناقشة الحساب، وقد قال : «من نوقش الحساب عذّب» وهذا أبلغ وأليق بمقام التنفير والتغليظ (ولا توعي) أي لا تمنعي ما فضل عنك عمن هو محتاج إليه (فيوعي) بالنصب (ا عليك) أي يصيبك على أعمالك بالتشديد عليك في الحساب أو يمنع عنك فضله وجوده، وبهذا يعلم أن هذه بمعنى ما قبلها وأن القصد مزيد التأكيد والحث على الإنفاق (متفق عليه) رواه مسلم بجملته وإن اقتصر المصنف على عزو قوله وفي رواية إليه، والبخاري روى عنها في حديث أن النبي قال لها: «لا توكي فيوكى عليك» وعند بعض رواته قال: «لا تحصي فيحصي الله عليك» وفي حديث آخر عنها أن النبي قال لها: «لا توعي فيوعي الله عليك انضحي ما استطعت» (وانفحي) بسكون النون وفتح الفاء (وبالحاء المهملة وهو بمعنى أنفقي وكذلك) أي ككون انفحي بمعنى أنفقي (أنضحي) فانفحي المشار إليه مشبه به وانضحي مشبه، قال في «شرح مسلم»: معنى انفحي وانضحي: أعطي النفح، والنضح: العطاء.
المحلى لابن حزم - (ج 4 / ص 235)
1396 - مَسْأَلَةٌ : وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ الْحَجْرُ أَيْضًا عَلَى امْرَأَةٍ ذَاتِ زَوْجٍ ; ، وَلاَ بِكْرٍ ذَاتِ أَبٍ , وَلاَ غَيْرِ ذَاتِ أَبٍ وَصَدَقَتُهُمَا , وَهِبَتُهُمَا : نَافِذٌ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إذَا حَاضَتْ كَالرَّجُلِ سَوَاءً سَوَاءً
وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَأَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِهِمْ.
وقال مالك : لَيْسَ لِذَاتِ الزَّوْجِ إِلاَّ الثُّلُثُ فَقَطْ تَهَبُهُ وَتَتَصَدَّقُ بِهِ أَحَبَّ زَوْجُهَا أَمْ كَرِهَ فَإِذَا مَضَتْ لَهَا مُدَّةٌ جَازَ لَهَا فِي ثُلُثِ مَا بَقِيَ أَيْضًا أَنْ تَفْعَلَ فِيهِ مَا شَاءَتْ أَحَبَّ زَوْجُهَا أَمْ كَرِهَ وَهَكَذَا أَبَدًا , فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَرِيبًا مِنْ فِعْلِهَا فِي الأَوَّلِ : فُسِخَ فَإِنْ زَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ رَدَّ الْكُلَّ أَوَّلَهُ ، عَنْ آخِرِهِ , بِخِلاَفِ الْمَرِيضِ إنْ شَاءَ زَوْجُهَا أَنْ يَرُدَّهُ , وَإِنْ أَنْفَذَهُ نَفَذَ , فَإِنْ خَفِيَ ذَلِكَ ، عَنْ زَوْجِهَا حَتَّى تَمُوتَ أَوْ يُطَلِّقَهَا نَفَذَ كُلُّهُ قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ صَاحِبُهُ : بَلْ لاَ يَرُدُّ الزَّوْجُ إِلاَّ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَقَطْ , وَيَنْفُذُ لَهَا الثُّلُثُ كَالْمَرِيضِ. قَالَ مَالِكٌ : فَإِنْ وَهَبَتْ لِزَوْجِهَا. مَالَهَا كُلَّهُ نَفَذَ ذَلِكَ ,
وَأَمَّا بَيْعُهَا وَابْتِيَاعُهَا فَجَائِزٌ أَحَبَّ زَوْجُهَا أَمْ كَرِهَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُحَابَاةٌ. قَالَ :
وَأَمَّا الْبِكْرُ فَمَحْجُورَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ ذَاتَ أَبٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرَ ذَاتِ أَبٍ لاَ يَجُوزُ لَهَا فِعْلٌ فِي مَالِهَا , وَلاَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ , وَلاَ أَنْ تَضَعَ ، عَنْ زَوْجِهَا مِنْ الصَّدَاقِ وَإِنْ عَنَسَتْ حَتَّى تَدْخُلَ بَيْتَ زَوْجِهَا , وَيُعْرَفُ مِنْ حَالِهَا فَإِنْ وَهَبَتْ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ : كَانَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَتْ إِلاَّ إنْ كَانَ يَسِيرًا , قَالَ :
وَأَمَّا الَّتِي كَانَ لَهَا زَوْجٌ ثُمَّ تَأَيَّمَتْ فَكَالرَّجُلِ فِي نَفَاذِ حُكْمِهَا فِي مَالِهَا كُلِّهِ.
وَأَمَّا الْمُتَقَدِّمُونَ : فَرُوِّينَا عَنْهُمْ أَقْوَالاً :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ إسْمَاعِيلِ بْنِ خَالِدٍ , وَزَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ , كِلاَهُمَا ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ : عَهِدَ إلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ لاَ أُجِيزَ عَطِيَّةَ جَارِيَةٍ حَتَّى تَلِدَ وَلَدًا , أَوْ تَحُولَ فِي بَيْتِهَا حَوْلاً.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا الشَّعْبِيُّ قَالَ : قَالَ شُرَيْحٌ : أَمَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ لاَ أُجِيزَ لِجَارِيَةٍ مُمَلَّكَةٍ عَطِيَّةً حَتَّى تَحِيلَ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا حَوْلاً أَوْ تَلِدَ وَلَدًا , قَالَ : فَقُلْت لِلشَّعْبِيِّ : كَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ فَقَالَ : بَلْ شَافَهَهُ بِهِ مُشَافَهَةً.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنْ مُجَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : قَرَأْت كِتَابَ عُمَرَ إلَى شُرَيْحٍ بِذَلِكَ , وَذَلِكَ أَنَّ جَارِيَةً مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ لَهَا أَخُوهَا وَهِيَ مُمَلَّكَةٌ : تَصَدَّقِي عَلَيَّ بِمِيرَاثِك مِنْ أَبِيك فَفَعَلَتْ , ثُمَّ طَلَبَتْ مِيرَاثَهَا فَرَدَّهُ عَلَيْهَا وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ ، عَنْ خِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : لاَ تُجِيزُوا نَحْلَ امْرَأَةٍ بِكْرٍ حَتَّى تَحِيلَ حَوْلاً فِي بَيْتِ زَوْجِهَا أَوْ تَلِدَ وَلَدًا.
قال أبو محمد رحمه الله :
وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ , وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ , وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ كُلُّهُمْ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ : أَنَّ شُرَيْحًا قَالَ فِي الْمَرْأَةِ إذَا وَهَبَتْ مِنْ مَالِهَا : فَإِنَّهُ لاَ تَجُوزُ لَهَا هِبَتُهَا حَتَّى تَلِدَ وَلَدًا , أَوْ تَبْلُغَ , أَنَّى ذَلِكَ وَهُوَ سُنَّةٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنِ الْحَسَنِ , وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ , قَالَ مُحَمَّدٌ : لاَ تَجُوزُ لأَمْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ حَتَّى تَحُولَ حَوْلاً أَوْ تَلِدَ وَلَدًا , فَقَالَ الْحَسَنُ : حَتَّى تَلِدَ وَلَدًا أَوْ تَبْلُغَ , أَنَّى ذَلِكَ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ ، عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ قَالاَ جَمِيعًا : لِلْيَتِيمَةِ خِنَاقَانِ لاَ يَجُوزُ لَهَا شَيْءٌ مِنْ مَالِهَا حَتَّى تَلِدَ وَلَدًا , أَوْ تَمْضِيَ عَلَيْهَا سَنَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ , وَالشَّعْبِيِّ , إِلاَّ أَنَّهُ اخْتَلَفَ عَنْهُ إذَا عَنَسَتْ قَبْلَ ذَلِكَ فَرُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ : قُلْت لِلشَّعْبِيِّ : أَرَأَيْت إنْ عَنَسَتْ أَيَجُوزُ يَعْنِي هِبَتَهَا قَالَ : نَعَمْ.
وَرُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قُلْت لِلشَّعْبِيِّ : أَرَأَيْت إنْ عَنَسَتْ قَالَ : لاَ يَجُوزُ , كِلاَهُمَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ وَكِيعٍ , وَابْنِ أَبِي زَائِدَةَ
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ : إذَا حَالَتْ فِي بَيْتِهَا حَوْلاً جَازَ لَهَا مَا صَنَعَتْ , قَالَ الْمُغِيرَةُ , وَقَالَ إبْرَاهِيمُ : إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ أَوْ وَلَدَ مِثْلُهَا جَازَتْ هِبَتُهَا
وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ , وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَقَوْلٌ آخَرُ رُوِيَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ , وَهُوَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِذَاتِ زَوْجٍ عَطِيَّةٌ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِهَا إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ الْعَرْزَمِيِّ عَبْدِ الْمَلِكِ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : لاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَصَدَّقَ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلاَّ بِإِذْنِهِ , وَأَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ كَانَتْ لاَ تَعْتِقُ وَلَهَا سِتُّونَ سَنَةً إِلاَّ بِإِذْنِ ابْنِ عُمَرَ.
قال أبو محمد رحمه الله : هَذَا لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَرَى لَهَا ذَلِكَ جَائِزًا دُونَ إذْنِهِ , لَكِنَّهُ عَلَى حُسْنِ الصُّحْبَةِ فَقَطْ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : لاَ تَجُوزُ لأَمْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا وَقَدْ رُوِيَ هَذَا ، عَنِ الْحَسَنِ , وَمُجَاهِدٍ
وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ , فَلَمْ يُجِزْ لِذَاتِ الزَّوْجِ عِتْقًا , وَلاَ حُكْمًا فِي صَدَاقِهَا ، وَلاَ غَيْرِهِ إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا إِلاَّ الشَّيْءُ الْيَسِيرُ الَّذِي لاَ بُدَّ لَهَا مِنْهُ فِي صِلَةِ رَحِمٍ أَوْ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِنَا :
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغَبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَتْ : كُنْت أَخْدِمُ الزُّبَيْرَ خِدْمَةَ الْبَيْتِ , وَأَسُوسُ فَرَسَهُ , كُنْت أَحْتَشُّ لَهُ , وَأَقُومُ عَلَيْهِ , فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ سِيَاسَةِ الْفَرَسِ ثُمَّ جَاءَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَبِيٌّ فَأَعْطَاهَا خَادِمًا , ثُمَّ ذَكَرَتْ حَدِيثًا وَفِيهِ أَنَّهَا بَاعَتْهَا , قَالَتْ : فَدَخَلَ الزُّبَيْرُ وَثَمَّنَهَا فِي حِجْرِي فَقَالَ : هَبِيهَا إلَيَّ قَالَتْ : أَنَّى , لَكِنْ تَصَدَّقْت بِهَا فَهَذَا الزُّبَيْرُ , وَأَسْمَاءُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ , قَدْ أَنْفَذَتْ الصَّدَقَةَ بِثَمَنِ خَادِمِهَا , وَبَيْعَهَا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا , وَلَعَلَّهَا لَمْ تَكُنْ تَمْلِكُ شَيْئًا غَيْرَهَا , أَوْ كَانَ أَكْثَرَ مَا مَعَهَا
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، هُوَ ابْنُ الصَّبَّاحِ ، عَنْ حَجَّاجٍ ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرُ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَيْسَ لِي شَيْءٌ إِلاَّ مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ , فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ فِي أَنْ أَرْضَخَ مِمَّا يُدْخِلُ عَلَيَّ قَالَ : ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتُ ، وَلاَ تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكَ فَلَمْ يُنْكِرْ الزُّبَيْرُ ذَلِكَ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ امْرَأَةً رَأَتْ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ أَنَّهَا تَمُوتُ إلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَأَقْبَلَتْ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَيْهَا فَتَعَلَّمَتْهُ , وَشَذَّبَتْ مَالَهَا , وَهِيَ صَحِيحَةٌ , فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الثَّالِثِ دَخَلَتْ عَلَى جَارَاتِهَا فَجَعَلَتْ تَقُولُ : يَا فُلاَنَةُ أَسْتَوْدِعُك اللَّهَ , وَأَقْرَأُ عَلَيْك السَّلاَمَ فَجَعَلْنَ يَقُلْنَ لَهَا : لاَ تَمُوتِينَ الْيَوْمَ , لاَ تَمُوتِينَ الْيَوْمَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَمَاتَتْ , فَسَأَلَ زَوْجُهَا أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ ، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى : أَيُّ امْرَأَةٍ كَانَتْ امْرَأَتُك فَقَالَ : مَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَانَ أَحْرَى مِنْهَا أَنْ تَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ الشَّهِيدَ , وَلَكِنَّهَا فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ , وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَقَالَ أَبُو مُوسَى : هِيَ كَمَا تَقُولُ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ , وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَلَمْ يَرُدَّهُ أَبُو مُوسَى.وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ قَالَ : كَتَبْت إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَسْأَلُهُ ، عَنِ الْمَرْأَةِ تُعْطِي مِنْ مَالِهَا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا فَكَتَبَ إمَّا هِيَ سَفِيهَةٌ أَوْ مُضَارَّةٌ فَلاَ يَجُوزُ لَهَا ,
وَأَمَّا هِيَ غَيْرُ سَفِيهَةٍ ، وَلاَ مُضَارَّةٍ فَيَجُوزُ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي امْرَأَةٍ أَعْطَتْ مِنْ مَالِهَا : إنْ كَانَتْ غَيْرَ سَفِيهَةٍ ، وَلاَ مُضَارَّةٍ فَأَجِزْ عَطِيَّتَهَا. وَعَنْ رَبِيعَةَ ، أَنَّهُ قَالَ : لاَ يُحَالُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ أَنْ تَأْتِيَ الْقَصْدَ فِي مَالِهَا فِي حِفْظِ رُوحٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ , أَوْ فِي مَوَاضِعِ الْمَعْرُوفِ , إذَا لَمْ يَجُزْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعْطِيَ مِنْ مَالِهَا شَيْئًا , كَانَ خَيْرًا لَهَا أَنْ لاَ تُنْكَحَ , وَأَنَّهَا إذًا تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الأَمَةِ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ قَيْسٍ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ قَالَ : قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ : تَجُوزُ عَطِيَّةُ الْمَرْأَةِ فِي مَالِهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ : إذَا أَعْطَتْ الْمَرْأَةُ الْحَدِيثَةُ السِّنِّ ذَاتُ الزَّوْجِ قَبْلَ السَّنَةِ عَطِيَّةً , فَلَمْ تَرْجِعْ حَتَّى تَمُوتَ , فَهُوَ جَائِزٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : إذَا أَعْطَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ مَالِهَا فِي غَيْرِ سَفَهٍ ، وَلاَ ضِرَارٍ جَازَتْ عَطِيَّتُهَا , وَإِنْ كَرِهَ زَوْجُهَا.
قال أبو محمد رحمه الله : أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَمَا نَعْلَمُ لَهُ مُتَعَلِّقًا , لاَ مِنْ الْقُرْآنِ , وَلاَ مِنْ السُّنَنِ , وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ , وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ , وَلاَ تَابِعٍ , وَلاَ أَحَدَ قَبْلَهُ نَعْلَمُهُ , إِلاَّ رِوَايَةً ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلاَفُهَا كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا , وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ أَيْضًا تَقْسِيمُهُمْ الْمَذْكُورُ ، وَلاَ عَنْ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ , وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ , وَلاَ مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ , بَلْ كَانَ مَا ذَكَرْنَا مُخَالِفًا لِقَوْلِهِ هَهُنَا عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالرِّوَايَةُ ، عَنْ عُمَرَ رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : جَعَلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِلْمَرْأَةِ إذَا قَالَتْ : أُرِيدُ أَنْ أَصِلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَقَالَ زَوْجُهَا : هِيَ تُضَارُّنِي فَأَجَازَ لَهَا الثُّلُثَ فِي حَيَاتِهَا. وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي سُجُودِهِ : إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَفِي عَشَرَاتٍ مِنْ الْقَضَايَا وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَهُنَا : عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ , وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ , وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ , وَالزُّبَيْرَ , وَأَسْمَاءَ , وَجَمِيعَ الصَّحَابَةِ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَشُرَيْحًا , وَالشَّعْبِيَّ , وَالنَّخَعِيَّ , وَعَطَاءً وطَاوُوسًا , وَمُجَاهِدًا , وَالْحَسَنَ وَابْنَ سِيرِينَ , وَقَتَادَةَ , وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَغَيْرَهُمْ. وَالْعَجَبُ مِنْ تَقْلِيدِهِمْ عُمَرَ رضي الله عنه فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ , وَفِي مَا يَدَّعُونَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْحَدِّ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ , وَمِنْ تَأْجِيلِ الْعِنِّينِ سَنَةً , وَمِنْ تَحْرِيمِهِ عَلَى مَنْ تَزَوَّجَ فِي الْعِدَّةِ وَدَخَلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي الأَبَدِ وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَرَجَعَ هُوَ ، عَنْ بَعْضِ ذَلِكَ , ثُمَّ لَمْ يُقَلِّدُوهُ هَهُنَا. وَهَلَّا قَالُوا هَهُنَا : مِثْلَ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ , كَمَا قَالُوهُ فِي كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فَإِنَّ عُمَرَ وَمَنْ ذَكَرْنَا مَعَهُ أَبْطَلُوا فِعْلَ الْمَرْأَةِ جُمْلَةً قَبْلَ أَنْ تَلِدَ , أَوْ تَبْقَى فِي بَيْتِ زَوْجِهَا سَنَةً , ثُمَّ أَجَازَ بَعْدَ ذَلِكَ جُمْلَةً وَلَمْ يَجْعَلْ لِلزَّوْجِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَدْخَلاً , وَلاَ حَدَّ ثُلُثًا مِنْ أَقَلَّ , وَلاَ مِنْ أَكْثَرَ.
وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَيَلْزَمُهُمْ مِثْلُ هَذَا سَوَاءً سَوَاءً ; لأََنَّهُمْ قَلَّدُوا عُمَرَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ , وَفِي تَأْجِيلِ الْعِنِّينِ سَنَةً , وَفِيمَا ادَّعَوْا عَلَيْهِ مِنْ شُرْبِ النَّبِيذِ الْمُسْكِرِ وَكَذَبُوا فِي ذَلِكَ , فَهَلاَّ قَلَّدُوهُ هَهُنَا وَقَالُوا : مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ , وَلَكِنَّ الْقَوْمَ فِي غَيْرِ حَقِيقَةٍ وَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى نِعَمِهِ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَمَوَّهَ الْمَالِكِيُّونَ بِأَنْ قَالُوا : صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِمَالِهَا وَجَمَالِهَا وَحَسَبِهَا وَدِينِهَا قَالُوا : فَإِذَا نَكَحَهَا لِمَالِهَا فَلَهُ فِي مَالِهَا مُتَعَلَّقٌ ; وَقَالُوا : قِسْنَاهَا عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُوصِي.
قال علي : وهذا تَحْرِيفٌ لِلسُّنَّةِ ، عَنْ مَوَاضِعِهَا وَأَغَثُّ مَا يَكُونُ مِنْ الْقِيَاسِ وَأَشَدُّهُ بُطْلاَنًا : أَمَّا الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ فَلاَ مَدْخَلَ فِيهِ لِشَيْءٍ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي إجَازَةِ الثُّلُثِ وَإِبْطَالِ مَا زَادَ , وَإِنَّمَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ مَنْ يَذْهَبُ إلَى مَا رُوِيَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , وَأَنَسٍ , وطَاوُوس , وَاللَّيْثِ تَعَلُّقًا مُمَوَّهًا أَيْضًا عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ الْمَرْأَةَ عَلَى الْمَرِيضِ فَهُوَ قِيَاسٌ لِلْبَاطِلِ عَلَى الْبَاطِلِ , وَاحْتِجَاجٌ لِلْخَطَأِ بِالْخَطَأِ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ فِي الْمَرِيضِ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ لَكَانُوا قَدْ أَخْطَئُوا مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا أَنَّ الْمَرْأَةَ صَحِيحَةٌ وَإِنَّمَا احْتَاطُوا بِزَعْمِهِمْ عَلَى الْمَرِيضِ لاَ عَلَى الصَّحِيحِ , وَقِيَاسُ الصَّحِيحِ عَلَى الْمَرِيضِ بَاطِلٌ عِنْدَ كُلِّ مَنْ يَقُولُ بِالْقِيَاسِ لأََنَّهُمْ إنَّمَا يَقِيسُونَ الشَّيْءَ عَلَى مِثْلِهِ لاَ عَلَى ضِدِّهِ.
وَالثَّانِي أَنَّهُ لاَ عِلَّةَ تَجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ الصَّحِيحَةِ وَبَيْنَ الْمَرِيضِ ، وَلاَ شَبَهَ بَيْنَهُمَا أَصْلاً , وَالْعِلَّةُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ إمَّا عَلَى عِلَّةٍ جَامِعَةٍ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ ,
وَأَمَّا عَلَى شَبَهٍ بَيْنَهُمَا. وَالثَّالِثُ أَنَّهُمْ يُمْضُونَ فِعْلَ الْمَرِيضِ فِي الثُّلُثِ , وَيُبْطِلُونَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ , وَهَهُنَا يُبْطِلُونَ الثُّلُثَ , وَمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَقَدْ أَبْطَلُوا قِيَاسَهُمْ. وَالرَّابِعُ أَنَّهُمْ يُجِيزُونَ لِلْمَرْأَةِ ثُلُثًا بَعْدَ ثُلُثٍ , وَلاَ يُجِيزُونَ ذَلِكَ لِلْمَرِيضِ فَجَمَعُوا فِي هَذَا الْوَجْهِ مُنَاقَضَةَ الْقِيَاسِ , وَإِبْطَالَ أَصْلِهِمْ فِي الْحِيَاطَةِ لِلزَّوْجِ ; لأََنَّهَا لاَ تَزَالُ تُعْطِي ثُلُثًا بَعْدَ ثُلُثٍ حَتَّى تُذْهِبَ الْمَالَ إِلاَّ مَا لاَ قَدْرَ لَهُ وَهَذَا تَخْلِيطٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ.
فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَاهَا عَلَى الْمُوصِي
قلنا : الْمُنَفِّذُ غَيْرُ الْمُوصِي وَدَخَلَ عَلَيْهِمْ كُلُّ مَا أَدْخَلْنَاهُ آنِفًا فِي قِيَاسِهِمْ عَلَى الْمَرِيضِ.
فَإِنْ قَالُوا : إنَّ لِلزَّوْجِ طَرِيقًا فِي مَالِهَا إذْ قَدْ تَزَوَّجَ بِالْمَالِ فَسَنَذْكُرُ مَا يَفْسُدُ بِهِ هَذَا الْقَوْلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إثْرَ هَذَا فِي كَلاَمِنَا عَلَى مَنْ يَمْنَعُهَا مِنْ الْحُكْمِ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِهَا ; لأََنَّ هَذَا الأَحْتِجَاجَ إنَّمَا هُوَ لَهُمْ , لاَ لِلْمَالِكِيِّينَ , بَلْ هُوَ عَلَيْهِمْ ; لأََنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مُوجِبًا لِلْمَنْعِ مِنْ قَلِيلِ مَالِهَا وَكَثِيرِهِ. لَكِنْ نَسْأَلُهُمْ ، عَنِ الْحُرَّةِ لَهَا زَوْجٌ عَبْدٌ , وَالْكَافِرَةِ لَهَا زَوْجٌ مُسْلِمٌ , وَاَلَّتِي تُسْلِمُ تَحْتَ كَافِرٍ , هَلْ لِهَؤُلاَءِ مَنْعُهُنَّ مِنْ الصَّدَقَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَمْ لاَ
فَإِنْ قَالُوا : لاَ , تَنَاقَضُوا ,
وَإِنْ قَالُوا : نَعَمْ , زَادُوا أُخْلُوقَةً.
فَإِنْ قَالُوا : هِيَ مُحْتَاجَةٌ إلَى مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمْ يَجُزْ مَنْعُهَا مِنْ جَمِيعِ مَالِهَا , وَكَانَ الثُّلُثُ قَلِيلاً
قلنا : هَذَا يَفْسُدُ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُحْتَاجَةً إلَى مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَمَا الَّذِي أَوْجَبَ أَنْ تُمْنَعَ مِنْ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْكَثِيرِ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ كَغَيْرِهَا , وَلاَ فَرْقَ وَثَانِيهَا : أَنْ نَقُولَ لَهُمْ : وَالْمَحْجُورُ السَّفِيهُ بِإِقْرَارِكُمْ إلَى مَا يَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهِ كَمَا تُوجِبُونَ عَلَيْهِ الصَّلاَةَ. وَالصِّيَامَ , وَالزَّكَاةَ , وَالْحَجَّ , وَسَائِرَ الشَّرَائِعِ فَأَبِيحُوا لَهُ الثُّلُثَ أَيْضًا بِهَذَا الدَّلِيلِ السَّخِيفِ نَفْسِهِ.
فَإِنْ قَالُوا : الْمَرْأَةُ لَيْسَتْ سَفِيهَةً.
قلنا : فَأَطْلِقُوهَا عَلَى مَالِهَا وَدَعُوا هَذَا التَّخْلِيطَ بِمَا لاَ يُعْقَلُ وَثَالِثُهَا : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ فَقُلْتُمْ أَنْتُمْ : إنَّهُ قَلِيلٌ وَحَسْبُكُمْ هَذَا الَّذِي نَسْتَعِيذُ اللَّهَ مِنْ مِثْلِهِ. وَرَابِعُهَا : أَنَّ الثُّلُثَ عِنْدَكُمْ مَرَّةً كَثِيرٌ فَتَرُدُّونَهُ كَالْجَوَائِحِ , وَمَرَّةً قَلِيلٌ فَتُنْفِذُونَهُ مِثْلَ هَذَا الْمَوْضِعِ وَشِبْهَهُ فَكَمْ هَذَا التَّنَاقُضُ وَالْقَوْلُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِ هَذِهِ الآرَاءِ وَخَامِسُهَا : أَنَّ حُجَّةَ الزَّوْجِ فِي مَالِهَا كَحُجَّةِ الْوَلَدِ , أَوْ الْوَالِدِ , أَوْ الأَخِ , بَلْ مِيرَاثُ هَؤُلاَءِ أَكْثَرُ ; لأََنَّ الزَّوْجَ مَعَ الْوَلَدِ لَيْسَ لَهُ إِلاَّ الرُّبْعُ , وَلِلْوَلَدِ ثَلاَثَةُ الأَرْبَاعِ وَالْوَالِدُ وَالْوَلَدُ كَالزَّوْجِ فِي أَنَّهُمْ لاَ يَحْجُبُهُمْ أَحَدٌ ، عَنِ الْمِيرَاثِ أَصْلاً , فَامْنَعُوهَا مَعَ الْوَلَدِ , وَالْوَالِدِ , مِنْ الصَّدَقَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ بِهَذَا الأَحْتِيَاطِ الْفَاسِدِ , لاَ سِيَّمَا وَحَقُّ الأَبَوَيْنِ فِيمَا أُوجِبَ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَنَا مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ ; لأََنَّ الأَبَوَيْنِ إنْ افْتَقَرَا قَضَوْا بِنَفَقَتِهِمَا وَكِسْوَتِهِمَا وَإِسْكَانِهِمَا وَخِدْمَتِهِمَا عَلَيْهَا فِي مَالِهَا أَحَبَّتْ أَمْ كَرِهَتْ ، وَلاَ يَقْضُونَ لِلزَّوْجِ فِي مَالِهَا بِشَيْءٍ وَلَوْ مَاتَ جُوعًا وَبَرْدًا فَكَيْفَ احْتَاطُوا لِلأَقَلِّ حَقًّا وَلَمْ يَحْتَاطُوا لِلأَكْثَرِ حَقًّا فَلاَحَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي لاَ نَدْرِي كَيْفَ يَنْشَرِحُ صَدْرُ مَنْ لَهُ أَدْنَى تَمْيِيزٍ لِتَقْلِيدِ مَنْ أَخْطَأَ فِيهِ الْخَطَأَ الَّذِي لاَ خَفَاءَ بِهِ , وَخَالَفَ فِيهِ كُلَّ مُتَقَدِّمٍ نَعْلَمُهُ , إِلاَّ رِوَايَةً ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلاَفُهَا لَيْسَ أَيْضًا فِي تَقْسِيمِهِمْ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا مَنْ مَنَعَهَا مِنْ أَنْ تُنَفِّذَ فِي مَالِهَا شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ , وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ. وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ قَالَ : الَّذِي تَسُرُّهُ إذَا نَظَرَ , وَتُطِيعُهُ إذَا أَمَرَ , وَلاَ تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَهُ. وَبِمَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ نُوحٍ الأَصْبَهَانِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَدِينِيُّ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ دَاوُد ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ الصَّائِغُ : لَيْسَ هُوَ الْعَرْزَمِيُّ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ قَالَ : لاَ تَصَدَّقُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ , فَإِنْ فَعَلَتْ كَانَ لَهُ الأَجْرُ. وَكَانَ عَلَيْهَا الْوِزْرُ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ خَطَبَ فَقَالَ : لاَ تَجُوزُ لأَمْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ فِي مَالِهَا إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ رَجُلٍ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس قَالَ الرَّجُلُ : عَنْ عِكْرِمَةَ , وَقَالَ ابْنُ طَاوُوس : عَنْ أَبِيهِ , ثُمَّ اتَّفَقَا : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : لاَ يَحِلُّ لأَمْرَأَةٍ شَيْءٌ فِي مَالِهَا إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا هَذَا لَفْظُ طَاوُوس , وَلَفْظُ عِكْرِمَةَ " فِي مَالِهَا شَيْءٌ " مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا أَصْلاً وَكُلُّ هَذِهِ النُّصُوصِ الآيَةِ وَالأَخْبَارِ مَا صَحَّ مِنْهَا وَمَا لَمْ يَصِحَّ فَحُجَّةٌ عَلَى الْمَالِكِيِّينَ , وَمُبْطِلٌ لِقَوْلِهِمْ فِي إبَاحَةِ الثُّلُثِ وَمَنْعِهِمْ مِمَّا زَادَ.
فأما الْخَبَرُ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأََرْبَعٍ فَلَيْسَ فِيهِ التَّغْبِيطُ بِذَلِكَ , وَلاَ الْحَضُّ عَلَيْهِ , وَلاَ إبَاحَتُهُ فَضْلاً ، عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ , بَلْ فِيهِ الزَّجْرُ ، عَنْ أَنْ تُنْكَحَ لِغَيْرِ الدِّينِ لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ فَقَصَرَ أَمْرَهُ عَلَى ذَاتِ الدِّينِ , فَصَارَ مَنْ نَكَحَ لِلْمَالِ غَيْرَ مَحْمُودٍ فِي نِيَّتِهِ تِلْكَ. ثُمَّ هَبْكَ أَنَّهُ مُبَاحٌ مُسْتَحَبٌّ أَيُّ دَلِيلٍ فِيهِ عَلَى أَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ مَالِهَا بِكَوْنِهِ أَحَدَ الطَّمَّاعِينَ فِي مَالٍ لاَ يَحِلُّ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ إِلاَّ مَا يَحِلُّ مِنْ مَالِ جَارِهِ وَهُوَ مَا طَابَتْ لَهُ بِهِ نَفْسُهَا وَنَفْسُ جَارِهِ ، وَلاَ مَزِيدَ.
وَأَيْضًا : فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الَّتِي أَجْمَعَ أَهْلُ الإِسْلاَمِ عَلَيْهِمَا إجْمَاعًا مَقْطُوعًا بِهِ مُتَيَقَّنًا أَنَّ عَلَى الأَزْوَاجِ نَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ ; وَكِسْوَتَهُنَّ , وَإِسْكَانَهُنَّ , وَصَدُقَاتِهِنَّ , وَجَعَلَ لَهُنَّ الْمِيرَاثَ مِنْ الرِّجَالِ كَمَا جَعَلَهُ لِلرِّجَالِ مِنْهُنَّ سَوَاءً سَوَاءً فَصَارَ بِيَقِينٍ مِنْ كُلِّ ذِي مَسْكَةِ عَقْلٍ حَقُّ الْمَرْأَةِ فِي مَالِ زَوْجِهَا وَاجِبًا لاَزِمًا , حَلاَلاً يَوْمًا بِيَوْمٍ , وَشَهْرًا بِشَهْرٍ , وَعَامًا بِعَامٍ , وَفِي كُلِّ سَاعَةٍ , وَكَرَّةِ الطَّرَفِ , لاَ تَخْلُو ذِمَّتُهُ مِنْ حَقٍّ لَهَا فِي مَالِهِ. بِخِلاَفِ مَنْعِهِ مِنْ مَالِهَا جُمْلَةً , وَتَحْرِيمِهِ عَلَيْهِ , إِلاَّ مَا طَابَتْ لَهُ نَفْسُهَا بِهِ , ثُمَّ تَرْجُو مِنْ مِيرَاثِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا يَرْجُو الزَّوْجُ فِي مِيرَاثِهَا ، وَلاَ فَرْقَ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُوجِبًا لِلرَّجُلِ مَنْعَهَا مِنْ مَالِهَا فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ أَوْجَبُ , وَأَحَقُّ فِي مَنْعِهِ مِنْ مَالِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهَا ; لأََنَّ لَهَا شِرْكًا وَاجِبًا فِي مَالِهِ , وَلَيْسَ لَهُ فِي مَالِهَا إِلاَّ التَّبُّ وَالزَّجْرُ , فَيَا لَلْعَجَبِ فِي عَكْسِ الأَحْكَامِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا لَهَا مَنْعَهُ مِنْ مَالِهِ خَوْفَ أَنْ يَفْتَقِرَ فَيَبْطُلُ حَقُّهَا اللَّازِمُ فَأُبْعِدَ وَاَللَّهِ وَأُبْطِلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُوجِبًا لَهُ مَنْعَهَا مِنْ مَالٍ لاَ حَقَّ لَهُ فِيهِ , وَلاَ حَظَّ إِلاَّ حَظُّ الْفِيلِ مِنْ الطَّيَرَانِ. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ إطْلاَقِهِمْ لَهُ الْمَنْعَ مِنْ مَالِهَا أَوْ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ وَهُوَ لَوْ مَاتَ جُوعًا , أَوْ جَهْدًا , أَوْ هُزَالاً , أَوْ بَرْدًا , لَمْ يَقْضُوا لَهُ فِي مَالِهَا بِنَوَاةٍ يَزْدَرِدُهَا , وَلاَ بِجِلْدٍ يَسْتَتِرُ بِهِ , فَكَيْفَ اسْتَجَازُوا هَذَا إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً.
وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخُصَّ بِهَذَا الْكَلاَمِ زَوْجًا مِنْ أَبٍ , وَلاَ مِنْ أَخٍ. ثُمَّ لَوْ كَانَ فِيهَا نَصٌّ عَلَى الأَزْوَاجِ دُونَ غَيْرِهِمْ لَمَا كَانَ فِيهَا نَصٌّ ، وَلاَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ مَالِهَا , وَلاَ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ , وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ فِيهِ أَنْ يَقُومُوا بِالنَّظَرِ فِي أَمْوَالِهِنَّ وَهُمْ لاَ يَجْعَلُونَ هَذَا لِلزَّوْجِ أَصْلاً بَلْ لَهَا عِنْدَهُمْ أَنْ تُوَكِّلَ فِي النَّظَرِ فِي مَالِهَا مَنْ شَاءَتْ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ زَوْجِهَا .
وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهَا لاَ يَنْفُذُ عَلَيْهَا بَيْعُ زَوْجِهَا لِشَيْءٍ مِنْ مَالِهَا لاَ مَا قَلَّ ، وَلاَ مَا كَثُرَ لاَ لِنَظَرٍ ، وَلاَ لِغَيْرِهِ , وَلاَ ابْتِيَاعِهِ لَهَا أَصْلاً فَصَارَتْ الآيَةُ مُخَالِفَةً لَهُمْ فِيمَا يَتَأَوَّلُونَهُ فِيهَا. وَصَحَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ وُجُوبِ نَفَقَتِهِنَّ وَكِسْوَتِهِنَّ عَلَيْهِمْ , فَذَاتُ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجِ , وَغَيْرُ ذَاتِ الزَّوْجِ إنْ احْتَاجَتْ عَلَى أَهْلِهَا فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ فَصَارَتْ الآيَةُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ , وَكَاسِرَةً لِقَوْلِهِمْ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ : فَإِنَّ يَحْيَى بْنَ بُكَيْرٍ رَوَاهُ ، عَنِ اللَّيْثِ وَهُوَ أَوْثَقُ النَّاسِ فِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ فِيهِ : وَلاَ تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ بِمَا يَكْرَهُ. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ : أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نَا ابْنُ عَجْلاَنَ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ خَيْرِ النِّسَاءِ قَالَ : الَّتِي تُطِيعُ إذَا أَمَرَ , وَتَسُرُّ إذَا نَظَرَ , وَتَحْفَظُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ وَمَالِهَا دُونَ مُعَارِضٍ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ مُتَعَلَّقٌ ; لأََنَّ هَذَا اللَّفْظَ إنَّمَا فِيهِ النَّدْبُ فَقَطْ لاَ الإِيجَابُ , وَإِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الطَّاعَةِ , وَالْمَنْعُ مِنْ الصَّدَقَةِ , وَفِعْلِ الْخَيْرِ لَيْسَ طَاعَةً , بَلْ هُوَ صَدٌّ ، عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ.
وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ : فَهَالِكٌ ; لأََنَّ فِيهِ مُوسَى بْنَ أَعْيَنَ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَلَيْثَ بْنَ أَبِي سُلَيْمٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ
وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو : فَصَحِيفَةٌ مُنْقَطِعَةٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مَنْسُوخًا بِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَأَمَّا خَبَرُ طَاوُوس , وَعِكْرِمَةَ فَمُرْسَلاَنِ فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قال أبو محمد رحمه الله : فَإِذْ قَدْ سَقَطَتْ هَذِهِ الأَقْوَالُ فَالتَّحْدِيدُ الْوَارِدُ ، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه وَمَنْ اتَّبَعَهُ فِي أَنْ لاَ يَجُوزَ لَهَا عَطِيَّةٌ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ تَلِدَ. أَوْ تَبْقَى فِي بَيْتِ زَوْجِهَا سَنَةً , فَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرُّجُوعَ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَى الْقُرْآنِ , وَالسُّنَّةِ , لاَ إلَى قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قَالَ عَلِيٌّ : فَبَطَلَتْ الأَقْوَالُ كُلُّهَا إِلاَّ قَوْلُنَا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَمِنْ الْحُجَّةُ لِقَوْلِنَا : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا فَبَطَلَ بِهَذَا مَنْعُهَا مِنْ مَالِهَا طَمَعًا فِي أَنْ يَحْصُلَ لِلْمَانِعِ بِالْمِيرَاثِ أَبًا كَانَ , أَوْ زَوْجًا. وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ
وَقَالَ تَعَالَى وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَلَمْ يُفَرِّقْ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ الرِّجَالِ فِي الْحَضِّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَبَيْنَ امْرَأَةٍ وَرَجُلٍ , وَلاَ بَيْنَ ذَاتِ أَبٍ بِكْرٍ , أَوْ غَيْرِ ذَاتِ أَبٍ ثَيِّبٍ , وَلاَ بَيْنَ ذَاتِ زَوْجٍ. وَلاَ أَرْمَلَةٍ فَكَانَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ ذَلِكَ بَاطِلاً مُتَيَقَّنًا , وَظُلْمًا ظَاهِرًا مِمَّنْ قَامَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَقَلَّدَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْمَاءَ بِالصَّدَقَةِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهَا إذْنَ الزُّبَيْرِ , وَلاَ ثُلُثًا فَمَا دُونَ فَمَا فَوْقَ , بَلْ قَالَ لَهَا : ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ ، وَلاَ تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكِ.
وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ سَمِعْت عَطَاءً قَالَ : سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ : أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ فَرَأَى أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعْ النِّسَاءَ فَأَتَاهُنَّ فَذَكَّرَهُنَّ وَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ وَبِلاَلٌ قَائِلٌ بِثَوْبِهِ , فَجَعَلَتْ الْمَرْأَةُ تُلْقِي : الْخَاتَمَ , وَالْخُرْصَ , وَالشَّيْءَ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، هُوَ ابْنُ زَيْدٍ ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يَخْرُجَ فِي الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ الْعَامِرِيِّ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْرُجُ يَوْمَ الأَضْحَى , وَيَوْمَ الْفِطْرِ , وَكَانَ يَقُولُ : تَصَدَّقُوا تَصَدَّقُوا , وَكَانَ أَكْثَرُ مَنْ يَتَصَدَّقُ النِّسَاءُ فَهَذَا أَمْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النِّسَاءَ بِالصَّدَقَةِ عُمُومًا. نَعَمْ , وَجَاءَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ , وَفِيهِنَّ الْعَوَاتِقُ الْمُخَدَّرَاتُ ذَوَاتُ الآبَاءِ وَذَوَاتُ الأَزْوَاجِ " فَمَا خَصَّ مِنْهُنَّ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ , وَفِيهِنَّ الْمُقِلَّةُ , وَالْغَنِيَّةُ فَمَا خَصَّ مِقْدَارًا دُونَ مِقْدَارٍ , وَهَذَا آخِرُ فِعْلِهِ عليه السلام , وَبِحَضْرَةِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ , وَآثَارٌ ثَابِتَةٌ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ.(1/152)
295-7950 أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ، أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، لَيْسَ لِي شَيْءٌ إِلَّا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ أَرْضَخَ مِمَّا يُدْخِلُ عَلَيَّ ؟ قَالَ : " ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ ، وَلَا تُوكِي فَيُوكِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ " (1)
__________
(1) - صحيح البخارى برقم( 1434 و 2590 و 2591 و 1433) وصحيح مسلم برقم( 2425)
ارضخى : أعطى = ارضخى : أعطى = توعى : تمسكى
شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 479)
1710 - قَوْله : ( عَنْ أَسْمَاء بِنْت أَبِي بَكْر أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا نَبِيّ اللَّه لَيْسَ لِي مِنْ شَيْء إِلَّا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاح أَنْ أَرْضَخ مِمَّا يُدْخِل عَلَيَّ ؟ فَقَالَ : ( اِرْضَخِي مَا اِسْتَطَعْت وَلَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّه عَلَيْك )
هَذَا مَحْمُول عَلَى مَا أَعْطَاهَا الزُّبَيْر لِنَفْسِهَا بِسَبَبِ نَفَقَة وَغَيْرهَا ، أَوْ مِمَّا هُوَ مِلْك الزُّبَيْر ، وَلَا يَكْرَه الصَّدَقَة مِنْهُ ، بَلْ رَضِيَ بِهَا عَلَى عَادَة غَالِب النَّاس . وَقَدْ سَبَقَ بَيَان هَذِهِ الْمَسْأَلَة قَرِيبًا .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اِرْضَخِي مَا اِسْتَطَعْت ) مَعْنَاهُ : مِمَّا يَرْضَى بِهِ الزُّبَيْر ، وَتَقْدِيره : أَنَّ لَك فِي الرَّضْخ مَرَاتِبَ مُبَاحَةً بَعْضهَا فَوْق بَعْض ، وَكُلّهَا يَرْضَاهَا الزُّبَيْر فَافْعَلِي أَعْلَاهَا ، أَوْ يَكُون مَعْنَاهُ مَا اِسْتَطَعْت مِمَّا هُوَ مِلْك لَك .
وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَا تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّه عَلَيْك وَيُوعِيَ عَلَيْك ) هُوَ مِنْ بَاب مُقَابَلَة اللَّفْظ بِاللَّفْظِ لِلتَّجْنِيسِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّه } وَمَعْنَاهُ : يَمْنَعك كَمَا مَنَعْت ، وَيَقْتُر عَلَيْك كَمَا قَتَرْت ، وَيُمْسِك فَضْله عَنْك كَمَا أَمْسَكْته . وَقِيلَ : مَعْنَى لَا تُحْصِي : أَيْ لَا تَعُدِّيهِ فَتَسْتَكْثِرِيهِ فَيَكُون سَبَبًا لِانْقِطَاعِ إِنْفَاقِك .
شرح سنن النسائي - (ج 4 / ص 37)
2504 -
حَاشِيَةُ السِّنْدِيِّ :
قَوْله ( مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْر )
قِيلَ مَا أَعْطَانِي قُوتًا لِي وَقِيلَ بَلْ الْمُرَاد أَعَمُّ لَكِنَّ الْمُرَاد إِعْطَاء مَا عَلِمْت فِيهِ بِالْإِذْنِ دَلَالَةً
( أَرْضَخُ )
مِنْ بَاب فَتَحَ وَالرَّضْخُ بِرَاءٍ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَخَاءٍ كَذَلِكَ الْعَطِيَّة الْقَلِيلَة
( وَلَا تُوكِي )
بِضَمِّ الْمُثَنَّاة مِنْ فَوْق وَكَسْر الْكَاف صِيغَة نَهْي الْمُخَاطَبَة مِنْ الْإِيكَاء بِمَعْنَى الشَّدّ وَالرَّبْط أَيْ لَا تَمْنَعِي مَا فِي يَدك
( فَيُوكَى )
بِالنَّصْبِ فَيُشَدِّد اللَّهُ عَلَيْك أَبْوَابَ الرِّزْقِ وَفِيهِ أَنَّ السَّخَاءَ يَفْتَحُ أَبْوَابَ الرِّزْقِ وَالْبُخْل بِخِلَافِهِ .
حَاشِيَةُ السِّيُوطِيِّ :
( لَيْسَ لِي شَيْء إِلَّا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْر )
قَالَ النَّوَوِيّ : هَذَا مَحْمُول عَلَى مَا أَعْطَاهَا الزُّبَيْر لِنَفْسِهَا بِسَبَبِ نَفَقَة وَغَيْرهَا أَوْ مِمَّا هُوَ مِلْك الزُّبَيْر ، وَلَا يَكْرَه الصَّدَقَة مِنْهُ بَلْ يَرْضَى بِهَا عَلَى عَادَة غَالِب النَّاس
( اِرْضَخِي )
الرَّضْخ بِرَاءٍ وَضَاد وَخَاء مُعْجَمَتَيْنِ الْعَطِيَّة الْقَلِيلَة
( وَلَا تُوكِي فَيُوكِي اللَّه عَلَيْك )
يُقَال أَوْكَى مَا فِي سِقَائِهِ إِذَا شَدَّهُ بِالْوِكَاءِ وَهُوَ الْخَيْط الَّذِي يَشُدّ بِهِ رَأْسَ الْقِرْبَة وَأَوْكَى عَلَيْنَا أَيْ بَخِلَ أَيْ لَا تَدَّخِرِي وَتَشُدِّي مَا عِنْدك وَتَمْنَعِي مَا فِي يَدك فَتَنْقَطِع مَادَّة الرِّزْق عَنْك .
شرح ابن بطال - (ج 5 / ص 482)
قال المؤلف: الشفاعة فى الصدقة وسائر أفعال البر، مرغب فيها، مندوب إليها، ألا ترى قوله - صلى الله عليه وسلم - : « اشفعوا تؤجروا » ، فندب أمته إلى السعى فى حوائج الناس، وشرط الأجر على ذلك، ودَلَّ قوله - صلى الله عليه وسلم - : « ويقضى الله على لسان نبيه ما شاء » أن الساعى مأجور على كل حال، وإن خاب سعيه ولم تنجح طلبته، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : « الله فى عون العبد ما كان العبد فى عون أخيه » .
وقد احتج أبو حنيفة والثورى بحديث ابن عباس، فأوجبوا الزكاة فى الحلى للباس، وقال مالك: لا زكاة فى الحلى، وهو مذهب ابن عمر، وابن عباس، وجابر، وأنس، وعائشة، وأسماء.
قال ابن القصار، والمهلب: ولا حجة فى حديث ابن عباس لمن أوجب الزكاة فى الحلى، لأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما حَضَّهُنَّ على صدقة التطوع لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « تصدقن ولو من حليكن » ، ولو كان ذلك واجبًا، لما قال: « ولو من حليكن » .
قال عبد الواحد: ومما يَرُدُّ قول أبى حنيفة أن لو كان ذلك من باب الزكاة لأعطينه بوزن ومقدار، فدل أنه تطوع.
قال أبو عبيد: الحلى الذى يكون زينة النساء ومتاعًا هو كالأثاث، وليس كالرقة التى وردت السنة بأخذ ربع العشر منها. والرقة عند العرب الورق ذات السكة السائرة بين الناس، وعلى هذا جرى العمل بالمدينة لا خلاف عندهم أنه لا زكاة فيه، وذكر مالك، عن عائشة، أنها كانت تحلى بنات أخيها يتامى كن فى حجرها بالحلى فلا تخرج منه الزكاة، وكان يفعله ابن عمر.
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - فى حديث أسماء: « لا توكى فيوكى الله عليك » ، فإنما سألته عن الصدقة، وقالت له: يا رسول الله، ما لى إلا ما يُدخل علىّ الزبير، أفأتصدق؟ قال: « تصدقى ولا توكى فيوكى الله عليك »
وروى حماد بن سلمة، عن أيوب، عن ابن أبى مليكة، أن عائشة قالت لخادمها: ما أعطيت السائل؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « لا تحصى فيحصى الله عليك » ، ومعنى قوله: « لا توكى فيوكى الله عليك » ، أى لا توكى مالك عن الصدقة، فلا تتصدقى خشية نفاده، فيوكى الله عليك، أى يمنعك كما منعت السائل. دَلَّ هذا الحديث أنَّ الصدقة قد تنمى المال، وتكون سببًا إلى البركة والزيادة فيه، وأن من شح ولم يتصدق، فإن الله يوكى عليه، ويمنعه من البركة فى ماله والنماء فيه.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : « ارضخى ما استطعت » ، أى تصدقى ما استطعت. والعرب تقول: رضخ له من ماله رضخًا، أى أعطاه قليلاً من كثير، عن صاحب الأفعال، وقال صاحب العين: القُلْبُ من الأسورة ما كان قلدًا واحدًا. والقُلْب: الحية البيضاء، والخرص حلقة فى الأذن، عن غيره.
فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (ج 3 / ص 105)
944 - (إ رضخى) بهمزة مكسورة إذا لم توصل وبراء: من الرضخ بمعجمتين العطاء اليسير والخطاب لأسماء بنت أبي بكر أي انفقي بغير إجحاد ولا إسراف (ما استطعت) ما دامت قادرة مستطيعة للإعطاء، فما مصدرية. قال الكرماني: لكن الظاهر أنها موصولة أو نكرة موصوفة أي الذي استطعتيه (ولا توعى) تمسكي المال في الوعاء والإيعاء حفظ الأمتعة بالوعاء وجعلها فيه أي لاتمنعي فضل المال عن الفقراء (فيوعى الله عليك) أي يمنع عنك فضله ويسد عليك باب المزيد، فإسناد الوعاء إلى الله مجاز عن الإمساك أو من باب المقابلة والمراد النهي عن منع الصدقة خوف الفقر، ومن علم أن الله تعالى يرزقه من حيث لا يحتسب فحقه أن يعطي ولا يحسب.
- (م ن عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق قالت قلت يا رسول الله ليس لي شيء إلا ما أدخل عليّ الزبير فهل عليّ جناح أن أرضخ منه؟ فذكره. ورواه عنها أيضاً البخاري بلفظ لا توعى فيوعى الله عليك أرضخى ما استطعت.
طرح التثريب - (ج 5 / ص 122)
( الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ ) ذَكَرَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ حَدِيثَ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ : { سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ لَا تُنْفِقُ امْرَأَةٌ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الطَّعَامَ ؟ قَالَ ذَلِكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ( فِي الْمَرْأَةِ تَصَدَّقُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا قَالَ لَا إلَّا مِنْ قُوتِهَا وَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَصَدَّقَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ ) وَمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ { لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ لَا يَجُوزُ لِامْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا } وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { إذَا تَصَدَّقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا كَانَ لَهَا أَجْرٌ وَلِزَوْجِهَا مِثْلُ ذَلِكَ وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ وَلَا يُنْقِصُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ أَجْرِ صَاحِبِهِ شَيْئًا ، لَهُ بِمَا كَسَبَ وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ } وَمَا رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ الْخَمْسَةُ عَنْ أَسْمَاءَ { أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَيْسَ لِي شَيْءٌ إلَّا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ أَرْضَخَ مِمَّا يُدْخِلُ عَلَيَّ فَقَالَ ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْت وَلَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْك } لَفْظُ مُسْلِمٍ وَهُوَ أَتَمُّ وَمَا رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا أَعْطَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِطِيبِ نَفْسٍ غَيْرَ مُفْسِدَةٍ فَإِنَّ لَهَا مِثْلَ أَجْرِهِ لَهَا مَا نَوَتْ حَسَنًا ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ } لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ( إذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ كَسْبِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَلَهَا نِصْفُ أَجْرِهِ ) وَهُوَ حَدِيثُ الْبَابِ وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ { لَمَّا بَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّسَاءَ قَامَتْ امْرَأَةٌ جَلِيلَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نِسَاءِ مُضَرَ فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّا كَلٌّ عَلَى آبَائِنَا وَأَبْنَائِنَا } قَالَ أَبُو دَاوُد وَأَرَى فِيهِ { وَأَزْوَاجِنَا فَمَا يَحِلُّ لَنَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ؟ قَالَ الرُّطَبُ تَأْكُلْنَهُ وَتُهْدِينَهُ } ثُمَّ قَالَ : أَحَادِيثُ الْبَابِ ( مِنْهَا ) مَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْمَرْأَةِ أَنْ تُنْفِقَ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأَوَّلُ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو .
( وَمِنْهَا ) مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَهُوَ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْأَوَّلُ وَحَدِيثُ أَسْمَاءَ .
( وَمِنْهَا ) مَا قُيِّدَ فِيهِ التَّرْغِيبُ فِي الْإِنْفَاقِ بِكَوْنِهِ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ وَبِكَوْنِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ وَهُوَ أَصَحُّهَا .
( وَمِنْهَا ) مَا هُوَ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الثَّانِي .
( وَمِنْهَا ) مَا قُيِّدَ الْحِلُّ فِيهِ بِكَوْنِهِ رُطَبًا وَهُوَ حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ .
قَالَ وَكَيْفِيَّةُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ عَادَاتِ الْبِلَادِ وَبِاخْتِلَافِ حَالِ الزَّوْجِ فِي مُسَامَحَتِهِ بِذَلِكَ وَكَرَاهَتِهِ لَهُ وَبِاخْتِلَافِ الْحَالِ فِي الشَّيْءِ الْمُنْفَقِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ شَيْئًا يَسِيرًا يُتَسَامَحُ بِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَطَرٌ فِي النَّفْسِ يُبْخَلُ بِمِثْلِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ رُطَبًا يُخْشَى فَسَادُهُ إنْ تَأَخَّرَ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ يُدَّخَرُ وَلَا يُخْشَى عَلَيْهِ الْفَسَادُ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ عَقِبَ حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا الْكَلَامُ خَارِجٌ عَلَى مَذْهَبِ النَّاسِ بِالْحِجَازِ وَبِغَيْرِهَا مِنْ الْبُلْدَانِ فِي أَنَّ رَبَّ الْبَيْتِ قَدْ يَأْذَنُ لِأَهْلِهِ وَعِيَالِهِ وَلِلْخَادِمِ فِي الْإِنْفَاقِ مِمَّا يَكُونُ فِي الْبَيْتِ مِنْ طَعَامٍ وَإِدَامٍ وَنَحْوِهِ وَيُطْلِقُ أَمْرَهُمْ فِي الصَّدَقَةِ مِنْهُ إذَا حَضَرَهُمْ السَّائِلُ وَنَزَلَ بِهِمْ الضَّيْفُ فَحَضَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ الْعَادَةِ وَاسْتِدَامَةِ ذَلِكَ الصَّنِيعِ وَوَعَدَهُمْ الْأَجْرَ وَالثَّوَابَ عَلَيْهِ وَأَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِاسْمِهِ لِيَتَسَارَعُوا إلَيْهِ وَلَا يَتَقَاعَدُوا عَنْهُ .
قَالَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِأَنْ تَفْتَاتَ الْمَرْأَةُ وَالْخَازِنُ عَلَى رَبِّ الْبَيْتِ بِشَيْءٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمَا فِيهِ وَلَمْ يُطْلِقْ لَهُمَا الْإِنْفَاقَ مِنْهُ بَلْ يُخَافُ أَنْ يَكُونَا آثِمَيْنِ إذَا فَعَلَا ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 9426)
«صدقة المرأة من مال زوجها»
11 - اتّفق الفقهاء على أنّه يجوز للمرأة أن تتصدّق من بيت زوجها للسّائل وغيره بما أذن الزّوج صريحاً .
كما يجوز التّصدّق من مال الزّوج بما لم يأذن فيه ، ولم ينه عنه إذا كان يسيراً عند جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وهو الرّاجح عند الحنابلة - .
ويستدلّ الفقهاء على الجواز بما روت عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « إذا أنفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة ، كان لها أجرها وله مثله بما اكتسب ، ولها بما أنفقت ، وللخازن مثل ذلك ، من غير أن ينتقص من أجورهم شيئاً » ولم يذكر إذناً .
وعن أسماء - رضي الله عنها - أنّها جاءت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت : يا نبيّ اللّه ، ليس لي شيء إلاّ ما أدخل عليّ الزّبير فهل عليّ جناح أن أرضخ ممّا يدخل عليّ ؟ فقال : « ارضخي ما استطعت ، ولا توعي فيوعي اللّه عليك » .
ولأنّ الشّيء اليسير غير ممنوع عنه في العادة كما علّله المرغينانيّ والنّوويّ وابن العربيّ .
قال في الهداية : يجوز للمرأة أن تتصدّق من منزل زوجها بالشّيء اليسير ، كالرّغيف ونحوه ، لأنّ ذلك غير ممنوع عنه في العادة ومثله ما ذكره الحصكفيّ .
ويقول النّوويّ في شرحه لصحيح مسلم : الإذن ضربان :
أحدهما : الإذن الصّريح في النّفقة والصّدقة ، والثّاني : الإذن المفهوم من اطّراد العرف والعادة ، كإعطاء السّائل كسرة ونحوها ممّا جرت العادة به ، واطّرد العرف فيه ، وعلم بالعرف رضا الزّوج والمالك به ، فإذنه في ذلك حاصل وإن لم يتكلّم .
ومثله ما حرّره ابن العربيّ حيث قال : ويحتمل عندي أن يكون محمولاً على العادة . وأنّها إذا علمت منه ، أنّه لا يكره العطاء والصّدقة فعلت من ذلك ما لم يجحف ، وعلى ذلك عادة النّاس ، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم : « غير مفسدة » .
ويقول ابن قدامة : الإذن العرفيّ يقوم مقام الإذن الحقيقيّ ، فصار كأنّه قال لها : افعلي .
هذا وفي الرّواية الثّانية عند الحنابلة : لا يجوز للمرأة التّصدّق من مال زوجها ولو كان يسيراً ، لما روى أبو أمامة الباهليّ قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تنفق امرأة شيئاً من بيت زوجها إلاّ بإذن زوجها ، قيل : يا رسول اللّه : ولا الطّعام ؟ قال : ذاك أفضل أموالنا « .
قال ابن قدامة : والأوّل - أي الجواز بالشّيء اليسير - أصحّ ، لأنّ الأحاديث فيها خاصّة صحيحة ، والخاصّ يقدّم على العامّ .
أمّا إذا منعها من الصّدقة من ماله ، ولم يكن العرف جارياً بذلك ، أو اضطرب العرف ، أو شكّت في رضاه ، أو كان شخصاً يشحّ بذلك ، لم يجز للمرأة وغيرها التّصدّق من ماله إلاّ بصريح إذنه، كما حقّقه النّوويّ وغيره .
12 - وما ذكر من حكم تصدّق المرأة من مال زوجها يطبّق على تصدّق الخازن من مال المالك، فقد ورد في حديث التّرمذيّ : » وللخازن مثل ذلك « أي : من الأجر ، أي : إنّهما سواء في المثوبة ، كلّ واحد منهما له أجر كامل ، كما قال ابن العربيّ ، أو معناه المشاركة في الأجر مطلقاً ، لأنّ المشارك في الطّاعة مشارك في الأجر ، وإن كان أحدهما أكثر من الآخر ، كما حقّقه النّوويّ .(1/153)
296-7951 أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدَةُ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ فَاطِمَةَ ، عَنْ أَسْمَاءَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا : " لَا تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ "(1)
297-7952 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ فَاطِمَةَ ، وَعَبَّادُ بْنُ حَمْزَةَ ، عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنْفِقِي ، وَلَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ ، وَلَا تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ " (2)
__________
(1) - صحيح البخارى برقم( 1433)
فتح الباري لابن حجر - (ج 5 / ص 35)
1343 - حَدِيث أَسْمَاء وَهِيَ بِنْت أَبِي بَكْر الصِّدِّيق " لَا تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْك " كَذَا عِنْدَهُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَاعِلَ ، وَفِي رِوَايَةِ لَهُ " لَا تُحْصِي فَيُحْصِي اللَّهُ عَلَيْك " فَأَبْرَزَ الْفَاعِل ، وَكِلَاهُمَا بِالنَّصْبِ لِكَوْنِهِ جَوَاب النَّهْي وَبِالْفَاء .
قَوْله : ( عَبْدَة )
هُوَ اِبْن سُلَيْمَان ، وَهِشَام هُوَ اِبْن عُرْوَة ، وَفَاطِمَة هِيَ بِنْت الْمُنْذِر بْن الزُّبَيْر وَهِيَ زَوْجُ هِشَام ، وَأَسْمَاء جَدَّتُهُمَا لِأَبَوَيْهِمَا . وَقَوْله ( حَدَّثَنَا عُثْمَان عَنْ عَبْدَة ) أَيْ : بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيث كَانَ عِنْدَ عَبْدَة عَنْ هِشَام بِاللَّفْظَيْنِ فَحَدَّثَ بِهِ تَارَةً هَكَذَا وَتَارَةً هَكَذَا ، وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَة عَنْ هِشَام بِاللَّفْظَيْنِ مَعًا ، وَسَيَأْتِي فِي الْهِبَةِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ مِنْ طَرِيقِ اِبْنِ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَام بِاللَّفْظَيْنِ ، لَكِنْ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ بَدَلَ الْكَاف ، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ ، يُقَالُ أَوْعَيْت الْمَتَاع فِي الْوِعَاءِ أُوعِيهِ إِذَا جَعَلْته فِيهِ ، وَوَعَيْت الشَّيْءَ حَفِظْته ، وَإِسْنَاد الْوَعْي إِلَى اللَّهِ مَجَازٌ عَنْ الْإِمْسَاكِ . وَالْإِيكَاءُ شَدُّ رَأْس الْوِعَاء بِالْوِكَاءِ وَهُوَ الرِّبَاطُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ ، وَالْإِحْصَاءُ مَعْرِفَة قَدْر الشَّيْء وَزْنًا أَوْ عَدَدًا ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُقَابَلَةِ ، وَالْمَعْنَى النَّهْي عَنْ مَنْع الصَّدَقَة خَشْيَة النَّفَادِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَعْظَم الْأَسْبَاب لِقَطْعِ مَادَّة الْبَرَكَة ، لِأَنَّ اللَّهَ يُثِيبُ عَلَى الْعَطَاءِ بِغَيْرِ حِسَاب ، وَمَنْ لَا يُحَاسَبُ عِنْدَ الْجَزَاءِ لَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعَطَاءِ ، وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ يَرْزُقُهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ فَحَقُّهُ أَنْ يُعْطِيَ وَلَا يَحْسِبَ . وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِالْإِحْصَاءِ عَدُّ الشَّيْءِ لِأَنْ يُدَّخَرَ وَلَا يُنْفَقَ مِنْهُ ، وَأَحْصَاهُ اللَّهُ قَطَعَ الْبَرَكَةَ عَنْهُ أَوْ حَبَسَ مَادَّة الرِّزْق أَوْ الْمُحَاسَبَة عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ . وَسَيَأْتِي ذِكْر سَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَاب الْهِبَة مَعَ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . قَالَ اِبْن رَشِيد : قَدْ تَخْفَى مُنَاسَبَة حَدِيثِ أَسْمَاء لِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ ، وَلَيْسَ بِخَافٍ عَلَى الْفَطِنِ مَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّحْرِيض وَالشَّفَاعَة مَعًا فَإِنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يُقَالَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ، وَهَذِهِ هِيَ النُّكْتَةُ فِي خَتْمِ الْبَابِ بِهِ .
عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 10 / ص 41)
3341 - حدثنا ( صدقة بن الفضل ) قال أخبرنا ( عبدة ) عن ( هشام ) عن ( فاطمة ) عن ( أسماء ) رضي الله تعالى عنها قالت قال لي النبي صلى الله عليه وسلم لا توكي فيوكى عليك
مطابقته للترجمة من حيث المعنى لأنه نهى عن الإيكاء وهو لا يفعل إلا للإدخار فكان المعنى لا تدخري وتصدقي
ذكر رجاله وهم خمسة الأول صدقة بن الفضل أبو الفضل مر في باب العلم الثاني عبدة بفتح العين وسكون الباء الموحدة ابن سليمان الثالث هشام بن عروة بن الزبير الرابع فاطمة بنت المنذر بن الزبير الخامس أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد وفيه الإخبار كذلك في موضع واحد وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع وفيه أن شيخه مروزي وعبدة كوفي والبقية مدنيون وفيه رواية التابعية عن الصحابية
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا عن عثمان بن أبي شيبة وفي الهبة عن عبيد الله ابن سعيد وأخرجه مسلم في الزكاة عن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه النسائي فيه عن محمد بن آدم وفي عشرة النساء عن هناد عن عبدة ذكر معناه قوله لا توكي من أوكى يوكي إيكاء يقال أوكى ما في سقائه إذا شده بالوكاء وهو الخيط الذي يشد به رأس القربة وأوكى علينا أي بخل وفي ( التلويح ) قوله لا توكي أي لا تدخري وتمنعي ما في يدك قلت هذا ليس بتفسيره لغة وإنما معناه لا توكي للادخار قوله فيوكى عليك بفتح الكاف فيوكى على صيغة المجهول وفي رواية مسلم فيوكي الله عليك والمعنى لا توكي مالك عن الصدقة خشية نفاده فيوكي الله عليك أو يمنعك ويقطع مادة الرزق عنك
فدل الحديث على أن الصدقة تنمي المال وتكون سببا إلى البركة والزيادة فيه وأن من شح ولم يتصدق فإن الله يوكي عليه ويمنعه من البركة في ماله والنماء فيه
حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن عبدة وقال لا تحصى فيحصي الله عليك
هذا طريق آخر عن عثمان بن أبي شيبة عن عبدة بالإسناد المذكور والظاهر أن عبدة روى الحديث باللفظين أحدهما لا توكي فيوكى عليك والآخر لا تحصى فيحصي الله عليك وروى النسائي من طريق أبي معاوية عن هشام باللفظين معا وسيأتي في الهبة عند البخاري من طريق ابن نمير عن هشام باللفظين لكن لفظه لا توعي بعين مهملة بدل لا توكى من أوعيت المتاع في الوعاء أوعيه إذا جعلته فيه ووعيت الشيء حفظته قوله لا تحصى من الإحصاء وهو معرفة قدر الشيء أو وزنه أو عدده وهذا مقابلة اللفظ باللفظ وتجنيس الكلام في مثله في جوابه أي يمنعك كما منعت كقوله تعالى ومكروا ومكر الله ( آل عمران 45 ) وقيل معناه لا تحصي ما تعطي فتستكثريه فيكون سببا لانقطاعه وقيل قد يراد بالإحصاء والوعي عنا عده خوف أن تزول البركة منه كما قالت عائشة حتى كلناه ففني وقيل إن عائشة عددت ما أنفقته فنهاها رسول الله عن ذلك
شرح سنن النسائي - (ج 4 / ص 35)
( لَا تُحْصِي فَيُحْصِي اللَّه عَلَيْك )
قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : الْإِحْصَاء الْعَدّ قَالُوا الْمُرَاد مِنْهُ عَدّ الشَّيْء لِلتَّبْقِيَةِ وَالِادِّخَار تَرْك الْإِنْفَاق فِي سَبِيل اللَّه وَإِحْصَاء اللَّه تَعَالَى يَحْتَمِل وَجْهَيْنِ أَحَدهمَا أَنَّهُ يَحْبِس عَنْك مَادَّة الرِّزْق وَيُقَلِّلهُ بِقَطْعِ الْبَرَكَة حَتَّى يَصِير كَالشَّيْءِ الْمَعْدُود وَالْآخَر أَنَّهُ يُنَاقِشك فِي الْآخِرَة عَلَيْهِ وَقَالَ النَّوَوِيّ : هَذَا مِنْ مُقَابَلَة اللَّفْظ بِاللَّفْظِ لِلتَّجْنِيسِ كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّه } وَمَعْنَاهُ يَمْنَعك كَمَا مَنَعْت وَيُقَتِّر عَلَيْك كَمَا قَتَّرْت
(2) - مسند أحمد برقم( 27681) صحيح = توعى : تمسكى(1/154)
ثَوَابُ ذَلِكَ وَذِكْرُ الِاخْتِلَافِ عَلَى شَقِيقٍ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِيهِ
298-7953 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَا : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ ، يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا تَصَدَّقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا كَانَ لَهَا أَجْرٌ ، وَلِلزَّوْجِ مِثْلُ ذَلِكَ ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ ، وَلَا يَنْقُصُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ أَجْرِ صَاحِبِهِ شَيْئًا ، لِلزَّوْجِ مَا كَسَبَ وَلَهَا مَا أَنْفَقَتْ " (1)
__________
(1) - صحيح البخارى برقم ( 1439 و1425 و 1437 و 1440 و 1441 و2065 ) وسنن الترمذى برقم( 673 ) ونص برقم( 2551)
فتح الباري لابن حجر - (ج 5 / ص 45)
1349 - قَوْله : ( وَلَهُ مِثْلُهُ ) أَيْ : مِثْل أَجْرِهَا
( وَلِلْخَازِنِ مِثْلَ ذَلِكَ ) أَيْ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى ، وَظَاهِره يَقْتَضِي تَسَاوِيهِمْ فِي الْأَجْرِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَاد بِالْمِثْلِ حُصُول الْأَجْر فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ كَانَ أَجْر الْكَاسِب أَوْفَر ، لَكِنَّ التَّعْبِيرَ فِي حَدِيثٍ أَبِي هُرَيْرَة الَّذِي ذَكَرْتُهُ بِقَوْلِهِ " فَلَهَا نِصْفُ أَجْرِهِ " يُشْعِرُ بِالتَّسَاوِي ، وَقَدْ سَبَقَ قَبْلُ بِسِتَّةِ أَبْوَابٍ مِنْ طَرِيق جَرِير أَيْضًا وَزَادَ فِي آخِرِهِ " لَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْر بَعْض " وَالْمُرَاد عَدَم الْمُسَاهَمَةِ وَالْمُزَاحَمَةِ فِي الْأَجْرِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ مُسَاوَاة بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَاللَّه أَعْلَمُ . وَفِي الْحَدِيثِ فَضْل الْأَمَانَةِ ، وَسَخَاوَة النَّفْس ، وَطِيبُ النَّفْسِ فِي فِعْلِ الْخَيْرِ ، وَالْإِعَانَة عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ .
تحفة الأحوذي - (ج 2 / ص 206)
607 - قَوْلُهُ : ( إِذَا تَصَدَّقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا )
أَيْ بِطِيبِ نَفْسٍ غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ ، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ : مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا .
قَوْلُهُ : ( وَلِلْخَازِنِ )
أَيْ الَّذِي كَانَتْ النَّفَقَةُ بِيَدِهِ
( لَهُ بِمَا كَسَبَ )
أَيْ لِلزَّوْجِ بِسَبَبِ كَسْبِهِ وَتَحْصِيلِهِ
( وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ )
أَيْ وَلِلزَّوْجَةِ بِسَبَبِ إِنْفَاقِهَا . قَالَ مُحِيَ السُّنَّةِ : عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا التَّصَدُّقُ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَكَذَا الْخَادِمُ . وَالْحَدِيثُ الدَّالُّ عَلَى الْجَوَازِ أُخْرِجَ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ يُطْلِقُونَ الْأَمْرَ لِلْأَهْلِ وَالْخَادِمِ فِي التَّصَدُّقِ وَالْإِنْفَاقِ عِنْدَ حُضُورِ السَّائِلِ وَنُزُولِ الضَّيْفِ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : " لَا تُوعِي فَيُوعِي اللَّهُ عَلَيْك " اِنْتَهَى .
قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
شرح سنن النسائي - (ج 4 / ص 27)
2492 -
حَاشِيَةُ السِّيُوطِيِّ :
( إِذَا تَصَدَّقَتْ الْمَرْأَة مِنْ بَيْت زَوْجهَا كَانَ لَهَا أَجْر وَلِلزَّوْجِ مِثْل ذَلِكَ وَلِلْخَازِنِ مِثْل ذَلِكَ وَلَا يُنْقِص وَاحِد مِنْهُمَا مِنْ أَجْر صَاحِبه شَيْئًا )
قَالَ النَّوَوِيّ : مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ الْمُشَارِك فِي الطَّاعَة مُشَارِك فِي الْأَجْر وَمَعْنَى الْمُشَارَكَة أَنَّ لَهُ أَجْرًا كَمَا لِصَاحِبِهِ أَجْر مِنْ غَيْر أَنْ يُزَاحِمهُ فِي أَجْره ، وَالْمُرَاد الْمُشَارَكَة فِي أَصْل الثَّوَاب فَيَكُون لِهَذَا ثَوَاب وَلِهَذَا ثَوَاب وَإِنْ كَانَ أَحَدهمَا أَكْثَر وَلَا يَلْزَم أَنْ يَكُون مِقْدَار ثَوَابهمَا سَوَاء بَلْ قَدْ يَكُون ثَوَاب هَذَا أَكْثَر وَقَدْ يَكُون عَكْسه فَإِذَا أَعْطَى الْمَالِك لِامْرَأَتِهِ أَوْ لِخَازِنِهِ أَوْ لِغَيْرِهِمَا مِائَة دِرْهَم أَوْ نَحْوهَا لِيُوَصِّلهَا إِلَى مُسْتَحِقّ الصَّدَقَة عَلَى بَاب دَاره أَوْ نَحْوه فَأَجْر الْمَالِك أَكْثَر وَإِنْ أَعْطَاهُ رَغِيفًا أَوْ رُمَّانَة أَوْ نَحْوهمَا مِمَّا لَيْسَ لَهُ كَبِير قِيمَة لِيَذْهَب بِهِ إِلَى مُحْتَاج مَسَافَة بَعِيدَة بِحَيْثُ يُقَابَل مَشْي الذَّاهِب إِلَيْهِ بِأُجْرَةٍ تَزِيد عَلَى الرُّمَّانَة وَالرَّغِيف فَأَجْر الْوَكِيل أَكْثَر ، وَقَدْ يَكُون عَمَله قَدْر الرَّغِيف مَثَلًا فَيَكُون مِقْدَار الْأَجْر سَوَاء وَأَشَارَ الْقَاضِي عِيَاض إِلَى أَنَّهُ يَحْتَمِل أَيْضًا أَنْ يَكُون سَوَاء مُطْلَقًا لِأَنَّ الْأَجْر فَضْل مِنْ اللَّه تَعَالَى وَلَا يُدْرَك بِقِيَاسٍ وَلَا هُوَ بِحَسَبِ الْأَعْمَال وَذَلِكَ فَضْل اللَّه يُؤْتِيه مَنْ يَشَاء وَالْمُخْتَار الْأَوَّل قَالَ وَلَا بُدّ فِي الزَّوْجَة وَالْخَازِن مِنْ إِذْن الْمَالِك فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِذْن أَصْلًا فَلَا أَجْر لَهُمْ بَلْ عَلَيْهِمْ وِزْر بِتَصَرُّفِهِمْ فِي مَال غَيْرهمْ بِغَيْرِ إِذْنه قُلْت : وَلِهَذَا عَقَّبَ الْمُصَنِّف هَذَا الْحَدِيث
عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 10 / ص 56)
1441 - حدثنا ( يحيى بن يحيى ) قال أخبرنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( شقيق ) عن ( مسروق ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة فلها أجرها وللزوج بما اكتسبت وللخازن مثل ذالك
هذه ثلاثة طرق في حديث عائشة تدور على أبي وائل شقيق بن سلمة عن مسروق عنها ومطابقتها للترجمة ظاهرة الأول عن آدم بن أبي إياس عن شعبة بن الحجاج عن منصور بن المعتمر وسليمان الأعمش كلاهما عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن مسروق عن عائشة رضي الله تعالى عنها وأخرجه مسلم أيضا من طريق الأعم عن أبي وائل عن مسروق إلى آخره ولم يسق البخاري تمام هذا الطريق لكنه ذكره بتمامه على سبيل التحويل قوله تعني أي عائشة حديث إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها الطريق الثاني عن عمر بن حفص عن أبيه خفص بن غياث عن سليمان الأعمش إلى آخره وأخرجه مسلم أيضا من حديث الأعمش الطريق الثالث عن يحيى بن يحيى أبي زكريا التميمي عن جرير بن عبد الحميد عن منصور ابن المعتمر إلى آخره وأخرجه البخاري أيضا في باب من أمر خادمه بالصدقة عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير عن منصور إلى آخره وأخرجه أيضا في باب أجر الخادم عن قتيبة بن سعيد عن جرير عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة إلى آخره وقد مضى الكلام فيها مستوفى هناك
المحلى لابن حزم - (ج 4 / ص 244)
1397 - مَسْأَلَةٌ : وَلِلْمَرْأَةِ حَقٌّ زَائِدٌ , وَهُوَ أَنَّ لَهَا أَنْ تَتَصَدَّقَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ , وَبِغَيْرِ إذْنِهِ غَيْرَ مُفْسِدَةٍ , وَهِيَ مَأْجُورَةٌ بِذَلِكَ , وَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْ مَالِهَا بِشَيْءٍ أَصْلاً إِلاَّ بِإِذْنِهَا , قَالَ تَعَالَى وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا فَبَطَلَ بِهَذَا حُكْمُ أَحَدٍ فِي مَالِ غَيْرِهِ. ثُمَّ وَجَبَ أَنْ يَخُصَّ مِنْ ذَلِكَ مَا خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ طَرِيقِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لاَ تَصُمْ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ، وَلاَ. تَأْذَنْ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاهِدٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ , وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ كَسْبِهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّ نِصْفَ أَجْرِهِ لَهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ بِمَا كَسَبَ , وَلَهَا مِثْلُهُ بِمَا أَنْفَقَتْ , وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ : سَمِعْت أَبَا وَائِلٍ يُحَدِّثُ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : إذَا تَصَدَّقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا كَانَ لَهَا أَجْرٌ وَلِلزَّوْجِ مِثْلُ ذَلِكَ , وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ , وَلاَ يَنْقُصُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ أَجْرِ صَاحِبِهِ شَيْئًا.
قال أبو محمد رحمه الله : أَبُو وَائِلٍ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ , وَأَدْرَكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَغَيْرُ مُنْكَرٍ أَنْ يَسْمَعَهُ مِنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَمِنْ مَسْرُوقٍ عَنْهَا أَيْضًا.
قَالَ عَلِيٌّ : وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْجُهَّالِ فِي هَذِهِ الآثَارِ الْقَوِيَّةِ بِرِوَايَةٍ تُشْبِهُهُ مِنْ طَرِيقِ الْعَرْزَمِيِّ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " لاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَصَدَّقَ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ " وَهَذَا جَهْلٌ شَدِيدٌ ; لأََنَّهُ لاَ يَصِحُّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لِضَعْفِ الْعَرْزَمِيِّ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَلاَ يُعَارِضُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرَأْيِ مَنْ دُونَهُ إِلاَّ فَاسِقٌ
فَإِنْ قَالُوا : أَبُو هُرَيْرَةَ رَوَى هَذَا وَهُوَ تَرَكَهُ
قلنا : قَدْ مَضَى الْجَوَابُ , وَإِنَّمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْنَا الأَنْقِيَادُ لِمَا صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لاَ لِلْبَاطِلِ الَّذِي لَمْ يَصِحَّ عَمَّنْ دُونَهُ , نَعَمْ , وَلاَ لِمَا صَحَّ عَمَّنْ دُونَهُ , وَالْحُجَّةُ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ لاَ فِي رَأْيِهِ , وَقَدْ أَفْرَدْنَا لَمَّا تَنَاقَضُوا فِي هَذَا الْمَكَانِ بَابًا ضَخْمًا فَكَيْفَ وَقَدْ صَحَّ عَنْ غَيْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْقَوْلُ بِهَذَا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ امْرَأَتِهِ : أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَسَأَلَتْهَا امْرَأَةٌ هَلْ تَتَصَدَّقُ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا فَقَالَتْ عَائِشَةُ : نَعَمْ , مَا لَمْ تَقِ مَالَهَا بِمَالِهِ.
فَإِنْ ذَكَرُوا
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْخَوْلاَنِيِّ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ " سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : لاَ تُنْفِقُ الْمَرْأَةُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا , قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَلاَ الطَّعَامَ قَالَ : ذَلِكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا. وَ
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلَتْهُ امْرَأَةٌ مَا يَحِلُّ مِنْ أَمْوَالِ أَزْوَاجِهِنَّ قَالَ : الرُّطَبُ تَأْكُلِينَهُ وَتُهْدِينَهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ زِيَادٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلُهُ : إِلاَّ ، أَنَّهُ قَالَ " الرَّطْبُ " بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ وَفِي الأَوَّلِ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ.
قال أبو محمد رحمه الله : فَهَذَا كُلُّهُ لاَ شَيْءَ , حَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ , لاَ يُعَارَضُ بِمِثْلِهِ الثَّابِتِ مِنْ طَرِيقِ أَسْمَاءَ , وَعَائِشَةَ , وَأَبِي هُرَيْرَةَ , الْمُتَوَاتِرِ عَنْهُمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ , وَعَبَّادِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ , وَفَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ ، عَنْ أَسْمَاءَ , وَمَسْرُوقٍ , وَشَقِيقٍ ، عَنْ عَائِشَةَ , وَالأَعْرَجِ , وَهَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , هَذَا نَقْلُ تَوَاتُرٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ فِي أَعْلاَمٍ مَشَاهِيرَ بِمِثْلِ هَذَا السُّقُوطِ وَالضَّعْفِ الَّذِي لَوْ انْفَرَدَ ، عَنْ مُعَارِضٍ لَمْ يَحِلَّ الأَخْذُ بِهِ. وَالآخَرَانِ مُرْسَلاَنِ , عَلَى أَنَّ فِيهِمَا خِلاَفًا لِقَوْلِ الْمُخَالِفِ , لأََنَّ فِيهِ إبَاحَةَ الرُّطَبِ جُمْلَةً , وَقَدْ تَعْظُمُ قِيمَتُهُ , وَقَدْ رُوِيَتْ مَرَاسِيلُ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا بِخِلاَفِ قَوْلِهِمْ :
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : صَاحِبَتِي تَتَصَدَّقُ مِنْ مَالِي , وَتُطْعِمُ مِنْ طَعَامِي قَالَ : أَنْتُمَا شَرِيكَانِ قَالَ : أَرَأَيْتَ إنْ نَهَيْتَهَا ، عَنْ ذَلِكَ قَالَ : لَهَا مَا نَوَتْ وَلَكَ مَا بَخِلْتَ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لَهُ آخُذُ مِنْ مَالِ زَوْجِي فَأَتَصَدَّقُ بِهِ قَالَ : الْخُبْزُ وَالتَّمْرُ , قَالَتْ : فَدَرَاهِمُهُ قَالَ : أَتُحِبِّينَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْكِ قَالَتْ : لاَ , قَالَ : فَلاَ تَأْخُذِي دَرَاهِمَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ أَوْ نَحْوُ هَذَا.
قَالَ عَلِيٌّ : يَكْفِي مِنْ هَذَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " غَيْرَ مُفْسِدَةٍ " فَهَذَا يَجْمَعُ الْبَيَانَ كُلَّهُ.
وَقَالَ تَعَالَى النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.
وَقَالَ تَعَالَى وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ، وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ فَمَنْ خَالَفَ هَذَا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.(1/155)
299-7954 أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ شَقِيقٍ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُ مَا أَنْفَقَتْ ، وَلِلزَّوْجِ أَجْرَهُ بِمَا كَسَبَ ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ ، لَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَجْرِ بَعْضٍ " (1)
__________
(1) - صحيح البخارى برقم( 1425 و 1437 و 1439 و1440 و 1441 و 2065 ) و صحيح مسلم برقم ( 2411-2413) وسنن أبى داود برقم( 1689)
فتح الباري لابن حجر - (ج 6 / ص 372)
1924 - أَوْرَدَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَة فِي ذَلِكَ بِلَفْظِ " إِذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ كَسْب زَوْجهَا عَنْ غَيْر أَمْرِهِ فَلَهَا نِصْف أَجْرِهِ " وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ عَيَّنَهُ فِيمَا أَذِنَ لَهَا فِي ذَلِكَ ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إِذَا أَنْفَقَتْ مِنْ الَّذِي يَخُصُّهَا بِهِ إِذَا تَصَدَّقَتْ بِهِ بِغَيْرِ اِسْتِئْذَانِهِ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ كَوْنُهُ مِنْ كَسْبِهِ فَيُؤْجَرُ عَلَيْهِ ، وَكَوْنُهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُون أَذِنَ لَهَا بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ لَكِنَّ الْمَنْفِيَّ مَا كَانَ بِطَرِيقِ التَّفْصِيلِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى أَحَد هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ وَإِلَّا فَحَيْثُ كَانَ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لَا إِجْمَالًا وَلَا تَفْصِيلًا فَهِيَ مَأْزُورَةٌ بِذَلِكَ لَا مَأْجُورَةٌ ، وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ عَنْ اِبْن عُمَر عِنْد الطَّيَالِسِيِّ وَغَيْره . وَأَمَّا قَوْله فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " فَلَهَا نِصْفُ أَجْرِهِ " فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يُعِينُهَا عَلَى تَنْفِيذِ الصَّدَقَةِ ، بِخِلَافِ حَدِيثِ عَائِشَةَ فَفِيهِ أَنَّ لِلْخَادِمِ مِثْلَ ذَلِكَ ، أَوْ الْمَعْنَى بِالنِّصْفِ فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ أَجْرَهُ وَأَجْرَهَا إِذَا جُمِعَا كَانَ لَهَا النِّصْف مِنْ ذَلِكَ فَلِلْكُلِّ مِنْهُمَا أَجْرٌ كَامِلٌ وَهُمَا اِثْنَانِ فَكَأَنَّهُمَا نِصْفَانِ .
عون المعبود - (ج 4 / ص 95)
1437 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( إِذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَة )
: أَيْ تَصَدَّقَتْ
( مِنْ كَسْب زَوْجهَا )
: أَيْ مِنْ مَاله
( مِنْ غَيْر أَمْره )
: أَيْ مَعَ عِلْمهَا بِرِضَا الزَّوْج أَوْ مَحْمُول عَلَى النَّوْع الَّذِي سُومِحَتْ فِيهِ مِنْ غَيْر إِذْن
( فَلَهَا نِصْف أَجْره )
: قِيلَ هَذَا مُفَسَّر بِمَا إِذَا أَخَذَتْ مِنْ مَال زَوْجهَا ، أَكْثَر مِنْ نَفَقَتهَا وَتَصَدَّقَتْ بِهِ فَعَلَيْهَا غُرْم مَا أَخَذَتْ أَكْثَر مِنْهَا فَإِذَا عَلِمَ الزَّوْج وَرَضِيَ بِذَلِكَ فَلَهَا نِصْف أَجْره بِمَا تَصَدَّقَتْ مِنْ نَفَقَتهَا وَنِصْف أَجْره لَهُ بِمَا تَصَدَّقَتْ بِهِ أَكْثَر مِنْ نَفَقَتهَا لِأَنَّ الْأَكْثَر حَقّ الزَّوْج . قَالَهُ الْقَارِي .
قَالَ النَّوَوِيّ : وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدّ فِي الْعَامِل وَهُوَ الْخَازِن وَفِي الزَّوْجَة وَالْمَمْلُوك مِنْ إِذْن الْمَالِك فِي ذَلِكَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَذِنَ أَصْلًا فَلَا أَجْر لِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة بَلْ عَلَيْهِمْ وِزْر بِتَصَرُّفِهِمْ فِي مَال غَيْرهمْ بِغَيْرِ إِذْنه . وَالْإِذْن ضَرْبَانِ أَحَدهمَا الْإِذْن الصَّرِيح فِي النَّفَقَة وَالصَّدَقَة . وَالثَّانِي الْإِذْن الْمَفْهُوم مِنْ اطِّرَاد الْعُرْف كَإِعْطَاءِ السَّائِل كِسْرَة وَنَحْوهَا مِمَّا جَرَتْ الْعَادَة وَاطِّرَاد الْعُرْف فِيهِ وَعُلِمَ بِالْعُرْفِ رِضَاء الزَّوْج وَالْمَالِك بِهِ فَإِذْنه فِي ذَلِكَ حَاصِل وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّم ، وَهَذَا إِذَا عُلِمَ رِضَاهُ لِاطِّرَادِ الْعُرْف وَعُلِمَ أَنَّ نَفْسه كَنُفُوسِ غَالِب النَّاس فِي السَّمَاحَة بِذَلِكَ وَالرِّضَاء بِهِ فَإِنْ اِضْطَرَبَ الْعُرْف وَشُكَّ فِي رِضَاهُ أَوْ كَانَ شَحِيحًا يَشِحّ بِذَلِكَ وَعُلِمَ مِنْ حَاله ذَلِكَ أَوْ شُكَّ فِيهِ لَمْ يَجُزْ لِلْمَرْأَةِ وَغَيْرهَا التَّصَدُّق فِي مَاله إِلَّا بِصَرِيحِ إِذْنه .
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ كَسْبه مِنْ غَيْر أَمْره فَلَهَا نِصْف أَجْره " فَمَعْنَاهُ مِنْ غَيْر أَمْره الصَّرِيح فِي ذَلِكَ الْقَدْر الْمُعَيَّن وَيَكُون مَعَهَا إِذْن عَامّ سَابِق مُتَنَاوِل لِهَذَا الْقَدْر وَغَيْره ، وَذَلِكَ الْإِذْن الَّذِي قَدْ بَيَّنَاهُ سَابِقًا إِمَّا بِالصَّرِيحِ وَإِمَّا بِالْعُرْفِ لَا بُدّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيل لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الْأَجْر مُنَاصَفَة . وَمَعْلُوم أَنَّهَا إِذَا أَنْفَقَتْ مِنْ غَيْر إِذْن صَرِيح وَلَا مَعْرُوف مِنْ الْعُرْف فَلَا أَجْر لَهَا بَلْ عَلَيْهَا وِزْر فَتَعَيَّنَ تَأْوِيله . وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا كُلّه مَفْرُوض فِي قَدْر يَسِير يُعْلَم رِضَاء الْمَالِك بِهِ فِي الْعَادَة ، فَإِنْ زَادَ عَلَى التَّعَارُف لَمْ يَجُزْ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَة مِنْ طَعَام بَيْتهَا غَيْر مُفْسِدَة " فَأَشَارَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَدْر يُعْلَم رِضَا الزَّوْج بِهِ فِي الْعَادَة وَبَيَّنَهُ بِالطَّعَامِ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُسْمَح بِهِ فِي الْعَادَة بِخِلَافِ الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير فِي حَقّ أَكْثَر النَّاس وَفِي كَثِير مِنْ الْأَحْوَال . وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَاد بِنَفَقَةِ الْمَرْأَة وَالْعَبْد وَالْخَازِن النَّفَقَة عَلَى عِيَال صَاحِب الْمَال وَغِلْمَانه وَمَصَالِحه وَقَاصِدِيهِ مِنْ ضَيْف وَابْن سَبِيل وَنَحْوهمَا ، وَكَذَلِكَ صَدَقَتهمْ الْمَأْذُون فِيهَا بِالصَّرِيحِ أَوْ الْعُرْف وَاَللَّه أَعْلَم اِنْتَهَى .
قَالَ الْمُنْذِرِيّ : وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم اِنْتَهَى .
قُلْت : حَدِيث عَبْد الرَّزَّاق بْن هَمَّام عَنْ مَعْمَر عَنْ هَمَّام بْن مُنَبِّه عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ فِي الْبُيُوع عَنْ يَحْيَى بْن جَعْفَر وَفِي النَّفَقَات عَنْ يَحْيَى وَمُسْلِم فِي الزَّكَاة عَنْ مُحَمَّد اِبْن رَافِع وَالْمُؤَلِّف عَنْ الْحَسَن بْن عَلِيّ الْخَلَّال كُلّهمْ عَنْ عَبْد الرَّزَّاق بِالسَّنَدِ الْمَذْكُور وَلَفْظ مُسْلِم قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَصُمْ الْمَرْأَة وَبَعْلهَا شَاهِد إِلَّا بِإِذْنِهِ ، وَلَا تَأْذَن فِي بَيْته وَهُوَ شَاهِد إِلَّا بِإِذْنِهِ ، وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ كَسْبه مِنْ غَيْر أَمْره فَإِنَّ نِصْف أَجْره لَهُ " وَالْحَدِيث صَحِيح قَوِيّ مُتَّصِل الْإِسْنَاد لَيْسَ فِيهِ عِلَّة اِتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاجه وَاَللَّه أَعْلَم .
عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 10 / ص 20)
5241 - حدثنا ( عثمان بن أبي شيبة ) قال حدثنا ( جرير ) عن ( منصور ) عن ( شقيق ) عن ( مسروق ) عن ( عائشة ) رضي الله تعالى عنها قالت قال رسول الله إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب وللخازن مثل ذالك لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئا
مطابقته للترجمة في قوله وللخازن مثل ذلك وقد قلنا إن للخازن خادم للمالك في الخزن فإن قلت الترجمة مقيدة بالأمر وليس في الحديث ذلك قلت الخازن أمين وليس له أن يتصرف إلا بإذن المالك إما نصا وإما عادة وكذلك المرأة أمينة لا يجوز لها التصرف إلا بإذن زوجها إما نصا وإما عادة في الأشياء التي لا تؤلم زوجها وتطيب بها نفسه فلذلك قيد بقوله غير مفسدة وإفسادها إنما يكون بغير إذن الزوج أو بما يؤلم زوجها خارجا عن العادة على ما نقرره عن قريب إن شاء الله تعالى ذكر رجاله وهم ستة كلهم قد ذكروا غير مرة وعثمان هو ابن محمد بن أبي شيبة واسمه إبراهيم أبو الحسن الكوفي أخو أبي بكر بن أبي شيبة وجرير بن عبد الحميد ومنصور بن المعتمر وشقيق بن سلمة ومسروق بن الأجدع
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه أن جريرا رازي أصله من الكوفة والبقية كوفيون وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابية
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الزكاة عن عمر بن حفص بن غياث عن أبيه وعن قتيبة عن جرير كلاهما عن الأعمش وعن آدم عن شعبة عن الأعمش ومنصور كلاهما عن أبي وائل به وفيه عن يحيى بن يحيى وفيه وفي البيوع عن عثمان بن أبي شيبة كلاهما عن جرير عن منصور به وأخرجه مسلم في الزكاة عن يحيى بن يحيى وزهير ابن حرب وإسحاق بن إبراهيم ثلاثتهم عن جرير وعن محمد بن يحيى وعن أبي بكر بن أبي شيبة وعن محمد بن عبد الله ابن نمير عن أبيه وأخرجه أبو داود فيه عن مسدد عن أبي عوانة عن منصور به وأخرجه الترمذي فيه عن محمود بن غيلان وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن محمد بن قدامة عن جرير عن منصور به وعن أحمد بن حرب عن أبي معاوية به وأخرجه ابن ماجه في التجارات عن محمد بن عبد الله بن نمير به وأخرج الترمذي هذا الحديث من طريقين أحدهما عن محمد بن المثنى عن محمد بن جعفر عن شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت أبا وائل يحدث عن عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها كان لها أجر ولزوجها مثل ذلك وللخازن مثل ذلك ولا ينقص كل واحد منهم من أجر صاحبه شيئا له بما كسب ولها بما أنفقت ثم قال هذا حديث حسن والطريق الآخر عن محمود بن غيلان عن المؤمل عن سفيان عن منصور عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت قال رسول الله إذا أعطت المرأة من بيت زوجها بطيب نفس غير مفسدة كان لها مثل أجره لها ما نوت حسنا وللخازن مثل ذلك ثم قال أبو عيسى هذا حسن صحيح وهو أصح من حديث عمرو بن مرة عن أبي وائل وعمرو بن مرة لا يذكر في حديثه عن مسروق فإن قلت قال الطوسي حديث عمرو حسن صحيح قلت فيه نظر لأن الدارقطني قال رواه جرير عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق ورواه عبد الصمد بن حسان عن الثوري عن منصور عن أبي وائل عن الأسود ووهم في قوله ورواه معاذ بن معاذ وأبو قتيبة عن شعيب عن عمرو بن مرة عن أبي وائل عن مسروق ورواه عبد الله بن أبي جعفر عن شعبة عن الحكم بن عمارة عن عمير عن أبيه عن عائشة ووهم فيه والصحيح عن الأعمش ومنصور عن أبي وائل عن مسروق
ذكر معناه قوله إذا أنفقت المرأة وفي رواية للترمذي إذا تصدقت المرأة وفي رواية أخرى له إذا أعطت المرأة من بيت زوجها قوله من طعام بيتها قيد به لأنه يسمح به عادة بخلاف الدراهم والدنانير فإن إنفاقها منها لا يجوز إلا بالإذن قوله غير مفسدة نصب على الحال قيد به لأنها إذا كانت مفسدة بأن تجاوزت المعتاد فإنه لا يجوز قوله كان لها أي للمرأة أجرها أي لأجل إنفاقها غير مفسدة ولزوجها أجره بما كسب أي بسبب كسبه والمعنى أن المشارك في الطاعة مشارك في الأجر ومعنى المشارك أن له أجرا كما لصاحبه أجر وليس معناه أن يزاحمه في أجره أو المراد المشاركة في أصل الثواب فيكون لهذا ثواب وإن كان أحدهما أكثر ولا يلزم أن يكون مقدار ثوابهما سواء بل يكون ثواب هذا أكثر وقد يكون بعكسه قوله وللخازن مثل ذلك أي مثل ذلك الأجر والخازن هو الذي يكون بيده حفظ الطعام والمأكول من خادم وقهرمان وقد قلنا إنه أعم من مملوك وغيره فإذا أعطى المالك لخازنه أو امرأته أو غيرهما مائة درهم أو نحوها ليوصلها إلى مستحقي الصدقة على باب داره أو نحوه فأجر المالك أكثر وإن أعطاه رمانة أو رغيفا أو نحوهما ليذهب به إلى محتاج في مسافة بعيدة بحيث يقابل مشي الذاهب إليه بأجرة تزيد على الرمانة والرغيف فأجر الوكيل أكثر وقد يكون عمله قدر الرغيف مثلا فيكون مقدار الأجر سواء فإن قلت روى مسلم من حديث يزيد بن عبيد قال سمعت عميرا مولى أبي اللحم قال أمرني مولاي أن أقدد لحما فجاء مسكين فأطعمته منه فعلم مولاي بذلك فضربني فأتيت رسول الله فذكرت ذلك له فدعاه فقال له لم ضربته قال يعطي طعامي من غير أن آمره فقال الأجر بينكما قلت معناه بينكما قسمان وإن كان أحدهما أكثر وأشار القاضي عياض إلى أنه يحتمل أيضا أن يكون سواء لأن الأجر فضل من الله تعالى ولا يدرك بقياس ولا هو بحسب الأعمال وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وقال النووي والمختار الأول قوله لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئا شيئا منصوب لأنه مفعول لقوله لا ينقص وقوله أجر منصوب بنزع الخافض أي من أجر بعض أو هو مفعول أول لقوله لا ينقص لأنه ضد يزيد وهو متعد إلى مفعولين قال تعالى فزادهم الله مرضا ( البقرة 01 )
ذكر ما يستفاد منه اختلف الناس في تأويل هذا الحديث فقال بعضهم هذا على مذهب الناس بالحجاز وبغيرها من البلدان إن رب البيت قد يأذن لأهله وعياله وللخادم في الإنفاق بما يكون في البيت من طعام أو أدام ويطلق أمرهم فيه إذا حضره السائل ونزل الضيف وحضهم رسول الله على لزوم هذه العادة ووعدهم الثواب عليه وقيل هذا في اليسير الذي لا يؤثر نقصانه ولا يظهر وقيل هذا إذا علم منه أنه لا يكره العطاء فيعطي ما لم يجحف وهذا معنى قوله غير مفسدة وفرق بعضهم بين الزوجة والخادم بأن الزوجة لها حق في مال الزوج ولها النظر في بيتها فجاز لها أن تتصدق بما لا يكون إسرافا لكن بمقدار العادة وما يعلم أنه لا يؤلم زوجها فأما الخادم فليس له تصرف في متاع مولاه ولا حكم فيشترط الإذن في عطية الخادم دون الزوجة فإن قلت أحاديث هذا الباب جاءت مختلفة فمنها ما يدل على منع المرأة أن تنفق من بيت زوجها إلا بإذنه وهو حديث أبي أمامة رواه الترمذي قال حدثنا هناد حدثنا إسماعيل بن عياش حدثنا شرحبيل بن مسلم الخولاني عن أبي أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله يقول في خطبته عام حجة الوداع لا تنفق امرأة شيئا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها قيل يا رسول الله ولا الطعام قال ذاك أفضل أموالنا وقال حديث حسن وأخرجه ابن ماجه أيضا ومنها ما يدل على الإباحة بحصول الأجر لها في ذلك وهو حديث عائشة المذكور ومنها ما قيد فيه الترغيب في الإنفاق بكونه بطيب نفس منه وبكونها غير مفسدة وهو حديث عائشة أيضا رواه الترمذي من حديث مسروق عنها قالت قال رسول الله إذا أعطت المرأة من بيت زوجها بطيب نفس غير مفسدة الحديث ومنها ما هو مقيد بكونها غير مفسدة وإن كان من غير أمره وهو حديث أبي هريرة رواه مسلم من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة قال قال رسول الله لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له ومنها ما قيد الحكم فيه بكونه رطبا وهو حديث سعد ابن أبي وقاص رواه أبو داود من رواية زياد بن جبير عن سعد قال لما بلغ رسول الله النساء قامت امرأة جليلة كأنها من نساء مضر فقالت يا نبي الله أنأكل من عمل آبائنا وأبنائنا قال أبو داود وأرى فيه وأزواجنا فما يحل لنا من أموالهم قال الرطب تأكليه وتهديه قال أبو داود الرطب الخبز والبقل والرطب قلت الرطب الأول بفتح الراء والثاني بضمها وهو رطب التمر وكذلك العنب وسائر الفواكه الرطبة دون اليابسة قلت كيفية الجمع بينهما أن ذلك يختلف باختلاف عادات البلاد وباختلاف حال الزوج من مسامحته ورضاه بذلك أو كراهته لذلك وباختلاف الحال في الشيء المنفق بين أن يكون شيئا يسيرا يتسامح به وبين أن يكون له خطر في نفس الزوج يبخل بمثله وبين أن يكون ذلك رطبا يخشى فساده إن تأخر وبين أن يكون يدخر ولا يخشى عليه الفساد
شرح ابن بطال - (ج 5 / ص 474)
وترجم له باب « أجر المرأة إذا تصدقت أو أطعمت من بيت زوجها غير مفسدة » . وترجم له باب « أجر الخادم إذا تصدق بأمر صاحبه غير مفسد » وزاد: عن أبى موسى، قال النبى، - صلى الله عليه وسلم - : « الخازن المسلم الأمين الذى ينفق ما أُمر به كاملاً موفرًا طيبًا نفسه، فيدفعه إلى الذى أُمر له به أحد المصدقين » .
قال الله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى} [المائدة: 2]، فدلت هذه الآية على اشتراك المتعاونين على الخير فى الأجر، وجاء هذا المعنى فى هذه الأحاديث، إلا أنه لا يجوز لأحد أن يتصدق من مال أحد غيره بغير إذنه، لكن لما كانت امرأة الرجل لها حق فى ماله، وكان لها النظر فى بيتها جاز لها الصدقة بما لا يكون إضاعة للمال، ولا إسرافًا، لكن بمقدار العرف والعادة، وما تعلم أنه لا يؤلم زوجها، وتطيب به نفسه. فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنها تؤجر على ذلك، ويؤجر زوجها بما كسب، ويؤجر الخادم الممسك لذلك، وهو الخازن المذكور فى الحديث، إلا أن مقدار أجر كل واحد منهم لا يعلمه إلا الله، غير أن الأظهر أن الكاسب أعظم أجرًا.
وقوله: باب من أمر خادمه بالصدقة، ولم يناول بنفسه ينفك من قوله فى الحديث: « وللخادم مثل ذلك » ، لأن الخادم لا يجوز أن يتصدق من مال مولاه إلا بما أمره بالصدقة به، بخلاف الزوجة، لأن الخادم ليس له فى متاع مولاه تصرف، ولا حكم، وإنما هو خازن عليه فقط، ألا ترى أن النبى، - صلى الله عليه وسلم - ، شرط فى الخازن أن يؤدى الذى أمر به موفرًا طيبًا به نفسه، وكذلك يصح له الأجر، لأن من لم تطب نفسه على فعل الخير فلا نية له فيه، لأنه لا عمل إلا بنية، وكذلك إذا نقص المسكين مما أمر له به فقد خانه، فنقص أجره وخشى عليه الإثم.
شرح ابن بطال - (ج 11 / ص 208)
ومعنى هذه الآية أن الله أمر عباده بالأكل والصدقة من حلال كسبهم وتجارتهم، والآية التى ترجم بها وقع فيها غلط من الناسخ - والله أعلم - وصوابها {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم} وقال فى موضع آخر: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم}.
وأما صدقة المرأة من بيت زوجها بغير إذنه فإنما يباح لها أن تتصدق منه بما تعلم أن نفسه تطيب به ولا تشح بمثله، فيؤجر كل واحد منهم لتعاونهم على الطاعة، وقد تقدم هذا المعنى فى كتاب الزكاة.
شرح ابن بطال - (ج 14 / ص 38)
وفيه: وجوب نفقة الأهل والولد وإلزام ذلك الزوج، وإن كان غائبًا إذا كان له مال حاضر، واختلف العلماء فى ذلك، فقالت طائفة: نفقتها عليه ثابتة فى غيبته، روى ذلك عن عمر بن الخطاب، وعن الحسن البصرى، وهو قول مالك، والشافعى، وأحمد، وإسحاق، وأبى ثور.
وقال أبو حنيفة: ليس لها نفقة عليه إلا أن يفرضها السلطان، ولو استدانت عليه وهو غائب لم يفرض لها شيئًا.
قال ابن المنذر: نفقات الزوجات فرض على أزواجهن، وقد وجب عليه فرض، فلا يسقط عنه لغيبته إلا فى حال واحدة، وهى أن تعصى المرأة وتنشز عليه وتمتنع منه، فتلك حال قد أجمع أهل العلم على سقوط النفقة فيها عنه إلا من شذ عنهم، وهو الحكم بن عتيبة وابن القاسم صاحب مالك، ولا يلتفت إلى من شذ عن الجماعة، ولا يزيل وقوف الحاكم عن إنفاذ الحكم بما يجب فرضًا أوجبه الله، والسنة مستقلة بنفسها عن أن يزيدها حكم الحاكم تأكيدًا، والفرائض والديون التى يجب أداؤها، والوفاء بالنذور، وما يجب فى الأموال من الجنايات على الأبدان مثلما يجب فى الحج من الصوم من كفارة وفدية لا يزيله وقوف الحاكم عن الحكم به.
ووجد حديث أبى هريرة فى هذا الباب، وإن كان فى صدقة التطوع وحديث هند فى الانتصاف من حق لها منعته، فإن المعنى الجامع بينهما أنه كما جاز للمرأة أن تتصدق من مال زوجها بغير أمره بما يشبه وتعلم أنه يسمح الزوج بمثله، وذلك غير واجب عليه ولا عليها أن تتصدق عنه بماله كان أخذها من مال الزوج من غير علمه ما يجب عليه ويلزمه غرمه أجوز أن تأخذه، ويقضى لها به، والله الموفق.
وفى حديث عائشة جواز القضاء على الغائب، وسيأتى فى كتاب الأحكام.
شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 468)
مَعْنَى هَذِهِ الْأَحَادِيث أَنَّ الْمُشَارِك فِي الطَّاعَة مُشَارِكٌ فِي الْأَجْر ، وَمَعْنَى الْمُشَارَكَة أَنَّ لَهُ أَجْرًا كَمَا لِصَاحِبِهِ أَجْر ، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يُزَاحِمَهُ فِي أَجْره ، وَالْمُرَاد الْمُشَارَكَة فِي أَصْل الثَّوَاب ، فَيَكُون لِهَذَا ثَوَاب وَلِهَذَا ثَوَاب ، وَإِنْ كَانَ أَحَدهمَا أَكْثَر ، وَلَا يَلْزَم أَنْ يَكُون مِقْدَار ثَوَابهمَا سَوَاء ، بَلْ قَدْ يَكُون ثَوَاب هَذَا أَكْثَر وَقَدْ يَكُون عَكْسه ، فَإِذَا أَعْطَى الْمَالِك لِخَازِنِهِ أَوْ اِمْرَأَته أَوْ غَيْرهمَا مِائَة دِرْهَم أَوْ نَحْوهَا لِيُوصِلهَا إِلَى مُسْتَحِقّ الصَّدَقَة عَلَى بَاب دَاره أَوْ نَحْوه فَأَجْر الْمَالِك أَكْثَر ، وَإِنْ أَعْطَاهُ رُمَّانَة أَوْ رَغِيفًا وَنَحْوهمَا مِمَّا لَيْسَ لَهُ كَثِير قِيمَة لِيَذْهَب بِهِ إِلَى مُحْتَاج فِي مَسَافَة بَعِيدَة بِحَيْثُ يُقَابِل مَشْيَ الذَّاهِب إِلَيْهِ بِأُجْرَةٍ تَزِيد عَلَى الرُّمَّانَة وَالرَّغِيف فَأَجْر الْوَكِيل أَكْثَر ، وَقَدْ يَكُون عَمَله قَدْر الرَّغِيف مَثَلًا فَيَكُون مِقْدَار الْأَجْر سَوَاء .
فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (ج 2 / ص 238)
500 - (إذا أنفقت المرأة من بيت) في رواية من كسب وفي أخرى من طعام (زوجها عن) وفي رواية من (غير أمره) أي في ذلك القدر المعين بعد وجود إذن سابق عام صريح أو عرف (فلها) أي المرأة وفي رواية للبخاري فله أي الزوج (نصف أجره) يعني قسم مثل أجره وإن كان أحدهما أكثر على حد *إذا مت كان الناس نصفان* والمراد عدم المساهمة والمزاحمة في الأجر، وتنزيل الحافظ ابن حجر ذلك على ما تعطاه المرأة نفقة لها فإذا أنفقت منه بغير علمه كان الأجر بينهما لكونه يؤجر على ما ينفقه عليها: ليس في محله لاقتضائه أنه إذا لم يحتسبها لا يكون بينهما لأن الاحتساب شرط حصول [ص 307] الثواب له كما نص عليه في الحديث المار وهو قد صور ذلك بغير علمه على أن الأجر له إنما هو في دفع النفقة لها وأما إذا قبضتها واستقر ملكها عليها ثم أنفقت منها فلا أحسب أحداً يقول إنه يكون له أجر فيما تنفقه هي من مال نفسها خالصاً وفيه فضل الإنفاق وسخاوة النفس والحث على فعل الخير.
- (ق د عن أبي هريرة) رضي الله عنه.
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 2 / ص 436)
مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءَ فِي مَنْ عَزَمَ عَلَى " فِعْلِ مُحَرَّمٍ " كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ عَزْمًا جَازِمًا - فَعَجَزَ عَنْ فِعْلِهِ : إمَّا بِمَوْتِ أَوْ غَيْرِهِ . هَلْ يَأْثَمُ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ أَمْ لَا ؟ وَإِنْ قُلْتُمْ : يَأْثَمُ فَمَا جَوَابُ مَنْ يَحْتَجُّ عَلَى عَدَمِ الْإِثْمِ بِقَوْلِهِ : { إذَا هَمَّ عَبْدِي بِسَيِّئَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ } وَبِقَوْلِهِ : { إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ } وَاحْتَجَّ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ . ( أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَخْبَرَ بِالْعَفْوِ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَالْعَزْمُ دَاخِلٌ فِي الْعُمُومِ وَالْعَزْمُ وَالْهَمُّ وَاحِدٌ . قَالَهُ ابْنُ سيده . ( الثَّانِي أَنَّهُ جَعَلَ التَّجَاوُزَ مُمْتَدًّا إلَى أَنْ يُوجَدَ كَلَامٌ أَوْ عَمَلٌ وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي حَدِّ التَّجَاوُزِ وَيَزْعُمُ أَنْ لَا دَلَالَةَ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذْ الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ } لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِدُخُولِ الْمَقْتُولِ فِي النَّارِ مُوَاجَهَتُهُ أَخَاهُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ لَا مُجَرَّدُ قَصْدٍ وَأَنْ لَا دَلَالَةَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي قَالَ : { لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَفَعَلْت وَفَعَلْت أَنَّهُمَا فِي الْإِثْمِ سَوَاءٌ وَفِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ } لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَتَكَلَّمْ } وَهَذَا قَدْ تَكَلَّمَ وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَلَامٌ كَثِيرٌ وَاحْتِيجَ إلَى بَيَانِهَا مُطَوَّلًا مَكْشُوفًا مُسْتَوْفًى .
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تيمية - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ . الْحَمْدُ لِلَّهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَنَحْوُهَا تَحْتَاجُ قَبْلَ الْكَلَامِ فِي حُكْمِهَا إلَى حُسْنِ التَّصَوُّرِ لَهَا فَإِنَّ اضْطِرَابَ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَقَعَ عَامَّتُهُ مِنْ أَمْرَيْنِ . ( أَحَدُهُمَا عَدَمُ تَحْقِيقِ أَحْوَالِ الْقُلُوبِ وَصِفَاتِهَا الَّتِي هِيَ مَوْرِدُ الْكَلَامِ . وَ ( الثَّانِي عَدَمُ إعْطَاءِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ حَقَّهَا ؛ وَلِهَذَا كَثُرَ اضْطِرَابُ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ فِي هَذَا الْبَابِ حَتَّى يَجِدَ النَّاظِرُ فِي كَلَامِهِمْ أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ إجماعات مُتَنَاقِضَةً فِي الظَّاهِرِ . فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ صِفَاتِ الْحَيِّ الَّتِي هِيَ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالْإِرَادَةُ وَنَحْوُهَا لَهُ مِنْ الْمَرَاتِبِ مَا بَيْنَ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ مَا لَا يَضْبُطُهُ الْعِبَادُ : كَالشَّكِّ ثُمَّ الظَّنِّ ثُمَّ الْعِلْمِ ثُمَّ الْيَقِينِ وَمَرَاتِبِهِ ؛ وَكَذَلِكَ الْهَمُّ وَالْإِرَادَةُ وَالْعَزْمُ وَغَيْرُ ذَلِكَ ؛ وَلِهَذَا كَانَ الصَّوَابُ عِنْدَ جَمَاهِيرِ أَهْلِ السُّنَّةِ - وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَد وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَقَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ - أَنَّ الْعِلْمَ وَالْعَقْلَ وَنَحْوَهُمَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ بَلْ وَكَذَلِكَ الصِّفَاتُ الَّتِي تَقُومُ بِغَيْرِ الْحَيِّ : كَالْأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ وَالْأَرْوَاحِ . فَنَقُولُ أَوَّلًا الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ هِيَ الَّتِي يَجِبُ وُقُوعُ الْفِعْلِ مَعَهَا إذَا كَانَتْ الْقُدْرَةُ حَاصِلَةً فَإِنَّهُ مَتَى وُجِدَتْ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ وَجَبَ وُجُودُ الْفِعْلِ لِكَمَالِ وُجُودِ الْمُقْتَضِي السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ الْمُقَاوِمِ وَمَتَى وُجِدَتْ الْإِرَادَةُ وَالْقُدْرَةُ التَّامَّةُ وَلَمْ يَقَعْ الْفِعْلُ لَمْ تَكُنْ الْإِرَادَةُ جَازِمَةً وَهُوَ إرَادَاتُ الْخَلْقِ لِمَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَفْعَالِ وَلَمْ يَفْعَلُوهُ وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْإِرَادَاتُ مُتَفَاوِتَةً فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ تَفَاوُتًا كَثِيرًا ؛ لَكِنْ حَيْثُ لَمْ يَقَعْ الْفِعْلُ الْمُرَادُ مَعَ وُجُودِ الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ فَلَيْسَتْ الْإِرَادَةُ جَازِمَةً جَزْمًا تَامًّا . وَهَذِهِ " الْمَسْأَلَةُ " إنَّمَا كَثُرَ فِيهَا النِّزَاعُ ؛ لِأَنَّهُمْ قَدَّرُوا إرَادَةً جَازِمَةً لِلْفِعْلِ لَا يَقْتَرِنُ بِهَا شَيْءٌ مِنْ الْفِعْلِ وَهَذَا لَا يَكُونُ . وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الْعَزْمِ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ فَقَدْ يَعْزِمُ عَلَى الْفِعْلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَنْ لَا يَفْعَلُ مِنْهُ شَيْئًا فِي الْحَالِ وَالْعَزْمُ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَكْفِي فِي وُجُودِ الْفِعْلِ بَلْ لَا بُدَّ عِنْدَ وُجُودِهِ مِنْ حُدُوثِ تَمَامِ الْإِرَادَةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِلْفِعْلِ وَهَذِهِ هِيَ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ . وَ " الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ " إذَا فَعَلَ مَعَهَا الْإِنْسَانُ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ كَانَ فِي الشَّرْعِ بِمَنْزِلَةِ الْفَاعِلِ التَّامِّ : لَهُ ثَوَابُ الْفَاعِلِ التَّامِّ وَعِقَابُ الْفَاعِلِ التَّامِّ الَّذِي فَعَلَ جَمِيعَ الْفِعْلِ الْمُرَادِ حَتَّى يُثَابَ وَيُعَاقَبَ عَلَى مَا هُوَ خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ قُدْرَتِهِ مِثْلَ الْمُشْتَرِكِينَ والمتعاونين عَلَى أَفْعَالِ الْبِرِّ وَمِنْهَا مَا يَتَوَلَّدُ عَنْ فِعْلِ الْإِنْسَانِ كَالدَّاعِي إلَى هُدًى أَوْ إلَى ضَلَالَةٍ وَالسَّانِّ سُنَّةً حَسَنَةً وَسُنَّةً سَيِّئَةً كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ دَعَا إلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ دَعَا إلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْوِزْرِ مِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ تَبِعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ } وَثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ } . فَالدَّاعِي إلَى الْهُدَى وَإِلَى الضَّلَالَةِ هُوَ طَالِبٌ مُرِيدٌ كَامِلُ الطَّلَبِ وَالْإِرَادَةِ لِمَا دَعَا إلَيْهِ ؛ لَكِنَّ قُدْرَتَهُ بِالدُّعَاءِ وَالْأَمْرِ وَقُدْرَةَ الْفَاعِلِ بِالِاتِّبَاعِ وَالْقَبُولِ ؛ وَلِهَذَا قَرَنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ بَيْنَ الْأَفْعَالِ الْمُبَاشِرَةِ وَالْمُتَوَلِّدَةِ فَقَالَ : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } { وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } . فَذَكَرَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى مَا يَحْدُثُ عَنْ أَفْعَالِهِمْ بِغَيْرِ قُدْرَتِهِمْ الْمُنْفَرِدَةِ : وَهُوَ مَا يُصِيبُهُمْ مِنْ الْعَطَشِ وَالْجُوعِ وَالتَّعَبِ وَمَا يَحْصُلُ لِلْكُفَّارِ بِهِمْ مِنْ الْغَيْظِ وَمَا يَنَالُونَهُ مِنْ الْعَدُوِّ . وَقَالَ : { كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ } فَأَخْبَرَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الَّتِي تَحْدُثُ وَتَتَوَلَّدُ مِنْ فِعْلِهِمْ وَفِعْلٍ آخَرَ مُنْفَصِلٍ عَنْهُمْ يُكْتَبُ لَهُمْ بِهَا عَمَلٌ صَالِحٌ وَذَكَرَ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ نَفْسَ أَعْمَالِهِمْ الْمُبَاشِرَةِ الَّتِي بَاشَرُوهَا بِأَنْفُسِهِمْ : وَهِيَ الْإِنْفَاقُ وَقَطْعُ الْمَسَافَةِ فَلِهَذَا قَالَ فِيهَا : { إلَّا كُتِبَ لَهُمْ } فَإِنَّ هَذِهِ نَفْسَهَا عَمَلٌ صَالِحٌ وَإِرَادَتُهُمْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ جَازِمَةٌ عَلَى مَطْلُوبِهِمْ الَّذِي هُوَ أَنْ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَأَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَمَا حَدَثَ مَعَ هَذِهِ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تُعِينُ فِيهَا قُدْرَتَهُمْ بَعْضُ الْإِعَانَةِ هِيَ لَهُمْ عَمَلٌ صَالِحٌ . وَكَذَلِكَ " الدَّاعِي إلَى الْهُدَى وَالضَّلَالَةِ " لَمَّا كَانَتْ إرَادَتُهُ جَازِمَةً كَامِلَةً فِي هُدَى الْأَتْبَاعِ وَضَلَالِهِمْ وَأَتَى مِنْ الْإِعَانَةِ عَلَى ذَلِكَ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِلِ الْكَامِلِ فَلَهُ مِنْ الْجَزَاءِ مِثْلُ جَزَاءِ كُلِّ مَنْ اتَّبَعَهُ : لِلْهَادِي مِثْلَ أُجُورِ الْمُهْتَدِينَ وَلِلْمُضِلِّ مِثْلَ أَوْزَارِ الضَّالِّينَ وَكَذَلِكَ السَّانُّ سُنَّةً حَسَنَةً وَسُنَّةً سَيِّئَةً ؛ فَإِنَّ السُّنَّةَ هِيَ مَا رُسِمَ لِلتَّحَرِّي فَإِنَّ السَّانَّ كَامِلُ الْإِرَادَةِ لِكُلِّ مَا يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ وَفِعْلُهُ بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ . وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ { النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا ؛ } لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ " فَالْكِفْلُ النَّصِيبُ مِثْلَ نَصِيبِ الْقَاتِلِ كَمَا فَسَّرَهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ وَهُوَ كَمَا اسْتَبَاحَ جِنْسَ قَتْلِ الْمَعْصُومِ لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ يَمْنَعُهُ مِنْ قَتْلِ نَفْسٍ مَعْصُومَةٍ فَصَارَ شَرِيكًا فِي قَتْلِ كُلِّ نَفْسٍ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا } . وَيُشْبِهُ هَذَا أَنَّهُ مَنْ كَذَّبَ رَسُولًا مُعَيَّنًا كَانَ كَتَكْذِيبِ جِنْسِ الرُّسُلِ كَمَا قِيلَ فِيهِ : { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ } { كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ } وَنَحْوُ ذَلِكَ . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْله تَعَالَى { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ } فَأَخْبَرَ أَنَّ أَئِمَّةَ الضَّلَالِ لَا يَحْمِلُونَ مِنْ خَطَايَا الْأَتْبَاعِ شَيْئًا وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ يَحْمِلُونَ أَثْقَالَهُمْ وَهِيَ أَوْزَارُ الْأَتْبَاعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِ الْأَتْبَاعِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّ إرَادَتَهُمْ كَانَتْ جَازِمَةً بِذَلِكَ وَفَعَلُوا مَقْدُورَهُمْ فَصَارَ لَهُمْ جَزَاءُ كُلِّ عَامِلٍ ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ عَلَى الْعَمَلِ يُسْتَحَقُّ مَعَ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ وَفِعْلِ الْمَقْدُورِ مِنْهُ . وَهُوَ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ : أَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى هِرَقْلَ : فَإِنْ تَوَلَّيْت فَإِنَّ عَلَيْك إثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ } فَأَخْبَرَ أَنَّ هِرَقْلَ لَمَّا كَانَ إمَامَهُمْ الْمَتْبُوعَ فِي دِينِهِمْ أَنَّ عَلَيْهِ إثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ وَهُمْ الْأَتْبَاعُ وَإِنْ كَانَ قَدْ قِيلَ : إنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ الْفَلَّاحِينَ وَالْأَكَرَةِ كَلَفْظِ الطَّاءِ بِالتُّرْكِيِّ فَإِنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ تُقْلَبُ إلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إذَا تَوَلَّى عَنْ أَتْبَاعِ الرَّسُولِ كَانَ عَلَيْهِ [ مِثْلُ ] آثَامِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْءٌ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ سَائِرُ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . وَمِنْ هَذَا قَوْله تَعَالَى { إلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ } { لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ } { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ } { لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } . فَقَوْلُهُ : { وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ } هِيَ الْأَوْزَارُ الْحَاصِلَةُ لِضَلَالِ الْأَتْبَاعِ وَهِيَ حَاصِلَةٌ مِنْ جِهَةِ الْآمِرِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَأْمُورِ الْمُمْتَثِلِ فَالْقُدْرَتَانِ مُشْتَرِكَتَانِ فِي حُصُولِ ذَلِكَ الضَّلَالِ ؛ فَلِهَذَا كَانَ عَلَى هَذَا بَعْضُهُ وَعَلَى هَذَا بَعْضُهُ إلَّا أَنَّ كُلَّ بَعْضٍ مِنْ هَذَيْنِ الْبَعْضَيْنِ هُوَ مِثْلُ وِزْرِ عَامِلٍ كَامِلٍ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ سَائِرُ النُّصُوصِ مِثْلُ قَوْلِهِ : { مَنْ دَعَا إلَى الضَّلَالَةِ كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْله تَعَالَى { قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ } . فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْأَتْبَاعَ دَعَوْا عَلَى أَئِمَّةِ الضَّلَالِ بِتَضْعِيفِ الْعَذَابِ كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى { وَقَالُوا رَبَّنَا إنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا } { رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا } . وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ لِكُلِّ مِنْ الْمُتَّبِعِينَ وَالْأَتْبَاعِ تَضْعِيفًا مِنْ الْعَذَابِ . وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُ الْأَتْبَاعُ التَّضْعِيفَ . وَلِهَذَا وَقَعَ عَظِيمُ الْمَدْحِ وَالثَّنَاءِ لِأَئِمَّةِ الْهُدَى وَعَظِيمُ الذَّمِّ وَاللَّعْنَةِ لِأَئِمَّةِ الضَّلَالِ حَتَّى رُوِيَ فِي أَثَرٍ - لَا يَحْضُرُنِي إسْنَادُهُ - إنَّهُ مَا مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ إلَّا يُبْدَأُ فِيهِ بإبليس ثُمَّ يَصْعَدُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى غَيْرِهِ وَمَا مِنْ نَعِيمٍ فِي الْجَنَّةِ إلَّا يُبْدَأُ فِيهِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ } فَإِنَّهُ هُوَ الْإِمَامُ الْمُطْلَقُ فِي الْهُدَى لِأَوَّلِ بَنِي آدَمَ وَآخِرِهِمْ . كَمَا قَالَ : { أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ آدَمَ وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ } وَهُوَ شَفِيعُ الْأَوَّلِينَ والآخرين فِي الْحِسَابِ بَيْنَهُمْ ؛ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ يَسْتَفْتِحُ بَابَ الْجَنَّةِ . وَذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَ الْخَلَائِقِ أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِيثَاقَ الْإِيمَانِ بِهِ كَمَا أَخَذَ عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ أَنْ يُؤْمِنَ بِمَنْ قَبْلَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ؛ وَيُصَدِّقَ بِمَنْ بَعْدَهُ . قَالَ تَعَالَى : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ } الْآيَةَ . فَافْتَتَحَ الْكَلَامَ بِاللَّامِ الْمُوَطِّئَةِ لِلْقَسَمِ الَّتِي يُؤْتَى بِهَا إذَا اشْتَمَلَ الْكَلَامُ عَلَى قَسَمٍ وَشَرْطٍ ؛ وَأَدْخَلَ اللَّامَ عَلَى مَا الشَّرْطِيَّةِ لِيُبَيِّنَ الْعُمُومَ وَيَكُونَ الْمَعْنَى : مَهْمَا آتِيكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ فَعَلَيْكُمْ إذَا جَاءَكُمْ ذَلِكَ النَّبِيُّ الْمُصَدِّقُ الْإِيمَانُ بِهِ وَنَصْرُهُ . كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إلَّا أَخَذَ عَلَيْهِ الْمِيثَاقَ لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ حَيٌّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ وَلَيَنْصُرَنَّهُ . وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ نَوَّهَ بِذِكْرِهِ وَأَعْلَنَهُ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى مَا بَيْنَ خَلْقِ جَسَدِ آدَمَ وَنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ ؛ كَمَا فِي { حَدِيثِ مَيْسَرَةَ الْفَجْرِ قَالَ : قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ متى كُنْت نَبِيًّا ؟ - وَفِي رِوَايَةٍ - مَتَى كُتِبْت نَبِيًّا ؟ فَقَالَ : وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ } رَوَاهُ أَحْمَد . وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ العرباض بْنِ سَارِيَةَ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَد وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ { قَالَ : إنِّي عِنْدَ اللَّهِ لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ . وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ } الْحَدِيثَ . فَكَتَبَ اللَّهُ وَقَدَّرَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَفِي تِلْكَ الْحَالِ أَمْرَ إمَامِ الذُّرِّيَّةِ كَمَا كَتَبَ وَقَدَّرَ حَالَ الْمَوْلُودِ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ بَيْنَ خَلْقِ جَسَدِهِ وَنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ . فَمَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ الْأَوَّلِينَ والآخرين أُثِيبَ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ ثَوَابُ مَنْ آمَنَ بِهِ وَأَطَاعَهُ فِي الشَّرَائِعِ الْمُفَصَّلَةِ أَعْظَمَ مِنْ ثَوَابِ مَنْ لَمْ يَأْتِ إلَّا بِالْإِيمَانِ الْمُجْمَلِ ؛ عَلَى أَنَّهُ إمَامٌ مُطْلَقٌ لِجَمِيعِ الذُّرِّيَّةِ وَأَنَّ لَهُ نَصِيبًا مِنْ إيمَانِ كُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ الْأَوَّلِينَ والآخرين ؛ كَمَا أَنَّ كُلَّ ضَلَالٍ وغواية فِي الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لإبليس مِنْهُ نَصِيبٌ ؛ فَهَذَا يُحَقِّقُ الْأَثَرَ الْمَرْوِيَّ وَيُؤَيِّدُ مَا فِي نُسْخَةِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا - إمَّا مِنْ مَرَاسِيلِ الزُّهْرِيِّ . وَإِمَّا مِنْ مَرَاسِيلِ مَنْ فَوْقَهُ مِنْ التَّابِعِينَ - قَالَ : { بُعِثْت دَاعِيًا وَلَيْسَ إلَيَّ مِنْ الْهِدَايَةِ شَيْءٌ وَبُعِثَ إبْلِيسُ مُزَيِّنًا وَمُغْوِيًا وَلَيْسَ إلَيْهِ مِنْ الضَّلَالَةِ شَيْءٌ } . وَمِمَّا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي السُّنَنِ : { وُزِنْت بِالْأُمَّةِ فَرَجَحْت ثُمَّ وُزِنَ أَبُو بَكْرٍ بِالْأُمَّةِ فَرَجَحَ ثُمَّ وُزِنَ عُمَرُ بِالْأُمَّةِ فَرَجَحَ ثُمَّ رُفِعَ الْمِيزَانُ } فَأَمَّا كَوْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِحًا بِالْأُمَّةِ فَظَاهِرٌ ؛ لِأَنَّ لَهُ مِثْلَ أَجْرِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ مُضَافًا إلَى أَجْرِهِ وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ فَلِأَنَّ لَهُمَا مُعَاوَنَةً مَعَ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ فِي إيمَانِ الْأُمَّةِ كُلِّهَا وَأَبُو بَكْرٍ كَانَ فِي ذَلِكَ سَابِقًا لِعُمَرِ وَأَقْوَى إرَادَةً مِنْهُ ؛ فَإِنَّهُمَا هُمَا اللَّذَانِ كَانَا يُعَاوِنَانِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إيمَانِ الْأُمَّةِ فِي دَقِيقِ الْأُمُورِ وَجَلِيلِهَا ؛ فِي مَحْيَاهُ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ . وَلِهَذَا { سَأَلَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمَ أُحُدٍ : أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ ؟ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ ؟ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُجِيبُوهُ . فَقَالَ : أَمَّا هَؤُلَاءِ فَقَدْ كَفَيْتُمُوهُمْ . فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ نَفْسَهُ أَنْ قَالَ : كَذَبْت يَا عَدُوَّ اللَّهِ إنَّ الَّذِي ذَكَرْت لَأَحْيَاءٌ وَقَدْ بَقِيَ لَك مَا يَسُوءُك } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ . فَأَبُو سُفْيَانَ - رَأْسُ الْكُفْرِ حِينَئِذٍ - لَمْ يَسْأَلْ إلَّا عَنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ قَادَةُ الْمُؤْمِنِينَ . كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ { عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ لَمَّا وُضِعَتْ جِنَازَةُ عُمَرَ قَالَ : وَاَللَّهِ مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ أَحَبّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِعَمَلِهِ مِنْ هَذَا الْمُسَجَّى وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَحْشُرَك اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْك ؛ فَإِنِّي كَثِيرًا مَا كُنْت أَسْمَعُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : دَخَلْت أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَخَرَجْت أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَذَهَبْت أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ } وَأَمْثَالُ هَذِهِ النُّصُوصِ كَثِيرَةٌ تُبَيِّنُ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِهِمَا إنْ كَانَ لَهُمَا مِثْلُ أَعْمَالِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ ؛ لِوُجُودِ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ ؛ كُلِّهِ بِخِلَافِ مَنْ أَعَانَ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ وَوُجِدَتْ مِنْهُ إرَادَةٌ فِي بَعْضِ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ . وَ " أَيْضًا " فَالْمُرِيدُ إرَادَةً جَازِمَةً مَعَ فِعْلِ الْمَقْدُورِ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِلِ الْكَامِلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إمَامًا وَدَاعِيًا كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ : { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } فَاَللَّهُ تَعَالَى نَفَى الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُجَاهِدِ وَالْقَاعِدِ الَّذِي لَيْسَ بِعَاجِزِ ؛ وَلَمْ يَنْفِ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الْمُجَاهِدِ وَبَيْنَ الْقَاعِدِ الْعَاجِزِ ؛ بَلْ يُقَالُ : دَلِيلُ الْخِطَابِ يَقْتَضِي مُسَاوَاتَهُ إيَّاهُ . وَلَفْظُ الْآيَةِ صَرِيحٌ . اسْتَثْنَى أُولُو الضَّرَرِ مِنْ نَفْيِ الْمُسَاوَاةِ فَالِاسْتِثْنَاءُ هُنَا هُوَ مِنْ النَّفْيِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ أُولِي الضَّرَرِ قَدْ يُسَاوُونَ الْقَاعِدِينَ وَإِنْ لَمْ يُسَاوُوهُمْ فِي الْجَمِيعِ وَيُوَافِقُهُ مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ : { إنَّ بِالْمَدِينَةِ رِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إلَّا كَانُوا مَعَكُمْ . قَالُوا : وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ . قَالَ : وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ } فَأَخْبَرَ أَنَّ الْقَاعِدَ بِالْمَدِينَةِ الَّذِي لَمْ يَحْبِسْهُ إلَّا الْعُذْرُ هُوَ مِثْلُ مَنْ مَعَهُمْ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ . وَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِي مَعَهُ فِي الْغَزْوَةِ يُثَابُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَوَابَ غَازٍ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ فَكَذَلِكَ الْقَاعِدُونَ الَّذِينَ لَمْ يَحْبِسْهُمْ إلَّا الْعُذْرُ . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ } فَإِنَّهُ إذَا كَانَ يَعْمَلُ فِي الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ عَمَلًا ثُمَّ لَمْ يَتْرُكْهُ إلَّا لِمَرَضِ أَوْ سَفَرٍ ثَبَتَ أَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ لِوُجُودِ الْعَجْزِ وَالْمَشَقَّةِ لَا لِضَعْفِ النِّيَّةِ وَفُتُورِهَا فَكَانَ لَهُ مِنْ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ الَّتِي لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهَا الْفِعْلُ إلَّا لِضَعْفِ الْقُدْرَةِ مَا لِلْعَامِلِ وَالْمُسَافِرِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا مَعَ مَشَقَّةٍ كَذَلِكَ بَعْضُ الْمَرَضِ إلَّا أَنَّ الْقُدْرَةَ الشَّرْعِيَّةَ هِيَ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْفِعْلُ مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ رَاجِحَةٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } وَقَوْلِهِ : { فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا } وَنَحْوُ ذَلِكَ لَيْسَ الْمُعْتَبَرُ فِي الشَّرْعِ الْقُدْرَةَ الَّتِي يُمْكِنُ وُجُودُ الْفِعْلِ بِهَا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمُكْنَةُ خَالِيَةً عَنْ مَضَرَّةٍ رَاجِحَةٍ بَلْ أَوْ مُكَافِئَةٍ . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ مَا ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرِ فَقَدْ غَزَا } وَقَوْلُهُ : { مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ } فَإِنَّ الْغَزْوَ يَحْتَاجُ إلَى جِهَادٍ بِالنَّفْسِ وَجِهَادٍ بِالْمَالِ فَإِذَا بَذَلَ هَذَا بَدَنَهُ وَهَذَا مَالَهُ مَعَ وُجُودِ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُجَاهِدًا بِإِرَادَتِهِ الْجَازِمَةِ وَمَبْلَغِ قُدْرَتِهِ وَكَذَلِكَ لَا بُدَّ لِلْغَازِي مِنْ خَلِيفَةٍ فِي الْأَهْلِ فَإِذَا خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرِ فَهُوَ أَيْضًا غَازٍ وَكَذَلِكَ الصِّيَامُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إمْسَاكٍ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْعَشَاءِ الَّذِي بِهِ يَتِمُّ الصَّوْمُ وَإِلَّا فَالصَّائِمُ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْعَشَاءَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الصَّوْمِ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { إذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ وَلِزَوْجِهَا مِثْلُ ذَلِكَ لَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ مِنْ أُجُورِ بَعْضٍ شَيْئًا } وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى : { الْخَازِنُ الْأَمِينُ الَّذِي يُعْطِي مَا أُمِرَ بِهِ كَامِلًا مُوَفِّرًا طَيِّبَةٌ بِهِ نَفْسُهُ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقِينَ } أَخْرَجَاهُ . وَذَلِكَ أَنَّ إعْطَاءَ الْخَازِنِ الْأَمِينِ الَّذِي يُعْطِي مَا أُمِرَ بِهِ مُوَفِّرًا طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ الْمُوَافِقَةِ لِإِرَادَةِ الْآمِرِ وَقَدْ فَعَلَ مَقْدُورَهُ وَهُوَ الِامْتِثَالُ فَكَانَ أَحَدَ الْمُتَصَدِّقِينَ . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ أَبِي كَبْشَةَ الأنماري الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَد وَابْنُ ماجه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةٍ : رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَمَالًا فَهُوَ يَعْمَلُ فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ فَقَالَ رَجُلٌ : لَوْ أَنَّ لِي مِثْلَ فُلَانٍ لَعَمِلْت بِعَمَلِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُمَا فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ } وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُطَوَّلًا وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَهَذَا التَّسَاوِي مَعَ " الْأَجْرِ وَالْوِزْرِ " هُوَ فِي حِكَايَةِ حَالِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَكَانَ صَادِقًا فِيهِ وَعَلِمَ اللَّهُ مِنْهُ إرَادَةً جَازِمَةً لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا الْفِعْلُ إلَّا لِفَوَاتِ الْقُدْرَةِ ؛ فَلِهَذَا اسْتَوَيَا فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ . وَلَيْسَ هَذِهِ الْحَالُ تَحْصُلُ لِكُلِّ مَنْ قَالَ : " لَوْ أَنَّ لِي مَا لِفُلَانِ لَفَعَلْت مِثْلَ مَا يَفْعَلُ " إلَّا إذَا كَانَتْ إرَادَتُهُ جَازِمَةً يَجِبُ وُجُودُ الْفِعْلِ مَعَهَا إذَا كَانَتْ الْقُدْرَةُ حَاصِلَةً وَإِلَّا فَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يَقُولُ ذَلِكَ عَنْ عَزْمٍ لَوْ اقْتَرَنَتْ بِهِ الْقُدْرَةُ لَانْفَسَخَتْ عَزِيمَتُهُ كَعَامَّةِ الْخَلْقِ يُعَاهِدُونَ وَيَنْقُضُونَ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ عَزَمَ عَلَى شَيْءٍ عَزْمًا جَازِمًا قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ [ وَعَدِمَ ] الصوارف عَنْ الْفِعْلِ تَبْقَى تِلْكَ الْإِرَادَةُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ الْمُقَارِنَةِ للصوارف كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } وَكَمَا قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ } وَكَمَا قَالَ : { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ } { فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ } وَحَدِيثُ أَبِي كَبْشَةَ فِي النِّيَّاتِ مِثْلُ حَدِيثِ الْبِطَاقَةِ فِي الْكَلِمَاتِ . وَهُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّ رَجُلًا مِنْ أُمَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْشُرُ اللَّهُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مِنْهَا مَدَى الْبَصَرِ وَيُقَالُ لَهُ هَلْ تُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا ؟ هَلْ ظَلَمْتُك ؟ فَيَقُولُ : لَا يَا رَبِّ . فَيُقَالُ لَهُ : لَا ظُلْمَ عَلَيْك الْيَوْمَ فَيُؤْتَى بِبِطَاقَةِ فِيهَا التَّوْحِيدُ ؛ فَتُوضَعُ فِي كِفَّةٍ وَالسِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ فَطَاشَتْ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتْ الْبِطَاقَةُ } فَهَذَا لِمَا اقْتَرَنَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ الصِّدْقِ وَالْإِخْلَاصِ وَالصَّفَاءِ وَحُسْنِ النِّيَّةِ ؛ إذْ الْكَلِمَاتُ وَالْعِبَادَاتُ وَإِنْ اشْتَرَكَتْ فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ فَإِنَّهَا تَتَفَاوَتُ بِحَسَبِ أَحْوَالِ الْقُلُوبِ تَفَاوُتًا عَظِيمًا . وَمِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي فِي حَدِيثِ : الْمَرْأَةِ الْبَغِيِّ الَّتِي سَقَتْ كَلْبًا فَغَفَرَ اللَّهُ لَهَا ؛ فَهَذَا لِمَا حَصَلَ فِي قَلْبِهَا مِنْ حُسْنِ النِّيَّةِ وَالرَّحْمَةِ إذْ ذَاكَ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ . يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا سُخْطَهُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ }
سبل السلام - (ج 3 / ص 264)
( وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَأَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ مُسْرِفَةٍ فِي الْإِنْفَاقِ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ وَلِزَوْجِهَا أَجْرُهُ بِمَا اكْتَسَبَ وَلِلْخَادِمِ مِثْلُ ذَلِكَ لَا يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَصَدُّقِ الْمَرْأَةِ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا وَالْمُرَادُ إنْفَاقُهَا مِنْ الطَّعَامِ الَّذِي لَهَا فِيهِ تَصَرُّفٌ بِصِفَتِهِ لِلزَّوْجِ وَمَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إضْرَارٍ وَأَنْ لَا يُخِلَّ بِنَفَقَتِهِمْ ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ : قَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ الَّذِي لَا يُؤْبَهُ لَهُ وَلَا يَظْهَرُ بِهِ النُّقْصَانُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى مَا إذَا أَذِنَ الزَّوْجُ وَلَوْ بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّ وَيَدُلُّ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا تُنْفِقُ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الطَّعَامُ قَالَ : ذَلِكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا } .
إلَّا أَنَّهُ قَدْ عَارَضَهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ { إذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ كَسْبِ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَلَهَا نِصْفُ أَجْرِهِ } وَلَعَلَّهُ يُقَالُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا إنَّ إنْفَاقَهَا مَعَ إذْنِهِ تَسْتَحِقُّ بِهِ الْأَجْرَ كَامِلًا وَمَعَ عَدَمِ الْإِذْنِ نِصْفَ الْأَجْرِ ، وَإِنَّ النَّهْيَ عَنْ إنْفَاقِهَا مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ إذَا عَرَفَتْ مِنْهُ الْفَقْرَ أَوْ الْبُخْلَ فَلَا يَحِلُّ لَهَا الْإِنْفَاقُ إلَّا بِإِذْنِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَرَفَتْ مِنْهُ خِلَافَ ذَلِكَ جَازَ لَهَا الْإِنْفَاقُ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ وَلَهَا نِصْفُ أَجْرِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : الْمُرَادُ بِنَفَقَةِ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْخَادِمِ النَّفَقَةُ عَلَى عِيَالِ صَاحِبِ الْمَالِ فِي مَصَالِحِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ لَفْظِ الْحَدِيثِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالْخَادِمِ فَقَالَ : الْمَرْأَةُ لَهَا حَقٌّ فِي مَالِ الزَّوْجِ وَالتَّصَرُّفُ فِي بَيْتِهِ فَجَازَ لَهَا أَنْ تَتَصَدَّقَ بِخِلَافِ الْخَادِمِ فَلَيْسَ لَهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِ مَوْلَاهُ فَيُشْتَرَطُ الْإِذْنُ فِيهِ .
وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَ لَهَا التَّصَرُّفُ إلَّا فِي الْقَدْرِ الَّذِي تَسْتَحِقُّهُ وَإِذَا تَصَدَّقَتْ مِنْهُ اخْتَصَّتْ بِأَجْرِهِ ، ثُمَّ ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ سَوَاءٌ فِي الْأَجْرِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِثْلِ حُصُولُ الْأَجْرِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ كَانَ أَجْرُ الْمُكْتَسِبِ أَوْفَرَ إلَّا أَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ " وَلَهَا نِصْفُ أَجْرِهِ " فَهُوَ يُشْعِرُ بِالْمُسَاوَاةِ
يسألونك فتاوى - (ج 4 / ص 112)
حكم تصدق المرأة من مال زوجها بدون إذنه
تقول السائلة : هل يجوز للمرأة أن تتصدق من مال زوجها بدون إذنه ؟
الجواب : لا شك أن الصدقة النافلة من أعمال البر والتقوى ويتقرب بها العبد إلى ربه جل وعلا وقد وردت نصوص كثيرة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في الحض على الصدقة فمن ذلك قوله تعالى :( وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) سورة سبأ الآية 39 .
وقال تعالى ( وأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) سورة البقرة الآية 110.
وورد في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله [ ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ] رواه البخاري ومسلم .وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث ورجل لا مفهوم يعمل به فإن المرأة كذلك كما نبه عليه الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري 2/192 بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد حض النساء على التصدق فقد ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :(خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم عيد فصلى ركعتين لم يصل قبل ولا بعد ثم مال على النساء ومعه بلال فوعظهن وأمرهن أن يتصدقن فجعلت المرأة تلقي القُلب والخرص ) رواه البخاري . والقُلْب بضم القاف وسكون اللام هو السوار والخرص هو الحلقة من ذهب أو فضة .
والأصل أن الإنسان يتصدق من ماله الخاص به ولكن وردت السنة بجواز تصدق الزوجة من مال زوجها فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئاً ) رواه البخاري ومسلم . وعن أبي هريرة ( قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له ) رواه البخاري ومسلم .
قال الإمام النووي :[ قوله صلى الله عليه وسلم في الخازن الأمين الذي يعطي ما أمر به أحد المتصدقين وفي رواية:( إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئاً ) ، وفي رواية من طعام زوجها وفي رواية في العبد إذا أنفق من مال مواليه قال : الأجر بينكما نصفان وفي رواية ولا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له معنى هذه الأحاديث أن المشارك في الطاعة مشارك في الأجر ومعنى المشاركة أن له أجراً كما لصاحبه أجر وليس معناه أن يزاحمه في أجره والمراد المشاركة في أصل الثواب فيكون لهذا الثواب ولهذا الثواب وإن كان أحدهما أكثر ولا يلزم أن يكون مقدار ثوابهما سواء ] شرح النووي على صحيح مسلم 3/92 .
واعلم أن أكثر أهل العلم يشترطون أن يأذن الزوج لزوجته في التصرف بماله ويدل عليه ما ورد في الحديث عن أبي أمامة الباهلي (قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته عام حجة الوداع :( لا تنفق المرأة شيئاً من بيت زوجها إلا بإذن زوجها قيل : يا رسول الله ولا الطعام ؟ قال ذلك أفضل أموالنا ) رواه الترمذي وهو حديث حسن كما قال الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/206 .
قال الإمام البغوي :[ العمل على هذا عند أهل العلم أن المرأة ليس لها أن تتصدق بشيء من مال الزوج دون إذنه وكذلك الخادم ويأثمان إن فعلا ذلك وحديث عائشة خارج على عادة أهل الحجاز أنهم يطلقون الأمر للأهل والخادم في الإنفاق والتصدق مما يكون في البيت إذا حضرهم السائل أو نزل بهم الضيف فحضهم على لزوم تلك العادة كما قال لأسماء :( لا توعي فيوعى عليك ) وعلى هذا يخرج ما روي عن عمير مولى آبي اللحم قال : كنت مملوكاً فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتصدق من مال موالي بشيء قال :( نعم والأجر بينكما نصفان ) ] شرح السنة 6/205
وقال الإمام النووي :[ واعلم أنه لا بد للعامل وهو الخازن وللزوجة والمملوك من إذن المالك في ذلك فإن لم يكن أذن أصلاً فلا أجر لأحد من هؤلاء الثلاثة بل عليهم وزر بتصرفهم في مال غيرهم بغير إذنه والإذن ضربان أحدهما الإذن الصريح في النفقة والصدقة والثاني الإذن المفهوم من اطراد العرف والعادة كإعطاء السائل كسرة ونحوها مما جرت العادة به واطراد العرف فيه وعلم بالعرف رضا الزوج والمالك به فإذنه في ذلك حاصل وإن لم يتكلم وهذا إذا علم رضاه لاطراد العرف وعلم أن نفسه كنفوس غالب الناس في السماحة بذلك والرضا به فإن اضطرب العرف وشك في رضاه أو كان شخصاً يشح بذلك وعلم من حاله ذلك أو شك فيه لم يجز للمرأة وغيرها التصدق من ماله إلا بصريح إذنه . وأما قوله صلى الله عليه وسلم :( وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له ) . فمعناه من غير أمره الصريح في ذلك القدر المعين ويكون معها إذن عام سابق متناول لهذا القدر وغيره وذلك الإذن الذي قد بيناه سابقاً إما بالصريح وإما بالعرف ولا بد من هذا التأويل لأنه صلى الله عليه وسلم جعل الأجر مناصفة وفي رواية أبي داود فلها نصف أجره ومعلوم أنها إذا أنفقت من غير إذن صريح ولا معروف من العرف فلا أجر لها بل عليها وزر فتعين تأويله . واعلم أن هذا كله مفروض في قدر يسير يعلم رضا المالك به في العادة فإن زاد على المتعارف لم يجز وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم :( إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة ) فأشار صلى الله عليه وسلم إلى أنه قدر يعلم رضا الزوج به في العادة ونبه بالطعام أيضاً على ذلك لأنه يسمح به في العادة بخلاف الدراهم والدنانير في حق أكثر الناس وفي كثير من الأحوال ] شرح النووي على صحيح مسلم 3/92-93.
وقد ذكر بعض أهل العلم أن الأحاديث الواردة في المسألة فيها نوع من الاختلاف حيث ذكر في حديث أبي هريرة السابق أن المرأة لا تنفق من غير إذن الزوج وورد في حديث عائشة ما يدل على الإباحة بحصول الأجر لها في ذلك وورد في حديث عائشة بتقييده بأن تكون غير مفسدة وإن كان من غير أمره وورد في حديث سعد ( قال : لما بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء قامت امرأة جليلة كأنها من نساء مضر قالت : يا رسول الله إنا كَلٌّ على آبائنا وأبنائنا وأزواجنا فما يحل لنا من أموالهم ؟ قال : الرطب تأكلنه وتهدينه ) رواه أبو داود وإسناده جيد ، انظر شرح السنة 6/206 الحاشية.
قال الإمام العيني :[ قلت : كيفية الجمع بينهما أن ذلك يختلف باختلاف عادات البلاد وباختلاف حال الزوج من مسامحته ورضاه بذلك أو كراهته لذلك وباختلاف الحال في الشيء المنفق بين أن يكون شيئا يسيراً يتسامح به وبين أن يكون له خطر في نفس الزوج يبخل بمثله وبين أن يكون ذلك رطباً يخشى فساده إن تأخر وبين أن يكون يدخر ولا يخشى عليه الفساد ] عمدة القاري 6/401 .
وخلاصة الأمر أنه يجوز للمرأة أن تتصدق من مال زوجها والأصل أنها تستأذنه في ذلك إلا ما جرى به العرف من عدم الحاجة لإذنه أو لأنه لا يكره ذلك كما إذا جاء سائل إلى البيت فأعطته الزوجة طعاماً أو نحوه فلا بأس في ذلك.
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 1591)
«إطعام الزّوجة من مال زوجها»
28 - أجاز الفقهاء للزّوجة التّصدّق بالشّيء اليسير من بيت زوجها من غير إذنه ، لحديث السّيّدة عائشة رضي الله عنها مرفوعاً « إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدةٍ كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره.
بما كسب » ولأنّ العادة السّماح وطيب النّفس به إلاّ أن يمنع ربّ البيت فليس لها ذلك.
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 9426)
«صدقة المرأة من مال زوجها»
11 - اتّفق الفقهاء على أنّه يجوز للمرأة أن تتصدّق من بيت زوجها للسّائل وغيره بما أذن الزّوج صريحاً .
كما يجوز التّصدّق من مال الزّوج بما لم يأذن فيه ، ولم ينه عنه إذا كان يسيراً عند جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وهو الرّاجح عند الحنابلة - .
ويستدلّ الفقهاء على الجواز بما روت عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « إذا أنفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة ، كان لها أجرها وله مثله بما اكتسب ، ولها بما أنفقت ، وللخازن مثل ذلك ، من غير أن ينتقص من أجورهم شيئاً » ولم يذكر إذناً .
وعن أسماء - رضي الله عنها - أنّها جاءت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت : يا نبيّ اللّه ، ليس لي شيء إلاّ ما أدخل عليّ الزّبير فهل عليّ جناح أن أرضخ ممّا يدخل عليّ ؟ فقال : « ارضخي ما استطعت ، ولا توعي فيوعي اللّه عليك » .
ولأنّ الشّيء اليسير غير ممنوع عنه في العادة كما علّله المرغينانيّ والنّوويّ وابن العربيّ .
قال في الهداية : يجوز للمرأة أن تتصدّق من منزل زوجها بالشّيء اليسير ، كالرّغيف ونحوه ، لأنّ ذلك غير ممنوع عنه في العادة ومثله ما ذكره الحصكفيّ .
ويقول النّوويّ في شرحه لصحيح مسلم : الإذن ضربان :
أحدهما : الإذن الصّريح في النّفقة والصّدقة ، والثّاني : الإذن المفهوم من اطّراد العرف والعادة ، كإعطاء السّائل كسرة ونحوها ممّا جرت العادة به ، واطّرد العرف فيه ، وعلم بالعرف رضا الزّوج والمالك به ، فإذنه في ذلك حاصل وإن لم يتكلّم .
ومثله ما حرّره ابن العربيّ حيث قال : ويحتمل عندي أن يكون محمولاً على العادة . وأنّها إذا علمت منه ، أنّه لا يكره العطاء والصّدقة فعلت من ذلك ما لم يجحف ، وعلى ذلك عادة النّاس ، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم : « غير مفسدة » .
ويقول ابن قدامة : الإذن العرفيّ يقوم مقام الإذن الحقيقيّ ، فصار كأنّه قال لها : افعلي .
هذا وفي الرّواية الثّانية عند الحنابلة : لا يجوز للمرأة التّصدّق من مال زوجها ولو كان يسيراً ، لما روى أبو أمامة الباهليّ قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تنفق امرأة شيئاً من بيت زوجها إلاّ بإذن زوجها ، قيل : يا رسول اللّه : ولا الطّعام ؟ قال : ذاك أفضل أموالنا « .
قال ابن قدامة : والأوّل - أي الجواز بالشّيء اليسير - أصحّ ، لأنّ الأحاديث فيها خاصّة صحيحة ، والخاصّ يقدّم على العامّ .
أمّا إذا منعها من الصّدقة من ماله ، ولم يكن العرف جارياً بذلك ، أو اضطرب العرف ، أو شكّت في رضاه ، أو كان شخصاً يشحّ بذلك ، لم يجز للمرأة وغيرها التّصدّق من ماله إلاّ بصريح إذنه، كما حقّقه النّوويّ وغيره .
12 - وما ذكر من حكم تصدّق المرأة من مال زوجها يطبّق على تصدّق الخازن من مال المالك، فقد ورد في حديث التّرمذيّ : » وللخازن مثل ذلك « أي : من الأجر ، أي : إنّهما سواء في المثوبة ، كلّ واحد منهما له أجر كامل ، كما قال ابن العربيّ ، أو معناه المشاركة في الأجر مطلقاً ، لأنّ المشارك في الطّاعة مشارك في الأجر ، وإن كان أحدهما أكثر من الآخر ، كما حقّقه النّوويّ .
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 16 / ص 247)
استئذان الزوج في الإنفاق
المجيب د. تركي بن فهد الغميز
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 11/11/1426هـ
السؤال
سؤالي عن حديث رواه أبو داود والنسائي وأحمد، وفيه أن المرأة لا يمكنها أن تقدم هدية إلا بموافقة زوجها. أرجو شرح هذا الحديث، وبيان هل يجب عليها الحصول على موافقة زوجها عن كل تصدق تدفعه، سواء أكان المال من مالها أو من مال زوجها؟ فمن المعروف وجود أحاديث تحض المرأة على التصدق، وأرغب في معرفة طريقة ذلك.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فحديثك المشار إليه هو ما أخرجه أبو داود (3546)، والنسائي (3756)، وابن ماجه (2388)، وأحمد (7058)، وغيرهم من طرق عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يجوز لامرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها" لفظ أبي داود وإسناده عندهم حسن، وله إسناد آخر غير متصل في مسند أحمد وغيره.
ثم ليعلم أن ما تنفقه المرأة المتزوجة وتدفعه لغيرها سواء كان هدية أو صدقة أو غير ذلك مما ليس بواجب عليها، على قسمين:
الأول: ما كان من مالها الخاص، وجمهور أهل العلم على أنه يجوز لها أن تنفق من ذلك دون إذن زوجها، ما دامت رشيدة حسنة التصرف.
وأجابوا عن هذا الحديث بأجوبة، فمنهم من حمله عن معنى حسن العشرة وإطابة نفس الزوج، يعني أنه يستحب لها أن تستأذنه ولا يجب، ومنهم من تكلم في إسناد الحديث، ومنهم من صححه، ولكن قدم عليه النصوص الدالة على الجواز. والله أعلم.
الثاني: نفقة المرأة من بيت زوجها، ففي الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئاً" البخاري (1425)، ومسلم (1024).
وفي الصحيحين أيضاً عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها عن غير أمره فلها نصف أجره" البخاري (2066)، ومسلم (1026).
فهذان الحديثان يدلان على فضيلة تصدق المرأة من بيت زوجها، ولكن ذلك مشروط بأن لا يكون على جهة إفساد، ومن السلف من حمل ذلك على الشيء اليسير، أو ما حصل فيه إذن الزوج ولو بطريق الإجمال، يعني ليس فيه إذن صريح منه، ولكن تعلم أنه لا يمانع من ذلك، أما أن تذهب المرأة وتنفق قوت بيتها وتترك زوجها وأولادها فلا شك في منعه.
وينظر في هاتين المسألتين كتاب (جامع أحكام النساء) تأليف مصطفى العدوي، المجلد الثاني، ففيه جملة فوائد منها النصوص الواردة في ذلك المرفوعة والموقوفة، ومنها أقوال أهل العلم في ذلك. والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 12 / ص 22)
أجر المرأة إذا تصدقت من بيت زوجها غير مفسدة. رقم الفتوى:21063تاريخ الفتوى:05 جمادي الثانية 1423السؤال : أخي الكريم السؤال هل يحق للزوجة هبة أشياء خاصة ببيتها إلى أهلها
دون استشارة الزوج وهو الذي صرف ماله على الأشياء المذكورة حتى وإن كانت رخيصة الثمن شكرا .
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يجوز للمرأة الصدقة من مال زوجها بالشيء اليسير بغير إذنه، وقد رجّح هذا القول ابن قدامة في المغني، ومن الأدلة لهذا المذهب، حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعضٍ شيئاً. متفق عليه ؛ ولأنها بحكم العادة تتصرف في مال زوجها، والإذن العرفي يقوم مقام الإذن الحقيقي.
وقد ذهب بعض العلماء إلى عدم الجواز مطلقاً، والقول الأول أقوى .
فعلى هذا فلا حرج عليك -إن شاء الله- في هبتك أشياء رخيصة الثمن من مال الزوج بغير إذنه.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 18 / ص 237)
حكم كفالة يتيم من مال الزوج رقم الفتوى:28821تاريخ الفتوى:15 ذو الحجة 1423السؤال : أنا ليس لي مصدر دخل فهل لي أن أكفل يتيماً من مال زوجي ؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجوز للمرأة أن تتصدق من مال زوجها إن علمت رضاه أو أذن لها، ولها في ذلك الأجر هي وزوجها، لما جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب. رواه البخاري.
ولحديث أبي أمامه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تنفق المرأة شيئًا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها. رواه أحمد والترمذي وحسنه.
ويستثنى من ذلك النزر اليسير من الطعام أو المال الذي جرى العرف بعدم منعها من التصرف فيه، فيجوز لها أن تتصدق به دون أن تستأذنه.
وأما كفالة اليتيم فيحتاج فيها إلى إذن الزوج ورضاه فإن أذن لها فلا شيء عليها، وإذا لم يأذن لها في ذلك فلا يجوز لها أن تتصرف في ماله إلا بإذنه.
وراجعي الفتوى رقم:
17365.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 20 / ص 146)
حكم التصرف في مال الزوج رقم الفتوى:31100تاريخ الفتوى:20 صفر 1424السؤال : كانت الوالدة رحمها الله تعطي صدقات من غير علم أحد منا بذلك ولم نعلم بذلك إلا بعد موتها وكذلك كانت تنفق على يتامى وطبعاً كل ذلك من مال والدي وبموافقته فهل يصلها كل هذا الثواب العظيم؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز للمرأة أن تعطي شيئاً من مال زوجها لأحد، ولو كان ذلك على وجه الصدقة إلا بإذنه، لأن ذلك يعد تعدياً على مال الغير، وذلك لا يجوز شرعاً، ومن أهل العلم من أباح لها التصدق بالقليل دون الكثير.
قال ابن قدامة في المغني بعد أن ذكر أن في المسألة خلافاً: فصل: وهل تجوز للمرأة الصدقة من مال زوجها بالشيء اليسير بغير إذنه على روايتين إحداهما الجواز.
وقال النووي في شرحه لمسلم: ومعلوم أنها إذا أنفقت من غير إذن صريح ولا معروف من العرف فلا أجر لها بل عليها وزر.
ومحل هذا إذا لم يكن الزوج عالماً ولا راضياً، أما إن علم ورضي كحال أم السائل، فإن أجر الصدقة يشمل المرأة المتصدقة وزوجها، كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها بما كسب. متفق عليه.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 38 / ص 481)
حكم تصدق الأم بثياب أولادها دون علمهم رقم الفتوى:57208تاريخ الفتوى:10 ذو القعدة 1425السؤال:
والدتي تقوم بإخراج جزء من ملابسي وملابس إخوتي التي لا تعجبها للصدقة دون أن تستأذننا فهل لها أجر الصدقة أم ان هذا يعد شكلا من أشكال السرقة؟
جزاكم الله خيراً.
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأم المذكورة إذا كان تصدقها ببعض ثياب أولادها عالمة بكونهم راضين بذلك، ولم يكن هناك ضرر بهم يترتب على التصرف المذكور، فإنها تثاب على تلك الصدقة، كما أن الأولاد أيضاً يثابون عليها لمشاركتهم فيها، لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا أنفقت المرأة من طعام بيت زوجها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئاً. متفق عليه.
أما إذا علمت بعدم رضاهم بذلك، فلا ينبغي لها التصرف المذكور، لكن الغالب أن تصرف الأبوين في مال الأولاد محمول على المصلحة ما لم يتبين خلاف ذلك، وينبغي للأولاد أن تطيب أنفسهم بما تأخذ أمهم، لأن ذلك من البر بها والإحسان إليها.
ولا يدخل التصرف المذكور في تعريف السرقة شرعاً الذي هو أخذ الشيء من حرزه في الخفاء.
وراجع الفتوى رقم: 15504.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 51 / ص 449)
إنفاق الزوجة على أهلها من مال زوجها بغير إذنه رقم الفتوى:71560تاريخ الفتوى:10 محرم 1427السؤال:
قمت بإرسال سؤال للموقع وهذا نصه لي سؤالان, الأول يختص بجارة لي ليس لها أي مصدر للدخل سوى ما يعطيه لها زوجها من مال كل أسبوع وذلك لشراء طلبات المنزل فتقوم بشراء ما يلزم من طعام كل أسبوع وعادة لا يسألها زوجها عن الباقي وقد قامت في بعض الأحيان بادخار الباقي دون أن تخبره وذلك حتى تقوم بإعطاء هذا المبلغ لبعض أقاربها المحتاجين وإخوتها الذين تزوجوا حديثا ولا يعملون في أعمال دائمة وهم بذلك مفلسون في أوقات كثيرة حيث إنها تستحي أن تطلب من زوجها مالا لتعطي إخوتها أوأقاربها عدة مرات حيث إنهم يعودون إلى بلدهم هي وزوجها وأولادها وعندها فان أهلها يزورونها فتستحي أن تتركهم يخرجون دون أن تعطيهم شيئا فماذا تفعل جارتي هل المبلغ الذي جمعته فيه شبهة حرام؟ وماذا تفعل إن كان زوجها لا يعطيها مصروفا خاصا لطلباتها الخاصة ويقول لها إنه يشتري لها كل ما يلزمها ؟...
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مال الزوج الخاص به لا يجوز للزوجة أن تنفق منه على نفسها شيئا خارجا عن النفقة المعتادة، ولا أن تعطي منه شيئا لأهلها أو غيرهم إلا بإذنه.
روى الترمذي من حديث أبي أمامة الباهلي في خطبة الوداع: لا تنفق امرأة شيئا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها. واستثنى العلماء من ذلك الشيء اليسير الذي جرت العادة بالتسامح في مثله، لما روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أنفقت المرأة من طعام زوجها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما اكتسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئا.
وعليه، فإذا كان ما تدخره تلك المرأة لأهلها شيئا يسيرا، تجري العادة بالتسامح بمثله وتطيب بمثله نفس الزوج لو اطلع عليه فلا حرج عليها فيه. وإن كان أكثر من ذلك مما له اعتبار عادة، أو كان مما يظن أن لا تطيب به نفس الزوج لو اطلع عليه، فليس لها أن تصرفه على أقاربها إلا باستئذان الزوج.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 60 / ص 330)
إنفاق المرأة من مال زوجها... ما يجوز وما يحرم رقم الفتوى:9457تاريخ الفتوى:13 جمادي الأولى 1422السؤال : أمي تنفق من مصروف البيت على الأهل والأقارب كمساعدات مالية بسخاء ولكن أبي يغضب من إسرافها في المساعدات ما رأي الدين؟ وهل تؤجر أم لا؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأموال الخاصة بالزوج لا يجوز للزوجة أن تتصرف في شيء منها إلا بإذنه، ولو كان التصرف صدقة.
فقد روى أبو داود والنسائي عن عبد لله بن عمرو قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها". وروى الترمذي من حديث أبي امامة الباهلي في خطبة الوداع: "لا تنفق امرأة شيئاً من بيت زوجها إلا بإذن زوجها".
ويستنثنى من ذلك الشيء اليسير الذي جرت العادة بالتسامح فيه ، فهذا إن تصدقت المرأة به دون إذن من زوجها ، كان لها نصف الأجر ، ولزوجها النصف الآخر.
روى مسلم عن عائشة قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أنفقت المرأة من طعام زوجها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما اكتسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئاً".
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له"
قال النووي رحمه الله : (وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( وما أنفقت من كسبه من غير أمره فإن نصف أجره له ) فمعناه : من غير أمره الصريح في ذلك القدر المعين , ويكون معها إذن عام سابق متناول لهذا القدر وغيره ، وذلك الإذن الذي قد أولناه سابقا إما بالصريح وإما بالعرف، ولا بد من هذا التأويل ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم جعل الأجر مناصفة ، وفي رواية أبي داود ( فلها نصف أجره ) ، ومعلوم أنها إذا أنفقت من غير إذن صريح ولا معروف من العرف فلا أجر لها ، بل عليها وزر ، فتعين تأويله . واعلم أن هذا كله مفروض في قدر يسير يعلم رضا المالك به في العادة ، فإن زاد على المتعارف لم يجز ، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة ) فأشار صلى الله عليه وسلم إلى أنه قدر يعلم رضا الزوج به في العادة ، ونبه بالطعام أيضا على ذلك ؛ لأنه يسمح به في العادة بخلاف الدراهم والدنانير في حق أكثر الناس ، وفي كثير من الأحوال . واعلم أن المراد بنفقة المرأة والعبد والخازن النفقة على عيال صاحب المال وغلمانه ومصالحه وقاصديه من ضيف وابن سبيل ونحوهما ، وكذلك صدقتهم المأذون فيها بالصريح أو العرف . والله أعلم) انتهى كلام النووي.(1/156)
300-7955 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ شَقِيقٍ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا ، وَلَهُ مِثْلُهُ بِمَا كَسَبَ وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ " وَقَفَهُ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ (1)
301- 7956 أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " مَا تَصَدَّقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ عَرَضِ بَيْتِهَا ، فَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا شَطْرَانِ (2)
__________
(1) - انظر المراجع السابقة
عون المعبود - (ج 4 / ص 93)
1435 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( إِذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَة )
: أَيْ تَصَدَّقَتْ كَمَا فِي رِوَايَة لِلْبُخَارِيِّ
( غَيْر مُفْسِدَة )
: نُصِبْ عَلَى الْحَال أَيْ غَيْر مُسْرِفَة فِي التَّصَدُّق ، وَهَذَا مَحْمُول عَلَى إِذْن الزَّوْج لَهَا بِذَلِكَ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَة . وَقِيلَ هَذَا جَارٍ عَلَى عَادَة أَهْل الْحِجَاز فَإِنَّ عَادَاتهمْ أَنْ يَأْذَنُوا لِزَوْجَاتِهِمْ وَخَدَمهمْ بِأَنْ يُضَيِّفُوا الْأَضْيَاف وَيُطْعِمُوا السَّائِل وَالْمِسْكِين وَالْجِيرَان فَحَرَّضَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّته عَلَى هَذِهِ الْعَادَة الْحَسَنَة وَالْخَصْلَة الْمُسْتَحْسَنَة
( لَا يَنْقُص بَعْضهمْ أَجْر بَعْض )
: أَيْ شَيْئًا مِنْ النَّقْص أَوْ مِنْ الْأَجْر أَيْ مِنْ طَعَام أُعِدّ لِلْأَكْلِ وَجُعِلَتْ مُتَصَرِّفَة وَجَعَلَتْ لَهُ خَازِنًا ، فَإِذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَة مِنْهُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ يَعُولهُ مِنْ غَيْر تَبْذِير كَانَ لَهَا أَجْرهَا وَأَمَّا جَوَاز التَّصَدُّق مِنْهُ فَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيث دَلَالَة عَلَيْهِ صَرِيحًا نَعَمْ الْحَدِيث الْآتِي دَلَّ عَلَى جَوَاز التَّصَدُّق بِغَيْرِ أَمْره . وَقَالَ مُحْيي السُّنَّة : عَامَّة الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز لَهَا التَّصَدُّق مِنْ مَال زَوْجهَا بِغَيْرِ إِذْنه وَكَذَا الْخَادِم . وَالْحَدِيث الدَّال عَلَى الْجَوَاز أُخْرِج عَلَى عَادَة أَهْل الْحِجَاز يُطْلِقُونَ الْأَمْر لِلْأَهْلِ وَالْخَادِم فِي التَّصَدُّق وَالْإِنْفَاق عِنْد حُضُور السَّائِل وَنُزُول الضَّيْف كَمَا فِي الصَّحِيح لِلْبُخَارِيِّ " لَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّه عَلَيْك " قَالَ الْمُنْذِرِيّ : وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ . والوقف لا يضره لأن الرفع زيادة ثقة فتقبل
(2) - جزء ما رواه الزبير عن غير جابر لأبي الشيخ الأصبهاني برقم( 124 ) صحيح = الشطر : النصف(1/157)
الْفَضْلُ فِي نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا ، وَذِكْرُ الِاخْتِلَافِ عَلَى سُلَيْمَانَ في حديثِ زينبَ فيهِ
302- 7957 أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ ، وَاللَّفْظُ لَهُ قَالَا : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ ، عَنْ شَقِيقٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُصْطَلِقِ ، عَنِ ابْنِ أَخِي زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ " تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ ، فَإِنَّكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلُ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " قَالَتْ : وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ رَجُلًا خَفِيفَ ذَاتِ الْيَدِ فَقُلْتُ لَهُ : سَلْ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَيُجْزِئُ عَنِّي مِنَ الصَّدَقَةِ النَّفَقَةُ عَلَى زَوْجِي وَأَيْتَامٍ فِي حَجْرِي ؟ قَالَتْ : وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ الْمَهَابَةُ فَقَالَ : " لَا بَلْ سَلِيهِ أَنْتِ " قَالَتْ : فَانْطَلَقْتُ ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى الْبَابِ ، وَإِذَا عَلَى الْبَابِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ ، يُقَالُ لَهَا زَيْنَبُ ، حَاجَتُهَا حَاجَتِي ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا بِلَالٌ ، فَقُلْنَا لَهُ : " سَلْ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَتُجْزِئُ عَنَّا مِنَ الصَّدَقَةِ النَّفَقَةُ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَأَيْتَامٍ فِي حُجُورِنَا ؟ " قَالَتْ : فَدَخَلَ عَلَيْهِ بِلَالٌ فَقَالَ لَهُ : عَلَى الْبَابِ زَيْنَبُ قَالَ : " أَيُّ الزَّيَانِبِ " قَالَ : زَيْنَبُ امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَزَيْنَبُ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ تَسْأَلَانِكَ عَنِ النَّفَقَةِ عَلَى أَزْوَاجِهِمَا وَأَيْتَامٍ فِي حُجُورِهِمَا يُجْزِئُ ذَلِكَ عَنْهُمَا مِنَ الصَّدَقَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَهُمَا أَجْرَانِ أَجْرُ الْقَرَابَةِ ، وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ " (1)
-----------------
(1) - صحيح مسلم برقم( 2365 ) ونص برقم( 2595 )
شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 441)
1667 - قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا مَعْشَر النِّسَاء تَصَدَّقْنَ )
فِيهِ : أَمْر وَلِيّ الْأَمْر رَعِيَّتَهُ بِالصَّدَقَةِ وَفِعَال الْخَيْر ، وَوَعْظُهُ النِّسَاءَ إِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ فِتْنَة . وَالْمَعْشَر : الْجَمَاعَة الَّذِينَ صِفَتهمْ وَاحِدَة .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ )
هُوَ بِفَتْحِ الْحَاء وَإِسْكَان اللَّام مُفْرَد ، وَأَمَّا الْجَمْع فَيُقَال بِضَمِّ الْحَاء وَكَسْرِهَا وَاللَّام مَكْسُورَة فِيهِمَا وَالْيَاء مُشَدَّدَة .
قَوْلهَا : ( فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَجْزِي عَنِّي )
هُوَ بِفَتْحِ الْيَاء أَيْ يَكْفِي ، وَكَذَا قَوْلهَا بَعْد : أَتَجْزِي الصَّدَقَة عَنْهُمَا ؟ بِفَتْحِ التَّاء .
وَقَوْلهَا : " أَتُجْزِئُ الصَّدَقَة عَنْهُمَا عَلَى زَوْجَيْهِمَا "
هَذِهِ أَفْصَحُ اللُّغَات ، فَيُقَال : عَلَى زَوْجَيْهِمَا ، وَعَلَى زَوْجهمَا ، وَعَلَى أَزْوَاجهمَا وَهِيَ أَفْصَحُهُنَّ ، وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآن الْعَزِيز فِي قَوْله تَعَالَى : { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } وَكَذَا قَوْلهَا : ( وَعَلَى أَيْتَام فِي حُجُورهمَا ) وَشِبْه ذَلِكَ مِمَّا يَكُون لِكُلِّ وَاحِد مِنْ الِاثْنَيْنِ مِنْهُ وَاحِد .
قَوْلهمَا : ( وَلَا تُخْبِرْهُ مَنْ نَحْنُ ثُمَّ أَخْبَرَ بِهِمَا ) قَدْ يُقَال : إِنَّهُ إِخْلَافٌ لِلْوَعْدِ ، وَإِفْشَاءٌ لِلسِّرِّ . وَجَوَابه : أَنَّهُ عَارَضَ ذَلِكَ جَوَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَجَوَابه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجِب مُحَتَّم لَا يَجُوز تَأْخِيره ، وَلَا يُقَدَّم عَلَيْهِ غَيْره ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَتْ الْمَصَالِح بُدِئَ بِأَهَمِّهَا .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَهُمَا أَجْرَانِ أَجْر الْقَرَابَة وَأَجْر الصَّدَقَة ) .
فِيهِ : الْحَثّ عَلَى الصَّدَقَة عَلَى الْأَقَارِب ، وَصِلَة الْأَرْحَام وَأَنَّ فِيهَا أَجْرَيْنِ .
قَوْله : ( فَذَكَرْت لِإِبْرَاهِيم فَحَدَّثَنِي عَنْ أَبِي عُبَيْدَة )
الْقَائِل فَذَكَرْت لِإِبْرَاهِيم هُوَ الْأَعْمَش ، وَمَقْصُوده أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ شَيْخَيْنِ : شَقِيق وَأَبِي عُبَيْدَة ، وَهَذَا الْمَذْكُور فِي حَدِيث اِمْرَأَة اِبْن مَسْعُود وَالْمَرْأَة الْأَنْصَارِيَّة ، مِنْ النَّفَقَة عَلَى أَزْوَاجهمَا وَأَيْتَام فِي حُجُورهمَا وَنَفَقَة أُمّ سَلَمَة عَلَى بَنِيهَا ، الْمُرَاد بِهِ كُلّه صَدَقَة تَطَوُّعٍ ، وَسِيَاق الْأَحَادِيث يَدُلّ عَلَيْهِ .
شرح سنن النسائي - (ج 4 / ص 67)
2536 -
حَاشِيَةُ السِّنْدِيِّ :
قَوْله ( تَصَدَّقْنَ )
الظَّاهِر أَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ بِالصَّدَقَةِ النَّافِلَة لِأَنَّهُ خِطَاب بِالْحَاضِرَاتِ وَبَعِيد أَنَّهُنَّ كُلّهنَّ مِمَّنْ فُرِضَ عَلَيْهِنَّ الزَّكَاة وَكَأَنَّ الْمُصَنِّف حَمَلَهُ عَلَى الزَّكَاة لِأَنَّ الْأَصْل فِي الْأَمْر الْوُجُوب
( وَلَوْ مِنْ حُلِيّكُنَّ )
بِضَمِّ حَاء وَكَسْر لَام وَتَشْدِيد تَحْتِيَّة عَلَى الْجَمْع وَجَوَّزُوا فَتْحَ الْحَاء وَسُكُون اللَّام عَلَى أَنَّهُ مُفْرَد قُلْت الْإِفْرَاد يُنَاسِب الْإِضَافَة إِلَى الْجَمْع إِلَّا أَنْ يُحْمَل عَلَى الْجِنْس وَلَا دَلَالَة فِيهِ عَلَى وُجُوب الزَّكَاة فِي الْحُلِيّ وَإِنْ حَمَلْنَا الْحَدِيث عَلَى الزَّكَاة لِأَنَّ الْأَدَاء مِنْ الْحُلِيّ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوب فِيهَا
( خَفِيف ذَات الْيَد )
أَيْ قَلِيل الْمَال
( وَلَا تُخْبِر مَنْ نَحْنُ )
أَيْ بِسُؤَالٍ وَإِلَّا فَعِنْد السُّؤَال يَجِب الْإِخْبَار فَلَا يُمْكِن الْمَنْع عَنْهُ وَلِذَلِكَ أَخْبَرَ بِلَال بَعْد السُّؤَال
( أَجْر الْقَرَابَة )
أَيْ أَجْر وَصْلِهَا .
حَاشِيَةُ السِّيُوطِيِّ :
( تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيّكُنَّ )
قَالَ النَّوَوِيّ : وَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاء وَسُكُون اللَّام مُفْرَد ؛ وَأَمًّا الْجَمْع فَيُقَال : بِضَمِّ الْحَاء وَكَسْرهَا وَكَسْر اللَّام وَتَشْدِيد الْيَاء
نيل الأوطار - (ج 6 / ص 487)
قَوْلُهُ : ( إنَّك رَجُلٌ خَفِيفٌ ذَاتَ الْيَدِ ) هَذَا كِنَايَةٌ عَنْ الْفَقْرِ .
وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ : { إنَّ زَيْنَبَ كَانَتْ تُنْفِقُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَأَيْتَامٍ فِي حِجْرِهَا ، فَقَالَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ : سَلْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُجْزِئُ عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْكَ وَعَلَى أَيْتَامٍ فِي حِجْرِي مِنْ الصَّدَقَةِ } ؟ الْحَدِيثُ .
قَوْلُهُ : ( فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ) زَادَ النَّسَائِيّ وَالطَّيَالِسِيُّ " يُقَالُ لَهَا زَيْنَبُ " وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ : " انْطَلَقَتْ امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّه ، يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ وَامْرَأَةِ أَبِي مَسْعُودٍ ، يَعْنِي عُقْبَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّ " اُسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَدْفَعَ زَكَاتَهَا إلَى زَوْجِهَا ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَصَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ .
وَعَنْ أَحْمَدَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْهَادِي وَالنَّاصِرُ وَالْمُؤَيَّدُ بِاَللَّهِ وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ دَلِيلًا بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ هَذِهِ الصَّدَقَةَ صَدَقَةٌ وَاجِبَةٌ ، وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْمَازِرِيُّ .
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهَا : " أَيُجْزِئُ عَنِّي " وَتَعَقَّبَهُ عِيَاضٌ بِأَنَّ قَوْلَهُ : " وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ " وَكَوْنُ صَدَقَتِهَا كَانَتْ مِنْ صِنَاعَتِهَا يَدُلَّانِ عَلَى التَّطَوُّعِ ، وَبِهِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهَا : " أَيُجْزِئُ عَنِّي " أَيْ فِي الْوِقَايَةِ مِنْ النَّارِ كَأَنَّهَا خَافَتْ أَنَّ صَدَقَتَهَا عَلَى زَوْجِهَا لَا يَحْصُلُ لَهَا الْمَقْصُودُ ، وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ الصِّنَاعَةِ احْتَجَّ بِهِ الطَّحَاوِيُّ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ : إنَّهَا لَا تَجْزِيءُ زَكَاةُ الْمَرْأَةِ فِي زَوْجِهَا فَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ رَائِطَةَ امْرَأَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهَا كَانَتْ امْرَأَةً صَنْعَاءَ الْيَدَيْنِ ، فَكَانَتْ تُنْفِقُ عَلَيْهِ وَعَلَى وَلَدِهِ ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا صَدَقَةُ تَطَوُّعٍ .
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا عَلَى أَنَّهَا صَدَقَةُ تَطَوُّعٍ بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا : { زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ عَلَيْهِمْ } قَالُوا : لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْمَهْدِيُّ فِي الْبَحِرِ وَغَيْرِهِمَا .
وَتُعُقِّبَ هَذَا بِأَنَّ الَّذِي يَمْتَنِعُ إعْطَاؤُهُ مِنْ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ مَنْ تَلْزَمُ الْمُعْطِيَ نَفَقَتُهُ ، وَالْأُمُّ لَا يَلْزَمُهَا نَفَقَةُ ابْنِهَا مَعَ وُجُودِ أَبِيهِ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ سَاقَ الْحَدِيثَ : وَهَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ انْتَهَى .
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلزَّوْجَةِ صَرْفُ زَكَاتِهَا إلَى زَوْجِهَا ، وَأَمَّا أَوَّلًا فَلِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ ذَلِكَ ، وَمَنْ قَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ .
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ تَرْكَ اسْتِفْصَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ ، فَلَمَّا لَمْ يَسْتَفْصِلْهَا عَنْ الصَّدَقَةِ هَلْ هِيَ تَطَوُّعٌ أَوْ وَاجِبٌ ؟ فَكَأَنَّهُ قَالَ : يُجْزِئُ عَنْكِ فَرْضًا كَانَ أَوْ تَطَوُّعًا .
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الزَّوْجِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاتَهُ إلَى زَوْجَتِهِ ؟ فَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ .
الرَّجُلَ لَا يُعْطِي زَوْجَتَهُ مِنْ الزَّكَاةِ شَيْئًا لِأَنَّ نَفَقَتَهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ التَّعْلِيلَ بِالْوُجُوبِ عَلَى الزَّوْجِ لَا يُوجِبُ امْتِنَاعَ الصَّرْفِ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ غَنِيَّةً كَانَتْ أَوْ فَقِيرَةً فَالصَّرْفُ إلَيْهَا لَا يُسْقِطُ عَنْهُ شَيْئًا .
وَأَمَّا الصَّدَقَةُ عَلَى الْأُصُولِ وَالْفُصُولِ وَبَقِيَّةِ الْقَرَابَةِ فَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا .
الفقه الإسلامي وأصوله - (ج 2 / ص 252)
دفع الزوج زكاة ماله إلى زوجته وعكسه :
لا يجزئ الرجل إعطاء زكاة ماله إلى زوجته.
قال الحنفية : لأن المنافع بين الزوجين مشتركة، وقال الجمهور : لأن نفقتها واجبة على الزوج، فيكون كالدافع إلى نفسه، ومحل المنع إعطاؤها الزكاة لتنفقها على نفسها، فأما لو أعطاها ما تدفعه في دينها، أو لتنفقه على غيرها من المستحقين، فلا بأس، على ما صرح به المالكية وقريب منه ما قال الشافعية : إن الممنوع إعطاؤها من سهم الفقراء أو المساكين، أما من سهم آخر هي مستحقة له فلا بأس.
وأما إعطاء المرأة زوجها زكاة مالها فقد اختلف فيه.
فذهب الشافعي وهو رواية عن أحمد إلى جواز ذلك الحديث زينب زوجة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما، وفيه أنها هي وامرأة أخرى سألتا النبي صلى الله عليه وسلم : هل تجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما، وعلى أيتام في حجرهما ؟ فقال : "لهما أجران أجر القرابة وأجر الصدقة".
وقال أبو حنيفة، وهو رواية أخرى عن أحمد : لا يجزئ المرأة أن تعطي زوجها زكاتها ولو كانت في عدتها من طلاقه البائن ولو بثلاث طلقات، لأن المنافع بين الرجل وبين امرأته مشتركة، فهي تنتفع بتلك الزكاة التي تعطيها لزوجها، ولأن الزوج لا يقطع بسرقة مال امرأته، ولا تصح شهادته لها.
وقال مالك : لا تعطى المرأة زوجها زكاة مالها.
يسألونك فتاوى - (ج 1 / ص 87)
صرف الزكاة للزوج الفقير
تقول السائلة : هل يجوز للزوجة أن تصرف زكاة أموالها لزوجها الفقير ؟
الجواب : نعم يجوز للزوجة أن تدفع زكاة مالها لزوجها الفقير وهذا قول جمهور أهل العلم ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن ، قالت : فرجعت إلى عبد الله فقلت : إنك رجل خفيف ذات اليد وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصدقة فأته فسأله ، فإن كان ذلك يجزيء عني وإلا صرفتها إلى غيركم ، قالت : فقال عبد الله : بل ائتيه أنت قالت : فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتي حاجتها قالت : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابة قالت : فخرج علينا بلال فقلنا له : ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن امرأتين بالباب يسألانك : أتجزيء الصدقة عنهما على زوجيهما وعلى أيتام في حجورهما ولا تخبر من نحن . قالت : فدخل بلال فسأله قال له : من هما ؟ فقال امرأة من الأنصار وزينب . فقال : أي الزيانب ؟ فقال: زينب امرأة عبد الله . فقال : لهما أجران : أجر القرابة واجر الصدقة ) متفق عليه .
يسألونك فتاوى - (ج 1 / ص 247)
دفع الزكاة للأقارب
يقول السائل : هل يجوز دفع الزكاة للأقارب ؟
الجواب : من المعلوم أن الله سبحانه وتعالى قد بين مصارف الزكاة في كتابه الكريم يقول تعالى : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) سورة التوبة /60.
وصرف الزكاة لأِقارب المزكي فيه تفصيل عند أهل العلم أبينه فيما يلي :
أولاً : لا يجوز صرف الزكاة للوالدين بإتفاق أهل العلم ، نقل الشيخ ابن قدامة المقدسي عن ابن المنذر قوله : " أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين في الحال التي يجبر الدافع إليهم على النفقة ، ولأن دفع زكاته إليهم تغنيهم عن نفقته وتسقطها عنه ويعود نفعها إليه ، فكأنه دفعها إلى نفسه فلم تجز كما لو قضى بها دينه " المغني 2/282 .
ثانياً : لا يجوز صرف الزكاة للأولاد ذكوراً وإناثاً ، لأن أولاد الرجل جزء منه وهو ملزم بالإنفاق عليهم ، ومن يدفع الزكاة
ثالثاً : لا يجوز للزوج أن يصرف الزكاة إلى زوجته ، لأن نفقة الزوجة واجبة على زوجها بإتفاق أهل العلم ، قال ابن رشد القرطبي المالكي: " واتفقوا على أن من حقوق الزوجة على زوجها النفقة والكسوة ، لقوله تعالى : ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) سورة البقرة /233 ، ولما ثبت من قوله صلى الله عليه وسلم : ( ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) ، ولقوله عليه الصلاة والسلام لهند زوجة أبي سفيان: ( خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ) بداية المجتهد 2/45 .
فإذا أعطى الزوج زكاة ماله لزوجته فقد دفع المال إلى نفسه .
رابعاً : يجوز للزوجة الغنية أن تدفع زكاة مالها الخاص بها لزوجها الفقير لأنه لا يجب على المرأة الإنفاق على زوجها الفقير .
ويدل على الجواز ما ورد في الحديث عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن قالت: فرجعت إلى عبد الله فقلت :إنك رجل خفيف ذات اليد - أي فقير - وإن الرسولصلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصدقة فاته فاسأله ، فإن كان ذلك يجزي عني ، وإلا صرفتها لغيركم ، قالت: فقال عبد الله: بل ائتيه أنت ، قالت: فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتي حاجتها ، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابة ، قالت: فخرج علينا بلال فقلنا له: إئت رسول الله فأخبره أن امرأتين بالباب يسألانك: أتجزي الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما ولا تخبر من نحن قالت: فدخل بلال فسأله فقال له: من هما ؟ فقال: امرأة من الأنصار وزينب فقال الرسول: أي الزيانب ؟ فقال امرأة عبد الله فقال صلى الله عليه وسلم لهما أجران ، أجر القرابة وأجر الصدقة ) متفق عليه .
وذهب إلى العمل بمقتضى هذا الحديث جمهور أهل العلم فقالوا: يجوز للزوجة أن تعطي زكاة مالها لزوجها .
قال الشيخ الشوكاني: " والظاهر أنه يجوز للزوجة صرف زكاتها إلى زوجها ، أما أولاً: فلعدم المانع من ذلك ومن قال إنه لا يجوز فعليه الدليل ، وأما ثانياً: فلأن ترك استفصاله صلى الله عليه وسلم لها ينزل منزلة العموم ، فلما لم يستفصلها عن الصدقة هل هي تطوع أو واجب ، فكأنه قال: يجزي عنك فرضاً كان أو تطوعاً " نيل الأوطار 4/199 .
وقال القرطبي: " واختلفوا في إعطاء المرأة زكاتها لزوجها.... وقال أبو حنيفة: لا يجوز، وخالفه صاحباه فقالا: يجوز ، وهو الأصح لما ثبت أن زينب امرأة عبد الله أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم - ثم ذكر الحديث السابق - ثم قال: والصدقة المطلقة هي الزكاة ولأنه لا نفقة للزوج عليها .... " القرطبي 8/190 .
وقال الشيخ ابن قدامة: " وليس في المنع نص ولا إجماع " المغني 2/485 .
خامساً : لا يجوز إعطاء الزكاة لبقية الأقارب الذين تجب نفقتهم على المزكي ، وهناك خلاف بين أهل العلم في النفقة على الأقارب غير الأصول والفروع والزوجة ، مثل الأخ أو الأخت والعم والعمة والخال والخالة وغيرهم .
والقول الراجح في ذلك هو: إن النفقة تجب على ذي الرحم الوارث ، سواء ورث بفرض أو تعصيب أو برحم وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .
وبناء على ذلك لا يجوز أن يعطي الرجل زكاة ماله لمن وجبت عليه نفقته ، فمثلاً أخرج المزكي زكاة ماله وله عمة وليس لها من ينفق عليها إلا المزكي المذكور ، فلا يجوز أن يعطيها من زكاة ماله .
وهذا الأساس الذي بني عليه الحكم في المنع من إعطاء الزكاة للأقارب إذا كانت النفقة واجبة على المزكي ، قال به جماعة من أهل العلم من السلف والخلف فمن ذلك ما رواه ابن أبي شيبة بإسناده عن أبي حفصة قال: " سألت سعيد بن جبير عن الخالة تعطى من الزكاة فقال: ما لم يغلق عليكم باباً " المصنف 3/192 ، - أي ما لم يضمها إلى عياله -.
وما رواه أيضاً بإسناده عن عبد الملك قال: قلت لعطاء: " أيجزي الرجل أن يضع زكاته في أقاربه ، قال: نعم إذا لم يكونوا في عياله " المصنف 3/192 .
وما رواه أيضاً عن سفيان الثوري أنه قال:" لا يعطيها من تجب عليه نفقته" المصنف 3/192
وروى أبو عبيد القاسم بن سلام بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " إذا لم تعط منها أحداً تعوله فلا بأس " .
وقال أبو عبيد: قال لي عبد الرحمن: " إنما كرهوا ذلك لأن الرجل إذا ألزم نفسه نفقتهم وضمهم إليه ثم جعل ذلك بعده إلى الزكاة كان كأنه قد وقى ماله بزكاته" الأموال ص695
ورواه الأثرم في سننه بلفظ آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " إذا كان ذووا قرابة فأعطهم من زكاة مالك وإن كنت تعولهم فلا تعطهم ولا تجعلها لمن تعول " نيل الأوطار 4/200 .
سادساً : إن لم تكن نفقة القريب واجبة على المزكي ، فيجوز إعطاؤه من الزكاة ، فيجوز إعطاء عمك وخالك وعمتك وخالتك وأختك المتزوجة وأخيك وابن أخيك وابن أختك وزوج أختك ونحوهم إن كانوا فقراء ، ولم تكن ملزماً بالإنفاق عليهم ، بل هؤلاء الأقارب في هذه الحالة أولى بالزكاة من غيرهم ، وللمزكي إن أعطى الزكاة لأقاربه أجران أجر الصدقة وأجر الصلة ، لما ثبت في الحديث عن سلمان بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الصدقة على المسكين صدقة وهي على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة ) رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن ، ورواه الحاكم وقال: إسناده صحيح ووافقه الذهبي وحسنه الشيخ الألباني في إرواء الغليل 3/387 .
وجاء في الفتاوى الهندية: " والأفضل في الزكاة والفطر والنذور والصرف أولاً إلى الأخوة والأخوات ، ثم إلى أولادهم ، ثم إلى الأعمام والعمات ، ثم إلى أولادهم ثم إلى الأخوال والخالات ، ثم إلى أولادهم ، ثم إلى ذوي الأرحام ثم إلى الجيران ثم إلى أهل حرفته ثم إلى أهل مصره أو قريته " الفتاوى الهندية 1/190 .
سابعاً : يجوز إعطاء الزكاة للبنت المتزوجة من فقير ، لأن نفقة البنت بعد زواجها واجبة على الزوج لا على أبيها .
ثامناً : يجوز قضاء ديون الأقارب من الزكاة ، حتى وإن وجبت نفقتهم على المزكي فيجوز قضاء دين الأب ودين والأم ودين الإبن ودين البنت وغيرهم من الأقارب ، بشرط أن لا يكون سبب هذا الدين تحصيل نفقة واجبة على المزكي ، لأن ديون الأقارب بما فيها ديون الوالدين والأولاد لا يجب شرعاً على المرء أن يؤديها عنهم ، فيجوز قضاء الدين عنهم من الزكاة لأنهم يعتبرون هنا في هذه الحالة من الغارمين فهم يستحقون الزكاة هنا بوصف لا تأثير للقرابة فيه .
قال الإمام النووي: " قال أصحابنا ويجوز أن يدفع إلى ولده ووالده من سهم العاملين والمكاتبين والغارمين والغزاة ، إذا كان بهذه الصفة ...." المجموع 6/229، وراجع فقه الزكاة للقَرَضَاوي 2/716 ، وفتاوى الصيام للشيخ ابن عثيمين ص48-49.
يسألونك فتاوى - (ج 3 / ص 300)
فضل كفالة اليتيم
يقول السائل : ما هو فضل كافل اليتيم وبم تكون كفالة اليتيم وكيف تقدر الكفالة المالية لليتيم ؟
الجواب : كفالة اليتيم من أعظم أبواب الخير التي حثت عليها الشريعة الإسلامية قال الله تعالى :( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) سورة البقرة الآية 215 .
وقال تعالى :( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ) سورة النساء الآية 36 .
ووردت أحاديث كثيرة في فضل كفالة اليتيم والإحسان إليه منها : عن سهل بن سعد رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرَّج بينهما ) رواه البخاري قال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث :
[ قال ابن بطال : حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك ].ثم قال الحافظ ابن حجر : وفيه إشارة إلى أن بين درجة النبي صلى الله عليه وسلم وكافل اليتيم قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى وهو نظير الحديث الآخر :( بعثت أنا والساعة كهاتين ) الحديث ]. وقال الحافظ أيضاً :[ قال شيخنا في شرح الترمذي : لعل الحكمة في كون كافل اليتيم يشبه في دخول الجنة أو شبهت منزلته في الجنة بالقرب من النبي صلى الله عليه وسلم أو منزلة النبي صلى الله عليه وسلم لكون النبي صلى الله عليه وسلم شأنه أن يبعث إلى قوم لا يعقلون أمر دينهم فيكون كافلاً لهم ومعلماً ومرشداً وكذلك كافل اليتيم يقوم بكفالة من لا يعقل أمر دينه بل ولا دنياه ويرشده ويعلمه ويحسن أدبه فظهرت مناسبة ذلك أهـ ملخصاً ] فتح الباري 10/536-537 .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :( من ضم يتيماً بين مسلمين في طعامه وشرابه حتى يستغني عنه وجبت له الجنة ) رواه أبو يعلى والطبراني وأحمد مختصراً بإسناد حسن كما قال الحافظ المنذري . وقال الألباني صحيح لغيره . انظر صحيح الترغيب والترهيب 2/676 .
وعن أبي الدرداء رضي الله عنهما قال :( أتى النبيَ صلى الله عليه وسلم رجلٌ يشكو قسوة قلبه ؟ قال : أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك ؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك ) رواه الطبراني وقال الألباني حسن لغيره . انظر صحيح الترغيب والترهيب 2/676 .
وعن أبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله وأحسبه قال : وكالقائم الذي لا يفتر وكالصائم لا يفطر ) رواه البخاري ومسلم ، وغير ذلك من الأحاديث .
وكفالة اليتيم تكون بضم اليتيم إلى حِجر كافله أي ضمه إلى أسرته فينفق عليه ويقوم على تربيته وتأديبه حتى يبلغ لأنه لا يتم بعد الإحتلام والبلوغ .وهذه الكفالة هي أعلى درجات كفالة اليتيم حيث إن الكافل يعامل اليتيم معاملة أولاده في الإنفاق والإحسان والتربية وغير ذلك . وهذه الكفالة كانت الغالبة في عصر الصحابة كما تبين لي من استقراء الأحاديث الواردة في كفالة الأيتام فالصحابة رضي الله عنهم كانوا يضمون الأيتام إلى أسرهم ومن الأمثلة الواضحة على ذلك حديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن ) قالت : فرجعت إلى عبد الله فقلت : إنك رجل خفيف ذات اليد وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصدقة فإته فاسأله فإن كان ذلك يجزي عني وإلا صرفتها إلى غيركم قالت : فقال لي عبد الله : بل ائتيه أنت قالت : فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب
رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتي حاجتها قالت : وكان رسول اللهصلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابة قالت : فخرج علينا بلال فقلنا له : ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن امرأتين بالباب تسألانك أتجزيء الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما ولا تخبره من نحن قالت : فدخل بلال على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : من هما ؟ فقال : امرأة من الأنصار وزينب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الزيانب ؟ من هما ؟ قال : امرأة عبد الله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لهما أجران أجر القرابة وأجر الصدقة ) رواه البخاري ومسلم . والشاهد في الحديث :( وعلى أيتام في حجورهما ) .
وعن عمارة بن عمير عن عمته أنها سألت عائشة رضي الله عنها : في حجري يتيم أفآكل من ماله ؟ فقالت :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن من أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه ) رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن .
وتكون كفالة اليتيم أيضاً بالإنفاق عليه مع عدم ضمه إلى الكافل كما هو حال كثير من أهل الخير الذين يدفعون مبلغاً من المال لكفالة يتيم يعيش في جمعية خيرية أو يعيش مع أمه أو نحو ذلك فهذه الكفالة أدنى درجة من الأولى ومن يدفع المال للجمعيات الخيرية التي تعنى بالأيتام يعتبر حقيقة كافلاً لليتيم وهو داخل إن شاء الله تعالى في قول النبي صلى الله عليه وسلم :( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ) . قال الإمام النووي :[ قوله صلى الله عليه وسلم :( كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة ) كافل اليتيم القائم بأموره من نفقة وكسوة وتأديب وتربية وغير ذلك وهذه الفضيلة تحصل لمن كفله من مال نفسه ، أو من مال اليتيم بولاية شرعية . وأما قوله : وله أو لغيره فالذي له أن يكون قريباً له كجده وأمه وجدته وأخيه وأخته وعمه وخاله وعمته وخالته وغيرهم من أقاربه ، والذي لغيره أن يكون أجنبياً ] شرح النووي على صحيح مسلم 5/408 .
وكفالة اليتيم المالية تقدر حسب مستوى المعيشة في بلد اليتيم المكفول بحيث تشمل حاجات اليتيم الأساسية دون الكمالية فينبغي أن يتوفر لليتيم المأكل والمشرب والملبس والمسكن والتعليم بحيث يعيش اليتيم حياة كريمة ولا يشعر بفرق بينه وبين أقرانه ممن ليسوا بأيتام . وأرى أنه في الظروف الحالية التي نعيشها ينبغي ألا تقل كفالة اليتيم عن خمسين دولاراً حتى يضمن لليتيم الحد الأدنى من العيش الكريم . ولا بأس أن يشارك أكثر من شخص في كفالة اليتيم الواحد .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 8268)
«دفع الزّوج زكاة ماله إلى زوجته وعكسه»
178 - لا يجزئ الرّجل إعطاء زكاة ماله إلى زوجته.
قال ابن قدامة: هو إجماع ، قال الحنفيّة: لأنّ المنافع بين الزّوجين مشتركة ، وقال الجمهور: لأنّ نفقتها واجبة على الزّوج ، فيكون كالدّافع إلى نفسه ، ومحلّ المنع إعطاؤها الزّكاة لتنفقها على نفسها ، فأمّا لو أعطاها ما تدفعه في دينها ، أو لتنفقه على غيرها من المستحقّين ، فلا بأس ، على ما صرّح به المالكيّة وقريب منه ما قال الشّافعيّة: إنّ الممنوع إعطاؤها من سهم الفقراء أو المساكين ، أمّا من سهمٍ آخر هي مستحقّة له فلا بأس ، وهو ما يفهم أيضًا من كلام ابن تيميّة.
وأمّا إعطاء المرأة زوجها زكاة مالها فقد اختلف فيه: فذهب الشّافعيّ وصاحبا أبي حنيفة وهو رواية عن أحمد واختيار ابن المنذر ، إلى جواز ذلك لحديث «زينب زوجة عبد اللّه بن مسعودٍ رضي الله عنهما ، وفيه أنّها هي وامرأة أخرى سألتا النّبيّ صلى الله عليه وسلم: هل تجزئ الصّدقة عنهما على أزواجهما ، وعلى أيتامٍ في حجرهما ؟ فقال: لهما أجران أجر القرابة وأجر الصّدقة» .
وقال ابن قدامة: ولأنّه لا تجب عليها نفقة الزّوج ، ولعموم آية مصارف الزّكاة ، إذ ليس في الزّوج إذا كان فقيرًا نصّ أو إجماع يمنع إعطاءه.
وقال أبو حنيفة ، وهو رواية أخرى عن أحمد: لا يجزئ المرأة أن تعطي زوجها زكاتها ولو كانت في عدّتها من طلاقه البائن ولو بثلاث طلقاتٍ ; لأنّ المنافع بين الرّجل وبين امرأته مشتركة ، فهي تنتفع بتلك الزّكاة الّتي تعطيها لزوجها ; ولأنّ الزّوج لا يقطع بسرقة مال امرأته ، ولا تصحّ شهادته لها.
وقال مالك: لا تعطي المرأة زوجها زكاة مالها.
واختلف أصحابه في معنى كلامه ، فقال بعضهم: بأنّ مراده عدم الإجزاء ، وقال آخرون: بإجزائه مع الكراهة.
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 9430)
ج - التّصدّق على ذوي القرابة والأزواج
17 - لا خلاف بين الفقهاء في جواز التّصدّق على الأقرباء ، والأزواج صدقة التّطوّع ، بل صرّح بعضهم : بأنّه يسنّ التّصدّق عليهم ، ولهم أخذها ، ولو كانوا ممّن تجب نفقته على المتصدّق ، فعن أبي مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : » إذا أنفق الرّجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة « .
وقال صلى الله عليه وسلم : » الصّدقة على المسكين صدقة ، وعلى ذي الرّحم ثنتان : صدقة وصلة « .
قال الشّافعيّة : دفع الصّدقة لقريب أقرب فأقرب رحماً ولو كان ممّن تجب عليه نفقته أفضل من دفعها لغير القريب ، وللقريب غير الأقرب للحديث المتقدّم ، ولخبر الصّحيحين : » أنّ امرأتين أتيتا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقالتا لبلال : سل لنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم هل يجزئ أن نتصدّق على أزواجنا ويتامى في حجورنا ؟ فقال : نعم لهما أجران : أجر القرابة ، وأجر الصّدقة « .
هذا وقد رتّب الشّافعيّة من يفضّل عليهم الصّدقة فقالوا : هي في الأقرب فالأقرب ، وفي الأشدّ منهم عداوةً أفضل منها في غيره ، وذلك ليتألّف قلبه ، ولما فيه من مجانبة الرّياء وكسر النّفس، وألحق بهم الأزواج من الذّكور والإناث ، ثمّ الرّحم غير المحرم ، كأولاد العمّ والخال .
ثمّ في الأقرب فالأقرب رضاعاً ، ثمّ مصاهرةً ، ثمّ ولاءً ، ثمّ جواراً ، وقدّم الجار الأجنبيّ على قريب بعيد عن دار المتصدّق ، بحيث لا تنقل إليه الزّكاة ، ولو كان ببادية .
ومثله ما عند الحنابلة .(1/157)
303-7959 أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ : حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ : حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ : حَدَّثَنِي شَقِيقٌ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَتْهُ لِإِبْرَاهِيمَ فَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بِمِثْلِهِ سَوَاءً قَالَتْ : كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ فَرَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ " فَكَانَتْ زَيْنَبُ تُنْفِقُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَأَيْتَامٍ فِي حَجْرِهَا " فَقَالَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ : " أَيُجْزِئُ عَنِّي أَنْ أَنْفَقَ عَلَيْكَ وَعَلَى أَيْتَامٍ فِي حَجْرِي مِنَ الصَّدَقَةِ ؟ " قَالَ : سَلِي أَنْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْتُ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى بَابِهِ ، حَاجَتُهَا مِثْلُ حَاجَتِي ، فَمَرَّ عَلَيْنَا بِلَالٌ فَقُلْنَا : " سَلْ لَنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَيُجْزِئُ عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَى زَوْجِي وَأَيْتَامٍ فِي حَجْرِي مِنَ الصَّدَقَةِ ؟ فَدَخَلَ فَسَأَلَهُ " فَقَالَ : " مَنْ هُمَا ؟ " قَالَ زَيْنَبُ : قَالَ : " أَيُّ الزَّيَانِبِ ؟ " قَالَ : امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : " نَعَمْ ، يَكُونُ لَهَا أَجْرَانِ ، أَجْرُ الْقَرَابَةِ ، وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ "(1)
__________
(1) - صحيح البخارى برقم( 1466 )
فتح الباري لابن حجر - (ج 5 / ص 83)
1373 - قَوْله : ( عَنْ عَمْرو بْن الْحَارِث )
هُوَ اِبْن أَبِي ضِرَار بِكَسْرِ الْمُعْجَمَة الْخُزَاعِيّ ثُمَّ الْمُصْطَلِقِيّ أَخُو جُوَيْرِيَة بِنْت الْحَارِث زَوْج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ صُحْبَة ، وَرَوَى هُنَا عَنْ صَحَابِيَّة ، فَفِي الْإِسْنَادِ تَابِعِيٌّ عَنْ تَابِعِيّ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ ، وَصَحَابِيٍّ عَنْ صَحَابِيّ عَمْرو عَنْ زَيْنَب وَهِيَ بِنْت مُعَاوِيَة - وَيُقَالُ بِنْت عَبْد اللَّه بْن مُعَاوِيَة - اِبْن عَتَّاب الثَّقَفِيَّة وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا رَائِطَة ، وَقَعَ ذَلِكَ فِي " صَحِيحِ اِبْنِ حِبَّانَ " فِي نَحْوِ هَذِهِ الْقِصَّة ، وَيُقَالُ هُمَا ثِنْتَانِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ اِبْن سَعْد ، وَقَالَ الْكَلَابَاذِيّ رَائِطَة هِيَ الْمَعْرُوفَةُ بِزَيْنَب ، وَبِهَذَا جَزَمَ الطَّحَاوِيّ فَقَالَ رَائِطَة هِيَ زَيْنَب لَا يُعْلَمُ أَنَّ لِعَبْد اللَّه اِمْرَأَةً فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرهَا ، وَوَقَعَ عِنْدَ التِّرْمِذِيّ عَنْ هَنَّادٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَة عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِل عَنْ عَمْرو بْن الْحَارِث بْن الْمُصْطَلِقِ عَنْ اِبْنِ أَخِي زَيْنَب اِمْرَأَة عَبْد اللَّه عَنْ اِمْرَأَةِ عَبْد اللَّه فَزَادَ فِي الْإِسْنَادِ رَجُلًا ، وَالْمَوْصُوف بِكَوْنِهِ اِبْنَ أَخِي زَيْنَب هُوَ عَمْرو بْن الْحَارِث نَفْسه ، وَكَانَ أَبَاهُ كَانَ أَخَا زَيْنَب لِأُمِّهَا لِأَنَّهَا ثَقَفِيَّةٌ وَهُوَ خُزَاعِيّ . وَوَقَعَ عِنْدَ التِّرْمِذِيّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِل عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْحَارِث اِبْن أَخِي زَيْنَب اِمْرَأَة عَبْد اللَّه عَنْ زَيْنَب ، فَجَعَلَهُ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو ، هَكَذَا جَزَمَ بِهِ الْمِزِّيّ وَعَقَدَ لِعَبْدِ اللَّه بْن عَمْرو فِي " الْأَطْرَافِ " تَرْجَمَة لَمْ يَزِدْ فِيهَا عَلَى مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فِي التِّرْمِذِيِّ بَلْ وَقَفْت عَلَى عِدَّةِ نُسَخٍ مِنْهُ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا عَمْرو بْن الْحَارِث ، وَقَدْ حَكَى اِبْن الْقَطَّان الْخِلَاف فِيهِ عَلَى أَبِي مُعَاوِيَة وَشُعْبَة ، وَخَالَفَ التِّرْمِذِيّ فِي تَرْجِيحِ رِوَايَةِ شُعْبَةَ فِي قَوْلِهِ " عَنْ عَمْرو بْن الْحَارِث عَنْ اِبْنِ أَخِي زَيْنَب " لِانْفِرَادِ أَبِي مُعَاوِيَة بِذَلِكَ . قَالَ اِبْن الْقَطَّان : لَا يَضُرُّهُ الِانْفِرَاد لِأَنَّهُ حَافِظ ، وَقَدْ وَافَقَهُ حَفْص بْن غِيَاثٍ فِي رِوَايَةِ عَنْهُ وَقَدْ زَادَ فِي الْإِسْنَادِ رَجُلًا ، لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُتَوَقَّفَ فِي صِحَّةِ الْإِسْنَادِ لِأَنَّ اِبْنَ أَخِي زَيْنَب حِينَئِذٍ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ . وَقَدْ حَكَى التِّرْمِذِيّ فِي " الْعِلَلِ الْمُفْرَدَات " أَنَّهُ سَأَلَ الْبُخَارِيّ عَنْهُ فَحَكَمَ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَة بِالْوَهْمِ وَأَنَّ الصَّوَابَ رِوَايَة الْجَمَاعَةِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَمْرو بْن الْحَارِث اِبْن أَخِي زَيْنَب . قُلْت : وَوَافَقَهُ مَنْصُور عَنْ شَقِيقٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَد ، فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَلَعَلَّ أَبَا وَائِل حَمَلَهُ عَنْ الْأَبِ وَالِابْنِ ، وَإِلَّا فَالْمَحْفُوظ عَنْ عَمْرو بْن الْحَارِث ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَلَى الصَّوَابِ فَقَالَ " عَمْرو بْن الْحَارِث " .
قَوْله : ( قَالَ فَذَكَرْتُهُ لِإِبْرَاهِيم )
الْقَائِل هُوَ الْأَعْمَشُ ، وَإِبْرَاهِيم هُوَ اِبْن يَزِيد النَّخَعِيّ ، وَأَبُو عُبَيْدَة هُوَ اِبْن عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود ، فَفِي هَذِهِ الطَّرِيقِ ثَلَاثَة مِنْ التَّابِعِينَ ، وَرِجَال الطَّرِيقَيْنِ كُلّهمْ كُوفِيُّونَ .
قَوْله : ( كُنْت فِي الْمَسْجِدِ فَرَأَيْت إِلَخْ )
فِي هَذَا زِيَادَة عَلَى مَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيد الْمُتَقَدِّمِ ، وَبَيَان السَّبَب فِي سُؤَالِهَا ذَلِكَ . وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ الْأَيْتَامِ الَّذِينَ كَانُوا فِي حِجْرِهَا .
قَوْله : ( فَوَجَدْت اِمْرَأَة مِنْ الْأَنْصَارِ )
فِي رِوَايَةِ الطَّيَالِسِيّ الْمَذْكُورَةِ " فَإِذَا اِمْرَأَة مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهَا زَيْنَب " وَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَة عَنْ الْأَعْمَشِ ، وَزَاد مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ " اِنْطَلَقَتْ اِمْرَأَةُ عَبْد اللَّه يَعْنِي اِبْن مَسْعُود وَاِمْرَأَة أَبِي مَسْعُود يَعْنِي عُقْبَةَ بْن عَمْرو الْأَنْصَارِيّ " . قُلْت : لَمْ يَذْكُرْ اِبْن سَعْد لِأَبِي مَسْعُود اِمْرَأَة أَنْصَارِيَّة سِوَى هُزَيْلَة بِنْت ثَابِت بْن ثَعْلَبَة الْخَزْرَجِيَّة فَلَعَلَّ لَهَا اِسْمَيْنِ ، أَوْ وَهِمَ مَنْ سَمَّاهَا زَيْنَب اِنْتِقَالًا مِنْ اِسْمِ اِمْرَأَةِ عَبْد اللَّه إِلَى اِسْمِهَا .
قَوْله : ( وَأَيْتَام لِي فِي حِجْرِي )
فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ الْمَذْكُورَة " عَلَى أَزْوَاجِنَا وَأَيْتَام فِي حُجُورِنَا " وَفِي رِوَايَةِ الطَّيَالِسِيّ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهُمْ بَنُو أَخِيهَا وَبَنُو أُخْتِهَا . وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيق عَلْقَمَة " لِإِحْدَاهُمَا فَضْل مَالٍ وَفِي حِجْرِهَا بَنُو أَخ لَهَا أَيْتَام ، وَلِلْأُخْرَى فَضْل مَال وَزَوْج خَفِيف ذَات الْيَدِ " وَهَذَا الْقَوْل كِنَايَة عَنْ الْفَقْرِ .
قَوْله : ( وَلَهَا أَجْرَانِ : أَجْر الْقَرَابَة وَأَجْر الصَّدَقَة )
أَيْ : أَجْر صِلَة الرَّحِمِ وَأَجْر مَنْفَعَة الصَّدَقَة ، وَهَذَا ظَاهِره أَنَّهَا لَمْ تُشَافِهْهُ بِالسُّؤَالِ وَلَا شَافَهَهَا بِالْجَوَابِ ، وَحَدِيث أَبِي سَعِيد السَّابِقِ بِبَابَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا شَافَهَتْهُ وَشَافَهَهَا لِقَوْلِهَا فِيهِ " يَا نَبِيّ اللَّهِ إِنَّك أَمَرْت " وَقَوْله فِيهِ " صَدَقَ زَوْجك " فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا قِصَّتَيْنِ ، وَيَحْتَمِلُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنْ يُقَالَ تُحْمَلُ هَذِهِ الْمُرَاجَعَة عَلَى الْمَجَازِ ، وَإِنَّمَا كَانَتْ عَلَى لِسَانِ بِلَال وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ دَفْعِ الْمَرْأَةِ زَكَاتهَا إِلَى زَوْجِهَا ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ وَالثَّوْرِيّ وَصَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَة وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وَعَنْ أَحْمَدَ كَذَا أَطْلَقَ بَعْضهمْ وَرِوَايَة الْمَنْع عَنْهُ مُقَيَّدَة بِالْوَارِثِ وَعِبَارَة الْجَوْزَقِيّ : وَلَا لِمَنْ تَلْزَمُهُ مَئُونَتُهُ ، فَشَرَحَهُ اِبْنُ قُدَامَةَ بِمَا قَيَّدْته قَالَ : وَالْأَظْهَرُ الْجَوَاز مُطْلَقًا إِلَّا لِلْأَبَوَيْنِ وَالْوَلَد ، وَحَمَلُوا الصَّدَقَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْوَاجِبَةِ لِقَوْلِهَا " أَتُجْزِئُ عَنِّي " وَبِهِ جَزَمَ الْمَازِرِيّ ، وَتَعَقَّبَهُ عِيَاض بِأَنَّ قَوْلَهُ " وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ " وَكَوْن صَدَقَتِهَا كَانَتْ مِنْ صِنَاعَتِهَا يَدُلَّانِ عَلَى التَّطَوُّعِ ، وَبِهِ جَزَمَ النَّوَوِيّ وَتَأَوَّلُوا لِقَوْلِهِ " أَتُجْزِئُ عَنِّي " أَيْ : فِي الْوِقَايَةِ مِنْ النَّارِ كَأَنَّهَا خَافَتْ أَنَّ صَدَقَتَهَا عَلَى زَوْجِهَا لَا تُحَصِّلُ لَهَا الْمَقْصُود . وَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ الصِّنَاعَةِ اِحْتَجَّ بِهِ الطَّحَاوِيّ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَة ، فَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيق رَائِطَة اِمْرَأَة اِبْن مَسْعُود أَنَّهَا كَانَتْ اِمْرَأَة صَنْعَاء الْيَدَيْنِ فَكَانَتْ تُنْفِقُ عَلَيْهِ وَعَلَى وَلَدِهِ ، قَالَ : فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا صَدَقَةُ تَطَوُّع ، وَأَمَّا الْحُلِيُّ فَإِنَّمَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى مَنْ لَا يُوجِبُ فِيهِ الزَّكَاة ، وَأَمَّا مَنْ يُوجِبُ فَلَا . وَقَدْ رَوَى الثَّوْرِيّ عَنْ حَمَّاد عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ : قَالَ اِبْن مَسْعُود لِاِمْرَأَتِه فِي حُلِيِّهَا " إِذَا بَلَغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهِ الزَّكَاةُ " فَكَيْفَ يُحْتَجُّ عَلَى الطَّحَاوِيّ بِمَا لَا يَقُولُ بِهِ ، لَكِنْ تَمَسَّكَ الطَّحَاوِيّ بِقَوْلِهَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيد السَّابِقِ " وَكَانَ عِنْدِي حُلِيّ لِي فَأَرَدْت أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ " لِأَنَّ الْحُلِيَّ وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِ الزَّكَاة فِيهِ إِلَّا أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي جَمِيعِهِ ، كَذَا قَالَ وَهُوَ مُتَعَقَّب ، لِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَجِبْ فِي عَيْنِهِ فَقَدْ تَجِبُ فِيهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ قَدْرُ النِّصَابِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهَا إِخْرَاجُهُ ، وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيد الْمَذْكُورِ " زَوْجُك وَوَلَدُك أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ " دَالٌّ عَلَى أَنَّهَا صَدَقَةُ تَطَوُّع ، لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ اِبْن الْمُنْذِر وَغَيْرُهُ ، وَفِي هَذَا الِاحْتِجَاجِ نَظَر لِأَنَّ الَّذِي يَمْتَنِعُ إِعْطَاؤُهُ مِنْ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ مَنْ يَلْزَمُ الْمُعْطِيَ نَفَقَتُهُ وَالْأُمُّ لَا يَلْزَمُهَا نَفَقَة وَلَدِهَا مَعَ وُجُودِ أَبِيهِ . وَقَالَ اِبْن التَّيْمِيّ : قَوْلُهُ " وَوَلَدَك " مَحْمُول عَلَى أَنَّ الْإِضَافَةَ لِلتَّرْبِيَةِ لَا لِلْوِلَادَةِ فَكَأَنَّهُ وَلَدُهُ مِنْ غَيْرِهَا . وَقَالَ اِبْن الْمُنَيِّرِ : اِعْتَلَّ مَنْ مَنَعَهَا مِنْ إِعْطَائِهَا زَكَاتَهَا لِزَوْجِهَا بِأَنَّهَا تَعُودُ إِلَيْهَا فِي النَّفَقَةِ فَكَأَنَّهَا مَا خَرَجَتْ عَنْهَا ، وَجَوَابه أَنَّ اِحْتِمَالَ رُجُوع الصَّدَقَة إِلَيْهَا وَاقِع فِي التَّطَوُّعِ أَيْضًا ، وَيُؤَيِّدُ الْمَذْهَب الْأَوَّل أَنَّ تَرْكَ الِاسْتِْفْصَالِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَة الْعُمُوم ، فَلَمَّا ذُكِرَتْ الصَّدَقَةُ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْهَا عَنْ تَطَوُّعٍ وَلَا وَاجِبٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ : تُجْزِئُ عَنْك فَرْضًا كَانَ أَوْ تَطَوُّعًا . وَأَمَّا وَلَدُهَا فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيح بِأَنَّهَا تُعْطِي وَلَدَهَا مِنْ زَكَاتِهَا ، بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهَا إِذَا أَعْطَتْ زَوْجَهَا فَأَنْفَقَهُ عَلَى وَلَدِهَا كَانُوا أَحَقَّ مِنْ الْأَجَانِبِ ، فَالْإِجْزَاء يَقَعُ بِالْإِعْطَاءِ لِلزَّوْجِ وَالْوُصُولِ إِلَى الْوَلَدِ بَعْدَ بُلُوغ الزَّكَاة مَحِلّهَا . وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ : إِحْدَاهُمَا فِي سُؤَالِهَا عَنْ تَصَدُّقِهَا بِحُلِّيِّهَا عَلَى زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ ، وَالْأُخْرَى فِي سُؤَالِهَا عَنْ النَّفَقَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَفِي الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ عَلَى الْأَقَارِبِ ، وَهُوَ مَحْمُولٌ فِي الْوَاجِبَةِ عَلَى مَنْ لَا يَلْزَمُ الْمُعْطِيَ نَفَقَته مِنْهُمْ ، وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ الْمَنْعِ فَقِيلَ لِأَنَّ أَخْذَهُمْ لَهَا يُصَيِّرُهُمْ أَغْنِيَاءَ فَيَسْقُطُ بِذَلِكَ نَفَقَتُهُمْ عَنْ الْمُعْطِي ، أَوْ لِأَنَّهُمْ أَغْنِيَاءُ بِإِنْفَاقِهِ عَلَيْهِمْ ، وَالزَّكَاة لَا تَصَرُّفَ لِغَنِيٍّ ، وَعَنْ الْحَسَنِ وَطَاوُسٍ لَا يُعْطِي قَرَابَته مِنْ الزَّكَاةِ شَيْئًا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِك . وَقَالَ اِبْن الْمُنْذِر : أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ لَا يُعْطِي زَوْجَتَهُ مِنْ الزَّكَاةِ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا وَاجِبَة عَلَيْهِ فَتَسْتَغْنِي بِهَا عَنْ الزَّكَاةِ ، وَأَمَّا إِعْطَاؤُهَا لِلزَّوْجِ فَاخْتُلِفَ فِيهِ كَمَا سَبَقَ . وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى صِلَةِ الرَّحِمِ وَجَوَازِ تَبَرُّعِ الْمَرْأَةِ بِمَالِهَا بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجهَا . وَفِيهِ عِظَة النِّسَاء ، وَتَرْغِيب وَلِيّ الْأَمْر فِي أَفْعَالِ الْخَيْرِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، وَالتَّحَدُّثِ مَعَ النِّسَاءِ الْأَجَانِب عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ ، وَالتَّخْوِيفِ مِنْ الْمُؤَاخَذَةِ بِالذُّنُوبِ وَمَا يُتَوَقَّعُ بِسَبَبِهَا مِنْ الْعَذَابِ . وَفِيهِ فُتْيَا الْعَالِمِ مَعَ وُجُودِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ ، وَطَلَبُ التَّرَقِّي فِي تَحَمُّلِ الْعِلْمِ . قَالَ الْقُرْطُبِيّ : لَيْسَ إِخْبَار بِلَال بِاسْمِ الْمَرْأَتَيْنِ بَعْدَ أَنْ اِسْتَكْتَمَتَاهُ بِإِذَاعَةِ سِرٍّ وَلَا كَشْفِ أَمَانَةٍ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُمَا لَمْ تُلْزِمَاهُ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا عُلِمَ أَنَّهُمَا رَأَتَا أَنْ لَا ضَرُورَةَ تُحْوِجُ إِلَى كِتْمَانِهِمَا . ثَانِيهِمَا أَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ جَوَابًا لِسُؤَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِ إِجَابَته أَوْجَبَ مِنْ التَّمَسُّكِ بِمَا أَمَرَتَاهُ بِهِ مِنْ الْكِتْمَانِ ، وَهَذَا كُلّه بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ اِلْتَزَمَ لَهُمَا بِذَلِكَ . وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَا سَأَلَتَاهُ ، وَلَا يَجِبُ إِسْعَافُ كُلّ سَائِل .
شرح ابن بطال - (ج 6 / ص 34)
قال ابن المنذر: أجمع العلماء أن الرجل لا يعطى زوجته من الزكاة، لأن نفقتها تجب عليه، وهى غنية بغناه، واختلفوا فى المرأة هل تعطى زوجها من الزكاة؟ فأجاز ذلك أبو يوسف، ومحمد، والشافعى، وأبو ثور، وأبو عبيد، وجوزه أشهب إذا لم يرجع إليها شىء من ذلك، ولا جعلته وقاية لمالها فيما يلزم نفسها من مواساته، وتأدية حقه، فإن رجع إليها شىء من ذلك لم يجزئها.
وقال مالك: لا تعطى المرأة زوجها من زكاة مالها. وهو قول أبى حنيفة.
واحتج من جوز ذلك بحديث زينب امرأة ابن مسعود، وقالوا: جائز أن تعطيه من الزكاة، لأنه داخل فى جملة الفقراء الذين تحل لهم الصدقة، وأيضًا فإن كل من لا يلزم الإنسان نفقته فجائز أن يضع فيه الزكاة، والمرأة لا يلزمها النفقة على زوجها، ولا على بنيه قال المهلب: والدليل على أن المرأة لا تلزمها النفقة على بنيها قوله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} [البقرة: 233].
قال الطحاوى: واحتج عليهم أهل المقالة الثانية، فقالوا: إن تلك الصدقة التى فى حديث زينب إنما كانت من غير الزكاة، وقد بين ذلك ما رواه الليث عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله، عن رائطة بنت عبد الله امرأة عبد الله بن مسعود، وكانت امرأة صناع وليس لعبد الله بن مسعود مال، فكانت تنفق عليه، وعلى ولده منها، فقالت: لقد شغلتنى والله أنت وولدك عن الصدقة، فما أستطيع أن أتصدق معكم بشىء، فسألت رسول الله هى وهو، فقالت: يا رسول الله، إنى امرأة ذات صنعة، أبيع منها، وليس لزوجى ولا لولدى شىء، فشغلونى فلا أتصدق، فهل لى فيهم أجر؟ فقال: « لك فى ذلك أجر ما أنفقت عليهم، فأنفقى عليهم » .
قال الطحاوى: ففى هذا الحديث أن تلك الصدقة لم تكن زكاة، ورائطة هذه هى زينب امرأة عبد الله، لا نعلم أن عبد الله كانت له امرأة غيرها فى زمن رسول الله، فكانت تنفق عليه وعلى ولده من عمل يدها، وقد أجمعوا أنه لا يجوز أن تنفق على ولدها من زكاتها، فلما كان ما أنفقت على ولدها ليس من الزكاة، فكذلك ما أنفقت على زوجها ليس من الزكاة، وقد روى أبو هريرة عن النبى، - صلى الله عليه وسلم - ، مثل ذلك، حدثنا فهد، حدثنا على بن معبد، حدثنا إسماعيل بن أبى كثير الأنصارى، عن عمر بن نبيه الكعبى، عن المقبرى، عن أبى هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف من صلاة الصبح يومًا، فأتى على النساء فى المسجد، فقال: « يا معشر النساء، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب بعقول ذوى الألباب منكن، إنى رأيتكن أكثر أهل النار، فتقربن إلى الله ما استطعتن » . وكان فى النساء امرأة ابن مسعود، فانصرفت إلى ابن مسعود، فأخبرته بما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأخذت حليًا لها، فقال ابن مسعود: أين تذهبين بهذا الحلى؟ فقالت: أتقرب به إلى الله وإلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لعل الله أن لا يجعلنى من أهل النار. قال: هلمى ويلك، تصدقى به عَلىَّ وعلى ولدى. فقالت: لا والله حتى أذهب به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فذهبت به فسألته، فقال: « تصدقى به عليه، وعلى بنيه، فإنهم له موضع » .
فبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أراد بقوله: « تصدقى » صدقة التطوع التى تكفر بها الذنوب، لأنه أمرها بالصدقة بكل الحلى، وذلك من التطوع لا من الزكاة، لأن الزكاة لا توجب الصدقة بكل المال، وإنما توجب الصدقة بجزء منه، وهذا دليل على فساد تأويل أبى يوسف، ومن ذهب مذهبه فقد بطل بما ذكرنا أن يكون فى حديث زينب ما يدل أن المرأة تعطى زوجها من زكاة مالها إذا كان فقيرًا.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 34 / ص 89)
تريد إكمال دراستها وزوجها يمنعها لأجل المصاريف رقم الفتوى:51489تاريخ الفتوى:07 جمادي الثانية 1425السؤال :
أنا زوجة وأم لطفلة عندها سنة ونصف، عندي 27 سنة وحاصلة على بكالوريوس من إحدى الكليات النظرية، وأنا أعمل موظفة في إحدى المنظمات العربية، أريد أن أكمل دراستي العليا ابتغاء وجه الله تعالى وإرضاء لنبيه صلى الله عليه وسلم، وعملا بقوله: اطلبوا العلم ولو في الصين والله أعلم بنيتي، حتى أكون أما مثقفة ومتفتحة الآفاق، أربي ابنتي تربية دينية بإذن الله تعالى
المشكة: في أن زوجي يعارض دراستي لأننا غير قادرين مادياً، ولكن في الحقيقة أنا تأتيني مكافآت أثناء السنة، ولا أقول لزوجي عليها نظراً لأنه مسرف جداً وإذا علم شيئا من أمر هذه النقود سوف نصرفهم بالكامل، وأنا أعلم أن الذمة المالية للمرأة منفصلة عن زوجها وهي تستطيع أن تتصرف في مالها كما تشاء أيا كان مصدره سواء مرتبا أو ميراثا دون استئذان زوجها أو إخباره، كما أنني في بعض الأحيان أساعد بعض أقاربي من أموالي الخاصة بدون علم زوجي لأنه لا يريدني أن أساعد أحدا، فهل حرام دينياً أن أكذب عليه وأقول له: إن عملي سوف يدفع لي مصاريف دراستي ولكن في الحقيقة أدفعهم أنا من المكافآت التي تأتيني أثناء السنة.
أرجو الإفادة في أسرع وقت.
وجزاكم الله خير الجزاء لما تقدمونه لي من دعم روحي مستمر سواء من خلال الموقع أو من خلال الرد على أسئلتي الدائمة.
الفتوى :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي أن تنبني أمور الزوجين على المصارحة والمكاشفة، ويتأكد هذا من الزوجة لزوجها، لأن هذا يجعل العلاقة بينهما قوية ومتينة، وهذه غاية عظيمة حث الإسلام عليها، ولهذا؛ تجده يشدد التحذير من إتيان كل أمر يوهن هذه العلاقة أو يكدر صفوها، وضمانا لديمومة هذه الرابطة أوجبت الشريعة الغراء على كل من الطرفين حقوقا على الآخر، بينا طرفا منها في الفتوى رقم: 15669 والفتوى رقم: 3698.
ومن جملة ذلك: أنها جعلت طاعة الزوج بالمعروف واجبة على المرأة، فإذا ما رغبت المرأة في العمل أو الدراسة لا بد لها من إذن الزوج في ذلك إضافة إلى بعض الضوابط الشرعية الأخرى المبينة في الفتوى رقم: 39570.
وعليه؛ فنقول للسائلة إذا كانت هذه الدراسة التي ترغبين فيها ليس فيها ما يؤدي إلى ارتكاب معصية كاختلاط محرم، أو خروج بغير لبس الحجاب، أو بغير إذن الزوج، أو نحو ذلك فلا بأس بها، لكن يلزمك قبل ذلك إقناع زوجك بالموافقة، وإن كان رفضه لمجرد أن تكلفة مصاريف الدراسة ستؤثر سلبا على مستوى دخل الأسرة ، فحاولي أن تقنعيه بأنك ستتولين ذلك من غير أن يؤثر على دخلكم، فإن أبى فلا تكذبي ولكن يمكنك أن تقولي له كلاما فيه تورية كنحو ما جاء في سؤالك.
واعلمي أن للمرأة حق التصرف في مالها ما دام ذلك في غير إسراف ولا تبذير ولا أمر محرم، لكن الحفاظ على صفاء الحياة الزوجية أولى من الدراسة والعمل ومن مساعدة الأقارب الذين لا تجب عليها نفقتهم.
ومساعدة الزوجة لزوجها ماديا فيها أجر كبير. ففي صحيح البخاري وغيره أن زينب امرأة ابن مسعود وأخرى من الأنصار سألتا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النفقة على الزوج فقال: لها أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة.
وللفائدة نحيلك للفتوى رقم : 34979 حول حديث( اطلبو العلم ولو في الصين ) .
والله أعلم.(1/158)
304-7960 أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا قَالَ : أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ، عَنْ إِسْرَائِيلَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ يَعْنِي ابْنَ مُهَاجِرٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَلْقَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : انْطَلَقَتِ امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ ، وَامْرَأَةُ أَبِي مَسْعُودٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كُلُّ وَاحِدَةٍ تَكْتُمْ صَاحِبَتَهَا أَمْرَهَا ، فَأَتَتَا الْحُجْرَةَ ، فَقَالَتَا لِبِلَالٍ : ايتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلِ : " امْرَأَتَانِ ، لِإِحْدَاهُمَا فَضْلُ مَالٍ ، وَفِي حَجْرِهَا بَنُو أَخٍ لَهَا أَيْتَامٌ " فَقَالَتِ الْأُخْرَى : إِنَّ لِي فَضْلَ مَالٍ وَلِي زَوْجٌ خَفِيفُ ذَاتِ الْيَدِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَهُمَا كِفْلَانِ "(1)
__________
(1) - المسند الجامع برقم( 9087) والأموال لابن زنجويه برقم( 1053 ) حديث حسن = الحجر : الكنف والرعاية والتربية =الخفيف : الفقير قليل المال =الكفل : الحظ والنصيب(1/159)
ثَوَابُ النَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجَةِ
305- 7961 أَخْبَرَنِي عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ الْعَسْقَلَانِيُّ ، بِبَلْخٍ قَالَ : حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ قَالَ : حَدَّثَنِي بَحِيرُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا أَطْعَمْتَ نَفْسَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ ، وَمَا أَطْعَمْتَ زَوْجَتَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ ، وَمَا أَطْعَمْتَ وَلَدَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ ، وَمَا أَطْعَمْتَ خَادِمَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ " (1)
306-7962 أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا كُتِبَتْ لَهُ صَدَقَةً "(2)
--------------
(1) - مسند أحمد برقم( 17642و17654) وصحيح الجامع (5535) المسند الجامع برقم( 11806) صحيح
(2) - صحيح مسلم برقم( 2369)
شرح النووي على مسلم - (ج 3 / ص 442)
فِيهِ : بَيَان أَنَّ الْمُرَاد بِالصَّدَقَةِ وَالنَّفَقَة الْمُطْلَقَة فِي بَاقِي الْأَحَادِيث إِذَا اِحْتَسَبَهَا ، وَمَعْنَاهُ أَرَادَ بِهَا وَجْه اللَّه تَعَالَى . فَلَا يَدْخُل فِيهِ مَنْ أَنْفَقَهَا ذَاهِلًا ، وَلَكِنْ يَدْخُل الْمُحْتَسِب ، وَطَرِيقه فِي الِاحْتِسَاب أَنْ يَتَذَكَّر أَنَّهُ يَجِب عَلَيْهِ الْإِنْفَاق عَلَى الزَّوْجَة وَأَطْفَال أَوْلَاده وَالْمَمْلُوك وَغَيْرهمْ مِمَّنْ تَجِب نَفَقَته عَلَى حَسَب أَحْوَالهمْ . وَاخْتِلَاف الْعُلَمَاء فِيهِمْ ، وَأَنَّ غَيْرهمْ مِمَّنْ يُنْفَق عَلَيْهِ مَنْدُوب إِلَى الْإِنْفَاق عَلَيْهِمْ فَيُنْفِق بِنِيَّةِ أَدَاء مَا أُمِرَ بِهِ ، وَقَدْ أُمِرَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ . وَاَللَّه أَعْلَم .
المحلى لابن حزم - (ج 5 / ص 56)
1631 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً صَحِيحَةً لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا أَصْلاً مُذْ يَلْفِظُ بِهَا إِلاَّ الْوَالِدَ , وَالأُُمَّ فِيمَا أَعْطَيَا , أَوْ أَحَدُهُمَا لِوَلَدِهِمَا فَلَهُمَا الرُّجُوعُ فِيهِ أَبَدًا الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ سَوَاءٌ. وَسَوَاءٌ تَزَوَّجَ الْوَلَدُ أَوْ الأَبْنَةُ عَلَى تِلْكَ الْعَطِيَّةِ أَوْ لَمْ يَتَزَوَّجَا , دَايَنَا عَلَيْهَا أَوْ لَمْ يُدَايِنَا , فَإِنْ فَاتَ عَيْنُهَا فَلاَ رُجُوعَ لَهُمَا بِشَيْءٍ , وَلاَ رُجُوعَ لَهُمَا بِالْغَلَّةِ ، وَلاَ بِالْوَلَدِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْهِبَةِ , فَإِنْ فَاتَ الْبَعْضُ وَبَقِيَ الْبَعْضُ كَانَ لَهُمَا الرُّجُوعُ فِيمَا بَقِيَ فَقَطْ
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِهِمَا.
وقال أبو حنيفة : مَنْ وَهَبَ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ أَوْ لِوَلَدٍ هِبَةً وَأَقْبَضَهُ إيَّاهَا أَوْ وَهَبَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ هِبَةً وَأَقْبَضَهُ إيَّاهَا فَلاَ رُجُوعَ لأََحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فِيمَا وَهَبَ. وَمَنْ وَهَبَ لأََجْنَبِيٍّ , أَوْ لِمَوْلًى , أَوْ لِذِي رَحِمٍ غَيْرِ مَحْرَمَةٍ : هِبَةً وَأَقْبَضَهُ إيَّاهَا , فَلِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَ مِنْ ذَلِكَ مَتَى شَاءَ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ مَا لَمْ تَزِدْ الْهِبَةُ فِي بَدَنِهَا , أَوْ مَا لَمْ يُخْرِجْهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ ، عَنْ مِلْكِهِ , أَوْ مَا لَمْ يَمُتْ الْوَاهِبُ , أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ , أَوْ مَا لَمْ يُعَوِّضْ الْمَوْهُوبُ لَهُ , أَوْ غَيْرُهُ عَنْهُ الْوَاهِبَ عِوَضًا يَقْبَلُهُ الْوَاهِبُ , فَأَيُّ هَذِهِ الأَسْبَابِ كَانَ فَلاَ رُجُوعَ لِلْوَاهِبِ فِيمَا وَهَبَ. وَلاَ يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا إِلاَّ بِتَسْلِيمِ الْمَوْهُوبِ لَهُ ذَلِكَ , أَوْ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ أَحَبَّ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَمْ كَرِهَ قَالَ : فَلَوْ وَهَبَ آخَرُ جَارِيَةً فَعَلَّمَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ الْقُرْآنَ وَالْكِتَابَةَ وَالْخَيْرَ , فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَانِعٍ مِنْ رُجُوعِ الْوَاهِبِ فِيهَا , فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ فَأَدَّاهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَنْهَا , أَوْ كَانَتْ كَافِرَةً فَأَسْلَمَتْ فَلاَ رُجُوعَ لِلْوَاهِبِ فِيهَا.
وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَلاَ رُجُوعَ لِلْمُتَصَدِّقِ فِيهَا لأََجْنَبِيٍّ كَانَتْ أَوْ لِغَيْرِ أَجْنَبِيٍّ بِخِلاَفِ الْهِبَةِ
وقال مالك : لاَ رُجُوعَ لِوَاهِبٍ ، وَلاَ لِمُتَصَدِّقٍ فِي هِبَتِهِ أَصْلاً , لاَ لأََجْنَبِيٍّ ، وَلاَ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ , إِلاَّ فِي هِبَةِ الثَّوَابِ فَقَطْ , وَفِيمَا وَهَبَ الرَّجُلُ لِوَلَدِهِ أَوْ ابْنَتِهِ الْكَبِيرَيْنِ أَوْ الصَّغِيرَيْنِ , مَا لَمْ يَقُلْ : إنَّهُ وَهَبَهَا لِوَلَدِهِ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ قَالَ هَذَا فَلاَ رُجُوعَ لَهُ فِيمَا وَهَبَ , فَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا وَهَبَ , مَا لَمْ يُدَايِنْ الْوَلَدَ عَلَى تِلْكَ الْهِبَةِ , أَوْ مَا لَمْ يَتَزَوَّجْ الأَبْنُ أَوْ الأَبْنَةُ عَلَيْهَا , أَوْ مَا لَمْ يَثِبْ الْوَلَدُ أَوْ الأَبْنَةُ أَبَاهُمَا عَلَى ذَلِكَ , فَأَيُّ هَذِهِ الْوُجُوهِ كَانَ فَقَدْ بَطَلَ رُجُوعُ الأَبِ فِي الْهِبَةِ. وَتَرْجِعُ الأُُمُّ كَذَلِكَ فِيمَا وَهَبَتْ الأُُمُّ لِوَلَدِهَا الصِّغَارِ خَاصَّةً مَا دَامَ أَبُوهُمْ حَيًّا , فَلَهَا الرُّجُوعُ فِيهِ , فَإِنْ مَاتَ أَبُوهُمْ فَلاَ رُجُوعَ لَهَا ,وَكَذَلِكَ لاَ رُجُوعَ لَهَا فِيمَا وَهَبَتْ لِوَلَدِهَا الْكِبَارِ , كَانَ أَبُوهُمْ حَيًّا أَوْ لَمْ يَكُنْ. قَالَ : وَهِبَةُ الثَّوَابِ صَاحِبُهَا الْوَاهِبُ لَهَا لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا , فَإِنْ أُثِيبَ مِنْهَا أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ. فَإِنْ أُثِيبَ قِيمَتَهَا فَلَهُ الرُّجُوعُ , فَإِنْ أُثِيبَ قِيمَتَهَا فَلَهُمْ قَوْلاَنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لاَ رُجُوعَ لَهُ , وَالآخَرُ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ مَا لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ الثَّوَابِ , وَلاَ ثَوَابَ عِنْدَهُمْ فِيمَا وَهَبَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ , وَلاَ لِلْفَقِيرِ فِيمَا أَهْدَى إلَى الْغَنِيِّ يَقْدُمُ مِنْ سَفَرٍ ; كَالْمَوْزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ : وَلاَ رُجُوعَ فِي صَدَقَةٍ أَصْلاً , لاَ لِوَالِدٍ فِيمَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى وَلَدِهِ ، وَلاَ لِغَيْرِهِ.
قال أبو محمد رحمه الله : هَذِهِ أَقَاوِيلُ لاَ تُعْقَلُ , وَفِيهَا مِنْ التَّضَادِّ , وَالدَّعَاوَى بِلاَ دَلِيلٍ مَا يَكْفِي سَمَاعُهُ ، عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِ , فَمِنْ ذَلِكَ مَنْعُ الْفَقِيرِ يُهْدِي إلَى الْغَنِيِّ يُقَدِّمُ الْمَوْزَ وَنَحْوَهُ مِنْ طَلَبِ الثَّوَابِ , وَمَا أَحَدٌ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنْهُ , وَإِطْلاَقُهُمْ الْغَنِيَّ عَلَى طَلَبِ الثَّوَابِ , وَمَنْعُهُمْ الأُُمَّ مِنْ الرُّجُوعِ إذَا مَاتَ أَبُو وَلَدِهَا , وَإِبَاحَتُهُمْ لَهَا الرُّجُوعَ إذَا كَانَ أَبُوهُمْ حَيًّا , وَإِبَاحَتُهُمْ الرُّجُوعَ فِيمَا وَهَبَ لِيَتِيمٍ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ , وَتَفْرِيقِهِمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حُكْمِ الْوَالِدِ فِي ذَلِكَ , ثُمَّ تَخْصِيصُهُمْ إذَا تَزَوَّجَ الْوَلَدُ أَوْ الأَبْنَةُ عَلَى تِلْكَ الْهِبَةِ بِالْمَنْعِ مِنْ الرُّجُوعِ.
وَكَذَلِكَ أَقْوَالُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا , إذْ رَأَى الإِسْلاَمَ بَعْدَ الْكُفْرِ خَيْرًا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ , وَلَمْ يَرَ تَعَلُّمَ الْقُرْآنِ خَيْرًا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ. وَإِذَا رَأَى أَدَاءَ دَيْنِ الْعَبْدِ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ , وَلَمْ يَرَ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ تَمْنَعُ الرُّجُوعَ وَإِذَا لَمْ يَرَ الرُّجُوعَ إِلاَّ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ هَذَا عَجَبٌ جِدًّا , وَلَئِنْ كَانَ الرُّجُوعُ حَقًّا فَمَا بَالُهُ لاَ يَجُوزُ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْحَاكِمِ , وَلَئِنْ كَانَ غَيْرَ حَقٍّ فَمِنْ أَيْنَ جَازَ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ
وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا احْتِجَاجُهُمْ فِي إبْطَالِ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ مِنْ رُجُوعِ بَائِعِ السِّلْعَةِ فِيهَا إذَا وَجَدَهَا بِعَيْنِهَا عِنْدَ مُفْلِسٍ , فَإِنَّهُ لاَ يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي لَهَا مَلَكَهَا أَوْ لَمْ يَمْلِكْهَا , فَإِنْ كَانَ لَمْ يَمْلِكْهَا فَبِأَيِّ شَيْءٍ صَارَتْ عِنْدَهُ , وَفِي جُمْلَةِ مَالِهِ , وَإِنْ كَانَ مَلَكَهَا فَلاَ سَبِيلَ لِلْبَائِعِ عَلَى مَالِهِ فَهَاهُنَا كَانَ هَذَا الأَعْتِرَاضُ صَحِيحًا لاَ هُنَاكَ
وَهَا هُنَا لاَ يَخْلُو الْمَوْهُوبُ لَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَلَكَ مَا وَهَبَ لَهُ أَمْ لَمْ يَمْلِكْهُ , فَإِنْ كَانَ لَمْ يَمْلِكْهُ فَبِأَيِّ شَيْءٍ حَلَّ لَهُ الْوَطْءُ وَالأَكْلُ , وَالْبَيْعُ , وَالتَّصَرُّفُ , وَبِأَيِّ شَيْءٍ وَرِثْث عَنْهُ إنْ مَاتَ , وَإِنْ كَانَ قَدْ مَلَكَهُ , فَلاَ سَبِيلَ لِلْوَاهِبِ عَلَى مَالِهِ.
قال أبو محمد رحمه الله : احْتَجَّ مَنْ رَأَى الرُّجُوعَ فِي هِبَةِ الثَّوَابِ مَا لَمْ يَثِبْ مِنْهَا أَوْ لَمْ يَرْضَ مِنْهَا : بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عُمَرَ قَالَ : مَنْ وَهَبَ هِبَةً فَلَمْ يُثَبْ مِنْهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا إِلاَّ لِذِي رَحِمٍ. وَمِنْ طَرِيق سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ ، عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِذِي رَحِمٍ فَهُوَ جَائِزٌ , وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً لِغَيْرِ ذِي رَحِمٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يُثَبْ عَلَيْهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ ، هُوَ ابْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيِّ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ عُمَرُ : الرَّجُلُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُرْضَ مِنْهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ : أَوَّلُ مَنْ رَدَّ الْهِبَةَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ , وَأَوَّلُ مَنْ سَأَلَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّ غَرِيمَهُ مَاتَ وَدَيْنُهُ عَلَيْهِ عُثْمَانُ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ ، عَنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ ابْنُ أَبْزَى ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : الرَّجُلُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ عَلِيٍّ ، أَنَّهُ قَالَ : الْمَوَاهِبُ ثَلاَثَةٌ : مَوْهِبَةٌ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى , وَمَوْهِبَةٌ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ النَّاسِ , وَمَوْهِبَةٌ يُرَادُ بِهَا الثَّوَابُ فَمَوْهِبَةُ الثَّوَابِ يَرْجِعُ فِيهَا صَاحِبُهَا إذَا لَمْ يُثَبْ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : هُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يُرْضَ مِنْهَا يَعْنِي الْهِبَةَ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ فَأَتَاهُ رَجُلاَنِ يَخْتَصِمَانِ إلَيْهِ فِي بَازٍ , فَقَالَ أَحَدُهُمَا : وَهَبْتُ لَهُ بَازِي رَجَاءَ أَنْ يُثِيبَنِي فَأَخَذَ بَازِي وَلَمْ يُثِبْنِي فَقَالَ الآخَرُ : وَهَبَ لِي بَازِيَهُ مَا سَأَلْتُهُ ، وَلاَ تَعَرَّضْت لَهُ , فَقَالَ فَضَالَةُ : رُدَّ عَلَيْهِ بَازِيَهُ أَوْ أَثِبْهُ مِنْهُ , فَإِنَّمَا يَرْجِعُ فِي الْمَوَاهِبِ النِّسَاءُ وَشِرَارُ الأَقْوَامِ.
وَرُوِيَ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : الْمَوَاهِبُ ثَلاَثَةٌ : رَجُلٌ وَهَبَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْتَوْهَبَ , فَهِيَ كَسَبِيلِ الصَّدَقَةِ , فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي صَدَقَتِهِ , وَرَجُلٌ اُسْتُوْهِبَ فَوَهَبَ فَلَهُ الثَّوَابُ , فَإِنْ قَبِلَ عَلَى مَوْهِبَتِهِ ثَوَابًا فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ ذَلِكَ , وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ , وَرَجُلٌ وَهَبَ وَاشْتَرَطَ الثَّوَابَ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَى صَاحِبِهَا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ. فَهَؤُلاَءِ : عُمَرُ , وَعُثْمَانُ , وَعَلِيٌّ , وَابْنُ عُمَرَ , وَفَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ , وَأَبُو الدَّرْدَاءِ , مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، لاَ مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْهُمْ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَنْ وَهَبَ هِبَةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ حَتَّى يُثَابَ مِنْهَا مَا يَرْضَى , فَإِنْ نَمَتْ عِنْدَ مَنْ وُهِبَتْ لَهُ فَلَيْسَ لِمَنْ وَهَبَهَا إِلاَّ هِيَ بِعَيْنِهَا لَيْسَ لَهُ مِنْ النَّمَاءِ شَيْءٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ يُحَدِّثُ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَتَبَ أَيُّمَا رَجُلٍ وَهَبَ هِبَةً لَمْ يُثَبْ عَلَيْهَا فَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ , فَإِنْ أَدْرَكَهَا بِعَيْنِهَا عِنْدَ مَنْ وَهَبَهَا لَهُ لَمْ يُتْلِفْهَا أَوْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ فَلْيَرْجِعْ فِيهَا عَلاَنِيَةً غَيْرَ سِرٍّ , ثُمَّ تُرَدُّ عَلَيْهِ , إِلاَّ أَنْ يَكُونَ وَهَبَ شَيْئًا مُثْبَتًا فَحَسُنَ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ , فَلْيَقْضِ لَهُ بِشَرْوَاهُ يَوْمَ وَهَبَهَا لَهُ , إِلاَّ مَنْ وَهَبَ لِذِي رَحِمٍ , فَإِنَّهُ لاَ يَرْجِعُ فِيهَا , أَوْ الزَّوْجَيْنِ , أَيُّهُمَا أَعْطَى صَاحِبَهُ شَيْئًا طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ , فَلاَ رَجْعَةَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا.وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ وَيُونُسُ , وَابْنُ عَوْنٍ , كُلُّهُمْ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ : مَنْ أَعْطَى فِي صِلَةٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَجَزْنَا عَطِيَّتَهُ , وَالْجَانِبُ الْمُسْتَغْزِرُ يُثَابُ عَلَى هِبَتِهِ أَوْ تُرَدُّ عَلَيْهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِغَيْرِ ذِي رَحِمٍ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يُثِبْهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِذِي رَحِمٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ , وَمَنْ وَهَبَ لِغَيْرِ ذِي رَحِمٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ , فَإِنْ أُثِيبَ مِنْهَا قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ وَقَدْ رُوِّينَاهُ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ : فَرَضِيَ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ
وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ , وَرَبِيعَةَ , وَغَيْرِهِمْ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا الْمُغِيرَةُ ، عَنِ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ : أَنَّ رَجُلاً تَصَدَّقَ عَلَى أُمِّهِ بِخَادِمٍ لَهُ وَتَزَوَّجَ فَسَاقَ الْخَادِمَ إلَى امْرَأَتِهِ فَقَبَضَتْهَا امْرَأَتُهُ فَخَاصَمَتْهَا الأُُمُّ إلَى شُرَيْحٍ فَقَالَ لَهَا شُرَيْحٌ : إنَّ ابْنَك لَمْ يَهَبْك صَدَقَتَهُ وَأَجَازَهَا لِلْمَرْأَةِ ; لأََنَّ الأُُمَّ لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْهَا. قَالُوا : فَهَؤُلاَءِ طَائِفَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ , وَجُمْهُورُ التَّابِعِينَ. وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْمَهْرِيُّ أَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ حَدَّثَهُ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : مَثَلُ الَّذِي اسْتَرَدَّ مَا وَهَبَ كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَقِيءُ فَيَأْكُلُ قَيْئَهُ. فَإِذَا اسْتَرَدَّ الْوَاهِبُ فَلْيُوقَفْ فَلْيُعَرَّفْ مَا اسْتَرَدَّ ثُمَّ لِيُدْفَعْ إلَيْهِ مَا وَهَبَ ; وَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : الرَّجُلُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيِّ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ هَانِئٍ أَخْبَرَنِي أَبُو حُذَيْفَةَ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشِيرٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَلْقَمَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إنَّ الصَّدَقَةَ يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَإِنَّ الْهَدِيَّةَ يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ الرَّسُولِ وَقَضَاءُ الْحَاجَةِ. قَالُوا : فَعَلَى هَذَا لَهُ مَا ابْتَغَى إذْ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : وَهَبَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هِبَةً فَأَثَابَهُ فَلَمْ يَرْضَ فَزَادَهُ فَلَمْ يَرْضَ , فَقَالَ عليه السلام : لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لاَ أَقْبَلَ هِبَةً. وَرُبَّمَا قَالَ مَعْمَرٌ أَنْ لاَ أَتَّهِبَ إِلاَّ مِنْ قُرَشِيٍّ أَوْ أَنْصَارِيٍّ أَوْ ثَقَفِيٍّ أَوْ دَوْسِيٍّ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا.
فأما حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا الأَدْنَى وَهُوَ أَحْسَنُهَا إسْنَادًا فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لأََنَّنَا لَمْ نُنْكِرْ إثَابَةَ الْمَوْهُوبِ , بَلْ هُوَ فِعْلٌ حَسَنٌ , وَإِنَّمَا أَنْكَرْنَا وُجُوبَهُ إذْ لَمْ يُوجِبْهُ نَصُّ قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ ، وَلاَ أَنْكَرْنَا أَنْ يُوجِبَ فِي النَّاسِ الطَّمَعَ الَّذِي لاَ يُقْنِعُهُ تَطَوُّعُ مَنْ لاَ شَيْءَ لَهُ عِنْدَهُ. وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مِمَّا أَنْكَرْنَا مَعْنًى ، وَلاَ إشَارَةً , وَإِنَّمَا فِيهِ مَا لاَ نُنْكِرُهُ مِمَّا ذَكَرْنَا , وَأَنَّهُ عليه السلام هَمَّ أَنْ لاَ يَقْبَلَ هِبَةً إِلاَّ مِمَّنْ ذَكَرَ وَلَوْ أَنْفَذَ ذَلِكَ لَكَانَ مُبَاحًا فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ وَلَيْسَ مِنْ الْمَحْذُورِ عَلَيْهِ خِلاَفُهُ , فَيَلْزَمُ الْقَوْلُ بِمَا هَمَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ إذْ لَيْسَ فِيهِ إجَازَةُ هِبَةِ الثَّوَابِ , وَلاَ أَنَّ تِلْكَ الْهِبَةَ اُشْتُرِطَ فِيهَا الثَّوَابُ ، وَلاَ فِيهِ إجَازَةُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ أَصْلاً. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي خَبَرِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَلْقَمَةَ : فَوَجَدْنَاهُ لاَ خَيْرَ فِيهِ , فِيهِ : أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ , وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَشِيرٍ , وَكِلاَهُمَا ضَعِيفٌ , وَلاَ يُعْرَفُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ سَمَاعٌ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَلْقَمَةَ. وَفِيهِ أَيْضًا : أَبُو حُذَيْفَةَ , فَإِنْ كَانَ إِسْحَاقُ بْنُ بَشِيرٍ النَّجَّارِيُّ فَهُوَ هَالِكٌ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَهُوَ مَجْهُولٌ فَسَقَطَ جُمْلَةً , وَلَمْ يَحِلَّ الأَحْتِجَاجُ بِهِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ أَصْلاً ; لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ لِهِبَةِ الثَّوَابِ أَصْلاً ، وَلاَ لِلرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ , وَإِنَّمَا فِيهِ : أَنَّ الْهَدِيَّةَ يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ الرَّسُولِ وَقَضَاءُ الْحَاجَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ " لَهُ مَا ابْتَغَى " فَجُنُونٌ , نَاهِيكَ بِهِ ; لأََنَّ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُ ابْتَغَى قَضَاءَ حَاجَتِهِ , وَمَنْ لَهُ بِذَلِكَ وَقَدْ تُقْضَى ، وَلاَ تُقْضَى , لَيْسَ لِلْمَرْءِ مَا نَوَى فِي الدُّنْيَا : إنَّمَا هَذَا مِنْ أَحْكَامِ الآخِرَةِ فِي الْجَزَاءِ فَقَطْ.
ثم نقول : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ صَانَ نَبِيَّهُ عليه السلام ، عَنْ أَنْ يُصَوِّبَ أَنْ يُجِيزَ أَكْلَ هَدِيَّةٍ لَمْ يَبْتَغِ بِهَا مُهْدِيهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى , وَإِنَّمَا قَصَدَ قَضَاءَ حَاجَتِهِ فَقَطْ وَوَجْهَ الرَّسُولِ , وَهَذِهِ هِيَ الرِّشْوَةُ الْمَلْعُونُ قَابِلُهَا وَمُعْطِيهَا فِي الْبَاطِلِ , فَلاَحَ مَعَ تَعَرِّي هَذَا الْخَبَرِ ، عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ , مَعَ أَنَّهُ خَبَرُ سُوءٍ مَوْضُوعٌ بِلاَ شَكٍّ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي بَدَأْنَا فِيهِ : فَوَجَدْنَاهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمِّعٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. الثَّانِي أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ لَيْسَ لَهُ سَمَاعٌ أَصْلاً مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , وَلاَ أَدْرَكَهُ بِعَقْلِهِ أَصْلاً , وَأَعَلَّا مَنْ عِنْدَهُ مَنْ كَانَ بَعْدَ السَّبْعِينَ , كَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ , وَجَابِرٍ , وَمَاتَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَبْلَ السِّتِّينَ , فَسَقَطَ جُمْلَةً. ثُمَّ إنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَمُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ ; لأََنَّ نَصَّهُ الرَّجُلُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا فَلَمْ يَخُصَّ ذَا رَحِمٍ مِنْ غَيْرِهِ , وَلاَ هِبَةً اُشْتُرِطَ فِيهَا الثَّوَابُ مِنْ غَيْرِهَا , وَلاَ ثَوَابًا قَلِيلاً مِنْ كَثِيرٍ وَهَذَا كُلُّهُ خِلاَفُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ. فَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ حَقًّا فَقَدْ خَالَفُوا الْحَقَّ بِإِقْرَارِهِمْ , وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا , وَإِنْ كَانَ بَاطِلاً فَلاَ حُجَّةَ فِي الْبَاطِلِ , وَهُمْ يَرُدُّونَ السُّنَنَ الثَّابِتَةَ بِدَعْوَاهُمْ الْكَاذِبَةَ أَنَّهَا خِلاَفُ الْقُرْآنِ وَالأُُصُولِ , وَكُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ هَاهُنَا فَخِلاَفُ الْقُرْآنِ , وَالأُُصُولِ.
وَأَمَّا خَبَرُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو : فَصَحِيفَةٌ مُنْقَطِعَةٌ , وَلاَ حُجَّةَ فِيهَا , ثُمَّ هُوَ ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ , وَمُخَالِفًا لِقَوْلِهِمْ ; لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَخْصِيصُ ذِي رَحِمٍ مِنْ غَيْرِهِ , وَلاَ زَوْجٍ لِزَوْجَةٍ ، وَلاَ أَدَايَنَ عَلَيْهَا أَوْ لَمْ يُدَايِنْ , وَلاَ شَيْءٍ مِمَّا خَصَّهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ , وَلاَ هِبَةَ ثَوَابٍ مِنْ غَيْرِهَا , بَلْ أَطْلَقَ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ هِبَةٍ , فَمَنْ خَصَّهَا فَقَدْ كَذَبَ بِإِقْرَارِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَوَّلَهُ مَا لَمْ يَقُلْهُ ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ خَالَفَ حَدِيثًا بِأَسْرِهِ وَمَنْ خَالَفَ بَعْضَهُ وَأَقَرَّ بِبَعْضِهِ , لاَ سِيَّمَا مِثْلُهُمْ وَمِثْلُنَا , فَإِنَّهُمْ يُخَالِفُونَ مَا يُقِرُّونَ بِأَنَّهُ حَقٌّ , وَأَنَّهُ حُجَّةٌ لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهَا , فَاعْتَرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالدَّمَارِ وَالْبَوَارِ ,
وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ نُخَالِفُ إِلاَّ مَا لاَ يَصِحُّ , كَاَلَّذِي يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ذِي عَقْلٍ , وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ أَنْ نُخَالِفَ خَبَرًا نُصَحِّحُهُ إِلاَّ بِنَسْخٍ بِنَصٍّ آخَرَ , أَوْ بِتَخْصِيصٍ بِنَصٍّ آخَرَ. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ قَوْلِهِمْ بِلاَ حَيَاءٍ : إنَّ الْمَنْصُوصَ فِي خَبَرِ الشُّفْعَةِ مِنْ أَنَّ إذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذْ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ الرَّاوِي , فَهَلاَّ قَالُوا هَاهُنَا فِي هَذِهِ الْمُنَاقَضَةِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمَكْذُوبِ بِلاَ شَكٍّ : مِنْ أَنَّهُ يُوقَفُ ثُمَّ يُرَدُّ عَلَيْهِ مَا اسْتَرَدَّ , لَيْسَ مِنْ كَلاَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذْ مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلاَمِ الرَّاوِي , بِلاَ شَكٍّ فِي هَذَا لَوْ صَحَّ إسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ , إذْ مِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُخْبِرَ عليه السلام أَنَّ مُسْتَرِدَّ الْهِبَةِ كَالْكَلْبِ فِي أَقْبَحِ أَحْوَالِهِ مِنْ أَكْلِ قَيْئِهِ , وَاَلَّذِي ضَرَبَ اللَّه تَعَالَى بِهِ الْمَثَلَ لِلْكَافِرِ فَقَالَ تَعَالَى مَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ثُمَّ يَنْفُذُ عليه السلام الْحُكْمُ بِمَا هَذِهِ صِفَتُهُ , حَاشَا لِلَّهِ مِنْ ذَلِكَ. بَلْ لَوْ احْتَجَّ عَلَيْهِمْ مُحْتَجٌّ بِهَذَا الْخَبَرِ لَكَانَ أَقْوَى تَشْغِيبًا ; لأََنَّ ظَاهِرَهُ : أَنَّ الْوَاهِبَ إذَا اسْتَرَدَّ مَا وَهَبَ وُقِفَ وَعُرِفَ مَا اسْتَرَدَّ , ثُمَّ لِيُدْفَعْ إلَيْهِ مَا وَهَبَ , فَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يُوقَفَ عَلَى مَا اسْتَرَدَّ ثُمَّ يَدْفَعُ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ , وَلاَ يُتْرَكُ عِنْدَ الْمُسْتَرِدِّ , وَاحْتِمَالٌ بِاحْتِمَالٍ , وَدَعْوَى بِدَعْوَى. وَالْعَجَبُ مِنْ قِلَّةِ الْحَيَاءِ فِي احْتِجَاجِهِمْ بِهَذَا الْخَبَرِ وَهُوَ عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ كَمَا بَيَّنَّا , وَصَارَتْ رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ هَاهُنَا ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ حُجَّةً , وَهُمْ يَرُدُّونَ الرِّوَايَةَ الَّتِي لَيْسَتْ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ أَحْسَنَ مِنْهَا : كَرِوَايَتِنَا ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ , وَحَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ , كِلاَهُمَا ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : : لاَ يَجُوزُ لأَمْرَأَةٍ أَمْرٌ فِي مَالِهَا إذَا مَلَكَ زَوْجُهَا عِصْمَتَهَا. وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُد نَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ نَا مَرْوَانُ ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ نَا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ نَا الْعَلاَءُ بْنُ الْحَارِثِ نَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ , قَالَ : قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْعَيْنِ السَّادَّةِ لِمَكَانِهَا بِثُلُثِ الدِّيَةِ. وَغَيْرُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا لَمْ يَرُدُّوهُ إِلاَّ بِأَنَّهُ صَحِيفَةٌ , فَأَيُّ دِينٍ يَبْقَى مَعَ هَذَا , أَوْ أَيُّ عَمَلٍ يَرْتَفِعُ مَعَهُ , وَهَذَا هُوَ التَّلْبِيسُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى جِهَارًا نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ , فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلَّقٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَخْبَارِ.
وَأَمَّا مَا تَعَلَّقُوا بِهِ ، عَنِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، فَكُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ إذْ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ. ثُمَّ لَوْ كَانَ حُجَّةً فَهُوَ كُلُّهُ عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ : أَوَّلُ ذَلِكَ : حَدِيثُ عُمَرَ رضي الله عنه هُوَ صَحِيحٌ عَنْهُ مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِغَيْرٍ ذِي رَحِمٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا أَوْ لَمْ يَرْضَى مِنْهَا فَلَمْ يَخُصَّ رَحِمًا مَحْرَمَةً مِنْ غَيْرِ مَحْرَمَةٍ وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِ الْحَنَفِيِّينَ ، وَلاَ خَصَّ مَا وَهَبَهُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلآخَرِ كَمَا خَصُّوا , بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْهُ : أَنَّ لَهَا الرُّجُوعَ فِيمَا وَهَبَتْ لِزَوْجِهَا , كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ خَالَفُوا عُمَرَ , وَهُمْ يَحْتَجُّونَ بِهِ فِي أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ , أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ ، عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا. يَا لِلْمُسْلِمِينَ إنْ كَانَ قَوْلُ عُمَرَ رضي الله عنه لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ , فَكَيْفَ اسْتَحَلُّوا خِلاَفَهُ , وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَلِمَا يُمَوِّهُونَ بِهِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى , وَيَصُدُّونَ ، عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو جَنَابٍ هُوَ يَحْيَى بْنِ أَبِي حَيَّةَ ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ ، عَنْ شُرَيْحٍ الْقَاضِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا : تَرْجِعُ فِيمَا أَعْطَتْهُ ، وَلاَ يَرْجِعُ فِيمَا أَعْطَاهَا. وَمِنْ طَرِيق ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : أَنَّ النِّسَاءَ يُعْطِينَ أَزْوَاجَهُنَّ رَغْبَةً وَرَهْبَةً فَأَيُّمَا امْرَأَةٍ أَعْطَتْ زَوْجَهَا شَيْئًا فَأَرَادَتْ أَنْ تَعْتَصِرَهُ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ , وَصَحَّ الْقَضَاءُ بِهَا ، عَنْ شُرَيْحٍ , وَالشَّعْبِيِّ , وَمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ , حَتَّى أَنَّ شُرَيْحًا قَضَى لَهَا بِالرُّجُوعِ فِيمَا وَهَبَتْ. لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ.
رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ شَيْبَةَ ، عَنْ غَيْلاَنَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنْ شُرَيْحٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : مَا أَدْرَكْتُ الْقُضَاةُ إِلاَّ يُقِيلُونَ الْمَرْأَةَ فِيمَا وَهَبَتْ لِزَوْجِهَا , وَلاَ يُقِيلُونَ الزَّوْج فِيمَا وَهَبَ لأَمْرَأَتِهِ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِعُمَرَ وَصَارَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ , وَلاَحَ أَنَّ قَوْلَهُمْ خِلاَفُ قَوْلِهِ.
وَأَمَّا خَبَرُ عُثْمَانَ فَبَيَّنَ فِيهِ أَنَّهُ رَأْيٌ مُحْدَثٌ ; لأََنَّ فِي نَصِّهِ " أَنَّ أَوَّلَ مَنْ رَدَّ الْهِبَةَ عُثْمَانَ " وَمَا كَانَ هَذَا سَبِيلُهُ فَلاَ حُجَّةَ فِيهِ. ثُمَّ هُوَ أَيْضًا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ ; لأََنَّ فِيهِ رَدَّ الْهِبَةِ جُمْلَةً بِلاَ تَخْصِيصِ ذِي رَحِمٍ ، وَلاَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلآخَرِ فَصَارُوا مُخَالِفِينَ لَهُ وَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ.
وَأَمَّا خَبَرُ عَلِيٍّ فَبَاطِلٌ ; لأََنَّ أَحَدَ طَرِيقَيْهِ فِيهَا جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ , وَفِي الآخَرِ ابْنُ لَهِيعَةَ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانُوا مُخَالِفِينَ لَهُ ; لأََنَّ فِي أَحَدِهِمَا الرَّجُلُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا دُونَ تَخْصِيصِ ذِي رَحِمٍ مِنْ غَيْرِهِ , وَلاَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلآخَرِ وَهُمْ مُخَالِفُونَ لِهَذَا , وَفِي الأُُخْرَى أَيْضًا كَذَلِكَ فِي هِبَةِ الثَّوَابِ جُمْلَةً فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِكُلِّ ذَلِكَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَصَحِيحٌ عَنْهُ , وَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الرِّوَايَةِ ، عَنْ عُثْمَانَ مِنْ أَنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوهُ ; لأََنَّ فِيهِ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا مَا لَمْ يُثَبْ وَلَيْسَ فِيهِ تَخْصِيصُ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ مِنْ غَيْرِهَا , وَلاَ تَخْصِيصُ مَا وَهَبَهُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلآخَرِ فَعَادَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ.
وَأَمَّا خَبَرُ فَضَالَةَ فَكَذَلِكَ أَيْضًا وَهُوَ ضَعِيفٌ ; لأََنَّهُ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ ; لأََنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَا رَحِمٍ مِنْ غَيْرِهِ , وَلاَ تَخْصِيصُ مَا وَهَبَهُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلآخَرِ , وَظَاهِرُ إبْطَالِ هِبَةِ الثَّوَابِ , فَعَلَى كُلِّ حَالٍ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ لاَ لَهُمْ ; لأََنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوهُ.
وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَكُلُّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ. فَعَادَتْ الأَخْبَارُ كُلُّهَا خِلاَفًا لَهُمْ , فَإِنْ كَانَتْ إجْمَاعًا فَقَدْ خَالَفُوا الإِجْمَاعَ وَإِنْ كَانَتْ حُجَّةَ حَقٍّ لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهَا فَقَدْ خَالَفُوا حُجَّةَ الْحَقِّ الَّتِي لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهَا , وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حُجَّةً ، وَلاَ إجْمَاعًا فَالإِيهَامُ بِإِيرَادِهَا لاَ يَجُوزُ. وَقَدْ
رُوِّينَا خِلاَفَ ذَلِكَ ، عَنِ الصَّحَابَةِ :
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَضَاءِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ بِالْيَمَنِ بَيْنَ أَهْلِهَا قَضَى أَنَّهُ أَيُّمَا رَجُلٍ وَهَبَ أَرْضًا عَلَى أَنَّكَ تَسْمَعُ وَتُطِيعُ فَسَمِعَ لَهُ وَأَطَاعَ , فَهِيَ لِلْمَوْهُوبَةِ لَهُ , وَأَيُّمَا رَجُلٍ وَهَبَ كَذَا وَكَذَا إلَى أَجَلٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ , فَهُوَ لِلْوَاهِبِ إذَا جَاءَ الأَجَلُ , وَأَيُّمَا رَجُلٍ وَهَبَ أَرْضًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ فَهِيَ لِلْمَوْهُوبَةِ لَهُ.
وبه إلى عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ : كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ : لاَ يُعَادُ فِي الْهِبَةِ.
وبه إلى مَعْمَرٍ ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : لاَ يَعُودُ الرَّجُلُ فِي الْهِبَةِ. فَهَذَا مُعَاذٌ , وَالْحَسَنُ , وطَاوُوس يَقُولُونَ بِقَوْلِنَا سَوَاءً سَوَاءً. وَقَالُوا : إنَّمَا خَصَصْنَا ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمَةِ لأََنَّ الْهِبَةَ لَهُمْ مَجْرَى الصَّدَقَةِ وَبَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : إنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَنْفَقَ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةً يَحْتَسِبُهَا فَهِيَ لَهُ صَدَقَةٌ قَالُوا :
وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ لاَ يَرْجِعُ فِي الصَّدَقَةِ.
قَالَ عَلِيٌّ :
فَقُلْنَا لَهُمْ : وَالْهِبَةُ لِغَيْرِ ذِي الرَّحِمِ وَلِغَيْرِ الزَّوْجَةِ أَيْضًا صَدَقَةٌ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : وَلاَ تَنْسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ ، عَنْ رِبْعِيٍّ بْنِ حِرَاشٍ ، عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ فَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ.
فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ هِبَةٍ لِمُسْلِمٍ فَهِيَ صَدَقَةٌ , فَإِذْ قَدْ صَحَّ إجْمَاعٌ عِنْدَهُمْ عَلَى أَنْ لاَ رُجُوعَ فِي الصَّدَقَةِ , فَهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ , فَهَلاَّ قَاسُوا الْهِبَةَ عَلَى الصَّدَقَةِ فَهِيَ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِهَا وَلَكِنَّهُمْ لاَ يُحْسِنُونَ قِيَاسًا ، وَلاَ يَتَّبِعُونَ نَصًّا.
قال أبو محمد رحمه الله : فَإِذْ قَدْ بَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ فَالْحُجَّةُ لِقَوْلِنَا هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ , فَهَذَا مَوْضِعُ الأَحْتِجَاجِ بِهَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ لاَ حَيْثُ احْتَجُّوا بِهِمَا حَيْثُ بَيَّنَتْ السُّنَّةُ أَنَّهُ لاَ مَدْخَلَ لَهُ فِيهِمَا وَنَسُوا احْتِجَاجَهُمْ بِالْمُسْلِمِينَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ.
وَأَيْضًا
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ وَشُعْبَةُ , قَالاَ جَمِيعًا ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ الَّذِي يَعُودُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ نَا الْحُسَيْنُ الْمُعَلِّمُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ طَاوُوس ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَابْنِ عُمَرَ , قَالاَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ يُعْطِي الْعَطِيَّةَ فَيَرْجِعُ فِيهَا إِلاَّ الْوَالِدُ يُعْطِيَ وَلَدَهُ , وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ فَيَرْجِعُ فِيهَا كَالْكَلْبِ , أَكَلَ حَتَّى إذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فَرَجَعَ فِي قَيْئِهِ. فَهَذِهِ الآثَارُ الثَّابِتَةُ الَّتِي لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهَا , وَلاَ الْخُرُوجُ عَنْهَا
وَمِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : مَثَلُ الَّذِي يَعُودُ فِي صَدَقَتِهِ مَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ.
قال أبو محمد رحمه الله : الْحُكْمُ فِي الْعَائِدِ فِي هِبَتِهِ , وَفِي الْعَائِدِ فِي صَدَقَتِهِ سَوَاءٌ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا مُخْطِئٌ , وَالْعَجَبُ كُلُّهُ قَوْلُهُمْ " إنَّمَا شَبَّهَهُ بِالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ , وَالْكَلْبُ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَرَامًا فَهَذَا مِثْلُهُ " فَهَنِيئًا لَهُمْ هَذَا الْمَثَلُ الَّذِي أَبَاحُوا لأََنْفُسِهِمْ الدُّخُولَ فِيهِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُخْبِرُ أَنَّهُ مَثَلُ السَّوْءِ , فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ , وَالْقَيْءُ عِنْدَهُمْ حَرَامٌ لاَ نَدْرِي بِمَاذَا
وَأَمَّا عِنْدَ غَيْرِهِمْ فَبِهَذَا النَّصِّ. وَأَطَمُّ شَيْءٍ قَوْلُ بَعْضِهِمْ " لاَ يَمْنَعُ كَوْنُهُ حَرَامًا مِنْ جَوَازِهِ " وَهَذَا هَتْكُ الإِسْلاَمِ جِهَارًا. وَمِنْ الْعَجَائِبِ أَيْضًا قَوْلُهُمْ إنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ يُعْطِي الْعَطِيَّةَ فَيَرْجِعُ فِيهَا إِلاَّ الْوَالِدُ يُعْطِي وَلَدَهُ أَنَّهُ عليه السلام أَرَادَ بِذَلِكَ إذَا احْتَاجَ الْوَالِدُ فَيَأْخُذُ نَفَقَتَهُ.
قال أبو محمد رحمه الله : الْكَذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهُمْ سَهْلٌ خَفِيفٌ , وَهَلْ فَهِمَ أَحَدٌ قَطُّ مِنْ هَذَا الْكَلاَمِ هَذَا الْمَعْنَى , وَقَدْ عَلِمَ الْجَمِيعُ أَنَّ الأَبَ إذَا احْتَاجَ لَمْ يَكُنْ حَقُّهُ فِيمَا أَعْطَى وَلَدَهُ دُونَ سَائِرِ مَالِهِ الَّذِي لَمْ يُعْطِهِ إيَّاهُ. وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ.
وَأَمَّا جَعْلُنَا لِلْجَدِّ وَلِلأُُمِّ الرُّجُوعَ فِيمَا أَعْطَيَا لأَبْنِ الأَبْنِ وَلِلأَبْنِ عُمُومًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَا بَنِي آدَمَ.
وَقَالَ تَعَالَى كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ فَجَعَلَ تَعَالَى الْجَدَّ وَالْجَدَّةَ أَبَوَيْنِ , وَالأُُمَّ وَالِدَةً تَقَعُ عَلَى الْجِنْسِ , وَهِيَ فِيهِ اسْمُ الْوَالِدِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِ
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، هُوَ ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَعْتَصِرُ الرَّجُلُ مِنْ وَلَدِهِ مَا أَعْطَاهُ , مَا لَمْ يَمُتْ , أَوْ يَسْتَهْلِك , أَوْ يَقَعُ فِيهِ دَيْنٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي ، حَدَّثَنَا أَبُو ثَابِتٍ الْمَدِينِيُّ ني ابْنُ وَهْبٍ ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ مُوسَى بْنَ سَعْدٍ حَدَّثَهُ أَنَّ سَعْدًا مَوْلَى الزُّبَيْرِ نَحَلَ ابْنَتَهُ جَارِيَةً فَلَمَّا تَزَوَّجَتْ أَرَادَ ارْتِجَاعَهَا فَقَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّ الْوَالِدَ يَعْتَصِرُ مَا دَامَ يَرَى مَالَهُ , مَا لَمْ يَمُتْ صَاحِبُهَا فَتَقَعُ فِي مِيرَاثٍ أَوْ تَكُونُ امْرَأَةً تُنْكَحُ , ثُمَّ تَلاَهُ عُثْمَانُ عَلَى ذَلِكَ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَجُلاً وَهَبَ لأَبْنِهِ نَاقَةً فَرَجَعَ فِيهَا , فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَرَدَّهَا عَلَيْهِ بِعَيْنِهَا , وَجَعَلَ نَمَاهَا لأَبْنِهِ. قَالُوا : فَهَذَا عَمَلُ عُمَرَ , وَعُثْمَانَ , بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،.
قال أبو محمد رحمه الله :وَقَدْ ذَكَرْنَا ، عَنْ عُمَرَ , وَابْنِهِ , بِأَصَحَّ مِنْ هَذَا السَّنَدِ رُجُوعُ الْمَرْءِ فِيمَا وَهَبَ مَا لَمْ يُثَبْ إِلاَّ لِذِي رَحِمٍ. وَعَنْ عُثْمَانَ مِثْلُهُ فَمَا الَّذِي جَعَلَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَوْلَى مِنْ تِلْكَ فَكَيْفَ وَقَدْ خَالَفُوا هَذِهِ أَيْضًا ; لأََنَّهُمْ يَقُولُونَ : إنَّمَا لِلأَبِ الأَرْتِجَاعُ فِي ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ فَقَطْ , وَلَيْسَ هَذَا فِيمَا رُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ , وَعُثْمَانَ , وَيَقُولُونَ : لَيْسَ لِلأَبِ الأَرْتِجَاعُ فِيمَا وَهَبَ ابْنَهُ لِلَّهِ تَعَالَى , وَلَيْسَ هَذَا فِيمَا رُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ , وَعُثْمَانَ , وَحَاشَا لَهُمَا : أَنْ يُجِيزَا هِبَةً لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى , وَإِذَا لَمْ تَكُنْ لِلَّهِ فَهِيَ لِلشَّيْطَانِ. فَحَصَلَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ , لاَ حُجَّةَ لَهُمَا أَصْلاً , وَمُخَالِفًا لِكُلِّ مَا أَظْهَرُوا أَنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِهِ ، عَنِ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ،.(1/159)
ثَوَابُ النَّفَقَةِ الَّتِي يُبْتَغَى بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى
307- 7963 أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : يَا سَعْدُ " إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا ، حَتَّى اللُّقْمَةِ تَجْعَلُهَا فِي فِيِّ امْرَأَتِكَ " (1)
__________
(1) - صحيح البخارى برقم( 56 و 1295 و 2742 و 2744 و3936و 4409 و 5354 و 5659 و 5668 و 6373 و 6733) وصحيح مسلم برقم( 4296)
شرح النووي على مسلم - (ج 6 / ص 16)
3076 - قَوْله فِي حَدِيث سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - : ( عَادَنِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَجَع أَشْفَيْت مِنْهُ عَلَى الْمَوْت )
فِيهِ : اِسْتِحْبَاب عِيَادَة الْمَرِيض ، وَأَنَّهَا مُسْتَحَبَّة لِلْإِمَامِ كَاسْتِحْبَابِهَا لِآحَادِ النَّاس ، وَمَعْنَى ( أَشْفَيْت عَلَى الْمَوْت ) أَيْ : قَارَبْته وَأَشْرَفْت عَلَيْهِ ، يُقَال : أَشْفَى عَلَيْهِ وَأَشَافَ ، قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَقَالَ اِبْن قُتَيْبَة : لَا يُقَال أَشْفَى إِلَّا فِي الشَّرّ ، قَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ : الْوَجَع اِسْم لِكُلِّ مَرَض . وَفِيهِ جَوَاز ذِكْر الْمَرِيض مَا يَجِدهُ لِغَرَضٍ صَحِيح مِنْ مُدَاوَاة أَوْ دُعَاء صَالِح أَوْ وَصِيَّة أَوْ اِسْتِفْتَاء عَنْ حَاله وَنَحْو ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا يُكْرَه مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ عَلَى سَبِيل التَّسَخُّط وَنَحْوه فَإِنَّهُ قَادِح فِي أَجْر مَرَضه .
قَوْله : ( وَأَنَا ذُو مَال )
دَلِيل عَلَى إِبَاحَة جَمْع الْمَال ، لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَة لَا تُسْتَعْمَل فِي الْعُرْف إِلَّا لِمَالٍ كَثِير .
قَوْله : ( وَلَا يَرِثنِي إِلَّا اِبْنَة لِي )
أَيْ : وَلَا يَرِثنِي مِنْ الْوَلَد وَخَوَاصّ الْوَرَثَة ، وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ لَهُ عَصَبَة ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ : لَا يَرِثنِي مِنْ أَصْحَاب الْفُرُوض .
قَوْله : ( أَفَأَتَصَدَّق بِثُلُثَيْ مَالِي ؟ قَالَ : لَا . قُلْت : أَفَأَتَصَدَّق بِشَطْرِهِ . قَالَ : لَا . الثُّلُث وَالثُّلُث كَثِير )
بِالْمُثَلَّثَةِ وَفِي بَعْض بِالْمُوَحَّدَةِ ، وَكِلَاهُمَا صَحِيح ، قَالَ الْقَاضِي : يَجُوز نَصْب الثُّلُث الْأَوَّل وَرَفْعه ، أَمَّا النَّصْب فَعَلَى الْإِغْرَاء أَوْ عَلَى تَقْدِير فِعْل ، أَيْ : أَعْطِ الثُّلُث ، وَأَمَّا الرَّفْع فَعَلَى أَنَّهُ فَاعِل ، أَيْ : يَكْفِيك الثُّلُث ، أَوْ أَنَّهُ مُبْتَدَأ وَحُذِفَ خَبَره ، أَوْ خَبَر مَحْذُوف الْمُبْتَدَأ .
وَفِي هَذَا الْحَدِيث مُرَاعَاة الْعَدْل بَيْن الْوَرَثَة وَالْوَصِيَّة ، قَالَ أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ مِنْ الْعُلَمَاء : إِنْ كَانَتْ الْوَرَثَة أَغْنِيَاء اُسْتُحِبَّ أَنْ يُوصِي بِالثُّلُثِ تَبَرُّعًا ، وَإِنْ كَانُوا فُقَرَاء اُسْتُحِبَّ أَنْ يَنْقُص مِنْ الثُّلُث . وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاء فِي هَذِهِ الْأَعْصَار عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ وَارِث لَا تَنْفُذ وَصِيَّته بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُث إِلَّا بِإِجَازَتِهِ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى نُفُوذهَا فِي جَمِيع الْمَال . وَأَمَّا مَنْ لَا وَارِث لَهُ فَمَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور أَنَّهُ لَا تَصِحّ وَصِيَّته فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُث ، وَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَإِسْحَاق وَأَحْمَد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيّ وَابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا .
وَأَمَّا قَوْله : ( أَفَأَتَصَدَّق بِثُلُثَيْ مَالِي ؟ ) يَحْتَمِل أَنَّهُ أَرَادَ بِالصَّدَقَةِ : الْوَصِيَّة ، وَيَحْتَمِل أَنَّهُ أَرَادَ : الصَّدَقَة الْمُنَجَّزَة ، وَهُمَا عِنْدنَا وَعِنْد الْعُلَمَاء كَافَّة سَوَاء ، لَا يَنْفُذ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُث إِلَّا بِرِضَا الْوَارِث ، وَخَالَفَ أَهْل الظَّاهِر فَقَالُوا : لِلْمَرِيضِ مَرَض الْمَوْت أَنْ يَتَصَدَّق بِكُلِّ مَاله وَيَتَبَرَّع بِهِ كَالصَّحِيحِ ، وَدَلِيل الْجُمْهُور ظَاهِر حَدِيث : ( الثُّلُث كَثِير ) مَعَ حَدِيث : ( الَّذِي أَعْتَقَ سِتَّة أَعْبُد فِي مَرَضه فَأَعْتَقَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَة ) .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّك إِنْ تَذَر وَرَثَتك أَغْنِيَاء خَيْر مِنْ أَنْ تَذَرهُمْ عَالَة يَتَكَفَّفُونَ النَّاس )
الْعَالَة : الْفُقَرَاء . وَيَتَكَفَّفُونَ يَسْأَلُونَ النَّاس فِي أَكُفّهمْ . قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّه - رُوِّينَا قَوْله : ( إِنْ تَذَر وَرَثَتك ) بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَكَسْرهَا ، وَكِلَاهُمَا صَحِيح .
وَفِي هَذَا الْحَدِيث : حَثٌّ عَلَى صِلَة الْأَرْحَام ، وَالْإِحْسَان إِلَى الْأَقَارِب ، وَالشَّفَقَة عَلَى الْوَرَثَة ، وَأَنَّ صِلَة الْقَرِيب الْأَقْرَب وَالْإِحْسَان إِلَيْهِ أَفْضَل مِنْ الْأَبْعَد وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضهمْ عَلَى تَرْجِيح الْغَنِيّ عَلَى الْفَقِير .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَسْت تُنْفِق نَفَقَة تَبْتَغِي بِهَا وَجْه اللَّه تَعَالَى إِلَّا أُجِرْت بِهَا ، حَتَّى اللُّقْمَة تَجْعَلهَا فِي فِي اِمْرَأَتك )
فِيهِ اِسْتِحْبَاب الْإِنْفَاق فِي وُجُوه الْخَيْر . وَفِيهِ : أَنَّ الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا يُثَاب عَلَى عَمَله بِنِيَّتِهِ ، وَفِيهِ أَنَّ الْإِنْفَاق عَلَى الْعِيَال يُثَاب عَلَيْهِ إِذَا قَصَدَ بِهِ وَجْه اللَّه تَعَالَى . وَفِيهِ : أَنَّ الْمُبَاح إِذَا قَصَدَ بِهِ وَجْه اللَّه تَعَالَى صَارَ طَاعَة ، وَيُثَاب عَلَيْهِ ، وَقَدْ نَبَّهَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذَا بِقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( حَتَّى اللُّقْمَة تَجْعَلهَا فِي فِي اِمْرَأَتك ) ؛ لِأَنَّ زَوْجَة الْإِنْسَان هِيَ مِنْ أَخَصّ حُظُوظه الدُّنْيَوِيَّة وَشَهَوَاته وَمَلَاذه الْمُبَاحَة ، وَإِذَا وَضَعَ اللُّقْمَة فِي فِيهَا فَإِنَّمَا يَكُون ذَلِكَ فِي الْعَادَة عِنْد الْمُلَاعَبَة وَالْمُلَاطَفَة وَالتَّلَذُّذ بِالْمُبَاحِ ، فَهَذِهِ الْحَالَة أَبْعَد الْأَشْيَاء عَنْ الطَّاعَة وَأُمُور الْآخِرَة ، وَمَعَ هَذَا فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إِذَا قَصَدَ بِهَذِهِ اللُّقْمَة وَجْه اللَّه تَعَالَى ، حَصَلَ لَهُ الْأَجْر بِذَلِكَ ، فَغَيْر هَذِهِ الْحَالَة أَوْلَى بِحُصُولِ الْأَجْر إِذَا أَرَادَ وَجْه اللَّه تَعَالَى ، وَيَتَضَمَّن ذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَان إِذَا فَعَلَ شَيْئًا أَصْله عَلَى الْإِبَاحَة ، وَقَصَدَ بِهِ وَجْه اللَّه تَعَالَى يُثَاب عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ كَالْأَكْلِ بِنِيَّةِ التَّقَوِّي عَلَى طَاعَة اللَّه تَعَالَى ، وَالنَّوْم لِلِاسْتِرَاحَةِ ؛ لِيَقُومَ إِلَى الْعِبَادَة نَشِيطًا ، وَالِاسْتِمْتَاع بِزَوْجَتِهِ وَجَارِيَته ؛ لِيَكُفّ نَفْسه وَبَصَره وَنَحْوهمَا عَنْ الْحَرَام ؛ وَلِيَقْضِيَ حَقّهَا ؛ لِيُحَصِّل وَلَدًا صَالِحًا ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَفِي بُضْع أَحَدكُمْ صَدَقَة " وَاَللَّه أَعْلَم .
قَوْله : ( قُلْت : يَا رَسُول اللَّه أُخَلَّفُ بَعْد أَصْحَابِي قَالَ : إِنَّك لَنْ تُخَلَّف فَتَعْمَل عَمَلًا تَبْتَغِي بِهِ وَجْه اللَّه تَعَالَى إِلَّا اِزْدَدْت بِهِ دَرَجَة وَرِفْعَة )
فَقَالَ الْقَاضِي : مَعْنَاهُ : أُخَلَّف بِمَكَّة بَعْد أَصْحَابِي ؟ فَقَالَهُ إِمَّا إِشْفَاقًا مِنْ مَوْته بِمَكَّة ؛ لِكَوْنِهِ هَاجَرَ مِنْهَا ، وَتَرَكَهَا لِلَّهِ تَعَالَى ، فَخَشِيَ أَنْ يَقْدَح ذَلِكَ فِي هِجْرَته ، أَوْ فِي ثَوَابه عَلَيْهَا ، أَوْ خَشِيَ بِبَقَائِهِ بِمَكَّة بَعْد اِنْصِرَاف النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه إِلَى الْمَدِينَة وَتَخَلُّفه عَنْهُمْ بِسَبَبِ الْمَرَض ، وَكَانُوا يَكْرَهُونَ الرُّجُوع فِيمَا تَرَكُوهُ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي رِوَايَة أُخْرَى ( أُخَلَّفُ عَنْ هِجْرَتِي ) قَالَ الْقَاضِي : قِيلَ : كَانَ حُكْم الْهِجْرَة بَاقِيًا بَعْد الْفَتْح ؛ لِهَذَا الْحَدِيث ، وَقِيلَ : إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِمَنْ كَانَ هَاجَرَ قَبْل الْفَتْح ، فَأَمَّا مَنْ هَاجَرَ بَعْده فَلَا . وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّك لَنْ تُخَلَّف فَتَعْمَل عَمَلًا ) فَالْمُرَاد بِالتَّخَلُّفِ : طُول الْعُمُر وَالْبَقَاء فِي الْحَيَاة بَعْد جَمَاعَات مِنْ أَصْحَابه . وَفِي هَذَا الْحَدِيث : فَضِيلَة طُول الْعُمْر لِلِازْدِيَادِ مِنْ الْعَمَل الصَّالِح ، وَالْحَثّ عَلَى إِرَادَة وَجْه اللَّه تَعَالَى بِالْأَعْمَالِ . وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَعَلَّك تُخَلَّف حَتَّى يَنْفَع بِك أَقْوَام وَيَضُرّ بِك آخَرُونَ )
وَفِي بَعْض النُّسَخ ( يَنْتَفِع ) بِزِيَادَةِ التَّاء ، وَهَذَا الْحَدِيث مِنْ الْمُعْجِزَات ، فَإِنَّ سَعْدًا - رَضِيَ اللَّه عَنْهُ - عَاشَ حَتَّى فَتَحَ الْعِرَاق وَغَيْره ، وَانْتَفَعَ بِهِ أَقْوَام فِي دِينهمْ وَدُنْيَاهُمْ ، وَتَضَرَّرَ بِهِ الْكُفَّار فِي دِينهمْ وَدُنْيَاهُمْ فَإِنَّهُمْ قُتِلُوا وَصَارُوا إِلَى جَهَنَّم ، وَسُبِيَتْ نِسَاؤُهُمْ وَأَوْلَادهمْ ، وَغُنِمَتْ أَمْوَالهمْ وَدِيَارهمْ ، وَوَلِيَ الْعِرَاق فَاهْتَدَى عَلَى يَدَيْهِ خَلَائِق ، وَتَضَرَّرَ بِهِ خَلَائِق بِإِقَامَتِهِ الْحَقّ فِيهِمْ مِنْ الْكُفَّار وَنَحْوهمْ . قَالَ الْقَاضِي : قِيلَ : لَا يُحْبِط أَجْر هِجْرَة الْمُهَاجِر بَقَاؤُهُ بِمَكَّة وَمَوْته بِهَا إِذَا كَانَ لِضَرُورَةٍ ، وَإِنَّمَا كَانَ يُحْبِطهُ مَا كَانَ بِالِاخْتِيَارِ ، قَالَ : وَقَالَ قَوْم : مَوْت الْمُهَاجِر بِمَكَّة مُحْبِط هِجْرَته كَيْفَمَا كَانَ ، قَالَ : وَقِيلَ : لَمْ تُفْرَض الْهِجْرَة إِلَّا عَلَى أَهْل مَكَّة خَاصَّة .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتهمْ وَلَا تَرُدّهُمْ عَلَى أَعْقَابهمْ )
قَالَ الْقَاضِي : اِسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضهمْ عَلَى أَنَّ بَقَاء الْمُهَاجِر بِمَكَّة كَيْف كَانَ قَادِح فِي هِجْرَته ، قَالَ : وَلَا دَلِيل فِيهِ عِنْدِي ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِل أَنَّهُ دَعَا لَهُمْ دُعَاء عَامًّا ، وَمَعْنَى أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتهمْ : أَيْ أَتْمِمْهَا وَلَا تُبْطِلهَا ، وَلَا تَرُدّهُمْ عَلَى أَعْقَابهمْ بِتَرْكِ هِجْرَتهمْ وَرُجُوعهمْ عَنْ مُسْتَقِيم حَالهمْ الْمَرْضِيَّة .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَكِنْ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَة )
الْبَائِس : هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَثَر الْبُؤْس ، وَهُوَ : الْفَقْر وَالْقِلَّة .
قَوْله : ( يَرْثِي لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ مَاتَ بِمَكَّة )
قَالَ الْعُلَمَاء : هَذَا مِنْ كَلَام الرَّاوِي وَلَيْسَ هُوَ مِنْ كَلَام النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ اِنْتَهَى كَلَامه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : ( لَكِنْ الْبَائِس سَعْد بْن خَوْلَة ) فَقَالَ الرَّاوِي تَفْسِيرًا لِمَعْنَى هَذَا الْكَلَام : أَنَّهُ يَرْثِيه النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَتَوَجَّع لَهُ وَيَرِقّ عَلَيْهِ ؛ لِكَوْنِهِ مَاتَ بِمَكَّة ، وَاخْتَلَفُوا فِي قَائِل هَذَا الْكَلَام مَنْ هُوَ ؟ فَقِيلَ : هُوَ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص ، وَقَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي بَعْض الرِّوَايَات ، قَالَ الْقَاضِي : وَأَكْثَر مَا جَاءَ أَنَّهُ مِنْ كَلَام الزُّهْرِيّ ، قَالَ : وَاخْتَلَفُوا فِي قِصَّة سَعْد بْن خَوْلَة فَقِيلَ : لَمْ يُهَاجِر مِنْ مَكَّة حَتَّى مَاتَ بِهَا . قَالَ عِيسَى بْن دِينَار وَغَيْره : وَذَكَرَ الْبُخَارِيّ أَنَّهُ هَاجَرَ وَشَهِدَ بَدْرًا ثُمَّ اِنْصَرَفَ إِلَى مَكَّة وَمَاتَ بِهَا . وَقَالَ اِبْن هِشَام : إِنَّهُ هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَة الْهِجْرَة الثَّانِيَة ، وَشَهِدَ بَدْرًا وَغَيْرهَا ، وَتُوُفِّيَ بِمَكَّة فِي حَجَّة الْوَدَاع ، سَنَة عَشْر ، وَقِيلَ : تُوُفِّيَ بِهَا سَنَة سَبْع فِي الْهُدْنَة ، خَرَجَ مُجْتَازًا مِنْ الْمَدِينَة ، فَعَلَى هَذَا وَعَلَى قَوْل عِيسَى بْن دِينَار سَبَب بُؤْسه سُقُوط هِجْرَته ؛ لِرُجُوعِهِ مُخْتَارًا ، وَمَوْته بِهَا ، وَعَلَى قَوْل الْآخَرِينَ سَبَب بُؤْسه مَوْته بِمَكَّة عَلَى أَيّ حَال كَانَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِاخْتِيَارِهِ لَمَا فَاتَهُ مِنْ الْأَجْر وَالثَّوَاب الْكَامِل بِالْمَوْتِ فِي دَار هِجْرَته ، وَالْغُرْبَة عَنْ وَطَنه إِلَى هِجْرَة لِلَّهِ تَعَالَى ، قَالَ الْقَاضِي : وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَّفَ مَعَ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص رَجُلًا وَقَالَ لَهُ : إِنْ تُوُفِّيَ بِمَكَّة فَلَا تَدْفِنهُ بِهَا ، وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِم فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى : ( أَنَّهُ كَانَ يَكْرَه أَنْ يَمُوت فِي الْأَرْض الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا ) ، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لِمُسْلِمٍ ( قَالَ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص : خَشِيت أَنْ أَمُوت بِالْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرْت مِنْهَا كَمَا مَاتَ سَعْد بْن خَوْلَة ) ، وَسَعْد بْن خَوْلَة هَذَا : هُوَ زَوْج سُبَيْعَة الْأَسْلَمِيَّة .
وَفِي حَدِيث سَعْد هَذَا : جَوَاز تَخْصِيص عُمُوم الْوَصِيَّة الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن بِالسُّنَّةِ ، وَهُوَ قَوْل جُمْهُور الْأُصُولِيِّينَ ، وَهُوَ الصَّحِيح .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 112 / ص 18)
< 15 > ثَوَابُ الْوَطْءِ الْمَشْرُوعِ : 8 - وَرَدَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ [53] . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ، وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ، أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ" [54] . وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ ذَهَبَ جَمَاهِيرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى ثَوَابِ الرَّجُلِ عَلَى جِمَاعِهِ لِحَلِيلَتِهِ إِذَا قَارَنَتْهُ نِيَّةٌ صَالِحَةٌ كَإِعْفَافِ نَفْسِهِ أَوْ حَلِيلَتِهِ عَنْ إِتْيَانِ مُحَرَّمٍ، أَوْ قَضَاءِ حَقِّهَا مِنْ مُعَاشَرَتِهَا بِالْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بِهِ، أَوْ طَلَبِ وَلَدٍ صَالِحٍ يُوَحِّدُ اللَّهَ تَعَالَى، وَيَقُومُ بِنَشْرِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَيَحْمِي بَيْضَةَ الْإِسْلَامِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَغْرَاضِ الْمَبْرُورَةِ [55] . 9 - أَمَّا إِذَا لَمْ يَنْوِ الْمُجَامِعُ غَيْرَ قَضَاءِ شَهْوَتِهِ وَنَيْلِ لَذَّتِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ثَوَابِ جِمَاعِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لِبَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَإِلَيْهِ مَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ، وَهُوَ أَنَّهُ يُثَابُ وَيُؤْجَرُ فِي جِمَاعِ حَلِيلَتِهِ مُطْلَقًا دُونَ أَنْ يَنْوِيَ شَيْئًا [56] ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ: بِمَا رَوَى أَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ" [57] حَيْثُ دَلَّ ظَاهِرُ إِطْلَاقِهِ عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يُؤْجَرُ فِي جِمَاعِ حَلِيلَتِهِ مُطْلَقًا، إِذْ إِنَّهُ كَمَا يَأْثَمُ فِي الزِّنَا الْمُضَادِّ لِلْوَطْءِ الْحَلَالِ، فَإِنَّهُ يُؤْجَرُ فِي فِعْلِ الْحَلَالِ [58] . وَالثَّانِي: لِجَمَاعَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ - مَالَ إِلَيْهِ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ - وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَنْوِ بِجِمَاعِ حَلِيلَتِهِ إِعْفَافَ نَفْسِهِ أَوْ زَوْجِهِ أَوْ طَلَبَ وَلَدٍ فَلَا أَجْرَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَطْءِ، وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مِنَ التَّصْرِيحِ بِالِاحْتِسَابِ لِنَيْلِ الثَّوَابِ، وَنَصُّهَا: "قُلْتُ: نَأْتِي شَهْوَتَنَا وَنُؤْجَرُ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ جَعَلْتَهُ فِي حَرَامٍ أَكُنْتَ تَأْثَمُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَتَحْتَسِبُونَ بِالشَّرِّ وَلَا تَحْتَسِبُونَ بِالْخَيْرِ؟" [59] . < 16 > وَوَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "لَسْتَ تُنْفِقُ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى اللُّقْمَةَ تَجْعَلُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ" [60] . وَوَرَدَ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِذَا أَنْفَقَ الْمُسْلِمُ نَفَقَةً عَلَى أَهْلِهِ وَهُوَ يَحْتَسِبُهَا، كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً" [61] . فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إِنَّمَا يُؤْجَرُ فِيهَا إِذَا احْتَسَبَهَا [62] . وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْإِنْفَاقِ الْوَاجِبِ مُشْتَرَطًا، فَأَوْلَى فِي الْجِمَاعِ الْمُبَاحِ [63] .(1/160)
308-7964 أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّكَ مَهْمَا أَنْفَقْتَ مِنْ نَفَقَةٍ ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ حَتَّى اللُّقْمَةِ تَرْفَعُهَا إِلَى فِيِّ امْرَأَتِكَ " (1)
__________
(1) - صحيح البخارى برقم( 6733 ) وسنن أبى داود برقم( 2866) وسنن الترمذى برقم( 2262)
عون المعبود - (ج 6 / ص 327)
2480 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( عَنْ أَبِيهِ )
: أَيْ سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص
( مَرِضَ )
: أَيْ سَعْد
( مَرَضًا أَشْفَى فِيهِ )
: وَفِي رِوَايَة الشَّيْخَيْنِ مَرِضْت مَرَضًا أَشْفَيْت عَلَى الْمَوْت . قَالَ النَّوَوِيّ : مَعْنَى أَشْفَيْت عَلَى الْمَوْت أَيْ قَارَبْته وَأَشْرَفْت عَلَيْهِ
( فَعَادَهُ )
: مِنْ الْعِيَادَة إِلَّا اِبْنَتِي أَيْ لَا يَرِثنِي مِنْ الْوَلَد وَخَوَاصّ الْوَرَثَة إِلَّا اِبْنَتِي ، وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ لَهُ عُصْبَة . وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَرِثنِي مِنْ أَصْحَاب الْفُرُوض . قَالَهُ النَّوَوِيّ
( فَبِالشَّطْرِ )
: أَيْ فَأَتَصَدَّق بِالنِّصْفِ
( قَالَ الثُّلُث )
: يَجُوز نَصْبه وَرَفْعه ، أَمَّا النَّصْب فَعَلَى الْإِغْرَاء أَوْ عَلَى تَقْدِير اِفْعَلْ أَيْ اعْط الثُّلُث ، وَأَمَّا الرَّفْع فَعَلَى أَنَّهُ فَاعِل أَيْ يَكْفِيك الثُّلُث . قَالَهُ النَّوَوِيّ
( وَالثُّلُث كَثِير )
: مُبْتَدَأ وَخَبَر . قَالَ الْحَافِظ : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون هَذَا مَسُوقًا لِبَيَانِ الْجَوَاز بِالثُّلُثِ وَأَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَنْقُص عَنْهُ وَلَا يَزِيد عَلَيْهِ وَهُوَ مَا يَبْتَدِرهُ الْفَهْم ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون لِبَيَانِ أَنَّ التَّصَدُّق بِالثُّلُثِ هُوَ الْأَكْمَل أَيْ كَثِير أَجْره ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ كَثِير غَيْر قَلِيل . قَالَ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه : وَهَذَا أَوْلَى مَعَانِيه ، يَعْنِي أَنَّ الْكَثْرَة أَمْر نِسْبِيّ وَعَلَى الْأَوَّل عَوَّلَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا اِنْتَهَى
( إِنَّك )
: اِسْتِئْنَاف تَعْلِيل
( أَنْ تَتْرُك )
: بِفَتْحِ الْهَمْزَة أَيْ تَتْرُك أَوْلَادك أَغْنِيَاء خَيْر ، وَالْجُمْلَة بِأَسْرِهَا خَبَر إِنَّك وَبِكَسْرِهَا عَلَى الشَّرْطِيَّة وَجَزَاء الشَّرْط قَوْله خَيْر عَلَى تَقْدِير فَهُوَ خَيْر وَحَذْف الْفَاء مِنْ الْجَزَاء سَائِغ شَائِع غَيْر مُخْتَصّ بِالضَّرُورَةِ .
قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ
( مِنْ أَنْ تَدَعهُمْ )
: أَيْ تَتْرُكهُمْ
( عَالَة )
: أَيْ فُقَرَاء جَمْع عَائِل
( يَتَكَفَّفُونَ النَّاس )
: أَيْ يَسْأَلُونَهُمْ بِالْأَكُفِّ بِأَنْ يَبْسُطُوهَا لِلسُّؤَالِ
( إِلَّا أُجِرْت )
: بِصِيغَةِ الْمَجْهُول أَيْ بِصَوْتٍ مَأْجُورًا
( فِيهَا )
: وَفِي بَعْض النُّسَخ بِهَا وَالتَّفْسِير لِلنَّفَقَةِ
( حَتَّى اللُّقْمَة )
: بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى نَفَقَة وَيَجُوز الرَّفْع عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأ وَتَدْفَعهَا الْخَبَر قَالَهُ الْحَافِظ . وَجَوَّزَ الْقَسْطَلَّانِيُّ الْجَرّ عَلَى أَنَّ حَتَّى جَارَّة
( إِلَى فِي اِمْرَأَتك )
: أَيْ إِلَى فَمهَا ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُنْفِق لِابْتِغَاءِ رِضَاهُ تَعَالَى يُؤْجَر وَإِنْ كَانَ مَحَلّ الْإِنْفَاق مَحَلّ الشَّهْوَة وَحَظّ النَّفْس لِأَنَّ الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ
( أَتَخَلَّف عَنْ هِجْرَتِي )
: أَيْ أَبْقَى بِسَبَبِ الْمَرَض خَلَفًا بِمَكَّة ، قَالَهُ تَحَسُّرًا وَكَانُوا يَكْرَهُونَ الْمُقَام بِمَكَّة بَعْد مَا هَاجَرُوا مِنْهَا وَتَرَكُوهَا لِلَّهِ
( إِنَّك إِنْ تُخَلَّف بَعْدِي فَتَعْمَل عَمَلًا صَالِحًا إِلَخْ )
: يَعْنِي أَنَّ كَوْنك مُخَلَّفًا لَا يَضُرّك مَعَ الْعَمَل الصَّالِح
( لَعَلَّك إِنْ تُخَلَّف )
: وَفِي بَعْض النُّسَخ لَنْ تُخَلَّف أَيْ بِأَنْ يَطُول عُمْرك
( حَتَّى يَنْتَفِع بِك أَقْوَام )
: أَيْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالْغَنَائِمِ مِمَّا سَيَفْتَحُ اللَّه عَلَى يَدَيْك مِنْ بِلَاد الشِّرْك
( وَيُضَرّ )
: مَبْنِيّ عَلَى الْمَفْعُول
( بِك آخَرُونَ )
: مِنْ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَهْلَكُونَ عَلَى يَدَيْك ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ الَّذِي تَرَجَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَشُفِيَ سَعْد مِنْ ذَلِكَ الْمَرَض وَطَالَ عُمْره حَتَّى اِنْتَفَعَ بِهِ أَقْوَام مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، وَاسْتَضَرَّ بِهِ آخَرُونَ مِنْ الْكُفَّار حَتَّى مَاتَ سَنَة خَمْسِينَ عَلَى الْمَشْهُور وَقِيلَ غَيْر ذَلِكَ
( اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتهمْ )
: أَيْ تَمِّمْهَا لَهُمْ وَلَا تُنْقِصهَا
( لَكِنَّ الْبَائِس سَعْد بْن خَوْلَة )
: الْبَائِس مَنْ أَصَابَهُ بُؤْس أَيْ ضُرّ ، وَهُوَ يَصْلُح لِلذَّمِّ وَالتَّرَحُّم ، قِيلَ إِنَّهُ لَمْ يُهَاجِر مِنْ مَكَّة حَتَّى مَاتَ بِهَا فَهُوَ ذَمّ وَالْأَكْثَر أَنَّهُ هَاجَرَ وَمَاتَ بِهَا فِي حَجَّة الْوَدَاع فَهُوَ تَرَحُّم
( يَرْثِي لَهُ )
: مِنْ رَثَيْت الْمَيِّت مَرْثِيَّة إِذَا عَدَدْت مَحَاسِنه وَرَثَأْت بِالْهَمْزَةِ لُغَة فِيهِ . فَإِنْ قِيلَ نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَرَاثِي كَمَا رَوَاهُ أَحْمَد وَابْن مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم ، فَإِذَا نُهِيَ عَنْهُ كَيْف يَفْعَلهُ ؟ فَالْجَوَاب أَنَّ الْمَرْثِيَّة الْمَنْهِيّ عَنْهَا مَا فِيهِ مَدْح الْمَيِّت وَذِكْر مَحَاسِنه الْبَاعِث عَلَى تَهْيِيج الْحُزْن وَتَجْدِيد اللَّوْعَة أَوْ فِعْلهَا مَعَ الِاجْتِمَاع لَهَا أَوْ عَلَى الْإِكْثَار مِنْهَا دُون مَا عَدَا ذَلِكَ ، وَالْمُرَاد هُنَا تَوَجُّعه عَلَيْهِ السَّلَام وَتَحَزُّنه عَلَى سَعْد لِكَوْنِهِ مَاتَ بِمَكَّة بَعْد الْهِجْرَة مِنْهَا وَلَا مَدْح الْمَيِّت لِتَهْيِيجِ الْحُزْن كَذَا ذَكَرَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ
( أَنْ مَاتَ بِمَكَّة )
: بِفَتْحِ الْهَمْزَة أَيْ لِأَجْلِ مَوْته بِأَرْضٍ هَاجَرَ مِنْهَا وَكَانَ يَكْرَه مَوْته بِهَا فَلَمْ يُعْطَ مَا تَمَنَّى . قَالَ اِبْن بَطَّال : وَأَنَّ قَوْله يَرْثِي لَهُ فَهُوَ مِنْ كَلَام الزُّهْرِيّ تَفْسِير لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّ الْبَائِس إِلَخْ ، أَيْ رَثَى لَهُ حِين مَاتَ بِمَكَّة وَكَانَ يَهْوَى أَنْ يَمُوت بِغَيْرِهَا .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ .
تحفة الأحوذي - (ج 5 / ص 398)
2042 - قَوْلُهُ : ( مَرِضْت عَامَ الْفَتْحِ )
صَوَابُهُ عَامَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ . قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي : اِتَّفَقَ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ إِلَّا اِبْنَ عُيَيْنَةَ فَقَالَ فِي فَتْحِ مَكَّةَ : أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِهِ . وَاتَّفَقَ الْحَافِظُ عَلَى أَنَّهُ وَهَمَ فِيهِ ، قَالَ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقَعَ لَهُ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً عَامَ الْفَتْحِ وَمَرَّةً عَامَ حِجَّةِ الْوَدَاعِ ، فَفِي الْأُولَى لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مِنْ الْأَوْلَادِ أَصْلًا ، وَفِي الثَّانِيَةِ كَانَتْ لَهُ اِبْنَةٌ فَقَطْ اِنْتَهَى
( أَشْفَيْت مِنْهُ )
أَيْ أَشْرَفْت ، يُقَالُ أَشْفَى عَلَى كَذَا أَيْ قَارَبَهُ وَصَارَ عَلَى شَفَاهُ . وَلَا يَكَادُ يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الشَّرِّ
( يَعُودُنِي )
حَالٌ
( وَلَيْسَ يَرِثُنِي )
أَيْ مِنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ
( إِلَّا اِبْنَتِي )
لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ عَصَبَةٌ كَثِيرَةٌ ذَكَرَهُ الْمُظْهِرُ .
قَالَ الطِّيبِيُّ : وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ وَرَثَتَك ، وَلَعَلَّ تَخْصِيصَ الْبِنْتِ بِالذِّكْرِ لِعَجْزِهَا . وَالْمَعْنَى لَيْسَ يَرِثُنِي مِمَّنْ أَخَافُ عَلَيْهِ إِلَّا اِبْنَتِي
( فَأُوصِي )
بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ
( بِمَالِي كُلِّهِ )
أَيْ بِتَصَدُّقِهِ لِلْفُقَرَاءِ
( فَالشَّطْرِ )
بِالْجَرِّ أَيْ فَبِالنِّصْفِ . قَالَ اِبْنُ الْمَلَكِ : يَجُوزُ نَصْبُهُ عَطْفًا عَلَى الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ وَرَفْعُهُ أَيْ فَالشَّطْرُ كَافٍ ، وَجَرُّهُ عَطْفًا عَلَى مَجْرُورِ الْبَاءِ
( قُلْت فَالثُّلُثِ )
بِالْجَرِّ وَجَوَّزَ النَّصْبَ وَالرَّفْعَ عَلَى مَا سَبَقَ
( قَالَ الثُّلُثَ )
بِالنَّصْبِ .
قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : يَجُوزُ نَصْبُ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ وَرَفْعُهُ بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ : أَعْطِ الثُّلُثَ ، وَأَمَّا الرَّفْعُ فَعَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ أَيْ يَكْفِيَك الثُّلُثُ ، أَوْ أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ أَوْ عَكْسُهُ
( وَالثُّلُثُ )
بِالرَّفْعِ لَا غَيْرُ عَلَى الِابْتِدَاءِ خَبَرُهُ
( كَثِيرٌ )
قَالَ السُّيُوطِيُّ : رُوِيَ بِالْمُثَلَّثَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ . قَالَ اِبْنُ الْمَلَكِ : فِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْإِيصَاءَ بِالثُّلُثِ جَائِزٌ لَهُ وَأَنَّ النَّقْصَ مِنْهُ أَوْلَى
( إِنَّك )
اِسْتِئْنَافُ تَعْلِيلٍ
( أَنْ تَذَرَ )
بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَبِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ تَتْرُكَ
( وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ )
أَيْ مُسْتَغْنِينَ عَنْ النَّاسِ
( عَالَةً )
أَيْ فُقَرَاءَ
( يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ )
أَيْ يَسْأَلُونَهُمْ بِالْأَكُفِّ وَمَدِّهَا إِلَيْهِمْ ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ وَرَثَتَهُ كَانُوا فُقَرَاءَ وَهُمْ أَوْلَى بِالْخَيْرِ مِنْ غَيْرِهِمْ .
قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : أَنْ تَذَرَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا رِوَايَتَانِ صَحِيحَتَانِ ، وَفِي الْفَائِقِ ، إِنْ تَذَرُ مَرْفُوعُ الْمَحَلِّ عَلَى الِابْتِدَاءِ أَيْ تَرْكُك أَوْلَادَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ وَالْجُمْلَةُ بِأَسْرِهَا خَبَرُ إِنَّك
( لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً )
مَفْعُولٌ بِهِ أَوْ مُطْلَقٌ
( إِلَّا أُجِرْت فِيهَا )
بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ صِرْت مَأْجُورًا بِسَبَبِ تِلْكَ النَّفَقَةِ
( حَتَّى اللُّقْمَةَ )
بِالنَّصْبِ وَبِالْجَرِّ وَحُكِيَ بِالرَّفْعِ
( تَرْفَعُهَا إِلَى فِي اِمْرَأَتِك )
وَفِي رِوَايَةٍ : حَتَّى مَا تَجْعَلَ فِي فِي اِمْرَأَتِك ، أَيْ فِي فَمِهَا . وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُنْفِقَ لِابْتِغَاءِ رِضَائِهِ تَعَالَى يُؤْجَرُ وَإِنْ كَانَ مَحَلُّ الْإِنْفَاقِ مَحَلَّ الشَّهْوَةِ وَحَظَّ النَّفْسِ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ وَنِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
( أُخَلَّفُ عَنْ هِجْرَتِي )
أَيْ أَبْقَى بِسَبَبِ الْمَرَضِ خَلْفًا بِمَكَّةَ قَالَهُ تَحَسُّرًا وَكَانُوا يَكْرَهُونَ الْمُقَامَ بِمَكَّةَ بَعْدَمَا هَاجَرُوا مِنْهَا وَتَرَكُوهَا لِلَّهِ
( إِنَّك لَنْ تُخَلَّفَ بَعْدِي فَتَعْمَلَ عَمَلًا إِلَخْ )
يَعْنِي أَنَّ كَوْنَك مُخَلَّفًا لَا يَضُرُّك مَعَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ
( لَعَلَّك إِنْ تَخَلَّفَ )
أَيْ بِأَنْ يَطُولَ عُمُرُك
( حَتَّى يَنْتَفِعَ بِك أَقْوَامٌ )
أَيْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالْغَنَائِمِ مِمَّا سَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْك مِنْ بِلَادِ الشِّرْكِ
( وَيُضَرُّ )
مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ
( بِك آخَرُونَ )
مِنْ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَهْلَكُونَ عَلَى يَدَيْك وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ الَّذِي تَرَجَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَشُفِيَ سَعْدٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ وَطَالَ عُمُرُهُ حَتَّى اِنْتَفَعَ بِهِ أَقْوَامٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَاسْتَضَرَّ بِهِ آخَرُونَ مِنْ الْكُفَّارِ حَتَّى مَاتَ سَنَةَ خَمْسِينَ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ . قَالَ النَّوَوِيُّ : هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ الْمُعْجِزَاتِ فَإِنَّ سَعْدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَاشَ حَتَّى فَتْحِ الْعِرَاقِ وَغَيْرِهِ وَانْتَفَعَ بِهِ أَقْوَامٌ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ وَتَضَرَّرَ بِهِ الْكُفَّارُ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ ، فَإِنَّهُمْ قَتَلُوا رِجَالَهُمْ وَسُبِيَتْ نِسَاؤُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ وَغُنِمَتْ أَمْوَالُهُمْ وَدِيَارُهُمْ . وَوَلِيَ الْعِرَاقَ فَاهْتَدَى عَلَى يَدَيْهِ خَلَائِقُ ، وَتَضَرَّرَ بِهِ خَلَائِقُ بِإِقَامَتِهِ الْحَقَّ فِيهِمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَنَحْوِهِمْ اِنْتَهَى
( اللَّهُمَّ اِمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ )
أَيْ تَمِّمْهَا لَهُمْ وَلَا تُنْقِصْهَا
( لَكِنَّ الْبَائِسَ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ )
الْبَائِسُ مَنْ أَصَابَهُ بُؤْسٌ أَيْ ضَرَرٌ وَهُوَ يَصْلُحُ لِلذَّمِّ وَالتَّرَحُّمِ قِيلَ إِنَّهُ لَمْ يُهَاجِرْ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى مَاتَ بِهَا فَهُوَ ذَمٌّ ، وَالْأَكْثَرُ أَنَّهُ هَاجَرَ وَمَاتَ بِهَا فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ فَهُوَ تَرَحُّمٌ
( يَرْثِي لَهُ )
، مِنْ رَثَيْت الْمَيِّتَ مَرْثِيَةٌ إِذَا عَدَّدَتْ مَحَاسِنَهُ وَرَثَأَتْ بِالْهَمْزِ لُغَةٌ فِيهِ فَإِنْ قِيلَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَرَاثِي كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ ، فَإِذَا نَهَى عَنْهُ كَيْفَ يَفْعَلُهُ ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَرْثِيَةَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا مَا فِيهِ مَدْحُ الْمَيِّتِ وَذِكْرُ مَحَاسِنِهِ الْبَاعِثُ عَلَى تَهْيِيجِ الْحُزْنِ وَتَجْدِيدِ اللَّوْعَةِ أَوْ فِعْلِهَا مَعَ الِاجْتِمَاعِ لَهَا أَوْ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنْهَا دُونَ مَا عَدَا ذَلِكَ ، وَالْمُرَادُ هُنَا تَوَجُّعُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَحَزُّنُهُ عَلَى سَعْدٍ لِكَوْنِهِ مَاتَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ مِنْهَا لَا مَدْحَ الْمَيِّتِ لِتَهْيِيجِ الْحُزْنِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ
( أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ )
بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ لِأَجْلِ مَوْتِهِ بِأَرْضٍ هَاجَرَ مِنْهَا وَكَانَ يَكْرَهُ مَوْتَهُ بِهَا فَلَمْ يُعْطَ مَا تَمَنَّى . قَالَ اِبْنُ بَطَّالٍ : وَأَمَّا قَوْلُهُ : يَرْثِي لَهُ . فَهُوَ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَكِنَّ الْبَائِسَ " إِلَخْ أَيْ رَثِيَ لَهُ حِينَ مَاتَ بِمَكَّةَ وَكَانَ يَهْوَى أَنْ يَمُوتَ بِغَيْرِهَا .
قَوْلُهُ : ( وَفِي الْبَابِ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ )
أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ .
قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )
أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ .
قَوْلُهُ : ( وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ )
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : اِسْتَقَرَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْعِ الْوَصِيَّةِ بِأَزْيَدَ مِنْ الثُّلُثِ . لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِيمَنْ لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ خَاصٌّ ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى مَنْعِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ ، وَجَوَّزَ لَهُ الزِّيَادَةَ الْحَنَفِيَّةُ وَإِسْحَاقُ وَشَرِيكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مُطْلَقَةٌ فِي الْآيَةِ فَقَيَّدَتْهَا السُّنَّةُ لِمَنْ لَهُ وَارِثٌ فَبَقِيَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ
( وَقَدْ اِسْتَحَبَّ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُنْقِصَ مِنْ الثُّلُثِ إِلَخْ )
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ : الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ اِسْتِحْبَابُ النَّقْصِ عَنْ الثُّلُثِ . وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ : إِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ فُقَرَاءَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُنْقِصَ مِنْهُ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُوصِيَ بِالثُّلُثِ تَبَرُّعًا .
مشكل الآثار للطحاوي - (ج 11 / ص 365)
باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله لسعد لما عاده في مرضه الذي كان عاده فيه ، لما قال له سعد : أميت أنا من مرضي هذا في الدار التي هاجرت منها ؟ ، فقال له : « إني أرجو ليرفعنك الله ، حتى ينفع بك قوم ، ويضر بك آخرون »
4538 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه رضي الله عنه قال : « مرضت عام الفتح مرضا أشرفت منه على الموت ، فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني ، فقلت : يا رسول الله ، إن لي مالا كثيرا ، أفأتصدق بمالي كله ؟ قال : » لا « ، قلت : فبالشطر ؟ قال : » لا « ، قلت : فالثلث ؟ قال : » الثلث ، والثلث كثير ، إنك أن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة (1) يتكففون (2) الناس ، إنك لن تنفق نفقة ، إلا أجرت عليها ، حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك « قلت : يا رسول الله ، أخلف (3) عن هجرتي ؟ قال : » إنك لن تخلف (4) بعدي فتعمل عملا تريد به وجه الله إلا ازددت به رفعة ودرجة ، ولعلك أن تخلف بعدي ، حتى ينتفع بك أقوام ، ويضر بك آخرون ، اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ، ولا تردهم على أعقابهم (5) ، لكن البائس سعد بن خولة « ، يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة » حدثنا يونس قال : أخبرنا عبد الله بن وهب ، أن مالكا ، حدثه ، عن ابن شهاب ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه سعد بن أبي وقاص أنه قال : « أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي ، فقلت : يا رسول الله ، قد بلغ بي الوجع ما ترى ، وأنا ذو مال ، ولا يرثني إلا ابنة لي ، ثم ذكر الحديث ، إلا أنه قال : » الثلث ، والثلث كثير ، أو كبير « قال أبو جعفر : فاختلف سفيان ، ومالك في هذا الحديث في السفرة التي كان مرض سعد فيها ، فقال سفيان : هي عام الفتح ، وقال مالك : هي حجة الوداع فأردنا أن ننظر إلى حقيقتها ، أي السفرتين كانت ؟
__________
(1) العالة : جمع عائل وهو الفقير
(2) يتكفف : يمدّ كفه للسؤال
(3) أُخَلَّف : أُتْرَك لأموت في مكة بعد هجرتي فلا يتم لي أجر الهجرة
(4) تخلف : تعيش ويطول عمرك بعد أقرانك
(5) رجع أو ارتد على عقبه : رجع إلى طريق الضلالة
4539 - فوجدنا محمد بن علي بن داود البغدادي قد حدثنا قال : حدثنا عفان بن مسلم قال : حدثنا وهيب بن خالد قال : حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن عمرو القاري ، عن أبيه ، عن جده عمرو القاري : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة ، فخلف سعدا مريضا ، حين خرج إلى حنين ، فلما قدم من الجعرانة معتمرا ، دخل عليه وهو وجع مغلوب ، فقال سعد : يا رسول الله ، إن لي مالا وإني أورث كلالة (1) ، أفأوصي بمالي كله ، أو أتصدق به ؟ قال : » لا « قال : فأوصى بثلثيه ؟ قال : » لا « قال : فأوصي بثلثه ؟ قال : » نعم ، وذلك كبير « قال : أي يا رسول الله ، أفميت أنا بالدار التي خرجت منها مهاجرا ؟ ، قال : » إني أرجو أن يرفعك الله ، فينكأ (2) بك أقوام ، وينفع بك آخرون ، يا عمرو بن القاري ، إن مات سعد بعدي ، فادفنه ها هنا « ، يعني نحو طريق المدينة ، وأشار بيده هكذا » ففي هذا الحديث ما يوجب القضاء لابن عيينة على مالك في اختلافهما في السفرة التي كان فيها مرض سعد الذي قال له فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال له في هذا الحديث ، وأنها عام الفتح ، لا حجة الوداع ثم طلبنا معنى قوله صلى الله عليه وسلم : « ولعلك أن تخلف ، حتى ينتفع بك أقوام ، ويضر بك آخرون » ، ما هو ؟
__________
(1) الكلالة : أن يموت الرجل ولا يدع أصلا له ولا فرعا منه يرثه من والد ولا ولد
(2) نكأ غيره : جرحه وقتله وأضر به
4540 - فوجدنا يحيى بن عثمان بن صالح قد حدثنا قال : حدثنا حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة بن عمران التجيبي قال : أخبرنا عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن بكير بن الأشج قال : « سألت عامر بن سعد عن قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد رضي الله عنه : » وعسى أن تبقى ، حتى ينفع بك أقوام ، ويضر بك آخرون « قال عامر : » أمر سعد على العراق ، فقتل أقواما على الردة ، فأضرهم ، واستتاب قوما ، كانوا يسجعون سجع مسيلمة الكذاب ، فتابوا ، فانتفعوا به « وكان مثل هذا مما لم يقله عامر رأيا ، ولا استنباطا ، لأن مثله لا يقال بالرأي ، ولا بالاستنباط ، ولكنه قاله توفيقا ، لأن مثله لا يقال إلا بالتوقيف ، وعسى أن يكون سمعه من أبيه ، أو ممن سواه ممن يصلح أخذ مثله عنه ، ولا يجوز أن يكون الذي أخذه عنه ، أخذه ، إلا من الجهة التي يؤخذ مثله من مثلها ، إما سماعا من رسول الله ، وإما سماعا ممن سمعه منه ، فبان بذلك معنى ما ذكرناه في الحديث الأول الذي لم يتبين فيه معناه ، والله نسأله التوفيق
عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 24 / ص 513)
6 -( باب ميراث البنات )
أي هذا باب في بيان ميراث البنات والأصل فيه الآية التي تقدمت في أول الكتاب وهي قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين الآية وإن الجاهلية كانوا لا يورثون البنات فأبطل الله ذلك وشاركهن مع الذكور وقد مر بيانه هناك
3376 - حدثنا ( الحميدي ) حدثنا ( سفيان ) حدثنا ( الزهري ) قال أخبرني ( عامر بن سعد بن أبي وقاص ) عن أبيه قال مرضت بمكة مرضا فأشفيت منه على الموت فأتاني النبي صلى الله عليه وسلم يعودوني فقلت يا رسول الله إن لي مالا كثيرا وليس يرثني إلا ابنتي أفأتصدق بثلثي مالي قال لا قال قلت فالشطر قال لا قلت الثلث قال الثلث كبير إنك إن تركت ولدك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس وإنك لن تنفق نفقة إلا أجرت عليها حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك فقلت يا رسول الله آاخلف عن هجرتي فقال لن تخلف بعدي فتعمل عملا تريد به وجه الله إلا ازددت به رفعة ودرجة ولعل أن تخلف بعدي حتى ينتفع بك أقوام ويضربك آخرون لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله أن مات بمكة قال سفيان وسعد بن خولة رجل من بني عامر بن لؤي
مطابقته للترجمة في قوله ليس يرثني إلا ابنتي والحميدي عبد الله بن الزبير بن عيسى نسبة إلى حميد بالضم أحد أجداده وسفيان هو ابن عيينة يروي عن محمد بن مسلم الزهري
والحديث مضى في كتاب الجنائز في باب رثاء النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن خولة فإنه أخرجه هناك عن عبد الله بن يوسف عن مالك عن ابن شهاب عن عامر بن سعد بن أبي وقاص إلى آخره وأيضا مضى في كتاب الوصايا في باب أن تترك ورثتك أغنياء أخرجه فيه عن أبي نعيم عن سفيان وفي الباب الذي يليه عن قتيبة عن سفيان ومضى الكلام فيه هناك
قوله فأشفيت أي فأشرفت قوله مالا كثيرا بالثاء المثلثة وبالباء الموحدة قوله فالشطر بالجر والرفع قاله الكرماني ولم يبين وجههما قلت أما الجر فبالعطف على قوله بثلثي مالي وأما الرفع فعلى أنه مبتدأ وخبره محذوف تقديره فالشطر أتصدق به أي النصف قوله إن تركت بكسر الهمزة وفتحها قوله خير أي فهو خير ليكون جزاء للشرط قوله عالة جمع عائل وهو الفقير قوله يتكففون أي يمدون إلى الناس أكفهم للسؤال قوله أجرت على صيغة المجهول من الأجر قوله وأخلف على صيغة المجهول أي أبقى بمكة متخلفا عن الهجرة قوله لعل ويروى ولعلك استعمل هنا استعمال عسى قوله ويضربك على صيغة المجهول قوله البائس بالباء الموحدة شديد الحاجة أو الفقير قوله يرثي بكسر الثاء المثلثة أي يرق ويرحم قيل هو كلام سعد وقيل كلام الزهري وسعد بن خولة مات بمكة في حجة الوداع وتقدمت فيه مباحث في كتاب الجنائز
شرح ابن بطال - (ج 14 / ص 30)
اختلف السلف فى تأويل قوله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} [البقرة: 219]، فروى عن أكثر السلف أن المراد بذلك صدقة التطوع، روى ذلك عن القاسم وسالم، قالا: العفو فضل المال ما تصدق به عن ظهر غنى. وقال الحسن: لا تنفق حتى يجهد مالك فتبقى تسأل الناس، وفيها قول ثالث عن مجاهد، قال: العفو الصدقة المفروضة. قال إسماعيل بن إسحاق: وما ذكره مجاهد غير ممتنع؛ لأن الذى يؤخذ فى الزكاة قليل من كثير، ولكن ظاهر التفسير ومقصد الكلام يدل أنه فى غير الزكاة، والله أعلم.
وقال الزجاج: أمر الناس أن ينفقوا الفضل إلى أن فرضت الزكاة، فكان أهل المكاسب يأخذ الرجل من كسبه كل يوم ما يكفيه ويتصدق بباقيه، ويأخذ أهل الذهب والفضة ما ينفقون فى عامهم وينفقون باقيه، روى هذا فى التفسير.
ذكر البخارى أن الآية عامة فى النفقة على الأهل وغيرهم؛ لأن الرجل لا تلزمه النفقة على أهله إلا بعد ما يعيش به نفسه، وكان ذلك عن فضل قوته، وقد جاء فى الحديث عن النبى، عليه السلام، فى هذه الأحاديث أن نفقة الرجل على أهله صدقة، فلذلك ترجم بالآية فى النفقة على الأهل.
قال الطبرى: إن قال قائل: ما وجه حديث أبى مسعود وحديث سعد وما تأويلهما، وكيف يكون إطعام الرجل أهله الطعام صدقة وذلك فرض عليه؟
فالجواب: أن الله تعالى جعل من الصدقة فرضًا وتطوعًا، ومعلوم أن أداء الفرض أفضل من التطوع، فإذا كان عند الرجل قدر قوته ولا فضل فيه عن قوت نفسه، وبه إليه حاجة، فهو خائف بإيثاره غيره به هلاك نفسه، كائنًا من كان غيره الذى حاجته إليه مثل حاجته، والدًا كان أو ولدًا أو زوجة أو خادمًا، فالواجب عليه أن يحيى به نفسه، وإن كان فيه فضل كان عليه صرف ذلك الفضل حينئذ إلى غيره ممن فرض الله نفقته عليه، فإن كان فيه فضل عما يحيى به نفسه ونفوسهم، وحضره من لم يوجب الله عليه نفقته، وهو مخوف عليه الهلاك إن لم يصرف إليه ذلك الفضل كان له صرف ذلك إليه بثمن أو بقيمة، وإن كان فى سعة وكفاية ولم يخف على نفسه ولا على أحد ممن تلزمه نفقته، فالواجب عليه أن يبدأ بحق من أوجب الله حقه فى ماله، ثم الأمر إليه فى الفضل من ماله، إن شاء تطوع بالصدقة به، وإن شاء ادخره، وإذا كان المنفق على أهله إنما يؤدى فرضًا لله واجبًا له فيه جزيل الأجر، فذلك إن شاء الله معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : « ومهما أنفقت نفقة، فهى لك صدقة حتى اللقمة ترفعها إلى فى امرأتك » ؛ لأنه بفعله ذلك يؤدى فرضًا لله عليه هو أفضل من صدقة التطوع التى يتصدق بها على غريب منه لا حق له فى ماله.
شرح ابن بطال - (ج 15 / ص 157)
ذكر الله الوصية فى كتابه ذكرًا مجملا، ثم بين النبى - صلى الله عليه وسلم - أن الوصايا مقصورة على ثلث مال الميت؛ لإطلاقه - صلى الله عليه وسلم - لسعد الوصية بالثلث فى هذا الحديث، وأجمع العلماء على القول به واختلفوا فى القدر الذى يستحب أن يوصى به الميت، وسيأتى بعد هذا، إلا أن الأفضل لمن له ورثة أن يقصر فى وصيته عن الثلث غنيا كان أو فقيرًا؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قال لسعد: « الثلث كثير » أتبع ذلك بقوله: « إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس » ولم يكن لسعد إلا ابنة واحدة كما ذكر فى هذا الحديث، فدل هذا أن ترك المال للورثة خير من الصدقة به وأن النفقة على الأهل من الأعمال الصالحة، وروى ابن أبى شيبة من حديث ابن أبى مليكة، عن عائشة قال لها رجل: إنى أريد أن أوصى. قالت: كم مالك؟ قال: ثلاثة آلاف. قالت: فكم عيالك؟ قال: أربعة. قالت: إن الله يقول: {إن ترك خيرًا} [البقرة: 180] وإن هذا شىء يسير فدعه لعيالك فإنه أفضل. وروى حماد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر أنه ذكر له الوصية فى مرضه فقال: أما مالى فالله أعلم ما كنت أعمل فيه، وأما رباعى فلا أحب أن يشارك فيها ولدى أحد.
وعن على بن أبى طالب أنه دخل على رجل من بنى هاشم يعوده، وله ثمانمائة درهم وهو يريد أن يوصى، فقال له: يقول الله: {إن ترك خيرًا} [البقرة: 180]، ولم تدع خيرًا توصى به. وعن ابن عباس: من ترك سبعمائة درهم فلا يوص، فإنه لم يترك خيرًا. وقال قتادة فى قوله: {إن ترك خيرًا} [البقرة: 180]: ألف درهم فما فوقها. قال ابن المنذر: فدلت هذه الآثار على أن من ترك مالا قليلا، فالاختيار له ترك الوصية وإبقاؤه للورثة.
وقوله: « عسى الله أن يرفعك فينتفع بك ناس، ويضر بك آخرون » فهذا قد خرج كما قال - صلى الله عليه وسلم - ، ثبت أن سعدًا أمر على العراق فأتى بقوم ارتدوا عن الإسلام، فاستتابهم فأبى بعضهم فقتلهم، فضر أولئك، وتاب بعضهم فانتفعوا به، وعاش سعد بعد حجة الوداع خمسًا وأربعين سنة.
وقال الطحاوى: فى حديث سعد جواز الوصية بالثلث، ولو كان جورًا لأنكر ذلك - صلى الله عليه وسلم - وأمره بالتقصير عنه، ثم تكلم الناس بعد هذا فى هبات المريض وصدقاته إذا مات من مرضه، فقال قوم، وهم أكثر العلماء: هى من الثلث كسائر الوصايا. واتفق على ذلك فقهاء الحجاز والعراق.
وقالت فرقة: هى من جميع المال كأفعاله وهو صحيح. وهذا القول لم نعلم أحدًا من المتقدمين قاله، وأظنه قول أهل الظاهر إذا قبضت هبة المريض وعطاياه فهى فى رأس ماله؛ لأن ما قبض قبل الموت ليس بوصية، وإنما الوصية ما يستحق بموت الموصى، وسواء قبضت عند جماعة الفقهاء أو لم تقبض؛ هى من الثلث.
قال الطحاوى: وحديث عائشة أن أباها نحلها جداد عشرين وسقًا بالغابة فلما مرض قال: لو كنت حزتيه لكان لك، وإنما هو اليوم مال وإرث. فأخبر الصديق أنها لو كانت قبضته فى الصحة تم لها ملكه، وأنها لا تستطيع قبضه فى المرض قبضًا يتم لها ملكه، وفعل ذلك غير جائز كما لا تجوز الوصية لها به، ولم تنكر ذلك عائشة على أبى بكر ولا سائر الصحابة، فدل أن مذهبهم جميعًا كان فيه مثل مذهبه، وفى هذا أعظم الحجة على من خالف قول جماعة العلماء.
وكذلك فعل النبى - صلى الله عليه وسلم - فى الذى أعتق ستة أعبد له عند الموت لا مال له غيرهم، فأقرع النبى - صلى الله عليه وسلم - بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة، فجعل العتاق فى المرض من الثلث، فكذلك الهبات والصدقات؛ لأنها كلها سواء فى تفويت المال.
وقوله: « خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس » والعالة: جمع عائل: وهو الفقير الذى لا شىء له، ومنه قوله: {ووجدك عائلا فأغنى} [الضحى: 8] ويتكففون الناس: يبسطون أكفهم لمسألتهم. قال صاحب العين: استكف السائل: بسط كفه.
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 2 / ص 89)
وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يُبْغِضُ الْأَنْصَارَ رَجُلٌ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } . وَقَوْلُهُ : { آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ } . فَإِنَّ مَنْ عَلِمَ مَا قَامَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ مِنْ نَصْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ وَكَانَ مُحِبًّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ؛ أَحَبَّهُمْ قَطْعًا فَيَكُونُ حُبُّهُ لَهُمْ عَلَامَةَ الْإِيمَانِ الَّذِي فِي قَلْبِهِ وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ الْإِيمَانُ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ . وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ بُغْضُ مَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْمُنْكَرِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ ؛ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ الْإِيمَانُ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُبْغِضًا لِشَيْءِ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ أَصْلًا ؛ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إيمَانٌ أَصْلًا كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَكَذَلِكَ مَنْ لَا يُحِبُّ لِأَخِيهِ الْمُؤْمِنِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ؛ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَانِ فَحَيْثُ نَفَى اللَّهُ الْإِيمَانَ عَنْ شَخْصٍ ؛ فَلَا يَكُونُ إلَّا لِنَقْصِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْإِيمَانِ وَيَكُونُ مِنْ الْمُعَرَّضِينَ لِلْوَعِيدِ لَيْسَ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْوَعْدِ الْمُطْلَقِ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا وَمَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا } كُلُّهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ لَا يَقُولُهُ إلَّا لِمَنْ تَرَكَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَوْ فَعَلَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ؛ فَيَكُونُ قَدْ تَرَكَ مِنْ الْإِيمَانِ الْمَفْرُوضِ عَلَيْهِ مَا يَنْفِي عَنْهُ الِاسْمَ لِأَجْلِهِ فَلَا يَكُونُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْوَعْدِ السَّالِمِينَ مِنْ الْوَعِيدِ . وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ } { وَإِذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ } { وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إلَيْهِ مُذْعِنِينَ } { أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } { إنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إذَا دُعُوا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } . فَهَذَا حُكْمُ اسْمِ الْإِيمَانِ إذَا أُطْلِقَ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ؛ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ فِعْلَ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكَ الْمُحَرَّمَاتِ وَمَنْ نَفَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَنْهُ الْإِيمَانَ ؛ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَرَكَ وَاجِبًا أَوْ فَعَلَ مُحَرَّمًا فَلَا يَدْخُلُ فِي الِاسْمِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَهْلُهُ الْوَعْدَ دُونَ الْوَعِيدِ ؛ بَلْ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْوَعِيدِ . وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { حَبَّبَ إلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ } . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ المروزي : لَمَّا كَانَتْ الْمَعَاصِي بَعْضُهَا كُفْرٌ وَبَعْضُهَا لَيْسَ بِكُفْرِ فَرَّقَ بَيْنَهَا فَجَعَلَهَا ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ : نَوْعٌ مِنْهَا كُفْرٌ وَنَوْعٌ مِنْهَا فُسُوقٌ وَلَيْسَ بِكُفْرِ وَنَوْعٌ عِصْيَانٌ وَلَيْسَ بِكُفْرِ وَلَا فُسُوقٍ . وَأَخْبَرَ أَنَّهُ كَرَّهَهَا كُلَّهَا إلَى الْمُؤْمِنِينَ . وَلَمَّا كَانَتْ الطَّاعَاتُ كُلُّهَا دَاخِلَةٍ فِي الْإِيمَانِ وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ خَارِجٌ عَنْهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهَا فَيَقُولُ : حَبَّبَ إلَيْكُمْ الْإِيمَانَ وَالْفَرَائِضَ وَسَائِرَ الطَّاعَاتِ ؛ بَلْ أَجْمَلَ ذَلِكَ فَقَالَ : { حَبَّبَ إلَيْكُمُ الْإِيمَانَ } . فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ الطَّاعَاتِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَبَّبَ إلَى الْمُؤْمِنِينَ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَسَائِرَ الطَّاعَاتِ حُبَّ تَدَيُّنٍ لِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ : أَنَّهُ حَبَّبَ ذَلِكَ إلَيْهِمْ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِهِمْ لِقَوْلِهِ : { حَبَّبَ إلَيْكُمُ الْإِيمَانَ } وَيَكْرَهُونَ جَمِيعَ الْمَعَاصِي ؛ الْكُفْرَ مِنْهَا وَالْفُسُوقَ وَسَائِرَ الْمَعَاصِي كَرَاهَةَ تَدَيُّنٍ لِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ : أَنَّهُ كَرَّهَ ذَلِكَ إلَيْهِمْ . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ ؛ فَهُوَ مُؤْمِنٌ } لِأَنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إلَى الْمُؤْمِنِينَ الْحَسَنَاتِ وَكَرَّهَ إلَيْهِمْ السَّيِّئَاتِ . " قُلْت " : وَتَكْرِيهُهُ جَمِيعَ الْمَعَاصِي إلَيْهِمْ يَسْتَلْزِمُ حُبَّ جَمِيعِ الطَّاعَاتِ ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الطَّاعَاتِ مَعْصِيَةٌ وَلِأَنَّهُ لَا يَتْرُكُ الْمَعَاصِيَ كُلَّهَا إنْ لَمْ يَتَلَبَّسْ بِضِدِّهَا فَيَكُونُ مُحِبًّا لِضِدِّهَا وَهُوَ الطَّاعَةُ ؛ إذْ الْقَلْبُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إرَادَةٍ فَإِذَا كَانَ يَكْرَهُ الشَّرَّ كُلَّهُ ؛ فَلَا بُدَّ أَنْ يُرِيدَ الْخَيْرَ . وَالْمُبَاحُ بِالنِّيَّةِ الْحَسَنَةِ يَكُونُ خَيْرًا وَبِالنِّيَّةِ السَّيِّئَةِ يَكُونُ شَرًّا . وَلَا يَكُونُ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ إلَّا بِإِرَادَةِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ { أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إلَى اللَّهِ : عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ : حَارِثٌ وَهَمَّامٌ وَأَقْبَحُهَا : حَرْبٌ وَمُرَّةُ } . وَقَوْلُهُ أَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ : حَارِثٌ وَهَمَّامٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ هَمَّامٌ حَارِثٌ وَالْحَارِثُ الْكَاسِبُ الْعَامِلُ . وَالْهَمَّامُ الْكَثِيرُ الْهَمِّ - وَهُوَ مَبْدَأُ الْإِرَادَةِ - وَهُوَ حَيَوَانٌ ، وَكُلُّ حَيَوَانٍ حَسَّاسٌ مُتَحَرِّكٌ بِالْإِرَادَةِ فَإِذَا فَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْمُبَاحَاتِ ؛ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ غَايَةٍ يَنْتَهِي إلَيْهَا قَصْدُهُ . وَكُلُّ مَقْصُودٍ إمَّا أَنْ يُقْصَدَ لِنَفْسِهِ وَإِمَّا أَنْ يُقْصَدَ لِغَيْرِهِ . فَإِنْ كَانَ مُنْتَهَى مَقْصُودِهِ وَمُرَادِهِ عِبَادَةَ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَهُوَ إلَهُهُ الَّذِي يَعْبُدُهُ لَا يَعْبُدُ شَيْئًا سِوَاهُ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ ؛ فَإِنَّ إرَادَتَهُ تَنْتَهِي إلَى إرَادَتِهِ وَجْهَ اللَّهِ فَيُثَابُ عَلَى مُبَاحَاتِهِ الَّتِي يَقْصِدُ الِاسْتِعَانَةَ بِهَا عَلَى الطَّاعَةِ كَمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا صَدَقَةً } . وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْهُ أَنَّهُ { قَالَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ لَمَّا مَرِضَ بِمَكَّةَ وَعَادَهُ - إنَّك لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إلَّا ازْدَدْت بِهَا دَرَجَةً وَرِفْعَةً حَتَّى اللُّقْمَةُ تَرْفَعُهَا إلَى فِي امْرَأَتِك } . وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ لِأَبِي مُوسَى : " إنِّي أَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي " . وَفِي الْأَثَرِ : نَوْمُ الْعَالِمِ تَسْبِيحٌ . وَإِنْ كَانَ أَصْلُ مَقْصُودِهِ عِبَادَةَ غَيْرِ اللَّهِ ؛ لَمْ تَكُنْ الطَّيِّبَاتُ مُبَاحَةً لَهُ فَإِنَّ اللَّهَ أَبَاحَهَا لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ عِبَادِهِ ؛ بَلْ الْكُفَّارُ وَأَهْلُ الْجَرَائِمِ وَالذُّنُوبِ وَأَهْلُ الشَّهَوَاتِ يُحَاسَبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى النِّعَمِ الَّتِي تَنَعَّمُوا بِهَا فَلَمْ يَذْكُرُوهُ وَلَمْ يَعْبُدُوهُ بِهَا وَيُقَالُ لَهُمْ : { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ } . وَقَالَ تَعَالَى : { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } . أَيْ عَنْ شُكْرِهِ وَالْكَافِرُ لَمْ يَشْكُرْ عَلَى النَّعِيمِ الَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهِ فَيُعَاقِبُهُ عَلَى ذَلِكَ ؛ وَاَللَّهُ إنَّمَا أَبَاحَهَا لِلْمُؤْمِنِينَ وَأَمَرَهُمْ مَعَهَا بِالشُّكْرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ } . وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ يَأْكُلُ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا وَيَشْرَبُ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا } . وَفِي " سُنَنِ ابْنِ ماجه " وَغَيْرِهِ : { الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ بِمَنْزِلَةِ الصَّائِمِ الصَّابِرِ } . وَكَذَلِكَ قَالَ لِلرُّسُلِ : { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا } وَقَالَ تَعَالَى : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } وَقَالَ الْخَلِيلُ : { وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } . فَالْخَلِيلُ إنَّمَا دَعَا بِالطَّيِّبَاتِ لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً وَاَللَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ بَهِيمَةَ الْأَنْعَامِ لِمَنْ حَرَّمَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ مِنْ الصَّيْدِ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَالْمُؤْمِنُونَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَيَشْكُرُوهُ . وَلِهَذَا مَيَّزَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيْنَ خِطَابِ النَّاسِ مُطْلَقًا وَخِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } { إنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ } . فَإِنَّمَا أَذِنَ لِلنَّاسِ أَنْ يَأْكُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ بِشَرْطَيْنِ : أَنْ يَكُونَ طَيِّبًا وَأَنْ يَكُونَ حَلَالًا . ثُمَّ قَالَ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إنْ كُنْتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ } { إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ } . فَأَذِنَ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْأَكْلِ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْحِلَّ ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْهِمْ إلَّا مَا ذَكَرَهُ ؛ فَمَا سِوَاهُ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَكُنْ أَحَلَّهُ بِخِطَابِهِ ؛ بَلْ كَانَ عَفْوًا كَمَا فِي الْحَدِيثِ عَنْ سَلْمَانَ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا : { الْحَلَالُ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عُفِيَ عَنْهُ } . وَفِي حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا وَحَرَّمَ حُرُمَاتٍ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نَسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا } . وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى { قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً } . نَفَى التَّحْرِيمَ عَنْ غَيْرِ الْمَذْكُورِ فَيَكُونُ الْبَاقِي مَسْكُوتًا عَنْ تَحْرِيمِهِ عَفْوًا وَالتَّحْلِيلُ إنَّمَا يَكُونُ بِخِطَابِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ الَّتِي أُنْزِلَتْ بَعْدَ هَذَا : { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ } . إلَى قَوْلِهِ : { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ } . فَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أُحِلَّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتُ وَقَبْلَ هَذَا لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ . وَقَدْ { حَرَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلَّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ } وَلَمْ يَكُنْ هَذَا نَسْخًا لِلْكِتَابِ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ لَمْ يُحِلَّ ذَلِكَ وَلَكِنْ سَكَتَ عَنْ تَحْرِيمِهِ فَكَانَ تَحْرِيمُهُ ابْتِدَاءَ شَرْعٍ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ مِنْ طُرُقٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ وَأَبِي ثَعْلَبَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ : { لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْت بِهِ أَوْ نَهَيْت عَنْهُ فَيَقُولُ : بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ هَذَا الْقُرْآنُ ؛ فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ أَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ أَلَا وَإِنِّي أُوتِيت الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ } . وَفِي لَفْظٍ : { أَلَا وَإِنَّهُ مِثْلُ الْقُرْآنِ أَوْ أَكْثَرُ . أَلَا وَإِنِّي حَرَّمْت كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ } . فَبَيَّنَ أَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَحْيٌ آخَرُ وَهُوَ الْحِكْمَةُ غَيْرَ الْكِتَابِ . وَأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْوَحْيِ مَا أَخْبَرَ بِتَحْرِيمِهِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَسْخًا لِلْكِتَابِ ؛ فَإِنَّ الْكِتَابَ لَمْ يُحِلَّ هَذِهِ قَطُّ . إنَّمَا أَحَلَّ الطَّيِّبَاتِ وَهَذِهِ لَيْسَتْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَقَالَ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } . فَلَمْ تَدْخُلْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْعُمُومِ ؛ لَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَرَّمَهَا ؛ فَكَانَتْ مَعْفُوًّا عَنْ تَحْرِيمِهَا ؛ لَا مَأْذُونًا فِي أَكْلِهَا . وَأَمَّا " الْكُفَّارُ " فَلَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ لَهُمْ فِي أَكْلِ شَيْءٍ وَلَا أَحَلَّ لَهُمْ شَيْئًا وَلَا عَفَا لَهُمْ عَنْ شَيْءٍ يَأْكُلُونَهُ ؛ بَلْ قَالَ : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا } . فَشَرَطَ فِيمَا يَأْكُلُونَهُ أَنْ يَكُونَ حَلَالًا ؛ وَهُوَ الْمَأْذُونُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاَللَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي الْأَكْلِ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ بِهِ ؛ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ فِي أَكْلِ شَيْءٍ إلَّا إذَا آمَنُوا . وَلِهَذَا لَمْ تَكُنْ أَمْوَالُهُمْ مَمْلُوكَةً لَهُمْ مِلْكًا شَرْعِيًّا ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الشَّرْعِيَّ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّصَرُّفِ الَّذِي أَبَاحَهُ الشَّارِعُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشَّارِعُ لَمْ يُبِحْ لَهُمْ تَصَرُّفًا فِي الْأَمْوَالِ إلَّا بِشَرْطِ الْإِيمَانِ ؛ فَكَانَتْ أَمْوَالُهُمْ عَلَى الْإِبَاحَةِ . فَإِذَا قَهَرَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ طَائِفَةً قَهْرًا يَسْتَحِلُّونَهُ فِي دِينِهِمْ وَأَخَذُوهَا مِنْهُمْ ؛ صَارَ هَؤُلَاءِ فِيهَا كَمَا كَانَ أُولَئِكَ . وَالْمُسْلِمُونَ إذَا اسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا ، فَغَنِمُوهَا مَلَكُوهَا شَرْعًا لِأَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ لَهُمْ الْغَنَائِمَ وَلَمْ يُبِحْهَا لِغَيْرِهِمْ . وَيَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُعَامِلُوا الْكُفَّارَ فِيمَا أَخَذَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ بِالْقَهْرِ الَّذِي يَسْتَحِلُّونَهُ فِي دِينِهِمْ وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ بَعْضِهِمْ مَا سَبَاهُ مِنْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ اسْتِيلَائِهِ عَلَى الْمُبَاحَاتِ . وَلِهَذَا سَمَّى اللَّهُ مَا عَادَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إلَى الْمُسْلِمِينَ " فَيْئًا " ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَفَاءَهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ أَيْ : رَدَّهُ إلَى الْمُؤْمِنِينَ بِهِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَهُ وَيَسْتَعِينُونَ بِرِزْقِهِ عَلَى عِبَادَتِهِ ؛ فَإِنَّهُ إنَّمَا خَلَقَ الْخَلْقَ لِيَعْبُدُوهُ وَإِنَّمَا خَلَقَ الرِّزْقَ لَهُمْ لِيَسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى عِبَادَتِهِ . وَلَفْظُ " الْفَيْءِ " قَدْ يَتَنَاوَلُ " الْغَنِيمَةَ " كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَنَائِمِ حنين : { لَيْسَ لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ } . لَكِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَعَالَى : { وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ } صَارَ لَفْظُ " الْفَيْءِ " إذَا أُطْلِقَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ ؛ فَهُوَ مَا أُخِذَ مِنْ مَالِ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ إيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ ، وَالْإِيجَافُ نَوْعٌ مِنْ التَّحْرِيكِ . وَأَمَّا إذَا فَعَلَ الْمُؤْمِنُ مَا أُبِيحَ لَهُ قَاصِدًا لِلْعُدُولِ عَنْ الْحَرَامِ إلَى الْحَلَالِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ ؛ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ يَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ ؟ قَالَ : أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي الْحَرَامِ كَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ . فَكَذَلِكَ إذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ } . وَهَذَا كَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ } رَوَاهُ أَحْمَد وَابْنُ خزيمة فِي " صَحِيحِهِ " وَغَيْرُهُمَا . فَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إتْيَانَ رُخَصِهِ كَمَا يَكْرَهُ فِعْلَ مَعْصِيَتِهِ . وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَرْوِيهِ : { كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ } . وَلَيْسَ هَذَا لَفْظَ الْحَدِيثِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الرُّخَصَ إنَّمَا أَبَاحَهَا اللَّهُ لِحَاجَةِ الْعِبَادِ إلَيْهَا وَالْمُؤْمِنُونَ يَسْتَعِينُونَ بِهَا عَلَى عِبَادَتِهِ ؛ فَهُوَ يُحِبُّ الْأَخْذَ بِهَا لِأَنَّ الْكَرِيمَ يُحِبُّ قَبُولَ إحْسَانِهِ وَفَضْلِهِ ؛ كَمَا قَالَ فِي حَدِيثِ : { الْقَصْرُ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ } . وَلِأَنَّهُ بِهَا تَتِمُّ عِبَادَتُهُ وَطَاعَتُهُ . وَمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْإِنْسَانُ مِنْ قَوْلٍ وَعَمَلٍ بَلْ يَفْعَلُهُ عَبَثًا ؛ فَهَذَا عَلَيْهِ لَا لَهُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ : { كُلُّ كَلَامِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لَا لَهُ إلَّا أَمْرًا بِمَعْرُوفِ أَوْ نَهْيًا عَنْ مُنْكَرٍ أَوْ ذِكْرًا لِلَّهِ } . وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ } . فَأَمَرَ الْمُؤْمِنَ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ : إمَّا قَوْلُ الْخَيْرِ أَوْ الصُّمَاتُ . وَلِهَذَا كَانَ قَوْلُ الْخَيْرِ خَيْرًا مِنْ السُّكُوتِ عَنْهُ وَالسُّكُوتُ عَنْ الشَّرِّ خَيْرًا مِنْ قَوْلِهِ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } . وَقَدْ اخْتَلَفَ " أَهْلُ التَّفْسِيرِ " هَلْ يُكْتَبُ جَمِيعُ أَقْوَالِهِ ؟ فَقَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ : يَكْتُبَانِ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَنِينَهُ فِي مَرَضِهِ . وَقَالَ عِكْرِمَةُ لَا يَكْتُبَانِ إلَّا مَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ أَوْ يُؤْزَرُ . وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا يَكْتُبَانِ الْجَمِيعَ ؛ فَإِنَّهُ قَالَ : { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ } نَكِرَةٌ فِي الشَّرْطِ مُؤَكَّدَةٌ بِحَرْفِ " مِنْ " ؛ فَهَذَا يَعُمُّ كُلَّ قَوْلِهِ . وَأَيْضًا فَكَوْنُهُ يُؤْجَرُ عَلَى قَوْلٍ مُعَيَّنٍ أَوْ يُؤْزَرُ ؛ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَعْرِفَ الْكَاتِبُ مَا أُمِرَ بِهِ وَمَا نُهِيَ عَنْهُ ؛ فَلَا بُدَّ فِي إثْبَاتِ مَعْرِفَةِ الْكَاتِبِ بِهِ إلَى نَقْلٍ . وَأَيْضًا فَهُوَ مَأْمُورٌ إمَّا بِقَوْلِ الْخَيْرِ وَإِمَّا بِالصُّمَاتِ . فَإِذَا عَدَلَ عَمَّا أُمِرَ بِهِ مِنْ الصُّمَاتِ إلَى فُضُولِ الْقَوْلِ الَّذِي لَيْسَ بِخَيْرِ ؛ كَانَ هَذَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مَكْرُوهًا وَالْمَكْرُوهُ يَنْقُصُهُ ؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ } . فَإِذَا خَاضَ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ ؛ نَقَصَ مِنْ حُسْنِ إسْلَامِهِ فَكَانَ هَذَا عَلَيْهِ . إذْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ مَا هُوَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِقًّا لِعَذَابِ جَهَنَّمَ وَغَضَبِ اللَّهِ بَلْ نَقْصُ قَدْرِهِ وَدَرَجَتِهِ عَلَيْهِ . وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } . فَمَا يَعْمَلُ أَحَدٌ إلَّا عَلَيْهِ أَوْ لَهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا أُمِرَ بِهِ كَانَ لَهُ . وَإِلَّا كَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَنَّهُ يُنْقِصُ قَدْرَهُ . وَالنَّفْسُ طَبْعُهَا الْحَرَكَةُ لَا تَسْكُنُ قَطُّ ؛ لَكِنْ قَدْ عَفَا اللَّهُ عَمَّا حَدَّثَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ أَنْفُسَهُمْ مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا بِهِ أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ ؛ فَإِذَا عَمِلُوا بِهِ دَخَلَ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ . فَإِذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ كَرَّهَ إلَى الْمُؤْمِنِينَ جَمِيعَ الْمَعَاصِي وَهُوَ قَدْ حَبَّبَ إلَيْهِمْ الْإِيمَانَ الَّذِي يَقْتَضِي جَمِيعَ الطَّاعَاتِ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ ضِدٌّ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ ؛ فَإِنَّ الْمُرْجِئَةَ لَا تُنَازِعُ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي فِي الْقَلْبِ يَدْعُو إلَى فِعْلِ الطَّاعَةِ وَيَقْتَضِي ذَلِكَ وَالطَّاعَةُ مِنْ ثَمَرَاتِهِ وَنَتَائِجِهِ لَكِنَّهَا تُنَازِعُ هَلْ يَسْتَلْزِمُ الطَّاعَةَ ؟ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَدْعُو إلَى الطَّاعَةِ ؛ فَلَهُ مُعَارِضٌ مِنْ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ ، فَإِذَا كَانَ قَدْ كَرَّهَ إلَى الْمُؤْمِنِينَ الْمُعَارِضَ كَانَ الْمُقْتَضِي لِلطَّاعَةِ سَالِمًا عَنْ هَذَا الْمُعَارِضِ . وَأَيْضًا فَإِذَا كَرِهُوا جَمِيعَ السَّيِّئَاتِ لَمْ يَبْقَ إلَّا حَسَنَاتٌ أَوْ مُبَاحَاتٌ ، وَالْمُبَاحَاتُ لَمْ تُبَحْ إلَّا لِأَهْلِ الْإِيمَانِ الَّذِينَ يَسْتَعِينُونَ بِهَا عَلَى الطَّاعَاتِ وَإِلَّا فَاَللَّهُ لَمْ يُبِحْ قَطُّ لِأَحَدِ شَيْئًا أَنْ يَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى كُفْرٍ وَلَا فُسُوقٍ وَلَا عِصْيَانٍ ؛ وَلِهَذَا لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاصِرَ الْخَمْرِ وَمُعْتَصِرَهَا كَمَا لَعَنَ شَارِبَهَا ، وَالْعَاصِرُ يَعْصِرُ عِنَبًا يَصِيرُ عَصِيرًا يُمْكِنُ أَنْ يُنْتَفَعَ بِهِ فِي الْمُبَاحِ لَكِنْ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ قَصْدَ الْعَاصِرِ أَنْ يَجْعَلَهَا خَمْرًا ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعِينَهُ بِمَا جِنْسُهُ مُبَاحٌ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ بَلْ لَعَنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُبِحْ إعَانَةَ الْعَاصِي عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَلَا أَبَاحَ لَهُ مَا يَسْتَعِينُ بِهِ فِي الْمَعْصِيَةِ فَلَا تَكُونُ مُبَاحَاتٍ لَهُمْ إلَّا إذَا اسْتَعَانُوا بِهَا عَلَى الطَّاعَاتِ . فَيَلْزَمُ مِنْ انْتِفَاءِ السَّيِّئَاتِ أَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ إلَّا الْحَسَنَاتِ ؛ وَلِهَذَا كَانَ مَنْ تَرَكَ الْمَعَاصِيَ كُلَّهَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَشْتَغِلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ . وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا } . فَالْمُؤْمِنُ لَا بُدَّ أَنْ يُحِبَّ الْحَسَنَاتِ وَلَا بُدَّ أَنْ يُبْغِضَ السَّيِّئَاتِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَسُرَّهُ فِعْلُ الْحَسَنَةِ وَيَسُوءَهُ فِعْلُ السَّيِّئَةِ وَمَتَى قَدَّرَ أَنَّ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ لَيْسَ كَذَلِكَ كَانَ نَاقِصَ الْإِيمَانِ وَالْمُؤْمِنُ قَدْ تَصْدُرُ مِنْهُ السَّيِّئَةُ فَيَتُوبُ مِنْهَا أَوْ يَأْتِي بِحَسَنَاتِ تَمْحُوهَا أَوْ يُبْتَلَى بِبَلَاءِ يُكَفِّرُهَا عَنْهُ وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كَارِهًا لَهَا ؛ فَإِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ حَبَّبَ إلَى الْمُؤْمِنِينَ الْإِيمَانَ وَكَرَّهَ إلَيْهِمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ فَمَنْ لَمْ يَكْرَهْ الثَّلَاثَةَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ . وَلَكِنَّ " مُحَمَّدَ بْنَ نَصْرٍ " يَقُولُ : الْفَاسِقُ يَكْرَهُهَا تَدَيُّنًا . فَيُقَالُ : إنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ دِينَهُ حَرَّمَهَا وَهُوَ يُحِبُّ دِينَهُ وَهَذِهِ مِنْ جُمْلَتِهِ ؛ فَهُوَ يَكْرَهُهَا . وَإِنْ كَانَ يُحِبُّ دِينَهُ مُجْمَلًا وَلَيْسَ فِي قَلْبِهِ كَرَاهَةٌ لَهَا ؛ كَانَ قَدْ عَدِمَ مِنْ الْإِيمَانِ بِقَدْرِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : { مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ } . وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا - " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " - : { فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ } . فَعُلِمَ أَنَّ الْقَلْبَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَرَاهَةُ مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ ؛ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ الْإِيمَانِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الثَّوَابَ . وَقَوْلُهُ : { مِنْ الْإِيمَانِ } أَيْ : مِنْ هَذَا الْإِيمَانِ وَهُوَ الْإِيمَانُ الْمُطْلَقُ . أَيْ : لَيْسَ وَرَاءَ هَذِهِ الثَّلَاثِ مَا هُوَ مِنْ الْإِيمَانِ وَلَا قَدْرُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ . وَالْمَعْنَى : هَذَا آخِرُ حُدُودِ الْإِيمَانِ ، مَا بَقِيَ بَعْدَ هَذَا مِنْ الْإِيمَانِ شَيْءٌ ؛ لَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ مِنْ الْإِيمَانِ شَيْءٌ ؛ بَلْ لَفْظُ الْحَدِيثِ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ .
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 2 / ص 39)
أفضل دينار ينفقه الرجل
المجيب عبد الرحمن بن عبد العزيز العقل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 30/1/1425هـ
السؤال
جاء في الحديث: "أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله"، قال أبو قلابة: وبدأ بالعيال، ثم قال أبو قلابة: وأي رجل أعظم أجراً من رجل ينفق على عيال صغار يعفهم، أو ينفعهم الله به ويغنيهم، صحيح مسلم (994).
وفي حديث آخر: "أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه على فرس في سبيل الله، ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله".
السؤال: هل الحديث يفيد التساوي في الأجر للثلاثة الأصناف، أم يفيد الأفضلية؟ أي: الأول الإنفاق على العيال، والثاني على الفرس، والثالث الإنفاق في سبيل الله. أفيدونا -جزاكم الله كل خير-.
الجواب
جاء جواب هذا الإشكال في حديث آخر رواه مسلم أيضاً في صحيحه (995)من طريق مجاهد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك".
فهذا الحديث صريح الدلالة في أن الإنفاق على الأهل هو أفضل هذه الأنواع، وأعظمها أجراً، بل إن الإنفاق على الأهل واجب، قال الطبري: (الإنفاق على الأهل واجب، والذي يعطيه يؤجر على ذلك بحسب قصده، ولا منافاة بين كونها واجبة، وبين تسميتها صدقة، بل هي أفضل من صدقة التطوع)، وقال المهلب: "النفقة على الأهل واجبة بالإجماع". وقال البخاري -رحمه الله- (باب وجوب النفقة على الأهل والعيال)، وذكر تحته حديث رقم (5355) عن أبي هريرة - رضي الله عنه-: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أفضل الصدقة ما ترك غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول ..." الحديث، والأحاديث الواردة في فضل الإنفاق على الأهل والعيال كثيرة، منها ما رواه البخاري (2742) ومسلم (1628) من طريق عامر بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة، حتى اللقمة ترفعها إلى فيّ امرأتك ..." الحديث. ومنها ما رواه البخاري (5351) من طريق عبد الله بن زيد عن أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم قال : "إذا أنفق المسلم نفقة على أهله - وهو يحتسبها - كانت له صدقة".
أما الديناران الآخران المذكوران في الحديث الوراد في السؤال "دينار ينفقه على فرس في سبيل الله ، ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله..." الحديث رواه مسلم (994) من حديث توبان - رضي الله عنه - فالتفضيل بينهما راجع إلى مقدار منفعتهما في الجهاد في سبيل الله، فأيهما كان أعظم نفعاً فهو أعظم أجراً. والله أعلم.(1/161)
إِذَا لَمْ يَجِدِ الرَّجُلُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهِ هَلْ يُخَيِّرُ امْرَأَتَهُ
309-7965 أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، كَتَبْنَا عَنْهُ بِالْبَصْرَةِ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ : حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالنَّاسُ بِبَابِهِ جُلُوسٌ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ فَاسْتَأْذَنَ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَجَلَسَ ، ثُمَّ أَذِنَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَدَخَلَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ وَحَوْلَهُ نِسَاؤُهُ وَهُوَ سَاكِتٌ وَاجِمٌ قَالَ عُمَرُ : " لَأُكَلِّمَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّهُ أَنْ يَضْحَكَ " قَالَ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَوْ رَأَيْتَ ابْنَةَ زَيْدٍ امْرَأَةَ عُمَرَ سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ آنِفًا ، فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا ، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ قَالَ : " هُنَّ حَوْلِي كَمَا تَرَى يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ " فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ لِيَضْرِبَهَا ، وَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ ، كِلَاهُمَا يَقُولُ : تَسْأَلَانِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ ، فَنَهَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْنَ نِسَاؤُهُ : وَاللَّهِ لَا نَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ هَذَا الْمَجْلِسِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْخِيَارُ فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ فَقَالَ : " إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَذْكُرَ لَكِ شَيْئًا ، لَا أُحِبُّ أَنْ تَعْجَلِي فِيهِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ " قَالَتْ : وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَتَلَا عَلَيْهَا يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ قَالَتْ عَائِشَةُ : " أَفِيكَ أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ ؟ بَلْ أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ لَا تَذْكُرَ لِامْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِكَ مَا اخْتَرْتُ " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّفًا ، وَلَكِنْ مُعَلِّمًا مُبَشِّرًا ، لَا تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ عَمَّا اخْتَرْتِ إِلَّا أَخْبَرْتُهَا " (1)
310-7966 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ " تَقُولُ الْمَرْأَةُ : إِمَّا أَنْ تُنْفِقَ عَلَيَّ أَوْ تُطَلِّقَنِي ، وَيَقُولُ الِابْنُ : إِلَى مَنْ تَكِلُنِي وَيَقُولُ الْعَبْدُ : أَنْفِقْ عَلَيَّ وَاسْتَعْمِلْنِي قِيلَ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا ، هَذَا مِنْ كِيسِي " (2)
__________
(1) - مسند أحمد برقم( 14889) والمسند الجامع برقم( 2519) صحيح
موسوعة الأسرة المسلمة معدلة - (ج 11 / ص 209)
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ} أي قل لزوجاتك اللاتي تأذيتَ منهن بسبب سؤالهن إياك الزيادة في النفقة {إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} أي إن رغبتُنَّ في سعة الدنيا ونعيمها، وبهرجها الزائل {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ} أي فتعالينَ حتى أدفع لكنَّ متعة الطلاق {وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} أي وأطلقكُنَّ طلاقاً من غير ضرار {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ} أي وإِن كنتُنَّ ترغبن في رضوان الله ورسوله، والفوز بالنعيم الوافر في الدار الآخرة {فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} جواب الشرط أي فإِن الله تعالى قد هيأ للمحسنات منكنَّ بمقابلة إحسانهن ثواباً كبيراً لا يوصف، وهو الجنة التي فهيا ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، قال في البحر: لما نصر الله نبيه، وفرَّق عنه الأحزاب، وفتح عليه قريظة والنضير، ظنَّ أزواجه أنه اختصَّ بنفائس اليهود وذخائرهم، فقعدن حوله وقلن يا رسول الله: بناتُ كسرى وقيصر في الحُليّ والحُلَل، ونحن على ما تراه من الفاقة والضيق!! وآلمن قلبه بمطالبتهن له بتوسعة الحال، وأن يعاملهنَّ بما يعامل به الملوك والأكابر أزواجهم، فأمره الله أن يتلو عليهن ما نزل في أمرهنَّ، وأزواجه إذ ذاك تسع زوجات {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} أي من تفعل منكن كبيرةً من الكبائر، أو ذنباً تجاوز الحدَّ في القبح، قال ابن عباس: يعني النشوز وسوء الخلق {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} أي يكون جزاؤها ضعف جزاء غيرها من النساء، لأن زيادة قبح المعصية تتبع زيادة الفضل والمرتبة {وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} أي كان ذلك العقاب سهلاً يسيراً على الله، لا يمنعه منه كونهنَّ أزواج ونساء النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الآية تلوينٌ للخطاب، فبعد أن كانت المخاطبة لهن على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجَّه الخطاب إليهنَّ هنا مباشرةً لإِظهار الاعتناء بأمرهن ونصحهن، قال الصَّاوي: وهذه الآيات خطاب من الله لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم إظهاراً لفضلهن، وعظم قدرهن عند الله تعالى، لأن العتاب والتشديد في الخطاب مشعر برفعة رتبتهن، لشدة قربهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنهن أزواجه في الجنة، فبقدر القرب من رسول الله يكون القرب من الله.
(2) - صحيح البخارى برقم( 1426 ) ونص (2546 و2556) والمسند الجامع برقم ( 13306)
فتح الباري لابن حجر - (ج 5 / ص 26)
1337 - حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " خَيْر الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْر غِنًى " فَعَبْد اللَّه الْمَذْكُور فِي الْإِسْنَادِ هُوَ اِبْنُ الْمُبَارَك ، وَيُونُسُ هُوَ اِبْن يَزِيد . وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَفْضَل الصَّدَقَة مَا وَقَعَ مِنْ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إِلَى مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ . قَالَ الْخَطَّابِيّ : لَفْظ الظَّهْر يَرِدُ فِي مِثْلِ هَذَا إِشْبَاعًا لِلْكَلَامِ ، وَالْمَعْنَى أَفْضَل الصَّدَقَة مَا أَخْرَجَهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَبْقِيَ مِنْهُ قَدْرَ الْكِفَايَة ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَهُ : وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ . وَقَالَ الْبَغَوِيّ : الْمُرَادُ غِنًى يَسْتَظْهِرُ بِهِ عَلَى النَّوَائِبِ الَّتِي تَنُوبُهُ . وَنَحْوُهُ قَوْلهمْ رَكِبَ مَتْن السَّلَامَة . وَالتَّنْكِيرُ فِي قَوْلِهِ " غِنًى " لِلتَّعْظِيمِ ، هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ . وَقِيلَ : الْمُرَادُ خَيْر الصَّدَقَةِ مَا أَغْنَيْت بِهِ مَنْ أَعْطَيْتَهُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ ، وَقِيلَ " عَنْ " لِلسَّبَبِيَّةِ وَالظَّهْر زَائِد ، أَيْ : خَيْر الصَّدَقَةِ مَا كَانَ سَبَبهَا غِنًى فِي الْمُتَصَدِّقِ . وَقَالَ النَّوَوِيّ : مَذْهَبُنَا أَنَّ التَّصَدُّقَ بِجَمِيعِ الْمَالِ مُسْتَحَبّ لِمَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ عِيَال لَا يَصْبِرُونَ ، وَيَكُونُ هُوَ مِمَّنْ يَصْبِرُ عَلَى الْإِضَاقَةِ وَالْفَقْرِ ، فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْ هَذِهِ الشُّرُوطَ فَهُوَ مَكْرُوه . وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي " الْمُفْهِمِ " : يُرَدُّ عَلَى تَأْوِيل الْخَطَّابِيّ بِالْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي فَضْل الْمُؤْثِرِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ، وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ " فَضْلُ الصَّدَقَة جُهْد مِنْ مُقِلّ " وَالْمُخْتَار أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَفْضَلُ الصَّدَقَة مَا وَقَعَ بَعْدَ الْقِيَامِ بِحُقُوقِ النَّفْسِ وَالْعِيَال بِحَيْثُ لَا يَصِيرُ الْمُتَصَدِّق مُحْتَاجًا بَعْدَ صَدَقَتِهِ إِلَى أَحَد ، فَمَعْنَى الْغِنَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُصُول مَا تُدْفَعُ بِهِ الْحَاجَة الضَّرُورِيَّة كَالْأَكْلِ عِنْدَ الْجُوعِ الْمُشَوِّشِ الَّذِي لَا صَبْرَ عَلَيْهِ ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ ، وَالْحَاجَة إِلَى مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ الْأَذَى ، وَمَا هَذَا سَبِيله فَلَا يَجُوزُ الْإِيثَارُ بِهِ بَلْ يَحْرُمُ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا آثَرَ غَيْرَهُ بِهِ أَدَّى إِلَى إِهْلَاكِ نَفْسِهِ أَوْ الْإِضْرَارِ بِهَا أَوْ كَشْف عَوْرَتِهِ ، فَمُرَاعَاة حَقِّهِ أَوْلَى عَلَى كُلِّ حَال ، فَإِذَا سَقَطَتْ هَذِهِ الْوَاجِبَاتُ صَحَّ الْإِيثَارُ وَكَانَتْ صَدَقَتُهُ هِيَ الْأَفْضَل لِأَجْلِ مَا يَتَحَمَّلُ مِنْ مَضَضِ الْفَقْر وَشِدَّةِ مَشَقَّتِهِ ، فَبِهَذَا يَنْدَفِعُ التَّعَارُض بَيْنَ الْأَدِلَّةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
قَوْله : ( وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ )
فِيهِ تَقْدِيم نَفَقَة نَفْسه وَعِيَاله لِأَنَّهَا مُنْحَصِرَة فِيهِ بِخِلَاف نَفَقَة غَيْرِهِمْ ، وَسَيَأْتِي شَرْحه فِي النَّفَقَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 10 / ص 26)
18 -( باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى )
أي هذا باب ترجمته لا صدقة إلا عن ظهر غنى وهذه الترجمة لفظ حديث أخرجه أحمد عن أبي هريرة من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة قال لا صدقة إلا عن ظهر غنى وكذا ذكره البخاري في الوصايا تعليقا ولفظ حديث الباب عن أبي هريرة بلفظ خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى قال الخطابي الظهر قد يزاد في مثل هذا إشباعا للكلام والنفي فيه للكمال لا للحقيقة والمعنى لا صدقة كاملة إلا عن ظهر غنى والظهر مضاف إلى غنى وهو بكسر الغين مقصورا ضد الفقر قال ابن قرقول ومنه خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى أي ما أبقت غنى قيل معناه الصدقة بالفضل عن قوت عياله وحاجته وقال الخطابي أفضل الصدقة ما أخرجه الإنسان من مال بعد أن يستبقي منه قدر الكفاية لأهله وعياله ولذلك يقول وابدأ بمن تعول وقال محيي السنة أي غنى مستظهر به على النوائب التي تنوبه ومن تصدق وهو محتاج أو أهله محتاج أو عليه دين فالدين أحق أن يقضى من الصدقة والعتق والهبة وهو رد عليه ليس له أن يتلف أموال الناس
هذا كله من الترجمة وقع تفسيرا لقوله لا صدقة إلا عن ظهر غنى والمعنى أن شرط التصدق أن لا يكون محتاجا ولا أهله محتاجا ولا يكون عليه دين فإذا كان عليه دين فالواجب أن يقضي دينه وقضاء الدين أحق من الصدقة والعتق والهبة لأن الابتداء بالفرائض قبل النوافل وليس لأحد إتلاف نفسه وإتلاف أهله وإحياء غيره وإنما عليه إحياء غيره بعد إحياء نفسه وأهله إذ هما أوجب عليه من حق سائر الناس قوله وهو محتاج جملة إسمية وقعت حالا والجملتان بعدها أيضا حال قوله فالدين أحق جزاء الشرط وفيه محذوف أي فهو أحق وأهله أحق والدين أحق قوله وهو رد أي غير مقبول لأن قضاء الدين واجب والصدقة تطوع ومن أخذ دينا وتصدق به ولا يجد ما يقضي به الدين فقد دخل تحت وعيد من أخذ أموال الناس ومقتضى قوله وهو رد عليه أن يكون الدين المستغرق مانعا من صحة التبرع لكن هذا ليس على الإطلاق وإنما يكون مانعا إذا حجر عليه الحاكم وأما قبل الحجر فلا يمنع كما تقرر ذلك في موضعه في الفقه فعلى هذا إما يحمل إطلاق البخاري عليه أو يكون مذهبه أن الدين المستغرق يمنع مطلقا ولكن هذا خلاف ما قاله العلماء حتى إن ابن قدامة وغيره نقلوا الإجماع على أن المنع إنما يكون بعد الحجر
وقال النبي صلى الله عليه وسلم من أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله
هذا أيضا من الترجمة قد ذكر فيها خمسة أحاديث معلقة هذا أولها وهذا طرف من حديث أبي هريرة وصله البخاري في الاستقراض في باب من أخذ أموال الناس يريد أداءها أو إتلافها حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي حدثنا سليمان عن بلال عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله إلا أن يكون معروفا بالصبر فيؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة كفعل أبي بكر رضي الله تعالى عنه حين تصدق بماله
قوله إلا أن يكون من كلام البخاري وهو استثناء من الترجمة أو من لفظ من تصدق وهو محتاج أي فهو أحق إلا أن يكون معروفا بالصبر فإنه حينئذ له أن يؤثر غيره على نفسه ويتصدق به وإن كان غير غني أو محتاجا إليه قوله خصاصة أي فقر وخلل قوله كفعل أبي بكر حين تصدق بماله أي بجميع ماله لأنه كان صابرا وقد يقال تخلي أبي بكر عن ماله كان عن ظهر غنى لأنه كان غنيا بقوة توكله وتصدق أبي بكر بجميع ماله مشهور في السير وورد في حديث مرفوع أخرجه أبو داود وصححه الترمذي والحاكم من طريق زيد بن أسلم سمعت عمر رضي الله تعالى عنه يقول أمرنا رسول الله أن نتصدق فوافق ذلك مالا عندي فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما فجئت بنصف مالي وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك قال أبقيت لهم الله ورسوله وقال الطبري وغيره قال الجمهور من تصدق بماله كله في صحة بدنه وعقله حيث لا دين عليه وكان صبورا على الإضافة ولا عيال له أو له عيال يصبرون أيضا فهو جائز فإن فقد شيئا من هذه الشروط كره وقال بعضهم هو مردود وروي عن عمر رضي الله تعالى عنه حيث رد على غيلان الثقفي قسمة ماله وقال آخرون يجوز من الثلث ويرد عليه الثلثان وهو قول الأوزاعي ومكحول وعن مكحول أيضا يرد ما زاد على النصف
وكذالك آثر الأنصار المهاجرين
هذا ثالث الأحاديث المعلقة وهو أيضا مشهور في السير وفيه أحاديث مرفوعة منها حديث أنس قدم المهاجرون المدينة وليس بأيديهم شيء فقاسمهم الأنصار وأخرجه البخاري موصولا في حديث طويل من كتاب الهبة في باب فضل المنيحة وذكر ابن إسحاق وغيره أن المهاجرين لما نزلوا على الأنصار آثروهم حتى قال بعضهم لعبد الرحمن بن عوف انزل لك عن إحدى امرأتي
ونهاى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال فليس له أن يضيع أموال الناس بعلة الصدقة
هذا رابع الأحاديث المعلقة وهو طرف من حديث المغيرة وقد مضى بتمامه في أواخر صفة الصلاة
وقال كعب رضي الله تعالى عنه قلت يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله قال أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك قلت فإني أمسك سهمي الذي بخيبر
هذا خامس الأحاديث المعلقة فهو قطعة من حديث طويل في توبة كعب بن مالك وسيأتي في تفسير التوبة وكعب هذا شهد العقبة الثانية وهو أحد شعراء النبي صلى الله عليه وسلم وأحد الثلاثة الذين خلفوا عن رسول الله في غزوة تبوك مات سنة خمسين قوله من توبتي أي من تمام توبتي قوله إلى الله أي صدقة منتهية إلى الله وإنما منع النبي صلى الله عليه وسلم كعبا عن صرف كل ماله ولم يمنع أبا بكر رضي الله تعالى عنه عن ذلك لأنه كان شديد الصبر قوي التوكل وكعب لم يكن مثله
شرح ابن بطال - (ج 5 / ص 476)
قال بعض أهل العلم: فى قوله - صلى الله عليه وسلم - : « خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول » دليل على أن النفقة على الأهل أفضل من الصدقة، لأن الصدقة تطوع، والنفقة على الأهل فريضة.
وقوله: « لا صدقة إلا عن ظهر غنى » أى لا صدقة إلا بعد إحراز قوته وقوت أهله، لأن الابتداء بالفرائض قبل النوافل أولى، وليس لأحد إتلاف نفسه، وإتلاف أهله بإحياء غيره، وإنما عليه إحياء غيره بعد إحياء نفسه، وأهله، إذ حق نفسه وحق أهله أوجب عليه من حق سائر الناس، ولذلك قال: « وابدأ بمن تعول » ، وقال لكعب: « أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك » .
قال الطبرى: فإن قيل: هذا المعنى يعارض فعل أبى بكر الصديق، رضى الله عنه، حين تصدق بماله كله، وأمضاه النبى - صلى الله عليه وسلم - . قيل: قد اختلف العلماء فيمن تصدق بماله كله فى صحة بدنه وعقله، فقالت طائفة: ذلك جائز إذا كان فى صحته. واعتلوا بخبر أبى بكر حين تصدق بماله كله، وأن النبى - صلى الله عليه وسلم - قَبِلَ ذلك ولم ينكره ولا رَدَّهُ، وهو قول مالك، والكوفيين، والشافعى، والجمهور.
وقال آخرون: ذلك كله مردود، ولا يجوز شىء منه. رُوى ذلك عن عمر بن الخطاب أنه رد على غيلان بن سلمة نساءه، وكان طلقهن، وقسم ماله على بنيه، فَرَدَّ عمر ذلك كله.
وقال آخرون: الجائز من ذلك الثلث، ويرد الثلثان واعتلوا بحديث كعب بن مالك، وأن النبى - صلى الله عليه وسلم - رَدَّ صدقته إلى الثلث. هذا قول مكحول، والأوزاعى.
وقال آخرون: كل عطية تزيد على النصف ترد إلى النصف. روى ذلك عن مكحول.
قال الطبرى: والصواب فى ذلك عندنا أن صدقة المتصدق بماله كله فى صحة بدنه وعقله جائزة، لإجازة النبى، - صلى الله عليه وسلم - ، صدقة أبى بكر بماله كله، وإن كنت لا أرى أن يتصدق بماله كله، ولا يجحف بماله ولا بعياله، وأن يستعمل فى ذلك أدب الله تعالى لنبيه، - صلى الله عليه وسلم - ، بقوله: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملومًا محسورًا} [الإسراء: 29] وأن يجعل من ذلك الثلث كما أمر الرسولُ كعبَ بن مالك وأبا لبابة.
وأما إجازته لأبى بكر الصديق، رضى الله عنه، الصدقة بماله كله، فهو إعلام منه أمته أن ذلك جائز غير مذموم وردُّه على كعب، وأبى لبابة ما رَدَّ، وأمرهُ لهما بإخراج الثلث إعلامٌ منه بموضع الاستحباب والاختيار، لا حَظْرا منه للصدقة بجميع المال، والدليل على ذلك إجماع الجميع على أن لكل مالك مالا إنفاق جميعه فى حاجاته، وصرفه فيما لا يحرم عليه من شهواته، فمثله إنفاق جميعه فيما فيه القربة إلى الله، إذ إنفاقه فى ذلك أولَى من إنفاقه فى شهواته، ولذاته.
قال غيره: وأما قوله: وأما من تصدق وعليه دين، فالدين أحق أن يقضى من الصدقة والعتق والهبة، وهو رد عليه. فهو إجماع من العلماء لا خلاف بينهم فيه.
وقوله: إلا أن يكون معروفًا بالصبر، فيؤثر على نفسه. فإنما يرجع هذا الاستثناء إلى قوله: من تصدق وهو محتاج. ولا يرجع إلى قوله: أو عليه دين، للإجماع الذى ذكرنا، ومن بلغ منزلة الإيثار على نفسه، وعلم أنه يصبر على الفقر، ويصبر أهله عليه، فمباح له أن يؤثر على نفسه، ولو كان بهم خصاصة، وجائز له أن يتصدق وهو محتاج، ويأخذ بالشدة كما فعل الأنصار بالمهاجرين، وكما فعل أبو بكر الصديق، رضى الله عنه، وإن عرف أنه لا طاقة له ولا لأهله على مقارعة الفقر والحاجة، فإمساكه لماله أفضل، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : « أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك » وقوله: « وابدأ بمن تعول » وقد روى عباد بن العوام عن عبد الملك بن عمير، عن عطاء، عن أبى هريرة، عن النبى، - صلى الله عليه وسلم - ، قال: « لا صدقة إلا عن ظهر غنى » لفظ الترجمة وهو معنى قوله: « خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى » .
قوله: « اليد العليا خير من اليد السفلى » . فيه ندب إلى التعفف عن المسألة، وحض على معالى الأمور، وترك دنيئها، والله يحب معالى الأمور، وفيه: حض على الصدقة أيضًا. لأن العليا يد المتصدق، والسفلى يد السائل، والمعطِى مفضل على المعطَى، والمفضَّل خير من المفضَّل عليه، ولم يُرِدْ - صلى الله عليه وسلم - أن المفضَّل فى الدنيا خير فى الدين، وإنما أراد فى الإفضال والإعطاء.
قال الخطابى: وتفسيره فى هذا الحديث: اليد العليا المنفقة، والسفلى السائلة تفسير حسن، وفيه وجه آخر أشبه بمعنى الحديث، وهو أن تكون العليا هى المتعففة، وقد روى ذلك مرفوعًا: حدثونا عن علىِّ بن عبد العزيز، حدثنا عارم، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: سمعت النبى - صلى الله عليه وسلم - يخطب يقول: « اليد العليا خير من اليد السفلى، اليد العليا المتعففة » . ورواه ابن المبارك، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « اليد العليا المنفقة، واليد السفلى السائلة » . قال أبو داود: ورواه عبد الوارث، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر مثله، ويؤكد هذا ما روى عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهرى، عن عروة، وسعيد بن المسيب، أن النبى، - صلى الله عليه وسلم - ، أعطى حكيم بن حزام دون ما أعطى أصحابه، فقال حكيم: ما كنت أظن يا رسول الله أن تقصر بى دون أحد. فزاده حتى رضى، فقال النبى - صلى الله عليه وسلم - : « اليد العليا خير من اليد السفلى » ، قال: ومنك يا رسول الله؟ قال: « ومنى » ، قال: والذى بعثك بالحق لا أرزأ أحدًا بعدك شيئًا، فلم يقبل عطاء ولا ديوانًا حتى مات.
قال أبو سليمان: فلو كانت اليد العليا المعطية، لكان حكيم قد توهم أن يدًا خير من يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقوله: « ومنك يا رسول الله » يريد أن التعفف من مسألتك كهو من مسألة غيرك، فقال - صلى الله عليه وسلم - : « نعم » ، فكان بعد ذلك لا يقبل العطاء من أحد. وروى فى وجه ثالث عن الحسن، قال: اليد العليا المعطية، واليد السفلى المانعة.
قال المؤلف: وحديث عروة وسعيد مرسل، والمسند أقطع فى الحجة عند التنازع.
شرح سنن النسائي - (ج 4 / ص 22)
2487 - أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرٌ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ
2487 -
حَاشِيَةُ السِّنْدِيِّ :قَوْله ( عَنْ ظَهْر غِنًى )
أَيْ بِمَا يَبْقَى خَلْفَهَا غِنًى لِصَاحِبِهِ قَلْبِيٌّ كَمَا كَانَ لِلصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ أَوْ قَالَبِيّ فَيَصِير الْغَنِيُّ لِلصَّدَقَةِ كَالظَّهْرِ لِلْإِنْسَانِ وَرَاء الْإِنْسَان فَإِضَافَة الظَّهْر إِلَى الْغِنَى بَيَانِيَّة لِبَيَانِ أَنَّ الصَّدَقَة إِذَا كَانَتْ بِحَيْثُ يَبْقَى لِصَاحِبِهَا الْغِنَى بَعْدهَا إِمَّا لِقَوْلِهِ قَلْبه أَوْ لِوُجُودِ شَيْءٍ بَعْدَهَا يَسْتَغْنِي بِهِ عَمَّا تَصَدَّقَ فَهُوَ أَحْسَنُ وَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ يَحْتَاج صَاحِبهَا بَعْدهَا إِلَى مَا أَعْطَى وَيُضْطَرّ إِلَيْهِ فَلَا يَنْبَغِي لِصَاحِبِهَا التَّصَدُّقُ بِهِ وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَمُ .
حَاشِيَةُ السِّيُوطِيِّ :
( خَيْر الصَّدَقَة مَا كَانَ عَنْ ظَهْر غِنًى )
أَيْ مَا وَقَعَ مِنْ غَيْر مُحْتَاج إِلَى مَا تُصُدِّقَ بِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ مَنْ تَلْزَمهُ نَفَقَته قَالَ الْخَطَّابِيُّ : لَفْظ الظَّهْر يُزَاد فِي مِثْل هَذَا إِشْبَاعًا لِلْكَلَامِ وَالْمَعْنَى أَفْضَل الصَّدَقَة مَا أَخْرَجَهُ الْإِنْسَان مِنْ مَاله بَعْد أَنْ يَسْتَبْقِي مِنْهُ قَدْر الْكِفَايَة وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْده ، وَابْدَأ بِمَنْ تَعُول وَقَالَ الْبَغَوِيُّ : الْمُرَاد غِنًى يَسْتَظْهِر بِهِ عَلَى النَّوَائِب الَّتِي تَنُوبهُ وَالتَّنْكِير فِي قَوْله غِنًى لِلتَّعْظِيمِ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَد فِي مَعْنَى الْحَدِيث وَقِيلَ : الْمُرَاد خَيْر الصَّدَقَة مَا أَغْنَيْت بِهِ مَنْ أَعْطَيْته عَنْ الْمَسْأَلَة ، وَقِيلَ عَنْ لِلسَّبَبِيَّةِ وَالظَّهْر زَائِد أَيْ خَيْر الصَّدَقَة مَا كَانَ سَبَبهَا غِنًى فِي الْمُتَصَدِّق
سبل السلام - (ج 3 / ص 261)
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : { قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ : جُهْدُ الْمُقِلِّ وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ } أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ ) الْجُهْدُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ الْوُسْعُ وَالطَّاقَةُ وَبِالْفَتْحِ الْمَشَقَّةُ ، وَقِيلَ : الْمُبَالَغَةُ وَالْغَايَةُ ، وَقِيلَ : هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى ، قَالَ فِي النِّهَايَةِ : أَيْ قَدْرُ مَا يَحْتَمِلُهُ الْقَلِيلُ مِنْ الْمَالِ وَهَذَا بِمَعْنَى حَدِيثِ { سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، رَجُلٌ لَهُ دِرْهَمَانِ أَخَذَ أَحَدَهُمَا فَتَصَدَّقَ بِهِ وَرَجُلٌ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ فَأَخَذَ مِنْ عَرْضِهِ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا } أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ مَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلَفْظُهُ : وَالْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى } وَقَوْلُهُ { أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ جُهْدُ الْمُقِلِّ } أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي الصَّبْرِ عَلَى الْفَاقَةِ وَالشِّدَّةِ وَالِاكْتِفَاءِ بِأَقَلِّ الْكِفَايَةِ وَسَاقَ أَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ
الفقه الإسلامي وأصوله - (ج 2 / ص 268)
-4 الأولى في الصدقة:
الأولى أن يتصدق المرء من الفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه على الدوام، وإن تصدق بما ينقص من مؤنة من يمونه أثم، لقوله صلى الله عليه وسلم في الأولى: "خير الصدقة: ما كان عن ظهر غنى، وابداً بمن تعول". متفق عليه. أي عن غنى النفس وصبرها على الفقر، ولقوله عليه السلام في حالة الإثم : "كفى بالمرء إثماً أن يضيع مَنْ يقوت(1)". رواه أبو داود والنسائي.
المحلى لابن حزم - (ج 3 / ص 367)
1028 - مَسْأَلَةٌ : وَالسَّرَفُ حَرَامٌ , وَهُوَ النَّفَقَةُ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ , وَلَوْ أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ قَدْرِ جَنَاحِ بَعُوضَةٍ أَوْ التَّبْذِيرُ فِيمَا لاَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ ضَرُورَةً مِمَّا لاَ يَبْقَى لِلْمُنْفِقِ بَعْدَهُ غِنًى أَوْ إضَاعَةُ الْمَالِ وَإِنْ قَلَّ بِرَمْيِهِ عَبَثًا ; فَمَا عَدَا هَذِهِ الْوُجُوهِ فَلَيْسَ سَرَفًا وَهُوَ حَلاَلٌ وَإِنْ كَثُرَتْ النَّفَقَةُ فِيهِ. وَقَوْلُنَا هَذَا رُوِّينَاهُ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَغَيْرِهِ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلاَ تُسْرِفُوا إنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَا يُونُسُ ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. وَصَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : " ، أَنَّهُ قَالَ : خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ ، عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ ، عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ ". فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ نَفَقَةُ شَيْءٍ مِنْ الْمَعْرُوفِ , وَلاَ الْمُبَاحِ , إِلاَّ مَا أَبْقَى غِنًى , إِلاَّ مَنْ اُضْطُرَّ إلَى قُوتِ نَفْسِهِ وَمَنْ مَعَهُ , فَلاَ يَحِلُّ لَهُ قَتْلُ نَفْسِهِ ، وَلاَ تَضْيِيعُ مَنْ مَعَهُ , ثُمَّ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الرَّزَّاقُ ,
وَأَمَّا مَا دُونَ هَذَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ.
وَقَالَ تَعَالَى لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ، وَلاَ تَعْتَدُوا.
وَقَالَ تَعَالَى قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ. فَمَنْ حَرَّمَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ نَصٍّ فَقَدْ قَالَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى الْبَاطِلَ.
فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا فَإِنَّمَا هَذِهِ الآيَةُ فِي الْكُفَّارِ خَاصَّةً بِنَصِّ الآيَةِ قَالَ تَعَالَى وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ.
قال أبو محمد رحمه الله : التَّمْوِيهُ بِإِيرَادِ بَعْضِ آيَةٍ وَالسُّكُوتِ ، عَنْ أَوَّلِهِمَا أَوْ آخِرِهَا عَادَةُ سُوءٍ لِمَنْ أَرَادَ اللَّهَ تَعَالَى خِزْيُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ , لأََنَّهُ تَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ ، عَنْ مَوَاضِعِهِ وَكَذِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.
المحلى لابن حزم - (ج 5 / ص 65)
1633 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ تَنْفُذُ هِبَةٌ ، وَلاَ صَدَقَةٌ لأََحَدٍ إِلاَّ فِيمَا أَبْقَى لَهُ وَلِعِيَالِهِ غِنًى , فَإِنْ أَعْطَى مَا لاَ يَبْقَى لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ بَعْدَهُ غِنًى فُسِخَ كُلَّهُ.
برهان ذَلِكَ : مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : قَالَ نَبِيُّكُمْ صلى الله عليه وسلم : : كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ سَوَادٍ ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَا يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ ، عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ.
وَرُوِّينَا مَعْنَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم .
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ حَدَّثَهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ ، عَنْ ظَهْرِ غِنًى. فَإِذًا كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ , وَأَفْضَلُ الصَّدَقَةِ وَخَيْرُهَا مَا كَانَ ، عَنْ ظَهْرِ غِنًى , فَبِلاَ شَكٍّ وَبِالضَّرُورَةِ : أَنَّ مَا زَادَ فِي الصَّدَقَةِ وَنَقَصَ مِنْ الْخَيْرِ , وَالأَفْضَلِ فَلاَ أَجْرَ فِيهِ , وَلاَ خَيْرَ فِيهِ , وَلاَ فَضْلَ فِيهِ , وَأَنَّهُ بَاطِلٌ , وَإِذَا كَانَ بَاطِلاً , فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ فَهَذَا مُحَرَّمٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ.
وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : تَصَدَّقُوا فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ قَالَ : تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ قَالَ : عِنْدِي آخَرُ , قَالَ : تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ , قَالَ : عِنْدِي آخَرُ , قَالَ : تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ , قَالَ : عِنْدِي آخَرُ , قَالَ : تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ , قَالَ : عِنْدِي آخَرُ , قَالَ : أَنْتَ أَبْصَرُ بِهِ وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ عَبْدًا لَهُ ، عَنْ دُبُرٍ , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَلَكَ مَالٌ غَيْرُهُ قَالَ : لاَ , قَالَ : مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ النَّحَّامِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ , فَدَفَعَهَا إلَيْهِ , ثُمَّ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلأََهْلِكَ , فَإِنْ فَضَلَ ، عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ , فَإِنْ فَضَلَ ، عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَكَهَذَا وَهَكَذَا.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ : فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي تَخَلُّفِهِ ، عَنْ تَبُوكَ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِك فَهُوَ خَيْرٌ لَك فَقُلْتُ : إنِّي أُمْسِكَ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي وَعَمِّي سَعْدٌ , وَيَعْقُوبُ ابْنًا إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ , قَالاَ جَمِيعًا : ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ , فَرَدَّهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَابْتَاعَهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ.
حدثنا حمام ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبُغَ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ ، هُوَ ابْنُ زَيْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ الْبَيْضَةِ مِنْ الذَّهَبِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ صَدَقَةٌ مَا تَرَكْتُ لِي مَالاً غَيْرَهَا , فَحَذَفَهُ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَوْ أَصَابَهُ لاََوْجَعَهُ , ثُمَّ قَالَ : يَنْطَلِقُ أَحَدُكُمْ فَيَنْخَلِعُ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ يَصِيرُ عِيَالاً عَلَى النَّاسِ. وَ
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ أَنْ يَطْرَحُوا ثِيَابًا , فَطَرَحُوا , فَأَمَرَ لَهُ بِثَوْبَيْنِ , ثُمَّ حَثَّ عليه السلام عَلَى الصَّدَقَةِ , فَجَاءَ فَطَرَحَ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ , فَصَاحَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خُذْ ثَوْبَكَ. فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ رَدَّ الْعِتْقَ , وَالتَّدْبِيرَ , وَالصَّدَقَةَ بِمِثْلِ الْبَيْضَةِ مِنْ الذَّهَبِ , وَصَدَقَةَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ بِمَالِهِ كُلِّهِ , وَلَمْ يُجِزْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا. وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا : قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام : مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ.
وَمِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ : أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ جَمَعَ حَرَامًا وَحَلاَلاً فَهُوَ عَقْدٌ مَفْسُوخٌ كُلُّهُ ; لأََنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى , وَلاَ تَمَيَّزَ حَلاَلُهُ مِنْ حَرَامِهِ , فَهُوَ عَقْدٌ لَمْ يَكُنْ قَطُّ صَحِيحًا عَمَلُهُ. وَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَالْبَيَانِ لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ خِلاَفُهَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ , وَجَابِرٍ , وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ , وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ , وَأَبِي سَعِيدٍ.
وَرُوِّينَا أَيْضًا مَعْنَاهَا ، عَنْ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَحِيحًا. وَمِنْ الْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ : مِنْ الْقُرْآنِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلَى عُنُقِكَ ، وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا.
وَقَوْله تَعَالَى وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ، وَلاَ تُسْرِفُوا إنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ.
وَقَوْله تَعَالَى وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ، وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا السَّلَفُ :
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ قَالَ لأََبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : إنِّي رَأَيْت أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي كُلِّهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : لاَ تَخْرُجُ مِنْ مَالِك كُلِّهِ , وَلَكِنْ تَصَدَّقْ وَأَمْسِكْ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ : يُرَدُّ مِنْ حَيْفِ النَّاحِلِ مَا يُرَدُّ مِنْ حَيْفِ الْمَيِّتِ فِي وَصِيَّتِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : لاَ أَرَى أَنْ يَتَصَدَّقَ الْمَرْءُ بِمَالِهِ كُلِّهِ , وَلَكِنْ يَتَصَدَّقُ بِثُلُثِ مَالِهِ يُرَدُّ مِنْ حَيْفِ النَّاحِلِ فِي حَيَاتِهِ مَا يُرَدُّ مِنْ حَيْفِ الْمَيِّتِ فِي وَصِيَّتِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ حَضَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَدْ تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ آلِ الزُّبَيْرِ عَلَى بَعْضِ وَلَدِهِ بِجَمِيعِ مَالِهِ إِلاَّ شَيْئًا يَسِيرًا فَأَمْضَى لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ الثُّلُثَ , أَوْ نَحْوَهُ.
قال أبو محمد رحمه الله : لاَ نَحُدُّ الثُّلُثَ ، وَلاَ أَكْثَرَ ، وَلاَ أَقَلَّ إنَّمَا هُوَ مَا أَبْقَى غِنًى.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ : كُلُّ صَدَقَةٍ تَصَدَّقَ بِهَا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ قَدْ بَلَغَ لاَ بَأْسَ بِعَقْلِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لاَ وَفَاءَ لَهُ بِهِ جَائِزَةٌ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ لَهُ غِنًى فَيَتَصَدَّقُ عَلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِ بِمَالِهِ كُلِّهِ دُونَ بَعْضٍ , فَإِنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ سَرَفًا , فَتَرُدُّ الْوُلاَةُ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءَ بِقَدْرِ رَأْيِهِمْ فِيهِ , وَيُجِيزُونَ السَّدَادَ , عَلَى هَذَا جَرَى أَمْرُ الْقُضَاةِ. فَهَؤُلاَءِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ , وَعُرْوَةُ , وَابْنُ شِهَابٍ , وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ , وَأَبُو الزِّنَادِ , وَالْقُضَاةُ جُمْلَةً لاَ يُجِيزُونَ الصَّدَقَةَ بِجَمِيعِ الْمَالِ.
قَالَ عَلِيٌّ : وَالْغِنَى هُوَ مَا يَقُومُ بِقُوتِ الْمَرْءِ وَأَهْلِهِ عَلَى الشِّبَعِ مِنْ قُوتِ مِثْلِهِ , وَبِكِسْوَتِهِمْ كَذَلِكَ وَسُكْنَاهُمْ , وَبِمِثْلِ حَالٍ مِنْ مَرْكَبٍ وَزِيٍّ فَقَطْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَهَذَا يَقَعُ عَلَيْهِ فِي اللُّغَةِ اسْمُ غِنًى , لأَسْتِغْنَائِهِ ، عَنِ النَّاسِ , فَمَا زَادَ فَهُوَ وَفْرٌ وَدَثْرٌ وَيَسَارٌ , وَفَضْلٌ إلَى الإِكْثَارِ , وَمَا نَقَصَ فَلَيْسَ غِنًى , وَلَكِنَّهُ حَاجَةٌ وَعُسْرَةٌ وَضِيقَةٌ , إِلاَّ أَنْ يَنْزِلَ إلَى الْمَسْكَنَةِ , وَالْفَاقَةِ , وَالْفَقْرِ , وَالإِدْقَاعِ , وَالضَّرُورَةِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ , وَمِنْ فِتْنَةِ الْغِنَى وَالْمَالِ. فَإِنْ ذَكَرَ الْمُخَالِفُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالُهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَقَوْله تَعَالَى وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ :
وَقَوْله تَعَالَى وَاَلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ وَ
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ ، عَنْ زَائِدَةَ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ بِالصَّدَقَةِ فَيَنْطَلِقُ أَحَدُنَا فَيُحَامِلُ فَيَجِيءُ بِالْمُدِّ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفٍ , كَانَ لِرَجُلٍ دِرْهَمَانِ فَتَصَدَّقَ أَجْوَدَهُمَا , وَانْطَلَقَ رَجُلٌ إلَى عُرْضِ مَالِهِ فَأَخَذَ مِنْهَا مِائَةَ أَلْفٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الْحَكَمِ الرَّقِّيِّ ، عَنْ حَجَّاجٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ عَلِيٍّ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيُّ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبَشِيٍّ الصَّنْعَانِيِّ الْخَثْعَمِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ : جُهْدُ الْمُقِلِّ.
وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي بُرْدَةَ هُوَ سَعِيدٌ قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ ، عَنْ أَبِي مُوسَى ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ قَالَ : أَرَأَيْتَ إنْ لَمْ يَجِدْهَا قَالَ : يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ بَاتَ بِهِ ضَيْفٌ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلاَّ قُوتَهُ وَقُوتَ صِبْيَانِهِ , فَقَالَ لأَمْرَأَتِهِ : نَوِّمِي الصِّبْيَةَ , وَأَطْفِئِي السِّرَاجَ , وَقَرِّبِي لِلضَّيْفِ مَا عِنْدَك فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ : وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ .
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ بَلَغَنَا : أَنَّ رَجُلاً تَصَدَّقَ عَلَى أَبَوَيْهِ صَدَقَةً وَهُوَ مَالُهُ كُلُّهُ ثُمَّ وَرِثَهُمَا , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : هُوَ كُلُّهُ لَكَ حَلاَلٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ ، حَدَّثَنَا الْعَلاَءُ بْنُ عَمْرٍو الْحَنَفِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ آدَمَ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعَلَيْهِ عَبَاءَةٌ قَدْ خَلَّهَا فِي صَدْرِهِ بِخِلاَلٍ إذْ هَبَطَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي أَرَى أَبَا بَكْرٍ وَعَلَيْهِ عَبَاءَةٌ قَدْ خَلَّهَا بِخِلاَلٍ قَالَ : يَا جِبْرِيلُ أَنْفَقَ عَلَيَّ مَالَهُ قَبْلَ الْفَتْحِ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لَكَ : اقْرَأْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ السَّلاَمَ , وَقَالَ لَهُ : أَرَاضٍ أَنْتَ عَنِّي يَا أَبَا بَكْرٍ فِي فَقْرِكَ هَذَا أَمْ سَاخِطٌ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ذَلِكَ فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ , وَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَأَسْخَطُ عَلَى رَبِّي , أَنَا ، عَنْ رَبِّي رَاضٍ وَكَرَّرَهَا ثَلاَثًا.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالصَّدَقَةِ فَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِمَالِهِ كُلِّهِ , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَا أَبْقَيْتُ لأََهْلِكَ فَقَالَ : أَبْقَيْتُ لَهُمْ اللَّهَ وَرُسُلَهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ عُمَرَ , قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالصَّدَقَةِ , فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَبْقَيْتَ لأََهْلِكَ فَقُلْتُ : مِثْلَهُ , قَالَ : وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لأََهْلِكَ قَالَ : اللَّهَ وَرَسُولَهُ. هَذَا كُلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَذْكُرُوهُ قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ وَلَكِنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ. أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى أَمْوَالَهُمْ كُلَّهَا. وَمَنْ أَنْفَقَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ , أَوْ أَنْفَقَ ثَلاَثَةً بِالْعَدَدِ كَذَلِكَ : فَقَدْ أَنْفَقَ أَمْوَالَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى , كَمَا أَنَّ مَنْ أَنْفَقَ دِرْهَمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ أَقَلَّ , فَقَدْ أَنْفَقَ مَالَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ; لأََنَّ بَعْضَ مَالِهِ وَإِنْ قَلَّ يُسَمَّى مَالَهُ. ثُمَّ بَيَانُ مَا يَجُوزُ إنْفَاقُهُ وَمَا لاَ يَجُوزُ فِي الآيَاتِ وَالأَحَادِيثِ الَّتِي قَدَّمْنَا , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : إنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَاسِخَةٌ لِتِلْكَ وَمُبِيحَةٌ لِبَسْطِ يَدِهِ كُلَّ الْبَسْطِ , وَلِلتَّبْذِيرِ وَالسَّرَفِ , فَيَكُونُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ كَاذِبًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا قوله تعالى : وَاَلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ مَعَ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام إذْ سُئِلَ ، عَنْ أَفْضَلِ الصَّدَقَةِ جُهْدُ الْمُقِلِّ فَإِنَّ هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ بَيَّنَهُمَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ : جُهْدُ الْمُقِلِّ , وَأَبْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ.
فَصَحَّ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ , وَخَبَرَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبَشِيٍّ إنَّمَا هُمَا فِي جُهْدِهِ , وَإِنْ كَانَ مُقِلًّا مِنْ الْمَالِ غَيْرَ مُكْثِرٍ إذَا أَبْقَى لِمَنْ يَعُولُ غِنًى ، وَلاَ بُدَّ.
وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ فَحَقٌّ , وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لأََنَّ مَنْ بِهِ خَصَاصَةٌ وَآثَرَ عَلَى نَفْسِهِ فَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ إِلاَّ فِي مَجْهُودٍ , وَهَكَذَا نَقُولُ , وَلَيْسَ فِيهَا أَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ تَضْيِيعُ نَفْسِهِ , وَأَهْلِهِ , وَالصَّدَقَةُ عَلَى مَنْ هُوَ أَغْنَى مِنْهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ : أَنَّ أَحَدَهُمْ كَانَ يُحَامِلُ فَيَأْتِي بِالْمُدِّ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ فَهَذَا حَسَنٌ , وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَهُ غِنًى وَلأََهْلِهِ , وَلاَ فَضْلَ عِنْدَهُ فَيَحْمِلُ عَلَى ظَهْرِهِ فَيُصِيبُ مُدًّا هُوَ عَنْهُ فِي غِنًى فَيَتَصَدَّقُ بِهِ. وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ابْدَأْ بِمِنْ تَعُولُ وَأَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ ، عَنْ ظَهْرِ غِنًى , وَرَدُّهُ عليه الصلاة والسلام مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفٍ تَصْحِيحٌ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَهُ غِنًى , وَفَضَلَ لَهُ دِرْهَمَانِ فَقَطْ فَتَصَدَّقَ بِأَجْوَدِهِمَا , وَكَانَتْ نِسْبَةُ الدِّرْهَمِ مِنْ مَالِهِ أَكْثَرَ مِنْ نِسْبَةِ الْمِائَةِ الأَلْفِ مِنْ مَالِ الآخَرِ فَقَطْ , وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ غِنًى سِوَاهُمَا.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى يَعْتَمِلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ فَبَيِّنٌ كَقَوْلِنَا ; لأََنَّهُ عليه السلام لَمْ يُفْرِدْ الصَّدَقَةَ دُونَ مَنْفَعَةِ نَفْسِهِ , بَلْ بَدَأَ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ , وَهَكَذَا نَقُولُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الأَنْصَارِيِّ الَّذِي بَاتَ بِهِ الضَّيْفُ فَقَدْ رُوِّينَاهُ بِبَيَانٍ لاَئِحٍ , كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ أَبِيهِ هُوَ فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ الأَشْجَعِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيُضِيفَهُ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا لِضَيْفِهِ فَقَالَ : أَلاَ رَجُلٌ يُضِيفُ هَذَا رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ : أَبُو طَلْحَةَ , فَانْطَلَقَ بِهِ إلَى رَحْلِهِ , ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ , كَمَا رَوَاهُ جَرِيرٌ ، وَوَكِيعٌ ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ
فَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ كَانَ أَبَا طَلْحَةَ وَهُوَ مُوسِرٌ مِنْ مَيَاسِيرِ الأَنْصَارِ.
وَرُوِّينَا ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّهُ قَالَ : كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ , وَقَدْ لاَ يَحْضُرُ الْمُوسِرَ أَكْلٌ حَاضِرٌ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ شِهَابٍ فَمُنْقَطِعٌ , وَقَدْ رُوِّينَاهُ بِأَحْسَنَ مِنْ هَذَا السَّنَدِ بَيَانًا , كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق مُحَمَّدِ بْنِ الْجَهْمِ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الأَنْطَاكِيُّ ، حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَحُمَيْدٍ الأَعْرَجِ كِلاَهُمَا ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ حَائِطِي صَدَقَةٌ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ , فَأَتَى أَبُوهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : مَا كَانَ لَنَا عَيْشٌ غَيْرُهَا , فَرَدَّهَا عَلَيْهِ يَعْنِي عَلَى الأَبِ فَمَاتَ فَوَرِثَهَا يَعْنِي الأَبْنُ ، عَنْ أَبِيهِ فَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ السَّنَدِ وَفِيهِ رَدُّهُ عليه السلام لِتِلْكَ الصَّدَقَةِ الَّتِي كَانَ لاَ عَيْشَ لأََبِيهِ إِلاَّ مِنْهَا , فَرَدَّهَا عَلَيْهِ , وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ الأَبْنَ لَمْ يَكُنْ لَهُ غِنًى غَيْرُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله تعالى عنه فَغَيْرُ صَحِيحٍ أَصْلاً ; لأََنَّ إحْدَى طَرِيقَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالثَّانِيَةُ مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ الْفَرْوِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ الصَّغِيرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ ; لأََنَّ الأَصْلَ إبَاحَةُ الصَّدَقَةِ مَا لَمْ يَأْتِ نَهْيٌ ، عَنْ تَحْرِيمِهَا فَكَانَ يَكُونُ مُوَافِقًا لِمَعْهُودِ الأَصْلِ , وَكَانَ النَّصُّ الَّذِي قَدَّمْنَا مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَارِدًا بِالْمَنْعِ مِنْ بَعْضِ الصَّدَقَةِ , فَهُوَ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ نَاسِخٌ لِمَا يَقْدُمُهُ ,
وَمَنْ ادَّعَى فِيمَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ نَاسِخٌ أَنَّهُ قَدْ نُسِخَ , فَقَدْ كَذَبَ , وَقَفَا مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ وَرَامَ إبْطَالَ الْيَقِينِ بِالظَّنِّ الإِفْكِ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الآخَرُ الَّذِي فِيهِ أَنْفَقَ عَلَيَّ مَالَهُ قَبْلَ الْفَتْحِ فَلاَ يَحِلُّ الأَحْتِجَاجُ بِهِ ; لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْعَلاَءِ بْنِ عَمْرٍو الْحَنَفِيِّ وَهُوَ هَالِكٌ مُطْرَحٌ ثُمَّ التَّوْلِيدُ فِيهِ لاَئِحٌ ; لأََنَّ فِيهِ نَصًّا : أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ الْفَتْحِ , وَكَانَ فَتْحُ خَيْبَرَ قَبْلَ الْفَتْحِ بِعَامَيْنِ , وَكَانَ لأََبِي بَكْرٍ فِيهَا مِنْ سَهْمِهِ مَالٌ وَاسِعٌ مَشْهُورٌ. وَمَنْ أَخَذَ بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ كَانَ قَدْ خَالَفَ تِلْكَ , وَهَذَا لاَ يَحِلُّ , وَكَانَ مَنْ أَخَذَ بِتِلْكَ قَدْ أَخَذَ بِهَذِهِ , وَلاَ بُدَّ مِنْ تَأْلِيفِ مَا صَحَّ مِنْ تِلْكَ الأَخْبَارِ , وَضَمِّ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ , وَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ إِلاَّ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَسْخٍ أَوْ تَخْصِيصٍ بِنَصٍّ آخَرَ.
وَمِنَ الْعَجَبِ احْتِجَاجُهُمْ بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : رَأَيْت أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي كُلِّهِ , فَمِنْ الْعَجَبِ الأَحْتِجَاجُ فِي الدِّينِ بِأَحْلاَمِ نَائِمٍ , هَذَا عَجَبٌ جِدًّا وَقَدْ سَمِعَ عُمَرُ أَبُوهُ رضي الله عنه تِلْكَ الرُّؤْيَا فَلَمْ يَعْبَأْ بِهَا. فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ وَبَقِيَ كُلُّ مَا أَوْرَدْنَا بِحَسْبِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 1268)
«أ- الإسراف في الصّدقة»
10 - الصّدقات الواجبة المحدّدة المقدار ، كالزّكاة والنّذر وصدقة الفطر ، لا يتصوّر فيها الإسراف ، لأنّ أداءها بالقدر المحدّد واجبٌ شرعاً.
وتفصيل شروط الوجوب ، ومقدار ما وجب في هذه الصّدقات مذكورٌ في موضعها.
أمّا الصّدقات المندوبة - وهي الّتي تعطى للمحتاجين لثواب الآخرة - فرغم حثّ الإسلام على الإنفاق على الفقراء والمساكين والمحتاجين في كثيرٍ من الآيات والأحاديث ، فقد أمر اللّه بالقصد والاعتدال وعدم التّجاوز إلى حدٍّ يعتبر إسرافاً ، بحيث يؤدّي إلى فقر المنفق نفسه حتّى يتكفّف النّاس.
قال اللّه تعالى في صفات المؤمنين : «والّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا ، وكان بين ذلك قواماً» .
وكذلك قال سبحانه : «ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ، ولا تبسطها كلّ البسط فتقعد ملوماً محسوراً» قال المفسّرون في تفسير هذه الآية : ولا تخرج جميع ما في يدك مع حاجتك وحاجة عيالك إليه ، فتقعد منقطعاً عن النّفقة والتّصرّف ، كما يكون البعير الحسير ، وهو الّذي ذهبت قوّته فلا انبعاث به ، وقيل : لئلاّ تبقى ملوماً ذا حسرةٍ على ما في يدك ، لكنّ المراد بالخطاب غير النّبيّ صلى الله عليه وسلم لأنّه لم يكن ممّن يتحسّر على إنفاق ما حوته يده في سبيل اللّه ، وإنّما نهى اللّه عن الإفراط في الإنفاق وإخراج جميع ما حوته يده من المال من خيف عليه الحسرة على ما خرج عن يده ، وقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « يأتي أحدكم بما يملك ، فيقول : هذه صدقةٌ ، ثمّ يقعد يستكفّ النّاس ، ، خير الصّدقة ما كان عن ظهر غنًى » فأمّا من وثق بموعود اللّه وجزيل ثوابه فيما أنفقه فغير مرادٍ بالآية ، وقد كان كثيرٌ من فضلاء الصّحابة ينفقون في سبيل اللّه جميع أموالهم ، فلم يعنّفهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم لصحّة يقينهم وشدّة بصائرهم.
وفي ضوء هذه الآيات والأحاديث صرّح الفقهاء أنّ الأولى أن يتصدّق من الفاضل عن كفايته وكفاية من يموّنه على الدّوام ، ومن أسرف بأن تصدّق بما ينقصه عن كفاية من تلزمه مؤنته ، أو ما يحتاج إليه لنفقة نفسه - ولا كسب له - فقد أثم ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « كفى بالمرء إثماً أن يضيّع من يموّنه » ولأنّ نفقة من يموّنه واجبةٌ ، والتّطوّع نافلةٌ ، وتقديم النّفل على الفرض غير جائزٍ ، ولأنّ الإنسان إذا أخرج جميع ماله لا يأمن فتنة الفقر وشدّة نزاع النّفس إلى ما خرج منه ، فيذهب ماله ، ويبطل أجره ، ويصير كلاًّ على النّاس.
أمّا من يعلم من نفسه حسن التّوكّل ، والصّبر على الفقر ، والتّعفّف عن المسألة ، أو كان ذا مكسبٍ واثقاً من نفسه ، فله أن يتصدّق بكلّ ماله عند الحاجة ، ولا يعتبر هذا في حقّه إسرافاً.
لما روي أنّ أبا بكرٍ أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بكلّ ما عنده ، فقال له : « ما أبقيت لأهلك ؟ قال : أبقيت لهم اللّه ورسوله » فهذا كان فضيلةً في حقّ أبي بكرٍ ، لقوّة يقينه وكمال إيمانه ، وكان أيضاً تاجراً ذا مكسبٍ.
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 9436)
التّصدّق بكلّ ماله
23 - يستحبّ أن تكون الصّدقة بفاضل عن كفايته ، وكفاية من يمونه ، وإن تصدّق بما ينقص مؤنة من يمونه أثم . ومن أراد التّصرّف بماله كلّه ، وهو يعلم من نفسه حسن التّوكّل والصّبر عن المسألة فله ذلك ، وإلاّ فلا يجوز .
ويكره لمن لا صبر له على الضّيق أن ينقص نفقة نفسه عن الكفاية التّامّة .
وهذا ما صرّح به فقهاء الحنفيّة وقال المالكيّة : إنّ الإنسان ما دام صحيحاً رشيداً له التّبرّع بجميع ماله على كلّ من أحبّ .
قال في الرّسالة : ولا بأس أن يتصدّق على الفقراء بماله كلّه للّه .
لكن قال النّفراويّ : محلّ ندب التّصدّق بجميع المال أن يكون المتصدّق طيّب النّفس بعد الصّدقة بجميع ماله ، لا يندم على البقاء بلا مال . وأنّ ما يرجوه في المستقبل مماثل لما تصدّق به في الحال ، وأن لا يكون يحتاج إليه في المستقبل لنفسه ، أو لمن تلزمه نفقته ، أو يندب الإنفاق عليه ، وإلاّ لم يندب له ذلك بل يحرم عليه إن تحقّق الحاجة لمن تلزمه نفقته ، أو يكره إن تيقّن الحاجة لمن يندب الإنفاق عليه ، لأنّ الأفضل أن يتصدّق بما يفضل عن حاجته ومؤنته ، ومؤنة من ينفق عليه .
ويقول ابن قدامة : الأولى أن يتصدّق من الفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه على الدّوام لقوله عليه الصلاة والسلام : xx خير الصّدقة ما كان عن ظهر غنىً ، وابدأ بمن تعول xx ولأنّ نفقة من يمونه واجبة والتّطوّع نافلة ، وتقديم النّفل على الفرض غير جائز .
فإن كان الرّجل لا عيال له ، فأراد الصّدقة بجميع ماله وكان ذا مكسب ، أو كان واثقاً من نفسه يحسن التّوكّل والصّبر على الفقر والتّعفّف عن المسألة فحسن ، وروي عن عمر - رضي الله عنه - قال : xx أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن نتصدّق فوافق ذلك مالاً عندي ، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً ، فجئت بنصف مالي ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك ؟ قلت : مثله . قال : وأتى أبو بكر بكلّ ما عنده فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : ما أبقيت لأهلك ؟ قال : أبقيت لهم اللّه ورسوله ، فقلت لا أسابقك إلى شيء بعده أبداً xx .
قال ابن قدامة : فهذا كان فضيلةً في حقّ أبي بكر الصّدّيق - رضي الله عنه - لقوّة يقينه ، وكمال إيمانه ، وكان أيضاً تاجراً ذا مكسب ، فإن لم يوجد في المتصدّق أحد هذين كره له التّصدّق بجميع ماله .
فقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : xx يأتي أحدكم بما يملك ، ويقول هذه صدقة ، ثمّ يقعد يستكفّ النّاس ، خير الصّدقة ما كان عن ظهر غنىً xx ، ولأنّ الإنسان إذا أخرج جميع ماله لا يأمن فتنة الفقر ، وشدّة نزاع النّفس إلى ما خرج منه فيندم ، فيذهب ماله ، ويبطل أجره ، ويصير كلاً على النّاس .
واتّفق قول الشّافعيّة مع سائر الفقهاء في : أنّ ما يحتاج إليه لعياله ودينه لا يجوز له أن يتصدّق به ، وإن فضل عن ذلك شيء ، فهل يستحبّ أن يتصدّق بجميع الفاضل ؟ فيه عندهم أوجه ، أصحّها : إن صبر على الضّيق فنعم ، وإلاّ فلا بل يكره ذلك ، قالوا : وعليه تحمل الأخبار المختلفة الظّاهر .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 33 / ص 10)
نذر التصدق بكل ما يملك
25 - اختلف الفقهاء في حكم من نذر أن يتصدق بكل ما يملك من مالي على ستة اتجاهات
الاتجاه الأول يرى أصحابه أن من نذر التصدق بكل ما يملك لا يلزمه شيء بهذا النذر ولا كفارة عليه، روي هذا عن عائشة وحفصة وزينب بنت أم سلمة رضي الله عنهن، وهو قول الحكم بن عتيبة والشعبي والحارث العكلي وسعيد بن المسيب والقاسم بن محمد ، وثمة وجه في مذهب الشافعي صححه الغزالي وقطع به بعض الشافعية أن هذا النذر لغو، لأنه لو قال مالي صدقة، أو مالي قي سبيل الله، فإنه لا يكون آتيا بصيغة التزام فلا يلزمه به شيء واستدل هؤلاء بقوله تعالى { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا }
وقوله تعالى { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } ووجه الدلالة أمر الحق سبحانه بالصدقة والإنفاق في سبيله، إلا أنه نهى عن الإسراف والتبذير فيما يتصدق به المرء، فهذا يدل على أن التصدق بكل ما يملكه المرء من مال غير مطلوب للشارع والتزامه بالنذر لا يجوز، لأنه ليس نذر في طاعة الله سبحانه.
كما استدلوا بأحاديث من السنة المطهرة منها ما رواه كعب بن مالك - في حديث تخلفه عن غزوة تبوك - وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم " ( إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله والى رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك، قلت أمسك سهمي الذي بخيبر ) " .
ومنها حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال " ( كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل بمثل بيضة من ذهب فقال يا رسول الله أصبت هذه من معدن فخذها فهي صدقة، ما أملك غيرها، فأعرض 40 161 رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه مرارا- وهو يردد كلامه هذا - ثم أخذها صلى الله عليه وسلم فحذفه بها، فلو أصابته لأوجعته أو لعقرته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي أحدكم بما يملك فيقول هذه صدقة ثم يقعد يستكف الناس، خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ) "، وفي رواية أخرى أنه صلى الله عليه وسلم قال " ( خذ عنا مالك لا حاجة لنا به ) " .
الاتجاه الثاني يرى من ذهب إليه أن من نذر التصدق بكل ما يملك من مال فإن نذره هذا يمين، وتلزمه كفارة يمين، روي هذا عن عمر وابنه عبد الله وابن عباس وجابر بن عبد الله وعائشة وأم سلمة رضي الله عنهم، وهو قول الحسن البصري وطاووس وعطاء بن أبي رباح وعكرمة والأوزاعي وقتادة وسليمان بن يسار ، وهو رواية عن أحمد بن حنبل .
واستدل هؤلاء بحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله كنت قال " ( كفارة النذر كفارة اليمين ) " .
فقد أفاد هذا الحديث أن حكم النذر كحكم اليمين، فمن حنث في يمينه تلزمه كفارة، فكذلك يلزم الناذر إن لم يف بنذره كفارة ككفارة اليمين.
الاتجاه الثالث يرى أصحابه أن من نذر التصدق بكل ماله فإنه يجزئه التصدق بثلث هذا المال. وقد مال إلى هذا الاتجاه الزهري والليث بن سعد وهو قول آخر حكي عن سعيد بن المسيب ، وإليه ذهب المالكية وهو مذهب جمهور الحنابلة .
واستدل هؤلاء بما روى حسين بن السائب بن أبي لبابة أن أبا لبابة رضي الله عنه قال " ( يا رسول الله إن من توبتي أن أهجر دار قومي وأساكنك، وإني أنخلع من مالي صدقة لله ولرسوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجزئ عنك الثلث ) " ، ومما رواه كعب بن مالك في قصة تخلفه عن غزوة تبوك قال " ( قلت يا رسول الله إن من توبتي إلى الله أن أخرج من 40 162 مالي كله إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم صدقة، قال لا، قلت فنصفه. قال لا، قلت فثلثه؛ قال نعم، قلت فإني سأمسك سهمي من خيبر ) " فقد أفاد هذان الحديثان أن من نذر التصدق بكل ما يملك من مال فإنه يجزئه التصدق بثلثه كما هو منطوق الحديثين.
الاتجاه الرابع يرى من ذهب إليه أن من نذر التصدق بكل ما له فإنه يلزمه أن يتصدق به كله.
وهذا الاتجاه هو رواية أخرى عن ابن عمر رضي الله عنهما كما روي عن سالم بن عبد الله والقاسم بن محمد أنهما قالا يتصدق بهذا المال على بناته، وصح عن الشعبي والنخعي أنهما كانا يلزمانه ما جعل على نفسه، وهو القياس عند الحنفية.
قال هؤلاء فإن أخرجه مخرج اليمين فكفارته كفارة يمين، وإلزام الناذر أن يتصدق بكل ما له هو وجه في مذهب الشافعية .
0 واستدل أصحاب هذا الاتجاه بما روي عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ( من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه ) " .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 112 / ص 171)
ج - الصَّدَقَةُ وَالْوَصَايَا : 27 - مِمَّا يَلْتَزِمُهُ الْإِنْسَانُ الصَّدَقَةُ وَالْوَصَايَا ، أَمَّا الصَّدَقَةُ : فَهِيَ مَا يُخْرِجُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَالِهِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ [508] . وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَصَدَّقَ الْإِنْسَانُ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ وَمَؤُونَتِهِ وَمَؤُونَةِ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ . وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنَ الْفَاضِلِ عَنْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مَنْ يَمُونُهُ عَلَى الدَّوَامِ [509] . لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ" [510] . وَيَقُولُ السَّرَخْسِيُّ : الصَّدَقَةُ قَدْ تَكُونُ مِنَ < 101 > الْأَجَانِبِ ، وَقَدْ تَكُونُ مِنَ الْقَرَابَاتِ وَذَلِكَ أَفْضَلُ ، لِمَا فِيهِ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ [511] . وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : "أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ" [512] . وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ : الْأَوْلَى فِي الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ ، وَفِي الْأَشَدِّ مِنْهُمْ عَدَاوَةً أَفْضَلُ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ ، وَذَلِكَ لِيَتَأَلَّفَ قَلْبَهُ [513] . وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (صَدَقَة ف17 ، 18) . وَأَمَّا الْوَصَايَا : فَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُقَدَّمَ فِي الْوَصِيَّةِ الْأَقْرَبُ غَيْرُ الْوَارِثِ ، لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فُقَرَاءُ غَيْرُ وَارِثِينَ فَإِلَى ذِي رَضَاعٍ ، قَالَ الشَّافِعِيَّةُ : ثُمَّ صِهْرٍ ، ثُمَّ ذِي وَلَاءٍ ، ثُمَّ ذِي جِوَارٍ . وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِنْ لَمْ يَجِدْ مَحَارِمَ مِنَ الرَّضَاعِ ،فَإِلَى جِيرَانِهِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ [514] . وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ : مَنْ أَوْصَى لِأَقْرِبَائِهِ أَوْ لِأَرْحَامِهِ أَوْ لِأَنْسَابِهِ فَهُمُ اثْنَانِ فَصَاعِدًا مِنْ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ غَيْرَ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ . وَيُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالَانِ فَلِلْعَمِّ النِّصْفُ وَلِلْخَالَيْنِ النِّصْفُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ ، فَيُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ . وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : يَكُونُ الْمُوصَى بِهِ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا [515] . وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ : مَنْ أَوْصَى لِلْأَقَارِبِ أَوِ الْأَرْحَامِ أَوِ الْأَهْلِ أَوْ لِغَيْرِهِ أُوثِرَ الْمُحْتَاجُ الْأَبْعَدُ فِي الْقَرَابَةِ مِنْ غَيْرِهِ لِشِدَّةِ فَقْرِهِ أَوْ كَثْرَةِ عِيَالِهِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى غَيْرِهِ لَا بِالْجَمِيعِ ، فَالْمُحْتَاجُ الْأَقْرَبُ عُلِمَ إِيثَارُهُ بِالْأَوْلَى فِي كُلِّ حَالٍ ، إِلَّا بِبَيَانٍ مِنَ الْمُوصِي خِلَافَ ذَلِكَ : كَأَعْطُوا الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ ، أَوْ أَعْطُوا فُلَانًا ثُمَّ فُلَانًا ، فَيُفَضَّلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحْوَجَ [516] . وَفِي الْمَوْضُوعِ تَفْصِيلَاتٌ كَثِيرَةٌ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (وَصِيَّة) .(1/162)
311- 7967 أَخْبَرَنِي عِمْرَانُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ رَوْحٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ " قَالَ زَيْدٌ : فَسُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ : مَنْ تَعُولُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ قَالَ : امْرَأَتُكَ تَقُولُ : أَنْفِقْ عَلَيَّ أَوْ طَلِّقْنِي ، وَعَبْدُكَ يَقُولُ : " أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي " وَابْنُكَ يَقُولُ : " إِلَى مَنْ تَذَرُنِي "(1)
__________
(1) - صحيح البخارى برقم( 5355 و1426 و 1427 و 1428 و 5356 )
فتح الباري لابن حجر - (ج 15 / ص 212)
4936 - قَوْله ( أَفْضَل الصَّدَقَة مَا تَرَكَ غِنًى )
تَقَدَّمَ شَرْحه فِي أَوَّل الزَّكَاة وَبَيَان اِخْتِلَاف أَلْفَاظه وَكَذَا قَوْله " وَالْيَد الْعُلْيَا " وَقَوْله " وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُول " أَيْ بِمَنْ يَجِب عَلَيْك نَفَقَته ، يُقَال عَالَ الرَّجُل أَهْله إِذَا مَانَهُمْ ، أَيْ قَامَ بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ قُوت وَكِسْوَة . وَهُوَ أَمْرٌ بِتَقْدِيمِ مَا يَجِبُ عَلَى مَا لَا يَجِبُ . وَقَالَ اِبْن الْمُنْذِر اُخْتُلِفَ فِي نَفَقَة مَنْ بَلَغَ مِنْ الْأَوْلَاد وَلَا مَال لَهُ وَلَا كَسْب ، فَأَوْجَبَتْ طَائِفَة النَّفَقَة لِجَمِيعِ الْأَوْلَاد أَطْفَالًا كَانُوا أَوْ بَالِغِينَ إِنَاثًا وَذُكْرَانًا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَمْوَال يَسْتَغْنُونَ بِهَا ، وَذَهَبَ الْجُمْهُور إِلَى أَنَّ الْوَاجِب أَنْ يُنْفِق عَلَيْهِمْ حَتَّى يَبْلُغ الذَّكَر أَوْ تَتَزَوَّج الْأُنْثَى ثُمَّ لَا نَفَقَة عَلَى الْأَب إِلَّا إِنْ كَانُوا زَمْنَى ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ أَمْوَال فَلَا وُجُوب عَلَى الْأَب . وَأَلْحَق الشَّافِعِيّ وَلَد الْوَلَد وَإِنْ سَفَلَ بِالْوَلَدِ فِي ذَلِكَ ، وَقَوْله " تَقُول الْمَرْأَة " وَقَعَ فِي رِوَايَة لِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن عَجْلَان عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِح بِهِ " فَقِيلَ مَنْ أَعُول يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ اِمْرَأَتك " الْحَدِيث ، وَهُوَ وَهْم وَالصَّوَاب مَا أَخْرَجَهُ هُوَ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ اِبْن عَجْلَان بِهِ وَفِيهِ " فَسُئِلَ أَبُو هُرَيْرَة : مَنْ تَعُول يَا أَبَا هُرَيْرَة " وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَذَا بَعْض الشُّرَّاح وَغَفَلَ عَنْ الرِّوَايَة الْأُخْرَى ، وَرَجَّحَ مَا فَهِمَهُ بِمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيق عَاصِم عَنْ أَبِي صَالِح عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْمَرْأَة تَقُول لِزَوْجِهَا أَطْعِمْنِي " وَلَا حُجَّة فِيهِ لِأَنَّ فِي حِفْظ عَاصِم شَيْئًا ، وَالصَّوَاب التَّفْصِيل ، وَكَذَا وَقَعَ لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيق أَبِي مُعَاوِيَة عَنْ الْأَعْمَش بِسَنَدِ حَدِيث الْبَاب " قَالَ أَبُو هُرَيْرَة تَقُول اِمْرَأَتك إِلَخْ " وَهُوَ مَعْنَى قَوْله فِي آخِر حَدِيث الْبَاب " لَا هَذَا مِنْ كِيس أَبِي هُرَيْرَة " وَقَعَ فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ الْمَذْكُورَة " قَالُوا يَا أَبَا هُرَيْرَة شَيْء تَقُول مِنْ رَأْيك أَوْ مِنْ قَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : هَذَا مِنْ كِيسِي " وَقَوْله مِنْ كِيسِي هُوَ بِكَسْرِ الْكَاف لِلْأَكْثَرِ أَيْ مِنْ حَاصِله إِشَارَة إِلَى أَنَّهُ مِنْ اِسْتِنْبَاطه مِمَّا فَهِمَهُ مِنْ الْحَدِيث الْمَرْفُوع مَعَ الْوَاقِع ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْأَصِيلِيّ بِفَتْحِ الْكَاف أَيْ مِنْ فِطْنَته .
قَوْله ( تَقُول الْمَرْأَة إِمَّا أَنْ تُطْعِمنِي )
فِي رِوَايَة النَّسَائِيِّ عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الْعَزِيز عَنْ حَفْص بْن غِيَاث بِسَنَدِ حَدِيث الْبَاب " إِمَّا أَنْ تُنْفِق عَلَيَّ " .
قَوْله ( وَيَقُول الْعَبْد أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي )
فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ " وَيَقُول خَادِمك أَطْعِمْنِي وَإِلَّا فَبِعْنِي .
قَوْله ( وَيَقُول الِابْن أَطْعِمْنِي ، إِلَى مَنْ تَدَعنِي ) ؟
فِي رِوَايَة النَّسَائِيِّ وَالْإِسْمَاعِيلِيّ " تَكِلنِي " وَهُوَ بِمَعْنَاهُ . وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ الْأَوْلَاد لَهُ مَال أَوْ حِرْفَة لَا تَجِب نَفَقَته عَلَى الْأَب ، لِأَنَّ الَّذِي يَقُول " إِلَى مِنْ تَدَعنِي " ؟ إِنَّمَا هُوَ مَنْ لَا يَرْجِع إِلَى شَيْء سِوَى نَفَقَة الْأَب ، وَمَنْ لَهُ حِرْفَة أَوْ مَال لَا يَحْتَاج إِلَى قَوْل ذَلِكَ . وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ " إِمَّا أَنْ تُطْعِمنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقنِي " مَنْ قَالَ يُفَرَّق بَيْن الرَّجُل وَامْرَأَته إِذَا أَعْسَر بِالنَّفَقَةِ وَاخْتَارَتْ فِرَاقه ، وَهُوَ قَوْل جُمْهُور الْعُلَمَاء . وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ : يَلْزَمهَا الصَّبْر ، وَتَتَعَلَّق النَّفَقَة بِذِمَّتِهِ . وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُور بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ) ، وَأَجَابَ الْمُخَالِف بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْفِرَاق وَاجِبًا لَمَا جَازَ الْإِبْقَاء إِذَا رَضِيَتْ ، وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْإِجْمَاع دَلَّ عَلَى جَوَاز الْإِبْقَاء إِذَا رَضِيَتْ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى عُمُوم النَّهْي . وَطَعَنَ بَعْضهمْ فِي الِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَة بِأَنَّ اِبْن عَبَّاس وَجَمَاعَة مِنْ التَّابِعِينَ قَالُوا : نَزَلَتْ فِيمَنْ كَانَ يُطَلِّق فَإِذَا كَادَتْ الْعِدَّة تَنْقَضِي رَاجَعَ ، وَالْجَوَاب أَنَّ مِنْ قَاعِدَتهمْ " أَنَّ الْعِبْرَة بِعُمُومِ اللَّفْظ " . حَتَّى تَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ جَابِر بْن سَمُرَة " اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاة " اُتْرُكْ رَفْع الْيَدَيْنِ عِنْد الرُّكُوع مَعَ أَنَّهُ إِنَّمَا وَرَدَ فِي الْإِشَارَة بِالْأَيْدِي فِي التَّشَهُّد بِالسَّلَامِ عَلَى فُلَان وَفُلَان ، وَهُنَا تَمَسَّكُوا بِالسَّبَبِ . وَاسْتُدِلَّ لِلْجُمْهُورِ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى الرَّقِيق وَالْحَيَوَان ، فَإِنَّ مَنْ أَعْسَرَ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعه اِتِّفَاقًا . وَاللَّهُ أَعْلَم .
شرح ابن بطال - (ج 14 / ص 32)
قال المهلب: النفقة على الأهل والعيال واجبة بإجماع، وهذا الحديث حجة فى ذلك.
وقوله عليه السلام: « وابدأ بمن تعول » ، ولم يذكر إلا الصدقة يدل أن نفقته على من يعول من أهل وولد محسوب له فى الصدقة، وإنما أمرهم الله أن يبدءوا بأهليهم خشية أن يظنوا أن النفقة على الأهل لا أجر لهم فيها، فعرفهم عليه السلام أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غيرهم إلا بعد أن يقوتوهم.
قال الطبرى: وقوله عليه السلام: « وابدأ بمن تعول » ، إنما قال ذلك؛ لأن حق نفس المرء عليه أعظم من حق كل أحد بعد الله، فإذا صح ذلك فلا وجه لصرف ما هو مضطر إليه إلى غيره، إذ كان ليس لأحد إحياء غيره بإتلاف نفسه وأهله، وإنما له إحياء غيره بغير إهلاك نفسه وأهله وولده، إذ فرض عليه النفقة عليهم، وليست النفقة على غيرهم فرضًا عليه، ولا شك أن الفرض أولى بكل أحد من إيثار التطوع عليه.
وفيه: أن النفقة على الولد ما داموا صغارًا فرض عليه؛ لقوله: إلى من تدعنى؟ وكذلك نفقة العبد والخادم للمرء واجبة لازمة.
قال ابن المنذر: واختلفوا فى نفقة من بلغ من الأبناء ولا مال له ولا كسب، فقالت طائفة: على الأب أن ينفق على ولد صلبه الذكور حتى يحتلوا والنساء حتى يزوجن ويدخل بهن، فإن طلقها بعد البناء أو مات عنها فلا نفقة لها على أبيها، وإن طلقها قبل البناء فهى على نفقتها، ولا نفقة لولد الولد على الجد، هذا قول مالك.
وقالت طائفة: ينفق على ولده حتى يبلغ الحلم والمحيض، ثم لا نفقة عليه إلا أن يكونوا زمنى، وسواء فى ذلك الذكور والإناث ما لم يكن لهم أموال، وسواء فى ذلك ولده أو ولد ولده وإن سفلوا ما لم يكن لهم أب دونه يقدر على النفقة عليهم، هذا قول الشافعى.
وقال الثورى: يجبر الرجل على نفقة ولده الصغار غلامًا كان أو جارية، فإن كانوا كبارًا أجبر على نفقة النساء ولا يجبر على نفقة الرجال إلا أن يكونوا زمنى.
وأوجبت طائفة النفقة لجميع الأطفال والبالغين من الرجال والنساء إذا لم يكن لهم أموال يستغنون بها عن نفقة الوالد على ظاهر قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهند: « خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف » ، ولم يستثن ولدًا بالغًا دون طفل.
وقوله فى حديث أبى هريرة: يقول الابن: أطعمنى إلى من تدعنى؟ يدل على أنه إنما يقول ذلك من لا طاقة له على الكسب والتحرف، ومن بلغ سن الحلم فلا يقول ذلك؛ لأنه قد بلغ حد السعى على نفسه والكسب لها، بدليل قوله تعالى: {حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدًا فادفعوا إليهم أموالهم} [النساء: 6]، فجعل بلوغ النكاح حدًا فى ذلك.
واختلفوا فى المعسر هل يفرق بينه وبين امرأته بعدم النفقة؟ فقال مالك، والليث، والأوزاعى، والشافعى، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور: إذا أعسر بالنفقة، فللزوجة الخيار بين أن تقيم عليه، ولا يكون لها شىء فى ذمته أصلاً، وبين أن تطلب الفراق فيفرق الحاكم بينهما، وقاله من الصحابة عمر، وعلى، وأبو هريرة، ومن التابعين سعيد بن المسيب، وقال: إن ذلك سنة.
وقالت طائفة: لا يفرق بينهما ويلزمها الصبر عليه وتتعلق النفقة بذمته بحكم الحاكم، هذا قول عطاء، والزهرى، وإليه ذهب الكوفيون والثورى، واحتجوا بقوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} [البقرة: 280]، فوجب أن ينظر حتى يوسر، وبقوله: {وأنكحوا الأيامى منكم} إلى {يغنهم الله} [ النور: 32]، فندب تعالى إلى إنكاح الفقير، فلا يجوز أن يكون الفقر سببًا للفرقة، وهو مندوب معه إلى النكاح.
واحتج عليهم أهل المقالة الأولى بقوله عليه السلام فى حديث أبى هريرة: إما أن تطعمنى، وإما أن تطلقنى، وهذا نص قاطع فى موضع الخلاف، وقالوا أيضًا: أما قوله: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله} [النور: 32]، لم يرد الفقير الذى لا شىء معه أصلاً، وإنما المراد الفقير الذى حالته منحطة عن حالة الغنى، بدليل أنه ندبه إلى النكاح، وأجمعوا أنه من لا يقدر على نفقة الزوجة غير مندوب إلى النكاح ولا مستحب له.
وأما قوله: {وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة} [البقرة: 280]، فإنما ورد فى المداينات التى تتعلق بالذمم، واحتجوا بقوله تعالى: {ولا تمسكوهن ضرارًا لتعتدوا} [البقرة: 231]، وإذا لم ينفق عليها فهو مضر بها، فوجب عليه الفراق إن طلبته، فإن قال الكوفيون: لو كان قوله تعالى: {ولا تمسكوهن ضرارًا لتعتدوا}، نهيًا واجبًا لم يجز الإمساك وإن رضيته، فيقال لهم: قامت دلالة الإجماع على جواز إمساكهن إذا رضين بذلك، وأما الإعسار فلو أعسر بنفقة خادم أو حيوان له، فإن ذلك يزيل ملكه عنه ويباع عليه، كذلك الزوجة، وأيضًا فإن العنين يجبر على طلاق زوجته إذا لم يطأ، والوطء لمدة يمكن الصبر على فقدها ويقوم بدن المرأة بعدمها، والصبر عن القوت ليس كذلك فصارت الفرقة أولى عند عدم النفقة.
طرح التثريب - (ج 7 / ص 428)
الْحَدِيثُ الثَّانِي ، وَعَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ } .
( فِيهِ ) فَوَائِدُ : ( الْأُولَى ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ، وَأَبُو دَاوُد ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ ( أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غَنِيٌّ ) الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ، تَقُولُ الْمَرْأَةُ إمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي [ أَوْ تُطَلِّقَنِي ] ، وَيَقُولُ الْعَبْدُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي ، وَيَقُولُ الِابْنُ أَطْعِمْنِي إلَى مَنْ تَدَعُنِي فَقَالُوا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( قَالَ لَا هَذَا مِنْ كَيْسِ أَبِي هُرَيْرَةَ ) ؟ لَفْظُ الْبُخَارِيِّ ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو دَاوُد الْمَوْقُوفَ ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَفِيهِ فَسُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَنْ يَعُولُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ امْرَأَتُك تَقُولُ أَنْفِقْ عَلَيَّ أَوْ طَلِّقْنِي ، وَعَبْدُك يَقُولُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي ، وَابْنُك يَقُولُ إلَى مِنْ تَذَرُنِي ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ رَفَعَ ذَلِكَ ، وَلَفْظُهُ فَقِيلَ مَنْ أَعُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ امْرَأَتُك مِمَّنْ تَعُولُ تَقُولُ أَطْعِمْنِي وَإِلَّا فَارِقْنِي ؛ خَادِمُك يَقُولُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي ، وَوَلَدُك يَقُولُ إلَى مَنْ تَتْرُكُنِي ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ الْجُمْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ رَوَيْنَاهُمَا خَاصَّةً فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ غِنًى ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ .
( الثَّانِيَةُ ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ ( وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ) فَمَعْنَاهُ ( بِمَنْ تُمَوِّنُ ) وَيَلْزَمُك نَفَقَتُهُ مِنْ عِيَالِك فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلْيَكُنْ لِلْأَجَانِبِ يُقَالُ عَالَ الرَّجُلُ عِيَالَهُ يَعُولُهُمْ وَأَعَالَهُمْ وَعُيَّلَهُمْ إذَا قَامَ بِمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ قُوتٍ وَكِسْوَةٍ وَغَيْرِهِمَا قَالَ فِي الْمُحْكَمِ : وَعِيَالُ الرَّجُلِ الَّذِينَ يَتَكَفَّلُ بِهِمْ ، وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ : هُمْ مَنْ يُقَوِّتُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ وَلَدٍ وَزَوْجَةٍ .
( الثَّالِثَةُ ) فِيهِ إيجَابُ النَّفَقَةِ عَلَى الْعِيَالِ ، وَفِيهِ تَقْدِيمُ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ لِأَنَّهَا مُنْحَصِرَةٌ فِيهِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ غَيْرِهِمْ ، وَفِيهِ الِابْتِدَاءُ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ فِي الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ .
( الرَّابِعَةُ ) تَرْجَمَ النَّسَائِيّ فِي سُنَنِهِ بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى تَفْسِيرِهِ ، وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { تَصَدَّقُوا فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ ، قَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِك قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِك قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِك قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِك قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ أَنْتَ أَبْصَرُ } ، وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ هَكَذَا ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَابْنُ حِبَّانَ ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ ، وَصَحَّحَهُ بِتَقْدِيمِ الْوَلَدِ عَلَى الزَّوْجَةِ ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَيْهِ هَذَا التَّرْتِيبُ إذَا تَأَمَّلْته عَلِمْت أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَّمَ الْأَوْلَى فَالْأَوْلَى ، وَالْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ ، وَهُوَ أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ بِوَلَدِهِ لِأَنَّ الْوَلَدَ كَبِضْعَتِهِ فَإِذَا ضَيَّعَهُ هَلَكَ وَلَمْ يَجِدْ مِنْ يَنُوبُ عَنْهُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ ثُمَّ ثَلَّثَ بِالزَّوْجَةِ ، وَأَخْرَجَهَا عَنْ دَرَجَةِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُنْفِقْ عَلَيْهَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا ، وَكَانَ لَهَا مَنْ يُمَوِّنُهَا مِنْ زَوْجٍ أَوْ ذِي رَحِمٍ تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْخَادِمَ لِأَنَّهُ يُبَاعُ عَلَيْهِ إذَا عَجَزَ عَنْ نَفَقَتِهِ ، وَقَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ ، وَإِذْ قَدْ اخْتَلَفَتْ الرَّوِيَّتَانِ ، وَكِلَاهُمَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَيُصَارُ إلَى التَّرْجِيحِ ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَى حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، فَقَدَّمَ السُّفْيَانَانِ ،
وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ ، وَرَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ حَمَّادٍ ذِكْرَ الْوَلَدِ عَلَى الزَّوْجَةِ ، وَهِيَ رِوَايَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُسْنَدِ ، وَأَبِي دَاوُد وَالْحَاكِمِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ ، وَقَدَّمَ اللَّيْثُ وَيَحْيَى الْقَطَّانُ عَنْ حَمَّادٍ الزَّوْجَةَ عَلَى الْوَلَدِ ، وَهِيَ رِوَايَةُ النَّسَائِيّ ، وَعِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيِّ ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ مَعًا ، وَهَذَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ رِوَايَةَ تَقْدِيمِ الْوَلَدِ عَلَى الزَّوْجَةِ انْتَهَى .
وَاَلَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ تَقْدِيمُ الزَّوْجَةِ عَلَى الْوَلَدِ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا آكَدُ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَلَا بِالْإِعْسَارِ وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ عِوَضًا لَكِنْ اعْتَرَضَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّ نَفَقَتَهَا إذَا كَانَتْ كَذَلِكَ كَانَتْ كَالدُّيُونِ ، وَنَفَقَةُ الْقَرِيبِ فِي مَالِ الْمُفْلِسِ تُقَدَّمُ عَلَى الدُّيُونِ ، وَخَرَجَ لِذَلِكَ احْتِمَالًا فِي تَقْدِيمِ الْقَرِيبِ ، وَأَيَّدَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ ، وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ الْمُتَوَلَّيْ فِي التَّتِمَّةِ أَنَّ نَفَقَةَ الْوَلَدِ الطِّفْلِ تُقَدَّمُ عَلَى نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْخَطَّابِيَّ مَشَى عَلَيْهَا فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَعَلَّلَهُ بِمَا سَبَقَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الْخَامِسَةُ ) قَدْ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ كُلَّ مَنْ يُمَوِّنُهُ الْإِنْسَانُ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَفَقَتُهُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ ، وَيُوَافِقُهُ تَفْسِيرُ صَاحِبِ الْمُحْكَمِ الْعِيَالَ ، وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ الْإِمَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيّ فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ فَإِنَّهُ قَالَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِيَالِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ ، وَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ مِمَّنْ تَقْضِي الْمُرُوءَةُ وَالْعَادَةُ بِقِيَامِهِ بِنَفَقَتِهِمْ مِمَّنْ يُمْكِنُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ مِنْ قَرِيبٍ حُرٍّ وَغَيْرِهِ ، وَكَذَا الزَّوْجَةُ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا آكَدُ ، وَإِنْ كَانَتْ دَيْنًا فَإِنَّهَا تَجِبُ يَوْمًا فَيَوْمًا ، وَلَوْ جُعِلَتْ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ
فَفِي تَمْيِيزِ نَصِيبِهَا مِنْهُ وَنَصِيبِهِ مِنْ سَهْمِ الْمَسَاكِينِ عُسْرٌ أَوْ خِلَافٌ فِي الْأَخْذِ بِصِفَتَيْنِ ، وَفِي إفْرَادِ كُلٍّ بِالصَّرْفِ مِنْ غَيْرِ تَبِعَةِ عُسْرٍ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مِسْكِينَةً ، وَلَهَا وَلَدٌ لَوْ كَانَتْ مُوسِرَةً لَزِمَهَا نَفَقَتُهُ فَهُوَ مِنْ عِيَالِهَا .
( السَّادِسَةُ ) قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى تَحْرِيمِ الْإِيثَارِ بِقُوتِهِ أَوْ قُوتِ عِيَالِهٍ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالْبَدَاءَةِ بِمَنْ يَعُولُ ، وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ } ، وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لَكِنْ صَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ جَوَازَ الْإِيثَارِ بِقُوتِهِ دُونَ قُوتِ عِيَالِهِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ الضِّيَافَةِ الْفَضْلُ عَنْ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ لِتَأَكُّدِهَا وَكَثْرَةِ الْحَثِّ عَلَيْهَا قَالَ : وَلَيْسَتْ الضِّيَافَةُ صَدَقَةً ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي نَزَلَ بِهِ الضَّيْفُ فَأَطْعَمَهُ قُوتَ صِبْيَانِهِ لَكِنَّهُ خَالَفَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَقَالَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ ، وَأَجَابَ عَنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّ الصِّبْيَانَ لَمْ يَكُونُوا مُحْتَاجِينَ لِلْأَكْلِ ، وَإِنَّمَا طَلَبُوهُ عَلَى عَادَةِ الصِّبْيَانِ فِي الطَّلَبِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
سبل السلام - (ج 5 / ص 324)
( وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى } ) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُمَا { وَيَبْدَأُ أَيْ فِي الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ أَحَدُكُمْ بِمَنْ يَعُولُ تَقُولُ الْمَرْأَةُ أَطْعِمْنِي ، أَوْ طَلِّقْنِي } .
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ ) أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إلَّا أَنَّ فِي حِفْظِ عَاصِمٍ شَيْئًا وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ .
وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ قَالُوا : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ شَيْءٌ تَقُولُهُ عَنْ رَأْيِك ، أَوْ عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : هَذَا مِنْ كِيسِي .
إشَارَةً إلَى أَنَّهُ مِنْ اسْتِنْبَاطِهِ هَكَذَا قَالَهُ النَّاظِرُونَ فِي الْأَحَادِيثِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ بَلْ وَيَتَعَيَّنُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمَّا قَالَ لَهُمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالُوا : هَذَا شَيْءٌ تَقُولُهُ عَنْ رَأْيِك أَوْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَابَ بِقَوْلِهِ مِنْ كِيسِي جَوَابَ الْمُتَهَكِّمِ بِهِمْ لَا مُخْبِرًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَيْف يَصِحُّ حَمْلُ قَوْلِهِ مِنْ كِيسِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْحَقِيقَةَ ، وَقَدْ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُنْسَبُ اسْتِنْبَاطُهُ إلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَلْ هَذَا إلَّا كَذِبٌ مِنْهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَاشَا أَبَا هُرَيْرَةَ مِنْ ذَلِكَ ، فَهُوَ مِنْ رُوَاةِ حَدِيثِ { مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } فَالْقَرَائِنُ وَاضِحَةٌ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَبُو هُرَيْرَةَ إلَّا التَّهَكُّمَ بِالسَّائِلِ وَلِذَا قُلْنَا إنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَنَّ هَذَا مُرَادُهُ .
وَاَلَّذِي أَتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ الرِّوَايَةِ بَعْضُ حَدِيثِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ فَسَّرَ قَوْلَهُ مِنْ كِيسِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْ مِنْ حِفْظِهِ وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْكِيسِ إشَارَةً إلَى مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ بَسَطَ ثَوْبَهُ ، أَوْ نَمِرَةً كَانَتْ عَلَيْهِ فَأَمْلَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا كَثِيرًا ثُمَّ لَفَّهُ فَلَمْ يَنْسَ مِنْهُ شَيْئًا كَأَنَّهُ يَقُولُ : ذَلِكَ الثَّوْبُ صَارَ كِيسًا وَأَشَرْنَا لَك إلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ الْمُصَنِّفُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ تَامًّا وَتَمَامُهُ فِي الْبُخَارِيِّ " وَيَقُولُ الْعَبْدُ أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي " .
وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ { وَيَقُولُ خَادِمُك أَطْعِمْنِي وَإِلَّا بِعْنِي وَيَقُولُ الِابْنُ إلَى مَنْ تَدَعُنِي } وَالْكُلُّ دَلِيلُ وُجُوبِ الْإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ ذُكِرَ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالْمَمْلُوكِ وَالْوَلَدِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ نَفَقَةُ الْعَبْدِ وَإِلَّا وَجَبَ بَيْعُهُ .
وَإِيجَابُ نَفَقَةِ الْوَلَدِ عَلَى أَبِيهِ ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ اُخْتُلِفَ فِي نَفَقَةِ مَنْ بَلَغَ مِنْ الْأَوْلَادِ ، وَلَا مَالَ لَهُ ، وَلَا كَسْبَ فَأَوْجَبَ طَائِفَةٌ النَّفَقَةَ لِجَمِيعِ الْأَوْلَادِ أَطْفَالًا كَانُوا أَوْ بَالِغِينَ ، إنَاثًا أَوْ ذُكْرَانًا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَمْوَالٌ يَسْتَغْنُونَ بِهَا عَنْ الْآبَاءِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمْ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الذَّكَرُ وَتَتَزَوَّجَ الْأُنْثَى ثُمَّ لَا نَفَقَةَ عَلَى الْأَبِ إلَّا إذَا كَانُوا زَمْنَى ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ ، فَلَا وُجُوبَ عَلَى الْأَبِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ لِلزَّوْجَةِ إذَا عَسِرَ زَوْجُهَا بِنَفَقَتِهَا طَلَبَ الْفِرَاقِ
نيل الأوطار - (ج 10 / ص 469)
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأَوَّلُ حَسَّنَ إسْنَادَهُ الْحَافِظُ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي حِفْظِ عَاصِمٍ مَقَالٌ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ } .
تَقُولُ الْمَرْأَةُ إمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي ، وَيَقُولُ الْعَبْدُ : أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي ، وَيَقُولُ الِابْنُ : أَطْعِمْنِي ، إلَى مَنْ تَدَعُنِي ؟ " قَالُوا : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : لَا ، هَذَا مِنْ كِيسِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآخَرُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ الْقَارِي عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَعَلَّهُ أَبُو حَاتِمٍ وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَالشَّافِعِيِّ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ " فِي الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ قَالَ : يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا " قَالَ أَبُو الزِّنَادِ : قُلْت لِسَعِيدٍ : سُنَّةٌ ؟ قَالَ : سُنَّةٌ وَهَذَا مُرْسَلٌ قَوِيٌّ وَعَنْ عُمَرَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ وَابْنِ الْمُنْذِرِ " أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ : إمَّا أَنْ يُنْفِقُوا وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقُوا وَيَبْعَثُوا نَفَقَةَ مَا حَبَسُوا " قَوْلُهُ : ( مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَدَقَةَ مَنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَاجٍ لِنَفْسِهِ إلَى مَا تَصَدَّقَ بِهِ بَلْ مُسْتَغْنِيًا عَنْهُ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ الْمُحْتَاجِ إلَى مَا تَصَدَّقَ بِهِ وَيُعَارِضُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالْحَاكِمُ يَرْفَعُهُ { أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ جُهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ } وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي النِّهَايَةِ بِقَدْرِ مَا يَحْتَمِلُهُ حَالُ قَلِيلِ الْمَالِ .
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا عِنْدَ النَّسَائِيّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالْحَاكِمِ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَالَ رَجُلٌ : وَكَيْفَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : رَجُلٌ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ أَخَذَ مِنْ عُرْضِهِ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا ، وَرَجُلٌ لَيْسَ لَهُ إلَّا دِرْهَمَانِ فَأَخَذَ أَحَدَهُمَا فَتَصَدَّقَ بِهِ فَهَذَا تَصَدَّقَ بِنِصْفِ مَالِهِ } الْحَدِيثَ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى قَوْله تَعَالَى : { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ } وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الْأَفْضَلَ لِمَنْ كَانَ يَتَكَفَّفُ النَّاسَ إذَا تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ يَصْبِرُ عَلَى الْفَاقَةِ أَنْ يَكُونَ مُتَصَدِّقًا بِمَا يَبْلُغُ إلَيْهِ جُهْدُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْنِيًا عَنْهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْغِنَى غِنَى النَّفْسِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا { لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ } قَوْلُهُ : ( الْيَدُ الْعُلْيَا ) هِيَ يَدُ الْمُتَصَدِّقِ وَالْيَدُ السُّفْلَى يَدُ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ ، هَكَذَا فِي النِّهَايَةِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَقَارِبِ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ قَوْلُهُ : ( وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ) أَيْ بِمَنْ تَجِبُ عَلَيْك نَفَقَتُهُ قَالَ فِي الْفَتْحِ : يُقَالُ : عَالَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ : إذَا مَانَهُمْ : أَيْ قَامَ بِمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ قُوتٍ وَكِسْوَةٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ مُطْلَقًا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ ، وَعَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْأَرِقَّاءِ وَسَيَأْتِي قَوْلُهُ : ( تَقُولُ أَطْعِمْنِي وَإِلَّا فَارِقْنِي ) اُسْتُدِلَّ بِهِ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآخَرِ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ إذَا أُعْسِرَ عَنْ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ وَاخْتَارَتْ فِرَاقَهُ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ كَمَا حَكَاهُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ الْإِمَامِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَحَمَّادٍ وَرَبِيعَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْإِمَامِ يَحْيَى وَحَكَى صَاحِبُ الْفَتْحِ عَنْ الْكُوفِيِّينَ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ الصَّبْرُ وَتَتَعَلَّقُ النَّفَقَةُ بِذِمَّةِ الزَّوْجِ وَحَكَاهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَالْقَاسِمِيَّةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ الْأَوَّلُونَ قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا } وَأَجَابَ الْآخَرُونَ عَنْ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ بِمَا سَلَفَ مِنْ إعْلَالِهَا وَأَمَّا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ فَهُوَ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ مِنْهُ حَيْثُ قَالَ : إنَّهُ مِنْ كِيسِهِ بِكَسْرِ الْكَافِ : أَيْ مِنْ اسْتِنْبَاطِهِ مِنْ الْمَرْفُوعِ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ بِفَتْحِ الْكَافِ : أَيْ مِنْ فِطْنَتِهِ وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ ، فَلَيْسَ مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ وَأَجَابُوا عَنْ الْآيَةِ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةً مِنْ التَّابِعِينَ قَالُوا : نَزَلَتْ فِيمَنْ كَانَ يُطَلِّقُ فَإِذَا كَادَتْ الْعِدَّةُ تَنْقَضِي رَاجَعَ وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَذْكُورَةَ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قَدْحٌ يُوجِبُ الضَّعْفَ فَضْلًا عَنْ السُّقُوطِ ، وَالْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ وَإِنْ كَانَ سَبَبُهَا خَاصًّا كَمَا قِيلَ فَالِاعْتِبَارُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ الْآخَرِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا مَا آتَاهَا } قَالُوا : وَإِذَا أُعْسِرَ وَلَمْ يَجِدْ سَبَبًا يُمْكِنُهُ بِهِ تَحْصِيلُ النَّفَقَةِ فَلَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِ بِدَلَالَةِ الْآيَةِ فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّا لَمْ نُكَلِّفْهُ النَّفَقَةَ حَالَ إعْسَارِهِ ، بَلْ دَفَعْنَا الضَّرَرَ عَنْ امْرَأَتِهِ وَخَلَّصْنَاهَا مِنْ حِبَالِهِ لِتَكْتَسِبَ لِنَفْسِهَا أَوْ يَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ آخَرُ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ { دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَاهُ حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ وَاجِمًا سَاكِتًا وَهُنَّ يَسْأَلْنَهُ النَّفَقَةَ ، فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى ابْنَتِهِ ، أَبُو بَكْرٍ إلَى عَائِشَةَ وَعُمَرُ إلَى حَفْصَةَ ، فَوَجَآ أَعْنَاقَهُمَا ، فَاعْتَزَلَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ شَهْرًا } فَضَرْبُهُمَا لَاِبْنَتَيْهِمَا فِي حَضْرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَجْلِ مُطَالَبَتِهِمَا بِالنَّفَقَةِ الَّتِي لَا يَجِدُهَا ، يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّفْرِقَةِ لِمُجَرَّدِ الْإِعْسَارِ عَنْهَا ، قَالُوا : وَلَمْ يَزَلْ الصَّحَابَةُ فِيهِمْ الْمُوسِرُ وَالْمُعْسِرُ وَمُعَسِّرُوهُمْ أَكْثَرُ وَيُجَابُ عَنْ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ زَجْرَهُمَا عَنْ الْمُطَالَبَةِ بِمَا لَيْسَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْفَسْخِ لِأَجْلِ الْإِعْسَارِ وَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُنَّ طَلَبْنَهُ وَلَمْ يُجَبْنَ إلَيْهِ ، كَيْفَ وَقَدْ خَيَّرَهُنَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَاخْتَرْنَهُ ، وَلَيْسَ مَحَلُّ النِّزَاعِ جَوَازَ الْمُطَالَبَةِ لِلْمُعْسِرِ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُ وَعَدَمَهَا بَلْ مَحَلُّهُ : هَلْ يَجُوزُ الْفَسْخُ عِنْدَ التَّعَذُّرِ أَمْ لَا وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعْدَمْنَ النَّفَقَةَ بِالْكُلِّيَّةِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ اسْتَعَاذَ مِنْ الْفَقْرِ الْمُدْقِعِ ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ فِيمَا زَادَ عَلَى قِوَامِ الْبَدَنِ مِمَّا يَعْتَادُ النَّاسُ النِّزَاعَ فِي مِثْلِهِ ، وَهَكَذَا يُجَابُ عَنْ الِاحْتِجَاجِ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ مِنْ ضِيقِ الْعَيْشِ وَظَاهِرُ الْأَدِلَّةِ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْفَسْخُ لِلْمَرْأَةِ بِمُجَرَّدِ عَدَمِ وِجْدَانِ الزَّوْجِ لِنَفَقَتِهَا بِحَيْثُ يَحْصُلُ عَلَيْهَا ضَرَرٌ مِنْ ذَلِكَ وَقِيلَ : إنَّهُ يُؤَجَّلُ الزَّوْجُ مُدَّةً ؛ فَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُؤَجَّلُ شَهْرًا ، وَعَنْ الشَّافِعِيَّةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَهَا الْفَسْخُ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ الرَّابِعِ وَرُوِيَ عَنْ حَمَّادٍ أَنَّ الزَّوْجَ يُؤَجَّلُ سَنَةً ثُمَّ يُفْسَخُ قِيَاسًا عَلَى الْعِنِّينِ وَهَلْ تَحْتَاجُ الْمَرْأَةُ إلَى الرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ ؟ رُوِيَ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ فِي وَجْهٍ لَهُمْ أَنَّهَا تُرَافِعُهُ إلَى الْحَاكِمِ لِيُجْبِرَهُ عَلَى الْإِنْفَاقِ أَوْ يُطَلِّقَ عَنْهُ وَفِي وَجْهٍ لَهُمْ آخَرَ أَنَّهُ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ بِالْإِعْسَارِ ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَثْبُتَ إعْسَارُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالْفَسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَيْهَا وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا إذَا اخْتَارَتْ الْفَسْخَ رَفَعَتْهُ إلَى الْحَاكِمِ وَالْخِيَارُ إلَيْهِ بَيْنَ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى الْفَسْخِ أَوْ الطَّلَاقِ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا أُعْسِرَ عَنْ النَّفَقَةِ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ حَتَّى يَجِدَهَا وَهُوَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الرِّزْقِ غَيْرُ مَقْدُورٍ لَهُ إذَا كَانَ مِمَّنْ أَعْوَزَتْهُ الْمَطَالِبُ وَأُكِّدَتْ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْمَكَاسِبِ ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَتَقَاعَدَ عَنْ طَلَبِ أَسْبَابِ الرِّزْقِ وَالسَّعْيِ لَهُ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ ، فَلِهَذَا الْقَوْلِ وَجْهٌ وَذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُوسِرَةِ الْإِنْفَاقُ عَلَى زَوْجِهَا الْمُعْسِرِ وَلَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا أَيْسَرَ وَذَهَبَ ابْنُ الْقَيِّمِ إلَى التَّفْصِيلِ وَهُوَ أَنَّهَا إذَا تَزَوَّجَتْ بِهِ عَالِمَةً بِإِعْسَارِهِ أَوْ كَانَ حَالُ الزَّوْجِ مُوسِرًا ثُمَّ أُعْسِرَ فَلَا فَسْخَ لَهَا ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي غَرَّهَا عِنْدَ الزَّوَاجِ بِأَنَّهُ مُوسِرٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهَا إعْسَارُهُ كَانَ لَهَا الْفَسْخُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَسْخَ لِأَجْلِ الْإِعْسَارِ بِالْمَهْرِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَحْمَدَ إلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ الْفَسْخُ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { بِأَنَّ النِّسَاءَ عَوَانٌ فِي يَدِ الْأَزْوَاجِ } كَمَا تَقَدَّمَ : أَيْ حُكْمُهُنَّ حُكْمُ الْأُسَرَاءِ ؛ لِأَنَّ الْعَانِيَ : الْأَسِيرُ ، وَالْأَسِيرُ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ خَلَاصًا مِنْ دُونِ رِضَا الَّذِي هُوَ فِي أَسْرِهِ فَهَكَذَا النِّسَاءُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا حَدِيثُ { الطَّلَاقُ لِمَنْ أَمْسَكَ بِالسَّاقِ } فَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ تَخْلِيصُ نَفْسِهَا مِنْ تَحْتِ زَوْجِهَا إلَّا إذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْإِعْسَارِ عَنْ النَّفَقَةِ وَوُجُودِ الْعَيْبِ الْمُسَوِّغِ لِلْفَسْخِ ، وَهَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَكْرَهُ الزَّوْجَ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَقَدْ قَدَّمْنَا الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ
الفقه على المذاهب الأربعة - (ج 6 / ص 457)
*2* مباحث النفقات
*3* تعريفها - حكمها - أسبابها - مستحقوها دليلها
*-النفقة في اللغة: الإخراج والذهاب، يقال: نفقت الدابة، إذا خرجت من ملك صاحبها بالبيع أو الهلاك كما يقال: نفقة السلعة، إذا راجت بالبيع، وبابه دخل، فمصدره النفوق كالدخول والنفقة اسم المصدر، وجمعها نفقات، ونفاق - بكسر النون - كثمرة وثمار.
أما في اصطلاح الفقهاء، فهو إخراج الشخص مؤنة من تجب عليه نفقته من خبز، وأدم، وكسوة، ومسكن، وما يتبع ذلك من ثمن ماء، ودهن، ومصباح. ونحو ذلك، مما يأتي.
أما حكمها التي توصف به، فهو الواجب، فتقول: نفقة واجبة على الزوج، أو الأب، أو السيد.
وأما أسباب وجوبها، فثلاثة: الزوجية، والقرابة، والملك، وقد ثبتت النفقة لهؤلاء بالكتاب، والسنة، والإجماع، قال تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل اللّه به بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم}، وقال: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن}، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على وجوب النفقة على الزوجة، والأولاد، والوالدين، والأقارب وأما السنة فهي مملوءة بالحث على الإنفاق على الأهل، والأقارب، والمماليك، ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث:" وابدأ بمن تعول"، تقول المرأة: إما أن تطعمني وإما أن تطلقني، ويقول العبد: أطعمني واستعملني، ويقول الابن: أطعمني، إلا من تدعني. وفي رواية" أنفق علي" بدل" أطعمني"، ولا يخفى ما في الحديث من الحث على الإنفاق على مستحقيه، وقد أجمع العلماء على وجوب النفقة لهؤلاء، وكما أن الزوجية سبب في وجوب النفقة على الزوج، فكذلك الفرقة قد تكون سبباً في وجوب النفقة، كالمطلقة رجعياً ونحوها
شرح النيل وشفاء العليل - إباضية - (ج 27 / ص 362)
رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ } ، وَفِي رِوَايَةٍ : أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ .
وَقَوْلُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ لِغَيْرِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا نَفَقَةً ، وَكِتَابَةُ عُمَرَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ : أَنْ يَأْخُذُوهُمْ بِأَنْ يُنْفِقُوا أَوْ يُطَلِّقُوا ، فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا حَبَسُوا وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ : { ' جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ ، فَقَالَ : أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ ، قَالَ : عِنْدِي آخَرُ ، قَالَ : أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِكَ ، قَالَ : عِنْدِي آخَرُ ، قَالَ : أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِكَ ، قَالَ : عِنْدِي آخَرُ ، قَالَ : أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِكَ ، قَالَ : عِنْدِي آخَرُ ، قَالَ : أَنْتَ أَعْلَمُ } وَفِي رِوَايَةٍ ذَكَرَ الزَّوْجَةَ بَدَلَ الْأَهْلِ لَكِنْ بِتَقْدِيمِ الزَّوْجَةِ عَلَى الْوَلَدِ وَقَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ قَالَ : يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ؛ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، قَالَ : قُلْتُ لِسَعِيدٍ : سُنَّةٌ ، فَقَالَ : سُنَّةٌ ، وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ غَيْرُ هَذَا ، كَمَا يُفْسَخُ بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ إنْ شَاءَتْ بَلْ هَذَا أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الصَّبْرَ عَنْ التَّمَتُّعِ أَسْهَلُ مِنْهُ عَنْ النَّفَقَةِ وَنَحْوِهَا ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ يَبْقَى بِلَا وَطْءٍ وَلَا يَبْقَى بِلَا قُوتٍ ، وَأَيْضًا مَنْفَعَةُ الْجِمَاعِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا ، فَإِذَا ثَبَتَ فِي الْمُشْتَرَكِ جَوَازُ الْفَسْخِ لِعَدَمِهِ ، فَفِي عَدَمِ الْمُخْتَصِّ بِهَا أَوْلَى وَقِيَاسًا عَلَى الْمَرْقُوقُ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ إذَا أُعْسِرَ بِنَفَقَتِهِ ، وَلَا فَسْخَ لِلزَّوْجَةِ بِنَفَقَةٍ مَاضِيَةٍ إذَا عَجَزَ عَنْهَا لِتَنَزُّلِهَا مَنْزِلَةَ دَيْنٍ آخَرَ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ .
وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا أُعْسِرَ بِالنَّفَقَةِ يُؤْمَرُ بِأَخْذِ الدَّيْنِ وَيَلْزَمُهَا الصَّبْرُ ، وَتَتَعَلَّقُ النَّفَقَةُ بِذِمَّتِهِ مَتَى وَجَدَ أَنْفَقَ وَمَا فَاتَ لَمْ تُدْرِكْهُ إلَّا إنْ فُرِضَ وَغَايَةُ النَّفَقَةِ أَنْ تَكُونَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَقَدْ أُعْسِرَ بِهَا الزَّوْجُ فَدَخَلَ ذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ } ، فَتَكُونُ الزَّوْجَةُ مَأْمُورَةٌ بِالْإِنْظَارِ بِالنَّصِّ ، وَفِي إلْزَامِ الْفَسْخِ إبْطَالُ حَقِّهِ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَفِي إلْزَامِ الْإِنْظَارِ وَأَخْذِ الدَّيْنِ تَأْخِيرُ حَقِّهَا دَيْنًا عَلَيْهِ ، وَإِذَا دَارَ بَيْنَهُمَا كَانَ التَّأْخِيرُ أَوْلَى ، وَبِهِ فَارَقَ الْجَبُّ وَالْعُنَّةُ وَالْمَمْلُوكُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْجِمَاعِ لَا يَصِيرُ دَيْنًا عَلَى الزَّوْجِ وَلَا نَفَقَةَ الْمَمْلُوكِ تَصِيرُ دَيْنًا عَلَى الْمَالِكِ ، وَيَخُصُّ الْمَمْلُوكَ أَنَّ فِي إلْزَامِ بَيْعِهِ إبْطَالَ حَقِّ السَّيِّدِ إلَى خُلْفٍ هُوَ الثَّمَنُ ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ نَفَقَتِهِ كَانَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي إلْزَامِهِ بِبَيْعِهِ ؛ إذْ فِيهِ تَخْلِيصُ الْمَمْلُوكِ مِنْ عَذَابِ الْجُوعِ وَحُصُولِ الْبَدَلِ الْقَائِمِ مَقَامَهُ لِلسَّيِّدِ ؛ بِخِلَافِ إلْزَامِ الْفُرْقَةِ فَإِنَّهُ إبْطَالُ حَقِّهِ بِلَا بَدَلٍ وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ عَجَزَ عَنْ نَفَقَتِهَا لَمْ يُعْتِقْهَا الْقَاضِي عَلَيْهِ ، وَبِمَذْهَبِنَا الْمَشْهُورِ هَذَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَأَثْبَتَ ابْنُ بَرَكَةَ مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ سَعِيدٌ ، وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ : تَقُولُ الْمَرْأَةُ : أَطْعِمْنِي أَوْ طَلِّقْنِي وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ، تَقُولُ الْمَرْأَةُ : إمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي ، وَيَقُولُ الْعَبْدُ : أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي وَإِلَّا فَبِعْنِي ، وَيَقُولُ الِابْنُ : أَطْعِمْنِي ؛ إلَى مَنْ تَدَعُنِي ؟ } وَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ قَالُوا : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ سَمِعْتَ هَذَا ؟ يَعْنُونَ قَوْلَهُ : تَقُولُ الْمَرْأَةُ إلَخْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا ، مِنْ كِيسِ أَبِي هُرَيْرَةَ - بِكَسْرِ الْكَافِ - أَيْ مِنْ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَدْرَجَهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ مُسْتَنْبِطًا لَهُ مِنْ الْحَدِيثِ ، وَأَصْلُ الْكِيسِ : الْوِعَاءُ الْمَعْرُوفُ ، وَرُوِيَ بِالْفَتْحِ ، وَهُوَ الْعَقْلُ .
وَقِيلَ : هَذَا إنْكَارٌ لِسُؤَالِ السَّائِلِ ، يَعْنِي لَيْسَ إلَّا مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِيهِ نَفْيٌ أَرَادَ بِهِ الْإِثْبَاتَ ، وَإِثْبَاتٌ أَرَادَ بِهِ النَّفْيَ عَلَى سَبِيلِ التَّعْكِيسِ ، وَأَجْرُ النَّفَقَةِ لَا يُحْصَى وَمِنْ " الْأَثَرِ " فِي ذَلِكَ مَا قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ مَاطُوسَ مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - : ثَلَاثَةٌ يُعَجِّلُ اللَّهُ لَهُمْ بِالْخُلْفِ : رَجُلٌ خَافَ الْعَنَتَ فَتَدَيَّنَ لِصِيَانَةِ دِينِهِ وَعِفَّةَ فَرْجِهِ ، وَرَجُلٌ رَأَى عِيَالَهُ فِي جُوعٍ فَأَخَذَ دَيْنًا فَأَشْبَعَهُمْ ، وَمَنْ أَخَذَ دَيْنًا فَكَفَّنَ بِهِ مَيِّتًا وَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ وَمَعَهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ عُمَرَ النَّفُوسِيُّ بِشَرْزِ بِمِحْرَابِ " تماوطت " ؛ إذْ أَتَاهُ هَجِينٌ فَقَالَ : يَا سَيِّدِي وَصَفَاكَ وَضِيَافَتَكَ ، فَقَالَ : اتْبَعْنِي ، فَأَتَى بِهِ إلَى دَارِهِ ، فَأَعْطَى حَمَلَتَهُ تَمْرًا وَشَعِيرًا ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ : لَقَدْ شَدَّدْتَ فِعْلَكَ يَا شَيْخُ ، فَقَالَ لَهُ : إنِّي أَخَافُ عَلَى الْجَمَلِ الْمَغْشُوشِ أَنْ لَا يَنْفَعَهُ مَا يُعْلَفُ .
يسألونك فتاوى - (ج 1 / ص 331)
أخذ الزوجة من مال زوجها البخيل دون إذنه
تقول السائلة : إن زوجها بخيل جداً في الإنفاق عليها وعلى أولاده فتأخذ نقوداً منه خفية ، فهل يجوز لها ذلك ؟
الجواب : إن إنفاق الزوج على زوجته وأولاده واجب باتفاق أهل العلم ، ويدل على ذلك :
قوله تعالى : ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) سورة البقرة/233 .
وقوله تعالى:( لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ) سورة الطلاق/7 .
قال الإمام البخاري في صحيحه: " باب وجوب النفقة على الأهل والعيال " .
وقال الحافظ ابن حجر: " الظاهر أن المراد بالأهل في الترجمة الزوجة ، وعطف العيال عليها من العام بعد الخاص .... ، ثم ساق الإمام البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الصدقة ما ترك غنى ، واليد العليا خير من اليد السفلى ، وإبدأ بمن تعول ، تقول المرأة: إما أن تطعمني وإما أن تطلقني ، ويقول العبد: أطعمني واستعملني ، ويقول الابن: أطعمني إلى من تدعني ) .
وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الإنفاق على الأهل والعيال والمنفق مأجور إن شاء الله حيث قال : ( إذا أنفق المسلم نفقة على أهله ، وهو يحتسبها كانت له صدقة ) رواه البخاري .
ونقل الحافظ ابن حجر في الفتح عن المهلب قوله: " النفقة على الأهل واجبة بالإجماع وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم فيه وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر فعرفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن يكفوهم ترغيباً لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوع " فتح الباري 11/425 .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( دينار أنفقته في سبيل الله ، ودينار أنفقته في رقبة - عتق رقبة - ، ودينار أنفقته على أهلك ) رواه مسلم .
وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله ، ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله ، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله ) رواه مسلم .
وإذا تقرر هذا ، فنعود إلى جواب السؤال فنقول: يجوز لزوجة البخيل أن تأخذ من مال زوجها البخيل ما يكفي للإنفاق عليها وعلى أولادها بالمعروف أي ما تحصل به الكفاية من غير تقتير ولا إسراف .
ويدل على ذلك ما ورد في قصة هند زوج أبي سفيان كما رواها الإمام البخاري في صحيحه حيث قال البخاري: " باب إذا لم ينفق الرجل ، فللمرأة أن تأخذ ما يكفيها وولدها بالمعروف ، ثم روى بسنده عن عائشة رضي الله عنها ، أن هنداً بنت عتبة قالت: " يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل شحيح ، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم ، فقال رسول الله : ( خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ) .
والمراد بالمعروف ، أي أنها تأخذ القدر الذي عرف بالعادة أن فيه الكفاية لها ولولدها .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 7929)
25 - ثانيًا: ذهب الحنابلة إلى أنّه يجب على السّيّد إعفاف مماليكه ذكورًا كانوا أو إناثًا إذا طلبوا ذلك: لقوله تعالى: {وأنكحوا الأيامى منكم والصّالحين من عبادكم وإمائكم}وقال ابن عبّاسٍ.
» من كانت له جارية فلم يزوّجها ولم يصبها ، أو عبد فلم يزوّجه فما صنعا من شيءٍ كان على السّيّد فلولا وجوب إعفافهما لما لحق السّيّد إثم بفعلهما ، ولأنّ النّكاح تدعو إليه الحاجة غالبًا ويتضرّر بفواته ويتعرّض بمنعه منه للفتنة ، فأجبر السّيّد عليه كالنّفقة ، ويكون الإعفاف للذّكر بتزويجه أو بتمليكه أمةً يتسرّاها على خلافٍ في جواز تسرّيه ، يأتي بيانه ، وللأنثى بتزويجها أو بوطء سيّدها لها بما يغنيها عن التّزويج ; لأنّ المقصود قضاء حاجتها ودفع شهوتها ، فلم يتعيّن تزويجها.
وإذا كان للعبد زوجة فعلى سيّده تمكينه من الاستمتاع بها ليلًا ; لأنّ وجوب الإعفاف يقتضي الإذن في الاستمتاع المعتاد.
فإن امتنع السّيّد من النّفقة الواجبة أو الإعفاف الواجب بما تقدّم ، سواء لعجزه أو إبائه فطلب العبد أو الجارية أن يباع ، وجب على السّيّد إجابته إلى ذلك لما تقدّم ، ولحديث: « تقول المرأة: إمّا أن تطعمني أو تطلّقني ، ويقول العبد: أطعمني واستعملني ، ويقول الابن: أطعمني إلى من تدعني وفي روايةٍ: ويقول خادمك أطعمني وإلاّ فبعني »
فإن لم يفعل باع الحاكم ماله في نفقته ، فإن لم يجد له مالًا أمره ببيعه ، أو يؤجّره أو يعتقه ، فإن لم يفعل باعه الحاكم.
وإذا كان السّيّد يطأ جاريته فغاب غيبةً لا تقطع إلاّ بكلفةٍ ومشقّةٍ فطلبت التّزويج زوّجها الحاكم.
ولا يجب على الولد وغيره من أقارب الرّقيق إعفافه ، بل الحقّ على السّيّد ، والأصحّ للشّافعيّة عدم وجوب إعفاف السّيّد رقيقه.
ولم نجد للحنفيّة والمالكيّة كلامًا في هذه المسألة ، ونسب صاحب المغني إليهما عدم الوجوب ، لما فيه من الإضرار الماليّ بالسّيّد ; ولأنّ التّزويج ليس ممّا تقوم به البيّنة.(1/163)
312-7968 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدٌ قَالَ : حَدَّثَنِي ابْنُ عَجْلَانَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ مِنْهَا عَنْ ظَهْرِ غِنًى ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ " فَقِيلَ : مَنْ أَعُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " امْرَأَتُكَ مِمَّنْ تَعُولُ " تَقُولُ : أَطْعِمْنِي ، وَإِلَّا فَارِقْنِي خَادِمُكَ يَقُولُ : " أَطْعِمْنِي ، وَاسْتَعْمِلْنِي وَوَلَدُكَ يَقُولُ : إِلَى مَنْ تَتْرُكُنِي ؟ "(1)
__________
(1) - مسند أحمد برقم( 11105) وهو صحيح
فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (ج 8 / ص 18)
4021 - (خير الصدقة) أي أفضلها (ما كان عن ظهر غنى) وفي رواية للبخاري (على ظهر غنى) أي ما وقع من غير محتاج إلى [ص 475] ما يتصدق به لنفسه وممونه ولفظ الظهر مقحم تمكيناً للكلام فهو كقولهم هو راكب متن السلامة ونحوه من الألفاظ التي يعبر بها عن التمكن عن الشيء والاستعلاء عليه أو ما ثبت عندها غنى لصاحبها يستظهر به على مصالحه لأن من لم يكن كذلك يندم غالباً ونكر غنى للتفخيم ولا ينافيه خبر أفضل الصدقة جهد المقل لأن الفضيلة تتفاوت بحسب الأشخاص وقوة التوكل. قال النووي: مذهبنا أن التصدق بجميع المال مستحب لمن لا دين عليه ولا له عيال لا يصبرون ويكون هو بصير على الإضاقة والفقر فإن لم يجمع هذه الشروط فهو مكروه (وابدأ) قالوا بالهمز وتركه (بمن تعول) أي بمن تلزم نفقته والمعنى أفضل الصدقة ما أخرجه من ماله بعد استيفاء قدر كفاية عياله وزاد في رواية البيهقي عن أبي هريرة قال: ومن أعول قال: امرأتك تقول أطعمني وإلا فارقني، خادمك يقول أطعمني وإلا فبعني، ولدك يقول إلى من تكلني.
- (خ) في الزكاة (د ن) في الزكاة (عن أبي هريرة) ولم يخرج له مسلم إلا قوله ابدأ بمن تعول.
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (ج 10 / ص 342)
$الفصل الأول
عن عائشة رضي الله عنها أن هندا بنت عتبة بضم فسكون أي ابن ربيعة قال المؤلف هي أم معاوية أسلمت عام الفتح بعد إسلام زوجها فأقرهما رسول الله قالت يا رسول الله إن أبا سفيان تعني زوجها رجل شحيح أي بخيل قال الطيبي رحمه الله هو فعل من الشح ومعناه البخل مع حرص وذلك فيما كان عادة لا عارضا قال تعالى جل شأنه وأحضرت إلا نفس الشح النساء وليس أي أبو سفيان يعطيني أي من النفقة كما في رواية ما يكفيني أي مقدار ما يسدني وولدي أي أولادي منه وفي رواية ويكفي بني إلا ما أخذت استثناء منقطع أي لكن يكفيني مع ما يعطيني ما أخذت منه أي من ماله أو من بيته وهو لا يعلم جملة حالية وفي رواية إلا ما أخذته من غير عمله فقال خذي أي بحكم الفتوى ما يكفيك وولدك بالنصب عطفا على الضمير المنصوب بالمعروف وفي رواية خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك أي ما يعرفه به الشرع ويأمر به وهو الوسط العدل وفيه أن النفقة بقدر الحاجة واجبة قال تعالى جل جلاله لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله الطلاق قال ابن الهمام والأحاديث كثيرة في الباب وعليه إجماع العلماء وما نقل عن الشعبي من قوله ما رأيت أحدا أجبر على نفقة أحد يجب تأويله والله تعالى أعلم بصحته قال النووي فيه فائد منها وجوبه نفقة الزوجة ومنها وجوب نفقة الأولاد الفقراء الصغار ومنها أن نفقة القريب مقدرة بالكفاية ومنها جواز سماع كلام الأجنبية عند الافتاء والحكم وكذا ما في معناه ومنها جواز ذكر الإنسان بما يكرهه إذا كان للاستفتاء ومنها أن من له حق على غيره وهو عاجز عن استيفائه يجوز له أن يأخذ من ماله قدر حقه بغير إذنه ومنعه مالك وأبو حنيفة ومنها جواز إطلاق الفتوى والمراد تعليقها ولا يفتقر أن يقول المفتي إذا ثبت ما ذكرت يكون كذا كما أطلق النبي ولو علق فلا بأس ومنها أن للمرأة مدخلا في كفالة أولادها والإنفاق عليهم من مال أبيهم ومنها الاعتماد على العرف في الأمور التي ليس فيها تحديد شرعي ومنها جواز خروج الزوجة من بيتها لحاجتها إذا أذن لها زوجها أو علمت رضاه به واستدل به جماعة على جواز القضاء على الغائب وليس بذلك لأن هذه القضية كانت افتاء لا قضاء على الأصح وفي شرح السنة ومنها أن القاضي له أن تفضي بعلمه لأن النبي لم يكلفها البينة ومنها أن يجوز أن يبيع ما ليس من جنس حقه فيستوفي حقه من ثمنه وذلك لأن من المعلوم أن منزل الرجل الشحيح لا يجمع كل ما يحتاج إليه أهله وولده من النفقة والكسوة وسائر المرافق التي تلزمه بهم وهذا قول الشافعي وفيه دليل على أنه يجب على الرجل نفقة الوالدين والمولودين لأنه إذا وجب عليه نفقه ولده فوجوب نفقة والده عليه مع عظم حرمته أولى ولا يجب نفقة من كان منهم موسرا أو قويا سويا يمكنه تحصيل نفقته وإذا احتاج الأب المعسر إلى النكاح فعلى الولد إعفاءه بأن يعطيه مهر امرأة أو ثمن جارية ثم عليه نفقتها ولا يجب على الأب اعفاف ولده متفق عليه وعن جابر بن سمرة صحابيان قال قال رسول الله إذ أعطى الله أحدكم خيرا أي مالا ومنه قوله تعالى جل شأنه إن ترك خيرا البقرة وإنه لحب الخير لشديد العاديات فليبدأ بنفسه أي في الإنفاق وأهل بيته أي من زوجته وأولاده رواه مسلم وكذا الإمام أحمد وروى النسائي عن جابر مرفوعا ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلا هلك فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا قال ابن الهمام في سنن النسائي عن أبي هريرة عنه عليه الصلاة والسلام أفضل الصدقة ما ترك غنى وفي لفظ ما كان عن ظهر غني واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول فقيل من أعول يا رسول الله قال امرأتك تقول أطعمني وإلا فارقني خادمك يقول أطعمني واستعملني ولدك يقول إلى من تتركني هكذا في جميع نسخ النسائي وعن أبي هريرة قال قال رسول الله للمملوك أي يجب على سيده له طعامه وكسوته أي قدر ما يكفيه من غالب قوت مماليك البلد وكسوتهم قال الطيبي رحمه الله يجوز أن تكون الإضافة فيهما إلى المفعول وعليه كلام الظهر حيث قال يجب على السيد نفقة رقيقة خبزا وإذا ما قدر ما يكفيه من غالب قوت مماليك ذلك البلد وغالب الأدام والكسوة وأن تكون إلى الفاعل وعليه ظاهر الحديث الآتي وأوله محي السنة بقوله هذا خطاب مع
العرب الذين لبوس عامتهم وأطعمتهم متقاربة يأكلون الخشن ويلبسون الخشن والخشن هو الغليظ الخشن من الطعام ولا يكلف بصيغة المجهول أي لا يؤمر الملوك من العمل إلا ما يطيق أي الدوام عليه لا ما يطبق يوما أو يومين أو ثلاثة ونحو ذلك ثم يعجز وجملة ما لا يضر ببدنه الضر البين كذا في شرح السنة رواه مسلم ورواه أحمد في مسنده والبيهقي في شعب الإيمان وروى الطبراني عن ابن عباس مرفوعا للملوك على سيده ثلاث خصال لا يعجله عن صلاته ولا يقيمه عن طعامه ويشبعه كل الإشباع(1/164)
مَسْأَلَةُ الْمَرْأَةِ طَلَاقَ أُخْتِهَا
313- 7969 أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا ، وَلْتَنْكِحْ ، فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا "(1)
__________
(1) - مالك برقم(1632) وصحيح البخارى برقم( 6601 و2140 و 2148 و 2150 و 2151 و 2160 و2162 و 2723 و 2727 و 5144 و 5152 ) وسنن أبى داود برقم(2178 )
فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 445)
6111 - حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " لَا تَسْأَلْ الْمَرْأَةُ طَلَاق أُخْتهَا - إِلَى قَوْله فِي آخِره - فَإِنَّ لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا " وَقَدْ مَضَى شَرْحه فِي " بَاب الشُّرُوط الَّتِي لَا تَحِلّ فِي النِّكَاح " مِنْ كِتَاب النِّكَاح قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : فِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ أُصُول الدِّين السُّلُوك فِي مَجَارِي الْقَدَر ، وَذَلِكَ لَا يُنَاقِض الْعَمَل فِي الطَّاعَات وَلَا يَمْنَع التَّحَرُّف فِي الِاكْتِسَاب وَالنَّظَر لِقُوتِ غَدٍ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَحَقَّق أَنَّهُ يَبْلُغُهُ . وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : هَذَا الْحَدِيث مِنْ أَحْسَن أَحَادِيث الْقَدَر عِنْد أَهْل الْعِلْم لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الزَّوْج لَوْ أَجَابَهَا وَطَلَّقَ مَنْ تَظُنّ أَنَّهَا تُزَاحِمُهَا فِي رِزْقِهَا فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهَا مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّه لَهَا سَوَاءٌ أَجَابَهَا أَوْ لَمْ يُجِبْهَا ، وَهُوَ كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى ( قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا )
فتح الباري لابن حجر - (ج 14 / ص 421)
4755 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ زَكَرِيَّاءَ هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا
4755 - قَوْله ( لَا يَحِلّ لِامْرَأَةٍ تَسْأَل طَلَاق أُخْتهَا لِتَسْتَفْرِغ صَحْفَتهَا ، فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا )
هَكَذَا أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيّ بِهَذَا اللَّفْظ ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْم فِي " الْمُسْتَخْرَج " مِنْ طَرِيق اِبْن الْجُنَيْد عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى شَيْخ الْبُخَارِيّ فِيهِ بِلَفْظِ " لَا يَصْلُح لِامْرَأَةِ أَنْ تَشْتَرِط طَلَاق أُخْتهَا لِتُكْفِئ إِنَاءَهَا " وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيق أَبِي حَاتِم الرَّازِيّ عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى لَكِنْ قَالَ " لَا يَنْبَغِي " بَدَل " لَا يَصْلُح " وَقَالَ " لِتُكْفِئ " ، وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق يَحْيَى بْن زَكَرِيَّاء بْن أَبِي زَائِدَة عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ اِبْن الْجُنَيْد لَكِنْ قَالَ " لِتُكْفِئ " فَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظ مِنْ هَذَا الْوَجْه مِنْ رِوَايَة أَبِي سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيق أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم بْن مِلْحَانَ عَنْ اللَّيْث عَنْ جَعْفَر بْن رَبِيعَة عَنْ الْأَعْرَج عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِي حَدِيث طَوِيل أَوَّله " إِيَّاكُمْ وَالظَّنّ - وَفِيهِ - وَلَا تَسْأَل الْمَرْأَة طَلَاق أُخْتهَا لِتَسْتَفْرِغ إِنَاء صَاحِبَتهَا وَلِتُنْكَح ، فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا " وَهَذَا قَرِيب مِنْ اللَّفْظ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيّ هُنَا . وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيّ مِنْ أَوَّل الْحَدِيث إِلَى قَوْله " حَتَّى يَنْكِح أَوْ يَتْرُك " وَنَبَّهْت عَلَى ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي " بَاب لَا يَخْطُب عَلَى خِطْبَة أَخِيهِ " فَإِمَّا أَنْ يَكُون عُبَيْد اللَّه بْن مُوسَى حَدَّثَ بِهِ عَلَى اللَّفْظَيْنِ أَوْ اِنْتَقَلَ الذِّهْن مِنْ مَتْنٍ إِلَى مَتْنٍ ، وَسَيَأْتِي فِي كِتَاب الْقَدَرِ مِنْ رِوَايَة أَبِي الزِّنَاد عَنْ الْأَعْرَج عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بِلَفْظِ " لَا تَسْأَل الْمَرْأَة طَلَاق أُخْتهَا لِتَسْتَفْرِغ صَحْفَتهَا وَلِتَنْكِح ، فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا " وَتَقَدَّمَ فِي الْبُيُوع مِنْ رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَنْ اِبْن الْمُسَيِّب عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فِي حَدِيث أَوَّله " نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيع حَاضِرٌ لِبَادٍ - وَفِي آخِره - وَلَا تَسْأَل الْمَرْأَة طَلَاق أُخْتهَا لِتُكْفِئ مَا فِي إِنَائِهَا " .
قَوْله ( لَا يَحِلّ ) ظَاهِر فِي تَحْرِيم ذَلِكَ ، وَهُوَ مَحْمُول عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ سَبَب يَجُوز ذَلِكَ كَرِيبَةٍ فِي الْمَرْأَة لَا يَنْبَغِي مَعَهَا أَنْ تَسْتَمِرّ فِي عِصْمَة الزَّوْج وَيَكُون ذَلِكَ عَلَى سَبِيل النَّصِيحَة الْمَحْضَة أَوْ لِضَرَرٍ يَحْصُل لَهَا مِنْ الزَّوْج أَوْ لِلزَّوْجِ مِنْهَا أَوْ يَكُون سُؤَالهَا ذَلِكَ بِعِوَضٍ وَلِلزَّوْجِ رَغْبَة فِي ذَلِكَ فَيَكُون كَالْخُلْعِ مَعَ الْأَجْنَبِيّ إِلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِد الْمُخْتَلِفَة . وَقَالَ اِبْن حَبِيب : حَمَلَ الْعُلَمَاء هَذَا النَّهْي عَلَى النَّدْب ، فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يُفْسَخ النِّكَاح وَتَعَقَّبَهُ اِبْن بَطَّال بِأَنَّ نَفْي الْحِلّ صَرِيح فِي التَّحْرِيم ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَم مِنْهُ فَسْخُ النِّكَاح ، وَإِنَّمَا فِيهِ التَّغْلِيظ عَلَى الْمَرْأَة أَنْ تَسْأَل طَلَاق الْأُخْرَى ، وَلِتَرْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّه لَهَا .
قَوْله ( أُخْتهَا ) قَالَ النَّوَوِيّ : مَعْنَى هَذَا الْحَدِيث نَهْي الْمَرْأَة الْأَجْنَبِيَّة أَنْ تَسْأَل رَجُلًا طَلَاق زَوْجَته وَأَنْ يَتَزَوَّجهَا هِيَ فَيَصِير لَهَا مِنْ نَفَقَته وَمَعْرُوفه وَمُعَاشَرَته مَا كَانَ لِلْمُطَلَّقَةِ ، فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ " تُكْفِئ مَا فِي صَحْفَتهَا ، قَالَ وَالْمُرَاد بِأُخْتِهَا غَيْرهَا سَوَاء كَانَتْ أُخْتهَا مِنْ النَّسَب أَوْ الرَّضَاع أَوْ الدِّين ، وَيَلْحَق بِذَلِكَ الْكَافِرَة فِي الْحُكْم وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أُخْتًا فِي الدِّين إِمَّا لِأَنَّ الْمُرَاد الْغَالِب أَوْ أَنَّهَا أُخْتهَا فِي الْجِنْس الْآدَمِيّ ، وَحَمَلَ اِبْن عَبْد الْبَرّ الْأُخْت هُنَا عَلَى الضَّرَّة فَقَالَ : فِيهِ مِنْ الْفِقْه أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَسْأَل الْمَرْأَة زَوْجهَا أَنْ يُطَلِّق ضَرَّتهَا لِتَنْفَرِد بِهِ ، وَهَذَا يُمْكِن فِي الرِّوَايَة الَّتِي وَقَعَتْ بِلَفْظِ " لَا تَسْأَل الْمَرْأَة طَلَاق أُخْتهَا " ، وَأَمَّا الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا لَفْظ الشَّرْط فَظَاهِرهَا أَنَّهَا فِي الْأَجْنَبِيَّة وَيُؤَيِّدهُ قَوْله فِيهَا " وَلِتَنْكِح " أَيْ وَلِتَتَزَوَّج الزَّوْج الْمَذْكُور مِنْ غَيْر أَنْ يَشْتَرِط أَنْ يُطَلِّق الَّتِي قَبْلهَا ، وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَاد هُنَا بِالْأُخْتِ الْأُخْت فِي الدِّين ؛ وَيُؤَيِّدهُ زِيَادَة اِبْن حِبَّان فِي آخِره مِنْ طَرِيق أَبِي كَثِير عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بِلَفْظِ " لَا تَسْأَل الْمَرْأَة طَلَاق أُخْتهَا لِتَسْتَفْرِغ صَحْفَتهَا فَإِنَّ الْمُسْلِمَة أُخْت الْمُسْلِمَة " وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " بَاب لَا يَخْطُب الرَّجُل عَلَى خِطْبَة أَخِيهِ " نَقْلُ الْخِلَاف عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَبَعْض الشَّافِعِيَّة أَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوص بِالْمُسْلِمَةِ ، وَبِهِ جَزَمَ أَبُو الشَّيْخ فِي كِتَاب النِّكَاح ، وَيَأْتِي مِثْله هُنَا ، وَيَجِيء عَلَى رَأْي اِبْن الْقَاسِم أَنْ يُسْتَثْنَى مَا إِذَا كَانَ الْمَسْئُول طَلَاقهَا فَاسِقَة ، وَعِنْد الْجُمْهُور لَا فَرْقَ .
قَوْله ( لِتَسْتَفْرِغ صَحْفَتهَا ) يُفَسِّر الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " تَكْتَفِئ " وَهُوَ بِالْهَمْزِ اِفْتِعَال مِنْ كَفَأْت الْإِنَاء إِذَا قَلَبْته وَأَفْرَغْت مَا فِيهِ ، وَكَذَا يَكْفَأ وَهُوَ بِفَتْحِ أَوَّله وَسُكُون الْكَاف وَبِالْهَمْزِ ، وَجَاءَ أَكْفَأْت الْإِنَاء إِذَا أَمَلْته وَهُوَ فِي رِوَايَة اِبْن الْمُسَيِّب " لِتُكْفِئ " بِضَمِّ أَوَّله مِنْ أَكْفَأْت وَهِيَ بِمَعْنَى أَمَلْته وَيُقَال بِمَعْنَى أَكْبَبْته أَيْضًا ، وَالْمُرَاد بِالصَّحْفَةِ مَا يَحْصُل مِنْ الزَّوْج كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَام النَّوَوِيّ ، وَقَالَ صَاحِب النِّهَايَة : الصَّحْفَة إِنَاء كَالْقَصْعَةِ الْمَبْسُوطَة ، قَالَ : وَهَذَا مَثَل ، يُرِيد الِاسْتِئْثَار عَلَيْهَا بِحَظِّهَا فَيَكُون كَمَنْ قَلَبَ إِنَاء غَيْره فِي إِنَائِهِ ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ : هَذِهِ اِسْتِعَارَة مُسْتَمْلَحَة تَمْثِيلِيَّة ، شَبَّهَ النَّصِيب وَالْبَخْت بِالصَّحْفَةِ وَحُظُوظهَا وَتَمَتُّعَاتهَا بِمَا يُوضَع فِي الصَّحْفَة مِنْ الْأَطْعِمَة اللَّذِيذَة ، وَشَبَّهَ الِافْتِرَاق الْمُسَبَّب عَنْ الطَّلَاق بِاسْتِفْرَاغِ الصَّحْفَة عَنْ تِلْكَ الْأَطْعِمَة ، ثُمَّ أَدْخَلَ الْمُشَبَّه فِي جِنْس الْمُشَبَّه بِهِ وَاسْتَعْمَلَ فِي الْمُشَبَّه مَا كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي الْمُشَبَّه بِهِ .
قَوْله ( وَلِتَنْكِح ) بِكَسْرِ اللَّام وَبِإِسْكَانِهَا وَبِسُكُونِ الْحَاء عَلَى الْأَمْر ، وَيَحْتَمِل النَّصْب عَطْفًا عَلَى قَوْله " لِتَكْتَفِئ " فَيَكُون تَعْلِيلًا لِسُؤَالِ طَلَاقهَا ، وَيَتَعَيَّن عَلَى هَذَا كَسْر اللَّام ، ثُمَّ يَحْتَمِل أَنَّ الْمُرَاد وَلِتَنْكِح ذَلِكَ الرَّجُل مِنْ غَيْر أَنْ تَتَعَرَّض لِإِخْرَاجِ الضَّرَّة مِنْ عِصْمَته بَلْ تَكِل الْأَمْر فِي ذَلِكَ إِلَى مَا يُقَدِّرهُ اللَّه ، وَلِهَذَا خَتَمَ بِقَوْلِهِ " فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا " إِشَارَة إِلَى أَنَّهَا وَإِنْ سَأَلْت ذَلِكَ وَأَلَحَّتْ فِيهِ وَاشْتَرَطَتْهُ فَإِنَّهُ لَا يَقَع مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا قَدَّرَهُ اللَّه ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَتَعَرَّض هِيَ لِهَذَا الْمَحْذُور الَّذِي لَا يَقَع مِنْهُ شَيْء بِمُجَرَّدِ إِرَادَتهَا ، وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّد أَنَّ الْأُخْت مِنْ النَّسَب أَوْ الرَّضَاع لَا تَدْخُل فِي هَذَا ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد وَلِتَنْكِح غَيْره وَتُعْرِض عَنْ هَذَا الرَّجُل ، أَوْ الْمُرَاد مَا يَشْمَل الْأَمْرَيْنِ ، وَالْمَعْنَى وَلِتَنْكِح مَنْ تَيَسَّرَ لَهَا فَإِنْ كَانَتْ الَّتِي قَبْلهَا أَجْنَبِيَّة فَلْتَنْكِحْ الرَّجُل الْمَذْكُور وَإِنْ كَانَتْ أُخْتهَا فَلْتَنْكِحْ غَيْره ، وَاللَّهُ أَعْلَم .
عون المعبود - (ج 5 / ص 61)
1861 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( لَا تَسْأَل الْمَرْأَة طَلَاق أُخْتهَا )
: أَيْ فِي كَوْنهَا مِنْ بَنَات آدَم
( لِتَسْتَفْرِغ صَحْفَتهَا )
: وَفِي رِوَايَة الْبُخَارِيّ : لِتَسْتَفْرِغ مَا فِي صَحْفَتهَا . وَالصَّحْفَة إِنَاء كَالْقَصْعَةِ ، يَعْنِي لِتَجْعَل تِلْكَ الْمَرْأَة قَصْعَة أُخْتهَا خَالِيَة عَمَّا فِيهَا ، وَهَذَا كِنَايَة عَنْ أَنْ يَصِير لَهَا مَا كَانَ يَحْصُل لِضَرَّتِهَا مِنْ النَّفَقَة وَغَيْرهَا
( وَلِتَنْكِح )
: عَطْف عَلَى لِتَسْتَفْرِغ وَكِلَاهُمَا عِلَّة لِلنَّهْيِ أَيْ لِتَجْعَل صَحْفَتهَا فَارِغَة لِتَفُوزَ بِحَظِّهَا وَتَنْكِح زَوْجهَا . وَقَالَ الْعَلَّامَة اِبْن الْمَلَك فِي شَرْح الْمَشَارِق قَوْله وَلِتَنْكِح بِالنَّصْبِ بِصِيغَةِ الْمَعْلُوم يَعْنِي لِتَنْكِح طَالِبَة الطَّلَاق زَوْج تِلْكَ الْمُطَلَّقَة ، وَإِنْ كَانَتْ الطَّالِبَة وَالْمَطْلُوبَة تَحْت رَجُل يَحْتَمِل أَنْ يَعُود ضَمِيره إِلَى الْمَطْلُوبَة يَعْنِي لِتَنْكِح ضَرَّتهَا زَوْجًا آخَر ، فَلَا تَشْتَرِك مَعَهَا فِيهِ . وَرُوِيَ عَلَى صِيغَة الْمَجْهُول يَعْنِي لِتَجْعَل مَنْكُوحَة لَهُ .
وَرُوِيَ وَلْتُنْكَح بِصِيغَةِ الْأَمْر الْمَعْلُوم الْمَجْهُول عَطْفًا عَلَى قَوْله لَا تَسْأَلهُ يَعْنِي لِتَثْبُت تِلْكَ الْمَرْأَة الْمَنْكُوحَة عَلَى نِكَاحهَا الْكَائِن مَعَ الضَّرَّة قَانِعَة بِمَا يَحْصُل لَهَا فِيهِ ، أَوْ مَعْنَاهُ وَلِتَنْكِح تِلْكَ الْمَرْأَة الْغَيْر الْمَنْكُوحَة زَوْجًا غَيْر زَوْج أُخْتهَا ، وَلِتَتْرُك ذَلِكَ الزَّوْج لَهَا ، أَوْ مَعْنَاهُ لِتَنْكِح تِلْكَ الْمَخْطُوبَة زَوْج أُخْتهَا ، وَلْتَكُنْ ضَرَّة عَلَيْهَا إِذَا كَانَتْ صَالِحَة لِلْجَمْعِ مَعَهَا مِنْ غَيْر أَنْ تَسْأَل طَلَاق أُخْتهَا
( فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا )
: يَعْنِي أَنَّ اللَّه تَعَالَى يُوصِل إِلَى تِلْكَ الْمَرْأَة مَا قُدِّرَ لَهَا مِنْ النَّفَقَة وَغَيْرهمَا سَوَاء كَانَتْ مُنْفَرِدَة أَوْ مَعَ أُخْرَى .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بْن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة .
المنتقى - شرح الموطأ - (ج 4 / ص 282)
1399 - ( ش ) : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لَا تَسْأَلْ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عَنْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْبَغْيِ وَالْأَذَى وَالظُّلْمِ لِلَّتِي تَشْتَرِطُ طَلَاقَهَا ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم مَا يَشْتَرِطُ النِّسَاءُ عِنْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ مِنْ أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ مَعَهُ طَالِقٌ ، وَأَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَلَا يَتَسَرَّى مَعَهَا وَلَا يَتَّخِذَ أُمَّ وَلَدٍ وَيُبَيِّنُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلِتَنْكِحَ يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلِتُنْكَحَ وَلَا تَسْأَلْ طَلَاقَ غَيْرِهَا ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ النَّهْيَ عَنْ أَنْ تَفْعَلَهُ الْمَرْأَةُ ابْتِدَاءً إِذَا عَلِمْت إيثَارَ الزَّوْجِ لَهَا أَنْ تَسْأَلَهُ طَلَاقَ صَاحِبَتِهَا ، أَوْ قَالَ أُخْتَهَا وَإِنَّمَا أَرَادَ أُخْتَهَا فِي الدِّينِ وَوَصَفَهَا بِذَلِكَ لِيُذَكِّرَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْحُرْمَةِ الَّتِي تُوجِبُ إشْفَاقَهَا عَلَيْهَا وَتَرْكَ مُضَارَّتِهَا بِأَنْ تَسْأَلَ طَلَاقَهَا ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لِتَسْتَفْرِغَ إنَاءَهَا يُحْتَمَلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنْ تَنْفَرِدَ بِنَفَقَةِ الزَّوْجِ وَمَالِهِ وَلَا تُشْرِكَهَا بِذَلِكَ .
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وَلِتَنْكِحَ فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا يُرِيدُ أَنَّهُ مَا قُدِّرَ لَهَا أَنْ تَنَالَهُ مِنْ خَيْرِ الزَّوْجِ وَنَفَقَتِهِ لَا بُدَّ أَنْ تَصِلَ إِلَيْهِ ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ بِفِرَاقِهِ الزَّوْجَةَ وَلَا النَّقْصِ مِنْهُ بِإِمْسَاكِهِ لَهَا ، وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّ الرِّزْقَ مُقَدَّرٌ وَالْإِجْمَالَ فِي الطَّلَبِ مَشْرُوعٌ .
عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 24 / ص 321)
1066 - حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) أخبرنا ( مالك ) عن ( أبي الزناد ) عن ( الأعرج ) عن ( أبي هريرة ) قال قال رسول الله لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح فإن لها ما قدر لها
مطابقته للترجمة في قوله فإن لها ما قدر لها أي من الرزق كانت للزوج زوجة أخرى أو لم تكن ولا يحصل لها من ذلك إلا ما كتبه الله لها سواء أجابها الزوج أم لم يجبها
والحديث مضى في كتاب النكاح في باب الشروط التي لا تحل في النكاح فإنه أخرجه هناك من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لإمرأة تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها فإن لها ما قدر لها وهنا أخرجه عن عبد الله بن يوسف التنيسي عن مالك عن أبي الزناد بالزاي والنون عبد الله بن ذكوان عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج
قوله أختها الأخت أعم من أخت القرابة أو غيرها من المؤمنات لأنهن أخوات في الدين ونهى النبي صلى الله عليه وسلم المرأة أن تسأل الرجل طلاق زوجته لينكحها ويصير لها من نفقته ومعاشرته ما كان للمطلقة فعبر عن ذلك باستفراغ الصحفة مجازا
شرح ابن بطال - (ج 19 / ص 401)
وقال المهلب: غرضه فى هذا الباب أن يبين أن جميع مخلوقات الله من المكونات بأمره بكلمة كن من حيوان أو غيره، أو حركات العباد واختلاف إرادتهم وأعمالهم بمعاص أو طاعات؛ كل مقدر بالأزمان والأوقات، لا مزيد فى شىء منها، ولا نقصان عنها، ولا تأخير لشىء منها عن وقته، ولا تقديم قبل وقته، ألا ترى قوله - صلى الله عليه وسلم - : « لا تسأل المرأة طلاق أختها » لتصرف حظها إلى نفسها، ولتنكح، فإنها لا تنال من الرزق إلا ما قدر لها، كانت له زوجة أخرى أو لم تكن.
وقوله: « اعملوا فكل ميسر لما خلق له » . فيه دليل على إبطال قول أهل الجبر؛ لأن التيسير غير الجبر، واليسرى العمل بالطاعة، والعسرى العمل بالمعصية.
قال الطبرى: فى حديث علىّ أن الله لم يزل عالمًا بمن يطيعه فيدخله الجنة، وبمن يعصيه فيدخله النار، ولم يكن استحقاق من يستحق الجنة منهم بعلمه السابق فيهم، ولا استحقاقه النار لعلمه السابق فيهم، ولا اضطر أحدًا منهم علمه السابق إلى طاعة أو معصية، ولكنه تعالى نفذ علمه فيهم قبل أن يخلقهم، وما هم عاملون وإلى ما هم صائرون، إذ كان لا تخفى عليه خافية قبل أن يخلقهم، ولا بعد ما خلقهم، ولذلك وصف أهل الجنة فقال: {ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخِرِينَ} [الواقعة: 13، 14]، إلى قوله: {وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الواقعة: 22 - 24]، وقال تعالى: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17].
وكذلك قال فى أهل النار: {ذَلِكَ جَزَاء أَعْدَاء اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} [فصلت: 28]، فأخبر أنه أثاب أهل طاعته جنته بطاعته، وجازى أهل معصيته النار بمعصيتهم إياه، ولم يخبرنا أنه أدخل من أدخل منهم النار والجنة لسابق علمه فيهم، ولكنه سبق فى علمه أن هذا من أهل السعادة والجنة وأنه يعمل بطاعته. وفى هذا أنه من أهل الشقاء وأنه يعمل بعمل أهل النار فيدخلها بمعصيته؛ فلذلك أمر تعالى ونهى؛ ليطيعه المطيع منهم فيستوجب بطاعته الجنة ويستحق العقاب منهم بمعصيته العاصى فيدخل بها النار، ولتتم حجة الله على خلقه.
فإن قال قائل: فما معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : « اعملوا فكل ميسر لما خلق له » إن كان الأمر كما وصف من أن الذى سبق لأهل السعادة والشقاء لم يضطر واحدًا من الفريقين إلى الذى كان يعمل ويمهد لنفسه فى الدنيا ولم يجبره على ذلك؟
قيل: هو أن كل فريق من هذين مسهل له العمل الذى اختاره لنفسه، مزين ذلك له كما قال تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 7] الآية. وأما أهل الشقاء، فإنه زين لهم سوء أعمالهم لإيثارهم لها على الهدى كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ} [النمل: 4]، وكما قال تعالى: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [فاطر: 8]، وهذا يصحح ما قلناه من أن علم الله النافذ فى خلقه بما هم به عاملون، وكتابه الذى كتبه قبل خلقه إياهم بأعمالهم لم يضطر أحدًا منهم إلى عمله ذلك؛ بل هو أن المضطر إلى الشىء لا شك أنه مكره عليه، لا محب له؛ بل هو له كاره ومنه هارب، والكافر يقاتل دون كفره أهل الإيمان، والفاسق يناصب دون فسقه الأبرار؛ محاماة من هذا عن كفره الذى اختاره على الإيمان، وإيثارًا من هذا لفسقه على الطاعة، وكذلك المؤمن يبذل مهجته دون إيمانه، ويؤثر العناء والنصب دون ملاذه وشهواته حبًا لما هو له مختار من طاعة ربه على معاصيه، وأنى يكون مضطرًا إلى ما يعمله من كانت هذه صفاته؟ فبان أن معنى قوله: « اعملوا فكل ميسر لما خلق له » هو أن كل فريقى السعادة والشقاوة مسهل له العمل الذى اختاره، مزين ذلك له.
طرح التثريب - (ج 7 / ص 154)
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ .
وَعَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا وَلْتَنْكِحْ فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا } ( فِيهِ ) فَوَائِدُ : ( الْأُولَى ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَالشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ { فَإِنَّمَا لَهَا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهَا وَفِي لَفْظٍ لَهُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ رَازِقُهَا } وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ { لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا } وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابَ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا تَحِلُّ فِي النِّكَاحِ ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ { لَا يَنْبَغِي لِامْرَأَةٍ أَنْ تَشْتَرِطَ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْفَأَ إنَاءَهَا } وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثِ لَفْظِ الْبُخَارِيِّ { وَأَنْ تَشْتَرِطَ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا } وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الشُّرُوطَ فِي الطَّلَاقِ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ ( تَسْأَلُ ) .
( الثَّانِيَةُ ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : يَجُوزُ فِي تَسْأَلُ الرَّفْعُ وَالْكَسْرُ الْأَوَّلُ عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ النَّهْيُ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَبْلَهُ وَلَا يَخْطُبُ وَلَا يَسُومُ وَالثَّانِي عَلَى النَّهْيِ الْحَقِيقِيِّ .
انْتَهَى .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْكَسْرَ فِي اللَّامِ عَارِضٌ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَالْفِعْلُ مَجْزُومٌ ، وَذَكَرَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ رُوِيَ بِالْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَدْرٌ زَائِدٌ عَلَى تَجْوِيزِ النَّوَوِيِّ الْوَجْهَيْنِ .
( الثَّالِثَةُ ) دَلَّ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ فِي ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ وَكَذَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { لَا تُنْكَحُ امْرَأَةٌ بِطَلَاقِ أُخْرَى } وَيَنْبَغِي حَمْلُ التَّحْرِيمِ عَلَى مَا إذَا جَرَى ذَلِكَ شَرْطًا فِي صُلْبِ النِّكَاحِ فَلَوْ لَمْ يَقَعْ إلَّا مُجَرَّدُ سُؤَالٍ لَمْ يَحْرُمْ ؛ لِأَنَّهُ سُؤَالٌ فِي مُبَاحٍ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ تَبْوِيبُ الْبُخَارِيِّ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ بَابَ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا تَحِلُّ فِي النِّكَاحِ قَالَ : وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَا تَشْتَرِطُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا وَيُوَافِقُهُ رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيُّ الْمُتَقَدِّمَةُ لَا يَنْبَغِي لِامْرَأَةٍ أَنْ تَشْتَرِطَ طَلَاقَ أُخْتِهَا وَلَفْظُ رِوَايَةِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ { وَأَنْ تَشْتَرِطَ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا } وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي أَحْكَامِهِ فَأَوْرَدَ الْحَدِيثَ فِي ذِكْرِ مَا نَهَى فِيهِ مِنْ الشُّرُوطِ بِلَفْظِ نُهِيَ أَنْ تَشْتَرِطَ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لَكِنَّهُ عَزَاهُ لِلصَّحِيحَيْنِ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِهَذَا اللَّفْظِ .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ فِقْهُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِامْرَأَةٍ وَلَا لِوَلِيِّهَا أَنْ تَشْتَرِطَ فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا طَلَاقَ غَيْرِهَا وَلِهَذَا الْحَدِيثِ وَشِبْهِهِ اسْتَدَلَّ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ شَرْطَ الْمَرْأَةِ عَلَى الرَّجُلِ عِنْدَ عَقْدِ نِكَاحِهَا أَنَّهَا إنَّمَا تَنْكِحُهُ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا عَلَيْهَا مِنْ النِّسَاءِ فَهِيَ طَالِقٌ شَرْطٌ بَاطِلٌ وَعَقْدُ نِكَاحِهِمَا عَلَى ذَلِكَ فَاسِدٌ يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ دَخَلَ فِي الصَّدَاقِ الْمُسْتَحِلِّ بِهِ الْفَرْجَ فَفَسَدَ ؛ لِأَنَّهُ طَابَقَ النَّهْيَ وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ يَرَى الشَّرْطَ بَاطِلًا وَالنِّكَاحَ صَحِيحًا وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَكْرَهُونَ عَقْدَ النِّكَاحِ عَلَيْهَا وَحُجَّتُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ وَقِصَّةُ بَرِيرَةَ تَقْتَضِي جَوَازَ الْعَقْدِ وَبُطْلَانَ الشَّرْطِ وَهُوَ أَوْلَى مَا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِحَّ لَهُ هَذَا الشَّرْطُ الْمَكْرُوهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا عَقَدَهُ بِيَمِينٍ فَيَلْزَمُهُ الْحِنْثُ فِي تِلْكَ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الْأَبْرَارِ وَلَا مِنْ مَنَاكِحِ السَّلَفِ اسْتِبَاحَةُ النِّكَاحِ بِالْأَيْمَانِ الْمَكْرُوهَةِ ، ثُمَّ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : شَرْطُ اللَّهِ قَبْلَ شَرْطِهَا ، قَالَ : وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّ الشَّرْطَ صَحِيحٌ ؛ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا { إنْ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ } وَهَذَا حَدِيثٌ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَإِنَّ مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ : أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوَفَّى بِهِ مِنْ الشُّرُوطِ الْجَائِزَةِ .
انْتَهَى .
وَكَلَامُ ابْنِ حَزْمٍ أَيْضًا يُوَافِقُ مَا ذَكَرْته مِنْ حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى الشَّرْطِ فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ بُطْلَانَ النِّكَاحِ بِالشَّرْطِ اسْتَدَلَّ بِرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ الَّتِي لَفْظُهَا لَا يَحِلُّ ثُمَّ قَالَ : فَمَنْ اشْتَرَطَ مَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ شَرْطٌ بَاطِلٌ وَإِنْ عُقِدَ عَلَيْهِ نِكَاحٌ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ .
( الرَّابِعَةُ ) يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَرْأَةُ الْأَجْنَبِيَّةُ تَسْأَلُ الزَّوْجَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ وَأَنْ يَنْكِحَهَا هِيَ بَدَلًا عَنْهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الزَّوْجَةَ الَّتِي هِيَ فِي الْعِصْمَةِ تَسْأَلُ طَلَاقَ ضَرَّتِهَا لِتَنْفَرِدَ هِيَ بِالزَّوْجِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَإِلَى الْأَوَّلِ ذَهَبَ النَّوَوِيُّ وَإِلَى الثَّانِي ذَهَبَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ ؛ لِقَوْلِهِ وَلْتَنْكِحْ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الَّتِي لَيْسَتْ الْآنَ نَاكِحَهَا ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَرَدَّ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ بِمَا ذَكَرْته وَالثَّالِثُ مُحْتَمَلٌ وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ وَلْتَنْكِحْ عَلَى أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ وَهُوَ الْأَوَّلُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ ( لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا ) فَإِنَّهُ يَصْدُقُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهَا تُرِيدُ تَحْصِيلَ حَظِّ الْأُخْرَى مِنْ الزَّوْجِ مَضْمُومًا إلَى حَظِّهَا .
( الْخَامِسَةُ ) قَالَ النَّوَوِيُّ : الْمُرَادُ بِأُخْتِهَا غَيْرُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ أُخْتَهَا مِنْ النَّسَبِ أَوْ أُخْتَهَا فِي الْإِسْلَامِ أَوْ كَافِرَةً .
انْتَهَى .
فَأَمَّا أُخْتُهَا مِنْ النَّسَبِ فَكَيْفَ يَصِحُّ إرَادَتُهَا فِي الْحَدِيثِ مَعَ قَوْلِهِ فِي بَقِيَّتِهِ : وَلْتَنْكِحْ ؛ لِأَنَّ نِكَاحَهَا زَوْجَهَا مُتَعَذِّرٌ مَعَ بَقَائِهَا فِي عِصْمَتِهِ ، وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْخَطَّابِيُّ فَقَالَ : يُرِيدُ ضَرَّتَهَا الْمُسْلِمَةَ فَهِيَ أُخْتُهَا مِنْ الدِّينِ وَلَمْ يُرِدْ الْأُخْتَ مِنْ قِبَلِ النَّسَبِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي النِّكَاحِ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ .
انْتَهَى .
وَقَدْ يُرَادُ لِتَنْكِحْ مَنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا وَلَا تَسْعَى فِي طَلَاقِ أُخْتِهَا لِمَنْفَعَةٍ زَائِدَةٍ تَتَوَقَّعُهَا مِنْ زَوْجِهَا فَلْتَنْكِحْ غَيْرَهُ فَإِنَّهَا لَا يَنَالُهَا إلَّا مَا قُدِّرَ لَهَا وَحِينَئِذٍ يَسْتَقِيمُ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَأَمَّا الْكَافِرَةُ فَقَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ : يَنْبَغِي أَنْ يَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ فِي الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ فَإِنَّ الْأَوْزَاعِيَّ يَخُصُّهُ بِالْمُسْلِمِ وَقَالَ بِهِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ أَبُو عُبَيْدِ بْنُ حَرْبَوَيْهِ وَيَخْتَارُهُ الْخَطَّابِيُّ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ : فَإِنَّ الْمُسْلِمَةَ أُخْتُ الْمُسْلِمَةِ وَلَكِنَّ الْجُمْهُورَ هُنَاكَ عَلَى تَعْمِيمِ الْحُكْمِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا .
( قُلْت ) وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ الْمُتَقَدِّمُ .
( السَّادِسَةُ ) قَوْلُهُ لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا أَيْ لَا تَفْعَلُ ذَلِكَ لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَهُوَ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْإِيثَارَ عَلَيْهَا فَتَكُونُ كَمَنْ أَفْرَغَ صَحْفَةَ غَيْرِهِ وَكَفَأَ مَا فِي إنَائِهِ فَيَقْلِبُهُ فِي إنَاءِ نَفْسِهِ ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : هُوَ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ مَجَازِيٌّ وَمَعْنَاهُ لِتَنْفَرِدَ بِزَوْجِهَا وَمِثْلُ هَذِهِ الِاسْتِعَارَةِ قَوْلُ النَّمِرِ بْنِ تَوْلَبٍ فَإِنَّ ابْنَ أُخْتِ الْقَوْمِ مُصْفًى إنَاؤُهُ إذَا لَمْ يُزَاحَمْ خَالَهُ بَابَ خُلْدٍ ( السَّابِعَةُ ) اسْتِفْرَاغُ صَحْفَتِهَا اسْتِعَارَةٌ لِنَيْلِ الْحَظِّ الَّذِي كَانَ يَحْصُلُ لَهَا مِنْ الزَّوْجِ مِنْ نَفَقَةٍ وَمَعْرُوفٍ وَمُعَاشَرَةٍ وَنَحْوِهَا وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِشَيْءٍ مَخْصُوصٍ عَلَى ذَلِكَ مَشَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا مَثَلٌ لِإِمَالَةِ الضَّرَّةِ حَقَّ صَاحِبَتِهَا مِنْ زَوْجِهَا إلَى نَفْسِهَا ثُمَّ قَالَ : وَقِيلَ : هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ وَالرَّغْبَةِ فِي كَثْرَةِ الْوَلَدِ قَالَ : وَالْأَوَّلُ أَوْلَى .
( الثَّامِنَةُ ) فَصَلَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي ذَلِكَ فَقَالَ : مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ بِمَا رُكِّبْنَ عَلَيْهِ مِنْ الْغَيْرَةِ طَلَبُ الِانْفِرَادِ بِالزَّوْجِ دُونَ الضَّرَّةِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي الِاسْتِبْدَادِ بِالصُّحْبَةِ وَالِانْفِرَادِ بِالْمُعَاشَرَةِ فَذَلِكَ مَأْذُونٌ فِيهِ ، وَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ الْمُضَايَقَةِ فِي الْكِسْوَةِ وَالنَّفَقَةِ فَذَلِكَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ وَفِيهِ وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ فَمَنَعَهَا إذَا خَطَبَتْ أَنْ تَقُولَ : لَا أَتَزَوَّجُ إلَّا بِشَرْطِ أَنْ يُفَارِقَ الَّتِي عِنْدَهُ رَغْبَةً فِي حَظِّهَا مِنْ الْمَعِيشَةِ لِتَزْدَادَ بِهَا فِي مَعِيشَتِهَا فَإِنَّ الرِّزْقَ قَدْ فَرَغَ مِنْهُ فَلَا تَطْلُبُ مِنْهُ مَا عِنْدَ غَيْرِهَا وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الدَّاخِلَةِ أَنْ تَمْنَعَ الْخَارِجَةَ مِنْ الدُّخُولِ وَتَقُولَ لِلزَّوْجِ : لَا تَنْكِحْهَا فَإِنَّهَا تُضَايِقُنَا فِي مَعِيشَتِنَا وَتَمْنَعُهُ مِنْهَا بِهَذِهِ النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَطْلُبْ مِنْ حَظِّ تِلْكَ شَيْئًا وَإِنَّمَا كَرِهَتْ أَنْ تُشَارِكَهَا فِي حَظِّهَا وَذَلِكَ لَا يُنَاقِضُ الْقَدْرَ ، وَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الِاسْتِبْدَادَ بِهِ فِي الْمُتْعَةِ أَلَا تَرَى إلَى { أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ عَرَضَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِكَاحَ أُخْتِهَا وَقَالَتْ : لَسْت لَك بِمُخْلِيَةٍ وَأُحِبُّ مَنْ شَرِكَنِي فِي خَيْرِ أُخْتِي } فَتَمَنَّتْ الْإِخْلَاءَ بِهِ دُونَ كُلِّ زَوْجَةٍ لَوْ اتَّفَقَ ذَلِكَ لَهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَشْتَرِطَ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا طَالِقٌ ؛ لِأَنَّ بِدُخُولِهَا عَلَيْهَا قَدْ صَارَتْ أُخْتًا لَهَا فَلَا تَسْأَلُ طَلَاقَهَا وَإِنَّمَا لَهَا أَنْ تَشْتَرِطَ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ ذَلِكَ وَإِذَا شَرَطَهُ لَهَا لَزِمَ الْوَفَاءُ بِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوَفَّى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ } .
انْتَهَى .
وَلَا دَلِيلَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ طَلَبِ الِانْفِرَادِ بِالْمُعَاشَرَةِ وَطَلَبِ الِانْفِرَادِ بِالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَلَا بَيْنَ الدَّاخِلَةِ وَالْخَارِجَةِ وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَوْرَدَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَهُ فَإِنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ لَمْ تَشْتَرِطْ ذَلِكَ وَلَا طَلَبْته وَإِنَّمَا فَهِمَ مِنْهَا تَمَنِّيَةً وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إبَاحَةِ تَمَّنِي الشَّيْءِ إبَاحَةُ طَلَبِهِ وَاشْتِرَاطِهِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( التَّاسِعَةُ ) قَوْلُهُ : وَلْتَنْكِحْ أَمْرٌ بِذَلِكَ وَهُوَ عَلَى سَبِيلِ الْإِبَاحَةِ أَوْ الْإِرْشَادِ وَالِاسْتِحْبَابِ ، وَذَكَرَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ رُوِيَ بِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا هَذَا ، وَالثَّانِي بِكَسْرِ اللَّامِ وَنَصْبِ الْفِعْلِ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ لِتَسْتَفْرِغَ وَيَتَعَيَّنُ مَعَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ تَسْأَلُ طَلَاقَ الزَّوْجَةِ .
( الْعَاشِرَةُ ) قَوْلُهُ : فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا أَيْ لَا يَنَالُهَا مِنْ الرِّزْقِ سِوَى مَا قُدِّرَ لَهَا وَلَوْ طَلَّقَ الزَّوْجُ مَنْ تَظُنُّ أَنَّهَا تُزَاحِمُهَا فِي رِزْقِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا } قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَحْسَنِ أَحَادِيثِ الْقَدَرِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالسَّنَدِ ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ : هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ فِي السُّلُوكِ عَلَى مَجَارِي الْقَدَرِ وَذَلِكَ لَا يُنَاقِضُ الْعَمَلَ فِي الطَّاعَاتِ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ التَّحَرِّي فِي الِاكْتِسَابِ وَخَزْنِ الْأَقْوَاتِ وَالنَّظَرِ لِغَدٍ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ يَبْلُغُهُ لَكِنْ بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ عَنْ سَبِيلِ السُّنَّةِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الْمَكْرُوهِ وَالْبِدْعَةِ وَلَا يَرْكَنُ إلَى أَحَدٍ عَلَى مَظِنَّةٍ مُضِرَّةٍ وَلَا يَرْبِطُ عَلَيْهَا نِيَّةً .
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 11 / ص 273)
هل في كرهي للتعدد إساءة للشرع؟!
المجيب نزار بن صالح الشعيبي
القاضي بمحكمة الشقيق
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/النشوز
التاريخ 27/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
أنا زوجة ثانية منذ أكثر من سنتين وقد اخترت ذلك رغبة مني؛ لأني أرى أنه لا يحق لي رفض زوج صالح لأنه متزوج، حيث إن التعدّد جائز في شرع الله، ولا يحق لي الاعتراض، ولكن في الآونة الأخيرة أصبحت أشعر بغيرة قاتلة لأسباب أرى أنه من حقي هذا الشعور، وأصبحت أعيش في عذاب، وأدعو الله أن يفرّج همي، وبدأت أشعر بأن التعدّد لا يفرض على المرأة، وأن النساء يختلفن في تحمله. فهل يجوز لي النظر في التعدد على أنه لا يناسبني؟ وهل من دعاء يخفف من غيرتي؟ وهل أستطيع تخيير الزوج إما أنا أو زوجته الأخرى؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أختي السائلة: قد تضمن سؤالك طلب الجواب عن ثلاثة أمور:
الأمر الأول: قولك هل يجوز لي النظر في التعدد على أنه لا يناسبني؟.
وسوف أجيب على هذا السؤال من خلال النقطتين التاليتين:
أولاً: لا شك أن التعدد مباح ومشروع للرجال بنص القرآن الكريم، قال تعالى: "وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فأنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم" [النساء: 3]، ومن المعلوم أن إباحته للرجال مشروط بالعدل بينهن بنص الآية، وعلى المسلم والمسلمة أن يسلّم بهذه المقدمة، ولا ينازع فيها، قال تعالى: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم" [الأحزاب: 36].
ثانياً: لا يفهم مما تقدم أن على المرأة أن تزيل ما في قلبها من شعور بالغيرة تجاه زوجها، إذا حصل ما يوجب ذلك؛ لأن هذه فطرة وغريزة قد لا تملك المرأة السيطرة عليها، ولا يفهم أيضاً أن على المرأة أن ترضى بالتعدد على نفسها، فلا تُلام على شعورها بذلك ما دامت لم تتجاوز حدودها التي رسمها لها الشارع، بحيث لا يحملها فرط غيرتها على ارتكاب ما يحرم عليها من سب وشتم للآخرين أو أذية للزوج.
ولقد كانت الغيرة تندلع في قلوب زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج من عندها ليلاً، قالت: فغرت عليه، فجاء فرأى ما أصنع، فقال: "مالك يا عائشة؟ أغرت؟" فقلت: ومالي لا يغار مثلي على مثلك؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أقد جاءك شيطانك"؟ الحديث أخرجه مسلم (2815).
وعن عائشة - رضي الله عنها- أيضاً قالت: كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأقول: وتهب المرأة نفسها؟ فلما أنزل الله -عز وجل- "ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت" [الأحزاب: 51]، قالت: ... والله ما أرى ربك إلا يسارع لك في هواك. أخرجه البخاري (4788) ومسلم (1464).
كما تروي لنا عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أيضاً موقفاً من ضرتها صفية -رضي الله عنها- فتقول: ما رأيت صانعاً طعاماً مثل صفية، صنعت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- طعاماً فبعثت به، فأخذني أَفْكَلٌ فكسرت الإناء، فقلت: يا رسول الله ما كفارة ما صنعت؟ قال: "إناء مثل إناء وطعام مثل طعام". أخرجه أبو داود (3568)، والنسائي (3957)، وقال محقق جامع الأصول. إسناده حسن.
وأَفْكَلٌ: الرعدة، والمراد أنها لما رأت حسن الطعام أصابتها رعشة من شدة الغيرة.
وقد ورد عن عائشة -رضي الله عنها- أيضاً كانت تغار من خديجة-رضي الله عنها- لكثرة ما يذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم-. أخرجه مسلم (2437).
ومما تقدم وغيره من النصوص وما تمليه الفطرة الإنسانية يظهر بأنه لا حرج من شعور المرأة أن التعدد لا يناسبها إذا كانت تؤمن بأنه شُرِعَ من الحكيم الخبير.
الأمر الثاني: قولك: هل من دعاء يخفف غيرتي؟
فالجواب أني لم أقف على دعاء خاص لهذا الشأن.
الأمر الثالث: هل أستطيع تخيير الزوج، إما أنا أو زوجته الأخرى؟
فالجواب: هذا الطلب حرام؛ لأن فيه إضرار بالغير من غير وجه حق، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح، فإن لها ما قدر لها" أخرجه البخاري (6601).
ولكن يجوز لها أن تشترط ألا يتزوج عليها قبل أن يعقد عليها، فإن نكث فيحق لها أن تطلب الفسخ لنكثه الشرط، كما يجوز لها أن تطلب منه أن يخالعها بعد أن ترد إليه مهره إذا خشيت ببقائها معه أن تضيع حدود الله -تعالى- بعصيان زوجها ...لفرط غيرتها أو كراهيتها له بدون أن تطلب طلاق ضرتها؛ لقول الله -تعالى-:"فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به"[البقرة: 229]. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما- أن امرأة ثابت بن قيس - رضي الله عنهما- أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله: ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أتردين عليه حديقته"؟ فقالت: نعم. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اقبل الحديقة وطلقها تطليقة" رواه البخاري (5273) وغيره.
ولكني أنصحها بألا تستعجل باتخاذ هذا القرار إلا بعد استخارة الله -تعالى- واستشارة العقلاء من أهلها واستنفاذ كافة السبل الممكنة لتخفيف غيرتها لعلها تعود إلى دائرة الاعتدال، وأنصحها بصدق الالتجاء إلى الله -تعالى- والإلحاح عليه أن يطمئن ما في قلبها، والله -سبحانه وتعالى- قريب مجيب، وأسأل الله -تعالى -لك التوفيق والسعادة في حياتك الأسرية، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 6 / ص 265)
مفهوم خاطئ شائع حول تعدد الزوجات رقم الفتوى:15556تاريخ الفتوى:07 صفر 1423السؤال : الزواج بدون سبب يذكر في الزوجة بالرغم أنها موفرة له الراحة والحب والاحترام وتقوم بجميع واجباتها الزوجية. وهو راض عنها؟ وتزوج من الخارج دون علمها؟ ويقول السبب الهروب من امرأة عرضت عليه الزواج وهو لا يريدها ولا يستطيع الزواج بها لأنها امرأة فاسدة. فتزوج من الخارج
الفتوى : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله وآله أجمعين ... أما بعد :
فإن تعدد الزوجات أمر أباحه الله ، قال تعالى ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ) [ سورة النساء : 3] فإذا وجد المسلم حاجة في التعدد جاز له ذلك ، إذا كان يستطيع العدل بينهن، بل قد يجب على المسلم أن يتزوج ، وذلك عند الاستطاعة مع الخوف من العنت أو الوقوع في المحرمات ، أو عند وجود امرأة تحتاج إلى من يعفها ، وإن لم تجده انحرفت وساءت سيرتها ، ولا يوجد أمامها إلا هو ، فيتعين عليه إعفافها ، لأن المسلم مأمور بالحفاظ على حياة غيره ، فلأن يحافظ على دينه من باب أولى .
ولا يشترط لجواز التعدد أن تكون الزوجة الأولى مقصرة - كما هو منتشر بين الناس - وقد عرفنا عدم وجود هذا الشرط من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة صحابته ، حيث كانوا يعددون الزوجات دون حاجة إليهن ، أو تقصير من زوجاتهن السابقات .
ولمعرفة الأمور التي يجب مراعاتها بين الزوجات راجع الفتوى رقم :
3604.
ونحن نوصي الأخت الكريمة ( الزوجة الأولى ) بالصبر والاحتساب وعدم التجاوز ، لأن الأمر تم وانتهى ، ولا يجوز لها أن تتمنى تطليق زوجها للأخرى ، ولا يجوز لها أن تتسبب في ذلك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها " متفق عليه من حديث أبي هريرة .
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 29 / ص 115)
ليس للمرأة أن تطلب طلاق أختها رقم الفتوى:44022تاريخ الفتوى:20 ذو الحجة 1424السؤال :
تقدم لي شاب متدين ولكنه سبق له الزواج من قبل من امرأة أخفت عنه أنها تعاني من مرض خطير تضاعف بعد الزواج ولديه منها طفل، وذات يوم تركت المنزل بإرادتها إلى أهلها ولم ترجع أبداً رغم محاولات الزوج الكثيرة للمحافظة على البقاء بجوارها هي وابنه، ولم يتخل عنهما بل أصر أهلها على عدم العودة إليه ومطالبته بكل مستحقاتها من وجهة نظرهم ومنعه من رؤية ابنه، ومر أربع سنوات على هذا الوضع إلى أن لجأ أهلها إلى القضاء مطالبين بكل ما لدى الزوج من (عفش كامل- مؤخر- نفقة عن الطفل) وإذا فعل كل هذا ما يتبقي له شيء لبدء حياة جديدة، فهل هذا من حقها؟ وهل من حقي شرعا أن أطالبه بإنهاء كل هذه الخلافات السابقة وطلاق زوجته السابقة حتي أطمئن على مستقبلي معه دون خلافات أو مشاكل قد تعكر حياتنا الجديدة، علما بأنه يري أن ذلك الطلب فيه قسوة لأنه سيخسر كل شيء ويبدأ من جديد؟
الفتوى :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن المرأة إذا أرادت أن تفارق زوجها، وكان لها ما يبرر ذلك، جاز لها طلب الطلاق، فإن لم يطلق الزوج طلبت الخلع، وقد بينا معنى الخلع وشروطه وما يترتب عليه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 3875، 1407.
أما إذا كان طلب الطلاق بلا مسوغ شرعي، فحرام على المرأة طلبه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة. رواه الترمذي وأبو داود، وقال الترمذي: حديث حسن.
أما عن منع الزوجة زوجها من رؤية ولده، فهذا لا يجوز لأنها وإن ثبتت لها الحضانة عليه، إلا أن ذلك لا يعني الاستبداد بالطفل، ومنع والده من رؤيته، وقد بينا هذا في الفتوى رقم: 20160.
وننبه الأخت السائلة إلى أنها لا يجوز لها أن تطلب ممن تقدم لخطبتها أن يطلق زوجته الأخرى، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها. متفق عليه، وراجعي في هذا الفتوى رقم: 6314، والفتوى رقم: 15556.
وما للمطلقة من حق في العفش والمؤخر ونحوه، فإنه أمر يُرجع فيه إلى الجهات المختصة، وهي المحاكم المعنية بهذا الشأن، لينظروا في القرائن والأحوال، وقد بينا طرفاً من ذلك في الفتوى رقم: 9494، والفتوى رقم: 19403.
والله أعلم.(1/165)
314-7970 أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ ، وَسَعِيدٌ ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ الْأُخْرَى لِتَكْتَفِئَ مَا فِي إِنَائِهَا " (1)
__________
(1) - صحيح مسلم برقم ( 3524 و 3525 ) وسنن الترمذى برقم( 1228) ونص برقم( 3252 و4519و4523)
شرح سنن النسائي - (ج 6 / ص 164)
4426 -
حَاشِيَةُ السِّنْدِيِّ :
قَوْله ( وَلَا تَسْأَل الْمَرْأَة ) الْمَخْطُوبَة
( طَلَاق أُخْتهَا ) الْمَوْجُودَة فِي بَيْت الْخَاطِب بِأَنْ تَقُولَ لَا أَقْبَلُ النِّكَاح وَلَا أَرْضَى بِهِ إِلَّا بِطَلَاقِ السَّابِقَة .
تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 277)
1111 - قَوْلُهُ : ( لَا تَسْأَلْ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا )
الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُخْتِ الْأُخْتُ فِي الدِّينِ . يُوَضِّحُ هَذَا مَا رَوَاهُ اِبْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ : لَا تَسْأَلْ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا فَإِنَّ الْمُسْلِمَةَ أُخْتُ الْمُسْلِمَةِ
( لِتُكْفِئَ مَا فِي إِنَائِهَا )
أَيْ لِتُقَلِّبَ مَا فِي إِنَائِهَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ كَفَأْت الْإِنَاءَ وَأَكْفَأْته إِذَا كَبَبْته وَإِذَا أَمَلْته . وَهَذَا تَمْثِيلٌ لِإِمَالَةِ الضَّرَّةِ حَقَّ صَاحِبَتِهَا مِنْ زَوْجِهَا إِلَى نَفْسِهَا إِذَا سَأَلَتْ عَلَاقَهَا اِنْتَهَتْ . وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ : لِتَسْتَفْرِغَ صَحِيفَتَهَا فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا . قَالَ النَّوَوِيُّ : مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ نَهْيُ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ أَنْ تَسْأَلَ رَجُلًا طَلَاقَ زَوْجَتِهِ لِيُطَلِّقَهَا وَيَتَزَوَّجَ بِهَا اِنْتَهَى . وَحَمَلَ اِبْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْأُخْتَ هُنَا عَلَى الضَّرَّةِ فَقَالَ فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَسْأَلَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا أَنْ يُطَلِّقَ ضَرَّتَهَا لِتَنْفَرِدَ بِهِ اِنْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ : وَهَذَا يُمْكِنُ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي وَقَعَتْ بِلَفْظِ : لَا تَسْأَلْ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا لَفْظُ الشَّرْطِ ( يَعْنِي بِلَفْظِ لَا يَصْلُحُ لِامْرَأَةٍ أَنْ تَشْتَرِطَ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتُكْفِئَ إِنَاءَهَا ) فَظَاهِرٌ أَنَّهَا فِي الْأَجْنَبِيَّةِ . وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِيهَا وَلْتَنْكِحْ أَيْ وَلْتَتَزَوَّجْ الزَّوْجَ الْمَذْكُورَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَشْتَرِطَ أَنْ يُطَلِّقَ الَّتِي قَبْلَهَا اِنْتَهَى .
قَوْلُهُ : ( وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ )
لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ .
قَوْلُهُ : ( حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .(1/166)
مَنْ أَفْسَدَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا
315-7971 أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَمَّارُ بْنُ رُزَيْقٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ خَبَّبَ عَبْدًا عَلَى أَهْلِهِ فَلَيْسَ مِنَّا ، وَمَنْ أَفْسَدَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا فَلَيْسَ مِنَّا "(1)
------------------
(1) - صحيح ابن حبان برقم( 5651 ) وصحيح الترغيب والترهيب برقم( 2014 ) ومسند أحمد برقم( 9395)
صحيح
خبب : خدع وأفسد
الفقه على المذاهب الأربعة - (ج 7 / ص 171)
اتفق الأئمة على أن من وطئ امرأة أجنبية فيما دون الفرج بأن أولج ذكره في مغابن بطنها، ونحوه، بعيداً عن القبل، والدبر، لا يقام عليه الحد، ولكنه يعزر، لأنه أتى فعلاً منكراً يحرمه الشرع، وقد حكم الإمام علي كرم اللَّه وجهه على من وجد مع امرأة أجنبية مختلياً بها، ولم يقع عليها، بأن يضرب مائة جلدة تعزيراً له، لأنه من الأسباب التي توقع في الزنا ومن زنا بامرأة ميتة لا يقام عليه الحد، وإنما يعزر حسب ما يراه الإمام رادعاً له لأن النفوس البشرية تنفر منه لبشاعته، وهي لذة ناقصة فلا يقام عليه الحد.
إفساد المرأة على زوجها
إن الدين الإسلامي يحرم السعي بالفساد بين الزوجين، ويعتبره من أكبر الكبائر عند اللَّه وقد اختلف الفقهاء في حكم من أفسد امرأة على زوجها حتى طلقها.
المالكية - قالوا: إن من أفسد زوجة غيره ليتزوجها بعده، تحرم عليه تحريماً مؤبداً، معاملة له بنقيض قصده. وقد روى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن بريدة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم أنه قَالَ (من خبب على امرئ زوجته، أو مملوكه فليس منا) ومعنى - خبب - أي خدع، وأفسد.
الحنفية، والشافعية - قالوا: إن إفساد الزوجة على زوجها لا يحرمها على من أفسدها، بل يحل له زواجها، ولكن هذا الإنسان يكون من أفسق الفساق وعمله يكون من أنكر أنواع العصيان، وأفحش الذنوب عند اللّه عز وجل يوم القيامة.
روى الطبراني في الصغير والأوسط من حديث ابن عمر رضي اللّه تعالى عنهما أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "من أفسد امرأة على زوجها فليس منا" أي ليس على هدينا، ولا على شريعتنا لأنه ارتكتب عملا مشينا، لا يقره الإسلام).
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 3 / ص 176)
الدعاء بهذه الصورة من الاعتداء المنهي عنه رقم الفتوى:11442تاريخ الفتوى:25 شعبان 1422السؤال : رجل أحب فتاة ولكنها تزوجت رجلا آخر هو يدعو الله أن يجمعه بها في الحلال يعنى أن تترك زوجها لتتزوجه هو. وهو لا يفعل شيئاً ليفرق بينها وبين زوجها مثل الوشاية وغيرها، وهو فقط يدعو الله ليعيدها إليه، فهل فعل إثماً؟ وما ذا لو طلب منها أن يطلقها زوجها خاصة وأنه يضربها ويشرب الخمر؟ ما ذا يكون عليه وعليها إن وافقته؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن على هذا الرجل أن يقلع عن تعلقه بهذه الفتاة، وأن يصرف النظر عنها، وأن يترك الدعاء المذكور فإنه من الإثم، ولا يجوز له أن يسعى في تطليق هذه الفتاة من زوجها، ولا أن يحرضها على ذلك، لما في ذلك من التخبيب المحرم، ففي المسند والسنن لأبي داود وصحيح ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من خبب زوجة امرئ أو مملوكه فليس منا" ولفظ المسند هو "من خبب خادماً على أهلها فليس منا، ومن أفسد امرأة على زوجها فليس هو منا".
وقد نص المالكية على أن من خبب امرأة على زوجها حتى طلقها، ثم تزوجها هو فإن ذلك الزواج فاسد، والعقد مفسوخ. بل إن منهم من يرى أن المرأة تحرم على من خببها على زوجها على التأبيد.
وعلى كل حال فلا تسع في شيء من ذلك القبيل، واصرف قلبك عما لا يحل لك، واسأل الله تعالى أن يختار لك، ويرزقك زوجة صالحة.
ولا ينبغي أن يغيب عن ذهنك أن النساء كثر، وأنه ليست في إحداهن ميزة منفردة بها لا توجد في غيرها، بحيث تبرر التعلق بها كل التعلق، والانصراف عما سواها.
وإن أفضلهن وأبركهن وخيرهن في الدنيا والآخرة من كانت أصلح، وأتقى، وأخشى لله تعالى، وألزم لشرعه، وكانت من منبت طيب، وكان اختيار الشخص لها بالدرجة الأولى على أساس أنها من ذوات الدين والخلق.
أما ما يخص كون زوج هذه الفتاة يضربها، ويشرب الخمر فهذا أمر يعنيها هي بالدرجة الأولى، فإن ثبت لديها أنه يشرب الخمر، وكان يضربها بغير حق شرعي، فعليها أن ترفع أمرها إلى المحاكم الشرعية، لتزيل عنها الضرر، إما بمنعه هو من ارتكاب ما حرم الله تعالى من شرب الخمر، وإيذاء زوجته، وإما أن تطلقها المحاكم منه إن لم يمتنع عن ذلك.والله أعلم.(1/166)
مَنْ يُدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ
316-7972 أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَلَا لَا يَبِيتَنَّ رَجُلٌ عِنْدَ امْرَأَةٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَاكِحًا ، أَوْ ذَا مَحْرَمٍ " (1)
__________
(1) - صحيح مسلم برقم ( 5802 ) و مصنف ابن أبي شيبة برقم( 17654) وسنن البيهقى برقم( 13945)
شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 307)
4036 - قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَبِيتَنَّ رَجُل عِنْد اِمْرَأَة ثَيِّب إِلَّا أَنْ يَكُون نَاكِحًا أَوْ ذَا مَحْرَم )
هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخ بِلَادنَا : ( إِلَّا أَنْ يَكُون ) بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة مِنْ تَحْت ، أَيْ يَكُون الدَّاخِل زَوْجًا أَوْ ذَا مَحْرَم . وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فَقَالَ : ( إِلَّا أَنْ تَكُون نَاكِحًا أَوْ ذَات مَحْرَم ) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة فَوْق ، وَقَالَ : ( ذَات ) بَدَل ( ذَا ) . قَالَ : وَالْمُرَاد بِالنَّاكِحِ الْمَرْأَة الْمُزَوَّجَة وَزَوْجهَا حَاضِر ، فَيَكُون مَبِيت الْغَرِيب فِي بَيْتهَا . بِحَضْرَةِ زَوْجهَا ، وَهَذِهِ الرِّوَايَة الَّتِي اِقْتَصَرَ عَلَيْهَا وَالتَّفْسِير غَرِيبَانِ مَرْدُودَانِ ، وَالصَّوَاب الرِّوَايَة الْأُولَى الَّتِي ذَكَرْتهَا عَنْ نُسَخ بِلَادنَا ، وَمَعْنَاهُ لَا يَبِيتَنَّ رَجُل عِنْد اِمْرَأَة إِلَّا زَوْجهَا أَوْ مَحْرَم لَهَا . قَالَ الْعُلَمَاء : إِنَّمَا خُصَّ الثَّيِّب لِكَوْنِهَا الَّتِي يَدْخُل إِلَيْهَا غَالِبًا ، وَأَمَّا الْبِكْر فَمَصُونَة مُتَصَوِّنَة فِي الْعَادَة مُجَانِبَة لِلرِّجَالِ أَشَدّ مُجَانَبَة ، فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذِكْرهَا ، وَلِأَنَّهُ مِنْ بَاب التَّنْبِيه ، لِأَنَّهُ إِذَا نُهِيَ عَنْ الثَّيِّب الَّتِي يَتَسَاهَل النَّاس فِي الدُّخُول عَلَيْهَا فِي الْعَادَة ، فَالْبِكْر أَوْلَى وَفِي هَذَا الْحَدِيث وَالْأَحَادِيث بَعْده تَحْرِيم الْخَلْوَة بِالْأَجْنَبِيَّةِ ، وَإِبَاحَة الْخَلْوَة بِمَحَارِمِهَا ، وَهَذَانِ الْأَمْرَانِ مُجْمَع عَلَيْهِمَا ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُحْرِم هُوَ كُلّ مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحهَا عَلَى التَّأْبِيد لِسَبَبِ مُبَاح لِحُرْمَتِهَا . فَقَوْلنَا : ( عَلَى التَّأْبِيد ) اِحْتِرَاز مِنْ أُخْت اِمْرَأَته وَعَمَّتهَا وَخَالَتهَا وَنَحْوهنَّ ، وَمِنْ بِنْتهَا قَبْل الدُّخُول بِالْأُمِّ . وَقَوْلنَا : ( لِسَبَبٍ مُبَاح ) اِحْتِرَاز مِنْ أُمّ الْمَوْطُوءَة بِشُبْهَةٍ وَبِنْتهَا فَإِنَّهُ حَرَام عَلَى التَّأْبِيد ، لَكِنْ لَا لِسَبَبٍ مُبَاح ، فَإِنَّ وَطْء الشُّبْهَة لَا يُوصَف بِأَنَّهُ مُبَاح ، وَلَا مُحَرَّم ، وَلَا بِغَيْرِهِمَا مِنْ أَحْكَام الشَّرْع الْخَمْسَة ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِعْل مُكَلَّف . وَقَوْلنَا : ( لِحُرْمَتِهَا ) اِحْتِرَاز مِنْ الْمُلَاعَنَة فَهِيَ حَرَام عَلَى التَّأْبِيد لَا لِحُرْمَتِهَا بَلْ تَغْلِيظًا عَلَيْهِمَا . وَاللَّهُ أَعْلَم .
سبل السلام - (ج 5 / ص 270)
( وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَبِيتَنَّ مِنْ الْبَيْتُوتَةِ وَهِيَ بَقَاءُ اللَّيْلِ الرَّجُلُ عِنْدَ امْرَأَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَاكِحًا ، أَوْ ذَا مَحْرَمٍ } .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ) .
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا زِيَادَةٌ عِنْدَ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ قِيلَ : إنَّمَا خَصَّ الثَّيِّبَ ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي يُدْخَلُ عَلَيْهَا غَالِبًا .
وَأَمَّا الْبِكْرُ فَهِيَ مُتَصَوِّنَةٌ فِي الْعَادَةِ مُجَانِبَةٌ لِلرِّجَالِ أَشَدُّ مُجَانَبَةً وَلِأَنَّهُ يُعْلَمُ بِالْأَوْلَى أَنَّهُ إذَا نَهَى عَنْ الدُّخُولِ عَلَى الثَّيِّبِ الَّتِي يَتَسَاهَلُ النَّاسُ فِي الدُّخُولِ عَلَيْهَا فَبِالْأَوْلَى الْبِكْرُ وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ نَاكِحًا أَيْ مُتَزَوِّجًا بِهَا .
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تَحْرُمُ الْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ ، وَأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْخَلْوَةُ بِالْمَحْرَمِ ، وَهَذَانِ الْحُكْمَانِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِمَا ، وَقَدْ ضَبَطَ الْعُلَمَاءُ الْمَحْرَمَ بِأَنَّهُ كُلُّ مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ يُحَرِّمُهَا فَقَوْلُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ احْتِرَازٌ مِنْ أُخْتِ الزَّوْجَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَنَحْوِهِنَّ .
وَقَوْلُهُ : بِسَبَبٍ مُبَاحٍ احْتِرَازٌ عَنْ أُمِّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَبِنْتِهَا ، فَإِنَّهَا حَرَامٌ عَلَى التَّأْبِيدِ لَكِنْ لَا بِسَبَبٍ مُبَاحٍ ، فَإِنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُبَاحٌ ، وَلَا مُحَرَّمٌ ، وَلَا بِغَيْرِهِمَا مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ الْخَمْسَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِعْلَ مُكَلَّفٍ .
وَقَوْلُهُ : يُحَرِّمُهَا احْتِرَازٌ عَنْ الْمُلَاعَنَةِ ، فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَى التَّأْبِيدِ لَا لِحُرْمَتِهَا بَلْ تَغْلِيظًا عَلَيْهَا .
وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ لَا يَبِيتَنَّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْبَقَاءُ عِنْدَ الْأَجْنَبِيَّةِ فِي النَّهَارِ خَلْوَةً ، أَوْ غَيْرَهَا لَكِنَّ قَوْلَهُ : ( 1053 ) - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ } أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ .
( وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ } أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ) دَلَّ عَلَى تَحْرِيمِ خَلْوَتِهِ بِهَا لَيْلًا ، أَوْ نَهَارًا ، وَهُوَ دَلِيلٌ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الَّذِي قَبْلَهُ وَزِيَادَةٌ وَأَفَادَ جَوَازَ خَلْوَةِ الرَّجُلِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ مَعَ مَحْرَمِهَا وَتَسْمِيَتُهَا خَلْوَةً تَسَامُحٌ فَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ .
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 4 / ص 320)
هل تسكن المطلقة ثلاثاً مع مطلقها رقم الفتوى:12921تاريخ الفتوى:08 ذو القعدة 1422السؤال : هل للمرأة التي حلف عليها زوجها يمين الطلاق ثلاث مرات وأصبحت محرمة عليه أن تعيش في شقة الزوجية مع هذا الزوج حيث أنها لها الحق في نصف الشقة لأنها قامت بدفع نصف ثمنها من مالها الخاص الذي ورثته من أهلها ولكن لا يوجد ما يثبت ذلك وهو لا يستطيع إعطاءها ما يمكنها من شراء شقة جديدة لها أو له كما يوجد ابنة وابن مازالا يعيشان معهما والزوجة تراعي الله في لبسها وكلامها أمام هذا الزوج وتخاف على مستقبل ابنتها التي في سن الزواج إن هي تركت المنزل وعاشت عند أحد أبنائها فما حكم الدين في ذلك؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهذه المرأة المطلقة من زوجها ثلاثا، والتي أصبحت حراماً عليه حتى تنكح زوجا غيره لا يجوز لها أن تسكن معه، لأنه صار أجنبياً عليها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يبيتن رجل عند امرأة، إلا أن يكون ناكحاً أو ذا محرم" رواه مسلم.
وهذه المرأة المطلقة ثلاثاً لا فرق بينها وبين الأجنبية، لقوله تعالى: (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) [البقرة:230].
فعليها أن تسكن مع أهلها، أو تؤجر سكناً آخر تستقل فيه بالسكنى عن هذا الرجل.
وعليها أن تعلم أن المحافظة على تربية الأولاد لا تبيح لها ارتكاب المحرم، وهناك شروط - حددها العلماء - إذا توافرت يمكن أن تسكن بالقرب من هذا الرجل، وليس معه، وهذه الشروط مستوفاة في الفتوى رقم: 10146 ونحيلك عليها .والله أعلم.
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 6320)
حمو
التّعريف
1 - حمو المرأة وحموها وحمها وحماها ، أبو زوجها أو أخو زوجها ، وكذلك من كان من قبل الزّوج من ذوي قرابته فهم أحماء المرأة ، وحماة المرأة أمّ زوجها ، وحكى النّوويّ إجماع أهل اللّغة على ذلك.
وقال ابن فارس : الحمء : أبو الزّوج ، وأبو امرأة الرّجل.
وقال المحكم : وحمء الرّجل أبو زوجته أو أخوها أو عمّها.
فحصل من هذا أنّ الحمء يكون من الجانبين كالصّهر ، وهكذا نقله الخليل عن بعض العرب.
وقالوا كلّ شيء من قبل المرأة فهم الأختان وقال ابن الأعرابيّ : الحماة أمّ الزّوج ، والختنة أمّ المرأة ، ومن العرب من يبدّل مكان الأختين الأصهار - والعكس - ومن العرب من يجعلهم كلّهم أصهاراً ، وهذا على سبيل الغلبة.
والمعنى الاصطلاحيّ لا يعدو المعنى اللّغويّ.
الحكم الإجماليّ
2 - النّظر والخلوة بالنّسبة للحمو يختلف باختلاف أحوال الحمو.
فالحمو المحرم : كأبي الزّوج وإن علا ، وابن الزّوج وإن نزل ، يجوز له النّظر إلى المرأة والخلوة بها ، وكذلك أمّ الزّوجة بالنّسبة إلى الزّوج وابنتها ، لقوله تعالى : «وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ» إلى آخر الآية.
ولقوله صلى الله عليه وسلم « ألا لا يبيتن رجل عند امرأة ثيّب إلاّ أن يكون ناكحاً أو ذا محرم » وإنّما خصّ فيه الثّيّب بالذّكر لأنّها يدخل عليها غالباً ، وأمّا البكر فمصونة في العادة ، فهي أولى بذلك.
وقد حكى النّوويّ وغيره الإجماع على تحريم الخلوة بالأجنبيّة ، وإباحة الخلوة بالمحارم.
والمحرم : هي كلّ من حرم عليه نكاحها على التّأبيد بسبب مباح.
انظر « محرم » .
3 - الحمو غير المحرم كأخي الزّوج وكلّ من يمتّ بقرابة إلى الزّوج ، ما عدا المذكورين في السّابق فحكمهم حكم الأجنبيّ في النّظر والخلوة ، والسّكن ، واستماع الصّوت ، وقال في الإنصاف : وحرم نظر بشهوة أو مع خوف ثورانها لأحد ممّن ذكرنا.
وأمّا المسّ فالقاعدة في ذلك أنّه متى حرم النّظر حرم المسّ ، لأنّه أبلغ منه في اللّذّة وإثارة الشّهوة.
ولا يلزم عند الجمهور من حلّ النّظر حلّ المسّ والخلوة كالشّاهد ونحوه.
خلافاً للحنفيّة فمسّ المحرم لما يحلّ له نظره بغير شهوة جائز كالنّظر.
والخلوة كذلك سواء في الدّخول على النّساء أو السّكنى لحديث : « إيّاكم والدّخول على النّساء.
فقال رجل من الأنصار : يا رسول اللّه أفرأيت الحمو قال : الحمو الموت » .
والحديث محمول على من ليس بمحرم من الأحماء ، وقد خرج هذا الكلام مخرج التّغليظ ، لأنّه صلى الله عليه وسلم فهم من السّائل طلب التّرخيص بدخول مثل هؤلاء الّذين ليسوا بمحارم.
ولتفصيل ذلك راجع بحث : « أجنبيّ ، قرابة ، استمتاع ، اشتهاء ، ومحرم » .
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 45 / ص 70)
:شروط سكن المطلقة البائنة في بيت مطلقها رقم الفتوى:65103تاريخ الفتوى:17 جمادي الثانية 1426السؤال :
أنا مواطنة مغربية مطلقة طلاقا بائنا المشكلة تكمن في زوجي لأنه لا يريد أن يتخذ معي أي حل فأنا أم لسبعة أطفال لا يريد أن يترك البيت ويريدني أن أذهب معه إلى القاضي لأطلق نفسي حتى أبرئه من نفقة الطلاق مع العلم أنه جد ميسور ويعامل أطفاله معاملة سيئة ويريد إخراجي من البيت مع أطفاله مع العلم أنه ليس لي مكان آوي إليه لا زال معي في نفس البيت إلا أنه لا يراني كما أنه يخيرني بين أن أطلق نفسي عند القاضي لأنه بذهابي عنده أكون أنا من يطلب الطلاق وبذلك لن أحصل على حقوقي أو أذهب معه عند علماء الدين حتى يعطيني ما يريد أفيدوني جزاكم الله عن فتاواكم كل خير.
الفتوى :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم يتضح لنا من السؤال هل الطلاق البائن أوقعه الزوج أو لم يوقعه بعد، ويريد من الزوجة أن تخالعه، ولم يتضح لنا إذا كان الطلاق قد وقع، هل انتهت مدة العدة أو لم تنته بعد.
وعلى كل حال، فإن المطلقة طلاقاً بائناً لا يجوز لها أن تسكن مع مطلقها في بيت واحد، لأنها أجنبية عنه، ولما يترتب على ذلك من الاختلاط والنظر وغير ذلك من المحرمات، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا لا يبيتن رجل عند امرأة ثيب إلا أن يكون ناكحاً أو ذا محرم. رواه مسلم في صحيحه.
فعلى المطلقة طلاقا بائنا أن تسكن في بيت منفصل عن سكن مطلقها، فإذا لم يمكن ذلك وأمكنها أن تسكن في غرفة منفردة، فإنه يجوز لها ذلك بشرط ألا تكون المرافق مشتركة كالمطبخ والحمام ونحوها، قال في الموسوعة الفقهية: لو كانت دار المطلق متسعة لهما، وأمكنها السكنى في غرفة منفردة وبينهما باب مغلق أي بمرافقها، وسكن الزوج في الباقي جاز، فإن لم يكن بينهما باب مغلق ووجد معها محرم تتحفظ به جاز، وإلا لم يجز.
وأما بخصوص النفقة بما فيها نفقة السكن، فإنها واجبة للأولاد على أبيهم. وهل يجب السكنى للحاضنة المطلقة؟ فقد قال ابن عابدين في حاشيته: القول بوجوب أجرة المسكن ليس مبنيا على وجوب الأجر على الحضانة بل على وجوب نفقة الولد، فقد تكون الحاضنة لا مسكن لها أصلاً، بل تسكن عند غيرها، فكيف يلزمها أجرة مسكن لتحضن فيه الولد، بل الوجه لزومه على من تلزمه نفقته، فإن المسكن من النفقة. وراجعي الفتوى رقم: 24435.
وقد سبق لنا أن بينا تحريم الإضرار بالزوجة وإيذائها لتفتدي نفسها، وذلك لقوله تعالى: وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ {النساء: 19}. وراجعي الفتوى رقم: 6655.
وإذا كان زوجك قد طلقك طلاقاً بائناً، ويريد أن يمنعك وأبناءك حقوقكم، فلك أن ترفعي الأمر إلى المحاكم الشرعية القريبة منكم، حتى تبت فيه وتعطي كل ذي حق حقه.
واعلمي أن ذهابك للمحكمة الشرعية ليس فيه ضياع لحقوقك، بل في ذلك حفاظ عليها من الضياع، ولا تذهبي مطالبة بالطلاق كما يريد مطلقك، بل طالبي المحكمة بحقك وحق أبنائك، وبإنصافك من مطلقك، واحرصي على أن يكون معك بينة -كشهود مثلا- على طلاقه لك.
نسأل الله تعالى أن يفرج كربك وأن ييسر أمرك. والله أعلم.(1/167)
حَمْوُ الْمَرْأَةِ
317- 7973 أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ " فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ : أَرَأَيْتَ الْحَمْوَ ؟ قَالَ : " الْحَمْوُ الْمَوْتُ " (1)
__________
(1) - صحيح البخارى برقم( 5232) وصحيح مسلم برقم( 5803 ) وسنن الترمذى برقم( 1204)
فتح الباري لابن حجر - (ج 15 / ص 42)
4831 - قَوْله ( عَنْ يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب )
فِي رِوَايَة مُسْلِم مِنْ طَرِيق اِبْن وَهْب عَنْ اللَّيْث وَعَمْرو بْن الْحَارِث وَحَيْوَة وَغَيْرهمْ " أَنَّ يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب حَدَّثَهُمْ " .
قَوْله ( عَنْ أَبِي الْخَيْر )
هُوَ مَرْثَد بْن عَبْد اللَّه الْيَزَنِيّ .
قَوْله ( عُقْبَة بْن عَامِر )
فِي رِوَايَة اِبْن وَهْب عِنْد أَبِي نُعَيْم فِي " الْمُسْتَخْرَج " : سَمِعْت عُقْبَةَ بْن عَامِر .
قَوْله ( إِيَّاكُمْ وَالدُّخُول )
بِالنَّصْبِ عَلَى التَّحْذِير ، وَهُوَ تَنْبِيه الْمُخَاطَب عَلَى مَحْذُور لِيَحْتَرِز عَنْهُ كَمَا قِيلَ إِيَّاكَ وَالْأَسَد ، وَقَوْله " إِيَّاكُمْ " مَفْعُول بِفِعْلِ مُضْمَر تَقْدِيره اِتَّقُوا ، وَتَقْدِير الْكَلَام اِتَّقُوا أَنْفُسكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا عَلَى النِّسَاء وَالنِّسَاء أَنْ يَدْخُلْنَ عَلَيْكُمْ . وَوَقَعَ فِي رِوَايَة اِبْن وَهْب بِلَفْظِ لَا تَدْخُلُوا عَلَى النِّسَاء ، وَتَضَمَّنَ مَنْعَ الدُّخُول مَنْع الْخَلْوَة بِهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى .
قَوْله ( فَقَالَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار )
لَمْ أَقِف عَلَى تَسْمِيَته .
قَوْله ( أَفَرَأَيْت الْحَمْو )
زَادَ اِبْن وَهْب فِي رِوَايَته عِنْد مُسْلِم " سَمِعْت اللَّيْث يَقُول الْحَمْو أَخُو الزَّوْج وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ أَقَارِب الزَّوْج اِبْن الْعَمّ وَنَحْوه " وَوَقَعَ عِنْد التِّرْمِذِيّ بَعْد تَخْرِيج الْحَدِيث " قَالَ التِّرْمِذِيّ : يُقَال هُوَ أَخُو الزَّوْج ، كُرِهَ لَهُ أَنْ يَخْلُو بِهَا . قَالَ : وَمَعْنَى الْحَدِيث عَلَى نَحْو مَا رُوِيَ لَا يَخْلُوَنّ رَجُل بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ ثَالِثهمَا الشَّيْطَان ا ه . وَهَذَا الْحَدِيث الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ أَخْرَجَهُ أَحْمَد مِنْ حَدِيث عَامِر بْن رَبِيعَة وَقَالَ النَّوَوِيّ : اِتَّفَقَ أَهْل الْعِلْم بِاللُّغَةِ عَلَى أَنَّ الْأَحْمَاء أَقَارِب زَوْج الْمَرْأَة كَأَبِيهِ وَعَمّه وَأَخِيهِ وَابْن أَخِيهِ وَابْن عَمّه وَنَحْوهمْ ، وَأَنَّ الْأَخْتَان أَقَارِب زَوْجَة الرَّجُل ، وَأَنَّ الْأَصْهَار تَقَع عَلَى النَّوْعَيْنِ ا ه . وَقَدْ اِقْتَصَرَ أَبُو عُبَيْد وَتَبِعَهُ اِبْن فَارِس وَالدَّاوُدِيّ عَلَى أَنَّ الْحَمْو أَبُو الزَّوْجَة ، زَادَ اِبْن فَارِس : وَأَبُو الزَّوْج ، يَعْنِي أَنَّ وَالِد الزَّوْج حَمْو الْمَرْأَة وَوَالِد الزَّوْجَة حَمْو الرَّجُل ، وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ عُرْف النَّاس الْيَوْم . وَقَالَ الْأَصْمَعِيّ وَتَبِعَهُ الطَّبَرِيُّ وَالْخَطَّابِيّ مَا نَقَلَهُ النَّوَوِيّ ، وَكَذَا نُقِلَ عَنْ الْخَلِيل ، وَيُؤَيِّدهُ قَوْل عَائِشَة " مَا كَانَ بَيْنِي وَبَيْن عَلِيّ إِلَّا مَا كَانَ بَيْن الْمَرْأَة وَأَحْمَائِهَا " وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيّ : الْمُرَاد فِي الْحَدِيث أَقَارِب الزَّوْج غَيْر آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ ، لِأَنَّهُمْ مَحَارِم لِلزَّوْجَةِ يَجُوز لَهُمْ الْخَلْوَة بِهَا وَلَا يُوصَفُونَ بِالْمَوْتِ . قَالَ وَإِنَّمَا الْمُرَاد الْأَخ وَابْن الْأَخ وَالْعَمّ وَابْن الْعَمّ وَابْن الْأُخْت وَنَحْوهمْ مِمَّا يَحِلّ لَهَا تَزْوِيجه لَوْ لَمْ تَكُنْ مُتَزَوِّجَة ، وَجَرَتْ الْعَادَة بِالتَّسَاهُلِ فِيهِ فَيَخْلُو الْأَخ بِامْرَأَةِ أَخِيهِ فَشَبَّهَهُ بِالْمَوْتِ وَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيّ ا ه . وَقَدْ جَزَمَ التِّرْمِذِيّ وَغَيْره كَمَا تَقَدَّمَ وَتَبِعَهُ الْمَازِرِيّ بِأَنَّ الْحَمْو أَبُو الزَّوْج ، وَأَشَارَ الْمَازِرِيّ إِلَى أَنَّهُ ذُكِرَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى مَنْع غَيْره بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ، وَتَبِعَهُ اِبْن الْأَثِير فِي " النِّهَايَة " وَرَدَّهُ النَّوَوِيّ فَقَالَ : هَذَا كَلَام فَاسِد مَرْدُود لَا يَجُوز حَمْل الْحَدِيث عَلَيْهِ ا ه . وَسَيَظْهَرُ فِي كَلَام الْأَئِمَّة فِي تَفْسِير الْمُرَاد بِقَوْلِهِ " الْحَمْو الْمَوْت " مَا تَبَيَّنَ مِنْهُ أَنَّ كَلَام الْمَازِرِيّ لَيْسَ بِفَاسِدٍ ، وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْط الْحَمْو فَصَرَّحَ الْقُرْطُبِيّ بِأَنَّ الَّذِي وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيث حَمْء بِالْهَمْزِ ، وَأَمَّا الْخَطَّابِيُّ فَضَبَطَهُ بِوَاوٍ بِغَيْرِ هَمْز لِأَنَّهُ قَالَ وَزْن دَلْو ، وَهُوَ الَّذِي اِقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَبُو عُبَيْد الْهَرَوِيُّ وَابْن الْأَثِير وَغَيْرهمَا ، وَهُوَ الَّذِي ثَبَتَ عِنْدنَا فِي رِوَايَات الْبُخَارِيّ ، وَفِيهِ لُغَتَانِ أُخْرَيَانِ إِحْدَاهُمَا حَم بِوَزْنِ أَخ وَالْأُخْرَى حَمَى بِوَزْنِ عَصَا ، وَيَخْرُج مِنْ ضَبْط الْمَهْمُوز بِتَحْرِيكِ الْمِيم لُغَة أُخْرَى خَامِسَة حَكَاهَا صَاحِب " الْمُحْكَم " .
قَوْله ( الْحَمْو الْمَوْت )
قِيلَ الْمُرَاد أَنَّ الْخَلْوَة بِالْحَمْوِ قَدْ تُؤَدِّي إِلَى هَلَاك الدِّين إِنْ وَقَعَتْ الْمَعْصِيَة ، أَوْ إِلَى الْمَوْت إِنْ وَقَعَتْ الْمَعْصِيَة وَوَجَبَ الرَّجْم ، أَوْ إِلَى هَلَاك الْمَرْأَة بِفِرَاقِ زَوْجهَا إِذَا حَمَلَتْهُ الْغَيْرَة عَلَى تَطْلِيقهَا ، أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ كُلّه الْقُرْطُبِيّ . وَقَالَ الطَّبَرِيُّ : الْمَعْنَى أَنَّ خَلْوَة الرَّجُل بِامْرَأَةِ أَخِيهِ أَوْ اِبْن أَخِيهِ تَنْزِل مَنْزِلَة الْمَوْت ، وَالْعَرَب تَصِف الشَّيْء الْمَكْرُوه بِالْمَوْتِ ، قَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ ، هِيَ كَلِمَة تَقُولهَا الْعَرَب مَثَلًا كَمَا تَقُول الْأَسَد الْمَوْت أَيْ لِقَاؤُهُ فِيهِ الْمَوْت ، وَالْمَعْنَى اِحْذَرُوهُ كَمَا تَحْذَرُونَ الْمَوْت . وَقَالَ صَاحِب " مَجْمَع الْغَرَائِب " : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد أَنَّ الْمَرْأَة إِذَا خَلَتْ فَهِيَ مَحَلّ الْآفَة وَلَا يُؤْمَن عَلَيْهَا أَحَد فَلْيَكُنْ حَمْوهَا الْمَوْت ، أَيْ لَا يَجُوز لِأَحَدٍ أَنْ يَخْلُو بِهَا إِلَّا الْمَوْت كَمَا قِيلَ نِعْمَ الصِّهْر الْقَبْر ، وَهَذَا لَائِق بِكَمَالِ الْغَيْرَة وَالْحَمِيَّة . وَقَالَ أَبُو عُبَيْد : مَعْنَى قَوْله الْحَمْو الْمَوْت أَيْ فَلْيَمُتْ وَلَا يَفْعَل هَذَا . وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيّ فَقَالَ : هَذَا كَلَام فَاسِد وَإِنَّمَا الْمُرَاد أَنَّ الْخَلْوَة بِقَرِيبِ الزَّوْج أَكْثَر مِنْ الْخَلْوَة بِغَيْرِهِ وَالشَّرّ يُتَوَقَّع مِنْهُ أَكْثَر مِنْ غَيْره وَالْفِتْنَة بِهِ أَمْكَن لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْوُصُول إِلَى الْمَرْأَة وَالْخَلْوَة بِهَا مِنْ غَيْر نَكِير عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيّ . وَقَالَ عِيَاض : مَعْنَاهُ أَنَّ الْخَلْوَة بِالْأَحْمَاءِ مُؤَدِّيَة إِلَى الْفِتْنَة وَالْهَلَاك فِي الدِّين فَجَعَلَهُ كَهَلَاكِ الْمَوْت وَأَوْرَدَ الْكَلَام مَوْرِد التَّغْلِيظ . وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي " الْمُفْهِم " : الْمَعْنَى أَنَّ دُخُول قَرِيب الزَّوْج عَلَى اِمْرَأَة الزَّوْج يُشْبِه الْمَوْت فِي الِاسْتِقْبَاح وَالْمَفْسَدَة ، أَيْ فَهُوَ مُحَرَّم مَعْلُوم التَّحْرِيم ، وَإِنَّمَا بَالَغَ فِي الزَّجْر عَنْهُ وَشَبَّهَهُ بِالْمَوْتِ لِتَسَامُحِ النَّاس بِهِ مِنْ جِهَة الزَّوْج وَالزَّوْجَة لِإِلْفِهِمْ بِذَلِكَ حَتَّى كَأَنَّهُ لَيْسَ بِأَجْنَبِيٍّ مِنْ الْمَرْأَة فَخَرَّجَ هَذَا مَخْرَج قَوْل الْعَرَب : الْأَسَد الْمَوْت ، وَالْحَرْب الْمَوْت ، أَيْ لِقَاؤُهُ يُفْضِي إِلَى الْمَوْت ، وَكَذَلِكَ دُخُوله عَلَى الْمَرْأَة قَدْ يُفْضِي إِلَى مَوْت الدِّين أَوْ إِلَى مَوْتهَا بِطَلَاقِهَا عِنْد غَيْرَة الزَّوْج أَوْ إِلَى الرَّجْم إِنْ وَقَعَتْ الْفَاحِشَة . وَقَالَ اِبْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة : الْمَعْنَى أَنَّ خَلْوَة الْمَحْرَم بِهَا أَشَدّ مِنْ خَلْوَة غَيْره مِنْ الْأَجَانِب ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا حَسَّنَ لَهَا أَشْيَاء وَحَمَلَهَا عَلَى أُمُور تَثْقُل عَلَى الزَّوْج مِنْ اِلْتِمَاس مَا لَيْسَ فِي وُسْعه ، فَتَسُوء الْعِشْرَة بَيْن الزَّوْجَيْنِ بِذَلِكَ ، وَلِأَنَّ الزَّوْج قَدْ لَا يُؤْثِر أَنْ يَطَّلِع وَالِد زَوْجَته أَوْ أَخُوهَا عَلَى بَاطِن حَاله وَلَا عَلَى مَا اِشْتَمَلَ عَلَيْهِ ا ه ، فَكَأَنَّهُ قَالَ الْحَمْو الْمَوْت أَيْ لَا بُدّ مِنْهُ وَلَا يُمْكِن حَجْبه عَنْهَا ، كَمَا أَنَّهُ لَا بُدّ مِنْ الْمَوْت ، وَأَشَارَ إِلَى هَذَا الْأَخِير الشَّيْخ تَقِي الدِّين فِي شَرْح الْعُمْدَة .
( تَنْبِيه ) :
مَحْرَم الْمَرْأَة مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحهَا عَلَى التَّأْبِيد إِلَّا أُمّ الْمَوْطُوءَة بِشُبْهَةٍ وَالْمُلَاعَنَة فَإِنَّهُمَا حَرَامَانِ عَلَى التَّأْبِيد وَلَا مَحْرَمِيّة هُنَاكَ ، وَكَذَا أُمَّهَات الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَخْرَجَهُنَّ بَعْضهمْ بِقَوْلِهِ فِي التَّعْرِيف بِسَبَبٍ مُبَاح لَا لِحُرْمَتِهَا . وَخَرَجَ بِقَيْدِ التَّأْبِيد أُخْت الْمَرْأَة وَعَمَّتهَا وَخَالَتهَا وَبِنْتهَا إِذَا عَقَدَ عَلَى الْأُمّ وَلَمْ يَدْخُل بِهَا .
شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 308)
4037 - قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( الْحَمو الْمَوْت )
قَالَ اللَّيْث بْن سَعْد : الْحَمو أَخُو الزَّوْج ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ أَقَارِب الزَّوْج : اِبْن الْعَمّ وَنَحْوه . اِتَّفَقَ أَهْل اللُّغَة عَلَى أَنَّ الْأَحْمَاء أَقَارِب زَوْج الْمَرْأَة كَأَبِيهِ ، وَأَخِيهِ ، وَابْن أَخِيهِ ، وَابْن عَمّه ، وَنَحْوهمْ . وَالْأُخْتَانِ أَقَارِب زَوْجَة الرَّجُل . وَالْأَصْهَار يَقَع عَلَى النَّوْعَيْنِ .
وَأَمَّا قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( الْحَمو الْمَوْت ) فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْخَوْف مِنْهُ أَكْثَر مِنْ غَيْره ، وَالشَّرّ يُتَوَقَّع مِنْهُ ، وَالْفِتْنَة أَكْثَر لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْوُصُول إِلَى الْمَرْأَة وَالْخَلْوَة مِنْ غَيْر أَنْ يُنْكِر عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيّ . وَالْمُرَاد بِالْحَمْوِ هُنَا أَقَارِب الزَّوْج غَيْر آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ . فَأَمَّا الْآبَاء وَالْأَبْنَاء فَمَحَارِم لِزَوْجَتِهِ تَجُوز لَهُمْ الْخَلْوَة بِهَا ، وَلَا يُوصَفُونَ بِالْمَوْتِ ، وَإِنَّمَا الْمُرَاد الْأَخ ، وَابْن الْأَخ ، وَالْعَمّ ، وَابْنه ، وَنَحْوهمْ مِمَّنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ . وَعَادَة النَّاس الْمُسَاهَلَة فِيهِ ، وَيَخْلُو بِامْرَأَةِ أَخِيهِ ، فَهَذَا هُوَ الْمَوْت ، وَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ . فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته هُوَ صَوَاب مَعْنَى الْحَدِيث . وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيّ ، وَحَكَاهُ أَنَّ الْمُرَاد بِالْحَمْوِ أَبُو الزَّوْج ، وَقَالَ : إِذَا نُهِيَ عَنْ أَبِي الزَّوْج ، وَهُوَ مَحْرَم ، فَكَيْف بِالْغَرِيبِ ؟ فَهَذَا كَلَام فَاسِد مَرْدُود ، وَلَا يَجُوز حَمْل الْحَدِيث عَلَيْهِ فَكَذَا مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ أَبِي عُبَيْد أَنَّ مَعْنَى الْحَمو الْمَوْت فَلْيَمُتْ وَلَا يَفْعَل هَذَا هُوَ أَيْضًا كَلَام فَاسِد ، بَلْ الصَّوَاب مَا قَدَّمْنَاهُ . وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : هِيَ كَلِمَة تَقُولهَا الْعَرَب ، كَمَا يُقَال : الْأَسَد الْمَوْت ، أَيْ لِقَاؤُهُ مِثْل الْمَوْت . وَقَالَ الْقَاضِي : مَعْنَاهُ الْخَلْوَة بِالْأَحْمَاءِ مُؤَدِّيَة إِلَى الْفِتْنَة وَالْهَلَاك فِي الدِّين ، فَجَعَلَهُ كَهَلَاكِ الْمَوْت ، فَوَرَدَ الْكَلَام مَوْرِد التَّغْلِيظ . قَالَ : وَفِي الْحَمّ أَرْبَع لُغَات إِحْدَاهَا هَذَا حَمُوك بِضَمِّ الْمِيم فِي الرَّفْع ، وَرَأَيْت حَمَاك ، وَمَرَرْت بِحَمِيك وَالثَّانِيَة هَذَا حَمْؤُك بِإِسْكَانِ الْمِيم وَهَمْزَة مَرْفُوعَة ، وَرَأَيْت حَمْأَك ، وَمَرَرْت بِحَمْئِك . وَالثَّالِثَة حَمَا هَذَا حَمَاك وَرَأَيْت حَمَاك وَمَرَرْت بِحَمَاك كَقَفَا وَقَفَاك . وَالرَّابِعَة حَمّ كَأَبٍّ . وَأَصْله حَمَو بِفَتْحِ الْحَاء وَالْمِيم . وَحَمَاة الْمَرْأَة أُمّ زَوْجهَا . لَا يُقَال فِيهَا غَيْر هَذَا .
تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 251)
1091 - قَوْلُهُ : ( إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ )
بِالنَّصْبِ عَلَى التَّحْذِيرِ وَهُوَ تَنْبِيهٌ لَهُمْ لِلْمُخَاطَبِ عَلَى مَحْذُورٍ لِيَحْتَرِزَ عَنْهُ كَمَا قِيلَ إِيَّاكَ وَالْأَسَدَ . وَقَوْلُهُ إِيَّاكُمْ مَفْعُولٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ : اِتَّقُوا . وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ . اِتَّقُوا أَنْفُسَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا عَلَى النِّسَاءِ ، وَالنِّسَاءَ أَنْ يَدْخُلْنَ عَلَيْكُمْ . وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ : لَا تَدْخُلُوا عَلَى النِّسَاءِ . وَتَضَمَّنَ مَنْعُ الدُّخُولِ مَنْعَ الْخَلْوَةِ بِهَا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى
( أَفَرَأَيْت الْحَمْوَ )
بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَبِالْوَاوِ ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ حَمْوُ الْمَرْأَةِ وَحَمُوهَا وَحَمُهَا وَحَمْؤُهَا أَبُو زَوْجِهَا وَمَنْ كَانَ مِنْ قِبَلِهِ ، وَالْأُنْثَى حَمَاةٌ وَحَمْوُ الرَّجُلِ أَبُو اِمْرَأَتِهِ أَوْ أَخُوهَا أَوْ عَمُّهَا أَوْ الْأَحْمَاءُ وَمِنْ قِبَلِهَا خَاصَّةً اِنْتَهَى . قَالَ النَّوَوِيُّ : الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ أَقَارِبُ الزَّوْجِ غَيْرُ آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ لِأَنَّهُمْ مَحَارِمُ الزَّوْجَةِ يَجُوزُ لَهُمْ الْخَلْوَةُ بِهَا وَلَا يُوصَفُونَ بِالْمَوْتِ . قَالَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْأَخُ وَابْنُ الْأَخِ وَالْعَمُّ وَابْنُ الْعَمِّ وَابْنُ الْأُخْتِ وَنَحْوُهُمْ . مِمَّا يَحِلُّ لَهُ تَزْوِيجُهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ مُتَزَوِّجَةً . وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِالتَّسَاهُلِ فِيهِ فَيَخْلُو الْأَخُ بِامْرَأَةِ أَخِيهِ فَشُبِّهَ بِالْمَوْتِ وَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ اِنْتَهَى . قُلْت مَا قَالَ النَّوَوِيُّ : هُوَ الظَّاهِرُ وَبِهِ جَزَمَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَزَادَ اِبْنُ وَهْبٍ فِي رِوَايَتِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ : سَمِعْت اللَّيْثَ يَقُولُ الْحَمْوُ أَخُو الزَّوْجِ وَمَا أَشْبَهَ مِنْ أَقَارِبِ الزَّوْجِ وَابْنِ الْعَمِّ وَنَحْوِهِ .
( قَالَ الْحَمْوُ الْمَوْتُ )
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ : الْمَعْنَى أَنَّ دُخُولَ قَرِيبِ الزَّوْجِ عَلَى اِمْرَأَةِ الزَّوْجِ يُشَبِّهُ الْمَوْتَ فِي الِاسْتِقْبَاحِ وَالْمَفْسَدَةِ أَيْ فَهُوَ مُحَرَّمٌ مَعْلُومُ التَّحْرِيمِ . وَإِنَّمَا بَالَغَ فِي الزَّجْرِ عَنْهُ وَشَبَّهَهُ بِالْمَوْتِ لِتَسَامُحِ النَّاسِ بِهِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ لِإِلْفِهِمْ بِذَلِكَ حَتَّى كَأَنَّهُ لَيْسَ بِأَجْنَبِيٍّ مِنْ الْمَرْأَةِ . فَخَرَجَ هَذَا مَخْرَجَ قَوْلِ الْعَرَبِ الْأَسَدُ الْمَوْتُ ، وَالْحَرْبُ الْمَوْتُ ، أَيْ لِقَاؤُهُ يُفْضِي إِلَى الْمَوْتِ . وَكَذَلِكَ دُخُولُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ قَدْ يُفْضِي إِلَى مَوْتِ الدِّينِ أَوْ إِلَى مَوْتِهَا بِطَلَاقِهَا عِنْدَ غَيْرَةِ الزَّوْجِ أَوْ إِلَى الرَّجْمِ إِنْ وَقَعَتْ الْفَاحِشَةُ .
قَوْلُهُ : ( وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ )
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ : لَا يَخْلُوَن رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثُهُمَا الشَّيْطَانَ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ
( وَجَابِرٍ )
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ . وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ : أَلَا لَا يَبِيتَن رَجُلٌ عِنْدَ اِمْرَأَةٍ ثَيِّبٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ نَاكِحًا أَوْ ذَا مَحْرَمٍ .
( وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ )
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ، وَفِي الْبَابِ عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ : لَا يَدْخُلُ رَجُلٌ عَلَى اِمْرَأَةٍ وَلَا يُسَافِرُ مَعَهَا إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ .
قَوْلُهُ : ( حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )
وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ .
قَوْلُهُ : ( عَلَى نَحْوِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا يَخْلُوَن رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ )
هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ :
( إِلَّا كَانَ ثَالِثُهُمَا الشَّيْطَانَ )
بِرَفْعِ الْأَوَّلِ وَنَصْبِ الثَّانِي وَيَجُوزُ الْعَكْسُ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ . وَالْمَعْنَى يَكُونُ الشَّيْطَانُ مَعَهُمَا يُهَيِّجُ شَهْوَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا حَتَّى يُلْقِيهِمَا فِي الزِّنَا .
المنتقى - شرح الموطأ - (ج 4 / ص 347)
( ش ) : قَوْلُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ تَأْكُلَ الْمَرْأَةُ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ يُرِيدُ مَنْ تَأَبَّدَ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ كَالْأَبِ وَالِابْنِ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَالْخَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مُؤَاكَلَتِهَا لَهُ أَكْثَرُ مِنْ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَيَجُوزُ لِذِي مَحْرَمٍ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِلَى مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ " قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ مَعْنَاهُ مَا فَوْقَ النَّحْرِ .
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ وَمَعَ غُلَامِهَا يُرِيدُ عَبْدَهَا وَذَلِكَ لِمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْأَكْلَ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا النَّظَرُ إِلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَذَلِكَ مُبَاحٌ لِلْعَبْدِ وَأَمَّا نَظَرُهُ إِلَى شَعْرِهَا فَاخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ لَا بَأْسَ أَنْ تَضَعَ الْمَرْأَةُ ثَوْبَهَا عِنْدَ مَمْلُوكِهَا وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَرَى شَعْرَهَا وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ الْمَمْلُوكُ إِلَى شَعْرِ مَوْلَاتِه وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ يَجُوزُ أَنْ يَرَى الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدَتِهِ مَا يَرَاهُ ذُو الْمَحَارِمِ كَالْأَبِ وَالْأَخِ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ تَحْرِيمَهُ لَيْسَ بِمُؤَبَّدٍ كَالْأَجْنَبِيِّ لَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ ، أَوْ كَالْأَجْنَبِيِّ يَكُونُ زَوْجَ أُخْتِهَا وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى " وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ " الْآيَةُ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ لَا تَغُرَّنَّكُمْ هَذِهِ الْآيَةُ ، أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ إنَّمَا عَنَى بِهَا الْإِمَاءَ وَلَمْ يَعْنِ بِهَا الْعَبِيدَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ : وَلَيْسَ مَا قَالَهُ بِظَاهِرٍ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ جَلَّ وَعَزَّ ، أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ عَامٌّ وَالْإِمَاءُ قَدْ دَخَلْنَ فِي قَوْلُهُ تَعَالَى أَوْ نِسَائِهِنَّ وَاسْتَدَلَّ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِأَنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَجَازَ لَهُ النَّظَرُ إِلَى شَعْرِهَا كَذَوِي الْمَحَارِمِ وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَنْظُرُ إِلَى شَعْرِهَا مِنْ عَبِيدِهَا إِلَّا الْوَغْدُ وَهُوَ الَّذِي لَا مَنْظَرَ لَهُ وَأَمَّا الْعَبْدُ الْحَسَنُ الْمَنْظَرِ فَلَا يَرَى شَعْرَهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي إِذَا لَمْ يَكُنْ مَنْظَرًا كَانَ مِمَّنْ لَا أَرَبَ لَهُ فِيهَا وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَأَمَّا الَّذِي لَهُ مَنْظَرٌ فَهُوَ مِمَّنْ لَهَا فِيهِ أَرَبٌ وَلَهُ فِي النِّسَاءِ أَرَبٌ وَتَحْرِيمُهُ غَيْرُ مُتَأَبِّدٍ وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ لَيْسَ عَبْدُهَا مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهَا الَّذِي يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُسَافِرَ مَعَهُ ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ مِنْهَا لَا تَدُومُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ تُعْتِقَهُ فِي سَفَرِهَا فَيَحِلُّ لَهُ تَزْوِيجُهَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - : لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَاَلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ " فَأَجْرَاهُمْ مَجْرَى مَنْ لَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ مِنْ الْأَجَانِبِ .
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ : وَقَدْ تَأْكُلُ الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا وَغَيْرِهِ مِمَّنْ تُؤَاكِلُهُ ، أَوْ مَعَ أَخِيهَا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ نَظَرَ الرَّجُلِ إِلَى وَجْهِ الْمَرْأَةِ وَكَفَّيْهَا مُبَاحٌ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَبْدُو مِنْهَا عِنْدَ مُؤَاكَلَتِهَا وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : الزِّينَةُ زِينَتَانِ : زِينَةٌ ظَاهِرَةٌ وَهِيَ الثِّيَابُ ، وَزِينَةٌ بَاطِنَةٌ لَا يَرَاهَا إِلَّا الزَّوْجُ وَهِيَ الْكُحْلُ وَالسِّوَارُ وَالْخَاتَمُ وَقَالَ النَّخَعِيُّ : مَا ظَهَرَ مِنْهَا مَا فَوْقَ الدِّرْعِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ يَعْنِي الثِّيَابَ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَذَكَرَ ابْنُ بُكَيْرٍ أَنَّهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ وَالظَّاهِرُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتُرَ فِي الصَّلَاةِ كُلَّ مَوْضِعٍ مِنْهَا إِلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ يَجُوزُ لِلْقُرْبَى أَنْ يَرَوْهُ مِنْ الْمَرْأَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ : إنَّمَا قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ تَأْكُلَ الْمَرْأَةُ مَعَ مَنْ تَأْمَنُ الْفِتْنَةَ فِي الْأَكْلِ مَعَهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ " وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَغُضَّ عَنْ بَعْضِ الْمَرْئِيَّاتِ وَهِيَ الَّتِي لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا .
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْلُوَ مَعَ الرَّجُلِ مِمَّنْ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ حُرْمَةٌ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى أَبُو الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قَالَ إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْت الْحَمْوَ قَالَ الْحَمْوُ الْمَوْتُ قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ : الْحَمْوُ أَخُو الزَّوْجِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ أَقَارِبِ الزَّوْجِ ابْنُ الْعَمِّ وَنَحْوُهُ .
عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 21 / ص 514)
2325 - حدثنا ( قتيبة بن سعيد ) حدثنا ل ( يث بن يزيد بن أبي حبيب ) عن ( أبي الخير ) عن ( عقبة بن عامر ) أن رسول الله قال إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار يا رسول الله أفرأيت الحمو قال الحمو الموت مطابقته للشطر الأول من الترجمة كما ذكرناه وليث هو ابن سعد ويزيد من الزيادة ابن أبي حبيب المصري واسم أبي حبيب سويد أعتقه امرأة مولاة لبني حسان بن عامر بن لؤي القرشي وأم يزيد مولاة لنجيب وأبو الخير ضد الشر اسمه مرثد بفتح الميم وسكون الراء وفتح الثاء المثلثة وبالدال المهملة ابن عبد الله اليزني المصري وعقبة بن عامرا لجهني رضي الله تعالى عنه
والحديث أخرجه مسلم في الاستئذان عن قتيبة وغيره وأخرجه الترمذي في النكاح عن قتيبة وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن قتيبة فهؤلاء الأربعة اشتركوا في إخراجه عن قتيبة ومسلم أخرجه عن غيره أيضا
قوله عن عقبة وفي رواية أبي نعيم سمعت عقبة قوله إياكم والدخول بالنصب على التحذير وإياكم مفعول بفعل مضمر تقديره اتقوا أنفسكم أن تدخلوا على النساء ويتضمن منع مجرد الدخول منع الخلوة بها بالطريق الأولى قوله أفرأيت الحمو بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وبالواو يعني أخبرني عن دخول الحمو فأجاب الحمو الموت وقال الترمذي يقال الحمو أب الزوج كأنه كره له أن يخلو بها وفي رواية ابن وهب عند مسلم وسمعت الليث يقول الحمو أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج ابن العم ونحوه وقال النووي المراد من الحمو في الحديث أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه لأنهم محارم للزوجة يجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت قال وإنما المراد الأخ وابن الأخ والعم وابن العم وابن الأخت ونحوهم ممن يحل لها تزوجيه لو لم تكن متزوجة وجرت العادة بالتساهل فيه فيخلو الأخ بامرأة أخيه فشبهه بالموت وقال القاضي الخلوة بالأحماء مؤدية إلى الهلاك في الدين وقيل معناه احذروا الحمو كما يحذر الموت فهذا في أب الزوج فكيف في غيره وقال ابن الأعرابي هي كلمة تقولها العرب كما يقال الأسد الموت أي لقاؤه مثل الموت وكما يقال السلطان نار ويقال معناه فليمت ولا يفعل ذلك وقال القرطبي معناه أنه يفضي إلى موت الدين أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج أو برجمها إن زنت معه
وفي ( مجمع الغرائب ) يحتمل أن يراد بالحديث أن المرأة إذا خلت فهي محل الآفة فلا يؤمن عليها أحد فليكن حموها الموت أي لا يجوز أن يدخل عليها أحد إلا الموت كما قال الآخر والقبر صهر ضامن وهذا متجه لائق بكمال الغيرة والحمية والحمو مفرد الأحماء قال الأصمعي الأحماء من قبل الزوج والأختان من قبل المرأة والأصهاري يجمع الفريقين وفي ( الإفصاح ) لابن بزي عن الأصمعي الأحماء من قبل المرأة وقال القرطبي حاء الحمو هنا مهموزا والمهموز أحد لغاته ويقال فيه حمو بواو مضمومة متحركة كدلو وحمى مقصور كعصا قال والأشهر فيه أنه من الأسماء الستة المعتلة المضافة التي تعرب في حال إضافتها إلى غير ياء المتكلم بالواو رفعة وبالألف نصبا وبالياء خفضا ويكون على قول الأصمعي إنه مهموز مثل كمء وإعرابه بالحركات كسائر الأسماء الصحيحة ومن قصره لا يدخله سوى التنوين في الرع والنصب والجر إذا لم يضف وحكى عياض هذا حمؤك بإسكان الميم وهمزة مرفوعة وحم كأب
شرح ابن بطال - (ج 13 / ص 360)
قال الطبرى: وبمثل ذلك قال جماعة من الصحابة والتابعين: روينا عن عمر بن الخطاب، أنه قال: إياكم والمغيبات، ألا فوالله أن الرجل ليدخل على المرأة، فلأن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يزنى، فما يزال الشيطان يخطب أحدهما إلى الآخر حتى يجمع بينهما » .
وروينا عن عمرو بن العاص أنه أرسل إلى على بن أبى طالب يستأذنه، وكانت له حاجة إلى أسماء، فقيل له: ليس ثم على، ثم أرسل إليه الثانية، فقيل: هو ثم، فلما خرج إليه، قال عمرو: إن لى إلى أسماء حاجة فأدخل؟ قال: نعم، قال: وما سألت عن على، قال: حاجتك إلى أسماء، قال: إنا نهينا أن نكلمهن إلا عند أزواجهن. وقال عمرو بن قيس الملائى: ثلاث لا ينبغى للرجل أن يثق بنفسه عند واحدة منهن: لا يجالس أصحاب زيغ، فيزيغ الله قلبه بما زاغ به قلوبهم، ولا يخلو رجل بامرأة، وإن دعاك صاحب سلطان إلى أن تقرأ عليه القرآن فلا تفعل.
قال الطبرى: فلا يجوز أن يخلو رجل بامرأة ليس لها بمحرم فى سفر ولا فى حضر، إلا فى حال لا يجد من الخلوة بها بدًا، وذلك كخلوة بجارية امرأته تخدمه فى حال غيبة مولاتها عنهما، وقد رخص فى ذلك الثورى.
قال المهلب: وفيه جواز تبكيت العالم على الجواب إلى المشترك من الأسماء على سبيل الإنكار للمسألة.
قال الطبرى: الحمو عند العرب كل من كان من قبل الزوج أخًا كان أو أبًا أو عمًا فهم الأحماء، فأما أم الزوج، فكان الأصمعى يقول: هى حماة الرجل، لا يجوز غير ذلك، ولا لغة فيها غيرها، وإنما عنى بقوله: الحمو الموت، أن خلوة الحمو بامرأة أخيه أو امرأة ابن أخيه بمنزلة الموت فى مكروه خلوته بها، وكذلك تقول العرب إذا وصفوا الشىء يكرهونه إلى الموصوف له، قالوا: ما هو إلا الموت، كقول الفرزدق لجرير:
فإنى أنا الموت الذى هو واقع بنفسك فانظر كيف أنت مزاوله
وقال ثعلب: سألت ابن الأعرابى عن قوله: الحمو الموت، فقال: هذه كلمة تقولها العرب مثلاً كما تقول: الأسد الموت، أى لقاؤه الموت، وكما تقول: السلطان نار، أى مثل النار، فالمعنى احذروه كما تحذرون الموت.
وقال أبو عبيد: معناه فليمت ولا يفعل ذلك، وهو بعيد، وإنما الوجه ما قاله ابن الأعرابى، ومن هذا الباب قوله تعالى: {ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت} [إبراهيم: 17]، أى مثل الموت فى الشدة والكراهية، ولو أراد نفس الموت لكان قد مات.
وقال عامر بن فهيرة: لقد وجدت الموت قبل دنوه
وقال الأصمعى: الأحماء من قبل الزوج، والأختان من قبل المرأة، والصهر يجمعهما، والحماة أم الزوج، والختنة أم المرأة، وفى الحمو لغات. قال صاحب العين: الحما على مثال قفا: أبو الزوج وجميع قرابته، والجمع أحماء، تقول: رأيت حماه ومررت بحماها، وتقول فى هذه اللغة إذا أفرد: هذا حما، وفيه لغة أخرى حموك مثل أبوك، تقول: هذا حموها، ومررت بحميها ورأيت حماها، فإذا لم تضفه سقطت الواو، فتقول: حم، كما تقول: أب، وفيه لغة أخرى: حمء، بالهمز مثل خبء، ودفء، عن الفراء، وحكى الطبرى لغة رابعة: حمها بترك الهمز.
وفى حديث ابن عباس إباحة الرجوع عن الجهاد إلى إحجاج امرأته؛ لأن فرضًا عليه سترها وصيانتها، والجهاد فى ذلك الوقت كان يقوم به غيره، فلذلك أمره عليه السلام أن يحج معها إذ لم يكن لها من يقوم بسترها فى سفرها ومبيتها.
الديباج على مسلم - (ج 5 / ص 193)
الحمو الموت معناه إن الخوف منه أكثر من غيره والشر يتوقع منه في الغيبة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي فهو أولى بالمنع من الأجنبي إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم قال القاضي وغيره هو على
ظاهره وأن الله تعالى جعل له قوة وقدرة على الجري في باطن الإنسان في مجاري دمه وقيل هو على الاستعارة لكثرة إغوائه ووسوسته فكأنه لا يفارق الإنسان كما لا يفارقه دمه وقيل إنه يلقي وسوسته في مسام لطيفة من البدن (ق 237 / 1) فتصل الوسوسة إلى القلب
فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (ج 6 / ص 315)
2905 - (إياكم والدخول) بالنصب على التحذير وهو تنبيه المخاطب على محذور ليتحرز منه أي اتقوا الدخول (على النساء) ودخول النساء عليكم وتضمن منع الدخول منع الخلوة بأجنبية بالأولى والنهي ظاهر العلة والقصد به غير ذوات المحارم، ذكر الغزالي أن راهباً من بني إسرائيل أتاه أناس بجارية بها علة ليداويها فأبى قبولها فما زالوا به حتى قبلها يعالجها فأتاه الشيطان فوسوس له مقاربتها فوقع عليها فحملت فوسوس له الآن تفتضح فاقتلها وقل لأهلها ماتت فقتلها وألقى الشيطان في قلب أهلها أنه قتلها فأخذوه وحصروه فقال له الشيطان: اسجد لي تنج فسجد له، فانظر إلى حيله كيف اضطره إلى الكفر بطاعته له في قبوله للجارية وجعلها عنده.
- (حم ق ت عن عقبة بن عامر) وتمام الحديث قالوا: يا رسول اللّه أرأيت الحمو قال: الحمو الموت أي دخوله على زوجة أخيه يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة فهو محرم شديد التحريم وإنما بالغ في الزجر بتشبيهه الموت لتسامح الناس في ذلك حتى كأنه غير أجنبي من المرأة وخرج هذا مخرج قولهم الأسد الموت أي لقاؤه يقضي إليه وكذا دخول الحمو عليها يفضي إلى موت الدين أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج أو برجمها إن زنت معه وقد بالغ مالك في هذا الباب حتى منع ما يجر إلى التهم كخلوة امرأة بابن زوجها وإن كانت جائزة لأن موقع امتناع الرجل من النظر بشهوة لامرأة أبيه ليس كموقعه منه لأمه هذا قد استحكمت عليه النفرة العادية وذاك أنست به النفس الشهوانية والحمو أخو الزوج وقريبه.
شرح الأربعين النووية - (ج 2 / ص 53)
بَابُ النّهي عن الخلْوَة بِالأجنبية
عَنْ عُقْبَةَ بن عَامِر: أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إياكم وَالدُّخُولَ عَلَى النسَاءَ ".
فَقَالَ رجل مِنَ الأنصار: يا رسول اللّه، أفرأيت الْحَموَ؟ قَالَ: "الحموُ الْمَوتُ".
ولـ (مسلم) عن أبى الطَّاهِرِ عنِ ابن وهْبٍ قَالَ: سمعت الليثَ يَقُولُ: الحَمْوُ أخو الزَّوْجِ وَمَا أشبهه مِن أقَارِب الزوْج، ابن الْعَمٌ وَنَحْوه.
الغريب:
إياكم : مفعول بفعل مضمر، تقديره، اتقُوا الدخول. نصب على التحذير، وهو:- تنبيه المخاطب على محذور، ليتحرز عنه.
وتقدير الكلام: قوا أنفسكم أن تدخلوا على النساء،: النساء أن يدخلن عليكم.و (الدخول) معطوف على المنصوب.
أرأيت الحمو : يعنى أخبرنا عن حكم خلوة الحمو.
والحمو : بفتح الحاء وضم الميم وبعدها واو لم يهمز، هو: قريب الزوج، من أخ، وابن عم، ونحوهما. قال النووي: اتفق أهل اللغة على أن الأحماء أقارب زوج المرأة، كأبيه وعمه وأخيه وابن عمه ونحوهم.
الحمو الموت : شبه (الحمو) بالموت، لما يترتب على دخوله الذي لا ينكر، من الهلاك الديني. قال في فتح الباري: والعرب تصف الشيء المكروه بالموت.
المعنى الإجمالي:
يحذر النبي صلى الله عليه وسلم من الدخول على النساء الأجنبيات، والخلوة بهن، فإنه ماخلا رجل بامرأة، إلا كان الشيطان ثالثهما فإن النفوس ضعيفة، والدوافع إلى المعاصي قوية،فتقع المحرمات، فنهى عن الخلوة بهن ابتعادا عن الشر وأسبابه.
فقال رجل: أخبرنا يا رسول الله، عن الحمو الذي هو قريب الزوج، فربما احتاج، إلى دخول بيت قريبه الزوج وفيه زوجته، أما له من رخصة؟.
فقال صلى الله عليه وسلم: الحمو الموت، لأن الناس قد جروا على التساهل بدخوله، وعدم استنكار ذلك، فيخلو بالمرأة الأجنبية، فربما وقعت الفاحشة وطالت على غير علم ولا ريبه، فيكون الهلاك الديني، والدمار الأبدي، فليس له رخصة، بل احذروا منه ومن خلواته بنسائكم، إن كنتم غيورين.
ما يستفاد من الحديث:
1- النهي عن الدخول على الأجنبيات والخلوة بهن، سدا لذريعة وقوع الفاحشة.
2- أن ذلك عام في الأجانب من أخي الزوج وأقاربه، الذين ليسوا محارم للمرأة. قال ابن دقيق العيد: ولا بد من اعتبار أن يكون الدخول مقتضيا للخلوة، أما إذا لم يقتض ذلك فلا يمتنع.
3- التحريم -هنا- من باب تحريم الوسائل، والوسائل لها أحكام المقاصد.
4- الابتعاد عن مواطن الزلل عامة، خشية الوقوع في الشر.
5- قال شيخ الإسلام: كان عمر بن الخطاب يأمر العزاب ألا يسكنوا بين المتأهلين، وألا يسكن المتأهل بين العزاب، وهكذا فعل المهاجرون لما قدموا المدينة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 3 / ص 31)
سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ عَنْ قَوْمٍ مُنْتَسِبِينَ إلَى الْمَشَايِخِ : يتوبونهم عَنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ وَقَتْلِ النَّفْسِ وَالسَّرِقَةِ ؛ وَأَلْزَمُوهُمْ بِالصَّلَاةِ ؛ لَكِنَّهُمْ يُصَلُّونَ صَلَاةَ عَادَةِ الْبَادِيَةِ فَهَلْ يَجِبُ إقَامَةُ حُدُودِ الصَّلَاةِ أَمْ لَا ؟ وَمَعَ هَذَا شِعَارُهُمْ الرَّفْضُ وَكَشْفُ الرُّءُوسِ وَتَفْتِيلُ الشَّعَرِ وَحَمْلُ الْحَيَّاتِ . ثُمَّ غَلَبَ عَلَى قُلُوبِهِمْ حُبُّ الشُّيُوخِ . حَتَّى كُلَّمَا عَثَرَ أَحَدُهُمْ أَوْ هَمَّهُ أَمْرٌ اسْتَغَاثَ بِشَيْخِهِ وَيَسْجُدُونَ لَهُمْ مَرَّةً فِي غَيْبَتِهِمْ وَمَرَّةً فِي حُضُورِهِمْ فَتَارَةً يُصَادِفُ السُّجُودَ إلَى الْقِبْلَةِ وَتَارَةً إلَى غَيْرِهَا - حَيْثُ كَانَ شَيْخُهُ - وَيَزْعُمُونَ هَذَا لِلَّهِ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُ أَوْلَادَ النَّاسِ حِوَارَاتٍ بِرِضَى الْوَالِدَيْنِ وَبِغَيْرِ رِضَاهُمْ وَرُبَّمَا كَانَ وَلَدُ الرَّجُلِ مُعِينًا لِوَالِدَيْهِ عَلَى السَّعْيِ فِي الْحَلَالِ فَيَأْخُذُهُ وَيُعَلِّمُهُ الدروزة وَيُنْذِرُ لِلْمَوْتَى . وَمِنْهُمْ مَنْ يُوَاخِي النسوان فَإِذَا نُهُوا عَنْ ذَلِكَ قَالَ : لَوْ حَصَلَ لِي أُمِّك وَأُخْتِك وَأُخْتَيْهِمَا فَإِذَا قِيلَ : لَا تَنْظُرُ أَجْنَبِيَّةً . قَالَ : أَنْظُرُ عِشْرِينَ نَظْرَةً وَيَحْلِفُونَ بِالْمَشَايِخِ . وَإِذَا نُهُوا عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ : أَنْتَ شَرْعِيٌّ . فَهَلْ الْمُنْكَرُ عَلَيْهِمْ مَأْجُورٌ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ اتِّخَاذُ الْخِرْقَةِ عَلَى الْمَشَايِخِ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ انْتِسَابُ كُلِّ طَائِفَةٍ إلَى شَيْخٍ مُعَيَّنٍ يُثَابُ عَلَيْهِ . أَمْ لَا ؟ وَهَلْ التَّارِكُ لَهُ آثِمٌ أَمْ لَا ؟ وَيَقُولُونَ : إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لِرِضَا الْمَشَايِخِ وَيَغْضَبُ بِغَضَبِهِمْ وَيَسْتَنِدُونَ إلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ } وَ { أَوْثَقُ عُرَى الْإِسْلَامِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ } فَهَلْ ذَلِكَ دَلِيلٌ لَهُمْ أَمْ هُوَ شَيْءٌ آخَرُ ؟ وَمَنْ هَذِهِ حَالُهُ هَلْ يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ ؟ ؟
الْجَوَابُ
فَصْلٌ فَأَمَّا مُؤَاخَاةُ الرِّجَالِ النِّسَاءَ الْأَجَانِبَ وَخُلُوُّهُمْ بِهِنَّ وَنَظَرُهُمْ إلَى الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ مِنْهُنَّ : فَهَذَا حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ جَعَلَ ذَلِكَ مِنْ الدِّينِ فَهُوَ مِنْ إخْوَانِ الشَّيَاطِينِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَخْلُوَن رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ } وَقَالَ : { إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَرَأَيْت الْحَمْوَ ؟ قَالَ : الْحَمْوُ الْمَوْتُ } " وَمَنْ لَمْ يَنْتَهِ عَنْ ذَلِكَ عُوقِبَ عُقُوبَةً بَلِيغَةً تَزْجُرُهُ وَأَمْثَالَهُ مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ وَالْعِنَادِ .
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 342)
بَابُ الْعِشْرَةِ وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ أَقْوَامٍ يُعَاشِرُونَ " المردان " وَقَدْ يَقَعُ مِنْ أَحَدِهِمْ قُبْلَةٌ وَمُضَاجَعَةٌ لِلصَّبِيِّ وَيَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَصْحَبُونَ لِلَّهِ ؛ وَلَا يَعُدُّونَ ذَلِكَ ذَنْبًا وَلَا عَارًا ؛ وَيَقُولُونَ : نَحْنُ نَصْحَبُهُمْ بِغَيْرِ خَنَا ؛ وَيَعْلَمُ أَبُو الصَّبِيِّ بِذَلِكَ وَعَمُّهُ وَأَخُوهُ فَلَا يُنْكِرُونَ : فَمَا حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَؤُلَاءِ ؟ وَمَاذَا يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ أَنَّ يُعَامِلَهُمْ بِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . الصَّبِيُّ الْأَمْرَدُ الْمَلِيحُ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأُمُورِ وَلَا يَجُوزُ تَقْبِيلُهُ عَلَى وَجْهِ اللَّذَّةِ ؛ بَلْ لَا يُقَبِّلُهُ إلَّا مَنْ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ : كَالْأَبِ ؛ وَالْإِخْوَةِ . وَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِاتِّفَاقِ النَّاسِ ؛ بَلْ يَحْرُمُ عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ النَّظَرُ إلَيْهِ عِنْدَ خَوْفِ ذَلِكَ ؛ وَإِنَّمَا يُنْظَرُ إلَيْهِ لِحَاجَةِ بِلَا رِيبَةٍ مِثْلَ مُعَامَلَتِهِ وَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ ؛ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا يُنْظَرُ إلَى الْمَرْأَةِ لِلْحَاجَةِ . وَأَمَّا " مُضَاجَعَتُهُ " : فَهَذَا أَفْحَشُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهُ ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ ؛ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ ؛ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ } إذَا بَلَغُوا عَشْرَ سِنِينَ وَلَمْ يَحْتَلِمُوا بَعْدُ فَكَيْفَ بِمَا هُوَ فَوْقَ ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ : { لَا يَخْلُو رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ } وَقَالَ : { إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْت الْحَمْوَ ؟ قَالَ الْحَمْوُ الْمَوْتُ } فَإِذَا كَانَتْ الْخَلْوَةُ مُحَرَّمَةً لِمَا يُخَافُ مِنْهَا فَكَيْفَ بِالْمُضَاجَعَةِ وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : إنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِلَّهِ . فَهَذَا أَكْثَرُهُ كَذِبٌ وَقَدْ يَكُونُ لِلَّهِ مَعَ هَوَى النَّفْسِ كَمَا يَدَّعِي مَنْ يَدَّعِي مِثْلَ ذَلِكَ فِي صُحْبَةِ النِّسَاءِ الْأَجَانِبِ ؛ فَيَبْقَى كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْخَمْرِ { فِيهِمَا إثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا } وَقَدْ رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ فِيهِمْ غُلَامٌ ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ أَجْلَسَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ ؛ وَقَالَ : إنَّمَا كَانَتْ خَطِيئَةُ داود عَلَيْهِ السَّلَامُ النَّظَرَ } . هَذَا وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُزَوَّجٌ بِتِسْعِ نِسْوَةٍ ؛ وَالْوَفْدُ قَوْمٌ صَالِحُونَ وَلَمْ تَكُنْ الْفَاحِشَةُ مَعْرُوفَةً فِي الْعَرَبِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْمَشَايِخِ مِنْ التَّحْذِيرِ عَنْ صُحْبَةِ " الْأَحْدَاثِ " مَا يَطُولُ وَصْفُهُ . وَلَيْسَ لِأَحَدِ مِنْ النَّاسِ أَنْ يَفْعَلَ مَا يُفْضِي إلَى هَذِهِ الْمَفَاسِدِ الْمُحَرَّمَةِ وَإِنْ ضَمَّ إلَى ذَلِكَ مَصْلَحَةً مِنْ تَعْلِيمٍ أَوْ تَأْدِيبٍ ؛ فَإِنَّ " المردان " يُمْكِنُ تَعْلِيمُهُمْ وَتَأْدِيبُهُمْ بِدُونِ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ الَّتِي فِيهَا مَضَرَّةٌ عَلَيْهِمْ وَعَلَى مَنْ يَصْحَبُهُمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ : بِسُوءِ الظَّنِّ تَارَةً وَبِالشُّبْهَةِ أُخْرَى ؛ بَلْ رُوِيَ : أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَجْلِسُ إلَيْهِ المردان فَنَهَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ مُجَالَسَتِهِ . وَلَقِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ شَابًّا فَقَطَعَ شَعْرَهُ ؛ لِمَيْلِ بَعْضِ النِّسَاءِ إلَيْهِ ؛ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ إخْرَاجِهِ مِنْ وَطَنِهِ ؛ وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ . وَمَنْ أَقَرَّ صَبِيًّا يَتَوَلَّاهُ : مِثْلَ ابْنِهِ وَأَخِيهِ أَوْ مَمْلُوكِهِ أَوْ يَتِيمٍ عِنْدَ مَنْ يُعَاشِرُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ : فَهُوَ دَيُّوثٌ مَلْعُونٌ { وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ دَيُّوثٌ } فَإِنَّ الْفَاحِشَةَ الْبَاطِنَةَ مَا يَقُومُ عَلَيْهَا بَيِّنَةٌ فِي الْعَادَةِ ؛ وَإِنَّمَا تَقُومُ عَلَى الظَّاهِرَةِ وَهَذِهِ الْعِشْرَةُ الْقَبِيحَةُ مِنْ الظَّاهِرَةِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } وَقَالَ تَعَالَى : { قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } . فَلَوْ ذَكَرْنَا مَا حَصَلَ فِي مِثْلِ هَذَا مِنْ الضَّرَرِ وَالْمَفَاسِدِ وَمَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ : لَطَالَ . سَوَاءٌ كَانَ الرَّجُلُ تَقِيًّا أَوْ فَاجِرًا ؛ فَإِنَّ التَّقِيَّ يُعَالِجُ مَرَارَةً فِي مُجَاهَدَةِ هَوَاهُ وَخِلَافِ نَفْسِهِ ؛ وَكَثِيرًا مَا يَغْلِبُهُ شَيْطَانُهُ وَنَفْسُهُ ؛ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَحْمِلُ حِمْلًا لَا يُطِيقُهُ فَيُعَذِّبُهُ أَوْ يَقْتُلُهُ ؛ وَالْفَاجِرُ يَكْمُلُ فُجُورُهُ بِذَلِكَ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام - (ج 2 / ص 493)
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ : سَمِعْتُ اللَّيْثَ يَقُولُ " الْحَمْوُ " أَخُو الزَّوْجِ ، وَمَا أَشْبَهَ مِنْ أَقَارِبِ الزَّوْجِ ابْنُ الْعَمِّ وَنَحْوُهُمْ .
لَفْظُ " الْحَمْوُ " يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ النَّاسِ الْيَوْمَ فِي أَبِي الزَّوْجِ ، وَهُوَ مَحْرَمٌ مِنْ الْمَرْأَةِ لَا يَمْتَنِعُ دُخُولُهُ عَلَيْهِمَا .
فَلِذَلِكَ فَسَّرَهُ اللَّيْثُ بِمَا يُزِيلُ هَذَا الْإِشْكَالَ ، وَحَمَلَهُ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْخَلْوَةُ بِالْمَرْأَةِ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَلْوَةِ بِالْأَجَانِبِ وَقَوْلُهُ " إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ " مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الْمَحَارِمِ ، وَعَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِنَّ ، وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ أَمْرٍ آخَرَ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الدُّخُولُ مُقْتَضِيًا لِلْخَلْوَةِ ، أَمَّا إذَا لَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ فَلَا يُمْتَنَعُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ " الْحَمْوُ الْمَوْتُ " فَتَأْوِيلُهُ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْحَمْوِ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى مَحْرَمِ الْمَرْأَةِ - كَأَبِي زَوْجِهَا - فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ " الْحَمْوُ الْمَوْتُ " بِمَعْنَى : أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إبَاحَةِ دُخُولِهِ ، كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمَوْتِ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْكَلَامُ خَرَجَ مَخْرَجَ التَّغْلِيظِ وَالدُّعَاءِ ؛ لِأَنَّهُ فُهِمَ مِنْ قَائِلِهِ : طَلَبُ التَّرْخِيصِ بِدُخُولِ مِثْلِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَيْسُوا بِمَحَارِمَ فَغُلِّظَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ هَذَا الْقَصْدِ الْمَذْمُومِ ، بِأَنَّ دُخُولَ الْمَوْتِ عِوَضًا مِنْ دُخُولِهِ ، زَجْرًا عَنْ هَذَا التَّرْخِيصِ ، عَلَى سَبِيلِ التَّفَاؤُلِ ، وَالدُّعَاءِ ، كَأَنَّهُ يُقَالُ : مَنْ قَصَدَ ذَلِكَ فَلْيَكُنْ الْمَوْتُ فِي دُخُولِهِ عِوَضًا مِنْ دُخُولِ الْحَمْوِ الَّذِي قَصَدَ دُخُولَهُ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَبَّهَ الْحَمْوَ بِالْمَوْتِ ، بِاعْتِبَارِ كَرَاهَتِهِ لِدُخُولِهِ ، وَشَبَّهَ ذَلِكَ بِكَرَاهَةِ دُخُولِ الْمَوْتِ .
طرح التثريب - (ج 7 / ص 162)
( بَابُ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ وَتَحْرِيمُ الْمُؤْمِنَةِ عَلَى الْكَافِرِ ) .
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ .
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَرَأَيْت الْحَمْوَ ؟ قَالَ : الْحَمْوُ الْمَوْتُ } ( فِيهِ ) فَوَائِدُ الْأُولَى ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَحَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ وَغَيْرِهِمَا كُلُّهُمْ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْهُ .
( الثَّانِيَةُ ) قَوْلُهُ : إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ هُوَ بِالنَّصْبِ عَلَى التَّحْذِيرِ وَهُوَ تَنْبِيهُ الْمُخَاطَبِ عَلَى مَحْذُورٍ يَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَقَوْلُهُ : إيَّاكُمْ مَفْعُولٌ بِفِعْلٍ وَاجِبِ الْإِضْمَارِ تَقْدِيرُهُ : اتَّقُوا وَنَحْوَهُ ، قِيلَ : كَانَ أَصْلُهُ : اتَّقُوا أَنْفُسَكُمْ ، فَلَمَّا حُذِفَ الْفِعْلُ اسْتَغْنَى عَنْ النَّفْسِ وَانْفَصَلَ الضَّمِيرُ وَاخْتُلِفَ فِي إعْرَابِ قَوْلِهِ : وَالدُّخُولَ ؛ فَقِيلَ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى إيَّاكُمْ وَالتَّقْدِيرُ هُنَا اتَّقُوا أَنْفُسَكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ وَاسْتِعْمَالُ مِثْلِ هَذَا اللَّفْظِ هُنَا يَدُلُّ عَلَى تَحْذِيرٍ شَدِيدٍ وَنَهْيٍ أَكِيدٍ وَهُوَ كَقَوْلِ الْعَرَبِ : إيَّاكَ وَالْأَسَدَ وَإِيَّاكَ وَالشَّرَّ .
( الثَّالِثَةُ ) فِيهِ تَحْرِيمُ الدُّخُولِ عَلَى النِّسَاءِ وَلَهُ شَرْطَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنْ لَا يَكُونَ الدَّاخِلُ زَوْجًا لِلْمَدْخُولِ عَلَيْهَا وَلَا مَحْرَمًا وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { لَا يَبِيتَنَّ رَجُلٌ عِنْدَ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ نِكَاحًا أَوْ ذَا مَحْرَمٍ } وَإِنَّمَا خَصَّ فِيهِ الثَّيِّبَ بِالذِّكْرِ ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي يُدْخَلُ عَلَيْهَا غَالِبًا وَأَمَّا الْبِكْرُ فَمَصُونَةٌ فِي الْعَادَةِ فَهِيَ أَوْلَى بِذَلِكَ .
( ثَانِيهمَا ) أَنْ يَتَضَمَّنَ الدُّخُولُ الْخَلْوَةَ وَيَدُلُّ لَهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا .
{ لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ } لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ .
{ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ } وَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا { أَلَا لَا يَدْخُلَنَّ رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا عَلَى مُغِيبَةٍ إلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوْ اثْنَانِ } عَلَى أَنَّ هَذَا مُشْكِلٌ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ تَحْرُمُ خَلْوَةُ الرَّجُلِ بِامْرَأَتَيْنِ فَمَا فَوْقَهُمَا ، قَالَ النَّوَوِيُّ فَيَتَأَوَّلُ الْحَدِيثُ عَلَى جَمَاعَةٍ يَبْعُدُ وُقُوعُ الْمُوَاطَأَةِ مِنْهُمْ عَلَى الْفَاحِشَةِ لِصَلَاحِهِمْ أَوْ مُرُوءَتِهِمْ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ، وَقَدْ أَشَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ .
انْتَهَى .
فَلَوْ دَخَلَ بِحُضُورِ الزَّوْجِ جَازَ ذَلِكَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَلَى الْمُغِيبَاتِ وَهُنَّ اللَّاتِي غَابَ عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ وَلَوْ كَانَتْ غَيْبَتُهُنَّ فِي الْبَلَدِ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ سَفَرٍ وَيَدُلُّ لَهُ { قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ وَذَكَرُوا رَجُلًا صَالِحًا مَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إلَّا مَعِي } وَلَا يَكْفِي إذْنُهُ مِنْ غَيْرِ حُضُورِهِ وَلَا حُضُورُ مَحْرَمٍ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أَوْ نَهَى أَنْ يُدْخَلَ عَلَى النِّسَاءِ بِغَيْرِ إذْنِ أَزْوَاجِهِنَّ } فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا انْتَفَتْ الْخَلْوَةُ الْمُحَرَّمَةُ وَالْقَصْدُ مِنْهُ تَوَقُّفُ جَوَازِ الدُّخُولِ عَلَى إذْنِ الزَّوْجِ وَإِنْ انْتَفَتْ الْخَلْوَةُ ؛ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ مِلْكُهُ فَلَا يَجُوزُ دُخُولُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَالْمَعْنَى فِي تَحْرِيمِ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ أَنَّهُ مَظِنَّةُ الْوُقُوعِ فِي الْفَاحِشَةِ بِتَسْوِيلِ الشَّيْطَانِ ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { لَا تَلِجُوا عَلَى الْمُغِيبَاتِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ أَحَدِكُمْ مَجْرَى الدَّمِ } .
وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا { لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا } وَقَدْ حَكَى النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَإِبَاحَتِهَا بِالْمَحَارِمِ وَالْمَحْرَمُ هِيَ كُلُّ مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِسَبَبٍ مُبَاحٍ لِحُرْمَتِهَا فَقَوْلُنَا عَلَى التَّأْبِيدِ احْتِرَازٌ مِنْ أُخْتِ امْرَأَتِهِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَنَحْوِهِنَّ وَمِنْ بِنْتِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِالْأُمِّ ، وَقَوْلُنَا بِسَبَبٍ مُبَاحٍ احْتِرَازٌ مِنْ أُمِّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَبِنْتِهَا فَإِنَّهُمَا حَرَامٌ عَلَى التَّأْبِيدِ لَكِنْ لَا بِسَبَبٍ مُبَاحٍ فَإِنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ لَا يُوصَفُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ وَلَا غَيْرِهِمَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِعْلَ مُكَلَّفٍ وَقَوْلُنَا لِحُرْمَتِهَا احْتِرَازٌ عَنْ الْمُلَاعَنَةِ فَهِيَ حَرَامٌ عَلَى التَّأْبِيدِ لَا لِحُرْمَتِهَا بَلْ لِلتَّغْلِيظِ .
( الرَّابِعَةُ ) قَالَ النَّوَوِيُّ اتَّفَقَ أَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ الْأَحْمَاءَ أَقَارِبُ زَوْجِ الْمَرْأَةِ كَابْنِهِ وَعَمِّهِ وَأَخِيهِ وَابْنِ أَخِيهِ وَابْنِ عَمِّهِ وَنَحْوِهِمْ وَالْأُخْتَانِ أَقَارِبُ زَوْجَةِ الرَّجُلِ ، وَالْأَصْهَارُ تَقَعُ عَلَى النَّوْعَيْنِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَفِي الْحَمْ أَرْبَعُ لُغَاتٍ إحْدَاهَا هَذَا حَمُوك بِضَمِّ الْمِيمِ فِي الرَّفْعِ وَرَأَيْت حَمَاك وَمَرَرْت بِحَمِيك ، وَالثَّانِيَةُ هَذَا حَمْؤُك بِإِسْكَانِ الْمِيمِ وَهَمْزَةٍ مَرْفُوعَةٍ وَرَأَيْت حَمْأَك وَمَرَرْت بِحَمْئِك ، وَالثَّالِثَةُ حَمَا كَقَفَا هَذَا حَمَاك وَرَأَيْت حَمَاك وَمَرَرْت بِحَمَاك ، وَالرَّابِعَةُ حَمٌ كَأَبٍ وَأَصْلُهُ حَمَوٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْمِيمِ ، وَحَمَاةُ الْمَرْأَةِ أُمُّ زَوْجِهَا لَا يُقَالُ فِيهَا غَيْرُ هَذَا ، وَمُقْتَضَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ لَفْظَ هَذَا الْحَدِيثِ بِالْهَمْزِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْكَ فِيهَا مَعَ إسْكَانِ الْمِيمِ إلَّا الْهَمْزُ وَبِهِ صَرَّحَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ فَقَالَ وَقَدْ جَاءَ الْحَمْوُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَهْمُوزًا وَالْهَمْزُ أَحَدُ لُغَاتِهِ لَكِنْ لَمْ أَرَ صَاحِبَ النِّهَايَةِ تَبَعًا لِلْهَرَوِيِّ ذَكَرَ فِيهِ الْهَمْزَ وَكَذَا ضَبَطْنَاهُ بِلَا هَمْزٍ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ حَمْوُ كَدَلْوِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الْخَامِسَةُ ) اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِهِ هُنَا فَحَمَلَهُ الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ مَنْ لَيْسَ مَحْرَمًا لِلزَّوْجَةِ مِنْ أَقَارِبِ الزَّوْجِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ الْحَمْوُ أَخُو الزَّوْجِ وَمَا أَشْبَهُهُ مِنْ أَقَارِبِ الزَّوْجِ كَابْنِ الْعَمِّ وَنَحْوِهِ وَكَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْمُرَادُ بِالْحَمْوِ هُنَا أَقَارِبُ الزَّوْجِ غَيْرُ آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ فَأَمَّا الْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ فَمَحَارِمُ لِزَوْجَتِهِ تَجُوزُ لَهُمْ الْخَلْوَةُ بِهَا وَلَا يُوصَفُونَ بِالْمَوْتِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْأَخُ وَابْنُ الْأَخِ وَالْعَمُّ وَابْنُهُ وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ وَعَادَةُ النَّاسِ الْمُسَاهَلَةُ فِيهِ وَيَخْلُو بِامْرَأَةِ أَخِيهِ فَهَذَا هُوَ الْمَوْتُ وَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ .
انْتَهَى .
وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى حَمْلِهِ عَلَى الْمَحْرَمِ كَالْأَبِ وَغَيْرِهِ وَجَعَلُوا مَنْعَ غَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى ، فَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ يُقَالُ : الْحَمْوُ أَبُو الزَّوْجِ كَأَنَّهُ كَرِهَ لَهُ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا ، وَكَذَا قَالَ الْمَازِرِيُّ إنَّ الْحَمْوَ هُنَا أَبُو الزَّوْجِ وَقَالَ : إذَا نَهَى عَنْ أَبِي الزَّوْجِ وَهُوَ مَحْرَمٌ فَكَيْفَ بِالْغَرِيبِ وَمَشَى عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ هَذَا هُوَ صَوَابُ مَعْنَى الْحَدِيثِ ، وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ الثَّانِي : هَذَا كَلَامٌ مَرْدُودٌ لَا يَجُوزُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ .
( السَّادِسَةُ ) اُخْتُلِفَ أَيْضًا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ الْحَمْوُ الْمَوْتُ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : احْذَرْ الْحَمْوَ كَمَا تَحْذَرُ الْمَوْتَ ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْخَوْفَ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ وَالشَّرُّ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ وَالْفِتْنَةُ أَكْثَرُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْمَرْأَةِ وَالْخَلْوَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْكَرَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ ، قَالَ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ مَعْنَى الْحَمْوِ الْمَوْتُ فَلْيَمُتْ وَلَا يَفْعَلُ هَذَا ، قَالَ النَّوَوِيُّ : وَهَذَا كَلَامٌ فَاسِدٌ بَلْ الصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ قَالَ : وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ هِيَ كَلِمَةٌ تَقُولُهَا الْعَرَبُ كَمَا يَقُولُ : الْأَسَدُ الْمَوْتُ أَيْ لِقَاؤُهُ مِثْلُ الْمَوْتِ ، وَقَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ الْخَلْوَةُ بِالْأَحْمَاءِ مُؤَدِّيَةٌ إلَى الْفِتْنَةِ وَالْهَلَاكِ فِي الدِّينِ فَجَعَلَهُ كَهَلَاكِ الْمَوْتِ فَوَرَدَ الْكَلَامُ مَوْرِدَ التَّغْلِيظِ .
انْتَهَى .
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ : أَيْ دُخُولُهُ عَلَى زَوْجَةِ أَخِيهِ يُشْبِهُ الْمَوْتَ فِي الِاسْتِقْبَاحِ وَالْمَفْسَدَةِ أَيْ فَهُوَ مُحَرَّمٌ مَعْلُومُ التَّحْرِيمِ وَإِنَّمَا بَالَغَ فِي الْحَذَرِ عَنْ ذَلِكَ وَشَبَّهَهُ بِالْمَوْتِ لِتَسَامُحِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ لَا لِفَهْمِ ذَلِكَ حَتَّى كَأَنَّهُ لَيْسَ بِأَجْنَبِيٍّ مِنْ الْمَرْأَةِ عَادَةً ، وَخَرَجَ هَذَا مَخْرَجَ قَوْلِ الْعَرَبِ : الْأَسَدُ الْمَوْتُ وَالْحَرْبُ الْمَوْتُ ، أَيْ لِقَاؤُهُ يُفْضِي إلَى الْمَوْتِ ، وَكَذَلِكَ دُخُولُ الْحَمُ عَلَى الْمَرْأَةِ يُفْضِي إلَى مَوْتِ الدِّينِ أَوْ إلَى مَوْتِهَا بِطَلَاقِهَا عِنْدَ غَيْرَةِ الزَّوْجِ أَوْ بِرَجْمِهَا إنْ زَنَتْ مَعَهُ .
انْتَهَى .
وَهَذَا كُلُّهُ بِتَقْدِيرِ تَفْسِيرِهِ بِغَيْرِ الْمَحْرَمِ فَإِنْ فَسَّرَ بِالْمَحْرَمِ فَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ : يَعْنِي أَنَّ خَلْوَةَ الْحَمْ مَعَهَا أَشَدُّ مِنْ خَلْوَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْغُرَبَاءِ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا حَسَّنَ لَهَا أَشْيَاءَ وَحَمَلَهَا عَلَى أُمُورٍ تَثْقُلُ عَلَى الزَّوْجِ مِنْ الْتِمَاسِ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ أَوْ سُوءِ عِشْرَتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يُؤَثِّرُ أَنْ يَطَّلِعَ الْحَمُ عَلَى بَاطِنِ أَحْوَالِهِ بِدُخُولِ بَيْتِهِ .
انْتَهَى .
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ إنَّمَا يُتَوَقَّعُ مِنْ أَقَارِبِ الزَّوْجَةِ لَا مِنْ أَقَارِبِ الزَّوْجِ ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إبَاحَةِ دُخُولِهِ كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْمَوْتِ .
نيل الأوطار - (ج 9 / ص 459)
وَالْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهَا كَمَا حَكَى ذَلِكَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَعِلَّةُ التَّحْرِيمِ مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ كَوْنِ الشَّيْطَانِ ثَالِثَهُمَا وَحُضُورِهِ يُوقِعُهُمَا فِي الْمَعْصِيَةِ ، وَأَمَّا مَعَ وُجُودِ الْمَحْرَمِ فَالْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ جَائِزَةٌ لِامْتِنَاعِ وُقُوعِ الْمَعْصِيَةِ مَعَ حُضُورِهِ .
وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ كَالنِّسْوَةِ الثِّقَاتِ ؟ فَقِيلَ : يَجُوزُ لِضَعْفِ التُّهْمَةِ وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ .
وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَخْرَجَ نَحْوَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ قَوْلُهُ : ( لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ .
إلَخْ ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُحَرَّمُ عَلَى الرَّجُلِ نَظَرُ عَوْرَةِ الرَّجُلِ ، وَعَلَى الْمَرْأَةِ نَظَرُ عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ بَيَانُ الْعَوْرَةِ مِنْ الرَّجُلِ ، وَالْعَوْرَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالْمُرَادُ هُنَا الْعَوْرَةُ الْمُغَلَّظَةُ قَالَ فِي الْبَحْرِ : فَصْلٌ : يَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ الْمُغَلَّظَةِ مِنْ غَيْرِ مَنْ لَهُ الْوَطْءُ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ : " احْفَظْ عَوْرَتَكَ " الْخَبَرُ وَنَحْوُهُ انْتَهَى .
قَوْلُهُ : ( وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ .إلَخْ ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ أَنْ يَضْطَجِعَ الرَّجُلُ مَعَ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةُ مَعَ الْمَرْأَةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مَعَ الْإِفْضَاءِ بِبَعْضِ الْبَدَنِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَظِنَّةٌ لِوُقُوعِ الْمُحَرَّمِ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ أَوْ مَسِّ الْعَوْرَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ الْوَاقِعَ فَجْأَةً مِنْ دُونِ قَصْدٍ وَتَعَمُّدٍ لَا يُوجِبُ إثْمَ النَّاظِرِ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِهِ خَارِجٌ عَنْ الِاسْتِطَاعَةِ ، وَإِنَّمَا الْمَمْنُوعُ مِنْهُ النَّظَرُ الْوَاقِعُ عَلَى طَرِيقَةِ التَّعَمُّدِ أَوْ تَرْكِ صَرْفِ الْبَصَرِ بَعْدَ نَظَرِ الْفَجْأَةِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ مَنْ قَالَ بِتَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ وَلَمْ يَحْكِهِ فِي الْبَحْرِ إلَّا عَنْ الْمُؤَيَّدِ بِاَللَّهِ وَأَبِي طَالِبٍ وَحُكِيَ فِي الْبَحْرِ أَيْضًا عَنْ الْفُقَهَاءِ وَالْإِمَامِ يَحْيَى أَنَّهُ يَجُوزُ وَلَوْ لِشَهْوَةٍ وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ الْمَنَارِ أَنَّ كُتُبَ الْفُقَهَاءِ نَاطِقَةٌ بِالتَّحْرِيمِ قَالَ : فَفِي مِنْهَاجِ النَّوَوِيِّ وَهُوَ عُمْدَتُهُمْ : وَيُحَرَّمُ نَظَرُ فَحْلٍ بَالِغٍ إلَى عَوْرَةِ حُرَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ ، وَكَذَا وَجْهُهَا وَكَفَّيْهَا عِنْدَ خَوْفِ فِتْنَةٍ ، وَكَذَا عِنْدَ الْأَمْنِ عَلَى الصَّحِيحِ ثُمَّ قَالَ فِي نَظَرِ الْأَجْنَبِيَّةِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ : كَهُوَ إلَيْهَا وَفِي الْمُنْتَهَى مِنْ كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ : وَلِشَاهِدٍ وَمُعَامِلٍ نَظَرُ وَجْهِ مَشْهُودٍ عَلَيْهَا ، وَمَنْ تُعَامِلُهُ ، وَكَفَّيْهَا لِحَاجَةٍ ، وَالْحَنَفِيَّةُ لَا يُجِيزُونَ النَّظَرَ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مَعَ الشَّهْوَةِ وَلَفْظُ الْكَنْزِ : وَلَا يَنْظُرُ مَنْ اشْتَهَى قَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ فِي الشَّاهِدِ : لَا يَجُوزُ لَهُ وَقْتَ التَّحَمُّلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا بِشَهْوَةٍ ، هَذَا مَا تَعَقَّبَ بِهِ صَاحِبُ الْمَنَارِ قَالَ فِي بَهْجَةِ الْمَحَافِلِ لِلْعَامِرِيِّ الشَّافِعِيِّ فِي حَوَادِثِ السَّنَةِ الْخَامِسَةِ مَا لَفْظُهُ : وَفِيهَا نُزُولُ الْحِجَابِ وَفِيهِ مَصَالِحُ جَلِيلَةٌ وَعَوَائِدُ فِي الْإِسْلَامِ جَمِيلَةٌ ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ النَّظَرُ إلَى أَجْنَبِيَّةٍ لِشَهْوَةٍ أَوْ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ ، وَعُفِيَ عَنْ نَظَرِ الْفَجْأَةِ انْتَهَى .
وَفِي شَرْحِ السَّيْلَقِيَّةِ لِلْإِمَامِ يَحْيَى فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ : { إيَّاكُمْ وَفُضُولَ النَّظَرِ فَإِنَّهُ يَبْذُرُ الْهَوَى وَيُوَلِّدُ الْغَفْلَةَ } : التَّصْرِيحُ بِتَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَى النِّسَاءِ الْأَجَانِبِ لِشَهْوَةٍ أَوْ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَقَالَ ابْنُ مُظَفَّرٍ فِي الْبَيَانِ : إنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ مَعَ الشَّهْوَةِ اتِّفَاقًا وَقَالَ الْإِمَامُ عِزُّ الدِّينِ فِي جَوَابٍ لَهُ : وَالصَّحِيحُ الْمَعْمُولُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ شَرْحِ الْأَزْهَارِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْبَحْرِ أَنَّ الْإِمَامَ يَحْيَى وَمَنْ مَعَهُ يُجَوِّزُونَ النَّظَرَ وَلَوْ مَعَ شَهْوَةٍ ا هـ .
وَمِنْ جُمْلَةِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمَانِعُونَ مِنْ النَّظَرِ مُطْلَقًا قَوْله تَعَالَى : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } وقَوْله تَعَالَى : { فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ قَطْعًا لِذَرِيعَةِ وُقُوفِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ خَلْفَهُ ، وَفِيهِ قِصَّةُ الْمَرْأَةِ الْوَضِيئَةِ الْخَثْعَمِيَّةِ ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إلَيْهَا ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَقَنِ الْفَضْلِ فَحَوَّلَ وَجْهَهُ عَنْ النَّظَرِ إلَيْهَا } وَأُجِيبَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِمَخَافَةِ الْفِتْنَةِ لِمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ ، وَفِيهِ : { فَقَالَ الْعَبَّاسُ : لَوَيْتَ عُنُقَ ابْنِ عَمِّكَ ، فَقَالَ : رَأَيْت شَابًّا وَشَابَّةً فَلَمْ آمَنْ عَلَيْهِمَا الْفِتْنَةَ } وَقَدْ اسْتَنْبَطَ مِنْهُ ابْنُ الْقَطَّانِ جَوَازَ النَّظَرِ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ حَيْثُ لَمْ يَأْمُرْهَا بِتَغْطِيَةِ وَجْهِهَا ، فَلَوْ لَمْ يَفْهَمْ الْعَبَّاسُ أَنَّ النَّظَرَ جَائِزٌ مَا سَأَلَ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَا فَهِمَهُ جَائِزًا مَا أَقَرَّهُ عَلَيْهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى اخْتِصَاصِ آيَةِ الْحِجَابِ السَّابِقَةِ بِزَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ لِأَنَّ قِصَّةَ الْفَضْلِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَآيَةَ الْحِجَابِ فِي نِكَاحِ زَيْنَبَ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى : { وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } فَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا ظَهَرَ : الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ ، وَكَذَلِكَ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْهَا وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : هِيَ الْكُحْلُ وَرَوَى نَحْوَ ذَلِكَ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ فِي الْكَشَّافِ : الزِّينَةُ : مَا تَزَيَّنَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ حُلِيٍّ أَوْ كُحْلٍ أَوْ خِضَابٍ ، فَمَا كَانَ ظَاهِرًا مِنْهَا كَالْخَاتَمِ وَالْفَتْخَةِ وَالْكُحْلِ وَالْخِضَابِ فَلَا بَأْسَ بِإِبْدَائِهِ لِلْأَجَانِبِ ، وَمَا خَفِيَ مِنْهَا كَالسِّوَارِ وَالْخَلْخَالِ وَالدُّمْلَجِ وَالْقِلَادَةِ وَالْإِكْلِيلِ وَالْوِشَاحِ وَالْقُرْطِ فَلَا تُبْدِيهِ إلَّا لِهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ ؛ وَذِكْرُ الزِّينَةِ دُونَ مَوَاقِعِهَا لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْأَمْرِ بِالتَّصَوُّنِ وَالتَّسَتُّرِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَنَ وَاقِعَةٌ عَلَى مَوَاضِعَ مِنْ الْجَسَدِ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهَا لِغَيْرِ هَؤُلَاءِ وَهِيَ الذِّرَاعُ وَالسَّاقُ وَالْعَضُدُ وَالْعُنُقُ وَالرَّأْسُ وَالصَّدْرُ وَالْأُذُنُ ، فَنُهِيَ عَنْ إبْدَاءِ الزِّيَنِ نَفْسِهَا لِيُعْلَمَ أَنَّ النَّظَرَ إلَيْهَا إذَا لَمْ يَحِلَّ لِمُلَابَسَتِهَا تِلْكَ الْمَوَاقِعِ ، بِدَلِيلِ أَنَّ النَّظَرَ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ مُلَابَسَةٍ لَهَا لَا مَقَالَ فِي حِلِّهِ كَانَ النَّظَرُ إلَى الْمَوَاقِعِ أَنْفُسِهَا مُتَمَكِّنًا فِي الْحَظْرِ ثَابِتَ الْقِدَمِ فِي الْحُرْمَةِ شَاهِدًا عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ حَقُّهُنَّ أَنْ يَحْتَطْنَ فِي سَتْرِهَا وَيَتَّقِينَ اللَّهَ فِي الْكَشْفِ عَنْهَا انْتَهَى وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُبْدِي مِنْ مَوَاضِعِ الزِّينَةِ مَا تَدْعُو إلَيْهِ الْحَاجَةُ عِنْدَ مُزَاوَلَةِ الْأَشْيَاءِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالشَّهَادَةِ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى مِنْ عُمُومِ النَّهْيِ عَنْ إبْدَاءِ مَوَاضِعِ الزِّينَةِ ، وَهَذَا عَلَى فَرْضِ عَدَمِ وُرُودِ تَفْسِيرٍ مَرْفُوعٍ ، وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ مِمَّا يُسْتَثْنَى قَوْلُهُ : ( الْحَمْوُ الْمَوْتُ ) أَيْ الْخَوْفُ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا أَنَّ الْخَوْفَ مِنْ الْمَوْتِ أَكْثَرُ مِنْ الْخَوْفِ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ : يُقَالُ : هُوَ أَخُو الزَّوْجِ ، وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ اللَّيْثِ أَنَّهُ قَالَ : الْحَمْوُ : أَخُو الزَّوْجِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ أَقَارِبِ الزَّوْجِ ، ابْنُ الْعَمِّ وَنَحْوُهُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ : اتَّفَقَ أَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ الْأَحْمَاءَ : أَقَارِبُ زَوْجِ الْمَرْأَةِ كَأَبِيهِ وَأَخِيهِ وَابْنِ أَخِيهِ وَابْنِ عَمِّهِ وَنَحْوِهِمْ ، وَأَنَّ الْأَخْتَانَ : أَقَارِبُ زَوْجَةِ الرَّجُلِ ، وَأَنَّ الْأَصْهَارَ تَقَعُ عَلَى النَّوْعَيْنِ ا هـ
المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان - (ج 3 / ص 9)
251 ـ لي زوج أخت أخرى زوجته منتقبة ولكنه يجعلها ترفع النقاب أمام إخوته الرجال وعندما ناقشته في ذلك قال إن إخوتي في منزلتي ولا يمكن أن تختبئ عنهم مع العلم أننا ذكرناه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( عندما سئل عن الحمو فقال الحمو : الموت ) [ رواه البخاري في صحيحه ج6 ص158، 159 . من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه ] . فماذا تفعل زوجته عند أمره لها برفع نقابها . وهل إن لم ترفعه عند إخوته تعتبر عاصية لزوجها وتأثم بذلك ؟
يظهر أن هذا الشخص معاند، لأنه يأمر زوجته أن تكشف وجهها لإخوانه رغم أنه بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحمو - وهو قريب الزوج - الموت يعني أن خطره شديد وأنه أشد من غيره ومع هذا أصر على أن تكشف زوجته وجهها لإخوانه وقال إنهم بمنزلته وهذا خطأ ومعارضة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فالواجب على المرأة أن تحتجب من إخوة زوجها لأنهم أجانب منها وليس لهم علاقة بها لأنها أجنبية منهم وهم أجانب منها فعليها أن تحتجب وأن تغطي وجهها، ومع الأسف كثير من الرجال يلزمون أو يأمرون زوجاتهم بالمعصية مثل أن تكشف وجهها لأقاربهم وأن لا تحتجب أمامهم فالمرأة ضعيفة وقد تنصاع لأمر زوجها والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج5 ص66 بلفظ " في معصية الله " بدل " في معصية الخالق " من حديث الحكم بن عمرو الغفاري رضي الله عنهما . ورواه البغوي في شرح السنة ج10 ص44 من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه . ورواه الخطيب التبريزي مشكاة المصابيح ج2 ص1092 . من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه ] .
فلا يجوز للمرأة أن تطيع زوجها في هذه المسألة وهي كشف وجهها عند أقاربه لأن هذا معصية لله ولرسوله وطاعة الزوج إنما تكون بالمعروف فالواجب على الأزواج أن يتقوا الله سبحانه وتعالى في نسائهم وأن لا يأمروهن بالمعصية بل الواجب أن يأمروهن بطاعة الله وينهوهن عن معصية الله لأن الله قد استرعاهم عليهن فهذا واجبهم أما أن يلزموا زوجاتهم بالمعصية فهذا حرام عليهم، ولا يلزم زوجاتهم حينئذٍ أن يطعنهم بل يحرم عليهم أن يطعنهم في ذلك .
لقاءات الباب المفتوح - (ج 63 / ص 6)
حادثة مؤلمة وعواقب أطباق الاستقبال (الدشوش):
________________________________________
السؤال: فضيلة الشيخ! رجل متزوج بامرأة من أسرة خبيثة كما يخبر الزوج عن حال أهلها بنفسه، وذات يوم ذهب الزوج من بيته وعند عودته وجد الأمر المحزن المبكي، وهو أنه دخل شخص على زوجته بعد أن فتحت له الباب ظانة أنه ابن من أبناء الجيران وفعل بها الفاحشة، ووجد الزوج أن بها آثار الضرب والخنق، وقد أخبرته بالحقيقة إلا أنه أصر على إمساكها ولم يطلقها، فما تنصحون هذا الشخص -علماً بأنه من أهل الخير والصلاح ومن الدعاة إلى الله- أن يفعل مع تلك المرأة لا سيما وأن الخبر قد انتشر بين الناس حفظكم الله وأثابكم؟
________________________________________
الجواب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. هذه الحادثة لا شك أنها مؤلمة محزنة، ولها أسباب، ومن أسبابها: ما ينشر في وسائل الإعلام من الشر والبلاء سواء وسائل الإعلام المنظورة أو المقروءة أو المسموعة. وقد توسع الناس في الاستماع إلى الإعلام الخارجي بواسطة الصحون الهوائية التي تسمى الدشوش، نسأل الله أن يقي المسلمين شرها وأن يسلط الدولة على أهلها حتى تقضي عليها، وقد حصل من الدولة -والحمد لله- إنذار بأنها سوف تقضي على هذه الصحون، نسأل الله أن يعينها على ذلك، وأن يعجل بهذا الأمر قبل أن ينتشر الشر والفساد. ولا شك أن أعداء المسلمين لا يألون جهداً في صد المسلمين عن دينهم، إن أمكنهم بالسلاح الذي يقتل الأنفس فعلوا كما يوجد الآن في البوسنة والهرسك وغيرها من بلاد المسلمين، وإن لم يحصل ذلك لهم فبالأخلاق المدمرة، والإنسان إذا دمرت أخلاقه صار كالبهيمة ليس له هم إلا التمتع في الدنيا -والعياذ بالله- وقد قال الله عن الكفار: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ [محمد:12] عاقبة سيئة، فهذه الوسائل الإعلامية إذا رآها الشاب أو الشابة تشربت في قلوبهم، وسهل عليهم أن يمارسوها. كذلك أيضاً من وسائل الإعلام المدمرة: أنهم يغزون الناس بالأفكار الرديئة الخبيثة المنحرفة، فيضل بها كثير من الناس، لهذا نحن نشير على إخواننا المسلمين عموماً أن يخرجوا من بيوتهم مثل هذه الفتنة، وأن يلاحظوا أهلهم من بنين وبنات، وإذا وجدوا مجلة غير مناسبة أو مدمرة للأخلاق فالواجب عليهم أن يحرقوها أمام أهل البيت، وأن يحذروهم من إعادة مثلها. وكذلك أيضاً في الوسائل الأخرى إذا رأوا أن أهل البيت أنهم مصرون عليها فإن عليهم أن يمنعوهم، وأما إطلاق الحبل على الغارب فإن فيه مفسدة كبيرة، منها مثل هذه القضية التي ذكرها السائل. أما فيما يتعلق بزوجته فهو يقول: إنه وجد عليها أثر الضرب، وهذا يعني أن المرأة لم يكن ذلك باختيارها، وأن هذا الرجل -والله أعلم- دق عليها الباب وأراها أنه أحد من محارمها أو أقاربها حتى دخل وحصل منه ما حصل. وأما قولها: إنها تظن أنه ابن الجيران فهذا غلط منها، حتى ابن الجيران لا يجوز أن يفتح له الباب، ابن الجيران مثل قريب الزوج، يعني: أنه الموت، ولهذا لما حذر النبي عليه الصلاة والسلام من الدخول على النساء قال: (إياكم والدخول على النساء، قالوا: يا رسول الله! أرأيت الحمو، -يعني: أقارب الزوج مثل أخيه وعمه وخاله- قال: الحمو الموت) يعني: فروا منه كما تفرون من الموت، وهو البلاء؛ لأن الحمو إذا دخل على بيت قريبه تجد الناس لا تنكره، وهو أيضاً يرى أن الأمر هين أن يدخل على بيت قريبه؛ فيحصل الشر، فنقول لهذه المرأة: لا تفتح لأحد أبداً إلا لزوجها أو أحد من محارمها، ثم تحذر أيضاً؛ لأن بعض الناس خبيث قد يقلد الصوت فلتحذر من هذا، فالذي أرى أن هذه المرأة إذا ادعت أنها مكرهة كما هو ظاهر حالها مما يتبين من السؤال أنها معذورة وليس عليها إثم، وأن زوجها إذا أبقاها عنده فليس بديوث بل هو عاذر لها، ولا ينبغي أن يفارقها من أجل هذا الفعل الذي حصل عليها وهي -والله أعلم- مكرهة، وأما كلام الناس فلن يسلم منه أحد، الناس سبوا الرسول عليه الصلاة والسلام وسبوا الله عز وجل.
لقاءات الباب المفتوح - (ج 80 / ص 12)
الرد على شبهة مصافحة المرأة الأجنبية:
________________________________________
السؤال: فضيلة الشيخ! أورد بعض الكتاب المعاصرين شبهة حول مصافحة المرأة الأجنبية وقالوا: لا بأس بالمصافحة العفوية؛ والخلوة البريئة بالأجنبية مع سلامة القلب، وأن الإيمان في القلب، وأما قوله عليه الصلاة والسلام: (إني لا أصافح النساء) فهذا خاص به عليه الصلاة والسلام، فما تعليقكم على هذه الشبهة وفقكم الله؟
________________________________________
الجواب: تعليقنا على هذه الشبهة: أنها خطأ، أن هذا القول خطأ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) وهذا عام، وقال: (إياكم والدخول على النساء) وهذا عام، حتى قالوا: (يا رسول الله! أرأيت الحمو -أي: قريب الزوج يدخل على بيت قريبه- قال: الحمو الموت) أي: فاحذروه، والمصافحة أشد من الخلوة؛ لأن المصافحة إن كانت بلا حائل ففيها مباشرة الجسم للجسم ولا يخفى ما يحصل في ذلك من فوران الشهوة، مهما كان قلب الإنسان، والثاني: إذا كان بحائل فيمكن أن يغوي الشيطان الشخص حتى يغمز اليد بقوة أو بشدة، أو ينفضها، أو ما أشبه ذلك، مما يحرك الشهوة، فالمسألة خطأ كلها. وأما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم تمس يده يد امرأة، فليس هذا خاصاً به، بل هو عليه الصلاة والسلام يجوز له من الخلوة بالنساء ما لا يجوز لغيره، وقد ثبت في أحاديث متعددة تدل على جواز خلوة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالمرأة وجواز كشفها له، في حجة الوداع سألته امرأة: عن حجها عن أبيها وكانت امرأة جميلة فجعل الفضل بن عباس وهو رديف الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ناقته جعل ينظر إليها فصرف وجهه، وهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يجوز له من النظر إلى النساء ما لا يجوز لغيره؛ لأنه أبعد الناس عن الريبة، فهذه الشبهة ليست شبهة في الواقع إلا على من كان في قلبه مرض، فإن المتنبي يقول:
ومن يك ذا فم مر مريض يجد مراً به الماء الزلال
لقاءات الباب المفتوح - (ج 85 / ص 16)
شقيق زوج المرأة لا يكون محرماً لها:
________________________________________
السؤال: هل يكون الرجل محرماً لزوجة أخيه؟ وهل زوجة الأخ كزوجة الابن أو زوجة الأب؟
________________________________________
الجواب: لا، ليست زوجة الأخ كزوجة الابن أو زوجة الأب، فزوجة الأخ ليس أخو زوجها محرماً لها، فيجب عليها أن تستتر كما تستتر من الأجنبي، بل لو قيل: إنه يجب أن تستر عن أخي زوجها أكثر مما تستتر عن رجل الشارع! لو قيل بذلك لكان له وجه؛ لأنها إذا كشفت وجهها لأخي زوجها، وهو معه في البيت صارت الفتنة أعظم، فأي ساعة يدخل البيت وقد أغراه الشيطان يمكن يحاول خداعها، لكن في الشارع لو أن الرجل نظر إليها وأعجبته لا يستطيع الوصول إليها كأخي زوجها، فالمهم أن الرسول عليه الصلاة والسلام أشار إلى هذه النقطة، حيث قال: (إياكم والدخول على النساء، قالوا: يا رسول الله أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) يعني: فاحذروه. إذاً: أخو زوج المرأة ليس محرماً لها، أما أبو زوج المرأة فهو محرم، وكذا ابن زوج المرأة محرم.
فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ - (ج 10 / ص 12)
وأما النظر بغير قصد من الناظر فلا يعاقب عليه إذا لم يتعمده القلب ، فإذا اتبعه نظراً آخر أثم ، روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن جرير رضي الله عنه قال : ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري ) قال التزمذي : هذا حديث حسن صحيح ، وروى أحمد وأبو داود والترمذي عن بريدة رضي الله عنه ، أنه قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي يا عليّلا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة ) قال الترمذي : حسن غريب . ففي هذين الحديثين دليل على أنه إذا صرف النظر في الحال فلا إثم عليه ، وإن استدام النظر أثم . وفي ( باب نظر الفجأة ، وما كره من النظر ) من ( كتاب الورع ) للإمام أحمد بن حنبل رواية أبي بكر أحمد بن محمد المروذي عنه ما نصه : قلت لأبي عبد الله رجل تاب وقال لو ضرب ظهري بالسياط ما دخلت في معصية غير أنه لا يدع النظر قال أي توبة هذه ؟ قال جرير : ( سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري ) .
(ص-ف 64 - 4-1-80هـ ) .
التأثيم لا يرتفع
سألت شيخنا : هل يرفع تكذيب الفرج الإثم ؟
فأجباب : لا يظهر أنه يرفع التأثيم ، فالنظرة العمد لها حكمان : إحداهما التحريم والثاني : وصفه بالزنا ، فالتكذيب رفع وصف زنى العين ، وبقي التأثيم والله أعلم .
(تقرير)
السفور منكر ولا يجوز ، حتى لأخوة الزوج
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم إبراهيم المحمد الجريفان
سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
فقد جرى إطلاعنا على استفتائك بخصوص سؤالك : هل يجوز التسامح للنساء بكشف وجوههن أمام إخوة أزواجهن ؟
ونفيدك أنه سبق أن كتبنا فتوى بهذا الخصوص تجد الجواب على سؤالك فيها نرفق لك صورة منها . والسلام عليكم .
مفتي البلاد السعودية
(ص-ف)
( الصورة )
استفتاء من رمز نفسه بحائر وغيور ، يشتمل استفتاؤه على ثلاث نقاط هي :
أولاً : تألمه مما أصيب به مجتمع المرأة العربية المسلمة في بلادها : من التهتك والتبرج وخلع جلباب الحياء والاحتشام مما هو دخيل علينا ، ومستورد ممن لا خلاق لهم ولا دين ، بحجة التطور والتقدم .
ونحن نشكره على شعوره الطيب محو أخواته المسلمات ، ونشاطره الألم والحسرة على ما أصيبت به المرأة في البلاد الإسلامية من أخلاف وتقاليد كان لمن اتصف بها من بنات الغربيين الأثر السيء في فساد الأخلاق ، وتفكك الأسر ، وشيوع ما بطن من الفواحش ، وانتشار ما ظهر منها ، وكان فيما حل بهذه المجتمعات من الفساد والانحلال والتفكك العبرة والعظة والدرس الغالي لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
ثانياً : يذكر أنه كان بينه وبين أحد رفاقه مناقشة في السفور الشائع في بعض جهات بلادنا الجنوبية وفي بلاد اليمن ، حيث أنه ليس كالسفور الموجود في بعض البلاد العربية والإسلامية مقصود به التهتك والتبرج وإبداء كامل الزينة أخذاً بأسباب التقدم والتطور المزعوم ، وإنما جرت عادتهم بذلك من قديم الزمن ويسأل عن حكم هذا السفور .
والجواب : لا شك أن جميع المسلمين ذكرهم وأنتاهم عربيهم وأعجميهم أسودهم وأبيضهم مخاطبون بتعاليم الإسلام وتكاليفه ، وأنه إذا انفرد من أجناسهم نوع له حال تخصه منهم صار له في التشريع ما يختص به تبعاً لحاله كالإماء بالنسبة لحرائر المسلمين . إذا فهمنا هذا - عرفنا أن المرأة في حدودنا الجنوبية وفي اليمن امرأة كغيرها من نساء المسلمين حرة مخاطبة بتعاليم الدين ، ملزمة بتكاليفه في حدود استطاعتها ، لا تختص دونهن بوصف يخرجها عنهن - ظهر لنا أن السفور الموجود الآن في تلك الجهات منكر مخالف لما اتفق عليه المحققون من علماء الإسلام من وجوب إخفاء الزينة ومنها : الوجه واليدين ، إلا ما ظهر منها وهو الثياب الظاهرة أخذاً بقوله تعالى : { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن } الآية(1). وقال ابن مسعود : (إلا ما ظهر منها) (2) كالرداء والثياب يعني كل ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها . وما يبدو من أسافل الثياب فلا حرج عليها فيه ، لأن هذا لا يمكنها إخفاؤه . ونظيره في زي النساء ما يظهر من إزارها وما لا يمكن إخفاؤه . وقال بقول ابن مسعود : الحسن ، وابن سيرين وأبو الجوزاء ، وإبراهيم النخعي ، وغيرهم .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تفسيره هذه الآية : وأمر النساء خصوصاً بالاستتار ، ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ومن استثناه الله تعالى في الآية . فما ظهر من الزينة هو الثياب الظاهرة فهذا لا جناح في إبدائها إذا لم يكن في ذلك محذور آخر فإن هذه لا بد من إبدائها ، وهذا قول ابن مسعود وغيره ، وهو المشهور عن أحمد - إلى أن قال : (وقد ذكر عبيده السماني وغيره أن نساء المؤمنين كن يتدنين عليهن الجلابيب من فوق رؤسهن حتى لا يظهر إلا عيونهن لأجل رؤية الطريق . وثبت في الصحيح (أن المرأة المحرمه تنهى عن الانتقاب والقفازين) وهذا يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن .
__________
(1) سورة النور - آية 31 .
(2) سورة النور - آية 31 .
وقال في موضع آخر : والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء ، كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه أن الحرة تحتجب والأمة تبرز ، وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمة مختمرة ضربها ، وقال : أتتشبهين بالحرائر أي لكاع ؟ قال الله تعالى : { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين } (1) . قال ابن عباس رضي الله عنهما فيما روى عنه من تفسير هذه الآية مما ذكره ابن جرير في تفسيره : أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ، ويبدين عيناً واحدة . وعن ابن سيرين قال : سألت عبيده بن سفيان بن الحارث الحضرمي عن قوله تعالى { قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن } قال : فقال بثوبه فغطى رأسه ووجهه . وأبرز ثوبه عن إحدى عينيه . أ.هـ .
ونظراً لضيق المجال فإنه لا يسعنا تتبع أقوال العلماء حول هذه المسألة في هذه العجالة من الزمن ، لعل الله يوفقنا لإيفاء البحث حقه في رسالة مستقلة .
نعود إلى كلامنا عن السفور في اليمن وفي بعض جهات حدودنا الجنوبية لتكمل القول في أنه منكر ، وأنه يلزم المسلمين إنكاره بالحكمة والموعظة الحسنة ، ولا شك أن على أولياء أولئك النسوة مسئولية كبرى في الحفاظ عليهن وإرشادهن إلى حكم السفور ومخالفته للمقتضيات الشرعية .
ثالثاً : يذكر المستفتي أن الإخوة في البيت الواحد لا تحتجب زوجة واحدهم عن الآخر بل لا تستر وجهها وغيره مما يظهر غالباً لمحارمها ، ويسأل عن حكم ذلك ؟
والجواب : لا شك أن الإسلام دين يسر وسماحه ، قال تعالى { فاتقوا الله ما استطعتم } (2) ولا شك أن من المشقة على المرأة في بيتها تقييد حرية تنقلاتها فيه والحال أنها مسئولة عن شئونه كما أن التآلف والتعاون أمر يحترمه الإسلام ويدعو إليه .
__________
(1) سورة الأحزاب - آية 59 .
(2) سورة النور - آية 31 .
فلا يلزم المسلم باعتزال من يرغب المعيشة معه من إخوانه ونحوهمفي بيته . وحيث الأمر كذلك فإنه يعفي للمرأة عن بروزها أمام إخوة زوجها ونحوهم وعليها بالتستر وإخفاء كامل زينتها إلا ما ظهر منها كالثياب ونحوها ، كما أنه محظور عليها الخلوة بهم ، قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه عقبة بن عامر : ( إياكم والدخول على النساء ، فقال رجل من الأنصار يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت) رواه الترمذي . (الحمو أخو الزوج) . وعن ابن عباس رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم ) أخرجه البخاري وبما ذكرنا يتضح المقصود ، وبالله التوفيق وصلى الله على سيدنا محمد .
يسألونك فتاوى - (ج 2 / ص 245)
زوج الأخت أجنبي على أخت الزوجة
يقول السائل : إنه وأخوه متزوجان من أختين ويسكنان في بيت واحد وزوجة كل منهما تظهر على زوج أختها بدون جلباب مع إظهار الزينة لأنهما تعتقدان أن زوج الأخت محرم فما قولكم في ذلك ؟
الجواب : إن زوج الأخت يعتبر أجنبياً على أخت زوجته ولا يختلف حكمه عن الرجال الأجانب إلا في حكم واحد فقط وهو أنه لا يجوز أن يتزوج أخت زوجته ما دامت أختها في عصمته .
وهنالك خطأ شائع بين الناس أن زوج الأخت محرم لأخت زوجته وهذا الفهم مغلوط ولا يستند إلى أي دليل شرعي وإنما فهم الناس هذه المحرمية غير الصحيحة شرعاً من كونه لا يجوز شرعاً الجمع بين الأختين ففهم كثير من الناس ثبوت المحرمية بين زوج الأخت وأخت زوجته .
ويجب أن يعلم أن هذا التحريم المؤقت في الجمع بين الأختين في الزواج لا يجعل زوج الأخت محرماً لأخت زوجته .
ومحارم المرأة هم الذين يحرم عليهم نكاحها على التأبيد وهذه المحرمية تكون بسبب النسب أو بسبب الرضاع أو بسبب المصاهرة .
والمحارم من النسب هم الآباء وإن علوا من جهة الذكور والإناث كآباء الآباء وآباء الأمهات .
والمحارم من الأبناء أي أبناء النساء فيدخل فيهم أولاد الأولاد وإن نزلوا من الذكور والإناث مثل بني البنين وبني البنات أما أبناء بعولتهن فهم آبناء أزواجهن من غيرهن وهؤلاء محارم بسبب المصاهرة لا بسبب النسب .
المحارم من الأخوة وهم إخوانهن سواء أكانوا أخوة لأم وأب أو لأب فقط أو لأم فقط .
المحارم من بني إخوانهن وإن نزلوا من ذكران وإناث كبني بني الإخوان .
المحارم من بني أخواتهن وإن نزلوا من ذكران وإناث كبني بنات الأخوات .
العم والخال وهما من المحارم بالنسب ولم يذكروا في الآية الكريمة لأنهما يجريان مجرى الوالدين وهما عند الناس بمنزلة الوالدين .
وأما المحارم من الرضاع فهم مثل المحارم من النسب لما ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) رواه مسلم .
وأما المحارم من المصاهرة فهم الذين يحرم عليهم نكاحها على التأبيد مثل زوجة الأب وزوجة الابن وأم الزوجة فالمحرم بالمصاهرة بالنسبة لزوجة الأب هو ابنه من غيرها وبالنسبة لزوجة الابن هو أبوه وبالنسبة لأم الزوجة هو الزوج .المفصل في أحكام المرأة 3/161 - 162.
وبين الله سبحانه وتعالى المحرمات من النساء بقوله تعالى :( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ) سورة النساء الآيتان 22-23 .
ولم يقل الله سبحانه وتعالى:( وأخوات نسائكم ) وإنما قال :( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) فالأمر المحظور هو الجمع بين الأختين أي في الزواج ، وبهذا يظهر لنا بوضوح أن زوج الأخت ليس محرماً لأخت زوجته .
وبناءاً على ذلك فإن زوج الأخت يعتبر أجنبياً على أخت زوجته وتنطبق عليه جميع الأحكام المتعلقة بالأجانب من حيث النظر واللمس والدخول والخلوة فلا يجوز أن ينظر زوج الأخت من أخت زوجته إلى شيء سوى الوجه والكفين ولا يجوز له لمسها ولا مصافحتها ولا يجوز أن يخلو بها .
ولا يجوز لها أن تبدي زينتها أمام زوج أختها لقوله تعالى :( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءَابَائِهِنَّ أَوْ ءَابَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ) سورة النور الآية 31 .
وأخو الزوج ليس من هؤلاء المذكورين في الآية .
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم الرجال من الدخول على النساء وخاصة أخو الزوج فقد صح في الحديث عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إياكم والدخول على النساء . فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله أفرأيت الحمو؟قال : الحمو الموت ) رواه البخاري ومسلم .
قال الإمام النووي :[ قوله صلى الله عليه وسلم :( الحمو الموت ) قال الليث بن سعد : الحمو أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج : ابن العم ونحوه . اتفق أهل اللغة على أن الأحماء أقارب زوج المرأة كأبيه وأخيه وابن أخيه وابن العم ونحوهم ، والأختان أقارب زوجة الرجل والأصهار يقع على النوعين .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم :( الحمو الموت ) فمعناه أن الخوف منه أكثر من غيره والشر يتوقع منه والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي والمراد بالحمو هنا أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه فأما الآباء والأبناء فمحارم لزوجته تجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت وإنما المراد الأخ وابن الأخ والعم وابنه ونحوهم ممن ليس بمحرم .
وعادة الناس المساهلة فيه ويخلو بامرأة أخيه فهذا هو الموت وهو أولى بالمنع من الأجنبي … وقال ابن الأعرابي : هي كلمة تقولها العرب كما يقال : الأسد الموت . أي لقاؤه مثل الموت ، وقال القاضي : معناه الخلوة بالأحماء مؤدية إلى الفتنة والهلاك في الدين فجعله كهلاك الموت فورد الكلام مورد غليظ ] شرح النووي على صحيح مسلم 5/329 .
وقال أبو العباس القرطبي :[ وقوله :( الحمو الموت ) أي دخوله على زوجة أخيه يشبه الموت في الاستقباح والمفسدة أي فهو محرم معلوم التحريم وإنما بالغ في الزجر عن ذلك وشبهه بالموت لتسامح الناس في ذلك من جهة الزوج والزوجة لإلْفهم لذلك حتى كأنه ليس بأجنبي من المرأة عادة وخرج هذا مخرج قول العرب : الأسد الموت والحرب الموت أي لقاءه يفضي إلى الموت وكذلك دخول الحمو على المرأة يفضي إلى موت الدين أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج أو برجمها إن زنت معه ] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 5/501-502 .
ونقل الحافظ ابن حجر عن الطبري قوله :[ المعنى أن خلوة الرجل بامرأة أخيه وابن أخيه - أي زوجة ابن أخيه - تنزل منزلة الموت والعرب تصف الشيء المكروه بالموت ] فتح الباري 11/245 .
يسألونك فتاوى - (ج 4 / ص 123)
تحرم مصافحة المرأة الأجنبية
يقول السائل : في يوم العيد وأثناء زيارتنا للأقارب تخرج بعض النساء متبرجات ويمددن أيديهن للمصافحة فإذا لم نصافحهن يغضبن ونُعتبر عندهن من المتشددين ويقلن لنا هذا يوم عيد لا يجوز أن تزورونا بدون مصافحتنا ؟
الجواب : يجب أن يعلم أولاً أن أيام العيد هي أيام طاعة لله سبحانه وتعالى وذكرٍ له جل جلاله ففي هذه الأيام المباركة التي قال الله فيها :( وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ) سورة البقرة الآية 203 . وهي أيام التشريق . وقال النبي صلى الله عليه وسلم :( أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل ) رواه مسلم .
وأيام التشريق هي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة . قال الإمام النووي :[ وفي الحديث استحباب الإكثار من الذكر في هذه الأيام من التكبير وغيره ] شرح النووي على صحيح مسلم 3/209 .
وقد ورد عن طائفة من السلف التكبير في هذه الأيام المباركة مطلقاً ومقيداً بعد الصلوات الخمس وقد سبق أن بينت ذلك مفصلاً.
فهذه الأيام المباركة لا يجوز التحلل من الأحكام الشرعية فيها بحجة أنها أيام عيد وهذا مفهوم خاطئ لدى كثير من الناس بل يجب أن تزداد طاعتنا لله عز وجل في هذه الأيام المباركة الفاضلة .
وأما تبرج النساء فلا شك في تحريمه سواء كان في العيد أو في غير العيد بل هو مجمع على تحريمه ، يقول الله تعالى :( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَءَاتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ) سورة الأحزاب الآية 33 .
وقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسمنة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ) رواه مسلم
قال الإمام النووي : [ هذا الحديث من معجزات النبوة فقد وقع هذان الصنفان وهما موجودان وفيه ذم هذين الصنفين قيل : معناه كاسيات من نعمة الله عاريات من شكرها . وقيل : معناه تستر بعض بدنها وتكشف بعضه إظهاراً بحالها ونحوه . وقيل : معناه تلبس ثوباً رقيقاً يصف لون بدنها . وأما مائلات فقيل : معناه عن طاعة الله وما يلزمهن حفظه . مميلات أي يعلمن غيرهن فعلهن المذموم . وقيل : مائلات يمشين متبخترات مميلات لأكتافهن . وقيل : مائلات يمشطن المشطة المائلة ، وهي مشطة البغايا . مميلات يمشطن غيرهن تلك المشطة . ومعنى رؤوسهن كأسنمة البخت أن يكبرنها ويعظمنها بلف عمامة أو عصابة أو نحوهما ] شرح النووي على صحيح مسلم 5/291 .
ويجب على الآباء والأزواج والأولياء عامة منع بناتهم وزوجاتهم وأخواتهم من التبرج ومن قَبل تبرجهن فهو ديوث ينطبق عليه ما ورد في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ثلاثة قد حرّم الله عليهم الجنة مدمن الخمر والعاق والديوث الذي يُقر الخبث في أهله ) . رواه الإمام أحمد في مسنده
وفي رواية أخرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ثلاث لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة العاق والديه والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال والديوث ) رواه أحمد وذكر الشيخ الألباني أن حديث ابن عمر رواه النسائي والحاكم والبيهقي في سننه من طريقين صحيحين وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وأقرهما الألباني على ذلك . جلباب المرأة المسلمة ص 145 .
وعن عمار رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( ثلاثة لا يدخلون الجنة أبداً الديوث والرجلة من النساء ومدمن الخمر . قالوا : يا رسول الله أما مدمن الخمر فقد عرفناه فما الديوث ؟ قال : الذي لا يبالي من دخل على أهله . قلنا : فما الرَجُلة من النساء ؟ قال : التي تَشبَّهُ بالرجال ) رواه الطبراني والبيهقي في شعب الإيمان وهو حديث حسن ، وقال المنذري :[ رواه الطبراني ورواته لا أعلم فيهم مجروحاً وشواهده كثيره ] الترغيب والترهيب 3/214 . والديوث هو الذي يقر الخبث في أهله كما ورد مفسراً في حديث ابن عمر ، وقال ابن منظور :[ الديوث هو الذي لا يغار على أهله ] لسان العرب 4/456 ، وفسره به ابن الأثير في النهاية 2/147 .
وقال العلامة علي القاري :[ والديوث الذي يقر أي يثبت بسكوته على أهله أي من امرأته أو جاريته أو قرابته الخبث أي الزنا أو مقدماته وفي معناه سائر المعاصي كشرب الخمر وترك غسل الجنابه ونحوهما ، قال الطيبي: أي الذي يرى فيهن ما يسوءه ولا يغار عليهن ولا يمنعهن فيقر في أهله الخبث ] مرقاة المفاتيح 7/ 241 .
ويجب التحذير مما يحصل من بعض الرجال في العيد من دخولهم على النساء في البيوت وهن لوحدهن بحجة أنها زيارة يوم العيد فهذا لا يجوز شرعاً وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال في الحديث :( إياكم والدخول على النساء . فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت ) رواه البخاري ومسلم .
قال الإمام النووي [ وأما قوله صلى الله عليه وسلم :( الحمو الموت ) فمعناه أن الخوف منه أكثر من غيره والشر يتوقع منه والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي والمراد بالحمو هنا أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه . فأما الآباء والأبناء فمحارم لزوجته تجوز لهم الخلوة بها ولا يوصفون بالموت وإنما المراد الأخ وابن الأخ والعم وابنه ونحوهم ممن ليس بمحرم ، وعادة الناس المساهلة فيه ويخلو بامرأة أخيه فهذا هو الموت . وهو أولى بالمنع من الأجنبي لما ذكرناه فهذا الذي ذكرته هو صواب معنى الحديث ] شرح النووي على صحيح مسلم 5/329 .
وروى الإمام مسلم بسنده عن عبد الرحمن بن جبير أن عبد الله بن عمرو بن العاص حدثه أن نفراً من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس فدخل أبو بكر الصديق وهي تحته يومئذ - أي زوجته - فرآهم فكره ذلك فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : لم أر إلا خيراً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا يدخلن رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان ) .
قال الإمام النووي : [ المُغِيبة بضم الميم وكسر الغين المعجمة وإسكان الياء وهي التي غاب عنها زوجها والمراد غاب زوجها عن منزلها سواء غاب عن البلد بأن سافر أو غاب عن المنزل وإن كان في البلد هكذا ذكره القاضي وغيره وهذا ظاهر متعين . قال القاضي : ودليله هذا الحديث وأن القصة التي قيل الحديث بسببها وأبو بكر رضي الله عنهما غائب عن منزله لا عن البلد ، والله أعلم ] شرح النووي على صحيح مسلم 5/330 .
وأما مصافحة النساء الأجنبيات فهي حرام سواء في العيد أو غير العيد باتفاق العلماء والخلاف في ذلك شاذ غير معتبر بل مردود وقد دل على تحريم المصافحة أدلة كثيرة منها :
حديث عائشة رضي الله عنها قالت :( كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمتحنهن بقول الله تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ…) الخ الآية . قالت : من أقر بهذا الشرط من المؤمنات فقد أقر بالمحنة فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهن قال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلقن فقد بايعتكن . لا والله ما مست يد رسول الله يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام ) رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية للبخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت :( فمن أقرَّ بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بايعتك كلاماً . لا والله ما مست يده يد امرأة قط في المبايعة ، ما بايعهن إلا بقوله قد بايعتك على ذلك ).
وفي رواية أخرى لحديث عائشة عند ابن ماجة :[ ولا مست كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة قط وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن قد بايعتكن كلاماً ). صحيح سنن ابن ماجة رقم 2324.
قال الحافظ ابن حجر:[ قوله قد بايعتك كلاماً أن يقول ذلك كلاماً فقط لا مصافحة باليد كما جرت العادة بمصافحة الرجال عند المبايعة ] فتح الباري 10/261.
وعن أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها قالت :[ أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة نبايعه فقلن نبايعك يا رسول الله على أن لا نشرك بالله شيئاً ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف ، فقال رسول اللهصلى الله عليه وسلم ( فيما استطعتن وأطقتن ) ، قالت : فقلن الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا هلم نبايعك يا رسول الله . فقال :( إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة أو مثل قولي لامرأة واحدة )] رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة ومالك وأحمد وابن حبان والدار قطني ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح سنن الترمذي 4/152 . وقال الحافظ ابن كثير : هذا إسناد صحيح . تفسير ابن كثير 4/352.
وعن معقل بن يسار رضي الله عنهما أن رسول اللهصلى الله عليه وسلم قال :( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ) رواه الطبراني والبيهقي . قال المنذري :[ رجال الطبراني ثقات رجال الصحيح ]. الترغيب والترهيب 3/39 . وقال الشيخ الألباني :[ رواه الروياني في مسنده ، وهذا سند جيد رجاله كلهم ثقات من رجال الشيخين غير شداد بن سعيد فمن رجال مسلم وحده ، وفيه كلام يسير لا ينزل به حديثه عن رتبة الحسن … والمِخيَط بكسر الميم وفتح الياء ما يخاط به كالإبرة والمسلة ونحوهما . وفي الحديث وعيد شديد لمن مس امرأة لا تحل له ، ففيه دليل على تحريم مصافحة النساء لأن ذلك مما يشمله المس دون شك ]. سلسلة الأحاديث الصحيحة ، المجلد الأول ، الحديث رقم 326.
وخلاصة الأمر أن تبرج النساء في العيد وغيره حرام شرعاً ولا يجوز الدخول على النساء الأجنبيات منفردات وتحرم مصافحتهن وعلى الناس أن يتقوا الله في تصرفاتهم في أيام العيد وغيرها .
فتاوى ابن باز 1-18 - (ج 4 / ص 245)
الاختلاط والسفور
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه ويطلع عليه من إخواني المسلمين ، وفقني الله وإياهم لفعل الطاعات وجنبني وإياهم البدع والمنكرات .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد :
فمن واجب النصح والتذكير أن أنبه على أمر لا ينبغي السكوت عليه بل يجب الحذر منه والابتعاد عنه وهو الاختلاط الحاصل من بعض الجهلة في بعض الأماكن والقرى مع غير المحارم لا يرون بذلك بأسا ، بحجة أن هذا عادة آبائهم وأجدادهم وأن نياتهم طيبة ، فتجد المرأة مثلا تجلس مع أخي زوجها أو زوج أختها أو مع أبناء عمها ونحوهم من الأقارب بدون تحجب وبدون مبالاة ، ومن المعلوم أن احتجاب المرأة المسلمة عن الرجال الأجانب وتغطية وجهها وسائر مفاتنها أمر واجب دل على وجوبه الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح قال الله سبحانه وتعالى : وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ الآية ،
وقال تعالى : وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ الآية وقال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا والجلباب هو الرداء فوق الخمار بمنزلة العباءة .
قالت أم سلمة رضي الله عنها : ( لما نزلت هذه الآية خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها ) .
وفي هذه الآيات الكريمات دليل واضح على أن رأس المرأة وشعرها وعنقها ونحرها ووجهها مما يجب عليها ستره عن كل من ليس بمحرم لها وأن كشفه لغير المحارم حرام . ومن أدلة السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بإخراج النساء إلى مصلى العيد قلن : يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب ؟ فقال : النبي صلى الله عليه وسلم : " لتلبسها أختها من جلبابها رواه البخاري ومسلم فهذا الحديث يدل على أن المعتاد عند نساء الصحابة ألا تخرج المرأة إلا بجلباب .
فلم يأذن لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم بالخروج بغير جلباب . وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد معه نساء متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغلس وقالت : لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء ما رأينا لمنعهن من المساجد كما منعت بنو إسرائيل نساءها فدل هذا الحديث على أن الحجاب والتستر كان من عادة نساء الصحابة الذين هم خير القرون وأكرمها على الله عز وجل ، وأعلاها أخلاقا وأدبا وأكملها إيمانا وأصلحها عملا فهم القدوة الصالحة لغيرهم .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها فإذا جاوزونا كشفناه رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة ففي قولها : ( فإذا حاذونا ) تعني ( الركبان ) سدلت إحدانا جلبابها على وجهها دليل على وجوب ستر الوجه . لأن المشروع في الإحرام كشفه فلولا وجود مانع قوي من كشفه حينئذ لوجب بقاؤه مكشوفا .
وإذا تأملنا السفور وكشف المرأة وجهها للرجال الأجانب وجدناه يشتمل على مفاسد كثيرة منها : الفتنة التي تحصل بمظهر وجهها وهي من أكبر دواعي الشر والفساد ، ومنها زوال الحياء عن المرأة وافتتان الرجال بها .
فبهذا يتبين أنه يحرم على المرأة أن تكشف وجهها بحضور الرجال الأجانب ويحرم عليها كشف صدرها أو نحرها أو ذراعيها أو ساقيها ونحو ذلك من جسمها بحضور الرجال الأجانب ، وكذا يحرم عليها الخلوة بغير محارمها من الرجال وكذا الاختلاط بغير المحارم من غير تستر ، فإن المرأة إذا رأت نفسها مساوية للرجل في كشف الوجه والتجول سافرة لم يحصل منها حياء ولا خجل من مزاحمة الرجال وفي ذلك فتنة كبيرة وفساد عظيم وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم من المسجد وقد اختلط النساء مع الرجال في الطريق فقال النبي صلى الله عليه وسلم استأخرن فإنه ليس لكن أن تحتضن الطريق عليكن بحالات الطريق فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى أن ثوبها ليتعلق به من لصوقها . ذكره ابن كثير عند تفسير قوله تعالى : وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ
فيحرم على المرأة أن تكشف وجهها لغير محارمها بل يجب عليها ستره كما يحرم عليها الخلوة بهم أو الاختلاط بهم أو وضع يدها للسلام في يد غير محرمها وقد بين سبحانه وتعالى من يجوز له النظر إلى زينتها بقوله : وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أما أخو الزوج أو زوج الأخت أو أبناء العم وأبناء الخال والخالة ونحوهم فليسوا من المحارم وليس لهم النظر إلى وجه المرأة ولا يجوز لها أن ترفع جلبابها عندهم لما في ذلك من افتتانهم بها فعن عقبه بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال " الحمو الموت متفق عليه . والمراد بالحمو أخو الزوج وعمه ونحوهما وذلك لأنهم يدخلون البيت بدون ريبة ولكنهم ليسوا بمحارم بمجرد قرابتهم لزوجها وعلى ذلك لا يجوز لها أن تكشف لهم عن زينتها ولو كانوا صالحين موثوقا بهم؛ لأن الله حصر جواز إبداء الزينة في أناس بينهم في الآية السابقة وليس أخو الزوج ولا عمه ولا ابن عمه ونحوهم منهم ،
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم والمراد بذي المحرم من يحرم عليه نكاحها على التأبيد لنسب أو مصاهرة أو رضاع كالأب والابن والأخ والعم ومن يجري مجراهم .
وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك لئلا يرخي لهم الشيطان عنان الغواية ويمشي بينهم بالفساد ويوسوس لهم ويزين لهم المعصية . وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
ومن جرت العادة في بلادهم بخلاف ذلك بحجة أن ذلك عادة أهلهم أو أهل بلدهم فعليهم أن يجاهدوا أنفسهم في إزالة هذه العادة وأن يتعاونوا في القضاء عليها . والتخلص من شرها محافظة على الأعراض وتعاونا على البر والتقوى وتنفيذا لأمر الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم . وأن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى مما سلف منها وأن يجتهدوا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويستمروا عليه ولا تأخذهم في نصرة الحق وإبطال الباطل لومة لائم ولا يردهم عن ذلك سخرية أو استهزاء من بعض الناس فإن الواجب على المسلم اتباع شرع الله برضا وطواعية ورغبة فيما عند الله وخوف من عقابه . ولو خالفه في ذلك أقرب الناس وأحب الناس إليه .
ولا يجوز اتباع الأهواء والعادات التي لم يشرعها الله سبحانه وتعالى ، لأن الإسلام هو دين الحق والهدى والعدالة في كل شيء ، وفيه الدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال والنهي عما يخالفها .
والله المسئول أن يوفقنا وسائر المسلمين لما يرضيه ، وأن يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه جواد كريم . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
نشرة صدرت من مكتب سماحته بالرياض .
فتاوى ابن باز 1-18 - (ج 5 / ص 231)
الاختلاط بين الرجال والنساء
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه ويطلع عليه من إخواني المسلمين وفقني الله وإياهم لفعل الطاعات وجنبني وإياهم البدع والمنكرات . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . أما بعد :
فمن واجب النصح والتذكر أن أنبه على أمر لا ينبغي السكوت عليه بل يجب الحذر منه والابتعاد عنه وهو الاختلاط الحاصل من بعض الجهلة في بعض الأماكن والقرى مع غير المحارم لا يرون بذلك بأسا بحجة أن هذا عادة آبائهم وأجدادهم وأن نياتهم طيبة فتجد المرأة مثلا تجلس مع أخي زوجها أو زوج أختها أو مع أبناء عمها ونحوهم من الأقارب بدون تحجب وبدون مبالاة .
ومن المعلوم أن احتجاب المرأة المسلمة عن الرجال الأجانب وتغطية وجهها أمر واجب دل على وجوبه الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح ، قال الله سبحانه وتعالى : وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وقال تعالى : وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ الآية ، وقال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا والجلباب هو الرداء فوق الخمار بمنزلة العباءة . قالت أم سلمة رضي الله عنها : ( لما نزلت هذه الآية خرج نساء الأنصار كأن على رءوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها ) .
وفي هذه الآيات الكريمات دليل واضح على أن رأس المرأة وشعرها وعنقها ونحرها ووجهها مما يجب عليها ستره عن كل من ليس بمحرم لها وأن كشفه لغير المحارم حرام . ومن أدلة السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بإخراج النساء إلى مصلى العيد قلن يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب فقال النبي صلى الله عليه وسلم لتلبسها أختها من جلبابها رواه البخاري ومسلم . فهذا الحديث يدل على أن المعتاد عند نساء الصحابة ألا تخرج المرأة إلا بجلباب . فلم يأذن لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج بغير جلباب .
وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد معه نساء متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغلس وقالت : لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء ما رأينا لمنعهن من المساجد كما منعت بنوا إسرائيل نساءها فدل هذا الحديث على أن الحجاب والتستر كان من عادة نساء الصحابة الذين هم خير القرون وأكرمها على الله عز وجل ، وأعلاها أخلاقا وآدابا وأكملها إيمانا وأصلحها عملا ، فهم القدوة الصالحة لغيرهم .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها فإذا جاوزونا كشفناه رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة ففي قولها ( فإذا حاذونا ) تعني ( الركبان ) سدلت إحدانا جلبابها على وجهها دليل على وجوب ستر الوجه؛ لأن المشروع في الإحرام كشفه فلولا وجود مانع قوي من كشفه حينئذ لوجب بقاؤه مكشوفا .
وإذا تأملنا السفور وكشف المرأة وجهها للرجال الأجانب وجدناه يشتمل على مفاسد كثيرة منها الفتنة التي تحصل بمظهر وجهها وهي من كبر دواعي الشر والفساد ومنها زوال الحياء عن المرأة وافتتان الرجال بها . فبهذا يتبين أنه يحرم على المرأة أن تكشف وجهها بحضور الرجال الأجانب ويحرم عليها كشف صدرها أو نحرها أو ذراعيها أو ساقيها ونحو ذلك من جسمها بحضور الرجال الأجانب ، وكذا يحرم عليها الخلوة بغير محارمها من الرجال ، وكذا الاختلاط بغير المحارم من غير تستر ، فإن المرأة إذا رأت نفسها مساوية للرجل في كشف الوجه والتجول سافرة لم يحصل منها حياء ولا خجل من مزاحمة الرجال ، وفي ذلك فتنة كبيرة وفساد عظيم .
وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم من المسجد وقد اختلط النساء مع الرجال في الطريق فقال النبي صلى الله عليه وسلم : استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق عليكن بحافات الطريق فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى أن ثوبها ليتعلق به من لصوقها . ذكره ابن كثير عند تفسير قوله تعالى : وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ فيحرم على المرأة أن تكشف وجهها لغير محارمها بل يجب عليها ستره كما يحرم عليها الخلوة بهم أو الاختلاط بهم أو وضع يدها للسلام في يد غير محرمها وقد بين سبحانه وتعالى من يجوز له النظر إلى زينتها بقوله : وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
أما أخ الزوج أو زوج الأخت أو أبناء العم وأبناء الخال والخالة ونحوهم فليسوا من المحارم وليس لهم النظر إلى وجه المرأة ولا يجوز لها أن ترفع جلبابها عندهم لما في ذلك من افتتانهم بها فعن عقبة ابن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إياكم والدخول على النساءفقال رجل من الأنصار يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال الحمو الموت متفق عليه . والمراد بالحمو أخ الزوج وعمه ونحوهما؛ وذلك لأنهم يدخلون البيت بدون ريبة ولكنهم ليسوا بمحارم بمجرد قرابتهم لزوجها وعلى ذلك لا يجوز لها أن تكشف لهم عن زينتها ولو كانوا صالحين موثوقا بهم؛ لأن الله حصر جواز إبداء الزينة في أناس بينهم في الآية السابقة وليس أخ الزوج ولا عمه ولا ابن عمه ونحوهم منهم وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه : لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم والمراد بذي المحرم من يحرم عليه نكاحها على التأييد لنسب أو مصاهرة أو رضاع كالأب والابن والأخ والعم ومن يجرى مجراهم " .
وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك لئلا يرخي لهم الشيطان عنان الغواية ويمشي بينهم بالفساد ويوسوس لهم ويزين لهم المعصية . وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
ومن جرت العادة في بلادهم بخلاف ذلك بحجة أن ذلك عادة أهلهم أو أهل بلدهم فعليهم أن يجاهدوا أنفسهم في إزالة هذه العادة وأن يتعاونوا في القضاء عليها والتخلص من شرها محافظة على الأعراض وتعاونا على البر والتقوى وتنفيذا لأمر الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى مما سلف منها وأن يجتهدوا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويستمروا عليه ولا تأخذهم في نصرة الحق وإبطال الباطل لومة لائم ولا يردهم عن ذلك سخرية أو استهزاء من بعض الناس فإن الواجب على المسلم اتباع شرع الله برضا وطواعية ورغبة فيما عند الله وخوف من عقابه ، ولو خالفه في ذلك أقرب الناس وأحب الناس إليه . ولا يجوز اتباع الأهواء والعادات التي لم يشرعها الله سبحانه وتعالى؛ لأن الإسلام هو دين الحق والهدى والعدالة في كل شيء ، وفيه الدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال والنهي عما يخالفها .
والله المسئول أن يوفقنا وسائر المسلمين لما يرضيه وأن يعيذنا جميعا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه جواد كريم . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 11 / ص 485)
رضاع الكبير للحاجة!
المجيب د. محمد بن سليمان المنيعي
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/الرضاع
التاريخ 17/04/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
أردت أن أسأل عن حكم إرضاع الكبير لحاجة، وهي كثرة دخوله البيت للضرورة، وهل يحصل بذلك حرمة الرضاع كما للصغير؟ - وجزاكم الله خيراً-
الجواب
الرضاع المحرم، مص من دون الحولين لبناً ثاب عن حمل خمس رضعات، وعلى هذا فلا يحرم من الرضاع إلا من كان في الحولين، لقوله -تعالى-: "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة" [البقرة:233]، ولقوله - صلى الله عليه وسلم-: "لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي، وكان قبل الفطام" رواه الترمذي (1152) من حديث أم سلمة - رضي الله عنها -، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وغيرهم أن الرضاعة لا تحرم إلا ما كان دون الحولين، وما كان بعد الحولين الكاملين فإنه لا يحرم شيئاً، ا.هـ.
وأما حديث أبي حذيفة -رضي الله عنه - حين تبنى غلاماً يسمى سالماً - رضي الله عنه - فلما صارت امرأته يشق عليها دخول هذا الغلام الذي كبر استفتت النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: "أرضعيه تحرمي عليه" رواه البخاري (5088) ومسلم (1453) من حديث عائشة - رضي الله عنها - ، فهذا منسوخ بما تقدم، وقيل: إنه خاص بسالم - رضي الله عنه -، وقيل: إنه عام محكم، وعلى القول بأنه عام محكم، فإنه يكون فيمن يكون حاله كحال سالم - رضي الله عنه -، وهو أمر غير موجود قطعاً؛ لأن الشرع قد أبطل التبني، ولهذا لما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والدخول على النساء" قالوا: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: "الحمو الموت" رواه البخاري (5232) ومسلم (2172) من حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - ولو كان إرضاع الكبير مؤثراً لقال: الحمو ترضعه زوجة أخيه، فلما لم يوجه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى هذا علم أن إرضاع الكبير بعد إبطال التبني لا يمكن أن يكون له أثر.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 12 / ص 302)
ضوابط معالجة الطبيب للمرأة
المجيب د. فهد بن عبدالرحمن اليحيى
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ قضايا المرأة /مسائل متفرقة
التاريخ 08/10/1425هـ
السؤال
هل هناك أسانيد من القرآن والسنة تؤكد وتحض المسلمات على الذهاب إلى طبيبات من النساء، وليس من الرجال، للولادة ما وجدت النساء؟ أرجوكم أريد إرسال هذه الأحاديث أو الآيات لي، وجزاكم الله خيرًا، أفيدونا.
الجواب
الحمد لله، وبعد:
إن قضية تعامل المرأة مع الرجل الأجنبي في الشريعة الإسلامية واضحة محسومة ودلائلها كثيرة، ولكون السؤال هو عن معالجة الرجل للمرأة، سواء للتوليد أو لغيره، فإننا نقول إن معاملة الطبيب للمرأة هي تعامل رجل أجنبي لامرأة أجنبية منه، ولذا فإننا سنذكِّر بالأدلة التي تمنع اختلاط الرجل بالمرأة ومسه إياها وخلوته بها ونحو ذلك:
فمن القرآن آيات منها: قوله تعالى في سورة النور: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ)[النور: من الآية31]. وفي آخرها قال سبحانه: (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ)[النور: من الآية31]. وقوله سبحانه في شأن نساء النبي عليه السلام: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)[الأحزاب: من الآية32-33]. وقوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ)[الأحزاب: من الآية59].
وأما من السنة: فمن ذلك ما في الصحيحين البخاري (3006) ومسلم (1341)، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَخْلُوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ إلاَّ ومعَها ذُو مَحْرَمٍ... "الحديث.
ومنها حديث عقبة بن عامر، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إيَّاكم والدُّخولَ على النساءِ". فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحَمو؟ قال: "الحَمُو المَوْتُ". متفق عليه: عند البخاري (5232) ومسلم (2172). والحمو هو: قريب الزوج كأخي الزوج وعمه وابن عمه.
ومنها حديث عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المَرأةُ عَوْرَةٌ فإذا خرَجتِ اسْتَشْرَفَها الشَّيطانُ". أخرجه الترمذي (1173) وحسنه، كما أخرجه ابن حبان في صحيحه (5598) وابن خزيمة في صحيحه (1685)، وصححه الألباني والأرناؤوط.
ومن هذه الآيات والأحاديث نستطيع أن نتبين القواعد والأحكام التي على وفقها يكون تعامل الرجل مع المرأة الأجنبية منه والعكس:
(1) الأصل في المرأة ألا تبدي من زينتها إلا ما ظهر منها، وهي الثياب الظاهرة والعباءة ونحو ذلك، مما لا يمكن ستره، وعلى القول الآخر أنه الوجه والكفان، فلا يجوز لها أن تبدي أكثر من ذلك من شعر أو نحر، أو ذراع، أو ساقين، وإن كان الأرجح هو القول الأول.
(2) أن الأصل في المرأة أن جميع بدنها عورة، كما في حديث ابن مسعود، رضي الله عنه، السابق؛ ولذا فلا يجوز أن يبدو منها إلا ما استثني للنساء وللمحارم.
(3) أن الله تعالى أمر بالحجاب والجلباب وهما ما تختمر به المرأة، ومعنى هذا أن المرأة لا تكون عند رجل ليس محرمًا منها بغير ذلك.
(4) أن الله تعالى نهى المرأة أن تضرب برجلها الأرض حتى لا يسمع صوت الخلخال (وهو الحلي من القدم)، وهذا يدل على أن المرأة يجب أن تبتعد عن الرجل مخافة تأثره بها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، ويدل عليه حديث: "مَا ترَكتُ بعدي فتنةً أضَرَّ عَلَى الرِّجالِ مِن النِّساءِ". رواه البخاري (5096) ومسلم (2740)، من حديث أسامة بن زيد، رضي الله عنهما.
(5) أن خلوة الرجل بالمرأة لا تجوز، فكيف بمماسَّته إياها؟
وعلم من هذا كله أن معالجة الطبيب الرجل للمرأة في الأصل لا تجوز أبدًا إذا تضمنت ما نهى الله عنه مما تقدم، ولإيضاح ذلك فيما يتعلق بالطبيب فأشير إلى أمثلة:
(1) خلوة الطبيب بالمرأة سواء من العيادة في الغرفة وحدهما دون وجود محرم، أو على أقل الأحوال امرأة أخرى كالممرضة (المأمونة)، أو كان ذلك في غرف التنويم إذا كانت المرأة في غرفة منفردة.
(2) حرمة مس الرجل للمرأة بأي سبب وفي أي موضع، ويفحش ويغلظ تحريمه كلما كان في موضع أكثر فتنة وأغلظ في العورة.
(3) حرمة نظر الطبيب إلى المرأة فيما يحرم عليه النظر إليه، كجميع بدن المرأة، أو عند بعضهم جميع البدن ما عدا الوجه والكفين، كنظره إلى رقبتها، أو صدرها، أو ظهرها، أو بطنها, فهو محرم، وإن لم يتضمن مُمَاسَّة.
(4) توليد الرجل للمرأة، وهذا أغلظ ما يمكن تصوره؛ لأنه نظر إلى العورة المغلظة جدًّا، بل ومس لها.
(5) مثل ذلك إجراء العمليات للنساء من قبل الرجال.
إذًا فهذا هو الأصل في معاملة الطبيب للمرأة؛ أنه يحرم عليه ما يحرم على غيره من الرجال وفق الأدلة السابقة.
وليس في الأدلة ما يخص رجلاً دون غيره إلا الزوج لزوجته، والسيد لأمته التي تسرَّى بها، فكل منهما يرى من امرأته كل شيء كما لا يخفى.
وكذلك مما استثني من المحارم، وإنما يجوز لهم ما يظهر غالبًا كالوجه، والشعر، والنحر، وأطراف الذراعين، والساقين، دون ما فوق ذلك على الصحيح من أقوال أهل العلم، كما هو ظاهر آية سورة النور، وأما الطبيب فإنه لم يستثن، ولكن الطبيب إنما نأخذ حكمه من قواعد الضرورة والحاجة التي ذكرها الفقهاء، وهي قواعد مستندة إلى أدلة شرعية ومنها ما يلي:
(1) قاعدة: الضرورات تبيح المحظورات.
(2) قاعدة: الضرورة تقدر بقدرها.
فإذًا متى يجوز للطبيب أن يرتكب شيئًا من المحظورات التي أشرنا إليها؟ الجواب: عند الضرورة فقط أو الحاجة الشديدة التي تنزل منزلة الضرورة، وهذا لا يتحقق أبدًا مع وجود طبيبة من النساء، إذ لا ضرورة إلى الرجل في هذه الحالة، فإذا وجدت طبيبة مسلمة فهي التي يجب أن تعالج المسلمات، فإذا لم توجد فيجوز أن نقدم بذلك المرأة غير المسلمة المأمونة، فإذا لم توجد امرأة مسلمة ولا غير مسلمة فحينئذ نلجأ إلى الطبيب الرجل بشرط كونه مسلمًا، فإذا لم يوجد مسلم جاز حينئذ أن نولي علاج المرأة طبيبًا كافرًا للضرورة، فعلم من هذا أن توليد الرجل للمرأة لا يجوز إلا حين تعذر وجود النساء مطلقًا، وأن يكون بعدم وجود المرأة في تلك الساعة فقد لا يعد عذرًا إلا إذا لم يمكن تأجيل العملية، أو نقل المرأة إلى مستشفى آخر، وإذا طلب الولي- من زوج أو أب أو غيرهما- إذا طلب أن يكون توليد موليته من امرأة فإن ذلك حق له وحق للمرأة والأصل ألا يرد، وحين يكون ذلك مطلبًا اجتماعيًّا، أو كما يقال شعبيًّا، فإن هذه المستشفيات ستوفر طاقمًا نسائيًّا للتوليد.
وأما القاعدة الثانية فإننا نعمل بها حين نلجأ لمعالجة الرجل للمرأة للضرورة فنقول: إن الضرورة تقدر بقدرها. فنظر الطبيب لا ينبغي أن يتعدى موضع الحاجة، وكذلك مسه للمرأة ونحو ذلك، فلا داعي للطبيب حين نضطر لكونه يجري عملية لامرأة في رقبتها مثلاً أن يرى جميع جسمها أو أن يرى طبيب العيون جميع وجهها وهو يستطيع الكشف عن عينها فقط، أو يضع الطبيب مثلاً جهاز الأشعة على بطنها مع إمكانية أن تضعه الممرضة..وهكذا.
وفي الختام لعل من المناسب أن ننقل فتوى لسماحة الشيخ محمد إبراهيم- رحمه الله- مفتي الديار السعودية سابقًا حيث سئل عن كشف الأطباء على عورات النساء للعلاج وخلوتهن بهن، فأجاب- رحمه الله: أولاً: أن المرأة عورة، ومحل مطمع للرجال بكل حال، فلهذا لا ينبغي لها أن تمكن الرجال من الكشف عليها أو معالجتها. ثانيًا: إذا لم يوجد الطبيبة المطلوبة فلا بأس بمعالجة الرجل لها، وهذا أشبه بحال الضرورة، ولكنه يتقيد بقيود معروفة؛ ولهذا يقول الفقهاء: الضرورة تقدر بقدرها؛ فلا يحل للطبيب أن يرى منها أو يمس ما لا تدعو الحاجة إلى رؤيته أو مسه، ويجب عليها ستر كل ما لا حاجة إلى كشفه عند العلاج. ثالثًا: مع كون المرأة عورة، فإن العورة تختلف؛ فمنها عورة مغلظة، ومنها ما هو أخف من ذلك، كما أن المرض الذي تعالج منه المرأة قد يكون من الأمراض الخطرة التي لا ينبغي تأخر علاجها، وقد يكون من العوارض البسيطة التي لا ضرر في تأخر علاجها حتى يحضر محرمها ولا خطر، كما أن النساء يختلفن، فمنهن القواعد من النساء، ومنهن الشابة الحسناء، ومنهن ما بين ذلك، ومنهن من تأتي وقد أنهكها المرض، ومنهن من تأتي إلى المستشفى من دون أن يظهر عليها أثر المرض، ومنهن من يعمل لها بنج موضعي أو كلي، ومنهن من يكتفي بإعطائها حبوبًا ونحوها، ولكل واحدة من هؤلاء حكمها.
وعلى كلٍّ فالخلوة بالمرأة الأجنبية محرمة شرعًا، ولو للطبيب الذي يعالجها؛ لحديث : "مَا خَلَا رجلٌ بامرأةٍ إلَّا كان الشَّيطانُ ثَالِثَهما". انظر ما رواه الترمذي (2165) وابن ماجة (2363)، من حديث عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فلابد من حضور أحد معها سواء كان زوجها أو أحد محارمها الرجال، فإن لم يتهيأ، فلو من أقاربها النساء، فإن لم يوجد أحد ممن ذكر وكان المرض خطيرًا لا يمكن تأخيره فلا أقل من حضور الممرضة ونحوها تفاديًا من الخلوة المنهي عنها. انتهى كلامه رحمه [فتاوى محمد بن إبراهيم (9/12-13)].
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 13 / ص 191)
صلة زوجة الأخ
المجيب د. سليمان بن وائل التويجري
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ البر والصلة/حقوق الوالدين والأقارب والأرحام
التاريخ 19/6/1424هـ
السؤال
هل زوجة الأخ تعتبر من الرحم؟ أي هل هي من صلة الرحم التي يجب عليّ أن أصلها، حيث إنه حدثت مشكلة بيني وبين زوجة أخي، وأنا الآن لا أكلمها هل هذا يعني أني قاطع رحم؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
نقول: زوجة الأخ ليست من ذوات الأرحام، فذوو الأرحام الذين تجتمع أنت وإياهم برحم واحدة من أب، أو أم أو جد، أو جدة، لكن أولادها هم أولاد أخيك، فهم من ذوي رحمك، وأما زوجة أخيك فليست من ذوي الأرحام.
وأحب أن أنبه في هذه المناسبة أن الإنسان ينبغي له أن يبتعد عن الخلوة بزوجة الأخ، وأخت الزوجة ونحوهم، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"إياكم والدخول على النساء" فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو، والحمو هو: قريب الزوج-، قال:"الحمو الموت" رواه البخاري (5232)، ومسلم (2172)، من حديث عقبة بن عامر -رضي الله عنه- فينبغي للإنسان أن ينتبه لهذا، فلا يكون حديثه مع زوجة أخيه، أو يخلو بها أو شيء من هذا، ليس له الحق في شيء من ذلك، ولا يجوز له، أما إذا كان حديثاً من وراء حجاب بالهاتف أو من وراء حائل أو بحضور محرمها بدون ابتذال وكلام يحتاج إليه لتوضيح أمر، أو كلام ونحوه من دون خضوع من المرأة بالقول ونحوه فلا بأس، والله أعلم.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 17 / ص 371)
أبي يرفض زواجي !!
المجيب عبد الرحمن بن عبد العزيز المجيدل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/ قبل الزواج/تأخر الزواج وعقباته
التاريخ 24-7-1424
السؤال
أنا شاب عمري 22 عاماً ،جميل الهيئة، مشكلتي أنني أعمل في عمل مختلط بالجامعة ، والفتن كثيرة حوالي ، وقد كنت أعقد علاقات غرامية محرمة مع الطالبات، ولكن الحمد لله تبت عن هذا العمل .والآن عرفت فتاة متدينة خلوقة وأريد العفاف وحفظ الدين بالزواج منها ولكن أبي يرفض ذلك بتاتاً بحجة صغر السن.
ماذا عليَّ أن أعمل ؟ أرشدوني وفقكم الله.
الجواب
أيها الأخ المبارك السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قرأت رسالتك، وإليك الجواب: مشكلتك لها ثلاث جهات.
أولاً: أنت عملك في سلك نسائي وهناك اختلاط ولك ماض غير مناسب فالحذر والحرص على الابتعاد عن النار خشية الاحتراق، والنصوص النبوية صريحة وواضحة في الفصل بين الجنسين، منها أن المرأة نهيت أن تحقق الطريق فلا تمشي في وسطه، ومنها أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يترك باباً للنساء في مسجده، ولا يزال يسمى باب النساء في المسجد النبوي ، وكان يتأخر في الاستدارة على المؤمنين حتى تخرج النساء بعد صلاته - صلى الله عليه وسلم -، ونهى عن الدخول على النساء ولو كان من قرابات الزوج "إياكم والدخول على النساء " قال أصحابه أرأيت الحمو؟ قال: "الحمو الموت"، ونهى الواحد أن يدخل على المغيبة (وهي التي غاب عنها زوجها)، ونهى عن الاختلاط "ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما"، ونهيت المرأة عن السفر بغير محرم، فهذه النصوص مع قوله "ما تركت فتنة أضر على الرجال من النساء" تحتم عليك وإن لم يكن في عملك خلوة بواحدة إلا أن ماضيك وصفتك وصفة من يعمل معك كما ذكرت تجعل من الحزم الأخذ بالحيطة وعدم حسن الظن بالنفس، فالحذر الحذر والخشية الخشية.
وأما موقفك من الوالد فالطاعة والبر هو الواجب عليك، ولعل من يتولى تمرير طلبك غيرك من العائلة ويشرح حاجتك لذلك، فلعل ولعل هذا إذا كان الوالد مقتدراً، وأما مع العجز فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فإن تمكنت من الزواج أثناء الدراسة فنعما هي وإن تكن الأخرى فقد صبر من هو أشد منك قوة وفحولة وحبا للنساء، وأحسن منك شكلاً، فلذ بالله واعتصم به، وخذ نفسك بطرق الخير، وألزم نفسك مع رفقة صالحة تحفظك وتعينك، واعلم أن من دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله فهو مع السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه، وقوِّ عزيمتك، واقرأ بتمعُّن سورة يوسف مع تفسيرها، حفظك الله وحفظ لك.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 18 / ص 83)
زوجي يريد أن يُسِكن أخاه معنا
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/ المشكلات الزوجية/مشكلات الاختلاف بين الزوجين في العادات التعليم
التاريخ 8/8/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أريد أن أشرح مشكلتي، ولا أدري هل هي مشكلة في نظري أنا وحدي أم لا. أنا والحمد لله امرأة متزوجة، وأبلغ من العمر 26 سنة، ورزقني الله بطفلين والحمد لله، ونحن عائلة بسيطة، نصوم ونصلي، ونعبد الله والحمد لله، طلب مني زوجي منذ فترة أن يسكن أخاه الأصغر منه سناً (23) سنة، معنا في نفس الشقة، علماً أن بيتنا مقسَّم إلى غرفة نوم، وغرفة طعام، والصالون، أي البيت ليس كبيراً؛ بل هو والحمد لله يكفيني أنا وزوجي وولديَّ.
من جهتي أنا رفضت هذا الموضوع وغضبت كثيراً من زوجي، علماً أنني متحجبة، وأنا أرتدي الحجاب الشرعي أمام إخوة زوجي، وتعليل زوجي على هذا الموضوع أن أخوه لم يجد عملاً مناسباً بعد، وحتى وإن وجد عملاً من وجهة نظر زوجي أن يوفر الأموال التي سوف يدفعها لاستئجار بيت آخر، أفيدوني أفادكم الله، لأن هذا الموضوع أحدث خلافاً كبيراً بيني وبين زوجي، حيث لمح لي بأنني لست الزوجة المطيعة التي تساعد زوجها وقت الأزمات.
الجواب
أجاب عن السؤال الشيخ/ خالد حسين عبد الرحمن
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
إلى الأخت إيمان: - زادنا الله وإياك إيماناً وتقى- .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بداية أشكر لك ثقتك البالغة واتصالك بنا عبر موقع الإسلام اليوم، ونتمنى منك دوام الاتصال والمراسلة عبر الموقع.
لقد قرأت رسالتك أكثر من مرة وسرني جداً التزامك بشرع الله وتحجبك عن الرجال الأجانب عنك، زادك الله حرصاً وثباتاً على الحق آمين.
وفي الوقت نفسه ساءني جداً موقف زوجك، لكن يبدو أن زوجك - حفظه الله - صاحب قلب طيب ويحب أخاه، وهذا مطلوب، وكذلك هو لا يدري عن الحكم الشرعي وما يترتب على وجود أخيه معكم، وخصوصاً وأن منزلكم لا يتسع لأحد غيركم، فلعلك تلتمسين له العذر، وسيكون لي معه كلام بعد قليل إن شاء الله تعالى.
ولكن بالنسبة لك أنت فلا تغيِّري موقفك من رفضك لإتيان أخي زوجك ليجلس معكما في المنزل، ولكن عليك أن تكلِّمي زوجك بحسن خلق ومودة، وحاولي إقناعه بالتي هي أحسن، وذلك عن طريق إحضار بعض الكتب والرسائل الدعوية التي تتناول هذا الموضوع، وكذلك عن طريق الشرائط الإسلامية التي تتحدث عن هذا الموضوع أيضاً، وعن طريق استفتاء بعض المشايخ عندكم، ويسمع زوجك ذلك حتى يقتنع، ويعلم سبب رفضك لهذا الموضوع؛ لأن الشرع الحنيف يحرِّم ذلك.
وحاولي أن لا تزيد الفجوة بينك وبين زوجك وأكثري الدعاء والاستغفار والتضرع إلى الله أن يزيل هذه المشكلة، ويتفهم زوجك الأمر، ونسأل الله لنا ولك ولكل مسلم التوفيق والسداد.
همسة في أذن الزوج:
الرجاء أن يطَّلع زوجك على هذه الكلمات عسى الله أن ينفعه بها:
أيها الزوج الطيب المبارك: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أود أن أهمس في أذنك ببعض الكلمات فأرعني سمعك يا رعاك الله.
أخي: يا من منَّ الله عليه بزوجة صالحة نحسبها كذلك إن شاء الله ولا نزكي على الله أحداً - رزقك الله بزوجة ملتزمة بشرع الله، وتلتزم بالحجاب الشرعي في زمن كثر فيه الفتن والمغريات، وخصوصاً من جهة النساء، فاحمد الله على هذه النعمة واعمل على صيانتها وشجعها على طريق الالتزام والتحجب والتستر عن أعين الرجال الأجانب عنها، لأنها ملك لك وحدك لا يحق لأحد أن يرى منها شيئاً إلا محارمها وفي حدود، أما أنت فلك أن ترى منها كل شيء.
فزوجتك الفاضلة تعتب عليك أنك تريد أن تأتي بأخيك الشاب، والذي يبلغ من العمر 23سنة، لكي يسكن معكم في منزلكم المبارك، وكلما علمت من زوجتك أن المنزل لا يسع غيركما بالنسبة للإقامة الدائمة، ولكنك غضبت منها، لأنك تريد أن تساعد أخيك، وهذا بالفعل أمر طيب وشعور نبيل منك أن تشعر بأخيك وتعطف عليه وتبر به، فهذا أمر تحمد عليه، لكن لا يترتب على ذلك مخالفة شرعية، ربما يحدث من جرائها عواقب لا يحمد عقباها.
أخي: لك الحق أن تسأل وتقول: ما هي المخالفة الشرعية يا شيخ التي تحدث من وجود أخي في البيت معنا؟ فأنا أخوه وزوجتي مثل أخته ما الغريب في ذلك؟.
أقول لك: هو أخوك نعم، أما زوجتك فهي أجنبية عنه ولا يحل له ولا لها أن يحدث بينهم خلوة إلا في وجودك، أو وجود محرم لها من أب أو أخ، أو ابن بالغ وما في حكمهم هذا أمر، الأمر الثاني: لا يحل له أن يراها ولا ينظر إليها، وهي كذلك لا يحل لها أن تكشف وجهها أمامه، لأن هذا حرام شرعاً، وبالتأكيد هي لا تجلس في بيتها على طول الوقت مرتدية حجابها، فالمرأة في بيتها لا بد وأن تأخذ راحتها مع نفسها ومع زوجها أظن أن كلامي صحيح.
ربما تقول: أنا أثق في زوجتي وفي أخي، أقول لك: الثقة شيء وشرع الله شيء آخر، لا نقول لك بأنك لا تثق في زوجتك وأخيك، ولكن نقول لك استجب لشرع الله، وإليك حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- والذي يرد على جميع تساؤلاتك: عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت" متفق عليه أخرجه البخاري(5232)، ومسلم(2172).
والحمو أي قريب الزوج كأخيه، وابن أخيه، وابن عمه، وابن خاله... إلخ..
فالنبي - صلى الله عليه وسلم- شبه دخول الحمو الذي هو قريب الزوج على امرأة الزوج بالموت، أي أنه شر عظيم وبلية ومصيبة كبيرة كالموت، لذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "ما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما" أخرجه الترمذي(2165)، من حديث عمر - رضي الله عنه- وقال حديث حسن صحيح غريب، وصححه الألباني وعن ابن عباس - رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم" متفق عليه أخرجه البخاري(5223،3061،3003،1862)،ومسلم(1341).
فيا أخي الكريم هذا شرع الله، وهذا حكم الله ورسوله، فلا يسعك بعد ذلك إلا أن تقول سمعت وأطعت يا رب؛ لأن هذا من خصال المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله قالوا سمعنا وأطعنا، فلا تغضب من زوجتك، بل يجب عليك أن يزداد حبك لها ورحمتك بها، وكذلك لا تتخلَّ عن أخيك فمن حين لآخر يزورك في البيت في وقت الإجازة الأسبوعية مثلاً، أو في المناسبات، وأنت كن دائماً على اتصال به، وبين له كذلك الحكم الشرعي، وأن هذا شرع الله، وحكم الله ورسوله حتى لا يغضب وتطيِّب خاطره، وبهذا تكون أرضيت ربك، ولم تغضب أخيك منك، ولم يحدث نفرة ومشاكل بينك وبين زوجتك، وفي الختام أقول لك استمع إلى قول الله تعالى وهو يخاطب الصحابة الكرام - رضوان الله عليهم جميعاً-: "وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن" [الأحزاب:53]، فهذا الخطاب الرباني موجه إلى صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهم من هم أطهر الناس قلوباً وأنقاهم سريرة وأحسنهم نية وأفضلهم طوية ظاهرهم يخبرك عن باطنهم، ومع هذا كله يقول لهم سبحانه إذا أردتم شيئاً من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم- أو من غيرهن فلا تسألهون إلا من وراء حجاب؛ وذلك صيانة لقلوبكم وقلوبهن من الزيغ والفتنة والضلال، فإذا كان هذا في حق هؤلاء فمن باب أولى أن يكون ذلك في حقنا نحن مع فساد الزمن وكثرة الفتن هنا وهناك.
أخي الكريم أود منك بعد قراءتك لهذه الكلمات أن تصطلح مع زوجتك وتعود المحبة والإلفة بينكما مرة أخرى.
هذا والله أعلم، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 2 / ص 78)
حكم سكن المرأة مع رجل أجنبي عنها رقم الفتوى:10146تاريخ الفتوى:16 جمادي الثانية 1422السؤال : هل يجوز أن تمكث المرأة المسلمة عند الكافر؟
الفتوى : الحمد لله وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فيحرم على المرأة المسلمة الخلوة بالرجل الأجنبي عنها ، ولو كانت الخلوة لعبادة كالصلاة ، وقراءة القرآن ونحوهما. لما في ذلك من المفاسد الكبيرة ، منها حضور الشيطان ووسوسته لهما ، وسعيه لإيقاعهما في المعصية. وقد جاءت الأحاديث النبوية الصحيحة محرمة لذلك. ومنها ما رواه البخاري ومسلم عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والدخول على النساء " فقال رجل من الأنصار أفرأيت الحمو؟ قال:" الحمو الموت" وما روياه أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم" وما رواه أحمد والحاكم أن رسول الله صلى الله قال:" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم ، فإن ثالثهما الشيطان". وإذا كان هذا في مجرد خلوة قد تكون عابرة ، فإن سكن المسلمة مع الأجنبي عنها أولى بالتحريم ، بل إن السكن يكون محرماً ، -وإن كان معها محرم- إذا لم يكن السكن واسعاً بحيث لا يطلع أحدهما على الآخر. قال زكريا الأنصاري: " عُلِم جواز خلوة الرجل بالأجنبية مع المحرم ، وامتناع مساكنته إياها معه ، إلا عند تعدد الحجر ، أو اتساعها بحيث لا يطلع أحدهما على الآخر" انتهى.
فإذا كان سكنها مستقلاً عن سكن الأجنبي وإن لاصقه فلا حرج في ذلك ، لكن بشرط عدم اتحاد المرافق بينهما ، كالممر والمطبخ أو الخلاء ونحو ذلك ، قال ابن حجر الهيتمي : " فإذا سكنت المرأة مع أجنبي في حجرتين ، أو في علو وسفل ، أو دار وحجرة ، اشترط أن لا يتحدا في مرفق ، كمطبخ ، أو خلاء ، أو بئر ، أو ممر ، أو سطح ،أو مصعد ، فإن اتحدا في واحد مما ذكر حرمت المساكنة ، لأنها حينئذ مظنة الخلوة المحرمة ، وكذا إن اختلفا في الكل ولم يغلق ما بينهما من باب أو يسد ، أو أغلق لكن ممر أحدهما على الآخر ، أو باب مسكن أحدهما في مسكن الآخر " انتهى.
وإذا كانت المسلمة يحرم عليها الخلوة بالمسلم الأجنبي عنها ، وكذلك مساكنته إلا بما ذكر ، فكيف بالكافر؟! فلا شك أن الخلوة به ومساكنته أعظم حرمة ، وأكبر جرماً ، إلا إذا كان هذا الكافر محرماً لها من جهة النسب ، فيجوز لها ذلك ، لكن لا ولاية له عليها ، هذا إذا كان القصد من السؤال هو ما ذكرناه.
أما إذا كان القصد منه هو بقاء المرأة بعد إسلامها مع زوجها الباقي على كفره ، فالجواب هو: أنه إن كان إسلامها قبله وقبل أن يدخل بها تعجلت الفرقة ، سواء كان زوجها كتابياً أو كان غير كتابي. إذ لا يجوز لكافر نكاح مسلمة. قال ابن المنذر : "أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم ، وإن كان إسلامها بعد أن دخل بها ، فقال أبو حنيفة ومالك: عرض الإسلام عليه فإن أبى وقعت الفرقة. وقال أبو حنيفة: إن كانا في دار الحرب وقف ذلك على انقضاء عدتها.أما عن مذهبي الشافعي وأحمد فقد قال ابن قدامة في المغني: "إذا كان إسلام أحدهما بعد الدخول ففيه عن أحمد روايتان: إحداهما يقف على انقضاء العدة فإن أسلم الآخر قبل انقضائها فهما على النكاح، وإن لم يُسلم حتى انقضت العدة وقعت الفرقة منذ اختلف الدينان، فلا يحتاج إلى استئناف العدة، وهذا قول الزهري والليث والحسن بن صالح والأوزاعي والشافعي وإسحاق ونحوه عن مجاهد وعبد الله بن عمر ومحمد بن الحسن" ا.هـ
والرواية المذكورة عن أحمد هنا هي المذهب كما ذكره المرداوي في الإنصاف.
ولا نعلم أحداً من أهل العلم أجاز أن تبقى المرأة المسلمة في عصمة الكافر.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 2 / ص 80)
حكم بقاء المسلمة في عصمة الكافر رقم الفتوى:10147تاريخ الفتوى:16 جمادي الثانية 1422السؤال : هل يجوز أن تمكث المرأة المسلمة عند الكافر؟
الفتوى : الحمد لله وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فيحرم على المرأة المسلمة الخلوة بالرجل الأجنبي عنها ، ولو كانت الخلوة لعبادة كالصلاة ، وقراءة القرآن ونحوهما. لما في ذلك من المفاسد الكبيرة ، منها حضور الشيطان ووسوسته لهما ، وسعيه لإيقاعهما في المعصية. وقد جاءت الأحاديث النبوية الصحيحة محرمة لذلك. ومنها ما رواه البخاري ومسلم عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والدخول على النساء " فقال رجل من الأنصار أفرأيت الحمو؟ قال:" الحمو الموت" وما روياه أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم" وما رواه أحمد والحاكم أن رسول الله صلى الله قال:" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم ، فإن ثالثهما الشيطان". وإذا كان هذا في مجرد خلوة قد تكون عابرة ، فإن سكن المسلمة مع الأجنبي عنها أولى بالتحريم ، بل إن السكن يكون محرماً ، -وإن كان معها محرم- إذا لم يكن السكن واسعاً بحيث لا يطلع أحدهما على الآخر. قال زكريا الأنصاري: " عُلِم جواز خلوة الرجل بالأجنبية مع المحرم ، وامتناع مساكنته إياها معه ، إلا عند تعدد الحجر ، أو اتساعها بحيث لا يطلع أحدهما على الآخر" انتهى.
فإذا كان سكنها مستقلاً عن سكن الأجنبي وإن لاصقه فلا حرج في ذلك ، لكن بشرط عدم اتحاد المرافق بينهما ، كالممر والمطبخ أو الخلاء ونحو ذلك ، قال ابن حجر الهيثمي : " فإذا سكنت المرأة مع أجنبي في حجرتين ، أو في علو وسفل ، أو دار وحجرة ، اشترط أن لا يتحدا في مرفق ، كمطبخ ، أو خلاء ، أو بئر ، أو ممر ، أو سطح ،أو مصعد ، فإن اتحدا في واحد مما ذكر حرمت المساكنة ، لأنها حينئذ مظنة الخلوة المحرمة ، وكذا إن اختلفا في الكل ولم يغلق ما بينهما من باب أو يسد ، أو أغلق لكن ممر أحدهما على الآخر ، أو باب مسكن أحدهما في مسكن الآخر " انتهى.
وإذا كانت المسلمة يحرم عليها الخلوة بالمسلم الأجنبي عنها ، وكذلك مساكنته إلا بما ذكر ، فكيف بالكافر؟! فلا شك أن الخلوة به ومساكنته أعظم حرمة ، وأكبر جرماً ، إلا إذا كان هذا الكافر محرماً لها من جهة النسب ، فيجوز لها ذلك ، لكن لا ولاية له عليها ، هذا إذا كان القصد من السؤال هو ما ذكرناه.
أما إذا كان القصد منه هو بقاء المرأة بعد إسلامها مع زوجها الباقي على كفره ، فالجواب هو: أنه إن كان إسلامها قبله وقبل أن يدخل بها تعجلت الفرقة ، سواء كان زوجها كتابياً أو كان غير كتابي. إذ لا يجوز لكافر نكاح مسلمة. قال ابن المنذر : "أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم ، وإن كان إسلامها بعد أن دخل بها ، فقال أبو حنيفة ومالك: عرض الإسلام عليه فإن أبى وقعت الفرقة. وقال أبو حنيفة: إن كانا في دار الحرب وقف ذلك على انقضاء عدتها.
أما الشافعي وأحمد فيوقعان الفرقة بمجرد إسلامها.
ولا نعلم أحداً من أهل العلم أجاز أن تبقى المرأة المسلمة في عصمة الكافر.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 2 / ص 267)
يجب أن تحتجب المرأة من زوج أختها رقم الفتوى:10542تاريخ الفتوى:09 رجب 1422السؤال : ما حكم كشف الحجاب على زوج الأخت نظرا لكثرة تواجده بالبيت؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تخلع حجابها أو تبدي زينتها لزوج أختها، لأن تحريمها عليه تحريم مؤقت يزول بانفصام عرى الزوجية بينه وبين أخت المرأة.
وليس كثرة تواجده بالبيت مبيحا لذلك، بل هو أدعى للتستر عنه، قال الله تعالى: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31].
ولتحذر المسلمة من الخلوة بزوج الأخت ومثله أخو الزوج، فإن العواقب الوخيمة تتعاظم وتتفاقم بسبب التساهل في مثل هذا، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت" متفق عليه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم" متفق عليه.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 2 / ص 332)
أخو الزوج لا يعتبر محرماً لزوجة أخيه رقم الفتوى:1067تاريخ الفتوى:17 ربيع الثاني 1422السؤال : بسم الله الرحمن الرحيم أود أن أشكركم على هذا الموقع المتميز والذي يناقش قضايا المسلمين في زمن كثرت فيه الفتن . السؤال: اعتمرت ذات سنة من السنين أنا وزوجتي واصطحبنا زوجة أخي هل أعتبر أنا محرماً لها ؟ وكذلك أفيدوني بالنسبة للحج
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإنك لست محرما لهذه المرأة ، وبالتالي لا يحق لها أن تعتمد عليك كمحرم في السفر، سواء كان السفر لحج أو عمرة أو غيرهما، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى في الحديث الصحيح عن سفر المرأة من غير محرم لها ، ومما يدل على أن أخ الزوج ليس محرماً لزوجة أخيه قول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن " الحمو" وهو أخو الزوج أو قريبه فقال: "الحمو الموت". [ متفق عليه] ، وهذا تنفير منه وبيان للخطر العظيم في مخالطته، وكان الواجب أن تسأل عن الحكم قبل أن تسافر للحج، أما بخصوص الحج فإنه صحيح إن شاء الله إذا كان مستوفياً أركان الحج وواجباته.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 2 / ص 341)
الخلوة في السيارة كالخلوة في غيرها رقم الفتوى:10690تاريخ الفتوى:15 رجب 1422السؤال : هل يجوز الجلوس في مقعد أمامي إذا كان السائق زوج الأخت أحد إخوان الزوج؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كانا في السيارة بمفردهما، فلا يجوز الركوب - أصلاً - لا في المقعد الأمامي ولا في الخلفي، لما في ذلك من الخلوة المنهي عنها بقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم" رواه البخاري ومسلم، وقوله أيضاً: "لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما" رواه الترمذي.
وقوله أيضاً: "إياكم والدخول على النساء، قالوا: يا رسول الله أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت". رواه البخاري ومسلم، والحمو: أخو الزوج أو قريبه.
وإن كان معهما في السيارة غيرهما ممن تنتفي به الخلوة، فلا شك أن عدم الجلوس بجوار من ذكر في السؤال أولى، وينبغي أن تجلس في الخلف، ويجلس بجوار السائق رجل أو امرأة من محارمه.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 5 / ص 426)
الزوج الصالح عون لزوجته على العفة وعدم الاختلاط رقم الفتوى:14712تاريخ الفتوى:12 محرم 1423السؤال : 1-أنا امراة متزوجة وعندي أربعة أولاد أكبرهم عمره عشر سنوات أعيش في بيت مستقل مع زوجي وأولادي ولكن من ثلاث سنوات أخوات زوجي يعشن معي الآن والدتهن توفيت وأخو زوجي الكبير يأتي أيضا هو وأولاده ويجلس معنا بالأيام حتى في الأعياد يكون موجودا ويكون مرات لبلسه غير محتشم يعني يجلس على الطعام بالفنيلة والوزار ويخرج من الحمام بالفوطة وانا لا أعرف ماذا أفعل قلت لزوجي هذا الكلام عدة مرات ويقول لي هل تريديني أن أطردهم من بيتي وأغضبهم وأنا لا أريد المشاكل بيني وبين إخوتي أفيدوني جزاكم الله خيرا هل علي شيء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفتوى : الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كفالة زوجك لأخواته البنات، بعد وفاة والدهن ووالدتهن، واجب عليه، لأنهن قد دخلن تحت مسؤليته شرعاً، من باب وجوب النفقة على الأقارب المعسرين، والحفاظ على الولاية التي ولاه الله إياها على أخواته، ويجب على زوجك أن يكون متوسطاً في أمره، فلا تطغى حقوق أخواته على حقوقك، ولا حقوقك على حقوق أخواته، لأن الله تعالى أمر بأن يعطى كل ذي حق حقه.
أما وجود أخيه الأكبر في البيت، مع عدم التزامه بالآداب الشرعية، فهذا لا يجوز له، ولا يجوز لزوجك أن يقره عليه، لا سيما إذا كان وجوده في البيت يحصل عنه خلوة محرمة بينك وبينه، وقد حرم الشرع ذلك، وحذر منه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار يا رسول الله، أريت الحمو؟ قال: الحمو الموت!" والحمو: أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج. كما لا يجوز الاجتماع معه على الطعام، لأنه تنكشف فيه بعض العورة في الغالب، فلربما وقع بصره عليك وأنت في هذه الحالة أو غيرها، وهو أمر محرم لقوله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30] ويجب على زوجك أن ينصح أخاه بالمعروف، فيما يقع فيه من مخالفات شرعية، والله تعالى لا يستحي من الحق. وينبغي أن تكون نصيحته له من خلال أوامر الشرع الحنيف، الذي ترغم أمامه الأنوف، وتتواضع عنده النفوس، وتصغر أمامه الكبرياء.
وعليك كذلك أن تتحلي بالصبر، وحسن عرض الكلام على زوجك، دون تشنج أو رفع صوت للحفاظ على المودة والرحمة، والله يجعل لك من أمرك يسراً، كما أن عليك أن تبذلي قصارى جهدك في التستر حال حضور أخي زوجك.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 6 / ص 106)
الحديث حجة على من قال بجواز دخول الحمو على المرأة رقم الفتوى:15124تاريخ الفتوى:26 محرم 1423السؤال : هل يجوز للمرأة كشف وجهها أمام أخي زوجها مع العلم أنهم يعيشون في بيت واحد فإن كان لا يجوز فبم نرد على من قال خلاف ذلك بحجة أنهم يعيشون فى مكان واحد؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا يجوز للمرأة أن تكشف عن وجهها، ولا عن شيء من جسدها أمام أخي زوجها، إن كان أجنبياً عنها، ومن قال بخلاف قولنا فإننا نرد عليه بما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والدخول على النساء، قيل: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت" والحمو هو: أخو الزوج أو قريبه.
وراجع الجواب رقم: 3178، والجواب رقم: 3910.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 9 / ص 240)
عم زوجك كغيره من الرجال الأجانب رقم الفتوى:18575تاريخ الفتوى:21 ربيع الثاني 1423السؤال : هل يجوز لي الكشف عن شعري أمام عم زوجي ؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز أن تكشفي عن شعرك ولا عن شيء من جسمك أمام عم زوجك؛ إلا إذا كانت بينكما محرمية من نسب أو رضاع. أما مجرد كونه عماً لزوجك فلا يجعله محرماً لك بل هو كغيره من الأجانب، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم شدد في مخالطة الزوجة لأقارب زوجها حيث قال: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل: أفرأيت الحمو؟ (قريب الزوج) فقال النبي صلى الله عليه وسلم الحمو الموت!. متفق عليه.
وقال النووي في شرحه: معناه أن الخوف منه أكثر من غيره، والشر يتوقع منه والفتنة أكثر، لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي. انتهى
والمقصود هنا طبعاً من ليسوا محارم للزوجة.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 9 / ص 332)
تقوية الروابط مع الأقارب غير الملتزمات من طرق الدعوة رقم الفتوى:18733تاريخ الفتوى:22 ربيع الثاني 1423السؤال : أنا فتاة على وشك الزواج, وأنا ملتزمة ولله الحمد. سؤالي هو فضيلة الشيخ هل يجوز لي بعد الزواج زيارة أخوات زوجي؟علما بأنهن لا يتبعن منهج الله تعالى فهن دائما يختلطن بالرجال على الرغم من أنهن متزوجات . إلى درجة أنهن لا يرتدين الحجاب أمام أصدقاء أو أقارب أزواجهن ويجالسنهم ويمازحنهم لساعات طويلة.علما بأن والديهما متوفيان. ولك جزيل الشكر
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج في أن تزوري أخوات زوجك أو يزرنك في منزل أخيهم لأن فسق المسلم لا يبرر هجره وقطعه، إلا إذا كان في قطعه ردع له عن معصيته، ولأن زيارتك لهن تقوي العلاقة والروابط بين الأسرة جميعاً، الشيء الذي ينعكس إيجابياً على علاقتك بزوجك وبإخوانه، وحينئذ تجد دعوتك منهن آذانا صاغية وطريقاً مفتوحاً، الأمر الذي لا يتحقق لو هجرتيهن، ولكن لابد من مراعاة الضوابط الشرعية بحيث لا تخرجين إلا بعد أذن الزوج، وأن تكوني ملتزمة باللباس الشرعي، وأن تخلو الزيارة من وجود رجال أجانب، فإذا لم يتم تحقيق ما ذكرنا من ضوابط فالزيارة غير جائزة، لما يترتب عليها من المفاسد من مثل: الاختلاط وملاقات الرجال ومكالمتهم ونظر بعضكم إلى بعض وهذه أمور كلها محرمة قال الله تعالى:وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31].
ولقوله صلى الله عليه وسلم، كما في البخاري من حديث عقبه بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والدخول على النساء، فقال: رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت.
وحاصل الأمر أن الزيارة إذا خلت من محرمات جائزة وألا فحرام للأدلة التي سقنا.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 10 / ص 213)
وجود أخت الزوجة ببيت أختها بالضوابط الشرعية لا حرج فيه رقم الفتوى:19493تاريخ الفتوى:11 جمادي الأولى 1423السؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لي صديقة .. تود أن تعرف ما حكم أن تقيم في بيت أختها لكي تساعدها فهي حامل
وزوج أختها مستقيم وعفيف وإخوانها يزورونها من فترة لأخرى وتجلس مع أولاد أختها وزوج أختها يقضي أغلب وقته في العمل فما الحكم؟ وجزاكم الله خيرا......
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن زوج الأخت أجنبي عن أختها، ولا يجوز لها أن تخلو به، ويجب عليها أن تتحجب عنه لأن تحريمها عليه ليس للتأبيد، وإنما المحرم عليه هو الجمع بينها وبين أختها، وقد قال تعالى:وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنّ [النور:31]. وزوج الأخت ليس من الذين يجوز إبداء الزينة لهم.
ولتحذر الأخت المسلمة من الخلوة بزوج أختها وأخي زوجها، فقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك لخطورته وعواقبه الوخيمة، فقال صلى الله عليه وسلم: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار يا رسول الله: أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. متفق عليه
وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم.
وعلى هذا، فإنه لا يجوز أن تخلو أخت الزوجة بزوج أختها، ولا أن تكشف عليه أو تبدي له زينتها، أما وجودها في البيت معهم لتساعدهم فلا مانع منه إذا لم يحصل شيء مما ذكر من الخلوة وإبداء الزينة، بل هو غرض شرعي نبيل تشكر عليه، لكن يشترط لذلك شروط مبينه في الفتوى رقم:
10146.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 10 / ص 291)
ضوابط جلوس زوج أخت الزوجة في بيت عمه حال غيابه رقم الفتوى:19664تاريخ الفتوى:10 جمادي الأولى 1423السؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تزوجت بنت عمي وأقيم معهم فى منزل عمي ولكني دائم السفر للخارج بغرض العمل , وكذلك عمي .
هل يجوز لزوج بنت عمي الأخرى أن يحضر إلى البيت مع زوجته ويقيم لمدة أسبوع أو أكثر في حال عدم وجودي أنا وعمي - مع العلم بأن البيت ليس فيه سوى زوجة عمي وزوجتي ولها أخت مطلقه تقيم في نفس البيت .
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان زوج ابنة عمك ثقة مأمونا، وكان جلوسه في البيت بحيث لا يرى زوجتك ولا أختها المطلقة، فلا حرج في ذلك، ومعلوم أن زوج أخت المرأة ليس محرماً لها، وأنه لا يجوز أن يخلو بها أو أن تكشف شيئاً من جسدها عنده، فهو كغيره من الأجانب، بل الفتنة به أعظم ليسر دخوله وخروجه، وهذه هي العلة التي لأجلها شدد النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الحمو وهو قريب الزوج، كما في الصحيحين: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت.
قال النووي -رحمه الله-: وأما قوله صلى الله عليه وسلم "الحمو الموت" فمعناه أن الخوف منه أكثر من غيره، والشر يتوقع منه، والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه، بخلاف الأجنبي والمراد بالحمو هنا: أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه ...... وإنما المراد الأخ وابن الأخ والعم وابنه ونحوهم ممن ليس بمحرم، وعادة الناس المساهلة فيه، ويخلو بامرأة أخيه، فهذا هو الموت، وهو أولى بالمنع من الأجنبي لما ذكرناه. انتهى كلام النووي -رحمه الله-.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 10 / ص 381)
:الظنون بالزوجة التي لا تستند على دليل لا تجوز رقم الفتوى:19833تاريخ الفتوى:12 جمادي الأولى 1423السؤال : بسم الله الرحمن الرحيم
نرجوا من أهل العلم أن يفيدوني في سؤالي هذا وهو كالتالي :
إنني أشك في زوجتي بالزنا أعاذنا الله من ذلك وذلك لأني وجدت باب غرفتنا مفتوحا ذات ليلة في رمضان وأنا راجع من صلاة القيام وكان لي ابن عم في هذا البيت ولم يوجد غيرهما، فظننت أنهم سمعوا حركتي قادما فكل واحد هرب ولم يستطيعا أن يغلقا الباب مما دعاني للشك , وأنا حيران الآن بين أن أطلقها أو أمسك لأنني في شك واحتمال الشك عندي كبير مما جعلني في حيرة كبيرة أكاد أجن من هذا الموقف فلا أدري من أين أحصل على حقيقة الأمر حتى أطمئن (بنتيجة طلاق أو إمساك). أريد من فضيلتكم الإجابة المقنعة، وجزاكم الله خيرا.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقبل أن نجيب الأخ السائل، نحب أن ننبه أولاً، إلى أنه لا يجوز أن يترك ابن عمه في البيت وحده مع زوجته، لأنها خلوة محرمة، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الدخول على النساء، فقال: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. متفق عليه.
والحمو: هو أخو الزوج ، ومن في حكمه من أقاربه، كابن الأخ وابن العم.
وقد سبق بيان ذلك مفصلاً في الفتوى رقم:
8975 والفتوى رقم:
3819 والفتوى رقم:
3178 والفتوى رقم:
18575 والفتوى رقم: 10542 والفتوى رقم: 3783.
ولعل ما حصل لك من شك خير برهان على صدق كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك فإنه يجب عليك ألا تترك هذا الوضع قائماً، لما فيه من المخالفة الواضحة لأمر الله تعالى، ولا بد أن تتوب من هذا التفريط قبل أن يؤدي بك إلى ما لا تحمد عقباه.
أما بالنسبة لما حصل لك من شك، فأمر غير جائز شرعاً، لقول الله تبارك وتعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات:12].
وقوله صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث.
وقد سبق بيان حكم الظن في الفتوى رقم: 10077 والفتوى رقم: 15185.
وقد بين الله في كتابه الشروط التي يجب أن تتوفر لإثبات جريمة الزنا، فقال عز وجل:وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:4].
وقال:وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [النور:6].
أما مجرد الشك أو الظن فلا يحل لمسلم بحال من الأحوال.
ولذا فإننا نؤكد على الزوج بأن لا يدع أحداً يخلو بالزوجة غير محارمها، وأن يدع تلك الظنون التي لا تستند على دليل معتبر، وأن يمسك زوجته ما دام في نفسه مجرد ظنون أو أوهام.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 10 / ص 464)
لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم رقم الفتوى:20009تاريخ الفتوى:02 رجب 1423السؤال : أختي تريد السفر إلى مكه مع والدتي حيث إن والدتي محرمها ابن أختها وأختي ليس عندها محرم فهل يجوز أن تسافر من غير محرم مع العلم أن والدتي مريضة للغاية وبحاجة لابنتها جداً جداً فما الحكم ؟ونحيطكم علماً أنني أنا أخوها لا أستطيع الذهاب معهم لارتباطي بعملي ودمتم ؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز سفر أختك معهما بدون محرم، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم. رواه مسلم.
وابن خالتها ليس محرماً لها، وننبه السائل الكريم إلى أنه لا ينبغي على أولياء المرأة أن يتساهلوا مع أقاربهم -الذين ليسوا بمحارم لنسائهم، في الاختلاط بهم أو الخلوة معهم أو السفر بصحبتهم، لما في ذلك من الخطر العظيم، روى البخاري في صحيحه عن عقبه بن عامر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله ، فرأيت الحمو، قال: الحمو الموت. ورواه مسلم أيضاً في صحيحه.
والحمو هو أخو الزوج وابن أخيه وعمه وابن عمه، وقال بعض العلماء، هو أبو الزوج، قال ابن حجر في الفتح: وقد جزم الترمذي وغيره، وتبعه المازري بأن الحمو أبو الزوج، وأشار المازري إلى أنه ذكر للتنبيه على منع غيره بطريق الأولى، وتبعه ابن الأثير في النهاية. انتهى
ولمعرفة المزيد عن حكم سفر المرأة بدون محرم راجع الفتوى رقم: 6219.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 11 / ص 298)
:المسكن الشرعي من حقوق الزوجة على زوجها رقم الفتوى:2069تاريخ الفتوى:02 ذو الحجة 1424السؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لقد أرسلت من قبل وأرسلتم لي رقم اجابتي 5289 ولكنني لم أجدها حتى الآن وكان سؤالي بخصوص اجبار زوجي لي للعيش مع أهله في نفس المنزل وله أخوان ذكور كثير وليس لي في هذا المنزل سوى غرفة صغيرة جدا لي وله وللأولاد (اثنين) فلا يوجد مكان أستطيع أن أبدي زينتي فيه له وبالتالي أثر ذلك على علاقتنا الخاصة لأنني دائمة الظهور أمامه بلبس الصلاة وهذا يجبرني أن اتجاهل وجود من في المنزل وألبس ما كنت ألبسه له ونحن في شقة بمفردنا مع العلم بأنني محجبة وما أرتديه أمامهم ليس بالشيء الذي لا يلبس ولكن مجرد أنني اظهر شعري وألبس بنطلونات وأشياء كهذي وهذا كله وأنا مجبرة لأنني أفقد زوجي مني فأصبحت حتى علاقتنا الخاصة وواجبتنا وحقوقنا لا نستطيع القيام بها خوفا من لفت انتباه أهله وأصبح شديد التأثر بأهله ولا يهمه ان كنت محجبة أمام أخواته أم لا مع العلم بأنني كنت البس ما يحلو لي قبل الحجاب ، وقد هداني الله ولا اريد إغضابه فما حكم هذا الزوج وما الذي استطيع عمله أرجو سرعة الرد واذا كان هناك آيات قرآنية يمكن قراءتها حتى أبعد أي شر عني وعن زوجي وتكون في هذه الآيات هدايه له مع ملاحظة أنني محافظة على قراءة القرآن أفيدوني أفادكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان الزوج انتقل بك إلى بيت أهله لظروف مادية ألمت به ، لا تمكنه من استئجار بيت خاص لكم ، فهو معذور في ذلك ، وينبغي لك الصبر والاحتساب إلى أن يوسع الله عليكم .
وأما إن كان غير مضطر إلى ذلك ، فقد أخطأ خطأً بيناً وعرض أهله لما حرم الله ، وهو بذلك يهدد علاقته الأسرية بالضعف والتصدع .
والواجب أن يعاشر كل من الزوجين الآخر بالمعروف ، قال تعالى: ( وعاشروهن بالمعروف) [النساء :19] وقوله : ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة) [البقرة:228 ].
وليعلم أن الاختلاط الواقع بين إخوان الزوج وزوجه من أشد البلايا التي ابتلى بها بعض المسلمين في هذه الأزمنة ، وقد روى البخاري ومسلم من حديث عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والدخول على النساء" فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: " الحمو الموت" .
والحمو : أخو الزوج أو قريبه ، كابن العم ونحوه .
وعلى كل حال ، فظهورك أمام إخوان الزوج كاشفة لشعرك أو لابسة النبطلون منكر عظيم وإثم مبين .
وينبغي أن يعلم الزوج أنه شريك في هذا الإثم لأنه الذي دعا إلى ذلك بفعله ، إضافة إلى عدم إنكاره ، وليتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم : " كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته ، فالرجل راعٍ في بيته وهو مسؤول عن رعيته ". متفق عليه.
واعلمي - وفقك الله - أن حرصك على بناء الألفة والسعادة مع زوجك لا يبرر لك الوقوع في الحرام ، بل إن الوقوع في الحرام سبب لغضب الله تعالى الموجب لنكد العيش وحرمان السعادة .
وعليك بالاستمرار في نصح زوجك بالانتقال إلى بيت مستقل ، والإصرار على ذلك ، وإشعاره بالمفاسد المترتبة على بقائكم في بيت العائلة ، وأهمها المفسدة التي تدخل على الدين بالنقص ، كما سبق ، ولا بأس بالاستعانة بأهل الرأي والصلاح من أهلك أو أهله ، لتبصيره بالحق وإقناعه به .
وأكثري من ذكر الله تعالى والاستغفار ، فقد روى أبو داود وابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً ، ومن كل هم فرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب" .
والله أعلم .
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 12 / ص 406)
كشف الشعر أمام زوج الأخت حرام رقم الفتوى:22056تاريخ الفتوى:02 رجب 1423السؤال : هل يجوز كشف الحجاب أمام زوج الأخت كون الجميع يسكنون في نفس البيت ويتعذر الالتزام الدائم بالحجاب وأقصد بالحجاب غطاء الرأس فقط وليس اللباس. جزاكم الله كل خير عنا وعن أمة سيدنا محمد عليه السلام.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيحرم على المرأة كشف شعرهاً أمام الأجانب لأنه من عورتها باتفاق العلماء، وزوج الأخت أجنبي بالاتفاق أيضاً، ولا يجوز التساهل في مثل هذا الأمر بحجة الاختلاط في السكن، وعدم إمكانية تغطية الرأس في غالب الوقت، لأن الاختلاط في المسكن بمثل هذه الصورة لا يجوز، لما يترتب عليه في غالب الأحوال من خلوة محرمة بين المرأة وغير محارمها، ولتحذير النبي صلى الله عليه وسلم من الحمو، حيث قال: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. رواه البخاري ومسلم.
ولمعرفة هذه المسألة بالتفصيل راجعي الفتوى رقم:
19833 والفتوى رقم: 20009.
ولمعرفة الحجاب الشرعي بشروطه راجعي الفتوى رقم:
20039.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 12 / ص 410)
حكم تكلم المرأة مع غير محارمها رقم الفتوى:22064تاريخ الفتوى:01 رجب 1423السؤال : هل يجوز للمرأة أن تتكلم مع إخوان زوجها وفي الصباح تقول لهم صباح الخير وفي المساء مساء الخير؟
أرجو الرد عاجلاً ؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد قال الله تعالى في محكم كتابه: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً* وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:32-33].
فإذا كان كلام المرأة طبيعياً، وبدون خضوع بالقول، وبدون تبرج وإبداء زينة.... فهذا لا مانع منه شرعاً، لقول الله تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ [الأحزاب:53].
وهذا الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم، ومعناه أن المرأة يمكن أن تتكلم في حاجتها مع الرجال بالضواط التي أشرنا إلى بعضها، ولا مانع أن يسلموا عليها، وتسلم عليهم إذا أمنت الفتنة والخلوة والاختلاط المريب.
فقد كان بعض الصحابة يسلمون على بعض الصحابيات، وكان أبو بكر وعمر يزوران أم أيمن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلى المسلم أن يراعي في ذلك كله الضوابط الشرعية، فقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدخول على النساء والخلوة بهن.... فقال: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. متفق عليه.
وقال: لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم. رواه البخاري ومسلم.
والحاصل أن صوت المرأة ليس بعورة، وأنه يجوز الكلام مع المرأة لحاجة إذا ضبطت بالضوابط الشرعية.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 13 / ص 12)
محاولة التوفيق بين تأمين سكن وأمر الزوجة بالصبر..لا الطلاق رقم الفتوى:22315تاريخ الفتوى:10 رجب 1423السؤال : أنا مغترب في دولة خليجية والوضع المادي لا يسمح لي بأن أستأجر بيتاً بمفردي لأن الإيجارمكلف وبالإضافة إلى المصاريف الكثيرة وساكن أنا وأخي وكل واحد معه زوجته والشقة مؤلفة من غرفتين وصالة وكل واحد ساكن بغرفة مفردة وأخي يذهب إلى الدوام ولا يعود إلا في وقت متأخر وزوجتي تلح علي بأن أخرج وأسكن في بيت وحدنا وذلك تقول بأنه لا يجوز أن نسكن في بيت واحد وحديث الرسول الحمو الموت
ولا أعرف ماذا أفعل لدرجة أنني فكرت بأن أطلق زوجتي لأنها تحملني مالا أطيق ولا تصبر لفترة إلى حين سداد الديون والقدرة على الإيجار بمفردي.
السؤال هل أستمع لزوجتي أم زوجتي يجب أن تطيعني؟ أم أطلق زوجتي وأرتاح من كثرة الكلام والقيل والقال؟
أم أبقى ساكناً أنا وأخي إلى حين سداد الديون
أفيدونا جزاكم الله خيراً
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجزى الله هذه الزوجة خيراً على نصيحتها لك، فقد قامت بواجبها نحوك خير قيام، امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة، قلنا لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. رواه مسلم وغيره.
وقد صدقت حينما ذكرت لك قول النبي صلى الله عليه وسلم "الحمو الموت" متفق عليه، لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وفي بقائك في هذا البيت من تعريض نفسك وزوجتك وأخيك وزوجته لكثير من المحرمات التي لا تؤمن عواقبها، بما يعود على بيوتكم بالهدم وحياتكم بالاضطراب ودينكم بالضعف، كالنظر المحرم، والخلوة الممنوعة شرعاَ.
ولمعرفة معنى الحمو وحكمه راجع الفتاوى التالية أرقامها:
20009
3178
3819.
ولمزيد من الفائدة راجع الفتوى رقم:
2069 والفتوى رقم:
14712.
وعلى الأخ السائل أن يبادر بالبحث عن سكن مستقل يحفظ فيه عورته ويأمن فيه على أهله، ويجتنب به وساوس الشيطان، والله تعالى يرزقك من فضله، قال عز وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].
ومع هذا فإننا نوصي الزوجة بالصبر على زوجها إن لم يستطع استئجار سكن مستقل، ونوصي الزوج كذلك بعدم الطلاق لأن الحياة الزوجية لا تخلو من مثل هذه المشاكل، مع المحافظة على أوامر الشرع الحنيف بغض البصر وتجنب الخلوة والتبرج لأن ذلك حرام في ذاته، فضلاً عما يؤدي إليه من الفتنة والشرور.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 18 / ص 239)
الأدلة على حرمة الاختلاط رقم الفتوى:28829تاريخ الفتوى:15 ذو الحجة 1423السؤال: أريد أحاديث عن عدم جواز اختلاء الرجل بالمرأة ؟
الفتوى: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية من المحرمات التي وردت بها الأحاديث النبوية الصحيحة الصريحة، من ذلك ما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يلخون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم.
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو ؟ قال: الحمو الموت. رواه البخاري ومسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان. رواه أحمد والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما.
وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس بينها وبينه محرم.
وروى الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياك والخلوة بالنساء، والذي نفسي بيده: ما خلا رجل بامرأة إلا ودخل الشيطان بينهما، ولأن يَزْحمَ رجل خنزيراً متلطخاً بطين أو حمأة خير له من أن يزحم منكبه منكب امرأة لا تحل له.
وعن معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له. رواه الطبراني والبيهقي.
قال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب: رجال الطبراني ثقات رجال الصحيح.
إلى غير ذلك من الأحاديث.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 20 / ص 436)
حكم الخلوة بزوجة الأخ ومعها أطفالها رقم الفتوى:3178تاريخ الفتوى:13 ربيع الثاني 1422السؤال : بسم الله الرحمن الرحيم.
هل يجوز أن يسكن أخو زوجي معنا في البيت علما أن زوجي كثيرالسفر وأكون وحدي مع أطفالي الصغار؟ هل يعتبر وجودهم محرماً لي. وأخاف أن أمنعه من السكن لأن ذلك سيؤثر على علاقتنا مع أمه لأنه لايريد أن يخالفها.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز لأخي زوجك أن يسكن معكم في البيت لا سيما وأنك تبقين وحدك في البيت مع أولادك غير البالغين، لأنهم لا تنتفي بهم الخلوة المحرمة وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الدخول على النساء فقال: "إياكم والدخول على النساء" فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال:" الحمو الموت" متفق عليه. والحمو أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج.
ولأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فلسهولة دخوله ومخرجه حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الدخول على النساء، لأن المفسدة التي قد يزينها الشيطان ستكون مفسدة وقطيعة في آن واحد، وأما العلاقة مع الأم والخوف من تأثيرها بسبب منعه من السكن فإنه "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" رواه أحمد وصححه السيوطي والألباني. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الفعل.
ومن الممكن قسم البيت ـ إن كان البيت يتحمل ذلك ـ وجعل جزء مستقل لأخ الزوج يسهل له الدخول والخروج منه.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 21 / ص 276)
لا تجوز الخلوة بالأجنبية ولو كانت بغير شهوة رقم الفتوى:32617تاريخ الفتوى:25 ربيع الأول 1424السؤال : ما حكم الخلوة بامرأة أجنبية لا شهوة لي فيها؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اتفق العلماء على حرمة الخلوة بالأجنبية، لصريح النهي عنها، روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا يخلونّ رجل بامرأة إلا مع ذي محرم. متفق عليه، وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. رواه البخاري وغيره.
ولم يتقيد النهي عن الخلوة بقصد الشهوة، فقصد الشهوة حرام ولو لم تحصل خلوة، قال الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ [النور:30-31]، وقال الله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32].
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 22 / ص 102)
:الخلوة ومداعبة زوجة الأخ حرام وخيانة. رقم الفتوى:3335تاريخ الفتوى:13 ربيع الثاني 1422السؤال : بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته س: رجل متزوج، له علاقة حب مع زوجة أخيه، ويقوم في ممارسة الحب معها لكن دون زنا (مضاجعة) ما حكم الإسلام في هذه القضية في وقتنا الحاضر (أي أننا لسنا في ظل دولة إسلامية) وما حكم الإسلام إذا كانت في ظل دوله إسلامية. وهل هي من الكبائر؟ وكيف تكون التوبة؟ وجزاكم الله عني كل خير.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد ثبت في الصحيحين من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والدخول على النساء" فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو؟ قال:" الحمو الموت". والمراد بالحمو في الحديث أقارب الزوج ممن يحل له التزوج بها لو لم تكن متزوجة، وقد جرت عادة الناس بالتساهل في هذا الأمر، فيخلو الأخ بزوجة أخيه أو ابن الأخ أو ابن الأخت مع أنه أولى بالمنع من الرجل الأجنبي. وتشبيه النبي صلى الله عليه وسلم له بالموت دال على أن الخلوة بالحمو قد تؤدي إلى هلاك الدين إن وقعت المعصية، أو الموت إن وقعت المعصية وطبق الحد الذي قد يكون الرجم حتى الموت، أو إلى فراق الزوجة إذا حملت الزوج الغيرة على أن يطلق زوجته، وعليه فيكون المعنى: احذروا الحمو كما تحذرون الموت فالحاصل أن الباب من أوسع أبواب الفتنة وأخطرها فالشر من الحمو متوقع أكثر من غيره لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة بها من غير أن ينكر عليه أحد خاصة ممن يجهلون هذا الحكم. وبالجملة فحكم الإسلام في هذا هو التحريم الغليظ، وهذا الرجل خائن لأخيه، وهذه المرأة خائنة لزوجها، وليتصور كل منهما موقفه آمام من خانه إن اكتشف خيانتهما في الدنيا، وإن فضح الله أمرهما في يوم القيامة على رؤوس الخلائق، فالواجب على كل واحد من الرجل والمرأة أن يتوب إلى الله جل وعلا، وأن يستر نفسه بستر الله فلا يطلع أحد على ما جرى، وأن يقطع السبيل على الشيطان ووساوسه بالابتعاد عن الخلوة والمحادثة في الهاتف أو غيره. والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 22 / ص 337)
:أخو الزوج ليس من المحارم، والمرأة لا تعتبر محرما رقم الفتوى:34048تاريخ الفتوى:28 ربيع الثاني 1424السؤال : هل يجوز أن أسافر مع أخي زوجي وخالتي وابنتها؟ علما بأن زوجي لا يستطيع السفر معنا؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا يجوز للمرأة السفر إلا مع محرم لها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم. متفق عليه.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: لا يخلونّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: انطلق فحج مع امرأتك. متفق عليه.
ومن المعلوم أن أخا الزوج ليس من المحارم، بل جاء التنصيص على حرمة الخلوة به، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله؛ أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. متفق عليه.
والحمو هو قريب الزوج من أخٍ أو عمٍ ونحوهما، فشبه النبي صلى الله عليه وسلم دخول قريب الزوج ممن ليس بمحرم بدخول الموت عليها؛ وذلك لأن دخوله وخروجه من عندها لا يثير ريبة، بخلاف الغريب، فكان الوقوع في المعصية أسهل، والإغواء على الشيطان أيسر.
وليست المرأة محرماً لغيرها، سواء خالتك أو ابنة خالتك أو كلاهما، وإنما المحرم هو الرجل الذي تحرمين عليه بنسب كالأب والأخ، أو بسبب مباح كالزوج وأبي الزوج، وكالأب والأخ من الرضاع ونحوهما.
وأما كون زوجك لا يستطيع السفر معك، فيمكنك السفر مع غيره من محارمك، إذ ليس ذلك عذراً لك في السفر مع أخيه، فلا ينبغي التهاون في هذا الأمر.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 23 / ص 432)
:حقوق الضيف رقم الفتوى:35629تاريخ الفتوى:29 جمادي الأولى 1424السؤال : السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
ما هو حق الضيف؟
هل يعتبر الذي يريد أن يسكن معك من غير المحارم والذين تجب عليك نفقتهم ضيفا؟
وجزاكم الله خيرا.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن حق الضيف إكرامه يومًا وليلة، فإن أطال الإقامة أكثر من ذلك، فليواصل مضيفه إكرامه يومين بعد ذلك، فإن زادت مدة إقامته على ثلاثة أيام كانت ضيافته بعد ذلك صدقة، إلا أنه لا ينبغي للضيف أن يطيل الإقامة عند أخيه حتى يحرجه ويكلفه ما ليس عنده.
ويدل لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ليلة الضيف حق واجب على كل مسلم. رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني.
وقوله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن قِرَى ضيفه. قيل: وما قرى الضيف؟ قال: ثلاثة، فما كان بعد فهو صدقة. رواه أبو يعلى وقال الشيخ حسين أسد : إسناده صحيح.
وفي الحديث: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته. قال: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه. رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم : ولا يحل لرجل مسلم أن يقيم عند أخيه حتى يؤثمه، قالوا: يا رسول الله وكيف يؤثمه؟ قال: يقيم عنده ولا شيء له يقريه به.
وقد فسر الخطابي الحديث فقال: يتكلف له في اليوم الأول ما اتسع له من بر وألطاف، ويقدم له في اليوم الثاني ما كان بحضرته ولا يزيد على عادته، فما جاوز الثلاث فهو معروف وصدقة إن شاء فعل وإن شاء ترك.
وقد رجح كثير من المحققين منهم ابن رجب وابن حزم والشوكاني في النيل، وأبو الطيب الأبادي في عون المعبود مذهب الإمام أحمد والإمام الليث في وجوب إكرام الضيف، وعمدتهم هذه الأوامر المتكررة في الأحاديث السابقة. ويؤكد ذلك ما في الحديث من إباحته صلى الله عليه وسلم للضيف أن يأخذ قراه من دون إذن من نزل عليهم؛ ففي الحديث: إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا، فإن لم يفعلوا، فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم. رواه البخاري ومسلم.
وفي الحديث: أيما ضيف نزل بقوم فأصبح الضيف محروما، فله أن يأخذ بقدر قراه، ولا حرج عليه. رواه الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه، ووافقه الذهبي والألباني.
وقد ذكر النووي في شرح مسلم والباجي في المنتقى، وابن حجر في الفتح، أن الجمهور لم يوجبوا الضيافة، بل قالوا بسنيتها.
وروي عن أحمد أنه لا يجب إلا اليوم الأول، لما في الحديث من الفرق بين الجائزة والضيافة، ذكره المرداوي في الإنصاف، وابن رجب في جامع العلوم والحكم.
وروي عن مالك وأحمد أنها مخصوصة بغير أهل الحضر.
قال ابن عبد البر : الضيافة حق على أهل البادية والحاضرة عند الشافعي، وخصها مالك بغير أهل الحضر. وقال سحنون : الحضري لا تجب الضيافة عليه لوجود المطاعم والفنادق. وقال البهوتي في كشاف القناع: لا تجب الضيافة في الأمصار؛ لأنه يكون فيها السوق والمساجد، فلا يحتاج مع ذلك إلى الضيافة بخلاف القُرى، فإنه يبعد فيها البيع والشراء، فوجبت ضيافة المجتاز.
ومهما يكن من الخلاف في الحضر فإنه ينبغي الاعتناء بالضيافة؛ لأنها سنة إبراهيم عليه السلام، وقد أُمرنا باتباعه. ولما في القيام بها من حفظ العرض ومن زيادة التحابب بين الناس، ومن الإحسان إلى ابن السبيل، ولا يعتبر من يريد السكن معكم ضيفًا، ولكن ما يقدم له من الإكرام يعتبر صدقة لما في حديث الصحيحين السابق: فما كان وراء ذلك فهو صدقة. ويجب عليه إذا رغب أو رغبتم في سكنه معكم أن يبتعد عن الدخول على النساء الأجنبيات، ولا سيما في حال انفراد الواحدة منهنَّ؛ لما في حديث الصحيحين: إياكم والدخول على النساء. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. ولما في حديث الصحيحين: لا يخلونّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم.
ويجب على المرأة أن تمنعه من الدخول عليها، لما في الحديث: فَاتّقُوا اللّهِ فِي النّسَاءِ. فَإِنّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنّ بِأَمَانِ اللّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنّ بِكَلِمَةِ اللّهِ. وَلَكُمْ عَلَيْهِنّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَداً تَكْرَهُونَهُ. رواه مسلم.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 25 / ص 151)
أبناء أخي الزوج أجانب بالنسبة للزوجة. رقم الفتوى:3783تاريخ الفتوى:16 صفر 1420السؤال : السلام عليكم ..... هل يجوز أن تكشف المرأة عن شعرها أمام أبناء أخي الزوج البالغين؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فهؤلاء الأبناء أجانب عن هذه المرأة ، فلو مات عمهم أو طلقها ، جاز لأحدهم أن يتزوج بها. وعليه فإنه لا يجوز لهذه المرأة أن تعاملهم إلا كما تعامل الرجال الأجانب ، وينبغي أن يعمم هذا الحكم ويبين للناس لأنه قد يخفى على كثير منهم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إياكم والدخول على النساء " فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: " الحمو الموت" . متفق عليه .
والحمو : أخو الزوج وما أشبهه من أقاربه .
والله أعلم .
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 25 / ص 251)
يحرم ظهور المرأة أمام إخوان زوجها بغير حجاب شرعي . رقم الفتوى:3819تاريخ الفتوى:16 صفر 1420السؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته00 نشكركم على تعاونكم وإجابتكم على استفساراتنا، أود أن أسألكم إخواني عن موضوع سبب لي الكثير من المشاكل وهو أنني أعيش مع زوجي في بيت أهله والحمد لله وأنا مرتاحة معهم ولكن المشكلة ليست في زوجي بل في زوجة أخيه ، إنها تبالغ في إظهار حبها لزوجها لدرجة أنها ترتمي في أحضانه عندما يعود من العمل وذلك أمام زوجي وترقق صوتها عندما يكون زوجها جالسا وتضحك وتقهقه أمام زوجي وهو يريدني أن أكون مثلها مع أنني عاطفية معه عندما نكون لوحدنا ولا أحب أن أظهر الحب والحنان كثيراً لأن ذلك حرام أمام إخوان زوجي وأعطيه كل الحب والحنان عندما يغلق الباب علينا ليس لأنه واجب علي ولكن طبيعتي وشخصيتي هكذا، لا أحب أن أكون جافة . أفهمته بأن ما تفعله زوجة أخيه خطأ و مبالغ فيه ولا يجوز ذلك أمام غير المحارم و لكن دون جدوى، يظن بأنها على صواب وأني مخطئة أو مقصرة في حقه من هذه الناحية . ومشكلتي تتلخص في أن زوجي يشتهي تلك المعاملة أمام عائلته وإخوانه ، ومن يعلم عندما أعامله بتلك المعاملة من من إخوانه يشتهيها وأوضحت له بأننا لو عشنا مستقلين لا إرادياً سوف يظهر الحب والعطف والدفء والعشق في كل ركن من أركان البيت ولكن حالياً لا أستطيع لأنني تربيت مستورة من عائلة ملتزمة. أرجو أن تفيدوني بهذا الموضوع وأود إعلامكم بأنني سوف أطلع زوجي على ردكم لو كان مخطئا.. وشكراً
الفتوى :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أصبت وأحسنت فيما أنت عليه من العفة والستر والصيانة ، فجزاك الله خيراً ، وثبتك على الحق .
وظهور المرأة بزينتها أمام إخوان الزوج ، أو خضوعها بالقول وترقيقها للصوت ، أو معانقتها لزوجها أمامهم ، كل ذلك يعتبر من أعظم المنكرات التي تورث مرض القلب ، ووجود الغيرة والحسد ، وتعلق الرجل بغير ما أحل الله له ، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك تحذيراً بليغاً فقال: " إياكم والدخول على النساء . قيل: يا رسول الله : أفرأيت الحمو؟ قال: "الحمو الموت" . متفق عليه.
والحمو هو أخو الزوج أو قريبه كابن العم ونحوه.
قال ابن الأعرابي : هي كلمة تقولها العرب مثلاً ، كما تقول: الأسد الموت ، أي لقاؤه فيه الموت ، والمعنى احذروه كما تحذرون الموت .
وقال النووي رحمه الله : وإنما المراد أن الخلوة بقريب الزوج أكثر من الخلوة بغيره ، والشر يتوقع منه أكثر من غيره ، والفتنة به أمكن لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة بها من غير نكير عليه بخلاف الأجنبي . انتهى.
وقد جاءت الشريعة بسد الذرائع المفضية إلى الحرام ، فأمرت بغض البصر ، ولزوم الحجاب مع غير المحارم ، وغير ذلك ، صيانة للمرأة ، ومحافظة على الأسرة ، ووقاية من الفتنة .
وظهور المرأة - على الصفة التي ذكرت - أمام أقارب زوجها يفضي إلى الفتنة بها ولا شك ، وقد يسبب نفور الرجل من أهله وإعراضه عنهم ، لما يزينه الشيطان له في رؤية الحرام .
وكلما قوي إيمان الرجل قويت غيرته على المحارم ، فلا يرضى أن ترى زوجته في منظر سافر ، أو هيئة مثيرة .
وعليه فنوصيك بتقوى الله عزوجل ، ولزوم الحجاب أمام غير المحارم ، وتجنب الخضوع بالقول ، والثبات على ذلك ولو كره الزوج ، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . والله أعلم .
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 26 / ص 74)
حكم جلوس المرأة بين الرجال رقم الفتوى:3910تاريخ الفتوى:03 ذو الحجة 1424السؤال : ما حكم اجتماع المرأة مع الرجال في مجلس واحد ؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كان هؤلاء الرجال محارم للمرأة فلا حرج في أن تجلس معهم في مجلس واحد، محتشمة ساترة ما يجب عليها ستره عنهم، وهو ما عدا الوجه والأطراف في الصحيح من أقوال أهل العلم. أما إذا كان الرجال أو بعضهم غير محارم لها فلا تجلس معهم في مجلس واحد، لقول الله تعالى: ( وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ) [الأحزاب:53 ]. وفي الصحيحين عن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والدخول على النساء"، فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو؟ قال: "الحمو الموت ".
إلى غير ذلك من الأدلة الصريحة في النهي عن اجتماع الرجال الأجانب والنساء في مكان واحدٍ.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 26 / ص 176)
:الدليل على أن بنات العم والعمات والخال والخالات أجنبيات رقم الفتوى:39484تاريخ الفتوى:03 رمضان 1424السؤال:
كما نعلم فإن الشرع يحرم مصافحة الرجل للنساء الأجنبيات، فهل تعد النساء الآتيات أجنبيات 1- بنت العم 2- بنت العمة 3- بنت الخال 4- بنت الخالة 5- أمهاتهن 6- زوجة الأب ونرجو منكم الجواب في أقرب وقت؟ وجزاكم الله عنا كل خير.
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن بنت العم وبنت الخال وبنت العمة وبنت الخالة أجنبيات لأن الله تعالى أحل نكاحهن، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ [الأحزاب:50]. وأما الخالة والعمة فهن محارم، لقول الله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً [النساء:23]. وكذلك زوجة الأب لقول الله تعالى: وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:22]. وأما أم بنت العم وبنت الخال فهن أجنبيات، وقد منعت من الدخول عليهما وأمرت بالتحفظ منهما، كما في حديث الصحيحين: إياكم والدخول على النساء، قالوا: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. قال النووي رحمه الله: المراد في الحديث أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه. هذا وليعلم أن محل كون هؤلاء أجنبيات إن لم تكن هناك رضاعة أو مصاهرة، وأما إن وجد سبب للمحرمية فيعمل به. والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 28 / ص 267)
حكم الجلوس مع زوجة الأخ في غرفة واحدة رقم الفتوى:43022تاريخ الفتوى:21 ذو القعدة 1424السؤال: أنا شاب مغربي أعيش و ثلاثة من إخوتي ببريطانيا, لست متفقها في أمور الدين, قيل لي صباح هدا اليوم إنه لا يجوز لي أن أختلط بزوجة أخي في نفس الحجرة حتى ولو في حضور هذا الأخير، مع العلم بأنها ترتدي حجابها وأنه يجب أن يبقى الرجال, أنا وأخي, في حجرة والنساء, أختي وزوجة أخي, في حجرة أخرى. فما حكم الشرع في هذا النوع من الاختلاط؟
الفتوى:
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
فلا يجوز لك يا أخي الكريم أن تَخْلو بزوجة أخيك، لما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله: فرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت.
قال الليث: الحمو أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج، كابن العم ونحوه.
وقال صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم. رواه البخاري من حديث ابن عباس.
والأحاديث كثيرة في بيان حرمة خلوة الرجل بامرأة أجنبية عنه، واعلم أن زوجة الأخ أجنبية عنك، لا يجوز لك أن تخلو بها كما تقدم في حديث عقبة بن عامر.
وأما أختك، فلا حرج عليك في الخلوة بها ولو في حجرة واحدة، لأنها من المحارم.
وقد سبق لنا أن أصدرنا عدة فتاوى في بيان حرمة الخلوة بالأجنبية وزوجة الأخ خاصة، فانظر على سبيل المثال الفتاوى رقم: 3178،و 10001، و33301، و40161.
وأما إذا لم تكن هناك خلوة مع زوجة أخيك وكانت لابسة اللباس الشرعي، فلا حرج، ولو كنتم في غرفة واحدة، مع وجوب غض البصر عنها.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 31 / ص 234)
يريد الاستقلال ببيت ليزوج وعائلته تمانع رقم الفتوى:47458تاريخ الفتوى:29 صفر 1425السؤال :
أنا شاب مسلم عمري 31 عاماً أعيش مع أخواتي، كنت فيما مضى آتي المحرمات خاصة الزنا فتبت إلى ربي، أنا الآن أحافظ على الصلاة وأفكر في الزواج لأن فكرة الزنا تراودني، لكنني لا أريد أن أعصي ربي، المشكلة أنني أريد أن أستقل يعني يكون لي بيتاً خاصاً وعائلتي تمنعني، أريد حلاً؟ ولكم جزيل الشكر.
الفتوى :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان مرادك بالعائلة التي تمنعك والديك أو أحدهما فإنه يتعين عليك برهما وطاعتهما والإحسان إليهما في حدود طاعة الله، ففي إرضائهما إرضاء الله تعالى كما في الحديث: رضى الرب في رضى الوالدين، وسخط الرب في سخط الوالدين. رواه الترمذي والحاكم وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي والألباني.
ولهذا فعليك أن تحاول إقناعهما بفكرتك بالاستقلال ببيت، فإن لم يرضيا فاحرص على برهما، واعلم أن الزواج لا يشترط فيه الاستقلال بالسكن، بل يمكن السكن مع الوالدين في شقة مجاورة لشقتهم، أو في شقة واحدة معهم؛ إذا كان ذلك لا يؤدي لمخالطة زوجتك لإخوانك الذين هم أجانب عنها.
أما إذا كان يؤدي سكنك معهم لمخالطة زوجتك للأجانب؛ فهنا يتعين عليك لفت نظرهم للموضوع وإعلامهم بحتمية الانفصال حتى تعصم زوجتك من الأجانب، وهذا -أعني طاعة الوالدين- محل وجوبها هو فيما إذا كانا لا يريدان استقلالك وانفصالك عنهما، أما إذا كانا لا يرضيان بزواجك أصلاً وأنت كما تقول تخشى العنت إن لم تتزوج؛ فيجب عليك المبادرة بالزواج تفاديًا للحرام، ولا تطع والديك في أي أمر يؤدي إلى معصية الله تعالى.
وإن كان مرادك بالعائلة إخوتك؛ فالأولى بك أن تحرص على ما يرضيهم ولكنه لا يجب عليك، فحاول الحوار معهم حتى تقنعهم بالموضوع أو التنازل لهم عن فكرتك، فإذا كان عندك أخوات -مثلاً- وكان انفصالك عنهنَّ يؤدي لضياعهنَّ؛ فالأولى أن تحرص على السكن معهنَّ، وإذا كانوا ذكورًا وإناثًا ومعهنَّ من الإخوة من يقوم برعايتهنَّ؛ فلا يلزمك أن تستجيب لهم في البقاء معهم، بل يجوز أن تستقل بسكنك، بل يتعين إذا كان بقاؤك مع الإخوة يؤدي لمخالطة الأجانب؛ ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والدخول على النساء. قالوا: يا رسول الله! أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت.
هذا ونؤكد عليك أن تواصل طريقك في التوبة والبعد عن الفاحشة، والحرص على الزواج بسرعة، وراجع للمزيد في الموضوع الفتوى رقم: 30425، والفتوى رقم: 34932.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 43 / ص 212)
عم المرأة وخالها من محارمها رقم الفتوى:63023تاريخ الفتوى:29 ربيع الثاني 1426السؤال:
6230.
وأما الحمو الوارد في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. متفق عليه. فالمقصود به هو ما بينته رواية الليث بن سعد قال: الحمو أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج كابن العم ونحوه.
قال النووي: واتفق أهل اللغة على أن الأحماء أقارب زوج المرأة كأبيه وعمه وأخيه وابن أخيه وابن عمه ونحوهم. قال: والمقصود بهم في الحديث أقارب الزوج غير آبائه وأبنائه.
وأما عم المرأة وخالها فليسا من أحمائها، بل هما من محارمها الذين تجوز لهم الخلوة بها إجماعا كما قال النووي، ولكن إذا خشيت الفتنة منهما منعت الخلوة بها لذلك.
ومن حق الزوج على زوجته أن لا توطئ فراشه من يكره ولا تدخل بيته من لم يأذن في دخوله كما في صحيح مسلم من خطبته صلى الله عليه وسلم بعرفة، قال: ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه... قال النووي: والمختار أن معناه أن لا يأذنَ لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم، سواء كان المأذون له رجلا أو امرأة أو أحدا من محارم الزوجة، فالنهي يتناول جميع ذلك، لأن الأصل تحريم دخول منزل الإنسان حتى يوجد الإذن منه في ذلك.
إذا فللزوج أن يمنع دخول من يكره دخوله في بيته لريبة أو غيرها، ولا يجوز للزوجة مخالفته في ذلك ولو كان أباها أو أمها، وينبغي للزوج أن لا يفعل ذلك إلا لريبة معلومة أو مظنونة.. كما ننبه هنا إلى مسألتين عظيمتين هما أن اتهام المسلم بارتكاب الفواحش أمر خطير، كما بينا في الفتوى رقم: 35488 ، وكذلك اتهام الزوجة والطعن في شرفها وعفتها، وحسبنا في ذلك قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {النور: 23}
فعلى الزوج أن يتقي الله سبحانه، وأن لا يسارع بالمجازفة في اتهام المسلمين سيما بهذا الأمر العظيم، وليعلم أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، يوسوس له ويوقع بينه وبين إخوانه بالتحريش وسوء الظن، وقد يكون ما وقع في نفس هذا الزوج من ذلك.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 45 / ص 249)
ليس للأب إخراج ابنته المعتدة من بيت الزوجية إلى بيته أثناء العدة رقم الفتوى:65464تاريخ الفتوى:28 جمادي الثانية 1426السؤال:
أخت زوجتي توفي عنها زوجها وترك لها ثلاثة أطفال يبلغ عمر أكبرهم 9 سنوات وقد بدأت عدتها في بيت الزوجية يريد أبو الزوجة أن يأخذها إلى بيته وهي لا تريد ولا تريد الزواج من بعد زوجها .. كما رأى إخوان الزوج أن يبقوهم في بيت الزوجية مع العلم أن إخوان الزوج لم يحترموا حرمة البيت حيث يدخلون على زوجة أخيهم المتوفى وهم غير محارم ويبيتون في البيت بادعاء أنهم يبيتون مع أمهم المقيمة معها.. كما يهددونها بأخذ أطفالها منها إذا ذهبت إلى بيت أبيها وسؤالي فهل تغضب والديها في سبيل احتفاظها بأطفالها أو ترضي والديها وتصبح في المحاكم بسبب أطفالها؟
أفتونا وانصحونا أثابكم الله عنا كل خير..
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالواجب على المرأة المتوفى عنها زوجها الإحداد أربعة أشهر وعشراً إن كانت غير حامل، فإن كانت حاملاً وجب عليها الإحداد إلى وضع الحمل، وللإحداد أحكام واجبة، ومنها لزوم بيتها الذي توفي زوجها وهي فيه حتى تنتهي العدة، ولا تخرج إلا للحاجة، ولا يجوز إخراجها منه، قال تعالى: لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ {الطلاق: 1}.
وهذا النهي عام في فترة الإحداد، لحق الله وحق الزوج، وبعد هذه الفترة يجوز لها طاعة والدها في الخروج من بيت الزوج، وليس لإخوة الزوج منعها من ذلك، ولا من حضانة أبنائها أعني من كان منهم في سن الحضانة، ما دامت أهلاً للحضانة ولم يقم بها مانع كزواجها مثلاً، أما دخول إخوة الزوج بيت زوجة أخيهم، فإذا لزم منه خلوة أو نظر محرم فلا يجوز لأنهم أجانب عنها، وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم دخول أقارب الزوج على المرأة فقال: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. وإن لم يلزم منه ذلك فلا حرج، كأن يكون البيت واسعاً ومتعدد المرافق.
وننصح الجميع بالوقوف عند حدود الله امتثالاً لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا {الطلاق: 1}.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 55 / ص 105)
محبة الشخص الأجنبي وكثرة التفكير فيه رقم الفتوى:73839تاريخ الفتوى:01 ربيع الثاني 1427السؤال:
هل يوجد تفسير لهذه المشكلة
فتاة تحب حبيبها لدرجة الجنون ولكن حين تختلي بنفسها تبدأ بتفكير وتخيل فتيان آخرين يدرسون معها أو رأتهم فى الطريق وتتخيل أنها تمارس معهم الجنس أوتتحدث معهم. حاولت أن لا تفكر بأي شخص إلا حبيبها ولكن التخيلات تزداد وحاولت غض النظر ولكن شيئا بداخلها يدفعها للتفكير حتى في الصلاه و بدأت تنهار نفسيا لأنها تحس أنها تخون حبيبها.سِِؤالي هو:
هل هذا شيء طبيعي، أي فتاة لها بعض التخيلات، وما تفسير هذه التخيلات؟ وماالعلاج؟
هل هذا يدل على أنها لا تحب حبيبها ؟ هل هذا مرض نفسي ؟
هل هذه التفكيرات والتخيلات من نفس خبيثة ؟
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقبل الجواب عما سألت عنه ، نريد أولا أن ننبهك إلى أن الحب بين الفتيان والفتيات لا يقبله الشرع إلا في إطار الزوجية . وإذا أراد الرجل الزواج من امرأة ، فإنه يجوز له النظر إلى وجهها وكفيها فقط ، وبدون شهوة ليتبين ما هي عليه من الجمال . روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا خطب أحدكم المرأة ، فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل. رواه أحمد وأبو داود . ولا يجوز النظر إلى غير ذلك من بدنها ، قال تعالى : قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا { النور: 30 ـــ 31 } ولا تجوز الخلوة بينهما لما ينجر عن ذلك من فتنة ، روى عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إياكم والدخول على النساء ، فقال رجل من الأنصار : يارسول الله أفرأيت الحمو؟ قال الحمو الموت. متفق عليه ، ولا تجوز له ملامسة جسدها ، روى معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له. رواه الطبراني وصححه الشيخ الألباني . وفيما يتعلق بموضوع سؤالك ، فإننا نحيلك إلى فتوانا رقم : 35373، المتعلقة بالتفكير في الجنس ، وما له من أسباب وعلاج ، ونلفت انتباهك إلى أنه لا فرق بين أن يكون هذا التفكير متعلقا بمن ذكرت من الأشخاص أو بمن سميته حبيبا فإن كل ذلك منهي عنه ، مالم يكن الشخص موضوع التفكير زوجا .
والله أعلم
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 55 / ص 354)
:حكم دخول الرجل على أخوات زوجته رقم الفتوى:74113تاريخ الفتوى:09 ربيع الثاني 1427السؤال:
زوجتى تريد أن تقيم فى منزل أهلها خلال فترة الإجازة الصيفية القادمة ورغم عدم موافقتى على ذلك لما يحدث من مشاكل من تواجد أخواتها و أزواج أخواتها المستمر ودخولهم وخروجهم في أي وقت وهذا الأمر يضايقني جدا رغم علم زوجتي بذلك إلا أن أخا الزوجة لا يرى أي مشكلة في ذلك و يرجع هذا الأمر للذوقيات أي من شاء أن يدخل من أزواج أخوات الزوجة فله ذلك و لاحرج ومن لايدخل فذلك من ذوقه رغم اعتراضى الشديد على ذلك مع العلم أن أخوات الزوجة يسكنون بنفس المنزل و هل يجوز لي منع الزوجة من دخول بيوت أخواتها و الاكتفاء بتواجدهن في منزل أهل الزوجة علما بأن تواجد زوجتي بأي مكان يتواجد فيه أزواج أخواتها يضايقني بشدة وزوجتى تعلم بذلك جيدا أرجو الإفادة.هل لي الحق في ذلك أم لا؟
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن زوج الأخت أجنبي، لا يجوز له النظر ولا الخلوة ، فإذا كان ذهاب زوجتك إلى بيت أهلها أو أختها يترتب عليه شيء من ذلك وجب عليك أن تمنعها صيانة لها وأمرا لها بالمعروف ونهيا لها عن المنكر ، وأما إذا كان ذهابها لا يترتب عليه شيء من المنكرات فلك الحق أيضا أن تمنعها ويجب عليها أن تطعيك في الحالتين ، ولكن الأفضل والأولى في هذه الحالة الثانية أن تسمح لها بالذهاب لأن في ذلك إعانة لها على بر والديها وصلة أخواتها ، وانظر الفتوى رقم : 1780 ، والفتوى رقم : 19419 ، وإذا كان لك منعها من الزيارة فلك منعها من الإقامة أثناء العطلة من باب أولى . وما قاله أخو زوجتك من أن دخول الرجل على أخوات زوجته مسألة ذوقية غير صحيح ، بل هي مسألة شرعية واضحة الحكم ، فإن الله تعالى بين في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم المحارم الذين يجوز لهم النظر والخلوة ، وليس أخو الزوجة محرما بالإجماع ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : إياكم والدخول على النساء, فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت . متفق عليه .
والله أعلم .
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 57 / ص 146)
طرق وقاية المرأة من حبها لزوج أختها رقم الفتوى:74454تاريخ الفتوى:18 ربيع الثاني 1427السؤال:
أحب زوج أختي ولا أدري ماذا سيحدث؟
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله السلامة والعافية، ونسأله الفقه في دينه، والالتزام بشرعه، فإن الجهل بدين الله عز وجل والتهاون في الالتزام بشرعه يفضي إلى أمور لا تحمد عقباها، ومن هذا ما عم وطم عند كثير من المسلمين للأسف من دخول الرجال الأجانب على النساء وخاصة الأقارب، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله: إياكم والدخول على النساء. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. رواه البخاري ومسلم من حديث عقبة بن عامر.
فعلى الأخت أن تتقي الله عز وجل، وأن لا تتهاون في مسألة الحجاب، والنظر والخلوة بغير محارمها، والكلام مع الرجال الأجانب لغير حاجة ونحو ذلك، وعليها أن تعلم أن حبها لرجل أجنبي غير زوج لا يجوز، وإذا كانت قد تعاطت أسباب ذلك من نظر محرم وغير ذلك، فإن الجريمة أعظم وأشنع، وتراجع في ذلك الفتوى رقم: 4220 ، وإذا كانت ذات زوج فإن الإثم يعظم أيضاً.
ومن جهة أخرى فإن الرجل الذي تعلقت به زوج لأختها، وهي لا تحل له ولا يحل لها إلا بعد أن يفارق أختها وتنتهي عدتها من طلاقها الرجعي، إذ من المعلوم عدم جواز الجمع بين الأختين، ولا يجوز لها بحال أن تسعى في طلاق أختها، لأن ذلك محرم في حق المسلمة عموماً، وفي الأخت أشد لما فيه من قطع الرحم، وفي الحديث: ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتستكفئ إناءها. رواه البخاري وغيره.
فعليها أن تجاهد نفسها لنسيان هذا الرجل، والبعد عنه وشغل نفسها وفكرها بما يعود بالنفع عليها في دينها ودنياها، ونسأل الله لنا ولها الهداية والتوفيق.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 57 / ص 467)
الفصل بين الجنسين قدر الإمكان متعين رقم الفتوى:74797تاريخ الفتوى:01 جمادي الأولى 1427السؤال:
أود أولا أن أشكركم علماءنا الأفاضل على مجهوداتكم الطيبة لنصرة دين الله عز وجل.. بارك الله فيكم
المشكلة هي على الشكل الآتي:
لقد تم بفضل الله إنشاء جمعية إسلامية خيرية بإحدى المدن المغربية .. المهم أن الجمعية الآن تحتاج لمقر والذي سيتم كراؤه عما قريب.. السؤال الذي يحيرني هنا هو كالآتي:
الجمعية تضم شبابا وبنات، الحمد لله كلهم على خلق جيد وهم متأدبون بآداب الإسلام، لكن هل هذا يمكننا من الاجتماع سويا في المقر قصد الإعداد للمشاريع وتطويرها؟ هل يعتبر هذا الأمر خلوة ؟
للإشارة فالجمعية تضم حوالي 40 شخصا عدد الإناث فيها أكبر من الذكور، أضف إلى ذلك أن هناك منهم من غير فئة الشباب ( رجل أعمال، مدرسة، ربة بيت...) لكن عددهم قليل جدا.
وقد كنا نستفيد إلى حدود الأيام الأخيرة من مقر بمؤسسة دار الشباب إلا أن هذه الإمكانية الآن أصبحت غير متوفرة..
عذرا على الإطالة وجزاكم الله خيرا.
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن فتنة النساء من أعظم الفتن وأكثرها خطرا وضررا؛ كما في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء . وروى مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فاتقوا الدنيا واتقوا النساء, فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء .
واختلاط الرجال بالنساء على الوضع الشائع الآن يعد من أكبر دواعي الفتن والفساد. قال الله تعالى : قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ { النور: 30 - 31 } وروى عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إياكم والدخول على النساء, فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال: الحمو الموت . متفق عليه.
لذلك فإن نصيحتنا لكم هي أن تفصلوا بين الجنسين في المدخل والمخرج والمرافق وغير ذلك, وأن يكون التواصل بينهما عبر الأزواج والزوجات أو الإخوة والأخوات, وإذا احتيج إلى غير ذلك فليكن عبر الهاتف وفي حدود ما تدعو إليه الحاجة دون دخول فيما لا تدعو إليه, ودون أي خضوع في القول, فإن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح, والسلامة لا يعدلها شيء .
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 58 / ص 114)
لتتق الزوجة ربها قدر الاستطاعة إن لم يتوفر السكن المستقل رقم الفتوى:74954تاريخ الفتوى:08 جمادي الأولى 1427السؤال:
أنا وزوجي نسكن مع أهله ولا أستطيع أن أحافظ على حجابي جيدا مع حر المطبخ أضطر إلى كشف نحري وكذلك خوفا من النار عندما أعد الأكل وغيره من تشمير العباءة على اليد فهل أطالب زوجي ببيت خاص علما انه لا يستطيع في الوقت الحالي لأنه يساعد أهله وإخوته على دفع ثمن بيتهم الكبير أم أن بيتنا أهم، أفيدونا بالحل الشرعي جازاكم الله خيرا، مع العلم أن له ستة إخوة عزاب وأبوه وأمه وأخته والأصغر عنده تسعة عشر سنة، فهل علي القيام بطلباتهم شرعا أم فقط مسؤولة على طلبات زوجي، جازاكم الله خيرا.
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن الحقوق التي أوجب الإسلام للزوجة على زوجها أن يفرد لها مسكنا مستقلا مناسبا لها على قدر استطاعته، تستطيع أن تعيش فيه بحرية في لباسها وحركتها ومعاملتها لزوجها، ووجود إخوة الزوج في البيت يمنعها من ذلك، مع ما قد يترتب على ذلك من أسباب الفتنة، قال صلى الله عليه وسلم: إياكم والدخول على النساء، قالوا: يا رسول الله أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. متفق عليه.
وبهذا يتبين للسائلة أن لها الحق في المطالبة بمسكن مستقل؛ بل يجب عليها ذلك إذا كان سكناها مع إخوته يلزم منه وقوع ما هو محرم من نحو كشف لما لا يجوز كشفه بحضرتهم، أو اختلاؤها معهم ونحو ذلك، والمراد بالمسكن المستقل هو ما بيناه في الفتوى رقم: 51137، ولكن إذا كان الزوج غير قادر على توفير المسكن المستقل للزوجة في هذه الفترة فيندب لها الصبر واحتساب الأجر حتى يجعل الله لها فرجا ومخرجا، ويجب في هذه الحالة أن يتخذ من الإجراءات ما ينتفي به المحذور من دخول الإخوة أو اختلائهم بهذه المرأة، وذلك بأن يجعل لها جانبا من البيت مستقلا بمرافقه بحيث لا يطلع عليها فيه غير زوجها ومحارمها، وإن لم يمكن هذا ولا ذاك فعليها أن تتقي الله قدر طاقتها واستطاعتها، ولا حرج عليها ولا إثم فيما ما لا تستطيع، لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن: 16}
وأما خدمة الزوجة أقارب الزوج فلا تجب عليها، وسبق بيانه في الفتوى رقم:3329، لكن الأولى لها أن تخدم والديه لأن ذك من حسن معاشرة الزوج المطلوبة شرعا.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 58 / ص 154)
علاقة الزوج بزميلة العمل وسعي امرأته في إصلاحه رقم الفتوى:74992تاريخ الفتوى:09 جمادي الأولى 1427السؤال:
أنا امرأة متزوجة منذ عام ، أعيش مع زوجي ولدي طفلة صغيرة والحمدلله ، وأنا منذ بداية الزواج لم أكلفه بأي شيء ولم أكتب عليه مهرا ولا مؤخرا وساهمت أيضاً في حفلة الزفاف عن طريق أخذ سلفة من البنك وفي تجهيز المنزل ، وبعد الزواج أصبحت الأمور المادية بيده لا أعرف شيئا عن مرتبي وكنت راضية وذلك لأننا في بداية حياتنا ولا مانع من المشاركة ، ولكن هو لا يقدر ذلك ويقول لي إن كل النساء يعملن ذلك لأزواجهن ، وقد استلمت من عملي السابق نهاية الخدمة فأخذها وبعد ذلك اشترى لي بجزء منها سيارة والباقي لا أعلم عنه شيئاً وأنا غير راضية عن ذلك لأنني أريد أدخر شيئاً للمستقبل ، وفي الفترة الأخيرة لاحظت عليه أنه يقوم بتوصيل زميلته في العمل وبعض الأحيان في الفترة المسائية وأدخلها في حياتنا وتربية طفلتنا مع العلم أنها متزوجة ولديها أطفال بالإضافة لكلامه معها في أمورنا الخاصة وقد ذهب أحد أقربائي لزيارته ووجده معها في مكتبها والباب مغلق عليهما بحجة الأكل سوياً وقد أخبرته بأن ذلك لا يجوز ولكن دون جدوى . فكيف أخرج تلك المرأة من حياته هل أقوم بالاتصال بها وإخبارها عدم التدخل في حيانتا ، لأن حياتي أصبحت معه محل شك وعدم ثقة ولا أفهم شيئاً من تصرفاته . وأنا الآن أريد أن أستقل مادياً مع المساهمة بجزء من الراتب ؟
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن راتب الزوجة وجميع ممتلكاتها ملك خاص بها، ولا يجوز للزوج أخذ شيء من مالها إلا برضاها وطيب نفسها. والزوجة لا تتحمل شرعا شيئا من النفقات، بل المسؤولية المالية كلها من نفقة وكسوة وسكنى هي من مسؤولية الزوج وحده مهما كان غنى زوجته وكثرة مالها، ومع ذلك فلا شك أن مساعدة الزوج في هذه الأمور والتعاون بين الزوجين في الأمور المالية وغيرها من أهم ما يوثق عرى الألفة والمحبة واستمرار الحياة الزوجية بينهما دون مشاكل، وعلى هذا فننصح السائلة الكريمة بأن تتفاهم مع زوجها في هذه الأمور فذلك من باب حسن المعاشرة، وإن كانت الشريعة أعطتها حق التصرف في مالها كيف شاءت، فإن الله تعالى يقول: وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{البقرة:237}
وأما عن علاقته بزميلته فإن العلاقة الآثمة مع المتزوجة من أخطر الذنوب لما فيه من معصية الله وإفساد المرأة على زوجها، ففي الحديث: ليس منا من خبب امرأة على زوجها, وعبدا على سيده. أخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط البخاري ووافقه الذهبي. وقد اتفق العلماء على حرمة الخلوة بالأجنبية لصريح النهي عنها، روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم. متفق عليه، وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت. رواه البخاري وغيره. ولم يتقيد النهي عن الخلوة بقصد الشهوة، فقصد الشهوة حرام ولو لم تحصل خلوة، قال الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ {النور:30-31}، وقال الله تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا{الإسراء:32} ويتأكد البعد عن هذا في حق المتزوج الذي عنده زوجة تعفه عن الحرام, فالاتصال بالزوجة من أنفع الوسائل في قمع النفس عن الأجنبيات، ففي صحيح مسلم : باب ندب من رأى امرأة فوقعت في نفسه إلى أن يأتي امرأته أو جاريته فيواقعها، وأسند الحديث: إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه. وبناء على هذا فاحرصي على توبته وأكثري من نصحه وترغيبه وترهيبه والدعاء له، وتعاوني معه على مجلس علم في البيت تقرآن فيه من آيات الوعد والوعيد وأحاديث الترغيب والترهيب، وقد دل الحديث على أن العلم بأحوال القبور والآخرة يقمع الشهوات والأهواء، وذلك حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي والألباني.
واحرصي ولو بالتعاون مع بعض صديقاتك من أهل الفضل على أن يكون له رفقاء صالحون ينشطونه للأعمال الصالحة، فالمرء على دين خليله؛ كما في حديث أحمد وأبي داود والترمذي والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي ، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فضل المرأة التي تعين زوجها على دينه وآخرته. فقد سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: لو علمنا أي المال خير فنتخذه؟ فقال: أفضله لسان ذاكر، وقلب شاكر، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه. رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني وفي رواية: ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا، ولسانا ذاكرا، وزوجة مؤمنة تعينه على أمر الآخرة. رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني. كما دعا بالرحمة لمن تقوم تصلي من الليل وتوقظ زوجها حتى يصلي، فقال: رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء. رواه أحمد والنسائي وأبو داود والحاكم وصححه الألباني. ويضاف إلى هذا عموم ما ذكره القرآن من التأكيد على التواصي بالحق والأمر بالمعروف والتعاون على البر والتقوى. قال تعالى: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {العصر:1 - 3}، وقال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى {المائدة:2}، وقال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ {التوبة:71}. فاسعي في إصلاح زوجك بشتى السبل الشرعية، ومن ذلك حسن معاشرته، والتزين له لتصرفي نظره وتشغلي وقته عن النظر في الحرام، وكذلك يمكنك إخبار من له تأثير عليه من عالم أو خطيب مسجد أو صديق ناصح ليساعد كل منهم في الإصلاح حسب استطاعته، فإن تاب زوجك وأناب فالحمد لله، وإن أصر على ما هو عليه فاصبري وأكثري من الدعاء له واستمري في نصحه وتذكيره، واستغلي الأحداث العظيمة كموت قريب، أو عزيز أو زميل في العمل أو جار أو أي حدث مؤثر.
والله أعلم .
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 60 / ص 81)
هذا الأمر لا يبرر الاختلاط رقم الفتوى:8975تاريخ الفتوى:16 ربيع الثاني 1422السؤال : أعيش أنا وأخى في بيت واحد والحياة مستمرة بيننا حيث إننا لا نقتسم الميراث منذ توفي أبي ويوجد توافق بيننا والسؤال: نجلس في بعض الأحيان كلنا سويا أنا وزوجتي وأولادي وهو كذللك فهل في هذا إثم من الناحية الدينية ؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإذا كانت زوجة كل واحد منكما غير محرم للآخر، فإنه لا يجوز أن تجلسوا جميعاً في مكانٍ واحد من غير أن يكون بين الرجال والنساء ستر، لأن المجالسة تستلزم أن ينظر الجلساء بعضهم إلى بعضٍ، ويصعب فيها التحفظ، وخاصة إذا كانت دائمة فتسقط الحواجز، ويحصل الانبساط، وكل ذلك لا يجوز بين غير المحارم، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إياكم والدخول على النساء" فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو؟ قال: "الحمو الموت".
والحمو هو: أخو الزوج ومن أشبهه من أقاربه، كابن الأخ، وابن العم، فقوله صلى الله عليه وسلم: "الحمو الموت" معناه: تعظيم أمر دخول أقارب الزوج على زوجته إن لم يكونوا محارم لها، فالخوف منهم أكثر والفتنة بهم أكبر، لتمكنهم من الدخول على المرأة والخلوة بها من غير أن ينكر ذلك عليهم في عادة الناس.
وخلاصة القول: إننا نؤكد عليكم أن تحذروا من الاختلاط، فإنه يفضي إلى مفاسد كثيرة، ومضار كبيرة قد لا ينتبه لها، ولا يفطن لها حتى يقع المرء في براثينها.
واعلموا أن دعوى سلامة الصدور، وحسن القصد والنية لا تسوغ ما يحصل من الاختلاط غير المشروع في مثل هذه الحالات.
ولو كان ذلك معتبراً شرعاً، لكان أولى به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الأتقياء الأوفياء، وزوجاتهم الطاهرات الصينات العفيفات.
وقد قال الله تعالى مبيناً منهاجه في الطريق التي تتم بها المخاطبة بين الطرفين مع ما هم عليه من طهر وعفاف: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) [الأحزاب:53].
والله أعلم.(1/168)