230-7887 أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ طَلْحَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " أَهْوَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُقَبِّلَنِي " فَقُلْتُ : " إِنِّي صَائِمَةٌ " فَقَالَ : " وَأَنَا صَائِمٌ ، فَقَبَّلَنِي "(1)
__________
(1) - أخرجه أحمد برقم(26172) وابن خزيمة برقم(1882) صحيح
فتح الباري لابن حجر - (ج 6 / ص 179)
أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق يَحْيَى الْقَطَّان بِلَفْظِ " كَانَ يُقَبِّلُ بَعْض أَزْوَاجه وَهُوَ صَائِم " وَزَادَ الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق عَمْرو بْن عَلِيِّ بْن يَحْيَى قَالَ هِشَام " قَالَ إِنِّي لَمْ أَرَ الْقِبْلَةَ تَدْعُو إِلَى خَيْر " ، وَرَوَاهُ سَعِيد بْن مَنْصُور عَنْ يَعْقُوب بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ هِشَام بِلَفْظِ " كَانَ يُقَبِّلُ بَعْض أَزْوَاجه وَهُوَ صَائِم ثُمَّ ضَحِكَتْ " ، فَقَالَ عُرْوَة لَمْ أَرَ الْقُبْلَة تَدْعُو إِلَى خَيْر ، وَكَذَا ذَكَرَهُ مَالِك فِي " الْمُوَطَّأ " عَنْ هِشَام عَقِبَ الْحَدِيث ، لَكِنْ لَمْ يَقُلْ فِيهِ ثُمَّ ضَحِكَتْ . وَقَوْله ثُمَّ ضَحِكَتْ يَحْتَمِلَ ضَحِكَهَا لِلتَّعَجُّبِ مِمَّنْ خَالَفَ فِي هَذَا ، وَقِيلَ تَعَجَّبَتْ مِنْ نَفْسهَا إِذْ تُحَدِّث بِمِثْلِ هَذَا مِمَّا يُسْتَحَى مِنْ ذِكْر النِّسَاءِ مِثْلَهُ لِلرِّجَالِ ، وَلَكِنَّهَا أَلْجَأَتْهَا الضَّرُورَةُ فِي تَبْلِيغ الْعِلْم إِلَى ذِكْر ذَلِكَ ، وَقَدْ يَكُون الضَّحِك خَجَلًا لِإِخْبَارِهَا عَنْ نَفْسهَا بِذَلِكَ ، أَوْ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهَا صَاحِبَة الْقِصَّة لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الثِّقَة بِهَا ، أَوْ سُرُورًا بِمَكَانِهَا مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَنْزِلَتِهَا مِنْهُ وَمَحَبَّتِهِ لَهَا . وَقَدْ رَوَى اِبْن أَبِي شَيْبَة عَنْ شَرِيك عَنْ هِشَام فِي هَذَا الْحَدِيث " فَضَحِكَتْ ، فَظَنَنَّا أَنَّهَا هِيَ " وَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق طَلْحَةَ بْن عَبْد اللَّه التَّيْمِيِّ عَنْ عَائِشَة قَالَتْ " أَهْوَى إِلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُقَبِّلَنِي فَقُلْت إِنِّي صَائِمَةٌ ، فَقَالَ وَأَنَا صَائِم ، فَقَبَّلَنِي " وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ لِمَنْ لَا يَتَأَثَّر بِالْمُبَاشَرَةِ وَالتَّقْبِيلِ ، لَا لِلتَّفْرِقَةِ بَيْن الشَّابِّ وَالشَّيْخِ ، لِأَنَّ عَائِشَة كَانَتْ شَابَّةً ، نَعَمْ لَمَّا كَانَ الشَّابُّ مَظِنَّةً لِهَيَجَانِ الشَّهْوَة فَرَّقَ مَنْ فَرَّقَ . وَقَالَ الْمَازِرِيُّ : يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ حَالُ الْمُقَبِّلِ فَإِنْ أَثَارَتْ مِنْهُ الْقُبْلَةُ الْإِنْزَالَ حَرُمَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِنْزَالَ يُمْنَعُ مِنْهُ الصَّائِم فَكَذَلِكَ مَا أَدَّى إِلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ عَنْهَا الْمَذْي فَمَنْ رَأَى الْقَضَاء مِنْهُ قَالَ يَحْرُمُ فِي حَقِّهِ ، وَمَنْ رَأَى أَنْ لَا قَضَاءَ قَالَ يُكْرَه ، وَإِنْ لَمْ تُؤَدِّ الْقُبْلَةُ إِلَى شَيْء فَلَا مَعْنَى لِلْمَنْعِ مِنْهَا إِلَّا عَلَى الْقَوْل بِسَدِّ الذَّرِيعَة . قَالَ : وَمِنْ بَدِيع مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلسَّائِلِ عَنْهَا " أَرَأَيْت لَوْ تَمَضْمَضْت " فَأَشَارَ إِلَى فِقْهٍ بَدِيع ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ لَا تَنْقُضُ الصَّوْمَ وَهِيَ أَوَّل الشُّرْبِ وَمِفْتَاحُهُ ، كَمَا أَنَّ الْقُبْلَةَ مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاع وَمِفْتَاحُهُ ، وَالشُّرْب يُفْسِدُ الصَّوْمَ كَمَا يُفْسِدهُ الْجِمَاع ، وَكَمَا ثَبَتَ عِنْدهمْ أَنَّ أَوَائِل الشُّرْب لَا يُفْسِد الصِّيَام فَكَذَلِكَ أَوَائِل الْجِمَاع ا ه . وَالْحَدِيث الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيث عُمَر ، قَالَ النَّسَائِيُّ مُنْكَرٌ ، وَصَحَّحَهُ اِبْن خُزَيْمَةَ وَابْن حِبَّانَ وَالْحَاكِم وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيث أُمّ سَلَمَة فِي كِتَاب الْحَيْضِ ، وَالْغَرَض مِنْهُ هُنَا قَوْلهَا " وَكَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِم " وَقَدْ ذَكَرْنَا شَاهِدَهُ مِنْ رِوَايَة عُمَر بْن أَبِي سَلَمَة فِي الْبَاب الَّذِي قَبْلَهُ . وَقَالَ النَّوَوِيّ : الْقُبْلَةُ فِي الصَّوْم لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى مَنْ لَمْ تُحَرِّكْ شَهْوَتَهُ لَكِنَّ الْأَوْلَى لَهُ تَرْكُهَا ، وَأَمَّا مَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ فَهِيَ حَرَامٌ فِي حَقِّهِ عَلَى الْأَصَحّ وَقِيلَ مَكْرُوهَة ، وَرَوَى اِبْن وَهْبٍ عَنْ مَالِك إِبَاحَتَهَا فِي النَّفْل دُون الْفَرْض . قَالَ النَّوَوِيّ : وَلَا خِلَاف أَنَّهَا لَا تُبْطِلُ الصَّوْمَ إِلَّا إِنْ أَنْزَلَ بِهَا .
نيل الأوطار - (ج 7 / ص 67)
بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ إلَّا لِمَنْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ 1656 - ( عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ) .
1657 - ( وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ أَمْلَكَكُمْ لَإِرْبِهِ } .
رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ .
وَفِي لَفْظٍ : { كَانَ يُقَبِّلُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ ) .
وَعَنْ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ : أَنَّهُ { سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ ؟ فَقَالَ لَهُ : سَلْ هَذِهِ لِأُمِّ سَلَمَةَ ، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ، فَقَالَ لَهُ : أَمَا وَاَللَّهِ إنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَفِيهِ أَنَّ أَفْعَالَهُ حُجَّةٌ ) .
1659 - ( وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : { أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ ، فَرَخَّصَ لَهُ ، وَأَتَاهُ آخَرُ فَنَهَاهُ عَنْهَا ، فَإِذَا الَّذِي رَخَّصَ لَهُ شَيْخٌ ، وَإِذَا الَّذِي نَهَاهُ شَابٌّ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ) .
الشَّرْحُ
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيُّ وَالْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ ، وَفِي إسْنَادِهِ أَبُو الْعَنْبَسِ الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ سَكَتُوا عَنْهُ .
وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ : مَقْبُولٌ ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِرَفْعِهِ ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا .
وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو .
قَوْلُهُ : ( كَانَ يُقَبِّلُهَا ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّقْبِيلُ لِلصَّائِمِ وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ .
قَالَ النَّوَوِيُّ : وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تُبْطِلُ الصَّوْمَ إلَّا إنْ أَنْزَلَ بِهَا وَلَكِنَّهُ مُتَعَقَّبٌ بِأَنَّ ابْنَ شُبْرُمَةَ أَفْتَى بِإِفْطَارِ مَنْ قَبَّلَ .
وَنَقَلَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ قَوْمٍ وَلَمْ يُسَمِّهِمْ ، وَقَدْ قَالَ بِكَرَاهَةِ التَّقْبِيلِ وَالْمُبَاشَرَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ قَوْمٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ .
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَه الْقُبْلَةَ وَالْمُبَاشَرَةَ .
وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ قَوْمٍ تَحْرِيمَهُمَا ، وَأَبَاحَ الْقُبْلَةَ مُطْلَقًا قَوْمٌ .
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ صَحِيحًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَعِيدٌ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَطَائِفَةٌ وَبَالَغَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ فَقَالَ : إنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ .
وَفَرَّقَ آخَرُونَ بَيْنَ الشَّابِّ وَالشَّيْخِ ، فَأَبَاحُوهَا لِلشَّيْخِ دُونَ الشَّابِّ تَمَسُّكًا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرِهِمَا ، وَفَرَّقَ آخَرُونَ بَيْنَ مَنْ يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَمَنْ لَا يَمْلِكُ .
وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ وَالشَّافِعِيُّ ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ إلَّا قَوْلٌ لِعَائِشَةَ ، نَعَمْ نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلشَّابِّ وَإِذْنُهُ لِلشَّيْخِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّقْبِيلُ لِمَنْ خَشِيَ أَنْ تَغْلِبَهُ الشَّهْوَةُ وَظَنَّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ التَّقْبِيلِ ، وَلِذَلِكَ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى تَحْرِيمِ التَّقْبِيلِ عَلَى مَنْ كَانَ تَتَحَرَّكُ بِهِ شَهْوَتُهُ ، وَالشَّابُّ مَظِنَّةٌ لِذَلِكَ .
وَيُعَارِضُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { أَهْوَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُقَبِّلَنِي ، فَقُلْتُ : إنِّي صَائِمَةٌ ، فَقَالَ : وَأَنَا صَائِمٌ فَقَبَّلَنِي } وَعَائِشَةُ كَانَتْ شَابَّةٌ حِينَئِذٍ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُخْتَصًّا بِالرِّجَالِ وَلَكِنَّهُ بَعِيدٌ ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْحُكْمِ .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ مِنْ حَالِ عَائِشَةَ أَنَّهَا لَا تَتَحَرَّكُ شَهْوَتُهَا بِالتَّقْبِيلِ .
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَمَسُّ شَيْئًا مِنْ وَجْهِهَا وَهِيَ صَائِمَةٌ } فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُجَنِّبُهَا ذَلِكَ إذَا صَامَتْ تَنْزِيهًا مِنْهُ لَهَا عَنْ تَحَرُّكِ الشَّهْوَةِ لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ بِمِثْلِهِ .
وَقَدْ دَلَّ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَذْكُورُ عَلَى جَوَازِ التَّقْبِيلِ لِلصَّائِمِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الشَّابِّ وَغَيْرِهِ .
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخَصُّ مِنْهُ فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ .
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِتَحْرِيمِ التَّقْبِيلِ وَالْمُبَاشَرَةِ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ } قَالُوا : فَمَنَعَ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ نَهَارًا .
وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُبِينُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى ، وَقَدْ أَبَاحَ الْمُبَاشَرَةَ نَهَارًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُبَاشَرَةِ فِي الْآيَةِ : الْجِمَاعُ لَا مَا دُونَهُ مِنْ قُبْلَةٍ وَنَحْوِهَا ، وَغَايَةُ مَا فِي الْآيَةِ أَنْ تَكُونَ عَامَّةً فِي كُلِّ مُبَاشَرَةٍ مُخَصَّصَةٍ بِمَا وَقَعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أُذِنَ بِهِ ، وَالْمُرَادُ بِالْمُبَاشَرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ التَّقْبِيلِ مَا لَمْ يَبْلُغْ إلَى حَدِّ الْجِمَاعِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ : " كَانَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ " مِنْ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ ، لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ فِي الْأَصْلِ الْتِقَاءُ الْبَشَرَتَيْنِ .
وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا بَاشَرَ الصَّائِمُ أَوْ قَبَّلَ أَوْ نَظَرَ فَأَنْزَلَ أَوْ أَمْذَى ، فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ : يَقْضِي إذَا أَنْزَلَ فِي غَيْرِ النَّظَرِ ، وَلَا قَضَاءَ فِي الْإِمْذَاءِ .
وَقَالَ مَالِكٌ وَإِسْحَاقُ : يَقْضِي فِي كُلِّ ذَلِكَ وَيُكَفِّرُ إلَّا فِي الْإِمْذَاءِ فَيَقْضِي فَقَطْ ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّ الْإِنْزَالَ أَقْصَى مَا يُطْلَبُ فِي الْجِمَاعِ مِنْ الِالْتِذَاذِ فِي كُلِّ ذَلِكَ .
وَتَعَقَّبَ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ عُلِّقَتْ بِالْجِمَاعِ فَقَطْ .
وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى مَنْ بَاشَرَ أَوْ قَبَّلَ فَأَنْعَظَ ، أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ ، أَمْذَى أَمْ لَمْ يُمْذِ ، وَأَنْكَرَهُ غَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ .
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ مَنْ تَأَمَّلَ خَلْقَ امْرَأَةٍ وَهُوَ صَائِمٌ بَطَلَ صَوْمُهُ .
قَالَ فِي الْفَتْحِ : وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ .
قَالَ : وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ ، إنْ قَبَّلَ فَأَنْزَلَ أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ ، كَذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ ، فَقَدْ حَكَى ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَلَوْ أَنْزَلَ وَقَوَّى ذَلِكَ وَذَهَبَ إلَيْهِ .
قَوْلُهُ : ( لِأَرَبِهِ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ : أَيْ حَاجَتِهِ ، وَيُرْوَى بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ : أَيْ عُضْوِهِ .
قَالَ فِي الْفَتْحِ : وَالْأَوَّلُ أَشْهُرُ ، وَإِلَى تَرْجِيحِهِ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ بِمَا أَوْرَدَهُ مِنْ التَّفْسِيرِ انْتَهَى .
وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُهَا وَيَمُصُّ لِسَانَهَا } قَالَ الْحَافِظُ : وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ ، وَلَوْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْتَلِعْ رِيقَهُ الَّذِي خَالَطَهُ رِيقُهَا .
وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { أَنَّهُ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ ، فَأَمَرَ امْرَأَتَهُ فَسَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : إنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ ، فَقَالَ زَوْجُهَا : رَخَّصَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ أَشْيَاءَ ، فَرَجَعَتْ فَقَالَ : أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِ اللَّهِ وَأَتْقَاكُمْ } وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ لَكِنَّهُ أَرْسَلَهُ .(1/111)
231-7888 أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مُطَرِّفٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَظَلُّ صَائِمًا فَيُقَبِّلُ مَا شَاءَ مِنْ وَجْهِي "(1)
232-7889 أَخْبَرَنِي زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبِي ، عَنْ صَالِحٍ الْأَسَدِيِّ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْتَنِعُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ وَجْهِي وَهُوَ صَائِمٌ (2)
__________
(1) - صحيح
(2) - أخرجه أحمد برقم(26033 و26532) والمسند الجامع برقم(16593 ) صحيح(1/112)
رِعَايَةُ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا
233-7890 أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ عُبَيْدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " نِسَاءُ قُرَيْشٍ خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ ، أَحْنَاهُ عَلَى طِفْلٍ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ " قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : " وَلَمْ تَرْكَبْ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ بَعِيرًا قَطُّ "(1)
------------------
(1) - البخاري برقم(3434 ) ومسلم برقم(6620)
فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 235)
3179 - حَدَيث أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فِي فَضْل مَرْيَم وَآسِيَة ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحه فِي آخَر قِصَّة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام .
وَحَدِيث أَبِي هُرَيْرَة فِي فَضْل نِسَاء قُرَيْش .
قَوْله : ( وَقَالَ اِبْن وَهْب إِلَخْ )
وَصَلَهُ مُسْلِم عَنْ حَرْمَلَة عَنْ اِبْن وَهْب ، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ عَنْ الْحَسَن بْن سُفْيَان عَنْ حَرْمَلَة ، وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ مَوْصُولًا مِنْ وَجْه آخَر عَنْ اِبْن وَهْب فِي النِّكَاح ، قَالَ الْقُرْطُبِيّ : هَذَا تَفْضِيل لِنِسَاءِ قُرَيْش عَلَى نِسَاء الْعَرَب خَاصَّة ، لِأَنَّهُمْ أَصْحَاب الْإِبِل غَالِبًا ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّة شَرْحه فِي كِتَاب النِّكَاح إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .
قَوْله : ( أَحْنَاهُ )
أَشْفَقه ، حَنَى يَحْنُو وَيُحْنِي مِنْ الثُّلَاثِيّ ، وَأَحْنَى يُحْنِي مِنْ الرُّبَاعِيّ : أَشْفَقَ عَلَيْهِ وَعَطَفَ ، وَالْحَانِيَة الَّتِي تَقُوم بِوَلَدِهَا بَعْد مَوْت الْأَب ، قَالَ : وَحَنَتْ الْمَرْأَة عَلَى وَلَدهَا إِذَا لَمْ تَتَزَوَّج بَعْد مَوْت الْأَب . قَالَ اِبْن التِّين : فَإِنْ تَزَوَّجَتْ فَلَيْسَتْ بِحَانِيَة . قَالَ الْحَسَن فِي الْحَانِيَة الَّتِي لَهَا وَلَد وَلَا تَتَزَوَّج . وَفِي بَعْض الْكُتُب : أَحْنَى بِتَشْدِيدِ النُّون وَالتَّنْوِين حَكَاهُ اِبْن التِّين وَقَالَ : لَعَلَّهُ مَأْخُوذ مِنْ الْحَنَان بِفَتْحِ وَتَخْفِيف وَهُوَ الرَّحْمَة ، وَحَنَتْ الْمَرْأَة إِلَى وَلَدهَا وَإِلَى زَوْجهَا سَوَاء كَانَ بِصَوْت أَمْ لَا ، وَمِنْ الَّذِي بِالصَّوْتِ حَنِين الْجِذْع وَأَصْله تَرْجِيع صَوْت النَّاقَة عَلَى أَثَر وَلَدهَا ، وَكَانَ الْقِيَاس أَحْنَاهُنَّ لَكِنْ جَرَى لِسَان الْعَرَب بِالْإِفْرَادِ ، وَقَوْله : " وَلَمْ تَرْكَب مَرْيَم بَعِيرًا قَطّ " إِشَارَة إِلَى أَنَّ مَرْيَم لَمْ تَدْخُل فِي هَذَا التَّفْضِيل بَلْ هُوَ خَاصّ بِمَنْ يَرْكَب الْإِبِل ، وَالْفَضْل الْوَارِد فِي خَدِيجَة وَفَاطِمَة وَعَائِشَة هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَمِيع النِّسَاء إِلَّا مَنْ قِيلَ إِنَّهَا نَبِيَّة ، فَإِنْ ثَبَتَ فِي حَقّ اِمْرَأَة أَنَّهَا نَبِيَّة فَهِيَ خَارِجَة بِالشَّرْعِ لِأَنَّ دَرَجَة النُّبُوَّة لَا شَيْء بَعْدهَا ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُت فَيَحْتَاج مَنْ يُخْرِجهُنَّ إِلَى دَلِيل خَاصّ لِكُلٍّ مِنْهُنَّ ، فَأَشَارَ أَبُو هُرَيْرَة إِلَى أَنَّ مَرْيَم لَمْ تَدْخُل فِي هَذَا الْعُمُوم ، لِأَنَّهُ قَيَّدَ أَصْل الْفَضْل بِمَنْ يَرْكَب الْإِبِل وَمَرْيَم لَمْ تَرْكَب بَعِيرًا قَطّ . وَقَدْ اِعْتَرَضَ بَعْضهمْ فَقَالَ : كَأَنَّ أَبَا هُرَيْرَة ظَنَّ أَنَّ الْبَعِير لَا يَكُون إِلَّا مِنْ الْإِبِل ، وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ بَلْ يُطْلَق الْبَعِير عَلَى الْحِمَار . وَقَالَ اِبْن خَالَوَيْهِ : لَمْ تَكُنْ إِخْوَة يُوسُف رُكْبَانًا إِلَّا عَلَى أَحْمِرَة ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدهمْ إِبِل ، وَإِنَّمَا كَانَتْ تَحْمِلهُمْ فِي أَسْفَارهمْ وَغَيْرهَا الْأَحْمِرَة ، وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد هُنَا : الْبَعِير الْحِمَار ، وَهِيَ لُغَة حَكَاهَا الكواشي ، وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ : ( اِصْطَفَاك عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ ) عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ نَبِيَّة ، وَيُؤَيِّد ذِكْرهَا فِي سُورَة مَرْيَم بِمِثْلِ مَا ذُكِرَ بِهِ الْأَنْبِيَاء ، وَلَا يَمْنَع وَصْفهَا بِأَنَّهَا صِدِّيقَة فَإِنَّ يُوسُف وُصِفَ بِذَلِكَ مَعَ كَوْنه نَبِيًّا ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الْأَشْعَرِيّ أَنَّ فِي النِّسَاء نَبِيَّات . وَجَزَمَ اِبْن حَزْم بِسِتّ : حَوَّاء وَسَارَة وَهَاجَر وَأُمّ مُوسَى وَآسِيَة وَمَرْيَم ، وَلَمْ يَذْكُر الْقُرْطُبِيّ سَارَة وَلَا هَاجَر ، وَنَقَلَهُ السُّهَيْلِيُّ فِي آخِر " الرَّوْض " عَنْ أَكْثَر الْفُقَهَاء ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : الصَّحِيح أَنَّ مَرْيَم نَبِيَّة ، وَقَالَ عِيَاض : الْجُمْهُور عَلَى خِلَافه . وَذَكَر النَّوَوِيّ فِي " الْأَذْكَار " عَنْ إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ نَقَلَ الْإِجْمَاع عَلَى أَنَّ مَرْيَم لَيْسَتْ نَبِيَّة ، وَنَسَبَهُ فِي " شَرْح الْمُهَذَّب " لِجَمَاعَة ، وَجَاءَ عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ لَيْسَ فِي النِّسَاء نَبِيَّة وَلَا فِي الْجِنّ ، وَقَالَ السُّبْكِيّ : اُخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة وَلَمْ يَصِحّ عِنْدِي فِي ذَلِكَ شَيْء .
قَوْله : ( يَقُول أَبُو هُرَيْرَة عَلَى أَثَر ذَلِكَ : وَلَمْ تَرْكَب مَرْيَم بِنْت عِمْرَان بَعِيرًا قَطّ )
فِي رِوَايَة لِأَحْمَد وَأَبِي يَعْلَى " وَقَدْ عَلِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَرْيَم لَمْ تَرْكَب بَعِيرًا قَطّ " أَرَادَ أَبُو هُرَيْرَة بِذَلِكَ أَنَّ مَرْيَم لَمْ تَدْخُل فِي النِّسَاء الْمَذْكُورَات بِالْخَيْرِيَّةِ لِأَنَّهُ قَيَّدَهُنَّ بِرُكُوبِ الْإِبِل وَمَرْيَم لَمْ تَكُنْ مِمَّنْ يَرْكَب الْإِبِل ، وَكَأَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّهَا أَفْضَل النِّسَاء مُطْلَقًا .
قَوْله : ( تَابَعَهُ اِبْن أَخِي الزُّهْرِيّ وَإِسْحَاق الْكَلْبِيّ عَنْ الزُّهْرِيّ )
أَمَّا مُتَابَعَة اِبْن أَخِي الزُّهْرِيّ وَهُوَ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مُسْلِم فَوَصَلَهَا أَبُو أَحْمَد بْن عَدِيّ فِي الْكَامِل مِنْ طَرِيق الدَّرَاوُرْدِيّ عَنْهُ ، وَأَمَّا مُتَابَعَة إِسْحَاق الْكَلْبِيّ فَوَصَلَهَا الزُّهْرِيّ فِي " الزُّهْرِيَّات " عَنْ يَحْيَى بْن صَالِح عَنْهُ .
شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 299)
4589 - مَعْنَى ( ذَات يَده ) أَيْ شَأْنه الْمُضَاف إِلَيْهِ .
وَمَعْنَى ( أَحْنَاهُ ) أَشْفَقه . وَالْحَانِيَة عَلَى وَلَدهَا الَّتِي تَقُوم عَلَيْهِمْ بَعْد يُتْمهمْ فَلَا تَتَزَوَّج ؛ فَإِنْ تَزَوَّجَتْ فَلَيْسَتْ بِحَانِيَةٍ . قَالَ الْهَرَوِيُّ : وَقَدْ سَبَقَ فِي بَاب فَضْل أَبِي سُفْيَان قَرِيبًا بَيَان أَحْنَاهُ وَأَرْعَاهُ ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ أَحْنَاهُنَّ وَاَللَّه أَعْلَم .
وَمَعْنَى ( رَكِبْنَ الْإِبِل )نِسَاء الْعَرَب ، وَلِهَذَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَة فِي الْحَدِيث : لَمْ تَرْكَب مَرْيَم بِنْت عِمْرَان بَعِيرًا قَطُّ ، وَالْمَقْصُود أَنَّ نِسَاء قُرَيْش خَيْر نِسَاء الْعَرَب ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْعَرَب خَيْر مِنْ غَيْرهمْ فِي الْجُمْلَة ، وَأَمَّا الْأَفْرَاد فَيَدْخُل بِهَا الْخُصُوص .
عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 17 / ص 209)
4343 - وقال ( ابن وهب ) أخبرني ( يونس ) عن ( ابن شهاب ) قال حدثني ( سعيد بن المسيب ) أن ( أبا هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله يقول نساء قريش خير نساء ركبن الإبل أحناه على طفل وأرعاه على زوج في ذات يده يقول أبو هريرة على إثر ذالك ولم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط
مطابقته للترجمة في قوله ولم تركب مريم بنت عمران وابن وهب هو عبد الله بن وهب المصري ويونس هو ابن يزيد الأيلي وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري وهذا التعليق وصله مسلم عن حرملة عن ابن وهب إلى آخره قوله نساء قريش كلام إضافي مبتدأ وقوله خير نساء ركبن الإبل خبره وهو كناية عن نساء العرب قوله أحناه على طفل يعني أشفقه وأعطفه وكان القياس أن يقال أحناهن لكن قالوا العرب لا تتكلم في مثله إلا مفردا وقال ابن الأثير إنما وحد الضمير ذهابا إلى المعنى تقديره أحنى من وجد أو خلق أو من هناك ومثله قوله أحسن الناس وجها وأحسنه خلقا يريد أحسنهم خلقا وهو كثير في العربية ومن أفصح الكلام وأحنى على وزن أفعل التفضيل من حنى يحنو إو حنى يحني ومنه الحانية وهي التي تقيم على ولدها ولا تتزوج شفقة وعطفا ويقال حنت المرأة على ولدها تحنو إذا لم تتزوج بعد أبيهم وفي ( التوضيح ) وفي بعض الكتب أحناه بتشديد النون وقال ابن التين ولعله مأخوذ من الحنان وهو الرحمة ومنه حنين المرأة وهو نزاعها إلى ولدها وإن لم يكن لها صوت عند ذلك وقد يكون حنينها صوتها على ما جاء في الحديث من حنين الجذع والأصل فيه ترجيع الناقة صوتها على إثر ولدها قوله وأرعاه كذلك أفعل التفضيل من رعى يرعى رعاية والكلام فيه مثل الكلام في أحناه قوله في ذات يده أي في ماله المضاف إليه وفيه فضيلة نساء قريش وفضل هذه الخصال وهي الحنو على الأولاد والشفقة عليهم وحسن تربيتهم ومراعاة حق الزوج في ماله وحفظه والأمانة فيه وحسن تدبيره في النفقة قوله على إثر ذلك أي على عقبه ولم تركب مريم بنت عمران بعيرا قط يريد به أن مريم لم تدخل في النساء المذكورات بما ذكرن لأنه قيده بركوب الإبل ومريم لم تكن ممن يركب الإبل وقال صاحب ( التوضيح ) يؤخذ من قول أبي هريرة هذا ومن ذكر البخاري له في قصة مريم تفضيلها على خديجة وفاطمة لأنهما من العرب المخصوصين بركوب الإبل
تابعه ابن أخي الزهري وإسحاق الكلبي عن الزهري أي تابع يونس ابن أخي الزهري هو أبو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن مسلم بن عبيد الله الزهري القرشي المدني ابن أخي محمد ابن مسلم الزهري قال الواقدي قتله غلمانه بأمر ابنه وكان سفيها شاطرا للميراث في آخر خلافة أبي جعفر فوثب غلمانه بعد سنين فقتلوه أيضا قوله وإسحاق أي وتابعه أيضا إسحاق بن يحيى الكلبي الحمصي روى له البخاري مستشهدا في مواضع أما متابعة ابن أخي الزهري فوصلها أبو أحمد بن عدي في ( الكامل ) من طريق الدراوردي عنه
وأما متابعة اسحاق الكلبي فوصلها الذهلي في الزهريات عن يحي بن صالح الوحاظي عنه
طرح التثريب - (ج 7 / ص 114)
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ .
عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ } ( فِيهِ ) فَوَائِدُ : ( الْأُولَى ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ ، وَمَعْمَرٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ وَعَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَحَدُهُمَا صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ وَقَالَ الْآخَرُ : نِسَاءُ قُرَيْشٍ وَقَالَ : أَحْنَاهُ عَلَى يَتِيمٍ وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَرْعَاهُ عَلَى وَلَدٍ ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَمُسْلِمٌ مُسْنَدًا مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ .
{ نِسَاءُ قُرَيْشٍ خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ أَحَنَاهُ عَلَى طِفْلٍ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ ، يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ : وَلَمْ تَرْكَبْ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ بَعِيرًا قَطُّ } وَانْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي أَوَّلِهِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ أُمَّ هَانِئَ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنِّي قَدْ كَبِرْتُ وَلِي عِيَالٌ فَقَالَ : خَيْرُ نِسَاءٍ } فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، وَمِنْ طَرِيقِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .
( الثَّانِيَةُ ) فِيهِ تَفْضِيلُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ عَلَى غَيْرِهِنَّ وَقَوْلُهُ رَكِبْنَ الْإِبِلَ إشَارَةٌ إلَى الْعَرَبِ ؛ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ يُعْهَدُ عِنْدَهُمْ رُكُوبُ الْإِبِلِ فَعَبَّرَ بِرُكُوبِ الْإِبِلِ عَنْ الْعَرَبِ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الْعَرَبَ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِنَّ فَيُسْتَفَادُ بِذَلِكَ تَفْضِيلُهُنَّ مُطْلَقًا .
( الثَّالِثَةُ ) اسْتَنْبَطَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ : رَكِبْنَ الْإِبِلَ إخْرَاجَ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ مِنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَرْكَبْ بَعِيرًا قَطُّ فَلَا يَكُونُ فِيهِ تَفْضِيلُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ عَلَيْهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ لِمَرْيَمَ فَضْلًا وَأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ أَكْثَرِ نِسَاءِ قُرَيْشٍ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَأَشَارَ وَكِيعٌ إلَى السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ } وَأَرَادَ بِهَذِهِ الْإِشَارَةِ تَفْسِيرَ الضَّمِيرِ فِي نِسَائِهَا وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جَمِيعُ نِسَاءِ الْأَرْضِ أَيْ كُلُّ مَنْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مِنْ النِّسَاءِ .
قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَيْرُ نِسَاءِ الْأَرْضِ فِي عَصْرِهَا ، وَأَمَّا التَّفْضِيلُ بَيْنَهُمَا فَمَسْكُوتٌ عَنْهُ .
( قُلْتُ ) وَقَدْ يَعُودُ الضَّمِيرُ فِي نِسَائِهَا عَلَى مَرْيَمَ وَخَدِيجَةَ وَيَكُونُ الْمُقَدَّمُ خَبَرًا وَالْمُؤَخَّرُ مُبْتَدَأً وَالتَّقْدِيرُ مَرْيَمُ خَيْرُ نِسَائِهَا أَيْ خَيْرُ نِسَاءِ زَمَانِهَا وَالتَّرَدُّدُ بَيْنَ مَرْيَمَ وَخَدِيجَةَ مُفَرَّعٌ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ مَرْيَمَ لَيْسَتْ نَبِيَّةً وَقَدْ نَقَلَ بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا قُلْنَا بِنُبُوَّتِهَا كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فَلَا شَكَّ حِينَئِذٍ فِي فَضْلِهَا عَلَى خَدِيجَةَ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إخْرَاجُ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ مِنْ هَذَا التَّفْضِيلِ إلَى اسْتِنْبَاطِهِ مِنْ قَوْلِهِ : رَكِبْنَ الْإِبِلَ ؛ لِأَنَّ تَفْضِيلَ الْجُمْلَةِ لَا يَلْزَمُ طَرْدُهُ فِي كُلِّ الْأَفْرَادِ ، وَقَدْ عُلِمَ فَضْلُ مَرْيَمَ بِمَا تَقَدَّمَ وَغَيْرُهُ ؛ وَلَوْ قَصَدَ بِقَوْلِهِ : رَكِبْنَ الْإِبِلَ إخْرَاجَ نِسَاءِ غَيْرِ الْعَرَبِ لَلَزِمَ عَلَى ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ لِنِسَاءِ قُرَيْشٍ فَضْلٌ عَلَى نِسَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَا الرُّومِ وَلَا الْفُرْسِ وَلَا غَيْرِهِمْ مِنْ النِّسَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْحَدِيثُ دَالٌّ عَلَى تَفْضِيلِهِنَّ عَلَى جَمِيعِ النِّسَاءِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى تَفْضِيلِهِنَّ عَلَى بَقِيَّةِ الْعَرَبِ مَعَ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى تَفْضِيلِ الْعَرَبِ عَلَى غَيْرِهِمْ ثُمَّ إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إنَّمَا سِيقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي مَعْرَضِ التَّرْغِيبِ فِي نِكَاحِ الْقُرَشِيَّاتِ فَلَمْ يَقْصِدْ التَّعَرُّضَ لِمَرْيَمَ الَّتِي انْقَضَى زَمَانُهَا بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الرَّابِعَةُ ) فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ وَفِي غَيْرِهَا نِسَاءُ قُرَيْشٍ وَالْمُطْلَقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَالْمَحْكُومُ لَهُ بِالْخِيرَةِ إنَّمَا هُوَ صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ لَا غَيْرِهِنَّ ، قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ : وَيَعْنِي بِالصَّلَاحِ هُنَا صَلَاحَ الدِّينِ وَصَلَاحَ الْمُخَالَطَةِ لِلزَّوْجِ وَغَيْرِهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَحْنَاهُ وَأَرْعَاهُ .
( الْخَامِسَةُ ) قَوْلُهُ : أَحْنَاهُ أَيْ أَشْفَقَهُ وَالْحَانِيَةُ عَلَى وَلَدِهَا الَّتِي تَقُومُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ تَيَتُّمِهِمْ فَإِنْ تَزَوَّجَتْ فَلَيْسَ بِحَانِيَةٍ قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَقَوْلُهُ : عَلَى وَلَدٍ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَلَى يَتِيمٍ فَقَدْ يُجْعَلُ هَذَا مِنْ الْإِطْلَاقِ وَالتَّقْيِيدِ وَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ ، وَقَدْ يُقَالُ : هُوَ مِنْ ذِكْرِ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعُمُومِ فَهِيَ حَانِيَةٌ عَلَى وَلَدِهَا مُطْلَقًا لَكِنَّ الَّذِي تَقْوَى حَاجَتُهُ إلَى حُنُوِّهَا هُوَ الْيَتِيمُ أَمَّا مَنْ أَبُوهُ حَيٌّ فَمُسْتَغْنٍ عَنْهَا بِرَفْدِ أَبِيهِ وَلِذَلِكَ قَيَّدَ الْوَلَدَ بِالصِّغَرِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ حُنُوِّ الْأُمِّ بَعْدَ كِبَرِهِ .
( السَّادِسَةُ ) قَوْلُهُ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ أَيْ أَحْفَظُ وَأَصْوَنُ وَقَوْلُهُ فِي ذَاتِ يَدِهِ أَيْ فِي مَالِهِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَالْمُرَادُ حِفْظُهَا مَالَ الزَّوْجِ وَحُسْنُ تَدْبِيرِهِ فِي النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا وَصِيَانَتُهُ عَنْ أَسْبَابِ التَّلَفِ .
( السَّابِعَةُ ) قَوْلُهُ أَحْنَاهُ وَأَرْعَاهُ أَصْلُهُ أَحْنَاهُنَّ وَأَرْعَاهُنَّ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ إلَّا مُفْرَدًا قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ نَظِيرُ الْحَدِيثِ الْآخَرِ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا وَأَحْسَنَهُ خُلُقًا } وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ : { عِنْدِي أَحْسَنَ الْعَرَبِ وَأَجْمَلَهُ أُمُّ حَبِيبَةَ } .
( الثَّامِنَةُ ) فِيهِ فَضْلُ هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ .
( إحْدَاهُمَا ) الْحُنُوُّ عَلَى الْأَوْلَادِ وَالشَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ وَحُسْنُ تَرْبِيَتِهِمْ وَالْقِيَامُ عَلَيْهِمْ إذَا كَانُوا أَيْتَامًا وَنَحْوُ ذَلِكَ .
( وَالثَّانِيَةُ ) مُرَاعَاةُ حَقِّ الزَّوْجِ فِي مَالِهِ وَحِفْظِهِ وَالْأَمَانَةُ فِيهِ وَحُسْنُ تَدْبِيرِهِ فِي النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا وَصِيَانَتُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ .
( التَّاسِعَةُ ) إيرَادُ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي هَذَا الْبَابِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِمَا يُفْهَمُ مِنْهُ مِنْ التَّرْغِيبِ فِي نِكَاحِ الْقُرَشِيَّاتِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ مُرَاعَاةِ حَالِ الزَّوْجِ فِي حَيَاتِهِ فِي مَالِهِ وَنَفَقَتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ فِيمَنْ يَخْلُفُهُ يَتِيمًا ، وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا الْفُقَهَاءُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ نِكَاحُ النَّسِيبَةِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ كُلَّمَا كَانَ نَسَبُهَا أَعْلَى تَأَكَّدَ الِاسْتِحْبَابُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ فَضْلِ الْقُرَشِيَّاتِ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَمْرُ الْكَفَاءَةِ وَأَنَّ غَيْرَهُنَّ لَيْسَ كُفُؤًا لَهُنَّ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ تَوْفِيرِهِنَّ فِي أَمْرِ النَّفَقَةِ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ إنْفَاقُ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ ، وَقَدْ أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابَ حِفْظِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فِي ذَاتِ يَدِهِ وَالنَّفَقَةِ .
( الْعَاشِرَةُ ) قَدْ عُرِفَ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي نَقَلْنَاهَا مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ سَبَبُ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ اعْتِذَارُ أُمِّ هَانِئٍ لَمَّا خَطَبَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِبَرِ سِنِّهَا وَبِأَنَّهَا ذَاتُ عِيَالٍ فَرَفَقَتْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنْ لَا يَتَأَذَّى بِتَزَوُّجِ كَبِيرَةِ السِّنِّ وَلَا بِمُخَالَطَةِ عِيَالِهَا وَهُمْ فِي إخْلَائِهَا نَفْسَهَا لِمَصَالِحِهِمْ وَتَعِزُّ بِهَا عَلَيْهِمْ ، وَلَوْ كَانَ غَيْرُهَا لَآثَرَ مَصْلَحَةَ نَفْسِهِ مُعْرِضًا عَنْ مَصْلَحَةِ الزَّوْجِ وَالْعِيَالِ فَيَنْبَغِي ذِكْرُ هَذَا فِي أَسْبَابِ الْحَدِيثِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 25 / ص 384)
مطلقة تريد الزواج لنقص النفقة وتخشى على أولادها رقم الفتوى:38632تاريخ الفتوى:15 شعبان 1424السؤال : أنا مطلقة وليس لي دخل والنفقة لا تكفي أأتزوج وأترك أولادي لأبيهم ولا إثم؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجوز لك أن تتزوجي وتتركي الأولاد عند أبيهم ولو لم تكن هناك حاجة للزواج، فكيف وأنت تحتاجين للزواج من أجل النفقة على نفسك.
ولكن نرى أن الأولى إذا لم تكن بك حاجة للزواج إلا الحاجة إلى النفقة، وكان الأولاد صغاراً وخشيت من تركهم عند أبيهم أن تضيع حالهم، أن توسطي أحداً من أهل الخير يتفاهم مع أبيهم، فإن كان يمكن أن يزيد في النفقة بحيث تكفيك بالمعروف وتكفي أولادك فالحمد لله، وهذا خير من زواج لا تحتاجين إليه يترتب عليه تضييع الأولاد، وقد روى الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين يوم القيامة، وجمع بين أصبعيه السبابة والوسطى، امرأة ذات منصب وجمال آمت من زوجها حبست نفسها على أيتامها حتى بانوا أو ماتوا.
وروى الطبراني في الكبير، والخرائطي واللفظ له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا وامرأة ذات منصب وجمال حبست نفسها على بناتها حتى بانوا أو ماتوا في الجنة كهاتين.
وقد قال صلى الله عليه وسلم لما أبدت له أم هانئ عذرها بوجود عيال، وكان قد خطبها: خير نساء ركبن الإبل نساء قريش. أحناه على طفل وأرعاه على زوج.
وإن كان لا يمكن أن يزيد في النفقة، فليس أمامك إلا أن تتركي له الأولاد، ومحل هذا إذا لم يمكن الجمع بين حضانة الأولاد والزواج، بحيث إذا تزوجت طالب الأب بأولاده، فإذا كان يمكن أن تتزوجي وتحتفظي بحضانتهم، بمعنى أن أبا الأولاد لا يطالب بهم ويرضى زوجك ببقائهم معك ورعايتك لهم، فهذا أفضل وأولى، لما في زواجك حينئذ من مصالح كثيرة خالية عما يعارضها من مفاسد.
والله أعلم.(1/112)
شُكْرُ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا
234-7891 أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا سِرَّارُ بْنُ مُجَشِّرِ بْنِ قَبِيصَةَ الْبَصْرِيُّ ، ثِقَةٌ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى امْرَأَةٍ لَا تَشْكَرُ لِزَوْجِهَا وَهِيَ لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ " قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ سِرَّارُ بْنُ مُجَشِّرٍ : هَذَا ثِقَةٌ بَصْرِيٌّ هُوَ وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ يُقَدَّمَانِ فِي سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ؛ لَأَنَّ سَعِيدًا كَانَ تَغَيَّرَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ ، فَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَدِيمًا فَحَدِيثُهُ صَحِيحٌ وَافَقَهُ عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَلَى رَفْعِهِ وَجَعَلَ مَوْضِعَ سَعِيدٍ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ (1)
__________
(1) -أخرجه الحاكم في المستدرك برقم(2771 و7335 -7337) والصحيحة برقم(289) صحيح
حاشية ابن القيم على سنن أبي داود - (ج 1 / ص 226)
قَالَ الْحَافِظ شَمْس الدِّين اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه :
وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُد لِأَحَدٍ لَأَمَرْت الْمَرْأَة أَنْ تَسْجُد لِزَوْجِهَا " . قَالَ التِّرْمِذِيّ : هَذَا حَدِيث حَسَن غَرِيب صَحِيح ، قَالَ : وَفِي الْبَاب عَنْ مُعَاذ بْن جَبَل ، وَسُرَاقَة بْن مَالِك ، وَعَائِشَة ، وَابْن عَبَّاس ، وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي أَوْفَى ، وَطَلْق بْن عَلِيّ ، وَأُمّ سَلَمَة ، وَأَنَس وَابْن عُمَر . فَهَذِهِ أَحَد عَشَرَ حَدِيثًا . فَحَدِيث اِبْن أَبِي أَوْفَى رَوَاهُ أَحْمَد فِي مُسْنَده قَالَ : " لَمَّا قَدِمَ مُعَاذ مِنْ الشَّام سَجَدَ لِلنَّبِيِّ ! فَقَالَ : مَا هَذَا يَا مُعَاذ ؟ قَالَ : أَتَيْت الشَّام فَوَافَيْتهمْ يَسْجُدُونَ لِأَسَاقِفَتِهِمْ وَبَطَارِقَتهمْ ، فَوَدِدْت فِي نَفْسِي أَنْ نَفْعَل ذَلِكَ بِك ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَلَا تَفْعَلُوا ، فَلَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُد لِغَيْرِ اللَّه لَأَمَرْت الْمَرْأَة أَنْ تَسْجُد لِزَوْجِهَا ، وَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَا تُؤَدِّي الْمَرْأَة حَقَّ رَبّهَا حَتَّى تُؤَدِّي حَقَّ زَوْجهَا وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسهَا وَهِيَ عَلَى قَتَب لَمْ تَمْنَعهُ " وَرَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ . وَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيث حَفْص اِبْن أَخِي عَنْ أَنَس ، رَفَعَهُ : " لَا يَصْلُح لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُد لِبَشَرٍ ، وَلَوْ صَلَحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُد لِبَشَرٍ لَأَمَرْت الْمَرْأَة أَنْ تَسْجُد لِزَوْجِهَا مِنْ عِظَم حَقّه عَلَيْهَا " ، وَرَوَاهُ أَحْمَد . وَفِيهِ زِيَادَة : " وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ . لَوْ كَانَ مِنْ قَدَمه إِلَى مَفْرِق رَأْسه قُرْحَة تَنْجِيس بِالْقَيْحِ وَالصَّدِيد . ثُمَّ اِسْتَقْبَلَتْهُ تَلْحَسهُ " مَا أَدَّتْ حَقّه " . وَرَوَى النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيث أَبِي عُتْبَة عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : " سَأَلْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيّ النَّاس أَعْظَم حَقًّا عَلَى الْمَرْأَة ؟ قَالَ . زَوْجهَا ، قُلْت : فَأَيّ النَّاس أَعْظَم حَقًّا عَلَى الرَّجُل ؟ قَالَ أُمّه " . وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَابْن حِبَّان مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَنْظُر اللَّه إِلَى اِمْرَأَة لَا تَشْكُر لِزَوْجِهَا ، وَهِيَ لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ " وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث أُمّ سَلَمَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَيّمَا اِمْرَأَة مَاتَتْ وَزَوْجهَا رَاضٍ عَنْهَا دَخَلَتْ الْجَنَّة " قَالَ التِّرْمِذِيّ : حَسَن غَرِيب . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا دَعَا الرَّجُل اِمْرَأَته لِفِرَاشِهِ ، فَأَبَتْ أَنْ تَجِيء فَبَاتَ غَضْبَانًا عَلَيْهَا ، لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَة حَتَّى تُصْبِح " .
التمهيد لابن عبد البر - (ج 2 / ص 403)
حدثني سعيد بن نصر قراءة عليه ان قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا محمد بن إسمعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا منصور قال حدثنا ذر الهمداني عن وائل بن مهانة عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن فإنكن من أكثر أهل النار فقامت امرأة ليست من علية النساء فقالت لم يا رسول الله فقال لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير ثم قال عبد الله بن مسعود ما وجد من ناقص العقل والدين أغلب للرجال ذوي الرأي على أمورهم من النساء قال فقيل ( أ ) يا ابا عبد الرحمن فما نقصان عقلها ودينها فقال أما نقصان عقلها فجعل الله شهادة امرأتين كشهادة رجل وأما نقصان دينها فإنها تمكث كذا وكذا يوما لا تصلي لله ( ب ) فيه سجدة قال أبو عمر رواه شعبة عن الحكم عن وائل ( 1507 ) بن مهانة ( ج ) عن عبد الله عن النبي عليه السلام نحوه قال وقال عبد الله وما رأيت من ناقصات الدين والعقل أغلب للرجال ذوي الأمر منهن ثم ذكره الى آخره ورواه المسعودي عن الحكم عن ذر عن وائل ابن مهانة عن عبد الله موقوفا والصواب فيه رواية منصور عن ذر والله أعلم وقد روى كلام ابن مسعود هذا مرفوعا وقد ذكرناه ( من حديث المغيرة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وراه الدراوردي عن سهيل عن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فوعظ ثم قال يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار فقالت له امرأة ولم ذلك يا رسول الله قال بكثرة لعنكن وكفركن العشير وما رأيت ناقصات عقل ودين أغلب لألباب ذوي الرأي منكن فقالت امراة يا رسول الله وما نقصان عقولنا وديننا فقال شهادة امرأتين منكن شهادة رجل ونقصان دينهن الحيضة تمكث احداكن الثلاث والاربع لا تصلي وروى الليث بن سعد وبكر بن مضر عن ابن الهادي عن عبد الله بن دينار وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا معشر النساء تصدقن وأكثرن من الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار قالت أمراة منهن وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار قال تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن قالت يا رسول الله وما نقصان العقل والدين قال اما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا من نقصان العقل وتمكث ليلالي ما تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين هذا الحديث يدل على أن نقصان الدين قد يقع ضرورة لا تدفع إلا ترى ان الله جبلهن على ما يكون نقصا فيهن قال الله عز وجل !< الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على >! !< بعض >! وقد فضل الله أيضا بعض الرجال على بعض وبعض النساء على بعض وبعض الأنبياء على بعض لا يسأل عما يفعل وهو الحكيم العليم ( أ ) اه وحدثنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد ( قال حدثنا عبد الله بن محمد بن أسد قال حدثنا أحمد بن خالد ( ب ) قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا عبد الله بن رجاء الغداني قال أخبرنا عمران القطان عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمر ( ج ) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينظر الله عز وجل يوم القيامة الى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه وكذلك رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينظر الله الى امرأة لا تعرف حق زوجها وهي لا تستغني عنه رواه شعبة عن قتادة عن سعيد بن = المسيب عن عبد الله بن عمر موقوفا ( حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا عمرو بن مرزوق قال حدثنا شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمر قال لا ينظر الله الى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا
تستغني ( 1 ) عنه ) ( أ ) وحدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا أبو طالب محمد بن زكرياء ببيت المقدس قال حدثنا محمد بن يعقوب بن الفرج قال حدثنا علي بن المديني قال حدثنا هشام ( 1508 ) بن يوسف قال حدثنا القاسم ( 1509 ) بن فياض عن خلاد ( 1510 ) ابن ( ب ) عبد الرحمن بن جعدة عن سعيد بن المسيب أنه سمع ابن عباس يقول ان امرأة قالت يا رسول الله ما خير ما أعدت المرأة قال الطاعة للزوج والاعتراف بحقه(1/113)
235-7892 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا الْخَلِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى امْرَأَةٍ لَا تَشْكَرُ لِزَوْجِهَا " وَقَفَهُ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَوْلِهِ (1)
236-7893 أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حَجَرِ بْنِ إِيَاسٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ قَالَ : حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لَا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا ، قَالَتِ الْأُولَى : " زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ ، عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ ، لَا سَهْلٍ فَيُرْتَقَى ، وَلَا سَمِينٍ فَيُنْتَقَلُ " قَالَتِ الثَّانِيَةُ : " زَوْجِي لَا أَبُثُّ خَبَرَهُ ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَذَرَهُ ، إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ " قَالَتِ الثَّالِثَةُ : " زَوْجِيَ الْعَشَنَّقُ ، إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ ، وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ " قَالَتِ الرَّابِعَةُ : " زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ ، لَا حَرٌّ ، وَلَا قُرٌّ ، وَلَا مَخَافَةَ ، وَلَا سَآمَةَ " قَالَتِ الْخَامِسَةُ : " زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ ، وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ ، وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ " قَالَتِ السَّادِسَةُ : " زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ ، وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ ، وَإِنِ اضْطَجَعَ الْتَفَّ ، وَلَا يُولِجُ الْكَفَّ ، لِيَعْلَمَ الْبَثَّ " قَالَتِ السَّابِعَةُ : " زَوْجِي عَيَايَاءُ أَوْ غَيَايَاءُ ، طَبَاقَاءُ ، كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ ، شَجَّكِ ، أَوْ فَلَّكِ ، أَوْ جَمَعَ كُلًّا لَكِ " وَقَالَتِ الثَّامِنَةُ : " زَوْجِيَ الْ مَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ ، وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ " وَقَالَتِ التَّاسِعَةُ : " زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ ، طَوِيلُ النِّجَادِ ، عَظِيمُ الرَّمَادِ ، قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنِ النَّادِ " قَالَتِ الْعَاشِرَةُ : " زَوْجِي مَالِكٌ ، فَمَا مَالِكٌ مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكِ ، لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ ، قَلِيلَاتُ الْمَسَارِحِ ، إِذَا سَمِعْنَ يَوْمًا صَوْتَ الْمِزْهَرِ أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ " قَالَتِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : " زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ ، فَمَا أَبُو زَرْعٍ أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ ، وَمَلَأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ ، وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي ، وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ ، فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ ، فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلَا أُقَبَّحُ ، وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ ، وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ ، أُمُّ أَبِي زَرْعٍ ، فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ عُكُومُهَا رَدَاحٌ ، وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ ، ابْنُ أَبِي زَرْعٍ ، فَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ ، وَتُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ ، ابْنَةُ أَبِي زَرْعٍ ، فَمَا ابْنَةُ أَبِي زَرْعٍ طَوْعُ أَبِيهَا ، وَطَوْعُ أُمِّهَا ، وَمِلْءُ كِسَائِهَا ، وَغَيْظُ جَارَتِهَا ، جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ ، فَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ لَا تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا ، وَلَا تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا ، وَلَا تَمْلَأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا " قَالَتْ : خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ ، وَالْأَوْطَابُ تُمْخَضُ ، فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَيْنِ ، يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ ، فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا ، فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلًا سَرِيًّا ، وَرَكِبَ شَرِيًّا ، وَأَخَذَ خَطِّيًّا ، وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا ، وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا " فَقَالَ : " كُلِي أُمَّ زَرْعٍ ، وَمِيرِي أَهْلَكِ " قَالَتْ : فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ " . قَالَتْ عَائِشَةُ : فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ (2)
__________
(1) السنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي - (ج 7 / ص 294)برقم(15117) وقال عقبه : هَكَذَا أَتَى بِهِ مَرْفُوعًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ غَيْرُ مَرْفُوعٍ.
قلت : الرفع زيادة ثقة فقتبل - فالحديث صحيح مرفوعا وموقوفا
(2) - أخرجه البخاري برقم(5189)و مسلم برقم( 6458 ) والمسند الجامع برقم (16716 )
شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 198)
4481 - قَوْله : ( أَحْمَد بْن جَنَاب )
بِالْجِيمِ وَالنُّون ، قَالَ الْحَافِظ أَبُو بَكْر الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فِي كِتَابه الْمُبْهَمَات : لَا أَعْلَمُ أَحَدًا سَمَّى النِّسْوَة الْمَذْكُورَات فِي حَدِيث أُمّ زَرْع إِلَّا مِنْ الطَّرِيق الَّذِي أَذْكُرُهُ ، وَهُوَ غَرِيب جِدًّا فَذَكَرَهُ ، وَفِيهِ أَنَّ الثَّانِيَة اِسْمهَا عَمْرَة بِنْت عَمْرو ، وَاسْم الثَّالِثَة حنى بِنْت نعب ، وَالرَّابِعَة مهدد بِنْت أَبِي مرزمة ، وَالْخَامِسَة كَبْشَة ، وَالسَّادِسَة هِنْد ، وَالسَّابِعَة حنى بِنْت عَلْقَمَة ، وَالثَّامِنَة بِنْت أَوْس بْن عَبْد ، وَالْعَاشِرَة كَبْشَة بِنْت الْأَرْقَم ، وَالْحَادِيَة عَشْرَة أَمْ زَرْع بِنْت أَكْهَل بْن سَاعِد .
قَوْلهَا : ( جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَة اِمْرَأَة )
هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَم النُّسَخ ، وَفِي بَعْضهَا ( جَلَسْنَ ) بِزِيَادَةِ نُون ، وَهِيَ لُغَة قَلِيلَة سَبَقَ بَيَانهَا فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا حَدِيث : يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَة وَإِحْدَى عَشْرَة وَتِسْع عَشْرَة وَمَا بَيْنهمَا يَجُوزُ فِيهِ إِسْكَان الشِّين وَكَسْرهَا وَفَتْحهَا ، وَالْإِسْكَان أَفْصَح ، وَأَشْهَر .
قَوْلهَا : ( زَوْجِي لَحْم جَمَل غَثّ ، عَلَى رَأْس جَبَل وَعْر ، لَا سَهْل فَيُرْتَقَى ، وَلَا سَمِين فَيُنْتَقَل ) قَالَ أَبُو عُبَيْد وَسَائِر أَهْل الْغَرِيب وَالشُّرَّاح : الْمُرَاد بِالْغَثِّ الْمَهْزُول .
وَقَوْلهَا : ( عَلَى رَأْس جَبَل وَعْر )
أَيْ صَعْب الْوُصُول إِلَيْهِ . فَالْمَعْنَى أَنَّهُ قَلِيلُ الْخَيْر مِنْ أَوْجُه : مِنْهَا كَوْنه كَلَحْمٍ لَا كَلَحْمِ الضَّأْن ، وَمِنْهَا أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ غَثٌّ مَهْزُولٌ رَدِيءٌ ، وَمِنْهَا أَنَّهُ صَعْبُ التَّنَاوُل لَا يُوصَل إِلَيْهِ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ . هَكَذَا فَسَّرَهُ الْجُمْهُور . وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : قَوْلهَا : ( عَلَى رَأْس جَبَل ) أَيْ يَتَرَفَّعُ ، وَيَتَكَبَّرُ ، وَيَسْمُو بِنَفْسِهِ فَوْق مَوْضِعهَا كَثِيرًا أَيْ أَنَّهُ يَجْمَعُ إِلَى قِلَّةِ خَيْرِهِ تَكَبُّره وَسُوء الْخُلُق . قَالُوا :
وَقَوْلهَا : ( وَلَا سَمِين فَيُنْتَقَل )
أَيْ تَنْقُلُهُ النَّاس إِلَى بُيُوتهمْ لِيَأْكُلُوهُ ، بَلْ يَتْرُكُوهُ رَغْبَة عَنْهُ لِرَدَاءَتِهِ . قَالَ الْخَطَّابِيُّ : لَيْسَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ يَحْتَمِلُ سُوءُ عِشْرَته بِسَبَبِهَا . يُقَال : أَنَقَلْت الشَّيْء بِمَعْنَى نَقَلْته . وَرُوِيَ فِي غَيْر هَذِهِ الرِّوَايَة : ( وَلَا سَمِين فَيُنْتَقَى ) أَيْ يُسْتَخْرَجُ نِقْيه ، وَالنِّقْي بِكَسْرِ النُّون وَإِسْكَان الْقَاف هُوَ الْمُخُّ ، يُقَالُ : نَقَوْت الْعَظْم ، وَنَقَّيْته ، وَانْتَقَيْته ، إِذَا اِسْتَخْرَجْت نِقْيه .
قَوْلهَا : ( قَالَتْ الثَّانِيَة : زَوْجِي لَا أَبُثُّ خَبَرَهُ إِنِّي أَخَافُ أَلَّا أَذَرَهُ ، إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ )
فَقَوْلُهَا : ( لَا أَبُثُّ خَبَرَهُ )
أَيْ لَا أَنْشُرهُ وَأُشِيعُهُ
( إِنِّي أَخَاف أَنْ لَا أَذَرَهُ )
فِيهِ تَأْوِيلَانِ أَحَدهمَا لِابْنِ السِّكِّيت وَغَيْره أَنَّ الْهَاء عَائِدَة عَلَى خَبَره ، فَالْمَعْنَى أَنَّ خَبَره طَوِيل إِنْ شَرَعْت فِي تَفْصِيله لَا أَقْدِرُ عَلَى إِتْمَامه لِكَثْرَتِهِ . وَالثَّانِيَة أَنَّ الْهَاء عَائِدَة عَلَى الزَّوْج ، وَتَكُون ( لَا ) زَائِدَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { مَا مَنَعَك أَنْ لَا تَسْجُدَ } وَمَعْنَاهُ إِنِّي أَخَاف أَنْ يُطَلِّقَنِي فَأَذَرَهُ .
وَأَمَّا ( عُجَره وَبُجَره )
فَالْمُرَاد بِهِمَا عُيُوبُهُ ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره : أَرَادَتْ بِهِمَا عُيُوبه الْبَاطِنَة ، وَأَسْرَاره الْكَامِنَة قَالُوا : وَأَصْلُ الْعُجَر أَنْ يَعْتَقِدَ الْعَصَب أَوْ الْعُرُوق حَتَّى تَرَاهَا نَاتِئَة مِنْ الْجَسَد ، وَالْبُجَر نَحْوهَا إِلَّا أَنَّهَا فِي الْبَطْن خَاصَّة ، وَاحِدَتهَا بُجْرَة ، وَمِنْهُ قِيلَ : رَجُل أَبْجَر إِذَا كَانَ نَاتِئ السُّرَّة عَظِيمهَا ، وَيُقَالُ أَيْضًا : رَجُل أَنْجَر إِذَا كَانَ عَظِيمَ الْبَطْن ، وَامْرَأَة بَجْرَاء وَالْجَمْع بُجَر . وَقَالَ الْهَرَوِيُّ : قَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ الْعُجْرَة نَفْخَة فِي الظَّهْر ، فَإِنْ كَانَتْ فِي السُّرَّة فَهِيَ بَجْرَة .
قَوْلهَا : ( قَالَتْ الثَّالِثَة : زَوْجِي الْعَشَنَّق إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ ، وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ )
فَالْعَشَنَّق بِعَيْنٍ مُهْمَلَة مَفْتُوحَة ثُمَّ شِين مُعْجَمَة مَفْتُوحَة ثُمَّ نُون مُشَدَّدَة ثُمَّ قَاف ، وَهُوَ الطَّوِيل ، وَمَعْنَاهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَر مِنْ طُول بِلَا نَفْع ، فَإِنْ ذَكَرْت عُيُوبه طَلَّقَنِي ، وَإِنْ سَكَتّ عَنْهَا عَلَّقَنِي ، فَتَرَكَنِي لَا عَزْبَاء وَلَا مُزَوَّجَة .
( قَالَتْ الرَّابِعَة : زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَة لَا حَرَّ وَلَا قَرَّ ، وَلَا مَخَافَة وَلَا سَآمَة )
هَذَا مَدْح بَلِيغ ، وَمَعْنَاهُ لَيْسَ فِيهِ أَذَى ، بَلْ هُوَ رَاحَة وَلَذَاذَة عَيْش ، كَلَيْلِ تِهَامَة لَذِيذ مُعْتَدِل ، لَيْسَ فِيهِ حَرّ ، وَلَا بَرْد مُفْرِط ، وَلَا أَخَافُ لَهُ غَائِلَة لِكَرْمِ أَخْلَاقه ، وَلَا يَسْأَمُنِي وَيَمَلُّ صُحْبَتِي .
( قَالَتْ الْخَامِسَة : زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِد ، وَإِنْ خَرَجَ أَسِد ، وَلَا يَسْأَل عَمَّا عَهِدَ )
هَذَا أَيْضًا مَدْح بَلِيغ ، فَقَوْلهَا : فَهِد بِفَتْحِ الْفَاء وَكَسْر الْهَاء تَصِفُهُ إِذَا دَخَلَ الْبَيْت بِكَثْرَةِ النَّوْم وَالْغَفْلَة فِي مَنْزِله عَنْ تَعَهُّد مَا ذَهَبَ مِنْ مَتَاعه وَمَا بَقِيَ ، وَشَبَّهَتْهُ بِالْفَهِدِ لِكَثْرَةِ نَوْمه ، يُقَال : أَنْوَم مِنْ فَهِد ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلهَا ( : وَلَا يَسْأَل عَمَّا عَهِدَ ) أَيْ لَا يَسْأَلُ عَمَّا كَانَ عَهِدَهُ فِي الْبَيْت مِنْ مَاله وَمَتَاعه ، وَإِذَا خَرَجَ أَسِد بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَكَسْر السِّين ، وَهُوَ وَصْف لَهُ بِالشَّجَاعَةِ ، وَمَعْنَاهُ إِذَا صَارَ بَيْن النَّاس أَوْ خَالَطَ الْحَرْب كَانَ كَالْأَسَدِ ، يُقَال : أَسِدَ وَاسْتَأْسَدَ . قَالَ الْقَاضِي : وَقَالَ اِبْن أَبِي أُوَيْس : مَعْنَى فَهِد إِذَا دَخَلَ الْبَيْت وَثَبَ عَلَيَّ وُثُوب الْفَهِد فَكَأَنَّهَا تُرِيدُ ضَرْبهَا ، وَالْمُبَادَرَة بِجِمَاعِهَا ، وَالصَّحِيح الْمَشْهُور التَّفْسِير الْأَوَّل .
( قَالَتْ السَّادِسَة : زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ ، وَإِنْ شَرِبَ اِشْتَفَّ ، وَإِنْ اِضْطَجَعَ اِلْتَفَّ ، وَلَا يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَم الْبَثَّ )
قَالَ الْعُلَمَاء : ( اللَّفّ )
فِي الطَّعَام الْإِكْثَار مِنْهُ مَعَ التَّخْلِيط مِنْ صُنُوفه حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهَا شَيْء . وَالِاشْتِفَاف فِي الشُّرْب أَنْ يَسْتَوْعِبَ جَمِيع مَا فِي الْإِنَاء ، مَأْخُوذ مِنْ الشُّفَافَة بِضَمِّ الشِّين ، وَهِيَ مَا بَقِيَ فِي الْإِنَاء مِنْ الشَّرَاب ، فَإِذَا شَرِبَهَا قِيلَ : اِشْتَفَّهَا ، وَتَشَافَهَا ،
وَقَوْلهَا : ( وَلَا يُولِجُ الْكَفّ لِيَعْلَم الْبَثّ )
قَالَ أَبُو عُبَيْد : أَحْسِبُهُ كَانَ بِجَسَدِهَا عَيْبٌ أَوْ دَاءٌ كُنْت بِهِ ، لِأَنَّ الْبَثَّ الْحُزْنُ ، فَكَانَ لَا يُدْخِلُ يَده فِي ثَوْبِهَا لِيَمَسّ ذَلِكَ فَيَشُقّ عَلَيْهَا ، فَوَصَفَتْهُ بِالْمُرُوءَةِ وَكَرَم الْخُلُق . وَقَالَ الْهَرَوِيُّ : قَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : هَذَا ذَمّ لَهُ ، أَرَادَتْ : وَإِنْ اِضْطَجَعَ وَرَقَدَ اِلْتَفَّ فِي ثِيَابه فِي نَاحِيَةٍ ، وَلَمْ يُضَاجِعْنِي لِيَعْلَمَ مَا عِنْدِي مِنْ مَحَبَّتِهِ . قَالَ : وَلَا بَثَّ هُنَاكَ إِلَّا مَحَبَّتهَا الدُّنُوّ مِنْ زَوْجهَا وَقَالَ آخَرُونَ : أَرَادَتْ أَنَّهُ لَا يَفْتَقِد أُمُورِي وَمَصَالِحِي . قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : رَدّ اِبْن قُتَيْبَة عَلَى أَبِي عُبَيْد تَأْوِيله لِهَذَا الْحَرْف ، وَقَالَ : كَيْف تَمْدَحُهُ بِهَذَا ، وَقَدْ ذَمَّتْهُ فِي صَدْر الْكَلَام ؟ قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَلَا رَدّ عَلَى أَبِي عُبَيْد ، لِأَنَّ النِّسْوَة تَعَاقَدْنَ أَلَّا يَكْتُمْنَ شَيْئًا مِنْ أَخْبَار أَزْوَاجهنَّ ، فَمِنْهُنَّ مَنْ كَانَتْ أَوْصَاف زَوْجهَا كُلّهَا حَسَنَة فَوَصَفَتْهَا ، وَمِنْهُنَّ مَنْ كَانَتْ أَوْصَاف زَوْجهَا قَبِيحَة فَذَكَرَتْهَا ، وَمِنْهُنَّ مَنْ كَانَتْ أَوْصَافه فِيهَا حَسَن وَقَبِيح فَذَكَرَتْهُمَا . وَإِلَى قَوْل اِبْن الْأَعْرَابِيّ وَابْن قُتَيْبَة ذَهَبَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي عِيَاض .
( قَالَتْ السَّابِعَة : زَوْجِي غَيَايَاء أَوْ عَيَايَاء طَبَاقَاء كُلّ دَاء لَهُ شَجَّك أَوْ فَلَّك أَوْ جَمَعَ كُلًّا لَك )
هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة ( غَيَايَاء ) بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَة ، أَوْ ( عَيَايَاء ) بِالْمُهْمَلَةِ ، وَفِي أَكْثَر الرِّوَايَات بِالْمُعْجَمَةِ ، وَأَنْكَرَ أَبُو عُبَيْد وَغَيْره الْمُعْجَمَة ، وَقَالُوا : الصَّوَاب الْمُهْمَلَة ، وَهُوَ الَّذِي لَا يُلْقِح ، وَقِيلَ : هُوَ الْعِنِّين الَّذِي تَعِيبُهُ مُبَاضَعَة النِّسَاء ، وَيَعْجِز عَنْهَا . وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْره : غَيَايَاء بِالْمُعْجَمَةِ صَحِيح ، وَهُوَ مَأْخُوذ مِنْ الْغَيَايَة ، وَهِيَ الظُّلْمَة ، وَكُلّ مَا أَظَلّ الشَّخْص ، وَمَعْنَاهُ لَا يَهْتَدِي إِلَى سِلْك ، أَوْ أَنَّهَا وَصَفَتْهُ بِثِقَلِ الرُّوح ، وَأَنَّهُ كَالظِّلِّ الْمُتَكَاثِف الْمُظْلِم الَّذِي لَا إِشْرَاق فِيهِ ، أَوْ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنَّهُ غُطِّيَتْ عَلَيْهِ أُمُوره ، أَوْ يَكُون غَيَايَاء مِنْ الْغَيّ ، وَهُوَ الِانْهِمَاك فِي الشَّرّ ، أَوْ مِنْ الْغَيّ الَّذِي هُوَ الْخَيْبَة . قَالَ اللَّه تَعَالَى : { فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } وَأَمَّا ( طَبَاقَاء ) فَمَعْنَاهُ الْمُطْبَقَة عَلَيْهِ أُمُوره حُمْقًا ، وَقِيلَ : الَّذِي يَعْجِز عَنْ الْكَلَام ، فَتَنْطَبِق شَفَتَاهُ ، وَقِيلَ : هُوَ الْعِيّ الْأَحْمَق الْفَدْم . وَقَوْلهَا : ( شَجَّك ) أَيْ جَرَحَك فِي الرَّأْس ، فَالشِّجَاج جِرَاحَات الرَّأْس ، وَالْجِرَاح فِيهِ وَفِي الْجَسَد . وَقَوْلهَا ( فَلَّك ) الْفَلُّ الْكَسْر وَالضَّرْب . وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا مَعَهُ بَيْن شَجّ رَأْس ، وَضَرْب ، وَكَسْر عُضْو ، أَوْ جَمْع بَيْنهمَا . وَقِيلَ : الْمُرَاد بِالْفَلِّ هُنَا الْخُصُومَة وَقَوْلهَا : ( كُلّ دَاء لَهُ دَاء ) أَيْ جَمِيع أَدْوَاء النَّاس مُجْتَمِعَة فِيهِ .
( قَالَتْ الثَّامِنَة : زَوْجِي الرِّيح رِيح زَرْنَب ، وَالْمَسّ مَسّ أَرْنَب )
الزَّرْنَب نَوْع مِنْ الطِّيب مَعْرُوف . قِيلَ : أَرَادَتْ طِيب رِيح جَسَده ، وَقِيلَ : طِيب ثِيَابه فِي النَّاس وَقِيلَ : لِين خُلُقه وَحُسْن عِشْرَته . وَالْمَسّ مَسّ أَرْنَب صَرِيح فِي لِين الْجَانِب ، وَكَرَم الْخُلُق .
( قَالَتْ التَّاسِعَة : زَوْجِي رَفِيع الْعِمَاد ، طَوِيل النِّجَاد ، عَظِيم الرَّمَاد ، قَرِيب الْبَيْت مِنْ النَّاد )
هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ ( النَّادِي ) بِالْيَاءِ ، وَهُوَ الْفَصِيح فِي الْعَرَبِيَّة ، لَكِنَّ الْمَشْهُور فِي الرِّوَايَة حَذْفهَا لِيَتِمّ السَّجْع . قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَى رَفِيع الْعِمَاد وَصْفه بِالشَّرَفِ ، وَسَنَاء الذِّكْر . وَأَصْل الْعِمَاد عِمَاد الْبَيْت ، وَجَمْعه عُمُد ، وَهِيَ الْعِيدَانِ الَّتِي تُعْمَدُ بِهَا الْبُيُوت ، أَيْ بَيْته فِي الْحَسَب رَفِيع فِي قَوْمه . وَقِيلَ : إِنَّ بَيْته الَّذِي يَسْكُنُهُ رَفِيع الْعِمَاد لِيَرَاهُ الضِّيفَان وَأَصْحَاب الْحَوَائِج فَيَقْصِدُوهُ ، وَهَكَذَا بُيُوت الْأَجْوَاد . وَقَوْلهَا : طَوِيل النِّجَاد بِكَسْرِ النُّون تَصِفُهُ بِطُولِ الْقَامَة ، وَالنِّجَاد حَمَائِل السَّيْف ، فَالطَّوِيل يَحْتَاجُ إِلَى طُول حَمَائِل سَيْفه ، وَالْعَرَب تَمْدَح بِذَلِكَ . قَوْلهَا : ( عَظِيم الرَّمَاد ) تَصِفُهُ بِالْجُودِ وَكَثْرَة الضِّيَافَة مِنْ اللُّحُوم وَالْخُبْز ، فَيَكْثُرُ وَقُوده ، فَيَكْثُر رَمَاده . وَقِيلَ : لِأَنَّ نَاره لَا تُطْفَأُ بِاللَّيْلِ لِتَهْتَدِي بِهَا الضِّيفَان ، وَالْأَجْوَاد يُعَظِّمُونَ النِّيرَان فِي ظَلَام اللَّيْل ، وَيُوقِدُونَهَا عَلَى التِّلَال وَمَشَارِف الْأَرْض ، وَيَرْفَعُونَ الْأَقْبَاس عَلَى الْأَيْدِي لِتَهْتَدِي بِهَا الضِّيفَان . وَقَوْلهَا : ( قَرِيب الْبَيْت مِنْ النَّادِي ) قَالَ أَهْل اللُّغَة : النَّادِي وَالنَّاد وَالنَّدَى وَالْمُنْتَدَى مَجْلِس الْقَوْم ، وَصَفَتْهُ بِالْكَرَمِ وَالسُّؤْدُد ، لِأَنَّهُ لَا يَقْرُب الْبَيْت مِنْ النَّادِي إِلَّا مَنْ هَذِهِ صِفَته ؛ لِأَنَّ الضِّيفَان يَقْصِدُونَ النَّادِي ، وَلِأَنَّ أَصْحَاب النَّادِي يَأْخُذُونَ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي مَجْلِسهمْ مِنْ بَيْت قَرِيب النَّادِي ، وَاللِّئَام يَتَبَاعَدُونَ مِنْ النَّادِي .
( قَالَتْ الْعَاشِرَة : زَوْجِي مَالِك ، فَمَا مَالِك مَالِك خَيْر مِنْ ذَلِكَ ، لَهُ إِبِل كَثِيرَات الْمَبَارِك ، قَلِيلَات الْمَسَارِح ، إِذَا سَمِعْنَ صَوْت الْمِزْهَر أَيْقَنَ أَنَّهُنَّ هَوَالِك )
مَعْنَاهُ أَنَّ لَهُ إِبِلًا كَثِيرًا فَهِيَ بَارِكَة بِفِنَائِهِ ، لَا يُوَجِّهُهَا تَسْرَح إِلَّا قَلِيلًا قَدْر الضَّرُورَة ، وَمُعْظَم أَوْقَاتهَا تَكُون بَارِكَة بِفِنَائِهِ ، فَإِذَا نَزَلَ بِهِ الضِّيفَان كَانَتْ الْإِبِل ، حَاضِرَة ؛ فَيَقْرِيهِمْ مِنْ أَلْبَانهَا وَلُحُومهَا . وَالْمِزْهَر بِكَسْرِ الْمِيم الْعُودُ الَّذِي يَضْرِبُ ، أَرَادَتْ أَنَّ زَوْجهَا عَوَّدَ إِبِله إِذَا نَزَلَ بِهِ الضِّيفَان نَحَرَ لَهُمْ مِنْهَا ، وَأَتَاهُمْ بِالْعِيدَانِ وَالْمَعَازِف وَالشَّرَاب ، فَإِذَا سَمِعَتْ الْإِبِل صَوْت الْمِزْهَر عَلِمْنَ أَنَّهُ قَدْ جَاءَهُ الضِّيفَان ، وَأَنَّهُنَّ مَنْحُورَات هَوَالِك . هَذَا تَفْسِير أَبِي عُبَيْد وَالْجُمْهُور . وَقِيلَ : مَبَارِكهَا كَثِيرَة لِكَثْرَةِ مَا يُنْحَرُ مِنْهَا لِلْأَضْيَافِ ، قَالَ هَؤُلَاءِ : وَلَوْ كَانَتْ كَمَا قَالَ الْأَوَّلُونَ لَمَاتَتْ هُزَالًا ، وَهَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ ؛ فَإِنَّهَا تَسْرَحُ وَقْتًا تَأْخُذُ فِيهِ حَاجَتهَا ، ثُمَّ تَبْرُك بِالْفِنَاءِ : وَقِيلَ : كَثِيرَات الْمَبَارِك أَيْ مَبَارِكهَا فِي الْحُقُوق وَالْعَطَايَا وَالْحِمَالَات وَالضِّيفَان كَثِيرَة ، مَرَاعِيهَا قَلِيلَة ؛ لِأَنَّهَا تُصْرَف فِي هَذِهِ الْوُجُوه . قَالَهُ اِبْن السِّكِّيت . قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : وَقَالَ أَبُو سَعِيد النَّيْسَابُورِيّ : إِنَّمَا هُوَ إِذَا سَمِعْنَ صَوْت الْمُزْهِر بِضَمِّ الْمِيم ، وَهُوَ مُوقِد النَّار لِلْأَضْيَافِ . قَالَ : وَلَمْ تَكُنْ الْعَرَب تَعْرِف الْمِزْهَر بِكَسْرِ الْمِيم الَّذِي هُوَ الْعُود إِلَّا مَنْ خَالَطَ الْحَضَر . قَالَ الْقَاضِي : وَهَذَا خَطَأ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ أَحَد بِضَمِّ الْمِيم ، وَلِأَنَّ الْمِزْهَر بِكَسْرِ الْمِيم مَشْهُور فِي أَشْعَار الْعَرَب ، وَلِأَنَّهُ لَا يَسْلَم لَهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ النِّسْوَة مِنْ غَيْر الْحَاضِرَة ، فَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَة أَنَّهُنَّ مِنْ قَرْيَة مِنْ قُرَى الْيُمْن .
( قَالَتْ الْحَادِيَة عَشْرَة )
وَفِي بَعْض النُّسَخ الْحَادِي عَشْرَة وَفِي بَعْضهَا الْحَادِيَة عَشْر ، وَالصَّحِيح الْأَوَّل .
قَوْلهَا ( أُنَاس مِنْ حُلِيّ أُذُنَيّ )
هُوَ هُوَ بِتَشْدِيدِ الْيَاء مِنْ ( أُذُنَيّ ) عَلَى التَّثْنِيَة ، وَالْحُلِيّ بِضَمِّ الْحَاء وَكَسْرهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ . وَالنَّوْس بِالنُّونِ وَالسِّين الْمُهْمَلَة الْحَرَكَة مِنْ كُلّ شَيْء مُتَدَلٍّ ، يُقَالُ مِنْهُ : نَاسَ يَنُوسُ نَوْسًا ، وَأَنَاسَهُ غَيْره أَنَاسَةً ، وَمَعْنَاهُ حَلَّانِي قِرَطَة وَشُنُوفًا فَهُوَ تَنَوَّس أَيْ تَتَحَرَّك لِكَثْرَتِهَا
قَوْلهَا : ( وَمَلَأَ مِنْ شَحْم عَضُدِي )
وَقَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ أَسْمَنَنِي ، وَمَلَأ بَدَنِي شَحْمًا ، وَلَمْ تُرِدْ اِخْتِصَاص الْعَضُدَيْنِ ، لَكِنْ إِذَا سَمِنَتَا سَمِنَ غَيْرهمَا .
قَوْلهَا : ( وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي )
هُوَ بِتَشْدِيدِ جِيم ( بَجَّحَنِي ) فَبَجِحَتْ بِكَسْرِ الْجِيم وَفَتْحهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ ، أَفْصَحُهُمَا الْكَسْر ، قَالَ الْجَوْهَرِيّ : الْفَتْح ضَعِيفَة ، وَمَعْنَاهُ فَرَّحَنِي فَفَرِحْت ، وَقَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : وَعَظَّمَنِي فَعَظُمْت عِنْد نَفْسِي . يُقَالُ : فُلَانٌ يَتَبَجَّحُ بِكَذَا أَيْ يَتَعَظَّمُ وَيَفْتَخِرُ .
قَوْلهَا : ( وَجَدَنِي فِي أَهْل غُنَيْمَة بِشِقٍّ ، فَجَعَلَنِي فِي أَهْل صَهِيل وَأَطِيط وَدَائِس وَمُنَقٍّ )
أَمَّا قَوْلهَا : ( فِي غُنَيْمَة ) فَبِضَمِّ الْغَيْن تَصْغِير الْغَنَم ، أَرَادَتْ أَنَّ أَهْلهَا كَانُوا أَصْحَاب غَنَم لَا أَصْحَاب خَيْل وَإِبِل ؛ لِأَنَّ الصَّهِيل أَصْوَات الْخَيْل ، وَالْأَطِيط أَصْوَات الْإِبِل وَحَنِينهَا ، وَالْعَرَب لَا تَعْتَدُّ بِأَصْحَابِ الْغَنَم ، وَإِنَّمَا يَعْتَدُّونَ بِأَهْلِ الْخَيْل وَالْإِبِل . وَأَمَّا قَوْلهَا : ( بِشِقِّ ) ، فَهُوَ بِكَسْرِ الشِّين وَفَتْحهَا ، وَالْمَعْرُوف فِي رِوَايَات الْحَدِيث وَالْمَشْهُور لِأَهْلِ الْحَدِيث كَسْرهَا ، وَالْمَعْرُوف عِنْد أَهْل اللُّغَة فَتْحهَا . قَالَ أَبُو عُبَيْد : هُوَ بِالْفَتْحِ . قَالَ : وَالْمُحَدِّثُونَ يَكْسِرُونَهُ . قَالَ : وَهُوَ مَوْضِع ، وَقَالَ الْهَرَوِيُّ الصَّوَاب الْفَتْح . قَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ : هُوَ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح ، وَهُوَ مَوْضِعٌ . وَقَالَ اِبْن أَبِي أُوَيْس وَابْن حَبِيب : يَعْنِي بِشِقِّ جَبَل لِقِلَّتِهِمْ وَقِلَّة غَنَمهمْ ، وَشِقّ الْجَبَل نَاحِيَته . وَقَالَ القبتيني وَيَقِطُونَهُ : بِشِقٍّ ، بِالْكَسْرِ ، أَيْ بِشَظَفٍ مِنْ الْعَيْش وَجَهْدٍ . قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : هَذَا عِنْدِي أَرْجَح ، وَاخْتَارَهُ أَيْضًا غَيْره ، فَحَصَلَ فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال . وَقَوْلهَا : ( وَدَائِس ) هُوَ الَّذِي يَدُوسُ الزَّرْع فِي بَيْدَرِهِ . قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْره : يُقَالُ : دَاس الطَّعَام دَرَسَهُ ، وَقِيلَ : الدَّائِس الْأَبْدَك . قَوْلهَا : ( وَمُنَقٍّ ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيم وَفَتْح النُّون وَتَشْدِيد الْقَاف ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْسِرُ النُّون ، وَالصَّحِيح الْمَشْهُور فَتْحهَا . قَالَ أَبُو عُبَيْد : هُوَ بِفَتْحِهَا قَالَ : وَالْمُحَدِّثُونَ يَكْسِرُونَهَا ، وَلَا أَدْرِي مَا مَعْنَاهُ . قَالَ الْقَاضِي : رِوَايَتنَا فِيهِ بِالْفَتْحِ ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْل أَبِي عُبَيْد . قَالَ : اِبْن أَبِي أُوَيْس بِالْكَسْرِ ، وَهُوَ مِنْ النَّقِيق ، وَهُوَ أَصْوَات الْمَوَاشِي . تَصِفُهُ بِكَثْرَةِ أَمْوَاله ، وَيَكُونُ مُنَقٍّ مِنْ أَنَقَّ إِذَا صَارَ ذَا نَقِيق ، أَوْ دَخَلَ فِي النَّقِيق . وَالصَّحِيح عِنْد الْجُمْهُور فَتْحهَا ، وَالْمُرَاد بِهِ الَّذِي يُنَقِّي الطَّعَام أَيْ يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْته وَقُشُوره ، وَهَذَا أَجْوَد مِنْ قَوْل الْهَرَوِيِّ : هُوَ الَّذِي يُنَقِّيهِ بِالْغِرْبَالِ ، وَالْمَقْصُود أَنَّهُ صَاحِب زَرْع ، وَيَدُوسُهُ وَيُنَقِّيهِ .
قَوْلهَا ( فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلَا أُقَبَّح )
مَعْنَاهُ لَا يُقَبِّح قَوْلِي فَيَرُدُّ ، بَلْ يَقْبَلُ مِنِّي .
وَمَعْنَى ( أَتَصَبَّحُ )
أَنَام الصُّبْحَة ، وَهِيَ بَعْد الصَّبَاح ، أَيْ أَنَّهَا مَكْفِيَّة بِمَنْ يَخْدُمُهَا فَتَنَام .
وَقَوْلهَا : ( فَأَتَقَنَّح )
وَبِالنُّونِ بَعْد الْقَاف ، هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ بِالنُّونِ . قَالَ الْقَاضِي : لَمْ نَرْوِهِ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم إِلَّا بِالنُّونِ . وَقَالَ الْبُخَارِيّ : قَالَ بَعْضهمْ : فَأَتَقَمَّح بِالْمِيمِ . قَالَ : وَهُوَ أَصَحّ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْد : هُوَ بِالْمِيمِ . وَبَعْض النَّاس يَرْوِيه بِالنُّونِ ، وَلَا أَدْرِي مَا هَذَا ؟ قَالَ آخَرُونَ : النُّون وَالْمِيم صَحِيحَتَانِ . فَأَيّهمَا مَعْنَاهُ أُرْوَى حَتَّى أَدَعَ الشَّرَاب مِنْ الشِّدَّة الرِّي ، وَمِنْهُ قَمَحَ الْبَعِير يَقْمَحُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الْمَاء بَعْد الرِّي قَالَ أَبُو عُبَيْد : وَلَا أَرَاهَا قَالَتْ هَذِهِ إِلَّا لِعِزَّةِ الْمَاء عِنْدهمْ . وَمَنْ قَالَهُ بِالنُّونِ فَمَعْنَاهُ أَقْطَع الْمُشْرَب ، وَأَتَمَهَّل فِيهِ . وَقِيلَ : هُوَ الشُّرْب بَعْد الرِّي . قَالَ أَهْل اللُّغَة : قَنَحَتْ الْإِبِل إِذَا تَكَارَهَتْ ، وَتَقَنَّحْتُه أَيْضًا .
قَوْلهَا : ( عُكُومُهَا رَدَاح )
قَالَ أَبُو عُبَيْد وَغَيْره : الْعُكُوم الْأَعْدَال وَالْأَوْعِيَة الَّتِي فِيهَا الطَّعَام وَالْأَمْتِعَة ، وَاحِدُهَا عِكْم بِكَسْرِ الْعَيْن . وَرَدَاح أَيْ عِظَام كَبِيرَة ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمَرْأَةِ : رَدَاح إِذَا كَانَتْ عَظِيمَة الْأَكْفَال . فَإِنْ قِيلَ : رَدَاح مُفْرَدَة ، فَكَيْف وَصَفَ بِهَا الْعُكُوم ، وَالْجَمْعُ لَا يَجُوزُ وَصْفه بِالْمُفْرَدِ : قَالَ الْقَاضِي : جَوَابه أَنَّهُ أَرَادَ كُلّ عِكْم مِنْهَا رَدَاح ، أَوْ يَكُون رَدَاح هُنَا مَصْدَرًا كَالذَّهَابِ .
قَوْلهَا : ( وَبَيْتهَا فَسَاح )
بِفَتْحِ الْفَاء وَتَخْفِيف السِّين الْمُهْمَلَة أَيْ وَاسِع ، وَالْفَسِيح مِثْله ، هَكَذَا فَسَّرَهُ الْجُمْهُور . قَالَ الْقَاضِي : وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ كَثْرَة الْخَيْر وَالنِّعْمَة .
قَوْلهَا : ( مَضْجَعه كَمَسَلِّ شَطْبَة )
الْمَسَلّ بِفَتْحِ الْمِيم وَالسِّين الْمُهْمَلَة وَتَشْدِيد اللَّام ، وَشَطْبَة بِشِينٍ مُعْجَمَة ثُمَّ طَاء مُهْمَلَة سَاكِنَة ثُمَّ مُوَحَّدَة ثُمَّ هَاء ، وَهِيَ مَا شُطِبَ مِنْ جَرِيد النَّخْل ، أَيْ شُقَّ ، وَهِيَ السَّعَفَة لِأَنَّ الْجَرِيدَة تُشَقَّقُ مِنْهَا قُضْبَان رِقَاق مُرَادهَا أَنَّهُ مُهَفْهَف خَفِيف اللَّحْم كَالشَّطْبَةِ ، وَهُوَ مِمَّا يُمْدَحُ بِهِ الرَّجُل ، وَالْمَسَلّ هُنَا مَصْدَر بِمَعْنَى الْمَسْلُول أَيْ مَا سُلَّ مِنْ قِشْره ، وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ وَغَيْره : أَرَادَتْ بِقَوْلِهَا : ( كَمَسَلِّ شَطْبَة ) أَنَّهُ كَالسَّيْفِ سُلَّ مِنْ غِمْده .
قَوْلهَا : ( وَتُشْبِعُهُ ذِرَاع الْجَفْرَة )
الذِّرَاع مُؤَنَّثَة ، وَقَدْ تُذَكَّرُ وَالْجَفْرَة بِفَتْحِ الْجِيم وَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ أَوْلَاد الْمَعْزِ ، وَقِيلَ : مِنْ الضَّأْن ، وَهِيَ مَا بَلَغَتْ أَرْبَعَة أَشْهُر وَفُصِلَتْ عَنْ أُمِّهَا ، وَالذَّكَر جَفْر ؛ لِأَنَّهُ جَفَرَ جَنْبَاهُ أَيْ عَظُمَا . قَالَ الْقَاضِي : قَالَ أَبُو عُبَيْد وَغَيْره : الْجَفْرَة مِنْ أَوْلَاد الْمَعْز ، وَقَالَ اِبْن الْأَنْبَارِيّ وَابْن دُرَيْد : مِنْ أَوْلَاد الضَّأْن ، وَالْمُرَاد أَنَّهُ قَلِيل الْأَكْل ، وَالْعَرَب تَمْدَحُ بِهِ .
قَوْلهَا : ( طَوْع أَبِيهَا وَطَوْع أُمّهَا )
أَيْ مُطِيعَة لَهُمَا مُنْقَادَة لِأَمْرِهِمَا .
قَوْلهَا : ( وَمِلْء كِسَائِهَا )
أَيْ مُمْتَلِئَة الْجِسْم سَمِينَة . وَقَالَتْ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى : ( صِفْر رِدَائِهَا ) بِكَسْرِ الصَّاد ، وَالصِّفْر الْخَالِي ، قَالَ الْهَرَوِيُّ : أَيْ ضَامِرَة الْبَطْن ، وَالرِّدَاء يَنْتَهِي إِلَى الْبَطْن . وَقَالَ غَيْره : مَعْنَاهُ أَنَّهَا خَفِيفَة أَعْلَى الْبَدَن ، وَهُوَ مَوْضِع الرِّدَاء ، مُمْتَلِئَة أَسْفَله ، وَهُوَ مَوْضِع الْكِسَاء ، وَيُؤَيِّد هَذَا أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَة : ( وَمِلْء إِزَارهَا ) . قَالَ الْقَاضِي : وَالْأَوْلَى أَنَّ الْمُرَاد اِمْتِلَاء مَنْكِبَيْهَا ، وَقِيَام نَهْدَيْهَا بِحَيْثُ يَرْفَعَانِ الرِّدَاء عَنْ أَعْلَى جَسَدهَا ، فَلَا يَمَسّهُ فَيَصِير خَالِيًا بِخِلَافِ أَسْفَلهَا .
قَوْلهَا : ( وَغَيْظ جَارَتهَا )
قَالُوا : الْمُرَاد بِجَارَتِهَا ضَرَّتهَا ، يَغِيظهَا مَا تَرَى مِنْ حَسَنهَا وَجَمَالهَا وَعِفَّتهَا وَأَدَبهَا . وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى : ( وَعَقْر جَارَتهَا ) هَكَذَا هُوَ فِي النَّسْخ ( عَقْر ) بِفَتْحِ الْعَيْن وَسُكُون الْقَاف . قَالَ الْقَاضِي : كَذَا ضَبَطْنَاهُ عَنْ جَمِيع شُيُوخنَا . قَالَ : وَضَبَطَهُ الْجَيَّانِيّ ( عَبْر ) بِضَمِّ الْعَيْن وَإِسْكَان الْبَاء الْمُوَحَّدَة ، وَكَذَا ذَكَرَهُ اِبْن الْأَعْرَابِيّ ، وَكَأَنَّ الْجَيَّانِيّ أَصْلَحَهُ مِنْ كِتَاب الْأَنْبَارِيّ ، وَفَسَّرَهُ الْأَنْبَارِيّ بِوَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا أَنَّهُ مِنْ الِاعْتِبَار أَيْ تَرَى مِنْ حُسْنهَا وَعِفَّتهَا وَعَقْلهَا مَا تُعْتَبَر بِهِ ، وَالثَّانِي مِنْ الْعَبْرَة وَهِيَ الْبُكَاء أَيْ تَرَى مِنْ ذَلِكَ مَا يُبْكِيهَا لِغَيْظِهَا وَحَسَدهَا ، وَمَنْ رَوَاهُ بِالْقَافِ فَمَعْنَاهُ تَغَيُّظهَا ، فَتَصِيرُ كَمَعْقُورٍ . وَقِيلَ : تُدْهِشُهَا مِنْ قَوْلهَا عَقِرَ إِذَا دَهَشَ .
قَوْلهَا : ( لَا تَبُثُّ حَدِيثنَا تَبْثِيثًا )
هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة بَيْن الْمُثَنَّاة وَالْمُثَلَّثَة أَيْ لَا تُشِيعُهُ وَتُظْهِرُهُ ، بَلْ تَكْتُمُ سِرَّنَا وَحَدِيثنَا كُلّه ، وَرُوِيَ فِي غَيْر مُسْلِم ( تَنُثُّ ) ، وَهُوَ بِالنُّونِ ، وَهُوَ قَرِيب مِنْ الْأَوَّل ، أَيْ لَا تُظْهِرُهُ .
قَوْلهَا : ( وَلَا تُنَقِّثُ مِيرَتنَا تَنْقِيثًا )
الْمِيرَة الطَّعَام الْمَجْلُوب ، وَمَعْنَاهُ لَا تُفْسِدُهُ ، وَلَا تُفَرِّقُهُ ، وَلَا تَذْهَب بِهِ وَمَعْنَاهُ وَصْفُهَا بِالْأَمَانَةِ .
قَوْلهَا : ( وَلَا تَمْلَأُ بَيْتنَا تَعْشِيشًا )
هُوَ بِالْعَيْنِ بِالْمُهْمَلَةِ ، أَيْ لَا تَتْرُكُ الْكُنَاسَة وَالْقُمَامَة فِيهِ مُفَرَّقَة كَعُشِّ الطَّائِر ، بَلْ هِيَ مُصْلِحَة لِلْبَيْتِ ، مُعْتَنِيَة بِتَنْظِيفِهِ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ لَا تَخُونُنَا فِي طَعَامنَا فِي زَوَايَا الْبَيْت كَأَعْشَاشِ الطَّيْر وَرُوِيَ فِي غَيْر مُسْلِم ( تَغْشِيشًا ) بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَة مِنْ الْغِشّ ، وَقِيلَ فِي الطَّعَام ، وَقِيلَ : مِنْ النَّمِيمَة أَيْ لَا تَتَحَدَّثُ بِنَمِيمَةٍ .
قَوْلهَا : ( وَالْأَوْطَاب تُمْخَض )
هُوَ جَمْع وَطْب بِفَتْحِ الْوَاو وَإِسْكَان الطَّاء ، وَهُوَ جَمْعٌ قَلِيلُ النَّظِير . وَفِي رِوَايَة فِي غَيْر مُسْلِم : ( وَالْوِطَاب ) ، وَهُوَ الْجَمْعُ الْأَصْلِيُّ ، وَهِيَ سَقِيَّة اللَّبَن الَّتِي يُمْخَض فِيهَا . وَقَالَ أَبُو عُبَيْد : هُوَ جَمْع وَطْبَة .
قَوْلهَا : ( يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْت خَصْرهَا بِرُمَّانَتَيْنِ )
قَالَ أَبُو عُبَيْد : مَعْنَاهُ أَنَّهَا ذَات كِفْل عَظِيم ، فَإِذَا اِسْتَلْقَتْ عَلَى قَفَاهَا نَتَأَ الْكِفْل بِهَا مِنْ الْأَرْض حَتَّى تَصِيرَ تَحْتَهَا فَجْوَةً يَجْرِي فِيهَا الرُّمَّان . قَالَ الْقَاضِي : قَالَ بَعْضهمْ : الْمُرَاد بِالرُّمَّانَتَيْنِ هُنَا ثَدْيَاهَا ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ لَهَا نَهْدَيْنِ حَسَنَيْنِ صَغِيرَيْنِ كَالرُّمَّانَتَيْنِ . قَالَ الْقَاضِي : هَذَا أَرْجَحُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ رُوِيَ : مِنْ تَحْت صَدْرهَا ، وَمَنْ تَحْت دِرْعهَا ، وَلِأَنَّ الْعَادَة لَمْ تَجْرِ بِرَمْيِ الصِّبْيَان الرُّمَّان تَحْت ظُهُور أُمَّهَاتهمْ ، وَلَا جَرَتْ الْعَادَة أَيْضًا بِاسْتِلْقَاءِ النِّسَاء كَذَلِكَ حَتَّى يُشَاهِدَهُ مِنْهُنَّ الرِّجَال .
قَوْلهَا : ( فَنَكَحْت بَعْده رَجُلًا سِرِّيًّا رَكِبَ شَرِيًّا )
أَمَّا الْأَوَّل فَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَة عَلَى الْمَشْهُور ، وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ اِبْن السِّكِّيت أَنَّهُ حَكَى فِيهِ الْمُهْمَلَة وَالْمُعْجَمَة . وَأَمَّا الثَّانِي فَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَة بِلَا خِلَاف ، فَالْأَوَّل مَعْنَاهُ سَيِّدًا شَرِيفًا ، وَقِيلَ : سَخِيًّا ، وَالثَّانِي هُوَ الْفَرَس الَّذِي يَسْتَشْرِي فِي سَيْره أَيْ يُلِحُّ وَيَمْضِي بِلَا فُتُور ، وَلَا اِنْكِسَار . وَقَالَ اِبْن السِّكِّيت : هُوَ الْفَرَس الْفَائِق الْخِيَار .
قَوْلهَا : ( وَأَخَذَ خَطِّيًّا )
هُوَ بِفَتْحِ الْخَاء وَكَسْرهَا ، وَالْفَتْح أَشْهَر ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَكْثَر غَيْره ، وَمِمَّنْ حَكَى الْكَسْر أَبُو الْفَتْح الْهَمْدَانِيُّ فِي كِتَاب الِاشْتِقَاق . قَالُوا : وَالْخَطِّيّ الرُّمْح مَنْسُوب إِلَى الْخَطّ قَرْيَة مِنْ سَيْف الْبَحْر أَيْ سَاحِله عِنْد عَمَّان وَالْبَحْرَيْنِ . قَالَ أَبُو الْفَتْح : قِيلَ لَهَا : الْخَطّ لِأَنَّهَا عَلَى سَاحِل الْبَحْر ، وَالسَّاحِل يُقَالُ الْخَطّ ؛ لِأَنَّهُ فَاصِل بَيْن الْمَاء وَالتُّرَاب ، وَسُمِّيَتْ الرِّمَاح خَطِّيَّة لِأَنَّهَا تُحْمَل إِلَى هَذَا الْمَوْضِع ، وَتُثَقَّفُ فِيهِ . قَالَ الْقَاضِي : وَلَا يَصِحُّ قَوْل مَنْ قَالَ : إِنَّ الْخَطّ مَنْبَت الرِّمَاح .
قَوْلهَا : ( وَأَرَاحَ عَلَيَّ نِعَمًا ثَرِيًّا )
أَيْ أَتَى بِهَا إِلَى مُرَاحهَا بِضَمِّ الْمِيم هُوَ مَوْضِع مَبِيتهَا . وَالنَّعَم الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَاد هُنَا بَعْضهَا وَهِيَ الْإِبِل ، وَادَّعَى الْقَاضِي عِيَاض أَنَّ أَكْثَر أَهْل اللُّغَة عَلَى أَنَّ النَّعَم مُخْتَصَّة بِالْإِبِلِ ، وَالثَّرِيّ بِالْمُثَلَّثَةِ وَتَشْدِيد الْيَاء الْكَثِير مِنْ الْمَال وَغَيْره ، وَمِنْهُ الثَّرْوَة فِي الْمَال وَهِيَ كَثْرَته .
قَوْلهَا : ( وَأَعْطَانِي مِنْ كُلّ رَائِحَة زَوْجًا )
فَقَوْلهَا ( مِنْ كُلّ رَائِحَة ) أَيْ مِمَّا يَرُوح مِنْ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم وَالْعَبِيد . وَقَوْلهَا ( زَوْجًا ) أَيْ اِثْنَيْنِ ، وَيَحْتَمِل أَنَّهَا أَرَادَتْ صِنْفًا ، وَالزَّوْج يَقَع عَلَى الصِّنْف ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَة } قَوْلهَا فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة : ( وَأَعْطَانِي مِنْ كُلّ ذَابِحَة زَوْجًا ) . هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيع النُّسَخ ( ذَابِحَة ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَة أَيْ مِنْ كُلّ مَا يَجُوزُ ذَبْحه مِنْ الْإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم وَغَيْرهَا ، وَهِيَ فَاعِلَة بِمَعْنَى مَفْعُولَة .
قَوْله : ( مِيرِي أَهْلك )
بِكَسْرِ الْمِيم مِنْ الْمِيرَة ، أَيْ أَعْطِيهِمْ وَافْضُلِي عَلَيْهِمْ وَصِلِيهِمْ . قَوْلهَا فِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة : ( وَلَا تَنْقُث مِيرَتنَا تَنْقِيثًا ) فَقَوْلهَا ( تَنْقُث ) بِفَتْحِ التَّاء وَإِسْكَان النُّون وَضَمّ الْقَاف ، وَجَاءَ قَوْلهَا ( تَنْقِيثًا ) عَلَى غَيْر الْمَصْدَر ، وَهُوَ جَائِز كَقَوْلِهِ تَعَالَى { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا } وَمُرَاده أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَة وَقَعَتْ بِالتَّخْفِيفِ كَمَا ضَبَطْنَاهُ ، وَفِي الرِّوَايَة السَّابِقَة ( تُنَقِّث ) بِضَمِّ التَّاء وَفَتْح النُّون وَكَسْر الْقَاف الْمُشَدَّدَة ، وَكِلَاهُمَا صَحِيح .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا : ( كُنْت لَك كَأَبِي زَرْع لِأُمِّ زَرْع )
قَالَ الْعُلَمَاء : هُوَ تَطْيِيبٌ لِنَفْسِهَا ، وَإِيضَاحٌ لِحُسْنِ عِشْرَته إِيَّاهَا ، وَمَعْنَاهُ أَنَا لَك كَأَبِي زَرْع ، ( وَكَانَ ) زَائِدَة ، أَوْ لِلدَّوَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } أَيْ كَانَ فِيمَا مَضَى ، وَهُوَ بَاقٍ كَذَلِكَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ الْعُلَمَاء : فِي حَدِيث أُمّ زَرْع هَذَا فَوَائِد . مِنْهَا اِسْتِحْبَاب حُسْن الْمُعَاشَرَة لِلْأَهْلِ ، وَجَوَاز الْإِخْبَار عَنْ الْأُمَم الْخَالِيَة ، وَأَنَّ الْمُشَبَّه بِالشَّيْءِ لَا يَلْزَمُ كَوْنُهُ مِثْله فِي كُلّ شَيْء ، وَمِنْهَا أَنَّ كِنَايَات الطَّلَاق لَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ إِلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَائِشَة : كُنْت لَك كَأَبِي زَرْع لِأُمِّ زَرْع وَمِنْ جُمْلَة أَفْعَال أَبِي زَرْع أَنَّهُ طَلَّقَ اِمْرَأَته أُمّ زَرْع كَمَا سَبَقَ ، وَلَمْ يَقَع عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَاق بِتَشْبِيهِهِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاق . قَالَ الْمَازِرِيّ : قَالَ بَعْضهمْ : وَفِيهِ أَنَّ هَؤُلَاءِ النِّسْوَة ذَكَرَ بَعْضهنَّ أَزْوَاجهنَّ بِمَا يَكْرَه ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ غِيبَة لِكَوْنِهِمْ لَا يُعْرَفُونَ بِأَعْيَانِهِمْ أَوْ أَسْمَائِهِمْ ، وَإِنَّمَا الْغِيبَة الْمُحَرَّمَة أَنْ يَذْكُر إِنْسَانًا بِعَيْنِهِ ، أَوْ جَمَاعَة بِأَعْيَانِهِمْ . قَالَ الْمَازِرِيّ : وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَى هَذَا الِاعْتِذَار لَوْ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ اِمْرَأَة تَغْتَابُ زَوْجَهَا ، وَهُوَ مَجْهُول ، فَأَقَرَّ عَلَى ذَلِكَ . وَأَمَّا هَذِهِ الْقَضِيَّة فَإِنَّمَا حَكَتْهَا عَائِشَة عَنْ نِسْوَة مَجْهُولَات غَائِبَات ، لَكِنْ لَوْ وَصَفَتْ الْيَوْم اِمْرَأَة زَوْجهَا بِمَا يَكْرَههُ ، وَهُوَ مَعْرُوف عِنْد السَّامِعِينَ كَانَ غِيبَة مُحَرَّمَة فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا لَا يُعْرَفُ بَعْد الْبَحْث فَهَذَا لَا حَرَج فِيهِ عِنْد بَعْضهمْ كَمَا قَدَّمْنَا ، وَيَجْعَلهُ كَمَنْ قَالَ : فِي الْعَالِم مَنْ يَشْرَب أَوْ يَسْرِق . قَالَ الْمَازِرِيّ : وَفِيمَا قَالَهُ هَذَا الْقَائِل اِحْتِمَال . قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : صَدَقَ الْقَائِل الْمَذْكُور ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ مَجْهُولًا عِنْد السَّامِع وَمَنْ يَبْلُغُهُ الْحَدِيث عَنْهُ لَمْ يَكُنْ غِيبَة ، لِأَنَّهُ لَا يَتَأَذَّى إِلَّا بِتَعْيِينِهِ . قَالَ : وَقَدْ قَالَ إِبْرَاهِيم : لَا يَكُون غِيبَة مَا لَمْ يُسَمِّ صَاحِبهَا بِاسْمِهِ ، أَوْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ بِمَا يَفْهَم بِهِ عَنْهُ ، وَهَؤُلَاءِ النِّسْوَة مَجْهُولَات الْأَعْيَان وَالْأَزْوَاج ، لَمْ يَثْبُتْ لَهُنَّ إِسْلَام فَيُحْكَم فِيهِنَّ بِالْغِيبَةِ لَوْ تَعَيَّنَ ، فَكَيْف مَعَ الْجَهَالَة . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الأمثال للرامهرمزي - (ج 1 / ص 114)
108 - حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد الرقيقي ، ثنا محمد بن عبد الرحمن العزواني ، ثنا عيسى بن يونس ، بإسناده نحوه ، وحدثنيه الحسن بن سهل بن النزال القرشي ، ثنا عبد الرحمن بن المسور الزهري ، ثنا سليمان بن داود العتكي ، ثنا عيسى بن يونس ، عن هشام ، عن أخيه ، عن أبيه ، عن عائشة ، رضي الله عنها قالت : « اجتمعت إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا ، فقالت الأولى : زوجي لحم جمل غث (1) ، على رأس جبل وعث ، لا سهل فيرتقى (2) ، ولا سمين فينتقى . وقالت الثانية : زوجي لا أبث (3) خبره ، إني أخاف أن لا أذره (4) ، إن أذكره أذكر عجره (5) وبجره (6) . وقالت الثالثة : زوجي العشنق (7) ، إن أنطق أطلق ، وإن أسكت أعلق (8) . وقالت الرابعة : زوجي إن أكل لف (9) ، وإن شرب اشتف (10) ، ولا يولج (11) الكف ، ليعلم البث (12) . وقالت الخامسة : زوجي غياياء (13) ، طباقاء (14) ، كل داء له داء ، شجك (15) ، أو فلك (16) ، أو جمع كلا (17) لك . وقالت السادسة : زوجي المس مس (18) أرنب ، والريح ريح زرنب (19) . وقالت السابعة : زوجي كليل تهامة ، لا حر (20) ، ولا قر (21) ، ولا مخافة ، ولا سآمة (22) . وقالت الثامنة : زوجي إن دخل فهد (23) ، وإن خرج أسد (24) ، ولا يسأل عما عهد (25) . قالت التاسعة : زوجي رفيع العماد (26) ، عظيم الرماد (27) ، طويل النجاد (28) ، قريب البيت من الناد (29) . قالت العاشرة : زوجي مالك ، فما مالك ؟ مالك خير من ذلك ، له إبل كثيرات المبارك (30) ، قليلات المسارح (31) ، إذا سمعن صوت المزهر (32) أيقن (33) أنهن هوالك . قالت الحادية عشرة : زوجي أبو زرع ، وما أبو زرع ؟ أناس (34) من حلي أذني ، وملأ من شحم (35) عضدي (36) ، وبجحني إلى نفسي فبجحت (37) ، وجدني في أهل غنيمة (38) بشق فجعلني في أهل صهيل (39) وأطيط (40) ودائس (41) ومنق (42) ، فعنده أقول فلا أقبح ، وأشرب فأتقمح ، وأرقد فأتصبح . أم أبي زرع ، فما أم أبي زرع ؟ عكومها (43) رداح (44) ، وبيتها فساح (45) . ابن أبي زرع ، وما ابن أبي زرع ؟ مضجعه كمسل الشطبة ، ويشبعه ذراع (46) الجفرة (47) بنت أبي زرع ، فما بنت أبي زرع ؟ طوع أبيها ، وطوع أمها ، وملء كسائها ، وغيظ جارتها . جارية أبي زرع ، وما جارية أبي زرع ؟ لا تبث حديثنا تبثيثا ، ولا تنقث (48) ميرتنا (49) تنقيثا ، ولا تملأ بيتنا تعشيشا (50) . خرج أبو زرع والوطاب تمخض (51) ، فمر بامرأة معها ولدان لها يلعبان من تحت خصرها برمانتين فطلقني ونكحها ، فتزوجت بعده رجلا سريا (52) ، ركب شريا (53) ، وأخذ خطيا (54) ، وأراح علي نعما ثريا (55) ، وقال : كلي أم زرع ، وميري (56) أهلك ، فلو جمعت كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع . قالت عائشة : فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : » كنت لك كأبي زرع لأم زرع « قال أبو محمد رحمه الله : فسر لنا هذا الحديث القرشي ، وحكاه عن حميد بن الربيع اللخمي قال : أما قول الأولى : زوجي لحم جمل غث ، فإنها تصف قلة خيره ، وبعد متناوله مع القلة كالشيء في قلة الجبل الصعب ، لا ينال إلا بمشقة ، والغث : المهزول . وقولها : لا ينتقى ، تعني : ليس فيه نقي ، والنقي : المخ ، تقول : نقوت العظم ونقيته إذا استخرجت النقي منه وقول الثانية : زوجي لا أبث خبره ، إني أخاف أن لا أذره ، إن أذكره أذكر عجره وبجره ، فالبث : الإفشاء ، تقول : لا أفشي سره ، والعجر : أن يتعقد العصب أو العروق حتى تراها ناتئة من الجسد ، والبجر نحوها ، إلا أنها في البطن خاصة ، واحدتها بجرة ، وقد قيل : رجل أبجر ، إذا كان ناتئ السرة عظيمها حدثني أبو الطيب الناقد نصر بن علي قال : قلت للأصمعي : ما معنى قول علي رضي الله عنه حين وقف على طلحة يوم الجمل وهو مقتول : أشكو إلى الله عجري وبجري ؟ ، فقال الأصمعي : يعني همومي وأحزاني وقول الثالثة : زوجي العشنق ، إن أنطق أطلق ، وإن أسكت أعلق ، فالعشنق : الطويل تقول : ليس عنده أكثر من طوله بلا نفع ، فإن ذكرت ما فيه من العيوب طلقني ، وإن سكت تركني معلقة لا أيما ، ولا ذات بعل ، ومنه قول الله عز وجل ( فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة (57) ) . وقول الرابعة : زوجي كليل تهامة ، لا حر ، ولا قر ، ولا سآمة ، تقول : ليس عنده أذى ، ولا مكروه ، وهذا مثل لأن الحر والقر مؤذيان إذا اشتدا ، ولا مخافة : تعني : ولا غائلة عنده ولا شر فأخافه ، ولا سآمة : تقول : لا يسأمني ، أي لا يمل صحبتي ، ومنه قول الله جل وعلا ( لا يسأم الإنسان من دعاء الخير (58) ) أي لا يمل . وقول الخامسة : إن أكل لف ، وإن شرب اشتف ، اللف في المطعم : الإكثار منه مع التخليط من الصنوف حتى لا يبقي منه شيء ، والاشتفاف : أن يستقصي ما في الإناء ، وإنما أخذ من الشفافة ، وهي البقية تبقى في الإناء من الشراب ، فإذا شربها صاحبها قيل : اشتفها وتشافها تشافا وقولها : لا يولج الكف ليعلم البث : أراه كان بجسدها عيب وداء كنت به ، لأن البث هو الحزن ، فكان لا يدخل يده في ثوبها ليمس ذاك العيب ، وليعيب فيشق عليها ، تصفه بالكرم . وقول السادسة : زوجي عياياء ، طباقاء ، فالعياياء من الإبل : التي لا تضرب ولا تلقح ، وكذلك هو في الرجال ، والطباقاء : العيي الأحمق الفدم وقولها : كل داء له داء ، أي كل شيء من أدواء الناس فهو فيه . وقول السابعة : زوجي إن دخل فهد ، وإن خرج أسد ، فإنها تصفه بكثرة النوم والغفلة في منزله على وجه المدح له ، وذلك أن الفهد يكثر النوم ، يقال : أنوم من الفهد ، والذي أرادت أنه ليس يتفقد ما ذهب من ماله ، ولا يلتفت إلى معايب البيت ، وما فيه ، وهو كأنه ساه عن ذلك ، ومما يبين ذلك قولها : ولا يسأل عما عهد ، تعني عما كان عندي ، وقولها : إن خرج أسد ، تصفه بالشجاعة ، تقول : إذا خرج إلى الناس في مباشرة الحروب أسد ، يقال أسد الرجل واستأسد . وقول الثامنة : زوجي المس مس أرنب ، والريح ريح زرنب ، فإنها تصفه بحسن الخلق ، ولين الجانب كمس الأرنب إذا وضعت يدك على ظهرها ، وقولها : الريح ريح زرنب ، فإن فيه معنيين يجوز أن تريد طيب روح جسده ، ويجوز أن تريد طيب الثناء في الناس ، وانتشاره فيهم كريح الزرنب ، وهو نوع من أنواع الطيب معروف ، والثناء والنثا واحد إلا أن الثناء ممدود ، والنثا مقصور . وقول التاسعة : زوجي رفيع العماد ، تعني عماد البيت ، وجمعه عمد ، ومنه قوله عز وجل : ( رفع السموات بغير عمد ترونها (59) ) ، والعمد : العيدان التي تعمد بها البيوت وتعني أن بيته في حسبه رفيع في قومه ، وقولها : طويل النجاد : تصفه بامتداد القامة ، والنجاد : حمائل السيف ، فهو يحتاج إلى قدر ذلك من طوله ، وأما قولها : عظيم الرماد فكأنها تصفه بالجود وكثرة الضيافة ؛ لأن ناره تعظم ويكثر وقودها ، ويكون الرماد في الكثرة على قدر ذلك ، وقولها : قريب البيت من الناد : تعني أنه ينزل بين ظهراني الناس ليعلموا مكانه فينزل به الأضياف ، ولا يستبعد منهم فرارا من نزول النوائب والأضياف . وقول العاشرة : زوجي مالك ، فما مالك ؟ مالك خير من ذلك ، له إبل قليلات المسارح ، كثيرات المبارك ، تقول : إنه لا يوجههن لسرحهن نهارا إلا قليلا ، ولكن يبركن في فنائه ، فإن نزل به ضيف لم تكن الإبل غائبة عنه ليقري من ألبانها ولحومها ، وقولها : إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك ، فالمزهر : العود الذي يضرب به فإذا سمعن صوته أيقن أنهن منحورات . وقول الحادية عشرة : زوجي أبو زرع ، وما أبو زرع ؟ أناس من حلي أذني ، تقول : حلاني قرطة وشنوفا تنوس بأذني ، والنوس : الحركة في كل شيء متدل . قال أبو محمد رحمه الله : وسمعت أبا موسى الحامض يقول : سمي الإنسان من النوس ، وهو أفعلان منه . وقولها : ملأ من شحم عضدي : لم ترد العضد خاصة ، أرادت الجسد كله ، تقول : إنه سمنني بإحسانه ، وإذا سمنت العضد سمن سائر جسدها ، وقولها : وبجحني فبجحت إلي نفسي ، أي فرحني ففرحت ، فقد تبجح الرجل إذا فرح ، وقولها : وجدني في أهل غنيمة بشق ، تقول : إن أهلها كانوا أصحاب غنم ، ليسوا أصحاب خيل ، ولا إبل ، وشق موضع ، وقولها : جعلني في أهل صهيل وأطيط ، تعني أنه ذهب بي إلى أهله ، وهم أهل خيل وإبل ، والصهيل أصوات الخيل ، والأطيط أصوات الإبل وقولها ودائس ، فإن بعض الناس يتأوله دياس الطعام ، وأهل الشام يسمونه الدراس ، فأرادت أنهم أصحاب زرع ، وهذا أشبه بكلام العرب ، وقولها منق فهو من تنقية الطعام إذا ديس ، قولها : عنده أقول فلا أقبح ، وأشرب فأتقمح ، فإنها تريد : لا يقبح قولي ، ويسمع مني ، وأما قولها : أتقمح أي أروى حتى أدع الشرب من شدة الري ، وهذا من عزة الماء عندهم ، وكل رافع رأسه فهو مقامح . قال الله عز وجل : ( فهي إلى الأذقان فهم مقمحون (60) ) ، وقولها : عكومها رداح ، فالعكوم الأحمال والأعدال التي فيها الأوعية من صنوف الأطعمة والمتاع ، وقولها رداح تعني عظاما كثيرة الحشو ، ويقال للمرأة إذا كانت عظيمة الأكفال : رداح ، وقولها : كمسل الشطبة ، فإن أصلها ما شطب من جريدة النخل وهو سعفه ، وذلك أنه تشقق منه قضبان فتدق ، وينسج منه الحصر ، يقال منه للمرأة التي تفعل ذلك : شاطبة ، وقولها : يكفيه ذراع الجفرة ، فإن الجفرة الأنثى من أولاد الغنم ، والذكر جفر ، ومنه قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : في المحرم يصيب الأرنب جفرة والعرب تمدح الرجل بقلة المطعم والمشرب ، وقولها : لا تبث حديثنا تبثيثا ، تعني لا تظهر سرنا ، وقولها : لا تنقث ميرتنا تنقيثا ، تعني الطعام لا تأخذه فتذهب به ، تصفها بالأمانة ، والتنقيث : الإسراع في السير وقولها : والوطاب تمخض ، الوطاب : أسقية اللبن ، واحدها وطب . وقولها : معها ولدان كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمانتين ، تعني أنها ذات كفيل عظيم ، فإذا استلقت نتأ الكفل من الأرض حتى تصير تحتها فجوة يجري فيها الرمان ، وقولها : ركب شريا ، تعني فرسا يستشري في سيره ، أي يلج ويمضي فيه بلا فتور ولا انكسار ، ومن هذا قيل للرجل إذا لج في الأمر قد شري ، واستشرى ، وقولها : أخذ خطيا : فالخطي : الرمح منسوب إلى ناحية من البحرين يقال لها الخط ، وأصل الرماح من الهند ، ولكنها تحمل إلى الخط ثم تفرق في البلاد ، وقولها : نعما ثريا ، تعني بالنعم الإبل ، والثري : الكثير ، يقال ثري بنو فلان بني فلان إذا كثروهم ، فكانوا أكثر منهم
__________
(1) الغث : شديد الهزال
(2) الارتقاء : الصعود إلى أعلى والارتفاع
(3) بث الخبر : نشره وأظهره وأذاعه
(4) أذر : أترك ، والمعنى أخافُ ألاّ أتْرُكَ صِفَتَه، ولا أقْطَعَها من طُولها أو المعنى أخاف ألاّ أقْدِرَ على تَرْكِه وفِراقِه
(5) العُجْرة : نفْخَةٌ في الظهر ، وقيل العُجَر العروق المتعَقّدة في الظهر
(6) البُجَر : العروق المُتَعَقّدة في البطن أو انتفاخ في السُّرة ثم نقل إلى الأحزان
(7) العشنق : الطويل المفرط في الطول
(8) أعلق : أبقى معلقة لا مطلقة فأتزوج غيره ولا ذات زوج فأنتفع به
(9) لف في الأكل : أكثر وخلط
(10) اشتف : شرب جميع ما في الإناء
(11) يولج : يدخل والمراد يمد يده
(12) البث : البث في الأصل شدة الحزن والمرض الشديد كأنه من شدته يبثه صاحبَه
(13) غياياء : كأنه في ظُلْمةٍ لا يَهْتَدِي إلى مَسْلك يَنْفُذ فيه. ويَجَوز أن تكون قد وَصَفَتْه بِثِقَل الرُّوح، وأنه كالظِّلِّ المُتَكاثِف المُظْلم الذي لا إشْرَاقَ فيه.
(14) طباقاء : هو المُطْبَق عليه حُمقاً. وقيل هو الذي أموره مُطْبَقة عليه : أي مُغَشَّاة. وقيل هو الذَّي يَعْجِز عن الكلام فتَنْطَبق شَفتاه، وقيل : يطبق صدره عند الجماع على صدرها فيرتفع عنها أسفله فيثقل عليها ولا تستمتع به
(15) شج : جرح غيره
(16) فلك : جرحك في أي جزء من بدنك
(17) الكَل : الثِّقَل مِن كل ما يُتَكلَّف ، وقيل : العيال ومن يحتاج إلى رعاية ونفقة
(18) المس مس أرنب : حسن الخلق ولين الجانب كمس الأرنب إذا وضعت يدك على ظهره فإنك تحس بالنعومة واللين
(19) الزرنب : نبتٌ طَيِّبُ الرَّائحة، ولعلها أرادت طيب ذِكْره بين الناس أو طيب رائحة جسده وثيابه
(20) الحر : شدة الحرارة وهو كناية عن اعتدال طبعه
(21) القر : البرد الشديد
(22) السآمة : الملل
(23) فهد : صار كالفهد تعني أنه كثير النوم والمراد أنه يتغافل عما يلزمها إصلاحه من معايب البيت ولا يعاتبها عليه من كرم خلقه ولين جانبه
(24) أسد : وصف له بالشجاعة، ومعناه إذا صار بين الناس أو قاتل كان كالأسد
(25) عهد : استأمن واستحفظ ، والمراد : أنه يثق بها ولا يُخَوِّنُهَا
(26) رفيع العماد : العماد العمود الذي يرفع عليه البيت ويدعم به ، وهو كناية عن الرفعة والشرف
(27) عظيم الرماد : كثير الأضْياف والإطْعام ؛ لأن الرماد يكْثُر بالطَّبْخ
(28) النجاد : ما يحمل فيه السيف وطوله كناية عن طول الرجل
(29) النادِ : النادي، وهو مُجْتَمَع القومِ وأهل المجلِس
(30) المَبارِك : جمع مبرك وهو اسم للمكان الذي تنيخ فيه الإبل
(31) المسارح : جمع مَسْرح، وهو الموضِع الذي تسْرَح إليه الماشية بالغَدَاة للرَّعي
(32) المِزْهَر : العُودُ الذي يُضْرَبُ به في الغِناء
(33) أيقنَّ : تأكدن من الأمر وتحققن منه
(34) أناس : حلاها قِرَطَةً وشُنُوفا وهي حُلِيُّ الزينة ، تَنُوس بأُذُنَيْها أي تتحرك من تنوعها وكثرتها وكل شيء يتحرك فهو ينوس.
(35) الشحم : الدهن والسمن
(36) العضد : ما بين المرفق والكتف
(37) بَجِحَت : فرحت وسعدت وتعظمت وتدللت
(38) الغنيمة : تصغير غنم ، أي قطيع صغير من الغنم
(39) الصهيل : صوت الخيل والمراد كثرتهم
(40) أطيط : صوت الإبل والمراد أنهم أصحاب إبل وغنى وسعة
(41) دائس : يدوس الزرع ليخرج منه الحب ، وهي البقرة
(42) منق : المراد به : الذي ينقي الطعام أي يخرجه من بيته وقشوره ، والمقصود أنه صاحب زرع ويدوسه وينقيه
(43) العكوم : جمع عِكم وهي الأوعية التي تجمع فيها الأمتعة ونحوها
(44) رداح : كبيرة وعظيمة
(45) فساح : واسع
(46) الذراع : من كل حيوان يده ومن الإنسان من المرفق إلى أطراف الأصابع
(47) الجفرة : ولد المعز إذا بلغ أربعة أشهر
(48) التنقيث : النقل ، أرادت أنها أمينة على حفظ طعامنا لا تنقله وتخرجه وتفرقه
(49) الميرة : الطعام الذي يجمع للسفر ونحوه
(50) تعشيشا : المقصود لا تخون في طعامنا فتخبأ في كل زاوية شيئا فيصير كعش الطائر
(51) تمخض : تُحَرَّك تحريكًا سريعا لفصل الزبد عن اللبن
(52) السري : الشريف أو السخي
(53) الشري : الفرس الذي يستشري في سيره أي يلح ويمضي بلا فتور ولا انكسار
(54) الخطي : الرمح
(55) الثري : الكثير
(56) ميري : أطعمي
(57) سورة : النساء آية رقم : 129
(58) سورة : فصلت آية رقم : 49
(59) سورة : الرعد آية رقم : 2
(60) سورة : يس آية رقم : 8
عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 21 / ص 405)
9815 - حدثنا ( سليمان بن عبد الرحمان وعلي بن حجر ) قالا أخبرنا ( عيسى بن يونس ) حدثنا ( هشام بن عروة ) عن ( عبد الله بن عروة ) عن ( عائشة ) قالت جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا قالت الأولى زوجي لحم جمل غث على رأس جبل لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل قالت الثانية زوجي لا أبث خبره إني أخاف أن لا أذره إن أذكره أذكر عجره وبجره قالت الثالثة زوجي العشنق إن أنطق أطلق وإن أسكت أعلق قالت الرابعة زوجي كليل تهامة لا حر ولا قر ولا مخافة ولا سآمة قالت الخامسة زوجي إن دخل فهد وإن خرج أسد ولا يسأل عما عهد قالت السادسة زوجي إن أكل لف وإن شرب اشتف وإن اضطجع التف ولا يولج الكف ليعلم البث قالت السابعة زوجي غياياء أو عياياء طباقاء كل داء له داء شجك أو فلك أو جمع كلا لك قالت الثامنة زوجي المس مس أرنب والريح ريح زرنب قالت التاسعة زوجي رفيع العماد طويل النجاد عظيم الرماد قريب البيت من الناد قالت العاشرة زوجي مالك وما مالك مالك خير من ذالك له إبل كثيرات المبارك قليلات المسارح وإذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك قالت الحادية عشرة زوجي أبو زرع فما أبو زرع أناس من حلي أذني وملأ من شحم عضدي وبجحني فبجحت إلي نفسي وجدني في أهل غنيمة بشق فجعلني في أهل صهيل وأطيط ودائس ومنق فعنده أقول فلا أقبح وأرقد فأتصبح وأشرب فأتقمح أم أبي زرع فما أم أبي زرع عكومها رداح وبيتها فساح ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع مضجعه كمسل شطبة ويشبعه ذراع الجفرة بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع طوع أبيها وطوع أمها وملء كسائها وغيظ جارتها جارية أبي زرع فما جارية أبي زرع لا تبث حديثنا تبثيثا ولا تنقث ميرتنا تنقيثا ولا تملأ بيتنا تعشيشا قالت خرج أبو زرع والأوطاب تمخض فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمانتين فطلقني ونكحها فنكحت بعده رجلا سريا ركب عشريا وأخذ خطيا وأراح علي نعما ثريا وأعطاني من كل رائحة زوجا وقال كلي أم زرع وميري أهلك قالت فلو جمعت كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع قالت عائشة رضي الله عنها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كنت لك كأبي زرع لأم زرع
مطابقته للترجمة في الإحسان في معاشرة الأهل على مالا يخفي من الحديث
وسليمان بن عبد الرحمن المعروف بابن بنت شرحبيل الدمشقي ولد سنة ثلاث وخمسين ومائة وتوفي سنة ثلاثين ومائتين وعلي بن حجر بضم الحاء المهملة وسكون الجيم وبالراء السعدي وعيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ووقع كذا منسوبا عند الإسماعيلي وعبد الله بن عروة بن الزبير بن العوام يروي عن أبيه عروة ويروي عنه أخوه هشام بن عروة
والحديث أخرجه النسائي من حديث عباد بن منصور عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة والمحفوظ حديث هشام عن أخيه وكذا رواه مسلم في الفضائل عن علي بن حجر وعن أحمد بن جناب بفتح الجيم والنون كلاهما عن عيسى بن يونس عن هشام أخبرني أخي عبد الله بن عروة وأخره الترمذي في الشمائل والنسائي أيضا في عشرة النساء جميعا عن علي بن حجر وهذا من نوادر ما وقع لهشام بن عروة في حديث أبيه حيث أدخل بينهما أخا له واسطة وقال أبو الفضل عياض بن موسى اختلف في سند هذا الحديث ورفعه مع أنه لا اختلاف في صحته وأن الأئمة قبلوه ولا مخرج له فيما انتهى إلي إلا من رواية عروة عن عائشة فروي من غير طريق عن عروة عن عائشة من قول سيدنا رسول الله كله هكذا رواه عباد بن منصور والدراوردي وعبد الله بن مصعب الزبيري ويونس بن أبي إسحاق كلهم عن هشام عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم وكذا رفعه جماعة آخرون وقال عياض لا خلاف في رفع قوله في هذا الحديث كنت ل كأني زرع لأم زرع وإنما الخلاف في بقيته وقال الخطيب المرفوع من هذا الحديث قوله كنت لم كأبي زرع لأم زرع وما عداهفمن كلام عائشة قوله حدثنا سليمان في رواية أبي ذر حدثني سليمان قوله جلس إحدى عشرة امرأة قال ابن التين التقدير جلس جماعة إحدى عشرة ومثل هذا وقال نسوة في المدينة ( يوسف 30 ) وقال الزمخشري النسوة اسم مفرد لجمع المرأة وتأنيثه غير حقيقي كتأنيث اللمة ولذلك لم يلحقفعله تاء التأنيث انتهى قلت كذلك هنا إحدى عشرة امرأة نسوة فلذلك ذكر الفعل وفي رواية أبي عوانة جلست وفي رواية أبي عبيد اجتمعت وفي رواية أبي يعلى اجتمعن على لغة أكلوني البراغيث قال عياض إن في بعض الروايات إحدى عشرة نسوة قال فإن كان بالنصب احتاج إلى إضمار أعني أو بالرفع فهو بدل من إحدى عشرة ومنه قوله عز وجل وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا ( الأعراف 160 ) وقال الفارسي هي بدل من قطعناهم وليس بتمييز وكان اجتماعهن وجلوسهن بقرية من قرى اليمن كذا وقع رواية الزبير بن بكار ووقع في رواية الهيثم أنهن كن بمكة وقال عياض إنهن كن من خثعم ووقع في رواية ابن أبي أويس عن أبيه أنهن كن في الجاهلية وكذا عند النسائي في رواية قوله فتعاهدن وتعاقدن أي ألزمن أنفسهن عهدا وعقدن على الصدق من ضمائرهن عقدا قوله أن لا يكتمن أي بأن لا يكتمن ووقع في رواية أبي أويس أن يتصادقن بينهن ولا يكتمن وفي رواية سعيد بن سلمة عند الطبراني أن ينعتن أزواجهن ويصدقن وفي رواية الزبير فتبايعن على ذلك قوله قالت الأولى أي المرأة الأولى ولم أقف على اسمها قوله غث بفتح الغين المعجمة وتشديد الثاء المثلثة وهو الهزيل الذي يستغيث من هزاله مأخوذ من قولهم غث الجرح غثا وغثيثا إذا سأل منه القيح واستغثه صاحبه ومنه أغث الحديث ومنه غث فلان في حلقه وكذا استعماله في مقابلة السمين فيقال للحديث المختلط فيه الغث والسمين والغث الفاسد من الطعام قوله على رأس جبل قال أبو عبيدة تصف قلة خيره وبعده مع القلة كالشيء في قبة الحبل الصعب لا ينال إلا بالمشقة وفي رواية الترمذي على رأس جبل وعر وفي رواية الزبير بن بكار وغث وهي أوفق للسجع قوله وعر أي كثير الصخر شديد الغلطة يعصب الرقي إليه والوعث بالثاء المثلثة الصعب المرتقي بحيث توحل فيه الأقدام فلا يتخلص ويشق فيه المشيء ومنه وعثاء السفر قوله لا سهل فيرتقي يجوز فيه أوجه ثلاثة الأول بالفتح بلا تنوين الثاني الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي لا هو سهل الثالث الجر على أنه صفة جبل وكذلك الأوجه الثلاثة في قوله ولا سمين ووقع في رواية عند النسائي بالنصب منونا فيهما لا سهلا ولا سمينا وفي أخرى عنده لا بالسهل ولا بالسمين وقال عياض أحسن الوجوه الرفع فيهما قوله فيرتقي على صيغة المجهول أي فإن يرتقى أي يصعد قوله فينتقل بالفتح أي فإن ينتقل والانتقال ههنا بمعنى النقل أي لا يأتي إليه أحدا لصعوبة المسلك ولا يؤتى به إلى أحد أي لا تنقله الناس إلى بيوتهم لرداءته وفي رواية أبي عبيد فينتقى من النقى بكسر النون وهو المخ أي يستخرج نقيه وحاصله أنه قليل الخير من جهة أنه لحم جمل لا لحم غنم وأنه مهزول رديء وأنه صعب التناول لا يوصل إليه إلا بمشقة شديدة أي خيره قليل ذاتا وصفة وقال أبو سعيد النيسابوري ليس شيء أخبث غثاثة بين الأنعام من الجمل لأنه يجمع خبث الريح وخبث الطعم حتى ضرب به المثل وصفت زوجها بالبخل وقلة الخيروبعده من أن ينال خيره مع قلته كاللحم الهزيل المنتن الذي يزهد فيه فلا يطلب فكيف إذا كان في رأس جبل صعب وعر لا ينال إلا بمشقة وذهب الخطابي إلى أن تمثيلها بالجبل الوعر هنا إشارة إلى سوء خلقه والذهاب بنفسه وترفعه تيها وكبرا تريد أنه مع قلة خيره يتكبر على عشيرته فيجمع إلى البخل سوء الخلق وهو تشبيه الجلي بالخفي والمتوهم بالمحسوس والحقير بالخطير قوله وقالت الثانية أي المرأة الثانية وهي عمرة بنت عمرو التميمي قوله لا أبث من البث بالباء الموحدة والثاء المثلثة وهو الإظهار والإشاعة وفي رواية حكاها عياض لا أنثه بالنون بدل الباء أي لا أنشره ولا أشيعه ووقع في رواية الطبراني لا أنم بالنون والميم من النميمة قوله إني أخاف أن لا أذره فيه تأويلان لأن الهاء إما عائدة إلى الخبر أي خبره طويل إن شرعت في تفصيله لا أقدر على إتمامه لكثرته أو إلى الزوج وتكون لا زائدة أي أخاف أن يطلقني فأذره أي فأتركه وقال الكرماني التأويل الثالث أن يقال إن معناه أخاف أن أبث خبره إذ عدم الترك وهو الإبثاث والتبيين ووقع في رواية الزبير زوجي من لا أذكره ولا أبث خبره قوله أذكر عجره وبجره جواب إن والعجر بضم العين المهملة وفتح الجيم والبجر بضم الباء الموحدة وفتح الجيم والمراد بهما عيوبه والمشهور في الاستعمال أن يراد به الأمور كلها وقيل العجرة نفخة في الظهر والبجرة نفخة في السرة ويقال العجر معقد العروق والعصب في الجسد حتى تراها ناتئة في الجسد والبجر كذلك إلا أنها مختصة بالبطن فيما ذكره الأصمعي وأحدها بجرة ومنه قيل رجل أبجر إذا كان عظيم البطن وامرأة بجراء ويقال الفلان بجرة إذا كان ناتىء السرة عظيمها وقال الأخفش العجر العقد تكون في سائر البدن والبجر تكون في القلب وقال أبو سعيد النيسابوري لم يأت أبو عبيدة بالمعنى في هذا وإنما عنت أن زوجها كثير العيوب في أخلاقه منعقد النفس عن المكارم وقال ابن فارس يقال في المثل أفضيت إليه بعجري وبجري أي بأمري كله وعن الأصمعي يستعلمل ذلك في المعائب أي ذكر عيوبه وقال يعقوب أسراره وعبارة غيره عيوبه الباطنة وأسراره الكامنة وعن علي رضي الله تعالى عنه في وقعة الجمل إلى الله أشكو عجري وبجري أي همومي وأحزاني وقيل العجر ظاهرها والبجر باطنها قال الشاعر
لم يبق عندي ما يباع بدرهم *** يكفيك عجر حالتي عن بجري
إلا بقايا ماء وجه صنته *** لأبيعه فعسى تكون المشتري
قوله قالت الثالثة أي المرأة الثالثة وهي حيي بنت كعب اليماني قوله العشنق بفتح العين المهملة والمعجمة وفتح النون المشددة وبالقاف وقال أبو عبيدة وجماعة هو الطويل وزاد الثعالبي المذموم الطول وقال الخليل هو طويل العنق وقال ابن حبيب هو المقدام على ما يريد الشرس في أموره وقيل السيىء الخلقوقال الأصمعي أرادت أنه ليس عنده أكثر من طوله بلا نفع ويجمع على عشانقة والمرأة عشنقة وقال أبو سعيد الضرير الصحيح أن العشنق الطويل النجيب الذي يملك أمر نفسه ولا يحكم النساء فيه بل يحكم فيهن بما شاء فزوجته تهابة أن تنطق بحضرته فهي تسكن على مضض قال الزمخشري وهي الشكاية البليغة قوله إن أنطق أطلق يعني إن ذكرت عيوبه يطلقني وإن أسكت أعلق يعني إن أسكت عنه أعلق يعني يتركني لا عزبا ولا مزوجة كما في قوله تعالى فتذروها كالمعلقة ( النساء 129 ) فكأنها قالت أنا عنده لا ذات زوج فانتفع به ولا مطلقة فأتفرغ لغيره فهي كالمعلقة بين العلو والسفل لا تستقر بأحدهما وكل واحد من قولها أطلق و أعلق على صيغة المجهول مجزومان لأنهما جواب الشرط
قوله قالت الرابعة وهي مهدد بفتح الميم وإسكان الهاء وفتح الدال المهملة الأولى ويقال مهرة بالراء بنت أبي هرومة بالراء المضمومة ويقال أرومة قوله كليل تهامة شبهت زوجها بليل تهامة وتمدحه أي كليل أهل مكة أصحاب الأمن أو كليل ركدت الرياح فيه أو كليل الربيع وقت تغير الهواء من البرودة إلى الحرارة وظهور اعتداله وليس فيه أذى بل فيه راحة ولذاذة عيش كليل تهامة لذيذ معتدل ليس فيه حر مفرط ولا برد ولا أخاف له غائلة لكرم أخلاقه ولا يسامني ولا يستثقل بي فيمل صحبتي وتهامة بكسر التاء المثناة من فوق وهو اسم لكل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز وهو من المتهم بفتح التاء والهاء وهو ركود الريح ويقال تهتم الدهن إذا تغير قوله ولا قر بالضم وهو البرد قوله ولا سآمة أي ولا ملالة وكل واحد من هذه الألفاظ الثلاثة بني بغير تنوين وجاء الرفع مع التنوين وهي رواية أبي عبيد كما في قوله تعالى لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ( البقرة 254 ) ووقع في رواية عمر بن عبد الله عند النسائي ولا برد بدل ولا قر وزاد في رواية الهيثم بن عدي ولا وخامة بالخاء المعجمة أي لا ثقل عنده تصف زوجها بذلك أنه لين الجانب خفيف الوطأة على الصاحب وفي رواية الزبير بن بكار والغيث غيث غمامة وقال ابن الأنباري أرادت بقولها ولا مخافة أن أهل تهامة لا يخافون لتحصنهم بجبالها أو أرادت أن زوجها حامي الذمار مانع لداره وجاره ولا مخافة عند من يأوي إليه ثم وصفته بالجود قوله قالت الخامسة أي المرأة الخامسة وهي كبشة قوله إن دخل فهد أي إن دخل البيت فهد بكسر الهاء أي فعل فعل الفهد شبهته بالفهد في كثرة نومه يعني إذا دخل البيت يكون في الاستراحة معرضا عما تلف من أمواله وما بقي منها وقيل معنى فهد أنه إذا دخل البيت وثب على وثوب الفهد كأنها تريد المبادرة إلى الجماع قوله وإن خرج أسد أي وإن خرج من البيت أسد بكسر السين يعني فعل فعل الأسد تصفه بالشجاعة يعني إذا صار بين الناس كان الأسد يعني سهل مع الأحباء صعب على الأعداء كقوله تعالى أشداء على الكفار رحماء بينهم ( الفتح 29 ) وقال ابن السكيت تصفه بالنشاط في الغزو وقال عياض فيه مطابقة لفظية بين دخل وخرج وبين أسد وفهد مطابقة معنوية وتسمى أيضا المقابلة قوله ولا يسأل عما عهد أي لا يتفقد ما ذهب من ماله ولا يلتفت إلى معائب البيت وما فيه كأنه ساه عن ذلك وقال عياض وهذا يقتضي تفسيرين لعهد عهد قبل فهو يرجع إلى تفقد المال وعهد الآن فهو بمعنى الإغضاء عن المعائب والاختلال قوله قال السادسة أي المرأة السادسة واسمها هند قوله إن أكل لف باللام والفاء المشددة فعل ماض من اللف وهو الإكثار من الطعام مع التخليط من صنوفه حتى لا يبقى منه شيئا قال عياض حكي رف بالراء بدل اللام قال وهو بمعناه قوله وإن شرب اشتف من الاشتفاف بالفاءين وهو أن يستوعب جميع ما في الإناء مأخوذ من الشفافة بضم الشين المعجمة وهي اسم ما بقي في الإناء من المال فإذا شربه قيل اشتفه ويروى استف بالسين المهملة وهي بمعناها وقال عياض روي بالقاف بدل الشين قال الخليل قفاف كل شيء جماعة واستيعابه ومنه سميت الفقة لجمعها ما وضع فيها قوله وإن اضطجع التلف من الالتفاف يعني إذا نام التلف في ثيابه في ناحية وفي رواية للنسائي إذا نام بدل اضطجع وزاد وإذا ذبح اغتث أي تحرى الغث وهو الهزيل كما مضى قوله ولا يولج الكف أي لا يدخل كفه معناه لا يمد يده ليعلم ما هي عليه من الحزن وهو معنى قوله ليعلم البث بفتح الباء الموحدة وتشديد يد الثاء المثلثة وهو الحزن وفي رواية الطبراني ولا يدخل بدل ولا يولج وفي رواية الترمذي والطبراني فيعلم بالفاء بدل اللام وقال الخطابي معناه أنه يتلفف منتبذا عنها ولا يقرب منها فيولج كفه داخل ثوبها فيكون منه إليها ما يكون من الرجل لامرأته ومعنى البث ما تضمر من الحزن على عدم الحظوة منه وقال أبو عبيد أحسبها كان بجسدها عيب أو داء يحزن به وكأنه لا يدخل يده في ثوبها لئلا يلمس ذلك فيشق عليها فوصفته بالمروءة وكرم الخلق ورد عليه ابن قتيبة بأنها قد ذمته في صدر الكلام فكيف تمدحه في آخره فقال ابن الأنباري الرد مردود لأن النسوة تعاقدن لا يكتمن شيئا مدحا أو ذما فمنهن من كانت أوصاف زوجها كلها حسنة فوصفته بها ومنهن بالعكس ومنهن من كانت أوصافه مختلطة منهما فذكرتهما كليهما قوله قالت السابعة أي المرأة السابعة واسمها حيى بنت علقمة قوله زوجي عياياء بفتح العين المهملة وتخفيف الياء آخر الحروف وبعد الألف ياء أخرى وبالمد وهو الذي عي بالأمر والمنطق وجمل عياياء إذا لم يهتد إلى الضراب قوله أو غياياء شك من الراوي وهو عيسى بن يونس فإنه شك هل هو بالمهملة أو بالمعجمة وقال الكرماني أو تنويع من الزوجة القائلة والأكثرون لم يشكوا وقالوا بالمهملة وأما غياياء بالغين المعجمة فمعناه لا يهتدي إلى مسلك أو إنه كالظل المتكاثف المظلم الذي لا إشراق فيه أو أنه غطى عليه أموره أو أنه منهمك في الشر قال تعالى فسوف يلقون غيا ( مريم 59 ) وقال عياض قال أبو عبيد إن الغياياء بالغين المعجمة ليس بشيء ولم يفسره وتابعه على ذلك سائر الشراح فقد ظهر لي فيه معنى صحيح فذكر ما ذكرناه الآن وذكر أيضا أنه مأخوذ من الغياية وهي كل ما أظلك فوق رأسك من سحاب وغيره ومنه سميت الراية غاية فكأنه غطى عليه من جهله وسترت مصالحة قوله طباقاء بالطاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة وبالقاف ممدودة وهو المطبقة عليه الأمور حمقا وقيل الذي يعجز عن الكلام وقال ابن حبان الطباق من الرجال الذي فيه رعونة وحمق كالمطبق عليه في حمقه ورعونته وقيل الطباق من الرجال الثقيل الصدر الذي لا يطبق صدره على صدر المرأة قوله كل داء له دواء أي كل شيء من أدواء الناس فيه قال الزمخشري تعني كل داء تفرق في الناس فهو فيه ومن أدوائه أنه قد اجتمعت فيه المعائب قوله شجك أو فلك كلمة أو للتنويع ومعنى شجك جرحك في رأسك وجراحات الرأس تسمى شجا بالشين المعجمة بالشين المعجمة وتشديد الجيم ومعنى فلك بالفاء وتشديد اللام جرحك في جميع الجسد وقيل الفل الطعن وقال ابن الأنباري فلك كسرك ويقال ذهب بمالك ويقال كسرك بخصومته وصفته بالحمق والتناهي في جميع النقائص والعيوب وسوء العشرة مع الأهل وعجزه عن حاجتها مع ضربها وأذاه لها وإذا حدثته سبها وإذا مازحته شجها وإذا غضب إما أن يشجها في رأسها أو يكسر عضوا من أعضائها وزاد ابن السكيت في روايته بجك بفتح الباء الموحدة وتشديد الجيم أي طعنك في جراحتك فشقها والبج شق القرحة وقيل هو الطعنة قوله أو جمع كلا لك أي أو جمع كل هذه الأشياء وهي الضرب والجرح وكسر الأعضاء والكسر بالخصومة والكلام الموجع وأخذ مالها
قوله قالت الثامنة أي المرأة الثامنة وأسمها ياسر بنت أوس بن عبد قوله المس مس أرنب والريح ريح زرنب وصفته بحسن الخلق ولين الجانب كمس الأرنب إذا وضعت يدك على ظهره لأن وبره ناعم جدا والزرنب بوزن الأرنب لكن أوله زاي وهو نبت طيب الريح وقيل هي شجرة عظيمة بالشام على جبل لبنان لا تثمر ولها ورق بين الخضرة والصفرة وكذا ذكره عياض ورده أصحاب المفردات وقيل هي حشيشة طيبة الرائحة رقيقة وقيل هو الزعفران وليس بشيء وقيل وهو مسك والألف واللام في المس نائبة عن الضمير لأن أصله زوجي مسه وكذا في الريح أي ريحه وفيهما حذف تقديره زوجي المس منه كما في السمن منوان بدرهم أي منه وقال عياض هذا من التشبيه بغير أداة وفيه حسن المناسبة والموازنة والتسجيع وفي رواية الزبير والنسائي فيه زيادة وهي قولها وأنا أغلبه والناس يغلب في رواية للنسائي والطبراني بلفظ ونغلبه بنون الجمع وفيه نوع من البديع يسمى التتميم لأنها لو اقتصرت على قولها وأنا أغلبه لظن أنه جبان ضعيف فلما قالت والناس يغلب دل على أن غلبتها إياه إنما هو من باب كرم سجاياه فتممت بهذه الكلمة المبالغة في حسن أوصافه
قوله قالت التاسعة أي المرأة التاسعة ولم أقف على اسمها عند أحد قوله رفيع العماد كناية عن وصفه بالشرف في نسبه وسؤدده في قومه فهو رفيع فيهم والعماد في الأصل عماد البيت وهو العمود الذي يدعم به البيت تعني أن بيته في حسبه رفيع في قومه ويحتمل أنها أرادت أن بيته عال لحشمته وسعادته لا كبيوت غيره من الفقراء والمساكين يجعله مرتفعا ليراه أرباب الحوائج والأضياف فيأتونه وهذه صفة بيوت الأجواد قوله طويل النجاد بكسر النون كناية عن طول القامة لأن النجاد حمائل السيف فمن كان طويل القامة كانت حمائل سيفه طويلة فوصفته بالطول والجود قوله عظيم الرماد كناية عن المضافية لأن كثرة الرماد تستلزم كثرة النار وكثرة النار تستلزم كثرة الطبخ وكثرة الطبخ تستلزم كثرة الأضياف وقيل إن ناره لا تطفأ في الليل ليهتدي بها الضيفان والأجواد يعظمون النيران في ظلام الليل ويوقدونها على التلال لاهتداء الضيف بها قوله قريب البيت من الناد كناية عن الكرم والسؤدد لأن النادي مجلس القوم ولا يقرب منه إلا من هذه صفته لأن الضيفان يقصدون النادي يعني ينزل بين ظهراني الناس ليعلموا مكانه وينزلوا عنده واللئام يتباعدون منه فرارا من نزول الضيف وقال صاحب ( التلويح ) في قولها قريب البيت من النادي كذا هو في النسخ النادي بالياء هو الفصيح في العربية ولكن المشهور في الرواية خذفها اليتم السجع وفي رواية الزبير بن بكار بعد قوله قريب البيت من الناد لا يشبع ليلة يضاف ولا ينام ليلة يخاف قوله وقالت العاشرة أي المرأة العاشرة واسمها كبشة مثل الخامسة بنت الأرقم بالراء والقاف قوله زوجي مالك وما مالك مالك خير من ذلك أردت بهذه الألفاظ تعظيم زوجها لأن كلمة ما استفهامية وفيها معنى التعظيم والتهويل وحقيقة ما مالك أي ما هو أي أي شيء هو ما أعظمه وأكبره وأكرمه مثل قوله عز وجل الحاقة ما الحاقة ( الحاقة 1 ) القارعة ما القارعة
( القارعة 1 ) أي أي شيء هو ما أعطم أمرها وأهولها وقولها مالك خير من ذلك زيادة في التعظيم وتفسير لبعض الإبهام وأنه خير مما أشير إليه من ثناء وطيب ذكرا وفوق ما أعتقده فيه من سؤدد وفخر قولها ذلك إشارة إلى مالك أي خير من كل مالك والتعميم يستفاد من المقام أو هو نحو تمرة خير من جرادة أي كل تمرة خير من كل جرادة أو هو إشارة إلى ما في ذهن المخاطب أي مالك خير مما في ذهنك من مالك الأموال قوله له إبل أي لزوجي إبل كثيرات المبارك وهو جمع مبرك وهو موضع البروك أرادت أنه يبركها في معظم أوقاتها بفناء داره لا يوجهها تسرح إلا قليلا قدر الضرورة حتى إذا نزل به الضيف كانت الإبل حاضرة فيقريه من ألبانها ولحومها ويروى عظيمات المبارك وهو كناية عن سمنها وعظم جسومها فيعظم مباركها لذلك قوله قليلات المسارح وهو جمع مسرح وهو الموضع الذي تسرح إليه الماشية بالغداة المرعى يقال سرحت الماشية تسرح فهي سارحة وسرحتها يأتي لازما ومتعديا وقال ابن الأثير نصفه بكثرة الإطعام وسقي الألبان أي أن إبله على كثرتها لا تغيب عن الحي ولا تسرح إلى المراعي البعيدة ولكنها تبرك بفنائه ليقري الضيفان من لبنها ولحمها خوفا من أن ينزل به ضيف وهي بعيدة عازبة وقيل إن معناه أن إبله كثيرة في حال بروكها فإذا سرحت كانت قليلة لكثرة ما تحرمنها في مباركها للأضياف وفي رواية الهيثم عن هشام في آخر هذا الكلام وهو إمام القوم في المهالك قوله وإذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك أي إذا سمعت الإبل صوت المزهر بكسر الميم وهو العود الذي يضرب به أي إن زوجها عود الإبل إذا نزل به الضيفان أتاهم بالعيدان والمعازف وآلات الطرف ونحولهم منها فإذا سمعت الإبل صوت المزهر علمت يقينا أنه قد جاء الضيفان وأنهن منحورات هوالك وقال أبو سعيد النيسابوري لم تكن تعرف العرب العود إلا الذين خالطوا الحضر والذي يذهب إليه إنما هو المزهر يعني بضم الميم وكسر الهاء وهو الذي يزهر النار للأضياف فإذا سمعن صوت ذلك ومعمعان النار أيقنت بالعقر وقال عياض لا تعرف أحدا رواه المزهر كما قال النيسابوري والذي رواه الناس كلهم المزهر يعني بكسر الميم وهو الصواب والضمير في سمعهن وأيقن برجع إلى الإبل كما ذكرناه والهوالك جمع هالكة قوله قالت الحادية عشرة أي المرأة الحادية عشرة قال النووي وفي بعض النسح الحادي عشرة وفي بعضها الحادية عشر والصحيح الأول وهي أم زرع بنت أكيمل بن ساعدة اليمنية وهذا الحديث مشهور بحديث أم زرع قوله زوجي أبو زرع فما أبو زرع هو كقول العاشرة مالك وما مالك أخبرت أولا أن زوجها أبو زرع ثم عظمت شأنه بقولها فما أبو زرع يعني إنكن لا تعرفنه لأنكن لم تعهدن مثله قوله أبو زرع في رواية النسائي نكحت أبا زرع قوله فما أبو زرع وفي رواية أبي ذر وما أبو رزع بالواو وهو المحفوظ للأكثرين وزاد الطبراني في رواية صاحب نعم وزرع قوله أناس من حلي أذني أناس فعل ماض من النوس وهو الحركة من كل شيء معتدل يقال ناس ينوس نوسا وأناسه غيره إناسة والحلي بضم الحاء المهملة وكسر اللام وتشديد الياء جمع حلي بفتح الحاء وسكون اللام وتخفيف الياء وهو اسم لكل ما يتزين به من مصاغ الذهب والفضة وأذني بتشديد الياء تثنية أذن أرادت حلاني قرطة وشنوفا يعني ملأ أذني بما جرت به عادة النساء من التحلي به في الأذن من القرط وهو الحلق من ذهب وفضة ولؤلؤ ونحو ذلك وقال ابن السكيت معني أناس أثقل أذني حتى تدلى واضطرب قوله وملأ من شحم عضدي بتشديد الياء تثنية عضد وقال أبو عبيد لم ترد العظم وحده وإنما أرادت الجسد كله لأن العضف إذا سمنت سمن سائر الجسد وخصت العضد لأنها أقرب ما يلي بصر الإنسان من جسده قوله وبجحني بفتح الباء الموحدة وفتح الجيم وفتح الحاء المهملة وفي رواية النسائي بتشديد الجيم من التبجيح وهو التفريح وقال ابن الأنباري معناه عظمني وقال ابن أبي أويس وسع
علي وترفني قوله فبجحت بسكون التاء ونفسي فاعله وإلي بتشديد الياء وفائدة ذكر إلى التأكيد إذ فيه التجريد وبيان الانتهاء هذا هو المشهور في الروايات وفي رواية لمسلم فتبجحت من باب التفعل وفي رواية للنسائي وبجح نفسي فتبجحت إلي بالتشديد وفي رواية أخرى له فبجحت بضم التاء على صيغة نفس المتكلم من الماضي وإلي بالتخفيف قوله غنيمة مصغر غنم قوله بشق بالشين المعجمة والقاف وأهل الحديث يروونه بكسر الشين وقال أبو عبيد وهو بالفتح وهو اسم موضع وقال الهروي هو الصواب وقال ابن الأنباري هو اسم موضع بالفتح والكسر وقال ابن أبي أويس وابن حبيب بشق جبل لقلتهم زاد ابن أبي أويس لقلة غنمهم وقال عياض كأنها تريدانهم لقلتهم وقلة غنمهم حملهم على سكنى شق الجبل أي ناحية الجبل أو بعضه لأن الشق يقع على الناحية من الشيء ويقع على بعضه والشق أيضا النصف وعن نفطويه معنى الشق بالكسر الشظف من العيش والجهد منه وقال ابن دريد يقال هو بشق وشظف من العيش أي بجهد منه قوله في أهل صهيل أي أصحاب صهيل وهو صوت الخيل وقوله وأطيط وهو أصوات الإبل يعني أنه ذهب بها إلى أهله وهم أهل خير وإبل وفي رواية النسائي وجامل وهو جمع جمل والمراد اسم فاعل لمالك الجمال كما يقال لابن وتامر وقال عياض وأصل الأطيط أعواد المحامل والرحال ويشبه أن تريد بها هذا المعنى فكأنها تريد أنهم أصحاب محامل ورفاهية لأن المحامل لا يركبها إلا أصحاب السعة وكانت قديما من مراكب العرب قوله ودائس اسم فاعل من الدوس وفي رواية النسائي ودياس وقال ابن السكيت الدائس الذي يدوس الطعام وقال أبو عبيد تأوله بعضهم من دياس الطعام وهو دراسه وأهل العراق يقولون الدياس وأهل الشام الدراس فكأنها أرادت أنهم أصحاب زرع قوله ومنق قال الكرماني هو الذي ينقيه من التبن ونحوه بالغربال وقال بعضهم بكسر النون وتشديد القاف قال أبو عبيد لا أدري معناه وأظنه بالفتح من تنقية الطعام وقال صاحب ( التلويح ) المحدثون يقولونه بالكسر وقال ابن أبي أويس المنق بالكسر نقيق أصواب المواشي والأنعام تصف كثرة ماله وقال أبو سعيد النيسابوري هو مأخوذ من نقيقة الدجاج أي أنهم أهل طير وقال القرطبي لا يقال لشيء من أصوات المواشي نق وإنما يقال نق الضفدع والعقرب والدجاج ويقال في الهر بقلة وقال ابن السراج ويجوز أن يكون منق بالإسكان إن كان روي أي وإنعام ذات نقي أي سمان قوله فعنده أقول أي عند زوجي أقول كلاما فلا أقبح على صيغة المجهول أي فلا أنسب إلى التقبيح في القول بل يقبل مني وفي رواية النسائي فعنده أنطق وفي رواية الزبير أتكلم قوله وأرقد فأتصبح أي أنام الصبيحة وهي في أول النهار ولا أوقظ لأن عندي من يكفيني الخدمة من الإماء وغيرها قوله واشرب فأتقمح بالقاف وتشديد الميم أي أروى حتى لا أحب الشرب مأخوذ من الناقة المقامح وهي التي ترد الحوض فلا تشرب وترفع رأسها ريا كذا قاله أبو عبيد وكل رافع رأسه فهو مقامح وبعض الناس يرويه فاتقنح بفتح النون وقال أبو عبيد لا أعرف هذا الحرف ولا أرى المحفوظ إلا بالميم وقال عياض لم نروه في
( صحيح البخاري ) ( ومسلم ) إلا بالنون وكذا في جميع النسخ وقال البخاري قال بعضهم فاتقمح بالميم قال وهو الأصح والذي بالنون معناه أقطع الشرب وأتمهل فيه وقيل هو الشرب بعد الري وحكى أبو علي القالي في ( البارع ) و ( الأمالي ) يقال قنحت الإبل تفتح بفتح النون في الماضي والمستقبل قنحا بإسكان النون قال شمر إذا تكارهت الشرب وفي ( التلويح ) ومن رواه أتفتح بالفاء والتاء المثناة من فوق إن لم يكن وهما فمعناه والتكبر والزهو والتيه ويكون هذا التكبر والتيه من الشراب لنشوة سكره وهو على كل حال يرجع إلى عزتها عنده وكثرته الخير لديها وقيل معنى أتقنح كناية عن سمن جسمها واتساعه قوله أم بي زرع فما أم أبي زرع الكلام فيه مثل الكلام في زوجي أبو زرع فما أبو زرع ويروى أم زرع وما أم زرع بحذف أداة الكنية الأول هو ظاهر الرواية قوله عكومها رداح العكوم جمع عكم بكسر العين وسكون الكاف كجلود جمع جلد وهي الأعدال والأحمال التي تجمع فيها الأمتعة وقيل هي نمط تجعل المرأة فيها ذخيرتها حكاه الزمخشري ورداح بكسر الراء بفتحها وآخره حاء مهملة أي عظام كثيرة الحشو قاله أبو عبيد وقال الهروي ثقيله ويقال للكتيبة الكبيرة رداح إذا كانت بطيئة السير لكثرة من فيها ويقال للمرأة إذا كانت عظيمة الكفل ثقيلة الورك ورداح وقال الكرماني الرداح مفرد والعكوم جمع يعني كيف يكون المفرد خبرا عن الجمع ثم أجاب بأنه أراد كل عكم رداح بكسر الراء لا بفتحها أو بكون الرداح ههنا مصدرا كالذهاب قلت أجوبة أخرى الأول أن يكون رداح بكسر الراء لا بفتحها جمع رداح كقائم وقيام ويخبر عن الجمع بالجمع الثاني أن يكون ردا خبر مبتدأ محذوف أي عكومها كلها رداح على أن رداح واحد جمعه ردح بضمتين الثالث أن الخبر عن الجمع قد جاء بالواحد مثل أدرع دلاص أي براق ومنه أولياؤهم الطاغوت ( البقرة 257 ) قوله وبيتها فساخ بفتح الفاء وتخفيف السين المهملة وبالحاء المهملة أي واسع يقال بيت فسيح وفساح وفياح بفتح الفاء وتخفيف الياء آخر الحروف ومنهم من يشد الياء للمبالغة والمعنى أنها وصفت والدة زوجها بأنها كثيرة الآلات والأثاث والقماش واسعة المال كبيرة البيت أما حقيقة فيدل على عظم الثروة وأما كناية عن كثرة الخير ورغد العيش والبر بمن ينزل بهم لأنهم يقولون فلان رحيب المنزل أي يكرم من ينزل عليه قوله ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع لما وصفت أم أبي زرع بما ذكر شرعت تصف ابن أبي زرع بقولها مضجعه كمسل شطبة المسل بفتح الميم والسين المهملة وتشديد اللام مصدر ميمي بمعنى المسلول أو اسم مكان ومعناه كمسلول الشطبة وقال ابن الأعرابي أرادت بمسل الشطبة سيفا سل من عمده فمضحعه الذي ينام فيه في الصغر كقدر مسل شطبة واحدة وقال أبو عبيد وأصل الشطبة ما يشطب من جريد النخل فيشق منه قضبان رقاق تنسج منها الحصر ويقال للمرأة التي تفعل ذلك الشاطبة أخبرت أنه مهفهف ضرب اللحم شبهته بتلك الشطبة وقال أبو سعيد النيسابوري تريد كأنه سيف مسلول من غمده وسيوف اليمن كلها ذات شطب وهي الطرائق التي في متن السيف وقد شبهت العرب الرجال بالسيوف إما لخشونة الجانب وشدة المهابة وإما لجمال الرونق وكمال اللألاء وإما لكمال صورتها في اعتدالها واستوائها قوله ويشبعه ذراع الجفرة ويروى ويكفيه ذراع الجفرة وهي بفتح الجيم وسكون الفاء وبالراء الأنثى من أولاد الضأن وقيل من أولاد المعز والذكر جفر وهي التي مر لها من عمرها أربعة أشهر وأرادت به أنه قليل الأكل وزاد بعد هذا في رواية لابن الأنباري وترويه فيقة اليعرة ويميس في حق النترة قوله وتروية من الإرواء والفيقة بكسر الفاء وسكون الياء آخر الحروف بعدها قاف ما يجتمع في الضرع بين الحلبتين والفواق بضم الفاء الزمان الذي بين الحلبتين واليعرة بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة بعدها راء العناق واليعر الجدي قوله ويميس أي يتبختر والنترة بفتح النون وسكون التاء المثناة من فوق الدرع اللطيفة أو القصيرة وقيل اللينة الملمس وقيل الواسعة والحاصل أنها وصفته بهيف القد وأنه ليس ببطين ولا جافي قليل الأكل والشرب ملازم لآلة الحر يختال في موضع الحرب والقتال وكل ذلك مما يتمادح به العرب قوله بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع هذا في مدح بنت أبي زرع بعد مدح ابن أبي زرع وفي رواية مسلم وما بنت أبي زرع بالواو قوله طوع أبيها أي هي طوع أبيها وطوع أمها يعني بارة بهما لا تخرج عن أمرهما وفي رواية الزبير وزين أهلها ونسائها أي يتجملون بها وفي رواية النسائي زين أمها وزين أبيها بدل لفظ طوع في الموضعين وفي رواية للطبراني وقرة عين لأبيها وأمها وزين لأهلها وفي رواية لابن السكيت قباء هضيمة الحشا جائلة الوشاح عنكاء فعماء نجلاء دعجاء زجاء قنواء مؤنقة مقنعة قلت قباء بفتح القاف وتشديد الباء الموحدة وبالمد خميصة البطن وهضيمة الحشا من الهضم بالتحريك وهو انضمام الجنبين يقال رجل أهضم وامرأة هضماء والحشا بفتح الحاء المهملة مقصورا وهو ما انضمت عليه الضلوع وجائلة الوشاح بكسر الواو وبالشين المعجمة وفي آخره حاء مهملة وهو شيء ينسج عريضا من أدم وربما رصع بالجوهر والخرز وتشده المرأة بين عاتقيها وكشحيها ويقال فيه إشاح والحائلة بالجيم من الجولان يعني يدور وشاحها لضمور بطنها وعكناء بفتح العين المعملة وسكون الكاف وبالنون والمد أي ذات عكن وهي الطيات في بطنها وفعماء بفح الفاء وسكون العين المهملة وبالمد أي ممتلئة الأعضاء ونجلاء بفتح النون وسكون وبالمد أي واسعة العينين ودعجاء من الدعج وهي شدة سواد العين في شدة بياضها وزجاء بالزاي والجيم المشددة من الزجج وهو تقوس في الحاجب مع طول في أطرافه وامتداده وقيل بالراء وتشديد الجيم أي كبير الكفل ترتج من عظمه وقنواء بفتح القاف وسكون النون من القنو وهو طول في الأنف ودقة الأرنبة مع جدب في وسطه ومؤنقة بالنون والقاف من الشيء الأنيق وهو المعجب ومقنعة مغطاة الرأس بالقناع وقيل مونقة بتشديد النون ومعنقة بوزنه أي مغذية بالعيش الناعم قوله وملء كسائها كناية عن امتلاء جسمها وسمنها قوله وغيظ جارتها المراد بالجارة الضرة أي يغيظها ما ترى من حسنها وجمالها وأدبها وعفتها وفي رواية مسلم وعقر جارتها بفتح العين المهملة وسكون القاف أي دهشها أو قتلها وفي رواية النسائي والطبراني وحير جارتها بالحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف من الحيرة وفي أخرى له وحين جارتها بالنون عوض الراء وهو الهلاك وفي رواية الهيثم بن عدي وعبر جارتها بضم العين المهملة وسكون الباء الموحدة من العبرة بالفتح أي تبكي حسدا لما تراه منها أو بالكسر أي تعتبر بذلك وفي رواية سعيد بن سلمة وخبر نسائها فاختلف في ضبطه فقيل بالمهملة والموحدة من التحبير وقيل بالمعجمة والياء آخر الحروف من الخيرية قوله جارية أبي زرع فما جارية أبي زرع وصفت أولا زوجها ثم وصفت حماتها وهي أم أبي زرع ثم ابن أبي زرع ثم بنته ثم وصفت هنا جارية أبي زرع بقولها جارية أبي زرع فما جارية أبي زرع والكلام فيه كما ذكرنا عند قولها زوجي أبو زرع قوله لا تبث من بث الحديث إذا أظهره وأفشاه ومادته باء موحدة وثاء مثلثة ويروى لا تنث بالنون موضع الباء وهو بمعناه وقيل بالنون في الشر وفي رواية الزبير ولا تخرج حديثا قوله تبثيثا مصدر من بثث على وزن فعل بالتشديد وهذا فيه ما ليس في بث من المبالغة وهذا على غير أصل فعله لأن مصدر بث الخبر بثا وقال الجوهري بث الخبر وأبثه بمعنى أي نشرة وبثث الخبر بالتشديد للمبالغة وقال نث الحديث في باب النون ينثه نثا إذا أفشاه قوله ولا تنقث بضم التاء المثناة من فوق وفتح النون وتشديد القاف المكسورة بعدها الثاء المثلثة أي لا تسرع في الميرة بالخيانة والميرة بكسر الميم وسكون الياء آخر الحروف وبالراء الزاد وأصله ما يحصله البدوي من الحضر ويحمله إلى منزله لينتفع به وضبطه عياض في مسلم بفتح أوله وسكون النون وضم القاف والمعنى لا تأخذ الطعام فتذهب به تصفها بالأمانة قوله تنقيثا مصدر على أصل الضبط الأول وعلى ضبط عياض على غير أصله ويجيء المصدر على غير أصل فعله نحو والله أنبتكم من الأرض نباتا ( نوح 17 ) والأصل أن يقال إنباتا وقد وقع في رواية المسلم نحو الضبط الأول والتنقيث إخراج ما في منزل أهلها إلى غيرهم قاله أبو سعيد وقال ابن حبيب لا تفسده وفي رواية أبي عبيد ولا تنقل وكذا للزبير عن عمه مصعب ولأبي عوانة ولا تنتقل وفي رواية ابن الأنباري ولا تعت بالعين المهملة والفوقانية أي تفسد وأصله من العتة بالضم وهي السوسة وفي رواية للنسائي ولا تفش ميرتنا تفشيشا بفاء ومعجمتين من الإفشاش وهو طلب الأكل من هنا وهنا ويقال فش ما على الخوان إذا أكله أجمع ووقع عند الخطابي ولا تفسد ميرتنا تغشيشا بالمعجمات وقال مأخوذ من غشيش الخبز إذا فسد وضبطه الزمخشري بالفاء الثقيلة بدل القاف وقال في شرحه التفث والتفل بمعنى وأرادات المبالغة في براءتها من الخيانة قوله ولا تملأ بيتنا تعشيشا بالعين المهملة وبالشين المعجمتين أي لا ترك الكناسة والقمامة في البيت مفرقة كعش الطائر بل هي مصلحة للبيت معتنية بتنظيفه وقيل معناه لا تخوننا في طعامنا فتخبئه في زوايا البيت كأعشاش الطير وروي بإعجام الغين من الغش في الطعام وقيل من النميمة أي لا تتحدث بها وقال الخطابي التغشيش من قولهم غشش الخبر إذا انكدح وفسد أي أنها تحسن مراعاة الطعام وتعهده بأن تطعم أولا فأولا لا تغفل عن أمره فيتكدح ويفسد في البيت ووقع في رواية الطبراني ولا تعش بيتنا تعشيشا وفي رواية الهيثم عن هشام ضيف أبي زرع وما ضيف أبي زرع في شبع وروى ورتع طهاة أبي زرع فما طهاة أبي زرع لا تفتر ولا تعدى تقدح قدر أو تنصب أخرى فتلحق الآخرة بالأولى مال أبي زرع فما مال أبي زرع على الجمم معكوس وعلى العفاة محبوس قوله وري بكسر الراء وتشديد الياء قوله ورتع بفتح الراء المثناة أي تنعم قوله طهاة جمع طاه وهو الطباخ من طهي الرجل إذا طبح قوله لا تفتر بالفاء الساكنة وبالتاء المثناة من فوق المضمومة أي لا تسكن ولا تضعف قوله ولا تعدى بضم التاء وتشديد الدال أي لا تترك ذلك ولا تتجاوز عنه قوله تقدح أي تغرف قدرا وتنصب قدرا أخرى يقال قدح القدر إذا غرف ما فيها بالمقدحة وهي الغرفة قوله فتلحق الآخرة أي تلحق القدرة الآخرة بالقدرة الأولى التي غرف ما فيها وحاصله أنها لم تزل في الطبخ والغرف ولا تعدى عن ذلك قوله على الجمم بضم الجيم وتخفيف الميم الأولى جمع جمة وهم القوم يسألون في الدية قوله معكوس أي مردود والعكس في اوصل ردك آخر الشيء إلى أوله قوله العفاة بضم العين المهملة وتخفيف الفاء جمع عاف كالقضاة جمع قاض وهم السائلون قوله محبوس أي موقوف عليهم قوله قالت خرج أبو زرع وفي رواية النسائي خرج من عندي وفي رواية الحارث ابن أبي أسامة ثم خرج من عندي قوله والأوطاب تمخض الواو فيه للحال والأوطاب جمع وطب وهو سقاء اللبن خاصة وقال الكرماني هو جمع على غير قياس وكذا قال أبو سعيد إن فعلا لا يجمع على أفعال بل يجمع على فعال قلت يرد قولهما قول الخليل جمع وطب على وطاب وأوطاب كما جمع فرد على أفراد قوله تمحض من المخض وهو أخذ الزبد من اللبن وعن عياض رأيت في رواية حمزة عن النسائي والأطاب بغير واو فإن كان مضبوطا فهو على إبدال الواو همزة كما قالوا أكاف ووكاف ثم إن قول أم زرع هذا يحتمل وجهين أحدهما إنكار خروجه من منزلها غدوة وعندهم خير كثير ولبن غزير يشرب صريحا ومخيضا ويفضل عندهم ما يمخضوه في الأوطاب والآخر أنها أرادت أن خروجه كان في استقبال الربيع وطيبه وأن خروجه إما السفر أو غيره فلم تدر ما ترتب عليها بسبب خروجه من تزوج غيرها والظاهر أنه لما رأى أم زرع تعبت من مخض اللبن واستقلت لتستريح خرج فرأى امرأة فتزوجها وهو معنى قولها فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين وفي رواية لابن الأنباري كالصقرين وفي رواية لغيره كالشبلين وفي رواية إسماعيل بن أبي أويس سارين حسنين نفيسين وسبب وصفها لهما التنبيه على سبب تزويج أبي زرع لها لأن العرب كانت ترغب في كون الأولاد من النساء النجيبات في الخلق والخلق وتظاهرت الروايات على أن الغلامين كانا ابنين للمرأة المذكورة إلا ما رواه أبو معاوية عن هشام أنهما كانا أخويها وقال عياض يتأول بأن المراد أنهما ولداها ولكنهما جعلا أخويها في حسن الصورة قوله يلعبان من تحت حضريها برمانتين أرادت بهذا أن هذه المرأة كانت ذات كفل عظيم فإذا استقلت على ظهرها ارتفع كفلها بها من الأرض حتى تصير تحتها فجوة يجري فيها الرمان وفي رواية الحارث من تحت درعها وفي رواية الهيثم من تحت صدرها وعن ابن أبي أويس أن الرمانتين هما الثديان وقال أبو عبيد ليس هذا موضعه ولا سيما وقد روي من تحت درعها برمانتين ويؤيده ما وقع في رواية أبي معاوية وهي مستقلية على قفاها ومعها رمانة يرميان بها من تحتها فتخرج من الجانب درعها برمانتين ويؤيده ما وقع في رواية أبي معاوية وهي مستلقية على قفاها ومعها رمانة يرميان بها من تحتها فتخرج من الجانب الآخر من عظم إليتيها قوله فطلقني ونكحها وفي رواية الحارث فأعجبته فطلقني وفي رواية أبي معاوية فخطبها أبو زرع فتزوجها فلم تزل به حتى طلق أم زرع وفي رواية الهيثم فاستبدلت بعده وكل بدل أعور وهو مثل معناه أن البدل من الشيء غالبا لا يقوم مقام المبدل منه بل هو دونه وأنزل منه والمراد بالأعور المعيب وقال ثعلب الأعور الرديء من كل شيء كما يقال كلمة عوراء أي قبيحة قوله رجلا سريا بفتح السين المهملة وكسر الراء وتشديد الياء آخر الحروف أي سيدا شريفا من قولهم فرس سري أي خيار ومنه هذا من سراة المال أي خياره قوله ركب شربا بالشين المعجمة أي فرسا شريا وهو الذي يستشري في سيره أي يلج ويمضي بلا فتور وقال عياض عن ابن السكيت شريا بالشين المعجمة يعني سيدا سخيا ركب شريا بالمعجمة فقط وقال النووي فرسا شريا بالمعجمة بالاتفاق قلت ما ذكرنا الآن يرده وفي رواية الحارث ركب فرسا عربيا وفي رواية الزبير أعوجيا وهو منسوب إلى أعوج فرس مشهور تنسب إليه العرب خيار الخيل كانت لبني كندة ثم لبني سليم ثم لبني هلال قوله وأخذه خطيا بفتح الخاء المعجمة وتشديد الطاء المهملة أي أخذ رمحا خطيا أي منسوبا إلى الخط وهو موضع معروف بنواحي البحرين تجلب الرماح منه وقيل أصلها من الهند تحمل في البحر إلى الخط المكان المذكور ثم تفرق منه في البلاد قوله وأراح من الإراحة وهو السوق إلى موضع المبيت بعد الزوال قوله على بالتشديد قوله نعما ثريا بفتح الثاء المثلثة وكسر الراء الخفيفة وتشديد الياء وهو الكثير من المال ومن الإبل وغيرها وهو صفة نعما وإنما ذكر لأجل السجع وقال عياض النعم الإبل خاصة وكذا قاله ابن بطال وابن التين وقال غيرهم النعم الإبل والبقر والغنم قال تعالى ومن الأنعام حمولة وفرشا ( الأنعام 142 ) ثم قال ثمانية أزواج ( الزمر 6 ) فذكر أنواع الماشية
ويروى نعما بكسر النون جمع نعمة والأول هو الأشهر قوله وأعطاني من كل رائحة زوجا أي من كل ما يروح من النعم والعبيد والإماء زوجا أي اثنين ويحتمل أنها أرادت صنفا وفي رواية مسلم وأعطاني من كل ذابحة أي مذبوحة مثل عيشة راضية ( الحاقة 21 ) أي مرضية وحاصل المعني أعطاني من كل شيء يذبح زوجا وفي رواية الطبراني وأعطاني من كل سائمة والسائمة الراعية والرائحة الآتية وقت الرواح وهو آخر النهار قوله وميري أهلك بكسر الميم أي صلى أهلك بالميرة وهي الطعام قوله قالت أي أم زرع قوله كل شيء أعطانيه أي الزوج الثاني الذي تزوج بها بعد أبي زرع قوله ما بلغ خبر لقوله كل شيء وفي رواية مسلم أعطاني بلا هاء وفي رواية النسائي ما بلغت أناء وفي رواية الطبراني فلو جمعت كل شيء أصبته منه فجعلت في أصغر وعاء من أوعية أبي زرع ما ملاه
قوله قالت عائشة رضي الله عنها قال رسول الله كنت لك كأبي زرع لأم زرع قاله رسول الله تطبيبا لنفسها وإيضاحا لحس عشرته إياها ثم استثنى من ذلك الأمر المكروه منه أنه طلقها وإني لا أطلقك تتميما لطيب نفسها وإكمالا لطمأنينة قلبها ورفعا للإبهام لعموم التشبيه بجملة أحوال أبي زرع إذا لم يكن فيها ما تذمه سوى طلاقه لها وقول عائشة رضي الله تعالى عنها بأبي أنت وأمي بل أنت خير لي من أبي زرع جواب مثلها في فضلها فإن سيدنا رسول الله لما أخبرها أنه لها كأبي زرع لأم زرع لفرط محبة أم زرع له وإحسانه لها أخبرته هي أنه عندها أفضل وهي له أحب من أم زرع لأبي زرع وقال الكرماني وكان هي زائدة أي أنا لك قلت يؤيد قوله في زيادة كان رواية الزبير أنا لك كأبي زرع لأم زرع وقال القرطبي قوله كنت لك معناه أنا لك وهذا نحو قوله عز وجل كنتم خير أمة ( آل عمران 110 ) أي أنتم خير أمة قال ويمكن بقاؤها على ظاهرها أي كنت لك في علم الله السابق ويمكن أن يريد به مما أريد به الدوام كقوله تعالى وكان الله سمعيا بصيرا ( النساء 258 ) ح وفي هذا الحديث فوائد منها ذكر محاسن النساء للرجال إذا كن مجهولات بخلاف المعينات فهذا منهي عنه لقوله ولا تصف المرأة المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها ومنها جواز إعلام الرجل بمحبته للمرأة إذا أمن عليها من هجر وشبهه ومنها ما يدل على التكلم بالألفاظ العربية والأسجاع وإنما يكره من ذلك التكلف ومنها ما قاله المهلب فيه التأسي بأهل الإحسان من كل أمة ألا يرى أن أم زرع أخبرت عن أبي زرع بجميل عشرته فامتثله النبي صلى الله عليه وسلم قال عياض وهذا عندي غير مسلم لأنا لا نقول إن سيدنا رسول الله إقتدى بأبي زرع بل أخبر أنه لها كأبي زرع وأعلم أن حاله معها مثل حاله ذلك لا على التأسي به وأما قوله بجواز التأسي بأهل الإحسان من كل أمة فصحيح ما لم تصادمه الشريعة ومنها شكر المرأة إحسان زوجها وكذا ترجم عليه النسائي وخرج معه في الباب حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر زوجها ومنها مدح الرجل في وجهه بما فيه إذا علم أن ذاك غير مفسد له ولا مغير نفسه والنبي صلى الله عليه وسلم صلى الله تعالى عليه وسلم مظنة كل مدح ومستحق كل ثناء وأن من أثنى بما أثنى فهو فوق ذلك كله ومنها أن كنايات الطلاق لا يقع بها الطلاق إلا بالنية لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كنت لك كأبي زرع ومن جملة أفعال أبي زرع أنه طلق امرأته أم زرع ولم يقع على النبي صلى الله عليه وسلم طلاق لتشبهه لكونه لم ينو الطلاق وقد جاء في رواية إلا أن أبا زرع طلق أم زرع وأنا لم أطلقك
قال أبو عبد الله قال سعيد بن سلمة عن هشام ولا تعشش بيتنا تعشيشا
قال أبو عبد الله وقال بعضهم أتقمح بالميم وهاذا أصح أبو عبد الله هو البخاري نفسه هذا إلى آخره ليس في بعض النسخ قال الكرماني صوابه في هذه المتابعة كما في بعض النسخ هو قال أبو سلمة عن سعيد بن سلمة إلى آخره وأبو سلمة هذا هو موسى بن إسماعيل التبوذكي وسعيد بن سلمة بالفتحات ابن أبي الحسام العدوي المديني مولى آل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يكنى أبا عمرو ومن رجال مسلم روى عنه موسى بن إسماعيل وهو حديث واحد حديث أم زرع وماله في البخاري إلا هذا الموضع وهشام هو ابن عروة بن الزبير روى عنه سعيد بن سلمة بهذا الإسناد وقد وصله مسلم عن الحسن بن علي عن موسى بن إسماعيل عن سعيد بن سلمة عن هشام بن عروة ولكنه لم يسق فيه لفظه بتمامه قوله ولا تعشش بيتنا تعشيشا قد مر الاختلاف في ضبطه عن قريب فقيل بالعين المهملة وقيل بالمعجمة قوله قال أبو عبد الله هو البخاري أيضا قال بعضهم أتقمح بالميم وقد مر الكلام فيه في قوله قالت الحادية عشرة وهي أم أبي زرع قوله وهذا أصح أشار به إلى أنه وقع في أصل رواية أتقنح بالنون وبالميم أصح
شرح ابن بطال - (ج 13 / ص 297)
قال المهلب: فيه جواز نقل الأخبار عن حسن المعاشرة وضرب الأمثال بها، والتأسى بأهل الإحسان من كل أمة، ألا ترى أن أم زرع أخبرت عن أبى زرع بحسن عشرته، فتمثله النبى، عليه السلام.
وفيه: جواز تذكير الرجل امرأته بإحسانه إليها؛ لأنه لما جاز من النساء كفران العشير، جاز تذكيرهن بالإحسان، وفيه فى قصة الحبشة أن تفسير حسن المعاشرة هو الموافقة والمساعدة على الإرادة غير المحرمة، والصبر على أخلاق النساء والصبيان فى غير المحرم من اللهو، وإن كان الصابر كارهًا لما يحبه أهله.
وقال أبو عبيد: سمعت أهل العلم يقولون فى تفسير هذا الحديث: قول الأولى: لحم جمل غث، تعنى المهزول. وقال أبو سعيد النيسابورى: ليس شىء من الغثات من الأزواج الثمانية هو أخبث غثاثة من الجمل؛ لأنه يجمع خبث طعم وخبث ريح.
قال أبو عبيد: على رأس جبل، تصف قلة خيره وبعده مع القلة كالشىء فى قمة الجبل الصعب لا ينال إلا بالمشقة، لقولها: لا سهل فيرتقى، تعنى الجبل، ولا سمين فينتقى، تعنى اللحم، ومن روى: فينتقل، تريد ليس بسمين فينقله الناس إلى بيوتهم فيأكلونه.
وقول الثانية: زوجى لا أبث خبره، إنى أخاف ألا أذره، إن أذكره أذكر عجزه وبجره، فالعجر أن ينعقد العصب أو العروق حتى تراها ناتئة من الجسد، والبجر نحوها، إلا أنها فى البطن خاصة، واحدها بجرة، ومنه قيل: رجل أبجر، إذا كان عظيم البطن، وامرأة بجراء، يقال: لفلان بجرة، إذا كان ناتئ السرة عظيمها. وقال أبو سعيد النيسابورى: لم يأت أبو عبيد بالمعنى، وإنما عنت أن زوجها كثير العيوب فى أخلاقه، منعقد النفس عن المكارم.
قال المؤلف: وفيه تفسير آخر. قال ثعلب فى العجر والبجر: ومنه قول على يوم الجمل: إلى الله أشكو عجرى وبجرى، أى همومى وأحزانى.
وقول الثالثة: زوجى العشنق، العشنق الطويل، قاله الأصمعى، تقول: ليس عنده أكثر من طوله بلا نفع، فإن ذكرت ما فيه من العيوب طلقنى، وإن سكت تركنى معلقة لا أيم ولا ذات بعل، ومنه قوله تعالى: {فتذروها كالمعلقة} [النساء: 129]. وقال أبو سعيد: الصحيح غير ما ذكر أبو عبيد، العشنق من الرجال الطويل النجيب الذى ليس أمره إلى امرأته، وأمرها إليه، فهو يحكم فيها بما شاء وهى تخافه.
وقول الرابعة: زوجى كليل تهامة، لا حر ولا قر، ولا مخافة ولا سآمة، تقول: ليس عنده أذى ولا مكروه، وتهامة اسم مكة، الحر فيها بالنهار شديد وليلها معتدل بين الحر والبرد، ولذلك خصته بهذا المثل؛ لأن الحر والبرد كلاهما فيه أذى إذا اشتد ولا مخافة، تقول: ليس عنده غائلة ولا شر أخافه ولا سآمة، تقول: لا يسأمنى فيمل صحبتى.
وقول الخامسة: زوجى إن أكل لف، فإن اللف فى المطعم الإكثار منه مع التخليط من صنوفه حتى لا يبقى منه شىء، والاشتفاف فى المشرب أن يستقصى ما فى الإناء ولا يسؤر فيه سؤرًا، وإنما أخذ من الشفافة وهى البقية تبقى فى الإناء من الشراب، وقولها: ولا يولج الكف ليعلم البث، فأحسبه كان بجسدها عيب أو داء تكتئب له، والبث هو الحزن، فكان لا يدخل يده فى ثوبها ليمس ذلك العيب فيشق عليها، تصفه بالكرم.
وقول السادسة: زوجى غياياء، أو عياياء، فأما غياياء بالغين، فليس بشىء، إنما هو بالعين، والعياياء من الإبل، الذى لا يضرب ولا يلقح، وكذلك هو فى الرجال، والطباقاء الغبى الأحمق الفدم. قال أبو على: وحكى بعضهم فى تفسير الطباقاء من الرجال، الثقيل الصدر الذى يطبق صدره على صدر المرأة عند المباضعة. وقال يعقوب: هو الذى لا يتجه لشىء. وفسره الخليل بأنه الغبى الأحمق، وقولها: كل داء له داء، أى كل شىء من أدواء الناس فهو فيه ومن أدوائه.
وقول السابعة: زوجى إذا دخل فهد، فإنها تصفه بكثرة النوم والغفلة فى منزله على وجه المدح له، وذلك أن الفهد كثير النوم، يقال: أنوم من فهد، والذى أرادت أنه ليس يتفقد ما ذهب من ماله، ولا يلتفت إلى معايب البيت، وما فيه كأنه ساه عن ذلك، ومما يبينه قولها: ولا يسأل عما عهد، تعنى عما كان عندى قبل ذلك. وقولها: إن خرج أسد، تصفه بالشجاعة فى الحروب، يقال: أسد الرجل واستأسد بمعنى.
وقول الثامنة: زوجى المس مس أرنب، فإنها تصفه بحسن الخلق، ولين الجانب كمس الأرنب إذا وضعت يدك على ظهرها.
وقولها: والريح ريح زرنب، فإن فيه معنيين، قد تكون تريد طيب ريح جسده، ويمكن أن تريد طيب الثناء فى الناس وانتشاره فيهم كريح الزرنب، وهو نوع من أنواع الطيب معروف.
وقول التاسعة: زوجى رفيع العماد، فإنها تصفه بالشرف وسناء الذكر، وأصل العماد عماد البيت وجمعها عمد، وهى العيدان التى تعمد بها البيوت، وإنما هذا مثل تعنى أن بيته فى حسبه رفيع فى قومه. وقولها: طويل النجاد، فإنها تصفه بامتداد القامة، والنجاد حمائل السيف، فهو يحتاج إلى قدر ذلك من طوله، وهذا مما يمتدح به الشعراء. وقولها: عظيم الرماد، فإنها تصفه بالجود وكثرة الضيافة من لحم الإبل وغيرها، فإذا فعل ذلك عظمت ناره وكثر وقودها، فيكون الرماد كثيرًا. وقولها: قريب البيت من النادى، تعنى أنه ينزل بين ظهرانى الناس ليعلموا مكانه، فينزل به الأضياف، ولا يستبعد منهم ولا يتوارى فرارًا من نزول الأضياف والنوائب.
وقول العاشرة: زوجى مالك، وما مالك، مالك خير من ذلك، له إبل قليلات المسارح، كثيرات المبارك، تقول: إنه لا يوجههن ليسرحن نهارًا إلا قليلاً، ولكنهن يبركن بفنائه، فإن نزل به ضيف لم تكن الإبل غائبة عنه، ولكنها بحضرته فيقريه من ألبانها ولحومها. وقولها: إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك، فالمزهر العود الذى يضرب به، فأرادت المرأة أن زوجها قد عود إبله إذا نزل به الضيف أن ينحر لهم ويسقيهم الشراب ويأتيهم بالمعازف، فإذا سمعت الإبل ذلك الصوت أيقن أنهن منحورات.
قال أبو سعيد: إن كن لا يسرحن إلا قليلاً من النهار ثم تُحبس فى المبارك سائر النهار، فهى هالكة هزالاً، وإن كن يسرحن بالليل فقد ضاع أضياف الليل، والتفسير أن مسارحها قليلة لقلة الإبل، وكثرت مباركها بالفناء لكثرة ما تثار فتحلب ثم تترك، فالقليلة إذا فعل بها هذا كثرت مباركها. وقوله: المزهر العود فنحن ننكره؛ لأن العرب كانوا لا يعرفون العود إلا من خالط الحضر منهم، والعود إنما أحدث بمكة والمدينة، والذى نذهب إليه أنه المزهر، وهو الذى يزهر النار للأضياف والطراق، فإذا سمعت صوت ذلك وحسه أيقنت بالعقر.
وقول الحادية عشرة: زوجى أبو زرع، وما أبو زرع، أناس من حلى أذنى، تريد حلانى قرطة وشنوفًا ينوس بأذنى، والنوس الحركة من كل شىء متدل، يقال منه: قد ناس ينوس نوسًا وأناسه غيره إناسة. قال أبو عبيد: وأخبرنى ابن الكلبى أن ذا نواس ملك اليمن إنما سمى بهذا لضفيرتين كانتا تنوسان على عاتقيه.
وقولها: ملأ من شحم عضدى، لم ترد العضد خاصة، وإنما أرادت الجسد كله، تقول: إنه أسمننى بإحسانه إلىّ، فإذا سمن العضد سمن سائر الجسد. وقولها: بجحنى فبجحت، أى فرحنى ففرحت. وقد بجح الرجل يبجح، إذا فرح. وقولها: وجدنى فى أهل غنيمة بشق، والمحدثون يقولون: بشق، فمن قال بشق فهو موضع، تعنى أن أهلها كانوا أصحاب غنم، ليسوا بأصحاب خيل ولا إبل، قالت: فجعلنى فى أهل صهيل وأطيط، أى فى أصحاب خيل وإبل؛ لأن الصهيل أصوات الخيل والأطيط أصوات الإبل.
وقولها: دائس ومنق، فإن بعض الناس يتأوله دياس الطعام، وأهل الشام يسمونه الدراس، وأهل العراق يقولون: دائس الطعام، ولا أظن واحدة من هاتين الكلمتين من كلام العرب. وأما قول المحدثين: منق، فلا أدرى معناه، وأحسبه منق من تنقية الطعام، وأرادت أنهم أصحاب زرع. وقال أبو سعيد: الدياس الطعام الذى أهله فى دياسة، وعندهم من الطعام مقتنى، فخيرهم متصل. وقال غيره: قوله: منق، هو مأخوذ من نقنقة الدجاجة، يقال: أنق الرجل، إذا اتخذ دجاجة تنقنق، تقول: فجعلنى فى أهل طير، أى نقلنى من قفر إلى عمران.
قال أبو عبيد: وقولها: فلا أقبح، أى فلا يقبح على قولى، يقبل منى، وأما التقمح من الشراب فهو مأخوذ من الناقة المقامح. قال الأصمعى: وهى التى ترد الماء فلا تشرب. قال أبو عبيد: وأحسب قولها: أتقمح، أروى حتى أدع الشرب من شدة الرى. قال أبو عبيد: ولا أراها قالت هذا إلا من عزة الماء عندهم، وكل رافع رأسه فهو مقامح وقامح، وفى التنزيل: {إلى الأذقان فهم مقمحون} [يس: 8]، وبعض الناس يروونه فأتقنح، بالنون ولا أعرف هذا الحرف، ولا أراه إلا بالميم.
وقال أبو سعيد: أشرب فأتقنح، هو الشرب على رسل لكثرة اللبن؛ لأنها ليست بناهبة غيرها الشرب، وإنما ينتهب ما كان قليلاً يخاف عجزه، وقول الرجل لصاحبه إذا حثه على أن يأكل أو يشرب: والله لتقمحنه، والتقمح الازدياد من الشرب. وقال ابن السكيت فى التقنح بالنون الذى لم يعرفه أبو عبيد أتقنح: أقطع الشراب. قال أبو زيد: قال الكلابيون: قنحت تقنح قنحًا، وهو التكاثر فى الشراب بعد الرى. وقال أبو حنيفة: يقال: قنحت من الشراب قنحًا، وقنحت أقنح قنحًا، تكارهت عليه بعد الرى، والغالب تقنحت والترنح كالتقنح.
قال أبو عبيد: وقولها: عكومها رداح، فالعكوم الأعدال والأحمال التى فيها الأوعية من صنوف الأطعمة من جميع المتاع، واحدها عكم، والرداح العظيمة، تقول: هى عظيمة الحشو. وقولها: كمسل شطبة، والشطبة أصلها ما شطب من جريد النخل، وهو سعفه، وذلك أن تشق منه قضبان دقاق تنسج منه الحصر، يقال منه للمرأة التى تفعل ذلك شاطبة، وجمعها شواطب، فأخبرت المرأة أنه مهفهف ضرب اللحم، شبهته بتلك الشطبة، وهو مما يمدح به الرجل.
وقال أبو سعيد: كمسل شطبة، أى كسيف مسلول، شبهته بذى شطب يمان، وسيوف اليمن كلها شطبة.
قال أبو عبيد: وقولها: وتشبعه ذراع الجفرة، فالجفرة الأنثى من أولاد الغنم، والذكر جفر، والعرب تمدح الرجل بقلة الأكل والشرب، قال الأعشى:
تكفيه حزة فلذ إن ألم بها من الشواء ويروى شربه الغمر
وقولها: لا تبث حديثنا تبثيثًا، ويروى تنث بالنون، وأحدهما قريب المعنى من الآخر، أى لا تظهر سرنا.
وقولها: ولا تنفث ميرتنا تنفيثًا، تعنى الطعام، لا تأخذه فتذهب به، تصفها بالأمانة، والتنفث الإسراع فى السير. وقال أبو سعيد: التنفيث إخراج ما فى منزل أهلها إلى الأجانب، وهو النفث والتنفث، والفاء والثاء يتعاقبان.
قال أبو عبيد: والأوطاب أسقية اللبن، واحدها وطب. وقال أبو سعيد النيسابورى: هذا منكر فى العربية أن يكون فعل يجمع على أفعال، لا يقال: كلب وأكلاب، ولا وجه وأوجاه، وإنما الصحيح الأوطب فى القلة والأوطاب فى الكثرة.
قال أبو عبيد: قالت: فلقى امرأة معها ولدان كالفهدين يلعبان من تحت خصرها برمانتين، تعنى أنها ذات كفل عظيم، فإذا استقلت نأى الكفل بها من الأرض حتى تصير تحت خصرها فجوة يجرى فيها الرمان.
قال أبو عبيد: وبعض الناس يذهب بالرمانتين أنهما الثديان، وليس هذا بموضعه.
قالت: فطلقنى ونكحها، ونكحت بعده رجلاً سريًا ركب شريًا، تعنى الفرس أنه يستشرى فى سيره، أى يلج ويمضى فيه بلا فتور ولا انكسار، ومن هذا قيل للرجل إذا لج فى الأمر: قد شرى فيه واستشرى.
قال ابن السكيت: ركب فرسًا شريًا، أى خيارًا، من قولهم: هذا من سراة المال أى خياره.
قال أبو عبيد: وقولها: أخذ خطيا، تعنى الرمح، سمى خطيا لأنه يأتى من بلاد من ناحية البحرين، يقال لها: الخط، فنسبت الرماح إليها، وإنما أصل الرماح من الهند، ولكنها تحمل إلى الخط فى البحرين ثم يفرق منها فى البلاد.
وقولها: نعمًا ثريا، تعنى الإبل، والثراء الكثير من المال وغيره. قال الكسائى: يقال: قد ثرى بنو فلان بنى فلان يثرونهم، إذا كثروهم فكانوا أكثر منهم.(1/114)
237- 7894 أَخْبَرَنَا أَبُو عُقبَةَ خَالِدُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ السَّكُونِيُّ الْكُوفِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " اجْتَمَعْنَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَتَعَاهَدْنَ أَنْ يَتَصَادَقْنَ بَيْنَهُنَّ وَلَا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا " قَالَتِ الْأُولَى : " زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ ، لَا سَمِينًا فَيُرْتَقَى إِلَيْهِ ، وَلَا سَهْلًا فَيُنْتَقَلُ " قَالَتِ الثَّانِيَةُ : " زَوْجِي لَا أَبُثُّ خَبَرَهُ ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَذَرَهُ ، أَذْكُرْهُ وَأَذْكُرُ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ " قَالَتِ الثَّالِثَةُ : " زَوْجِيَ الْعَشَنَّقُ ، إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ ، وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ " قَالَتِ الرَّابِعَةُ : " زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ ، لَا حَرٌّ ، وَلَا قُرٌّ ، وَلَا مَخَافَةَ ، وَلَا سَآمَةَ " قَالَتِ الْخَامِسَةُ : " زَوْجِي إِذَا دَخَلَ فَهِدَ ، وَإِذَا خَرَجَ أَسِدَ ، وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ " قَالَتِ السَّادِسَةُ : " زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ ، وَإِذَا شَرِبَ اشْتَفَّ ، وَإِذَا هَجَعَ الْتَفَّ ، وَلَا يُولِجُ الْكَفَّ ، فَيَعْلَمُ الْبَثَّ " قَالَتِ السَّابِعَةُ : " زَوْجِي عَيَايَاءُ ، طَبَاقَاءُ ، كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ ، شَجَّكِ ، أَوْ فَلَّكِ ، أَوْ جَمَعَ كُلًّا لَكِ " وَقَالَتِ الثَّامِنَةُ : " زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ ، طَوِيلُ النِّجَادِ ، عَظِيمُ الرَّمَادِ ، قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنِ النَّادِ " قَالَتِ التَّاسِعَةُ : " زَوْجِيَ الْ مَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ ، وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ ، وَأَنَا أَغْلِبُهُ وَالنَّاسَ يَغْلِبُ " قَالَتِ الْعَاشِرَةُ : " زَوْجِي مَالِكٌ ، وَمَا مَالِكٌ مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكِ ، لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ ، قَلِيلَاتُ الْمَسَارِحِ ، إِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ " قَالَتِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : " زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ ، وَمَا أَبُو زَرْعٍ أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ ، وَمَلَأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ ، فَبَجَّحَنِي ، فَبَجِحَتْ نَفْسِي إِلَيَّ ، وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ ، فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ وَدِيَاسٍ ، وَمُنَقٍّ ، فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلَا أُقَبَّحُ ، وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ ، وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ ، أُمُّ أَبِي زَرْعٍ ، وَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ عُكُومُهَا رَدَاحٌ ، وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ ، ابْنُ أَبِي زَرْعٍ ، وَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ ، وَتُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ ، ابْنَةُ أَبِي زَرْعٍ ، وَمَا ابْنَةُ أَبِي زَرْعٍ طَوْعُ أَبِيهَا ، وَطَوْعُ أُمِّهَا ، وَصِفْرُ رِدَائِهَا ، وَمِلْءُ كِسَائِهَا ، وَغَيْظُ جَارَتِهَا ، جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ ، وَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ لَا تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا ، وَلَا تَغُشُّ مِيرَتَنَا تَغْشِيشًا ، وَلَا تَمْلَأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا " . " خَرَجَ مِنْ عِنْدِي أَبُو زَرْعٍ وَالْأَوْطَابُ تُمْخَضُ ، فَلَقِيَ امْرَأَةً لَهَا ابْنَانِ كَالْفَهْدَيْنِ ، يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ ، فَنَكَحَهَا أَبُو زَرْعٍ وَطَلَّقَنِي ، فَنَكَحْتُ مِنْ بَعْدِهِ رَجُلًا سَرِيًّا ، رَكِبَ شَرِيًّا ، وَأَخَذَ خَطِّيًّا ، وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا " فَقَالَ : " كُلِي ، وَمِيرِي أَهْلَكِ ، فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ الَّذِي أَعْطَانِي مَا بَلَغَتْ إِنَاءً مِنْ إِنَاءِ أَبِي زَرْعٍ " قَالَتْ عَائِشَةُ : فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَكُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ " . قَالَ هِشَامٌ : فَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ ذَلِكَ يَعْنِي آخِرَ الْحَدِيثِ (1)
238-7895 أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ : حَدَّثَنَا رَيْحَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْمُثَنَّى أَبُو عِصْمَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا عَائِشَةُ " كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ " قَالَتْ عَائِشَةُ : " بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَنْ كَانَ أَبُو زَرْعٍ ؟ " قَالَ : " اجْتَمَعَتْ إِحْدَى عَشْرَةَ نِسْوَةٍ ، فَأَقْسَمْنَ لَيَصْدُقْنَ عَنْ أَزْوَاجِهِنَّ " فَقَالَتْ إِحْدَاهُنَّ : " لَا أُخْبِرُ خَبَرَهُ أَخْشَى أَنْ لَا أَذَرَهُ مِنْ سُوءٍ ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ " وَقَالَ فِي آخِرِهِ : فَقَالَتْ عَائِشَةُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بَلْ أَنْتَ خَيْرٌ إِلَيَّ مِنْ أَبِي زَرْعٍ (2)
__________
(1) - أخرجه الطبراني برقم(18789 ) والمسند الجامع برقم (16716 ) صحيح
(2) - أخرجه البخاري برقم(5189) ومسلم برقم(6458)
درة الضرع لحديث أم زرع
المؤلف : الرافعي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مبدع الأصل والفرع، الممتن بعد الإبداع بالضرع والزرع؛ والصلاة على رسوله محمدٍ المخصوص بأوسع الذرع، وأتبع الشرع، وبعد: فهذه (درة الضرع لحديث أم زرع) أسأل الله أن ينفع بها من يراجعها، ويقف عليه ويطالعها.
نص الحديث
قرأت على الإمام والدي - رحمه الله - سنة ثلاث وستين وخمسمائة: أخبركم الحسن الغزال، أنبأ أحمد بن محمد الزيادي، أنبأ علي بن أحمد الخزاعي، أنبأ الهيثم بن كليب، ثنا محمد بن عيسى، ثنا علي بن حجر، أنبأ عيسى بن يونس، عن هشام بن عروة، عن أخيه عبد الله بن عروة عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: جلست إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً: قالت الأولى: زوجي لحم جملٍ غث على رأس جبلٍ وعر، لا سهلٍ فيرتقي، ولا سمينٍ فينتقي أو ينتقل.
قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، إني أخاف أن لا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره.
قالت الثالثة: زوجي العشنق، إن أنطق أطلق، وإن أسكت أعلق.
قالت الرابعة: زوجي كليل تهامة، لا حر ولا قر، ولا مخافة ولا سآمة.
قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد.
قالت السادسة: زوجي إن أكل لف، وإن شرب إشتف، وإن أضطجع التف، ولا يولج الكف ليعلم البث.
قالت السابعة: زوجي عياياء - أو غياياء - طباقاء، كل داءٍ له داء، شجك أو فلك، أو جمع كلالك.
قالت الثامنة: زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنبٍ.
قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، عظيم الرماد، طويل النجاد، قريب البيت من الناد.
قالت العاشرة: زوجي مالك، وما مالك، مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك.
قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع، وما أبو زرع! أناس من حلي أذني، وملأ من شحمٍ عضدي، وبجحني فبجحت إلى نفسي، ووجدني في أهل غنيمةٍ بشق، فجعلني في أهل صهيلٍ، وأطيطٍ، ودائسٍ، ومنقٍ، فعنده أقول فلا أقبح، وأرقد فأتصبح، وأشرب فأتقمح.
أم أبي زرعٍ وما ابن أبي زرعٍ! مضجعه كمسل شطبةٍ، ويشبعه ذراع الجفرة.
بنت أبي زرعٍ، وما بنت أبي زرعٍ! طوع أبيها وطوع أمها، وملء كسائها، وغيظ جارتها.
جارية أبي زرعٍ، وما جارية أبي زرع! لا تبث حديثنا تبثيثاً، ولا تنفث ميرتنا تنقيثاً، ولا تملأ بيتنا تعشيشاً.
قالت: خرج أبو زرعٍ، الأوطاب تمخص، فلقي امرأة معها ولدان كالفهدين، يلعبان من تحت خصرها برمانتين، فطلقني ونكحها، فنكحت بعده رجلاً سرياً، ركب شرياً، وأخذ خطياً، وأراح علي نعماً ثرياً، وأعطاني من كل رائحةٍ زوجاً! وقال: كلي أم زرعٍ وميري أهلك.
قالت: فلو جمعت كل شيءٍ أعطانيه، ما بلغ أصغر آنية أبي زرع.
قالت عائشة: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (كنت لك كأبي زرعٍ لأم زرعٍ).
وقرأ عليه رحمه الله في (غريب الحديث) لأبي عبيد: أخبركم الحافظ سعد الخير بن محمد المغربي، أنبأ أبو محمد السراج، أنبأ أبو علي بن شاذان، عن دعلج، عن علي بن عبد العزيز، عن أبي عبيد، ثنا حجاج، عن أبي معشر، عن هشام بن عروة وغيره من أهل المدينة، عن عروة، عن عائشة من كلام النبوة كما في الرواية الأولى، لا يختلفان إلا في ألفاظ يسيرة، والحديث بالاتفاق.
تخريجه
أخرجه البخاري في كتاب النكاح عن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي وعلي بن حجر.
ومسلم عن علي بن حجر وأحمد بن جناب بروايتهم عن عيسى بن يونس، ورواه سعيد بن سلمة بن أبي الحسام وسويد بن عبد العزيز عن هشام، وأدخل بين هشام وبين أبيه عروة أخاه عبد الله، كما أدخله عيسى بن يونس.
وآخرون رووه عن هشام عن أبيه من غير إدخال عبد الله بينهما، كما ذكرنا في رواية أبي عبيد منهم: أبو معاوية، وأبو أويس، وعقبة بن خالد، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، وعبد العزيز الدراوردي، وإدخاله بينهما أصح.
وكما وقع الاختلاف في الإسناد وقع في المتن.
الكلام على رفعه ووقفه
فمنهم من وقف بعضه على عائشة ورفع بعضه، كما في الرواية المسبوقة أولاً.
ومنهم من رفع الجميع: فعن موسى بن إسماعيل عن سعيد بن سلمة بن أبي الحسام، عن هشام بن عروة، عن أخيه، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (كنت لك كأبي زرعٍ لأم زرع)، ثم أنشأ يحدث بحديث أم زرع وصواحبها، وحكى أولاً قول التي قالت: زوجي عياياء، والتي قالت: زوجي لحم جمل عث، والتي قالت: زوجي العشنق، والتي قالت: زوجي إذا شرب اشتف، والتي قالت: زوجي لا أبث خبره. قال عروة: هؤلاء خمس يشكون.
في غير هذه الرواية: اجتمع نسوة ذوام ونسوة موادح لأزواجهن بمكة، وكان الموادح ستاً والذوام خمساً.
عن الزبير بن بكار - بروايات مختلفة - قال: حدثني محمد بن الضحاك الخزامي، عن عبد العزيز بن محمد الدراوردين عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: دخ علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعندي بعض نسائه، فقال: (يا عائشة، أنا لك كأبي زرع لأم زرع) قلت: يا رسول الله، وما حديث أبي زرع لأم زرع، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن من قريةٍ من قرى اليمن كان بها بطن من بطون أهل اليمن، وكان منهن إحدى عشرة امرأة، وإنهن خرجن إلى مجلس من مجالسهن، فقال بعضهم لبعض: تعالين، فلنذكر بعولتنا بما فيهم ولا نكذب، فقيل للأولى: تكلمي، فقالت: الليل ليل تهامة والغيث غيث غمامة ولا حر ولا قر.
قالت الثانية - وهي عمرة بنت عمر وفي اسم الرابعة فهذه بنت أبي هزومة وزاد فقال اسم أم زرع عاتكة.
أسماؤهن
واعلم أنه حكي عن ابن دريد أسماؤهن مرتبة على رواية عيسى بن يونس المذكورة أولاً، وفي ترتيبهن في الروايتين تفاوت بين: - التي قالت: زوجي لحم جمل غث! هي الأول في تلك الرواية، والرابع في الرواية الأخيرة.
- والتي قالت: زوجي لا أبث خبره! هي الثانية في تلك الرواية، والتاسعة في الرواية الأخيرة.
فلا يصح أخذ أسمائهن على ذلك الترتيب، من المذكور في الرواية الأخيرة، بل ينبغي أن يقال اسم واحدة منهن كذا وواحدة كذا، أو ينظر في الترتيبين، فيطبق أحدهما على الأخرى ويقضى بموجبه.
قول الأولى
قولها: لحم جملٍ غث: أي مهزول، يقول: غثثت يا جمل تغث، وغثثت تغث غثاثة وغثوثة، وأغث اللحم أيضاً.
الوعر: الذي لا يوصل إليه إلا بتعب ومشقة.
والانتقاء: استخراج النقي من العظم، وهو المخ! وذكر أن المقصود هاهنا هو الشحم وأنه يجوز أن يكون المعنى: أنه يرغب فيه ويختار، يقال: انتقيت الشيء أي تخيرته. والانتقال بمعنى التناقل، كالاقتسام بمعنى التقاسم! وقيل: انتقل ونقل واحد أي ليس بسمين يرغب الناس فيه ويتناقلونه إلى بيوتهم. وينتقي وينتقل روايتان مشهورتان، وقد يجمع بينهما على الشك.
غرض المرأة وصف زوجها بقلة الخير، وبعده مع القلة، وشبهته باللحم الغث الذي لا نقي فيه، أو الذي لا ينتقله الناس إلى بيوتهم، لزهدهم فيه، ومع ذلك هو على رأس جبل صعب لا يوصل إليه إلا بتعب.
وقولها: (لا سهل فيرتقي)، من صفة الجبل! وقولها: (ولا سمين فينتقى أو ينتقل)، م صفة اللحم.
ذكر الخطابي أنها أشارت ببعد خيره إلى سوء خلقه، وترفعه بنفسه تيهاً، وأرادت أنه مع قلة خيره يتكبر على عشيرته وأهله، وبقولها: (ولا سمين فينتقل) إلى أنه ليس في جانبه طرف وفائدة، يحتمل بذلك سوء عشرته له.
ويروى بدل لحم جمل غث: لحم جمل قحر، وهو المسن المهزول.
قال أبو بكر بن الأنباري: ويروى (على رأس قوز وعث) القوز: رمل مرتفع يشبه الرابية، والجمع أقواز والوعث الذي لا تثبت القدم فيه لسيلانه وسهولته.
ذكر في (الصحاح) أن القوز: الكثيب الصغير.
ويروى مع ذلك (ليس بلبد فيتوقل) واللبد: المستمسك الذي ليس هو بسائل ولا منهال، والتوقل: الإسراع في المشي، يقال: توقل الوعل في الجبل.
قول الثانية
قول الأخرى: زوجي لا أبث خبره، أي لا أظهره ولا اشيعه.
والعجر: جمع عجرة، وهي العقد في الأعصاب والعروق المجتمع تحت الجلد.
والبجر: جمع بجرة، وهي انتفاخ يحصل في البطن والصرة، يقال منه: رجل أبجر وامرأة بجراء! وقيل: العجر في الظهر خاصة، والبجر في البطن! وقيل: العجر في الجنب والبطن، والبجر في السرة.
وغرضها أني لا أنشر خبره كيلا يفتضح.
ومرجع الكناية في قولها: (أن لا أذره) فيه قولان:
- أحدهما: أنها ترجع إلى الخبر، والمعنى: إني أخاف أن لا أقطع لكثرة عيوبه، وسعة مجال المقال،وقيل: معناه لا أترك منه شيئاً.
- الثاني: أنها ترجع إلى الزوج، أي هو مع كونه حقيقاً بالمفارقة أخاف أن لا أفارقه لما بيننا من العلق والأسباب.
وبالأول قال ابن السكيت، ويشهد له روي في بعض الروايات أنها قالت بعده: (ولا أبلغ قدره).
وأرادت بالعجر والبجر: عيوبه الباطنة وأسراره.
يروى أن علياً رضي الله عنه لما رأى طلحة رضي الله عنه صريعاً قال: (إلى الله أشكو عجري وبجري) يريد همومي وأحزاني.
قول الرابعة
قول الرابعة: زوجي كليل تهامة... إلى آخره.
تهامة: ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز.
والقر والقرة: البرد، ويقال: قررت، أي: أصابني البرد، والسآمة: الملال.
وليل تهامة طلق ى يؤذي بحر ولا برد، فشبهته به في خلوه من الأذى والمكروه.
وقولها: ولا حر ولا قر قيل معناه: ولا ذو حر ولا قر، كما يقال: فلان عدل، أي ذو عدالة. وقيل: يحتمل أن تريد لا حر فيها ولا قر.
قولها: ولا مخافة ولا سآمة! أي: ليس فيه خلق أخاف بسببه منه، أو ساء مني أو أساء منه.
ويروى: (ولا مخافة ولا وخامة)، والوخامة: الثقل، يقال: طعام وخيم أي ثقيل، وزاد بعضهم: (ولا يخاف خلفه ولا أمامه).
قال ابن الأنباري: معناه إن ساكني تهامة لا يخافون من خلفهم ولا أمامهم لامتناعهم بالجبال وتحصنهم فيها.
قول الخامسة
قول الخامسة: زوجي إن دخل فهد! أي: كان كالفهد قيلك وصفته بلين الجانب، لأن الفهد لين المس، كثير السكون، وقيل: وصفته بالنوم والتغافل والفهد كذلك، والمعنى: أنه يتغافل عن أحوال البيت، وإن وجد فيها خللاً أستحق اللوم به أغضى.
وأسد: واستأسد، أشبه الأسد في الإقدام.
قولها: ولا يسأل عما عهد! أي: هو كريم لا يسأل عما ترك في البيت من زاد وطعام.
ويروى بعده: (ولا يرفع اليوم لغد)، وهو من القوة والكرم أيضاً.
وعن إسماعيل بن أبي أويس أنها أرادت بقولها: (إن دخل فهد) أنه يثب عليها وثبة الفهد وسريع الوثب.
قال الشارحون: وعلى هذا فهذه المرأة ذمت منه شيئاً، ومدحت شيئاً. ويجوز أن يقال: كنت به عن قوة مجامعته، أو سرعة رغبته فيها وفي معاشرتها.
ويروى: (إن دخل أسد وإن خرج فهد) على العكس مما سبق، قالوا: وهذا ذم، وعلى هذا فقد روي: (ولا يسأل عما عهد) أي: لا يكلم لسوء خلقه، ويجوز أن يحمل (إن دخل أسد) على شدة طلبه لها وتعلقه بها (وإن خرج فهد) على غفلته عن غيرها، فيخرج عن أن يكون ذماً.
قول السادسة
قول السادسة: زوجي إن أكل لف،أي: ضم وخلط صنوف الطعام بعضها ببعض، إكثاراً من الأكل، يقال: لف الكتيبة بالأخرى إذا خلط.
ويروى (إن أكل رف) قال ابن الأنباري: يقال: رف يرف أي أكل، ورف يرف أيضاً امتص، والوجه الحمل على المعنى الثاني، وفيه وصف بالشره والخسة، وقيل: (رف) أي أكل كثيراً.
قولها: وإن شرب اشتف، أي: استقصى ولم يسئر فيه سؤراً، والشفافة: بقية الشراب في الإناء، فالاشتفاف: شرب تلك البقية! تصفه بالشره وقلة الشفقة عليها.
قولها: وإن اضطجع التف، أي: ينام ناحيةً ملتفاً بثوبه، لا يضاجعني ولا يتحدث معي.
أما قولها: ولا يولج الكف ليعلم البث، فالبث: أشد الحزن الذي تباثه، ثم فيه قولان: - قال أبو عبيد: أحسبها كان ببعض جسدها داء أو عيب تكتئب منه، فقالت: إنه لا يدخل اليد ليتعرض له كرماً منه، ولم يساعده الأكثرون، منهم ابن الأعرابي وابن قتيبة وأبو سليمان وقال: أول كلامها ذم فكيف تمدحه على الأثر وتصفه بالكرم. وقد عدها عروة ب الزبير من الذامات.
- ثم منهم من قال: أرادت أنه لا يضاجعني، ولا يتعرف ما عندي من حب قربه، ويوافقه ما روى (وإذا اضطجع التف).
وقيل: أرادت لا يدخل يده في أموري يعرف ما أكرهه ويصلحه.
وقيل: أرادت أني إذا كنت عليلة لم يجئني، ولم يدخل يده تحت ثيابي ليعرف مالي.
ونصر ابن الأنباري أبا عبيد، فقال: إن النسوة تعاقدان على أن لا يكتمن شيئاً من أخبار أزواجهن، فلا يبعد أن يكون فيهن من يذم شيئاً من زوجها، ويمدح شيئاً، وإنما عدها عروة من الذامات لابتدائها بالذم.
قول السابعة
قول السابعة: زوجي عياياء أو غياياء: الشك في اللفظتين منسوب إلى عيسى بن يونس،والذي صححه أبو عبيد والمعظم: العين، وعدوا الغين تصحيفاً.
والعياياء: فعالاء من العي، وهو من الإبل والناس: الذي عيي بالضرب! ترميه باللعنة.
والطباقاء: المعجم الذي انطبق عليه الكلام، أي انغلق، وقيل: هو الأحمق الذي انطبقت عليه الأمور فلا يهتدي إلى الخروج منها، وقيل: هو الذي لا يأتي النساء، وقيل: هو الثقيل الصدر عند المباضعة.
جوز الزمخشري أن يكون اللفظا (غياياء) بالغين من الغيابة، وهي السحابة، ويقال: غابينا عليه بالسيوف أي: أظللنا، وهو العاجز الذي لا يهتدي لأمر كأنه في ظلمة وغياية أبداً، وقيل: يجوز أن يكون م الغي، وهو الانهماك في الشر، وأيضاً الخيبة، وقد فسر به قوله تعالى: (فَسَوفَ يَلقَونَ غَيّاً).
قولها: كل داء له داء، الداء العيب والمرض، والمعنى: إن العيوب المتفرقة في الناس مجتمعة فيه، وعلى هذا فقولها له: (داء) خبر لقولها: (كل داء)، وفي (الفائق) أنه يحتمل أن يكون (له) صفة لداء و(داء) خبر الكل أي كل داء فيه بليغ متناهٍ، كما يقال: إن زيداً لزيد، ويراد وصفه بالكمال.
قولها: شجك، أوفلك، الشج: الجرح في الرأس والوجه، والفل: الكسر، قيل: أرادت كسر العظام من الضرب، وقيل: كسر القلب بأخذ المال والأثاث، وقيل: كثير الحجة بالخصومة والعذل، ومنهم من قال: أرادت بالفل الطرد والإبعاد، والمعنى: أنه سيء الخلق يضرب امرأته بحيث يشج أو يفل أو يجمعهما معاً، والسماع في شجك وفلك وكلالك كسر الكاف، لأن المحاورة كانت بين النسوة، فكأنها قالت: إن كنت زوجته أيتها المخاطبة شجك أو فلك.
قول الثامنة
وقول الثامنة: المس مس أرنب، حملوه على الوصف بحسن الخلق، ولين الجانب، كما أن الأرنب لين عند المس، ويجوز أن تريد لين بشرته ونعومتها.
والزرنب! قيل: هو نبات طيب الريح، وقيل: شجر طيب الريح، وقيل:الزعفران. وقد يقال: (ذرنب) بالذال، وهما لغتان كزبر وذبر.
وأرادت طيب ذكره في الناس، وثناؤهم عليه، أو طيب عرفه.
ويروى بعد الكلمتين (أغلبه، والناس يغلب) وفيه وصفه بالقوة والشجاعة وحسن الخلق مع الأهل.
قول التاسعة
قول التاسعة: زوجي، رفيع العماد، العماد: عود الخباء! كنت بارتفاعه عن شرفه وارتفاع بيته.
والنجاد: حمالة السيف، وهو ما يتقلد به! كنت به، عن امتداد قامته، وحسن منظره.
قولها: عظيم الرماد، كناية عن كثرة ضيافته، وقد تشير به إلى طبخه اللحوم والأطعمة التي يحوج طبخها إلى النيران العظيمة، وذكر أن أهل البلاغة يسمون مثل هذه الصنعة الإرداف، وهو: التعبير عن الشيء ببعض لواحة.
قال أبو سليمان الخطابي: يحتمل أن تريد أنه لا يطفىء ناره ليلاً ليهتدي بها الضيفان فيغشونه.
والنادي: والندي والمنتدى: مجلس القوم ومجتمعهم، وقد يجعل النادي اسماً للقوم، وفسر به بعضهم قوله تعالى: (فَليَدعُ نَادِيَهُ). والكريم يقرب بيته من النادي ليظهر ويعرف فيغشى، وقد يقصد الشريف به تسهيل إتيانه على القوم.
ويروى بعد هذه الكلمات (لا يشبع ليلة يضاف، ولا ينام ليلة يخاف)، وأرادت بالأول: أنه يؤثر الضيفان بطعامه، والثاني: أنه يستعد ويتأهب للعدو ويأخذ بالحذر.
قول العاشرة
قول العاشرة: زوجي مالك وما مالك، أرادت به تعظيمه والتعجب من أمره.
قولها: مالك خير من ذلك، أي: هو فوق ما يوصف به من الجود والأخلاق الحسنة، وقد تريد إشارة إلى الذين مدحتهم من قبل، وتقول: هو خير منهم.
وذكروا لقولها: له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، معاني: أشهرها: وبه قال أبو عبيد وإبن السكيت: أنه يتركها تبرك بفنائه لتكون معدة للضيفان فيطعمهم من لحومها وألبانها، وقل ما يسرحها لئلا يتأخر القرى لبعدها.
والثاني: وبه قال ابن أبي أويس، إنه يكثر منها النحر لأضيافه بعدما بركت، فتكون قليلة إذا سرحت، وإن كانت كثيرة عند البروك.
الثالت: إن كثرتها عند البروك لكثرة من تبعها وانضم إليها طمعاً في رفقها، فإذا ظفروا بما يبغون تفرقوا عنها، فكانت قليلة إذا سرحت.
الرابع: قيل أرادت بكثرة المبارك أنها محبوسة للأضياف، فتقام للحلب مرة بعد أخرى، فيتكرر بروكها بعد الإقامة.
والمعزف: العود والمقصود أن إبله قد اعتادت منه إكرام الضيفان بالنحر لهم وبسقيهم وإتيانهم بالمعازف، فإذا سمعت صوت المعزف أيقنت بالنحر.
في (الفائق) أنه قد قيل: إن المزهر الذي يزهر النار، يقال: زهر النار وأزهرها، أي: أوقدها، أي: إذا سمعن صوت موقد النار.
ويروى في آخر كلامها: (وهو أمام القوم في المهالك) أي: مقدمهم في الحرب لشجاعته.
قول الحادية عشرة
أم زرع
قول أم زرع: زوجي أبو زرع وما أبو زرع، قيل: تكنية الزوجين بزرع كان على عادة العرب في تكنية الأبوين باسم من ولد بينهما، كأم الدرداء وأبي الدرداء وأم الهيثم وأبو الهيثم في الصحابة.
وقولها: أناس من حلي أذني،أي حركها بما حلاهما به من القرطة. والنوس: تحريك الشيء المتدلي، والإناسة: تحريكه.
قولها: ملأ من شحمٍ عضدي،أي سمنتي بحسن التعهد، واكتفت بالعضد عن سائر الأعضاء فإنهما إذا سمنا سمن سائر البدن.
وقولها: وبجحني فبجحت إلي نفسي، قال ابن الأنباري: أي عظمني فعظمت عند نفسي. وقال ابو عبيد: فرحني ففرحت وعظمت عند نفسي.
ويروى (فبجحت إلى نفسي) يقال بجح بالشيء وبحج به، أي فرح.
قولها: ووجدني في أهل غنيمة بشق فجعلني في أهل صهيل، وأطيط، قيل: (شق) موضع بعينه، ثم أبو عبيد فتح الشين، وكسرها غيره، وذكر الهروي أن الصواب الفتح، وقال ابن أبي أويس: المعنى بشق جبل لقلتهم وقلة غنمهم، وهذا يصح على رواية الفتح، أي: بشق في الجبل كالغار ونحوه، وعلى رواية الكسر، أي: في طرف منه وناحية.
قال آخرون: المعنى بجهدٍ ومشقةٍ يحتملونها في معيشتهم، كما في قوله تعالى: (إِلا بِشِقِّ الأَنفُسِ).
والمقصود: أني كنت في قومٍ قليلي العدد والمال، فلم يأنف من فقر قومي وضعفهم، فنكحني ونفاني إلى قومه، وهم أهل خيل وإبل.
والأطيط: هاهنا صوت الإبل، وقد يسمى صوت غير الإبل أطيطاً.
قولها: ودائسٍ ومنق، فقد قيل: الدائس البيدر، والمنق: الغربال، وقيل: الدائس الذي يدوس الطعام بعد الحصاد! تريد أنهم أصحاب زرع أيضاً، ويروى (منق) بكسر النون من النقيق، وفسر بالمواشي والأنعام، وقيل: أرادت الدجاج، أي هم أصحاب طير.
قولها: فعنده أقول فلا أقبح، أي لا يرد قولي، ولا يقال لي: قبحك الله.
والتصبح: نوم الصبحة، وهو أن تنام بعدما تصبح! تريد أنها مخدومة مكفية المؤنة لا تحتاج إلى البكور. وقيل: أرادت لا أنبه ولا أزعزع حتى أقضي وطري من النوم.
قولها: وأشرب، فأتقمح: أي أرفع رأسي عن الإناء للري والاستغناء عن الشرب، من قولهم: (بعير قامح) إذا رفع رأسه من الحوض فلم يشرب، ويروى (فأتقنح) بالنون، أي: أقطع الشرب من الري. وقيل: أشرب على الري، وذلك مع عزة الماء عندهم، وقيل: هما بمعنى واحد، كما يقال: امتقع لونه وانتفع.
والمعنى: أشرب حتى إني لأرى المشروب فأصرف عن تمام الشبع.
قولها: عكومها رداح: العكوم: الأحمال والأعدال التي فيها الأمتعة، الواحد عكم. والرداح: العظيمة الممتلئة، وقيل: الثقيلة، قال في (الفائق) : وتكون صفة للمؤنث كالرحال والثقال، يقال: جفنة وكتيبة وامرأة رداح، ولما كانت جماعة ما لا يعقل في حكم المؤنث، جعلت صفة لها، قال: ولو جاءت الرواية بفتح العين لكان الوجه على أن يكون العكوم: الجفنة التي لا تزول عن مكانها إما لعظمها، أو لأن القرى متصل دائم،من قولها: (مر ولم يعكم)، أي لم يقف ولم يتحبس؛ أو التي كثر طعامها وتراكم، من قولهم: اعتكم الشيء وارتكم، أو التي يتعاقب فيها الأطعمة، م قولهم للمرأة المعقاب: عكوم، والرداح حينئذ يكون واقعة في نصابها.
وجوز بعضهم أن يقال: كنت بالعكوم عن الكفل.
والفياح: والأفيح: الواسع، يقال: فاح بفيح إذا اتسع، ويروى بدل الفياح: فساح بتخفيف لاسين، والفساح والفسيح الواسع أيضاً.
قولها: (مضجعة كمسل شطبةٍ)، المسل: مصدر كالسل، وهو يقام مقام المسلول، والمعنى: كمسلول شطبة. والشطبة: ما ينزع من القضبان الدقاق من جريد النخل، ينسج منها الحصر، وقد يشق الجريد فيجعل قضباناً دقاقاً، أي هو صوب اللحم، خفيف الخصر، والعرب تمدح بذلك، ويستدل به على الشجاعة.
وقيل: الشطبة السيف، شبهته بسيف سل من غمده.
في (الفائق) أن الجفر: الماعزة إذا بلغت أربعة أشهر وفصلت وأخذت في الرعي.
والذراع: يذكر ويؤنث. والرواية: تشبعه بالتاء.
ويروى (وترويه فيقة اليعرة ويميس في حلق الثرة) و(الفقيه): ما يجتمع من اللبن بين الحلبتين وهي الفواق أيضاً، و(اليعرة): العناق، وقيل: الجدي. تصفه بالإقلال من الطعام والشراب وهو محمود عندهم، و(يميس) يتبختر،و(الثرة) الدرع القصيرة.
قولها: ملء كساءها، أي تملأه بكثرة اللحم، وهي مستحبة في النساء ويروى (صفر ردائها، وملء إزارها)، وفيه وصف بالضمور، وعظم الكفل، لأن طرف الرداء يقع على مقعد الإزار.
قولها: وغيظ جارتها، الجارة: الضرة، أي يغيظ الضرة ما يرى من عفتها وجمالها.
ويروى بدله (وعبر جارتها)، وفسره ابن الأنباري بوجهين: أحدهما: أنها تري منها ما يعتبر عينها ويبكيها من الغيظ والحسد.
والآخر: أنها ترى من عفتها من يعتبر به، الأول من العبرة، والثاني من العبرة.
ويروى: (وعقر جارتها)، وهو الجرح، ومنه قولهم: كلب عقور: أي تجرح قلبها.
ويروى: (وعقر جارتها)، أي يعطل الزوج الجارة لرغبته في هذه الممدوحة فلا تحبل، فتصيل كأنها عاقر.
ويروى: (وغير جارتها)، والغير والغار: الغيرة.
ويروى - قبل قولها: طوع أبيها وطوع أمها - : (وفي الإل، كريم الخل، برود الظل)، والإل: العهد، أي هي وافية بعهدها. ويرد الظل: مثل لطيب العشرة. قولها: (كريم الخل)، قيل: معناه أنها تكرم على من يعاشرها، فخليلها يعاشر بعشرته إياها كريماً، وقيل: المعنى أنها لا تتخذ أخدان السوء، وإنما قال: وفي وكريم في صفة المؤنث على تأويل أنها إنسان أو شخص وفي الإل.
قولها: لا تبث حديثنا تبثيثاً، ويروى بالباء والنون، وهما متقاربان؛ يقال: بث الخبر أي نشره وأشاعه، ونث الحديث ينثه نثاً أفشاه، ويقال: نث اغتاب واطلع على السر، وهما متقاربان.
والمقصود أنها لاتخرج سراً ولا تظهره. ولقرب اللفظتين في المعنى، روى بعضهم الفعل بالباء والمصدر بالنون، ومخالفة المصدر الفعل كما في قوله تعالى: (وَتَبَتّل إِليهِ تَبتِيلا) ونظايره.
قولها: ولا ينتقل ميرتنا تنقيتا، الميرة: الطعام، والميرة أيضاً ما يمتاره البدوي من الحاضرة. والتنقيت: الإسراع في السير.
والمعنى إنها لا تنقل طعامنا ولا تذهب ولا تفرقه مسرعة: تصفها بالأمانة.
ويروى (ولا تنقث)، وهو بمعناه.
ويروى (ولا تنفث)، وحينئذٍ يكون المصدر والفعل متفقين، ورواه بعضهم (لا تبث) بالباء، وبعضهم (لا تنفث) بالفاء، ولا صحة لها.
قولها: ولا تملأ بيتنا تعشيشاً، روي بالغين المعجمة من الغش، أي: لا تغشنا، وقيل: أرادت النميمة؛ ورواه الأكثرون بالعين، ثم قيل: هو مأخوذ من عش الطائر، وذكر على هذا ثلاثة أوجه: أحدها: أنها تهتم بشأن البيت وتطهيره، فلا تدع الكناسات هاهنا كعشيشة الطيور.
والثاني: أنها لا تدع متغيراً مستقذراً كعش الطائر.
والثالت: أنها لا تخون في الطعام فتخبأه هنا وهنا كما يعش الطير في مواضع شتى.
قال أبو سليمان الخطابي: وهو من قولهم عش الخبز،إذا تكرج وفسد.
يريد أنها تحسن مراعاة الطعام، وتعهده وتطعم منه الشيء بعد الشيء طرياً، ولا يغفل عنه فيفسد.
وجوز أبو القاسم الزمخشري أن يكون ذلك من قولهم: شجرة عشة، أي قليلة السعف؛ وعش المعروف يعشه، إذا أقله، وتطية معشوشة قليلة أي لا تملأ البيت اختزالاً وتقليلاً لما فيه.
ويروى في صفة الجارية: (لا تنجث عن أخبارنا تنجيثاً، ولا تغث طعامنا تغثيثاً)، والتنجيث: إلا الاستخراج والإشاعة، والإغثاث والتغثيث إفساد الطعام والكلام وعيرهما.
في بعض الروايات: (طهاة أبي زرع وما طهاة أبي زرع، لا تفتر ولا تعدى تقدح قدراً تنصب أخرى فتلحق الآخرة بالأولى)، والطهاة: الطباخون، وأرادت أنهم لا يفترون عن الطبخ ولا يصرفون عنه. والقدح: الغرف، ويقال للمغرفة: مقدحة، والقدور يلحق بعضها بعضاً، فلا ينقطع الطعام عن الضيفان.
ويروى: (ضيف أبي زرع وما ضيف أبي زرع في شبعٍ وردي ورتعٍ)،أي: لهو وتنعم.
وأيضاً: (مال أبي زرع وما مال أبي زرع، على الجمم محبوس وعلى العفاة معكوس) الجمم جمع جمة: وهم القوم الذين يسألون في الدية، ويقال الجمة: الدية، وأجم: أعطى الدية؛ والعفاة: السائلون؛ والمعكوس: المعطوف. يريد أن ماله وقف على تسكين الفتن، ودفع حاجات الناس.
قولها: والأوطاب تمخض، والأوطاب جمع وطب: وهو سقاء اللبن خاصة، والأفعال في جمع فعل قليل والأغلب الفعال، وقد ورد في بعض الروايات: (والوطاب تمخض)، على فوق الغالب، وتمخض: تحرك لاستخراج الزبد، قيل: إشارته بذلك إلى كثرة اللبن عندهم.
قولها: كالفهدين، شبهتهما بالفهدين في كونهما فارهين ممتلئين حسني الصورة.
قولها: يلعبان من تحت خصره برمانتين، قال ابن أبي أويس: أرادت بالرمانتين: ثدييها، وقال أبو عبيد وغيره: وصفتها بعظم الكفل، تريد أنها إذا استلقت نبا بها الكفل عن الأرض حتى يصير تحتها فجوة تجري فيها الرمان.
والسري: السيد الشريف، ويجمع على سريين وأسريا وسراة.
والفرس الشري: الذي يسري في عدوه، أي: يلج ويتمادى، ويقال: هو الفائق المختار من قولهم لخيار المال: سرانة وشرانة، واسترى واشترى: اختار.
والخطى: الرمح المنسوب إلى الخط، وهو موضع على ساحل البحر تنتقل إليه الرماح الهندية ثم ينقل منها، وقيل: هو ساحل البحر.
قولها: وأراح علي، أي ردها من المرعى.
نعماً ثرياً، الثري: الكثير، يقال: أثرت الأرض إذا كثر ترابها، وأثرى بنو فلان: كثرت أموالهم، والثروة: المال الواسع، والثراء: كثرة المال، يقال: رجل ثروان وامرأة ثروى، وتصغيرها ثرياً، وذكر ثريا حملاً على اللفظ.
قولها: من كل رائحة زوجاً، أي: ماشية تروح.
ويروى: (من كل سائمة) وهي الماشية الراعية، يقال: سامت هي، أي: رعت وأسمتها أنا.
ويروى: (من كل آبدة) وهي المتوحشة، والجمع الأوابد.
قولها: زوجاً، قيل: الزوج يقع على الاثنين كما يقع على الفرد، ثم يقال: زوجان.
وقد روي: (من كل سائمة زوجين): وقيل: الزوج الفرد، إذا كان معه آخر، وذكر بعضهم أنه يجوز أن يريد أنه أعطاها من كل رائحة صنفاً، وقد يعبر عن الصنف بالزوج، وقد قيل ذلك في قوله تعالى: (وَكُنتُم أزوَاجاً ثَلاثَةً).
قوله: وميري أهلك، أي: خذي الطعام، واذهبي به إليهم، تريد أنه وسع عليها وعلى أهلها.
قولها: أصغر آنية أبي زرع، يروي: (أصفر) بالفاء من الصفر، وهو الخالي، يريد: أن الذي نكحته - وإن كان بالصفات المذكورة - فإن قدره لا يبلغ قدر أبي زرع.
وفي بعض الروايات: (فاستبدلت بعده - أي بعد أبي زرع - ولك بدل أعور)، وهذا مثل معروف، أي: البدل قاصر عن الأصل غالباً، نسبته إليه كنسبة الأعور إلى ذي العينين.
كلام النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة
قوله: صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة: (كنت لك كأبي زرع لأم زرع)، زيد في بعض الروايات: (إلا أن أبا زرع طلق، وأنا لا أطلق)، وفي بعضها: (كنت لك كأبي زرعٍ في الألفة والرفاء، لا في الفرقة والخلاء).
قال ابن الأنباري: والرفاء: الاجتماع، من قولهم: رفأت الثوب أرفأه، ويقرب منه: قول من يقول: الرفاء الموافقة والمواصلة. والخلاء في الإبل: كالحيوان في الخيل والبغال.
يروى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (قلت يا رسول الله! بل أنت لي خير من أبي زرع لأم زرع)، وهذا هو اللائق لحسن أدبها.
واعلم أن حديث أم زرع قد تكلم في تفسيره ومعانيه جماعة من المتقدمين والمتأخرين من علماء الحديث وأصحاب اللغة، وفيما أوردناه ما يحوي معظمه.
فوائد الحديث
قال الإمام أبو سليمان الخطابي: (وفيه: العلم، وحسن العشرة مع الأهل، واستحباب محادثتهن بما لا إثم فيه.
وفيه: أن بعضهن قد ذكرن عيوب أزواجهن، ولم يكن ذلك غيبة لأنهن لم يعرفوا بأعيانهم وأسمائهم).
وزاد تاج الإسلام أبو بكر السمعاني، فقال: (فيه دلالة على جواز ذكر أمور الجاهلية واقتصاص أحوالهم؛ وعلى فضل عائشة رضي الله عنها ومحبته لها بملاطفته إياها؛ وعلى أن السمر بما يحل جائز).
ولمعنى حسن العشرة مع الأهل ونحوه أورده البخاري الحديث في (كتاب النكاح)، ولإشعاره بفضل عائشة أورده مسلم في (الفضائل)، ولمعنى السمر أورده أبو عيسى الترمذي في (أخلاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم) في باب ترجمة ب: كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في السمر؛ وليس في اللفظ ما يدل على أن ذلك كان في السمر، لكن القصة تشبه الأسمار وربما ورد نقل.
وكان والدي رحمه الله يرغبني في حفظ هذا الحديث في صغري لكثرة فوائده، وحسن ألفاظه.
وأختم الآن الحديث وشرحه بقولي:
نَفسي مِن جانِبِ طاعاتِها ... حَلَّت بِوادٍ غَيرِ ذي زَرعِ
لكنّ رَبي واسع فَضلُهُ ... إن اَعتنى بي لم يَضِق ذَرعِ
وَصِرتُ أرتاحُ بإحسانِهِ ... كأُمُّ زَرعٍ بِأبي زَرعِ
أحسن الله بنا، وحقق المنى بجوده وسعة رحمته.
موسوعة الأسرة المسلمة معدلة - (ج 1 / ص 21)
الحقوق المشتركة
بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :الحقوق المشتركة وهي الحقوق التي أوجبها الله على كل من الزوج والزوجة ، ومن عدل الله-تبارك وتعالى- أن جعل هناك حقوقاً بين الزوجين يشترك كل منهما فيها . ومن أعظم هذه الحقوق حقان : أولهما : حق العشرة بالمعروف . والحق الثاني : حق المبيت والقَسْم . الأول : حق العشرة بالمعروف : فإنه لا سعادة للمسلمين ولا طمأنينة لهم في بيوتهم إلا إذا قامت على العشرة بالمعروف . وهذا الحق أمر الله- تعالى - به لما فيه من صلاح أمر الزوج والزوجة ولما فيه من السعادة لهما وهو الإختبار الحقيقي للزوج وللزوجة . قال الله في كتابه المبين : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ }. وهذا أمر والأمر يقتضي الوجوب ، ولذلك قال العلماء : المعاشرة بالمعروف حق واجب يأثم تاركه ويثاب فاعله وقال الله- تعالى - : { فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ }. والمعاشرة بالمعروف تستلزم أموراً لا بد منها وهذه الأمور تكون في قلب الإنسان فيما بينه وبين الله وتكون في قوله وكلماته وما يصدر منه من عباراته وتكون منه في تصرفاته وأفعاله . فهناك ثلاثة جوانب للمعاشرة بالمعروف : أولها وأهمها : النية ، وما غيبه قلب الرجل وغيبه قلب المرأة فلن يستطيع الرجل أن يعاشر امرأته بالمعروف ولن تستطيع المرأة أن تعاشر زوجها بالمعروف إلا إذا غيب كل منهما نية صالحة ، وهذا هو الذي عناه الله- تعالى - بقوله : { وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ }. فإذاً أراد الإنسان أن يمسك زوجه فلتكن نيته صالحة تجاهها ، ولذلك قال العلماء : ما غيب الإنسان في سريرته وقلبه أمراً خيراً كان أو شراً إلا أظهره الله في فلتات لسانه فالذي ينوي الخير لامرأته ويتزوج المرأة أو يردها إلى عصمته وفي قلبه أن يحسن وأن يكرم وأن يعاشر بمعروف وفقه الله وسدده قال-تعالى- : { إِنْ يَعْلَمْ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْراً }. فالله إذا اطلع على قلب الرجل واطلع على قلب المرأة ووجد كلا منهما يبيت النية الصالحة وفق الله كلا منهما في ظاهره وتصرفاته وأفعاله لكي يكون منه الخير . فأول ما يوصى به من أراد أن يعاشر بالمعروف النية الصالحة وكان بعض العلماء يقول : ينبغي للزوج أن يجدد نيته كل يوم حتى يعظم الله أجره ويعظم ثوابه خاصة إذا كانت المرأة صالحة أو كانت ذا حق على الإنسان كقريبته ونحو ذلك فيغيب في قلبه نية الخير لها ، وإذا غيب الخير أظهره الله في أقواله وأفعاله ، وهكذا المرأة تغيب في قلبها نية الخير للزوج وما إن تتغير هذه النية حتى يغير الله ما بالزوجين : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ } . فإذا غير الزوج أو غيرت الزوجة غيرا نيتهما غيرَّ الله حالهما من الخير إلى الشر ومن الحسن إلى الأسوأ ، ولذلك كل من أصابته مصيبة بينه وبين أهله فلينظر إلى نيته وقلبه فالأصل في العشرة بالمعروف أنه ينبعث من نية صالحة من نية طيبة ومن قلب يغيب الخير حتى تظهر الآثار على الجوارح قال- صلى الله عليه وسلم - : (( ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله )) . الأمر الثاني للعشرة بالمعروف : القول . فكما أن الإنسان ينبغي أن يغيب في قلبه النية الطيبة حتى يعاشر بالمعروف ينبغي أن يكون قوله موافقاً لمرضاة الله- تعالى - . قال بعض العلماء : وعاشروهن بالمعروف - المعروف كل ما وافق شرع الله- تعالى - ، والمنكر كل ما خالف شرع الله- تعالى - فإذا أراد أن يعاشر زوجته بالمعروف فعليه أن يتقي الله فيما يقول ، وكذلك على المرأة أن تتقي الله فيما تقول ، والأصل الذي قرره كتاب الله وقررته سنة النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه ينبغي على كل مؤمن ومؤمنة أن يحفظ لسانه وأن يقول الخير قال- صلى الله عليه وسلم - : (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت )) . فمن دلائل الإيمان بالله- تعالى - حفظ اللسان واستقامة اللسان حينما يخاطب الناس على العموم ويخاطب الأهل على الخصوص ، والله تعالى أوصى المؤمنين ، أوصى من قبلنا ووصيته وصية لنا فقال لمن قبلنا : { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً }(3) . فأمرنا إذا تكلمنا وإذا نطقنا أن نقول الحسن الذي يرضيه-سبحانه- ، لأن القول الحسن يحسن إلى صاحبه في الدنيا والآخرة والقول السيء يسيء إلى صاحبه في الدنيا والآخرة . الحلم زين والسكوت سلامة فإذا نطقت فلا تكن مهذارا ما إن ندمت على السكوت لمرة ولقد ندمت على الكلام مرارا فالكلمة إذا خرجت من اللسان لا تعود ، وإذا خرجت جارحة قاسية أدمت القلوب وأحدثت فيها من الفساد ومن تغير الإلفة والمحبة ما الله به عليم ، ولذلك أوصى الله بحفظ اللسان أوصى في كتابه وعلى لسان رسوله- صلى الله عليه وسلم - ، وجعل العلماء المحاور التي تكون بها العشرة بالمعروف في الأقوال بين الزوجين في مواضع : المواضع الأول : في النداء إذا نادى الزوج الزوجه وإذا نادت الزوجة زوجها . الموضع الثاني : في الطلب عند الحاجة تطلب منه أو يطلب منها . الموضع الثالث : عند المحاورة والكلام والحديث والمباسطة . الموضع الرابع : عند الخلاف والنقاش . أما إذا نادت المرأة بعلها عند النداء فإنه ينبغي لكل من الزوجين أن يحسن النداء كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ينادي أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها- فيقول : (( يا عائش ياعائش )) قال العلماء : إن هذا اللفظ يدل على الإكرام وعلى الملاطفة وحسن التبعل من رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لأهله ، منهج للمسلم إذا نادى زوجه أن يجعل في ندائه من الكلمات ماينبيء عن شيء من المحبة والملاطفة ، فالغلظة في النداء والوحشة في النداء بأسلوب القسر والقهر من الرجل أو بأسلوب السخرية والتهكم من المرأة تفسد المحبة وتقطع أواصر الألفة بين الزوج والزوجة فتتخير الزوجة أحب الأسماء لزوجها ويتخير الزوج أحب الأسماء لزوجه . وكما قال عمر- رضي الله عنه - إن مما يبعث المودة والمحبة أن ينادي المسلم أخاه بأحب الأسماء إليه فهي إحدى الثلاث التي تزيد من ود المسلم لأخيه المسلم فكيف بالزوجة مع زوجها . فمن الأخطاء أن يختار الزوج لزوجته كلمة يجرحها بها ويجعلها طريقاً للتعيير والانتقاص لها كذلك الزوجة تختار لزوجها كلمة تنتقصه أو تحقره بها ، وكان بعض العلماء يقول : الأفضل ألا تناديه بالاسم وألا يناديها بالاسم المجرد فمن أكرم ما يكون في النداء النداء بالكنية فهذا من أفضل ما يكون . وقال العلماء : إنه ما من زوج يألف ويعتاد نداء زوجته بالملاطفة إلا قابلته المرأة بمثل ذلك وأحسن فإن النساء جبلن على الملاطفة وجبلن على حب الدعه والرحمة والألفة ، فإذا قابلها الزوج بذلك قابلته بما هو أحسن وأفضل . كذلك عند الطلب وهي الحالة الثانية : إذا خاطب الرجل امرأته عند الطلب وأراد منها أمراً يناديها ليطلب منها بأسلوب لا يشعرها بالخدمة والإذلال والامتهان والانتقاص ، والمرأة إذا طلبت من بعلها شيئاً لاتجحفه ولا تؤذيه ولا تضره ولا تختار الكلمات والألفاظ التي تقلقه وتزعجه فهذا مما يحفظ اللسان ويعين على العشرة بالمعروف بالكلمات . كذلك أيضاً قال- صلى الله عليه وسلم - لأم المؤمنين-رضي الله عنها- وهو في المسجد : (( ناوليني الخمرة )) قالت : إني حائض ! قال : (( إن حيضتك ليست في يدك )) ، فانظر إلى رسول الأمة- صلى الله عليه وسلم - يسأل حاجته من أم المؤمنين فلما اعتذرت اعتذرت بالعذر الشرعي وما قالت لا أستطيع إبهاماً أو بشيء مجهول وإنما قالت إني حائض فبماذا تأمرني وكيف أفعل فقال : (( إن حيضتك ليست في يدك )) أي إذا ناولتنيها فإن دخول اليد ليس كدخول الكل .. الشاهد الملاطفة في النداء والطلب وعند الحاجة . وقد تقع المشاكل الزوجية بكثرة الحوائج . ذكر بعض العلماء : أن المرأة إذا أثقل عليها الزوج بالحوائج وكان أسلوبه في الطلب مزعجاً مقلقاً فإن هذا من أهم الأسباب التي تفسد المودة وتفسد المحبة ؛ لأن المرأة تشعر وكأنها خادمة وكأنها ذليلة في بيت زوجها . ومما أوصى به الحكماء والعقلاء بل أوصى به قبل ذلك رسول الأمة- صلى الله عليه وسلم - المكافأة عند الطلب ولو بالكلمات ، فالزوج إذا احتاج من امرأته شيئاً وطلبها وجاءته بالشيء قابلها بالكلمة الطيبة من الدعاء لها بالخير والدعاء ان يبارك الله فيها ، فالمرأة إذا وجدت أن معروفها يشكر وأن خيرها يذكر ولا يُكفر حمدت ذلك من بعلها ونشطت للإحسان إليه والقيام بأمره وشأنه بل كان ذلك معيناً لها على البقاء على العشرة بالمعروف . الحالة الثالثة : حالة الحديث والمباسطة فلا ينبغي للمرأة ولا ينبغي للرجل أن يحدث كل منهما الآخر في وقت لا يتناسب فيه الحديث ، ولذلك ذكر بعض أهل العلم : أن من الأذية بالقول أن تتخير المرأة ساعات التعب والنصب لمحادثة الزوج أو يتخير الزوج ساعات التعب والنصب لمحادثة زوجته فهذا كله مما يحدث السآمة والملل ويخالف العشرة بالمعروف التي أمر الله- تعالى - بها وقالوا إذا باسط الرجل امرأته فليتخير أحسن الألفاظ وإذا قص لها تخير احسن القصص وأفضلها مما يحسن وقعه ويطيب أثره . الحالة الرابعة : عند الخصومة والنزاع فمن العشرة بالمعروف إذا وقع الخلاف بين الرجل والمرأة أن يحدد الخلاف بينه وبين امرأته وأن يبين لها الخطأ إن أخطأت بأسلوب بعيد عن التعنيف والتقريع إذا أراد أن يقررها وبعد أن تقر وتعترف إن شاء وبخها وان شاء عفا عنها ، أما أن يبادرها بالهجوم مباشرة قبل أن يبين لها خطأها فإن هذا مما يقطع الألفة والمحبة ويمنع من العشرة بالمعروف لأنها تحس وكأنها مظلومة والأفضل والأكمل أن الرجل إذا عتب على امرأته شيئاً أن يتلطف في بيان خطئها .
كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يعلم متى تكون أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها- راضية عنه ومتى تكون ساخطة فإن كانت راضية عنه قالت ورب محمد ، وان كانت في نفسها شيئاً قالت-رضي الله عنها- ورب إبراهيم ، فعلم-عليه الصلاة والسلام- أنها ما اختارت الحلف برب إبراهيم هي تحلف برب محمد ورب إبراهيم . الذي تحلف به واحداً لكنها تريد أن تبين له أن في نفسها شيئاً وهذا من أكمل الأدب ولا تفعله إلا الحرة الكريمة أنها لا تبادر زوجها بالأخطاء والتعنيف ، ولكن تصبر وتتذمم ، وما صبرت امرأة ولا تذممت إلا وفقها الله وأحسن العاقبة لها ، ولا صبر رجل آذته امرأة فحفظ لسانه عن أن يقابل أذيتها بالأذية وحفظ لسانه عن أن يسمعها ما تكره إلا أحسن الله له العاقبة في الدنيا والآخرة . ذكروا عن رجل من أهل العلم أنه دخل عليه أحد طلابه فوجد عنده ولده يخدمه ويبره فعجب من برور الابن بأبيه فلما خرج الابن قال هذا العالم للتلميذ : أتعجب من بره ! قال : نعم ، وحكى له شدة إعجابه ببر الابن فقال له : لقد عاشرت أمه أكثر من عشرين سنة ، والله ما تبسمت في وجهي يوماً قط فصبرت فعوضني الله ما ترى . فالرجل إذا أساءت إليه المرأة وأخذ يقابل الإساءة بالسب والشتم واللعن احتقرته المرأة وازدرته وحينئذ لا تحفظ ولا تذكر إذا غاب عنها لا تذكر وده ولطفه ، ولذلك يقولون : إن الإنسان أحدوثة بعد موته فليختر لنفسه أطيب الحديث . يعني كل من عاشرك سيتحدث عنك بعد موتك فأنت أحدوثة بما يكون منك من كلمات وما يكون منك من أفعال وأفضل ما يكون وأكمل ما يكون الرجل ويظهر على الكمال في حالة الغضب وسورة الغضب وشدته حينما يملك نفسه فلا يقول إلا خيراً . فرحم الله زوجاً لم يسمع زوجته ما تكره فالعشرة بالمعروف بالقول من الأمور المهمة لصلاح بيوت المسلمين والله يعظم للعبد أجره على قدر صبره ، وفضل الله الرجال على النساء وجعل فيهم من الصبر والحكمة ما لم يجعله لغيرهم ، ولذلك ينبغي على الرجل أن يتجمل وأن يتصبر مهما سمع من المرأة ومهما رأى ، وكذلك المرأة الصالحة تصبر ومهما سمعت من الكلمات الجارحة والعبارات القاسية فإن الله سيجعلها رفعة لدرجاتها ومضاعفة لحسناتها وتكفيراً لخطيئاتها والله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن ابتلاء الله المرأة أن يبتليها بزوج يؤذيها فتسمع ما تكره فالمقصود أن العشرة بالمعروف تقوم على ثلاثة أمور منها هذان الأمران ( النية الصالحة - القول الحسن ) . كذلك أيضاً من العشرة بالمعروف المعاملة الصالحة المبنية على حسن التبعل وحسن الذمة والوفاء من الزوج لزوجته ومن الزوجة لزوجها لا تستقيم بيوت المسلمين إلا بالأعمال الصالحة وبالعشرة الطيبة التي تنبئ عن طيب معدن الإنسان وكرم خلقه وفضله ، ولقد شهد رسول الأمة- صلى الله عليه وسلم - أن أفضل الناس وخيرالناس من طاب لأهله وفضل بأعماله وأخلاقه وشمائله الكريمة . فالرجل لا يكفي فيه القول مالم يحقق القول بالعمل فإذا أراد الله أن يكمل على العبد نعمته وأن يجمله في نعمه ومننه جمله بحسن الخلق فمن أهم ما يعتني به من التزم دين الله واهتدى على صراط الله بعد طاعة الله- تعالى - أن يحرص على الأخلاق الكريمة وعلى الآداب الإسلامية التي يعظم الله بها الأجر ، قال- صلى الله عليه وسلم - : (( ألا أنبئكم بأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطؤن أكنافا الذين يألفون ويؤلفون )). وأخبر النبي- صلى الله عليه وسلم - لما سأله الصحابة وقلوبهم في شوق وحنين لمعرفة السبب الذي يدخل العبد الجنة ويدخل أمة الله الجنة . قيل - يا رسول الله - ما أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ قال- صلى الله عليه وسلم - : (( تقوى الله وحسن الخلق )) . فالأعمال والأفعال مطلوبة للمعاشرة بالمعروف وخير الناس ومن أفضل الناس من حسن خلقه وكمل خلقه ، ولذلك قال النبي- صلى الله عليه وسلم - : (( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً )) . وجعل- صلى الله عليه وسلم - أحق الناس بحسن الخلق الأهل وأقرب الناس من الإنسان ، ولذلك أمر ببر الوالدين للقرب . قال - يا رسول الله- : من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : (( أمك )) ، قال : ثم من ؟ . قال : (( أمك )) ، قال ثم من ، قال أمك ، قال ثم من قال أبوك ) . فجعل للأقربين الحظ الأوفر والنصيب الأكمل في حسن الخلق والرجل الكامل في خلقه الذي جمّل الله أخلاقه وحسنها أول ما يبحث عنه في حسن الخلق في معاشرته لأهله ، ولذلك قد يكون الرجل أمام الناس لطيفاً رقيقاً ، ولكنه إذا دخل إلى بيت الزوجية-والعياذ بالله- كشر عن أنيابه وساءة خلقه ، فهذا من شرار خلق الله ، ولو كان أمام الناس لطيفاً فإنه ربما كان لطفه أمام الناس نفاقاً ورياءاً ؛ ولكن أمام المرأة الضعيفة وأمام أولاده الذين هم تحت قوته وقهره وقسره حينما يكون وديعاً لطيفاً رحيماً رفيقاً ، كان ذلك من أصدق الشواهد على أنه صادق في حسن الخلق ، ولذلك ينبغي على الإنسان إذا أراد أن يحسن الخلق أن يبدأ أول ما يبدأ بأهله . كان- صلى الله عليه وسلم - يقود الأمة ويقف على منبره يحل حلال الله ويحرم حرام الله ويبين شرع الله ويهدي إلى صراط الله ويقود الجيوش لرفع دين الله وإعزاز كلمة الله فإذا دخل إلى بيته دخل بالحنان والرحمة والرفق واللطف ، فكان- صلى الله عليه وسلم - خير الناس لأهله ، كان- صلى الله عليه وسلم - إذا دخل بين أهله أول ما يبدأ به السواك حتى لا تشم منه رائحة نتنة ، وهذا يدل على أنه ينبغي على الزوج من خلال معاشرته بالمعروف أن يراقب هيئته وشكله. كان ابن عباس-رضي الله عنهما- يدني المكحلة ويكتحل أمام المرآة ويقول إني أحب أن أتجمل لأهلي كما أحب من أهلي أن يتجملوا لي ، هذا كمال في الإسلام إذا خرج الرجل من خارج بيته كانت له شئون وكمالات في معاملته مع الناس ، وإذا دخل إلى أهله وزوجه عامل كلاً بما يليق . فكان إذا دخل-عليه الصلاة والسلام- ابتدأ بالسواك وكان يكره أن تشم منه رائحة غير طيبة ، وكان- صلى الله عليه وسلم - إذا دخل مع أهله لا طف وأحسن الحديث وأحسن القول وأحسن العمل . تقول أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها- لما سئلت ما حال النبي- صلى الله عليه وسلم - في بيته قالت : كان يكون في خدمة أهله كان- صلى الله عليه وسلم - ربما رقع ثوبه- صلى الله عليه وسلم - لا يحس في ذلك بغضاضة ولا نقص ولكنها رفعة وكمال فهو أكمل الخلق وأشرفهم وأعظمهم منزلة عند الله- تعالى - وقدراً . فالدخول إلى الأهل يكون بالتواضع وبتوطئة الكنف : (( ألا أنبئكم بأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطؤون أكنافا )) . وأحق من يوطأ له الكنف الزوجة ، وإذا دخل- صلى الله عليه وسلم - إلى أهله حرص على إدخال السرور على الزوجة حتى كان لو أراد أن يخرج لا يخرج إلا وقد ترك أثراً يشعر المرأة بالمحبة وحفظ العهد والرباط الذي بينه وبينها فكان يقبل نساءه قبل أن يخرج- صلى الله عليه وسلم - . ما يقبل لقضية الشهوة . فكان إذا أذن المؤذن شغل- صلى الله عليه وسلم - ؛ ولكن يقبل للحنان والرحمة ويشعر المرأة أن لها مكاناً في قلبه وأن لها مكانا في وجدانه ، ولذلك حري بالمسلم الموفق إذا أراد أن يمتثل شرع الله في المعاشرة بالمعروف أن يحرص على المعاملة الكريمة ، ثم كان- صلى الله عليه وسلم - إذا جلس مع أهله حرص على إدخال السرور فكانت مواقف أومواطن الحزن للحزن ومواطن الفرح للفرح ومواطن السرور للسرور ، وكان لا يقول إلا حقاً بأبي وأمي- صلى الله عليه وسلم - . حدَّث أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها- بحديث أم زرع وهو الحديث الطويل الذي رواه الإمام مسلم في صحيحة وشرحه بعض الأئمة في مجلد لاشتماله على حكم ومعان جليلة ثم ذكر لها حال أبى زرع مع أم زرع ثم قال لها- صلى الله عليه وسلم - كنت لك كأبي زرع لأم زرع كنت لك في الكمال وحسن العشرة والإلفة كأبي زرع لأم زرع . كان- صلى الله عليه وسلم - في وقت الفرح والمباسطة يدخل السرور والمباسطة على الأهل ثبت عنه- صلى الله عليه وسلم - أنه لما كان يوم العيد وجاء الحبشة ولعبوا بالحراب في داخل المسجد ، والله كمال لهذه الشريعة وسمو في منهجها فهذا يوم العيد يوم الفرح والسرور والنفوس تحتاج أن يدخل عليها الإنسان شيئاً من الدعة والألف حتى يذهب عنها ما تجده من السآمة والملل . فلما كان يوم العيد دخل الحبشة ولعبوا بالحراب داخل مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ، فانظر هذا البيت الذي هو ثاني بيت من بيوت الله- تعالى - فضلاً مسجد الرسول- صلى الله عليه وسلم - إذا به يتخذ مكاناً للعب بالسلاح في يوم العيد لأنه يوم فرح فلما دخل عمر- رضي الله عنه - وأراد أن يحصبهم- رضي الله عنه - ؛ لأنه رأى بيت الله ومسجد الله وهؤلاء يعبثون به بالسلاح فأراد أن يحصبهم ، فقال : "يا عمر دعهم يا عمر فإنه يوم عيدنا " . دين كمال يعطي كل شيء حقه وحظه فلذلك لما كان هذا اليوم أرادت أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها- أن تدخل على نفسها السرور فاختارت أن تنظر لهؤلاء الحبشة وهم يعبثون بالسلاح فسألت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ذلك . فانظروا امرأة تقول اقدروا قدر الصبية الجهلاء لأنها كانت في سن صغيرة تطلب هذا من رسول الله- صلى الله عليه وسلم - هل قال لها أنت ناقصة عقل أنت تضيعين الوقت ، أمامنا الجنة أمامنا الآخرة . شغلها إلى الدنيا الوقت وقت للدنيا ووقت للاستجمام فما كان منه بأبي وأمي- صلى الله عليه وسلم - إلا أن وقف على رجليه الشريفتين- صلى الله عليه وسلم - من أجل أن تنظر إلى الحبشة لا من أجل النظر ولكن لعلمه- صلى الله عليه وسلم - أن هذا الوقوف يرضي الله فأرضى الله بوقوفه وقف وهو سيد الأمة واكمل الأمة بأبي وأمي- صلى الله عليه وسلم - فما شعر بالغضاضة ولا شعر بالنقص لأنه يحس أنه يدخل الإلف والمحبة والسرور على أهله وأنه يترجم بهذا الوقوف عن المحبة الصادقة والزوجية الكاملة ، ولذلك كان خير زوج لزوجه- صلى الله عليه وسلم - ففي هذا أكمل الهدى وأفضله لمن أراد أن يعاشر بالمعروف . كانت تصنع له الطعام والشراب فكان إذا جمعه مع أهله وحبه وزوجه السقف الواحد لا يسمعها كلمة تكره تأتيه بالطعام إن وجده خيراً حمده وأثني وشكر بعد شكر الله من صنعه ، وإن وجد فيه النقص ماذمه ولا عابه ولا ذم التي صنعت وفعلت بأبي وأمي-صلوات الله وسلامه عليه- . فالعشرة بالمعروف تحتاج إلى شيء من التضحية وتحتاج إلى شيء من الصدق في المحبة ومبادلة المشاعر التي تنبيء عن الكمال في الزوجية والإلفة ، ولذلك كان هديه- صلى الله عليه وسلم - أكمل الهدي . ثبت في الحديث الصحيح عنه-عليه الصلاة والسلام- عن أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها- أنها قالت : كان يؤتى إليه بالشراب تأتيه- صلى الله عليه وسلم - بالمرق أو باللبن تقول-رضي الله عنها- وهو الذي طلب وسأل تقول-رضي الله عنها- فيقسم علي أن أشرب قبله ، يقسم على أن اشرب قبله لأنها ماكانت لترضى لأنها كريمة بنت كريم فما كانت ترضى أن تتقدم على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فحفظت حقه فإذا أذنته بالشراب قال لها أشربي فأبت فإذا أبت حلف عليها قالت يقسم علي فتأخذ الشراب فتشرب فيضع فمه حيث وضعت فمها-صلوات الله وسلامه عليه- . هل هو يريد وضع شربها لا والله ؛ ولكنه يريد أن يشعرها بالمكانة ، يشعرها بالمحبة يشعرها بالمودة ؛ لأنه كما يتقرب لربه ساجداً وراكعاً يتقرب إلى الله بجبر قلبها وإدخال السرور عليها ويتقربإلى الله بحسن مباسطتها وبالتشريع للأمة بالكمالات وبأحسن المعاملات التي تكون بين الأهلين والزوجات . فهذه كلها شئون ينبغي للمسلم أن يجعلها نصب عينيه وعلى هذا فقد تحتاج المرأة أحياناً إلى إدخال السرور عليها في داخل البيت فيترسم المسلم هدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم - .تحتاج إلى إدخال السرور عليها خارج البيت فيدخل السرور عليها يخرج معها بأبي وأمي- صلى الله عليه وسلم - إلى قباء فيسابقها ، يسابقها هي تجري وهو يجري نبي الأمة-صلوات الله وسلامه عليه- ، ومع ذلك يسبقها-عليه الصلاة والسلام- حتى لما بدن-عليه الصلاة والسلام- سبقته فقال لها هذه بتلك وكل ذلك ملاطفة واحسان في العشرة والله ما نظرت إلى هدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وتأملته وأحسنت النظر فيه إلا وجدت المعاشرة بالمعروف في أكمل حللها وأجمل صورها حيث كان- صلى الله عليه وسلم - أكمل الأمة في حسن معاشرته لأهله ، فلا تستقيم بيوت المسلمين إلا بمثل هذه المشاعر الرقيقة ، ولذلك انظر إلى الزوج الذي يعامل زوجته بمثل هذه الأحاسيس وبمثل هذه المشاعر الصادقة كيف أن الله- تعالى - ، يبارك له في أهله ويبارك له في زوجه ، فيعيش تلك الحياة السعيدة المطمئنة ؛ لأن من اتقى الله وامتثل أمره فعاشر أهله بالمعروف وكل من اتقت الله فعاشرت بعلها بالمعروف جعل الله عاقبة ذلك الحياة الطيبة وحسن العشرة لهما فلا يسمعان ولا يريان إلا ما يسرهما لا ما يسوؤهما ، فعلى المسلم أن يمتثل كتاب الله وسنة النبي- صلى الله عليه وسلم - في تأدية تحقيق هذا الواجب العظيم . وهنا أمر ينبغي التنبيه عليه وهي مسألة عدم المقابلة والمكافأة في العشرة بالمعروف من أصعب ما يكون على الزوج أن يبادل زوجه الحنان والرحمة والإحسان فتقابله بالإساءة والأذية والامتهان والعصيان ومن أصعب ما يكون أن تقابل المرأة زوجها بالمشاعر الكريمة والأحاسيس الطيبة والأخلاق الحسنة فإذا بها تقابل بالمشاعر المؤلمة القاسية الجارحة التي تسيء إليها كثيراً فما هو الواجب على المسلم وما هو الواجب على المسلمة ؟ يقول بعض العلماء : أكمل ما يكون الأجر وأعظم ما يكون الثواب في حسن المعاشرة بالمعروف بل وأصدق ما يكون الزوج معاشراً لأهله بالمعروف إذا قوبل بالإساءة وأكمل ما تكون المعاشرة من المرأة لزوجها بالمعروف إذا قوبلت بالإساءة ، ولذلك قال - يا رسول الله - إن لي رحماً أصلهم ويقطعونني وأعطيهم ويحرمونني وأحسن إليهم ويسيئون إلي فقال : (( إن كنت كما تقول فكأنما تسفهم المل )) . أي أنت الرابح وأنت الذي في غنيمة ، فالله - تعالى - لا يضيع أجر من أحسن عملاً . يا أيها الزوج ويا أيتها الزوجة إن أحسنت في معاشرتك فأنت تنتظر من الله حسن الثواب وحسن العاقبة والمآب ولاتنتظر من هذه المخلوقة شيئا انتظر من الله وهذا أمر ينبغي لكل مسلم يريد أن يكسب الخلق الحسن ألا ينتظر من الآخر شيئاً من أراد أن يحسن خلقه وأن يكمل خلقه فأن يجعل نصب عينه الله- تعالى - ويمتثل شرع الله لله لا من أجل أن يقابل معروفه بالمعروف وإحسانه بالإحسان لا ؛ وإنما من أجل أن يقابل بالشكر من الله فوق سبع سماوات ومن أجل أن تخط الكلمات والأخلاق الطيبة والمعاشرة الطيبة في صحيفة عمله فيراها نصب عينيه في يومٍ يبعثر فيه ما في القبور ويُحصل فيه ما في الصدور ، فإذا عمل الإنسان وكانت أخلاقه طيبة وكان زوجاً كريماً ووجد المرأة لئيمة وتؤذيه فليصبر فلعل الله أن يعوضه خيراً . قال بعض العلماء في قوله-تعالى- : { وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } لما ابتلي زكريا بحرمان الولد صدع إلى الله بدعواته كما ذكر الله- تعالى - : { ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا @ إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا @ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً @ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً } . ناداه وعمره مائة وعشرون عاماً ما قنط من رحمة الله- تعالى - فناداه في آخر عمره أن يرزقه الله الولد فمن كرم الله - تعالى - أن الله أعطاه حاجته وزاده وهذا دائماً كل من دعا الله بيقين خاصة في الكربات والشدائد إن الله لا يعطيه حاجته فقط بل يعطيه حاجته وزيادة ، ولذلك قال-تعالى- : { وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } أعطاه الولد وهبه يحيى وأصلح له زوجه . قال بعض العلماء في هذا : { وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } كانت زوجته تسبه وتؤذيه ، كانت سيئة غليظه عليه فصبر عليها إلى آخر عمره فعوضه الله الولد وحسن الاستقامة من الزوجة وحسن المعاشرة منها . فالغالب يذكر بعض مشايخنا-رحمة الله عليهم- يقول : قل أن يؤذي رجل بزوجته في أول حياته إلا عوضه الله صلاحها في آخر عمره حتى ذكروا عن بعض الناس أنه ابتلى بزوجة آذته وأضرت به في أول حياته وشاء الله- تعالى - أنه ابتلي بالمرض في آخر عمره فعطف الله قلبها عليه في آخر العمر وأصبحت تحن إليه حناناً شديداً وأصبحت تقوم على شأنه حتى تخلى عنه أولاده وإخوانه وعشيرته وقرابته وما بقى معه إلا امرأته وهذا من الله- تعالى - ؛ لأن الله-سبحانه وتعالى - يكافأ العبد على صبره فإذا عاشر الرجل إمرأته بالمعروف فوجد خيراً فليحمد الله وإذا وجد غير ذلك فليصبر فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً ، وكذلك المرأة الصالحة لا تنتظر من بعلها إذا عاشرت بالمعروف أن يرد لها معروفها ولكن تنتظر من الله- تعالى - أن يعوض صبرها وأن يجبر كسرها وعليها إذا رأت الخير من زوجها أن تحمد وإن رأت غير ذلك فلتصبر فإن الله سيعوضها في دينها ودنياها وآخرتها. 2 - حق المبيت والقسم : الحق الأخير حق المبيت والمراد بحق المبيت : اعفاف الرجل لامرأته واعفاف المرأة لزوجها وهذا الحق ينبغي أن يحفظه كل من الزوجين للآخر وقال بعض العلماء : إن المقصود من النكاح إعفاف الرجل نفسه وإعفاف المرأة نفسها ، ولذلك قال النبي- صلى الله عليه وسلم - : (( من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج )) فلا يغض البصر عن حرمات الله ولا يحصن عن حدود الله ومحارم الله إلا إذا أحسنت المرأة التبعل لزوجها والعكس ، حفظ الزوج زوجته وتقرب إلى الله بحفظها عن الحرام ، ومن هنا قال- صلى الله عليه وسلم - : (( وفي بضع أحدكم صدقة )) قالوا : - يا رسول الله - أيأتي أحدنا شهوته ويكون له بها أجر ؟ قال : (( أرأيت لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر ! )) شكر الله من الزوج فكتب له ثواب ما يلقي من النطفة لأن هذه النطفة وهذا الإحسان إلى الزوجة باعفافها عن الحرام يصونها عن حدود الله ويحفظها عن محارم الله ويقيمها على صراط الله ، فالواجب على الزوج أن يعين زوجته على ذلك والواجب على الزوجة أن تُعين زوجها على ذلك بتهيئة الأسباب فالمرأة تتجمل وتتكامل لزوجها حتى تغضه وتعفه ، كذلك الرجل يتجمل ويتزين لأمرته حتى يعفها ، ولذلك قال- صلى الله عليه وسلم - : (( صدق سلمان )) أي إن لزوجك عليك حقاً ؛ لأنه لما رأى أم الدرداء غير متجملة متبذلة في ثيابها سألها عن ذلك فأخبرته أن أبا الدرداء لا حاجة له بها فلما أتي أبو الدرداء وعظه وقال له : إن لنفسك عليك حقاً ولزوجك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً فأعط كل ذي حقٍ حقه . دين عليك لامرأتك فجاء أبو الدرداء إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - فأخبره فقال : (( صدق سلمان )) صدق أي أن لنفسك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً فهذا كله دار حينما رأى سلمان المرأة متبذلة في ثيابها فعلم أنها لا تستطيع أن تقوم بحق زوجها وعلم أن وراء ذلك سراً فاستكشف وسأل حتى يعلم ما بأخيه ، فلما رأى التقصير وعظ أخاه وذكره وبين له أن هذا حق واجب عليك . ولذلك كما يتقرب العبد لربه بالركوع والسجود يتقرب باعفاف نفسه عن الحرام . فالله يطاع بأمرين بفعل أوامره وترك نواهيه ، ومن أعظم المزالق والهوى زلة الزنا-والعياذ بالله- فاحشة ومقت وساء سبيلاً تنتهك به أعراض المسلمين وتختلط به أنسابهم ويكون منه من الشر ما الله به عليم ، تأذن الله بالفقر لصاحبه وبالأذية وبالسقم والمرض وما يكون من شرور العواقب ، فمن الذي يحفظ بعد الله إلا المرأة الصالحة والرجل الصالح الذي يحفظ زوجته خاصة في زمان مليء بالفتن . تهيء المرأة من نفسها الأسباب للتجمل والكمال حتى يرى الرجل في زوجته الكمال فيحفظ نفسه عن غيرها . كذلك أيضاً الرجل يهيئ من نفسه حفظ زوجته فلا يسهر كثيراً خارج البيت ولا يأتي في ساعات تعبه ونصبه خاملاً كسلاناً لكي يضيع حق أهله ويحرمهم الحنان ويحرمهم الإعفاف والإحصان عن ما حرم الله- تعالى - عليهم ، فلذلك ينبغي على كلا الزوجين لتحقيق هذا الحق أن يهيئ الأسباب ويكون الرجل حافظاً لوقته مرتباً لأوقاته فساعات الأهل للأهل وساعات العمل للعمل ولكل ذي حقٍ حقه ، ولذلك يوصي العلماء دائماً بترتيب الأوقات ومن أعظم المصائب التي بليت بها الأمة خاصة في هذا الزمان كثرة السهر هذا السهر دمر بيوت المسلمين وأضاع حقوق الأزواج والزوجات والأولاد الأبناء والبنات بل كثير من مشاكل الطلاق تنشأ من السهر لأن الرجل ضيع حق زوجته وحق ولده ، ولذلك لو أن الناس حفظوا أوقاتهم خاصة بعد العشاء وحرص الإنسان على ترتيب وقته في إدخال السرور على أهله ؛ لأن الله جعل الليل سكناً ، { فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً } هذه سنة الله وفطرة الله . فجعل الله للمرأة حقاً في زوجها وكذلك جعل للرجل حقاً في امرأته . قال العلماء : يجب على الرجل أن يصيب امرأته ، واختلفوا في الأمد ، قال بعض العلماء : يجب عليه أن يصيبها كل أربع ليال مرة ؛ لأن الله أعطى الرجل أربع زوجات ونصيبها عند التعدد أن يكون لها ليلة من الأربع ، ولذلك قالوا : يصبها في أربع ، ولذلك لما جاءت المرأة إلى عمر بن الخطاب- رضي الله عنه - قالت له : - يا أمير المؤمنين - زوجي يصوم النهار ويقوم الليل ، فقال لها بارك الله لك في بعلك أثنى على بعلها خيراً فمضت ثم رجعت فقالت يا أمير المؤمنين زوجي يصوم النهار ويقوم الليل فقال لها : من زوجك ؟ قالت : فلان ، قال : جزاك الله خيراً أعلمتينا خيراً أو عرفتينا فضله ، فمضت ثم رجعت فقالت : - يا أمير المؤمنين - زوجي يصوم النهار ويقوم الليل ، وهذا يدل على كمال السلف الصالح والأدب والحياء والخجل ما أجمل النساء إذا حفظن الحياء والخجل تكمل المرأة ، ولذلك يقول العلماء : إن الحياء كالغطاء للحلوى فإذا تكشفت سقط عليها الذباب كذلك المرأة ، إذا لبست الحياء كملت وأصبحت سراً ثميناً ودرة مصونة فاستحت أن تباشر ثم استحت أن تؤذي زوجها بذكره مباشرة أنه يسيء إليها ، قال بعض العلماء : إما إنها حييه والحياء خير ، وإما أنها كريمة لا تريد أن تنتقص زوجها عند عمر . فالمهم أنه قال كعب- رضي الله عنه - يا أمير المؤمنين إن الزوجة تشتكي زوجها فقال- رضي الله عنه وأرضاه- ولا تظنون أن عمر كان غافلاً ، إنما كان عمر ذكيا ًفطناً وإنما أراد أنه يصبر المرأة ويصرفها وهذا دأب عمر أنه دائماً يدرأ بالشبهات حتى أنه لما جاء يشتكي الزقام من الحطيئة دائماً يوري ويبعد الناس عن المشاكل لأنه كلما كان الناس يصطلحون فيما بينهم كلما كان ذلك أفضل ولا يلجئهم دائماً إلى الشكوى والفصل بينهم وهذا المنهج معروف في تدبير الناس ، المقصود قال لكعب أما و أنك قد فطنت لهما فلا يقضي بينهما إلا أنت فجيء بالرجل فقالت المرأة : ألهى خليلي عن فراشي مسجده وليله نهاره ما يرقده ولست في أمر النساء أحمده ما قالت زوجي يفعل أو زوجي الظالم ، أو زوجي كذا ، أين نساء اليوم ؟ وأين ما يسمع من الشكاوى أمام القضاة من السب والشتم والمرأة بمجرد أن ترى الإساءة أقامت الدنيا وأقعدتها ، فما بقيت معيبة ولا منقصه إلاذكرتها في بعلها، رحم الله الصالحات الصلاح إذا دخل في المرأة رأيت خيراً وسمعت خيراً فهذا من صلاح الرعيل الأول ، ولذلك زكى النبي- صلى الله عليه وسلم - القرن الأول : (( خير القرون قرني )) أي والله خير قرن نساءاً ورجالاً شباباً وشيباً وأطفالاً جعل الله فيه الخير . فانظر كيف أن المرأة ما تبادر حتى بالإساءة فما قالت زوجي يفعل كذا ؛ وإنما قالت ألهي خليلي عن فراشي مسجده وذكرت محاسنه وذكرت فضائله ليله نهاره ما يرقده ولست في أمر النساء أحمده ، حتى لما يقال لست أحمده في أمر النساء قد يكون هذا نقص في الكمال ولا يقتضي طعنا فقال زوجها . زهدني في فرشها ما قد نزل في سورة النحل وفي السبع الطول إني أمرؤ قد رابني وجل أي رابني الخوف من الله وذكرت الآخرة وقرأت كتاب الله فأقامني على الآخرة حتى كأني أراها رأي عيان فزهدتني النار وما فيها من الأغلال وزهدتني الجنة وما فيها من النعيم في هذا المتاع الزائل ، والنعيم الحائل ، فقال - رضي الله عنه وأرضاه- . إن لها عليك حقاً يا رجل تصيبها في أربع لمن عقل فالزم بذا ودع عنك العلل لابد من يوم في أربع لا نقبل عذراً و ليس من حقك إن لها عليك حقاً يا رجل تصيبها في أربع لمن عقل كن عاقلاً لبيباً ، هذه امرأة أمانة في عنقك حق واجب عليك ، ولذلك قال أنه يصيبها في كل أربع ليال مرة ؛ لأن الله جعل للحر أربع زوجات فيكون نصيب الواحدة نصيبه من الأربع ليلة من بين أربع ليال ، وقال بعض العلماء : لا يجب على الرجل أن يصيب امرأته ويترك هذا إلى نشاطه وقوته وإنما يتقيد بالأربعة الأشهر ، فإذا مضت الأربعة الأشهر يكون آثماً وظالماً لأنها مدة الإيلاء . والحقيقة القول الأول قوي أن في كل أربع ليالي مرة لأن هذا له أصل من الشرع ، وتكون مدة الايلاء غاية ما يترك له الرجل في المعاشرة بحيث يجوز للمرأة أن تشتكيه وأن تتظلم خاصة إذا حلف أنه لا يطأ المرأة . وهذا الوطء يترك للإنسان بنشاطه ، كما ذكر العلماء أنه لا يفرض على الرجل أن يبالغ ولكن ذكر أهل العلم أنه إذا وجدت الموانع في المرأة كنقصان الجمال ويكون الرجل مالاً لزوجة أو غير مقبل عليها ، قالوا إنه أفضل ما يكون في حسن الإحسان إلى الزوجة في مثل هذا لأن المرأة إذا كانت ناقصة الجمال كانت إصابته لها أكثر ما تكون لله وخوفاً من الله وحفظاً لحق الله في أمة الله ، فإذا أراها ذلك وحرص على حفظها من الحرام فهذا من أبلغ ما يكون أما إذا كانت ذات جمال فإنه في هذه الحالة يكون فطرياً وشيئا من نفسه . لكن إذا كانت المرأة غير جميلة كان بعض العلماء يقول : إن الإنسان يكرم نفسه ويغالب نفسه حتى يعظم أجره ؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم - وقال : (( وفي بضع امرأة أحدكم صدقة )) ، فأخبر-عليه الصلاة والسلام- أنها من الصدقة فالمرأة إذا كانت ناقصة الجمال وكان الرجل يرى فيها دمامة خلقة فعليه أن يتذكر ما فيها من الخير والبر ، فالمرأة قد تكون ناقصة الجمال لكنها من الصالحات القانتات الحافظات للغيب بما حفظ الله وما يدري الرجل لو رزق امرأة كاملة الجمال أو ذات جمال تخونه في فراشه أو تضيع له عرضه-والعياذ بالله- وتدنسه وقد تكون المرأة الجميلة تنظر إلى زوجها بعين الاحتقار فترى أنها أولى بمن هو أجمل منه ، ولكن المرأة ناقصة الجمال قد يعوضها الله في عقلها ودينها واستقامتها ما تحمد فيه ما فيها. وكم من امرأة دميمة الخلقة ؛ ولكن الله- تعالى - يعوض نقصها بالعقل حتى كانوا يقولون غالباً أن الإنسان ما نقص دمامة في خلقته إلا عوضه الله في غير ذلك عوضه الله في دينه أو عوضه في عقله وحكمته ونظره أو عوضه الله في صحته وعافيته والله- تعالى - عدل ويفعل ما يشاء ويقسم بين عباده وله الحكم ولا معقب لحكمه-سبحانه وتعالى - . فالشاهد أن على الرجل أن يبادر بأداء الحقوق بل كان بعض العلماء يقول حتى لو جاء الإنسان في تعب ونصب يحتسب الأجر عند الله- تعالى - ، فبعض الصالحين يمل من هذه الأمور ولربما يفرض على زوجه أن تكون فقط في الطاعة والدين والعبادة وقد تكون في أمور دينية وتضيع على حسابها حقوق الله- تعالى - ، ومن ذلك تفرغ الداعية لدعوته والعالم لعلمه على حساب أهله وزوجه ، بل ينبغي عليه أن ينظم وقته ويرتب وقته ولا يخرج لدعوه ولا لسفر إلا وقد أعطى أهله حقهم فحفظهم عن الحرام وغلب على ظنه أن غيبته عنهم وذهابه عنهم لا يوقعهم في المحظور حتى يؤدي الحق على أتم الوجوه وأكملها . ويتبع حق القسم يتبع حق المبيت يتبعه أنه إذا كان فرضاً على الزوجين أن يقوما بحق المبيت فلا يجوز للمرأة أن تمتنع من فراش بعلها ولذلك أخبر- صلى الله عليه وسلم - أنه : (( أيما امرأة دعاها زوجها فأبت عليه باتت الملائكة تلعنها- والعياذ بالله - حتى تصبح )) وثبت في الحديث أنه : (( ما من امرأة دعاها زوجها فامتنعت بات الذي في السماء عليها غضباناً حتى تصبح )) ، فلذلك ينبغي على المرأة أن تحفظ هذا الحق وعلى الرجل أيضاً أن يحفظ هذا الحق . وتفرع على هذه المسألة مسألة القسم والعدل بين الزوجات إذا كن أربع وهذا القسم بينته سنة النبي- صلى الله عليه وسلم - نشير إليه اختصاراً أن لكل امرأة ليلة كاملة وعماد القسم على المبيت على الليل ، وأما النهار فإنه يكون تابعاً لليل وكان من هديه- صلى الله عليه وسلم - أنه يزور المرأة في غير يومها فإذا كانت الليلة لواحدة دار على بقية نسائه بعد صلاة العصر كما ذكر بعض العلماء-رحمة الله عليهم- خاصة إذا كانت الزوجة الثانية لها أولاد أو محتاجه لوجوده فيقضي حوائجهم ويتفقد أمورهم وهذا القسم يلزمه ولو كان مريضاً فينتقل في مرضه بين البيوت ، ولذلك كان- صلى الله عليه وسلم - في مرض موته يقول : (( أين أنا غداً أين أنا غداً أين أنا غداً )) واستأذن نساءه أن يمرض في بيت عائشة-رضي الله عنها وأرضاها- فرضين بذلك ، وأذن له-صلوات الله وسلامه عليه- ، فدل على أنه يجب عليه القسم ولو كان مريضاً لكن لو كان مرضه يسقطه ولا يستطيع أن يتنقل بين بيوت الزوجات فهل يمرض عند أحداهن يستأذنهن فإن أذن فبها ونعمت ، وإن لم يأذن أقرع بينهن كالسفر . وإذا أراد الخروج لسفر فإنه في هذه الحالة لا يخلو من حالتين ، إما إن يمكنه أن يخرج بهن (يعني بالزوجات ) فلا إشكال ويكون القسم في السفر كالقسم في الحضر وإما أن لا يمكنه أن يخرج بهن وإنما يمكنه أن يخرج ببعضهن فإنه يقرع بينهن لما ثبت في الحديث الصحيح عنه- صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا أراد السفر أقرع بين نسائه ثم بعد رجوعه يعود القسم على ما كان عليه أولاً. وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحمَْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَميْنَ وصلَّى اللَّهُ وسلَّم وبارك على عبده ونبيّه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .(1/115)
239-7896 أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، سَنَةَ ثَلَاثٍ وَمِائَتَيْنِ أَمْلَاهُ عَلَيْنَا ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو نَافِعٍ قَالَ : حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ قَالَ : حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " فَخُرْتُ بِمَالِ أَبِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَكَانَ قَدْ أَلَّفَ أَلْفَ وَقِيَّةٍ " فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اسْكُتِي يَا عَائِشَةُ ، فَإِنِّي كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ ، ثُمَّ أَنْشَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ يُحَدِّثُ : " إِنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً اجْتَمَعْنَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَتَعَاهَدْنَ لَتُخْبِرَنَّ كُلُّ امْرَأَةٍ بِمَا فِي زَوْجِهَا وَلَا تَكْذِبُ " قِيلَ : أَنْتِ يَا فُلَانَةُ قَالَتِ : " اللَّيْلُ لَيْلُ تِهَامَةَ ، لَا حَرَّ ، وَلَا بَرْدَ ، وَلَا مَخَافَةَ " قِيلَ : أَنْتِ يَا فُلَانَةُ ، قَالَتْ : " الرِّيحُ رِيحُ الزَّرْنَبِ ، وَالْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبِ ، وَنَغْلِبُهُ وَالنَّاسَ يَغْلِبُ " قِيلَ : أَنْتِ يَا فُلَانَةُ ، قَالَتْ : " وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ لرفيعُ الْعِمَادِ ، طَوِيلُ النِّجَادِ ، عَظِيمُ الرَّمَادِ ، قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ النَّادِ " قِيلَ : أَنْتِ يَا فُلَانَةُ ، قَالَتْ : " نَكَحْتُ مَالِكًا ، وَمَا مَالِكٌ لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَسَارِحِ ، قَلِيلَاتُ الْمَبَارِحِ ، إِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ " قِيلَ : أَنْتِ يَا فُلَانَةُ ، قَالَتْ : " ذَرْنِي لَا أَذْكُرَهُ ، إِنْ أَذْكُرُهُ أَذْكُرُ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ ، أَخْشَى أَنْ لَا أَذَرَهُ " قِيلَ : أَنْتِ يَا فُلَانَةُ ، قَالَتْ : " لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ ، عَلَى جَبَلٍ لَا سَمِينٍ فَيُرْتَقَى عَلَيْهِ وَلَا بِالسَّهْلِ فَيُنْتَقَلُ " قِيلَ : أَنْتِ يَا فُلَانَةُ ، قَالَتْ : " وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ إِذَا دَخَلَ فَهِدَ ، وَإِذَا خَرَجَ فَأَسِدَ " قِيلَ : أَنْتِ يَا فُلَانَةُ ، قَالَتْ : " وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ إِذَا أَكَلَ اقْتَفَّ ، وَإِذَا شَرِبَ اشْتَفَّ ، وَإِذَا ذَبَحَ اغْتَثَّ ، وَإِذَا نَامَ الْتَفَّ ، وَلَا يُدْخِلُ الْكَفَّ ، لِيَعْلَمَ الْبَثَّ " قِيلَ : أَنْتِ يَا فُلَانَةُ ، قَالَتْ : " نَكَحْتُ الْعَشَنَّقَ ، إِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ ، وَإِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ " قِيلَ : أَنْتِ يَا فُلَانَةُ ، قَالَتْ : " عَيَايَاءُ ، طَبَاقَاءُ كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ ، شَجَّكِ ، أَوْ فَلَّكِ ، أَوْ جَمَعَ كَلَّا لَكِ " قِيلَ أَنْتِ يَا فُلَانَةُ ، قَالَتْ : " نَكَحْتُ أَبَا زَرْعٍ ، فَمَا أَبُو زَرْعٍ ؟ أَنَاسَ أُذُنَيَّ ، وَفَرَّعَ فَأَخْرَجَ مِنْ شَحْمِ عَضُدَيَّ ، فَبَجَّحَ نَفْسِي فَبَجَحَتْ إِلَيَّ ، فَوَجَدَنِي فِي غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ فَجَعَلَنِي بَيْنَ جَامِلٍ وَصَاهِلٍ وَأَطِيطٍ وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ ، فَأَنَا أَنَامُ عِنْدَهُ فَأَتَصَبَّحُ ، وَأَشْرَبُ فَأَتَقَمَّحُ ، وَأَنْطِقُ فَلَا أُقَبَّحُ " ابْنُ أَبِي زَرْعٍ ، وَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ مَضْجَعُهُ مَسَلُّ الشَّطْبَةِ ، وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ ، ابْنَةُ أَبِي زَرْعٍ ، وَمَا ابْنَةُ أَبِي زَرْعٍ مِلْءُ إِزَارِهَا ، وَصَفْرُ رِدَائِهَا ، وَزَيْنُ أَبِيهَا ، وَزَيْنُ أُمِّهَا ، وَحَيْرُ جَارَتِهَا ، جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ ، وَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ لَا تُخْرِجُ حَدِيثَنَا تَفْتِيشًا ، وَلَا تُهْلِكُ مِيرَتَنَا تَبْثِيثًا ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِي ، وَالْأَوْطَابُ تُمْخَضُ ، فَإِذَا هُوَ بِأُمِّ غُلَامَيْنِ كَالصَّقْرَيْنِ ، فَتَزَوَّجَهَا أَبُو زَرْعٍ ، وَطَلَّقَنِي ، فَاسْتَبْدَلْتُ وَكُلُّ بَدَلٍ أَعْوَرُ ، فَنَكَحْتُ شَابًّا سَرِيًّا ، رَكِبَ شَرِيًّا ، وَأَخَذَ خَطِّيًّا ، وَأَعْطَانِي نَعَمًا ثَرِيًّا ، وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ سَائِمَةٍ زَوْجًا ، وَقَالَ : " امْتَارِي بِهَذَا يَا أُمَّ زَرْعٍ ، وَمِيرِي أَهْلَكِ ، فَجَمَعْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ فَلَمْ يَمْلَأْ أَصْغَرَ وِعَاءٍ مِنْ أَوْعِيَةِ أَبِي زَرْعٍ " . قَالَتْ عَائِشَةُ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ " بَلْ أَنْتَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي زَرْعٍ " (1)
240-7897 أَخْبَرَنِي هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ : حَدَّثَنَا خَلَفٌ وَهُوَ ابْنُ خَلِيفَةَ ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْوَدُودُ ، الْوَلُودُ ، الْعَؤُودُ عَلَى زَوْجِهَا ، الَّتِي إِذَا آذَتْ أَوْ أُوذِيَتْ ، جَاءَتْ حَتَّى تَأْخُذَ بَيْدَ زَوْجِهَا ، ثُمَّ تَقُولُ وَاللَّهِ لَا أَذُوقُ غُمْضًا حَتَّى تَرْضَى "(2)
__________
(1) - الطبراني برقم( 18794 ) صحيح
(2) - الطبراني برقم(15637 ) وطس برقم(5806 ) والصحيحة ( 287 ) وصحيح الجامع ( 2604 ) صحيح
فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (ج 6 / ص 280)
2867 - (ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة) قالوا: أخبرنا قال: (النبي في الجنة) أي في أعلى درجاتها وأل فيه للجنس أو العهد أو الاستغراق (والشهيد) أي القتيل في معركة الكفار لإعلاء كلمة اللّه (في الجنة والصديق) بالتشديد صيغة مبالغة أي الكثير الصدق والتصديق للشارع (في الجنة والمولود) أي الطفل الذي يموت قبل البلوغ (في الجنة والرجل) ذكره وصف طردي والمراد الإنسان (يزور أخاه) في الإسلام (في ناحية المصر في اللّه) أي لا لأجل تأميل ولا مداهنة بل لوجه اللّه تعالى (في الجنة) ولكونه يحبه لا يحبه إلا للّه وأراد بقوله في ناحية المصر في مكان شاسع عنه والمصر كل كورة يقسم فيها الفيء والصدقات. (ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة) قالوا: بلى قال: (الودود) بفتح الواو أي المتحببة إلى زوجها (الولود) أي الكثيرة الولادة ويعرف في البكر بأقاربها (العوود) بفتح العين المهملة أي التي تعود على زوجها بالنفع (التي إذا ظلمت) بالبناء للمفعول يعني ظلمها زوجها بنحو تقصير في إنفاق أو جور في قسم ونحو ذلك (قالت) مستعطفة له (هذه يدي في يدك) أي ذاتي في قبضتك (لا أذوق غمضاً) بالضم أي لا أذوق نوماً يقال أغمضت العين إغماضاً وغمضتها تغمميضاً أطبقت أجفانها (حتى ترضى) عني فمن اتصفت بهذه الأوصاف منهنّ فهي خليقة بكونها من أهل الجنة وقلما نرى فيهن من هذه صفاتها فالمرأة الصالحة كالغراب الأعصم.
- (قط في الأفراد طب عن كعب بن عجرة) قال الطبراني: ولا يروى عن كعب إلا بهذا الإسناد قال الهيثمي: فيه السري بن إسماعيل وهو متروك اهـ وفيه سعيد بن خيثم قال [ص 107] الذهبي: قال الأزدي منكر الحديث والسري بن إسماعيل قال الذهبي: قال يحيى القطان استبان لي كذبه في مجلس واحد وقال النسائي: متروك ورواه البيهقي في الشعب عن ابن عباس وقال إسناده ضعيف بمرة.
المحلى لابن حزم - (ج 6 / ص 264)
2016 - مَسْأَلَةٌ : وَإِنْ كَانَ الأَبُ , وَالأُُمُّ مُحْتَاجَيْنِ إلَى خِدْمَةِ الأَبْنِ أَوْ الأَبْنَةِ النَّاكِحِ أَوْ غَيْرِ النَّاكِحِ لَمْ يَجُزْ لِلأَبْنِ ، وَلاَ لِلأَبْنَةِ الرَّحِيلُ , وَلاَ تَضْيِيعُ الأَبَوَيْنِ أَصْلاً , وَحَقُّهُمَا أَوْجَبُ مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالأَبِ وَالأُُمِّ ضَرُورَةٌ إلَى ذَلِكَ فَلِلزَّوْجِ إرْحَالُ امْرَأَتِهِ حَيْثُ شَاءَ مِمَّا لاَ ضَرَرَ عَلَيْهِمَا فِيهِ.
برهان ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : أَنْ اُشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ فَقَرَنَ تَعَالَى الشُّكْرَ لَهُمَا بِالشُّكْرِ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَوْله تَعَالَى وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا فَافْتَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَصْحَبَ الأَبَوَيْنِ بِالْمَعْرُوفِ وَإِنْ كَانَا كَافِرَيْنِ يَدْعُوَانِهِ إلَى الْكُفْرِ وَمَنْ ضَيَّعَهُمَا فَلَمْ يَصْحَبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا.
وَقَوْله تَعَالَى وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا إمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ، وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا قَوْلَ الرَّجُلِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ قَالَ : أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أَبَاكَ. وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ مِنْ الْكَبَائِرِ , وَقَدْ اخْتَلَفَ قَوْمٌ فِيمَا ذَكَرْنَا وَاحْتَجُّوا بِأَخْبَارٍ سَاقِطَةٍ : مِنْهَا خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ ، عَنْ يُوسُفَ عَطِيَّةَ ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلاً غَزَا وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ فِي عُلُوٍّ وَأَبُوهَا فِي سُفْلٍ وَأَمَرَهَا أَنْ لاَ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا فَاشْتَكَى أَبُوهَا فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَمْرِهِ فَقَالَ لَهَا : اتَّقِي اللَّهَ وَأَطِيعِي زَوْجَكِ ثُمَّ كَذَلِكَ إذْ مَاتَ أَبُوهَا وَلَمْ تَشْهَدْهُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ اللَّهَ غَفَرَ لأََبِيكِ بِطَوَاعِيَتِكِ لِزَوْجِكِ. يُوسُفُ بْنُ عَطِيَّةَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ ، وَلاَ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسَدَّدٍ ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ حَقِّ الرَّجُلِ عَلَى زَوْجَتِهِ فَقَالَ كَلاَمًا مِنْهُ : أَنْ لاَ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا إِلاَّ بِإِذْنِهِ , فَإِنْ فَعَلَتْ لَعَنَتْهَا مَلاَئِكَةُ اللَّهِ وَمَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ حَتَّى تَرْجِعَ إلَى بَيْتِهَا أَوْ تَتُوبَ , قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ ظَلَمَهَا قَالَ : وَإِنْ ظَلَمَهَا. لَيْثٌ ضَعِيفٌ , وَحَاشَ لِلَّهِ أَنْ يُبِيحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الظُّلْمَ , وَهِيَ زِيَادَةٌ مَوْضُوعَةٌ لَيْسَتْ لِلَّيْثِ بِلاَ شَكٍّ.
وَمِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي الْعَوَّامِ ثنا عُبَيْدُ بْنُ إِسْحَاقَ هُوَ الْعَطَّارُ أَنَا حَيَّانُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَنَزِيُّ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيَّانَ ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ ، عَنْ بُرَيْدَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : لَوْ كُنْتُ آمِرًا بَشَرًا أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لاََمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا تَعْظِيمًا لِحَقِّهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلُهُ حَرْفًا حَرْفًا , لَيْسَ فِيهِ " تَعْظِيمًا لِحَقِّهِ ".
وَمِنْ طَرِيقِ خَلَفِ بْنِ خَلِيفَةَ ، عَنْ حَفْصٍ ابْن أَخِي أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لَوْ صَلَحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لاََمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا مِنْ عَظِيمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي ، عَنْ حُصَيْنٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأََحَدٍ لاََمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لأََزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ. أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْجَسُورِ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الدِّينَوَرِيُّ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُسْتَمِرِّ أَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ أَنَا مُوسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : لَوْ كُنْتُ آمُرُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لأََحَدٍ لاََمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا.
قال أبو محمد رحمه الله : كُلُّ هَذَا بَاطِلٌ : أَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَفِيهِ عُبَيْدُ بْنُ إِسْحَاقَ يُعْرَفُ بِعَطَّارِ الْمُطَلَّقَاتِ كُوفِيٌّ يُحَدِّثُ بِالْبَاطِلِ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَهُوَ الَّذِي أَسْنَدَ " مُعَلِّمُو صِبْيَانِكُمْ شِرَارُكُمْ " وَهَذَا هُوَ الْكَذِبُ الْبَحْتُ , لِصِحَّةِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاذٍ فَمُنْقَطِعٌ ; لأََنَّ أَبَا ظَبْيَانَ لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا ، وَلاَ أَدْرَكَهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَفِيهِ حَفْصُ ابْنُ أَخِي أَنَسٍ ، وَلاَ يُعْرَفُ لأََنَسٍ ابْنُ أَخٍ اسْمُهُ حَفْصٌ , وَلاَ أَخٌ لأََنَسٍ , إِلاَّ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ مِنْ أَبِيهِ. وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ مِنْ أُمِّهِ ، وَلاَ يُعْرَفُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَدٌ اسْمُهُ حَفْصٌ وَخَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ لَيْسَ بِالْحَافِظِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ فَمُنْقَطِعٌ ; لأََنَّ عَلِيَّ بْنَ رَبَاحٍ لَمْ يُدْرِكْ سُرَاقَةَ قَطُّ.
وَأَمَّا حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ فَفِيهِ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي وَهُوَ مُدَلِّسٌ يُدَلِّسُ الْمُنْكَرَاتِ عَمَّنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ إِلاَّ الثِّقَاتِ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا شُعَيْبُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنِي شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَا الأَوْزَاعِيُّ أَخْبَرَنِي يَحْيَى هُوَ ابْن سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ أَنْ بَشِيرَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مِحْصَنٍ أَخْبَرَهُ ، عَنْ عَمَّةٍ لَهُ أَنَّهَا ذَكَرَتْ زَوْجَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهَا عليه الصلاة والسلام : اُنْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ فَإِنَّهُ جَنَّتُكِ أَوْ نَارُكِ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ , وَأَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ , وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى , وَيُونُسَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ قُتَيْبَةُ : أَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ : أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ
وقال أحمد بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا يَعْلَى , وَيَزِيدُ , وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى , وَابْنُ بَشَّارٍ : ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَقَالَ يُونُسُ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَا مَالِكٌ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَا شُعَيْبُ بْنُ اللَّيْثِ أَنَا اللَّيْثُ وَقَالَ يُونُسُ أَنَا خَالِدٌ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ ثُمَّ اتَّفَقَ اللَّيْثُ , وَسُفْيَانُ , وَيَعْلَى , وَيَزِيدُ وَيَحْيَى , وَمَالِكٌ , وَابْنُ أَبِي هِلاَلٍ , كُلُّهُمْ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ ، عَنْ عَمَّةٍ لَهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ فَهَذَا كُلُّهُ لاَ يَصِحُّ , لأََنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مِحْصَنٍ , وَحُصَيْنَ بْنَ مِحْصَنٍ مَجْهُولاَنِ , لاَ يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هُمَا.
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ أَنَا أَبُو أَحْمَدَ هُوَ الزُّبَيْرِيُّ أَنَا مِسْعَرٌ ، هُوَ ابْنُ كِدَامٍ ، عَنْ أَبِي عُتْبَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَيُّ النَّاسِ أَعْظَمُ حَقًّا عَلَى الْمَرْأَةِ قَالَ : زَوْجُهَا قُلْتُ : فَأَيُّ النَّاسِ أَعْظَمُ حَقًّا عَلَى الرَّجُلِ قَالَ : أُمُّهُ.
قال أبو محمد رحمه الله : أَبُو عُتْبَةَ مَجْهُول لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ وَالْقُرْآنُ كَمَا أَوْرَدَنَا , وَالثَّابِتُ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا صَدَّرَنَا بِهِ يُبْطِلُ هَذَا.
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ الْكُوفِيُّ أَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ ، عَنْ نَهَارٍ الْعَبْدِيِّ مَدَّنِي لاَ بَأْسَ بِهِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ لَوْ كَانَتْ بِهِ قُرْحَةٌ فَلَحِسَتْهَا مَا أَدَّتْ حَقَّهُ. رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ مَجْهُولٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ خَلَفِ بْنِ خَلِيفَةَ ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْوَدُودُ الْوَلُودُ الْعَئُودُ عَلَى زَوْجِهَا الَّتِي إذَا آذَتْ أَوْ أُوذِيَتْ جَاءَتْ حَتَّى تَأْخُذَ بِيَدِ زَوْجِهَا , ثُمَّ تَقُولُ : وَاَللَّهِ لاَ أَذُوقُ عَضْمًا حَتَّى تَرْضَى. هَذَا خَبَرٌ لاَ بَأْسَ بِهِ وَهَكَذَا فِي كِتَابِي " عَضْمًا " بِالضَّادِ , وَهُوَ عَظْمُ الْقَوْسِ , وَلاَ مَدْخَلَ لَهُ هَاهُنَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أرنا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ أَنَا سَرَّارُ بْنُ مُجَشَّرِ بْنِ قَبِيصَةَ الْبَصْرِيُّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى امْرَأَةٍ لاَ تَشْكُرُ لِزَوْجِهَا وَهِيَ لاَ تَسْتَغْنِي عَنْهُ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ , سَرَّارُ بْنُ مُجَشَّرٍ ثِقَةٌ هُوَ وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ مُقَدَّمَانِ فِي سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ هَكَذَا [ سَرَّارُ ] بِالسِّينِ وَرَاءَيْنِ [ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ ].
قال أبو محمد رحمه الله : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ , وَالشُّكْرُ لِكُلِّ مُحْسِنٍ وَاجِبٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عِجْلاَنَ أَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنْ خَيْرِ النِّسَاءِ فَقَالَ : الَّتِي تُطِيعُ زَوْجَهَا إذَا أَمَرَ , وَتَسُرُّهُ إذَا نَظَرَ , وَتَحْفَظُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ. هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ , وَقَدْ صَحَّ
مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ زُبَيْدٍ اليامي ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدَةَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَانِ السُّلَمِيِّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ.
وَأَمَّا السَّلَفُ : فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ : رَجُلٌ غَابَ ، عَنْ امْرَأَتِهِ وَلَمْ تَكُنْ اسْتَأْذَنَتْهُ فِي الْخُرُوجِ أَتَخْرُجُ فِي طَوَافِ الْكَعْبَةِ , أَوْ فِي عِيَادَةِ مَرِيضٍ ذِي رَحِمٍ , أَوْ أَبُوهَا يَمُوتُ فَأَبَى عَطَاءٌ أَنْ تَخْرُجَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : وَأَقُولُ أَنَا : تَأْتِي كُلَّ ذِي رَحِمٍ قَرِيبٍ.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 18 / ص 257)
فقدت حلاوة الإيمان وكرهت الحياة
المجيب عبد العزيز بن عبد الله الحسين
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/ المشكلات الزوجية/ضعف الوازع الديني
التاريخ 25/02/1427هـ
السؤال
منذ الصغر كنت أحس أني قريبة من الله، وكنت أعرف حلاوة الإيمان، فأغضب عندما أجد أحداً يقوم بمعصية الله في أي أمر كان، وأقول في نفسي: لماذا لا يفهمون قول الله بأن هذا حرام؟ كنت أعيش للآخرة فقط، تزوجت وكان زوجي غير ملتزم؛ حيث إنه يسمع الأغاني، ويحلق اللحية، ويؤخر الصلاة، ويصلي بعض الفروض في المنزل، حزنت وبدأت أحاول معه قليلاً، ونفعت معه هذه المحاولات، ولكن المشكلة مع مر السنين تملكني الشيطان بوجود هذه الممنوعات في منزلي.
علماً أني كنت امرأة شديدة الغيرة على زوجي، فكان -هداه الله- يسعى إلى إثارة غيرتي، حتى إنه يمثل أمامي أنه يكلم النساء، فكنت شديدة الغضب، ووسوس لي الشيطان، إلى أن أصبحت مريضة نفسيا، وضعف إيماني، وبدأت أعامل زوجي بالمثل، ولكن في حدود، مثل: (لبس عباءة الكتف -سماع الأغاني-والالتفات إلى الرجال) وكان كل هذا مني لأغيظه وأحسسه بما في داخلي، ولكن كان للشيطان مدخل علي إلى أن أصبحت لا أستطيع أن أعود إلى ما كنت عليه، فأصبحت أتذكر نعمة حلاوة الإيمان التي منَّ الله علي بها، وأحاول أن أعود إلى ما كنت عليه، ولكن أصبح كل شيء صعبًا. لقد كرهت الدنيا وأصبحت حياتي جحيمًا. أرشدوني ماذا أفعل؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأسأل الله أن يرزقك حياة طيبة ملؤها السعادة والهناء، وأن ييسر ما تمنيتِ في دنياك وأخراك.
قرأت رسالتك: وشعرت فيها بعميق إحساسك ونقاء سريرتك وحرصك على الخير، وهو ما دفعني أن أكتب هذه اللفتات والإشارات؛ علها تكون عوناً لك في تجاوز الفترة التي تعيشينها:
1- إن وقوع الواحد منا في جانب من التفريط والخطأ لا يبرر له الاستمرار عليه، وعدم التوبة منه، والإنابة والرجوع لربه وخالقه، قال أنس -رضي الله عنه-: سمعت النبي صلى -صلى الله عليه وسلم- يقول: "قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة" رواه الترمذي (3540). وصححه الألباني.
وأظن -أيتها الأخت الطيبة- أن من الخلل في أنفسنا أن ندع الشيطان يستثمر أخطاءنا، ويرابي في سيئاتنا حتى يبعدنا عن طريق الاستقامة ومحبة أهل الخير والصلاح، ولو أننا حين وقعنا في الخطأ والزلل عدنا إلى ربنا وخالقنا لقطعنا على الشيطان أكبر طريق يستدرجنا فيه لصرفنا عن هداية ربنا وهداه.
2- إنها لتمرّ بكل الناس أوقات نشاط تحيا بها قلوبهم وأبدانهم، وتعقبها أوقات أخر فيها فتور وخمول وبعد عن الطاعات، وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-أنه قال: "لكل عمل شرّة ( نشاط وهمة ) ولكل شرّة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك". وفي رواية "فإن كان صاحبها سدد وقارب فأرجوه، وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدُّوه"رواه أحمد (6473) والترمذي (2453)، وصححه الألباني.
ومن هنا ينبغي أن يتفطن المرء لنفسه بأن يكون كما قال عمر -رضي الله عنه-: "إن لهذه القلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل، وإن أدبرت فألزموها الفرائض" فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تخرجه عن فرض ولم تدخله في محرم: رجي له أن يعود خيراً مما كان عليه.
3- إن أفضل الأعمال وأجلها عند الله: أداء الصلاة في وقتها، وحظنا من الإسلام بقدر محافظتنا على هذه الصلاة، وهي النبع الثرّ الذي يمتاح منه المسلم القوة والثبات، ويغسل به أدرانه وذنوبه وخطاياه، قال الله تبارك وتعالى: "وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين" [هود:114]، وما أحسبك إلا ممن يوليها جلّ همه، لأنها سبب في راحة النفس وقربها من الله عز وجل.
وقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت" رواه أحمد (1573) وصححه الألباني.
4- إن الراحة والسعادة في هذه الحياة هي بمعرفة الله ومحبته والطمأنينة بذكره، وهذه هي جنة الدنيا التي من أعرض عنها فإن له معيشة ضنكا كما أخبر الله عز وجل.
قال ابن تيمية رحمه الله: "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة".
و ذكر ابن القيم رحمه الله طرقاً لراحة القلب وطمأنينة النفس، وعدَّد أسباباً للقرب من الله ومحبته، حيث ذكر: "قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه، ومجالسة الصالحين، ودوام ذكر الله في كل الأحوال، والتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، والخلوة بالله وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه، ومباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل".
ومن هنا ينبغي أن نستشعر أهمية وضع برنامج عملي -أسبوعي أو شهري- نسعى فيه بتكميل أنفسنا وحياة قلوبنا، كأن نرتّب أوقاتاً لدار تحفيظ القرآن الكريم، وزيارة المؤسسات الدعوية النسائية، وصلة الأرحام، والكثير من الأعمال الصالحة الأخرى التي يمكن أن تمارس في المنزل… حتى نكون قد أصبنا من الأعمال ما يرضي ربنا جلّ في علاه.
5- أيتها الأخت الكريمة: إن مما يميز المرأة المسلمة من بين سائر النساء: سمتها وهديها وسلوكها، كيف لا وهي المتميزة بطهرها وعفافها وبعدها عن مواقع الريبة والشك، وإن وقعت في الخطيئة والذنب عن غفلة وجهل: فهي سرعان ما تعود إلى رشدها وتنيب إلى ربها وتتوب إليه، كما قال ربنا جلّ شأنه: "إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون" [الأعراف:201]. فحرص الفتاة المسلمة على عفتها وكرامتها وحيائها والتزامها بأمر ربها هو سرّ تميزها وحبّ الناس لها، وهو سبب رفعتها عند خالقها وباريها.
6- لا أظن أن يغيب عن مثلك: أن المرأة متى أظهرت حبها لزوجها وأدامت التجمل له والتزين والتطيب، ثم حرصت على حسن معاشرته والتودد إليه وملاطفته وبذل كل ما تستطيع لجذبه إليها فإنه لن يدخر وسعاً في إرضائها والسعي في راحتها... إذ فرحه منوط بفرحها وسعادته مرتبطة بسعادتها، كيف بك يا أخية إذا استشعرت حقيقة هذه الحال وامتثلت قول النبي -صلى الله عليه وسلم- "ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؟: الودود الولود العؤود على زوجها، التي إذا غضبت أو أُسيء إليها أو غضب زوجها قالت: هذه يدي في يدك: لا أكتحل بغمضٍ حتى ترضى" رواه النسائي في الكبرى (9139) والطبراني وغيرهما وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (287).
ومتى فعلت المرأة ذلك: كان له كبير الأثر في الدخول إلى قلب الرجل وتغيير سلوكه وتبديل قناعاته، إذ النفوس مجبولة على محبة من أحسن إليها، ولكثرة الفتن والمغريات في هذا العصر فإن الحاجة تشتدّ أكثر إلى المداومة والاستمرار لهذه الحال، والتفاني في البذل والتوجيه والأمر بالمعروف: بحكمة وموعظة تلامس القلب، وهذا هو دورك في إصلاح حال المنزل، وتقويم حال الزوج والأولاد فستسألين عنهم يوم القيامة، إذ "المرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها".
7- آمل أن تطلعي على كتابين مهمين في موضوع الرسالة:
- (شخصية المرأة المسلمة كما يصوغها الإسلام) للدكتور محمد علي الهاشمي.
- (أسعد امرأة في العالم) للشيخ د. عائض القرني.
وبإمكانك الاطلاع على كتب أخرى مهمة تتعلق بالمرأة المسلمة في نسخ إلكترونية على موقع ( saaid.net/book/list.php ).
كما يحسن أن تطلعي زوجك على كتابين في هذا الشأن:
- (30 رسالة من زوجة إلى زوجها) لسلطان العمري، وهو من إصدارات دار الوطن.
- (أخي الحبيب) للشيخ د. عبد الوهاب الطريري، ويوجد نسخة إلكترونية له وفق الرابط التالي: ( saaid.net/book/list.php )
8- إليك ثلاثة اقتراحات آمل أن تراعيها ولو في فترات متباينة:
1- توفير البديل المناسب في المنزل كقناة المجد الفضائية، وإذاعة القرآن الكريم.
2- توفير مكتبة منزلية مصغرة تتضمن:
تفسيراً للقرآن: كتفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي.
سيرة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ككتاب: فقه السيرة لمحمد الغزالي.
كتاب رياض الصالحين للإمام النووي.
كتاب "فتاوى إسلامية " لمحمد المسند.
صور من حياة الصحابة لعبد الرحمن الباشا.
أشرطة سمعية لأشهر قراء القرآن الكريم، وبعض الأناشيد الإسلامية.
3- الاشتراك في مجلة إسلامية (كمجلة الأسرة أو حياة أو نحوها).
ختاماً: أذكرك بما جاء في صحيح مسلم (2577) عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم... ياعبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه".
أدعو الله تبارك وتعالى أن يجعل حياتك حياة سعيدة، وأن يجنبك الشيطان وخطواته ومزالقه، وأن يجعلك مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر، إنه ولي ذلك والقادر عليه.(1/116)
الْوَصِيَّةُ بِالنِّسَاءِ
241-7898 أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ دِينَارٍ الْكُوفِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَنْ زَائِدَةَ ، عَنْ مَيْسَرَةَ الْأَشْجَعِيِّ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ ، إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ "(1)
__________
(1) - أخرجه البخاري برقم(3331 ) والمسند الجامع برقم13562 )
فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 111)
3084 - قَوْلُهُ : ( مُوسَى بْن حِزَام )
بِكَسْرِ الْمُهْمَلَة بَعْدهَا زَاي خَفِيفَة ، وَهُوَ تِرْمِذِيّ نَزَلَ بَلْخ ، وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْره ، وَكَانَ زَاهِدًا عَالِمًا بِالسُّنَّةِ ، وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيّ ، إِلَّا هَذَا الْمَوْضِع .
قَوْلُهُ : ( عَنْ مَيْسَرَة )
هُوَ اِبْن عِمَارَة الْأَشْجَعِيّ الْكُوفِيّ ، وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيّ سِوَى هَذَا الْحَدِيث ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي النِّكَاح مِنْ وَجْه آخَر . وَلَهُ حَدِيث آخَر فِي تَفْسِير آلِ عِمْرَان .
قَوْلُهُ : ( اِسْتَوْصُوا )
قِيلَ مَعْنَاهُ تَوَاصَوْا بِهِنَّ ، وَالْبَاء لِلتَّعْدِيَةِ وَالِاسْتِفْعَال بِمَعْنَى الْإِفْعَال كَالِاسْتِجَابَةِ بِمَعْنَى الْإِجَابَة ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ : السِّين لِلطَّلَبِ وَهُوَ لِلْمُبَالَغَةِ أَيْ اُطْلُبُوا الْوَصِيَّة مِنْ أَنْفُسكُمْ فِي حَقّهنَّ ، أَوْ اُطْلُبُوا الْوَصِيَّة مِنْ غَيْركُمْ بِهِنَّ كَمَنْ يَعُود مَرِيضًا فَيُسْتَحَبّ لَهُ أَنْ يَحُثَّهُ عَلَى الْوَصِيَّة وَالْوَصِيَّة بِالنِّسَاءِ آكَد لِضَعْفِهِنَّ وَاحْتِيَاجهنَّ إِلَى مَنْ يَقُوم بِأَمْرِهِنَّ ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ اِقْبَلُوا وَصِيَّتِي فِيهِنَّ وَاعْمَلُوا بِهَا وَارْفُقُوا بِهِنَّ وَأَحْسِنُوا عِشْرَتهنَّ . قُلْت : وَهَذَا أَوْجَه الْأَوْجُهِ فِي نَظَرِي ، وَلَيْسَ مُخَالِفًا لِمَا قَالَ الطِّيبِيُّ .
قَوْلُهُ : ( خُلِقَتْ مِنْ ضِلَع )
بِكَسْرِ الْمُعْجَمَة وَفَتْح اللَّام وَيَجُوز تَسْكِينهَا ، قِيلَ فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ حَوَّاء خُلِقَتْ مِنْ ضِلَع آدَم الْأَيْسَر وَقِيلَ مِنْ ضِلْعه الْقَصِير ، أَخْرَجَهُ اِبْن إِسْحَاق وَزَادَ " الْيُسْرَى مِنْ قَبْل أَنْ يَدْخُل الْجَنَّة وَجُعِلَ مَكَانه لَحْم " وَمَعْنَى خُلِقَتْ أَيْ أُخْرِجَتْ كَمَا تَخْرُج النَّخْلَة مِنْ النَّوَاة ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : يُحْتَمَل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَرْأَة خُلِقَتْ مِنْ مَبْلَغ ضِلْع فَهِيَ كَالضِّلْعِ ، زَادَ فِي رِوَايَة الْأَعْرَج عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عِنْد مُسْلِم " لَنْ تَسْتَقِيم لَك عَلَى طَرِيقَة "
قَوْله : ( وَإِنَّ أَعْوَج شَيْء فِي الضِّلْع أَعْلَاهُ )
قِيلَ فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ أَعْوَج مَا فِي الْمَرْأَة لِسَانهَا ، وَفِي اِسْتِعْمَال أَعْوَج اِسْتِعْمَال لِأَفْعَل فِي الْعُيُوب وَهُوَ شَاذّ ، وَفَائِدَة هَذِهِ الْمُقَدِّمَة أَنَّ الْمَرْأَة خُلِقَتْ مِنْ ضِلْع أَعْوَج فَلَا يُنْكَر اِعْوِجَاجهَا ، أَوْ الْإِشَارَة إِلَى أَنَّهَا لَا تَقْبَل التَّقْوِيم كَمَا أَنَّ الضِّلْع لَا يَقْبَلهُ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ ذَهَبْت تُقِيمهُ كَسَرْته )
قِيلَ هُوَ ضَرْب مَثَل لِلطَّلَاقِ أَيْ إِنْ أَرَدْت مِنْهَا أَنْ تَتْرُك اِعْوِجَاجهَا أَفْضَى الْأَمْر إِلَى فِرَاقهَا ، وَيُؤَيِّدهُ قَوْله فِي رِوَايَة الْأَعْرَج عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عِنْد مُسْلِم " وَإِنْ ذَهَبْت تُقِيمهَا كَسَرْتهَا ، وَكَسْرهَا طَلَاقهَا " وَيُسْتَفَاد مِنْ حَدِيث الْبَاب أَنَّ الضِّلْع مُذَكَّر خِلَافًا لِمَنْ جَزَمَ بِأَنَّهُ مُؤَنَّث وَاحْتَجَّ بِرِوَايَةِ مُسْلِم وَلَا حُجَّة فِيهِ لِأَنَّ التَّأْنِيث فِي رِوَايَته لِلْمَرْأَةِ ، وَقِيلَ إِنَّ الضِّلْع يُذَكَّر وَيُؤَنَّث وَعَلَى هَذَا فَاللَّفْظَانِ صَحِيحَانِ .
عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 16 / ص 633)
1333 - حدثنا ( أبو كريب وموسى بن حزام ) قالا حدثنا ( حسين بن علي ) عن ( زائدة ) عن ( ميسرة الأشجعي ) عن ( أبي حازم ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء
مطابقته للترجمة يمكن أن يقال إنه لما كان مشتملا على بعض أحوال النساء وهي من ذرية آدم والترجمة مشتملة على الذرية أيضا وهذا وإن كان فيه تعسف فلا يخلو عن وجه وهذا المقدار كاف
ذكر رجاله وهم سبعة الأول أبو كريب بضم الكاف بصيغة التصغير واسمه محمد بن العلاء الثاني موسى ابن حزام بكسر الحاء المهملة وتخفيف الزاي أبو عمران الترمذي العابد الثالث حسين بن علي بن الوليد أبو عبد الله الجعفي الرابع زائدة بن قدامة بضم القاف وتخفيف الدال المهملة أبو الصلت الثقفي الخامس ميسرة ضد الميمنة ابن عمار الأشجعي السادس أبو حازم بالحاء المهملة وبالزاي واسمه سلمان الأشجعي الغطفاني السابع أبو هريرة رضي الله تعالى عنهم
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن موسى بن حزام من أفراد البخاري وروي عنه مقرونا بأبي كريب وقد وثقه النسائي وغيره وما له في البخاري إلا هذا الموضع وفيه ميسرة وما له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر في سورة آل عمران وحديث الباب ذكره في النكاح من وجه آخر وفيه أن رواته كلهم كوفيون ما خلا موسى بن حزام فإنه ترمذي نزل بلخ
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النكاح عن إسحاق بن نصر وأخرجه مسلم في النكاح عن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن القاسم بن زكريا ذكر معناه قوله استوصوا أي تواصوا أيها الرجال في حق النساء بالخير ويجوز أن تكون الباء للتعدية والاستفعال بمعنى الإفعال نحو الاستجابة قال تعالى فليستجيبوا لي ( البقرة 681 ) ويستجيب الذين آمنوا ( الشورى 62 ) وقال البيضاوي الإستيصاء قبول الوصية أي أوصيكم بهن خيرا فاقبلوا وصيتي فيهن وقال الطيبي السين للطلب مبالغة أي اطلبوا الوصية من أنفسكم في حقهن بخير وقال غيره استفعل على أصله وهو طلب الفعل فيكون معناه اطلبوا الوصية من المريض للنساء لأن عائد المريض يستحب له أن يحث المريض على الوصية وخص النساء بالذكر لضعفهن واحتياجهن إلى من يقوم بأمرهن يعني إقبلوا وصيتي فيهن واعملوا بها واصبروا عليهن وارفقوا بهن وأحسنوا إليهن قوله فإن المرأة إلى آخره هذا تعليل لما قبله وفائدته بيان أنها خلقت من الضلع الأعوج هو الذي في أعلى الضلع أو بيان أنها لا تقبل الإقامة لأن الأصل في التقويم هو أعلى الضلع لا أسفله وهو في غاية الإعوجاج والضلع بكسر الضاد وفتح اللام مفرد الضلوع وتسكين اللام جائز وقوله خلقت من ضلع هو أن الله تعالى لما أسكن آدم الجنة أقام مدة فاستوحش فشكا إلى الله الوحدة فنام فرأى في منامه امرأة حسناء ثم انتبه فوجدها جالسة عنده فقال من أنت فقالت حواء خلقني الله لتسكن إلي وأسكن إليك قال عطاء عن ابن عباس خلقت من ضلع آدم ويقال لها القصيري وقال الجوهري هو الضلع التي يلي الشاكلة ويسمى الواهنة وقال مجاهد إنما سميت المرأة مرأة لأنها خلقت من المرء وهو آدم وقال مقاتل بن سليمان نام آدم نومة في الجنة فخلقت حواء من قصيراه من شقه الأيمن من غير أن يتألم ولو تألم لم يعطف رجل على امرأة أبدا وقال ابن عباس لأم الله تعالى موضع الضلع لحما ولما رآها آدم قال أثاثا بالثاء المثلثة وهو بالسرانية وتفسير بالعربية مرأة وقال الربيع بن أنس حواء من طينة آدم واحتج بقوله تعالى هو الذي خلقكم من طين ( الأنعام 02 ) والأول أصح لقوله تعالى وهو الذي خلقكم من نفس واحدة ( الأعراف 981 ) قوله وإن ذهبت تقيمه كسرته قيل هو ضرب مثل للطلاق أي إن أردت منها أن تترك اعوجاجها أفضى الأمر إلى طلاقها ويؤيده قوله في رواية الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عند مسلم إن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها وقيل الحديث لم يذكر فيه النساء إلا بالتمثيل بالضلع والاعوجاج الذي في أخلاقهن منه لأن للضلع عوجا فلا يتهيأ الانفتاع بهن إلا بالصبر على اعوجاجهن وقيل الصواب في أعلاه وفي تقيمه وفي كسرته وفي تركته التأنيث لأن الضلع مؤنثة وكذا يقال لم تزل عوجاء ولهذا جاء في رواية مسلم المذكورة بهاء التأنيث وأجيب بأن التذكير يجوز في المؤنث الذي ليس بزوج
نيل الأوطار - (ج 10 / ص 184)
بَابُ إحْسَانِ الْعِشْرَةِ وَبَيَانِ حَقِّ الزَّوْجَيْنِ 2809 - ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ الْمَرْأَةَ كَالضِّلَعِ إنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا ، وَإِنْ تَرَكْتَهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا عَلَى عِوَجٍ وَفِي لَفْظٍ : اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا ) .
2810 - ( وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً ، إنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ ) .
الشَّرْحُ
قَوْلُهُ : ( كَالضِّلَعِ ) بِكَسْرِ الضَّادِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَيُسَكَّنُ قَلِيلًا ، وَالْأَكْثَرُ الْفَتْحُ : وَهُوَ وَاحِدُ الْأَضْلَاعِ .
وَالْفَائِدَةُ فِي تَشْبِيهِ الْمَرْأَةِ بِالضِّلَعِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهَا مُعْوَجَّةُ الْأَخْلَاقِ لَا تَسْتَقِيمُ أَبَدًا ، فَمَنْ حَاوَلَ حَمْلَهَا عَلَى الْأَخْلَاقِ الْمُسْتَقِيمَةِ أَفْسَدَهَا ، وَمَنْ تَرَكَهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ الِاعْوِجَاجِ انْتَفَعَ بِهَا ، كَمَا أَنَّ الضِّلَعَ الْمُعْوَجَّ يَنْكَسِرُ عِنْدَ إرَادَةِ جَعْلِهِ مُسْتَقِيمًا وَإِزَالَةِ اعْوِجَاجِهِ ، فَإِذَا تَرَكَهُ الْإِنْسَانُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ انْتَفَعَ بِهِ ، وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ : وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ ، الْمُبَالَغَةَ فِي الِاعْوِجَاجِ وَالتَّأْكِيدَ لِمَعْنَى الْكَسْرِ بِأَنَّ تَعَذُّرَ الْإِقَامَةِ فِي الْجِهَةِ الْعُلْيَا أَمْرُهُ أَظْهَرُ .
وَقِيلَ : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِثْلًا لِأَعْلَى الْمَرْأَةِ لِأَنَّ أَعْلَاهَا رَأْسُهَا وَفِيهِ لِسَانُهَا وَهُوَ الَّذِي يَنْشَأُ مِنْهُ الِاعْوِجَاجُ .
قِيلَ : وَأَعْوَجُ هَهُنَا مِنْ بَابِ الصِّفَةِ لَا مِنْ بَابِ التَّفْضِيلِ ؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَا يُصَاغُ مِنْ الْأَلْوَانِ وَالْعُيُوبِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ هَهُنَا أَنَّهُ لِلتَّفْضِيلِ ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ عَلَى قِلَّةٍ مَعَ عَدَمِ الِالْتِبَاسِ بِالصِّفَةِ ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ : " فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ " يَرْجِعُ إلَى الضِّلَعِ لَا إلَى أَعْلَاهُ ، وَهُوَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى : " تُقِيمُهَا " وَفِي هَذِهِ " تُقِيمُهُ " .
قَوْلُهُ : ( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ ) أَيْ اقْبَلُوا الْوَصِيَّةَ ، وَالْمَعْنَى : إنِّي أُوصِيكُمْ بِهِنَّ خَيْرًا فَاقْبَلُوا ، أَوْ بِمَعْنَى : لِيُوصِ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِهِنَّ .
قَوْلُهُ : ( خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ ) أَيْ مِنْ ضِلَعِ آدَمَ الَّذِي خُلِقَتْ مِنْهُ حَوَّاءُ .
قَالَ الْفُقَهَاءُ : إنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعِ آدَمَ ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ : { خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ .
وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ .
قَوْلُهُ : ( لَا يَفْرَكُ ) بِالْفَاءِ سَاكِنَةً بَعْدَهَا رَاءٌ وَهُوَ الْبُغْضُ .
قَالَ فِي الْقَامُوسِ : الْفِرْكُ بِالْكَسْرِ وَيُفْتَحُ : الْبِغْضَةُ عَامَّةٌ كَالْفُرُوكِ وَالْفُرُكَّانِ ، خَاصٌّ بِبِغْضَةِ الزَّوْجَيْنِ فَرِكَهَا وَفَرِكَتْهُ كَسَمِعَ فِيهِمَا وَكَنَصَرَ شَاذٌّ فِرْكًا وَفُرُوكًا فَهِيَ فَارِكٌ وَفَرُوكٌ ، وَرَجُلٌ مُفَرَّكٌ كَمُعَظَّمٍ : تُبْغِضُهُ النِّسَاءُ ، وَمُفَرَّكَةٌ : يُبْغِضُهَا الرِّجَالُ ا هـ .
وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فِيهِ الْإِرْشَادُ إلَى مُلَاطَفَةِ النِّسَاءِ وَالصَّبْرِ عَلَى مَا لَا يَسْتَقِيمُ مِنْ أَخْلَاقِهِنَّ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُنَّ خُلِقْنَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ الَّتِي لَا يُفِيدُ مَعَهَا التَّأْدِيبُ أَوْ يَنْجَحُ عِنْدَهَا النُّصْحُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الصَّبْرُ وَالْمُحَاسَنَةُ وَتَرْكُ التَّأْنِيبِ وَالْمُخَاشَنَةُ .
وَالْحَدِيثُ الثَّانِي فِيهِ الْإِرْشَادُ إلَى حُسْنِ الْعِشْرَةِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْبُغْضِ لِلزَّوْجَةِ بِمُجَرَّدِ كَرَاهَةِ خُلُقٍ مِنْ أَخْلَاقِهَا فَإِنَّهَا لَا تَخْلُو مَعَ ذَلِكَ عَنْ أَمْرٍ يَرْضَاهُ مِنْهَا ، وَإِذَا كَانَتْ مُشْتَمِلَةً عَلَى الْمَحْبُوبِ وَالْمَكْرُوهِ فَلَا يَنْبَغِي تَرْجِيحُ مُقْتَضَى الْكَرَاهَةِ عَلَى مُقْتَضَى الْمَحَبَّةِ .
قَالَ النَّوَوِيُّ : ضَبَطَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ : " اسْتَمْتَعْتَ بِهَا عَلَى عِوَجٍ " بِفَتْحِ الْعَيْنِ ، وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِكَسْرِهَا ، وَلَعَلَّ الْفَتْحَ أَكْثَرُ ، وَضَبَطَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ وَآخَرُونَ بِالْكَسْرِ .
قَالَ : وَهُوَ الْأَرْجَحُ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْمَكْسُورِ وَالْمَفْتُوحِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ .
وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ بِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ يَقُولُونَ فِي الشَّخْصِ الْمَرْئِيِّ : عَوَجٌ بِالْفَتْحِ وَفِيمَا لَيْسَ بِمَرْئِيٍّ كَالرَّائِي .
وَالْكَلَامُ عِوَجٌ بِالْكَسْرِ قَالَ : وَانْفَرَدَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ فَقَالَ : كِلَاهُمَا بِالْكَسْرِ وَمَصْدَرُهُمَا بِالْفَتْحِ ، وَكَسْرُهَا : طَلَاقُهَا .
وَقَدْ حَقَّقَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى : { لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا } .
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 2 / ص 107)
خَلْق المرأة من ضلع أعوج
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 17/01/1426هـ
السؤال
هل صحيح أن الزوجة مخلوقة من ضلع أعوج؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً مع ذكر المراجع من القرآن والسنة وكتب التفاسير وشروح الأحاديث.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد:
الحديث المشار إليه في السؤال أخرجه البخاري (5184،3331)، ومسلم ( 1468) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاه،ُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ"، ومعنى الحديث الحث على الرفق بالمرأة والإحسان إليها، وطيب معاشرتها وحسن مراعاتها ومداراتها، وقد بوب عليه البخاري بقوله: باب المدارة مع النساء، وقوله: "خلقت من ضلع" فيه إشارة إلى أنها خلقت من ضلع آدم، وقد دل القرآن أن المرأة خلقت من الرجل، قال تعالى: "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا"[الأعراف:189]، قال الطبري: (ويعني بقوله: وجعل منها زوجها، وجعل من النفس الواحدة، وهو آدم زوجها حواء ...)، ثم ذكر عن قتادة: (وجعل منها زوجها، حواء جعلت من أضلاعه، ليسكن إليها)، وقال الحافظ ابن كثير: (ينبه تعالى على أنه خلق جميع الناس من آدم عليه السلام، وأنه خلق منه زوجته حواء ثم انتشر الناس منهما ...)، وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا"[النساء:1]، قال ابن كثير: (وخلق منها زوجها وهي حواء عليها السلام خلقت من ضلعه الأيسر من خلفه وهو نائم، فاستيقظ فرآها فأعجبته، فأنس إليها وأنست إليه... )، وقال ابن جرير: (وخلق منها زوجها، وهي حواء ...).
وذهب بعض العلماء إلى أن قوله في الحديث: (من ضلع) قصد به المثل أي من مثل ضلع، وقصد من هذا التشبيه الحث على الرفق بها والإحسان إليها، وإمساكها بالمعروف ويشهد له ما جاء في رواية مسلم: "لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها؛ استمتعت بها وبها عوج ، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها: طلاقها"، ومن المعلوم أن الخالق جل ثناؤه قد زود كلاً من الرجل والمرأة بخصائص تتناسب والمهمة التي يقوم بها كل منهما، فالمرأة هي الحاضنة والمربية والحاملة والمرضعة، وهذه المهمة بحاجة إلى عواطف جياشة ومشاعر مرهفة حتى تستطيع أن تؤدي مهمتها على الوجه الأكمل، وغلبة هذه العاطفة مع ما يتكرر معها من المحيض والولادة يولد لديها بعض الضعف من الانفعال النفسي والشعور بالضيق فيضعف تحملها فتحتاج إلى مراعاة، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلى طبيعة المرأة، وأنها تحتاج إلى مراعاة ومداراة وترك التقصي عليها فلا تعامل بالشدة والمحاسبة الدقيقة على تصرفاتها، ولو أن الزوج استحضر هذه الوصية عند تعامله مع امرأته لطابت حياتهما وعاشا حياة طيبة وعيشة هنيئة بعيدة عن المشاكل والمكدرات، والإسلام كما لا يخفى في تشريعاته وأحكامه قد أعطى المرأة مكانة عالية ومنزلة رفيعة وحفظ كرامتها وأنوثتها وعفتها وقد عرض القرآن الكريم لكثيرٍ من شئون المرأة في أكثر من عشر سور منها سورتان عرفت إحداهما بسورة النساء الكبرى، وعرفت الأخرى بسورة النساء الصغرى، وهما سورتا: النساء والطلاق، وعرض لها في سور: البقرة والمائدة والنور والأحزاب والمجادلة والممتحنة والتحريم، وحظيت المرأة في الإسلام بمكانة لم تحظ بها في شرع سماوي سابق ولا في اجتماع إنساني، ومع هذه المكانة للمرأة في تشريعات الإسلام يأتي من يزعم أن الإسلام هضم حق المرأة، وجعلها متعة بيد الرجل، والقرآن يقول: "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ"[البقرة:228]، والحقيقة أن القضية لا ترجع إلى حق وعدل ولكن إلى أهواء وشهوات وتقليد لما يوجد في البلاد الغربية والتي أخرجت المرأة عن وظيفتها الإنسانية وأقحمتها في ميادين ليست لها وقضت على أنوثتها وعفتها وكرامتها، والشاهد خير واقع، إن الإسلام منح المرأة كل خير وصانها من كل شر، ولا منقذ لها ولا حافظ لكرامتها سوى التعاليم التي جاءت في نصوص الوحيين الكتاب والسنة، والإسلام بين أن المرأة خلقت من الرجل، وأن خلق المرأة نعمة ينبغي أن يحمد الله عليها، قال تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"[الروم:21]، وقال تعالى: "وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً"[النحل:72]، والمرأة في الإسلام كالرجل فهي شقيقته وشريكته، ومن الرجل والمرأة تعددت القبائل والشعوب "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ ..."[الحجرات:13]، والمرأة هي الأم، وقد وضعها الإسلام موضع التكريم والإجلال، وجاءت الوصايا بالإحسان إليها: "وَوَصَّيْنَا الْإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ"[لقمان:14]، وقال تعالى: "وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً"[الأحقاف:15]، والمرأة كالرجل فرض الله عليها القيام بالواجبات الشرعية، وهي كالرجل إذا استجابت لأمر الله : "مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"[النحل:97]، "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ"[آل عمران:195]، "إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً"[الأحزاب:35]، والمرأة مسئولة مسؤولية خاصة عن واجباتها الشرعية، ومسئولة مسؤولية عامة فيما يختص بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف، والإرشاد إلى الفضائل والتحذير من الرذائل، قال تعالى: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"[التوبة:71]، وللمرأة في الإسلام حرية التصرف في مالها، ولها حق أن تستأذن في أمر زواجها، ولها أن ترفض وليس لوليها أن يكرهها فيمن لا ترغب فيه، ولها نصيبها من الميراث، واعتنى الإسلام بتعليم المرأة وتثقيفها.
والحاصل أن المتأمل في هذه الشريعة العظيمة يرى أنها أحاطت المرأة بتشريعات وأحكام تكمل بها كرامتها وسعادتها، وتتحقق لها الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة، ويجب أن ننظر إلى جميع ما ورد في شأن المرأة، ولا ننظر إلى جزئية مقطوعة عن باقي التشريعات، فالنظرة الجزئية خاطئة، والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 9 / ص 57)
شبهات حول خلق المرأة من ضلع، وزواج آدم من حواء رقم الفتوى:18218تاريخ الفتوى:14 ربيع الثاني 1423السؤال : وردت مسألة خلق المرأة من ضلع أعوج في كثير من كتب الصحاح وبعض العلماء من أهل السنة والجماعة
فما مدى صحة تلك الأحاديث وهل تتفق مع تكريم النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة وهل يعتبر آدم بموجب ذلك نكح نفسه إذا كانت حواء مخلوقة من ضلعه فيصبح كل وجودنا حراماً بموجب هذه الرواية أفتونا مأجورين حفظكم الباري وسدد خطاكم؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الله تعالى:يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً [النساء:1]. وفي هذه الآية وغيرها تنصيص على أن أصل البشرية من آدم، وأن حواء خلقت منه، وجاءت الأحاديث الصحيحة لتبين من أي مكان خلقت حواء من آدم، فجاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء. زاد ابن إسحاق (بتخريجه) اليسرى من قبل أن يدخل الجنة وجعل مكانه لحم.
وكون حواء خلقت من آدم من غير توليد كخلق الأولاد من الآباء لا يلزم منه أن تكون ابنته ولا أخته، كما نص على ذلك علماء التفسير، ولهذا سماها القرآن زوجة:وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [النساء:1]. وقد جعل الله خلق آدم من غير أب ولا أم، وخلق حواء من غير أم، وخلق عيسى من غير أب، وخلق بقية البشر بعد ذلك من ذكر وأنثى، آيات تدل على عظم الخالق سبحانه.
وأما قولك: إن خلق حواء من ضلع أعوج يتعارض مع الأحاديث التي تكرم المرأة! فالحقيقة أنه لا تنافي بين الأمرين، والدليل على ذلك أن الله تعالى كرم الإنسان وفضله على سائر المخلوقات قال تعالى:وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم [الإسراء:70]. وقال تعالى:لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين:4]. ومع ذلك فهو مخلوق من ماء مهين وأخرج من مجرى البول مرتين وقد كان أصل خلقه من الطين. وبهذا يتبين للسائل الكريم أنه لا تعارض بين أصل الخلق والتكريم.
ثم إن استنتاج السائل من كون حواء خلقت من ضلع آدم فساد زواجه منها، وما ينبني على ذلك من كون وجود كل البشرية من نكاح فاسد، هو استنتاج غير صحيح ولا يستقيم، فلا يلزم من كونها خلقت من ضلعه أن يكون أباً لها أو أخاً -كما تقدم- ثم على السائل أن يعلم أن شريعة آدم التي كان ينتهجها تبيح من أنواع النكاح ما لا تبيحه شريعتنا.
وعلى السائل أن يعلم أن آدم نبي من أنبياء الله تعالى، والأنبياء معصومون من الوقوع في الكبائر ومن الإصرار على الصغائر، وكون شرعنا يحرم نكاح المحارم لا يلزم منه أن يكون شرع آدم يحرمه لأن الله تعالى يقول:لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً [المائدة :48].
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 13 / ص 413)
خلق آدم وحواء عليهما السلام رقم الفتوى:23346تاريخ الفتوى:29 رجب 1423السؤال : أريد معرفة كيفية خلق آدم وحواء ؟ وما معنى عبارة ( خلقت من ضلع أعوج ) ؟ وجزاكم الله على المساعدة خيراً...
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أخبرنا الله في كتابه في مواضع منه عن كيفية خلق آدم، وخلاصة ما تتضمنه الآيات أن الله عز وجل خلق آدم من تراب ثم صيره طيناً ثم صوره سبحانه كل ذلك بيده سبحانه وتعالى، قال تعالى: قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَي [صّ:75].
وقد جاءت الأحاديث الكثيرة ببيان كيفية خلق الله عز وجل لآدم منها الصحيح ومنها الضعيف، ونحن نذكر بعض ما صح من تلك الأحاديث، وبه يحصل المقصود إن شاء الله. فقد روى أحمد في المسند عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود وبين ذلك، والخبيث والطيب والسهل والحزن وبين ذلك. رواه أبو داود والترمذي وغيرهما، وصححه الألباني رحمه الله.
وقد روى مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما صور الله آدم عليه السلام في الجنة، تركه ما شاء الله أن يتركه، فجعل إبليس يطيف به ينظر ماهو، فلما رآه أجوف عرف أنه خلق خلقاً لا يتمالك.
وقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خلق الله آدم وطوله ستون ذراعاً.
وبعد أن خلق الله هذا الجسد بهذه الصورة، وسواه نفخ فيه الروح كما أخبر الله في كتابه بقوله: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [الحجر:29].
وبعد أن خلق الله عز وجل آدم خلق منه حواء، كما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [النساء:1].
وجاءت السنة ببيان شيء من هذا الخلق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء. رواه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في قوله: خلقت من ضلع. ، قيل: فيه إشارة إلى أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر. وقيل: من ضلعه القصير. أخرجه ابن إسحاق وزاد اليسرى من قبل أن يدخل الجنة وجعل مكانه لحم، ومعنى خلقت: أي أخرجت كما تخرج النخلة من النواة. انتهى
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 19 / ص 265)
ليست كل البيوت تبنى على الحب رقم الفتوى:30318تاريخ الفتوى:27 محرم 1424السؤال : أنا رجل مسلم متزوج ولي بنتان أعيش في أوروبا منذ 10 سنوات تزوجت بزوجتي التي لم أكن أحبها وهي تعرف ذلك حاولت مرارا وتكرارا أن أتقرب إليها وأصطنع الحب فلم أقدر، أنام معها وأنا مكره، أحرمها من كل حقوقها الشرعية أهرب من نظراتها صليت وتقربت ودعوت الله أن يجد لنا الحل وذلك من أجل البنات صبرت وصبرت هي ما فيه الكفاية مرضت ومرضت هي أيضا بالأعصاب حاولنا مرارا تفادي الطلاق في السنوات الأخيرة أنام معها مرة واحدة في الشهر أو الشهرين نتعذب نحن الاثنين الآن قررت الانفصال انصحوني أفادكم الله؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإسلام ينظر إلى الحياة الزوجية بوصفها سكناً وأمناً وسلاماً، وينظر إلى العلاقة بين الزوجين بوصفها مودة ورحمة وأنساً، ومن ثم يكره فصم عقدتها إلا عند الضرورة القصوى، قال تعالى: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء: 19]
فيدعو سبحانه إلى التريث والمصابرة حتى في حالة الكراهية، ويفتح الأعين على العاقبة الحميدة: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء: 19]
فلعل في هؤلاء النسوة المكروهات خيراً، وأن الله يدخر لهم الخير.
فلا يجوز أن يفرطوا فيه وينبغي لهم أن يستمسكوا به، هذا كي يستمسك الزوجان بعقدة الزوجية فلا يقدمان على فصمها لأول خاطر، وكي يستمسكا بهذه العقدة فلا يقدمان على فكها لنزوة، وما أعظم قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرجل أراد أن يطلق زوجته "لأنه لا يحبها" .: ويحك! ألم تبن البيوت إلا على الحب؟ فأين الرعاية وأين التذمم. فإذا تجاوز الأمر مسألة الحب والكره إلى النشوز والنفور فليس الطلاق أول خاطر يهدي إليه الإسلام، بل لا بد من محاولة يقوم بها الآخرون وتوفيق يحاوله الخيرون قال تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيرا [النساء:35].
وقال تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء:28].
ومن الصلح أن ترضى المرأة أن يتزوج زوجها بأخرى مع إمساكها، فإذا لم تجد هذه الوساطة، فهناك ما لا تستقيم معه هذه الحياة، وإمساك الزوجة على هذا الوضع قد يترتب عليه كثير من الفساد، ومن الحكمة هنا التسليم بالواقع، وإنهاء هذه الحياة الزوجية، واعلم أخي ـ وفقك الله ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على حسن معاشرة النساء وأوصى بهن كثيراً كما قال صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي. رواه الترمذي.
وقوله: استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، وإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء. متفق عليه.
وفي حديث آخر: لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر. رواه أحمد ومسلم، والفرك هو: الكراهية، وتراجع للأهمية الفتوى رقم: 5291، والفتوى رقم: 6897.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 20 / ص 106)
الحلف على تأكيد أمر حاصل في المرأة لا كفارة فيه وليس حلفاً بالطلاق رقم الفتوى:3104تاريخ الفتوى:02 ربيع الثاني 1422السؤال : السلام عليكم ورحمة الله هناك شخص مسلم يريد من أهل العلم الرأي الصائب فى هذه المشكلة التى حدثت بينه وبين زوجته والمشكلة هي:
لقد دار بين الزوج والزوجة حوار حاد جدا إلى أن وصل مرحلة السب والشتم بينهما والسبب الرئيسي هو عتاب الزوج لزوجته فى أنها لا تطيعه ولها صفات لا يحبها مثلا النوم الكثير وعدم اهتمامها بأداء واجبها المنزلي أولا بأول وفى أثناء النقاش الحاد قالت له أرسلنى إلى أهلي ؟ أنا هكذا إن أحببت العيشة معي ؟ وقال لها فى أثناء لحظة الغضب؟والله لا أحبك والله لا أعوزك على هذه الطريقة ولكن لم يطلقها؟ إنه حلف اليمين بأنه ليس له فيها شيء أي لا يحبها أو ليس محتاج لها؟ فهل هذا اليمين يحرمها عليه أو يطلقها منه؟ أم عليه أن يصوم ثلاثة أيام ؟لأنهما الآن الزوج والزوجة اتفقا على ان يبدآ صفحة جديدة وهي يبدو أنها شبه موافقة على شروطه التى يحب منها أن تؤديها؟ كما يحب أن تنصحوا هذه الزوجه ان تطيع زوجها فى طاعة الله واتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ وجزاكم الله خير الجزاء .
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم أما بعد:
فهذا لا يعد طلاقاً لأن الزوج لم يتلفظ بالطلاق ولم يقصده بما قال. وليس عليه كفارة يمين. لأنه لم يحلف على أمر مستقبل وإنما حلف على تأكيد أمر حاصل بالفعل وهو أنه لا يحب هذه المرأة. وعليكم جميعاً أن تتقوا الله تعالى وأن تحسن إلى زوجتك وتؤدي إليها حقوقها كاملة وأن تعاملها بشيء من الرفق والصبر والتحمل لما يبدر منها من خطأ في حقك وأن تحفظ فيها وصية النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: " اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله.." رواه مسلم عن جابر. وفي الصحيحين عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع. وإن أعوج ما في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته. وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء"وفي رواية لمسلم :"وكسرها طلاقها". وعليها هي أن تطيعك في غير معصية الله تعالى وتؤدي إليك حقوقك فإن حق الزوج من آكد الحقوق وفي طاعته مرضاة الله تعالى وفي سخطه سخط الله. فقد ثبت في مسند الإمام أحمد عن معاذ بن جبل أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) ولا تؤدي المرأة حق الله تعالى عليها كله حتى تؤدي حق زوجها عليها كله حتى لو سألها نفسها وهي على ظهر قتب لبت طلبه وفي المسند أيضا عن عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها. وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت". وفي صحيح مسلم عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها". وفي رواية البخاري: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح". فليتق الله تعالى كل من الزوجين في صاحبه وليوفه حقوقه وليعلم أن الله وصف الميثاق الذي بين الزوجين بأنه ميثاق غليظ فإذا اتقيا الله تعالى واتبعا هداه واقتديا بنبيه فإنهما سيعيشان حياة سعيدة طيبة بعيدة عن المشاكل والمنازعات.(1/117)
النَّهْيُ عَنِ الْتِمَاسِ عَثَرَاتِ النِّسَاءِ
242-7899أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا أَنْ يَتَخَوَّنَهُمْ أَوْ يَلْتَمِسَ عَثَرَاتِهِمْ "(1)
إِطْرَاقُ الرَّجُلِ أَهْلَهُ لَيْلًا ، وَذِكْرُ اخْتِلَافِ أَلْفَاظِ النَّاقِلِينَ لِخَبَرِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍفيهِ
243-7900 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَطَالَ الرَّجُلُ الْغِيبَةَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ طُرُوقًا(2)
__________
(1) - صحيح
المحلى لابن حزم - (ج 6 / ص 13)
1908 - مَسْأَلَةٌ : وَالإِحْسَانُ إلَى النِّسَاءِ فَرْضٌ ، وَلاَ يَحِلُّ تَتَبُّعُ عَثَرَاتِهِنَّ وَمَنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ لَيْلاً فَلاَ يَدْخُلُ بَيْتَهُ إِلاَّ نَهَارًا , وَمَنْ قَدِمَ نَهَارًا فَلاَ يَدْخُلُ إِلاَّ لَيْلاً , إِلاَّ أَنْ يَمْنَعَهُ مَانِعٌ عُذْرٌ
برهان ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ
قال أبو محمد رحمه الله : إذْ حُرِّمَ التَّضْيِيقُ عَلَيْهِنَّ فَقَدْ أَوْجَبَ تَعَالَى التَّوْسِيعَ عَلَيْهِنَّ وَافْتَرَضَ تَرْكَ ضَرِّهِنَّ : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ فَذَكَرَ كَلاَمًا كَثِيرًا وَفِيهِ : فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ , وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ , وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فِرَاشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ , فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ , وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ
قال أبو محمد رحمه الله : لَمْ يَعْنِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِرَاشَ الْمَضْجَعِ , ذَلِكَ أَمْرٌ يَجِبُ فِيهِ الرَّجْمُ عَلَى الْمُحْصَنَةِ , فَلاَ يُؤْمَرُ فِيهِ بِضَرْبٍ غَيْرِ مُبَرِّحٍ , وَإِنَّمَا عَنَى عليه الصلاة والسلام بِلاَ شَكٍّ كُلَّ مَا اُفْتُرِشَ فِي الْبُيُوتِ , وَهَذَا نَهْيٌ ، عَنْ أَنْ يَدْخُلَ فِي مَسْكَنِهِ أَوْ فِي بَيْتِهِ مَنْ لاَ يُرِيدُ دُخُولَهُ مَنْزِلَهُ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ فَقَطْ وَهَذَا يَأْتِي مُبَيَّنًا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَأْتِي بَعْدَ هَذِهِ
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَنْ زَائِدَةَ ، عَنْ مَسَرَّةَ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ كَلاَمًا , وَفِيهِ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلاً أَنْ يَتَخَوَّنَهُمْ أَوْ يَلْتَمِسَ عَثَرَاتِهِمْ
وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَارِمٌ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَفَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَةٍ فَلَمَّا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ قَالَ أَمْهِلُوا حَتَّى تَدْخُلُوا لَيْلاً لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغْيِبَةُ
فإن قيل : هَذَا تَعَارُضٌ
قلنا : كَلًّا , بَلْ قَدْ بَيَّنَ عليه الصلاة والسلام فِي كِلاَ الْخَبَرَيْنِ مُرَادَهُ , ذَكَرَ فِي الْخَبَرِ الأَوَّلِ : أَنْ لاَ يَدْخُلَ لَيْلاً فَيَتَّبِعَ بِذَلِكَ عَثْرَةً إنْ كَانَتْ أَوْ لَمْ تَكُنْ
فَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ فِي الَّذِي جَاءَ لَيْلاً وَبَيَّنَ عليه الصلاة والسلام فِي الآخَرِ : أَنْ يُمْهِلَ مَنْ أَتَى نَهَارًا حَتَّى يَدْخُلَ لَيْلاً بَعْدَ أَنْ يَتَّصِلَ خَبَرُهُ بِأَهْلِهِ , فَتَسْتَحِدَّ وَتَمْتَشِطَ ، وَلاَ يَنْسُبُ التَّعَارُضَ إلَى كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا كَافِرٌ ، وَلاَ يَنْسُبُهُ إلَى الصَّحَابَةِ إِلاَّ مُبْتَدِعٌ , وَلاَ يَنْسُبُهُ إلَى الأَئِمَّةِ وَمَنْ دُونَهُمْ إِلاَّ مُنْحَرِفُ الْقَلْبِ ، عَنِ السُّنَنِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ
(2) - أخرجه مسلم برقم(5076)
شرح النووي على مسلم - (ج 6 / ص 406)
فَهُوَ بِفَتْحِ اللَّام وَإِسْكَان الْيَاء أَيْ : فِي اللَّيْل ، ( وَالطُّرُوق ) بِضَمِّ الطَّاء هُوَ الْإِتْيَان فِي اللَّيْل ، وَكُلّ آتٍ فِي اللَّيْل فَهُوَ طَارِق . وَمَعْنَى ( تَسْتَحِدّ الْمُغِيبَة ) أَيْ : تُزِيل شَعْر عَانَتهَا ، وَالْمَغِيبَة الَّتِي غَابَ زَوْجهَا ، وَالِاسْتِحْدَاد : اِسْتِفْعَال مِنْ اِسْتِعْمَال الْحَدِيدَة وَهِيَ الْمُوسَى ، وَالْمُرَاد إِزَالَته كَيْف كَانَ . وَمَعْنَى ( يَتَخَوَّنَهُمْ ) : يَظُنّ خِيَانَتهمْ ، وَيَكْشِف أَسْتَارهمْ ، وَيَكْشِف هَلْ خَانُوا أَمْ لَا ؟ وَمَعْنَى هَذِهِ الرِّوَايَات كُلّهَا أَنَّهُ يُكْرَه لِمَنْ طَالَ سَفَره أَنْ يَقْدُم عَلَى اِمْرَأَته لَيْلًا بَغْتَة ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ سَفَره قَرِيبًا تَتَوَقَّع اِمْرَأَته إِتْيَانه لَيْلًا فَلَا بَأْس كَمَا قَالَ فِي إِحْدَى هَذِهِ الرِّوَايَات : ( إِذَا أَطَالَ الرَّجُل الْغَيْبَة ) وَإِذَا كَانَ فِي قَفْل عَظِيم أَوْ عَسْكَر وَنَحْوهمْ ، وَاشْتُهِرَ قُدُومهمْ وَوُصُولهمْ ، وَعَلِمَتْ اِمْرَأَته وَأَهْله أَنَّهُ قَادِم مَعَهُمْ ، وَأَنَّهُمْ الْآنَ دَاخِلُونَ ، فَلَا بَأْس بِقُدُومِهِ مَتَى شَاءَ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الَّذِي نَهَى بِسَبَبِهِ ، فَإِنَّ الْمُرَاد أَنْ يَتَأَهَّبُوا ، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَقْدَم بَغْتَة . وَيُؤَيِّد مَا ذَكَرْنَاهُ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيث الْآخِر : " أَمْهِلُوا حَتَّى نَدْخُل لَيْلًا - أَيْ : عِشَاء - كَيْ تَمْتَشِط الشَّعِثَة وَتَسْتَحِدّ الْمُغِيبَة " . فَهَذَا صَرِيح فِيمَا قُلْنَاهُ ، وَهُوَ مَفْرُوض فِي أَنَّهُمْ أَرَادُوا الدُّخُول فِي أَوَائِل النَّهَار بَغْتَة ، فَأَمَرَهُمْ بِالصَّبْرِ إِلَى آخِر النَّهَار لِيَبْلُغ قُدُومهمْ إِلَى الْمَدِينَة ، وَتَتَأَهَّب النِّسَاء وَغَيْرهنَّ . وَاللَّهُ أَعْلَم .(1/118)
244-7901 أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ ، عَنْ عَامِرٍ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا قَدِمَ أَحَدُكُمْ مِنْ سَفَرِهِ فَلَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ لَيْلًا (1)
245- 7902 أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ سَيَّارٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَلَمَّا رَجَعْنَا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ فَقَالَ : " أَمْهِلُوا حَتَّى نَدْخُلَ لَيْلًا أَيْ عِشَاءً حَتَّى تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ ، وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ "(2)
246- 7903 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ سَيَّارٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا دَخَلْتَ لَيْلًا فَلَا تَدْخُلْ أَهْلَكَ حَتَّى تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ " وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا دَخَلْتَ فَعَلَيْكَ الْكَيْسَ الْكَيْسَ "(3)
__________
(1) - صحيح
(2) - أخرجه البيهقي في السنن برقم( 10672 ) ومستخرج أبي عوانة ( 3945 و6079) وابن حبان برقم(2769) صحيح
الشعثة : من تغير شعرها وتلبد من قلة تعهده بالدهن - الاستحداد : حلق شعر العانة - المغيبة : المرأة التي غاب عنها زوجها
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 10552)
عَانَة
التّعريف
1 - العانة في اللّغة : هي الشّعر النّابت فوق الفرج ، وتصغيرها عوينة وقيل : هي المنبت .
ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ لهذا اللّفظ عن معناه اللّغويّ ، قال العدويّ والنّفراويّ : العانة : هي ما فوق العسيب والفرج وما بين الدّبر والأنثيين .
وقال النّوويّ : المراد بالعانة الشّعر الّذي فوق ذكر الرّجل وحواليه وكذلك الشّعر الّذي حوالي فرج المرأة .
«الأحكام المتعلّقة بالعانة»
«حلق العانة»
2 - اتّفق الفقهاء على أنّ حلق العانة سنّة ، ويرى الشّافعيّة على أصحّ القولين وجوب حلق العانة على الزّوجة إذا أمرها زوجها بذلك .
«المفاضلة بين حلق العانة وغيره من طرق الإزالة»
3 - لا خلاف بين الفقهاء في جواز إزالة شعر العانة بأيّ مزيل من حلق وقصّ ونتف ونورة ، لأنّ أصل السّنّة يتأدّى بالإزالة بأيّ مزيل ، كما أنّه لا خلاف بينهم في أنّ الحلق أفضل لإزالة شعر العانة في حقّ الرّجل .
أمّا المرأة فيرى الحنفيّة والشّافعيّة أنّ الأولى في حقّها النّتف .
وذهب جمهور المالكيّة والنّوويّ في قول إلى ترجيح الحلق في حقّ المرأة ، لحديث جابر في « النّهي عن طروق النّساء ليلاً حتّى تمتشط الشّعثة وتستحدّ المغيّبة » .
قال الحنابلة : لا بأس بالإزالة بأيّ شيء ويؤخذ من عباراتهم أنّهم يرون أفضليّة الحلق .
«توقيت حلق العانة»
4 - يستحبّ حلق العانة في كلّ أسبوع مرّةً ، وجاز في كلّ خمسة عشر ، وكره تركه وراء الأربعين ، لحديث أنس رضي الله عنه : « وُقّت لنا في قصّ الشّارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا نترك أكثر من أربعين ليلةً » .
قال القرطبيّ في المفهم : ذكر الأربعين تحديد لأكثر المدّة ، ولا يمنع تفقّد ذلك من الجمعة إلى الجمعة ، والضّابط في ذلك : الاحتياج .
وقال النّوويّ : ينبغي أن يختلف ذلك باختلاف الأحوال والأشخاص ، والضّابط : الحاجة في هذا وفي جميع الخصال المذكورة - أي خصال الفطرة - .
«دفن شعر العانة»
5 - يستحبّ دفن ما أخذ من شعر العانة ومواراته في الأرض .
قال مهنّا : سألت أحمد عن الرّجل يأخذ من شعره وأظفاره أيدفنه أم يلقيه ؟ قال يدفنه ، قلت : بلغك فيه شيء ؟ قال : كان ابن عمر يدفنه .
وروي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « أنّه أمر بدفن الشّعر والأظفار » .
قال ابن حجر : وقد استحبّ أصحابنا دفنها لكونها أجزاءً من الآدميّ .
«حلق عانة الميّت»
6 - قال الحنفيّة : لا يؤخذ شيء من شعر الميّت ، وهذا ما يفهم من عبارات المالكيّة ، فقد أورد الزّرقانيّ أثراً بلفظ : يصنع بالميّت ما يصنع بالعروس غير أنّه لا يحلق ولا ينوّر . وذهب الحنابلة إلى تحريم حلق شعر عانته لما فيه من لمس عورته وربّما احتاج إلى نظرها وهو محرّم فلا يرتكب من أجل مندوب .
ويرى الشّافعيّة على الجديد استحباب أخذ شعر عانة الميّت ، وعلى القول الثّاني يقولون بكراهته .
وللتّفصيل « ر : شعر » .
«النظر إلى العانة للضرورة»
7 - يجوز النظرُ إلى العانةِ وإلى العورة عامةً لحاجةٍ ملجئةٍ ، قال ابن قدامة : يباح للطبيب النظرُ إلى ما تدعو إليه الحاجة من بدنِها - بدن المراة - من العورة وغيرها فإنه موضعُ حاجةٍ - ومثل ذلك النظر إلى عورة الرجل - لحديث عطيةَ القرظي قال : « كنتُ من سبي بني قُريظة ،ومَن لم يُنبت لم يُقتل فكنتُ فيمن لم يُنبت ، وزاد في رواية : فكشفوا عانتي فوجدوها لم تُنبت ، فجعلوني مِن السبي » .
وعن عثمانَ أنه أُتي بغلامٍ قد سرق فقال انظروا إلى مؤتزرِه فلم يجدوه أنبت الشعرَ فلم يقطعه .
وقال الشربيني الخطيبُ : وأما عند الحاجةِ فالنظرُ واللمسُ مباحان لفصدٍ وحجامةٍ وعلاجٍ ولو في فرجٍ للحاجةِ الملجئة إلى ذلك ، لأنّ في التحريم حينئذٍ حرَجاً ، فللرجلِ مداواة المرأةِ وعكسه ، وليكنْ ذلك بحضرةِ مَحرمٍ أو زوجٍ أو امرأة ثقةٍ .
وللتفصيل في شروطِ جَواز معالجةِ الطبيبِ امرأةً أجنبية ينظرُ : « عورة » .
هذا وقد ذكر الحنابلةُ حلقَ العانةِ لمن لا يُحسنه ضمنَ الضروراتِ التي تجيزُ النظرَ إلى العورةِ .
«دلالة ظهور شعر العانة على البلوغ»
8 - يرى المالكيّة على المذهب والحنابلة واللّيث وإسحاق وأبو ثور أنّ الإنبات - وهو ظهور الشّعر الخشن للعانة - علامة البلوغ مطلقاً .
ولم يعتبر أبو حنيفة الإنبات علامة البلوغ مطلقاً .
وأمّا الشّافعيّ فقد اعتبر الإنبات أمارةً على البلوغ في حقّ الكافر ، واختلف قوله في المسلم .
وللتّفصيل « ر : بلوغ فقرة 10 » .
«الجناية على العانة»
9 - تجب حكومة العدل في قطع عانة المرأة وكذلك عانة الرّجل ، لأنّه جناية ليس فيها أرش مقدّر من جهة الشّرع ولا يمكن إهدارها فتجب فيها حكومة العدل .
وللتّفصيل في شروط وجوب حكومة العدل وكيفيّة تقديرها ينظر مصطلح : « حكومة عدل ف 5 وما بعدها » .
(3) - البخاري برقم(5245) و الصحيحة برقم(1190) صحيح
عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 21 / ص 534)
قوله الكيس الكيس مذكور مرتين ومنصوب على الإغراء والكيس والجماع والعقل والمراد حثه على ابتغاء الولد وقال الخطابي الكيس هنا يجري مجرى الحذر من العجز عن الجماع ففيه الحث على الجماع وقد يكون بمعنى الرفق وحسن التائي وقال ابن الأعرابي الكيس العقل كأنه جعل طلب الولد عقلا وفي اللغة الكوس بالسين المهملة والمعجمة الجماع يقال كاس الجارية وكاسها وكارسها وكاوسها مكاوسة وكواسا واكتاسها كل ذلك إذا جامعها
شرح ابن بطال - (ج 13 / ص 373)
قال المهلب: طلب الولد مندوب إليه؛ لقوله عليه السلام: « إنى مكاثر بكم الأمم » ، وأنه من مات من ولده من لم يبلغ الحلم، فإن الله يدخله الجنة بفضل رحمته إياهم.
فإن قال قائل: قوله عليه السلام: « أمهلوا حتى تدخلوا ليلاً » ، أى عشاء، يعارض نهيه عليه السلام أن يأتى الرجل أهله طروقًا.
قيل: لا تعارض بينهما بحمد الله، وفى هذا الحديث أمر للمسافر إذا قدم نهارًا أن يتربص حتى يدخل إلى أهله عشاء لكى يتقدمه إلى أهله خبر قدومه، فتمتشط له الشعثة، وتتزين وتستحد له وتتنظف؛ لئلا يجدها على حالة يكرهها فتقع البغضة، رفقًا منه عليه السلام بأمته، ورغبة فى إدامة المودة بينهما وحسن العشرة.
وقوله فى الحديث الآخر: « أمهلوا حتى تدخلوا ليلاً » ، أى عشاء، يدل على قدومهم فى النهار، والحديث الآخر الذى نهى فيه عن طروق أهله ليلاً بخلاف هذا المعنى؛ لأن الطروق لا يكون وقت العشاء، وإنما يكون لمن يقدم فجأة بعدما مضى وقت من الليل، فنهى عن ذلك للعلة التى ذكرها فى الحديث، وهى خشية أن يتخونهم أو يطلب غرتهم، لاسيما إذا طالت غيبته، فإنها تبعد مراقبتها له، وتكون يائسة من تعجله إليها، فيجد الشيطان سبيلاً إلى إيقاع سوء الظن.(1/119)
الْوَقْتُ الَّذِي يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَطْرُقَ فِيهِ زَوْجَتَهُ
247-7904 أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ : أَخْبَرَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ لَيْلًا ، يَقْدَمُ غُدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً "(1)
__________
(1) - أخرجه مسلم برقم(5071) والبيهقي برقم( 10669)
فتح الباري لابن حجر - (ج 15 / ص 60)
قَوْله ( بَاب لَا يَطْرُق أَهْله لَيْلًا إِذَا أَطَالَ الْغَيْبَة مَخَافَة أَنْ يَتَخَوّنَهُم أَوْ يَلْتَمِس عَثَرَاتهمْ )
كَذَا بِالْمِيمِ فِي " يَتَخَوّنَهُم وَعَثَرَاتهمْ " وَقَالَ اِبْن التِّين الصَّوَاب بِالنُّونِ فِيهِمَا ، قُلْت : بَلْ وَرَدَ فِي الصَّحِيح بِالْمِيمِ فِيهِمَا عَلَى مَا سَأَذْكُرُهُ وَتَوْجِيهه ظَاهِر ، وَهَذِهِ التَّرْجَمَة لَفْظ الْحَدِيث الَّذِي أَوْرَدَهُ فِي الْبَاب فِي بَعْض طُرُقه ، لَكِنْ اُخْتُلِفَ فِي إِدْرَاجه فَاقْتَصَرَ الْبُخَارِيّ عَلَى الْقَدْر الْمُتَّفَق عَلَى رَفْعه وَاسْتَعْمَلَ بَقِيَّته فِي التَّرْجَمَة ، فَقَدْ جَاءَ مِنْ رِوَايَة وَكِيع عَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيّ عَنْ مُحَارِب عَنْ جَابِر قَالَ " نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَطْرُق الرَّجُل أَهْله لَيْلًا يَتَخَوّنَهُم أَوْ يَطْلُب عَثَرَاتهمْ " أَخْرَجَهُ مُسْلِم عَنْ أَبِي بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة عَنْهُ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَة أَبِي نُعَيْم عَنْ سُفْيَان كَذَلِكَ ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَة مِنْ وَجْه آخَر عَنْ سُفْيَان كَذَلِكَ ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ رِوَايَة عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عَنْ سُفْيَان بِهِ لَكِنْ قَالَ فِي آخِره " قَالَ سُفْيَان : لَا أَدْرِي هَذَا فِي الْحَدِيث أَمْ لَا " يَعْنِي " يَتَخَوّنَهُم أَوْ يَطْلُب عَثَرَاتهمْ " ثُمَّ سَاقه مُسْلِم مِنْ رِوَايَة شُعْبَة عَنْ مُحَارِب مُقْتَصِرًا عَلَى الْمَرْفُوع كَرِوَايَةِ الْبُخَارِيّ ، وَقَوْله " عَثَرَاتهمْ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَالْمُثَلَّثَة جَمْع عَثْرَة وَهِيَ الزَّلَّة ، وَوَقَعَ عِنْد أَحْمَد وَالتِّرْمِذِيّ فِي رِوَايَة مِنْ طَرِيق أُخْرَى عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ جَابِر بِلَفْظِ " لَا تَلِجُوا عَلَى الْمُغْيِبَات فَإِنَّ الشَّيْطَان يَجْرِي مِنْ اِبْن آدَم مَجْرَى الدَّم "
شرح النووي على مسلم - (ج 6 / ص 406)
فَهُوَ بِفَتْحِ اللَّام وَإِسْكَان الْيَاء أَيْ : فِي اللَّيْل ، ( وَالطُّرُوق ) بِضَمِّ الطَّاء هُوَ الْإِتْيَان فِي اللَّيْل ، وَكُلّ آتٍ فِي اللَّيْل فَهُوَ طَارِق . وَمَعْنَى ( تَسْتَحِدّ الْمُغِيبَة ) أَيْ : تُزِيل شَعْر عَانَتهَا ، وَالْمَغِيبَة الَّتِي غَابَ زَوْجهَا ، وَالِاسْتِحْدَاد : اِسْتِفْعَال مِنْ اِسْتِعْمَال الْحَدِيدَة وَهِيَ الْمُوسَى ، وَالْمُرَاد إِزَالَته كَيْف كَانَ . وَمَعْنَى ( يَتَخَوَّنَهُمْ ) : يَظُنّ خِيَانَتهمْ ، وَيَكْشِف أَسْتَارهمْ ، وَيَكْشِف هَلْ خَانُوا أَمْ لَا ؟ وَمَعْنَى هَذِهِ الرِّوَايَات كُلّهَا أَنَّهُ يُكْرَه لِمَنْ طَالَ سَفَره أَنْ يَقْدُم عَلَى اِمْرَأَته لَيْلًا بَغْتَة ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ سَفَره قَرِيبًا تَتَوَقَّع اِمْرَأَته إِتْيَانه لَيْلًا فَلَا بَأْس كَمَا قَالَ فِي إِحْدَى هَذِهِ الرِّوَايَات : ( إِذَا أَطَالَ الرَّجُل الْغَيْبَة ) وَإِذَا كَانَ فِي قَفْل عَظِيم أَوْ عَسْكَر وَنَحْوهمْ ، وَاشْتُهِرَ قُدُومهمْ وَوُصُولهمْ ، وَعَلِمَتْ اِمْرَأَته وَأَهْله أَنَّهُ قَادِم مَعَهُمْ ، وَأَنَّهُمْ الْآنَ دَاخِلُونَ ، فَلَا بَأْس بِقُدُومِهِ مَتَى شَاءَ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الَّذِي نَهَى بِسَبَبِهِ ، فَإِنَّ الْمُرَاد أَنْ يَتَأَهَّبُوا ، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ ، وَلَمْ يَقْدَم بَغْتَة . وَيُؤَيِّد مَا ذَكَرْنَاهُ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيث الْآخِر : " أَمْهِلُوا حَتَّى نَدْخُل لَيْلًا - أَيْ : عِشَاء - كَيْ تَمْتَشِط الشَّعِثَة وَتَسْتَحِدّ الْمُغِيبَة " . فَهَذَا صَرِيح فِيمَا قُلْنَاهُ ، وَهُوَ مَفْرُوض فِي أَنَّهُمْ أَرَادُوا الدُّخُول فِي أَوَائِل النَّهَار بَغْتَة ، فَأَمَرَهُمْ بِالصَّبْرِ إِلَى آخِر النَّهَار لِيَبْلُغ قُدُومهمْ إِلَى الْمَدِينَة ، وَتَتَأَهَّب النِّسَاء وَغَيْرهنَّ . وَاللَّهُ أَعْلَم .
فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (ج 11 / ص 205)
[ص 187] 6901 - (كان لا يطرق أهله ليلاً) أي لا يقدم عليهم من سفر ولا غيره في الليل على غفلة فيكره ذلك لأن القادم إما أن يجد أهله على غير أهبة من نحو تنظف أو يجدهم بحالة غير مرضية وظاهر صنيعه أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند الشيخين وكان يأتيهم غدوة أو عشية.
- (حم ق ن عن أنس) بن مالك.
نيل الأوطار - (ج 10 / ص 205)
بَابُ نَهْيِ الْمُسَافِرِ أَنْ يَطْرُقَ أَهْلَهُ بِقُدُومِهِ لَيْلًا 2824 - ( عَنْ أَنَسٍ قَالَ : إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ { لَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ لَيْلًا وَكَانَ يَأْتِيهِمْ غُدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً } ) .
2825 - وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إذَا أَطَالَ أَحَدُكُمْ الْغَيْبَةَ فَلَا يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلًا } .
2826 - ( وَعَنْ { جَابِرٍ قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ ، فَلَمَّا قَدِمْنَا ذَهَبْنَا لِنَدْخُلَ ، فَقَالَ : أَمْهِلُوا حَتَّى نَدْخُلَ لَيْلًا أَيْ عِشَاءً لِكَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ ) .
2827 - ( وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ : { نَهَى نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا يَتَخَوَّنُهُمْ أَوْ يَطْلُبُ عَثَرَاتِهِمْ } .رَوَاهُ مُسْلِمٌ ) .
الشَّرْحُ
قَوْلُهُ : ( كَانَ لَا يَطْرُقُ ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : الطُّرُوقُ بِالضَّمِّ : الْمَجِيءُ بِاللَّيْلِ مِنْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى غَفْلَةٍ وَيُقَالُ لِكُلِّ آتٍ بِاللَّيْلِ : طَارِقٌ ، وَلَا يُقَالُ فِي النَّهَارِ إلَّا مَجَازًا .
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ : أَصْلُ الطُّرُوقِ : الدَّفْعُ وَالضَّرْبُ ، وَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ الطَّرِيقُ لِأَنَّ الْمَارَّةَ تَدْفَعُهَا بِأَرْجُلِهَا ، وَسُمِّيَ الْآتِي بِاللَّيْلِ طَارِقًا لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ غَالِبًا إلَى دَقِّ الْبَابِ .
وَقِيلَ : أَصْلُ الطُّرُوقِ السُّكُونُ ، وَمِنْهُ : أَطْرَقَ رَأْسَهُ ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ يُسْكَنُ فِيهِ سُمِّيَ الْآتِي طَارِقًا .
قَوْلُهُ : ( إذَا أَطَالَ أَحَدُكُمْ الْغَيْبَةَ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ إنَّمَا تُوجَدُ حِينَئِذٍ فَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا ، فَلَمَّا كَانَ الَّذِي يَخْرُجُ لِحَاجَتِهِ مَثَلًا نَهَارًا وَيَرْجِعُ لَيْلًا لَا يَتَأَتَّى لَهُ مَا يُحْذَرُ مِنْ الَّذِي يُطِيلُ الْغَيْبَةَ قَيَّدَ الشَّارِعُ النَّهْيَ عَنْ الطُّرُوقِ بِالْغَيْبَةِ الطَّوِيلَةِ .
وَالْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ عَنْ الطُّرُوقِ أَنَّ الْمُسَافِرَ رُبَّمَا وَجَدَ أَهْلَهُ مَعَ الطُّرُوقِ وَعَدَمِ شُعُورِهِمْ بِالْقُدُومِ عَلَى غَيْرِ أُهْبَةٍ مِنْ التَّنْظِيفِ وَالتَّزَيُّنِ الْمَطْلُوبِ مِنْ الْمَرْأَةِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبَ النُّفْرَةِ بَيْنَهُمَا ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى هَذَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ ، وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : { قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةٍ فَقَالَ : لَا تَطْرُقُوا النِّسَاءَ وَأَرْسَلَ مَنْ يُؤْذِنُ النَّاسَ أَنَّهُمْ قَادِمُونَ } وَأَخْرَجَ ابْنُ خُزَيْمَةَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : { نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطْرَقَ النِّسَاءُ لَيْلًا ، فَطَرَقَ رَجُلٌ فَوَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ مَا يَكْرَهُ } وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ : " رَجُلَانِ فَكِلَاهُمَا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا " وَأَخْرَجَ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرٍ { أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ أَتَى امْرَأَتَهُ لَيْلًا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ تَمْشُطُهَا فَظَنَّهَا رَجُلًا ، فَأَشَارَ إلَيْهِ بِالسَّيْفِ ، فَلَمَّا ذُكِرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ نَهَى أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا } قَوْلُهُ : ( حَتَّى نَدْخُلَ لَيْلًا ) ظَاهِرُهُ الْمُعَارَضَةُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الطُّرُوقِ لَيْلًا .
وَقَدْ جُمِعَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّيْلِ هَهُنَا : أَوَّلُهُ ، وَبِالنَّهْيِ : الدُّخُولُ فِي أَثْنَائِهِ فَيَكُونُ أَوَّلُ اللَّيْلِ إلَى وَقْتِ الْعِشَاءِ مُخَصَّصًا مِنْ عُمُومِ ذَلِكَ النَّهْيِ ، وَالْأَوْلَى فِي الْجَمْعِ أَنَّ الْإِذْنَ بِالدُّخُولِ لَيْلًا لِمَنْ كَانَ قَدْ أَعْلَمَ أَهْلَهُ بِقُدُومِهِ فَاسْتَعَدُّوا لَهُ ، وَالنَّهْيَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَعْلَمَهُمْ .
قَوْلُهُ : ( الشَّعِثَةُ ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ ، وَهِيَ الَّتِي لَمْ تَدْهُنْ شَعْرَهَا وَتَمْشُطْهُ .
قَوْلُهُ : ( " وَتَسْتَحِدَّ " ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ : أَيْ تَسْتَعْمِلَ الْحَدِيدَةَ وَهِيَ الْمُوسَى ، وَالْمُغِيبَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ مُوَحَّدَةٌ : أَيْ الَّتِي غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا ، وَالْمُرَادُ : إزَالَةُ الشَّعْرِ عَنْهَا ، وَعَبَّرَ بِالِاسْتِحْدَادِ لِأَنَّ الْغَالِبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي إزَالَةِ الشَّعْرِ ، وَلَيْسَ فِيهِ مَنْعٌ مِنْ الْإِزَالَةِ بِغَيْرِ الْمُوسَى .
قَوْلُهُ ( يَتَخَوَّنُهُمْ أَوْ يَطْلُبُ عَثَرَاتِهِمْ ) هَكَذَا بِالشَّكِّ ، وَقَالَ سُفْيَانُ : لَا أَدْرِي هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ أَمْ لَا ، يَعْنِي : يَتَخَوَّنُهُمْ أَوْ يَطْلُبُ عَثَرَاتِهِمْ ، وَالتَّخَوُّنُ أَنْ يَظُنَّ وُقُوعَ الْخِيَانَةِ لَهُ مِنْ أَهْلِهِ ، وَعَثَرَاتِهِمْ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ جَمْعُ عَثْرَةٍ : وَهِيَ الزَّلَّةُ .
وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ بِلَفْظِ : { لَا تَلِجُوا عَلَى الْمُغِيبَاتِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ } .
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 8 / ص 267)
الغيرة المحبوبة لله والغيرة المبغوضة رقم الفتوى:17659تاريخ الفتوى:04 ربيع الثاني 1423السؤال : أنا إنسان متزوج و لما أخرج من البيت يرتابني إحساس بأن زوجتي تخرج من البيت دون استشارتي، ولربما تلتقي بشخص آخر غيري، فأريد جزاكم الله خيراً تفسيراً لهذا دقيقاً مدققاً لهذا؟ وكيف يمكنني أن أعالجه؟ سواء أكان صائبا أم كان غير صائب؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان إحساسك هذا مبنياً على قرائن معتبرة وواقعة فينبغي لك التحقق من ذلك، فلا يجوز للشخص أن يتغافل عن أهله إذا رأى منهم ما يدعو إلى الريبة، أمَّا إن كان الأمر مجرد غيرة مفرطة أو سوء ظن بزوجتك، فهذا مما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات:12] وفي الحديث: إن من الغيرة ما يحب الله ومنها ما يبغض الله، فأما الغيرة التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير الريبة. رواه أحمد والنسائي وأبو داود من حديث جابر بن عتيك رضي الله عنه، وهو حديث حسن.
وبوبَّ الإمام البخاري في كتاب النكاح: باب لا يطرق أهله ليلاً إذا أطال الغيبة مخافة أن يتخونهم أو يلتمس عثراتهم، ثم روى حديث جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلاً. قال الحافظ ابن حجر : وفيه التحريض على ترك التعرض لما يوجب سوء الظن بالمسلم.
والذي ننصح به الأخ أن لا يسمح للظنون والوساوس الشيطانية أن تفسد عليه بيته أو أن تهدم أسرته، وتعكر حياته، وعلاجه تقوى الله وإحسان الظن بأهله وقطع وساوس الشيطان والاستعانة بالله عليها.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 12 / ص 3)
التخون المبني على الظن منهي عنه رقم الفتوى:21021تاريخ الفتوى:04 جمادي الثانية 1423السؤال : متزوج وعندي 3 أطفال منذ 11 سنة وكانت زوجتي أمامي مثال المرأة الملتزمة وخلفي لا أعلم ولم أشعر يوما واحداً أنها تحبني ولكنها بارعة في التمثيل وبالصدفة اكتشفت أمر الخيانة ولم تستطع أن تنكر أو حتى تدافع عن نفسها الآن هي مطلقة ولكن أنا حياتي انتهت ماذا أفعل لأجل أطفالي إذ هم كذلك جزاكم الله كل الخير
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان اكتشافك هذا مبنياً على قرائن معتبرة وواقعة، فينبغي لك التحقق من ذلك، فلا يجوز للشخص أن يتغافل عن أهله إذا رأى منهم ما يدعو إلى الريبة، أمَّا إن كان الأمر مجرد غيرة مفرطة أو سوء ظن بزوجتك، فهذا مما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات:12] وفي الحديث: إن من الغيرة ما يحب الله ومنها ما يبغض الله، فأما الغيرة التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير الريبة. رواه أحمد والنسائي وأبو داود من حديث جابر بن عتيك رضي الله عنه، وهو حديث حسن.
وبوبَّ الإمام البخاري في كتاب النكاح: باب لا يطرق أهله ليلاً إذا أطال الغيبة مخافة أن يتخونهم أو يلتمس عثراتهم. ثم روى حديث جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلاً. قال الحافظ ابن حجر : وفيه التحريض على ترك التعرض لما يوجب سوء الظن بالمسلم.
والذي ننصح به الأخ هو أن يتدارك هذا الأمر ويراجع أهله ولا يسمح للظنون والوساوس الشيطانية أن تفسد عليه بيته أو أن تهدم أسرته، وتعكر حياته، ما لم يتحقق من خيانتهم، وليعلم أن عجز هذه المرأة عن الدفاع عن نفسها في التهمة الموجهة إليها لا يعني بالضرورة ثبوتها عليها، بل قد يكون عن عيٍّ بها أو حياء أو غير ذلك، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض " متفق عليه.
فإن أبيت إلا طلاقها فإن حضانة الأولاد ما داموا صغاراً الأصل فيها أنها لأمهم ما لم تتزوج. وقد سبق تفصيل ذلك في الجواب رقم: 6256 والفتوى رقم: 6660
والله أعلم.(1/120)
حَقُّ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ
248-7905 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنُ مَالِجٍ قَالَ : حَدَّثَنَا خَلَفٌ وَهُوَ ابْنُ خَلِيفَةَ ، عَنْ حفص ابْنِ أَخِي أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ ، وَلَوْ صَلَحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا " (1)
__________
(1) - أخرجه أحمد برقم(12949) والضياء برقم(1895) وصحيح الجامع (7725) والمسند الجامع برقم (1398 )صحيح
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 347)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَتْ وَخَرَجَتْ عَنْ حُكْمِ وَالِدَيْهَا . فَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ : بِرُّهَا لِوَالِدَيْهَا أَوْ مُطَاوَعَةُ زَوْجِهَا ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . الْمَرْأَةُ إذَا تَزَوَّجَتْ كَانَ زَوْجُهَا أَمْلَكَ بِهَا مِنْ أَبَوَيْهَا وَطَاعَةُ زَوْجِهَا عَلَيْهَا أَوْجَبُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ } وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ ؛ إذَا نَظَرْت إلَيْهَا سَرَّتْك وَإِذَا أَمَرْتهَا أَطَاعَتْك وَإِذَا غِبْت عَنْهَا حَفِظَتْك فِي نَفْسِهَا وَمَالِك } . وَفِي صَحِيحِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَصَّنَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا دَخَلَتْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ } وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا رَاضٍ عَنْهَا دَخَلَتْ الْجَنَّةَ } وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَوْ كُنْت آمِرًا لِأَحَدِ أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدِ لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا } أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وَلَفْظُهُ : { لَأَمَرْت النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحُقُوقِ } وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ أَنَسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا يَصْلُحُ لِبَشَرِ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرِ وَلَوْ صَلَحَ لِبَشَرِ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرِ لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا ؛ مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ مِنْ قَدَمِهِ إلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ قُرْحَةٌ تَجْرِي بِالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْهُ فَلَحِسَتْهُ مَا أَدَّتْ حَقَّهُ } وَفِي الْمُسْنَدِ وَسُنَنِ ابْنِ ماجه عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَوْ أَمَرْت أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدِ لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَمَرَ امْرَأَتَهُ أَنْ تَنْقُلَ مِنْ جَبَلٍ أَحْمَرَ إلَى جَبَلٍ أَسْوَدَ وَمِنْ جَبَلٍ أَسْوَدَ إلَى جَبَلٍ أَحْمَرَ : لَكَانَ لَهَا أَنْ تَفْعَلَ } أَيْ لَكَانَ حَقُّهَا أَنْ تَفْعَلَ . وَكَذَلِكَ فِي الْمُسْنَدِ وَسُنَنِ ابْنِ ماجه وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ : { لَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ مِنْ الشَّامِ سَجَدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا هَذَا يَا مُعَاذُ ؟ قَالَ : أَتَيْت الشَّامَ فَوَجَدْتهمْ يَسْجُدُونَ لِأَسَاقِفَتِهِمْ وَبَطَارِقَتِهِمْ فَوَدِدْت فِي نَفْسِي أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ بِك يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَفْعَلُوا ذَلِكَ فَإِنِّي لَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا ؛ وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ } وَعَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيُّمَا رَجُلٍ دَعَا زَوْجَتَهُ لِحَاجَتِهِ فَلْتَأْتِهِ وَلَوْ كَانَتْ عَلَى التَّنُّورِ } رَوَاهُ أَبُو حَاتِمٍ فِي صَحِيحِهِ والترمذي وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ فَبَاتَ غضبانا عَلَيْهَا : لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ } . وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ : الزَّوْجُ سَيِّدٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَقَرَأَ قَوْله تَعَالَى { وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ } . وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : النِّكَاحُ رِقٌّ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ عِنْدَ مَنْ يُرِقُّ كَرِيمَتَهُ . وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٌ } فَالْمَرْأَةُ عِنْدَ زَوْجِهَا تُشْبِهُ الرَّقِيقَ وَالْأَسِيرَ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ سَوَاءٌ أَمَرَهَا أَبُوهَا أَوْ أُمُّهَا أَوْ غَيْرُ أَبَوَيْهَا بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ . وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى مَكَانٍ آخَرَ مَعَ قِيَامِهِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَحِفْظِ حُدُودِ اللَّهِ فِيهَا وَنَهَاهَا أَبُوهَا عَنْ طَاعَتِهِ فِي ذَلِكَ : فَعَلَيْهَا أَنْ تُطِيعَ زَوْجَهَا دُونَ أَبَوَيْهَا ؛ فَإِنَّ الْأَبَوَيْنِ هُمَا ظَالِمَانِ ؛ لَيْسَ لَهَا أَنْ يَنْهَيَاهَا عَنْ طَاعَةِ مِثْلِ هَذَا الزَّوْجِ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطِيعَ أُمَّهَا فِيمَا تَأْمُرُهَا بِهِ مِنْ الِاخْتِلَاعِ مِنْهُ أَوْ مضاجرته حَتَّى يُطَلِّقَهَا : مِثْلَ أَنْ تُطَالِبَهُ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ وَالصَّدَاقِ بِمَا تَطْلُبُهُ لِيُطَلِّقَهَا فَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُطِيعَ وَاحِدًا مِنْ أَبَوَيْهَا فِي طَلَاقِهِ إذَا كَانَ مُتَّقِيًا لِلَّهِ فِيهَا . فَفِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَصَحِيحِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ ثوبان قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ } وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ { الْمُخْتَلِعَاتُ وَالْمُنْتَزِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ } وَأَمَّا إذَا أَمَرَهَا أَبَوَاهَا أَوْ أَحَدُهُمَا بِمَا فِيهِ طَاعَةُ اللَّهِ : مِثْلَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَنَهْيِهَا عَنْ تَبْذِيرِ مَالِهَا وَإِضَاعَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَوْ نَهَاهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَنْهُ : فَعَلَيْهَا أَنْ تُطِيعَهُمَا فِي ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ مِنْ غَيْرِ أَبَوَيْهَا . فَكَيْفَ إذَا كَانَ مِنْ أَبَوَيْهَا وَإِذَا نَهَاهَا الزَّوْجُ عَمَّا أَمَرَ اللَّهُ أَوْ أَمَرَهَا بِمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ : لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُطِيعَهُ فِي ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقِ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ } بَلْ الْمَالِكُ لَوْ أَمَرَ مَمْلُوكَهُ بِمَا فِيهِ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُطِيعَهُ فِي مَعْصِيَةٍ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تُطِيعَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا أَوْ أَحَدَ أَبَوَيْهَا فِي مَعْصِيَةٍ فَإِنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالشَّرَّ كُلَّهُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ .
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 19 / ص 105)
حق الزوج على زوجته عظيم رقم الفتوى:29957تاريخ الفتوى:23 محرم 1424السؤال: توفيت أم زوجي منذ حوالي شهر ومنذ ذلك انقلب زوجي وأصبح عصبيا للغاية أنا أفهم أنه حزين على أمه ولكن هذا قضاء الله علينا أن نرضى به، وهو يصب جام غضبه علي ويختلق المشاكل الواحدة تلو الأخرى ، وأنا أحاول أن أكظم غيظي وأصبر عليه حتى تذهب عنه سحابات الحزن وهذا يتواصل معه إلى اليوم حيث يمتنع عن مخاطبتي ويتعصب علي بسبب وبدون سبب وكل هذا يجرح كرامتي وأشعر بالاهانة وبالكره تجاهه لأنه يظلمني وأنا مظلومة والله على ما أقول شهيد أنتظر منكم النصح و الإرشاد والله المستعان؟
الفتوى: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فجزاك الله خيراً على هذا التحمل والصبر ونسأل الله أن يثقل به ميزانك يوم القيامة، فما تقربت المرأة لربها بعد أداء فرائض الله عليها بمثل الحرص على طاعة زوجها وإرضائه، لعظم حقه عليها، قال صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة. أخرجه الترمذي.
وفي المسند عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يصلح لبشر أن يسجد لبشرٍ ولو صلح لبشر أن يسجد لبشرٍ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تجري بالقيح والصديد ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه.
ونوصيك بمزيد من الصبر والتحمل حتى تمر هذه السحابة التي كدرت حياتكما الزوجية، ففي الصبر والتحمل العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46].
وقال جل وعلا: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة:155].
وعليك أن تستعملي مع ذلك ما أرشد الله إليه في قوله عز من قائل: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34].
فمقابلة إساءة الزوج بإحسانك إليه كفيلة -إن شاء الله- بتنبيهه على الخطأ في حقك، ومن هذا أن تكثري من الدعاء والاستغفار لأمه بحضرته وتنوين بذلك الحرص على نفع أم زوجك وبر زوجك.
ولا يعني هذا أن زوجك معذور فيما يفعل فلا شك أن هذا لا يجوز له ، وأنه يجب عليه الصبر على فقد أمه، وأن يحتسب في ذلك الأجر عند الله، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن الله تعالى قال: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة. رواه البخاري.
أما أن يحمله الجزع على فقد أمه على العدوان على زوجته أو أولاده أو الآخرين، فهذا مسلك خطأ يعود عليه بضرر الدنيا وعقاب الآخرة، وللأهمية تراجع الفتوى رقم: 2589، والفتوى رقم: 22709.والله أعلم.
عون المعبود - (ج 5 / ص 25)
1828 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ أَخْبَرَنَا إِسْحَقُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ
أَتَيْتُ الْحِيرَةَ فَرَأَيْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِمَرْزُبَانٍ لَهُمْ فَقُلْتُ رَسُولُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُسْجَدَ لَهُ قَالَ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ إِنِّي أَتَيْتُ الْحِيرَةَ فَرَأَيْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِمَرْزُبَانٍ لَهُمْ فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ قَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ مَرَرْتَ بِقَبْرِي أَكُنْتَ تَسْجُدُ لَهُ قَالَ قُلْتُ لَا قَالَ فَلَا تَفْعَلُوا لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ
1828 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( أَتَيْت الْحِيرَة )
: بِكَسْرِ الْحَاء الْمُهْمَلَة بَلْدَة قَدِيمَة بِظَهْرِ الْكُوفَة
( فَرَأَيْتهمْ )
: أَيْ أَهْلهَا
( يَسْجُدُونَ لِمَرْزُبَانَ لَهُمْ )
: وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيم وَضَمّ الزَّاي الْفَارِس الشُّجَاع الْمُقَدَّم عَلَى الْقَوْم دُون الْمَلِك وَهُوَ مُعْرَب كَذَا فِي النِّهَايَة . وَقِيلَ أَهْل اللُّغَة يَضُمُّونَ مِيمه ثُمَّ إِنَّهُ مُنْصَرِف وَقَدْ لَا يَنْصَرِف
( رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقّ أَنْ يَسْجُد لَهُ )
: لِأَنَّهُ أَعْظَم الْمَخْلُوقَات وَأَكْرَم الْمَوْجُودَات
( أَرَأَيْت )
: أَيْ أَخْبِرْنِي
( لَوْ مَرَرْت بِقَبْرِي أَكُنْت تَسْجُد لَهُ )
: أَيْ لِلْقَبْرِ أَوْ لِمَنْ فِي الْقَبْر
( قُلْت لَا ، قَالَ فَلَا تَفْعَلُوا )
: قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّه : أَيْ اُسْجُدُوا لِلْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوت وَلِمَنْ مُلْكه لَا يَزُول فَإِنَّك إِنَّمَا تَسْجُد لِي الْآن مَهَابَة وَإِجْلَالًا فَإِذَا صِرْت رَهِين رَمْس اِمْتَنَعْت عَنْهُ
( لَوْ كُنْت آمُر )
: بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّم وَفِي بَعْض النُّسَخ آمِرًا بِصِيغَةِ الْفَاعِل أَيْ لَوْ صَحَّ لِي أَنْ آمُر أَوْ لَوْ فُرِضَ أَنِّي كُنْت آمُر
( لَأَمَرْت النِّسَاء أَنْ يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّه لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقّ )
: وَفِي بَعْض النُّسَخ مِنْ حَقّ فَالتَّنْوِين لِلتَّكْثِيرِ وَالتَّعْرِيف لِلْجِنْسِ وَفِيهِ إِيمَاء إِلَى قَوْله تَعَالَى { الرِّجَال قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّه بَعْضهمْ عَلَى بَعْض وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالهمْ } .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : فِي إِسْنَاده شَرِيك بْن عَبْد اللَّه الْقَاضِي وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْر وَاحِد ، وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِم فِي الْمُتَابَعَات .
تَعْلِيقُ الْحَافِظِ ابْنِ الْقَيِّمِ :
قَالَ الْحَافِظ شَمْس الدِّين اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه :
وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُد لِأَحَدٍ لَأَمَرْت الْمَرْأَة أَنْ تَسْجُد لِزَوْجِهَا " . قَالَ التِّرْمِذِيّ : هَذَا حَدِيث حَسَن غَرِيب صَحِيح ، قَالَ : وَفِي الْبَاب عَنْ مُعَاذ بْن جَبَل ، وَسُرَاقَة بْن مَالِك ، وَعَائِشَة ، وَابْن عَبَّاس ، وَعَبْد اللَّه بْن أَبِي أَوْفَى ، وَطَلْق بْن عَلِيّ ، وَأُمّ سَلَمَة ، وَأَنَس وَابْن عُمَر . فَهَذِهِ أَحَد عَشَرَ حَدِيثًا . فَحَدِيث اِبْن أَبِي أَوْفَى رَوَاهُ أَحْمَد فِي مُسْنَده قَالَ : " لَمَّا قَدِمَ مُعَاذ مِنْ الشَّام سَجَدَ لِلنَّبِيِّ ! فَقَالَ : مَا هَذَا يَا مُعَاذ ؟ قَالَ : أَتَيْت الشَّام فَوَافَيْتهمْ يَسْجُدُونَ لِأَسَاقِفَتِهِمْ وَبَطَارِقَتهمْ ، فَوَدِدْت فِي نَفْسِي أَنْ نَفْعَل ذَلِكَ بِك ! فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَلَا تَفْعَلُوا ، فَلَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُد لِغَيْرِ اللَّه لَأَمَرْت الْمَرْأَة أَنْ تَسْجُد لِزَوْجِهَا ، وَاَلَّذِي نَفْس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَا تُؤَدِّي الْمَرْأَة حَقَّ رَبّهَا حَتَّى تُؤَدِّي حَقَّ زَوْجهَا وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسهَا وَهِيَ عَلَى قَتَب لَمْ تَمْنَعهُ " وَرَوَاهُ اِبْن مَاجَهْ . وَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيث حَفْص اِبْن أَخِي عَنْ أَنَس ، رَفَعَهُ : " لَا يَصْلُح لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُد لِبَشَرٍ ، وَلَوْ صَلَحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُد لِبَشَرٍ لَأَمَرْت الْمَرْأَة أَنْ تَسْجُد لِزَوْجِهَا مِنْ عِظَم حَقّه عَلَيْهَا " ، وَرَوَاهُ أَحْمَد . وَفِيهِ زِيَادَة : " وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ . لَوْ كَانَ مِنْ قَدَمه إِلَى مَفْرِق رَأْسه قُرْحَة تَنْجِيس بِالْقَيْحِ وَالصَّدِيد . ثُمَّ اِسْتَقْبَلَتْهُ تَلْحَسهُ " مَا أَدَّتْ حَقّه " . وَرَوَى النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيث أَبِي عُتْبَة عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : " سَأَلْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيّ النَّاس أَعْظَم حَقًّا عَلَى الْمَرْأَة ؟ قَالَ . زَوْجهَا ، قُلْت : فَأَيّ النَّاس أَعْظَم حَقًّا عَلَى الرَّجُل ؟ قَالَ أُمّه " . وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَابْن حِبَّان مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَنْظُر اللَّه إِلَى اِمْرَأَة لَا تَشْكُر لِزَوْجِهَا ، وَهِيَ لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ " وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث أُمّ سَلَمَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَيّمَا اِمْرَأَة مَاتَتْ وَزَوْجهَا رَاضٍ عَنْهَا دَخَلَتْ الْجَنَّة " قَالَ التِّرْمِذِيّ : حَسَن غَرِيب . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا دَعَا الرَّجُل اِمْرَأَته لِفِرَاشِهِ ، فَأَبَتْ أَنْ تَجِيء فَبَاتَ غَضْبَانًا عَلَيْهَا ، لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَة حَتَّى تُصْبِح " .(1/121)
249- 7906 أَخْبَرَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ : حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ ، عَنْ أَبِي عُتْبَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ النَّاسِ أَعْظَمُ حَقًّا عَلَى الْمَرْأَةِ ؟ قَالَ : " زَوْجُهَا " قُلْتُ : فَأَيُّ النَّاسِ أَعْظَمُ حَقًّا عَلَى الرَّجُلِ ؟ قَالَ : " أُمُّهُ " (1)
__________
(1) - أخرجه الحاكم برقم(7244) وقال الحافظ فى " الفتح " 10 / 402 : صححه الحاكم .
واتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة - ( 3205) وقال : هذا إسناد حسن.
وقد نص الحافظ في التقريب على أن أبي عتبة مجهول ، وذكر تصحيح الحاكم في الفتح والظاهر أنه كما قال البوصيري
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 2867)
«التّعارض بين برّ الأب وبرّ الأمّ»
4 - لمّا كان حقّ الوالدين على الأولاد عظيماً ، فقد نزل به القرآن الكريم في مواضع كثيرةٍ ، ووردت به السّنّة المطهّرة ، ويقضي ذلك بلزوم برّهما وطاعتهما ورعاية شئونهما والامتثال لأمرهما ، فيما ليس بمعصيةٍ ، على نحو ما سبق بيانه.
ونظراً لقيام الأمّ بالعبء الأكبر في تربية الولد اختصّها الشّارع بمزيدٍ من البرّ ، بعد أن أوصى ببرّهما ، فقال تعالى : «وَوَصَّيْنَا الإنسانَ بِوالديه حَمَلَتْه أمُّه وَهْنَاً على وَهْنٍ وفِصَالُه في عَامينِ» .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : « جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول اللّه : من أحقّ بحسن صحابتي ؟ قال : أمّك قال : ثمّ من ؟ قال : أمّك قال : ثمّ من ؟ قال : أمّك قال : ثمّ من ؟ قال : أبوك » .
وقوله صلى الله عليه وسلم « إنّ اللّه يُوصيكم بأمّهاتكم ، ثمّ يُوصيكم بأمّهاتِكم ، ثمّ يُوصيكم بأمّهاتكم ، ثمّ يُوصيكم بآبائِكم ، ثمّ يوصيكم بالأقربِ فالأقربِ » .
ومن حديث عائشة رضي الله عنها : « سألتُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم : أيّ النّاسِ أعظمُ حقّاً على المرأة ؟ قال : زوجها.
قلتُ : فعلى الرّجل ؟ قال أمُّه » .
ففيما ذكر - وغيره كثير - ممّا سبق بيانه دليل على منزلة الأبوين ، وتقديم الأمّ في البرّ على الأب في ذلك ، لصعوبة الحمل ، ثمّ الوضع وآلامه ، ثمّ الرّضاع ومتاعبه ، وهذه أمور تنفرد بها الأمّ وتشقى بها ، ثمّ تشارك الأب في التّربية ، فضلاً عن أنّ الأمّ أحوج إلى الرّعاية من الأب ، ولا سيّما حال الكبر.
وفي تقديم هذا الحقّ أيضاً : أنّه لو وجبت النّفقة على الولد لأبويه ، ولم يقدر إلاّ على نفقة أحدهما ، فتقدّم الأمّ على الأب في أصحّ الرّوايات عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ، وهو رأي عند الحنابلة ، وذلك لما لها من مشقّة الحمل والرّضاع والتّربية وزيادة الشّفقة ، وأنّها أضعف وأعجز.
هذا ما لم يتعارضا في برّهما.
5- فإن تعارضا فيه ، بأن كان في طاعة أحدهما معصية الآخر.
فإنّه ينظر.
إن كان أحدهما يأمر بطاعةٍ والآخر يأمر بمعصيةٍ ، فإنّ عليه أن يطيع الآمر بالطّاعة منهما دون الآمر بالمعصية ، فيما أمر به من معصيةٍ.
لقوله صلى الله عليه وسلم : « لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالق » وعليه أن يصاحبه بالمعروف للأمر بذلك في قوله تعالى : «وصاحِبْهما في الدّنيا معروفاً» وهي وإن كانت نزلت في الأبوين الكافرين ، إلاّ أنّ العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب.
أمّا إن تعارض برّهما في غير معصيةٍ ، وحيث لا يمكن إيصال البرّ إليهما دفعةً واحدةً ، فقد قال الجمهور : طاعة الأمّ مقدّمة ، لأنّها تفضل الأب في البرّ.
وقيل : هما في البرّ سواء ، فقد روي أنّ رجلاً قال لمالكٍ : « والدي في السّودان ، كتب إليّ أن أقدم عليه ، وأمّي تمنعني من ذلك ، فقال له مالك : أطع أباك ولا تعص أمّك » .
يعني أنّه يبالغ في رضى أمّه بسفره لوالده ، ولو بأخذها معه ، ليتمكّن من طاعة أبيه وعدم عصيان أمّه.
وروي أنّ اللّيث حين سئل عن المسألة بعينها قال : « أطع أمّك ، فإنّ لها ثلثي البرّ » .
كما حكى الباجيّ أنّ امرأةً كان لها حقّ على زوجها ، فأفتى بعض الفقهاء ابنها : بأن يتوكّل لها على أبيه ، فكان يحاكمه ، ويخاصمه في المجالس تغليباً لجانب الأمّ.
ومنعه بعضهم من ذلك ، قال : لأنّه عقوق للأب ، وحديث أبي هريرة إنّما دلّ على أنّ برّه أقلّ من برّ الأمّ ، لا أنّ الأب يعقّ.
ونقل المحاسبيّ الإجماع على أنّ الأمّ مقدّمة في البرّ على الأب.
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 8351)
«حقوق الزّوج على زوجته»
«أ - وجوب الطّاعة»
2 - جعل اللّه الرّجل قوّاماً على المرأة بالأمر والتّوجيه والرّعاية ، كما يقوم الولاة على الرّعيّة ، بما خصّه اللّه به الرّجل من خصائص جسميّة وعقليّة ، وبما أوجب عليه من واجبات ماليّة ، قال تعالى : «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ» .
قال البيضاويّ في تفسير الآية : أي يقومون عليهنّ قيام الولاة على الرّعيّة ، وعلّلوا ذلك بأمرين : وهبيّ وكسبيّ ، فقال : «بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ» بسبب تفضيله الرّجال على النّساء بكمال العقل ، وحسن التّدبير ، ومزيد القوّة ، وبما أنفقوا في نكاحهنّ كالمهر والنّفقة ، فكان له عليها حقّ الطّاعة في غير معصية اللّه.
روى الحاكم عن عائشة رضي الله عنها « أنّها قالت : سألت النّبيّ صلى الله عليه وسلم : أيّ النّاس أعظم حقّاً على المرأة ؟ قال : زوجها ».
وقال عليه الصلاة والسلام : « لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لما جعل اللّه لهم عليهنّ من الحقّ».
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 9 / ص 366)
هل معنى طاعة المرأة لزوجها ذوبانها في شخصيته؟! رقم الفتوى:18814تاريخ الفتوى:25 ربيع الثاني 1423السؤال : إنني أتساءل هل المرأة عندما تتزوج تصبح التابع الذي يتبع مزاجيات الرجل لتنعدم استقلاليتها لتطيع الرجل في كل ما هب ودب فيما ليس بالواجبات عليها وقد سمعت أنه لايجوز للمرأة فقط عدم طاعة الزوج في حق الزوجية الخاص ولها الحرية فيما لا معصية لله فيه وهنا تسمى الناشز وتنطبق آية المرأة الناشز والله سبحانه وتعالى يقول: (وللرجال عليهن درجة) ونرى من يجعل ألف درجة للرجل فما هو رأي فضيلتكم؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء:34].
وروى الترمذي وابن ماجه والحاكم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة (وهي أسماء بنت يزيد الأنصارية ) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، هذا الجهاد كتبه الله على الرجال، فإن يصيبوا أجروا، وإن قتلوا كانوا أحياء عند ربهم يرزقون. ونحن معشر النساء نقوم عليهم، فما لنا من ذلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبلغي من لقيت من النساء أن طاعة الزوج واعترافا بحقه يعدل ذلك كله، وقليل منكن من يفعله" رواه البزار والطبراني.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، أي الناس أعظم حقاً على المرأة؟ قال: "زوجها"، قلت: فأي الناس أعظم حقاً على الرجل؟ قال: "أمه" رواه البزار والحاكم بإسناد حسن.
هذه نصوص الوحي لو تأملتها لعلمت أن طاعة الزوج واجبة على زوجته، ولكن هذه الطاعة بالمعروف وفي المباح خاصة، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وقال الفقهاء: من وجبت طاعته وجبت في المباح إلا لضرر، فهي تشبه طاعة الوالد، وطاعة ولي الأمر، فهي طاعة بالمعروف.
ونحن نعلم أن للوالدين منع ولدهما من الجهاد إذا لم يتعين.
وطاعة الزوج لا يجوز أن يستغلها للتعسف والتجبر والاستعلاء، لأنها فرضت لحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى، ولمصلحة الأسرة نفسها، فما من مؤسسة أو إدارة أو شركة إلا ولها مدير هو صاحب النفوذ فيها والكلمة الأخيرة.
وإذا كان الأمر كذلك، فما بالنا بهذه المؤسسة المهمة، واللبنة الأساسية للمجتمع المسلم.
والله أعلم.
موسوعة الأسرة المسلمة معدلة - (ج 1 / ص 49)
حقوق الزوج:
يمثل الرجل في الأسرة دور الربان في السفينة، وهذا لا يعني إلغاء دور المرأة، فالحياة الزوجية مشاركة بين الرجل والمرأة، رأس المال فيها المودة والرحمة، والرجل عليه واجبات تحمل أعباء الحياة ومسئولياتها، وتحمل مشكلاتها، وكما أن للمرأة حقوقًا على زوجها، فإن له حقوقًا عليها، إذا قامت بها سعد وسعدت، وعاشا حياة طيبة كريمة، قال تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم} [البقرة: 228] .
وقد سألت السيدة عائشة -رضي الله عنها- رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: أي الناس أعظم حقًّا على المرأة؟ قال: (زوجها)، فقالت: فأي الناس أعظم حقًّا على الرجل؟ قال: (أمه) [الحاكم، والبزار].
وللرجل على المرأة حق القوامة، فعلى المرأة أن تستأذن زوجها في الخروج من البيت، أو الإنفاق من ماله، أو نحو ذلك، ولكن ليس للزوج أن يسيء فهم معنى القوامة، فيمنع زوجته من الخروج، إذا كان لها عذر مقبول، كصلة الرحم أو قضاء بعض الحاجات الضرورية. فما أكرم النساء إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم.
والقوامة للرجل دون المرأة، فالرجل له القدرة على تحمل مشاق العمل، وتبعات الحياة، ويستطيع أن ينظر إلى الأمور نظرة مستقبلية، فيقدم ما حقه التقديم، ويؤخر ما حقه التأخير، قال تعالى: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} [النساء: 34] .(1/122)
حَقُّ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا
250-7907 أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا يَحْيَى ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ قَالَ : حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ "(1)
__________
(1) - أخرجه ابن ماجة برقم(3809) وأحمد برقم( 9916 ) حسن
حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 7 / ص 83)
3668 - قَوْله ( إِنِّي أُحَرِّج ) بِالْحَاءِ الْمُهْلَة مِنْ التَّحْرِيج أَوْ الْإِحْرَاج أَيْ أُضَيِّق عَلَى النَّاس فِي تَضْيِيع حَقّهمَا وَأُشَدِّد عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ وَالْمَقْصُود إِشْهَاده تَعَالَى فِي تَبْلِيغ ذَلِكَ الْحُكْم إِلَيْهِمْ وَفِي الزَّوَائِد الْمَعْنَى أُحَرِّج عَنْ هَذَا الْإِثْم بِمَعْنَى أَنْ يَضِيع حَقّهَا وَأُحَذِّر مِنْ ذَلِكَ تَحْذِيرًا بَلِيغًا وَأَزْجُر عَنْهُ زَجْرًا أَكِيدًا قَالَهُ النَّوَوِيُّ قَالَ وَإِسْنَاده صَحِيح رِجَاله ثِقَات .
فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (ج 6 / ص 102)
2651 - (إني أحرّج) لفظ رواية البيهقي أحرم (عليكم) أيها الأمة (حق الضعيفين) أي ألحق الحرج وهو الإثم بمن ضيعهما فأحذره من ذلك تحذيراً بليغاً وأزجره زجراً أكيداً ذكره النووي وقال غيره: أضيقه وأحرمه على من ظلمهما قال الزمخشري: ومن المجاز وقع في الحرج وهو ضيق المأثم وأحرجني فلان أوقعني في الحرج وحرجت الصلاة على الحائض والسحور على الصائم لما أصبح أي حرما وضاق أمرهما وظلمك على حرج أي حرام [ص 21] ضيق وتحرج فلان من كذا أي تأثم وحلف بالمحرَّجات أي بالطلاق الثلاث (اليتيم والمرأة) وجه تسميتهما بالضعيفين ظاهرة بل محسوسة وقد مر ذلك مبسوطاً فراجعه.
- (ك) في الإيمان (هب) كلاهما (عن أبي هريرة) قال: كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول ذلك على المنبر أي في الخطبة قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي لكن فيه أبو صالح كاتب الليث ضعيف ومحمد بن عجلان أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ذكره البخاري في الضعفاء وقال الحاكم: سيء الحفظ وسعيد بن أبي سعيد المقبري قال الذهبي: لا يحل الاحتجاج به وقضية صنيع المؤلف أن هذا لم يخرجه أحد من الستة والأمر بخلافه فقد رواه النسائي عن خويلد بن عمرو الخزاعي مرفوعاً بلفظ اللّهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة قال في الرياض: وإسناده حسن جيد فلو عزاه المؤلف إليه كان أولى.
كيف نوظف طاقات هذا الشاب الخجول؟ !
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /الخجل
التاريخ 20/11/1425هـ
السؤال
أحسن الله إليك يا شيخ، لدينا شاب في الحلقة والنشاط، مجتهد، ويحضر ومواظب، وله معنا قرابة الأربع سنوات، والآن هو في الصف الثاني الثانوي، لكنه غير فعَّال، كلمته المشهورة: لا أريد شيئًا(ما أبغى أشارك). لا يتكلم كثيرًا مع الطلاب، شديد الحياء، أعطي مهام ولم ينفذها، والسؤال: ما الأسلوب الأمثل للتعامل مع هذه النوعية بحيث نستفيد ويستفيد من نفسه وإمكاناته لخدمة الدين؟ والله الموفق.
الجواب
الأخ الكريم - سلمه الله ورعاه- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فنشكر لك مراسلتك لنا على موقع "الإسلام اليوم"، ونرجو الله أن تجد منا النفع والفائدة.
ونعتذر عن التأخير في إجابة سؤالك، والجواب على ما سألت عنه كالتالي:
أولًا: أشكر لك استشعارك المسؤولية عن إخوانك من الشباب لإعانتهم على أنفسهم، ليكونوا أكثر إيجابية في الخير، والبر، والرشاد، وأسأل الله أن يكتب لك أجره، وأن ينفع بجهدك وعطائك وحرصك.
ثانيًا: ما رأيك لو جعلناه يختار العمل المناسب له، والذي يشعر أنه أقرب لقدراته؛ فإن هذا نافع، بإذن الله.
ثالثًا: حاول ربطه بالشاب الأكثر تفاعلًا ليتعلَّم منه ويتأثر.
رابعًا: اصنع فيه الثقة بالتالي:
1- علّقه بالله، من تعلق بشيء وُكل إليه. . ! فما أعظم أن يوكل الإنسان إلى ربه الرحمن الرحيم. . القوي القدير. . اللطيف الخبير. . علّمه كيف يحسن التعلق بالله. . الفزع إليه.
2- اشحذ همّته بذكر قصص الصحابة، رضي الله عنهم، والتابعين، ومن سار في فلكهم وعلى طريقتهم من العلماء، والعباد، والزهاد، والقادة، والمجاهدين، وغيرهم.
3- عزز جانب النقص فيه بالعبارات والكلمات التي من شأنها رفع المعنويات، والنقص
قد يكون نقصًا فطريًّا، وجِبِليًّا، عزّزه بما يكمله، وإن كان هذا التعزيز شعوريًّا نفسيًّا، وكم كلمة وحديث قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم- يؤكد هذا المنهج في تعزيز النقص الفطري، كمثل قوله عليه الصلاة والسلام في حق المرأة - والتي فيها نقص فطري: "اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ". أخرجه ابن ماجه (3678). وقال: "مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ". وَضَمَّ أَصَابِعَهُ. أخرجه مسلم (2631). وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ ابْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْ الْبَنَاتِ فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنْ النَّارِ". أخرجه الترمذي (1913). وقال صلى الله عليه وسلم: "إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ؛ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ". أخرجه أحمد (1661). إنه تكميل وتعزيز لتكون أكثر ثقة بنفسها حين تتعامل مع معطيات الحياة بهذه النفسية والمعنويات الواثقة المرتفعة!
4 - احترم جهده، لا تتجاهل أو تحقّر. . لكن. . احترم وقدّر. . وتذكر قصة الشابين الفتيين. . يختصمان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّهما قتل أبا جهل! فيطلب صلى الله عليه وسلم سيوفهما. . فيرى عليها آثار الدماء. . فيقول: "كِلَاكُمَا قَتَلَهُ". أخرجه البخاري (3141) ومسلم (1752). ويوصي النساء، رضي الله عنهن، كما في الحديث الصحيح: "يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ ". أخرجه البخاري (2566) ومسلم (1030). إن احترام جهود الآخرين. . مهما قلّت أو دقّت، تبعث في قلوب الآخرين الثقة فيما يقدمون ويعطون ويبدعون. . . فأنت جزاك الله خيرًا احترم جهد هذا الشاب مهما قلَّ. . تصنع فيه الثقة.
5- كلّفه بالمستطاع؛ حتى لا يصاب بالإحباط. . أو الفتور، وحتى لا يصير أسير الضجر والملل، أسير التخبّط والفشل، كلّفه بالمستطاع من خلال معرفتك بقدراته وإمكاناته، ثم اختر المناسب في المكان المناسب، وفي الوقت المناسب. تأمل معي في منهجية رسول الله صلى الله عليه وسلم- في تربيته وتقوية جوانب العطاء في صحابته، رضي الله عنهم: حذيفة أمين السر، وخالد بن الوليد سيف الله المسلول، وأبو هريرة المحدّث الحافظ.. يوم الخندق ينتدب حذيفة، وفي القوم أبو بكر وعمر، رضي الله عنهم جميعًا- انظر صحيح مسلم (1788).
حين تطلب من الآخرين ما لا يمكن أن ينجزوه أو يعملوه توقعهم في حبائل الضعف والخور والفشل. كلفه بالمستطاع لتجده أكثر ثقة في إبداعه.
6- ثق به؛ ليكون أوثق بنفسه، امنحه ثقتك وأحسن الظن به، لا تعامله بالشك والريبة، وتأويل الأفعال، وإلزام النيات والمقاصد ما لا يلزم. وفي الصحيح: رسول الله صلى الله عليه وسلم- يجعل أسامة بن زيد، رضي الله عنه، على جيش يسيّره إلى الروم، وفي الجيش كبار الصحابة، وأميرهم أسامة! انظر صحيح البخاري (3730) ومسلم (2426).
يُرسل معاذًا، رضي الله عنه، إلى اليمن. أخرجه البخاري (1458) ومسلم (19). ومصعب، رضي الله عنه، الشاب المترف يرسله سفيرًا للإسلام إلى المدينة- انظر صحيح البخاري (3924).
إن الثقة بالآخرين من أعظم ما يولّد الثقة عندهم، ثقة في أنفسهم، وثقة بك.
7- صارحه، لا تزين له ولا تتكلّف له، اسْتُرْ عَيْبَهُ عن أن تفضحه، لكن لا تستر عيبه عن أن تنصحه، صارحه بأخطائه مصارحة الحريص المشفق من غير تشهير أو تحقير أو إذلال، وتذكر أسلوب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: "مَا بَالَ أَقْوَامٍ...." أخرجه البخاري (456) مسلم (1504). و:"نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ". أخرجه البخاري (1122) ومسلم (2479). وكما صارحته بعيبه، صارحه بحبك، وفي الحديث الصحيح: "إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ". أخرجه أبو داود (5124) والترمذي (2392).
8- امنحه فرصة التعبير عن شعوره وأفكاره بكل أريحية، لا تزجر، أو تضجر، وفي الصحيح: يدخل شاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: يا رسول الله، ائذن لي في الزنى. يا الله! تأمل معي، يريد الزنا! ويريده حلالاً أيضًا! فيدنيه منه صلى الله عليه وسلم وهو يقول في شفقة وحب: "أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ. . لِأُخْتِكَ. .". حتى يقول له: "وَهَكَذَا النَّاسُ لَا يُحِبُّونَه لِأُمَّهَاتِهِمْ. . . وَأَخَوَاتِهِمْ". أخرجه أحمد (22211). فيقوم الشاب من عنده وهو أوثق بنفسه من أن يقع في هذه الكبيرة بعد هذا الحوار الهادئ. هذا الشاب وأمثاله بحاجة إلى أن تعطيه فرصة- أريحية- للتعبير عن أفكاره، مشاعره، عواطفه، خلجات دواخله. . من غير أن تكبح، أو تَذَمَّرَ، أو تزجر! إنك حين تحرمه هذه الفرصة سيكون أضعف من أن يواجه نفسه بصراحة. لتبني الثقة فيه، امنحه فرصة التعبير.
9- لا تسخر به.
وفي الصحيح: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ. . . قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: أَخْزَاكَ اللَّهُ. قَالَ: "لَا تَقُولُوا هَكَذَا، لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ". أخرجه البخاري (6777). هذه الكلمات لهي أشد وقعًا في نفس ذلك الرجل من سياط الجلد، إنها تربية النبوة.
لا تسخر من طالبك حين يخطئ، أو حين يحاول الإبداع، إنك تغتال طموحه، تقتل فيه الإبداع، المبادرة، الإنجاز. . (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ)[الحجرات: 11].
10- علّمه كيف يبدع، كيف ينجز، كيف يتخلص من مشاكله، وجّه، انصح، ساعد، أَغِثْ.
ويَنْشَأُ نَاشِئُ الفِتْيَانُ مِنّا عَلَى مَا كَانَ عَوّدَهُ أَبُوهُ وكن به رحيمًا؛ (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)[التوبة: 128]. أخرج ابن جرير 12/137 بسنده، عن أبي اليَسَرِ (كعب بن عمرو الأنصاري) قال: (أتتني امرأة تبتاع مني بدرهم تمرًا، فقلت إن في البيت تمرًا أجود من هذا، فدخلتْ فأهويتُ إليها فقبَّلتُهاُ فأتيتُ أبا بكر، فقال: استر على نفسك، وتب واستغفر الله. فأتيت رسول الله فقال: "أَخَلَفْتَ رَجُلًا غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ فِي أَهْلِهِ بِمِثْلِ هَذَا؟". حتى ظننت أني من أهل النار، حتى تمنيت أني أسلمت ساعتئذ، قال: فأطرق رسول الله ساعة، فنزل جبرئيل، فقال: "أين أبو اليَسَرِ؟". فجئت فقرأ علي: (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)[هود: 114]. قال إنسانٌ له: يا رسول الله، خاصة أم للناس عامة؟ قال: "لِلنَّاسِ عَامَّةً". وأصله في الصحيحين من حديث ابن مسعود- البخاري (526) ومسلم (2763). وعن أبي ذر، رضي الله عنه، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ". أخرجه الإمام أحمد (21354) والترمذي (1987). لقد خرج هذا المذنب الخطّاء من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أشد عزمًا على أن لا يقرب هذه المعصية، خرج من عنده، وهو أكثر أملًا وتفاؤلًا.
إنك حين تعلّم غيرك، كيف يبدع، كيف يسمو، كيف يتخلّص من مشاكله وهمومه، يكون أقدر وأوثق من نفسه على أن يقضي دهره في ظل أمل بعمل!
لا حُرمتَ الأجرَ أيها المبارك، وسدد الله على الخير خطاك.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 20 / ص 470)
اللهم إني أحرج حق الضعيفين.." صحيح رقم الفتوى:31876تاريخ الفتوى:09 ربيع الأول 1424السؤال : ما صحت الحديث < اتقوا الله فئ الضعفين> وهل هم النساء واليتيم؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلم نعثر على الحديث بهذا اللفظ، ولكن موجود بلفظ: اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة. رواه ابن ماجه وأحمد.
ومعنى أحرج أضيق على الناس من تضييع حقهما وأشدد عليهم في ذلك.
والله أعلم.
31881
عنوان الفتوى:حكم السلام على المصلي رقم الفتوى:31881تاريخ الفتوى:09 ربيع الأول 1424السؤال : بعض الإخوة يدخلون المسجد فيجدون المصلين في الصلاة والإمام يقرأ فيسلمون بصوت جهير مما يربك البعض فهل يجوز ذلك؟ وماهي الأوقات التي لا يجوز فيها السلام كعند الأكل مثلا؟ وشكراً.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد سبق حكم السلام على المصلي برقم: 15329.
كما سبق ذكر من لا يلقي عليهم السلام برقم: 22358.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 21 / ص 407)
ما حكم ضرب الأخ لأخته ضربا مبرحا أدى لارتجاج بالمخ والسبب ليس لشيء يغضب الله ورسوله ولكن كونه رجل؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالاعتداء على الغير سواء كان هذ الغير قريباً أو بعيداً رجلاً كان أو امرأة ظلم، والظلم محرم في الشرع، وفي الحديث القدسي: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا. رواه مسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية شارحاً الحديث: ولهذا كان العدل أمراً واجباً في كل شيء وعلى كل أحد، والظلم محرماً في كل شيء ولكل أحد، فلا يحل ظلم أحد -أصلاً- سواء كان مسلماً أو كافراً أو كان ظالماً. وقوله: وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا. فهذا خطاب لجميع العباد أن لا يظلم أحدُ أحداً. انتهى.
فما فعله هذا الأخ بأخته ظلم عظيم وجريمة يستحق عليها العقوبة المناسبة لحجم الجريمة مما تحدده المحاكم الشرعية، ليكون ذلك زاجراً له عن العود لمثلها ولغيره ممن تسول له نفسه الاعتداء على الغير، لاسيما الضعفاء كالمرأة التي جاءت الوصايا النبوية بالرفق بها وحرمة الاعتداء عليها، ففي الحديث: اللهم إني احرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة. رواه ابن ماجه.
وقال: استوصوا بالنساء خيراً. فليس من الدين ولا من المروءة ولا من الرجولة الاعتداء على النساء بَلْهَ القريبات.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 34 / ص 101)
حكم أخذ أحد الورثة من ميراث إخوته لقاء عمله رقم الفتوى:51513تاريخ الفتوى:08 جمادي الثانية 1425السؤال :
هل يجوز إعطاء الأبناء من ميراث الإخوة حيث إن هذا الابن هو أكبر إخوته وأتعبهم في الحقل ويريد إخراج جوازة ابنه ولما تم رفضنا لذلك قال هذا حقي فما رأي الشرع في ذلك وجزاكم الله خيراً وهل لو أعطوه اتقاءً لشره جائز أم لا.
الفتوى :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا مانع أن يعطي الإخوة من ميراثهم لأخيهم الأكبر إذا كانوا بالغين رشداء، أو كان ذلك عن طيب نفس مقابل عمل يقوم به لصالحهم أو كان من باب المداراة ودفع الضرر، ومن حقه كعامل أن يطالب بمقابل على عمله إذا لم يكن قام به على وجه التبرع، ولكن لا يجوز له استغلال إخوانه الصغار أو الضغط عليهم وابتزازهم ليحصل منهم على التنازل عن بعض ممتلكاتهم من التركة بغير طيب نفس منهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس. رواه الدارقطني والحاكم... وقال صلى الله عليه وسلم: كل المسل على المسلم حرام دمه وماله وعرضه. رواه مسلم.
ويتأكد التحريم وتكون العقوبة أشد إذا كانوا قاصرين، فقد روى الإمام أحمد وأصحاب السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 38 / ص 167)
الصبر على البلوى خير رقم الفتوى:56472تاريخ الفتوى:22 شوال 1425السؤال:
تزوجت للمرة الثانية بعد فشل زواجي الأول بسبب المخدرات التي دمرت بيتنا، وكلي أمل في بناء أسرة جديدة بدلاً من أسرتي السابقة، ولأني أقدر الحياة الزوجية لم أتوقع أني أفشل أبداً وقد أخبرته بذلك وقلت له أنا هدفي الأسرة والاستقرار وعدم الفشل مرة أخرى وكان كالملاك وأنها أمنيته أيضاً، تم الزواج وبعد ثلاثة أشهر طلب مني أن أتحمل مصاريفي فوافقت لأني موظفة ولا مانع من التكاتف في الحياة، وبعدها بشهرين هجرني واشترط لعودتي أن أتحمل جميع مصاريف البيت واحتياجاته وبعد فراق دام شهرين وافقت لأني لا أريد سوى الستر والعفاف ولا أتخيل أني في كل حين يكون لي رجل واحتسبت ذلك عند الله، ولعله يفتح بصيرته يوما أو يتغير بعد الإنجاب الذي هو حريص عليه من الشهور الأولى لزواجنا، وفعلاً حدث الحمل قبل أن نكمل عامنا الأول بشهر وعندما أصبح عمر الجنين شهرا ونصف طلب مني سلفة بنكية يتجاوز تسديدها سنوات عديدة تجاهلت الموضوع وفي يوم ألح علي قلت لا وأحببت أن أوضح أسبابي فرفض وقال أنت طالق، اليوم وبعد مضي 4 شهور على فراقنا تحرك الطفل في أحشائي وهو لم يحرك ساكناً، علماً بأني حاولت لمدة شهرين أن أعود من أجل ابني لكنه رفض وتركني لمشاعر القهر والظلم التي شغلتني حتى عن العبادة وممارسة حياتي فأنا أحبه حبا عظيماً رغم كل ما فيه من صفات، أنا يئست أن يعود إلي ولكني إلى اليوم أبكيه وتنتابني أعراض جسمانية غريبة فالطب لم يجد لها علاجا ولم أتخلص من مشاعر القهر والظلم هل هذا الرجل ظلمني، هل يجوز أن أدعو عليه لعل الدعاء يشفي غليلي؟
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلوذي أختاه بربك ومولاك واسأليه أن يأجرك في مصيبتك وأن يخلف عليك خيراً مما أخذ منك، وعليك بدعاء المصيبة، فقد روى مسلم في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمر الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني (وفي رواية آجرني) في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها، إلا أخلف الله له خيرا منها، قالت: فلما مات أبو سلمة، قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واعلمي أن ما مر عليك قد يكون ابتلاء وامتحانا ترفع به الدرجات وتكفر السيئات، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم. رواه النسائي.
وعليك بالصبر والرضاء بما قدر الله لك وما ابتلاك به، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي وقال حديث حسن.
فما من عبد يبتلى ببلوى أو مصيبة فيصبر عليها إلا كان ذلك خيراً له، كما في الحديث الصحيح: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن! إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له. رواه مسلم.
ثم إنه لا شك أن نفقة الزوجة تجب على زوجها ولو كانت غنية، وأن مصاريف البيت أيضاً ليست على الزوجة، وبالتالي فإلزامها بشيء من ذلك ظلم لها وأكل لمالها بالباطل، والذي يتخذ من حب زوجته له وطاعتها إياه ذريعة يظلمها بها ويحملها على أمور لا تلزمها شرعاً ولا عادة، أين هو من قوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19}، ومن قوله صلى الله عليه وسلم: استوصوا بالنساء خيراً. حديث متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة. رواه الإمام أحمد وابن ماجه.
فالرجل إذ فرط في واجبات امرأته أو ألزمها بما لا يلزمها عادة ولا شرعا فقد ظلمها، ولا بأس بالدعاء على الظالم وإن كان العفو أفضل وأكثر أجراً، وتراجع الفتوى رقم: 23857.
وأخيراً ننصح أختنا بأن تتوجه إلى ربها وأن تدعوه بإخلاص وصدق نية أن يفرج همها وييسر أمرها وأن يصرف همها عن هذا الرجل فربما لم يكن لها فيه الخير، فالرجال كثير ورزق الله واسع، وينبغي أن تعلم الأخت بأن الإنسان قد يكره ما هو خير له والله لطيف بعباده، وما يدريك لعل فراق هذا الرجل في وقت مبكر من الزواج خير من البقاء معه أكثر من ذلك، فلا يُدرى ما هي المشكلات التي ستحدث لو استمرت الحياة الزوجية بينكما قليلاً، نسأل الله عز وجل أن يصلح أحوال المسلمين.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 39 / ص 274)
حقوق الأرامل في الإسلام رقم الفتوى:57891تاريخ الفتوى:28 ذو القعدة 1425السؤال :
من هي الأرملة ...الأرامل . حقوق المجتمع الإسلامي اتجاههم؟
الفتوى :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأرملة هي المرأة التي مات عنها زوجها، سميت أرملة لأنها فقدت كاسبها ومن كان عيشها صالحا به، كما قال أهل اللغة؛ ويجب على المجتمع المسلم والدولة المسلمة أن توفر للأرامل والأيتام سبل العيش الكريم حتى يستطيعوا النهوض والقيام بأنفسهم.
فهذا حق من حقوقهم على المجتمع والدولة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة. رواه أحمد وأبو داود، ويكون ذلك أشد توكيداً وأعظم حرجاً إذا كانت المرأة أرملة ولها أيتام؛ وقال صلى الله عليه وسلم: ترى المسلمين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى رواه البخاري.
والتكافل الاجتماعي في الإسلام لا يقتصر على الجانب المادي فقط، وإنما يشمل كل المجالات، فعلى المجتمع المسلم والدولة أن تعلم هؤلاء وترشدهم وتصلحهم وتدعولهم .
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 52 / ص 25)
بيع الأخ دار إخوته الأيتام رقم الفتوى:71687تاريخ الفتوى:15 محرم 1427السؤال:
أنا رجل أسكن في مدينة تمنراست الجزائرية ولي إخوة لأمي توفي أبوهم سنة 94 وكنت أسكن معهم ثم في السنة الموالية اشتريت دارا فانتقلت للسكن فيها، ثم بعد ذلك تحولت أمي للسكن معي بعد شيء وقع بينها وبين بعض الجيران الذين هم في نفس الوقت أقارب لإخوتي من جهة أبيهم فلما وقع ما وقع بينهم وبين أمي أخذت أبناءها وسكنت بهم معي فتعرضت دارهم لتخريب بسبب الهجران فطلبت مني أمي بيعها فبعتها بناء على رغبتها بمبلغ خمسين ألف دينار دفع لي المشتري بعضه في الحين وكان هذا البعض متمثلا في عروض ولا تزال هذه العروض موجودة عندهم إلى حد الآن فبعد هذه المدة هم الآن يطالبونني بأن اشتري لهم داراً كعوض عن دارهم التي بعتها بأمر من أمهم بل بلغ بهم الأمر إلى حد مطالبتي بأن أعطيهم داري التي أسكن فيها أنا وهم وأمنا طيلة هذه المدة أي عشر سنوات، فهل لهم علي من حق والحالة هذه والله على ما أقول شهيد، أفيدونا؟ جزاكم الله خيراً.
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يجوز أن تُقرب أموال الأيتام إلا بما فيه مصلحتهم، كما قال الله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ {الإسراء:34}، والتي هي أحسن هي الأكثر نفعاً لليتيم، كما قال أهل التفسير وذلك بكل وجه تكون فيه المنفعة لليتيم، وفي الحديث الشريف: اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة. رواه ابن ماجه.
وقد نص أهل العلم على أن الذي يجوز له التصرف في مال اليتيم، وخصوصاً بيع عقاره ولو كان خربا هو الوصي عليه، وإذا لم يكن أبوه أوصى فالقاضي الشرعي هو الذي يتولى ذلك، قال خليل بن إسحاق المالكي: والولي الأب وله البيع مطلقاً، وإن لم يذكر سببه، ثم وصيه، وإن بعد... ثم الحاكم...اهـ
وذكر البعض منهم أن حاضن الأيتام إذا جرى العرف بتصرفه في ممتلكاتهم يصير مثل الوصي.
ففي منح الجليل عند قول خليل: لا حاضن كجد... قال: فلا يبيع متاع محضونه مطلقاً، ولا يقاسم عنه إلا لشرط على أبيه أنه لا يحضنه إلا إذا جعله وصياً عليه أو عرف به، كعادة أهل البادية بترك أحدهم الوصية على أولاده اتكالا على قيام جدهم أو عمهم أو أخيهم الرشيد بشأنهم، فهو كإيصاء الأب من ذكر، نقله الطخيخي عن أبي محمد صالح، وبه أفتى أبو الحسن في آخر مسألة من نوازله، فقال: شأن أهل البادية تصرف الأكابر على الأصاغر يتركون الإيصاء اتكالا منهم بأنهم يفعلون بغير إيصاء، فالأخ الكبير مع الأصاغر في البادية يتنزل منزلة الوصي بهذا العرف على هذا درجوا. ثم نقل رواية ابن غانم عن مالك رضي الله تعالى عنهما بأن الكافل بمنزلة الوصي بدون هذا العرف، وذكر قول أبي محمد صالح هذه الرواية جيدة لأهل البوادي لأنهم يهملون الإيصاء. ابن هلال وبه أقول وأتقلد الفتيا به في بلدنا لأنها كالبادية. ويلخص هذه المسألة قول الناظم:
وكافل اليتيم عرفا كالوصي * نصا لأن العرف كالمنصص
وبناء على ما ذكر، نقول إن بيعك للدار التي ذكرت أنها تعرضت للخراب بسبب الهجران، إذا ثبت أنه هو المصلحة، فليس عليك فيه من إثم، وبالتالي فليس لهم عليك حق، غير أنه كان مما ينبغي لك قبل ما فعلته من التصرف في الدار المذكورة أن تعرض أمرها على المحكمة الشرعية في بلدك، ليكون ذلك أبرأ لذمتك.
والله أعلم.(1/123)
251-7908 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ وَهُوَ ابْنُ سَلَمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ حَقَّ الْيَتِيمِ وَحَقَّ الْمَرْأَةِ "(1)
252- 7909 أَخْبَرَنِي حُسَيْنُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ ، عَنْ دَاوُدَ الْوَرَّاقِ ، قِيلَ : إِنَّهُ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ حَكِيمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ مُعَاوِيَةَ قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا دُفِعْتُ إِلَيْهِ ، قُلْتُ : " بِاللَّهِ الَّذِي أَرْسَلَكَ أَهُوَ أَرْسَلَكَ بِمَا تَقُولُ ؟ " قَالَ : نَعَمْ قَالَ : " وَهُوَ أَمَرَكَ بِمَا تَأْمُرُنَا بِهِ " قَالَ : نَعَمْ قَالَ : " فَمَا تَقُولُ فِي نِسَائِنَا ؟ " قَالَ : " هُنَّ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ، وَأَطْعِمُوهُنَّ مِمَّا تَأْكُلُونَ ، وَاكْسُوهُنَّ مِمَّا تَلْبَسُونَ وَلَا تَضْرِبُوهُنَّ وَلَا تُقَبِّحُوهُنَّ "(2)
__________
(1) - حديث حسن
(2) - أخرجه البيهقي برقم(15122) وأبو داود برقم(2146) صحيح لغيره
نيل الأوطار - (ج 10 / ص 464)
بَابُ اعْتِبَارِ حَالِ الزَّوْجِ فِي النَّفَقَةِ 2975 - ( عَنْ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ قَالَ : { أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فَقُلْت : مَا تَقُولُ فِي نِسَائِنَا ؟ قَالَ : أَطْعِمُوهُنَّ مِمَّا تَأْكُلُونَ ، وَاكْسُوهُنَّ مِمَّا تَكْتَسُونَ ، وَلَا تَضْرِبُوهُنَّ وَلَا تُقَبِّحُوهُنَّ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد )
الشَّرْحُ
الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَاهُ ، وَعَلَّقَ الْبُخَارِيُّ طَرَفًا مِنْهُ وَصَحَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْعِلَلِ وَقَدْ سَاقَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ مِنْ ثَلَاثِ طُرُقٍ ، فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ، وَهُوَ مُعَاوِيَةُ الْقُشَيْرِيِّ الْمَذْكُورُ ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهَذِهِ النُّسْخَةِ ، يَعْنِي نُسْخَةَ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ احْتَجَّ بِهَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَبَى ذَلِكَ ، وَخَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْهَا شَيْئًا وَصَحَّحَهُ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُطْعِمَ امْرَأَتَهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَيَكْسُوهَا مِمَّا يَكْتَسِي وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ضَرْبُهَا وَلَا تَقْبِيحُهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ وَشَرْحُهُ فِي بَابِ إحْسَانِ الْعِشْرَةِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِحَالِ الزَّوْجِ فِي النَّفَقَةِ ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى : { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ } وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَتْ الْعِتْرَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ وَمَالِكٌ إلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالِ الزَّوْجَةِ وَاسْتَدَلُّوا بِقِصَّةِ هِنْدٍ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ الْآتِيَةِ وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ أَمَرَهَا بِالْأَخْذِ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلَمْ يُطْلِقْ لَهَا الْأَخْذَ عَلَى مِقْدَارِ الْحَاجَةِ
السيل الجرار للشوكاني - (ج 2 / ص 204)
فصل يجب على الزوج كيف كان لزوجته كيف كانت اقول قد ثبت الاجماع على وجوب نفقة الزوجات على الازواج ولم يرد في ذلك خلاف والادلة على ذلك كثيرة منها حديث معاوية القشيري عند ابي داود والنسائي وابن ماجه والحاكم وابن حبان وصححه ايضا الدارقطني في العلل قال اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ما تقول في نسائنا قال اطعموهن مما تأكلون واكسوهن مما تكتسون ولا تضربوهن ولا تقبحوهن وفي لفظ من حديثه هذا عند احمد وابي داود وابن ماجه انه قال إن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل ما حق المراة على الزوج قال تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ومنها ما في صحيح مسلم وغيره من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك فإن فضل عن اهلك شيء فلذوي قرابتك ومنها حديث عائشة في الصحيحين وغيرهما ان هندا قالت يا رسول الله إن ابا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما اخذت منه وهو لا يعلم قال خذي ما يكفيك ووندك بالمعروف
الفقه الإسلامي وأصوله - (ج 3 / ص 208)
المقاصة بدين النفقة.
يراد بالنفقة: ما تحتاج إليه الزوجة في معيشتها من طعام وكسوة ومسكن وخدمة وكل ما يلزم لها حسبما تعارفه الناس.
وقد ثبت وجوبها بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول.
أما الكتاب: فقوله تعالى في شأن المطلقات: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] أوجبت الآية على الأزواج إسكان المطلقات من حيث سكنوا حسب قدرتهم وطاقتهم، وإذا وجب إسكان المطلقة فإسكان الزوجة أولى بالوجوب، حيث إن زوجيتها قائمة حقيقة وحكماً، والمطلقة لم يبق لها منها إلا أحكامها أو بعضها فقط.
على أن الآية أوجبت الإنفاق عموماً للمطلقة الحامل {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ}.
وقوله تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7] ففي الآية أمر بالإنفاق وهو مطلق يفيد الوجوب، حيث لا صارف له عنه.
وأما السنة فقد وردت عدة أحاديث تفيد هذا الوجوب.
منها ما رواه أبو داود عن معاوية القشيري قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ما تقول في نسائنا ؟ قال " أطعموهن مما تأكلون، واكسوهن مما تكتسون، ولا تضربوهن ولا تقبحوهن".
ومنها ما رواه مسلم وغيره من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: "ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف".
وما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن هنداً زوجة أبي سفيان قالت يا رسول الله: إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم فقال: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف".
فلو لم تكن النفقة للزوجة واجبة على زوجها لما أمرها بأن تأخذ من مال زوجها ما يكفيها بدون علمه، لأنه لا يجوز أخذ شيء من أموال الناس بدون وجه حق.
وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة في كل العصور على وجوب نفقة الزوجة على زوجها لم يخالف في ذلك أحد.
وأما المعقول: فإن عقد الزواج يوجب على الزوجة تخصيص نفسها لمنفعة زوجها وتفرغها للحياة الزوجية، فهي تقوم على البيت ورعايته والأولاد وتربيتهم. فهي محبوسة على الزوج وهذا يمنعها من التصرف والاكتساب فوجبت نفقتها عليه، ومن قواعد الشريعة، أن من حبس نفسه لحق مقصود لغيره ولمنفعته تكون نفقته واجبة على ذلك الغير.
ولهذا المعنى وجب على الدولة نفقات موظفيها الذين حبسوا أنفسهم لمنفعتها بقدر كفايتهم وكفاية من يعولونهم.
يسألونك فتاوى - (ج 2 / ص 465)
معاملة الزوجة بالحسنى
تقول السائلة : إن زوجها يسيء معاملتها ويهينها أمام أولادها ويقتّر عليها في الإنفاق مع العلم أنه يحافظ على الصلوات في المسجد فما قولكم في ذلك ؟
الجواب : كثير من الناس عندهم انفصال ما بين القول والعمل ويعرفون الأحكام الشرعية معرفة نظرية فقط ولا يحولون تلك المعرفة إلى ممارسة عملية في الحياة وقد قال الله تعالى :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ) سورة الصف الآيتان 2-3 .
وكثير من أمثال هذا الشخص المشار إليه في السؤال يفهمون الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة بطريقة غير صحيحة فهم يفهمون القوامة على أنها تسلط على المرأة وهكذا . وينسى هؤلاء النصوص الشرعية الكثيرة التي حثت على حسن التعامل مع الزوجة حيث إن الزوجة آية من آيات الله تعالى التي منَّ بها على عباده كما قال تعالى :( وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) سورة الروم الآية 21 .
إن الأساس الذي ينبغي أن تقوم عليه العلاقة الزوجية هو المودة والرحمة وتعني عطف قلوبهم بعضهم على بعض وقال بعض أهل التفسير : المودة المحبة والرحمة الشفقة وقال ابن عباس رضي الله عنهما :[ المودة حب الرجل امرأته والرحمة رحمته إياها أن يصيبها سوء ] تفسير القرطبي 14/17 .
وقد أمر الله تعالى بحسن معاشرة الزوجة فقال تعالى :( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) سورة النساء الآية 19 .
قال الإمام القرطبي :[ قوله تعالى :( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) أي على ما أمر الله به من حسن المعاشرة والخطاب للجميع إذ لكل أحد عشرة زوجاً كان أو ولياً ولكن المراد بهذا الأمر في الأغلب الأزواج وهو مثل قوله تعالى :( فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ ) وذلك توفية حقها من المهر والنفقة وألا يعبس في وجهها بغير ذنب وأن يكون منطلقاً في القول لا فظاً ولا غليظاً ولا مظهراً ميلاً إلى غيرها ، والعشرة : المخالطة والممازجة ... فأمر الله سبحانه بحسن صحبة النساء إذا عقدوا عليهن لتكون أدمة ما بينهم وصحبتهم على الكمال فإنه أهدأ للنفس وأهنأ للعيش وهذا واجب على الزوج ولا يلزمه في القضاء وقال بعضهم : هو أن يتصنع لها كما تتصنع له ، قال يحيى بن عبد الرحمن الحنظلي : أتيت محمد بن الحنفية فخرج إلي في ملحفة حمراء ولحيته تقطر من الغالية - نوع من الطيب - فقلت : ما هذا ؟ قال : إن هذه الملحفة ألقتها عليّ امراتي ودهنتني بالطيب وإنهن يشتهين منا ما نشتهيه منهن .
وقال ابن عباس رضي الله عنه : إني أحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين المرأة لي ] تفسير القرطبي 5/97 .
وقد حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على حسن معاملة الزوجة وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة وقد بوب على بعضها الإمام البخاري بتراجم مناسبة فقال :" باب الوصاة بالنساء " ، وقال الإمام البخاري أيضاً :" باب المداراة مع النساء " ، وقال الإمام البخاري أيضاً :" باب حسن المعاشرة مع الأهل ".
ومن هذه الأحاديث حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع أعوج وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيراً ) .
قال الحافظ ابن حجر معلقاً على هذا الحديث :[ وفي الحديث الندب إلى المداراة لاستمالة النفوس وتألف القلوب وفي سياسة النساء بأخذ العفو منهن والصبر على عوجهن وأن من رام تقويمهن فاته الانتفاع بهن مع أنه لا غنى للإنسان عن امرأة يسكن إليها ويستعين بها على معاشه ] فتح الباري 11/163 .
وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إني أحرج عليكم حق الضعيفين اليتيم والمرأة ) رواه ابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه ووافقه الذهبي .
وورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبة حجة الوداع :( واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهم ألا إن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقاً فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن ) رواه الترمذي وقال حسن صحيح ورواه ابن ماجة وحسّنه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/341 .
وقال صلى الله عليه وسلم :( اتقوا الله في النساء ) رواه مسلم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم ) رواه الترمذي وقال : حسن صحيح . ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي .
قال العلامة ابن علان المكي :[ ( وخياركم خياركم لنسائهم ) وفي رواية ( خيركم خيركم لأهله ) قال في النهاية هو إشارة إلى صلة الرحم والحث عليها ، قيل ولعل المراد من حديث الباب أن يعامل زوجته بطلاقة الوجه وكف الأذى والإحسان إليها والصبر على أذاها قلت ويحتمل أن الإضافة فيه للعهد والمعهود هو النبي صلى الله عليه وسلم والمراد( أنا خيركم لأهلي ) وقد كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس لأهله وأصبرهم على اختلاف أحوالهم ] دليل الفالحين 3/106 .
ويجب أن يعلم أن الإنفاق على الزوجة واجب على الزوج كما قال تعالى :( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) سورة البقرة الآية 233 ، وقال تعالى :
( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا ءَاتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا ءَاتَاهَا ) سورة الطلاق الآية 7 .
وهذا الإنفاق يؤجر عليه الزوج أجراً عظيماً فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك ) رواه مسلم .
وقال صلى الله عليه وسلم :( أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله ) رواه مسلم .
وعن أبي مسعود البدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة ) رواه البخاري ومسلم .
وقال الحافظ ابن حجر :[ وقال الطبري ما ملخصه : الإنفاق على الأهل واجب والذي يعطيه يؤجر على ذلك بحسب قصده ولا منافاة بين كونها واجبة وبين تسميتها صدقة بل هي من صدقة التطوع وقال المهلب : النفقة على الأهل واجبة بالإجماع وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم فيه وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر فعرّفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن يكفوهم ترغيباً لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوع ] فتح الباري 11/425 .
وعن سعد رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إنك مهما أنفقت على أهلك من نفقة فإنك تؤجر حتى اللقمة ترفعها إلى فيّ امرأتك ) رواه البخاري ومسلم .
والأصل في الإنفاق على الزوجة والأولاد هو الإنفاق بالمعروف كما في الآية المذكورة أولاً .
والمعروف هو المتعارف في عرف الشرع من غير تفريط ولا إفراط ويقدر ذلك بحسب حال الزوج يسراً أو عسراً ويدل على ذلك قوله تعالى :( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا ءَاتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا ءَاتَاهَا ) سورة الطلاق الآية 7 ، وقوله تعالى :( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ) سورة الطلاق الآية 6 .
وقوله صلى الله عليه وسلم :( أطعموهن مما تأكلون واكسوهن مما تكتسون ولا تضربوهن ولا تقبحوهن ) رواه أبو داود وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/402 .
وإذا كان الزوج بخيلاً شحيحاً فإنه يجوز للمرأة أن تأخذ من مال زوجها بالمعروف لتنفق على نفسها وأولادها من دون علم الزوج فعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( إن هند بنت عتبة قالت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم . فقال صلى الله عليه وسلم : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ) رواه البخاري ومسلم .
يسألونك فتاوى - (ج 5 / ص 146)
نفقة علاج الزوجة واجبة على زوجها
تقول السائلة: إنها قرأت فتوى لبعض العلماء تنص على أنه لا يجب على الزوج تحمل مصاريف علاج زوجته ولا يلزمه شراء الدواء لها فما قولكم في ذلك؟
الجواب:اتفق أهل العلم على وجوب إنفاق الزوج على زوجته وقد دل على ذلك نصوص كثيرة من كتاب الله تعالى ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فمنها قوله تعالى:(وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ( سورة البقرة الآية 233، وقوله تعالى:(لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا ءَاتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا ءَاتَاهَا( سورة الطلاق الآية 7. وقوله تعالى:(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ( سورة الطلاق الآية 6.
وقولهصلى الله عليه وسلم :(أطعموهن مما تأكلون واكسوهن مما تكتسون ولا تضربوهن ولا تقبحوهن) رواه أبو داود وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/402. وعن عائشة رضي الله عنها قالت:(إن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم. فقال صلى الله عليه وسلم : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) رواه البخاري ومسلم.
وعن حكيم بن معاوية رضي الله عنه قال:(قلت: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تقبح الوجه ولا تهجر إلا في البيت) رواه أبو داود وقال الألباني حديث حسن صحيح. انظر صحيح سنن أبي داود 2/402. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع:(ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم... ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا لهن في كسوتهن وطعامهن) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح، سنن الترمذي مع شرحه التحفة 4/274. وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/341. وغير ذلك من النصوص.
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي:[نفقة الزوجة واجبة بالكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب...] ثم ذكر النصوص الموجبة للنفقة من الكتاب والسنة ثم قال:[وفيه دلالة على وجوب النفقة لها على زوجها وأن ذلك مقدر بكفايتها وأن نفقة ولده عليه دونها مقدر بكفايتهم، وأن ذلك بالمعروف وأن لها أن تأخذ ذلك بنفسها من غير علمه إذا لم يعطها إياه.
وأما الإجماع فاتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن، إذا كانوا بالغين إلا الناشز منهن ذكره ابن المنذر وغيره وفيه ضرب من العبرة، وهو أن المرأة محبوسة على الزوج يمنعها من التصرف والاكتساب فلا بد من أن ينفق عليها...] المغني 8/195.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني:[وقال الطبري ما ملخصه: الإنفاق على الأهل واجب والذي يعطيه يؤجر على ذلك بحسب قصده ولا منافاة بين كونها واجبة وبين تسميتها صدقة بل هي من صدقة التطوع وقال المهلب: النفقة على الأهل واجبة بالإجماع وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم فيه وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر فعرّفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن يكفوهم ترغيباً لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوع] فتح الباري 11/425.
وبعد اتفاق الفقهاء على وجوب النفقة على الزوج اختلفوا في أنواع النفقة الزوجية فأوجبوا على الزوج أن ينفق على زوجته فيما يتعلق بالمأكل والمشرب والملبس والمسكن وذهب جمهور الفقهاء بما فيهم أصحاب المذاهب الأربعة إلى عدم وجوب أجرة الطبيب ولا ثمن العلاج على الزوج وخالف آخرون فأوجبوا ذلك على الزوج ويجب أن يعلم أولاً أن المسألة ليس فيها نصوص خاصة وإنما هي مسألة اجتهادية وللعرف فيها اعتبار وقال ابن عبد الحكم الفقيه المالكي بوجوب تحمل الزوج لنفقات علاج زوجته وهو قول الزيدية وهذا قول وجيه يؤيده عموم النصوص الواردة بالإنفاق على الزوجة بالمعروف وحسن معاشرتها بالمعروف أيضاً وقد مشت معظم قوانين الأحوال الشخصية على هذا الرأي وأفتى به جماعة كبيرة من أهل العلم المعاصرين فقد ورد في المادة رقم 66 من قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية في بلادنا ما يلي:[نفقة الزوجة تشمل الطعام والكسوة والسكنى والتطبيب بالقدر المعروف ...].
ويحتج لهذا القول بالعمومات الواردة كما في قوله تعالى:(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ( سورة النساء الآية 19.
قال الإمام القرطبي:[ قوله تعالى:(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ( أي على ما أمر الله به من حسن المعاشرة والخطاب للجميع إذ لكل أحد عِشْرَةٌ - زوجاً كان أو ولياً ولكن المراد بهذا الأمر في الأغلب الأزواج وهو مثل قوله تعالى :(فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ( وذلك توفية حقها من المهر والنفقة وألا يعبس في وجهها بغير ذنب وأن يكون منطلقاً في القول لا فظاً ولا غليظاً ولا مظهراً ميلاً إلى غيرها، والعشرة: المخالطة والممازجة... فأمر الله سبحانه بحسن صحبة النساء إذا عقدوا عليهن لتكون أدمة ما بينهم وصحبتهم على الكمال فإنه أهدأ للنفس وأهنأ للعيش وهذا واجب على الزوج...] تفسير القرطبي 5/97. ولا شك أن معالجة الزوجة إن مرضت وتأمين الدواء لها من المعاشرة بالمعروف وكذلك قوله تعالى:(وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ( فإن أجرة العلاج وثمن الدواء داخل في الرزق.
ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لهند زوجة أبي سفيان (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) فهذا يشمل كل ما تحتاج إليه الزوجة وأولادها ويدخل فيه الأدوية وأجرة العلاج. ولعل جمهور الفقهاء الذين قالوا بعدم وجوب أجرة العلاج على الزوج بنوا هذا الحكم على ما كان معروفاً في زمانهم وخاصة أن الناس كانوا يعتنون بصحتهم ويتعالجون بأدوية طبيعية غير مكلفة، وأما في زماننا فقد اختلفت الأمور كثيراً وصار العلاج مكلفاً وكذا ما يترتب على ذلك من أجور المستشفيات ونحوها قال العلامة ابن عابدين الحنفي في منظومته: والعرف له اعتبار فلذا الحكم عليه قد يدار.
انظر نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف في الجزء الثاني من رسائل العلامة ابن عابدين ص112.
ويجب أن يعلم أن هذا الإنفاق يؤجر عليه الزوج أجراً عظيماً فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك) رواه مسلم .وقال صلى الله عليه وسلم :(أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله) رواه مسلم .
وعن أبي مسعود البدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة) رواه البخاري ومسلم .وعن سعد رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إنك مهما أنفقت على أهلك من نفقة فإنك تؤجر حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك) رواه البخاري ومسلم.
وخلاصة الأمر أنه يلزم الزوج معالجة زوجته المريضة وعليه تحمل تكاليف علاجها ما دام مستطيعاً ويكون ذلك حسب العرف السائد في المجتمع.(1/124)
مُدَارَاةُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ
254-7910أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ ، عَنْ أَبِي السَّلِيلِ ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ قَعْنَبٍ ، أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقَوِّمُهَا تَكْسِرْهَا وَإِنْ تَدَعْهَا ، فَإِنَّ فِيهَا أَمَدًا وَبُلْغَةً "(1)
__________
(1) - أخرجه البخاري برقم(3331) ومسلم برقم( 3719 )
فتح الباري لابن حجر - (ج 10 / ص 111)
3084 - قَوْلُهُ : ( مُوسَى بْن حِزَام )
بِكَسْرِ الْمُهْمَلَة بَعْدهَا زَاي خَفِيفَة ، وَهُوَ تِرْمِذِيّ نَزَلَ بَلْخ ، وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْره ، وَكَانَ زَاهِدًا عَالِمًا بِالسُّنَّةِ ، وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيّ ، إِلَّا هَذَا الْمَوْضِع .
قَوْلُهُ : ( عَنْ مَيْسَرَة )
هُوَ اِبْن عِمَارَة الْأَشْجَعِيّ الْكُوفِيّ ، وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيّ سِوَى هَذَا الْحَدِيث ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي النِّكَاح مِنْ وَجْه آخَر . وَلَهُ حَدِيث آخَر فِي تَفْسِير آلِ عِمْرَان .
قَوْلُهُ : ( اِسْتَوْصُوا )
قِيلَ مَعْنَاهُ تَوَاصَوْا بِهِنَّ ، وَالْبَاء لِلتَّعْدِيَةِ وَالِاسْتِفْعَال بِمَعْنَى الْإِفْعَال كَالِاسْتِجَابَةِ بِمَعْنَى الْإِجَابَة ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ : السِّين لِلطَّلَبِ وَهُوَ لِلْمُبَالَغَةِ أَيْ اُطْلُبُوا الْوَصِيَّة مِنْ أَنْفُسكُمْ فِي حَقّهنَّ ، أَوْ اُطْلُبُوا الْوَصِيَّة مِنْ غَيْركُمْ بِهِنَّ كَمَنْ يَعُود مَرِيضًا فَيُسْتَحَبّ لَهُ أَنْ يَحُثَّهُ عَلَى الْوَصِيَّة وَالْوَصِيَّة بِالنِّسَاءِ آكَد لِضَعْفِهِنَّ وَاحْتِيَاجهنَّ إِلَى مَنْ يَقُوم بِأَمْرِهِنَّ ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ اِقْبَلُوا وَصِيَّتِي فِيهِنَّ وَاعْمَلُوا بِهَا وَارْفُقُوا بِهِنَّ وَأَحْسِنُوا عِشْرَتهنَّ . قُلْت : وَهَذَا أَوْجَه الْأَوْجُهِ فِي نَظَرِي ، وَلَيْسَ مُخَالِفًا لِمَا قَالَ الطِّيبِيُّ .
قَوْلُهُ : ( خُلِقَتْ مِنْ ضِلَع )
بِكَسْرِ الْمُعْجَمَة وَفَتْح اللَّام وَيَجُوز تَسْكِينهَا ، قِيلَ فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ حَوَّاء خُلِقَتْ مِنْ ضِلَع آدَم الْأَيْسَر وَقِيلَ مِنْ ضِلْعه الْقَصِير ، أَخْرَجَهُ اِبْن إِسْحَاق وَزَادَ " الْيُسْرَى مِنْ قَبْل أَنْ يَدْخُل الْجَنَّة وَجُعِلَ مَكَانه لَحْم " وَمَعْنَى خُلِقَتْ أَيْ أُخْرِجَتْ كَمَا تَخْرُج النَّخْلَة مِنْ النَّوَاة ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : يُحْتَمَل أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَرْأَة خُلِقَتْ مِنْ مَبْلَغ ضِلْع فَهِيَ كَالضِّلْعِ ، زَادَ فِي رِوَايَة الْأَعْرَج عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عِنْد مُسْلِم " لَنْ تَسْتَقِيم لَك عَلَى طَرِيقَة "
قَوْله : ( وَإِنَّ أَعْوَج شَيْء فِي الضِّلْع أَعْلَاهُ )
قِيلَ فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ أَعْوَج مَا فِي الْمَرْأَة لِسَانهَا ، وَفِي اِسْتِعْمَال أَعْوَج اِسْتِعْمَال لِأَفْعَل فِي الْعُيُوب وَهُوَ شَاذّ ، وَفَائِدَة هَذِهِ الْمُقَدِّمَة أَنَّ الْمَرْأَة خُلِقَتْ مِنْ ضِلْع أَعْوَج فَلَا يُنْكَر اِعْوِجَاجهَا ، أَوْ الْإِشَارَة إِلَى أَنَّهَا لَا تَقْبَل التَّقْوِيم كَمَا أَنَّ الضِّلْع لَا يَقْبَلهُ .
قَوْلُهُ : ( فَإِنْ ذَهَبْت تُقِيمهُ كَسَرْته )
قِيلَ هُوَ ضَرْب مَثَل لِلطَّلَاقِ أَيْ إِنْ أَرَدْت مِنْهَا أَنْ تَتْرُك اِعْوِجَاجهَا أَفْضَى الْأَمْر إِلَى فِرَاقهَا ، وَيُؤَيِّدهُ قَوْله فِي رِوَايَة الْأَعْرَج عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عِنْد مُسْلِم " وَإِنْ ذَهَبْت تُقِيمهَا كَسَرْتهَا ، وَكَسْرهَا طَلَاقهَا " وَيُسْتَفَاد مِنْ حَدِيث الْبَاب أَنَّ الضِّلْع مُذَكَّر خِلَافًا لِمَنْ جَزَمَ بِأَنَّهُ مُؤَنَّث وَاحْتَجَّ بِرِوَايَةِ مُسْلِم وَلَا حُجَّة فِيهِ لِأَنَّ التَّأْنِيث فِي رِوَايَته لِلْمَرْأَةِ ، وَقِيلَ إِنَّ الضِّلْع يُذَكَّر وَيُؤَنَّث وَعَلَى هَذَا فَاللَّفْظَانِ صَحِيحَانِ .
شرح النووي على مسلم - (ج 5 / ص 207)
2670 - قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْمَرْأَة خُلِقَتْ مِنْ ضِلْع لَنْ تَسْتَقِيم لَك عَلَى طَرِيقَة فَإِنْ اِسْتَمْتَعْت بِهَا اِسْتَمْتَعْت بِهَا وَبِهَا عِوَج وَإِنْ ذَهَبْت تُقِيمهَا كَسَرْتهَا وَكَسْرهَا طَلَاقهَا )
، الْعِوَج ضَبَطَهُ بَعْضهمْ بِفَتْحِ الْعَيْن وَضَبَطَهُ بَعْضهمْ بِكَسْرِهَا وَلَعَلَّ الْفَتْح أَكْثَر ، وَضَبَطَهُ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم بْن عَسَاكِر وَآخَرُونَ بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْأَرْجَح عَلَى مُقْتَضَى مَا سَنَنْقُلُهُ عَنْ أَهْل اللُّغَة إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .
قَالَ أَهْل اللُّغَة : الْعَوَج بِالْفَتْحِ فِي كُلّ مُنْتَصِب كَالْحَائِطِ وَالْعُود وَشِبْهه ، وَبِالْكَسْرِ مَا كَانَ فِي بِسَاط أَوْ أَرْض أَوْ مَعَاش أَوْ دِين ، وَيُقَال : فُلَان فِي دِينه عِوَج بِالْكَسْرِ هَذَا كَلَام أَهْل اللُّغَة . قَالَ صَاحِب الْمَطَالِع : قَالَ أَهْل اللُّغَة : الْعِوَج بِالْفَتْحِ فِي كُلّ شَخْص ، وَبِالْكَسْرِ فِيمَا لَيْسَ بِمَرْئِيٍّ كَالرَّأْيِ وَالْكَلَام . قَالَ : وَانْفَرَدَ عَنْهُمْ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيُّ فَقَالَ : كِلَاهُمَا بِالْكَسْرِ وَمَصْدَرهمَا بِالْفَتْحِ .
( وَالضِّلَع ) بِكَسْرِ الضَّاد وَفَتْح اللَّام .
وَفِيهِ دَلِيل لِمَا يَقُولهُ الْفُقَهَاء أَوْ بَعْضهمْ أَنَّ حَوَّاء خُلِقَتْ مِنْ ضِلْع آدَم ، قَالَ اللَّه تَعَالَى : { خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجهَا } وَبَيَّنَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ ضِلْع وَفِي هَذَا الْحَدِيث مُلَاطَفَة النِّسَاء وَالْإِحْسَان إِلَيْهِنَّ وَالصَّبْر عَلَى عِوَج أَخْلَاقهنَّ وَاحْتِمَال ضَعْف عُقُولهنَّ ، وَكَرَاهَة طَلَاقهنَّ بِلَا سَبَب وَأَنَّهُ لَا يَطْمَع بِاسْتِقَامَتِهَا وَاَللَّه أَعْلَم .
شرح النووي على مسلم - (ج 5 / ص 208)
2671 - قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَإِذَا شَهِدَ أَمْرًا فَلْيَتَكَلَّمْ بِخَيْرٍ أَوْ لِيَسْكُت وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ )
فِيهِ الْحَثّ عَلَى الرِّفْق بِالنِّسَاءِ وَاحْتِمَالهنَّ ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ . وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ لَا يَتَكَلَّم إِلَّا بِخَيْرٍ فَأَمَّا الْكَلَام الْمُبَاح الَّذِي لَا فَائِدَة فِيهِ فَيُمْسَك عَنْهُ مَخَافَة مِنْ اِنْجِرَاره إِلَى حَرَام أَوْ مَكْرُوه .
عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 16 / ص 633)
1333 - حدثنا ( أبو كريب وموسى بن حزام ) قالا حدثنا ( حسين بن علي ) عن ( زائدة ) عن ( ميسرة الأشجعي ) عن ( أبي حازم ) عن ( أبي هريرة ) رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء
مطابقته للترجمة يمكن أن يقال إنه لما كان مشتملا على بعض أحوال النساء وهي من ذرية آدم والترجمة مشتملة على الذرية أيضا وهذا وإن كان فيه تعسف فلا يخلو عن وجه وهذا المقدار كاف
ذكر رجاله وهم سبعة الأول أبو كريب بضم الكاف بصيغة التصغير واسمه محمد بن العلاء الثاني موسى ابن حزام بكسر الحاء المهملة وتخفيف الزاي أبو عمران الترمذي العابد الثالث حسين بن علي بن الوليد أبو عبد الله الجعفي الرابع زائدة بن قدامة بضم القاف وتخفيف الدال المهملة أبو الصلت الثقفي الخامس ميسرة ضد الميمنة ابن عمار الأشجعي السادس أبو حازم بالحاء المهملة وبالزاي واسمه سلمان الأشجعي الغطفاني السابع أبو هريرة رضي الله تعالى عنهم
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه القول في ثلاثة مواضع وفيه أن موسى بن حزام من أفراد البخاري وروي عنه مقرونا بأبي كريب وقد وثقه النسائي وغيره وما له في البخاري إلا هذا الموضع وفيه ميسرة وما له في البخاري إلا هذا الحديث وآخر في سورة آل عمران وحديث الباب ذكره في النكاح من وجه آخر وفيه أن رواته كلهم كوفيون ما خلا موسى بن حزام فإنه ترمذي نزل بلخ
والحديث أخرجه البخاري أيضا في النكاح عن إسحاق بن نصر وأخرجه مسلم في النكاح عن أبي بكر بن أبي شيبة وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن القاسم بن زكريا ذكر معناه قوله استوصوا أي تواصوا أيها الرجال في حق النساء بالخير ويجوز أن تكون الباء للتعدية والاستفعال بمعنى الإفعال نحو الاستجابة قال تعالى فليستجيبوا لي ( البقرة 681 ) ويستجيب الذين آمنوا ( الشورى 62 ) وقال البيضاوي الإستيصاء قبول الوصية أي أوصيكم بهن خيرا فاقبلوا وصيتي فيهن وقال الطيبي السين للطلب مبالغة أي اطلبوا الوصية من أنفسكم في حقهن بخير وقال غيره استفعل على أصله وهو طلب الفعل فيكون معناه اطلبوا الوصية من المريض للنساء لأن عائد المريض يستحب له أن يحث المريض على الوصية وخص النساء بالذكر لضعفهن واحتياجهن إلى من يقوم بأمرهن يعني إقبلوا وصيتي فيهن واعملوا بها واصبروا عليهن وارفقوا بهن وأحسنوا إليهن قوله فإن المرأة إلى آخره هذا تعليل لما قبله وفائدته بيان أنها خلقت من الضلع الأعوج هو الذي في أعلى الضلع أو بيان أنها لا تقبل الإقامة لأن الأصل في التقويم هو أعلى الضلع لا أسفله وهو في غاية الإعوجاج والضلع بكسر الضاد وفتح اللام مفرد الضلوع وتسكين اللام جائز وقوله خلقت من ضلع هو أن الله تعالى لما أسكن آدم الجنة أقام مدة فاستوحش فشكا إلى الله الوحدة فنام فرأى في منامه امرأة حسناء ثم انتبه فوجدها جالسة عنده فقال من أنت فقالت حواء خلقني الله لتسكن إلي وأسكن إليك قال عطاء عن ابن عباس خلقت من ضلع آدم ويقال لها القصيري وقال الجوهري هو الضلع التي يلي الشاكلة ويسمى الواهنة وقال مجاهد إنما سميت المرأة مرأة لأنها خلقت من المرء وهو آدم وقال مقاتل بن سليمان نام آدم نومة في الجنة فخلقت حواء من قصيراه من شقه الأيمن من غير أن يتألم ولو تألم لم يعطف رجل على امرأة أبدا وقال ابن عباس لأم الله تعالى موضع الضلع لحما ولما رآها آدم قال أثاثا بالثاء المثلثة وهو بالسرانية وتفسير بالعربية مرأة وقال الربيع بن أنس حواء من طينة آدم واحتج بقوله تعالى هو الذي خلقكم من طين ( الأنعام 02 ) والأول أصح لقوله تعالى وهو الذي خلقكم من نفس واحدة ( الأعراف 981 ) قوله وإن ذهبت تقيمه كسرته قيل هو ضرب مثل للطلاق أي إن أردت منها أن تترك اعوجاجها أفضى الأمر إلى طلاقها ويؤيده قوله في رواية الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عند مسلم إن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها وقيل الحديث لم يذكر فيه النساء إلا بالتمثيل بالضلع والاعوجاج الذي في أخلاقهن منه لأن للضلع عوجا فلا يتهيأ الانفتاع بهن إلا بالصبر على اعوجاجهن وقيل الصواب في أعلاه وفي تقيمه وفي كسرته وفي تركته التأنيث لأن الضلع مؤنثة وكذا يقال لم تزل عوجاء ولهذا جاء في رواية مسلم المذكورة بهاء التأنيث وأجيب بأن التذكير يجوز في المؤنث الذي ليس بزوج
فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (ج 5 / ص 155)
2112 - (إن المرأة خلقت من ضلع) بفتح اللام وقد تسكن (وإنك إن ترد إقامة الضلع تكسرها) فإن ترد إقامة [ص 389] المرأة تكسرها وكسرها طلاقها (فدارها تعش بها) أي لاطفها ولاينها فإنك بذلك تبلغ ما تريده منها من الاستمتاع بها وحسن العشرة معها الذي هو أهم المعيشة وفيه إشعار بكراهة الطلاق بلا سبب شرعي والمداراة كما في المصباح وغيره الملاطفة والملاينة يقال داريته مداراة لاطفته ولاينته وعليك بالمداراة وهي الملاطفة.
- (حم حب ك عن سمرة) بن جندب قال الحاكم صحيح وأقروه.
فيض الباري شرح صحيح البخاري - (ج 5 / ص 9)
3331 - قوله: (فإنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ) والمشهور أنها خُلِقَتْ من ضِلْعٍ أيسر. ورأيت مصنِّفاً مرَّ عليه، وقال: إن آدم عليه السلام انتبه مرَّةً من منامه، فإذا حواءُ جالسةٌ على يساره، وهذا معنى مخلوقة من ضلعٍ، أي رآها مخلوقةً نحو يساره. وإنما ذَكَرْتُ هذا الاحتمال، لأن الناسَ في هذا العهد قد تعوَّدوا بإنكار كلِّ شيءٍ لا تُحِيطُ به عقولهم، ما أجهلهم. فإنهم إذا أَخْبَرَهُمْ أهل أوروبا بما شاهدوه بالآلات آمَنُوا به، وإن كان أبعدَ بعيدٍ، ولا يَشُكُّون فيه مثقالَ ذرَّةٍ، كقولهم: إن الإِنسانَ كان أصلُه قردةً، وكقولهم: إن في السيارات عمرانات. ثم إذا أخبرهم أصدقُ القائلين عمَّا رآه بعينه، كما قال: {أَفَتُمَرُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} (النجم: 12)، أو يُخْبِرُ به ربُّه جلَّ وعزَّ. إذا هم مُعْرِضُون. وحنيئذٍ لا يَمْلِكُ المرءُ إلاَّ أن تتقطعَ نفسُهُ عليهم حسراتٍ، فهداهم الله سواء الصراط.
دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين - (ج 2 / ص 385)
2731 ـــ (وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : استوصوا بالنساء خيراً) أي تواصوا بهن والباء للتعدية، والاستفعال بمعنى الإفعال كالاستجابة بمعنى الإجابة. وقال الطيبي: السين للطلب وهو للمبالغة: أي اطلبوا الوصية من أنفسكم في حقهن، أو اطلبوا الوصية من غيركم بهن، وقيل معناه: اقبلوا وصيتي فيهن واعملوا بها وارفقوا بهن وأحسنوا عشرتهن. قال العلقمي: وهذا الوجه أوجه في نظري وليس مخالفاً لما قال الطيبي. قلت: لأن المعنى اطلبوا وصيتي واقبلوها واعملوا بها (فإن المرأة خلقت) بالبناء للمفعول: أي أخرجت (من ضلع) بكسر المعجمة وفتح اللام، ويجوز تسكينها وهي مؤنثة كما في «القاموس» و«المصباح»، قال في «الفتح»: فيه إشارة إلى أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر، وقيل من ضلعه القصير، أخرجه ابن إسحاق في المبتدأ عن ابن عباس وكذا أخرجه ابن أبي حاتم وغيره من حديث مجاهد، وأغرب النووي فعزاه للفقهاء أو لبعضهم اهـ.
وهذا لا يختلف الحديث الذي فيه تشبيه المرأة بالضلع، بل يستفاد من هذا نكتة التشبيه وأنها عوجاء مثله لكون أصلها منه. وقال القرطبي: يحتمل أن يكون معناه: أن المرأة خلقت من مبلغ ضلع فهي كالضلع (وإن أعوج ما) أي شيء كما في رواية أخرى (في الضلع أعلاه) قيل فيه إشارة إلى أن أعوج ما في المرأة لسانها، وفائدة هذه المقدمة أن المرأة خلقت من ضلع أعوج فلا ينكر اعوجاجها، أو أنها لا تقبل التقويم كما أن الضلع لا يقبله، ولذا قال (فإن ذهبت تقيمه) أي أعلاه عن الاعوجاج الذي هو شأنه (كسرته) لعدم قابليته له (وإن تركته) غير آخذ في إقامته (لم يزل أعوج) لأنه وضعه وشأنه، وكذا المرأة إن أردت إقامتها على الجادة، وعدم اعوجاجها أدى إلى الشقاق والفراق، وهو كسرها وإن صبرت على سوء حالها وضعف معقولها ونحو ذلك من عوجها دام الأمر واستمرت العشرة، والفاء في قوله: (فاستوصوا بالنساء) الفاء الفصيحة: أي فاعرفوا ذلك فاستوصوا بهن (خيراً) بالصبر على ما يقع منهن، فيه رمز إلى التقويم برفق بحيث لا يبالغ فيه فيكسر ولا يتركه فيستمر على عوجه وما قررت من أن الفاء الفصيحة هي العاطفة على مقدر هو ما في النهر لأبي حيان وردّ ما في «الكشاف»، وتبعه البيضاوي من أنها الواقعة جواباً لشرط مقدر حذف هو وفعله بأن النحاة أجمعوا على عدم جواز حذف الأداة والفعل في مثل ذلك (متفق عليه) رواه البخاري في بدء الخلق وفي النكاح، ورواه مسلم في النكاح، ورواه النسائي في عشرة النساء وابن أبي شيبة، وزاد «من كان يؤمن با واليوم الآخر فإذا شهد أمراً فليتكلم بخير أو ليسكت».
(وفي رواية في الصحيحين) في هذا الحديث عن أبي هريرة لكن اقتصر المزيّ على عزوه بهذا اللفظ إلى مسلم في النكاح. قال: ورواه الترمذي فيه وقال: حسن صحيح غريب من هذا الوجه (المرأة) اللام فيها للحقيقة (كالضلع) في الاعوجاج وعدم قابلية الإقامة (إن أقمتها) أي الضلع وهي مؤنثة، ويحتمل أن يكون ضمير المؤنث هنا للمرأة، ويؤيده قوله بعد (وإن استمتعت بها كسرتها) لعدم قابليتها للإقامة ويحتمل أن المراد بكسرها طلاقها، وقد وقع ذلك صريحاً كما سيأتي، وكسرها طلاقها (وإن استمتعت بها) لقضاء الوطر وطلب الولد الصالح والإعفاف (استمتعت بها) وجملة (وفيها عوج) جملة إسمية حالية.
نيل الأوطار - (ج 10 / ص 184)
بَابُ إحْسَانِ الْعِشْرَةِ وَبَيَانِ حَقِّ الزَّوْجَيْنِ 2809 - ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ الْمَرْأَةَ كَالضِّلَعِ إنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا ، وَإِنْ تَرَكْتَهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا عَلَى عِوَجٍ وَفِي لَفْظٍ : اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا ) .
2810 - ( وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً ، إنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ ) .
الشَّرْحُ
قَوْلُهُ : ( كَالضِّلَعِ ) بِكَسْرِ الضَّادِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَيُسَكَّنُ قَلِيلًا ، وَالْأَكْثَرُ الْفَتْحُ : وَهُوَ وَاحِدُ الْأَضْلَاعِ .
وَالْفَائِدَةُ فِي تَشْبِيهِ الْمَرْأَةِ بِالضِّلَعِ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهَا مُعْوَجَّةُ الْأَخْلَاقِ لَا تَسْتَقِيمُ أَبَدًا ، فَمَنْ حَاوَلَ حَمْلَهَا عَلَى الْأَخْلَاقِ الْمُسْتَقِيمَةِ أَفْسَدَهَا ، وَمَنْ تَرَكَهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ الِاعْوِجَاجِ انْتَفَعَ بِهَا ، كَمَا أَنَّ الضِّلَعَ الْمُعْوَجَّ يَنْكَسِرُ عِنْدَ إرَادَةِ جَعْلِهِ مُسْتَقِيمًا وَإِزَالَةِ اعْوِجَاجِهِ ، فَإِذَا تَرَكَهُ الْإِنْسَانُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ انْتَفَعَ بِهِ ، وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ : وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ ، الْمُبَالَغَةَ فِي الِاعْوِجَاجِ وَالتَّأْكِيدَ لِمَعْنَى الْكَسْرِ بِأَنَّ تَعَذُّرَ الْإِقَامَةِ فِي الْجِهَةِ الْعُلْيَا أَمْرُهُ أَظْهَرُ .
وَقِيلَ : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِثْلًا لِأَعْلَى الْمَرْأَةِ لِأَنَّ أَعْلَاهَا رَأْسُهَا وَفِيهِ لِسَانُهَا وَهُوَ الَّذِي يَنْشَأُ مِنْهُ الِاعْوِجَاجُ .
قِيلَ : وَأَعْوَجُ هَهُنَا مِنْ بَابِ الصِّفَةِ لَا مِنْ بَابِ التَّفْضِيلِ ؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَا يُصَاغُ مِنْ الْأَلْوَانِ وَالْعُيُوبِ .
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ هَهُنَا أَنَّهُ لِلتَّفْضِيلِ ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ عَلَى قِلَّةٍ مَعَ عَدَمِ الِالْتِبَاسِ بِالصِّفَةِ ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ : " فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ " يَرْجِعُ إلَى الضِّلَعِ لَا إلَى أَعْلَاهُ ، وَهُوَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى : " تُقِيمُهَا " وَفِي هَذِهِ " تُقِيمُهُ " .
قَوْلُهُ : ( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ ) أَيْ اقْبَلُوا الْوَصِيَّةَ ، وَالْمَعْنَى : إنِّي أُوصِيكُمْ بِهِنَّ خَيْرًا فَاقْبَلُوا ، أَوْ بِمَعْنَى : لِيُوصِ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِهِنَّ .
قَوْلُهُ : ( خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ ) أَيْ مِنْ ضِلَعِ آدَمَ الَّذِي خُلِقَتْ مِنْهُ حَوَّاءُ .
قَالَ الْفُقَهَاءُ : إنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعِ آدَمَ ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ : { خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ .
وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ .
قَوْلُهُ : ( لَا يَفْرَكُ ) بِالْفَاءِ سَاكِنَةً بَعْدَهَا رَاءٌ وَهُوَ الْبُغْضُ .
قَالَ فِي الْقَامُوسِ : الْفِرْكُ بِالْكَسْرِ وَيُفْتَحُ : الْبِغْضَةُ عَامَّةٌ كَالْفُرُوكِ وَالْفُرُكَّانِ ، خَاصٌّ بِبِغْضَةِ الزَّوْجَيْنِ فَرِكَهَا وَفَرِكَتْهُ كَسَمِعَ فِيهِمَا وَكَنَصَرَ شَاذٌّ فِرْكًا وَفُرُوكًا فَهِيَ فَارِكٌ وَفَرُوكٌ ، وَرَجُلٌ مُفَرَّكٌ كَمُعَظَّمٍ : تُبْغِضُهُ النِّسَاءُ ، وَمُفَرَّكَةٌ : يُبْغِضُهَا الرِّجَالُ ا هـ .
وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فِيهِ الْإِرْشَادُ إلَى مُلَاطَفَةِ النِّسَاءِ وَالصَّبْرِ عَلَى مَا لَا يَسْتَقِيمُ مِنْ أَخْلَاقِهِنَّ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُنَّ خُلِقْنَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ الَّتِي لَا يُفِيدُ مَعَهَا التَّأْدِيبُ أَوْ يَنْجَحُ عِنْدَهَا النُّصْحُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الصَّبْرُ وَالْمُحَاسَنَةُ وَتَرْكُ التَّأْنِيبِ وَالْمُخَاشَنَةُ .
وَالْحَدِيثُ الثَّانِي فِيهِ الْإِرْشَادُ إلَى حُسْنِ الْعِشْرَةِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْبُغْضِ لِلزَّوْجَةِ بِمُجَرَّدِ كَرَاهَةِ خُلُقٍ مِنْ أَخْلَاقِهَا فَإِنَّهَا لَا تَخْلُو مَعَ ذَلِكَ عَنْ أَمْرٍ يَرْضَاهُ مِنْهَا ، وَإِذَا كَانَتْ مُشْتَمِلَةً عَلَى الْمَحْبُوبِ وَالْمَكْرُوهِ فَلَا يَنْبَغِي تَرْجِيحُ مُقْتَضَى الْكَرَاهَةِ عَلَى مُقْتَضَى الْمَحَبَّةِ .
قَالَ النَّوَوِيُّ : ضَبَطَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ : " اسْتَمْتَعْتَ بِهَا عَلَى عِوَجٍ " بِفَتْحِ الْعَيْنِ ، وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِكَسْرِهَا ، وَلَعَلَّ الْفَتْحَ أَكْثَرُ ، وَضَبَطَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ وَآخَرُونَ بِالْكَسْرِ .
قَالَ : وَهُوَ الْأَرْجَحُ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْمَكْسُورِ وَالْمَفْتُوحِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ .
وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ بِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ يَقُولُونَ فِي الشَّخْصِ الْمَرْئِيِّ : عَوَجٌ بِالْفَتْحِ وَفِيمَا لَيْسَ بِمَرْئِيٍّ كَالرَّائِي .
وَالْكَلَامُ عِوَجٌ بِالْكَسْرِ قَالَ : وَانْفَرَدَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ فَقَالَ : كِلَاهُمَا بِالْكَسْرِ وَمَصْدَرُهُمَا بِالْفَتْحِ ، وَكَسْرُهَا : طَلَاقُهَا .
وَقَدْ حَقَّقَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى : { لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا } .
فتاوى ابن باز 1-18 - (ج 5 / ص 287)
س 3 : في الحديث : استوصوا بالنساء خيرا فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج وإن أعوج ما في الضلع أعلاه إلخ الحديث ، والرجاء توضيح معنى الحديث مع توضيح معنى : أعوج ما في الضلع أعلاه .
جـ 3 : هذا حديث صحيح رواه الشيخان في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال صلى الله عليه وسلم : استوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فاستوصوا بالنساء خيرا انتهى .
هذا أمر للأزواج والآباء والإخوة وغيرهم أن يستوصوا بالنساء خيرا وأن يحسنوا إليهن وألا يظلموهن وأن يعطوهن حقوقهن ويوجهوهن إلى الخير ، وهذا هو الواجب على الجميع لقوله عليه الصلاة والسلام : استوصوا بالنساء خيرا وينبغي ألا يمنع من ذلك كونها قد تسيء في بعض الأحيان إلى زوجها وأقاربها بلسانها أو فعلها لأنهن خلقن من ضلع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه . ومعلوم أن أعلاه مما يلي منبت الضلع فإن الضلع يكون فيه اعوجاج ، هذا معروف .
فالمعنى أنه لا بد أن يكون في خلقها شيء من العوج والنقص ، ولهذا ورد في الحديث الآخر في الصحيحين : ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن والمقصود أن هذا حكم النبي وهو ثابت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، ومعنى نقص العقل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أن شهادة المرأتين تعدل شهادة رجل واحد ، وأما نقص الدين فهو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أنها تمكث الأيام والليالي لا تصلي؛ يعني من أجل الحيض ، وهكذا النفاس ، وهذا نقص كتبه الله عليها ليس عليها فيه إثم .
فينبغي لها أن تعترف بذلك على الوجه الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم ولو كانت ذات علم وتقى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى وإنما ذلك منه وحي يوحيه الله إليه فيبلغه الأمة كما قال عز وجل : وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى _
مقالات عن المرأة - (ج 13 / ص 6)
ثانياً: تلمس الزلات وتتبع العثرات :
وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك فيما يرويه جابر رضي الله عنه قال : "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلاً". وذلك مخافة أن يتخونهم، أو يتلمس عثراتهم، ومن تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في عقر داره أو جوف بيته ؛ بل على الزوج أن يتحمل ويتغاضى عن تقصير زوجته في بعض حقوقه .. وتباطئها في تنفيذ بعض أوامره وأن لا يكثر من المحاسبة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإذا ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً".
والحديث فيه فوائد عديدة منها:
إن تقويم الإعوجاج يكون برفق حتى لا يكسر، ولا يترك فيستمر على عوجه .. خاصة إذا تعدى الإعوجاج من نقص هو في طبيعة المرأة إلى معصية بمباشرة منكر أو ترك واجب.
قال ابن حجر: وفي الحديث "سياسة النساء بأخذ العفو منهن والصبر على عوجهن، وأن من رام تقويمها فاته الانتفاع بهن مع أنه لا غنى للإنسان عن امرأة يسكن إليها ويستعين بها على معاشه،فكأنه قال : الاستمتاع بها لا يتم إلا بالصبر عليها"
ثالثاً: الظلم بإيقاع العقوبات التي لا تتناسب مع الخطأ الذي وقعت فيه المرأة ومن صور ذلك:
استخدام الضرب كأول خطوة للعلاج: والله عز وجل يقول (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلاً) النساء، الآية: 34. فإذن الموعظة ثم الهجر ثم الضرب غير المبرح. لقوله صلى الله عليه وسلم "استوصوا بالنساء خيراً، فإنما هن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن، فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح"
ومن الظلم في مبدأ العقوبات: إخراج الزوجة من بيتها بدون مسوغ شرعي يقتضي ذلك والله عز وجل يقول: (لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه).الطلاق، الآية:1.
ومن الظلم في مبدأ العقوبات: الضرب على الوجه والسب والتقبيح. جاء رجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: ما حق المرأة على زوجها؟ فقال: "أن يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى، ولا يضرب الوجه، ولا يقبح ، ولا يهجر إلا في البيت".
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 3653)
18 - تحسين الخلق مطلوب شرعاً.
قال اللّه تعالى: «ولا تَمْشِ في الأرضِ مَرَحاً إنَّكَ لنْ تخرقَ الأرضَ ولنْ تَبْلُغَ الجبالَ طُولاً» وقال جلّ شأنه: «يا أيّها الّذينَ آمنوا لا يَسخرْ قومٌ منْ قومٍ عسى أنْ يكونوا خيراً منهم ولا نساءٌ منْ نساءٍ عسى أنْ يَكُنَّ خيراً منهنَّ ولا تَلْمِزُوا أَنفسَكم ولا تَنَابَزُوا بالألقابِ بئسَ الاسمُ الفُسوقُ بعدَ الإِيمانِ ومن لم يَتُبْ فأولئك هم الظّالمون يا أيّها الّذين آمنوا اجْتَنِبُوا كثيراً منَ الظَّنِّ إنَّ بعضَ الظَّنِّ إثمٌ ولا تَجَسَّسُوا ولا يغتبْ بعضُكم بعضاً أَيُحِبُّ أحدُكم أنْ يأكلَ لَحْمَ أخيه مَيْتَاً فَكَرِهْتُمُوه واتّقوا اللّهَ إنَّ اللّهَ توّابٌ رحيمٌ» إلى غير ذلك من الآيات الموجبة لحسن الخلق ، وقد وصف اللّه رسوله بقوله: «وَإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عظيمٍ» .
ويتناسب تحسين الخلق مع عظم الحقّ ، فمن كان حقّه عليك أكبر كان تحسين الأخلاق معه أوجب ، ولذلك حرّم اللّه تعالى على الإنسان أن يتأفّف لأحد والديه ، لعظيم حقّهما على الولد ، قال تعالى: «فلا تَقُلْ لهما أُفٍّ ولا تَنْهَرْهما وقلْ لهما قولاً كريماً» .
قال البهوتيّ: يستحبّ لكلّ من الزّوجين تحسين الخلق لصاحبه والرّفق به واحتمال أذاه ، وفي حديث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: « اسْتوصُوا بالنّساءِ خيراً ، فإِنَّ المرأةَ خُلِقَتْ من ضِلعٍ » .
خَلْق المرأة من ضلع أعوج
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل متفرقة
التاريخ 17/01/1426هـ
السؤال
هل صحيح أن الزوجة مخلوقة من ضلع أعوج؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً مع ذكر المراجع من القرآن والسنة وكتب التفاسير وشروح الأحاديث.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد:
الحديث المشار إليه في السؤال أخرجه البخاري (5184،3331)، ومسلم ( 1468) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاه،ُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ"، ومعنى الحديث الحث على الرفق بالمرأة والإحسان إليها، وطيب معاشرتها وحسن مراعاتها ومداراتها، وقد بوب عليه البخاري بقوله: باب المدارة مع النساء، وقوله: "خلقت من ضلع" فيه إشارة إلى أنها خلقت من ضلع آدم، وقد دل القرآن أن المرأة خلقت من الرجل، قال تعالى: "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا"[الأعراف:189]، قال الطبري: (ويعني بقوله: وجعل منها زوجها، وجعل من النفس الواحدة، وهو آدم زوجها حواء ...)، ثم ذكر عن قتادة: (وجعل منها زوجها، حواء جعلت من أضلاعه، ليسكن إليها)، وقال الحافظ ابن كثير: (ينبه تعالى على أنه خلق جميع الناس من آدم عليه السلام، وأنه خلق منه زوجته حواء ثم انتشر الناس منهما ...)، وقال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا"[النساء:1]، قال ابن كثير: (وخلق منها زوجها وهي حواء عليها السلام خلقت من ضلعه الأيسر من خلفه وهو نائم، فاستيقظ فرآها فأعجبته، فأنس إليها وأنست إليه... )، وقال ابن جرير: (وخلق منها زوجها، وهي حواء ...).
وذهب بعض العلماء إلى أن قوله في الحديث: (من ضلع) قصد به المثل أي من مثل ضلع، وقصد من هذا التشبيه الحث على الرفق بها والإحسان إليها، وإمساكها بالمعروف ويشهد له ما جاء في رواية مسلم: "لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها؛ استمتعت بها وبها عوج ، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها: طلاقها"، ومن المعلوم أن الخالق جل ثناؤه قد زود كلاً من الرجل والمرأة بخصائص تتناسب والمهمة التي يقوم بها كل منهما، فالمرأة هي الحاضنة والمربية والحاملة والمرضعة، وهذه المهمة بحاجة إلى عواطف جياشة ومشاعر مرهفة حتى تستطيع أن تؤدي مهمتها على الوجه الأكمل، وغلبة هذه العاطفة مع ما يتكرر معها من المحيض والولادة يولد لديها بعض الضعف من الانفعال النفسي والشعور بالضيق فيضعف تحملها فتحتاج إلى مراعاة، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلى طبيعة المرأة، وأنها تحتاج إلى مراعاة ومداراة وترك التقصي عليها فلا تعامل بالشدة والمحاسبة الدقيقة على تصرفاتها، ولو أن الزوج استحضر هذه الوصية عند تعامله مع امرأته لطابت حياتهما وعاشا حياة طيبة وعيشة هنيئة بعيدة عن المشاكل والمكدرات، والإسلام كما لا يخفى في تشريعاته وأحكامه قد أعطى المرأة مكانة عالية ومنزلة رفيعة وحفظ كرامتها وأنوثتها وعفتها وقد عرض القرآن الكريم لكثيرٍ من شئون المرأة في أكثر من عشر سور منها سورتان عرفت إحداهما بسورة النساء الكبرى، وعرفت الأخرى بسورة النساء الصغرى، وهما سورتا: النساء والطلاق، وعرض لها في سور: البقرة والمائدة والنور والأحزاب والمجادلة والممتحنة والتحريم، وحظيت المرأة في الإسلام بمكانة لم تحظ بها في شرع سماوي سابق ولا في اجتماع إنساني، ومع هذه المكانة للمرأة في تشريعات الإسلام يأتي من يزعم أن الإسلام هضم حق المرأة، وجعلها متعة بيد الرجل، والقرآن يقول: "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ"[البقرة:228]، والحقيقة أن القضية لا ترجع إلى حق وعدل ولكن إلى أهواء وشهوات وتقليد لما يوجد في البلاد الغربية والتي أخرجت المرأة عن وظيفتها الإنسانية وأقحمتها في ميادين ليست لها وقضت على أنوثتها وعفتها وكرامتها، والشاهد خير واقع، إن الإسلام منح المرأة كل خير وصانها من كل شر، ولا منقذ لها ولا حافظ لكرامتها سوى التعاليم التي جاءت في نصوص الوحيين الكتاب والسنة، والإسلام بين أن المرأة خلقت من الرجل، وأن خلق المرأة نعمة ينبغي أن يحمد الله عليها، قال تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"[الروم:21]، وقال تعالى: "وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً"[النحل:72]، والمرأة في الإسلام كالرجل فهي شقيقته وشريكته، ومن الرجل والمرأة تعددت القبائل والشعوب "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ ..."[الحجرات:13]، والمرأة هي الأم، وقد وضعها الإسلام موضع التكريم والإجلال، وجاءت الوصايا بالإحسان إليها: "وَوَصَّيْنَا الْإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ"[لقمان:14]، وقال تعالى: "وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً"[الأحقاف:15]، والمرأة كالرجل فرض الله عليها القيام بالواجبات الشرعية، وهي كالرجل إذا استجابت لأمر الله : "مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"[النحل:97]، "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ"[آل عمران:195]، "إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً"[الأحزاب:35]، والمرأة مسئولة مسؤولية خاصة عن واجباتها الشرعية، ومسئولة مسؤولية عامة فيما يختص بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف، والإرشاد إلى الفضائل والتحذير من الرذائل، قال تعالى: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"[التوبة:71]، وللمرأة في الإسلام حرية التصرف في مالها، ولها حق أن تستأذن في أمر زواجها، ولها أن ترفض وليس لوليها أن يكرهها فيمن لا ترغب فيه، ولها نصيبها من الميراث، واعتنى الإسلام بتعليم المرأة وتثقيفها.
والحاصل أن المتأمل في هذه الشريعة العظيمة يرى أنها أحاطت المرأة بتشريعات وأحكام تكمل بها كرامتها وسعادتها، وتتحقق لها الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة، ويجب أن ننظر إلى جميع ما ورد في شأن المرأة، ولا ننظر إلى جزئية مقطوعة عن باقي التشريعات، فالنظرة الجزئية خاطئة، والله أعلم.
هجرها في المضجع من غير نشوز!
المجيب د. محمد بن عبد العزيز المبارك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 17/11/1426هـ
السؤال
هل من حقوق الزوجة أن ينام الزوج في الغرفة معها، حيث إن زوجي له غرفة خاصة به، وإذا أرادني طلب حضوري، ويقول: ليس في الإسلام وجوب النوم معك في سرير أو غرفة. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه وبعد:
فقد جاء في المغني لابن قدامة -رحمه الله- في كتاب عشرة النساء (10/220) ما نصه: قال الله تعالى: "وعاشروهن بالمعروف" [النساء:19]. وقال تعالى: "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف" [البقرة:228]. وقال ابن زيد: يتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيهم، وقال ابن عباس: إني لأحب أن أتزين للمرأة, كما أحب أن تتزين لي؛ لأن الله تعالى يقول: "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف"، وقال الضحاك في تفسيرها: إذا أطعن الله وأطعن أزواجهن فعليه أن يحسن صحبتها, ويكف عنها أذاه وينفق عليها من سعته، وقال بعض أهل العلم: التماثل ها هنا في تأدية كل واحد منهما ما عليه من الحق لصاحبه بالمعروف ولا يمطله به, ولا يظهر الكراهة بل ببشر وطلاقة، ولا يتبعه أذى ولا منة؛ لقول الله تعالى: "وعاشروهن بالمعروف" وهذا من المعروف, ويستحب لكل واحد منهما تحسين الخلق مع صاحبه والرفق به واحتمال أذاه؛ لقول الله تعالى: "وبالوالدين إحسانا وبذي القربى" إلى قوله "والصاحب بالجنب" [النساء:36]. قيل: هو كل واحد من الزوجين، وقال النبي صلى الله عليه وسلم-: "استوصوا بالنساء خيرا" رواه البخاري (3331)، ومسلم (1468)، وأخرجه الترمذي (1163)، وزاد: "فإنهن عوان عندكم". وقال صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله" رواه مسلم (1218). وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن المرأة خلقت من ضلع، لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقا". متفق عليه [صحيح البخاري (5184) وصحيح مسلم (1468)]. وقال صلى الله عليه وسلم: "خياركم خياركم لنسائهم" رواه ابن ماجه (1978).
وحق الزوج عليها أعظم من حقها عليه؛ لقول الله تعالى: "وللرجال عليهن درجة" [البقرة:228]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد, لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق" رواه أبو داود (2140)، وقال: صلى الله عليه وسلم: "إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح" متفق عليه [صحيح البخاري (5194)، وصحيح مسلم (1436)]، وقال صلى الله عليه وسلم لامرأة: "أذات زوج أنت؟" قالت: نعم. قال: "فكيف أنت له؟". قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه. قال: "فانظري أين أنت منه، فإنه جنتك ونارك". رواه أحمد (26806). وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه, ولا تأذن في بيته إلا بإذنه، وما أنفقت من نفقة من غير أمره، فإنه يؤدَّى إليه شطره". رواه البخاري (5195).
أختي السائلة: ما تذكرين في سؤالك محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من يرى أن الزوج إذا كانت له زوجة واحدة يلزمه أن يبيت عندها ليلة من أربع، وينفرد إن أراد في الباقي، ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذا يتضمن: الاجتماع في المنزل والفراش، كما قال رحمه الله: (وقول أصحابنا: يجب على الرجل المبيت عند امرأته ليلة من أربع، وهذا المبيت يتضمن سنتين: إحداهما المجامعة في المنزل، والثانية في المضجع، وقوله تعالى: "واهجروهن في المضاجع"مع قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يَهْجُر إلا في المضجع" دليل على وجوب المبيت في المضجع، ودليل على أنه لا يهجر المنزل، ونص الإمام أحمد في الذي يصوم النهار ويقوم الليل يدل على وجوب المبيت في المضجع، وكذا ما ذكره في النشوز إذا نشزت هجرها في المضجع دليل على أنه لا يفعله بدون ذلك.
وعلى هذا فيلزم الزوج أن يبيت مع زوجه في فراشها ليلة من أربع، وينفرد في سائر الليالي إن شاء، ويؤيد هذا أن المراد من المبيت ما يحصل من الأنس والسكن في المقام الأول، وهذا إنما يتحقق كماله بلزوم فراشها والنوم بجوارها، قال الله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الروم:21].
ويذهب بعض أهل العلم إلى أن من له زوجة واحدة يستحب أن يبيت عندها ويحصنها، وأن أدنى الدرجات أن لا يخلي أربع ليال عن ليلة، إلا أنه لا يلزمه ذلك ابتداء؛ لأنه حقه فله تركه، كما يرون أن الأولى أن يناما في فراش واحد إذا لم يكن لأحدهما عذر في الانفراد، سيما إذا عرف الزوج حرص زوجه على ذلك.
وإذا تقرر هذا أختي الكريمة فإن زوجك قد يحتج بأن ما يفعله جائز عند بعض أهل العلم، أو أن يستمر على عناده لك، فلا أرى أن الحل ليس في سؤالك عن الحكم حلا وحرمة، بل ينبغي لك أن تبحثي عن الداعي الذي لأجله فعل زوجك هذا، واستشعار أسبابه والعمل على التصحيح ما أمكن بروح المودة والمحبة والخضوع، وتلافي الخطأ والقصور. وفق الله السائلة لما يحبه ويرضاه، وأصلح لها ما بينها وبين زوجها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ماضي زوجتي يتعبني !!
المجيب سعد الرعوجي
مرشد طلابي بثانوية الأمير عبد الإله.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/ المشكلات الزوجية/الغيرة
التاريخ 19-7-1424
السؤال
أنا متزوج ولله الحمد، والمشكلة أنني بعد أربعة أشهر من زواجي وجدت في جهاز الكمبيوتر الخاص بزوجتي صورتها مع صورة رجل غريب ( وهي مركبة تركيب ) فثارت أعصابي وأجريت تحقيقاً مع زوجتي واعترفت أنها تعرفت عليه وأقسمت بالله أنها لم تره وأنه يعيش في أمريكا .. وأنها فقط تتكلم معه بواسطة النت و الهاتف .. زيادة على أنها كانت تعرض جسمها بالكاميرا له وهو يعرض لها أيضا.(وكل الذي اعترفت به تأكدت من صحته بما لا يدع مجالاً لشك ) . فضربتها وكنت أريد أن أطلقها، ولكنها بكت كثيرا وقالت إن هذا حدث قبل الزواج وأنها تابت إلى الله ولا يوجد أي نوع من الاتصال معه. وللحق والحق يقال إنني لم أر عليها من زواجي أي شي يغضبني وهي إنسانة محجبة ومحافظه على الصلوات.
السؤال:
ماضي زوجتي يؤلمني كثيراً , ولكنها حامل , وأعلم أن ابغض الحلال إلى الله الطلاق وأنا أخاف من الله وأخاف أن أظلمها إذا طلقتها ، ولكن أيضاً الغيرة تحرقني ويعلم الله أني بكيت لوحدي كثيراً وتمنيت أني لم أزوج بها لأنني محتار فلا أعلم ماذا أفعل
أرجو من فضيلتكم التوجيه السريع حيث إنني أعيش حالة قلق ، ولا أدري ماذا أفعل، هل أطلقها أم لا ؟
وجزاكم الله خيرا
الجواب
الأخ الكريم ...
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
شكراً لثقتك واتصالك بنا في موقع " الإسلام اليوم "
حقيقة يا أخي أن ما تعانيه أمر مؤذي وشيء محرج ومقلق فعلاً ولا يمر بإنسان إلا ويكون في ما أنت فيه من حال، وأنت يا أخي كذلك رجل فيك ولله الحمد صدق ورجاحة عقل تذكر ما لك وتذكر لزوجتك ما لها وما عليها، ولذا فإني أتوقع منك أن تصل إلى ما يريحك بإذن الله .
أخي الكريم أود أن أحدثك من خلال أمرين مهمين هما :-
أولاً :- الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ضعيفاً (ذكراً أو أنثى) وخلقه مجبولاً على النقص والخطأ يقع فيه مرات ومرات فهذا أبونا آدم عليه السلام يذكره الله سبحانه وتعالى بمكر إبليس وينبهه إلى عدم الاستماع إليه أو طاعته ومع ذلك فأبونا وهو في الجنة التي هي أعظم نعيم ، يسمع لوساوس إبليس ويطيعه ويأكل من الشجرة التي نهاه الله عنها.... إلى آخر القصة. وهنا أذكرك بأننا نحن البشر إلا من عصم الله لا بد لنا من الوقوع بالذنب والخطأ ولكن الله سبحانه وهو أرحم الراحمين جعل لنا مخرجاً من هذا الأمر وهو الاستغفار والتوبة والإقلاع عن الذنب ولذلك أعطني إنساناً لم يقع في ذنب أو إثم سوى الأنبياء المعصومين حتى صحابة رسول الله رضوان الله عليهم لم يسلموا من هذا الأمر والرسول صلى ا لله عليه وسلم يعيش بين أظهرهم والقرآن يتنزل عليهم صباح مساء، إذاً هكذا نحن بني البشر كلنا ذو خطأ وخير الخطاءين التوابون، والإنسان المذنب والمقصر متى ما تاب إلى الله توبة صادقةً فكأنه لا ذنب له حتى أعظم الذنوب وهو الإشراك بالله لذا قال الرسول صلى ا لله عليه وسلم لعمرو بن العاص [ التوبة تجب ما قبلها ]
لذا أخي الكريم الواضح من خلال كلامك عن زوجتك ووصفك المنصف لها أنها إنسانة محجبة محافظة على الصلوات مطيعة لا تفعل شيئاً يغضبك وهذه كلها إمارات التوبة الصادقة والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى واعلم أن زوجتك وقعت في خطأ عظيم ولكنها أيضاً تابت وأنابت إلى ربها وربنا سبحانه يقبل التوبة فلعل هذا يشفع لها. كذلك زوجتك ولله الحمد لم تقع معه مباشرة وأنت تزوجتها بكراً وهذا شيء يهون من المشكلة كثيراً.
فابدأ حياتك معها من جديد بعيداً عن الشكوك والغيرة واحتسب ذلك عند الله سبحانه وتعالى وستجد لذته بإذن الله تعالى.
ثانياً :- الزواج رباط شرعي مقدس أحاطه الله سبحانه وتعالى بحصون كثيرة تمنعه بإذن الله من الاهتزاز والسقوط وأمرنا جميعاً بأن نتعاون ونعمل على حماية هذا البناء بكل الوسائل الممكنة وأن نتجاوز كثيراً من الأمور التي يمكن تجاوزها ولا نجعلها سبباً لإسقاط البناء قال رسولنا وحبيبنا محمد صلى ا لله عليه وسلم [ استوصوا بالنساء خيراً فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج ما في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء ] ( متفق عليه ) وفي حديث آخر يقول صلى ا لله عليه وسلم [ لا يفرك - لا يبغض- مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر ] وفي حديث آخر يقول [ خياركم خياركم لنسائكم] وقال أيضاً [ولقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم]
وقد سئل النبي صلى ا لله عليه وسلم [ أي النساء خير فقال التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه فيما يكره في نفسها وماله ]
أولاً :- الرسول يقول لا يفرك ( لا يبغض ) مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر فأنت إذا كرهت ما سبق وقوعه من زوجتك فلعلك رضيت منها خلقها معك وطاعتها لك.
ثانياً :- أحد مقاصد الخيرية التي يعني بها الرسول عليه السلام خياركم خياركم لأهله أو كما قال هي غض الطرف والتجاوز.
وأخيراًً: حديث رسول الله صلى ا لله عليه وسلم: " أي النساء خير فقال التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولاتخالفه فيما يكره...... الحديث" ، وهذه الأشياء المذكورة في الحديث موجودة في زوجتك، حسب شهادتك لها وبالتالي يا أخي فإني متفائل كل التفائل بأن زوجتك امرأة صالحة قد تابت إلى ربها وتكن لك الكثير من المودة والمحبة وهي أيضاً أم لولدك القادم بإذن الله والذي سيكون بذرة صالحة تنشأ تحت رعايتك ورعاية أمه التي عرفت ربها وأطاعت زوجها وصامت شهرها وصلت فرضها فسيقال لها بإذن الله ادخلي الجنة من أي باب شئت أو كما قال رسول الله
فيا أخي الكريم أعود وأكرر تخلص من قلقك وغيرتك واحتسب ذلك عند الله وأمسك عليك زوجتك وابدأ حياتك من جديد وإذا أخلصت أمرك لله فإنه سيوفقك ويهديك سبيل الرشاد وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
زوجي يظلمني من أجل أمه وأخته
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/ المشكلات الزوجية/سوء العشرة
التاريخ 7/9/1424هـ
السؤال
ماذا تقول لرجل ظلم زوجته من أجل أن يرضي أهله، ويقول لها: أنا لن أمسك العصا من النصف بل سأمسكها من طرف وأضربك بالطرف الآخر، ويقول أيضا لن أصدقك وأكذب أختي أو أمي (حتى وإن كانت كاذبة) هل لزوجته الحق في أن تطلب الطلاق لذلك، خاصة وأن أهل زوجها سببوا لها كثيراً من المشا
الجواب
لقد قرأت رسالتك، والتي تبثين فيها شكواك من ظلم زوجك لك من أجل أهله، فأود أن أقول لك بعض الأمور قبل الشروع في حل هذه المشكلة.
أولاً: اعلمي بأن لأهل زوجك حق عليه ولا سيما والداه، وخصوصاً الأم، فحقها عظيم، وفضلها كبير، فيجب عليه أن يبرها.
ثانياً: وكذلك أخوات زوجك وأرحامه لهم حق على زوجك، فيجب عليه أن يصلهم ولا يقطعهم ففضل صلة الرحل عظيم، وعاقبة قطعه وخيمة.
ثالثاً: أنت لك حق أيضاً على زوجك ويجب عليه أن يؤديه إليك على أكمل وجه، من معاشرة بالمعروف، ومعاملة بالحسنى، والنفقة عليك، وعدم إهانتك، وعدم ظلمك إلى غير ذلك من الحقوق التي لك على زوجك، فينبغي على زوجك أن يراعي تلك الحقوق، ولا يقصر في حق أحد على حساب طرف آخر، بل يعطي كل ذي حق حقه.
أما بالنسبة لمشكلتك، فلا ينبغي لك أن تطلبي الطلاق من أجل ذلك، ولكن يجب عليك أن تفعلي الآتي:
1. إذا كان يصدر منك أخطاء في حق زوجك أو في حق أمه أو أخته أو أي طرف من أهله، فعليك أن تقلعي عن ذلك، وإن لم يحدث منك لهم أي خطأ أو إساءة، فعليك تجنب الأشياء التي قد تؤدي إلى مشاكل بينكم.
2. عليك أن تحسني إلى والدة زوجك وأخته، من احترامهم ومعاملتهم معاملة طيبة، وشراء هدية لكل منهما، أشركيهم في بعض أمورك العامة، والتي لا تؤثر عليك معرفتهما إياها، إلى غير ذلك من أساليب التودد لهم والبر بهم، وتأكدي بإذن الله أن هذه المشاكل ستنتهي إذا أحسنت إليهما.
3. عليك أن تعلمي أن لزوجك حقاً عظيماً عليك، فيجب عليك أن تراعي هذه الحقوق، وتعملي على إرضائه وحسن التبعل له، فإنما هو جنتك ونارك، كما ثبت ذلك في الحديث الذي أخرجه أحمد (18524) عن الحصين بن محصن عن عمته ، وهو سبب من أسباب دخولك الجنة بإذن الله تعالى.
عن أم سلمة - رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة" أخرجه الترمذي (1161) وقال حديث حسن.
4. عليك أن تستخدمي هذا السلاح الفعال ألا وهو الدعاء والتضرع إلى رب الأرض والسماء، وقد غفل عن ذلك كثير من الناس اليوم إلا من رحم، فالجئي إلى الله بصدق وإخلاص وخشوع وتبتل واسأليه أن يهدى زوجك وأهله، وأن يسود الحب بينكما وتنتهي هذه المعاناة على خير، وعليك أن تتحري ساعات الإجابة، كأوقات السحر في جوف الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي آخر ساعة من يوم الجمعة ، وعند الإفطار من الصيام إلى غير ذلك من هذه الأوقات التي يرجى فيها الاستجابة، وكوني على يقين باستجابة الله لك؛ أليس هو القائل سبحانه: "وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون"[البقرة:186].
ادع ربك دعاء المضطر في دعائه فهو القائل سبحانه: "أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء" [النمل: 62] فهو سبحانه المجيب وأنت المضطرة.
الله أسأل أن يفرج همك، وينفس كربك، ويكشف عنك هذه الغمة إنه ولي ذلك والقادر عليه ومولاه.
همسة في أذن الزوج.
الرجاء أن تطلعي زوجك على هذه الكلمات: عسى الله أن ينفع بها
أيها الزوج العاقل: ألم تعلم أن الله قد أوصاك بأهلك (زوجتك) خيراً، وأوجب عليك حقوقاً تجاههم يجب عليك أداؤها إليهم.
قال تعالى: "وعاشروهن بالمعروف" [النساء:19]، هل امتثلت هذا الأمر الإلهي، وعاشرت زوجتك بالمعروف، أو بماذا عاشرتها؟
ألم تعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أوصى بالنساء خيراً قبل موته فقال - صلى الله عليه وسلم - "الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم" أخرجه أبو داود (5156) من حديث أم سلمة - رضي الله عنها.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإذا ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء" متفق عليه البخاري (5184) ومسلم (1468).
وعنه أيضاً قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم". أخرجه الترمذي (1162) وقال حديث حسن صحيح .
والنصوص في ذلك كثيرة، لكن فيما ذكر كفاية لمن أراد الهداية، واللبيب تكفيه الإشارة.
فعليك أخي الكريم أن تمتثل لأمر الله، وتتأسى بخلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في التعامل مع أهلك من حسن العشرة، وعدم ظلمهم، فإن الظلم عاقبته وخيمة، وقد حرمه الله جل وعلا فقال عز من قائل سبحانه في الحديث القدسي "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا" الحديث، أخرجه مسلم (2577) في صحيحه من حديث أبي ذر - رضي الله عنه.
فالظلم ظلمات يوم القيامة على أهله، وقد حذَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - من دعوة المظلوم فقال - صلى الله عليه وسلم - "اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" الحديث متفق عليه البخاري (1395 ، 2448)، ومسلم (19) مطولاً من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.
اعلم بأن لأمك حقاً عظيماً وكذلك لأختك وباقي أرحامك، وأيضاً لزوجتك حق عليك وهو أيضاً عظيم، فلا تقصر في حقها على حساب حق آخر، فأنت مسؤول أمام الله على أداء هذه الحقوق لأهلها، فكما أنك مثاب على برك بأمك وأختك، فأنت كذلك معاقب إذا قصرت في حقوق زوجتك، والعاقل من وازن بين الأمور، فبدلاً من أن تقول لزوجتك بأنك لا تمسك العصا من النصف، بل تمسكها من طرف واحد وتضرب بها زوجتك، يجب عليك أن تلطف الأمور، وتسعى في إصلاح ذات البين. هذا والله أعلم.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
زوجتي تسيء معاملة أهلي
المجيب فهد بن محمد بن إبراهيم اليابس
مستشار أسري بمشروع ابن باز بالرياض
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/ المشكلات الزوجية/نشوز الزوجة
التاريخ 30/1/1425هـ
السؤال
حدث خلاف بيني وبين زوجتي بسبب معاملة أهلي، مما جعلني أفقد صوابي عدة مرات، وقمت بإرشادها إلى ما أريد منها، ولكنها مُصرة على ما تريد، مما جعلني أضربها عدة مرات، ومع ذلك تعود لنفس الأسباب التي ضربتها من أجلها. ما هو الحل؟.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
أخي الكريم: أذكرك ونفسي ببعض الأمور التي لا بد من أشعارها دائماً في الحياة الزوجية:
أولاها: أهمية الصبر على الأذى الذي يصيب الإنسان، قال -تعالى-: "وَالْعَصْرِ إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ" [العصر:1-3]، والإنسان لا يعلم متى يكون الفرج، لكنه إن وطنَّ نفسه على الصبر، واحتساب الأجر عند الله ؛ انقلبت في نظره المحنة إلى منحة ربانية، ترفع بها درجاته، ويحط بها من سيئاته.
الثاني: أنه لا يخلو بيت من عقبات وخلافات بين الطرفين،وقد وقع ذلك في أزكى البيوت، وأشرفها، وهو بيت المصطفى - عليه الصلاة والسلام- مع أزواجه اللائي هن أمهات المؤمنين، فإذا عرف الإنسان ذلك كيف به يطمع في بيت خال من المشاكل والخلافات، ذلك أن الحياة الزوجية عشرة دائمة في جميع الأحوال والأزمان، من فرح وحزن في ليل أو نهار، وحصول الاتفاق بين اثنين في كل شيء من المستحيلات.
الثالث: على كل طرف أن يتأمل الجوانب الخيرة والإيجابية في الطرف الآخر، قال - عليه الصلاة والسلام-: "لا يفرك مؤمن مؤمنة؛ إن كره منها خلقاً رضي منها آخر" رواه مسلم (1469)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، فإذا رأيت حسن ترتيبها في بيتها وصيانتها لأبنائك، وكرهت منها صفة الغضب مثلاً فاصبر على ذلك، وإذا رأيت منها الحرص على العبادة والعلم مع التقصير في بعض أمور المنزل فاصبر على ذلك، وهكذا.
الرابع: أن المرأة خلقت من ضلع أعوج، وإنك إن ذهبت تصلحه أو تقومه كسرته، وإنَّ كسرها طلاقها، فالطمع في الحصول على زوجة كاملة في كل شيء هو من المحال، بل على الإنسان أن يعلم أن مقاصد الزواج تحقق - بإذن الله- مع التقوى والصلاح.
لذا فإنني أنصحك ونفسي بالصبر والحلم، والتضحية، وعدم الاستعجال في تعديل مسار الزوجة، بل عليك أن تبتهج بأي تحسن في حالة الزوجة، ولو كان هذا التحسن طفيفاً، وعليك أن تشجعها وتذكر لها ذلك إن رأيت منها تحسناً؛ حتى تواصل تغيرها - بإذن الله-، وإياك إياك والضرب؛ فإنه سبيل شر عظيم، ولم يرخص في الشرع إلا في حالات محددة على أن يكون ضرباً غير مبرح، واتق الله فيها، واخش من عقابه إن أنت ظلمتها وآذيتها، واحرص عل الخير الذي أرشد إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم- بقوله: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" رواه الترمذي (3895) وغيره من حديث عائشة - رضي الله عنها -، وتذكر حديث الرسول - عليه الصلاة والسلام-: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه" رواه مسلم (2594) من حديث عائشة - رضي الله عنها - وقوله- عليه الصلاة والسلام-: "إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه" رواه مسلم (2593) من حديث عائشة - رضي الله عنها - أو كما قال - عليه الصلاة والسلام-.
أسأل الله - عز وجل- أن يجمع بينكما على طاعته، وأن يؤلف بين قلبيكما، ويكفيكما شر الشيطان وشركه، والله يحفظكم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 9 / ص 57)
شبهات حول خلق المرأة من ضلع، وزواج آدم من حواء رقم الفتوى:18218تاريخ الفتوى:14 ربيع الثاني 1423السؤال : وردت مسألة خلق المرأة من ضلع أعوج في كثير من كتب الصحاح وبعض العلماء من أهل السنة والجماعة
فما مدى صحة تلك الأحاديث وهل تتفق مع تكريم النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة وهل يعتبر آدم بموجب ذلك نكح نفسه إذا كانت حواء مخلوقة من ضلعه فيصبح كل وجودنا حراماً بموجب هذه الرواية أفتونا مأجورين
حفظكم الباري وسدد خطاكم؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيقول الله تعالى:يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً [النساء:1]. وفي هذه الآية وغيرها تنصيص على أن أصل البشرية من آدم، وأن حواء خلقت منه، وجاءت الأحاديث الصحيحة لتبين من أي مكان خلقت حواء من آدم، فجاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء. زاد ابن إسحاق (بتخريجه) اليسرى من قبل أن يدخل الجنة وجعل مكانه لحم.
وكون حواء خلقت من آدم من غير توليد كخلق الأولاد من الآباء لا يلزم منه أن تكون ابنته ولا أخته، كما نص على ذلك علماء التفسير، ولهذا سماها القرآن زوجة:وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [النساء:1]. وقد جعل الله خلق آدم من غير أب ولا أم، وخلق حواء من غير أم، وخلق عيسى من غير أب، وخلق بقية البشر بعد ذلك من ذكر وأنثى، آيات تدل على عظم الخالق سبحانه.
وأما قولك: إن خلق حواء من ضلع أعوج يتعارض مع الأحاديث التي تكرم المرأة! فالحقيقة أنه لا تنافي بين الأمرين، والدليل على ذلك أن الله تعالى كرم الإنسان وفضله على سائر المخلوقات قال تعالى:وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم [الإسراء:70]. وقال تعالى:لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين:4]. ومع ذلك فهو مخلوق من ماء مهين وأخرج من مجرى البول مرتين وقد كان أصل خلقه من الطين. وبهذا يتبين للسائل الكريم أنه لا تعارض بين أصل الخلق والتكريم.
ثم إن استنتاج السائل من كون حواء خلقت من ضلع آدم فساد زواجه منها، وما ينبني على ذلك من كون وجود كل البشرية من نكاح فاسد، هو استنتاج غير صحيح ولا يستقيم، فلا يلزم من كونها خلقت من ضلعه أن يكون أباً لها أو أخاً -كما تقدم- ثم على السائل أن يعلم أن شريعة آدم التي كان ينتهجها تبيح من أنواع النكاح ما لا تبيحه شريعتنا.
وعلى السائل أن يعلم أن آدم نبي من أنبياء الله تعالى، والأنبياء معصومون من الوقوع في الكبائر ومن الإصرار على الصغائر، وكون شرعنا يحرم نكاح المحارم لا يلزم منه أن يكون شرع آدم يحرمه لأن الله تعالى يقول:لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً [المائدة :48].
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 11 / ص 206)
النظر إلى الجوانب المضيئة في الحياة الزوجية يساعد على تخطي الخلاف رقم الفتوى:2050تاريخ الفتوى:28 ربيع الأول 1422السؤال : بسم الله الرحمن الرحيم سنين متعددة وأنا لا أشعر بالراحة مع زوجتي التي تزوجتها منذ 1979.فمشكلة الفراش وتربية الأطفال من أكبر المشاكل التي صبرت عليها فترة طويلة وطويلة . ولقد وصل بي اليأس درجة التفكير بالطلاق لأبدأ حياة جديدة. للتذكير فأنا أب لأربعة أطفال وعمري 46 سنة ومهنتي التعليم.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: أخي السائل الكريم الذي ننصحك به هو قول الله تعالى في سورة البقرة بعد ذكر بعض الأحكام المتعلقة بالزوجين "ولا تنسوا الفضل بينكم". وقول الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لا يفركن مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضى منها آخر) ومعنى لا يفركن لا يكره ولا يبغض. رواه أحمد وهو صحيح. فهذه المرأة قد عاشت معك عشرين سنة ورزقك الله منها أولادا فلا ينبغي لك أن تفارقها إلا إذا وصلت مسيرة الحياة معها إلى طريق مسدود، ثم إن عليك أن تعلم أن هذا حال النساء مع أزواجهن فلا تسلم الحياة الزوجية من بعض المنغصات التي تسببها الزوجة لزوجها فقد ثبت في الحديث عن ابي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن المرأة خلقت من ضلع ولن تستقيم لك على طريقة فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها) رواه البخاري ومسلم وهذا لفظ مسلم. والله تعالى أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 48 / ص 151)
تجاوز الزوج عن أخطاء وهفوات امرأته رقم الفتوى:68247تاريخ الفتوى:16 رمضان 1426السؤال :
أود أن أسأل وكلي صبر على ذلك :
أنا متزوج منذ ستة أشهر من امرأة ، ولكن حتى الآن لم يحصل الاندماج الفكري والعاطفي ، حيث إن ثمة موقف حصل ولم أشعر أنها تبادلني محبة أو عطفاً ، حيث وعندما كنتُ أغضب منها على شيئ تكون هي السبب فيه ، تتركني ولا تحاول أن تعتذر مني ، وهي تفتقر للخبرات الكثيرة عن حقوق الزوج في البيت ، هل يجب علي أن أذكرها دوماً بذلك ، بالمناسبة لم يحصل قبل ذلك وأن توسعت دائرة المشاكل حيث كانت تنتهي بيننا ، وفي كل مرة يحدث بها خلال تأتيني أفكار أن أقوم بتطليقها ، أو الندم على الزواج منها ، أو إرسالها إلى أهلها ، لأنني لا أرى منها أي حركة تشعرني بأنها مهتمة بي ، فهل أنا فعلاً على حق أم أنا حساس ، أم عليّ الصبر ، أم ماذا أفعل الرجاء الإفاده؟
وشكراً لكم.
الفتوى :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أخي الكريم أن الحياة الزوجية لا تقوم إلا على التعاون والتراحم والتجاوز عن الأخطاء والهفوات، وهذه المرأة لو لم تكن ترغب فيك لما قبلت بك زوجاً ، فنوصيك بالصبر وحسن المعاشرة مع زوجتك فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإذا شهد أمراً فليتكلم بخير أو ليسكت ، واستوصوا بالنساء ، فإن المرأة خلقت من ضلع ، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه ، إن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، استوصوا بالنساء خيرا. رواه مسلم وأصله في الصحيحين .
ونرى أن تعرض عن التفكير في طلاقها أو الندم على الزواج منها ، واشتغل بما ينفعك من تعليمها وإصلاحها وتربيتها على أخلاق الإسلام ، فإن ذلك إن وقر في صدرها لن تجد منها إلا ما يرضيك . وفقك الله للخير .
والله أعلم .(1/125)
25-7911 أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ ، عَنْ أُسَامَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ (1)
__________
(1) - البخاري برقم(5096) والمسند الجامع برقم (160 )
فتح الباري لابن حجر - (ج 14 / ص 337)
4706 - قَوْله ( عَنْ أُسَامَة بْن زَيْد ) زَادَ مُسْلِم مِنْ طَرِيق مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان عَنْ أَبِيهِ مَعَ أُسَامَة سَعِيد بْن زَيْد ، وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيّ لَا نَعْلَم أَحَدًا قَالَ فِيهِ " عَنْ سَعِيد بْن زَيْد " غَيْر مُعْتَمِر بْن سُلَيْمَان .
قَوْله ( مَا تَرَكْت بَعْدِي فِتْنَة أَضَرّ عَلَى الرِّجَال مِنْ النِّسَاء ) قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدِّين السُّبْكِيُّ : فِي إِيرَاد الْبُخَارِيّ هَذَا الْحَدِيث عَقِب حَدِيثَيْ اِبْن عُمَر وَسَهْل بَعْد ذِكْرِ الْآيَة فِي التَّرْجَمَة إِشَارَة إِلَى تَخْصِيص الشُّؤْم بِمَنْ تَحْصُل مِنْهَا الْعَدَاوَة وَالْفِتْنَة ، لَا كَمَا يَفْهَمهُ بَعْض النَّاس مِنْ التَّشَاؤُم بِكَعْبِهَا أَوْ أَنَّ لَهَا تَأْثِيرًا فِي ذَلِكَ ، وَهُوَ شَيْء لَا يَقُول بِهِ أَحَد مِنْ الْعُلَمَاء ، وَمَنْ قَالَ إِنَّهَا سَبَب فِي ذَلِكَ فَهُوَ جَاهِل ، وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّارِع عَلَى مَنْ يَنْسُب الْمَطَر إِلَى النَّوْء الْكُفْر فَكَيْف بِمَنْ يَنْسُب مَا يَقَع مِنْ الشَّرّ إِلَى الْمَرْأَة مِمَّا لَيْسَ لَهَا فِيهِ مَدْخَل ، وَإِنَّمَا يَتَّفِق مُوَافَقَة قَضَاء وَقَدَر فَتَنْفِر النَّفْس مِنْ ذَلِكَ ، فَمَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ فَلَا يَضُرّهُ أَنْ يَتْرُكهَا مِنْ غَيْر أَنْ يَعْتَقِد نِسْبَة الْفِعْل إِلَيْهَا . قُلْت : وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِير ذَلِكَ فِي كِتَاب الْجِهَاد ، وَفِي الْحَدِيث أَنَّ الْفِتْنَة بِالنِّسَاءِ أَشَدّ مِنْ الْفِتْنَة بِغَيْرِهِنَّ ، وَيَشْهَد لَهُ قَوْله تَعَالَى ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبّ الشَّهَوَات مِنْ النِّسَاء ) فَجَعَلَهُنَّ مِنْ حُبّ الشَّهَوَات ، وَبَدَأَ بِهِنَّ قَبْل بَقِيَّة الْأَنْوَاع إِشَارَة إِلَى أَنَّهُنَّ الْأَصْل فِي ذَلِكَ ، وَيَقَع فِي الْمُشَاهَدَة حُبّ الرَّجُل وَلَد مِنْ اِمْرَأَته الَّتِي هِيَ عِنْده أَكْثَر مِنْ حُبّه وَلَدَهُ مِنْ غَيْرهَا ، وَمِنْ أَمْثِلَة ذَلِكَ قِصَّة النُّعْمَان بْن بَشِير فِي الْهِبَة ، وَقَدْ قَالَ بَعْض الْحُكَمَاء : النِّسَاء شَرّ كُلّهنَّ وَأَشَرّ مَا فِيهِنَّ عَدَم الِاسْتِغْنَاء عَنْهُنَّ وَمَعَ أَنَّهَا نَاقِصَة الْعَقْل وَالدِّين تَحْمِل الرَّجُل عَلَى تَعَاطِي مَا فِيهِ نَقْصُ الْعَقْل وَالدِّين كَشَغْلِهِ عَنْ طَلَب أُمُور الدِّين وَحَمْلِهِ عَلَى التَّهَالُك عَلَى طَلَب الدُّنْيَا وَذَلِكَ أَشَدّ الْفَسَاد وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد فِي أَثْنَاء حَدِيث " وَاتَّقُوا النِّسَاء ، فَإِنَّ أَوَّل فِتْنَة بَنِي إِسْرَائِيل كَانَتْ فِي النِّسَاء .
عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 21 / ص 226)
6905 - حدثنا ( آدم ) حدثنا ( شعبة ) عن ( سليمان التيمي ) قال سمعت ( أبا عثمان النهدي ) عن ( أسامة بن زيد ) رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء
مطابقته للترجمة من حيث إن الشؤم أشد منهن ولهذا ذكره بعد حديثي ابن عمرو سهل بن سعد وفتنتهن أشد الفتن وأعظمها ويشهد له قوله عز وجل زين للناس حب الشهوات من النساء ( آل عمران 14 ) فقدمهن على جميع الشهوات لأن المحنة بهن أعظم المحن على قدر الفتنة بهن وقد أخبر الله عز وجل أن منهن لنا أعداء فقال إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ( التغابن 14 ) ويروي أن الله عز وجل لما خلق المرأة فرح الشيطان فرحا شديدا وقال هذه حبالتي التي لا تكاد يخطيني من نصبتها له وجاء في الحديث النساء حبائل الشيطان وروي استعيذوا من شرار النساء وكونوا من خيارهن على حذر وقال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أوثق سلاح إبليس النساء وسليمان التيمي هو سليمان بن طرخان أبو المعتمر التيمي البصري وأبو عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي بفتح النون وسكون الهاء وبالدال المهملة
والحديث أخرجه مسلم في آخر الدعوات عن سعيد بن منصور وغيره وأخرجه الترمذي في الاستئذان عن محمد بن عبد الأعلى
وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن عمرو بن علي وأخرجه ابن ماجه في الفتن عن بشر بن هلال
قوله أضر وذلك أن المرأة ناقصة العقل والدين وغالبا ترغب زوجها عن طلب الدين وأي فساد أضر من ذلك وروي عنه صلى الله تعالى عليه وسلم قالوا يا رسول الله وما فتنتهن قال إذا لبس ربط الشام وحلل العراق وعصب اليمن وملن كما تميل أسنمة البخت فإذا فعلن ذلك كلفن الغير ما ليس عنده وقد أخرج مسلم من حديث أبي سعيد في إثناء حديث واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت من النساء
شرح ابن بطال - (ج 13 / ص 183)
وفى حديث أسامة أن فتنة النساء أعظم الفتن مخافة على العباد؛ لأنه عليه السلام عمم جميع الفتن بقوله: « ما تركت بعدى فتنة أضر على الرجال من النساء » ، ويشهد لصحة هذا الحديث قول الله تعالى: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين} [آل عمران: 14] الآية، فقدم النساء على جميع الشهوات، وقد روى عن بعض أمهات المؤمنين أنها قالت: من شقائنا قدمنا على جميع الشهوات.
فالمحنة بالنساء أعظم المحن على قدر الفتنة بهن، وقد أخبر الله مع ذلك أن منهن لنا عدوًا، فينبغى للمؤمن الاعتصام بالله، والرغبة إليه فى النجاة من فتنتهن، والسلامة من شرهن، وقد روى فى الحديث أنه لما خلق الله المرأة فرح الشيطان فرحًا عظيمًا، وقال: هذه حبالتى التى لا يكاد يخطئنى من نصبتها له.
التمهيد لابن عبد البر - (ج 5 / ص 309)
حدثنا سفيان قال حدثنا الزهري قال سمعت سليمان بن يسار يقول سمعت ابن عباس يقول أن امرأة من خثعم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة النحر والفضل ردفة فقالت أن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يتمسك على الراحلة فهل ترى أن أحج عنه قال نعم قال الحميدي وحدثنا سفيان قال كان عمرو بن دينار حدثناه أولا عن الزهري عن سليمان بن يسار عن ابن عباس وزاد فيه فقالت يا رسول الله أو ينفعه ذلك قال نعم كما لو كان على أحدكم دين فقضاه فلما جاءنا الزهري تفقدت هذا فلم يقله واختلف العلماء في تأويل هذا الحديث ومعناه ونحن نذكر ذلك إن شاء الله ونبينه ولا قوة إلا بالله وفيه من الفقه إباحة ركوب نفسين على دابة وهذا ما لا خلاف في جوازه إذا أطاقت الدابة ذلك وفيه إباحة الارتداف وذلك من التواضع والجليل من الرجال جميل به الارتداف والأنفة منه تجبر وتكبر حبب الله إلينا الطاعة برحمته وفيه بيان ما ركب في الآدميين من شهوات النساء وما يخاف من النظر إليهن وكان الفضل بن عباس من شبان بني هاشم بل كان أجمل أهله زمانه فيما ذكروا وفيه دليل على أن الإمام يجب عليه أن يحول بين الرجال والنساء في التأمل والنظر وفي معنى هذا منع النساء اللواتي لا يؤمن عليهن ومنهن الفتنة من الخروج والمشي في الحواضر والأسواق وحيث ينظرن إلى الرجال قال صلى الله عليه وسلم ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء وفي قول الله عز وجل !< قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم >! الآية ما يكفي لمن تدبر كتاب الله ووفق للعمل به حدثنا أحمد حدثنا مسلمة حدثنا جعفر حدثنا يوسف بن حبيب حدثنا أبو داود الطيالسي قال حدثنا سكين بن عبد العزيز قال حدثني أبي عن ابن عباس أن الفضل كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فجعل يلحظ إلى امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم مه يا غلام فإن هذا يوم من حفظ فيه بصره غفر له وفيه دليل على أن إحرام المرأة في وجهها وهذا ما لم يختلف فيه الفقهاء وفيه دليل على أن المرأة تحج وإن لم يكن معها ذو محرم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للخثعمية حجي عن أبيك ولم يقل أن كان معك ذو محرم وفي ذلك دليل على أن المحرم ليس من السبيل والله أعلم وستأتي هذه المسألة واختلاف العلماء فيها في باب سعيد بن أبي سعيد إن شاء الله
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 6 / ص 110)
وَقَالَ الشَّيْخُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَنَذْكُرُ أَشْيَاءَ مِنْ مُنْكَرَاتِ دِينِ النَّصَارَى لِمَا رَأَيْت طَوَائِفَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ اُبْتُلِيَ بِبَعْضِهَا وَجَهِلَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنَّهَا مِنْ دِينِ النَّصَارَى الْمَلْعُونِ هُوَ وَأَهْلُهُ . وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ فِي الْخَمِيسِ الْحَقِيرِ . الَّذِي قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ السَّبْتِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إلَى الْقُبُورِ . وَكَذَلِكَ يُبَخِّرُونَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ فِي الْبَخُورِ بَرَكَةً وَدَفْعَ مَضَرَّةٍ وَيَعُدُّونَهُ مِنْ الْقَرَابِينِ مِثْلَ الذَّبَائِحِ وَيَرْقُونَهُ بِنُحَاسٍ يَضْرِبُونَهُ كَأَنَّهُ نَاقُوسٌ صَغِيرٌ وَبِكَلَامٍ مُصَنَّفٍ وَيُصَلِّبُونَ عَلَى أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْمُنْكَرَةِ حَتَّى إنَّ الْأَسْوَاقَ تَبْقَى مَمْلُوءَةً أَصْوَاتَ النَّوَاقِيسِ الصِّغَارِ وَكَلَامَ الرقايين مِنْ الْمُنَجِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ بِكَلَامِ أَكْثَرُهُ بَاطِلٌ وَفِيهِ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ أَوْ كُفْرٌ . وَقَدْ أُلْقِيَ إلَى جَمَاهِيرِ الْعَامَّةِ أَوْ جَمِيعِهِمْ إلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَعْنِي بِالْعَامَّةِ هُنَا : كُلَّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ حَقِيقَةَ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَى فِقْهٍ وَدِينٍ قَدْ شَارَكَهُمْ فِي ذَلِكَ أُلْقِيَ إلَيْهِمْ أَنَّ هَذَا الْبَخُورَ الْمَرْقِيَّ يَنْفَعُ بِبَرَكَتِهِ مِنْ الْعَيْنِ وَالسِّحْرِ وَالْأَدْوَاءِ وَالْهَوَاءِ . وَيُصَوِّرُونَ صُوَرَ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ . وَيُلْصِقُونَهَا فِي بُيُوتِهِمْ زَعْمًا أَنَّ تِلْكَ الصُّوَرَ الْمَلْعُونَ فَاعِلُهَا الَّتِي لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا هِيَ فِيهِ تَمْنَعُ الْهَوَامَّ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ طَلَاسِمِ الصَّابِئَةِ . ثُمَّ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَلَى مَا بَلَغَنِي يُصَلِّبُ بَابَ الْبَيْتِ . وَيَخْرُجُ خَلْقٌ عَظِيمٌ فِي الْخَمِيسِ الْحَقِيرِ الْمُتَقَدِّمِ وَعَلَى هَذَا يُبَخِّرُونَ الْقُبُورَ وَيُسَمُّونَ هَذَا الْمُتَأَخِّرَ الْخَمِيسَ الْكَبِيرَ وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ الْخَمِيسُ الْمَهِينُ الْحَقِيرُ هُوَ وَأَهْلُهُ وَمَنْ يُعَظِّمُهُ فَإِنَّ كُلَّ مَا عُظِّمَ بِالْبَاطِلِ مِنْ مَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ بَنِيَّةٍ يَجِبُ قَصْدُ إهَانَتِهِ كَمَا تُهَانُ الْأَوْثَانُ الْمَعْبُودَةُ وَإِنْ كَانَتْ لَوْلَا عِبَادَتُهَا لَكَانَتْ كَسَائِرِ الْأَحْجَارِ . وَمِمَّا يَفْعَلُهُ النَّاسُ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ : أَنَّهُمْ يُوَظِّفُونَ عَلَى الْفَلَّاحِينَ وَظَائِفَ أَكْثَرُهُ كَرْهًا ؛ مِنْ الْغَنَمِ وَالدَّجَاجِ وَاللَّبَنِ وَالْبَيْضِ يَجْتَمِعُ فِيهَا تَحْرِيمَانِ : أَكْلُ مَالِ الْمُسْلِمِ وَالْمُعَاهِدِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَإِقَامَةُ شِعَارِ النَّصَارَى وَيَجْعَلُونَهُ مِيقَاتًا لِإِخْرَاجِ الْوُكَلَاءِ عَلَى الْمَزَارِعِ وَيَطْبُخُونَ مِنْهُ وَيَصْطَبِغُونَ فِيهِ الْبَيْضَ وَيُنْفِقُونَ فِيهِ النَّفَقَاتِ الْوَاسِعَةَ وَيُزَيِّنُونَ أَوْلَادَهُمْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي يَقْشَعِرُّ مِنْهَا قَلْبُ الْمُؤْمِنِ . الَّذِي لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ بَلْ يَعْرِفُ الْمَعْرُوفَ وَيُنْكِرُ الْمُنْكَرَ . وَخَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يَضَعُونَ ثِيَابَهُمْ تَحْتَ السَّمَاءِ رَجَاءً لِبَرَكَةِ نُزُولِ مَرْيَمَ عَلَيْهَا فَهَلْ يَسْتَرِيبُ مَنْ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى حَبَّةٍ مِنْ الْإِيمَانِ أَنَّ شَرِيعَةً جَاءَتْ بِمَا قَدَّمْنَا بَعْضَهُ مِنْ مُخَالَفَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى . لَا يَرْضَى مَنْ شَرَعَهَا بِبَعْضِ هَذِهِ الْقَبَائِحِ . وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ إنَّمَا هُوَ اخْتِصَاصُ أَعْيَادِ الْكُفَّارِ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ أَوْ مُشَابَهَتُهُمْ فِي بَعْضِ أُمُورِهِمْ فَيَوْمُ الْخَمِيسِ هُوَ عِنْدَهُمْ يَوْمُ عِيدِ الْمَائِدَةِ وَيَوْمُ الْأَحَدِ يُسَمُّونَهُ عِيدَ الْفِصْحِ وَعِيدَ النُّورِ وَالْعِيدَ الْكَبِيرِ . وَلَمَّا كَانَ عِيدًا صَارُوا يَصْنَعُونَ لِأَوْلَادِهِمْ فِيهِ الْبَيْضَ الْمَصْبُوغَ وَنَحْوَهُ لِأَنَّهُمْ فِيهِ يَأْكُلُونَ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَيَوَانِ مِنْ لَحْمٍ وَلَبَنٍ وَبَيْضٍ إذْ صَوْمُهُمْ هُوَ عَنْ الْحَيَوَانِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهُ . وَعَامَّةُ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الْمَحْكِيَّةِ عَنْ النَّصَارَى وَغَيْرِهَا مِمَّا لَمْ يُحْكَ قَدْ زَيَّنَهَا الشَّيْطَانُ لِكَثِيرِ مِمَّنْ يَرَى الْإِسْلَامَ وَجَعَلَ لَهَا فِي قُلُوبِهِمْ مَكَانَةً وَحُسْنَ ظَنٍّ وَزَادُوا فِي بَعْضِ ذَلِكَ وَنَقَصُوا وَقَدَّمُوا وَأَخَّرُوا . وَكُلُّ مَا خُصَّتْ بِهِ هَذِهِ الْأَيَّامُ مِنْ أَفْعَالِهِمْ وَغَيْرِهَا فَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُشَابِهَهُمْ فِي أَصْلِهِ وَلَا فِي وَصْفِهِ . وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُمْ يَكْسُونَ بِالْحُمْرَةِ دَوَابَّهُمْ وَيَصْبُغُونَ الْأَطْعِمَةَ الَّتِي لَا تَكَادُ تُفْعَلُ فِي عِيدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَيَتَهَادَوْنَ الْهَدَايَا الَّتِي تَكُونُ فِي مِثْلِ مَوَاسِمِ الْحَجِّ . وَعَامَّتُهُمْ قَدْ نَسُوا أَصْلَ ذَلِكَ وَبَقِيَ عَادَةً مُطَّرِدَةً . وَهَذَا كُلُّهُ تَصْدِيقُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ } وَإِذَا كَانَتْ الْمُتَابَعَةُ فِي الْقَلِيلِ ذَرِيعَةً وَوَسِيلَةً إلَى بَعْضِ هَذِهِ الْقَبَائِحِ . كَانَتْ مُحَرَّمَةً فَكَيْفَ إذَا أَفْضَتْ إلَى مَا هُوَ كُفْرٌ بِاَللَّهِ مِنْ التَّبَرُّكِ بِالصَّلِيبِ وَالتَّعَمُّدِ فِي الْمَعْمُودِيَّةِ . وَقَوْلُ الْقَائِلِ : الْمَعْبُودُ وَاحِدٌ وَإِنْ كَانَتْ الطُّرُقُ مُخْتَلِفَةً وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ : إمَّا كَوْنَ الشَّرِيعَةِ النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ الْيَهُودِيَّةِ الْمُبَدَّلَيْنِ الْمَنْسُوخَيْنِ مُوَصِّلَةً إلَى اللَّهِ وَإِمَّا اسْتِحْسَانَ بَعْضِ مَا فِيهَا مِمَّا يُخَالِفُ دِينَ اللَّهِ أَوْ التَّدَيُّنَ بِذَلِكَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ كَفْرٌ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَبِالْقُرْآنِ وَبِالْإِسْلَامِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنِ الْأُمَّةِ . وَأَصْلُ ذَلِكَ الْمُشَابَهَةُ وَالْمُشَارَكَةُ . وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ لَك كَمَالُ مَوْقِعِ الشَّرِيعَةِ الْحَنِيفِيَّةِ . وَبَعْضُ حِكَمِ مَا شَرَعَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ [ مِنْ ] مُبَايَنَةِ الْكُفَّارِ وَمُخَالَفَتِهِمْ فِي عَامَّةِ الْأُمُورِ ؛ لِتَكُونَ الْمُخَالَفَةُ أَحْسَمَ لِمَادَّةِ الشَّرِّ وَأَبْعَدَ عَنْ الْوُقُوعِ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ النَّاسُ . فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ إذَا طَلَبَ مِنْهُ أَهْلُهُ وَأَوْلَادُهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُحِيلَهُمْ عَلَى مَا عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَيَقْضِيَ لَهُمْ فِي عِيدِ اللَّهِ مِنْ الْحُقُوقِ مَا يَقْطَعُ اسْتِشْرَافَهُمْ إلَى غَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَمَنْ أَغْضَبَ أَهْلَهُ لِلَّهِ أَرْضَاهُ اللَّهُ وَأَرْضَاهُمْ . فَلْيَحْذَرْ الْعَاقِلُ مِنْ طَاعَةِ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا تَرَكْت بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ } . وَأَكْثَرُ مَا يُفْسِدُ الْمُلْكَ وَالدُّوَلَ طَاعَةُ النِّسَاءِ . فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا أَفْلَحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً } . وَرُوِيَ أَيْضًا : { هَلَكَتْ الرِّجَالُ حِينَ أَطَاعَتْ النِّسَاءَ } وَقَدْ { قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ لَمَّا رَاجَعْنَهُ فِي تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ : إنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ } . يُرِيدُ أَنَّ النِّسَاءَ مِنْ شَأْنِهِنَّ مُرَاجَعَةُ ذِي اللُّبِّ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ : { مَا رَأَيْت مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِلُبِّ ذِي اللُّبِّ مِنْ إحْدَاكُنَّ } . { وَلَمَّا أَنْشَدَهُ الْأَعْشَى - أَعْشَى بَاهِلَةَ - أَبْيَاتَهُ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا : وَهُنَّ شَرُّ غَالِبٍ لِمَنْ غَلَبَ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَدِّدُهَا وَيَقُولُ : وَهُنَّ شَرُّ غَالِبٍ لِمَنْ غَلَبَ } وَلِذَلِكَ امْتَنَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى زَكَرِيَّا حَيْثُ قَالَ : { وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْتَهِدَ إلَى اللَّهِ فِي إصْلَاحِ زَوْجَتِهِ . وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمِ فَهُوَ مِنْهُمْ } . وَقَدْ رَوَى البيهقي بِإِسْنَادِ صَحِيحٍ فِي ( بَابِ كَرَاهِيَةِ الدُّخُولِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ عِيدِهِمْ فِي كَنَائِسِهِمْ ؛ وَالتَّشَبُّهِ بِهِمْ يَوْمَ نيروزهم وَمَهْرَجَانِهِمْ - عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ : قَالَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لَا تَعَلَّمُوا رَطَانَةَ الْأَعَاجِمِ وَلَا تَدْخُلُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي كَنَائِسِهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ فَإِنَّ السُّخْطَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ " . فَهَذَا عُمَرَ قَدْ نَهَى عَنْ تَعَلُّمِ لِسَانِهِمْ وَعَنْ مُجَرَّدِ دُخُولِ الْكَنِيسَةِ عَلَيْهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ فَكَيْفَ مَنْ يَفْعَلُ بَعْضَ أَفْعَالِهِمْ ؟ أَوْ قَصَدَ مَا هُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ دِينِهِمْ ؟ أَلَيْسَتْ مُوَافَقَتُهُمْ فِي الْعَمَلِ أَعْظَمُ مِنْ مُوَافَقَتِهِمْ فِي اللُّغَةِ ؟ أو لَيْسَ عَمَلُ بَعْضِ أَعْمَالِ عِيدِهِمْ أَعْظَمُ مِنْ مُجَرَّدِ الدُّخُولِ عَلَيْهِمْ فِي عِيدِهِمْ وَإِذَا كَانَ السُّخْطُ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ بِسَبَبِ عَمَلِهِمْ فَمَنْ يُشْرِكُهُمْ فِي الْعَمَلِ أَوْ بَعْضِهِ أَلَيْسَ قَدْ تَعَرَّضَ لِعُقُوبَةِ ذَلِكَ . ثُمَّ قَوْلُهُ : " اجْتَنِبُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ فِي عِيدِهِمْ " أَلَيْسَ نَهْيًا عَنْ لِقَائِهِمْ وَالِاجْتِمَاعِ بِهِمْ فِيهِ ؟ فَكَيْفَ بِمَنْ عَمِلَ عِيدَهُمْ وَقَالَ ابْنِ عُمَرَ فِي كَلَامٍ لَهُ : مَنْ صَنَعَ نيروزهم وَمَهْرَجَانَهُمْ وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوتَ حُشِرَ مَعَهُمْ . وَقَالَ عُمَرَ : اجْتَنِبُوا أَعْدَاءَ اللَّهِ فِي عِيدِهِمْ . وَنَصَّ الْإِمَامِ أَحْمَد عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شُهُودُ أَعْيَادِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } قَالَ الشَّعَانِينُ وَأَعْيَادُهُمْ . وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي كَلَامٍ لَهُ قَالَ : فَلَا يُعَاوَنُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ عِيدِهِمْ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَعْظِيمِ شِرْكِهِمْ وَعَوْنِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ . وَيَنْبَغِي لِلسَّلَاطِينِ أَنْ يَنْهَوْا الْمُسْلِمِينَ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٌ وَغَيْرِهِ : لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيهِ . وَأَكْلُ ذَبَائِحِ أَعْيَادِهِمْ دَاخِلٌ فِي هَذَا الَّذِي اُجْتُمِعَ عَلَى كَرَاهِيَتِهِ بَلْ هُوَ عِنْدِي أَشَدُّ : وَقَدْ سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَنْ الرُّكُوبِ فِي السُّفُنِ الَّتِي رَكِبَ فِيهَا النَّصَارَى إلَى أَعْيَادِهِمْ فَكَرِهَ ذَلِكَ مَخَافَةَ نُزُولِ السُّخْطِ عَلَيْهِمْ بِشِرْكِهِمْ . الَّذِي اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ } فَيُوَافِقُهُمْ وَيُعِينُهُمْ { فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } . وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : قُلْت لِعُمَرِ : إنَّ لِي كَاتِبًا نَصْرَانِيًّا قَالَ : ما لَك قَاتَلَك اللَّهُ أَمَا سَمِعْت اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } أَلَا اتَّخَذْت حَنِيفِيًّا قَالَ : قُلْت : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِي كِتَابَتُهُ وَلَهُ دِينُهُ قَالَ : لَا أُكْرِمُهُمْ إذْ أَهَانَهُمْ اللَّهُ وَلَا أُعِزُّهُمْ إذْ أَذَلَّهُمْ اللَّهُ وَلَا أُدْنِيهِمْ إذْ أَقْصَاهُمْ اللَّهُ . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } قَالَ مُجَاهِدٍ : أَعْيَادُ الْمُشْرِكِينَ وَكَذَلِكَ قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ . وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى ( مَسْأَلَةٌ فِي النَّهْيِ عَنْ حُضُورِ أَعْيَادِ الْمُشْرِكِينَ وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ الأصبهاني بِإِسْنَادِهِ فِي شُرُوطِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَنْ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ : { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } قَالَ : عِيدُ الْمُشْرِكِينَ وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ سِنَانٍ عَنْ الضَّحَّاكِ { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } كَلَامَ الْمُشْرِكِينَ . وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ سلام عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } لَا يماكثون أَهْلَ الشِّرْكِ عَلَى شِرْكِهِمْ وَلَا يُخَالِطُونَهُمْ . وَقَدْ دَلَّ الْكِتَابُ وَجَاءَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّةُ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ الَّتِي أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَيْهَا بِمُخَالَفَتِهِمْ وَتَرْكِ التَّشَبُّهِ بِهِمْ إيقَادُ النَّارِ وَالْفَرَحُ بِهَا مِنْ شِعَارِ الْمَجُوسِ عُبَّادِ النِّيرَانِ . وَالْمُسْلِمُ يَجْتَهِدُ فِي إحْيَاءِ السُّنَنِ . وَإِمَاتَةِ الْبِدَعِ . فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ } . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْيَهُودُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ وَالنَّصَارَى ضَالُّونَ } وَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَقُولَ فِي صَلَاتِنَا { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين - (ج 12 / ص 227)
184 ) سئل فضيلة الشيخ : عن حكم إلباس البنات القصير والضيق من الثياب ؟
فأجاب بقوله : يجب على الإنسان مراعاة المسؤولية ، وأن يتقي الله تعالى ويمنع كافة من له ولاية عليهن من هذه الألبسة ، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (( صنفان من أهل النار لم أرهما : نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها )) (1) وهؤلاء النسوة اللاتي يستعملن الثياب القصيرة كاسيات ، لأن عليهن كسوة لكنهن عاريات لظهور عورتهن ، لأن المرأة بالنسبة للنظر كلها عورة ، وجهها ويداها ورجلاها ، وجميع أجزاء جسمها لغير المحارم .
... وكذلك الألبسة الضيقة ، وإن كانت كسوة في الظاهر لكنها عري في الواقع ، فإن إبانة مقاطع الجسم بالألبسة الضيقة هو تعري ، فعلى المرأة أن تتقي ربها ولا تبين مفاتنها ، وعليها أن لا تخرج إلى السوق وإلا وهي لابسة ما لا يلفت النظر ، ولا تكون متطيبة لئلا تجر الناس إلى نفسها فيخشى أن تكون زانية .
... وعلى المرأة المسلمة أن لا تترك بيتها إلا لحاجة لابد منها ، ولكن غير متطيبة ، ولا متبرجة بزينة ، وبدون مشية خيلاء ، وليعلم أنه صلى الله عليه وسلم قال : (( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء )) (1) . ففتنة النساء عظيمة لا يكاد يسلم منها أحد ، وعلينا نحن معشر المسلمين أن لا نتخذ طرق أعداء الله من يهود ونصارى وغيرهم فإن المرعظيم .
... وفق الله الجميع للصواب وجنبنا أسباب الشر والفساد إنه جواد كريم .
اللقاء الشهري - (ج 24 / ص 15)
ظاهرة خروج الفتيات إلى الأسواق
ـــــــــــــــــــــــــ
[ السؤال ] فضيلة الشيخ! كثرت الفتن في هذا الزمان، وبالذات في الأسواق والأماكن العامة التي يكثر فيها خروج النساء دون محرم، كثرةً تلفت الانتباه، لا سيما في هذه المدينة المباركة، فنرى بعض بوادر الشر ونرى كثيراً من النساء بل الفتيات يقفن طوابير لانتظار سيارات النقل الجماعي وغيرها لنقلهن إلى الأسواق، أرجو توجيهاً منكم في هذا الجمع المبارك أسأل الله أن ينفع بكم عباده؟
الجواب: لا شك أن فتنة النساء أضر على الرجال من أي فتنة كانت، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) ولا شك أننا في هذه البلاد قد أنعم الله علينا بنعم كثيرة: أمن، رفاهية، عيش، صحة، وكل هذه من أسباب الشر والفساد، ولهذا يقول الشاعر:
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة والجدة: الغنى. ولا شك أنه يوجد من الفتيات من لها شغف في أن تنزل إلى الأسواق ولو لأدنى حاجة، ولو لحاجة ممكن أن يقضيها أصغر إخوانها، ومع ذلك تريد أن تنزل بنفسها، ولا شك -أيضاً- أنه يوجد من السفهاء في الأسواق أو في المتجرات من يكون سبباً لافتتان النساء به، فتجد المرأة تنزل من أجل أن تذهب إلى هذا المتجر أو إلى هذا السوق فيحصل الشر. ولكن ما هو الخلاص من ذلك؟ الخلاص: أولاً: أن تنمى في مدارك هؤلاء الفتيات العقيدة السليمة، بأن الله سبحانه وتعالى حافظ ومطلع يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. ثانياً: أن تنمى فيهن محبة العفة، والبعد عن الفحشاء وأسبابها. ثالثاً: أن تمنع النساء من الخروج من البيوت؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما نهى عن منعهن من الذهاب إلى المساجد، وأما إلى الأسواق فالرجل حر له أن يمنعها، تمنع من الخروج من البيت إلا لحاجة لا يمكن أن يقضيها أحد سواها، وهذا الاستثناء أقوله من باب الاحتراز، وإلا فلا أظن أن حاجة لا يمكن أن يقضيها إلا النساء؛ لأن بإمكان كل امرأة أن تقول لأخيها: يا أخي اشتر لي الحاجة الفلانية، لكننا ذكرنا هذا الاستثناء احتياطاً، وأن يكون الرجل كما جعله الله عز وجل قوَّاماً على المرأة، لا أن تكون المرأة هي التي تديره؛ لأن الله يقول: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34] فليكن قائماً حقيقة، وليمنعها، ولكن لا بعنف، بل بهدوء وشرح للمفاسد وبيان للثواب والأجر إذا لزمن البيوت؛ لأن الله تعالى قال: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33] أي: نساء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهنَّ أكمل النساء عفة وأقومهن في دين الله، ومع ذلك قال الله لهن: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ
وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:33]. كذلك من أسباب درء هذه الفتنة: أن يوجد للفتاة شغلاً في البيت، بحيث لا يأتي بالخادم إلا عند الضرورة القصوى؛ لأن الخادم إذا دخل في البيت فإن المرأة سوف تكف عن كل عمل، وستبقى حبيسة البيت إذا لم تخرج، وحينئذٍ يضطرها هذا الفراغ إلى أن تخرج، لكن لو لم يكن عندها خادم وصار تشتغل في بيتها بإصلاح الطعام، وغسل الثياب، وفرش الفرش وما أشبه ذلك، صارت فيها حيوية في البيت ونشطت، ولم تبالِ أن تخرج أو لا تخرج. فالمهم أن نصيحتي لإخواني الرجال خاصة وللنساء أيضاً: أن يكون رائدهم الإصلاح دائماً والبعد عن الفتنة.
اللقاء الشهري - (ج 50 / ص 6)
خطر الخادمات والفتنة بهن
ــــــــــــــــــــــــــ
[ السؤال ] فضيلة الشيخ: أشهد الله العلي الكبير في هذا اليوم المبارك أني أحبك في الله، فضيلة الشيخ: أنا شاب لا أتجاوز الخامسة عشرة من عمري، وأنا إن شاء الله من الشباب الملتزم، ولكن في بيتنا خادمة وهي سيمة، فهل يصح أن أراها علماً أني لا أستطيع إخراجها لأن أمي مريضة وتريدها أيضاً، ولكن يا فضيلة الشيخ تعرض لي هذه الفتاة حتى في المنام فما نصيحتك لي وفقك الله؟
الجواب: أقول: أحبه الله الذي أحبنا فيه، وأخبركم -أيها الإخوة- أن المحبة في الله من أوثق عرى الإيمان. أما بالنسبة لالتزامه فأسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياه على الحق. وأما بالنسبة للخادم فأرى أن يفر منها فراره من الأسد، وألا يكلمها وألا ينظر إليها، وأن يسعى في ترحيلها وجلب خادم لا يكون بها فتنة، وإلا فمن المعلوم أن الخادمة هذه إذا كانت وسيمة وهو شاب فإما أن يدعوها هو أو تدعوه هي، فالشيطان لا بد أن يلقي بينهما الوساوس حتى يحصل الشر. فلهذا أقول: لو أنه هو يخدم أمه كما تخدمها هذه الخادمة ولا تبقى هذه الخادمة في البيت لكان هذا أحسن، فأرى أن يبادر بإعطاء هذه الخادمة حقها وترحيلها إلى أهلها، وأن يأتي بخادم لا يفتتن بها ولا تفتتن به، وإلا فالأمر خطير إن لم يصبها قريباً أصابها على المدى البعيد، إلا أن يشاء الله عز وجل، لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء). ومن ثم أقول أيها الإخوة: إن خطر الخادمات خطر عظيم، كنت سابقاً أتساهل في مسألة المحرم (أن تأتي الخادمة بلا محرم) بمعنى: أنه إذا جاء بها ثم رجع فلا بأس، لكن بعد أن سمعت ما أكره، رأيت أنه لا بد أن تأتي الخادم بمحرم ويكون ملازماً لها إلى أن ترحل، سمعنا أشياء عجيبة لا أحب أن أذكرها لأنها تحزن كل مسلم..!! فالواجب أن نتقي الله في أنفسنا وفي مجتمعنا، وقد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه (ما ظهر الزنا في قوم إلا ظهرت فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم) أعاذنا الله وإياكم من ذلك.
اللقاء الشهري - (ج 64 / ص 3)
عظم فتنة النساء
ـــــــــــــــــــــــ
[ السؤال: ] فضيلة الشيخ! تكلمتم عن الزنا -والعياذ بالله- وأسبابه، وقد كثرت أسباب الزنا وأعظمها المرأة التي حذر النبي صلى الله عليه وسلم من شأنها؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) وقال عليه الصلاة والسلام: (فاتقوا الدنيا واتقوا النساء) فهل من كلمة توجيهية في التحذير من هذه الفتنة؟
الجواب: الكلمة حول هذا الموضوع:أن نعلم أن الله عز وجل ذو حكمة بالغة فرَّق بين الرجال والنساء قدراً وفرَّق بينهما شرعاً، أما تفريقه بينهما قدراً فاسأل علماء التشريح للأجساد تجد أن تركيبة المرأة ليست كتركيبة الرجل، بل بينهما اختلاف عظيم، وانظر إلى الفرق التكويني -الذي لا يحتاج إلى علماء- يبن المرأة والرجل.. فالصوت يختلف، حتى إن بعض الرجال إذا كان صوته يشبه النساء يقولون: فلان صوته كصوت المرأة، وبعض النساء يكون صوتها جهورياً غليظاً كصوت الرجل، فالأول يستنكر والثانية تستنكر؛ لأنها خرجت عن مقتضى العادة التي جعلها الله عز وجل للصنفين، كذلك أيضاً في القوة والتحمل والجلد، ولهذا رفع الجهاد عن النساء؛ لأنهن لسن أهلاً لذلك، قالت عائشة رضي الله عنها: () لأنها لا يمكن أن تصمد في القتال، وإذا وجد امرأة نادرة فهذا شيء نادر لا حكم له. ثم هناك أشياء ثانية لا أود أن أتعرض لها فيما يتعلق بشئونها الخاصة، فالفرق أمر معلوم، ولا أحد ينكر هذا. وفرَّق الله بينهما شرعاً، فعلى النساء واجبات ليست على الرجال، وعلى الرجال واجبات ليست على النساء، وإن كان الأصل أن يتساوى الرجال والنساء في أحكام الله، لكن هناك أحكام اقتضت حكمة الرب عز وجل أن تختص بالنساء وأحكام اقتضت حكمة الله أن تكون للرجال، ولو لم يكن من ذلك إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم للنساء يخاطبهن: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبِّ الرجل الحازم من إحداكن. قلن: يا رسول الله! ما نقصان عقلنا؟ قال: أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟) هذا
نقص دين، الرجل يصلي ويصوم في رمضان وهي لا تصلي ولا تصوم في هذا الشهر الفضيل، هذا نقصان دين، وأما العقل فقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً بالشهادة، فإن شهادة الرجل بشهادة امرأتين، وشهادة المرأة لا تقبل في الحدود الشرعية، لا تقبل في الزنا، لو أن مائة امرأة شهدت على رجل بأنه زنى لم تقبل، ولو شهد أربعة رجال قبلوا، وأشياء كثيرة شرعية فرَّق الله بها بين الرجل والمرأة. ثم إنه لما كانت فتنة النساء عظيمة حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله كما في الحديث الذي ذكره السائل، وبتوجيهه وإرشاده عليه الصلاة والسلام، حيث أمر بابتعاد النساء عن الرجال حتى في مواطن العبادة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها) لأن آخرها أبعد من أولها عن الرجال، فصار خيرها، وكان صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة يبقى قليلاً لا ينصرف من أجل أن تنصرف النساء قبل أن يختلط بهن الرجال، ورويت أحاديث في نهي المرأة أن تحتضن الطريق، أي: تكون في وسط الطريق؛ لئلا تختلط بالرجال، وهذا أمر معروف في الشرع لا يجهله إلا من لم يقرأ ما كتبه العلماء رحمهم الله في ذلك. لهذا أقول: إن على الإنسان أن يقي نفسه وأهله نار جهنم؛ بتوجيه النساء إلى ما ينبغي أن يكن عليه من العفة والحياء والتستر والبعد عن الاختلاط بالرجال، بل وعن مخاطبة الرجال على وجه يكون سبباً للفتنة، ولهذا قال الله تبارك وتعالى: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً [الأحزاب:32].
اللقاء الشهري - (ج 69 / ص 18)
توجيه حيال واقع الفساد الذي يمس المرأة وينادي بإفسادها
ــــــــــــــــــــــــــ
[ السؤال ] فضيلة الشيخ! غير خافٍ عليكم حفظكم الله ما تواجهه المرأة في هذه البلاد وغيرها من بلاد المسلمين من حملات لإخراجها من بيتها ونزع حيائها وحشمتها، وإن المشاهد لأحوال المرأة في الآونة الأخيرة في هذه البلاد يجد تحولاً كبيراً لما كانت عليه في السابق؛ حيث بدأ التساهل في الحجاب والتلاعب بأشكاله في ظل تسابق أهل الأسواق، فقد أغرقوا الأسواق بكم هائل من الملابس والعباءات التي ترغب الفتاة بالسفور والتبرج، كما بدأ ظهور المرأة بألوانها الجميلة وشعرها في الصحف والمجلات والتلفاز وذلك باسم الفن الهادف، والمذيعة المتألقة أو الحاذقة، إلى غير ذلك مما يضيق به صدر كل غيور .. فضيلة الشيخ! ما هو دور طلبة العلم وأولياء الأمور الذين قصروا في توجيه المرأة وأدخلوا وسائل الإعلام التي ساعدت على إخراج المرأة من حيائها وحشمتها؟ نرجو توجيهكم يا فضيلة الشيخ جزاكم الله خيراً.
الجواب: الواقع أن هذه مصيبة -كما قال الأخ السائل- وقد سارت في البلاد سير النار في الهشيم، وأنها مما ينذر بالخطر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعلم البشر بما ينفع الناس ويضرهم في دين الله عز وجل قال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء، وإنما كانت فتنة بني إسرائيل في النساء) ومع الأسف الشديد أن هذا يوجد تحت بصر أولياء الأمور وسمعهم، لكن الرجل يذهب إلى دكانه أو إلى عمله ويترك أهله ولا يفعل فيهم شيئاً، والأمر عند هؤلاء بارد، لكنه -والله- ينذر بالخطر. ثم هذه الموضات التي أغرقت الأسواق وأفسدت الأسواق وأفسدت النساء كلها ضرر على اقتصادياتنا، تجد المرأة الموظفة يذهب نصف راتبها في هذه الموضات، حتى لو كانت الموضة الجديدة أسوأ حالاً من الأولى لكنها جديدة، فتشتري المرأة ثوباً بمائة ريال أو بمائتين ريال أو بخمسمائة ريال أو بستمائة ريال. إن هذه الموضات التي ترد على البلاد هي ضرر على اقتصادنا وضرر على ديننا، تكون المرأة فكرها دائماً في هذه الموضات .. ما الذي أتى اليوم؟ وما الذي سيأتي غداً؟ فيضيع الدين كله من أجل هذا اللباس الذي بعضه لا يجوز شرعاً. لذلك أنصح رجالنا المؤمنين أن ينتبهوا لهذا الأمر، وأن يعلموا أن أعداءهم أعداء حقيقيون، فمنهم أناس لا يهمهم هذا الأمر، لا يهمهم إلا تحصيل الفلوس فقط، ومنهم أناس يقصدون إفساد المسلمين، نسأل الله أن يجعل كيدهم في نحورهم، وأن يوقظ أولياء أمورنا لما فيه الخير والصلاح، وأن يمنعوا أهليهم وأبناءهم وبناتهم من اتباع الموضات التي لا تفيد.
فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ - (ج 10 / ص 37)
الواجب في مسألة الاختلاط
وأما اختلاط النساء بالرجال وحصول المفاسد التي ذكرتها (1) فهذا من أكبر المنكرات التي يتعين إنكارها على الجميع ، كما يجب على كل فرد أن يمنع نساءه من هذا السفور والاختلاط ، فإن فتنة النساء فتنة عظيمة ، وفي الحديث ( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) (2) وهذه المسائل تحتاج إلى موالات النصائح ، وبذل الجد في تحذير الناس من مغبتها . وتبيين مفاسدها والاستمرار بذلك ، والاستعانة بذوي السلطة وأصحاب النفوذ لعل الله أن يهدي ضال المسلمين والسلام عليكم .
فتاوى ابن باز 1-18 - (ج 1 / ص 436)
خطر مشاركة المرأة للرجل في ميدان عمله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فإن الدعوة إلى نزول المرأة للعمل في ميدان الرجال المؤدي إلى الاختلاط سواء كان ذلك على جهة التصريح أو التلويح بحجة أن ذلك من مقتضيات العصر ومتطلبات الحضارة أمر خطير جدا له تبعاته الخطيرة، وثمراته المرة، وعواقبه الوخيمة، رغم مصادمته للنصوص الشرعية التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها والقيام بالأعمال التي تخصها في بيتها ونحوه.
ومن أراد أن يعرف عن كثب ما جناه الاختلاط من المفاسد التي لا تحصى فلينظر إلى تلك المجتمعات التي وقعت في هذا البلاء العظيم اختيارا أو اضطرارا بإنصاف من نفسه وتجرد للحق عما عداه يجد التذمر على المستوى الفردي والجماعي، والتحسر على انفلات المرأة من بيتها وتفكك الأسر، ويجد ذلك واضحا على لسان الكثير من الكتاب بل في جميع وسائل الإعلام وما ذلك إلا لأن هذا هدم للمجتمع وتقويض لبنائه .
والأدلة الصحيحة الصريحة الدالة على تحريم الخلوة بالأجنبية وتحريم النظر إليها، وتحريم الوسائل الموصلة إلى الوقوع فيما حرم الله أدلة كثيرة قاضية بتحريم الاختلاط؛ لأنه يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.
وإخراج المرأة من بيتها الذي هو مملكتها ومنطلقها الحيوي في هذه الحياة إخراج لها عما تقتضيه فطرتها وطبيعتها التي جبلها الله عليها .
فالدعوة إلى نزول المرأة في الميادين التي تخص الرجال أمر خطير على المجتمع الإسلامي، ومن أعظم آثاره الاختلاط الذي يعتبر من أعظم وسائل الزنا الذي يفتك بالمجتمع ويهدم قيمه وأخلاقه .
ومعلوم أن الله تبارك وتعالى جعل للمرأة تركيبا خاصا يختلف تماما عن تركيب الرجال هيأها به للقيام بالأعمال التي في داخل بيتها والأعمال التي بين بنات جنسها.
ومعنى هذا: أن اقتحام المرأة لميدان الرجال الخاص بهم يعتبر إخراجا لها عن تركيبها وطبيعتها، وفي هذا جناية كبيرة على المرأة وقضاء على معنوياتها وتحطيم لشخصيتها، ويتعدى ذلك إلى أولاد الجيل من ذكور وإناث؛ لأنهم يفقدون التربية والحنان والعطف، فالذي يقوم بهذا الدور هو الأم قد فصلت منه وعزلت تماما عن مملكتها التي لا يمكن أن تجد الراحة والاستقرار والطمأنينة إلا فيها وواقع المجتمعات التي تورطت في هذا أصدق شاهد على ما نقول.
والإسلام جعل لكل من الزوجين واجبات خاصة على كل واحد منهما أن يقوم بدوره ليكتمل بذلك بناء المجتمع في داخل البيت وفي خارجه .
فالرجل يقوم بالنفقة والاكتساب، والمرأة تقوم بتربية الأولاد والعطف والحنان والرضاعة والحضانة والأعمال التي تناسبها لتعليم الصغار وإدارة مدارسهن والتطبيب والتمريض لهن ونحو ذلك من الأعمال المختصة بالنساء. فترك واجبات البيت من قبل المرأة يعتبر ضياعا للبيت بمن فيه، ويترتب عليه تفكك الأسرة حسيا ومعنويا وعند ذلك يصبح المجتمع شكلا وصورة لا حقيقة ومعنى.
قال الله جل وعلا: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فسنة الله في خلقه أن القوامة للرجل بفضله عليها كما دلت الآية الكريمة على ذلك، وأمر الله سبحانه للمرأة بقرارها في بيتها ونهيها عن التبرج معناه: النهي عن الاختلاط وهو: اجتماع الرجال بالنساء الأجنبيات في مكان واحد بحكم العمل أو البيع أو الشراء أو النزهة أو السفر أو نحو ذلك؛ لأن اقتحام المرأة في هذا الميدان يؤدي بها إلى الوقوع في المنهي عنه، وفي ذلك مخالفة لأمر الله وتضييع لحقوقه المطلوب شرعا من المسلمة أن تقوم بها.
والكتاب والسنة دلا على تحريم الاختلاط وتحريم جميع الوسائل المؤدية إليه قال الله جل وعلا: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا فأمر الله أمهات المؤمنين- وجميع المسلمات والمؤمنات داخلات في ذلك- بالقرار في البيوت لما في ذلك من صيانتهن وإبعادهن عن وسائل الفساد؛ لأن الخروج لغير حاجة قد يفضي إلى التبرج كما يفضي إلى شرور أخرى، ثم أمرهن بالأعمال الصالحة التي تنهاهن عن الفحشاء والمنكر وذلك بإقامتهن الصلاة وإيتائهن الزكاة وطاعتهن لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم وجههن إلى ما يعود عليهن بالنفع في الدنيا والآخرة وذلك بأن يكن على اتصال دائم بالقرآن الكريم وبالسنة النبوية المطهرة اللذين فيهما ما يجلو صدأ القلوب ويطهرها من الأرجاس والأنجاس ويرشد إلى الحق والصواب، وقال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا فأمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام- وهو المبلغ عن ربه- أن يقول لأزواجه وبناته وعامة نساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن وذلك يتضمن ستر باقي أجسامهن بالجلابيب وذلك إذا أردن الخروج لحاجة مثلا لئلا تحصل لهن الأذية من مرضى القلوب. فإذا كان الأمر بهذه المثابة فما بالك بنزولها إلى ميدان الرجال واختلاطها معهم، وإبداء حاجتها إليهم بحكم الوظيفة، والتنازل عن كثير من أنوثتها لتنزل في مستواهم وذهاب
كثير من حيائها ليحصل بذلك الانسجام بين الجنسين المختلفين معنى وصورة.
قال الله جل وعلا: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ الآيتان.
يأمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يبلغ المؤمنين والمؤمنات أن يلتزموا بغض النظر وحفظ الفرج عن الزنا ثم أوضح سبحانه أن هذا الأمر أزكى لهم. ومعلوم أن حفظ الفرج من الفاحشة إنما يكون باجتناب وسائلها ولا شك أن إطلاق البصر واختلاط النساء بالرجال والرجال بالنساء في ميادين العمل وغيرها من أعظم وسائل وقوع الفاحشة، وهذان الأمران المطلوبان من المؤمن يستحيل تحققهما منه وهو يعمل مع المرأة الأجنبية كزميلة أو مشاركة في العمل له. فاقتحامها هذا الميدان معه واقتحامه الميدان معها لا شك أنه من الأمور التي يستحيل معها غض البصر وإحصان الفرج والحصول على زكاة النفس وطهارتها.
وهكذا أمر الله المؤمنات بغض البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء الزينة إلا ما ظهر منها، وأمرهن الله بإسدال الخمار على الجيوب المتضمن ستر رأسها ووجهها؛ لأن الجيب محل الرأس والوجه، فكيف يحصل غض البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء الزينة عند نزول المرأة ميدان الرجال واختلاطها معهم في الأعمال؟ والاختلاط كفيل بالوقوع في هذه المحاذير، كيف يحصل للمرأة المسلمة أن تغض بصرها وهي تسير مع الرجل الأجنبي جنبا إلى جنب بحجة أنها تشاركه في الأعمال أو تساويه في جميع ما تقوم به؟
والإسلام حرم جميع الوسائل والذرائع الموصلة إلى الأمور المحرمة، وكذلك حرم الإسلام على النساء خضوعهن بالقول للرجال لكونه يفضي إلي الطمع فيهن كما في قوله عز وجل: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ يعني مرض الشهوة. فكيف يمكن التحفظ من ذلك مع الاختلاط؟
ومن البدهي أنها إذا نزلت إلى ميدان الرجال لا بد أن تكلمهم وأن يكلموها، ولا بد أن ترقق لهم الكلام وأن يرققوا لها الكلام، والشيطان من وراء ذلك يزين ويحسن ويدعو إلى الفاحشة حتى يقعوا فريسة له، والله حكيم عليم حيث أمر المرأة بالحجاب، وما ذاك إلا لأن الناس فيهم البر والفاجر والطاهر والعاهر فالحجاب يمنع- بإذن الله- من الفتنة ويحجز دواعيها، وتحصل به طهارة قلوب الرجال والنساء، والبعد عن مظان التهمة قال الله عز وجل: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ الآية.
وخير حجاب المرأة بعد حجاب وجهها باللباس هو بيتها. وحرم عليها الإسلام مخالطة الرجال الأجانب؛ لئلا تعرض نفسها للفتنة بطريق مباشر أو غير مباشر، وأمرها بالقرار في البيت وعدم الخروج منه إلا لحاجة مباحة مع لزوم الأدب الشرعي، وقد سمى الله مكث المرأة في بيتها قرارا، وهذا المعنى من أسمى المعاني الرفيعة ففيه استقرار لنفسها وراحة لقلبها وانشراح لصدرها. فخروجها عن هذا القرار يفضي إلى اضطراب نفسها وقلق قلبها وضيق صدرها وتعريضها لما لا تحمد عقباه، ونهى الإسلام عن الخلوة بالمرأة الأجنبية على الإطلاق إلا مع ذي محرم وعن السفر إلا مع ذي محرم، سدا لذريعة الفساد وإغلاقا لباب الإثم وحسما لأسباب الشر، وحماية للنوعين من مكايد الشيطان، ولهذا صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء
نشر هذا الموضوع مركز الدعوة الإسلامية بلاهور. باكستان الطبعة الأولى في ربيع الثاني عام 1399 هـ الموافق مارس 1979 م.
فتاوى ابن باز 1-18 - (ج 4 / ص 239)
حكم الاختلاط في التعليم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد :
فقد اطلعت على ما نشرته جريدة السياسة الصادرة يوم 24 / 7 / 1404 هـ بعددها 5644 منسوبا إلى مدير جامعة صنعاء عبد العزيز المقالح الذي زعم فيه أن المطالبة بعزل الطالبات عن الطلاب مخالفة للشريعة ، وقد استدل على جواز الاختلاط بأن المسلمين من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يؤدون الصلاة في مسجد واحد ، الرجل والمرأة ، وقال ( ولذلك فإن التعليم لا بد أن يكون في مكان واحد ) ، وقد استغربت صدور هذا الكلام من مدير لجامعة إسلامية في بلد إسلامي يطلب منه أن يوجه شعبه من الرجال والنساء إلى ما فيه السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ولا شك أن هذا الكلام فيه جناية عظيمة على الشريعة الإسلامية . لأن الشريعة لم تدع إلى الاختلاط حتى تكون المطالبة بمنعه مخالفة لها ، بل هي تمنعه وتشدد في ذلك كما قال الله تعالى : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى الآية ، وقال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ وقال سبحانه : وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ . إلى أن قال سبحانه : وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وقال تعالى : وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ الآية ، وفي هذه الآيات الكريمات الدلالة الظاهرة على شرعية لزوم النساء لبيوتهن حذرا من الفتنة بهن ، إلا من حاجة تدعو إلى الخروج ، ثم حذرهن سبحانه من التبرج تبرج الجاهلية ، وهو إظهار محاسنهن ومفاتنهن بين الرجال ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء متفق عليه من حديث أسامة بن زيد رضي إله عنه وخرجه مسلم في صحيحه عن أسامة وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنهما جميعا ، وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الفتنة بهن عظيمة ، ولا سيما في هذا العصر الذي خلع فيه أكثرهن الحجاب ، وتبرجن فيه تبرج الجاهلية ، وكثرت بسبب ذلك الفواحش والمنكرات وعزوف الكثير من الشباب والفتيات عما شرع الله من الزواج في كثير من البلاد ، وقد بين الله سبحانه أن الحجاب أطهر لقلوب الجميع فدل ذلك على أن زواله أقرب إلى نجاسة قلوب الجميع وانحرافهم عن طريق الحق ، ومعلوم أن جلوس الطالبة مع الطالب في كرسي الدراسة من أعظم أسباب الفتنة ،
ومن أسباب ترك الحجاب الذي شرعه الله للمؤمنات ونهاهن عن أن يبدين زينتهن لغير من بينهم الله سبحانه في الآية السابقة من سورة النور ،ومن زعم أن الأمر بالحجاب خاص بأمهات المؤمنين فقد أبعد النجعة وخالف الأدلة الكثيرة الدالة على التعميم وخالف قوله تعالى : ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ فإنه لا يجوز أن يقال إن الحجاب أطهر لقلوب أمهات المؤمنين ورجال الصحابة دون من بعدهم ولا شك أن من بعدهم أحوج إلى الحجاب من أمهات المؤمنين ورجال الصحابة رضي الله عنهم لما بينهم من الفرق العظيم في قوة الإيمان والبصيرة بالحق ، فإن الصحابة رضي الله عنهم رجالا ونساء ومنهن أمهات المؤمنين هم خير الناس بعد الأنبياء وأفضل القرون بنص الرسول صلى الله عليه وسلم المخرج في الصحيحين ، فإذا كان الحجاب أطهر لقلوبهم فمن بعدهم أحوج إلى هذه الطهارة وأشد افتقارا إليها ممن قبلهم؛ ولأن النصوص الواردة في الكتاب والسنة لا يجوز أن يخص بها أحد من الأمة إلا بدليل صحيح يدل على التخصيص ، فهي عامة لجميع الأمة في عهده صلى الله عليه وسلم وبعده إلي يوم القيامة؛ لأنه سبحانه بعث رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الثقلين في عصره وبعده إلى يوم القيامة كما قال عز وجل : قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا وقال سبحانه : وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وهكذا القرآن الكريم لم ينزل لأهل عصر النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أنزل لهم ولمن بعدهم ممن يبلغه كتاب الله كما قال تعالى : هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ وقال عز وجل : وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ الآية ، وكان النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا يختلطن بالرجال لا في المساجد ولا في الأسواق الاختلاط الذي ينهي عنه المصلحون اليوم ويرشد القرآن والسنة وعلماء الأمة إلى التحذير منه حذرا من فتنته ، بل كان النساء في مسجده صلى الله عليه وسلم يصلين خلف الرجال في صفوف متأخرة عن الرجال وكان يقول صلى الله عليه وسلم : خير صفوف الرجال أولها وشره آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها حذرا من افتتان آخر صفوف الرجال بأول صفوف النساء ، وكان الرجال في عهده صلى الله عليه وسلم يؤمرون بالتريث في الانصراف حتى يمضي النساء ويخرجن من المسجد لئلا يختلط بهن الرجال في أبواب المساجد مع ما هم عليه جميعا رجالا ونساء من الإيمان والتقوى فكيف بحال من بعدهم ، وكانت النساء ينهين أن يتحققن الطريق ويؤمرن بلزوم حافات الطريق حذرا من الاحتكاك بالرجال والفتنة بمماسة بعضهم بعضا عند السير في الطريق ، وأمر الله سبحانه نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن حتى يغطين بها زينتهن حذرا من الفتنة بهن ، ونهاهن سبحانه عن إبداء زينتهن لغير من سمى الله سبحانه في كتابه العظيم حسما لأسباب الفتنة وترغيبا في أسباب العفة والبعد عن مظاهر الفساد والاختلاط ، فكيف يسوغ لمدير جامعة صنعاء- هداه الله وألهمه رشده- بعد هذا كله ، أن يدعو إلى الاختلاط ويزعم أن الإسلام دعا إليه وأن الحرم الجامعي كالمسجد ، وأن ساعات الدراسة كساعات الصلاة ، ومعلوم أن الفرق عظيم ، والبون شاسع ، لمن عقل عن الله أمره ونهيه ، وعرف حكمته سبحانه في تشريعه لعباده ، وما بين في كتابه العظيم من الأحكام في شأن الرجال والنساء ، وكيف يجوز لمؤمن أن يقول إن جلوس الطالبة بحذاء الطالب في كرسي الدراسة مثل جلوسها مع أخواتها في صفوفهن خلف الرجال ، هذا لا يقوله من له أدنى مسكة من إيمان وبصيرة يعقل ما يقول ، هذا لو سلمنا وجود الحجاب الشرعي ، فكيف إذا كان جلوسها مع الطالب في كرسي الدراسة مع التبرج وإظهار المحاسن والنظرات الفاتنة والأحاديث التي تجر إلى الفتنة ، فالله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله ، قال الله عز وجل : فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ
مجلة البحوث الإسلامية العدد 15 ص 6 إلى 11 ربيع الأول ربيع الثاني جمادى الأولى جمادى الثانية 1406 هـ .
وأما قوله : ( والواقع أن المسلمين منذ عهد الرسول كانوا يؤدون الصلاة في مسجد واحد الرجل والمرأة ولذلك فإن التعليم لا بد أن يكون في مكان واحد )
فالجواب عن ذلك أن يقال : هذا صحيح ، لكن كان النساء في مؤخرة المساجد مع الحجاب والعناية والتحفظ مما يسبب الفتنة ، والرجال في مقدم المسجد ، فيسمعن المواعظ والخطب ويشاركن في الصلاة ويتعلمن أحكام دينهن مما يسمعن ويشاهدن ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في يوم العيد يذهب إليهن بعد ما يعظ الرجال فيعظهن ويذكرهن لبعدهن عن سماع خطبته ، وهذا كله لا إشكال فيه ولا حرج فيه وإنما الإشكال في قول مدير جامعة صنعاء- هداه الله وأصلح قلبه وفقهه في دينه- : ( ولذلك فإن التعليم لا بد أن يكون في مكان واحد ) فكيف يجوز له أن يشبه التعليم في عصرنا بصلاة النساء خلف الرجال في مسجد واحد ، مع أن الفرق شاسع بين واقع التعليم المعروف اليوم وبين واقع صلاة النساء خلف الرجال في عهده صلى الله عليه وسلم ، ولهذا دعا المصلحون إلى إفراد النساء عن الرجال في دور التعليم ، وأن يكن على حدة والشباب على حدة ، حتى يتمكن من تلقي العلم من المدرسات بكل راحة من غير حجاب ولا مشقة؛ لأن زمن التعليم يطول بخلاف زمن الصلاة؛ ولأن تلقي العلوم من المدرسات في محل خاص أصون للجميع وأبعد لهن من أسباب الفتنة ، وأسلم للشباب من الفتنة بهن ، ولأن انفراد الشباب في دور التعليم عن الفتيات مع كونه أسلم لهم من الفتنة فهو أقرب إلى عنايتهم بدروسهم وشغلهم بها وحسن الاستماع إلى الأساتذة وتلقي العلم عنهم بعيدين عن ملاحظة الفتيات والانشغال بهن ، وتبادل النظرات المسمومة والكلمات الداعية إلى الفجور .
وأما زعمه- أصلحه الله- أن الدعوة إلى عزل الطالبات عن الطلبة تزمت ومخالف للشريعة ، فهي دعوى غير مسلمة ، بل ذلك هو عين النصح لله ولعباده والحيطة لدينه والعمل بما سبق من الآيات القرآنية والحديثين الشريفين ، ونصيحتي لمدير جامعة صنعاء أن يتقي الله عز وجل وأن يتوب إليه سبحانه مما صدر منه ، وأن يرجع إلى الصواب والحق ، فإن الرجوع إلى ذلك هو عين الفضيلة والدليل على تحري طالب العلم للحق والإنصاف . والله المسئول سبحانه أن يهدينا جميعا سبيل الرشاد وأن يعيذنا وسائر المسلمين من القول عليه بغير علم ، ومن مضلات الفتن ونزغات الشيطان ، كما أسأله سبحانه أن يوفق علماء المسلمين وقادتهم في كل مكان لما فيه صلاح البلاد والعباد في المعاش والمعاد ، وأن يهدي الجميع صراطه المستقيم إنه جواد كريم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
فتاوى ابن باز 1-18 - (ج 6 / ص 301)
حول توظيف النساء في الدوائر الحكومية
الحمد لله رب العالمين والسلام على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم واقتفى آثارهم إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد اطلعت على ما نشر في الصحف المحلية في الأول من شهر رمضان عام 1400هـ من اعتزام فرع ديوان الخدمة المدنية بالمنطقة الشرقية على توظيف النساء في الدوائر الحكومية للقيام بأعمال النسخ والترجمة والأعمال الكتابية الأخرى ، ثم قرأت ما كتبه الأخ الناصح محمد أحمد حساني في صحيفة الندوة في عددها الصادر في 8 / 9 / 1400 هـ تعقيبا على ذلك الخبر ، وكان صادقا وناصحا للأمة في تعقيبه ، فشكر الله له وأثابه . ذلك أن من المعلوم أن نزول المرأة للعمل في ميدان الرجال يؤدي إلى الاختلاط ، وذلك أمر خطير جدا ، له تبعاته الخطيرة وثمراته المرة وعواقبه الوخيمة ، وهو مصادم للنصوص الشرعية التي تأمر المرأة بالقرار في بيتها والقيام بالأعمال التي تخصها في بيتها ونحوه ، مما تكون فيه بعيدة عن مخالطة الرجال . والأدلة الصريحة الصحيحة الدالة على تحريم الخلوة بالأجنبية وتحريم النظر إليها وتحريم الوسائل الموصلة إلى الوقوع فيما حرم الله- أدلة كثيرة محكمة قاضية بتحريم الاختلاط المؤدي إلى مالا تحمد عقباه .
منها قوله تعالى : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا وقال تعالى وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وقال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا وقال الله جل وعلا : قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ إلى أن قال سبحانه : وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وقال : إياكم والدخول على النساء يعني الأجنبيات قال رجال من الأنصار أفرأيت الحمو؟ قال الحمو الموت ونهى الإسلام عن الخلوة بالمرأة الأجنبية على الإطلاق إلا مع ذي محرم وعن السفر إلا مع ذي محرم ، سدا لذريعة الفساد وإغلاقا لباب الألم وحسما لأسباب الشر وحماية للنوعين من مكايد الشيطان ، ولهذا صح عن رسول الله أنه قال : ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء وصح عنه أنه قال : اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء وقال : لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما وهذه الآيات والأحاديث صريحة الدلالة في وجوب القرار في البيت والابتعاد عن الاختلاط المؤدي إلى الفساد وتقويض الأسر وخراب المجتمعات فما الذي يلجئنا إلى مخالفتها والوقوع فيما يغضب الله ويحل بالأمة بأسه وعقابه ، ألا نعتبر فيما وقع في المجتمعات التي سبقت إلى هذا الأمر الخطير وصارت تتحسر على ما فعلت وتتمنى أن تعود إلى حالنا التي نحن عليها الآن . لماذا لا ننظر إلى وضع المرأة في بعض البلدان الإسلامية المجاورة كيف أصبحت مهانة مبتذلة بسبب إخراجها من بيتها وجعلها تعمل في غير وظيفتها ، لقد نادى العقلاء هناك وفي البلدان الغربية بوجوب إعادة المرأة إلى وضعها الطبيعي الذي هيأها الله له وركبها عليه جسميا ونفسيا وعقليا ، ولكن بعد ما فات الأوان .
ألا فليتق الله المسئولون في ديوان الخدمة المدنية والرئاسة العامة لتعليم البنات وليراقبوه سبحانه فلا يفتحوا على الأمة بابا عظيما من أبواب الشر ، إذا فتح كان من الصعب إغلاقه . وليعلموا أن النصح لهذا البلد حكومة وشعبا هو العمل على ما يبقيه مجتمعا متماسكا قويا سائرا على نهج الكتاب والسنة ، وسد أبواب الضعف والوهن ومنافذ الشرور والفتن ، ولا سيما ونحن في عصر تكالب الأعداء فيه على المسلمين وأصبحنا أشد ما نكون حاجة إلى عون الله ودفعه عنا شرور أعدائنا ومكائدهم ، فلا يجوز لنا أن نفتح أبوابا من الشر مغلقة .
ولعل في كلمتي هذه ما يذكر المسئولين في ديوان الخدمة المدنية والرئاسة العامة لتعليم البنات بما يجب عليهم من مراعاة أمر الله ورسوله والنظر فيما تمليه المصلحة العامة لهذه الأمة ، والاستفادة مما قاله الأخ محمد أحمد حساني من أن عملية نقص الموظفين لا تعالج بالدعوة إلى إشراك النساء في وظائف الرجال سدا للذريعة وقفلا لباب المحاذير ، بل إن العلاج الصحيح يكون بإيجاد الحوافز لآلاف الشبان الذين لا يجدون في العمل الحكومي ما يشجع للالتحاق به فيتجهون إلى العمل الحر أو إلى المؤسسات والشركات ، ومن هنا منطلق العلاج الصحيح وهو تبسيط إجراءات تعيين الموظفين وعدم التعقيد في الطلبات ، وإعطاء الموظف ما يستحق مقابل جهده ، وعندها سوف يكون لدى كل إدارة فائض من الموظفين . هذا وإنني مطمئن إن شاء الله إلى أن المسئولين بعد قراءتهم لهذه الكلمة سيرجعون عما فكروا فيه من تشغيل المرأة بأعمال الرجال إذا علموا أن ذلك محرم بالكتاب والسنة ومصادم للفطرة السليمة ، ومن أقوى الأسباب في تخلخل المجتمع وتداعي بنيانه ، وهو مع ذلك أمنية غالية لأعداء المسلمين يعملون لها منذ عشرات السنين وينفقون لتحقيقها الأموال الطائلة ويبذلون لذلك الجهود المضنية ، ونرجو أن لا يكون أبناؤنا وإخواننا معينين لهم أو محققين لأغراضهم .
أسأل الله أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من مكايد الأعداء ومخططاتهم المدمرة وأن يوفق المسئولين فيها إلى حمل الناس على ما يصلح شئونهم في الدنيا والآخرة ، تنفيذا لأمر ربهم وخالقهم والعالم بمصالحهم ، وأن يوفق المسئولين في ديوان الخدمة المدنية والرئاسة العامة لتعليم البنات لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد في أمر المعاش والمعاد ، وأن يعيذنا وإياهم وسائر المسلمين من مضلات الفتن وأسباب النقم ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعهم بإحسان .
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
عبدالعزيز بن عبد الله بن باز
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 2 / ص 33)
هل في حديث "ما تركت بعدي فتنة أشد على الرجال من النساء" استهانة بهن؟!
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/شروح حديثية
التاريخ 21/10/1424هـ
السؤال
أرجو من حضرتكم إيضاح وتفسير المعنى في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:"ما تركت بعدي فتنة أشد على الرجال من النساء" وأرجو أن يكون ذلك بإسهاب؛ لما قد يبدو من ظاهر الحديث من أنه استهانة بحق النساء وتقليل من شأنهن... وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:
الحديث المذكور في السؤال أخرجه البخاري ح (5096) من حديث أُسَامَةَ بْن زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ قَالَ:"مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ
مِنْ النِّسَاءِ" وأخرجه مسلم ح (2742) من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ" ومعنى الحديث التحذير من الفتنة بالنساء، وذلك أن الله سبحانه وتعالى ركب في طبيعة الرجل الميل إلى المرأة ومحبتها، كما قال سبحانه:"زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ ......" [آل عمران: الآية14]
فإذا كان هذا فيما أباحه الله من الزواج فهو مطلوب، وقد امتن الله به على عباده، قال سبحانه:" وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً..." [النحل: الآية72]، وقال سبحانه:"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً...." [الروم: الآية21]، ورغب النبي صلى الله عليه وسلم في الزواج وحث عليه، لما يحصل فيه من غض البصر وتحصين الفرج وبقاء النسل، ففي الصحيحين البخاري (5065) ومسلم (1400) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ"، وفي مسلم (1403) من حديث جابر رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:"إِذَا أَحَدُكُمْ أَعْجَبَتْهُ الْمَرْأَةُ فَوَقَعَتْ فِي قَلْبِهِ فَلْيَعْمِدْ إِلَى امْرَأَتِهِ فَلْيُوَاقِعْهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ"، وأما إذا كان الميل والمحبة وقضاء الشهوة عن الطرق المحرمة فالمرأة تكون فتنة للرجل حيث أوقعته فيما حرم الله، ولهذا قال سبحانه:"وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ..." [النساء: الآية24]، وقال سبحانه:"الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُم وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ...." [المائدة:5]، وقد تكون الزوجة فتنة لزوجها إذا صرفته عن طاعة الله، أو أمرته بمعصية الله سبحانه وتعالى، مثل أن تحمله على قطيعة أرحامه، أو تحمله على التساهل في ترك أوامر الله مثل الصلاة أو الزكاة أو الجهاد ونحو ذلك، ولهذا قال سبحانه وتعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ..." [التغابن: الآية14].
وحث النبي صلى الله عليه وسلم على اختيار الزوجة الصالحة التي تعين زوجها على الاستقامة والخير وتحفظه في نفسها وماله، ففي الصحيحين البخاري (5090) ومسلم (1466) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ"، وفي صحيح مسلم (1467) من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:"الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ"، ونهى الله سبحانه وتعالى المرأة عن التبرج وإظهار الزينة لغير محارمها؛ حتى لا تكون فتنة للرجل، وأمرها بالعفاف والحشمة وغض البصر.
قال تعالى:"وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" [النور:31]، وقال تعالى:"وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ...." [الأحزاب:الآية33] والمرأة حينما تخالف ما شرع الله سبحانه وتعالى، وتنحرف عن الصراط المستقيم تكون فتنة للرجال ، وقد وقع ما حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منه من فتنة الرجال بالنساء، وهي من أعظم الفتن التي تفاقم خطرها، وعظم خطبها ، ولعل من المناسب أن أذكر بعض مظاهر الفتنة بالمرأة في زماننا الحاضر:
1) سفور النساء وتبرجهن في كثير من المجتمعات الإسلامية، مما ترتب عليه إطلاق النظر إليهن وإثارة الغرائز وثوران الشهوة والوقوع فيما حرم الله والافتتان بهن. وكما قيل:
نظرةٌ، فابتسامةٌ ، فسلامُ فكلامٌ ، فموعدٌ فلقاءُ
2) تفننت وسائل الإعلام بأنواعها من تلفاز وفضائيات وفيديو ومجلات وكتب في عرض صور النساء الخليعة وشبه العارية مما لم يوجد في عصر مضى، وأصبحت الفتنة بهن عظيمة، حيث تعلق كثير من الرجال بصورهن وافتتنوا بهن.
3) كثر الاختلاط بين الجنسين في كثير من مجالات الأعمال، مما أدى إلى حصول الفتنة بالنساء التي حذَّر منها النبي صلى الله عليه وسلم.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 13 / ص 280)
ظهور المرأة في الإعلانات التلفزيونية
المجيب عبد الرحمن بن ناصر البراك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ وسائل الإعلام والترفيه والألعاب والتصوير والتمثيل /وسائل الإعلام
التاريخ 26/5/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هناك أحد طلاب العلم في حوار له في إحدى الجرائد يقول: (إنه لا يوجد أي محظور شرعي ما دامت المرأة تشارك في مثل هذه الإعلانات بحجابها الشرعي، والكلمات الهادفة والبناءة، مشيراً إلى أن المرأة تعتبر أكثر تأثيرًا في النساء من الرجال) فما رأيكم بهذا الكلام؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله، إن أعظم فتنة من فتن الشهوات هي فتنة النساء، وقد أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم- بذلك، وحذّر من فتنة النساء بقوله: "فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء"رواه مسلم(2742) من حديث أبي سعيد الخدري، وقال - صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" رواه البخاري(5096)، ومسلم(2740) من حديث أسامة بن زيد -رضي الله عنه-، ولم يزل الشيطان يستغل الكافرات والفاسقات من النساء في فتنة الرجال؛ وذلك بتعرضها للرجال متبرجة وسافرة، ومتعطرة، وقد عظمت فتنة المرأة في هذا العصر؛ لما وفرته الحضارة من وسائل البث، والعرض، والإغراء، فاستعملت المرأة ذاتها ، وصورتها لترويج التجارة، وأنواع السلع، فاستعملت عارضة أزياء، وسمسارة في المحلات ، وخادمة في الطائرات والفنادق، كما استعملت في ترويج الصحف، ومن ذلك استعمالها في الإعلانات التلفزيونية، وفي الإعلانات الصحفية، ومن المعلوم أنه لا بد فيمن تستعمل في هذه الأغراض ذاتها، أو صورتها لا بد أن تكون جميلة، وأنيقة، ومغرية بكلامها، وحركاتها، وزيِّها، فاستعمال صورة المرأة أو ذاتها في وسائل الإعلان ليس الغرض منه مخاطبة النساء، بل الغرض منه إمتاع الرجال، وإغراء الرجال،وشد أنظارهم، وأسماعهم، ولا ترضى مسلمة عفيفة بأن تكون أداة لترويج السلع، ولو كانت السلع مباحة فضلاً عن أن تكون محرمة، ويشترك في إثم هذه الأعمال المرأة المصورة، ومَنْ صورها، وَمنْ نشر صورتها ومن أعان على ذلك بأي قدر من الإعانة القولية، والفعلية أو المالية، "ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره"[الزلزلة: 8]، "ولا تعاونوا على الإثم والعدوان"[المائدة: 2]، وعلى كل هؤلاء نصيبهم من آثام من كانوا سبباً في فتنته، ومعصيته لربه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً، وعلى من أفتى بحل استعمال المرأة، أو صورتها في الإعلانات نصيبه من الإثم كذلك، فكم من العيون ترمق وجه هذه المرأة الفاتنة، وتنظر إليها بشهوة عارمة، وكم تكون هذه المشاهد سبباً في وقوع كثير من الناظرين فيما حرم الله من الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والله عز وجل يقول: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن" إلى قوله -تعالى-: "ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون"[النور: 30-31]، وقال - صلى الله عليه وسلم-: "العين تزني وزناها النظر، والأذن تزني وزناها الاستماع..." رواه البخاري(6243)، ومسلم(2657) من حديث ابن عباس، ومما لا شك فيه أن استعمال المرأة ذاتها أو صورتها في هذه المجالات هي دعوة للفجور فهي حرام، وقد أثمرت ثمراتها الخبيثة في مجتمعات المسلمين فتدنست وتنجست بعد الطيب والطهر، وهذا مطلب لأعداء الإسلام من اليهود والنصارى، والمنافقين، ومن شابههم من فسقة المسلمين، كما قال -تعالى-: "ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً"[النساء: 27]. والله أعلم.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 16 / ص 470)
العمل في مكان مختلط
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 03/03/1427هـ
السؤال
أعمل بوظيفة محترمة، ولكن في مكان غير محترم؛ حيث فيه فساد أخلاقي واختلاط، وأرى كل يوم أشياء محرمة، فهل يجب علي أن أترك هذا المكان أو أبقى مع الابتعاد تماماً عن زملاء السوء،؟ علماً أن فرص العمل الآن قليلة جداً، أرشدوني ماذا أفعل؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد ذكرتِ أختنا الكريمة -حفظك الله- أنكِ تعملين في مكان غير محترم ويكثر فيه الاختلاط وما ذكرتهِ -إن كنت لا تستطيعين تجنب الاختلاط، وتغيير المكان لمكان محترم- فإنه يستدعي تركك للعمل، والبحث عن عمل آخر محترم لا اختلاط فيه، فعن أبي موسى -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحاً خبيثة". رواه البخاري (1995)، ومسلم (2628).
قال العلامة ابن عثمين -رحمه الله تعالى-: "الذي أراه أنه لا يجوز الاختلاط بين الرجال والنساء بعمل حكومي، أو بعمل في قطاع خاص، أو في مدارس حكومية أو أهلية، فإن الاختلاط تحصل فيه مفاسد كثيرة ولو لم يكن فيه إلا زوال حياء المرأة وزوال الهيبة عن الرجال، لأنه إذا اختلط الرجال والنساء أصبح لا هيبة عند الرجال، وهذا أعني -الاختلاط بين الرجال والنساء- خلاف ما تقتضيه الشريعة الإسلامية، وخلاف ما كان عليه السلف الصالح. ألم تعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم-جعل للنساء مكاناً خاصاً إذا خرجن إلى مصلى العيد، لا يختلطن بالرجال، كما في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين خطب في الرجال نزل وذهب للنساء فوعظهن وذكَّرهن، وهذا يدل على أنهن لا يسمعن خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- أو إن سمعن لم يستوعبن ما سمعن من الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثم ألم تعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها وخير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها"، وما ذلك إلا لقرب أول صفوف النساء من الرجال، فكان شر الصفوف، ولبعد آخر صفوف النساء من الرجال فكان خير الصفوف، وإذا كان هذا في العبادة المشتركة فما بالك بغير العبادة، ومعلوم أن الإنسان في حال العبادة أبعد ما يكون عما يتعلق بالغريزة الجنسية، فكيف إذا كان الاختلاط بغير عبادة، فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق، فلا يبعد أن تحصل فتنة وشر كبير في هذا الاختلاط.
والذي أدعو إليه إخواننا أن يبتعدوا عن الاختلاط، وأن يعلموا أنه من أضر ما يكون على الرجال، كما قال صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" فنحن والحمد لله -نحن المسلمين- لنا ميزة خاصة يجب أن نتميز بها عن غيرنا، ويجب أن نحمد الله -سبحانه وتعالى- أن منَّ علينا بها، ويجب أن نعلم أننا متبعون لشرع الله الحكيم الذي يعلم ما يصلح العباد والبلاد، ويجب أن نعلم أن من نفروا عن صراط الله -عز وجل- وعن شريعة الله فإنهم في ضلال، وأمرهم صائر إلى الفساد، ولهذا نسمع أن الأمم التي يختلط نساؤها برجالها أنهم الآن يحاولون بقدر الإمكان أن يتخلصوا من هذا، ولكن أنى لهم التناوش من مكان بعيد. نسأل الله أن يحمي بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء وشر وفتنة". ا.هـ والله تعالى أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 17 / ص 350)
يخشى الفتنة، ولا يستطيع الزواج
المجيب خالد بن حسين بن عبد الرحمن
باحث شرعي.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/ قبل الزواج/تأخر الزواج وعقباته
التاريخ 13/11/1424هـ
السؤال
السلام عليكم، أنا طالب جامعي في المرحلة الرابعة، وفي الجامعة فساد لا يتصوره العقل، فالمرأة عارية تعرض مفاتنها وتلبس ما يعرض جسدها، وأنا شاب وسيم وجذَّاب للفتيات، ولكني وبفضل الله حافظت على التزامي، ولكي أنجو من طاقتي الجنسية، ولكي لا أقع في الزنا حاولت الزواج، ولكني يتيم الأب والأم، ولم يكن عندي من يعينني على الزواج.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أخي السائل لقد قرأت رسالتك مرات عديدة، وشعرت وأنا أقرؤها بمدى المعاناة التي تعايشها وتمر بها، وأن هذا البلاء الذي يحيط بك في هذا الوسط الجامعي من تبرج وسفور وانحلال في الأخلاق، ومناظر تهيج النفوس، وتعمل على فوران الشهوة وتأججها وزيادة لهيبها المستعر، وذلك بواسطة أولئك الفاتنات السافرات، واللائي تجردن من الحياء والحشمة والعفاف قبل أن يتجردن من ثيابهن، وقد اتخذهن الشيطان جنوداًَ له؛ ليغويهن ويغوي بهن. نسأل الله السلامة من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ولقد حذَّرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - من فتنة النساء، كما جاء في الحديث المتفق عليه عند البخاري (5096) ومسلم (2740) من حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" وفي رواية أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قوله - صلى الله عليه وسلم - في نهاية الحديث "... فاتقوا الدنيا واتقوا النساء" رواه مسلم (2742) .
فيا أخي الكريم كن على حذر من هذه الفتنة العظيمة.
ولقد سرني كثيراً عندما علمت - رغم هذا الشر كله - بأنك ملتزم ومحافظ على دينك، نسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يحفظنا وإياك من شر أنفسنا والشيطان اللهم آمين.
أخي المبارك: ليكن لك في رسول الله يوسف - صلى الله عليه وسلم - الكريم ابن الكريم ابن الكريم صلوات ربي وتسليمه على نبينا وعليهم جميعاً وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
فلقد فضل يوسف - صلى الله عليه وسلم - أن يرمى في غياهب السجن وألم القيد، على أن يفعل ما أمرته به امرأة العزيز من ممارسة الفجور والزنا معها، فقال - كما حكى عنه القرآن: "قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ" [يوسف:33] فما كانت النتيجة؟ (فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم).
وبعد هذا كله أظهر الله براءته وأطلق سراحه، وفوق هذا أصبح عزيز مصر يتحكَّم في خزائنها، وهذا جزاء من يتقي الله ويخشاه، (وإنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين).
فعليك أخي الكريم بهذه الأمور:
1. عليك بغض البصر امتثالاً لأمر الله - جل وعلا -: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ" [النور:30].
2. عليك بالعفة والبعد عن كل ما يثير شهوتك، قال تعالى: "وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ " [النور:33].
3. عليك بالصوم قال - صلى الله عليه وسلم -: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" رواه البخاري (1905) ومسلم (1400) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - ومعنى (وجاء)، أي وقاية وحرز أن يقع في الحرام.
4. إذا استطعت أن تقلل من حضورك للجامعة فافعل.
5. عليك بمصاحبة أهل الخير من العلماء والدعاة وطلبة العلم.
6. عليك بطلب العلم الشرعي والاجتهاد فيه.
7. عليك بالبعد عن كل شيء يثير شهوتك، سواء كان مقروءاً أو مسموعاً أو مشاهداً.
8. عليك باستحضار عظمة الله في قلبك، وتذكر ما أعد الله لعباده المتقين من النعيم في الجنة، والتي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وتذكر أن لك زوجات من الحور العين هن في انتظارك في الجنة، فلا تضح بهن من أجل قضاء شهوة عابرة تذهب لذتها وتبقى حسرتها في الدنيا والآخرة.
9. تذكر ما أعده الله للعصاة والزناة من العذاب الأليم والهوان الشديد، فاحذر أن تكون منهم..
10. تذكر الناس وهم في عرصات يوم القيامة، وقد بلغهم من الهم والغم والكرب ما الله به عليم، فقد بلغ منهم العرق مبلغاً عظيماً، وإذا بهم والحالة هذه ينادى على أناس وعلى رؤوس الأشهاد تعالوا لكي تستظلوا تحت ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله، ومن بين هؤلاء الصنف من الناس شاب نشأ في طاعة الله، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله رب العالمين، فاجتهد أن تكون أحد الرجلين من ذلك الصنف، نسأل الله من فضله.
11. اجتهد في الدعاء وتضرع إلى ربك الكريم بأن يصرف عنك هذا البلاء، وأن يثبتك على طاعته، وأن يهيئ لك سبل الزواج إنه سميع مجيب وبالإجابة قدير، وإن استطعت أخي السائل أن تقرأ كتاب (عندما ينتصر العفاف) لأخينا الشيخ خالد أبو صالح - حفظه الله - فذلك خير، فالكتاب جيد في بابه، وقد أجاد فيه صاحبه وأفاد.
نسأل الله -سبحانه وتعالى - بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يطهر قلبك، ويحفظ فرجك ويستر عيبك، ويغفر ذنبك، وييسر لك إعفاف نفسك بزوجة صالحة تسر بها إذا نظرت إليها، اللهم آمين هذا والله أعلم.
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 18 / ص 86)
زوجي على علاقة بكاهنة!
المجيب سليمان بن إبراهيم الأصقه
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/ المشكلات الزوجية/الخيانة
التاريخ 08/02/1427هـ
السؤال
ذهب زوجي إلى كاهنة، وبينتُ له أن ذلك حرام، لكنه لا يقبل ما أقول، وشغفت به هذه الكاهنة حباً، وهو يكذب ويقول لي ليس ثمة شيء، وأنا أجد رسائلهما والصور. ويقول لي: إنه لا يرغب في الزواج، ويقول لها عكس ذلك. وأنا أكره عالم هؤلاء الكهان، ولا أريد أن تشاركني هذه المرأة في زوجي، فماذا أفعل؟
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه، وبعد:
فنِعَم ما فعلت -أيتها الأخت- حين نهيت زوجك عن الذهاب لهذه الكاهنة، وأخبرتيه أنه حرام، بل إن ذلك من كبائر الذنوب. قال صلى الله عليه وسلم: "فلا تأتوا الكهان" أخرجه مسلم (537) من حديث معاوية بن الحكم السلمي -رضي الله عنه-.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سأل أناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس بشيء" أخرجه البخاري برقم (5762)، ومسلم برقم (2228).
وعن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة" أخرجه مسلم برقم (2230)، بل قد جاء أن تصديق الكاهن فيما يقول كفر -والعياذ بالله- والعراف والكاهن جنس واحد.
كما أنك أحسنت في كراهة عالم الكهان، وعدم رغبتك في أن تشاركك هذه المرأة في زوجك بهذه الطريقة المنكرة، إذ لا يجوز لزوجك أن يتصل بهذه المرأة ويعقد معها صداقة حب وتبادل صور وهي أجنبية منه، فإن هذا من أعظم أسباب الفواحش وأضر الفتن. قال صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" أخرجه البخاري برقم (5096)، ومسلم برقم (2740) من حديث أسامة بن زيد -رضي الله عنهما-.
وقال صلى الله عليه وسلم: "فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" أخرجه مسلم برقم (2742) من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- فاستمري على ما أنت عليه فلست بمخطئة، وعليك بالصبر واختيار أحسن الطرق لإقناع زوجك للكف عما يفعل، وإذا كنت كذلك فأنت على خير وأجر -بإذن الله تعالى- وفقك الله وهدى زوجك للخير، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 6 / ص 186)
الاغترار بالنفس مصيدة الشيطان رقم الفتوى:15383تاريخ الفتوى:08 صفر 1423السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
أنا شاب أعيش في بلاد الغرب ملتزم والحمد لله ولكنني أعمل في نفس الجامعة التي أدرس فيها وأعمل في إحدى مختبرات الكومبيوتر وتعمل معي إحدى الفتيات في نفس المختبر وكثيراً ما تسألني الأسئلة في مجال الكومبيوتر وأكون جالساً معها على نفس الجهاز ولكنني ولله الحمد لا ألمس النساء وإنما أكون بعيداً عنها بمسافة فهل يجوز لي تعليمها ? وللعلم فإن مختبر الكومبيوتر مكان مفتوح ويكون فيه الكثير من الطلبة وهو ليس مكاناً منزوياً وأيضاً فإن هذه الفتاة نصرانية وليست مسلمة ولا أُفكر أن أرتكب معها أي حرام أبداً ولكن فقط تعليمها.
الفتوى: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من فتنة النساء فقال: " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء " متفق عليه من حديث أسامة بن زيد . فلا ينبغي لمسلم أن يغتر بنفسه، ولا أن يثق بها وثوقاً يزين لها الحديث مع النساء، والجلوس بالقرب منهن، فإن في ذلك الفتنة شعر الآن أو لم يشعر.
وقد جبل الرجل على حب المرأة والأنس بها، فإذا اجتمع مع ذلك حديثها إليه، وجلوسها بجواره، مع التكرار والدوام، فالسلامة حينئذ من أعز وأندر ما يكون، وكيف يسلم والأمر لا ينفك عن نظر زائد على نظر الفجأة؟!! لا سيما إلى هذه المرأة النصرانية التي لا تعرف الحجاب.
وقولك: إنك لا تفكر في ارتكاب أي حرام معها، قول غير دقيق، فإن الحرام لا يقتصر على فعل الفاحشة، بل منه النظر واللمس والتلذذ بالاستماع، وهذا نوع من الزنا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه " متفق عليه.
فبادر إلى قطع هذه العلاقة، واحذر على نفسك من الفتنة. وقانا الله وإياك الفتن والشرور.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 11 / ص 433)
لايجوز التحدث مع زميلات العمل إلا بما تقتضيه مصلحة العمل رقم الفتوى:2096تاريخ الفتوى:16 صفر 1420السؤال : كيف أتعامل مع الزميلات في العمل سواء الملتزمات أوغير الملتزمات؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي يفهم من سؤالك أنك رجل تعمل في مكان فيه نساء وللجواب على ذلك نقول لك يجب عليك أن تتعامل معهن بامتثال أمر الله بغض البصر عنهن قال تعالى: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم...) سورة النور. وأن لا تتحدَّث معهن إلاَّ حديثاً لا بدّ منه تقتضيه مصلحة العمل وعليك أن تكون حذراً غاية الحذر ومحتاطاً غاية الاحتياط في تعاملك معهن فإن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من فتنة النساء فقال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) كما في الصحيحين وغيرهما.
والله تعالى أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 60 / ص 315)
مصداقة الفتيات في الجامعة شر وبلاء رقم الفتوى:9431تاريخ الفتوى:02 ذو الحجة 1424السؤال : بسم الله الرحمن الرحيم
بصراحة أنا شاب عمري 20عاما تعرفت على زميلتي في الجامعة ، متدينة ومتحجبة أحبها وعندما نلتقي
نلتقي في الأماكن العامة ولوقت قصير لانتحدث إلا في الأمور العامة بالرغم من أنها تحبني أيضا ، لا أعرف إن كان ما أقوم به حراما أم حلالا
علما أننا نتحدث في أمور الدين أكثر الأحيان.
وقالت لي في آخر لقاء بيننا: إنه ما اجتمع اثنان إلا وكان الشيطان ثالثها
ويعلم الله أنه ليس في نفسي أي شئ خبيث
أفيدونا زادكم الله علما
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
ففي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء".
وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء".
ومن رأى افتتان الشباب بالنساء، وكثرة ما يقع من الشر بمصادقتهن، أو النظر إليهن، علم صدق نصح النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، وكمال شفقته ورحمته بهم.
وأي فتنة أعظم من أن تخاطب فتاة تعلم أنها تحبك، وتعلم هي أنك تحبها؟! فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وإذا كنت في شك من هذا، فانظر إلى حال قلبك حين تكون معها، وحين تفارقها، وتتفكر في أمرها.
وكم من إنسان بدأ بما بدأت به، ثم آل أمره إلى عشق مستحكم، قد لا ينفع فيه الدواء، هذا إن استعصم وكف نفسه عن الزنا، عياذا بالله من ذلك.
وينبغي أن تسأل نفسك وتحاسبها: ما الهدف من هذه اللقاءات؟ وإلى متى؟ وماذا بعد؟ وكم من معصية بالقلب أو بالعين أو بالأذن تسجل عليك أثناء ذلك؟
وهل ترضى أن يصدر هذا من زوجتك أو أختك مع شاب مثلك؟!
إن الإسلام لا يقر علاقة حب تنشأ بين رجل وامرأة أجنبية عنه إلا في ظل الزواج الذي أباحه الله تعالى، ورغب فيه.
ولهذا ننصحك بقطع هذه العلاقة من الآن، والتوبة إلى الله تعالى مما سبق، والعزم على عدم العود لشيء من ذلك، ومما يعينك على ذلك تجنب البقاء في الأماكن التي تتواجد فيها، وإشغال نفسك بصحبة الرجال الأخيار، والكون معهم في فترات الراحة أثناء الدراسة، وإذا دعاك الشيطان لمعاودة اللقاء فاعتصم بالصلاة وقراءة القرآن.
ونسأل الله تعالى أن يصرف عنك هذا البلاء، وأن يقينا وإياك الفتن ما ظهر منها وما بطن. والله أعلم.(1/126)
لُطْفُ الرَّجُلِ أَهْلَهُ
256-7912 أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ : حَدَّثَنَا حَفْصٌ ، عَنْ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ثُمَّ ذَكَرَ كَلِمَةً مَعْنَاهَا أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنَهُمْ خُلُقًا ، وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ (1)
__________
(1) - الترمذي برقم(2820) وأحمد برقم( 24936 و25414)والإبانة الكبرى لابن بطة ( 844 ) عن أبي هريرة صحيح لغيره
نظم المتناثر - (ج 1 / ص 43)
15 (أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا).
أورده فيها أيضا من حديث (1) ابن عمرو بن العاصي (2) وأبي هريرة (3) وعائشة (4) والحسن مرسلا (5) وعمير ابن قتادة (6) وأبي سعيد الخدري (7) وأنس (8) وجابر بن عبد الله (9) وابن عمر تسعة أنفس.
(قلت) ورد أيضا من حديث (10) أبي ذر (11) وعلي (12) وجابر بن سمرة وغيرهم وله ألفاظ كثيرة منها بلفظ الترجة أخرجه الترمذي وابن حبان عن أبي هريرة والطبراني في الأوسط عن عمير بن قتادة والحاكم عن أبي سعيد وأبو يعلى عن أنس وأن من أحبكم إلي أحسنكم خلقا أخرجه البخاري عن ابن عمرو وأن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا والطفهم بأهله أخرجه الترمذي والحاكم عن عائشة وأن أحسن الناس إسلاما أحسنهم خلقا رواه أحمد بإسناد جيد عن جابر بن سمرة وأفضل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا أخرجه الطبراني
في الكبير عن ابن عمرو وأفضل المؤمنين أحسنهم خلقا أخرجه ابن ماجه والحاكم بسند صحيح عن ابن عمر.
تحفة الأحوذي - (ج 6 / ص 410)
2537 - قَوْلُهُ : ( إِنَّ مِنْ أَكْمَلِ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا )
بِضَمِّ اللَّامِ وَيُسَكَّنُ لِأَنَّ كَمَالَ الْإِيمَانِ يُوجِبُ حُسْنَ الْخُلُقِ وَالْإِحْسَانَ إِلَى كَافَّةِ الْإِنْسَانِ
( وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ )
أَيْ أَرْفَقُهُمْ وَأَبَرُّهُمْ بِنِسَائِهِ وَأَوْلَادِهِمْ وَأَقَارِبِهِ وَعِتْرَتِهِ . وَفِي الْحَدِيثِ : " أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كُلَّهُمْ لَيْسُوا سَوَاءً فِي الْإِيمَانِ بَلْ بَعْضُهُمْ أَكْمَلُ إِيمَانًا مِنْ بَعْضٍ " ، وَبِهِ مُطَابَقَةٌ لِحَدِيثِ الْبَابِ .
قَوْلُهُ : ( وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ )
أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مُخْتَصَرًا ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي صِفَةِ جَهَنَّمَ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الشَّيْخَانِ .
قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ .
قَوْلُهُ : ( كَانَ وَاللَّهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ ذَوِي الْأَلْبَابِ )
، زَادَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ بَعْدَ هَذَا : مَا أَدْرَكْت بِهَذَا الْمِصْرِ رَجُلًا كَانَ أَعْلَمَ بِالْفُقَهَاءِ مِنْ أَبِي قِلَابَةَ .
دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين - (ج 5 / ص 89)
8628 ـ (وعنه قال: قال رسول الله : أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً) وقد تقدم حديث «البرّ حسن الخلق» فكلما كان العبد أحسن أخلاقاً كان أكمل إيماناً. وفيه دليل زيادة الإيمان ونقصانه (وخياركم) أي عند اللّه سبحانه (خياركم) أي في الظاهر (لنسائهم) وذلك بالبشاشة وطلاقة الوجه وكفّ الأذى وبذل الندى والصبر على إيذائها، فالتغاير بين المسند إليه والمسند حاصل (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح) وأورده في «الجامع الصغير» بلفظ «إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله» وقال: رواه الترمذي والحاكم في «مستدركه» عن عائشة، وقد تقدم الحديث مع شرحه في باب الوصية بالنساء.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 12 / ص 150)
حقوق الزوجة على الزوج
المجيب د. محمد بن عبد العزيز المبارك
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ عشرة النساء/حقوق الزوج على زوجته والزوجة على زوجها
التاريخ 26/10/1426هـ
السؤال
ما حقوق الزوجة على الزوج؟ وهل يجب عليّ توفير خادمة لزوجتي؟ وأحياناً تطلب مني أن أشتري لها بعض الأغراض وأرفض لغلائها، فما حكم ذلك؟ أرشدوني جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى
بهداه، وبعد:
فمن حق الزوجة على زوجها : أن ينفق عليها بالمعروف، فيوفر لها المسكن الصالح، الذي تصان فيه حرمة المرأة وكرامتها، واللباس الصالح الذي يصونها من الابتذال وأذى الحر والبرد، وتعتاده مثيلاتها من قريباتها، والطعام الصالح بالمعروف الذي يأكله الناس عادة من غير سرف ولا تقتير، وذلك في حدود قدرته المالية، قال الله تعالى: "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" [البقرة:286]، وقال سبحانه: "وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف" [البقرة:233].
كما أن من الواجبات المنوطة بالزوج: أن يعلِّم زوجه واجباتها الدينية، ويرشدها إلى ما تحتاج إلى معرفته من دين أو خلق كريم.. فقد جعل الله وقاية الزوجة من النار أمانة في عنق الزوج، فقال سبحانه وتعالى: "يأيها الذين آمنو قوا أنفسكم وأهليكم نارًا" [التحريم:6].
كما أن عليه أن يحافظ على عرض زوجه، فلا يعرضها للشبهة، ولا يتساهل معها في ذلك، لئلا يعرض سكن أسرته لألسنة السوء وطمع من في قلبه مرض، فإن التساهل في هذا قبيح، و لا يعد من مكارم الأخلاق، ولا من إكرام المرأة أو احترامها؛ لما يجره من شقاءٍ لها ولزوجها وأولادها، قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "أتعجبون من غيرة سعد، لأنا أغير منه، والله أغير مني". رواه البخاري (6846)، ومسلم (1499).
وعلى الزوج الصالح أن يحسن خلقه مع زوجه فيكلمها برفق، ويتجاوز عن بعض ما يصدر منها من هفوات وتقصير، ويقدم لها النصح بلين تبدو فيه المودة والرحمة والشفقة والحرص على سلامة عش الزوجية، لا بتسلط ونفور، فإن الله تعالى قال لنبيه، وهو النبي المرسل الواجب الاتباع: "بما رحمة من الله لنت لهم و لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم و استغفر لهم" [آل عمران:159]، وقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "إن خياركم أحاسنكم أخلاقاً". أخرجه البخاري (6035)، ومسلم (2321). وقال صلى الله عليه وسلم: "إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً". رواه الترمذي (2018). وفي رواية أخرى: "إن أحبكم إليّ أحاسنكم أخلاقاً، الموطؤون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون" رواه الطبراني في الأوسط والصغير، وانظر صحيح الترغيب والترهيب (2658).
فإذا كان حسن الخلق مع الناس كلهم أمراً مطلوباً من قبل الشرع، وهو دليل القرب من الله تعالى، فكيف بحسن الخلق مع الزوجة، وهي ألصق الناس بزوجها، وأشدهم حاجة إلى مودته وحسن معاملته، فلا مانع من أن ينبسط الزوج مع زوجه في البيت، ويستمتع بحديثها، ويمازحها ويداعبها تطييباً لقلبها، وإيناساً لها في وحدتها، وإشعاراً لها بمكانتها من قلبه، فقد قال نبينا وحبيبنا صلى الله عليه وآله وسلم "إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله".
وفق الله السائل لما يحبه ويرضاه، وأصلح له زوجه وولده ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 18 / ص 150)
أنقذوني من جحيم زوجي
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية -سابقا-ً
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/ المشكلات الزوجية/سوء العشرة
التاريخ 03/04/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا امرأة متزوجة منذ 9سنوات، ولديّ أولاد، كانت حياتي في بدايتها سعيدة، يتخللها المرح والاحترام المتبادل بين الزوجين، فزوجي شخص حنون وملتزم التزاماً حسناً، ويكثر من قراءة القرآن وحضور المحاضرات، -هذا ما علقني به أول الأمر-، وبعد سنتين من الزواج بدأ زوجي -مع التزامه- عند حدوث أي مشكلة يستخدم الكلمات البذيئة، ثم بعدها بفترة استخدم الضرب، سواء بيده أو بأي شيء معه ما عدا الحديد، ومع سكوتي وسرعة رضائي عنه أصبح يتمادى في ضربي في أي مكان من جسمي، وأنا مهما تكن حالتي أثناء المشكلة لا أحب أن أخبر أحداً من أهلي بذلك، ولا أحب تصعيدها؛ لأني أحس أنها مشكلة عائلية خاصة جداً جداً.
وقد مرت فترة 4 أشهر تقريباً عاهد فيها نفسه ألا يضربني؛ بحجة أنه لا يريد الاحتكاك معي، وأنه سوف يتجاهلني، وأنا أحس أنه في تلك الفترة قد حس بالذنب، ولكن لا يفصح، فرجع بعدها أشد من ذي قبل، فأصبح -تقريباً- في الأسبوع مرة أو مرتين يضربني، حتى بدأت معالم في جسمي جراء الضرب المبرح أخفيها عن الناس، وكلٌّ يسألني عن هذه الآثار التي في يدي ورجلي؟ وقد تحدث لي -كامرأة- بعض المضاعفات الداخلية من أثر الضرب على الظهر وعلى البطن، لأنه يتهور إذا بدأ يضرب، وقد أدافع أنا بدفع يده أو إبعاده بقدمي، لكن لا تقارن قوتي بقوته كرجل، ويقول لي: في القرآن كلمة (واضربوهن).
أنصحوني ماذا أفعل في حياتي الزوجية الخالية من أي معالم الكرامة؟ فأنا أحس باليأس منها، ولا أريد إفسادها، وماذا أفعل لإصلاحها، وهل يمكن ذلك؟.
الجواب
الابنة الصابرة وفقها الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فلقد سببت لي رسالتك -أيتها الصابرة- ألماً نفسياً شديداً بسبب هذه المعاناة التي صورتها كلماتك، وزاد ألمي وصفك لهذا الزوج بالالتزام، وقراءة القرآن، وحضور المحاضرات.
وأصارحك بأني لا أبرئك من خطأ يستثير زوجك، ويكون سبباً في قسوته وعدوانه، وأن عليك تفقد نفسك أن تكوني سبباً للإثارة، ولكني أعلم يقيناً أن الأخطاء لا تعالج بهذا العدوان، وأن خطأ الزوج الذي يتعامل بهذه القسوة أكبر من خطأ الزوجة، وأن هذا التعامل القاسي لا يصح صدوره من مسلم يخشى الله ويتقيه.
فأين هو -هداه الله- إذًا من قول الله -عز وجل-: "وعاشروهن بالمعروف" [النساء: 19].
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة" أخرجه أحمد (9666)، وابن ماجه (3678). وقوله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله" أخرجه مسلم (1218).
أين هو -هداه الله- من شهامة الرجل الذي ينظر للمرأة على أنها محل الرعاية والحماية والعطف، وليس على أنها ميدان لاستعراض القوة، وإظهار البطولات، وتحقيق الانتصارات، ولذا قالت العرب: "لا يكرمهن إلا كريم ولا يهينهن إلا لئيم، يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام".
أي بنيتي: إني أرى أن عليك أن تجلسي إلى زوجك في ساعة صفاء؛ تبثين فيها إليه -بكثير من الهدوء والمنطق والعقل- معاناتك، وتتحدثين معه على أنه زوجك وأقرب الناس إليك، وأنك ما صبرت هذا الصبر إلا محبة للبقاء معه، وكرهاً للبعد عنه.
حدثيه وهو المسلم الملتزم كما وصفتِه:
بأن الإسلام أسس لتعامل أسري رائع، وحياة دافئة ناعمة، بعيدة عن التوتر والخشونة؛ ليتحقق الإشباع العاطفي والاستقرار الأسري والصحة النفسية العالية لجميع أفراد الأسرة.
فللزوجة الحب وحسن المعاملة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "حتى اللقمة التي ترفعها إلى في امرأتك" صحيح البخاري (2742)، وصحيح مسلم (1628). وقال -عليه الصلاة والسلام-: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله" أخرجه الترمذي (2612)، وغيره.
حدثيه: أن الشريعة جاءت أيضًا بإقامة العوازل ضد تصرفات القسوة والعنف.
فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول وهو يربي المجتمع لتخليصهم من أوضار الإرث الجاهلي: "لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يضاجعها في آخر اليوم" أخرجه البخاري (5204). ولينظر إلى المقارنة الرائعة التي تبين أن دفء الاحتضان الليلي لا يمكن أن يكون ثمرة لشراسة العنف النهاري.
وعندما اشتكى نساء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ضرب أزواجهن تفاعل -بأبي هو وأمي- مع هذه الشكاية، فقال: "إنه قد طاف بأبيات آل محمد نساء كثير كلهن يشتكين أزواجهن، أولئك ليسوا بخياركم" أخرجه النسائي في الكبرى (9176). وقد كان صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة في ذلك، فهو زوج لتسع نسوة، وأب لبنات وأحفاد، ومع ذلك ما ضرب -صلى الله عليه وسلم- بيده امرأة ولا خادمًا ولا أحدًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله.
بل كان صلى الله عليه وسلم هو الحماية والملاذ للزوجة، فقد مر أبو بكر -رضي الله عنه- ببيت عائشة، فسمع صوتها مرتفعًا، فاستأذن ودخل غاضبًا على ابنته، وهو يقول: ترفعين صوتك على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهمَّ أن يتناولها بيده، فلم يكن لها ملاذ إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي حماها منه، وخرج أبو بكر ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينظر إليها، ويقول: "كيف رأيتيني أنقذتك من الرجل" أخرجه أبو داود (4999)، وغيره.
حدثيه يا بنتي: أن العنف والقسوة في الأسرة سبب نضوب العاطفة، وبناء عوازل نفسية بين أفراد الأسرة ورب الأسرة، وأن هذا العنف يحول علاقة الحب إلى رعب، والتآلف إلى نفرة.
إن المرأة مهما كانت نبلاً ومثالية لن تعطي لزوجها وآثار عنفه على جسدها، ولن تبادله حبًا وعاطفة وآثار جراحاته النفسية غائرة في وجدانها، ولذا تقع هذه المرأة عرضة لأنواع الإصابات النفسية الشديدة التي تعوقها عن القيام بدورها زوجة وأماً.
ذكِّريه أن الأب والزوج القاسي لن يكون مصدرًا للتوجيه، ولا نموذجًا للقدوة، وصلوات الله على خير معلّم للناس الخير، حيث قال: "إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف" صحيح مسلم (2593). "إنها رحمة وإنما يرحم الله من عباده الرحماء" صحيح البخاري (1284)، صحيح مسلم (923).
ذكِّريه بأن استدلاله بقوله تعالى:"واضربوهن.." استدلال غير صحيح؛ لعدة أمور:
أولهما: أن الله ذكر الضرب بعد أدبين قبله، فهو غير مشروع إلا إذا لم يفد ما قبله، وهو قوله تعالى:"فعظوهن واهجروهن في المضاجع" [النساء: 34]، فالرجل يقدم الموعظة، فإذا لم تجدِ هجر هجراً جميلاً، فإذا لم يجدِ انتقل إلى الضرب، فالضرب هو الوصفة الأخيرة والنادرة، ولكن صاحبك -هداه الله- جعلها الوصفة الأولى والدائمة.
ثانيهما: أن الضرب المأذون به هو ما وصفه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "ضرباً غير مبرح" صحيح مسلم (1218). إنه ضرب توجيه وتأديب، لا ضرب قسوة، وتشفٍّ وانتقام، ضرب يشعر بالعتب ولا يتلذّذ بالألم، يستعمل فيه الرجل قوة شخصيته، وليس قوة جسمه.
فأين هذا وما تصفينه من ضرب هذا الزوج -هداه الله-.
ذكريه -بنيتي- وسائليه هل يرضى بمثل هذه المعاملة لأخته أو ابنته؟ وهل ستغمض له عين لو علم أنها تلاقي مثل ما تلاقينه؟
ذكِّريه أن قوته عليك فوقها قوة الله الذي وهبه قوته، وقد يسلبها منه في أي لحظة، أو يسلِّط عليه من هو أقوى منه، وأن الله -عز وجل- يملي للظالم ثم يأخذه بعزته وقهره "ولا تحسبن الله غافلاً عمّا يعمل الظالمون" [إبراهيم: 42]، "دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب -عز وجل-: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين" أخرجه أحمد (9743).
حدثيه بهذا ومثله، فإن كان ممن يخشى الله، فقد قال الله: "سيذكر من يخشى" [الأعلى: 10]. وتكونين قد أديت واجبك نصحاً وتفاهماًَ.
ثالثهما: أحذرك من الخضوع والخنوع لهذا الوضع المهين، وعليك بالمحافظة على حقوقك، وليس السكوت والاحتمال هو الحل دائماً.
ولذا فإذا حصل أن كرر مثل هذا التصرف فإن عليك الاستعانة بأهلك، ووضعهم في الصورة، واستخراج تقرير عاجل عن الحالة من المستشفى، ثم التقدم بشكاية فورية للمحكمة.
واعلمي -يا ابنتي- أن المحاكم لم توضع إلا لحماية الحقوق، وردع من لا يرتدع إلا بقوة الحق.
أي بنيتي، إني أخشى أن يكون زوجك -هداه الله- مأزوماً بأزمة نفسية، ويجعلك محطة تفريغ انفعالاته المريضة، ولذا فإن المواجهة توقف هذا النوع عند حده، وتشعره أن التمادي بلا حدود لا يمكن استمراره.
فإن توقف وارتدع فالحمد لله، ولعلها تكون نهاية المعاناة، وأن يؤلف الله بينكما بحياة مستقرة هانئة.
وإن أدى ذلك إلى أن يطلقك ويذهب عنك، فلا أظنك ستخسرين ما يؤسف عليه، وسيغني الله كلاً من سعته، وكان الله واسعاً حكيماً.
أعانك الله، ويسر أمرك، وفرج همك، ونفس كربك، والسلام عليك.(1/127)
رَفْعُ الْمَرْأَةِ صَوْتَهَا عَلَى زَوْجِهَا
257-7913 أَخْبَرَنِي عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ يَعْنِي الْعَنْقَزِيَّ قَالَ : أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَيْزَارِ بْنِ حُرَيْثٍ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَ صَوْتَ عَائِشَةَ عَالِيًا ، وَهِيَ تَقُولُ : " وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ عَلِيًّا أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ أَبِي فَأَهْوَى إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ لِيَلْطِمَهَا وَقَالَ : يَا ابْنَةَ فُلَانَةَ أَرَاكِ تَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَمْسَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُغْضَبًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا عَائِشَةُ كَيْفَ رَأَيْتِنِي أَنْقَذْتُكِ مِنَ الرَّجُلِ ؟ ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدِ اصْطَلَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَائِشَةُ فَقَالَ : " أَدْخِلَانِي فِي السِّلْمِ كَمَا أَدْخَلْتُمَانِي فِي الْحَرْبِ " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَدْ فَعَلْنَا "(1)
__________
(1) - صحيح(1/128)
غَضَبُ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا
258-7914 أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ وَهُوَ ابْنُ مُسْهِرٍ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى " قُلْتُ : بِمَ تَعْلَمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : " إِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى فَحَلَفْتِ " قُلْتِ : كَلَّا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ ، وَإِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً قُلْتِ : كَلَّا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ قُلْتُ : " صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَهَجَرُ إِلَّا اسْمَكَ " (1)
------------
(1) - البخاري برقم(5228 ) ومسلم برقم( 6438 )
فتح الباري لابن حجر - (ج 15 / ص 35)
4827 - قَوْله ( حَدَّثَنَا عُبَيْد )
فِي رِوَايَة أَبِي ذَرّ " حَدَّثَنِي " بِالْإِفْرَادِ .
قَوْله ( إِنِّي لَأَعْلَم إِذَا كُنْت عَنِّي رَاضِيَة إِلَخْ )
يُؤْخَذ مِنْهُ اِسْتِقْرَاء الرَّجُل حَال الْمَرْأَة مِنْ فِعْلهَا وَقَوْلهَا فِيمَا يَتَعَلَّق بِالْمَيْلِ إِلَيْهِ وَعَدَمه ، وَالْحُكْم بِمَا تَقْتَضِيه الْقَرَائِن فِي ذَلِكَ ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَزَمَ بِرِضَا عَائِشَة وَغَضَبهَا بِمُجَرَّدِ ذِكْرهَا لِاسْمِهِ وَسُكُوتهَا ، فَبَنَى عَلَى تَغَيُّر الْحَالَتَيْنِ مِنْ الذِّكْر وَالسُّكُوت تَغَيُّر الْحَالَتَيْنِ مِنْ الرِّضَا وَالْغَضَب ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون اِنْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ شَيْء آخَر أَصْرَح مِنْهُ لَكِنْ لَمْ يُنْقَل وَقَوْل عَائِشَة " أَجَل يَا رَسُول اللَّه مَا أَهْجُر إِلَّا اِسْمك " قَالَ الطِّيبِيُّ : هَذَا الْحَصْر لَطِيف جِدًّا لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ فِي حَال الْغَضَب الَّذِي يَسْلُب الْعَاقِل اِخْتِيَاره لَا تَتَغَيَّر عَنْ الْمَحَبَّة الْمُسْتَقِرَّة فَهُوَ كَمَا قِيلَ : إِنِّي لِأَمْنَحك الصُّدُود وَإِنَّنِي قَسَمًا إِلَيْك مَعَ الصُّدُود لَأَمْيَل
وَقَالَ اِبْن الْمُنَيِّر : مُرَادهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَتْرُك التَّسْمِيَة اللَّفْظِيَّة وَلَا يَتْرُك قَلْبهَا التَّعَلُّق بِذَاتِهِ الْكَرِيمَة مَوَدَّة وَمَحَبَّة ا ه . وَفِي اِخْتِيَار عَائِشَة ذِكْر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام دُون غَيْره مِنْ الْأَنْبِيَاء دَلَالَة عَلَى مَزِيد فِطْنَتهَا ، لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى النَّاس بِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْقُرْآن ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهَا بُدّ مِنْ هَجْر الِاسْم الشَّرِيف أَبْدَلَتْهُ بِمَنْ هُوَ مِنْهُ بِسَبِيلٍ حَتَّى لَا تَخْرُج عَنْ دَائِرَة التَّعَلُّق فِي الْجُمْلَة . وَقَالَ الْمُهَلَّب : يُسْتَدَلّ بِقَوْلِ عَائِشَة عَلَى أَنَّ الِاسْم غَيْر الْمُسَمَّى إِذْ لَوْ كَانَ الِاسْم عَيْن الْمُسَمَّى لَكَانَتْ بِهَجْرِهِ تَهْجُر ذَاته وَلَيْسَ كَذَلِكَ . ثُمَّ أَطَالَ فِي تَقْرِير هَذِهِ الْمَسْأَلَة وَمَحَلّ الْبَحْث فِيهَا كِتَاب التَّوْحِيد حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّف ، أَعَانَ اللَّه تَعَالَى عَلَى الْوُصُول إِلَى ذَلِكَ بِحَوْلِهِ وَقُوَّته .
شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 188)
4469 - قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَة : ( إِنِّي لَأَعْلَم إِذَا كُنْت عَنِّي رَاضِيَة ، وَإِذَا كُنْت عَلَيَّ غَضْبَى إِلَى قَوْلهَا : يَا رَسُول اللَّه مَا أَهْجُرُ إِلَّا اِسْمك )
قَالَ الْقَاضِي : مُغَاضَبَة عَائِشَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ مِمَّا سَبَقَ مِنْ الْغَيْرَةِ الَّتِي عُفِيَ عَنْهَا لِلنِّسَاءِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَام كَمَا سَبَقَ لِعَدَمِ اِنْفِكَاكِهِنَّ مِنْهَا حَتَّى قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاء الْمَدِينَة : يَسْقُطُ عَنْهَا الْحَدُّ إِذَا قَذَفَتْ زَوْجهَا بِالْفَاحِشَةِ عَلَى جِهَةِ الْغَيْرَةِ . قَالَ : وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " مَا تَدْرِي الْغَيْرَاء أَعْلَى الْوَادِي مِنْ أَسْفَله " ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ عَلَى عَائِشَة فِي ذَلِكَ مِنْ الْحَرَجِ مَا فِيهِ ، لِأَنَّ الْغَضَب عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهَجْره كَبِيرَة عَظِيمَة ، وَلِهَذَا قَالَتْ : لَا أَهْجُرُ إِلَّا اِسْمك ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَلْبَهَا وَحُبَّهَا كَمَا كَانَ ، وَإِنَّمَا الْغَيْرَة فِي النِّسَاء لِفَرْطِ الْمَحَبَّة قَالَ الْقَاضِي : وَاسْتَدَلَّ بَعْضهمْ بِهَذَا أَنَّ الِاسْم غَيْر الْمُسَمَّى فِي الْمَخْلُوقِينَ ، وَأَمَّا فِي حَقّ اللَّه تَعَالَى فَالِاسْم هُوَ الْمُسَمَّى . قَالَ الْقَاضِي : وَهَذَا كَلَام مَنْ لَا تَحْقِيقَ عِنْده مِنْ مَعْنَى الْمَسْأَلَة لُغَةً وَلَا نَظَرًا ، وَلَا شَكّ عِنْد الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الِاسْم هُوَ الْمُسَمَّى مِنْ أَهْل السُّنَّة ، وَجَمَاهِير أَئِمَّة اللُّغَة ، أَوْ مُخَالِفِيهِمْ مِنْ الْمُعْتَزِلَة ، أَنَّ الِاسْم قَدْ يَقَعُ أَحْيَانًا وَالْمُرَاد بِهِ التَّسْمِيَة حَيْثُ كَانَ فِي خَالِقٍ أَوْ مَخْلُوقٍ . فَفِي حَقّ الْخَالِق تَسْمِيَة الْمَخْلُوق لَهُ بِاسْمِهِ ، وَفِعْل الْمَخْلُوق ذَلِكَ بِعِبَارَاتِهِ الْمَخْلُوقَة . وَأَمَّا أَسْمَاؤُهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى الَّتِي سَمَّى بِهَا نَفْسه فَقَدِيمَةٌ ، كَمَا أَنَّ ذَاته وَصِفَاته قَدِيمَة ، وَكَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ لَفْظَة الِاسْم إِذَا تَكَلَّمَ بِهَا الْمَخْلُوق فَتِلْكَ اللَّفْظَة وَالْحُرُوف وَالْأَصْوَات الْمُقَطَّعَة الْمُنْفَهِم مِنْهَا الِاسْم أَنَّهَا غَيْر الذَّات ، بَلْ هِيَ التَّسْمِيَة ، وَإِنَّمَا الِاسْم الَّذِي هُوَ الذَّات مَا يُفْهَمُ مِنْهُ مِنْ خَالِقٍ وَمَخْلُوقٍ . هَذَا آخِرُ كَلَام الْقَاضِي .
عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 21 / ص 509)
157 - ( حدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت قال لي رسول الله إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي غضبى قالت فقلت من أين تعرف ذلك فقال أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين لا ورب محمد وإذا كنت علي غضبى قلت لا ورب إبراهيم قالت قلت أجل والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك )
مطابقته للشطر الثاني من الترجمة وعبيد بن إسماعيل الهباري القرشي الكوفي واسمه في الأصل عبد الله وأبو أسامة حماد ابن أسامة يروي عن هشام عن أبيه عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله تعالى عنها والحديث أخرجه مسلم في فضل عائشة عن أبي كريب عن أسامة قوله حدثنا عبيد وفي رواية أبي ذر حدثني بالإفراد قوله إني لأعلم إلى آخره فيه أنه يعلم أن المرأة هل هي راضية على زوجها أو غضبى عليها بحالها من فعلها وقولها قوله ورب إبراهيم إنما ذكرت إبراهيم دون غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولأنه أولى الناس به كما نص عليه القرآن وفيه دلالة على فطنة عائشة وقوة ذكائها قوله أجل أي نعم قوله ما أهجر إلا اسمك قال الطيبي رحمه الله هذا الحصر في غاية من اللطف لأنها أخبرت إذا كانت في غاية الغضب الذي يسلب العاقل اختياره لا يغيرها عن كمال المحبة المستغرقة ظاهرها وباطنها الممتزجة بروحها وإنما عبرت عن الترك بالهجران لتدل به على أنها تتألم من هذا الترك الذي لا اختيار لها فيه قال الشاعر
إني لأمنحك الصدود وإنني قسما إليك مع الصدود لأميل
وقال المهلب قولها ما أهجر إلا اسمك يدل على أن الاسم من المخلوقين غير المسمى ولو كان عين المسمى وهجرت اسمه لهجرته بعينه ويدل على ذلك أن من قال أكلت اسم العسل لا يفهم منه أنه أكل العسل وإذا قلت لقيت اسم زيد لا يدل على أنه لقي زيدا وإنما الاسم هو المسمى في الله عز وجل وحده لا فيما سواه من المخلوقين لمباينته عز وجل وأسمائه وصفاته حكم أسماء المخلوقين وصفاتهم انتهى والتحقيق في هذه المسألة أن قولهم الاسم هو المسمى على معان ثلاثة الأول ما يجري مجرى المجاز والثاني ما يجري مجرى الحقيقة والثالث ما يجري مجرى المعنى فالأول نحو قولك رأيت جملا يتصور من هذا الاسم في نفس السامع ما يتصور من المسمى الواقع تحته لو شاهده فلما ناب الاسم من هذا الوجه مناب المسمى في التصور وكان التصور في كل واحد منهما شيئا واحدا صح أن يقال أن الاسم هو المسمى على ضرب من التأويل وإن كنا لا نشك في أن العبارة غير المعبر عنه والثاني أكثر ما يتبين في الأسماء التي تشتق للمسمى من معان موجودة فيه قائمة به كقولنا لمن وجدت منه الحياة حي ولمن وجدت منه الحركة متحرك فالاسم في هذا النوع لازم للمسمى يرتفع بارتفاعه ويوجد بوجوده الثالث العرب تذهب بالاسم إلى المعنى الواقع تحت التسمية فيقولون هذا مسمى زيد أي اسم هذا المسمى بهذه اللفظة التي هي الزاي والياء والدال ويقولون في المعنى هذا اسم زيد فيجعلون الاسم والمسمى في هذا الباب مترادفين على المعنى الواقع تحت التسمية كما جعلوا الاسم والتسمية مترادفين على العبارة
شرح ابن بطال - (ج 13 / ص 354)
وفيه الصبر على النساء وعلى ما يبدو منهن من الجفاء والحرج عند الغيرة لما جبلن عليه منها، وأنهن لا تملكنها، فعفى عن عقوبتهن على ذلك وعذرهن الله فيه.
قال المهلب: وقولها: ما أهجر إلا اسمك، يدل على أن الاسم فى المخلوقين غير المسمى، ولو كان المسمى وهجرت اسمه لهجرته بعينه، ويدل على ذلك أن من قال: أكلت اسم العسل، واسم الخبز، فإنه لا يفهم أنه أكل الخبز والعسل، وكذلك إذا قال: لقيت اسم زيد، لا يفهم منه أنه لقى زيدًا، ويبين ذلك ما نشاهده من تبديل أسماء المملوكين وتبديل كنى الأحرار ولا تتبدل الأشخاص مع ذلك.
قال المهلب: وإنما يصح عند تحقيق النظر أن يكون الاسم هو المسمى فى الله تعالى وحده لا فيما سواه من المخلوقين، لمباينته تعالى فى أسمائه وصفاته حكم أسماء المخلوقين وصفاتهم.
فإن قيل: فإذا كان الاسم غير المسمى فى المخلوقين، فيلزم كذلك فى البارى تعالى، قيل: هذا غير لازم؛ لأن طرق العلم بالشىء إنما يؤخذ من جهة الاستدلال عليه بمثله وشبهه، أو من حكم ضده، وعلمنا يقينًا أن الله تعالى لا شبه له بقوله: {ليس كمثله شىء} [الشورى: 11]، وبقوله: {ولم يكن له كفوًا أحد} [الإخلاص: 3]، فثبت بذلك أنه لا ضد له؛ لأن حكم الضد إنما يعلم من حكم ضده، فلما لم يكن لله شبه ولا ضد يستدل على اسمه إذا كان غير المسمى، لم يجز لنا أن نقول بذلك فى الله تعالى؛ لإجماع أهل السنة على أن صفات الله تعالى لا تشبه صفات المخلوقين من قبل أن الشيئين لا يشتبهان باتفاق أسمائهما، وإنما يشتبهان بأنفسهما، ولما كانت نفس البارى سبحانه وتعالى غير مشبهة لشىء من العالم، كانت كذلك صفاته وأسماؤه، ألا ترى وصف البارى تعالى بأنه موجود ووصف الإنسان بذلك لا يوجب تشابهًا بينهما، وإن كانا قد اتفق فى حقيقة الوجود، هذا قول مجاهد.
وسيأتى فى كتاب الرد على الجهمية، وهو الجزء الثانى من الاعتصام فى آخر هذا الديوان فى باب السؤال بأسماء الله والاستعاذة بها تبيين مذاهب أهل السنة أن اسم الله عز وجل هو المسمى، فهو موضع ذكره إن شاء الله، وسأذكر فى كتاب الأدب فى باب حسن العهد من الإيمان تفسير الفضل المذكور.
مقالات عن المرأة - (ج 44 / ص 11)
الحوار الثالث والرابع: بين الزوج وزوجته، وبين الأب وابنته:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا على الأنصار، إذا قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذون من أدب نساء الأنصار، فصخبت على امرأتي فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني... قالت : ولم تنكر أن أراجعك؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل. فأفزعني ذلك فقلت لها: قد خاب من فعل ذلك منهن. ثم جمعت علي ثيابي، فنزلت فدخلت على حفصة فقلت لها: أي حفصة، أتغاضب إحداكن النبي صلى الله عليه وسلم اليوم حتى الليل؟
قالت: نعم، فقلت: قد خبت وخسرت، أفتأمنين أن يغضب الله لغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتهلكي؟ لا تستكثري النبي صلى الله عليه وسلم ولا تراجعيه في شئ ولا تهجريه، وسليني ما بدا لك ، ولا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم - يريد عائشة".
وهذا الحوار فيه فوائد ودروس عدة ومنها:
أولاً: قوله: "كنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم" . فبين عمر رضي الله عنه أن معشر قريش أشد وطأة على النساء من معشر الأنصار، حيث الحكم الأول والأخير في معشر قريش للرجال، فلا مجال فيه للمرأة أن تدلي بدلوها، أما الأنصار فللنساء عندهم مجال كبير في إبداء الرأي بل ربما تأثر الرجال برأي زوجاتهم، قال الإمام ابن حجر رحمه الله تعالى: "أي نحكم عليهن ولا يحكمن علينا، بخلاف الأنصار فكانوا بالعكس من ذلك".
ثانياً: قوله رضي الله عنه: فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار".
وهذا فيه فائدة .. إن المرأة شديدة التأثر بمن حولها، ولذلك فالصحبة لها أثرها الكبير، فهي تترك بصماتها على الإنسان بوضوح حتى قال عليه أفضل الصلاة والسلام : "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم ممن يخالل".
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي
فعلى المؤمن أن يحذر صحبة السوء، ويحذر أهله؛ بل ويمنعهم من صحبة من لا خلاق له.
ثالثاً: قوله "فصخبت على امرأتي فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني قالت: ولم تنكر أن أراجعك؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه".
وجود المشكلات الأسرية أمر طبيعي لم يسلم منه أحد حتى أفضل القرون مع تفاوت هذه المشكلات في الحجم والتأثير والنوع.
رابعاً: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأخذ بسيرة قومه في شدة الوطأة على النساء وعدم فتح الباب لهن بالمراجعة ؛بل عليه الصلاة والسلام فتح لهن الباب ليدلين بآرائهن ويدافعن عن أنفسهن ويفصحن عما في صدورهن، وهذا من رحمته عليه أفضل الصلاة والسلام .. كيف لا وقد قال "استوصوا بالنساء خيراً" , وقال: "خيركم خيركم لأهله".
خامساً: الهجر بين الزوجين "إن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل".
(أ )ينبغي أن لا يكون الهجر مجحفاً ؛بل بالقدر المشروع . ويكون لسان حال الزوج حين هجره زوجته، قول القائل:
إني لأمنحك الصدود وإنني
قسماً إليك مع الصدود لأميل
( ب ) قال عليه أفضل الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها: "إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبى، قالت : فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت علي غضبى قلت: لا ورب إبراهيم، فقالت عائشة: أجل، والله يارسول الله ما أهجر إلا اسمك". وهكذا ينبغي أن يكون الهجر بين الزوجين رفيقاً رقيقاً، القصد منه التأديب لا العقوبة.
(ج ) وإذا حصل الهجر بين الزوجين في الكلام فينبغي أن لا يكون أكثر من ثلاثة أيام لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال".
(واهجروهن في المضاجع. النساء )، الآية :34 فالهجر في المضاجع بمعنى أن الزوج ينام مع زوجته في الفراش ولكنه يدير ظهره عنها ويمتنع عن جماعها.. وهذا يعني أن الأولاد وبقية الأسرة لا يشعرون به ؛ لأن الغرض هو المعالجة لا التشهير وكشف الأسرار.
سادساً: قول عمر "فأفزعني ذلك فقلت لها: قد خاب من فعل ذلك منهن .. ثم جمعت علي ثيابي فنزلت فدخلت على حفصة".
** وهنا يبدأ الحوار الثاني بين الأب وابنته...
قلت لها: أي حفصة أتغاضب إحداكن النبي صلى الله عليه وسلم اليوم حتى الليل؟
وهذا فيه فائدة للرجال ؛ بل للناس جميعاً ، التثبت من الأخبار، وعدم الحكم في قضية حتى نتثبت من أخبار رواتها ؛ ولذلك لم يأخذ عمر رضي الله عنه قول امرأته مسلماً حتى تأكد منه ؛ ولذا ينبغي للزوج أن يتأكد من ادعاء زوجته على أمه، وكذا أن يتأكد من ادعاء أمه على زوجته، فكم من البيوت قد تفرقت وتشتت شملها بسبب كذب أم الزوج على زوجة ابنها، أو كذب الزوجة على أم زوجها ؛ ولذا ينبغي للرجل التثبت من الأخبار قبل الحكم في القضية.
سابعاً: قالت : نعم، فقلت: قد خبت وخسرت، أفتأمنين أن يغضب الله لغضب رسول الله فتهلكي؟
لا تستكثري منه: أي لا تطلبي منه الكثير.
ولا تراجعيه في شئ: أي لا تراوديه في الكلام ولا تردي عليه القول.
ولا تهجريه: أي ولو هجرك فلا تهجريه.
هكذا وعظ الأب ابنته من أجل إصلاحها لزوجها .. لم يحرضها على زوجها كما تفعل بعض الأمهات مع بناتهن، تأتي الزوجة بعد خلاف بسيط بينها وبين زوجها، فتنفخ الأم فيه حتى تضرم في صدر ابنتها ناراً تأكل الأخضر واليابس.
قال ابن حجر رحمه الله في التعليق على الحديث: "وفيه (أي من فوائد الحديث) تأديب الرجل لابنته وقرابته بالتقوى لأجل إصلاحها لزوجها".
ثامناً: الحذر من الغرور ببعض أمور الدنيا من مال أو جمال.. والحذر مما يجره ذلك من استعلاء على الزوج وترفع عليه.
"ولا يغرنك إن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم - يريد عائشة- "
فحذرها رضي الله عنهما وأرضاهما من الغرور بمن حولها حتى لا تقع في المحذور.
الحوار الخامس والسادس: بين زوج وزوجته وبين الزوج وأم زوجته(حماته):
قال الزوج لصاحبه: من عشرين عاماً لم أر ما يغضبني من أهلي.
فقال صاحبه متعجباً: وكيف ذلك.
قال الزوج: من أول ليلة دخلت على امرأتي، قمت إليها فمددت يدي نحوها.
فقالت: على رسلك يا ابا أمية .. كما أنت، ثم قالت: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ... إني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك فبين لي ما تحب فأتيه، وما تكره فأتركه.
ثم قالت: أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولك.
قال الزوج لصاحبه: فأحوجتني والله إلى الخطبة في ذلك الموضع.
فقلت: الحمد لله وأصلي على النبي وآله وأسلم.
وبعد: فإنك قلت كلاماً إن ثبت عليه يكن ذلك حظك، وإن تدعيه يكن حجة عليك .. أحب كذا وكذا، وأكره كذا وكذا.. ومارأيت من حسنة فانشريها، وما رأيت من سيئة فاستريها.
فقالت : كيف محبتك لزيارة أهلي؟
قلت: ما أحب أن يملني أصهاري... (يعني لا يريدها تكثر من الزيارة) ..
فقالت: فمن تحب من جيرانك أن يدخل دارك فآذن له؟ ومن تكره فأكره؟
قلت: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء...
قال الزوج لصاحبه: فبت معها بأنعم ليلة، وعشت معها حولاً لا أرى إلا ما أحب.. فلما كان رأس الحول .. جئت من عملي .. وإذا بأم الزوجة في بيتي..
** وهنا يبدأ الحوار بين الزوج وحماته..
فقالت (أم الزوجة) لي : كيف رأيت زوجتك؟
قلت: خير زوجة ....
قالت: يا أبا أمية.. والله ما حاز الرجال في بيوتهم شراً من المرأة المدللة فأدب ما شئت أن تؤدب، وهذب ما شئت أن تهذب..
قال الزوج: فمكثت معي عشرين عاماً لم أعتب عليها في شئ إلا مرة وكنت لها ظالماً.
والحواران فيهما فوائد عدة:
أولاً : التكنية عند النداء "فالزوجة قالت لزوجها على رسلك يا ابا أمية".
وهكذا ينبغي للمرأة أن تهتم بتكنية زوجها في النداء، سواء للتوقير أو للتدليل حسب ما يناسب المكان والزمان من الأسماء والصفات .. وكذلك ينبغي للرجل أن يفعل مع زوجته. فقد كان صلى الله عليه وسلم ينادي عائشة فيقول : "يا حميراء، أتحبين أن تنظري إليهم".
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يا عائش، هذا جبريل يقرئك السلام".
ثانياً: فقه هذه المرأة .. فقد علمت أهم الأسس التي تقوم عليها السعادة الزوجية، وهي:
الإيمان بالله عز وجل وحسن الاتصال به، وهذا واضح من بدئها بالحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله.
طاعتها لزوجها، وهذا جلي في خطابها له، وحرصها على موافقة زوجها فيما يحب ويرضى في طاعة الله.
معرفة الزوج، إذ كثير من النساء لا يعرفن أزواجهن معرفة تمكنهن من التسلل إلى قلوبهم، والذي يقرأ ويسمع حالات الطلاق يجد عبارة تتكرر كثيراً من المرأة والرجل على السواء "لم يفهمني ولم أفهمه".
ثالثاً: الاستمرار في حسن العشرة .. قال الزوج: "فإنك قلت كلاماً إن ثبت عليه يكن ذلك حظك وإن تدعيه يكن حجة عليك".
ليؤكد لها أن حسن العشرة تحتاج منها إلى ثبات .. ليس في الشهر الأول فقط.
رابعاً: ستر العيوب .. كان مما أشار إليه الزوج " ما رأيت من حسنة فانشريها، وما رأيت من سيئة فاستريها".
وستر العيوب من صفات المرأة الصالحة ؛ ولذا فسر بعض العلماء قول الله تعالى: حافظات للغيب بما حفظ الله. النساء، الآية :34 .
أي: اللاتي لا يكشفن أسرار أزواجهن.
يقول عليه أفضل الصلاة والسلام: "إن من شر الناس عند الله يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر أحدهما سر صاحبه".
وإبراهيم عليه السلام أمر ابنه إسماعيل عليه السلام بطلاق زوجته، وذلك لعدم سترها لعيوب البيت، حيث إنه عندما مر بها وقال كيف أنت؟ قالت: بشر، نحن بكذا وكذا، وما تركت صفة من صفات الشر إلا وذكرتها..
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 18 / ص 237)
أنا وزوجتي مشاكلنا كثيرة
المجيب سليمان بن سعد الخضير
مشرف مناهج بوزارة التربية والتعليم.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/ المشكلات الزوجية/المشكلات العاطفية
التاريخ 8/3/1425هـ
السؤال
شيخنا الفاضل: أنا وزوجتي نكن لبعضنا الحب العظيم، ونعرف ذلك في أوقات صفائنا، لكن ما يكدر علينا حياتنا هي مشاكلنا الكثيرة التي لا حصر لها، فلأتفه الأسباب نثور ونتلفظ على بعضنا وندعي على بعضنا كالحاقدين حتى نصل لمرحلة لا تطاق تطلب بعدها زوجتي الطلاق، لكننا نتراجع ونضع شروطاً ومواثيق يلتزم بها كلانا، لكن لا تلبث أن تعود المشاكل، فنحن متزوجان منذ 7 سنين، ولدينا أولاد والحمد لله، أرجو نصحي وتوجيهي.
الجواب
الخلاف بين الزوجين الذي يصل أحياناً إلى حد التغاضب أمر شائع قلما يخلو منه بيت، حتى أكثر البيوت استقراراً، ومردّ ذلك إلى أن جنس الاختلاف في وجهات النظر وتباين الأمزجة لصيق بجنس الإنسان، فإذا صاحبه شيء من الحدة وتعكر المزاج تحول إلى غضب وشقاق.
وفي حديث سهل بن سعد الساعدي في الصحيحين البخاري (441) ومسلم (2409)، أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لما سأل فاطمة عن زوجها علي - رضي الله عنهما- قالت: "كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج"، فسعى - صلى الله عليه وسلم- إلى تطييب خاطر علي دون أن يستفصل أو يحدث بينهما شيء من هذا القبيل، كما أن (بيت النبوة) الذي يمثل أعلى درجات الاقتداء ربما حدث فيه شيء من ذلك ومن أحب الناس إليه، ففي الصحيحين البخاري (5228)، ومسلم (2439) عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبى، قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى قلت: لا ورب إبراهيم..." الحديث.
فالمقصود أن جنس الخلاف وربما المغاضبة ليست مشكلة في حد ذاتها، لكن المشكلة تتجلى في صورتين كبيرتين، تندرج ضمنهما عشرات الأمثلة الصغيرة:
(1) أن تتكرر المغاضبة حتى تغلب على حياة الزوجين، فيتسلل إليها برود العاطفة ثم يسود الجفاء بينهما، حتى يتكدر العيش.
(2) أن تصل المغاضبة بهما إلى حد مكروه من السباب والإهانة التي يترفع المسلم عنها أو القطيعة والظلم، والدعاء بالإثم الذي قد يوافق الإجابة.
والحقيقة أننا لا نستطيع أن نفصل بين الخلاف وعموم سير الحياة الزوجية، بل الحياة الاجتماعية بشكل عام، وعليه فإن أية مشكلة (الخلاف الزوجي أو غيره من مسائل العبادات أو المعاملات) التي يجدر بنا أن نسعى لحلها، ينبغي أن لا نقتصر على الحل إذا ما وجدناه؛ لأن غالب الحلول أشبه ما تكون بالترميم أو الترقيع، وفي كثير من الأحوال تحل المشكلة وتبقى جذورها وأسبابها.
وعليه، فالشجار بين الزوجين -إذا كثر- فإنه يشعر بأن المشكلة في تركيبة شخصية الزوجين أو أحدهما، فإذا كان أحدهما سريع الانفعال، أو متقلب المزاج أو يتعرض لضغوط نفسية فرضتها طبيعة عمله أو علاقاته الاجتماعية، أو قلق يتعلق بالمال، فالأولوية لعلاج الطبيعة غير السوية وتعويدها السلوك الصحيح، فإن أي تحسن يطرأ على جانب من جوانب الشخصية ينعكس بصورة ما، على حاله وسلوكه بشكل عام، وهذا واحد من المجاهدات التي نرجو أن يثيب الله عليها، والذي يمكن قوله في حدود ما كشف السؤال عنه، أن على الزوجين أن يتعاونا على منع أسباب الخلاف أصلاً، وبخاصة إذا غلب على ظنهما أنه من الصعب أن يضبطا انفعالهما حينئذ، وذلك من خلال مراعاة جملة أمور، منها:
(1) أن تقدر الأمور بقدرها، فإن مما يؤتي المغاضب من قبله هو عدم تقديره للأمور ووضعها في نصابها، وكثيراً ما تضخم أمور استجابة لتكدر المزاج غالبا وزنها الحقيقي دون ذلك بكثير، فكلمة خرجت لم تضبط أو أريد بها المزاح، أو عمل لم يتم على الوجه المطلوب أو في الوقت المحدد، أو رأي لم يرق للآخر، كل ذلك إذا وافق نفسية مستاءة أو مزاجاً متعكراً يصبح قنبلة ضحيتها الزوجان على الأقل.
(2) أن يغلب المسلم على حاله الأريحية وانشراح الصدر، ويقلل من تجهم الوجه، ويكثر من التبسم، فإن التبسم زيادة على ما فيه من الأجر، أظهرت التجارب أنه سبب لإنتاج (هرمونات) تسهم في الاستقرار النفسي والإحساس بالسعادة.
(3) أن يعتني الزوجان بالثقافة الأسرية، ويطالعا ما يكتب في هذا الشأن، رغبة في توظيفه في حياتهما، وفي الساحة مجلات محافظة ذات عناية بهذه الموضوعات، فضلاً عن الكتب والأشرطة، وكم سيكون لطيفاً إذا أعان زوج زوجته على هذه الثقافة وأعانت زوجة زوجها على ذلك.
(4) الإفادة من أوقات الاستقرار والصفاء في تعميق العلاقة الزوجية، وكسر الرتابة التي قد توفر فرص الخلاف، وعادة الناس ليست واحدة في التعبير عن مشاعر المودة بين الزوجين، ولكن على كل زوج أن يتحسس ما يحبه زوجه مما أباحه الله، فيباشره ويحتسب الأجر في ذلك عند الله.
وإذا ما حدث الخلاف فليكن خلافاً ناجحاً! أعني أن يستوفي آداباً يرقى به الزوجان إلى مصاف العقلاء، ومن ذلك:
(1) يتعين على الزوجين أو أحدهما أن يمسكا عن تأجيج الخصام الذي اتقدت شرارته، فيبدأ بالاستعاذة بالله من الشيطان، فإن الغضب مطيته لتحقيق أسوأ مراميه وهو التفريق بين الزوجين، وعليهما أن ينصرفا إلى ما يهمهما فيتوقف عن الجدال، وبخاصة ذلك النوع الذي لا يعدو أن يكون ترامياً بالمسؤوليات وتراشقاً بالتهم.
(2) أن لا يجر الخلاف إلى استدعاء خلافات سابقة عفا عليها الزمن، فيزج بها في حلبة صراع اليوم، وكأن الموقف تصفية حسابات، بل يقدر كل خلاف بحسبه، والقصد من النقاش أو حتى (التلاوم) هو الوصول لحل، لا أن تقام الحجج والبينات على صحة دعوى ما.
(3) أن يحترز الزوجان أن يجري على ألسنتهما سبة لا تليق، أو ما من شأنه تحقير الآخر وتسفيهه، أو التهكم بشيء لا يد لهما فيه، كبلد أحدهما أو أسرته أو والديه، فإن هذا غالباً يحدث في النفس جرحاً عميقاً قد لا يمحى بسهولة، أو يدعو بدعوة تصادف إجابة.
(4) على الزوجين ألا يكونا صريحين في إبداء مشاعرهما السلبية تجاه الطرف الآخر، مهما كانا صادقين، فإن الصدق لا يعني التعبير عن مشاعر قد تهدم البناء الزوجي، وإذا كان هذا ليس خاصاً بحالة الشجار، فإنه يتأكد عندها.
(5) ليستحضر الزوجان أن الله لم يذم إنسان لغضبه ولم يمدحه لعدم غضبه، ولكنه أثنى على من إذا غضب كظم، وأعلى من شأن الذين إذا غضبوا هم يغفرون، وهنا تتجلى قوة النفس في ضبط الانفعال، لا في جزالة ألفاظ الشجار، ولا في قوة الصراخ، وما أعظم أجراً ادخره الله للكاظمين الغيظ، فقد خرج الإمام أحمد (15066) والترمذي (2021) وأبو داود (4777) وابن ماجة (4186) بسند حسن عن معاذ بن أنس الجهني - رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من كظم غيظاً وهو يستطيع أن ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره الله من أي الحور شاء".
(6) ألا يفرح الزوجان ولا أحدهما بالخلاف، حال وقوعه، ويستجيبا لانفعالات أنفسهما فيزيدا في اتقاد الشجار، ويتخذا قرارات خطيرة من جرائه، وفي حديث عائشة - رضي الله عنها- المذكور طرف منه، قالت: "أجل والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك" (سبق تخريجه). نسأل الله أن يهدينا لمحاسن الأخلاق والأعمال والأقوال، ويعيذنا من مساوئ الأعمال والأخلاق والأهواء والأدواء.(1/128)
هِجْرَةُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا حَدِيثُ الْمُتَظَاهِرَتَيْنِ
259-7915 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا أَسْأَلُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنِ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّتَيْنِ " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا فَحَجَّ عُمَرُ ، وَحَجَجْتُ مَعَهُ ، فَلَمَّا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَدَلَ عُمَرُ ، وَعَدَلْتُ مَعَهُ بِالْإِدَاوَةِ ، فَتَبَرَّزَ ، ثُمَّ أَتَانِي فَسَكَبْتُ عَلَى يَدَيْهِ فَتَوَضَّأَ فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَنِ الْمَرْأَتَانِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّتَانِ قَالَ اللَّهُ لَهُمَا إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا قَالَ عُمَرُ : وَاعَجَبًا لَكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ ، ثُمَّ أَخَذَ يَسُوقُ الْحَدِيثَ قَالَ : " كُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ - قَوْمًا نَغْلِبُ النِّسَاءَ ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَجَدْنَا قَوْمًا تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ " ، وَكَانَ مَنْزِلِي فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ بِالْعَوَالِي ، فَغَضِبْتُ يَوْمًا عَلَى امْرَأَتِي ، فَإِذَا هِيَ تُرَاجِعُنِي فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي ، فَقَالَتْ : " مَا تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ ، فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُرَاجِعْنَهُ وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاهُنَّ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ ، فَانْطَلَقْتُ ، فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ " فَقُلْتُ : أَتُرَاجِعِينَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : " نَعَمْ " قُلْتُ : وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاكُنَّ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ قَالَتْ : " نَعَمْ " قُلْتُ : لَقَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْكُنَّ وَخَسِرَ ، أَفَتَأْمَنُ إِحْدَاكُنَّ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا لِغَضَبِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هِيَ قَدْ هَلَكَتْ ؟ لَا تُرَاجِعِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا تَسْأَلِيهِ ، وَسَلِينِي مَا بَدَا لَكِ ، وَلَا يَغْرُرْكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِيَ أَوْسَمُ وَأَحَبُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكِ يُرِيدُ عَائِشَةَ ، فَكَانَ لِي جَارٌ مِنِ الْأَنْصَارِ ، وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَنْزِلُ يَوْمًا ، وَيَنْزِلُ يَوْمًا ، فَيَأْتِينِي بِخَبَرِ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ وَآتِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ ، وَكُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ غَسَّانَ تُنْعِلُ الْخَيْلَ لِتَغْزُوَنَا ، فَنَزَلَ صَاحِبِي يَوْمًا ، ثُمَّ أَتَانِي عِشَاءً ، فَضَرَبَ بَابِي ، ثُمَّ نَادَى فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ : " حَدَثَ أَمْرٌ " قُلْتُ : مَا حَدَثَ ؟ جَاءَتْ غَسَّانُ ؟ قَالَ : " لَا ، بَلْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ ، طَلَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ " فَقُلْتُ : لَقَدْ خَابَتْ حَفْصَةُ إِذًا وَخَسِرَتْ ، قَدْ كُنْتُ أَظُنُّ هَذَا كَائِنًا حَتَّى إِذَا صَلَّيْتُ الصُّبْحَ شَدَدْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي ، ثُمَّ نَزَلْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ ، وَهِيَ تَبْكِي فَقُلْتُ : ثُمَّ ذَكَرَ كَلِمَةً مَعْنَاهَا أَطَلَّقَكُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : " لَا أَدْرِي ، هَذَا هُوَ مُعْتَزِلٌ فِي هَذِهِ الْمَشْرُبَةِ ، فَنَادَيْتُ غُلَامًا لَهُ أَسْوَدَ " فَقُلْتُ : اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ ، فَدَخَلَ الْغُلَامُ ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ فَقَالَ : " قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ فَصَمَتَ فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَتَيْتُ الْمِنْبَرَ ، فَجَلَسْتُ ، فَإِذَا عِنْدَهُ رَهْطٌ جُلُوسٌ يَبْكِي بَعْضُهُمْ ، فَجَلَسْتُ قَلِيلًا فَغَلَبَنِي مَا أَجِدُ ، فَأَتَيْتُ الْغُلَامَ " فَقُلْتُ : اسْتَأْذِنْ لِعُمَرَ ، فَدَخَلَ الْغُلَامُ ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ قَالَ : قَدْ ذَكَرْتُكَ لَهُ ، فَصَمَتَ ، فَجَلَسْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ ، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ ، فَرَجَعْتُ إِلَى الْغُلَامِ ، فَقُلْتُ : اسْتَأَذِنْ لِعُمَرَ فَدَخَلَ ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ فَقَالَ : قَدَ ذَكَرْتُكَ لَهُ ، فَصَمَتَ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا ، فَإِذَا الْغُلَامُ يَدْعُونِي فَقَالَ : ادْخُلْ فَقَدْ أَذِنَ لَكَ ، فَدَخَلْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِذَا هُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ ، فَقُلْتُ : أَطَلَّقْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ نِسَاءَكَ ؟ فَرَفَعَ إِلَيَّ رَأْسَهُ قَالَ : " لَا " قُلْتُ : اللَّهُ أَكْبَرُ ، لَوْ رَأَيْتَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكُنَّا - مَعْشَرَ قُرَيْشٍ - قَوْمًا نَغْلِبُ النِّسَاءَ ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَجَدْنَا قَوْمًا تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ ، فَغَضِبْتُ يَوْمًا عَلَى امْرَأَتِي ، فَطَفِقَتْ تُرَاجِعُنِي ، فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي ، فَقَالَتْ : مَا تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ ، فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُرَاجِعْنَهُ ، وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاهُنَّ يَوْمًا إِلَى اللَّيْلِ ، فَقُلْتُ : لَقَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكِ مِنْهُنَّ وَخَسِرَ ، أَتَأْمَنُ إِحْدَاهُنَّ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا لِغَضَبِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَإِذَا هِيَ قَدْ هَلَكَتْ ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ ، فَقُلْتُ : لَا يَغْرُرْكِ أَنْ كَانَتْ جَارَتُكِ هِيَ أَوْسَمَ مِنْكِ وَأَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكِ ، فَتَبَسَّمَ أُخْرَى ، فَقُلْتُ : أَسْتَأْنِسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : " نَعَمْ " فَجَلَسْتُ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فِي الْبَيْتِ ، فَوَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا يَرُدُّ الْبَصَرَ إِلَّا أُهُبًا ثَلَاثَةً ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ادْعُ اللَّهَ يُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ ، فَقَدْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَى فَارِسَ وَالرُّومِ وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاسْتَوَى جَالِسًا ، وَقَالَ : " أَوَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟ أُولَئِكَ قَوْمٌ قَدْ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا " فَقُلْتُ : " اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : وَكَانَ أَقْسَمَ أَلَّا يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ حِينَ عَاتَبَهُ اللَّهُ " (1)
__________
(1) - البخاري برقم( 2468)
فتح الباري لابن حجر - (ج 14 / ص 482)
4792 - قَوْله ( عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا عَلَى أَنْ أَسْأَل عُمَر )
فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْن الْمَاضِيَة فِي تَفْسِير التَّحْرِيم عَنْ اِبْن عَبَّاس " مَكَثْت سَنَة أُرِيد أَنْ أَسْأَل عُمَر " .
قَوْله ( عَنْ الْمَرْأَتَيْنِ )
فِي رِوَايَة عُبَيْد " عَنْ آيَة " .
قَوْله ( اللَّتَيْنِ )
كَذَا فِي جَمِيع النُّسَخ ، وَوَقَعَ عِنْد اِبْن التِّين " الَّتِي " بِالْإِفْرَادِ وَخَطَّأَهَا فَقَالَ : الصَّوَاب " اللَّتَيْنِ " بِالتَّثْنِيَةِ . قُلْت : وَلَوْ كَانَتْ مَحْفُوظَة لَأَمْكَنَ تَوْجِيههَا .
قَوْله ( حَتَّى حَجَّ وَحَجَجْت مَعَهُ )
فِي رِوَايَة عُبَيْد " فَمَا أَسْتَطِيع أَنْ أَسْأَلهُ هَيْبَة لَهُ ، حَتَّى خَرَجَ حَاجًّا " وَفِي رِوَايَة يَزِيد بْن رُومَان عِنْد اِبْن مَرْدَوَيْهِ عَنْ اِبْن عَبَّاس " أَرَدْت أَنْ أَسْأَل عُمَر فَكُنْت أَهَابَهُ ، حَتَّى حَجَجْنَا مَعَهُ ، فَلَمَّا قَضَيْنَا حَجّنَا قَالَ : مَرْحَبًا بِابْنِ عَمّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَا حَاجَتك " ؟
قَوْله ( وَعَدَلَ )
أَيْ عَنْ الطَّرِيق الْجَادَّة الْمَسْلُوكَة إِلَى طَرِيق لَا يُسْلَك غَالِبًا لِيَقْضِيَ حَاجَته ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عُبَيْد " فَخَرَجْت مَعَهُ ، فَلَمَّا رَجَعْنَا وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيق عَدَلَ إِلَى الْأَرَاك لِحَاجَةٍ لَهُ " وَبَيَّنَ مُسْلِم فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْن مِنْ طَرِيق حَمَّاد بْن سَلَمَة وَابْن عُيَيْنَةَ أَنَّ الْمَكَان الْمَذْكُور هُوَ مَرّ الظَّهْرَان ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطه فِي الْمَغَازِي .
قَوْله ( وَعَدَلْت مَعَهُ بِإِدَاوَةٍ فَتَبَرَّزَ )
أَيْ قَضَى حَاجَته ، وَتَقَدَّمَ ضَبْط الْإِدَاوَة وَتَفْسِيرهَا فِي كِتَاب الطَّهَارَة ، وَأَصْل تَبَرَّزَ مِنْ الْبِرَاز وَهُوَ الْمَوْضِع الْخَالِي الْبَارِز عَنْ الْبُيُوت ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى نَفْس الْفِعْل ، وَفِي رِوَايَة حَمَّاد بْن سَلَمَة الْمَذْكُورَة عِنْد الطَّيَالِسِيِّ " فَدَخَلَ عُمَر الْأَرَاك فَقَضَى حَاجَته ، وَقَعَدْت لَهُ حَتَّى خَرَجَ " فَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّ الْمُسَافِر إِذَا يَجِد الْفَضَاء لِقَضَاءِ حَاجَته اِسْتَتَرَ بِمَا يُمْكِنهُ السِّتْر بِهِ مِنْ شَجَر الْبَادِيَة .
قَوْله ( فَسَكَبْت عَلَى يَدَيْهِ مِنْهَا فَتَوَضَّأَ )
فِي رِوَايَة عُقَيْل عَنْ الزُّهْرِيِّ الْمَاضِيَة فِي الْمَظَالِم " فَسَكَبْت مِنْ الْإِدَاوَة " .
قَوْله ( فَقُلْت لَهُ : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مَنْ الْمَرْأَتَانِ )
فِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيِّ " فَقُلْت يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أُرِيدَ أَنْ أَسْأَلك عَنْ حَدِيث مُنْذُ سَنَة فَتَمْنَعنِي هَيْبَتك أَنْ أَسْأَلك " وَتَقَدَّمَ فِي التَّفْسِير مِنْ رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْن " فَوَقَفْت لَهُ حَتَّى فَرَغَ ثُمَّ سِرْت مَعَهُ فَقُلْت : يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ مَنْ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَزْوَاجه ؟ قَالَ : تِلْكَ حَفْصَة وَعَائِشَة . فَقُلْت : وَاللَّه إِنْ كُنْت لَأُرِيد أَنْ أَسْأَلك عَنْ هَذَا مُنْذُ سَنَة فَمَا أَسْتَطِيع هَيْبَة لَك . قَالَ : فَلَا تَفْعَل ، مَا ظَنَنْت أَنَّ عِنْدِي مِنْ عِلْم فَاسْأَلْنِي ، فَإِنْ كَانَ لِي عِلْم خَبَّرْتُك بِهِ " وَفِي رِوَايَة يَزِيد بْن رُومَان الْمَذْكُورَة فَقَالَ " مَا تَسْأَل عَنْهُ أَحَدًا أَعْلَم بِذَلِكَ مِنِّي " .
قَوْله ( اللَّتَانِ )
كَذَا فِي الْأُصُول ، وَحَكَى اِبْن التِّين أَنَّهُ وَقَعَ عِنْده " الَّتِي " بِالْإِفْرَادِ ، قَالَ وَالصَّوَاب " اللَّتَانِ " بِالتَّثْنِيَةِ .
وَقَوْله قَالَ اللَّه تَعَالَى ( إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّه فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبكُمَا )
أَيْ قَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُمَا إِنْ تَتُوبَا مِنْ التَّعَاوُن عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَدُلّ عَلَيْهِ قَوْله بَعْد
( وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ )
أَيْ تَتَعَاوَنَا كَمَا تَقَدَّمَ تَفْسِيره فِي تَفْسِير السُّورَة ، وَمَعْنَى تَظَاهُرهمَا أَنَّهُمَا تَعَاوَنَتَا حَتَّى حَرَّمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفْسه مَا حَرَّمَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه ،
وَقَوْله ( قُلُوبكُمَا )
كَثُرَ اِسْتِعْمَالهمْ فِي مَوْضِع التَّثْنِيَة بِلَفْظِ الْجَمْع كَقَوْلِهِمْ وَضَعَا رِحَالهمَا أَيْ رَحْلَيْ رَاحِلَتَيْهِمَا .
قَوْله ( وَاعَجَبًا لَك يَا اِبْن عَبَّاس )
تَقَدَّمَ شَرْحه فِي الْعِلْم وَأَنَّ عُمَر تَعَجَّبَ مِنْ اِبْن عَبَّاس مَعَ شُهْرَته بِعِلْمِ التَّفْسِير كَيْفَ خَفِيَ عَلَيْهِ هَذَا الْقَدْر مَعَ شُهْرَته وَعَظَمَته فِي نَفْس عُمَر وَتَقَدُّمه فِي الْعِلْم عَلَى غَيْره كَمَا تَقَدَّمَ بَيَان ذَلِكَ وَاضِحًا فِي تَفْسِير سُورَة النَّصْر ، وَمَعَ مَا كَانَ اِبْن عَبَّاس مَشْهُورًا بِهِ مِنْ الْحِرْص عَلَى طَلَب الْعِلْم وَمُدَاخَلَة كِبَار الصَّحَابَة وَأُمَّهَات الْمُؤْمِنِينَ فِيهِ ، أَوْ تَعَجَّبَ مِنْ حِرْصه عَلَى طَلَب فُنُون التَّفْسِير حَتَّى مَعْرِفَة الْمُبْهَم ، وَوَقَعَ فِي " الْكَشَّاف " كَأَنَّهُ كَرِهَ مَا سَأَلَهُ عَنْهُ . قُلْت : وَقَدْ جَزَمَ بِذَلِكَ الزُّهْرِيُّ فِي هَذِهِ الْقِصَّة بِعَيْنِهَا فِيمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ طَرِيق مَعْمَر عَنْهُ قَالَ بَعْد قَوْله " قَالَ عُمَر وَاعَجَبًا لَك يَا اِبْن عَبَّاس " : قَالَ الزُّهْرِيّ كَرِهَ وَاللَّه مَا سَأَلَهُ عَنْهُ وَلَمْ يَكْتُمهُ وَلَا يَسْتَبْعِد الْقُرْطُبِيّ مَا فَهِمَهُ الزُّهْرِيُّ ، وَلَا بُعْد فِيهِ . قُلْت : وَيَجُوز فِي " عَجَبًا " التَّنْوِين وَعَدَمه ، قَالَ اِبْن مَالِك : " وَا " فِي قَوْله " وَا عَجَبًا " إِنْ كَانَ مُنَوَّنًا فَهُوَ اِسْم فِعْل بِمَعْنَى أَعْجَب ، وَمِثْله وَاهًا وَوَيْ ، وَقَوْله بَعْده عَجَبًا جِيءَ بِهَا تَعَجُّبًا تَوْكِيدًا ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ تَنْوِين فَالْأَصْل فِيهِ وَا عَجَبِي فَأَبْدَلَتْ الْكِسْرَة فَتْحَة فَصَارَتْ الْيَاء أَلِفًا كَقَوْلِهِمْ يَا أَسَفًا وَيَا حَسْرَتَا ، وَفِيهِ شَاهِد لِجَوَازِ اِسْتِعْمَال " وَا " فِي مُنَادًى غَيْر مَنْدُوب وَهُوَ مَذْهَب الْمُبَرِّد وَهُوَ مَذْهَب صَحِيح ا ه . وَوَقَعَ فِي رِوَايَة مَعْمَر " وَا عَجَبِي لَك " .
قَوْله ( عَائِشَة وَحَفْصَة )
كَذَا فِي أَكْثَر الرِّوَايَات ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَة حَمَّاد بْن سَلَمَة وَحْده عَنْهُ " حَفْصَة وَأُمّ سَلَمَة " كَذَا حَكَاهُ عَنْهُ مُسْلِم ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّيَالِسِيِّ فِي مُسْنَده عَنْهُ فَقَالَ " عَائِشَة وَحَفْصَة " مِثْل الْجَمَاعَة .
( تَنْبِيه ) :
هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَد أَنَّ اِبْن عَبَّاس هُوَ الْمُبْتَدِئ بِسُؤَالِ عُمَر عَنْ ذَلِكَ ، وَوَقَعَ عِنْد اِبْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ وَجْه آخَر ضَعِيف عَنْ عِمْرَان بْن الْحَكَم السُّلَمِيّ " حَدَّثَنِي اِبْن عَبَّاس قَالَ : كُنَّا نَسِير فَلَحِقَنَا عُمَر وَنَحْنُ نَتَحَدَّث فِي شَأْن حَفْصَة وَعَائِشَة ، فَسَكَتْنَا حِين لَحِقَنَا ، فَعَزَمَ عَلَيْنَا أَنْ تُخْبِرهُ ، فَقُلْنَا : تَذَاكَرْنَا شَأْن عَائِشَة وَحَفْصَة وَسَوْدَة " فَذَكَرَ طَرَفًا مِنْ هَذَا الْحَدِيث وَلَيْسَ بِتَمَامِهِ ، وَيُمْكِن الْجَمْع بِأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّة كَانَتْ سَابِقَة وَلَمْ يَتَمَكَّن اِبْن عَبَّاس مِنْ سُؤَال عُمَر عَنْ شَرْح الْقِصَّة عَلَى وَجْههَا إِلَّا فِي الْحَال الثَّانِي .
قَوْله ( ثُمَّ اِسْتَقْبَلَ عُمَر الْحَدِيث يَسُوقهُ )
أَيْ الْقِصَّة الَّتِي كَانَتْ سَبَب نُزُول الْآيَة الْمَسْئُول عَنْهَا .
قَوْله ( كُنْت أَنَا وَجَار لِي مِنْ الْأَنْصَار )
تَقَدَّمَ بَيَانه فِي الْعِلْم ، وَمَضَى فِي الْمَظَالِم بِلَفْظِ " إِنِّي كُنْت وَجَار لِي " بِالرَّفْعِ ، وَيَجُوز فِيهِ النَّصْب عَطْفًا عَلَى الضَّمِير الْمَنْصُوب فِي قَوْله إِنِّي .
قَوْله ( فِي بَنِي أُمَيَّة بْن زَيْد )
أَيْ اِبْن مَالِك بْن عَوْف بْن عَمْرو بْن عَوْف مِنْ الْأَوْس .
قَوْله ( وَهُمْ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَة )
أَيْ السُّكَّان ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عُقَيْل " وَهِيَ " أَيْ الْقَرْيَة ، وَالْعَوَالِي جَمْع عَالِيَة وَهِيَ قُرًى بِقُرْبِ الْمَدِينَة مِمَّا يَلِي الْمَشْرِق وَكَانَتْ مَنَازِل الْأَوْس ، وَاسْم الْجَار الْمَذْكُور أَوْس بْن خَوْلِيّ بْن عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث الْأَنْصَارِيّ سَمَّاهُ اِبْن سَعْد مِنْ وَجْه آخَر عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة فَذَكَرَ حَدِيثًا وَفِيهِ " وَكَانَ عُمَر مُؤَاخِيًا أَوْس بْن خَوْلِيّ لَا يَسْمَع شَيْئًا إِلَّا حَدَّثَهُ وَلَا يَسْمَع عُمَر شَيْئًا إِلَّا حَدَّثَهُ ، فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَد ، وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ فِي الْعِلْم عَمَّنْ قَالَ إِنَّهُ عِتْبَان بْن مَالِك فَهُوَ مِنْ تَرْكِيب اِبْن بَشْكُوَالٍ فَإِنَّهُ جَوَّزَ أَنْ يَكُون الْجَار الْمَذْكُور عِتْبَان لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنه وَبَيْن عُمَر ، لَكِنْ لَا يَلْزَم مِنْ الْإِخَاء أَنْ يَتَجَاوَرَا ، وَالْأَخْذ بِالنَّصِّ مُقَدَّم عَلَى الْأَخْذ بِالِاسْتِنْبَاطِ ، وَقَدْ صَرَّحَتْ الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة عَنْ اِبْن سَعْد أَنَّ عُمَر كَانَ مُؤَاخِيًا لِأَوْسٍ فَهَذَا بِمَعْنَى الصَّدَاقَة لَا بِمَعْنَى الْإِخَاء الَّذِي كَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِهِ ثُمَّ نُسِخَ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ اِبْن سَعْد بِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْن أَوْس بْن خَوْلِيّ وَشُجَاع بْن وَهْب كَمَا صَرَّحَ بِهِ بِأَنَّهُ آخَى بَيْن عُمَر وَعِتْبَان بْن مَالِك ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ مَعْنَى قَوْله " كَانَ مُؤَاخِيًا " أَيْ مُصَادِقًا ، وَيُؤَيِّد ذَلِكَ أَنَّ فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْن " وَكَانَ لِي صَاحِب مِنْ الْأَنْصَار " .
قَوْله ( فَإِذَا نَزَلْت )
الظَّاهِر أَنَّ إِذَا شَرْطِيَّة ، وَيَجُوز أَنْ تَكُون ظَرْفِيَّة .
قَوْله ( جِئْته بِمَا حَدَثَ مِنْ خَبَر ذَلِكَ الْيَوْم مِنْ الْوَحْي أَوْ غَيْره )
أَيْ مِنْ الْحَوَادِث الْكَائِنَة عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَفِي رِوَايَة اِبْن سَعْد الْمَذْكُورَة " لَا يَسْمَع شَيْئًا إِلَّا حَدَّثَهُ بِهِ وَلَا يَسْمَع عُمَر شَيْئًا إِلَّا حَدَّثَهُ بِهِ " ، وَسَيَأْتِي فِي خَبَر الْوَاحِد فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْن بِلَفْظِ " إِذَا غَابَ وَشَهِدْت أَتَيْته بِمَا يَكُون مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَفِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيِّ " يَحْضُر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غِبْت وَأَحْضُرهُ إِذَا غَابَ وَيُخْبِرنِي وَأُخْبِرهُ " .
قَوْله ( وَكُنَّا مَعْشَر قُرَيْش نَغْلِب النِّسَاء )
أَيْ نَحْكُم عَلَيْهِنَّ وَلَا يَحْكُمْنَ عَلَيْنَا ، بِخِلَافِ الْأَنْصَار فَكَانُوا بِالْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ ، وَفِي رِوَايَة يَزِيد بْن رُومَان " كُنَّا وَنَحْنُ بِمَكَّة لَا يُكَلِّم أَحَد اِمْرَأَته إِلَّا إِذَا كَانَتْ لَهُ حَاجَة قَضَى مِنْهَا حَاجَته " وَفِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْن " مَا نَعُدّ لِلنِّسَاءِ أَمْرًا " وَفِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيِّ " كُنَّا لَا نَعْتَدّ بِالنِّسَاءِ وَلَا نُدْخِلهُنَّ فِي أُمُورنَا " .
قَوْله ( فَطَفِقَ )
بِكَسْرِ الْفَاء وَقَدْ تَفَتَّحَ أَيْ جَعَلَ أَوْ أَخَذَ ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُنَّ أَخَذْنَ فِي تَعَلُّم ذَلِكَ .
قَوْله ( مِنْ أَدَب نِسَاء الْأَنْصَار )
أَيْ مِنْ سِيرَتهنَّ وَطَرِيقَتهنَّ ، وَفِي الرِّوَايَة الَّتِي فِي الْمَظَالِم " مِنْ أَرَب " بِالرَّاءِ وَهُوَ الْعَقْل ، وَفِي رِوَايَة مَعْمَر عِنْد مُسْلِم " يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ " وَفِي رِوَايَة يَزِيد بْن رُومَان " فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَة تَزَوَّجْنَا مِنْ نِسَاء الْأَنْصَار فَجَعَلْنَ يُكَلِّمْنَنَا وَيُرَاجِعْنَنَا " .
قَوْله ( فَسَخِبْت )
بِسِينِ مُهْمَلَة ثُمَّ خَاء مُعْجَمَة ثُمَّ مُوَحَّدَة ، وَفِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَة بَدَل السِّين وَهُمَا بِمَعْنًى ، وَالصَّخَب وَالسَّخَب الزَّجْر مِنْ الْغَضَب ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عُقَيْل عَنْ الزُّهْرِيِّ الْمَاضِيَة فِي الْمَظَالِم " فَصِحْت " بِحَاءٍ مُهْمَلَة مِنْ الصِّيَاح وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْت ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْن " فَبَيْنَمَا أَنَا فِي أَمْر أَتَأَمَّرهُ " أَيْ أَتَفَكَّر فِيهِ وَأُقَدِّرهُ " فَقَالَتْ اِمْرَأَتِي لَوْ صَنَعْت كَذَا وَكَذَا " .
قَوْله ( فَأَنْكَرْت أَنْ تُرَاجِعنِي )
أَيْ تُرَادِدنِي فِي الْقَوْل وَتُنَاظِرنِي فِيهِ ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْن " فَقُلْت لَهَا وَمَا تَكَلُّفك فِي أَمْر أُرِيدهُ ؟ فَقَالَتْ لِي : عَجَبًا لَك يَا ابْن الْخَطَّاب ، مَا تُرِيد أَنْ تُرَاجَع " وَسَيَأْتِي فِي اللِّبَاس مِنْ هَذَا الْوَجْه بِلَفْظِ " فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام وَذَكَرهنَّ اللَّه رَأَيْنَ لَهُنَّ بِذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا مِنْ غَيْر أَنْ نُدْخِلهُنَّ فِي شَيْء مِنْ أُمُورنَا ، وَكَانَ بَيْنِي وَبَيْن اِمْرَأَتِي كَلَام فَأَغْلَظَتْ لِي " وَفِي رِوَايَة يَزِيد بْن رُومَان " فَقُمْت إِلَيْهَا بِقَضِيبٍ فَضَرَبْتهَا بِهِ ، فَقَالَتْ : يَا عَجَبًا لَك يَا اِبْن الْخَطَّاب " .
قَوْله ( وَلِمَ )
بِكَسْرِ اللَّام وَفَتْح الْمِيم .
قَوْله ( تُنْكِر أَنْ أُرَاجِعك فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُرَاجِعْنَهُ ، وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لِتَهْجُرهُ الْيَوْم حَتَّى اللَّيْل )
فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْن " وَإِنَّ اِبْنَتك لِتُرَاجِع رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَظَلّ يَوْمه غَضْبَان " وَوَقَعَ فِي الْمَظَالِم بِلَفْظِ " غَضْبَانًا " وَفِيهِ نَظَر ، وَفِي رِوَايَته الَّتِي فِي اللِّبَاس " قَالَتْ : تَقُول لِي هَذَا وَابْنَتك تُؤْذِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَفِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيِّ " فَقُلْت : مَتَى كُنْت تَدْخُلِينَ فِي أُمُورنَا ؟ فَقَالَتْ : يَا اِبْن الْخَطَّاب ، مَا يَسْتَطِيع أَحَد أَنْ يُكَلِّمك ، وَابْنَتك تُكَلِّم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَظَلّ غَضْبَان .
قَوْله ( لَتَهْجُرهُ الْيَوْم حَتَّى اللَّيْل )
بِالنَّصْبِ فِيهِمَا وَبِالْجَرِّ فِي اللَّيْل أَيْضًا أَيْ مِنْ أَوَّل النَّهَار إِلَى أَنْ يَدْخُل اللَّيْل ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد حَتَّى أَنَّهَا لَتَهْجُرهُ اللَّيْل مُضَافًا إِلَى الْيَوْم .
قَوْله ( فَقُلْت لَهَا قَدْ خَابَ )
كَذَا لِلْأَكْثَرِ " خَابَ " بِخَاءٍ مُعْجَمَة ثُمَّ مُوَحَّدَة ، وَفِي رِوَايَة عُقَيْل " فَقُلْت : قَدْ جَاءَتْ مَنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ مِنْهُنَّ بِعَظِيمٍ " بِالْجِيمِ ثُمَّ مُثَنَّاة فِعْلٌ مَاضٍ مِنْ الْمَجِيء ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب فِي هَذِهِ الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا بِعَظِيمٍ ، وَأَمَّا سَائِر الرِّوَايَات فَفِيهَا " خَابَتْ وَخَسِرَتْ " فَخَابَتْ بِالْخَاءِ الْمُعَجَّمَة لِعَطْفِ وَخَسِرَتْ عَلَيْهَا ، وَقَدْ أَغْفَلَ مَنْ جَزَمَ أَنَّ الصَّوَاب بِالْجِيمِ وَالْمُثَنَّاة مُطْلَقًا .
قَوْله ( مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ )
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى " مَنْ فَعَلَتْ " فَالتَّذْكِير بِالنَّظَرِ إِلَى اللَّفْظ وَالتَّأْنِيث بِالنَّظَرِ إِلَى الْمَعْنَى .
قَوْله ( ثُمَّ جَمَعْت عَلَيَّ ثِيَابِي )
أَيْ لَبِسْتهَا جَمِيعهَا . فِيهِ إِيمَاء إِلَى أَنَّ الْعَادَة أَنَّ الشَّخْص يَضَع فِي الْبَيْت بَعْض ثِيَابه فَإِذَا خَرَجَ إِلَى النَّاس لَبِسَهَا .
قَوْله ( فَدَخَلْت عَلَى حَفْصَة )
يَعْنِي اِبْنَته ، وَبَدَأَ بِهَا لِمَنْزِلَتِهَا مِنْهُ .
قَوْله ( قَالَتْ : نَعَمْ )
فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْن " إِنَّا لِنُرَاجِعهُ " وَفِي رِوَايَة حَمَّاد بْن سَلَمَة " فَقُلْت أَلَا تَتَّقِينَ اللَّه " .
قَوْله ( أَفَتَأْمَنِينَ أَنْ يَغْضَب اللَّه لِغَضَبِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَهْلِكِي ) ؟
كَذَا هُوَ بِالنَّصْبِ لِلْأَكْثَرِ ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عُقَيْل " فَتَهْلَكِينَ " وَهُوَ عَلَى تَقْدِير مَحْذُوف ، وَتَقَدَّمَ فِي بَاب الْمَعْرِفَة مِنْ كِتَاب الْمَظَالِم " أَفَتَأْمَن أَنْ يَغْضَب اللَّه لِغَضَبِ رَسُوله فَتَهْلِكِينَ " قَالَ أَبُو عَلِيّ الصَّدَفِيّ : الصَّوَاب " أَفَتَأْمَنِينَ " وَفِي آخِره " فَتَهْلَكِي " كَذَا قَالَ ، وَلَيْسَ بِخَطَأٍ لِإِمْكَانِ تَوْجِيهه ، وَفِي رِوَايَة عُبَيْد اِبْن حُنَيْن " فَتَهْلَكْنَ " بِسُكُونِ الْكَاف عَلَى خِطَاب جَمَاعَة النِّسَاء ، وَعِنْده " فَقُلْت تَعَلَّمِينَ " وَهُوَ بِتَشْدِيدِ اللَّام " إِنِّي أُحَذِّرك عُقُوبَة اللَّه وَغَضَب رَسُوله " .
قَوْله ( لَا تَسْتَكْثِرِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
أَيْ لَا تَطْلُبِي مِنْهُ الْكَثِير ، وَفِي رِوَايَة يَزِيد بْن رُومَان " لَا تُكَلِّمِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ رَسُول اللَّه لَيْسَ عِنْده دَنَانِير وَلَا دَرَاهِم ، فَمَا كَانَ لَك مِنْ حَاجَة حَتَّى دُهْنَة فَسَلِينِي " .
قَوْله ( وَلَا تُرَاجِعِيهِ فِي شَيْء )
أَيْ لَا تُرَادِدِيه فِي الْكَلَام وَلَا تَرُدِّي عَلَيْهِ قَوْله .
قَوْله ( وَلَا تَهْجُرِيهِ )
أَيْ وَلَوْ هَجَرَك .
قَوْله ( مَا بَدَا لَك )
أَيْ ظَهَرَ لَك .
قَوْله ( وَلَا يَغُرّنّك )
بِفَتْحِ الْأَلِف وَبِكَسْرِهَا أَيْضًا .
قَوْله ( جَارَتك )
أَيْ ضَرَّتك ، أَوْ هُوَ عَلَى حَقِيقَته لِأَنَّهَا كَانَتْ مُجَاوِرَة لَهَا ، وَالْأَوَّل أَنْ يَحْمِل اللَّفْظ هُنَا عَلَى مَعْنَيَيْهِ لِصَلَاحِيَّتِهِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ، وَالْعَرَب تُطْلِق عَلَى الضَّرَّة جَارَة لِتَجَاوُرِهِمَا الْمَعْنَوِيّ لِكَوْنِهِمَا عِنْد شَخْص وَاحِد وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِسِّيًّا ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْء مِنْ هَذَا فِي أَوَاخِر شَرْح حَدِيث أُمّ زَرْع ، وَوَقَعَ فِي حَدِيث حَمَل بْن مَالِك " كُنْت بَيْن جَارَتَيْنِ " يَعْنِي ضَرَّتَيْنِ ، فَإِنَّهُ فَسَّرَهُ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى فَقَالَ " اِمْرَأَتَيْنِ " وَكَانَ اِبْن سِيرِينَ يَكْرَه تَسْمِيَتهَا ضَرَّة وَيَقُول : إِنَّهَا لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَع وَلَا تَذْهَب مِنْ رِزْق الْأُخْرَى بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا هِيَ جَارَة ، وَالْعَرَب تُسَمِّي صَاحِب الرَّجُل وَخَلِيطه جَارًا وَتُسَمِّي الزَّوْجَة أَيْضًا جَارَة لِمُخَالَطَتِهَا الرَّجُل . وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : اِخْتَارَ عُمَر تَسْمِيَتهَا جَارَة أَدَبًا مِنْهُ أَنْ يُضَاف لَفْظ الضَّرَر إِلَى أَحَد مِنْ أُمَّهَات الْمُؤْمِنِينَ .
قَوْله ( أَوْضَأ )
مِنْ الْوَضَاءَة ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَة مَعْمَر " أَوْسَم " بِالْمُهْمَلَةِ مِنْ الْوَسَامَة وَهِيَ الْعَلَامَة ، وَالْمُرَاد أَجْمَل كَأَنَّ الْجَمَال وَسَمَهُ أَيْ أَعْلَمَهُ بِعَلَامَةٍ .
قَوْله ( وَأَحَبّ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
الْمَعْنَى لَا تَغْتَرِّي بِكَوْنِ عَائِشَة تَفْعَل مَا نَهَيْتُك عَنْهُ فَلَا يُؤَاخِذهَا بِذَلِكَ فَإِنَّهَا تُدِلّ بِجَمَالِهَا وَمَحَبَّة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا ، فَلَا تَغْتَرِّي أَنْتِ بِذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا تَكُونِي عِنْده فِي تِلْكَ الْمَنْزِلَة ، فَلَا يَكُون لَك مِنْ الْإِدْلَال مِثْل الَّذِي لَهَا . وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْن أَبْيَن مِنْ هَذَا وَلَفْظه " وَلَا يَغُرّنّك هَذِهِ الَّتِي أَعْجَبَهَا حُسْنهَا حُبّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة سُلَيْمَان بْن بِلَال عِنْد مُسْلِم " أَعْجَبَهَا حُسْنهَا وَحُبّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بِوَاوِ الْعَطْف وَهِيَ أَبْيَن ، وَفِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيِّ " لَا تَغْتَرِّي بِحُسْنِ عَائِشَة وَحُبّ رَسُول اللَّه إِيَّاهَا " وَعِنْد اِبْن سَعْد فِي رِوَايَة أُخْرَى " إِنَّهُ لَيْسَ لَك مِثْل حُظْوَة عَائِشَة وَلَا حُسْن زَيْنَب " يَعْنِي بِنْت جَحْش ، وَالَّذِي وَقَعَ فِي رِوَايَة سُلَيْمَان بْن بِلَال وَالطَّيَالِسِيّ يُؤَيِّد مَا حَكَاهُ السُّهَيْلِيُّ عَنْ بَعْض الْمَشَايِخ أَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ بَاب حَذْف حَرْف الْعَطْف وَاسْتَحْسَنَهُ مَنْ سَمِعَهُ وَكَتَبُوهُ حَاشِيَة ، قَالَ السُّهَيْلِيُّ : وَلَيْسَ كَمَا قَالَ ، بَلْ هُوَ مَرْفُوع عَلَى الْبَدَل مِنْ الْفَاعِل الَّذِي فِي أَوَّل الْكَلَام وَهُوَ هَذِهِ مِنْ قَوْله " لَا يَغُرّنّك هَذِهِ " فَهَذِهِ فَاعِل و " الَّتِي " نَعْت و " حُبّ " بَدَل اِشْتِمَال كَمَا تَقُول أَعْجَبَنِي يَوْم الْجُمُعَة صَوْم فِيهِ وَسَرَّنِي زَيْد حُبّ النَّاس لَهُ ا ه . وَثُبُوت الْوَاو يَرُدّ عَلَى رَدّه ، وَقَدْ قَالَ عِيَاض : يَجُوز فِي " حُبّ " الرَّفْع عَلَى أَنَّهُ عَطْف بَيَان أَوْ بَدَل اِشْتِمَال ، أَوْ عَلَى حَذْف حَرْف الْعَطْف ، قَالَ : وَضَبَطَهُ بَعْضهمْ بِالنَّصْبِ عَلَى نَزْعِ الْخَافِض . وَقَالَ اِبْن التِّين : حُبّ فَاعِل وَحُسْنهَا بِالنَّصْبِ مَفْعُول مِنْ أَجْلِهِ وَالتَّقْدِير أَعْجَبَهَا حُبّ رَسُول اللَّه إِيَّاهَا مِنْ أَجْلِ حُسْنهَا ، قَالَ : وَالضَّمِير الَّذِي يَلِي أَعْجَبَهَا مَنْصُوب فَلَا يَصِحّ بَدَل الْحُسْن مِنْهُ وَلَا الْحُبّ ، وَزَادَ عُبَيْد فِي هَذِهِ الرِّوَايَة " ثُمَّ خَرَجْت حَتَّى دَخَلْت عَلَى أُمّ سَلَمَة لِقَرَابَتِي مِنْهَا " يَعْنِي لِأَنَّ أُمّ عُمَر كَانَتْ مَخْزُومِيَّة مِثْل أُمّ سَلَمَة ، وَهِيَ أُمّ سَلَمَة بِنْت أَبِي أُمَيَّة بْن الْمُغِيرَة ، وَوَالِدَة عُمَر حَنْتَمَة بِنْت هَاشِم بْن الْمُغِيرَة . فَهِيَ بِنْت عَمّ أُمّه ، وَفِي رِوَايَة يَزِيد بْن رُومَان " وَدَخَلْت عَلَى أُمّ سَلَمَة وَكَانَتْ خَالَتِي " وَكَأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهَا خَالَة لِكَوْنِهَا فِي دَرَجَة أُمّه ، وَهِيَ بِنْت عَمّهَا . وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون ارْتَضَعَتْ مَعَهَا أَوْ أُخْتهَا مِنْ أُمّهَا .
قَوْله ( دَخَلْت فِي كُلّ شَيْء )
يَعْنِي مِنْ أُمُور النَّاس ، وَأَرَادَتْ الْغَالِب بِدَلِيلِ قَوْلهَا " حَتَّى تَبْتَغِي أَنْ تَدْخُل بَيْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَزْوَاجه " فَإِنَّ ذَلِكَ قَدْ دَخَلَ فِي عُمُوم قَوْلهَا " كُلّ شَيْء " لَكِنَّهَا لَمْ تَرُدّهُ . مَنَعَهُ عَمَّا يُرِيد أَنْ يَفْعَلهُ
قَوْله ( فَأَخَذَتْنِي وَاللَّه أَخْذًا )
أَيْ مَنَعَتْنِي مِنْ الَّذِي كُنْت أُرِيدهُ ، تَقُول أَخَذَ فُلَان عَلَى يَد فُلَان أَيْ مَنَعَهُ عَمَّا يُرِيد أَنْ يَفْعَلهُ .
قَوْله ( كَسَرَتْنِي عَنْ بَعْض مَا كُنْت أَجِد )
أَيْ أَخَذَتْنِي بِلِسَانِهَا أَخْذًا دَفَعَنِي عَنْ مَقْصِدِي وَكَلَامِي ؛ وَفِي رِوَايَة لِابْنِ سَعْد " فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَة : أَيْ وَاللَّه ، إِنَّا لِنُكَلِّمهُ . فَإِنْ تَحْمِل ذَلِكَ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ ، وَإِنْ نَهَانَا عَنْهُ كَانَ أَطْوَع عِنْدنَا مِنْك ، قَالَ عُمَر : فَنَدِمْت عَلَى كَلَامِي لَهُنَّ " وَفِي رِوَايَة يَزِيد بْن رُومَان " مَا يَمْنَعنَا أَنْ نَغَار عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَزْوَاجكُمْ يَغَرْنَ عَلَيْكُمْ " وَكَانَ الْحَامِل لِعُمَر عَلَى مَا وَقَعَ مِنْهُ شِدَّة شَفَقَته وَعِظَم نَصِيحَته فَكَانَ يَبْسُط عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُول لَهُ اِفْعَلْ كَذَا وَلَا تَفْعَل كَذَا ، كَقَوْلِهِ اُحْجُبْ نِسَاءَك . وَقَوْله لَا تُصَلِّ عَلَى عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ وَغَيْر ذَلِكَ ، وَكَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَمِل ذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِصِحَّةِ نَصِيحَته وَقُوَّته فِي الْإِسْلَام . وَقَدْ أَخْرَجَ الْمُصَنِّف فِي تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة مِنْ حَدِيث أَنَس عَنْ عُمَر قَالَ " وَافَقْت اللَّه فِي ثَلَاث " الْحَدِيث وَفِيهِ " وَبَلَغَنِي مُعَاتَبَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْض نِسَائِهِ فَدَخَلْت عَلَيْهِنَّ فَقُلْت : لَئِنْ اِنْتَهَيْتُنَّ أَوْ لَيُبَدّلَنّ اللَّه رَسُوله خَيْرًا مِنْكُنَّ ، حَتَّى أَتَيْت إِحْدَى نِسَائِهِ فَقَالَتْ : يَا عُمَر ، أَمَا فِي رَسُول اللَّه مَا يَعِظ نِسَاءَهُ حَتَّى تَعِظهُنَّ أَنْتَ " ؟ وَهَذِهِ الْمَرْأَة هِيَ زَيْنَب بِنْت جَحْش كَمَا أَخْرَجَ الْخَطِيب فِي " الْمُبْهَمَات " ، وَجَوَّزَ بَعْضهمْ أَنَّهَا أُمّ سَلَمَة لِكَلَامِهَا الْمَذْكُور فِي رِوَايَة اِبْن عَبَّاس عَنْ عُمَر هُنَا ، لَكِنَّ التَّعَدُّد أَوْلَى ، فَإِنَّ فِي بَعْض طُرُق هَذَا الْحَدِيث عِنْد أَحْمَد وَابْن مَرْدَوَيْهِ " وَبَلَغَنِي مَا كَانَ مِنْ أُمَّهَات الْمُؤْمِنِينَ فَاسْتَقْرَيْتهنَّ أَقُول لَتَكُفّنّ " الْحَدِيث ، وَيُؤَيِّد التَّعَدُّد اِخْتِلَاف الْأَلْفَاظ فِي جَوَابَيْ أُمّ سَلَمَة وَزَيْنَب وَاللَّه أَعْلَم .
قَوْله ( وَكُنَّا قَدْ تَحَدَّثْنَا أَنَّ غَسَّان تَنْعِل الْخَيْل )
فِي الْمَظَالِم بِلَفْظِ " تَنْعِل النِّعَال " أَيْ تَسْتَعْمِل النِّعَال وَهِيَ نِعَال الْخَيْل ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون بِالْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ الْمُعْجَمَة وَيُؤَيِّدهُ لَفْظ الْخَيْل فِي هَذِهِ الرِّوَايَة ، و " تَنْعِل " فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِفَتْحِ أَوَّله ، وَأَنْكَرَ الْجَوْهَرِيّ ذَلِكَ فِي الدَّابَّة فَقَالَ : أَنْعَلْتُ الدَّابَّة وَلَا تَقُلْ نَعَلْتُ ، فَيَكُون عَلَى هَذَا بِضَمِّ أَوَّله . وَحَكَى عِيَاض فِي تُنْعِل الْخَيْل الْوَجْهَيْنِ ، وَغَفَلَ بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ فَرَدَّ عَلَيْهِ وَقَالَ : الْمَوْجُود فِي الْبُخَارِيّ تَنْعِل النِّعَال فَاعْتَمَدَ عَلَى الرِّوَايَة الَّتِي فِي الْمَظَالِم ، وَلَمْ يَسْتَحْضِر الَّتِي هُنَا وَهِيَ الَّتِي تَكَلَّمَ عَلَيْهَا عِيَاض .
قَوْله ( لِتَغْزُونَا )
وَقَعَ فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْن " وَنَحْنُ نَتَخَوَّف مَلِكًا مِنْ مُلُوك غَسَّان ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُرِيد أَنْ يَسِير إِلَيْنَا ، فَقَدْ اِمْتَلَأَتْ صُدُورنَا مِنْهُ " وَفِي رِوَايَته الَّتِي فِي اللِّبَاس " وَكَانَ مَنْ حَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ اِسْتَقَامَ لَهُ ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مَلِك غَسَّان بِالشَّامِ كُنَّا نَخَاف أَنْ يَأْتِينَا " وَفِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيِّ " وَلَمْ يَكُنْ أَحَد أَخْوَف عِنْدنَا مِنْ أَنْ يَغْزُونَا مَلِك مِنْ مُلُوك غَسَّان " .
قَوْله ( فَنَزَلَ صَاحِبِي الْأَنْصَارِيّ يَوْم نَوْبَته ، فَرَجَعَ إِلَيْنَا عِشَاء ، فَضَرَبَ بَابِي ضَرْبًا شَدِيدًا وَقَالَ : أَثَمَّ هُوَ ) ؟
أَيْ فِي الْبَيْت ، وَذَلِكَ لِبُطْءِ إِجَابَتهمْ لَهُ فَظَنَّ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْبَيْت ، وَفِي رِوَايَة عُقَيْل " أَنَائِم هُوَ " ؟ وَهِيَ أَوْلَى .
قَوْله ( فَفَزِعْت )
أَيْ خِفْت مِنْ شِدَّة ضَرْبِ الْبَاب بِخِلَافِ الْعَادَة .
قَوْله ( فَخَرَجْت إِلَيْهِ فَقَالَ : قَدْ حَدَث الْيَوْم أَمْر عَظِيم . قُلْت : مَا هُوَ ؟ أَجَاءَ غَسَّان )
فِي رِوَايَة مَعْمَر " أَجَاءَتْ " ، وَفِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْن " أَجَاءَ الْغَسَّانِيّ " وَقَدْ تَقَدَّمَتْ تَسْمِيَته فِي كِتَاب الْعِلْم .
قَوْله ( لَا ، بَلْ أَعْظَم مِنْ ذَلِكَ وَأَهْوَل )
هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عُمَر ، لِكَوْنِ حَفْصَة بِنْته مِنْهُنَّ .
قَوْله ( طَلَّقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ )
كَذَا وَقَعَ فِي جَمِيع الطُّرُق عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي ثَوْر " طَلَّقَ " بِالْجَزْمِ ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عَمْرَة عَنْ عَائِشَة عِنْد اِبْن سَعْد " فَقَالَ الْأَنْصَارِيّ : أَمْر عَظِيم . فَقَالَ عُمَر : لَعَلَّ الْحَارِث بْن أَبِي شِمْر سَارَ إِلَيْنَا . فَقَالَ الْأَنْصَارِيّ : أَعْظَم مِنْ ذَلِكَ . قَالَ : مَا هُوَ ؟ قَالَ : مَا أُرَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَدْ طَلَّقَ نِسَاءَهُ " وَأَخْرَجَ نَحْوه مِنْ رِوَايَة الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة وَسَمَّى الْأَنْصَارِيّ أَوْس بْن خَوْلِيّ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَوَقَعَ قَوْله " طَلَّقَ " مَقْرُونًا بِالظَّنِّ .
قَوْله ( وَقَالَ عُبَيْد بْن حُنَيْن سَمِعَ اِبْن عَبَّاس عَنْ عُمَر )
يَعْنِي بِهَذَا الْحَدِيث ( فَقَالَ ) يَعْنِي الْأَنْصَارِيّ
( اِعْتَزَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْوَاجه )
لَمْ يَذْكُر الْبُخَارِيّ هُنَا مِنْ رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْن إِلَّا هَذَا الْقَدْر ، وَأَمَّا مَا بَعْده وَهُوَ قَوْله " فَقُلْت خَابَتْ حَفْصَة وَخَسِرَتْ " فَهُوَ بَقِيَّة رِوَايَة اِبْن أَبِي ثَوْر ، لِأَنَّ هَذَا التَّعْلِيق قَدْ وَصَلَهُ الْمُؤَلِّف فِي تَفْسِير سُورَة التَّحْرِيم بِلَفْظِ " فَقُلْت جَاءَ الْغَسَّانِيّ ؟ فَقَالَ : بَلْ أَشَدّ مِنْ ذَلِكَ ، اِعْتَزَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْوَاجه . فَقُلْت : رَغِمَ أَنْف حَفْصَة وَعَائِشَة " وَظَنَّ بَعْض النَّاس أَنَّ مِنْ قَوْله " اِعْتَزَلَ " إِلَى آخِر الْحَدِيث مِنْ سِيَاق الطَّرِيق الْمُعَلَّق ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا بَيَّنْته ، وَالْمَوْقِع فِي ذَلِكَ إِيرَاد الْبُخَارِيّ بِهَذِهِ اللَّفْظَة الْمُعَلَّقَة عَنْ عُبَيْد بْن حُنَيْن فِي أَثْنَاء الْمَتْن الْمُسَاق مِنْ رِوَايَة اِبْن أَبِي ثَوْر ، فَصَارَ الظَّاهِر أَنَّهُ تَحَوَّلَ إِلَى سِيَاق عُبَيْد بْن حُنَيْن ، وَقَدْ سَلِمَ مِنْ هَذَا الْإِشْكَال النَّسَفِيّ فَلَمْ يَسُقْ الْمَتْن وَلَا الْقَدْر الْمُعَلَّق بَلْ قَالَ " فَذَكَرَ الْحَدِيث " وَاجْتَزَأَ بِمَا وَقَعَ مِنْ طَرِيق اِبْن أَبِي ثَوْر فِي الْمَظَالِم وَمِنْ طَرِيق عُبَيْد بْن حُنَيْن فِي تَفْسِير التَّحْرِيم ، وَوَقَعَ فِي " مُسْتَخْرَج أَبِي نُعَيْم " ذِكْرُ الْقَدْر الْمُعَلَّق عَنْ عُبَيْد بْن حُنَيْن فِي آخِر الْحَدِيث وَلَا إِشْكَال فِيهِ ، وَكَأَنَّ الْبُخَارِيّ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّن أَنَّ هَذَا اللَّفْظ وَهُوَ " طَلَّقَ نِسَاءَهُ " لَمْ تَتَّفِق الرِّوَايَات عَلَيْهِ ، فَلَعَلَّ بَعْضهمْ رَوَاهَا بِالْمَعْنَى ، نَعَمْ وَقَعَ عِنْد مُسْلِم مِنْ طَرِيق سِمَاك بْن زُمَيْل عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ عُمَر قَالَ " فَدَخَلْت الْمَسْجِد فَإِذَا النَّاس يَقُولُونَ : طَلَّقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ " وَعِنْد اِبْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيق سَلَمَة بْن كُهَيْل عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ عُمَر قَالَ " لَقِيَنِي عَبْد اللَّه بْن عُمَر بِبَعْضِ طُرُق الْمَدِينَة فَقَالَ : أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ نِسَاءَهُ " وَهَذَا إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا حُمِلَ عَلَى أَنَّ اِبْن عُمَر لَاقَى أَبَاهُ وَهُوَ جَاءَ مِنْ مَنْزِله فَأَخْبَرَهُ بِمِثْلِ مَا أَخْبَرَهُ بِهِ الْأَنْصَارِيّ ، وَلَعَلَّ الْجَزْم وَقَعَ مِنْ إِشَاعَة بَعْض أَهْل النِّفَاق فَتَنَاقَلَهُ النَّاس ، وَأَصْله مَا وَقَعَ مِنْ اِعْتِزَال النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ وَلَمْ تَجْرِ عَادَته بِذَلِكَ فَظَنُّوا أَنَّهُ طَلَّقَهُنَّ ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُعَاتِب عُمَر الْأَنْصَارِيّ عَلَى مَا جَزَمَ لَهُ بِهِ مِنْ وُقُوع ذَلِكَ . وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث سِمَاك بْن الْوَلِيد عِنْد مُسْلِم فِي آخِره " وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْر مِنْ الْأَمْن أَوْ الْخَوْف أَذَاعُوا بِهِ - إِلَى قَوْله - يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) قَالَ : فَكُنْت أَنَا أَسْتَنْبِط ذَلِكَ الْأَمْر " وَالْمَعْنَى لَوْ رَدُّوهُ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَكُون هُوَ الْمُخْبِر بِهِ أَوْ إِلَى أُولِي الْأَمْر كَأَكَابِر الصَّحَابَة لَعَلِمُوهُ لِفَهْمِ الْمُرَاد مِنْهُ بِاسْتِخْرَاجِهِمْ بِالْفَهْمِ وَالتَّلَطُّف مَا يَخْفَى عَنْ غَيْرهمْ ، وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَاد بِالْإِذَاعَةِ قَوْلهمْ وَإِشَاعَتهمْ أَنَّهُ طَلَّقَ نِسَاءَهُ بِغَيْرِ تَحَقُّق وَلَا تَثَبُّت حَتَّى شَفَى عُمَر فِي الِاطِّلَاع عَلَى حَقِيقَة ذَلِكَ وَفِي الْمُرَاد بِالْمُذَاعِ ، وَفِي الْآيَة أَقْوَال أُخْرَى لَيْسَ هَذَا مَوْضِع بَسْطِهَا .
قَوْله ( خَابَتْ حَفْصَة وَخَسِرَتْ )
إِنَّمَا خَصَّهَا بِالذِّكْرِ لِمَكَانَتِهَا مِنْهُ لِكَوْنِهَا بِنْته . وَلِكَوْنِهِ كَانَ قَرِيب الْعَهْد بِتَحْذِيرِهَا مِنْ وُقُوع ذَلِكَ . وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حَنِين " فَقُلْت : رَغِمَ أَنْف حَفْصَة وَعَائِشَة " وَكَأَنَّهُ خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِكَوْنِهِمَا كَانَتَا السَّبَب فِي ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه .
قَوْله ( قَدْ كُنْت أَظُنّ هَذَا يُوشِك أَنْ يَكُون )
بِكَسْرِ الشِّين مِنْ " يُوشِك " أَيْ يَقْرُب ، وَذَلِكَ لِمَا كَانَ تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ أَنَّ مُرَاجَعَتهنَّ قَدْ تَقْضِي إِلَى الْغَضَب الْمُفْضِي إِلَى الْفُرْقَة .
قَوْله ( فَصَلَّيْت صَلَاة الْفَجْر مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
فِي رِوَايَة سِمَاك " دَخَلْت الْمَسْجِد فَإِذَا النَّاس يَنْكُثُونَ الْحَصَا وَيَقُولُونَ : طَلَّقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ ، وَذَلِكَ قَبْل أَنْ يُؤْمَرْنَ بِالْحِجَابِ " كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَة ، وَهُوَ غَلَط بَيِّنٌ فَإِنَّ نُزُول الْحِجَاب كَانَ فِي أَوَّل زَوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَب بِنْت جَحْش كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه وَاضِحًا فِي تَفْسِير سُورَة الْأَحْزَاب ، وَهَذِهِ الْقِصَّة كَانَتْ سَبَب نُزُول آيَة التَّخْيِير وَكَانَتْ زَيْنَب بِنْت جَحْش فِيمَنْ خُيِّرَ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ عُمَر لَهَا فِي قَوْله " وَلَا حُسْن زَيْنَب بِنْت جَحْش " وَسَيَأْتِي بَعْد ثَمَانِيَة أَبْوَاب مِنْ طَرِيق أَبِي الضُّحَى عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ " أَصْبَحْنَا يَوْمًا وَنِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْكِينَ ، فَخَرَجْت إِلَى الْمَسْجِد فَجَاءَ عُمَر فَصَعِدَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي غُرْفَة لَهُ " فَذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّة مُخْتَصَرًا ، فَحُضُور اِبْن عَبَّاس وَمُشَاهَدَته لِذَلِكَ يَقْتَضِي تَأَخُّر هَذِهِ الْقِصَّة عَنْ الْحِجَاب ، فَإِنَّ بَيْن الْحِجَاب وَانْتِقَال اِبْن عَبَّاس إِلَى الْمَدِينَة مَعَ أَبَوَيْهِ نَحْو أَرْبَع سِنِينَ ، لِأَنَّهُمْ قَدِمُوا بَعْد فَتْح مَكَّة ، فَآيَة التَّخْيِير عَلَى هَذَا نَزَلَتْ سَنَة تِسْع لِأَنَّ الْفَتْح كَانَ سَنَة ثَمَان وَالْحِجَاب كَانَ سَنَة أَرْبَع أَوْ خَمْس ، وَهَذَا مِنْ رِوَايَة عِكْرِمَة بْن عَمَّار بِالْإِسْنَادِ الَّذِي أَخْرَجَ بِهِ مُسْلِم أَيْضًا قَوْل أَبِي سُفْيَان " عِنْدِي أَجْمَل الْعَرَب أُمّ حَبِيبَة أُزَوِّجكهَا ، قَالَ نَعَمْ " وَأَنْكَرَهُ الْأَئِمَّة وَبَالَغَ اِبْن حَزْم فِي إِنْكَاره ، وَأَجَابُوا بِتَأْوِيلَاتٍ بَعِيدَة ، وَلَمْ يَتَعَرَّض لِهَذَا الْمَوْضِع وَهُوَ نَظِير ذَلِكَ الْمَوْضِع ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّق . وَأَحْسَن مَحَامِله عِنْدِي أَنْ يَكُون الرَّاوِي لَمَّا رَأَى قَوْل عُمَر أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَة ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْل الْحِجَاب فَجَزَمَ بِهِ ، لَكِنَّ جَوَابه أَنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ الدُّخُول رَفْع الْحِجَاب فَقَدْ دَخَلَ مِنْ الْبَاب وَتُخَاطِبهُ مِنْ وَرَاء الْحِجَاب ، كَمَا لَا يَلْزَم مِنْ وَهْمِ الرَّاوِي فِي لَفْظَة مِنْ الْحَدِيث أَنْ يُطْرَح حَدِيثه كُلّه . وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَة مَوْضِع آخَر مُشْكِل ، وَهُوَ قَوْله فِي آخِر الْحَدِيث بَعْد قَوْله فَضَحِكَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَنَزَلَ رَسُول اللَّه وَنَزَلْت أَتَشَبَّث بِالْجِذْعِ ، وَنَزَلَ رَسُوله اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّمَا يَمْشِي عَلَى الْأَرْض مَا يَمَسّهُ بِيَدِهِ ، فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه إِنَّمَا كُنْت فِي الْغُرْفَة تِسْعًا وَعِشْرِينَ " فَإِنَّ ظَاهِره أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ عَقِب مَا خَاطَبَهُ عُمَر فَيَلْزَم مِنْهُ أَنْ يَكُون عُمَر تَأَخَّرَ كَلَامه مَعَهُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا ، وَسِيَاق غَيْره ظَاهِر فِي أَنَّهُ تَكَلَّمَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْم ، وَكَيْف يُمْهِل عُمَر تِسْعًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا لَا يَتَكَلَّم فِي ذَلِكَ وَهُوَ مُصَرَّح بِأَنَّهُ لَمْ يَصْبِر سَاعَة فِي الْمَسْجِد حَتَّى يَقُوم وَيَرْجِع إِلَى الْغُرْفَة وَيَسْتَأْذِن ، وَلَكِنَّ تَأْوِيل هَذَا سَهْل ، وَهُوَ أَنْ يَحْمِل قَوْله " فَنَزَلَ " أَيْ بَعْد أَنْ مَضَتْ الْمُدَّة ، وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَتَرَدَّد إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تِلْكَ الْمُدَّة الَّتِي حَلَفَ عَلَيْهَا ، فَاتَّفَقَ أَنَّهُ كَانَ عِنْده عِنْد إِرَادَته النُّزُول فَنَزَلَ مَعَهُ ، ثُمَّ خَشِيَ أَنْ يَكُون نَسِيَ فَذَكَّرَهُ كَمَا ذَكَّرَتْهُ عَائِشَة سَيَأْتِي ، وَمِمَّا يُؤَيِّد تَأَخُّر قِصَّة التَّخْيِير مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْل عُمَر فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْنٍ الَّتِي قَدَّمْت الْإِشَارَة إِلَيْهَا فِي الْمَظَالِم " وَكَانَ مَنْ حَوْل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ اِسْتَقَامَ لَهُ إِلَّا مَلِك غَسَّان بِالشَّامِ " فَإِنَّ الِاسْتِقَامَة الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا إِنَّمَا وَقَعَتْ بَعْد فَتْح مَكَّة ، وَقَدْ مَضَى فِي غَزْوَة الْفَتْح مِنْ حَدِيث عَمْرو بْن سَلَمَة الْجَرْمِيّ " وَكَانَتْ الْعَرَب تَلُوم بِإِسْلَامِهِمْ الْفَتْح فَيَقُولُونَ : اُتْرُكُوهُ وَقَوْمه ، فَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ نَبِيّ ، فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَة الْفَتْح بَادَرَ كُلّ قَوْم بِإِسْلَامِهِمْ " ا ه . وَالْفَتْح كَانَ فِي رَمَضَان سَنَة ثَمَان ، وَرُجُوع النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَة فِي أَوَاخِر ذِي الْقَعْدَة مِنْهَا فَلِهَذَا كَانَتْ سَنَة تِسْع تُسَمَّى سَنَة الْوُفُود لِكَثْرَةِ مَنْ وَفَدَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَرَب . فَظَهَرَ أَنَّ اِسْتِقَامَة مَنْ حَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَتْ بَعْد الْفَتْح فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ التَّخْيِير كَانَ فِي أَوَّل سَنَة تِسْع كَمَا قَدَّمْته . وَمِمَّنْ جَزَمَ بِأَنَّ آيَة التَّخْيِير كَانَتْ سَنَة تِسْع الدِّمْيَاطِيّ وَأَتْبَاعه وَهُوَ الْمُعْتَمَد .
قَوْله ( وَدَخَلْت عَلَى حَفْصَة فَإِذَا هِيَ تَبْكِي )
فِي رِوَايَة سِمَاك أَنَّهُ " دَخَلَ أَوَّلًا عَلَى عَائِشَة فَقَالَ : يَا بِنْت أَبِي بَكْر ؛ أَقَدْ بَلَغَ مِنْ شَأْنك أَنْ تُؤْذِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَتْ : مَا لِي وَلَك يَا اِبْن الْخَطَّاب ؟ عَلَيْك بِعَيْبَتِك " وَهِيَ بِعَيْنٍ مُهْمَلَة مَفْتُوحَة وَتَحْتَانِيَّة سَاكِنَة بَعْدهَا مُوَحَّدَة ثُمَّ مُثَنَّاة أَيْ عَلَيْك بِخَاصَّتِك وَمَوْضِع سِرّك ، وَأَصْل الْعَيْبَة الْوِعَاء الَّذِي تُجْعَل فِيهِ الثِّيَاب وَنَفِيس الْمَتَاع ، فَأَطْلَقَتْ عَائِشَة عَلَى حَفْصَة أَنَّهَا عَيْبَة عُمَر بِطَرِيقِ التَّشْبِيه ، وَمُرَادهَا عَلَيْك بِوَعْظِ اِبْنَتك .
قَوْله ( أَلَم أَكُنْ حَذَّرْتُك )
زَادَ فِي رِوَايَة سِمَاك " لَقَدْ عَلِمْت أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُحِبّك ، وَلَوْلَا أَنَا لَطَلَّقَك ، فَبَكَتْ أَشَدّ الْبُكَاء " لِمَا اِجْتَمَعَ عِنْدهَا مِنْ الْحُزْن عَلَى فِرَاق رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِمَا تَتَوَقَّعهُ مِنْ شِدَّة غَضَب أَبِيهَا عَلَيْهَا ، وَقَدْ قَالَ لَهَا فِيمَا أَخْرَجَهُ اِبْن مَرْدَوَيْهِ : وَاللَّه إِنْ كَانَ طَلَّقَك لَا أُكَلِّمك أَبَدًا وَأَخْرَجَ اِبْن سَعْد وَالدَّارِمِيُّ وَالْحَاكِم أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَ حَفْصَة ثُمَّ رَاجَعَهَا ، وَلِابْنِ سَعْد مِثْله مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس عَنْ عُمَر وَإِسْنَاده حَسَن ، وَمِنْ طَرِيق قَيْس بْن زَيْد مِثْله وَزَادَ " فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ جِبْرِيل أَتَانِي فَقَالَ لِي : رَاجِع حَفْصَة فَإِنَّهَا صَوَّامَة قَوَّامَة ، وَهِيَ زَوْجَتك فِي الْجَنَّة " وَقَيْس مُخْتَلَف فِي صُحْبَته ، وَنَحْوه عِنْده مِنْ مُرْسَل مُحَمَّد بْن سِيرِينَ .
قَوْله ( هَا هُوَ ذَا مُعْتَزِل فِي الْمَشْرُبَة )
فِي رِوَايَة سَمَاك " فَقُلْت لَهَا أَيْنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَتْ : هُوَ فِي خِزَانَته فِي الْمَشْرُبَة " وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَبْط الْمَشْرُبَة وَتَفْسِيرهَا فِي كِتَاب الْمَظَالِم وَأَنَّهَا بِضَمِّ الرَّاء وَبِفَتْحِهَا وَجَمْعهَا مَشَارِب وَمَشْرُبَات .
قَوْله ( فَخَرَجْت فَجِئْت إِلَى الْمِنْبَر فَإِذَا حَوْله رَهْط يَبْكِي بَعْضهمْ )
لَمْ أَقِف عَلَى تَسْمِيَتهمْ ، وَفِي رِوَايَة سِمَاك بْن الْوَلِيد " دَخَلْت الْمَسْجِد فَإِذَا النَّاس يَنْكُثُونَ بِالْحَصَا " أَيْ يَضْرِبُونَ بِهِ الْأَرْض كَفِعْلِ الْمَهْمُوم الْمُفَكِّر .
قَوْله ( ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِد )
أَيْ مِنْ شُغُلِ قَلْبه بِمَا بَلَغَهُ مِنْ اِعْتِزَال النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُون إِلَّا عَنْ غَضَب مِنْهُ ، وَلِاحْتِمَالِ صِحَّة مَا أُشِيعَ مِنْ تَطْلِيق نِسَائِهِ وَمِنْ جُمْلَتهنَّ حَفْصَة بِنْت عُمَر فَتَنْقَطِع الْوُصْلَة بَيْنهمَا ، وَفِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّة عَلَيْهِ مَا لَا يَخْفَى .
قَوْله ( فَقُلْت لِغُلَامٍ لَهُ أَسْوَد )
فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْنٍ " فَإِذَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَشْرُبَة يَرْقَى عَلَيْهَا بِعَجَلَةٍ وَغُلَام لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْوَد عَلَى رَأْس الْعَجَلَة " وَاسْم هَذَا الْغُلَام رَبَاح بِفَتْحِ الرَّاء وَتَخْفِيف الْمُوَحَّدَة سَمَّاهُ سِمَاك فِي رِوَايَته وَلَفْظه " فَدَخَلْت فَإِذَا أَنَا بِرَبَاحٍ غُلَام رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِد عَلَى أُسْكُفَّة الْمَشْرُبَة مُدَلٍّ رِجْلَيْهِ عَلَى نَقِير مِنْ خَشَب ، وَهُوَ جِذْع يَرْقَى عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْحَدِر " وَعُرِفَ بِهَذَا تَفْسِير الْعَجَلَة الْمَذْكُورَة فِي رِوَايَة غَيْره ، وَسَيَأْتِي حَدِيث أَبِي الضُّحَى الَّذِي أَشَرْت إِلَى بَحْث فِي ذَلِكَ . وَالْأُسْكُفَّة فِي رِوَايَته بِضَمِّ الْهَمْزَة وَالْكَاف بَيْنهمَا مُهْمَلَة ثُمَّ فَاء مُشَدَّدَة هِيَ عَتَبَة الْبَاب السُّفْلَى ، وَقَوْله " عَلَى نَقِير " بِنُونِ ثُمَّ قَاف بِوَزْنِ عَظِيم أَيْ مَنْقُور ، وَوَقَعَ فِي بَعْض رِوَايَات مُسْلِم بِفَاءٍ بَدَل النُّون وَهُوَ الَّذِي جُعِلَتْ فِيهِ فِقَرٌ كَالدَّرَجِ .
قَوْله ( اِسْتَأْذِنْ لِعُمَر )
فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْنٍ " فَقُلْت لَهُ قُلْ هَذَا عُمَر بْن الْخَطَّاب " .
قَوْله ( فَصَمَتَ )
بِفَتْحِ الْمِيم أَيْ سَكَتَ ، وَفِي رِوَايَة سِمَاك " فَنَظَرَ رَبَاح إِلَى الْغُرْفَة ثُمَّ نَظَر إِلَيَّ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا " وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَتَانِ عَلَى أَنَّهُ أَعَادَ الذَّهَاب وَالْمَجِيء ثَلَاث مَرَّات ، لَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي رِوَايَة سِمَاك بَلْ ظَاهِر رِوَايَته أَنَّهُ أَعَادَ الِاسْتِئْذَان فَقَطْ ، وَلَمْ يَقَع شَيْء مِنْ ذَلِكَ فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْنٍ ، وَمَنْ حَفِظَ حُجَّة عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظ . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَرَّتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ كَانَ نَائِمًا ، أَوْ ظَنَّ أَنَّ عُمَر جَاءَ يَسْتَعْطِفهُ عَلَى أَزَوَاحه لِكَوْنِ حَفْصَة اِبْنَته مِنْهُنَّ .
قَوْله ( فَنَكَسْت مُنْصَرِفًا )
أَيْ رَجَعْت إِلَى وَرَائِي
( فَإِذَا الْغُلَام يَدْعُونِي )
وَفِي رِوَايَة مَعْمَر " فَوَلَّيْت مُدْبِرًا " وَفِي رِوَايَة سِمَاك " ثُمَّ رَفَعْت صَوْتِي فَقُلْت : يَا رَبَاح اِسْتَأْذِنْ لِي فَإِنِّي أَظُنّ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَنَّ أَنِّي جِئْت مِنْ أَجْلِ حَفْصَة ، وَاللَّه لَئِنْ أَمَرَنِي بِضَرْبِ عُنُقهَا لَأَضْرِبَنّ عُنُقهَا " وَهَذَا يُقَوِّي الِاحْتِمَال الثَّانِي لِأَنَّهُ لَمَّا صَرَّحَ فِي حَقّ اِبْنَته بِمَا قَالَ كَانَ أَبْعَد أَنْ يَسْتَعْطِفهُ لِضَرَائِرِهَا .
قَوْله ( فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِع عَلَى رِمَال )
بِكَسْرِ الرَّاء وَقَدْ تُضَمّ ، وَفِي رِوَايَة مَعْمَر " عَلَى رَمْل بِسُكُونِ الْمِيم وَالْمُرَاد بِهِ النَّسْج تَقُول رَمَلْت الْحَصِير وَأَرْمَلْته إِذَا نَسَجْته وَحَصِير مَرْمُول أَيْ مَنْسُوج ، وَالْمُرَاد هُنَا أَنَّ سَرِيره كَانَ مَرْمُولًا بِمَا يُرْمَل بِهِ الْحَصِير . وَوَقَعَ فِي رِوَايَة أُخْرَى " عَلَى رِمَال سَرِير " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة سِمَاك " عَلَى حَصِير وَقَدْ أَثَّرَ الْحَصِير فِي جَنْبه " وَكَأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهِ حَصِيرًا تَغْلِيبًا . وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : رِمَال الْحَصِير ضُلُوعه الْمُتَدَاخِلَة بِمَنْزِلَةِ الْخُيُوط فِي الثَّوْب ، فَكَأَنَّهُ عِنْده اِسْم جَمْع . وَقَوْله " لَيْسَ بَيْنه وَبَيْنه فِرَاش قَدْ أَثَّرَ الرِّمَال بِجَنْبِهِ " يُؤَيِّد مَا قَدَّمْته أَنَّهُ أُطْلِقَ عَلَى نَسْج السَّرِير حَصِيرًا .
قَوْله ( فَقُلْت وَأَنَا قَائِم : أَطَلَّقْت نِسَاءَك ؟ فَرَفَعَ إِلَيَّ بَصَره فَقَالَ : لَا . فَقُلْت : اللَّه أَكْبَر )
قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : لَمَّا ظَنَّ الْأَنْصَارِيّ أَنَّ الِاعْتِزَال طَلَاق أَوْ نَاشِئ عَنْ طَلَاق أَخْبَرَ عُمَر بِوُقُوعِ الطَّلَاق جَازِمًا بِهِ ، فَلَمَّا اِسْتَفْسَرَ عُمَر عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَجِد لَهُ حَقِيقَة كَبَّرَ تَعَجُّبًا مِنْ ذَلِكَ ا ه . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون كَبَّرَ اللَّه حَامِدًا لَهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ عَدَم وُقُوع الطَّلَاق . وَفِي حَدِيث أُمّ سَلَمَة عِنْد اِبْن سَعْد " فَكَبَّرَ عُمَر تَكْبِيرَة سَمِعْنَاهَا وَنَحْنُ فِي بُيُوتنَا ، فَعَلِمْنَا أَنَّ عُمَر سَأَلَهُ أَطَلَّقْت نِسَاءَك فَقَالَ لَا فَكَبَّرَ ، حَتَّى جَاءَنَا الْخَبَر بَعْد " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة سِمَاك " فَقُلْت يَا رَسُول اللَّه أَطَلَّقْتهُنَّ ؟ قَالَ : لَا . قُلْت : إِنِّي دَخَلْت الْمَسْجِد وَالْمُسْلِمُونَ يَنْكُثُونَ الْحَصَا يَقُولُونَ طَلَّقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ ، أَفَأَنْزِل فَأُخْبِرهُمْ أَنَّك لَمْ تُطَلِّقهُنَّ ؟ قَالَ : نَعَمْ إِنْ شِئْت " وَفِيهِ " فَقُمْت عَلَى بَاب الْمَسْجِد فَنَادَيْت بِأَعْلَى صَوْتِي : لَمْ يُطَلِّق نِسَاءَهُ " .
قَوْله ( ثُمَّ قُلْت وَأَنَا قَائِم أَسْتَأْنِس : يَا رَسُول اللَّه لَوْ رَأَيْتنِي )
يَحْتَمِل أَنْ يَكُون قَوْله اِسْتِفْهَامًا بِطَرِيقِ الِاسْتِئْذَان ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون حَالًا مِنْ الْقَوْل الْمَذْكُور بَعْده وَهُوَ ظَاهِر سِيَاق هَذِهِ الرِّوَايَة ، وَجَزَمَ الْقُرْطُبِيّ بِأَنَّهُ لِلِاسْتِفْهَامِ فَيَكُون أَصْله بِهَمْزَتَيْنِ تُسَهَّل إِحْدَاهُمَا وَقَدْ تُحْذَف تَخْفِيفًا وَمَعْنَاهُ اِنْبَسَطَ فِي الْحَدِيث وَاسْتَأْذَنَ فِي ذَلِكَ لِقَرِينَةِ الْحَال الَّتِي كَانَ فِيهَا لِعِلْمِهِ بِأَنَّ بِنْته كَانَتْ السَّبَب فِي ذَلِكَ فَخَشِيَ أَنْ يَلْحَقهُ هُوَ شَيْء مِنْ الْمَعْتَبَة ، فَبَقِيَ كَالْمُنْقَبِضِ ، عَنْ الِابْتِدَاء بِالْحَدِيثِ حَتَّى اِسْتَأْذَنَ فِيهِ .
قَوْله ( يَا رَسُول اللَّه ، لَوْ رَأَيْتنِي وَكُنَّا مَعْشَر قُرَيْش نَغْلِب النِّسَاء )
فَسَاقَ مَا تَقَدَّمَ ، وَكَذَا فِي رِوَايَة عُقَيْل ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَة مَعْمَر أَنَّ قَوْله " أَسْتَأْنِس " بَعْد سِيَاق الْقِصَّة وَلَفْظه " فَقُلْت : اللَّه أَكْبَر ، لَوْ رَأَيْتنَا يَا رَسُول اللَّه وَكُنَّا مَعْشَر قُرَيْش - فَسَاقَ الْقِصَّة - فَقُلْت أَسْتَأْنِس يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ : نَعَمْ " وَهَذَا يُعَيِّن الِاحْتِمَال الْأَوَّل ، وَهُوَ أَنَّهُ اِسْتَأْذَنَ فِي الِاسْتِئْنَاس فَلَمَّا أَذِنَ لَهُ فِيهِ جَلَسَ .
قَوْله ( ثُمَّ قُلْت : يَا رَسُول اللَّه لَوْ رَأَيْتنِي وَدَخَلْت عَلَى حَفْصَة - إِلَى قَوْله - فَتَبَسَّمَ تَبَسّمَة أُخْرَى )
الْجُمْلَة حَالِيَّة أَيْ حَال دُخُولِي عَلَيْهَا ، وَفِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْنٍ " فَذَكَرْت لَهُ الَّذِي قُلْت لَحَفْصَة وَأُمّ سَلَمَة فَضَحِكَ " وَفِي رِوَايَة سِمَاك " فَلَمْ أَزَل أُحَدِّثهُ حَتَّى تَحَسَّرَ الْغَضَب عَنْ وَجْهه ، وَحَتَّى كَشَّرَ فَضَحِكَ ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَن النَّاس ثَغْرًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَقَوْله تَحَسَّرَ بِمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ تَكَشَّفَ وَزْنًا وَمَعْنًى ، وَقَوْله كَشَّرَ بِفَتْحِ الْكَاف وَالْمُعْجَمَة أَيْ أَبْدَى أَسْنَانه ضَاحِكًا ، قَالَ اِبْن السِّكِّيت : كَشَّرَ وَتَبَسَّمَ وَابْتَسَمَ وَافَتَرَّ بِمَعْنًى ، فَإِذَا زَادَ قِيلَ قَهْقَهَ وَكَرْكَرَ ، وَقَدْ جَاءَ فِي صِفَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ ضَحِكه تَبَسُّمًا " .
قَوْله ( فَتَبَسَّمَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَسّمَة )
بِتَشْدِيدِ السِّين ، وَلِلكُشْمِيهَنِيّ " تَبْسِيمَة " .
قَوْله ( فَرَفَعْت بَصَرِي فِي بَيْته )
أَيْ نَظَرْت فِيهِ .
قَوْله ( غَيْر أَهَبَةٍ ثَلَاثَة )
فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ " ثَلَاث " ، الْأُهْبَة بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَالْهَاء وَبِضَمِّهَا أَيْضًا بِمَعْنَى الْأُهُب وَالْهَاء فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ وَهُوَ جَمْع إِهَاب عَلَى غَيْر قِيَاس ، وَهُوَ الْجِلْد قَبْل الدِّبَاغ ، وَقِيلَ هُوَ الْجِلْد مُطْلَقًا دُبِغَ أَوْ لَمْ يُدْبَغ ، وَالَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْمُرَاد بِهِ هُنَا جِلْد شُرِعَ فِي دَبْغه وَلَمْ يَكْمُل ، لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَة سِمَاك بْن الْوَلِيد " فَإِذَا أَفِيق مُعَلَّق " وَالْأَفِيق بِوَزْنِ عَظِيم الْجِلْد الَّذِي لَمْ يَتِمّ دِبَاغه ، يُقَال أَدَم وَأَدِيم وَأَفَق وَأَفِيق وَإِهَاب وَأَهَب وَعِمَاد وَعَمُود وَعُمُد ، وَلَمْ يَجِئ فَعِيلَ وَفَعُول عَلَى فَعَل بِفَتْحَتَيْنِ فِي الْجَمْع إِلَّا هَذِهِ الْأَحْرُف ، وَالْأَكْثَر أَنْ يَجِيء فُعُل بِضَمَّتَيْنِ ، وَزَادَ فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْنٍ " وَأَنَّ عِنْد رِجْلَيْهِ قَرَظًا - بِقَافٍ وَظَاء مُعْجَمَة - مَصْبُوبًا " بِمُوَحَّدَتَيْنِ ، وَفِي رِوَايَة أَبِي ذَرّ مَصْبُورًا بِرَاءٍ ، قَالَ النَّوَوِيّ ، وَوَقَعَ فِي بَعْض الْأُصُول " مَضْبُورًا " بِضَادٍ مُعْجَمَة وَهِيَ لُغَة ، وَالْمُرَاد بِالْمَصْبُورِ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُعْجَمَة الْمَجْمُوع ، وَلَا يُنَافِي كَوْنه مَصْبُوبًا بَلْ الْمُرَاد أَنَّهُ غَيْر مُنْتَثِر وَإِنْ كَانَ فِي غَيْر وِعَاء بَلْ هُوَ مَصْبُوب مُجْتَمِع ، وَفِي رِوَايَة سِمَاك " فَنَظَرْت فِي خِزَانَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِير نَحْو الصَّاع ، وَمِثْلهَا قَرَظًا فِي نَاحِيَة الْغُرْفَة " .
قَوْله ( اُدْعُ اللَّه فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتك )
فِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْنٍ " فَبَكَيْت ، فَقَالَ وَمَا يُبْكِيك ؟ فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّه إِنَّ كِسْرَى وَقَيْصَر فِيمَا هُمَا فِيهِ ، وَأَنْتَ رَسُول اللَّه " وَفِي رِوَايَة سِمَاك " فَابْتَدَرْت عَيْنَايَ فَقَالَ : مَا يُبْكِيك يَا اِبْن الْخَطَّاب ؟ فَقُلْت : وَمَا لِي لَا أَبْكِي وَهَذَا الْحَصِير قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبك ، وَهَذِهِ خِزَانَتك لَا أَرَى فِيهَا إِلَّا مَا أَرَى ، وَذَاكَ قَيْصَر وَكِسْرَى فِي الْأَنْهَار وَالثِّمَار : وَأَنْتَ رَسُول اللَّه وَصَفْوَته " .
قَوْله ( فَجَلَسَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ : أَوَ فِي هَذَا أَنْتَ يَا اِبْن الْخَطَّاب )
؟ فِي رِوَايَة مَعْمَر عِنْد مُسْلِم " أَوَ فِي شَكّ أَنْتَ يَا اِبْن الْخَطَّاب " ؟ وَكَذَا فِي رِوَايَة عُقَيْل الْمَاضِيَة فِي كِتَاب الْمَظَالِم ، وَالْمَعْنَى أَأَنْتَ فِي شَكّ فِي أَنَّ التَّوَسُّع فِي الْآخِرَة خَيْر مِنْ التَّوَسُّع فِي الدُّنْيَا ؟ وَهَذَا يُشْعِر بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَنَّ أَنَّهُ بَكَى مِنْ جِهَة الْأَمْر الَّذِي كَانَ فِيهِ وَهُوَ غَضَب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ حَتَّى اِعْتَزَلَهُنَّ ، فَلَمَّا ذَكَرَ لَهُ أَمْر الدُّنْيَا أَجَابَهُ بِمَا أَجَابَهُ .
قَوْله ( إِنَّ أُولَئِكَ قَوْم قَدْ عُجِّلُوا طَيِّبَاتهمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا )
وَفِي رِوَايَة عُبَيْد بْن حُنَيْنٍ " أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُون لَهُمْ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَة " ؟ وَفِي رِوَايَة لَهُ " لَهُمَا " بِالتَّثْنِيَةِ عَلَى إِرَادَة كِسْرَى وَقَيْصَر لِتَخْصِيصِهِمَا بِالذِّكْرِ ، وَالْأُخْرَى بِإِرَادَتِهِمَا وَمَنْ تَبِعَهُمَا أَوْ كَانَ عَلَى مِثْل حَالهمَا ، زَادَ فِي رِوَايَة سِمَاك " فَقُلْت بَلَى " .
قَوْله ( فَقُلْت يَا رَسُول اللَّه اِسْتَغْفِرْ لِي )
أَيْ عَنْ جَرَاءَتِي بِهَذَا الْقَوْل بِحَضْرَتِك ، أَوْ عَنْ اِعْتِقَادِي أَنَّ التَّجَمُّلَات الدُّنْيَوِيَّة مَرْغُوب فِيهَا ، أَوْ عَنْ إِرَادَتِي مَا فِيهِ مُشَابَهَة الْكُفَّار فِي مَلَابِسهمْ وَمَعَايِشهمْ .
قَوْله ( فَاعْتَزَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْحَدِيث الَّذِي أَفْشَتْهُ حَفْصَة إِلَى عَائِشَة )
كَذَا فِي هَذِهِ الطَّرِيق لَمْ يُفَسِّر الْحَدِيث الْمَذْكُور الَّذِي أَفْشَتْهُ حَفْصَة ، وَفِيهِ أَيْضًا " وَكَانَ قَالَ مَا أَنَا بِدَاخِلٍ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا ، مِنْ شِدَّة مَوْجِدَته عَلَيْهِنَّ حِين عَاتَبَهُ اللَّه " وَهَذَا أَيْضًا مُبْهَم وَلَمْ أَرَهُ مُفَسَّرًا ، وَكَانَ اِعْتِزَاله فِي الْمَشْرُبَة كَمَا فِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس عَنْ عُمَر ، فَأَفَادَ مُحَمَّد بْن الْحَسَن الْمَخْزُومِيّ فِي كِتَابه " أَخْبَار الْمَدِينَة " بِسَنَدٍ لَهُ مُرْسَل " أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبِيت فِي الْمَشْرُبَة وَيَقِيل عِنْد أَرَاكَة عَلَى خَلْوَة بِئْر كَانَتْ هُنَاكَ " وَلَيْسَ فِي شَيْء مِنْ الطُّرُق عَنْ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِ حَدِيث الْبَاب إِلَّا مَا رَوَاهُ اِبْن إِسْحَاق كَمَا أَشَرْت إِلَيْهِ فِي تَفْسِير سُورَة التَّحْرِيم وَالْمُرَاد بِالْمُعَاتَبَةِ قَوْله تَعَالَى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيّ لِمَ تُحَرِّم مَا أَحَلَّ اللَّه لَك ) الْآيَات . وَقَدْ اِخْتُلِفَ فِي الَّذِي حَرَّمَ عَلَى نَفْسه وَعُوتِبَ عَلَى تَحْرِيمه كَمَا اُخْتُلِفَ فِي سَبَب حَلِفه عَلَى أَنْ لَا يَدْخُل عَلَى نِسَائِهِ عَلَى أَقْوَال : فَالَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ الْعَسَل كَمَا مَضَى فِي سُورَة التَّحْرِيم مُخْتَصَرًا مِنْ طَرِيق عُبَيْد بْن عُمَيْر عَنْ عَائِشَة ، وَسَيَأْتِي بِأَبْسَط مِنْهُ فِي كِتَاب الطَّلَاق . وَذَكَرْت فِي التَّفْسِير قَوْلًا آخَر أَنَّهُ فِي تَحْرِيم جَارِيَته مَارِيَة ، وَذَكَرْت هُنَاكَ كَثِيرًا مِنْ طُرُقه . وَوَقَعَ فِي رِوَايَة يَزِيد بْن رُومَان عَنْ عَائِشَة عِنْد اِبْن مَرْدَوَيْهِ مَا يَجْمَع الْقَوْلَيْنِ وَفِيهِ " أَنَّ حَفْصَة أُهْدِيَتْ لَهَا عُكَّة فِيهَا عَسَل ، وَكَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا حَبَسَتْهُ حَتَّى تُلْعِقهُ أَوْ تَسْقِيه مِنْهَا ، فَقَالَتْ عَائِشَة لِجَارِيَةٍ عِنْدهَا حَبَشِيَّة يُقَال لَهَا خَضْرَاء : إِذَا دَخَلَ عَلَى حَفْصَة فَانْظُرِي مَا يَصْنَع ، فَأَخْبَرَتْهَا الْجَارِيَة بِشَأْنِ الْعَسَل ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى صَوَاحِبهَا فَقَالَتْ : إِذَا دَخَلَ عَلَيْكُنَّ فَقُلْنَ : إِنَّا نَجْد مِنْك رِيح مَغَافِير ، فَقَالَ : هُوَ عَسَل ، وَاللَّه لَا أَطْعَمَهُ أَبَدًا . فَلَمَّا كَانَ يَوْم حَفْصَة اِسْتَأْذَنَتْهُ أَنْ تَأْتِي أَبَاهَا فَأَذِنَ لَهَا فَذَهَبَتْ فَأَرْسَلَ إِلَى جَارِيَته مَارِيَة فَأَدْخَلَهَا بَيْت حَفْصَة ، قَالَتْ حَفْصَة فَرَجَعْت فَوَجَدْت الْبَاب مُغْلَقًا فَخَرَجَ وَوَجْهه يَقْطُر وَحَفْصَة تَبْكِي ، فَعَاتَبَتْهُ فَقَالَ : أُشْهِدك أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَام ، اُنْظُرِي لَا تُخْبِرِي بِهَذَا اِمْرَأَة وَهِيَ عِنْدك أَمَانَة ، فَلَمَّا خَرَجَ قَرَعَتْ حَفْصَة الْجِدَار الَّذِي بَيْنهَا وَبَيْن عَائِشَة فَقَالَتْ : أَلَا أُبَشِّرك ؟ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَرَّمَ أَمَته ، فَنَزَلَتْ " وَعِنْد اِبْن سَعْد مِنْ طَرِيق شُعْبَة مَوْلَى اِبْن عَبَّاس عَنْهُ " خَرَجَتْ حَفْصَة مِنْ بَيْتهَا يَوْم عَائِشَة فَدَخَلَ رَسُول اللَّه بِجَارِيَتِهِ الْقِبْطِيَّة بَيْت حَفْصَة فَجَاءَتْ فَرَقَبَته حَتَّى خَرَجَتْ الْجَارِيَة فَقَالَتْ لَهُ " أَمَا إِنِّي قَدْ رَأَيْت مَا صَنَعْت ، قَالَ فَاكْتُمِي عَلَيَّ وَهِيَ حَرَام ، فَانْطَلَقَتْ حَفْصَة إِلَى عَائِشَة فَأَخْبَرَتْهَا ، فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَة : أَمَّا يَوْمِي فَتَعْرِض فِيهِ بِالْقِبْطِيَّةِ وَيَسْلَم لِنِسَائِك سَائِر أَيَّامهنَّ ، فَنَزَلَتْ الْآيَة " وَجَاءَ فِي ذَلِكَ ذِكْر قَوْل ثَالِث أَخْرَجَهُ اِبْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيق الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ " دَخَلَتْ حَفْصَة عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتهَا فَوَجَدَتْ مَعَهُ مَارِيَة فَقَالَ : لَا تُخْبِرِي عَائِشَة حَتَّى أُبَشِّرك بِبِشَارَةٍ ، إِنَّ أَبَاك يَلِي هَذَا الْأَمْر بَعْد أَبِي بَكْر إِذَا أَنَا مُتّ ، فَذَهَبَتْ إِلَى عَائِشَة فَأَخْبَرَتْهَا فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَة ذَلِكَ ، وَالْتَمَسَتْ مِنْهُ أَنْ يُحَرِّم مَارِيَة فَحَرَّمَهَا ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى حَفْصَة فَقَالَ أَمَرْتُك أَلَّا تُخْبِرِي عَائِشَة فَأَخْبَرْتهَا ، فَعَاتَبَهَا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُعَاتِبهَا عَلَى أَمْر الْخِلَافَة ، فَلِهَذَا قَالَ اللَّه تَعَالَى ( عَرَّفَ بَعْضه وَأَعْرَض عَنْ بَعْض ) وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي " الْأَوْسَط " وَفِي " عِشْرَة النِّسَاء " عَنْ أَبِي هُرَيْرَة نَحْوه بِتَمَامِهِ وَفِي كُلّ مِنْهُمَا ضَعْف ، وَجَاءَ فِي سَبَب غَضَبه مِنْهُنَّ وَحَلِفه أَنْ لَا يَدْخُل عَلَيْهِنَّ شَهْرًا قِصَّة أُخْرَى ، فَأَخْرَجَ اِبْن سَعْد مِنْ طَرِيق عَمْرَة عَنْ عَائِشَة قَالَتْ " أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّة ، فَأَرْسَلَ إِلَى كُلّ اِمْرَأَة مِنْ نِسَائِهِ نَصِيبهَا ، فَلَمْ تَرْضَ زَيْنَب بِنْت جَحْش بِنَصِيبِهَا فَزَادَهَا مَرَّة أُخْرَى ، فَلَمْ تَرْضَ فَقَالَتْ عَائِشَة : لَقَدْ أَقْمَأَتْ وَجْهك تَرُدّ عَلَيْك الْهَدِيَّة ، فَقَالَ : لَأَنْتُنَّ أَهْوَن عَلَى اللَّه مِنْ أَنْ تُقْمِئْنَنِي ، لَا أَدْخُل عَلَيْكُنَّ شَهْرًا " الْحَدِيث . وَمِنْ طَرِيق الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة نَحْوه وَفِيهِ " ذَبَحَ ذَبْحًا فَقَسَمَهُ بَيْن أَزْوَاجه ، فَأَرْسَلَ إِلَى زَيْنَب بِنَصِيبِهَا فَرَدَّتْهُ ، فَقَالَ زِيدُوهَا ثَلَاثًا ، كُلّ ذَلِكَ تَرُدّهُ " فَذَكَرَ نَحْوه . وَفِيهِ قَوْل آخَر أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ حَدِيث جَابِر قَالَ " جَاءَ أَبُو بَكْر وَالنَّاس جُلُوس بِبَابِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُؤْذَن لِأَحَدٍ مِنْهُمْ فَأُذِنَ لِأَبِي بَكْر فَدَخَلَ ثُمَّ جَاءَ عُمَر فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ فَوَجَدَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا وَحَوْله نِسَاؤُهُ " فَذَكَرَ الْحَدِيث وَفِيهِ " هُنَّ حَوْلِي كَمَا تَرَى يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَة ، فَقَامَ أَبُو بَكْر إِلَى عَائِشَة وَقَامَ عُمَر إِلَى حَفْصَة ، ثُمَّ اِعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا " فَذَكَرَ نُزُول آيَة التَّخْيِير ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَجْمُوع هَذِهِ الْأَشْيَاء كَانَ سَبَبًا لِاعْتِزَالِهِنَّ . وَهَذَا هُوَ اللَّائِق بِمَكَارِمِ أَخْلَاقه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَعَة صَدْره وَكَثْرَة صَفْحه ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَع مِنْهُ حَتَّى تَكَرَّرَ مُوجِبه مِنْهُنَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهُنَّ . وَقَصَّرَ اِبْن الْجَوْزِيّ فَنَسَبَ قِصَّة الذَّبْح لِابْنِ حَبِيب بِغَيْرِ إِسْنَاد وَهِيَ مُسْنَدَة عِنْد اِبْن سَعْد ، وَأَبْهَمَ قِصَّة النَّفَقَة وَهِيَ فِي صَحِيح مُسْلِم ، وَالرَّاجِح مِنْ الْأَقْوَال كُلّهَا قِصَّة مَارِيَة لِاخْتِصَاصِ عَائِشَة وَحَفْصَة بِهَا بِخِلَافِ الْعَسَل فَإِنَّهُ اِجْتَمَعَ فِيهِ جَمَاعَة مِنْهُنَّ كَمَا سَيَأْتِي ، وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون الْأَسْبَاب جَمِيعهَا اِجْتَمَعَتْ فَأُشِيرَ إِلَى أَهَمّهَا ، وَيُؤَيِّدهُ شُمُول الْحَلِف لِلْجَمِيعِ وَلَوْ كَانَ مَثَلًا فِي قِصَّة مَارِيَة فَقَطْ لَاخْتَصَّ بِحَفْصَةَ وَعَائِشَة . وَمَنْ اللَّطَائِف أَنَّ الْحِكْمَة فِي الشَّهْر مَعَ أَنَّ مَشْرُوعِيَّة الْهَجْر ثَلَاثَة أَيَّام أَنَّ عِدَّتهنَّ كَانَتْ تِسْعَة فَإِذَا ضُرِبَتْ فِي ثَلَاثَة كَانَتْ سَبْعَة وَعِشْرِينَ وَالْيَوْمَانِ لِمَارِيَة لِكَوْنِهَا كَانَتْ أَمَة فَنَقَصَتْ عَنْ الْحَرَائِر وَاللَّهُ أَعْلَم .
قَوْله ( فَاعْتَزَلَ النَّبِيّ نِسَاءَهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْحَدِيث الَّذِي أَفْشَتْهُ حَفْصَة إِلَى عَائِشَة تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَة )
الْعَدَد مُتَعَلِّق بِقَوْلِهِ فَاعْتَزَلَ نِسَاءَهُ .
قَوْله ( وَكَانَ قَالَ مَا أَنَا بِدَاخِلٍ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا )
فِي رِوَايَة حَمَّاد بْن سَلَمَة عِنْد مُسْلِم فِي طَرِيق عُبَيْد بْن حُنَيْن " وَكَانَ آلَى مِنْهُنَّ شَهْرًا " أَيْ حَلَفَ أَوْ أَقْسَمَ ، وَلَيْسَ الْمُرَاد بِهِ الْإِيلَاء الَّذِي فِي عُرْفِ الْفُقَهَاء اِتِّفَاقًا ، وَسَيَأْتِي بَعْد سَبْعَة أَبْوَاب مِنْ حَدِيث أَنَس قَالَ " آلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا " وَهَذَا مُوَافِق لِلَفْظِ رِوَايَة حَمَّاد بْن سَلَمَة هُنَا ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَر الرُّوَاة فِي حَدِيث عُمَر لَمْ يُعَبِّرُوا بِلَفْظِ الْإِيلَاء .
قَوْله ( مِنْ شِدَّة مَوْجِدَته عَلَيْهِنَّ )
أَيْ غَضَبه .
قَوْله ( دَخَلَ عَلَى عَائِشَة )
فِيهِ أَنَّ مَنْ غَابَ عَنْ أَزْوَاجه ثُمَّ حَضَرَ يَبْدَأ بِمَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ ، وَلَا يَلْزَمهُ أَنْ يَبْدَأ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ وَلَا أَنْ يُقْرِع ، كَذَا قِيلَ ، وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون الْبُدَاءَة بِعَائِشَة لِكَوْنِهِ اِتَّفَقَ أَنَّهُ كَانَ يَوْمهَا .
قَوْله ( فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَة : يَا رَسُول اللَّه إِنَّك كُنْت قَدْ أَقْسَمْت أَنْ لَا تَدْخُل عَلَيْنَا شَهْرًا )
تَقَدَّمَ أَنَّ فِي رِوَايَة سِمَاك بْن الْوَلِيد أَنَّ عُمَر ذَكَرَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ ، وَلَا مُنَافَاة بَيْنهمَا لِأَنَّ فِي سِيَاق حَدِيث عُمَر أَنَّهُ ذَكَرَهُ بِذَلِكَ عِنْد نُزُوله مِنْ الْغُرْفَة وَعَائِشَة ذَكَرْته بِذَلِكَ حِين دَخَلَ عَلَيْهَا فَكَأَنَّهُمَا تَوَارَدَا عَلَى ذَلِكَ ، وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِم مِنْ حَدِيث جَابِر فِي هَذِهِ الْقِصَّة قَالَ " فَقُلْنَا " فَظَاهِر هَذَا السِّيَاق يُوهِم أَنَّهُ مِنْ تَتِمَّة حَدِيث عُمَر فَيَكُون عُمَر حَضَرَ ذَلِكَ مِنْ عَائِشَة ، وَهُوَ مُحْتَمَل عِنْدِي ، لَكِنْ يَقْوَى أَنْ يَكُون هَذَا مِنْ تَعَالِيق الزُّهْرِيِّ فِي هَذِهِ الطَّرِيق ، فَإِنَّ هَذَا الْقَدْر عِنْده عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ رِوَايَة مَعْمَر عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْسَمَ أَنَّهُ لَا يَدْخُل عَلَى نِسَائِهِ شَهْرًا ، قَالَ الزُّهْرِيُّ : فَأَخْبَرَنِي عُرْوَة عَنْ عَائِشَة قَالَتْ . . فَذَكَرَهُ " .
قَوْله ( وَإِنَّمَا أَصْبَحْت مِنْ تِسْع وَعِشْرِينَ لَيْلَة )
فِي رِوَايَة عُقَيْل " لِتِسْعٍ " بِاللَّامِ ، وَفِي رِوَايَة السَّرَخْسِيّ فِيهَا " بِتِسْعٍ " بِالْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ مُتَقَارِبَة ، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ : مِنْ هُنَا إِلَى آخِر الْحَدِيث وَقَعَ مُدْرَجًا فِي رِوَايَة شُعَيْب عَنْ الزُّهْرِيِّ ، وَوَقَعَ مُفَصَّلًا فِي رِوَايَة مَعْمَر " قَالَ الزُّهْرِيِّ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَة عَنْ عَائِشَة قَالَتْ : لَمَّا مَضَتْ تِسْع وَعِشْرُونَ لَيْلَة دَخَلَ عَلَيَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " الْحَدِيث . قُلْت : وَنِسْبَة الْإِدْرَاج إِلَى شُعَيْب فِيهِ نَظَر ، فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَظَالِم مِنْ رِوَايَة عُقَيْل عَنْ الزُّهْرِيِّ كَذَلِكَ ، وَأَخْرَجَ مُسْلِم طَرِيق مَعْمَر كَمَا قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ مُفَصَّلَة ، وَاللَّهُ أَعْلَم . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِير الْأَحْزَاب أَنَّ الْبُخَارِيّ حَكَى الِاخْتِلَاف عَلَى الزُّهْرِيِّ فِي قِصَّة التَّخْيِير هَلْ هِيَ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة أَوْ عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ عَائِشَة .
قَوْله ( فَقَالَ : الشَّهْر تِسْع وَعِشْرُونَ لَيْلَة وَكَانَ ذَلِكَ الشَّهْر تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَة )
فِي هَذَا إِشَارَة إِلَى تَأْوِيل الْكَلَام الَّذِي قَبْله وَأَنَّهُ لَا يُرَاد بِهِ الْحَصْر ، أَوْ أَنَّ اللَّام فِي قَوْله " الشَّهْر " لِلْعَهْدِ مِنْ الشَّهْر الْمَحْلُوف عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَكُون الشُّهُور كُلّهَا كَذَلِكَ ، وَقَدْ أَنْكَرْت عَائِشَة عَلَى اِبْن عُمَر رِوَايَته الْمُطْلَقَة أَنَّ الشَّهْر تِسْع وَعِشْرُونَ ، فَأَخْرَجَ أَحْمَد مِنْ طَرِيق يَحْيَى بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ اِبْن عُمَر رَفَعَهُ " الشَّهْر تِسْع وَعِشْرُونَ " قَالَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِعَائِشَة فَقَالَتْ : يَرْحَم اللَّه أَبَا عَبْد الرَّحْمَن ، إِنَّمَا قَالَ : الشَّهْر قَدْ يَكُون تِسْعًا وَعِشْرِينَ . وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ وَجْه آخَر عَنْ عُمَر بِهَذَا اللَّفْظ الْأَخِير الَّذِي جَزَمَتْ بِهِ عَائِشَة وَبَيَّنْته قَبْل هَذَا عِنْد الْكَلَام عَلَى مَا وَقَعَ فِي رِوَايَة سِمَاك بْن الْوَلِيد مِنْ الْإِشْكَال .
قَوْله ( قَالَتْ عَائِشَة : ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه آيَة التَّخْيِير )
فِي رِوَايَة عُقَيْل " فَأُنْزِلَتْ " وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَاب الطَّلَاق إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَفِي الْحَدِيث سُؤَال الْعَالِم عَنْ بَعْض أُمُور أَهْله وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ فِيهِ غَضَاضَة إِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ سُنَّة تُنْقَل وَمَسْأَلَة تُحْفَظ قَالَهُ الْمُهَلَّب ، قَالَ : وَفِيهِ تَوْقِير الْعَالِم وَمَهَابَته عَنْ اِسْتِفْسَار مَا يَخْشَى مِنْ تَغَيُّره عِنْد ذِكْرِهِ ، وَتَرَقُّب خَلَوَات الْعَالِم لِيُسْأَل عَمَّا لَعَلَّهُ لَوْ سُئِلَ عَنْهُ بِحَضْرَةِ النَّاس أَنْكَرَهُ عَلَى السَّائِل ، وَيُؤْخَذ مِنْ ذَلِكَ مُرَاعَاة الْمُرُوءَة . وَفِيهِ أَنَّ شِدَّة الْوَطْأَة عَلَى النِّسَاء مَذْمُوم ، لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِسِيرَةِ الْأَنْصَار فِي نِسَائِهِمْ وَتَرَك سِيرَة قَوْمه . وَفِيهِ تَأْدِيب الرَّجُل اِبْنَته وَقَرَابَته بِالْقَوْلِ لِأَجْلِ إِصْلَاحهَا لِزَوْجِهَا ، وَفِيهِ سِيَاق الْقِصَّة عَلَى وَجْههَا وَإِنْ لَمْ يَسْأَل السَّائِل عَنْ ذَلِكَ إِذَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَة مِنْ زِيَادَة شَرْح وَبَيَان ، وَخُصُوصًا إِذَا كَانَ الْعَالِم يَعْلَم أَنَّ الطَّالِب يُؤْثِر ذَلِكَ . وَفِيهِ مَهَابَة الطَّالِب لِلْعَالِمِ وَتَوَاضُع الْعَالِم لَهُ وَصَبْره عَلَى مُسَاءَلَته وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ غَضَاضَة . وَفِيهِ جَوَاز ضَرْبِ الْبَاب وَدَقّه إِذَا لَمْ يَسْمَع الدَّاخِل بِغَيْرِ ذَلِكَ . وَدُخُول الْآبَاء عَلَى الْبَنَات وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْن الزَّوْج ، وَالتَّنْقِيب عَنْ أَحْوَالهنَّ لَا سِيَّمَا مَا يَتَعَلَّق بِالْمُتَزَوِّجَاتِ . وَفِيهِ حُسْن تَلَطُّف اِبْن عَبَّاس وَشِدَّة حِرْصه عَلَى الِاطِّلَاع عَلَى فُنُون التَّفْسِير . وَفِيهِ طَلَب عُلُوّ الْإِسْنَاد لِأَنَّ اِبْن عَبَّاس أَقَامَ مُدَّة طَوِيلَة يَنْتَظِر خَلْوَة عُمَر لِيَأْخُذ عَنْهُ ؛ وَكَانَ يُمْكِنهُ أَخْذ ذَلِكَ بِوَاسِطَةٍ عَنْهُ مِمَّنْ لَا يَهَاب سُؤَاله كَمَا كَانَ يَهَاب عُمَر . وَفِيهِ حِرْص الصَّحَابَة عَلَى طَلَب الْعِلْم وَالضَّبْط بِأَحْوَالِ الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَفِيهِ أَنَّ طَالِب الْعِلْم يَجْعَل لِنَفْسِهِ وَقْتًا يَتَفَرَّغ فِيهِ لِأَمْرِ مَعَاشه وَحَال أَهْله . وَفِيهِ الْبَحْث فِي الْعِلْم فِي الطُّرُق وَالْخَلَوَات وَفِي حَال الْقُعُود وَالْمَشْي . وَفِيهِ إِيثَار الِاسْتِجْمَار فِي الْأَسْفَار وَإِبْقَاء الْمَاء لِلْوُضُوءِ . وَفِيهِ ذِكْر الْعَالِم مَا يَقَع مِنْ نَفْسه وَأَهْله بِمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ فَائِدَة دِينِيَّة وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ حِكَايَة مَا يُسْتَهْجَن ، وَجَوَاز ذِكْر الْعَمَل الصَّالِح لِسِيَاقِ الْحَدِيث عَلَى وَجْهه ، وَبَيَان ذِكْر وَقْت التَّحَمُّل . وَفِيهِ الصَّبْر عَلَى الزَّوْجَات وَالْإِغْضَاء عَنْ خِطَابهنَّ وَالصَّفْح عَمَّا يَقَع مِنْهُنَّ مِنْ زَلَل فِي حَقّ الْمَرْء دُون مَا يَكُون مِنْ حَقّ اللَّه تَعَالَى . وَفِيهِ جَوَاز اِتِّخَاذ الْحَاكِم عِنْد الْخَلْوَة بَوَّابًا يَمْنَع مَنْ يَدْخُل إِلَيْهِ بِغَيْرِ إِذْنه ، وَيَكُون قَوْل أَنَس الْمَاضِي فِي كِتَاب الْجَنَائِز فِي الْمَرْأَة الَّتِي وَعَظَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ تَعْرِفهُ " ثُمَّ جَاءَتْ إِلَيْهِ فَلَمْ تَجِد لَهُ بَوَّابِينَ " مَحْمُولًا عَلَى الْأَوْقَات الَّتِي يَجْلِس فِيهَا لِلنَّاسِ ، قَالَ الْمُهَلَّب : وَفِيهِ أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَحْتَجِب عَنْ بِطَانَته وَخَاصَّته عِنْد الْأَمْر بِطَرْقِهِ مِنْ جِهَة أَهْله حَتَّى يَذْهَب غَيْظه وَيَخْرُج إِلَى النَّاس وَهُوَ مُنْبَسِط إِلَيْهِمْ ، فَإِنَّ الْكَبِير إِذَا اِحْتَجَبَ لَمْ يَحْسُن الدُّخُول إِلَيْهِ بِغَيْرِ إِذْن وَلَوْ كَانَ الَّذِي يُرِيد أَنْ يَدْخُل جَلِيل الْقَدْر عَظِيم الْمَنْزِلَة عِنْده . وَفِيهِ الرِّفْق بِالْأَصْهَارِ وَالْحَيَاء مِنْهُمْ إِذَا وَقَعَ لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْله مَا يَقْتَضِي مُعَاتَبَتهمْ . وَفِيهِ أَنَّ السُّكُوت قَدْ يَكُون أَبْلَغ مِنْ الْكَلَام وَأَفْضَل فِي بَعْض الْأَحَايِين ، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَوْ أَمَرَ غُلَامه بِرَدِّ عُمَر لَمْ يَجُزْ لِعُمَر الْعَوْد إِلَى الِاسْتِئْذَان مَرَّة بَعْد أُخْرَى ، فَلَمَّا سَكَتَ فَهِمَ عُمَر مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُؤْثِر رَدَّهُ مُطْلَقًا ، أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْمُهَلَّب . وَفِيهِ أَنَّ الْحَاجِب إِذَا عَلِمَ مَنْع الْإِذْن بِسُكُوتِ الْمَحْجُوب لَمْ يَأْذَن . وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّة الِاسْتِئْذَان عَلَى الْإِنْسَان وَإِنْ كَانَ وَحْده لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون عَلَى حَالَة يُكْرَه الِاطِّلَاع عَلَيْهَا . وَفِيهِ جَوَاز تَكْرَار الِاسْتِئْذَان لِمَنْ لَمْ يُؤْذَن لَهُ إِذَا رَجَا حُصُول الْإِذْن ، وَأَنْ لَا يَتَجَاوَز بِهِ ثَلَاث مَرَّات كَمَا سَيَأْتِي إِيضَاحه فِي كِتَاب الِاسْتِئْذَان فِي قِصَّة أَبِي مُوسَى مَعَ عُمَر ، وَالِاسْتِدْرَاك عَلَى عُمَر مِنْ هَذِهِ الْقِصَّة لِأَنَّ الَّذِي وَقَعَ مِنْ الْإِذْن لَهُ فِي الْمَرَّة الثَّالِثَة وَقَعَ اِتِّفَاقًا ، وَلَوْ لَمْ يُؤْذَن لَهُ فَالَّذِي يَظْهَر أَنَّهُ كَانَ يَعُود إِلَى الِاسْتِئْذَان لِأَنَّهُ صَرَّحَ كَمَا سَيَأْتِي بِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغهُ ذَلِكَ الْحُكْم . وَفِيهِ أَنَّ كُلّ لَذَّة أَوْ شَهْوَة قَضَاهَا الْمَرْء فِي الدُّنْيَا فَهُوَ اِسْتِعْجَال لَهُ مِنْ نَعِيم الْآخِرَة ، وَأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ ذَلِكَ لَادُّخِرَ لَهُ فِي الْآخِرَة ، أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ بَعْضهمْ إِيثَار الْفَقْر عَلَى الْغِنَى وَخَصَّهُ الطَّبَرِيُّ بِمَنْ لَمْ يَصْرِفهُ فِي وُجُوهه وَيُفَرِّقهُ فِي سُبُله الَّتِي أَمَرَ اللَّه بِوَضْعِهِ فِيهَا ، قَالَ : وَأَمَّا مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ مَنَازِل الِامْتِحَان ، وَالصَّبْر عَلَى الْمِحَن مَعَ الشُّكْر أَفْضَل مِنْ الصَّبْر عَلَى الضَّرَّاء وَحْده اِنْتَهَى . قَالَ عِيَاض : هَذِهِ الْقِصَّة مِمَّا يَحْتَجّ بِهِ مَنْ يُفَضِّل الْفَقِير عَلَى الْغَنِيّ لِمَا فِي مَفْهُوم قَوْله " إِنَّ مَنْ تَنَعَّمَ فِي الدُّنْيَا يَفُوتهُ فِي الْآخِرَة بِمِقْدَارِهِ " ، قَالَ وَحَاوَلَهُ الْآخَرُونَ بِأَنَّ الْمُرَاد مِنْ الْآيَة أَنَّ حَظّ الْكُفَّار هُوَ مَا نَالُوهُ مِنْ نَعِيم الدُّنْيَا إِذْ لَا حَظّ لَهُمْ فِي الْآخِرَة اِنْتَهَى ، وَفِي الْجَوَاب نَظَر ، وَهِيَ مَسْأَلَة اِخْتَلَفَ فِيهَا السَّلَف وَالْخَلَف ، وَهِيَ طَوِيلَة الذَّيْل سَيَكُونُ لَنَا بِهَا إِلْمَام إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى فِي كِتَاب الرِّقَاق . وَفِيهِ أَنَّ الْمَرْء إِذَا رَأَى صَاحِبه مَهْمُومًا اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُحَدِّثهُ بِمَا يُزِيل هَمَّهُ وَيُطَيِّب نَفْسه ، لِقَوْلِ عُمَر : لَأَقُولَنّ شَيْئًا يُضْحِك النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَيُسْتَحَبّ أَنْ يَكُون ذَلِكَ بَعْد اِسْتِئْذَان الْكَبِير فِي ذَلِكَ كَمَا فَعَلَ عُمَر . وَفِيهِ جَوَاز الِاسْتِعَانَة فِي الْوُضُوء بِالصَّبِّ عَلَى الْمُتَوَضِّئ ، وَخِدْمَة الصَّغِير الْكَبِير وَإِنْ كَانَ الصَّغِير أَشْرَف نَسَبًا مِنْ الْكَبِير . وَفِيهِ التَّجَمُّل بِالثَّوْبِ وَالْعِمَامَة عِنْد لِقَاء الْأَكَابِر . وَفِيهِ تَذْكِير الْحَالِف بِيَمِينِهِ إِذَا وَقَعَ مِنْهُ مَا ظَاهِره نِسْيَانهَا لَا سِيَّمَا مِمَّنْ لَهُ تَعَلُّق بِذَلِكَ ، لِأَنَّ عَائِشَة خَشِيَتْ أَنْ يَكُون صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسِيَ مِقْدَار مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَهُوَ شَهْر وَالشَّهْر ثَلَاثُونَ يَوْمًا أَوْ تِسْعَة وَعِشْرُونَ يَوْمًا ، فَلَمَّا نَزَلَ فِي تِسْعَة وَعِشْرِينَ ظَنَّتْ أَنَّهُ ذَهِلَ عَنْ الْقَدْر أَوْ أَنَّ الشَّهْر لَمْ يَهُلّ ، فَأَعْلَمَهَا أَنَّ الشَّهْر اِسْتَهَلَّ فَإِنَّ الَّذِي كَانَ الْحَلِف وَقَعَ فِيهِ جَاءَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا . وَفِيهِ تَقْوِيَة لِقَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ يَمِينه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اُتُّفِقَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي أَوَّل الشَّهْر وَلِهَذَا اِقْتَصَرَ عَلَى تِسْعَة وَعِشْرِينَ وَإِلَّا فَلَوْ اُتُّفِقَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاء الشَّهْر فَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَع الْبِرّ إِلَّا بِثَلَاثِينَ ، وَذَهَبَتْ طَائِفَة فِي الِاكْتِفَاء بِتِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ أَخْذًا بِأَقَلّ مَا يَنْطَلِق عَلَيْهِ الِاسْم ، قَالَ اِبْن بَطَّال : يُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْل شَيْء يَبَرّ بِفِعْلِ أَقَلّ مَا يَنْطَلِق عَلَيْهِ الِاسْم ، وَالْقِصَّة مَحْمُولَة عِنْد الشَّافِعِيّ وَمَالِك عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ أَوَّل الْهِلَال وَخَرَجَ بِهِ فَلَوْ دَخَلَ فِي أَثْنَاء الشَّهْر لَمْ يَبَرّ إِلَّا بِثَلَاثِينَ . وَفِيهِ سُكْنَى الْغُرْفَة ذَات الدَّرَج وَاِتِّخَاذ الْخِزَانَة لِأَثَاثِ الْبَيْت وَالْأَمْتِعَة . وَفِيهِ التَّنَاوُب فِي مَجْلِس الْعَالِم إِذَا لَمْ تَتَيَسَّر الْمُوَاظَبَة عَلَى حُضُوره لِشَاغِلٍ شَرْعِيّ مِنْ أَمْر دِينِيّ أَوْ دُنْيَوِيّ . وَفِيهِ قَبُول خَبَر الْوَاحِد وَلَوْ كَانَ الْآخِذ فَاضِلًا وَالْمَأْخُوذ عَنْهُ مَفْضُولًا ، وَرِوَايَة الْكَبِير عَنْ الصَّغِير ، وَأَنَّ الْأَخْبَار الَّتِي تُشَاع وَلَوْ كَثُرَ نَاقِلُوهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ مَرْجِعهَا إِلَى أَمْر حِسِّيّ مِنْ مُشَاهَدَة أَوْ سَمَاع لَا تَسْتَلْزِم الصِّدْق ، فَإِنَّ جَزْمَ الْأَنْصَارِيّ فِي رِوَايَة بِوُقُوعِ التَّطْلِيق وَكَذَا جَزَمَ النَّاس الَّذِينَ رَآهُمْ عُمَر عِنْد الْمِنْبَر بِذَلِكَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُمْ شَاعَ بَيْنهمْ ذَلِكَ مِنْ شَخْص بِنَاء عَلَى التَّوَهُّم الَّذِي تَوَهَّمَهُ مِنْ اِعْتِزَال النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ فَظَنَّ لِكَوْنِهِ لَمْ تَجْرِ عَادَته بِذَلِكَ أَنَّهُ طَلَّقَهُنَّ فَأَشَاعَ أَنَّهُ طَلَّقَهُنَّ فَشَاعَ ذَلِكَ فَتَحَدَّثَ النَّاس بِهِ ، وَأَخْلِقْ بِهَذَا الَّذِي اِبْتَدَأَ بِإِشَاعَةِ ذَلِكَ أَنْ يَكُون مِنْ الْمُنَافِقِينَ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَفِيهِ الِاكْتِفَاء بِمَعْرِفَةِ الْحُكْم بِأَخْذِهِ عَنْ الْقَرِين مَعَ إِمْكَان أَخْذه عَالِيًا عَمَّنْ أَخَذَهُ عَنْهُ الْقَرِين ، وَأَنَّ الرَّغْبَة فِي الْعُلُوّ حَيْثُ لَا يَعُوق عَنْهُ عَائِق شَرْعِيّ ، وَيُمْكِن أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِذَلِكَ أَنْ يَسْتَفِيد مِنْهُ أُصُول مَا يَقَع فِي غَيْبَته ثُمَّ يَسْأَل عَنْهُ بَعْد ذَلِكَ مُشَافَهَة ، وَهَذَا أَحَد فَوَائِد كِتَابَة أَطْرَاف الْحَدِيث . وَفِيهِ مَا كَانَ الصَّحَابَة عَلَيْهِ مِنْ مَحَبَّة الِاطِّلَاع عَلَى أَحْوَال النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَّتْ أَوْ قَلَّتْ ، وَاهْتِمَامهمْ بِمَا يَهْتَمّ لَهُ لِإِطْلَاقِ الْأَنْصَارِيّ اِعْتِزَاله نِسَاءَهُ الَّذِي أَشْعَرَ عِنْده بِأَنَّهُ طَلَّقَهُنَّ الْمُقْتَضِي وُقُوع غَمّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ أَعْظَم مِنْ طُرُوق مَلِك الشَّام الْغَسَّانِيّ بِجُيُوشِهِ الْمَدِينَة لِغَزْوِ مَنْ بِهَا ، وَكَانَ ذَلِكَ بِالنَّظَرِ إِلَى أَنَّ الْأَنْصَارِيّ كَانَ يَتَحَقَّق أَنَّ عَدُوّهُمْ وَلَوْ طَرَقَهُمْ مَغْلُوب وَمَهْزُوم وَاحْتِمَال خِلَاف ذَلِكَ ضَعِيف ، بِخِلَافِ الَّذِي وَقَعَ بِمَا تَوَهَّمَهُ مِنْ التَّطْلِيق الَّذِي يَتَحَقَّق مَعَهُ حُصُول الْغَمّ وَكَانُوا فِي الطَّرَف الْأَقْصَى مِنْ رِعَايَة خَاطِره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْصُل لَهُ تَشْوِيش وَلَوْ قَلَّ وَالْقَلَق لِمَا يُقْلِقهُ وَالْغَضَب لِمَا يُغْضِبهُ وَالْهَمّ لِمَا يُهِمّهُ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ . وَفِيهِ أَنَّ الْغَضَب وَالْحُزْن يَحْمِل الرَّجُل الْوَقُور عَلَى تَرْكِ التَّأَنِّي الْمَأْلُوف مِنْهُ لِقَوْلِ عُمَر : ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِد ثَلَاث مَرَّات . وَفِيهِ شِدَّة الْفَزَع وَالْجَزَع لِلْأُمُورِ الْمُهِمَّة ، وَجَوَاز نَظَر الْإِنْسَان إِلَى نَوَاحِي بَيْت صَاحِبه وَمَا فِيهِ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَكْرَه ذَلِكَ ، وَبِهَذَا يُجْمَع بَيْن مَا وَقَعَ لِعُمَر وَبَيْن مَا وَرَدَ مِنْ النَّهْي عَنْ فُضُول النَّظَر ، أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ النَّوَوِيّ . وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون نَظَرُ عُمَر فِي بَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَعَ أَوَّلًا اِتِّفَاقًا فَرَأَى الشَّعِير وَالْقَرَظ مَثَلًا فَاسْتَقَلَّهُ فَرَفَعَ رَأْسه لِيَنْظُر هَلْ هُنَاكَ شَيْء أَنْفَس مِنْهُ فَلَمْ يَرَ إِلَّا الْأُهُب فَقَالَ مَا قَالَ ، وَيَكُون النَّهْي مَحْمُولًا عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ النَّظَر فِي ذَلِكَ وَالتَّفْتِيش اِبْتِدَاء . وَفِيهِ كَرَاهَة سُخْط النِّعْمَة وَاحْتِقَار مَا أَنْعَمَ اللَّه بِهِ وَلَوْ كَانَ قَلِيلًا وَالِاسْتِغْفَار مِنْ وُقُوع ذَلِكَ وَطَلَب الِاسْتِغْفَار مِنْ أَهْل الْفَضْل وَإِيثَار الْقَنَاعَة وَعَدَم الِالْتِفَات إِلَى مَا خُصَّ بِهِ الْغَيْر مِنْ أُمُور الدُّنْيَا الْفَانِيَة . وَفِيهِ الْمُعَاقَبَة عَلَى إِفْشَاء السِّرّ بِمَا يَلِيق بِمَنْ أَفْشَاهُ .
مشكل الآثار للطحاوي - (ج 11 / ص 177)
باب بيان مشكل ما روي في المراد بقول الله عز وجل : فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك (1)
__________
(1) سورة : يونس آية رقم : 94
4384 - حدثنا أحمد بن أبي عمران قال : حدثنا الجراح بن مخلد البصري قال : حدثنا عمر بن يونس قال : حدثني عكرمة بن عمار قال : حدثني أبو زميل قال : قال رجل لابن عباس : إنه ليقع في نفسي ما أن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به ، فقال ابن عباس : « من الشك يعني ؟ » ، قال : فقال : نعم ، فقال : « وهل يسلم من ذلك أحد ، وقد قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك (1) ولا نعلمه روي عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في المراد بهذه الآية ، غير هذا الحديث الذي رويناه في ذلك عن ابن عباس وأما التابعون ، فروي عنهم في ذلك
__________
(1) سورة : يونس آية رقم : 94
4385 - ما قد حدثنا يوسف بن يزيد قال : حدثنا سعيد بن منصور قال : حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، ومنصور ، عن الحسن ، أنهما قالا في هذه الآية : فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك (1) قالا : « لم يشك ، ولم نشك » وحدثنا أحمد بن علي بن مصعب أبو العباس البغدادي قال : حدثنا إبراهيم بن هاشم بن مشكان قال : حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير مثله حدثنا أحمد بن داود قال : حدثنا إسماعيل بن سالم قال : أخبرنا هشيم قال : حدثنا أبو بشر ، عن سعيد ، ومنصور ، عن الحسن مثله وحدثنا أحمد قال : حدثنا مسدد ، وسهل بن بكار قالا : حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير مثله وأما أهل اللغة ، فقد رويت عنهم في ذلك أقوال منها : ما قال الكسائي ، والفراء جميعا : ليس قوله عز وجل : فإن كنت في شك خبرا عن أنه في شك ، إنما ذلك كقول الرجل لابنه : إن كنت ابني ، فافعل كذا ، وليس في شك أنه ابنه وكان أحسن من ذلك ما قد قاله غيرهما من أهل اللغة أن المراد في ذلك غير النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن كان ظاهره القصد به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن المراد به غيره ، وهم الشاكون فيه ، وكان ذلك بمعنى : فإن كنت في شك من غيرك ، فيما أنزلنا إليك ، وممن قال ذلك منهم : أبو عبيدة معمر بن المثنى ، وقالوا : هذا كما قال الله عز وجل : حتى إذا كنتم في الفلك (2) يعني نوحا ، لا يعنيه صلى الله عليه وسلم ، ثم كشف عز وجل مراده بذلك ما هو ؟ بقوله : وجرين بهم بريح طيبة ، فأخبر عز وجل أن المرادين بذلك هم غيره صلى الله عليه وسلم ، وغير أمته ، وكان الذي قالوه في المرادين بقوله عز وجل عندهم : فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك أنهم الذين آمنوا به قبل ذلك من أهل الكتاب ، كعبد الله بن سلام ، وأمثاله منهم وحضرني أنا في ذلك تأويل قد يحتمل أن يكون هو المراد بالمذكورين في تلك الآية ، وأن يكونوا هم الذين لقيهم صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس من الأنبياء الذين كان أنزل عليهم قبله من الكتب ما أنزل عليهم منها ، مما فيه ذكره ، وذكر أمته ، ومثل هذا مما قاله ابن عباس في حديث أبي زميل الذي رويناه عنه في هذا الباب : « ومن يسلم من هذا ، وقد قال الله عز وجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتلا الآية التي تلاها فيه » وجه ذلك عندنا من ابن عباس على مراده به غيره صلى الله عليه وسلم ، وإن كان الخطاب ظاهره هو أنه المخاطب به لسعة لغة العرب ، ولأنها قد تخاطب من تريد غيره ، والله أعلم بمراده عز وجل في ذلك ، ثم بمراد ابن عباس في جوابه الذي قد ذكرناه عنه وقد روي عن عمر بن الخطاب في ذلك مما يدخل في هذا المعنى ، ومما ينفي أن يكون المراد بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أحدا من أصحابه ، وهو
__________
(1) سورة : يونس آية رقم : 94
(2) سورة : يونس آية رقم : 22
4386 - ما قد حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا يوسف بن بهلول الكوفي ، قال : حدثنا عبد الله بن إدريس ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : حدثنا الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور ، عن ابن عباس ، عن عمر رضي الله عنه في حديث المتظاهرتين على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه ، وفي ذكر تخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه بعد ذلك قال : « ثم جلست فقلت : يا نبي الله ، أنت نبي الله ، وصفيه ، وخيرته من خلقه ، على ما أرى ، يعني من خصفة رآه مضطجعا عليها ، ومن وسادة محشوة ليفا تحت رأسه ، هكذا هو مذكور في هذا الحديث ، وكسرى ، وقيصر على سرر الذهب ، وفرش الديباج (1) والحرير ، فجلس فقال : » يا عمر ، لعلك شككت ؟ « ، قلت : لا ، والذي بعثك بالحق ، إني على يقين من الله عز وجل فيك ، إنك لنبيه وصفيه ، ولكني عجبت لما زوي عنك من الدنيا ، وبسط على هؤلاء ، فقال : » إنهم قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا ، وإنا أخرت لنا في آخرتنا « وما قد حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث بن سعد ، قال : حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، ثم ذكر بإسناده مثله ، غير أنه قال : » أوفي شك أنت يا ابن الخطاب « ؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا » ، فقلت : يا رسول الله ، استغفر لي « وإذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد نفى عن نفسه الشك ، فيما نفاه عنها بحلفه على ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعه عن ذلك ، كان ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد انتفاء ، وكان عن أمثال عمر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في انتفائه عنهم ، كانتفائه عن عمر ، وكان في ذلك ما قد تحققنا به على أن المرادين بالشك في ذلك هم غير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وغير عمر ، وغير من سواه من أصحابه رضوان الله عليهم ، وأنهم من سواهم من أهل الشك فيه صلى الله عليه وسلم ، ممن إسلامه إن كان له إسلام ليس كإسلام أصحابه رضوان الله عليهم ، أو ممن لا يؤمن به ، ولم يدخل في شريعته ، ولم نجد في تأويل هذه الآية أحسن مما ذكرناه في تأويلها مما قد اجتبيناه في هذا الباب ، والله نسأله التوفيق
__________
(1) الديباج : هو الثِّيابُ المُتَّخذة من الإبْرِيسَم أي الحرير الرقيق
عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 14 / ص 202)
8642 - حدثنا ( يحياى بن بكير ) قال حدثنا ( الليث ) عن ( عقيل ) عن ( ابن شهاب ) قال أخبرني ( عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور ) عن ( عبد الله بن عباس ) رضي الله تعالى عنهما قال لم أزل حريصا على أن أسأل عمر رضي الله تعالى عنه عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله لهما إن تتوبا إلاى الله فقد صغت قلوبكمافحججت معه فعدل وعدلت معه بالإداوة فتبرز حتى جاء فسكبت على يديه من الإداوة فتوضأ فقلت يا أمير المؤمنين من المرآتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال لهما إن تتوبا إلاى الله فقال واعجبي لك يا ابن عباس عائشة وحفصة ثم استقبل عمر الحديث يسوقه فقال إني كنت وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة وكنا نتناوب النزول على النبي صلى الله عليه وسلم فينزل هو يوما وأنزل يوما فإذا نزلت جئته من خبر ذالك اليوم من الأمر وغيره وإذا نزل فعل مثله وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا على الأنصار إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار فصحت على امرأتي فراجعتني فأنكرت أن تراجعني فقالت ولم تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل فأفزعني فقلت خابت من فعل منهن بعظيم ثم جمعت علي ثيابي فدخلت على حفصة فقلت أي حفصة أتغاضب إحداكن رسول الله اليوم حتى الليل فقالت نعم فقلت خابت وخسرت أفتأمن أن يغضب الله لغضب رسوله فتهلكين لا تستكثري على رسول الله ولا تراجعيه في شيء ولا تهجريه واسأليني ما بدا لك ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحب إلى رسول الله يريد عائشة وكنا تحدثنا أن غسان تنعل النعال لغزونا فنزل صاحبي يوم نوبته فرجع عشاء فضرب بابي ضربا شديدا وقال أنا نائم هو ففزعت فخرجت إليه وقال حدث أمر عظيم قلت ما هو أجاءت غسان قال لا بل أعظم منه وأطول طلق رسول الله نساءه قال قد خابت حفصة وخسرت كنت أظن أن هاذا يوشك أن يكون فجمعت علي ثيابي فصليت صلاة الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم فدخل مشربة له فاعتزل فيها فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي قلت ما يبكيك أو لم أكن حذرتك أطلقكن رسول الله قالت لا أدري هو ذا في المشربة فخرجت فجئت المنبر فإذا حوله رهط يبكي بعضهم فجلست معهم قليلا ثم غلبني ما أجد فجئت المشربة التي هو فيها فقلت لغلام له أسود استأذن لعمر فدخل فكلم النبي صلى الله عليه وسلم ثم خرج فقال ذكرتك له فصمت فانصرفت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت فذكر مثله فجلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت الغلام فقلت استأذن لعمر فذكر مثله فلما وليت منصرفا فإذا الغلام يدعوني قال أذن لك رسول الله فدخلت عليه فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه متكيء على وسادة من أدم حشوها ليف فسلمت عليه ثم قلت وأنا قائم طلقت نساءك فرفع بصره إلي فقال لا ثم قلت وأنا قائم أستأنس يا رسول الله لو رأيتني وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا على قوم تغلبهم نساؤهم فذكره فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قلت لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت لا يغرنك إن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد عائشة فتبسم أخرى فجلست حين رأيته تبسم ثم رفعت بصري في بيته فوالله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر غير أهبة ثلاثة فقلت ادع الله فليوسع على أمتك فإن فارس والروم وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله وكان متكئا فقال أوفي شك أنت يا ابن الخطاب أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا فقلت يا رسول الله استغفر لي فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة وكان قد قال ما أنا بداخل عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله فلما مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها فقالت له عائشة إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا وإنا أصبحنا لتسع وعشرين ليلة أعدها عدا فقال النبي صلى الله عليه وسلم الشهر تسع وعشرون وكان ذلك الشهر تسع وعشرون قالت عائشة فأنزلت آية التخيير فبدأ بي أول امرأة فقال إني ذاكر لك أمرا ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك قالت قد أعلم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقك ثم قال إن الله قال يا أيها النبي صلى الله عليه وسلم قل لأزواجك إلى قوله عظيما ( الأحزاب 82 92 ) قلت أفي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ثم خير نساءه فقلن مثل ما قالت عائشة مطابقته للترجمة في قوله فدخل مشربة له لأن المشربة هي الغرفة قاله ابن الأثير وغيره وقد ذكرها في الترجمة باسمها الآخر وهي الغرفة وهي بفتح الميم وضم الراء وفتحها والمشربة بفتح الميم وفتح الراء الموضع الذي يشرب منه كالمشرعة والمشربة بكسر الميم آلة الشرب
وعقيل بضم العين وعبيد الله بن عبد الله بتصغير الابن وتكبير الأب وأبو ثور بالثاء المثلثة المفتوحة وقال الحافظ الدمياطي قال الخطيب في ( تكملته ) لا أعلم أحدا روى عن عبيد الله هذا إلا الزهري ولا أعلمه حدث عن غير ابن عباس قلت خرج أبو داود وابن ماجه حديث محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن ابن عباس في طواف النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح على البعير وقد مضى بعض هذا الحديث في كتاب العلم في باب التناوب في العلم عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري وذكرنا هناك تعدد موضعه ومن أخرجه غيره
ذكر معناه قوله فعدل أي عن الطريق قوله بالأداواة بكسر الهمزة وهي إناء صغير من جلد يتخذ للماء كالسطيحة ونحوها ويجمع على أداوي قوله فتبرز أصله خرج إلى الفضاء لقضاء الحاجة قوله واعجبي لك بالألف في آخره ويروى واعجبا بالتنوين نحو يا رجلا كأنه يندب على التعجب وهو إما تعجب من جهله بذلك وهو كان مشهورا بينهم بعلم التفسير وإما من حرصه على سؤاله عما ما لا يتنبه له إلا الحريص على العلم من تفسير ما لا حكم فيه من القرآن وقال ابن مالك وا في واعجبا اسم فعل إذا نون عجبا بمعنى اعجب ومثله وي وجيء بعده بقوله عجبا توكيدا وإذا لم ينون فالأصل فيه واعجبي فأبدلت الياء ألفا وفيه شاهد على استعمال وا في غير الندبة كما هو رأي المبرد وقال في ( الكشاف ) قاله تعجبا كأنه كره ما سأله عنه قوله عائشة وحفصة أي المرأتان اللتان قال الله تعالى إن تتوبا إلى الله ( التحريم 4 ) الآية هما عائشة وحفصة قوله يسوقه جملة حالية قوله وجار لي من الأنصار جار مرفوع لأنه عطف على الضمير الذي في كنت على مذهب الكوفيين وفي روايته في باب التناوب في كتاب العلم كنت أنا وجار لي هذا على مذهب البصريين لأن عندهم لا يصح العطف بدون إظهار أنا حتى لا يلزم عطف الاسم على الفعل والكوفيون لا يشترطون ذلك وكلمة من في من الأنصار بيانية والمراد من هذا الجار هو عتبان بن مالك بن عمرو العجلاني الأنصاري الخزرجي قوله في بني أمية بن زيد في محل الجر على الوصفية أي الكائنين في بني أمية بن زيد أو المستقرين قوله وهي راجعة إلى أمكنة بني أمية قوله من عوالي المدينة وهي القرى بقرب المدينة وقال ابن الأثير العوالي أماكن بأعلى أراضي المدينة والنسبة إليها علوي على غير قياس وأدناها من المدينة على أربعة أميال وأبعدها من جهة نجد ثمانية قوله فينزل يوما الفاء فيه تفسيرية تفسر التناوب المذكور قوله من الأمر أي الوحي إذ اللام للمعهود عندهم أو الأوامر الشرعية قوله وغيره أي وغير الأمر من أخبار الدنيا قوله معشر قريش أي جمع قريش قوله فطفق نساؤنا بكسر الفاء وفتحا ومعنى طفق في الفعل أخذ فيه وهو من أفعال المقاربة قال الله تعالى وطفقا يخصفان عليهن من ورق الجنة ( الأعراف 22 وطه 121 ) أي أخذا في ذلك قوله فراجعتني أي ردت علي الجواب قوله حتى الليل أي إلى الليل قوله بعظيم أي بأمر عظيم قوله ثم جمعت علي ثيابي أي لبستها قوله أي حفصة أي يا حفصة قوله ما بدا لك أي ما كان لك من الضرورات قوله إن كانت جارتك أي بأن كانت فإن مصدرية أي ولا يغرنك كون جارتك أضوأ منك أي أزهر وأحسن ويروى أوضأ من الوضاءة أي من أجمل وأنظفحدثنا والمراد من الجار الضرة والمراد بها عائشة رضي الله تعالى عنها وفسر ذلك بقوله يريد عائشة قوله غسان على وزن فعال بالتشديد اسم ماء من جهة الشام نزل عليه قوم من الأزد فنسبوا إليه منهم بنو جفنة رهط الملوك ويقال هو اسم قبيلة قوله تنعل بضم التاء المثناة من فوق وسكون النون من إنعال الدواب وأصله تنعل الدواب النعال لأنه يتعدى إلى المفعولين فحذف أحدهما وإنما قلنا ذلك لأن النعال لا تنعل ويروى تنعل البغال جمع بغل بالباء الموحدة والغين المعجمة قوله عشاء نصب على الظرفية أي في عشاء قوله فضرب بابي فيه حذف وهو عطف عليه أي فسمع اعتزال الرسول صلى الله عليه وسلم عن زوجاته فرجع إلى العوالي فجاء إلى بابي فضرب والفاء فيه تسمى بالفاء الفصيحة لأنها تفصح عن المقدر قوله أنائم هو الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار قوله ففزعت أي فخفت القائل هو عمر الفاء فيه للتعليل أي لأجل الضرب الشديد فزعت قوله يوشك أن يكون أي يقرب كونه وهو من أفعال المقاربة يقال أوشك يوشك إيشاكا فهو موشك وقد وشك وشكا ووشاكة قوله مشربة له قد ذكرنا أن المشربة هي الغرفة الصغيرة وكذا قال ابن فارس وقال ابن قتيبة هي كالصفة بين يدي الغرفة وقال الداودي هي الغرفة الصغيرة وقال ابن بطال المشربة الخزانة التي يكون فيها طعامه وشرابه وقيل لها مشربة فيما أرى لأنهم كانوا يخزنون فيها شرابهم كما قيل للمكان الذي تطلع عليه الشمس ويشرق فيه صاحبه مشرقة قوله لغلام له أسود قيل اسمه رباح بفتح الراء وتخفيف الباء الموحدة وبالحاء المهملة قوله منصرفا نصب على الحال قوله فإذا الغلام كلمة إذا للمفاجأة قوله على رمال حصير بالإضافة وقال الكرماني الرمال بضم الراء وخفة الميم المرمول أي المنسوج قال أبو عبيد رملت وأرملت أي نسجت وقال الخطابي رمال الحصير ضلوعه المتداخلة بمنزلة الخيوط في الثوب المنسوج وقال ابن الأثير الرمال ما رمل أي نسج يقال رمل الحصير وأرمله فهو مرمول ومرمل ورملته شدد للتكثير ويقال الرمال جمع رمل بمعنى مرمول كخلق الله بمعنى مخلوق والمراد أنه كأن السرير قد نسج وجهه بالسعف ولم يكن على السرير وطاء سوى الحصير قوله متكىء خبر مبتدأ محذوف أي هو متكىء قوله على وسادة بكسر الواو وهي المخدة قوله من أدم بفتحتين وهو اسم لجمع أديم وهو الجلد المدبوغ المصلح بالدباغ قوله طلقت نساءك همزة الاستفهام فيه مقدرة أي أطلقت قوله أستأنس أي أتبصر هل يعود رسول الله إلى الرضى أو هل أقول قولا أطيب به وقته وأزيل منه غضبه قوله غير أهبة بالفتحات جمع إهاب على غير القياس والإهاب الجلد الذي لم يدبغ والقياس أن يجمع الإهاب على أهب بضمتين قوله فليوسع هذه الفاء عطف على محذوف لأنه لا يصلح أن يكون جوابا للأمر لأن مقتضى الظاهر أن يقال أدع الله أن يوسع وتقدير الكلام هكذا وقوله فليوسع عطف عليه للتأكيد قوله أفي شك يعني هل أنت في شك والمشكوك هو المذكور بعده وهو تعجيل الطيبات قوله استغفر لي طلب الاستغفار إنما كان عن جراءته على مثل هذا الكلام في حضرة رسول الله وعن استعظامه التجملات الدنياوية قوله فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم ابتداء كلام من عمر رضي الله تعالى عنه بعد فراغه من كلامه الأول فلذلك عطفه بالفاء قوله من أجل ذلك الحديث أي اعتزاله إنما كان من أجل إفشاء ذلك الحديث وهو ما روي أن رسول الله خلا بمارية في يوم عائشة وعلمت بذلك حفصة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أكتمي علي وقد حرمت مارية على نفسي ففشت حفصة إلى عائشة فغضبت عائشة حتى حلف النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يقربهن شهرا وهو معنى قوله ما إنا بداخل عليهم شهرا قوله من شدة موجدته أي من شدة غضبه والموجدة مصدر ميمي من وجد يجد وجدا وموجدة قوله حين عاتبه الله تعالى ويروى حتى عاتبه الله وهذه هي الأظهر وعاتبه الله تعالى بقوله يا أيها النبي صلى الله عليه وسلم لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك ( التحريم 1 ) قوله لتسع وعشرين ليلة باللام في رواية الكشميهني وفي رواية غيره بتسع بالباء الموحدة قوله الشهر تسع وعشرون أي الشهر الذي آليت به تسع وعشرون وأشار به إلى أنه كان ناقصا يوما قوله وكان ذلك تسع وعشرون ويروى تسعا وعشرين وجه الرواية الأولى أن كان فيها تامة فلا يحتاج إلى خبر وتسع بالرفع يجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي وجد ذلك الشهر وهو تسع وعشرون ويجوز أن يكون بدلا من الشهر وفي الرواية الثانية أن كان ناقصة وتسعا وعشرين خبرها قوله فأنزلت آية التخيير وهي قوله تعالى يا أيها النبي صلى الله عليه وسلم قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا إلى قوله أجرا عظيما ( الأحزاب 82 ) ح
اختلف العلماء هل خيرهن في الطلاق أو بين الدنيا والآخرة وهل اختيارها صريح أو كناية وهل هو فرقة أم لا وهل هو بالمجلس أو بالعرف وقال القرطبي اختلف العلماء في كيفية تخيير النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه على قولين الأول خيرهن بإذن الله تعالى في البقاء على الزوجية أو الطلاق فاخترن البقاء الثاني خيرهن بين الدنيا فيفارقهن وبين الآخرة فيمسكهن ولم يخيرهن في الطلاق ذكره الحسن وقتادة ومن الصحابة علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فيما رواه أحمد بن حنبل عنه أنه قال لم يخير النبي صلى الله عليه وسلم نساءه إلا بين الدنيا والآخرة وقالت عائشة خيرهن بين الطلاق والمقام معه وبه قال مجاهد والشعبي ومقاتل واختلفوا في سببه فقيل لأن الله خيره بين ملك الدنيا ونعيم الآخرة فاختار الآخرة على الدنيا فلما اختار ذلك أمر الله بتخيير نسائه ليكن على مثل حاله وقيل لأنهن تغايرن عليه فآلى منهن شهرا وقيل لأنهن اجتمعن يوما فقلن نريد ما يريد النساء من الحلي حتى قال بعضهن لو كنا عند غير النبي صلى الله عليه وسلم إذن لكان لنا شأن وثياب وحلي وقيل لأن الله تعالى صان خلوة نبيه فخيرهن على أن لا يتزوجن بعده فلما أجبن إلى ذلك أمسكهن وقيل لأن كل واحدة طلبت منه شيئا وكان غير مستطيع فطلبت أم سلمة معلما وميمونة حلة يمانية وزينب ثوبا مخططا وهو البرد اليماني وأم حبيبة ثوبا سحوليا وحفصة ثوبا من ثياب مصر وجويرية معجرا وسودة قطيفة خيبرية إلا عائشة فلم تطلب منه شيئا وكانت تحته تسع نسوة خمس من قريش عائشة وحفصة بنت عمر وأم حبيبة بنت أبي سفيان وسودة بنت زمعة وأم سلمة بنت أبي الحارث الهلالية وأربع من غير قريش صفية بنت حيي الخيبرية وميمونة بنت الحارث وزينب بنت جحش الأسدية وجويرية بنت الحارث المصطلقية قوله يا أيها النبي صلى الله عليه وسلم قل لأزواجك ( الأحزاب 82 ) قال المفسرون كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم سألنه شيئا من عرض الدنيا وآذينه بزيادة النفقة والغيرة فغم ذلك رسول الله فهجرهن وآلى أن لا يقربهن شهرا ولم يخرج إلى أصحابه في الصلاة فقالوا ما شأنه قال عمر رضي الله تعالى عنه إن شئتم لأعلمن لكم ما شأنه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فجرى منه ما ذكر في حديث الباب وذكروا أيضا أن عمر رضي الله تعالى عنه تتبع نساء النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يكلمهن لكل واحدة بكلام فقالت أم سلمة يا ابن الخطاب أو ما بقي لك إلا أن تدخل بين رسول الله وبين نسائه من يسأل المرأة إلا زوجها فأنزل الله تعالى هذه الآية بالتخيير فبدأ رسول الله بعائشة وكانت أحبهن إليه فخيرها وقرأ عليها القرآن فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة فرؤى الفرح في وجه رسول الله وتتابعتها بقية النسوة واخترن اختيارها وقال قتادة فلما اخترن الله ورسوله شكر لهن على ذلك وقصره عليهن فقال لا تحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ( الأحزاب 25 ) قوله فتعالين ( الأحزاب 82 ) أصل تعال أن يقول من في المكان المرتفع لمن في المكان المستوطىء ثم كثر حتى استقر استعماله في الأمكنة كلها ومعنى تعالين أقبلن ولم يرد نهوضهن إليه بأنفسهن قوله وأسرحكن ( الأحزاب 82 ) يعني الطلاق سراحا جميلا ( الأحزاب 82 ) من غير إضرار طلاقا بالسنة وقرىء بالرفع على الاستئناف قوله والدار الآخرة ( الأحزاب 82 ) يعني الجنة قوله منكن ( الأحزاب 82 ) يعني اللاتي آثرن الآخرة أجرا عظيما ( الأحزاب 82 ) وهو الجنة ذكر ما يستفاد منه فيه أن المحدث قد يأتي بالحديث على وجهه ولا يختصر لأنه قد كان يكتفي حين سأله ابن عباس عن المرأتين بما كان يخبره منه أنهما عائشة وحفصة وفيه موعظة الرجل ابنته وإصلاح خلقها لزوجها وفيه الحزن والبكاء لأمور رسول الله وما يكرهه والاهتمام بما يهمه وفيه الاستئذان والحجابة للناس كلهم كان مع المستأذن عيال أو لم يكن وفيه الانصارف بغير صرف من المستأذن عليه ومن هذا الحديث قال بعض العلماء إن السكوت يحكم به كما حكم عمر رضي الله تعالى عنه بسكوت رسول الله عن صرفه إياه وفيه التكرير بالاستئذان وفيه أن للسلطان أن يأذن أو يسكت أو يصرف وفيه تقلله من الدنيا وصبره على مضض ذلك وكانت له عنه مندوحة وفيه أنه يسأل السلطان عن فعله إذا كان ذلك مما يهم أهل طاعته وفيه قوله لعمر رضي الله تعالى عنه لا ردا لما أخبر به الأنصاري من طلاق نسائه ولم يخبر عمر بما أخبر به الأنصاري رضي الله تعالى عنه ولا شكاه لعلمه أنه لم يقصد الإخبار بخلاف القصة وإنما هو وهم جرى عليه وفيه الجلوس بين يدي السلطان وإن لم يأمر به إذات استؤنس منه إلى انبساط خلق وفيه أن أحدا لا يجوز أن يسخط حاله ولا ما قسم الله له ولا سابق قضائه لأنه يخاف عليه ضعف يقينه وفيه أن التقلل من الدنيا لرفع طيباته إلى دار البقاء خير حال ممن يعجلها في الدنيا الفانية والعجل لها أقرب إلى السفه وفيه الاستغفار من السخط وقلة الرضى وفيه سؤال من الشارع الاستغفار ولذلك يجب أن يسأل أهل الفضل والخير الدعاء والاستغفار وفيه أن المرأة تعاقب على إفشاء سر زوجها وعلى التحيل عليه بالأذى بالتوبيخ لها بالقول كما وبخ الله تعالى أزواج نبيه على تظاهرهما وإفشاء سره وعاتبهن بالإيلاء والاعتزال والهجران كما قال تعالى واهجروهن في المضاجع ( النساء 43 ) وفيه أن الشهر يكون تسعة وعشرين يوما وفيه أن المرأة الرشيدة لا بأس أن تشاور أبويها أو ذوي الرأي من أهلها في أمر نفسها التي هي أحق بها من وليها وهي في المال أولى بالمشاورة لا على أن المشاورة لازمة لها إذا كانت رشيدة كعائشة رضي الله تعالى عنها وفيه دليل لجواز ذكر العمل الصالح وهي في قول عبد الله بن عباس فحججت معه أي مع عمر وفيه الاستعانة في الوضوء إذ هو الظاهر من قوله فتوضأ وقال ابن التين ويحتمل الاستنجاء وذلك أن يصب الماء في يده اليمنى ثم يرسله حيث شاء وفيه رد الخطاب إلى الجمع بعد الإفراد وذلك في قوله أفتأمن أي إحداكن ثم قال فتهلكن على رواية تهلكن بضم الكاف وبالنون المشددة قاله الداودي وفيه أن ضحكه التبسم إكراما لمن يضحك إليه وقال جرير ما رآني رسول الله منذ أسلمت إلا تبسم وفيه التخيير وقد استعمل السلف الاختيار بعده فعند الشافعي أن المرأة إذا اختارت نفسها فواحدة وهو قول عائشة وعمر بن عبد العزيز وذكر علي أنها إذا اختارت نفسها فثلاث وقال طاووس نفس الاختيار لا يكون طلاقا حتى يوقعه وقال الداودي إن واحدة من نسائه اختارت نفسها فبقيت إلى زمن عمر رضي الله تعالى عنه وكانت تأتي بالحطب بالمدينة فتبيعه وأنها أرادت النكاح فمنعها عمر فقالت إن كنت من أمهات المؤمنين اضرب علي الحجاب فقال لها ولا كرامة وقيل إنها رعت غنما والذي في ( الصحاح ) أنهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة وقال الإمام الرازي الجصاص الحنفي اختلف السلف فيمن خير امرأته فقال علي إن اختارت زوجها فواحدة رجعية وإن اختارت نفسها فواحدة بائنة وعنه وإن اختارت زوجها فلا شيء وإن اختارت نفسها فواحدة بائنة وقال زيد بن ثابت في أمرك بيدك إن اختارت نفسها فواحدة رجعية وقال أبو حنيفة وصاحباه وزفر في الخيار بائنة اختارت زوجها فلا شيء وإن اختارت نفسها فواحدة بائنة إذا أراد الزوج الطلاق ولا يكون ثلاثا وإن نوى وقال ابن أبي ليلى والثوري والأوزاعي إن اختارت زوجها فلا شيء وإن اختارت نفسها فواحدة وقال مالك في الخيار إنه ثلاث إذا اختارت نفسها وإن طلقت نفسها بواحدة لم يقع شيء وقال النووي مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وجماهير العلماء أن من خير زوجته فاختارت لم يكن ذلك طلاقا ولا يقع به فرقة وروي عن علي وزيد بن ثابت والحسن والليث أن نفس التخيير يقع به طلقة بائنة سواء اختارت زوجها أم لا وحكاه الخطابي وغيره عن مذهب مالك قال القاضي لا يصح هذا عن مالك وفيه جواز اليمين شهرا أن لا يدخل على امرأته ولا يكون بذلك موليا لأنه ليس من الإيلاء المعروف في اصطلاح الفقهاء ولا له حكمة وأصل الإيلاء في اللغة الحلف على الشيء يقال منه آلى يولي إيلاء وتآلى تآليا وايتلى إيتلاء وصار في عرف الفقهاء مختصا بالحلف عن الامتناع عن وطء الزوجه ولا خلاف في هذا إلا ما حكي عن ابن سيرين أنه قال الإيلاء الشرعي محمول على ما يتعلق بالزوجة من ترك جماع أو كلام أو انفاق وسيجيء مزيد الكلام في مسائل الإيلاء المصطلح عليه في بابه إن شاء الله تعالى وفيه جواز دق الباب وضربه وفيه جواز دخول الآباء على البنات بغير إذن أزواجهن والتفتيش عن الأحوال سيما عما يتعلق بالمزاوجة وفيه السؤال قائما وفيه التناوب في العلم والاشتغال به وفيه الحرص على طلب العلم وفيه قبول خبر الواحد والعمل بمراسيل الصحابة وفيه أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كان يخبر بعضهم بعضا بما يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون قال رسول الله ويجعلون ذلك كالمسند إذ ليس في الصحابة من يكذب ولا غير ثقة وفيه أن شدة الوطأة على النساء غير واجبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم سار بسيرة الأنصار فيهن وفيه فضل عائشة رضي الله تعالى عنها
شرح ابن بطال - (ج 12 / ص 116)
الغرف والسطوح وغيرها مباحة ما لم يطلع منها على حرمة أحد أو عورة له، قال المهلب: وفى حديث ابن عباس الحرص على العلم وخدمة الرجل الشريف للسلطان والعالم، وأنه لا ضعة عليه فى خدمته، وفيه الكلام فى العلم على كل حال، فى المشى والطرق والخلوات، فأما قوله: « واعجبًا لك » عجب من حرصه على سؤاله عما لا ينتبه إليه إلا الحريص على العلم من تفسير ما لا محكم فيه من القرآن.
وقوله: « استقبل عمر الحديث » فيه أن المحدث قد يأتى بالحديث على وجهه ولا يختصره؛ لأنه قد كان يكتفى حين سأله ابن عباس عن المرأتين بما أخبره به من قوله: « عائشة وحفصة » .
وقوله: « كنا نغلب النساء » يريد أن شدة المواطأة على النساء مذموم؛ لأن النبى سار بسيرة الأنصار فيهن وترك سيرة قومه قريش، وفيه موعظة الرجل ابنته وإصلاح خلقها لزوجها، وفيه الحزن والبكاء لأمور رسول الله وما يكرهه، والاهتمام بما يهمه، وفيه الاستئذان والحجابة للناس كلهم كان مع المستأذن عليه عيال أو لم يكن، وفيه الانصراف بغير صرف من المستأذن عليه.
ومن هذا الحديث قال بعض العلماء: إن السكوت يحكم به كما حكم عمر بسكوت النبى عن صرفه له، وفيه التكرير بالاستئذان، وفيه أن للسلطان أن يأذن أو يسكت أو يصرف، وفيه تقلل النبى من الدنيا، وصبره على مضض ذلك، وكانت له عنه مندوحة، وفيه أنه يسئل السلطان عن فعله إذا كان ذلك مما يهم أهل طاعته، وفى قول النبى لعمر: « لا » رد لما أخبر به الأنصارى من طلاق نسائه، ولم يخبر عمر بما أخبر به الأنصارى ولا شكاه، لعلمه أنه لم يقصد للأخبار بخلاف القصة، وإنما هو وهم جرى عليه.
وفى قوله: « أستأنس » استنزال السلطان والاستئناس بين يديه بالحديث، وأخذ إذنه فى الكلام، وفى تبسم النبى لعمر حين ذكر غلبة قريش لنسائها وتحكم نساء الأنصار عليهم: دليل أن المعنيين ليسا بمحرمين، وفيه الجلوس بين يدى السلطان وإن لم يأمر بذلك إذا استؤنس منه إلى انبساط خلق.
وفيه: أنه لا يجب أن يتسخط أحد حاله ولا ما قسم الله له، ولا يستحقر نعمة الله عنده، ولا سابق فضله؛ لأنه يخاف عليه ضعف يقينه، وفيه أن المتقلل من الدنيا ليرفع طيباته إلى دار البقاء خير حالا ممن تعجلها فى الدنيا الفانية، والمتعجل لها أقرب إلى السفه، وفيه الاستغفار من السخط وقله الرضا، وفيه سؤال النبى - صلى الله عليه وسلم - الاستغفار، وكذلك يجبب أن يسأل أهل الفضل والخير الدعاء و الاستغفار.
وفيه: أن المرأة تعاقب على إفشاء سر زوجها، وعلى التحيل عليه بالأذى، والمنع من موافقته وشهواته بالتوبيخ لها بالقول، كما وبخ الله أزواج النبى على تظاهرهما عليه وإفشاء سره، وعاقبهن النبى بالإيلاء والاعتزال والهجران كما قال تعالى: {واهجروهن فى المضاجع} وفيه أن الشهر يكون تسعة وعشرين يومًا، فإنما يجرى فيه على الأهلة التى جعلها الله مواقيت للناس فى آجالهم.
وفيه: الرجل إذا قدم من سفر أو طرأ على أزواجه أن يبدأ بمن شاء منهن، وأنه ليس عليه أن يبدأ من حيث بلغ قبل الخروج وفى نقض رتبة الدوران وابتدائه من حيث بدأ دليل أن القسمة بين النساء فيها توسعة، ويدل على ذلك قوله تعالى: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل} ومن أبيح له بعض الميل فقد رخص له فى التقصير عن العدل فى القسمة، وفيه أن المرأة الرشيدة لا بأس أن تشاور أبويها و ذا الرأى من أهلها فى أمر نفسها ومالها؛ لأن أمر نفسها أخف من أمر مالها، و إذا كان النبى أمرها بالمشاورة فى أمر نفسها التى هى أحق بها من وليها فهى فى المال أولى بالمشاورة لا على أن المشاورة لازمة لها إذا كانت رشيدة كما كانت عائشة، وليس على من يتبين له رشد رأيه أن يشاور، ويسقط عنه الندب فيه.
والمشربة: الغرفة، والأطم: حصن مبنى بالحجارة، وقال أبو عبيدة: رملت الحصير رملاً وأرملته إذا نسجته.(1/129)
اعْتِزَالُ الرَّجُلِ نِسَاءَهُ
260-7916 أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ ، أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ، أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلُ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ شَهْرًا ، فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً ، غَدَا عَلَيْهِنَّ " فَقِيلَ لَهُ : إِنَّكَ حَلَفْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا قَالَ : " إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا (1)
__________
(1) - البخاري برقم(1910و5202) و مسلم برقم( 2575 )
فتح الباري لابن حجر - (ج 6 / ص 149)
1774 - قَوْلُهُ : ( الشَّهْر تِسْع وَعِشْرُونَ )
ظَاهِره حَصْرُ الشَّهْرَ فِي تِسْع وَعِشْرِينَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ فِيهِ بَلْ قَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ ، وَالْجَوَاب أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَة وَعِشْرِينَ أَوْ اللَّامُ لِلْعَهْدِ وَالْمُرَاد شَهْر بِعَيْنِهِ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ لِقَوْلِ اِبْن مَسْعُود " مَا صُمْنَا مَعَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرَ مِمَّا صُمْنَا ثَلَاثِينَ " أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ ، وَمِثْلُهُ عَنْ عَائِشَة عِنْدَ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّل قَوْله فِي حَدِيث أُمّ سَلَمَةَ فِي الْبَابِ أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَة وَعِشْرِينَ يَوْمًا ، وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيِّ : قَوْلُهُ " الشَّهْر تِسْع وَعِشْرُونَ فَلَا تَصُومُوا إِلَخْ " مَعْنَاهُ حَصْره مِنْ جِهَةِ أَحَدِ طَرَفَيْهِ ، أَيْ أَنَّهُ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَهُوَ أَقَلُّهُ ، وَيَكُونُ ثَلَاثِينَ وَهُوَ أَكْثَرُهُ ، فَلَا تَأْخُذُوا أَنْفُسَكُمْ بِصَوْم الْأَكْثَر اِحْتِيَاطًا ، وَلَا تَقْتَصِرُوا عَلَى الْأَقَلِّ تَخْفِيفًا ، وَلَكِنْ اِجْعَلُوا عِبَادَتكُمْ مُرْتَبِطَةَ اِبْتِدَاءٍ وَانْتِهَاءً بِاسْتِهْلَالِهِ .
عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 12 / ص 94)
0191 - حدثنا ( أبو عاصم ) عن ( ابن جريج ) عن ( يحيى بن عبد الله بن صيفي ) عن عكرمة بن عبد الرحمان عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه شهرا فلما مضى تسعة وعشرون يوما غدا أو راح فقيل له إنك حلفت أن لا تدخل شهرا فقال إن الشهر يكون تسعة وعشرين يوما
( الحديث 0191 - طرفه في 2025 )
مطابقته للترجمة مثل الوجه الذي ذكرناه في مطابقة الحديث السابق للترجمة
ذكر رجاله وهم خمسة الأول أبو عاصم النبي صلى الله عليه وسلمل الضحاك بن مخلد الثاني عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الثالث يحيى بن عبد الله بن صيفي منسوب إلى ضد الشتاء مر في أول الزكاة الرابع ( عكرمة بن عبد الرحمن ) بن الحارث المخزومي مات زمان يزيد بن عبد الملك الخامس أم ( سلمة ) زوج النبي صلى الله عليه وسلم واسمها هند بنت أبي أمية
ذكر لطائف إسناده فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع وفيه العنعنة في أربعة مواضع وفيه أن شيخه مذكور بكنيته وأنه بصري وأن ابن جريج ويحيى مكيان وعكرمة مدني
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في النكاح عن أبي عاصم وعن محمد بن مقاتل وأخرجه مسلم في الصوم عن هارون بن عبد الله وعن إسحاق بن راهويه وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن يوسف بن سعيد وأخرجه ابن ماجه في الطلاق عن عن أحمد بن يوسف عن أبي عاصم ذكر معناه قوله آلى أي حلف لا يدخل على نسائه ويقال ألى يولي إيلاء وتألى يتألى تأليا قوله من نسائه إنما عداه بمن حملا على المعنى وهو الامتناع من الدخول وهو يتعدى بمن قوله غدا بالغين المعجمة يقال غدا يغدو غدوا وهو الذهاب أول النهار قوله أو راحشك من الراوي من الرواح وهو الذهاب آخر النهار وهو الأصل وقد يراد به مطلق الذهاب أي وقت كان ومنه قوله من راح إلى الجمعة في الساعة الأولى أي من مشى إليها وذهب إلى الصلاة ولم يرد رواح آخر النهار وروى مسلم حدثنا عبد بن حميد قال أخبرنا معمر عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم أقسم أن لا يدخل على أزواجه شهرا قال الزهري فأخبرني عروة عن عائشة قالت لما مضت تسع وعشرون ليلة أعدهن دخل علي رسول الله قالت بدأ بي فقلت يا رسول الله إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا وإنك دخلت من تسع وعشرين أعدهن قال إن الشهر تسع وعشرون معناه قد يكون تسعة وعشرين كما صرح به في بعض الروايات ثم اعلم أن قول أم سلمة إن النبي صلى الله عليه وسلم آلى من نسائه شهرا المراد منه الحلف لا الإيلاء الشرعي لأن الإيلاء الشرعي هو الحلف على ترك قربان امرأته أربعة أشهر أو أكثر لقوله تعالى للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر ( البقرة 622 ) فتكون مدة الإيلاء أربعة أشهر من غير زيادة ولا نقصان وروى ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) حدثنا علي بن مسهر عن سعيد ابن عامر الأحول عن عطاء عن ابن عباس قال إذا آلى من امرأته شهرا أو شهرين أو ثلاثة ما لم يبلغ الحد فليس بإيلاء وأخرج نحوه عن عطاء وطاووس وسعيد بن جبير والشعبي وقال الشافعي وأحمد إذا حلف لا يقربها أربعة أشهر لا يكون موليا حتى يزيد مدة المطالبة واشترط مالك زيادة يوم والآية المذكورة حجة عليهم وحكم الإيلاء أنه إذا وطئها في المدة كفر لأنه حنث في يمينه وقال الحسن البصري لا كفارة عليه وسقط الإيلاء وإن لم يطأها في المدة حتى مضت بانت منه بتطليقة واحدة وهو قول ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم وهو قول جمهور التابعين وفيه فروع كثيرة محلها كتب الفقه
شرح ابن بطال - (ج 12 / ص 118)
وفيه: أن المرأة تعاقب على إفشاء سر زوجها، وعلى التحيل عليه بالأذى، والمنع من موافقته وشهواته بالتوبيخ لها بالقول، كما وبخ الله أزواج النبى على تظاهرهما عليه وإفشاء سره، وعاقبهن النبى بالإيلاء والاعتزال والهجران كما قال تعالى: {واهجروهن فى المضاجع} وفيه أن الشهر يكون تسعة وعشرين يومًا، فإنما يجرى فيه على الأهلة التى جعلها الله مواقيت للناس فى آجالهم.
وفيه: الرجل إذا قدم من سفر أو طرأ على أزواجه أن يبدأ بمن شاء منهن، وأنه ليس عليه أن يبدأ من حيث بلغ قبل الخروج وفى نقض رتبة الدوران وابتدائه من حيث بدأ دليل أن القسمة بين النساء فيها توسعة، ويدل على ذلك قوله تعالى: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل} ومن أبيح له بعض الميل فقد رخص له فى التقصير عن العدل فى القسمة، وفيه أن المرأة الرشيدة لا بأس أن تشاور أبويها و ذا الرأى من أهلها فى أمر نفسها ومالها؛ لأن أمر نفسها أخف من أمر مالها، و إذا كان النبى أمرها بالمشاورة فى أمر نفسها التى هى أحق بها من وليها فهى فى المال أولى بالمشاورة لا على أن المشاورة لازمة لها إذا كانت رشيدة كما كانت عائشة، وليس على من يتبين له رشد رأيه أن يشاور، ويسقط عنه الندب فيه.
والمشربة: الغرفة، والأطم: حصن مبنى بالحجارة، وقال أبو عبيدة: رملت الحصير رملاً وأرملته إذا نسجته.
تحفة الأحوذي - (ج 2 / ص 228)
626 - قَوْلُهُ : ( آلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ )
أَيْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِيلَاءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْإِيلَاءَ الشَّرْعِيَّ بَلْ الْمُرَادُ الْإِيلَاءُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الْحَلِفُ
( فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ )
بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا أَيْ غُرْفَةٍ . قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ : الْمَشْرُبَةُ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ الْغُرْفَةُ ، وَفِي الْقَامُوسِ : الْمَشْرُبَةُ الْغُرْفَةُ أَوْ الْعُلِّيَّةُ اِنْتَهَى . وَالْغُرْفَةُ بِالضَّمِّ وَالْعُلِّيَّةُ بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ مَعْنَاهُمَا بِالْفَارِسِيَّةِ برواره ، كَذَا فِي الصُّرَاحِ ، وبرواره عَلَى وَزْنِ همواره مَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ بالإخانة وَحُجْرَةٌ بالاء حُجْرَةٌ
( الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ )
أَيْ هَذَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ أَوْ الْمَعْنَى الشَّهْرُ قَدْ يَكُونُ كَذَلِكَ . قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : ظَاهِرُهُ حَصْرُ الشَّهْرِ فِي تِسْعٍ وَعِشْرِينَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ فِيهِ بَلْ قَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ أَوْ اللَّامُ لِلْعَهْدِ وَالْمُرَادُ شَهْرٌ بِعَيْنِهِ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ ، كَقَوْلِ اِبْنِ مَسْعُودٍ : مَا صُمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرَ مِمَّا صُمْنَا ثَلَاثِينَ . وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ : إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا . وَقَالَ اِبْنُ الْعَرَبِيِّ : مَعْنَاهُ حَصْرُهُ مِنْ جِهَةِ أَحَدِ طَرَفَيْهِ أَيْ أَنَّهُ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَهُوَ أَقَلُّهُ وَيَكُونُ ثَلَاثِينَ وَهُوَ أَكْثَرُهُ فَلَا تَأْخُذُوا أَنْفُسَكُمْ بِصَوْمِ الْأَكْثَرِ اِحْتِيَاطًا وَلَا تَقْتَصِرُوا عَلَى الْأَقَلِّ تَخْفِيفًا ، وَلَكِنْ اِجْعَلُوا عِبَادَتَكُمْ مُرْتَبِطَةً اِبْتِدَاءً وَانْتِهَاءً بِاسْتِهْلَاكِهِ اِنْتَهَى .
قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ .
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 6 / ص 71)
فَصْلٌ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْأَحْكَامَ مِثْلَ صِيَامِ رَمَضَانَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْأَهِلَّةِ لَا رَيْبَ فِيهِ . لَكِنْ الطَّرِيقُ إلَى مَعْرِفَةِ طُلُوعِ الْهِلَالِ هُوَ الرُّؤْيَةُ ؛ لَا غَيْرُهَا : بِالسَّمْعِ وَالْعَقْلِ . أَمَّا السَّمْعُ : فَقَدْ أَخْبَرَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْخُنَا الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ المقدسي وَأَبُو الْغَنَائِمِ الْمُسْلِمُ بْنُ عُثْمَانَ الْقَيْسِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالُوا : أَنْبَأَنَا حَنْبَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُؤَذِّنُ أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ أَنْبَأَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ الْمُذْهِبِ أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَد بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَد بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ أَنْبَأَنَا أَبِي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَعَقَدَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ . وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي تَمَامَ الثَّلَاثِينَ } . وَقَالَ أَحْمَد : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ وَإِسْحَاقَ يَعْنِي الْأَزْرَقَ أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ . الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي ذَكَرَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ قَالَ إسْحَاقُ : وَطَبَّقَ بِيَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَخَنَّسَ إبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ } أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ آدَمَ عَنْ شُعْبَةَ وَلَفْظُهُ : { إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ } . وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو داود عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ عَنْ شُعْبَةَ وَلَفْظُهُ : { إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَخَنَّسَ سُلَيْمَانُ أُصْبُعَهُ فِي الثَّالِثَةِ يَعْنِي تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِينَ } . رَوَاهُ النسائي مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ . كَمَا ذَكَرْنَاهُ . وَمِنْ طَرِيقِ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ أَيْضًا كَمَا سُقْنَاهُ وَقَالَ فِي آخِرِهِ تَمَامُ الثَّلَاثِينَ . وَلَمْ يَقُلْ : يَعْنِي . فَرِوَايَتُهُ مِنْ جِهَةِ الْمُسْنَدِ كَمَا سُقْنَاهُ أَجَلُّ الطُّرُقِ وَأَرْفَعُهَا قَدْرًا ؛ إذْ غُنْدَرٌ أَرْفَعُ مِنْ كُلِّ مَنْ رَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ وَأَضْبَطُ لِحَدِيثِهِ وَالْإِمَامُ أَحْمَد أَجَلُّ مَنْ رَوَاهُ عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمُسْنَدَةُ الَّتِي رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ وَأَبُو داود والنسائي مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ تُفَسِّرُ رِوَايَةَ النَّوَوِيِّ وَسَائِرَ الرِّوَايَاتِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِمَّا فِيهِ إجْمَالٌ يُوهَمُ بِسَبَبِهِ عَلَى ابْنِ عُمَرَ مِثْلُ مَا رَوَيْنَاهُ بِالطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ أَحْمَد قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَبَهْزٌ قَالَا : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ جبلة يَقُولُ لَنَا ابْنُ سحيم : قَالَ بَهْزٌ : أَخْبَرَنِي جبلة بْنُ سحيم سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ قَالَ : { قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَطَبَّقَ بِأَصَابِعِهِ مَرَّتَيْنِ وَكَسَرَ فِي الثَّالِثَةِ الْإِبْهَامَ . } قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ فِي حَدِيثِهِ يَعْنِي قَوْلَهُ : " تِسْعًا وَعِشْرِينَ " . هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ والنسائي مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَلَفْظُهُ : { الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَخَنَّسَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ } . وَمِثْلُ مَا رَوَى نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ كَمَا رَوَيْنَاهُ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ إلَى أَحْمَد : حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ أَنْبَأَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : { قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ } قَالَ نَافِعٌ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ إذَا مَضَى مِنْ شَعْبَانَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يَبْعَثُ مَنْ يَنْظُرُ فَإِنْ رُئِيَ فَذَاكَ فَإِنْ لَمْ يُرَ وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ وَلَا قَتَرٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرٌ أَصْبَحَ صَائِمًا . وَرَوَيْنَاهُ . فِي سُنَنِ أَبِي داود مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : أَنْبَأَنَا أَيُّوبُ هَكَذَا سَوَاءً . وَلَفْظُهُ : { الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ } قَالَ فِي آخِرِهِ : فَكَانَ ابْنِ عُمَرَ إذَا كَانَ شَعْبَانُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ نُظِرَ لَهُ فَإِنْ رُئِيَ فَذَاكَ وَإِنْ لَمْ يُرَ وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ وَلَا قَتَرٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرٌ أَصْبَحَ صَائِمًا قَالَ فَكَانَ ابْنِ عُمَرَ يُفْطِرُ مَعَ النَّاسِ وَلَا يَأْخُذُ بِهَذَا الْحِسَابِ وَرِوَى لَهُ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ } وَبِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ سَحَابٌ أَصْبَحَ صَائِمًا . وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَحَابٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا . قَالَ : وَأَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ طاوس عَنْ أَبِيهِ مِثْلَهُ وَهَكَذَا رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ كَمَا رَوَيْنَاهُ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ إلَى أَحْمَد : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ : إذَا كَانَ لَيْلَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ . وَكَانَ فِي السَّمَاءِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرٌ أَصْبَحَ صَائِمًا . رَوَاهُ النسائي عَنْ عُمَرَ وَابْنُ عَلِيٍّ عَنْ يَحْيَى . وَلَفْظُهُ : { لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ } وَذَكَرَ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { قَالَ : ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهِلَالَ فَقَالَ : إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ } وَجَعَلَ هَذَا اخْتِلَافًا عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ . وَمِثْلُ هَذَا الِاخْتِلَافِ لَا يَقْدَحُ إلَّا مَعَ قَرِينَةٍ فَإِنَّ الْحُفَّاظَ كَالزُّهْرِيِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ وَنَحْوِهِمَا يَكُونُ الْحَدِيثُ عِنْدَهُمْ مِنْ وَجْهَيْنِ وَثَلَاثَةٍ أَوْ أَكْثَرَ . فَتَارَةً يُحَدِّثُونَ بِهِ مِنْ وَجْهٍ وَتَارَةً يُحَدِّثُونَ بِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهَذَا يُوجَدُ كَثِيرًا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا . وَيُظْهِرُ ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْ الرُّوَاةِ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ شَيْخَيْنِ أَوْ يَذْكُرُ الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا . وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْهُ وَلَفْظُهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ ذَكَرَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَقَالَ : لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ } لَمْ يَذْكُرْ فِي أَوَّلِهِ قَوْلَهُ : { الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ } وَلَا ذَكَرَ الزِّيَادَةَ عَلَى عَادَتِهِ فِي أَنَّهُ كَانَ كَثِيرًا مَا يَتْرُكُ التَّحْدِيثَ بِمَا لَا يُعْمَلُ بِهِ عِنْدَهُ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : { الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ } فَرَوَاهَا مَالِكٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ . وَرَوَاهَا مِنْ طَرِيقِهِ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مسلمة وَهُوَ القعنبي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ } هَكَذَا وَقَعَ هَذَا اللَّفْظُ مُخْتَصَرًا فِي الْبُخَارِيِّ . وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ القعنبي عَنْ مَالِكٍ . وَهُوَ نَاقِصٌ . فَإِنَّ الَّذِي فِي الْمُوَطَّأِ : " يَوْمًا " لِأَنَّ القعنبي لَفْظُهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ . فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ } فَذَكَرَ قَوْلَهُ : { وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ } وَذَكَرَهُ بِلَفْظَةِ { فَاقْدُرُوا لَهُ } لَا بِلَفْظِ { فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ } وَهَكَذَا فِي سَائِر الْمُوَطَّآتِ مَسْبُوقٌ بِذِكْرِ الْجُمْلَتَيْنِ . وَلَفْظُ " الْقَدْر " حَتَّى قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : لَمْ يُخْتَلَفْ عَنْ نَافِعٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي قَوْلِهِ : { فَاقْدُرُوا لَهُ } قَالَ : وَكَذَلِكَ رَوَى سَالِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ . وَقَدْ رَوَى حَدِيثَ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : وَرَوَاهُ الدراوردي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ فَقَالَ فِيهِ : { فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَحْصُوا الْعِدَّةَ } فَهَذِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ نَقْصٌ وَرِوَايَةٌ بِالْمَعْنَى وَقَعَ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ الَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ كَمَا ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ وَقَعَ فِي هَذَا الْبَابِ فِي لَفْظِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ . وَمِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ الْمُشْعِرُ بِالْحَصْرِ مَا رَوَيْنَاهُ أَيْضًا بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ إلَى أَحْمَد : حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا شيبان عَنْ يَحْيَى أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ : قَالَ : سَمِعْت { ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ } وَرَوَاهُ النسائي مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ عَنْ يَحْيَى هَكَذَا . وَسَاقَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الشَّهْرُ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَيَكُونُ ثَلَاثِينَ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ } وَجَعَلَ النسائي هَذَا اخْتِلَافًا عَلَى يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ . وَالصَّوَابُ أَنَّ كِلَيْهِمَا مَحْفُوظٌ عَنْ يَحْيَى . عَنْ أَبِي سَلَمَةَ لَا اخْتِلَافَ فِي اللَّفْظِ . وَقَالَ أَحْمَد حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ . حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ حريث سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ وَطَبَّقَ شُعْبَةُ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَكَسَرَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ قَالَ عُقْبَةُ وَأَحْسَبُهُ قَالَ : الشَّهْرُ ثَلَاثُونَ وَطَبَّقَ كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ } وَرَوَاهُ النسائي مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُثَنَّى عَنْ غُنْدُرٍ ؛ لَكِنْ لَفْظُهُ : { الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ } لَمْ يَزِدْ . فَرِوَايَةُ أَحْمَد أَكْمَلُ وَأَحْسَنُ سِيَاقًا تَقَدَّمَ فَإِنَّ الرِّوَايَةَ الْمُفَسِّرَةَ تُبَيِّنُ أَنَّ سَائِر رِوَايَاتِ ابْنِ عُمَرَ الَّتِي فِيهَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ عُنِيَ بِهَا أَحَدُ شَيْئَيْنِ : أَمَّا أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ رَدًّا عَلَى مَنْ يَتَّهِمُ أَنَّ الشَّهْرَ الْمُطْلَقَ هُوَ ثَلَاثُونَ كَمَا تَوَهَّمَ مَنْ تَوَهَّمَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَتَبِعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي الشَّهْرِ الْعَدَدِيِّ فَيَجْعَلُونَهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِكُلِّ حَالٍ وَعَارَضَهُمْ قَوْمٌ فَقَالُوا : الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ وَالْيَوْمُ الْآخِرُ زِيَادَةٌ . وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : { الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا } يَعْنِي : مَرَّةً ثَلَاثِينَ وَمَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ فَمَنْ جَزَمَ بِكَوْنِهِ ثَلَاثِينَ أَوْ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ فَقَدْ أَخْطَأَ . وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنَّ عَدَدَ الشَّهْرِ اللَّازِمَ الدَّائِمَ هُوَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ فَأَمَّا الزَّائِدُ فَأَمْرٌ جَائِزٌ يَكُونُ فِي بَعْضِ الشُّهُورِ وَلَا يَكُونُ فِي بَعْضِهَا . وَالْمَقْصُودُ أَنَّ التِّسْعَةَ وَالْعِشْرِينَ يَجِبُ عَدَدُهَا وَاعْتِبَارُهَا بِكُلِّ حَالٍ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَلَا يُشْرَعُ الصَّوْمُ بِحَالِ حَتَّى يَمْضِيَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ شَعْبَانَ وَلَا بُدَّ أَنْ يُصَامَ فِي رَمَضَانَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ ؛ لَا يُصَامُ أَقَلُّ مِنْهَا بِحَالِ وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي يُفَسَّرُ بِهِ رِوَايَةُ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ : { إنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ . فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ } أَيْ إنَّمَا الشَّهْرُ اللَّازِمُ الدَّائِمُ الْوَاجِبُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ . وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُفَسَّرَ هَذَا اللَّفْظُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَصْرِ . وَقَدْ قِيلَ إنَّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ إشَارَةً إلَى شَهْرٍ بِعَيْنِهِ لَا إلَى جِنْسِ الشَّهْرِ : أَيْ إنَّمَا ذَلِكَ الشَّهْرُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ كَأَنَّهُ الشَّهْرُ الَّذِي آلَى فِيهِ مِنْ أَزْوَاجِهِ لَكِنْ هَذَا يَدْفَعُهُ قَوْلُهُ عَقِبَهُ : { فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ . فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَقْدِرُوا لَهُ } فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا لِبَيَانِ الشَّرْعِ الْعَامِّ الْمُتَعَلِّقِ بِجِنْسِ الشَّهْرِ لَا لِشَهْرِ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ قَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا لِأَجْلِ الصَّوْمِ . فَلَوْ أَرَادَ شَهْرًا بِعَيْنِهِ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ لَكَانَ إذَا عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ بَيْنَ الْغَمِّ وَعَدَمِهِ وَلَمْ يَقُلْ : { فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ } وَلِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا وَقَدْ رُئِيَ هِلَالُ الصَّوْمِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُقَالُ : { فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ } . وَلِذَلِكَ حَمَلَ الْأَئِمَّةُ كَالْإِمَامِ أَحْمَد قَوْلَهُ الْمُطْلَقَ عَلَى أَنَّهُ لِجِنْسِ الشَّهْرِ لَا لِشَهْرِ مُعَيَّنٍ . وَبَنَوْا عَلَيْهِ أَحْكَامَ الشَّرِيعَةِ . قَالَ حَنْبَلُ بْنُ إسْحَاقَ : حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ حميد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : قُلْت لِيَحْيَى : الَّذِينَ يَقُولُونَ الملائي قَالَ : نَعَمْ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ قَالَ : صُمْنَا عَلَى عَهْدِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ فَأَمَرَنَا عَلِيٍّ أَنْ نُتِمَّهَا يَوْمًا . أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقُولُ : الْعَمَلُ عَلَى هَذَا الشَّهْرِ ؛ لِأَنَّ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ فَمَنْ صَامَ هَذَا الصَّوْمَ قَضَى يَوْمًا وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ . وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ يَتَبَيَّنُ الْجَوَابُ عَمَّا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ فِي هَذَا قَالَتْ . يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ { وَظَاهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا فَنَزَلَ لِتِسْعِ وَعِشْرِينَ . فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ : إنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ } فَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رَدَّتْ مَا أَفْهَمُوهَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَوْ مَا فَهِمَتْهُ هِيَ مِنْ أَنَّ الشَّهْرَ لَا يَكُونُ إلَّا تِسْعًا وَعِشْرِينَ . وَابْنِ عُمَرَ لَمْ يَرُدَّ هَذَا بَلْ قَدْ ذَكَرْنَا عَنْهُ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ . بِأَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ . فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ ابْنِ عُمَرَ رَوَى أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تَارَةً كَذَلِكَ وَتَارَةً كَذَلِكَ . وَمَا رَوَاهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ أَيْضًا : مِنْ أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّهْرَ اللَّازِمَ الدَّائِمَ الْوَاجِبَ هُوَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ وَمِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ يَنْفُونَ الشَّيْءَ فِي صِيَغِ الْحَصْرِ أَوْ غَيْرِهَا تَارَةً لِانْتِفَاءِ ذَاتِهِ . وَتَارَةً لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ وَمَقْصُودِهِ . وَيَحْصُرُونَ الشَّيْءَ فِي غَيْرِهِ : تَارَةً لِانْحِصَارِ جَمِيعِ الْجِنْسِ مِنْهُ . وَتَارَةً لِانْحِصَارِ الْمُفِيدِ أَوْ الْكَامِلِ فِيهِ . ثُمَّ إنَّهُمْ تَارَةً يُعِيدُونَ النَّفْيَ إلَى الْمُسَمَّى . وَتَارَةً يُعِيدُونَ النَّفْيَ إلَى الِاسْمِ . وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فِي اللُّغَةِ ؛ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ الْحَقِيقِيُّ بِالِاسْمِ مُنْتَفِيًا عَنْهُ ثَابِتًا لِغَيْرِهِ كَقَوْلِهِ : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ } فَنَفَى عَنْهُمْ مُسَمَّى الشَّيْءِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْأَصْلِ شَامِلٌ لِكُلِّ مَوْجُودٍ مِنْ حَقٍّ وَبَاطِلٍ ؛ لَمَّا كَانَ مَا لَا يُفِيدُ وَلَا مَنْفَعَةَ فِيهِ يَئُولُ إلَى الْبَاطِلِ الَّذِي هُوَ الْعَدَمُ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْدُومِ . بَلْ مَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ كَانَ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا مِنْ الْمَعْدُومِ الْمُسْتَمِرِّ عَدَمُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِ ضَرَرٌ . فَمَنْ قَالَ الْكَذِبَ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا . وَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِمَا يَنْفَعُهُ فَلَمْ يَعْمَلْ شَيْئًا . وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْكُهَّانِ قَالَ . " لَيْسُوا بِشَيْءِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ : عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَاسٍ مِنْ الْكُهَّانِ فَقَالَ : لَيْسُوا بِشَيْءِ } وَيَقُولُ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَنْ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ لَيْسَ بِشَيْءِ أَوْ عَنْ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ لَيْسَ بِشَيْءِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ ؛ لِظُهُورِ كَذِبِهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً . وَيُقَالُ أَيْضًا لِمَنْ خَرَجَ عَنْ مُوجِبِ الْإِنْسَانِيَّةِ فِي الْأَخْلَاقِ وَنَحْوِهَا : هَذَا لَيْسَ بِآدَمِيِّ وَلَا إنْسَانٍ مَا فِيهِ إنْسَانِيَّةٌ وَلَا مُرُوءَةٌ هَذَا حِمَارٌ ؛ أَوْ كَلْبٌ كَمَا يُقَالُ ذَلِكَ لِمَنْ اتَّصَفَ بِمَا هُوَ فَوْقَهُ مِنْ حُدُودِ الْإِنْسَانِيَّةِ . كَمَا قُلْنَ لِيُوسُفَ : { مَا هَذَا بَشَرًا إنْ هَذَا إلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ } . وَكَذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَيْسَ الْمِسْكِينُ بِهَذَا الطَّوَّافِ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ إنَّمَا الْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ وَلَا يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَلَا يَسْأَلُ النَّاسَ إلْحَافًا } وَقَالَ : { مَا تَعُدُّونَ الْمُفْلِسَ فِيكُمْ ؟ قَالُوا : الَّذِي لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا دِينَارَ فَقَالَ : لَيْسَ ذَلِكَ إنَّمَا الْمُفْلِسُ الَّذِي يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } الْحَدِيثَ . وَقَالَ : { مَا تُعِدُّونَ الرَّقُوبَ ؟ } الْحَدِيثَ . فَهَذَا نَفْيٌ لِحَقِيقَةِ الِاسْمِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى الَّذِي يَجِبُ اعْتِبَارُهُ : بِاعْتِبَارِ أَنَّ الرَّقُوبَ وَالْمُفْلِسَ إنَّمَا قُيِّدَ بِهَذَا الِاسْمِ لَمَّا عَدِمَ الْمَالَ وَالْوَلَدَ وَالنُّفُوسُ تَجْزَعُ مِنْ ذَلِكَ فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَدَمَ ذَلِكَ حَيْثُ يَضُرُّهُ عَدَمُهُ هُوَ أَحَقُّ بِهَذَا الِاسْمِ مِمَّنْ يَعْدَمُهُ حَيْثُ قَدْ لَا يَضُرُّهُ ضَرَرًا لَهُ اعْتِبَارٌ . وَمَثَّالُ هَذَا أَنْ يُقَالَ لِمَنْ يَتَأَلَّمُ أَلَمًا يَسِيرًا لَيْسَ هَذَا بِأَلَمِ إنَّمَا الْأَلَمُ كَذَا وَكَذَا وَلِمَنْ يَرَى أَنَّهُ غَنِيٌّ لَيْسَ هَذَا بِغَنِيِّ إنَّمَا الْغَنِيُّ فُلَانٌ . وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي الْعَالَمِ وَالزَّاهِدِ . كَقَوْلِهِمْ إنَّمَا الْعَالِمُ مَنْ يَخْشَى اللَّهَ تَعَالَى . وَكَقَوْلِ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ النَّاسُ يَقُولُونَ : مَالِكٌ زَاهِدٌ إنَّمَا الزَّاهِدُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الَّذِي أَتَتْهُ الدُّنْيَا فَتَرَكَهَا . وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا تَكُونُ الْقُلُوبُ تُعَظِّمُهُ لِذَلِكَ الْمُسَمَّى اعْتِقَادًا وَاقْتِصَادًا : إمَّا طَلَبًا لِوُجُودِهِ وَإِمَّا طَلَبًا لِعَدَمِهِ مُعْتَقِدًا أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلِاسْمِ فَيُبَيِّنُ لَهَا أَنَّ حَقِيقَةَ ذَلِكَ الْمَعْنَى ثَابِتَةٌ لِغَيْرِهِ دُونَهُ عَلَى وَجْهٍ يَنْبَغِي تَعْلِيقُ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ وَالِاقْتِصَادِ بِذَلِكَ الْغَيْرِ . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَالْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَالْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ بِنَفْسِهِ فِي ذَاتِ اللَّهِ } وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } إلَى قَوْلِهِ { أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا } فَهَؤُلَاءِ الْمُسْتَحِقُّونَ لِهَذَا الِاسْمِ عَلَى الْحَقِيقَةِ الْوَاجِبَةِ لَهُمْ . وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لَا عِلْمَ إلَّا مَا نَفَعَ وَلَا مَدِينَةَ إلَّا بِمُلْكِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا رِبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ } أَوْ { إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ } . فَإِنَّمَا الرِّبَا الْعَامُّ الشَّامِلُ لِلْجِنْسَيْنِ وَلِلْجِنْسِ الْوَاحِدِ الْمُتَّفِقَةِ صِفَاتُهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي النَّسِيئَةِ . وَأَمَّا رِبَا الْفَضْلِ فَلَا يَكُونُ إلَّا فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَلَا يَفْعَلُهُ أَحَدٌ إلَّا إذَا اخْتَلَفَتْ الصِّفَاتُ . كَالْمَضْرُوبِ بِالتِّبْرِ وَالْجِيدِ بِالرَّدِيءِ فَإِمَّا إذَا اسْتَوَتْ الصِّفَاتُ فَلَيْسَ أَحَدٌ يَبِيعُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ . وَلِهَذَا شُرِعَ الْقَرْضُ هُنَا ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَوْعِ التَّبَرُّعِ . فَلَمَّا كَانَ غَالِبُ الرِّبَا وَهُوَ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ أَوَّلًا وَهُوَ مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ وَهُوَ رِبَا النَّسَاءِ : قِيلَ إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ . وَأَيْضًا رِبَا الْفَضْلِ إنَّمَا حُرِّمَ لِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى رِبَا النَّسِيئَةِ فَالرِّبَا الْمَقْصُودُ بِالْقَصْدِ الْأَوَّلِ هُوَ رِبَا النَّسِيئَةِ فَلَا رِبَا إلَّا فِيهِ وَأَظْهَرُ مَا تَبَيَّنَ فِيهِ الرِّبَا الْجِنْسُ الْوَاحِدُ الْمُتَّفَقُ فِيهِ الصِّفَاتُ فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ مِائَةَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ وَعِشْرِينَ ظَهَرَ أَنَّ الزِّيَادَةَ قَابَلَتْ الْأَجَلَ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا دَخَلَ فِيهِ لِلْحَاجَةِ ؛ وَلِهَذَا لَا تُضْمَنُ الْآجَالُ بِالْيَدِ وَلَا بِالْإِتْلَافِ . فَلَوْ تَبَقَّى الْعَيْنُ فِي يَدِهِ أَوْ الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ مُدَّةً لَمْ يَضْمَنْ الْأَجَلَ ؛ بِخِلَافِ زِيَادَةِ الصِّفَةِ فَإِنَّهَا مَضْمُونَةٌ فِي الْإِتْلَافِ وَالْغَصْبِ وَفِي الْبَيْعِ إذَا قَابَلَتْ غَيْرَ الْجِنْسِ . وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ . فَإِنَّ الْكَلَامَ الْخَبَرِيَّ إمَّا إثْبَاتٌ وَإِمَّا نَفْيٌ . فَكَمَا أَنَّهُمْ فِي الْإِثْبَاتِ يُثْبِتُونَ لِلشَّيْءِ اسْمَ الْمُسَمَّى إذَا حَصَلَ فِيهِ مَقْصُودُ الِاسْمِ وَإِنْ انْتَفَتْ صُورَةُ الْمُسَمَّى . فَكَذَلِكَ فِي النَّفْيِ . فَإِنَّ أَدَوَاتِ النَّفْيِ تَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الِاسْمِ بِانْتِفَاءِ مُسَمَّاهُ فَكَذَلِكَ تَارَةً ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ أَصْلًا . وَتَارَةً لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ الْحَقِيقَةُ الْمَقْصُودَةُ بِالْمُسَمَّى . وَتَارَةً لِأَنَّهُ لَمْ تَكْمُلْ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ . وَتَارَةً لِأَنَّ ذَلِكَ الْمُسَمَّى مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا ؛ بَلْ الْمَقْصُودُ غَيْرُهُ . وَتَارَةً لِأَسْبَابِ أُخَرَ . وَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا يَظْهَرُ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ وَمَا اقْتَرَنَ بِهِ مِنْ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ الَّتِي لَا تُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا حَقِيقَةً عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَلِكَوْنِ الْمُرَكَّبِ قَدْ صَارَ مَوْضُوعًا لِذَلِكَ الْمَعْنَى أَوْ مِنْ الْقَرَائِنِ الْحَالِيَّةِ الَّتِي تَجْعَلُهَا مَجَازًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ . وَأَمَّا إذَا أُطْلِقَ الْكَلَامُ مُجَرَّدًا عَنْ الْقَرِينَتَيْنِ فَمَعْنَاهُ السَّلْبُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ . فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ } وَقَوْلُهُ : { الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ } حَيْثُ قَصَدَ بِهِ الْحَصْرَ فِي النَّوْعِ لَمَّا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ عَلَّقَ بِالشَّهْرِ أَحْكَامًا كَقَوْلِهِ : { شَهْرُ رَمَضَانَ } وَقَوْلِهِ : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ } وَقَوْلِهِ : { شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَكَانَ مِنْ الْأَفْهَامِ مَا يَسْبِقُ إلَى أَنَّ مُطْلَقَ الشَّهْرِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا . وَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ لَمْ يَعُدَّ أَيَّامَ الشَّهْرِ يَتَوَهَّمُ أَنَّ السَّنَةَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ يَوْمًا . وَأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثُونَ يَوْمًا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّهْرُ الثَّابِتُ اللَّازِمُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ . وَزِيَادَةُ الْيَوْمِ قَدْ تَدْخُلُ فِيهِ وَقَدْ تَخْرُجُ مِنْهُ كَمَا يَقُولُ الْإِسْلَامُ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنْ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ . فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ وَقَدْ يَمُوتُ قَبْلَ الْكَلَامِ فَلَا يَكُونُ الْإِسْلَامُ فِي حَقِّهِ إلَّا مَا تَكَلَّمَ بِهِ . وَعَلَى مَا قَدْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَيَكُونُ قَدْ سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِلَا الْخِبْرَيْنِ أَوْ أَنْ يَكُونَ الَّذِي سَمِعَ مِنْهُ : { أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَيَكُونُ ثَلَاثِينَ } كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ وَسُمِعَ مِنْهُ : { أَنَّ الشَّهْرَ إنَّمَا هُوَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ } رُوِيَ هَذَا بِالْمَعْنَى الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ ابْنِ عُمَرَ فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَرْوِي بِالْمَعْنَى . رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةُ أَنَّ قَوْلَهُ : { الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ } لِشَهْرِ مُعَيَّنٍ . وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : { قَدْ يَكُونُ } وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّمَا الشَّهْرُ } وَقَدْ اسْتَفَاضَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يُوَافِقُ التَّفْسِيرَ الْأَوَّلَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ . مِثْلُ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جريج . عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا غَدَا أَوْ رَاحَ فَقِيلَ لَهُ إنَّك حَلَفْت أَنْ لَا تَدْخُلُ شَهْرًا . فَقَالَ : إنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا } فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّهْرَ يَكْمُلُ بِحَسْبِهِ مُطْلَقًا . إلَّا أَنْ يَكُونَ الْإِيلَاءُ كَانَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ . فَمَتَى كَانَ الْإِيلَاءُ . فِي أَثْنَائِهِ فَهُوَ نَصٌّ فِي مَسْأَلَةِ النِّزَاعِ . وَرَوَى الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْ حَمِيدٍ عَنْ أَنَسٍ { قَالَ : آلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ وَكَانَتْ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ فَأَقَامَ فِي مَشْرَبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً ثُمَّ نَزَلَ . فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ آلَيْت شَهْرًا فَقَالَ : إنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ } . وَأَمَّا الشَّهْرُ الْمُعَيَّنُ فَرَوَى النسائي مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ : تَمَّ الشَّهْرُ لِتِسْعِ وَعِشْرِينَ } هَكَذَا رَوَاهُ بَهْز عَنْهُ . وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ غُنْدُرٍ . وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ غُنْدُرٍ عَنْهُ وَلَفْظُهُ : { الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ } فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُبَيِّنُ أَنَّ إيلَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِيمَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ . فَلَمَّا مَضَى تِسْعٌ وَعِشْرُونَ أَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ أَنَّ الشَّهْرَ تَمَّ لِتِسْعِ وَعِشْرِينَ لِأَنَّ الشَّهْرَ الَّذِي آلَى فِيهِ كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ . وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَظُنُّ أَنَّ عَلَيْهِ إكْمَالَ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ . فَأَخْبَرَهُ جبرائيل بِأَنَّهُ تَمَّ شَهْرُ إيلَائِهِ لِتِسْعِ وَعِشْرِينَ . وَلَوْ كَانَ الْإِيلَاءُ فِي أَوَّلِ الْهِلَالِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنْ يُخْبِرَهُ جبرائيل بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا رُئِيَ لِتَمَامِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ يُعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ تَمَّ فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ ظَاهِرٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ حَتَّى يُخْبِرَهُ بِهِ جبرائيل . وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ الْإِيلَاءُ بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ لَكَانَ الصَّحَابَةُ يَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ شَهْرٌ فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ يَشُكُّونَ فِيهِ هُمْ وَلَا أَحَدٌ أَنَّ الشَّهْرَ مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ وَالِاعْتِبَارُ بِالْعَدَدِ ؛ وَلَكِنْ لَمَّا وَقَعَ الْإِيلَاءُ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ تَوَهَّمُوا أَنَّهُ يَجِبُ تَكْمِيلُ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ فَأَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ بِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ شَهْرُ إيلَائِهِ لِتِسْعِ وَعِشْرِينَ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ : { إنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ } أَيْ شَهْرُ الْإِيلَاءِ { وَأَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ } . وَأَيْضًا فَقَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَعُدُّهُنَّ . وَلَوْ كَانَ فِي أَوَّلِ الْهِلَالِ لَمْ تَحْتَجْ إلَى أَنْ تَعُدَّهُنَّ كَمَا لَمْ يَعُدَّ رَمَضَانَ إذَا صَامُوا بِالرُّؤْيَةِ ؛ بَلْ رِوَى عَنْهُ مَا ظَاهِرُهُ الْحَصْرُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ إلَى أَحْمَد : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ { قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَضْرِبُ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى وَهُوَ يَقُولُ : الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا ثُمَّ يَقْبِضُ أُصْبُعَهُ فِي الثَّالِثَةِ } . وَقَالَ أَحْمَد حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا عَشْرٌ عَشْرٌ وَتِسْعٌ مَرَّةً } رَوَاهُ النسائي مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ . وَرَوَاهُ هُوَ وَأَحْمَد أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ إسْمَاعِيلَ مُسْنَدًا كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَوَكِيعٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدٍ مُرْسَلًا . وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فِي رِوَايَتِهِ قُلْت لِإِسْمَاعِيلَ : عَنْ أَبِيهِ ؟ قَالَ : لَا . وَقَدْ صَحَّحَ أَحْمَد الْمُسْنَدَ . وَقَالَ فِي حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ حَدِيثُ سَعْدٍ { الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا } قَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ : أَرَدْنَا أَنْ يَقُولَ عَنْ أَبِيهِ فَأَبَى . قَالَ أَحْمَد : هَذَا عَنْ إسْمَاعِيلَ كَانَ يُسْنِدُهُ أَحْيَانًا وَأَحْيَانًا لَا يُسْنِدُهُ . وَرَوَاهُ زَائِدَةُ عَنْ أَبِيهِ قِيلَ لَهُ : إنَّ وَكِيعًا . قَدْ رَوَاهُ وَيَحْيَى يَقُولُ : مَا يَقُولُ ؟ قَالَ : زَائِدَةُ قَدْ رَوَاهُ . وَقَالَ أَيْضًا : قَدْ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ وَابْنُ بِشْرٍ وَزَائِدَةُ وَغَيْرُهُمْ . وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ بَيَانٌ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ هَؤُلَاءِ الثِّقَات فَهِيَ مَقْبُولَةٌ . وَأَنَّ الَّذِينَ حَدَّثُوا عَنْهُ كَانَ تَارَةً يَذْكُرُهَا وَتَارَةً يَتْرُكُهَا . وَقَدْ رُوِيَ مَا يُفَسِّرُهُ : فَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ وَكِيعٌ بِالْعَشْرِ الْأَصَابِعِ مَرَّتَيْنِ وَخَنَّسَ وَاحِدَةً الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ } . فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمُسْتَفِيضَةُ الْمُتَلَقَّاةُ بِالْقَبُولِ دَلَّتْ عَلَى أُمُورٍ . أَحَدُهَا أَنَّ قَوْلَهُ : { إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ } هُوَ خَبَرٌ تَضَمَّنَ نَهْيًا . فَإِنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ الْأُمَّةَ الَّتِي اتَّبَعَتْهُ هِيَ الْأُمَّةُ الْوَسَطُ أُمِّيَّةٌ لَا تَكْتُبُ وَلَا تَحْسُبُ . فَمَنْ كَتَبَ أَوْ حَسَبَ أَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي هَذَا الْحُكْمِ . بَلْ يَكُونُ قَدْ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمْ هَذِهِ الْأُمَّةُ فَيَكُونُ قَدْ فَعَلَ مَا لَيْسَ مِنْ دِينِهَا وَالْخُرُوجُ عَنْهَا مُحَرَّمٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَيَكُونُ الْكِتَابُ وَالْحِسَابُ الْمَذْكُورَانِ مُحَرَّمَيْنِ مَنْهِيًّا عَنْهُمَا . وَهَذَا كَقَوْلِهِ : { الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ } أَيْ هَذِهِ صِفَةُ الْمُسْلِمِ فَمَنْ خَرَجَ عَنْهَا خَرَجَ عَنْ الْإِسْلَامِ وَمَنْ خَرَجَ عَنْ بَعْضِهَا خَرَجَ عَنْ الْإِسْلَامِ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ { : الْمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ } . فَإِنْ قِيلَ : فَهَلَّا قِيلَ إنَّ لَفْظَهُ خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ الطَّلَبُ ؟ . كَقَوْلِهِ : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ } { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ } وَنَحْوِ ذَلِكَ . فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكْتُبَ وَلَا يَحْسُبَ . نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ ؛ لِئَلَّا يَكُونُ خَبَرًا قَدْ خَالَفَ مَخْبَرَهُ . فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ كَتَبَ أَوْ حَسَبَ . قِيلَ : هَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ لَكِنْ لَيْسَ هُوَ ظَاهِرَ اللَّفْظِ . فَإِنَّ ظَاهِرَهُ خَبَرٌ وَالصَّرْفُ عَنْ الظَّاهِرِ إنَّمَا يَكُونُ لِدَلِيلِ يحوج إلَى ذَلِكَ وَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ كَمَا بَيَّنَّاهُ . وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ : { إنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ } لَيْسَ هُوَ طَلَبًا فَإِنَّهُمْ أُمِّيُّونَ قَبْلَ الشَّرِيعَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ } وَقَالَ : { وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ } فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ صِفَةً ثَابِتَةً لَهُمْ قَبْلَ الْمَبْعَثِ لَمْ يَكُونُوا مَأْمُورِينَ بِابْتِدَائِهَا . نَعَمْ قَدْ يُؤْمَرُونَ بِالْبَقَاءِ عَلَى بَعْضِ أَحْكَامِهَا فَإِنَّا سَنُبَيِّنُ أَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا أَنْ يَبْقَوْا عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مُطْلَقًا . فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا إخْبَارًا مَحْضًا أَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَفْعَلُوهُ ؛ إذْ لَهُمْ طَرِيقٌ آخَرُ غَيْرُهُ وَلَا يَكُونُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ وَالْحِسَابَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ؛ بَلْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبِ فَإِنَّ الْأُمِّيَّةَ صِفَةُ نَقْصٍ لَيْسَتْ صِفَةَ كَمَالٍ فَصَاحِبُهَا بِأَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ مَمْدُوحًا . قِيلَ : لَا يَجُوزُ هَذَا لِأَنَّ الْأُمَّةَ الَّتِي بَعَثَهُ اللَّهُ إلَيْهَا فِيهِمْ مَنْ يَقْرَأُ وَيَكْتُبُ كَثِيرًا كَمَا كَانَ فِي أَصْحَابِهِ وَفِيهِمْ مَنْ يَحْسُبُ وَقَدْ بُعِثَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَرَائِضِ الَّتِي فِيهَا مِنْ الْحِسَابِ مَا فِيهَا وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ عَامِلُهُ عَلَى الصَّدَقَةِ ابْنُ اللتبية حَاسَبَهُ . وَكَانَ لَهُ كُتَّابٌ عِدَّةٌ - كَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدٍ وَمُعَاوِيَةَ - يَكْتُبُونَ الْوَحْيَ وَيَكْتُبُونَ الْعُهُودَ وَيَكْتُبُونَ كُتُبَهُ إلَى النَّاسِ إلَى مَنْ بَعَثَهُ اللَّهُ إلَيْهِ مِنْ مُلُوكِ الْأَرْضِ وَرُءُوسِ الطَّوَائِفِ : وَإِلَى عُمَّالِهِ وَوُلَاتِهِ وَسُعَاتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ : { لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ } فِي آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِيُعْلَمَ الْحِسَابُ . وَإِنَّمَا " الْأُمِّيُّ " هُوَ فِي الْأَصْلِ مَنْسُوبٌ إلَى الْأُمَّةِ الَّتِي هِيَ جِنْسُ الْأُمِّيِّينَ وَهُوَ مَنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ عَنْ الْجِنْسِ بِالْعِلْمِ الْمُخْتَصِّ : مِنْ قِرَاءَةٍ أَوْ كِتَابَة كَمَا يُقَالُ : عَامِّيٌّ لِمَنْ كَانَ مِنْ الْعَامَّةِ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ عَنْهُمْ بِمَا يَخْتَصُّ بِهِ غَيْرُهُمْ مِنْ عُلُومٍ : وَقَدْ قِيلَ : إنَّهُ نِسْبَةٌ إلَى الْأُمِّ : أَيْ هُوَ الْبَاقِي عَلَى مَا عَوَّدَتْهُ أُمُّهُ مِنْ الْمَعْرِفَةِ وَالْعِلْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . ثُمَّ التَّمَيُّزُ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْأُمِّيَّةِ الْعَامَّةِ إلَى الِاخْتِصَاصِ : تَارَةً يَكُونُ فَضْلًا وَكَمَالًا فِي نَفْسِهِ . كَالْمُتَمَيِّزِ عَنْهُمْ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَفَهْمِ مَعَانِيهِ . وَتَارَةً يَكُونُ بِمَا يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْفَضْلِ وَالْكَمَالِ : كَالتَّمَيُّزِ عَنْهُمْ بِالْكِتَابَةِ وَقِرَاءَةِ الْمَكْتُوبِ فَيُمْدَحُ فِي حَقِّ مَنْ اسْتَعْمَلَهُ فِي الْكَمَالِ وَيُذَمُّ فِي حَقِّ مَنْ عَطَّلَهُ أَوْ اسْتَعْمَلَهُ فِي الشَّرِّ . وَمَنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ بِمَا هُوَ أَنْفَعُ لَهُ كَانَ أَكْمَلَ وَأَفْضَلَ . وَكَانَ تَرْكُهُ فِي حَقِّهِ مَعَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ أَكْمَلَ وَأَفْضَلَ . فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ التَّمَيُّزَ عَنْ الْأُمِّيِّينَ نَوْعَانِ " فَالْأُمَّةُ الَّتِي بُعِثَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَاهُمْ الْعَرَبُ وَبِوَاسِطَتِهِمْ حَصَلَتْ الدَّعْوَةُ لِسَائِرِ الْأُمَمِ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا بُعِثَ بِلِسَانِهِمْ فَكَانُوا أُمِّيِّينَ عَامَّةً لَيْسَتْ فِيهِمْ مَزِيَّةُ عِلْمٍ وَلَا كِتَابٍ وَلَا غَيْرِهِ مَعَ كَوْنِ فِطَرِهِمْ كَانَتْ مُسْتَعِدَّةً لِلْعِلْمِ أَكْمَلَ مِنْ اسْتِعْدَادِ سَائِر الْأُمَمِ . بِمَنْزِلَةِ أَرْضِ الْحَرْثِ الْقَابِلَةِ لِلزَّرْعِ ؛ لَكِنْ لَيْسَ لَهَا مَنْ يَقُومُ عَلَيْهَا فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ كِتَابٌ يَقْرَءُونَهُ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كَمَا لِأَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا عُلُومٌ قِيَاسِيَّةٌ مُسْتَنْبِطَةٌ كَمَا لِلصَّابِئَةِ وَنَحْوِهِمْ . وَكَانَ الْخَطُّ فِيهِمْ قَلِيلًا جِدًّا وَكَانَ لَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ مَا يُنَالُ بِالْفِطْرَةِ الَّتِي لَا يَخْرُجُ بِهَا الْإِنْسَانُ عَنْ الْأُمُوَّةِ الْعَامَّةِ . كَالْعِلْمِ بِالصَّانِعِ سُبْحَانَهُ وَتَعْظِيمِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَعِلْمِ الْأَنْوَاءِ . وَالْأَنْسَابِ وَالشِّعْرِ . فَاسْتَحَقُّوا اسْمَ الْأُمِّيَّةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ . كَمَا قَالَ فِيهِمْ : { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ } فَجَعَلَ الْأُمِّيِّينَ مُقَابِلِينَ لِأَهْلِ الْكِتَابِ . فَالْكِتَابِيُّ غَيْرُ الْأُمِّيِّ . فَلَمَّا بُعِثَ فِيهِمْ وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ اتِّبَاعُ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ الْكِتَابِ وَتَدَبُّرِهِ وَعَقْلِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ - وَقَدْ جَعَلَهُ تَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَعَلَّمَهُمْ نَبِيُّهُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ - صَارُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَعِلْمٍ . بَلْ صَارُوا أَعْلَمَ الْخَلْقِ وَأَفْضَلَهُمْ فِي الْعُلُومِ النَّافِعَةِ وَزَالَتْ عَنْهُمْ الْأُمِّيَّةُ الْمَذْمُومَةُ النَّاقِصَةُ وَهِيَ عَدَمُ الْعِلْمِ وَالْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ إلَى أَنْ عَلِمُوا الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَأُورِثُوا الْكِتَابَ . كَمَا قَالَ فِيهِمْ : { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } فَكَانُوا أُمِّيِّينَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ . فَلَمَّا عَلَّمَهُمْ الْكِتَابُ وَالْحِكْمَةَ قَالَ فِيهِمْ : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ } وَقَالَ تَعَالَى { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } { أَنْ تَقُولُوا إنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ } { أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ } وَاسْتُجِيبَ فِيهِمْ دَعْوَةُ الْخَلِيلِ حَيْثُ قَالَ : { رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } وَقَالَ : { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } . فَصَارَتْ هَذِهِ الْأُمِّيَّةُ : مِنْهَا مَا هُوَ مُحَرَّمٌ . وَمِنْهَا مَا هُوَ مَكْرُوهٌ وَمِنْهَا مَا هُوَ نَقْصٌ وَتَرْكُ الْأَفْضَلِ . فَمَنْ لَمْ يَقْرَأْ الْفَاتِحَةَ أَوْ لَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ تُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ فِي ( بَابِ الصَّلَاةِ أُمِّيًّا . وَيُقَابِلُونَهُ بِالْقَارِئِ فَيَقُولُونَ : لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ . وَيَجُوزُ أَنْ يَأْتَمَّ الْأُمِّيُّ بِالْأُمِّيِّ . وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ وَغَرَضُهُمْ بِالْأُمِّيِّ هُنَا الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقِرَاءَةَ الْوَاجِبَةَ سَوَاءٌ كَانَ يَكْتُبُ أَوْ لَا يَكْتُبُ يَحْسُبُ أَوْ لَا يَحْسُبُ . فَهَذِهِ الْأُمِّيَّةُ مِنْهَا مَا هُوَ تَرْكُ وَاجِبٍ يُعَاقَبُ الرَّجُلُ عَلَيْهِ . إذَا قَدَرَ عَلَى التَّعَلُّمِ فَتَرَكَهُ . وَمِنْهَا مَا هُوَ مَذْمُومٌ كَاَلَّذِي وَصَفَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ حَيْثُ قَالَ : { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إلَّا يَظُنُّونَ } فَهَذِهِ صِفَةُ مَنْ لَا يَفْقَهُ كَلَامَ اللَّهِ وَيَعْمَلُ بِهِ وَإِنَّمَا يَقْتَصِرُ عَلَى مُجَرَّدِ تِلَاوَتِهِ . كَمَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ . نَزَلَ الْقُرْآنُ لِيُعْمَلَ بِهِ فَاِتَّخِذُوا تِلَاوَتَهُ عَمَلًا . فَالْأُمِّيُّ هُنَا قَدْ يَقْرَأُ حُرُوفَ الْقُرْآنِ أَوْ غَيْرَهَا وَلَا يَفْقَهُ . بَلْ يَتَكَلَّمُ فِي الْعِلْمِ بِظَاهِرِ مِنْ الْقَوْلِ ظَنًّا . فَهَذَا أَيْضًا أُمِّيٌّ مَذْمُومٌ كَمَا ذَمَّهُ اللَّهُ ؛ لِنَقْصِ عِلْمِهِ الْوَاجِبِ سَوَاءٌ كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ أَمْ كِفَايَةٍ . وَمِنْهَا مَا هُوَ الْأَفْضَلُ الْأَكْمَلُ كَاَلَّذِي لَا يَقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ إلَّا بَعْضَهُ وَلَا يَفْهَمُ مِنْهُ إلَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَلَا يَفْهَمُ مِنْ الشَّرِيعَةِ إلَّا مِقْدَارَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فَهَذَا أَيْضًا يُقَالُ لَا أُمِّيٌّ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ أُوتِيَ الْقُرْآنَ عِلْمًا وَعَمَلًا أَفْضَلُ مِنْهُ وَأَكْمَلُ . فَهَذِهِ الْأُمُورُ الْمُمَيِّزَةُ لِلشَّخْصِ عَنْ الْأُمُورِ الَّتِي هِيَ فَضَائِلُ وَكَمَالٌ : فَقَدَهَا أَمَّا فَقْدُ وَاجِبٍ عَيْنًا أَوْ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ أَوْ مُسْتَحَبٌّ . وَهَذِهِ يُوصَفُ اللَّهُ بِهَا وَأَنْبِيَاؤُهُ مُطْلَقًا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ جَمَعَ الْعِلْمَ وَالْكَلَامَ النَّافِعَ طَلَبًا وَخَبَرًا وَإِرَادَة . وَكَذَلِكَ أَنْبِيَاؤُهُ وَنَبِيُّنَا سَيِّدُ الْعُلَمَاءِ وَالْحُكَمَاءِ . وَأَمَّا الْأُمُورُ الْمُمَيِّزَةُ الَّتِي هِيَ وَسَائِلُ وَأَسْبَابٌ إلَى الْفَضَائِلِ مَعَ إمْكَانِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا بِغَيْرِهَا فَهَذِهِ مِثْلُ الْكِتَابِ الَّذِي هُوَ الْخَطُّ وَالْحِسَابُ فَهَذَا إذَا فَقَدَهَا مَعَ أَنَّ فَضِيلَتَهُ فِي نَفْسِهِ لَا تَتِمُّ بِدُونِهَا وَفَقْدُهَا نَقْصٌ إذَا حَصَّلَهَا وَاسْتَعَانَ بِهَا عَلَى كَمَالِهِ وَفَضْلِهِ كَاَلَّذِي يَتَعَلَّمُ الْخَطَّ فَيَقْرَأُ بِهِ الْقُرْآنَ ؛ وَكُتُبَ الْعِلْمِ النَّافِعَةَ أَوْ يَكْتُبُ لِلنَّاسِ مَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ : كَانَ هَذَا فَضْلًا فِي حَقِّهِ وَكَمَالًا . وَإِنْ اسْتَعَانَ بِهِ عَلَى تَحْصِيلِ مَا يَضُرُّهُ أَوْ يَضُرُّ النَّاسَ كَاَلَّذِي يَقْرَأُ بِهَا كُتُبَ الضَّلَالَةِ وَيَكْتُبُ بِهَا مَا يَضُرُّ النَّاسَ كَاَلَّذِي يُزَوِّرُ خُطُوطَ الْأُمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ وَالشُّهُودِ : كَانَ هَذَا ضَرَرًا فِي حَقِّهِ وَسَيِّئَةً وَمَنْقَصَةً وَلِهَذَا نَهَى عُمَرَ أَنْ تُعَلَّمَ النِّسَاءُ الْخَطَّ . وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُسْتَغْنَى عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِحَيْثُ يَنَالُ كَمَالَ الْعُلُومِ مِنْ غَيْرِهَا . وَيَنَالُ كَمَالَ التَّعْلِيمِ بِدُونِهَا : كَانَ هَذَا أَفْضَلَ لَهُ وَأَكْمَلَ . وَهَذِهِ حَالُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهِ : { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ } فَإِنَّ أُمِّيَّتَهُ لَمْ تَكُنْ مِنْ جِهَةِ فَقْدِ الْعِلْمِ وَالْقِرَاءَةِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ فَإِنَّهُ إمَامُ الْأَئِمَّةِ فِي هَذَا . وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا يَكْتُبُ وَلَا يَقْرَأُ مَكْتُوبًا . كَمَا قَالَ اللَّهُ فِيهِ : { وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ } . وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ كَتَبَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ بِخَطِّهِ مُعْجِزَةً لَهُ ؟ أَمْ لَمْ يَكْتُبْ ؟ وَكَانَ انْتِفَاءُ الْكِتَابَةِ عَنْهُ مَعَ حُصُولِ أَكْمَلِ مَقَاصِدِهَا بِالْمَنْعِ مِنْ طَرِيقِهَا مِنْ أَعْظَمِ فَضَائِلِهِ وَأَكْبَرِ مُعْجِزَاتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَلَّمَهُ الْعِلْمَ بِلَا وَاسِطَةِ كِتَابٍ مُعْجِزَةً لَهُ وَلَمَّا كَانَ قَدْ دَخَلَ فِي الْكُتُبِ مِنْ التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ وَعَلَّمَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ مِنْهُ إلَى أَنْ يَكْتُبَ بِيَدِهِ وَأَمَّا سَائِر أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ كَالْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ فَالْغَالِبُ عَلَى كِبَارِهِمْ الْكِتَابَةُ لِاحْتِيَاجِهِمْ إلَيْهَا إذْ لَمْ يُؤْتَ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَنْ الْوَحْي مَا أُوتِيَهُ صَارَتْ أُمِّيَّتُهُ الْمُخْتَصَّةُ بِهِ كَمَالًا فِي حَقِّهِ مِنْ جِهَةِ الْغِنَى بِمَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهَا وَأَكْمَلُ وَنَقْصًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ جِهَةِ فَقْدِهِ الْفَضَائِلَ الَّتِي لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْكِتَابَةِ .
طرح التثريب - (ج 5 / ص 74)
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ .
وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ { عَائِشَةَ قَالَتْ فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ بَدَأَ بِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك أَقْسَمْتَ أَنْ لَا تَدْخُلَ عَلَيْنَا شَهْرًا وَإِنَّك قَدْ دَخَلْت عَنْ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ أَعُدُّهُنَّ فَقَالَ إنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرِينَ } كَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
( فِيهِ ) فَوَائِدُ : ( الْأُولَى ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّوْمِ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ وَفِي الطَّلَاقِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَابْنِ أَبِي عُمَرَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّوْمِ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ عَنْ الزُّهْرِيِّ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى أَزْوَاجِهِ شَهْرًا } قَالَ الزُّهْرِيُّ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ فَذَكَرَتْ هَذَا الْحَدِيثَ ، وَذَكَرَهُ فِي الطَّلَاقِ عَقِبَ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي سُؤَالِهِ عُمَرَ عَنْ الْمَرْأَتَيْنِ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ { إنْ تَتُوبَا إلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } الْحَدِيثُ الطَّوِيلُ وَفِي آخِرِهِ وَكَانَ أَقْسَمَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا مِنْ شِدَّةِ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ حَتَّى عَاتَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِنَحْوِهِ ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ وَاتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ غَدَا أَوْ رَاحَ فَقِيلَ لَهُ إنَّك حَلَفْت أَنْ لَا تَدْخُلَ شَهْرًا فَقَالَ إنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا } لَفْظُ الْبُخَارِيِّ ، وَأَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ { آلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ وَكَانَتْ انْفَكَّتْ رِجْلُهُ فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً ثُمَّ نَزَلَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ آلَيْتَ شَهْرًا فَقَالَ إنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ } وَرُوِيَتْ الْقِصَّةُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَجَابِرٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَغَيْرِهِمَا .
( الثَّانِيَةُ ) اسْتَشْكَلَ قَوْلُهَا { فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً دَخَلَ عَلَيَّ } لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ دَخَلَ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ فَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ شَهْرٌ لَا عَلَى الْكَمَالِ وَلَا عَلَى النُّقْصَانِ ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً بِأَيَّامِهَا فَإِنَّ الْعَرَبَ تُؤَرِّخُ بِاللَّيَالِيِ وَتَكُونُ الْأَيَّامُ تَابِعَةً لَهَا وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا ( فَإِنْ قُلْت ) فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَخَرَجَ إلَيْنَا صَبَاحَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ كَانَ دُخُولُهُ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ قُلْت قَدْ أَوَّلُهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ صَبَاحُ اللَّيْلَةِ الَّتِي بَعْدَ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَهِيَ صَبِيحَةُ ثَلَاثِينَ وَدَعَاهُ إلَى ذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَإِنَّ قَوْلَهُ فَلَمَّا مَضَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا يَقْطَعُ النِّزَاعَ فِي ذَلِكَ ، وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بَعْدَ ذِكْرِهِ اخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ : مَعْنَاهُ كُلُّهُ بَعْدَ تَمَامِ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا ، يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ فَلَمَّا مَضَى تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا .
( الثَّالِثَةُ ) صَرَّحَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ حَلِفَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الدُّخُولِ عَلَى أَزْوَاجِهِ شَهْرًا فَتَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَأَنَسٍ وَغَيْرِهِمَا { آلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ } أُرِيدَ بِهِ ذَلِكَ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْحَلِفَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الْوَطْءِ وَالرِّوَايَاتُ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَإِنَّ الْإِيلَاءَ فِي اللُّغَةِ مُطْلَقُ الْحَلِفِ لَكِنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ فِي حَلِفٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْحَلِفُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْءِ زَوْجَتِهِ مُطْلَقًا أَوْ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَا يُسْتَعْمَلُ الْإِيلَاءُ عِنْدَهُمْ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ وَالْإِيلَاءُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ حَرَامٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إيذَاءِ الزَّوْجَةِ وَلَيْسَ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ ، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ وَطْءِ الزَّوْجَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَمَا دُونَهَا لَمْ يَكُنْ حَرَامًا وَتَعْدِيَتُهُ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَغَيْرِهَا بِمَنْ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ رَاعَى الْمَعْنَى وَهُوَ الِامْتِنَاعُ مِنْ الدُّخُولِ وَهُوَ يَتَعَدَّى بِمِنْ .
( الرَّابِعَةُ ) فِيهِ جَوَازُ هِجْرَانِ الْمُسْلِمِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذَا تَعَلَّقَتْ بِذَلِكَ مَصْلَحَةٌ دِينِيَّةٌ مِنْ صَلَاحِ حَالِ الْمَهْجُورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ الْمَهْجُورُ مُبْتَدِعًا أَوْ مُجَاهِرًا بِالظُّلْمِ وَالْفُسُوقِ فَلَا يَحْرُمُ مُهَاجَرَتُهُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا هِجْرَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ } فَمَحَلُّهُ مَا إذَا كَانَ الْهِجْرَانُ لِحُظُوظِ النَّفْسِ وَتَعَنُّتَاتِ أَهْلِ الدُّنْيَا .
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ هَذَا فِي الْهِجْرَانِ لِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ بِأَنْ كَانَ الْمَهْجُورُ مَذْمُومَ الْحَالِ لِبِدْعَةٍ أَوْ فِسْقٍ أَوْ نَحْوِهِمَا أَوْ كَانَ فِيهِ صَلَاحٌ لِدِينِ الْهَاجِرِ أَوْ الْمَهْجُورِ فَلَا يَحْرُمُ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا ثَبَتَ مِنْ { هَجْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ وَنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحَابَةَ عَنْ كَلَامِهِمْ } ، وَكَذَا مَا جَاءَ مِنْ هِجْرَانِ السَّلَفِ بَعْضَهُمْ بَعْضًا انْتَهَى .
( الْخَامِسَةُ ) فِيهِ مَنْقَبَةٌ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لِبَدَائِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالدُّخُولِ عَلَيْهَا قَبْلَ بَقِيَّةِ زَوْجَاتِهِ .
( السَّادِسَةُ ) هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَقْسَمَ عَلَى تَرْكِ الدُّخُولِ عَلَى أَزْوَاجِهِ شَهْرًا بِعَيْنِهِ بِالْهِلَالِ وَجَاءَهُ ذَلِكَ الشَّهْرُ نَاقِصًا فَلَوْ تَمَّ ذَلِكَ الشَّهْرُ وَلَمْ يَرَ الْهِلَالَ فِيهِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ لَمَكَثَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَمَّا لَوْ أَقْسَمَ عَلَى تَرْكِ الدُّخُولِ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا مُطْلَقًا لَمْ يَنْطَبِقْ الْحَلِفُ فِيهِ عَلَى أَوَّلِ الْهِلَالِ لَمْ يَبَرَّ إلَّا بِشَهْرٍ تَامٍّ بِالْعَدَدِ ، هَذَا هُوَ الَّذِي نَعْرِفُهُ لِأَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ يَقُولُ بِالِاكْتِفَاءِ بِتِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ فَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لَهُ ( فَإِنْ قُلْت ) إذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ شَهْرًا بِعَيْنِهِ بِالْهِلَالِ ، وَقَدْ رُئِيَ لِتَمَامِ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَمَا وَجْهُ السُّؤَالِ عَنْهُ ، وَقَدْ كَمُلَ الشَّهْرُ بِالرُّؤْيَةِ ؟ ( قُلْت ) يَحْتَمِلُ أَوْجُهًا .
( أَحَدُهَا ) أَنَّ السَّائِلَ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّهُ شَهْرٌ يُعَيِّنُهُ بِالْهِلَالِ بَلْ ظَنَّ أَنَّهُ شَهْرٌ عَدَدِيٌّ فَبَنَى عَلَى ذَلِكَ سُؤَالَهُ .
( ثَانِيهَا ) لَعَلَّ السَّائِلَ لَمْ يَعْلَمْ قَبْلَ ذَلِكَ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ وَهُوَ أَنَّ الشَّهْرَ الْمُعْتَبَرَ بِعَيْنِهِ بِالْهِلَالِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَدَدُ ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْهِلَالُ حَتَّى بَيَّنَهُ لَهُ الشَّارِعُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ .
( ثَالِثُهَا ) يُحْتَمَلُ أَنَّ السَّائِلَ عَرَفَ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ شَهْرٌ بِعَيْنِهِ بِالْهِلَالِ وَعَرَفَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ الْهِلَالُ دُونَ الْعَدَدِ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا رَأَوْا الْهِلَالَ لِمَانِعٍ مِنْ غَيْمٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَنْتَصِبُوا لِرُؤْيَتِهِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ رَمَضَانَ وَلَا شَعْبَانَ وَعَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغَيْبِ انْقِضَاءَ
الشَّهْرِ بِوَحْيٍ فَأَخْبَرَ بِهِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ النَّسَائِيّ { أَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ : الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ } .
( السَّابِعَةُ ) قَوْلُهُ ( إنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرِينَ ) كَذَا فِي أَصْلِنَا وَعِشْرِينَ وَكَأَنَّهُ خَبَرُ كَانَ الْمُقَدَّرَةِ تَقْدِيرُهُ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَأَنَسٍ وَغَيْرِهِمَا إنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَحَذْفُ كَانَ وَاسْمِهَا وَإِبْقَاءُ عَمَلِهَا إنَّمَا هُوَ كَثِيرٌ بَعْد إنْ أَوْ لَوْ لَكِنَّهُ قَدْ وَرَدَ بَعْدَ غَيْرِهِمَا كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ : مِنْ لَدُ شَوْلًا فَإِلَى ائْتِلَافِهَا أَيْ مِنْ لَدُنْ كَانَتْ هِيَ شَوْلًا فَإِلَى أَنْ تَلَاهَا وَلَدُهَا ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ تِسْعٌ مَنْصُوبٌ وَاسْتَغْنَى عَنْ كِتَابَتِهِ بِالْأَلِفِ بِجَعْلِ فَتْحَتَيْنِ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ اصْطِلَاحٌ لِبَعْضِ النَّاسِ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا .
( الثَّامِنَةُ ) إنْ قُلْت ظَاهِرُهُ حَصْرُ الشَّهْرِ فِي تِسْعٍ وَعِشْرِينَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ فِيهِ فَقَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ ( قُلْت ) عَنْهُ أَجْوِبَةٌ .
( أَحَدُهَا ) أَنَّ الْمَعْنَى كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَحِينَئِذٍ فَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ .
( ثَانِيهَا ) أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلْعَهْدِ وَالْمُرَادُ أَنَّ هَذَا الشَّهْرَ الَّذِي أَقْسَمَ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الدُّخُولِ فِيهِ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا .
( ثَالِثُهَا ) أَنَّهُ بَنَى ذَلِكَ عَلَى الْغَالِبِ الْأَكْثَرِ ؛ لِأَنَّ مَجِيءَ الشَّهْرِ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فِي زَمَنِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ مَا صُمْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرَ مِمَّا صُمْنَا ثَلَاثِينَ ، وَكَذَا فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
( رَابِعُهَا ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ مَعْنَاهُ حَصْرُهُ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهِ وَهُوَ النُّقْصَانُ
أَيْ إنَّهُ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَهُوَ أَقَلُّهُ ، وَقَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ وَهُوَ أَكْثَرُهُ فَلَا تَأْخُذُوا أَنْتُمْ بِصَوْمِ الْأَكْثَرِ أَنْفُسَكُمْ احْتِيَاطًا وَلَا تَقْصُرُوا عَلَى الْأَقَلِّ تَخْفِيفًا وَلَكِنْ اُرْبُطُوا عِبَادَتَكُمْ بِرُؤْيَتِهِ وَاجْعَلُوا عِبَادَتَكُمْ مُرْتَبِطَةً ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً بِاسْتِهْلَالِهِ انْتَهَى .(1/130)
261-7917 أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ : اعْتَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ شَهْرًا فَخَرَجَ صَبَاحَ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ " ثُمَّ صَفَّقَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيْهِ ثَلَاثًا مَرَّتَيْنِ بِأَصَابِعِ يَدَيْهِ كُلِّهَا ، وَالثَّالِثَةَ بِالتِّسْعِ مِنْهَا (1)
__________
(1) - المسند الجامع برقم(17588) صحيح(1/131)
هِجْرَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ
262- 7918 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى ، عَنْ بَهْزٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ جَدِّي قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ نِسَاؤُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا أَمْ مَا نَدَعُ ؟ قَالَ : " ائْتِ حَرْثَكَ أَنَّى شِئْتَ، غَيْرَ أَنْ لَا تُقَبِّحَ الْوَجْهَ ، وَلَا تَضْرِبَ ، وَأَطْعِمْهَا إِذَا طَعِمْتَ ، وَاكْسُهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ ، وَلَا تَهْجُرْهَا إِلَّا فِي بَيْتِهَا ، كَيْفَ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ إِلَّا بِمَا حَلَّ عَلَيْهَا "(1)
كَمْ تُهْجَرُ
263-7919 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا شَبَابَةُ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا هِجْرَةَ فَوْقَ ثَلَاثٍ ، وَمَنْ هَاجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ "(2)
----------------
(1) - الروياني برقم(892) والطبراني برقم(16345و16346) والبيهقي في السنن برقم ( 16111 ) صحيح
فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (ج 1 / ص 168)
29- (ائت حرثك) أي محل الحرث من حليلتك وهو قبلها إذ هو لك بمنزلة أرض تزرع، قال الزمخشري: شبهن بالمحارث لما يلقى في أرحامهن من النطف التي منها النسل وقوله {فأتوا حرثكم} معناه ائتوهن كما تأتون أراضيكم التي تريدون حرثها؟ قال: ومن المجاز كيف حرثك؟ أي امرأتك، قال:إذا أكل الجراد حروث قوم * فحرثي همه أكل الجراد (أنى شئت) أي كيف ومتى وحيث شئت ومن أي جهة شئت لا يخطر عليك جهة دون جهة عمم جميع الكيفيات الموصلة إليه إيماء إلى تحريم مجاورة ما سوى محل البذر لما فيه من العبث بعدم المنفعة فوسع الأمر إزاحة للعلة في إتيان المحل المنهي عنه. وهذا من الكنايات اللطيفة والتعريضات البديعة، قال الطيبي: وذلك أنه يبيح لهم أن يأتوهنّ من أي جهة شاؤا كالأراضي المملوكة وبذلك عرف سر تعبيره بأنى المفيدة لتعميم الأحوال والأمكنة والأزمنة. وما ذكر من أن الدبر حرام هو ما استقر عليه الحال وعليه الإجماع الآن في الجملة. وذهب شرذمة من السلف إلى حله تمسكاً بأن هذا الحديث وما أشبهه من أحاديث باب ورد على سبب وهو كما في معجم الطبراني عن ابن عمر أن رجلاً أصاب امرأته في دبرها فأنكر ذلك الناس فأنزل الله {نساؤكم حرث لكم} الآية. قال الهيثمي: فيه يعقوب بن حميد وثقه ابن حبان وضعفه غيره وبقية رجاله ثقات ثم هذا عام مخصوص بغير حال نحو حيض وصوم وإحرام (وأطعمها) بفتح الهمزة أي الزوجة المعلومة من مرجع الضمير المعبر عنه بالحرث (إذا طعمت) بتاء الخطاب وكذا قوله (واكسها) بوصل الهمزة وسكون الكاف وضم المهملة وكسرها (إذا اكتسيت) قال القاضي وبتاء التأنيث فيهما غلط. والكسوة بالكسر اللباس والضم لغة يقال كسوته إذا ألبسته ثوباً. قال الحراني الكسوة رياش الآدمي الذي يستر ما ينبغي ستره من ذكر وأنثى وعبر "بإذا طعمت" إشارة إلى أنه يبدأ بنفسه للخبر الآتي: "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول" وفيه وجوب نفقة الزوجة وكسوتها وهو إجماع والواجب في النفقة عند الشافعي مدّان على الموسر ومد ونصف على المتوسط ومد على المعسر حباً سليماً من غالب قوت بلدها مع الأدم من غالب أدم البلد وفي الكسوة قميص وسروال وإزار وخمار ونعل ويزاد في الشتاء جبة أو أكثر بحسب الحاجة ومحل بسطه كتب الفقه وفيه ندب مؤاكلة الزوجة خلافاً لما يفعله الأعاجم ترفعاً وتكبراً وإنه إن أكل بحضرتها بعد دفع الواجب لها ينبغي أن يطعمها مما يأكل جبراً وإيناساً (ولا تقبح) بفوقية مضمومة وقاف مفتوحة وموحدة مشددة (الوجه) أي لا تقل إنه قبيح. ذكره الزمخشري: وقال القاضي: عبر بالوجه عن الذات فالنهي عن الأقوال والأفعال القبيحة في الوجه وغيره من ذاتها وصفاتها فشمل نحو لعن وشتم وهجر وسوء عشرة وغير ذلك (ولا تضرب) ضرباً مبرحاً مطلقاً ولا غير مبرح لغير نشوز. وقال الحراني: وفيه إشارة بما يجري في أثناء ذلك من الأحكام التي لا تصل إليها أحكام حكام الأنام مما لا يقع الفصل فيه إلا يوم القيام من حيث إن ما يجري بين الزوجين سر لا يفشى وفي إشعاره إبقاء للمروءة في الوصية بالزوجة بحيث لا يحتكم الزوجان عند حاكم في الدنيا، وفيه تهديد على ما يقع في البواطن من المضارة والمضاجرة بين الزوجين في أمور لا تأخذها الأحكام ولا يصل [ص 67] إلى علمها الحكام وفيه أنه يحرم ضرب الزوجة إلا النشوز فإذا تحققه فله ضربها ضرباً غير مبرح ولا مدم فإن لم تنزجر به حرم المبرح وغيره، وترك الضرب مطلقاً أولى. وقضية صنيع المؤلف أن مخرجه أبا داود رواه هكذا من غير زيادة ولا نقص ولا كذلك بل لفظه: "قال - أي معاوية بن حيدة - نساؤنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: هي حرثك فأت حرثك أنى شئت غير أن لا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في المبيت وأطعمها إذا طعمت واكسها إذا اكتسيت كيف وقد أفضى بعضكم إلى بعض إلا بما حل عليها" أي جاز وفيه حسن الأدب في السؤال والتعظيم بالكناية عما يستحيا من ذكره صريحاً والسعي فيما يديم العشرة ويطيب النفس - (د عن) أبي عبد الملك (بهز) بفتح الموحدة وسكون الهاء وزاي معجمة (ابن حكيم) بفتح المهملة وكسر الكاف ابن معاوية (عن أبيه عن جده) معاوية بن حيدة الصحابي القشيري من أهل البصرة: "قال قلنا يا رسول الله نساؤنا ما نأتي منها وما نذر؟ فذكره وبهمز، أورده الذهبي في الضعفاء وقال صدوق فيه لين وفي اللسان ضعيف وحكيم، قال في التقريب صدوق وسئل اب معين عن بهز عن أبيه عن جده فقال: إسناد صحيح إذا كان من دون بهز ثقة ولذلك رمز المصنف لحسنه.
(2) - أحمد برقم(9330) والمسند الجامع برقم(14094 ) صحيح أوله فقط
تعليق شعيب الأرنؤوط : رجاله ثقات رجال الشيخين لكن منصور بن المعتمر شك في رفعه هنا وأخرجه مرفوعا من غير شك أبو داود 4914 وسيأتي في المسند من طريق شعبة عن منصور به . وقال شعبة فيه : رفعه مرة - يعني منصور بن المعتمر - ثم لم يرفعه بعد
فالصحيح من الحديث مرفوعا هو قوله " لا هجرة فوق ثلاث " فقط أما قوله " فمن هجر أخاه فوق ثلاث فمان دخل النار " فلم يصح في الأحاديث المرفوعة ا . هـ
وهو محمول على التغليظ أو على من استحل ذلك(1/131)
264-7920 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ قَالَ : حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ قَالَ : حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : كَانَتْ صَفِيَّةُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ ، وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمَهَا فَأَبْطَأْتُ فِي الْمَسِيرِ ، فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ تَبْكِي وَتَقُولُ : " حَمَلْتَنِي عَلَى بَعِيرٍ بَطِيءٍ ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ بِيَدَيْهِ عَيْنَيْهَا وُيُسْكِتُهَا ، فَأَبَتْ إِلَّا بُكَاءً ، فَغَضبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرْكَهَا ، فَقَدِمْتُ " فَأَتَتْ عَائِشَةُ فَقَالَتْ : " يَوْمِي هَذَا لَكِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ أَنْتِ أَرْضَيْتِهِ عَنِّي ، فَعَمَدَتْ عَائِشَةُ إِلَى خِمَارِهَا ، وَكَانَتْ صَبَغَتْهُ بِوَرْسٍ وَزَعْفَرَانٍ ، فَنَضَحَتْهُ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ ، ثُمَّ جَاءَتْ حَتَّى قَعَدَتْ عِنْدَ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا لَكِ ؟ " فَقَالَتْ : " ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيَهُ مَنْ يَشَاءُ ، فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ ، فَرَضِيَ عَنْ صَفِيَّةَ ، وَانْطَلَقَ إِلَى زَيْنَبَ " فَقَالَ لَهَا : " إِنَّ صَفِيَّةَ قَدْ أَعْيَا بِهَا بَعِيرُهَا ، فَمَا عَلَيْكِ أَنْ تُعْطِيَهَا بَعِيرَكِ " قَالَتْ زَيْنَبُ : " أَتَعْمَدُ إِلَى بَعِيرِي فَتُعْطِيَهُ الْيَهُودِيَّةَ ؟ ، فَهَاجَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ ، فَلَمْ يَقْرَبْ بَيْتَهَا ، وَعَطَّلَتْ زَيْنَبُ نَفْسَهَا ، وَعَطَّلَتْ بَيْتَهَا ، وَعَمَدَتْ إِلَى السَّرِيرِ فَأَسْنَدَتْهُ إِلَى مُؤَخَّرِ الْبَيْتِ ، وَأَيَسَتْ مِنْ أَنْ يَأْتِيَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبَيْنَا هِيَ ذَاتَ يَوْمٍ ، إِذَا بِوَجْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَدْ دَخَلَ الْبَيْتَ فَوَضَعَ السَّرِيرَ مَوْضِعَهُ " فَقَالَتْ زَيْنَبُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ " جَارِيَتِي فُلَانَةُ قَدْ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا الْيَوْمَ ، هِيَ لَكَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهَا "(1)
__________
(1) - الضياء برقم(1727) وهو صحيح(1/132)
ضَرْبُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ
265-7921 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ ، عَنْ مُحَمَّدٍ ، وَمُوسَى ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ : " وَاللَّهِ مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ امْرَأَةً لَهُ قَطُّ ، وَلَا خَادِمًا لَهُ قَطُّ ، وَلَا ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ ، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَلَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ مَأْثَمًا ، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبَعْدَ النَّاسِ ، وَوَاللَّهِ مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ قَطُّ يُؤْتَى إِلَيْهِ حَتَّى يُنْتَهَكَ مِنْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ " (1)
------------------
(1) - الشمائل المحمدية للترمذي برقم( 344 ) والمعجم الأوسط للطبراني - (ج 16 / ص 442) برقم( 7866 )
والحميدي برقم(274) صحيح
قط : بمعنى أبدا ، وفيما مضى من الزمان = ينتهك : ينتقص ويعتدى عليه = المأثم : ما يسبب الإثم الذي يجر إلى الذم والعقوبة
الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار - (ج 9 / ص 254)
1668 - مالك عن بن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي أنها قالت ما خير رسول الله في أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما
فإن كان إثما كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها
قال أبو عمر دين الله يسر والحنيفية سمحة وقال الله عز وجل يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر البقرة 185
وقال رسول الله من يسر على مسلم يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة ( 1 )
وأما أخلاقه فلا يحصى الحسن منها كثرة ولو أفرد لها كتاب لقصر عنها ويكفي من ذلك قول الله عز وجل وإنك لعلى خلق عظيم القلم 4 وقوله تعالى خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجهلين الأعراف 199
وهذا الحديث قد رواه الفضيل بن عياض عن منصور عن الزهري بألفاظ أتم من ألفاظ مالك - رحمه الله
حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن إسماعيل قال حدثني الحميدي قال حدثني الفضيل بن عياش عن منصور بن المعتمر عن بن شهاب عن عروة عن عائشة قالت ما رأيت رسول الله منتصرا من مظلمة ظلمها قط ما لم ينتهك من محارم الله شيء فإذا انتهك من محارم الله شيء كان أشدهم في ذلك غضبا وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما ( 2 )
وحدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بكر بن حماد قال حدثني مسدد قال حدثني يزيد بن زريع قال حدثني معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت ما ضرب رسول الله بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في في سبيل الله ولا ضرب خادما ولا امرأة قط ولا خير في أمرين إلا كان أيسرهما أحب إليه ما لم يكن الإثم فإذا كان إثما كان أبعدهم منه وما انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه إلا أن ينتهك من حرمات الله فيكون ينتقم لله ( 1 ) وهذا الحديث يدل ويندب الأمراء وسائر الحكام والعلماء إلا أنه ينبغي لكل واحد منهم أن يتجافى عن الانتقام لنفسه تأسيا بنبيه ولا ينسى الفضل والأخذ به في العفو عن من ظلمه
وقد أجمع العلماء على أن القاضي لا يقضي لنفسه
وأجمع الجمهور من الفقهاء أن القاضي لا يقضي لمن لا تجوز له شهادته من بنيه وآبائه
وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن الأخذ برخصة الله أولى لذوي العلم والحجا من الأخذ بالشدة فإن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن ينتهى عن محارمه وتجتنب عزائمه
وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثني سعيد بن أحمد بن عبد ربه وأحمد بن مطرف قالا حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثني يونس بن عبد الأعلى قال حدثني سفيان بن عيينة عن معمر قال إنما العلم أن تسمع بالرخصة من ثقة وأما التشديد فيحسنه كل أحد
الفتاوى الكبرى - (ج 9 / ص 347)
الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ : أَنَّ التَّحْلِيلَ لَوْ كَانَ جَائِزًا لَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا ، فَإِنَّهُ كَانَ أَرْحَمَ النَّاسِ بِأُمَّتِهِ وَأَحَبَّهُمْ لِمَيَاسِيرِ الْأُمُورِ ، وَمَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إثْمًا ، وَقَدْ جَاءَتْهُ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيّ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ ، كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ، وَهُوَ يُرْوَى مِنْ حِرْصِهَا عَلَى الْعَوْدِ إلَى زَوْجِهَا مَا يَرِقُّ الْقَلْبُ لِحَالِهَا وَيُوجِبُ إعَانَتَهَا عَلَى مُرَاجَعَةِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَتْ مُمْكِنَةً ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّحْلِيلَ إذَا لَمْ يَكُنْ حَرَامًا فَلَا يُحْصَى مَنْ يَتَزَوَّجُهَا فَيَبِيتُ عِنْدَهَا لَيْلَةً ثُمَّ يُفَارِقُهَا ، وَلَوْ أَنَّهُ مَنْ قَدْ كَانَ يَسْتَمْتِعُ ، وَقَدْ كَانَ يُمْكِنُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ لِبَعْضِ الْمُسْلِمِينَ حَلِّلْ هَذِهِ لِزَوْجِهَا ، فَلَمَّا لَمْ يَأْمُرْ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ خُلَفَائِهِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَعَ مَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ عُلِمَ أَنَّ هَذَا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ ، وَأَنَّ مَنْ أَمَرَ بِهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَلَمْ تُسَمِّهِ السُّنَّةُ حَتَّى تَعُدَّهَا إلَى بِدْعَةٍ زَيَّنَهَا الشَّيْطَانُ لِمَنْ أَطَاعَهُ ، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ، وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذَا الْمَسْلَكَ وَعَلِمَ كَثْرَةَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَأْذَنُوا لِأَحَدٍ فِي تَحْلِيلٍ ، عَلِمَ قَطْعًا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الدِّينِ .
فَإِنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلْفِعْلِ إذَا كَانَ قَدِيمًا قَوِيًّا وَجَبَ وُجُودُهُ ، إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ ، فَلَمَّا لَمْ يُوجَدْ التَّحْلِيلُ مَعَ قُوَّةِ مُقْتَضِيهِ عُلِمَ أَنَّ فِي الدِّينِ مَا يَمْنَعُ مِنْهُ .
مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين - (ج 11 / ص 227)
الدليل الثالث : أن هذه التقديرات والتفصيلات التي ذكرها من ذكرها من الفقهاء في هذه المسألة ليست موجودة في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن الحاجة بل الضرورة داعية إلى بيانها، فلو كانت مما يجب على العباد فهمه والتعبد لله به لبينها الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، بياناً ظاهراً لكل أحد، لأهمية الأحكام المترتبة على ذلك من الصلاة والصيام والنكاح والطلاق والإرث وغيرها من الأحكام، كما بين الله ورسوله عدد الصلوات وأوقاتها وركوعها وسجودها، والزكاة : أموالها وأنصباؤها ومقدارها ومصرفها، والصيام : مدته وزمنه، والحج وما دون ذلك، حتى آداب الأكل والشرب والنوع والجماع والجلوس ودخول البيت والخروج منه وآداب قضاء الحاجة، حتى عدد مسحات الاستجمار إلى غير ذلك من دقيق الأمور وجليلها، مما أكمل الله به الدين، وأتم به النعمة على المؤمنين، كما قال تعالى : (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً ِكُلِّ شَيْءٍ) (1) . وقال تعالى : (مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ) (2) .
__________
(1) سورة النحل ، الآية : 89 .
(2) سورة يوسف ، الآية : 111 0
فلما لم توجد هذه التقديرات والتفصيلات في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم تبين أن لا تعويل عليها ، وإنما التعويل على مسمى الحيض الذي علقت عليها الأحكام الشرعية وجوداً وعدماً، وهذا الدليل ـ أعنى أن عدم ذكر الحكم في الكتاب والسنة، دليل على عدم اعتباره ـ ينفعك في هذه المسألة وغيرها من مسائل العلم لأن الأحكام الشرعية لا تثبت إلا بدليل من الشرع من كتاب الله ، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو إجماع معلوم ، أو قياس صحيح . قال شيخ الإسلام ابن تيمية في قاعدة له : (ومن ذلك اسم الحيض علق الله به أحكاماً متعددة في الكتاب والسنة ، ولم يقدر لا أقله ولا أكثره، ولا الطهر بين الحيضتين مع عموم بلوى الأمة بذلك واحتياجهم إليه، واللغة لا تفرق بين قدر وقدر ، فمن قدر في ذلك حداً فقد خالف الكتاب والسنة) . انتهى كلامه (1) .
الدليل الرابع : الاعتبار أي القياس الصحيح المطرد ، وذلك أن الله تعالى علل الحيض بكونه أذى ، فمتى وجد الحيض فالأذى موجود ، لا فرق بين اليوم الثاني واليوم الأول ، ولا بين الرابع والثالث ، ولا فرق بين اليوم السادس عشر والخامس عشر ، ولا بين الثامن عشر والسابع عشر ، فالحيض هو الحيض ، والأذى هو الأذى .
فالعلة موجودة في اليومين على حد سواء ، فكيف يصح التفريق في الحكم بين اليومين مع تساويهما في العلة ؟ ! أليس هذا خلاف القياس الصحيح ؟ ! أوليس القياس الصحيح تساوي اليومين في الحكم لتساويهما في العلة ؟ !
الدليل الخامس : اختلاف أقوال المحددين واضطرابها ، فإن ذلك يدل على أن ليس في المسألة دليل يجب المصير إليه ، وإنما هي أحكام اجتهادية معرضة للخطأ والصواب ، ليس أحدهما أولى بالاتباع من الآخر ، والمرجع عند النزاع إلى الكتاب والسنة .
__________
(1) ص 35 من رسالة في الأسماء التي علق الشارع الأحكام بها.
فإذا تبين قوة القول إنه لا حد لأقل الحيض ولا لأكثره وإنه القول الراجح، فاعلم أن كل ما رأته المرأة من دم طبيعي ليس له سبب من جرح ونحوه فهو دم الحيض من غير تقدير بزمن أو سن إلا أن يكون مستمراً على المرأة لا ينقطع أبداً أو ينقطع مدة يسيرة كاليوم واليومين في الشهر، فيكون استحاضة ، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان الاستحاضة وأحكامها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (والأصل في كل ما يخرج من الرحم أنه حيض، حتى يقوم دليل على أنه استحاضة) (1) . وقال أيضاً: (فما وقع من دم فهو حيض، إذا لم يعلم أنه دم عرق أو جرح) . ا هـ (2) .
وهذا القول كما أنه هو الراجح من حيث الدليل ، فهو أيضاً أقرب فهماً وإدراكاً وأيسر عملاً وتطبيقاً، مما ذكره المحددون ، وما كان كذلك فهو أولى بالقبول لموافقته لروح الدين الإسلامي وقاعدته، وهي اليسر والسهولة . قال الله تعالى : (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (3) . وقال صلى الله عليه وسلم : (إن الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا وأبشروا) . رواه البخاري. وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم ، أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً .
-----------------
(1) المصدر السابق ص 36 .
(2) المصدر السابق ص 38 .
(3) سورة الحج ، الآية : 78 .
لقاءات الباب المفتوح - (ج 46 / ص 8)
حكم استفتاء أكثر من عالم في المسألة الواحدة:
________________________________________
السؤال: هل يجوز استفتاء أكثر من عالم؟ وفي حالة اختلاف الفتيا هل يأخذ المستفتي بالأيسر أم بالأحوط؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب: لا يجوز للإنسان إذا استفتى عالماً واثقاً بقوله أن يستفتي غيره؛ لأن هذا يؤدي إلى التلاعب بدين الله وتتبع الرخص؛ بحيث يسأل فلاناً فإن لم يناسبه سأل الثاني، وإن لم يناسبه سأل الثالث وهكذا. وقد قال العلماء في تتبع الرخص: فسق. لكن أحياناً يكون الإنسان ليس عنده من العلماء إلا فلان مثلاً، فيسأله من باب الضرورة، وفي نيته أنه إذا التقى بعالم أوثق منه في علمه ودينه سأله، فهذا لا بأس به أن يسأل الأول للضرورة، ثم إذا وجد من هو أفضل سأله. وإذا اختلف العلماء عليه في الفتيا، أو فيما يسمع من مواعظهم ونصائحهم -مثلاً- فإنه يتبع من يراه إلى الحق أقرب في علمه ودينه، فإن تساوى عنده الرجلان في العلم والدين فقال بعض العلماء: يتبع الأحوط وهو الأشد. وقيل: يتبع الأيسر، وهذا هو الصحيح؛ أنه إذا تعادلت الفتيا عندك فإنك تتبع الأيسر؛ لأن دين الله عز وجل مبني على اليسر والسهولة، لا على الشدة. وقد قالت عائشة رضي الله عنها في وصف النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً).
شرح النيل وشفاء العليل - إباضية - (ج 32 / ص 255)
( وَأَصْلُهُ ) أَيْ حَقِيقَتُهُ ( الْبُغْضُ الدَّائِمُ وَقَدْ لَا يَكُونُ ذَنْبًا فَالْأَوَّلُ ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْحِقْدُ كَبِيرًا ( أَنْ يَحْقِدَ لَهُ ) أَيْ لِمُسْلِمٍ وَكَذَا غَيْرُهُ فِعْلًا ( مُوَصِّلًا لِنَفْعٍ أُخْرَوِيٍّ كَفَرْضٍ إنْ عَمِلَهُ ) كَزَكَاةٍ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَقَضَاءِ دَيْنٍ وَكَصَبْرِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ أَوْ الْمُصِيبَةِ يَكْرَهُ هُوَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ الرَّجُلُ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْفُرُوضِ الَّتِي يَهْلِكُ بِتَرْكِهَا فَيَفْعَلُهَا الرَّجُلُ وَيَحْقِدُ لَهُ عَلَى فِعْلِهَا .
وَكَذَا تَرْكُ مَا يَجِبُ تَرْكُهُ وَيَكْفُرُ بِفِعْلِهِ فَيَكْرَهُ هُوَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ تَرْكَهُ فَإِذَا تَرَكَهُ حَقَدَ لَهُ فَذَلِكَ الْحِقْدُ كُفْرٌ كَالزِّنَى وَالْجَزَعِ بِالْمُصِيبَةِ يُحِبُّ لَهُ الزِّنَى بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ أَوْ الْجَزَعَ بِالْمُصِيبَةِ وَكَالرِّبَا يُحِبُّهُ لَهُ مَعَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ فَيَتْرُكُهُ فَيَحْقِدُ لَهُ ( وَالثَّانِي ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْحِقْدُ ذَنْبًا غَيْرَ كَبِيرٍ ( مَا يَعْصِي ) مَحْقُودٌ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ أَوْ غَيْرُهُ وَيُقَدَّرُ مُضَافٌ أَيْ حِقْدُ مَا يَعْصِي بِمَعْنَى الْحِقْدِ عَلَى مَا يَعْصِي فَيَعْصِي الْحَاقِدُ كَمَا يَعْصِي الْمَحْقُودُ ( بِتَضْيِيعِهِ وَلَا يَكْفُرُ بِهِ كَبَعْضِ ) بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ ( الْفُرُوضِ إنْ فَعَلَهُ ) وَأَبْغَضَهُ عَلَى فِعْلِهِ مِثْلُ الْوِتْرِ وَرَدِّ السَّلَامِ لِمَنْ سَلَّمَ وَكَانَ يَجِبُ الرَّدُّ لَهُ وَكَالدُّخُولِ بِلَا إذْنٍ فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ تِلْكَ فُرُوضٌ يَعْصِي بِتَرْكِهَا وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ ، وَكَمَا زَعَمُوا فِي الْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ ، وَالْحَقُّ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ فُرُوضٌ يَكْفُرُ بِهَا لَكِنْ الْوِتْرُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ فَرْضٌ وَيَجِبُ حَمْلُ عِبَارَةِ أَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ سَمِعُوا أَنَّ تَرْكَ ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ وَلَمْ يَسْمَعُوا أَنَّهُ كُفْرٌ ، وَعَدَمُ جِمَاعِ أَنَّهُ كُفْرٌ لَا يُوجِبُ كَوْنَهُ غَيْرَ كُفْرٍ ، بَلْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كُفْرٌ وَلَمْ يَسْمَعُوا بِهِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَنْ قَبْلَهُمْ تَوَقَّفَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَغِيرَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا قَدْ تَظْهَرُ أَوْ عَلِمُوا فِي ذَلِكَ خِلَافًا عَمَّنْ تَقَدَّمَ فَاقْتَصَرُوا فِي الذِّكْرِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَنَفَوْا لِلتَّسْهِيلِ أَنْ يُذْكَرَ الْكُفْرُ فِي ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ فِي قَوْلٍ فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كُرْهٍ مِنْ إنْسَانٍ أَنْ يَفْعَلَ هَذِهِ الْفُرُوضَ فَفَعَلَهَا الْإِنْسَانُ فَحَقَدَ لَهُ فَهَذَا الْحِقْدُ ذَنْبٌ غَيْرُ كَبِيرٍ وَكَذَا إنْ أَحَبَّ أَنْ يَفْعَلَهَا الْإِنْسَانُ فَلَمْ يَفْعَلْ فَحَقَدَ لَهُ فَهَذَا الْحِقْدُ غَيْرُ كَبِيرٍ وَعَلَى مَا ذَكَرْتُهُ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ بِتَرْكِهَا وَالْحِقْدُ لَهُ عَلَى فِعْلِهَا كُفْرٌ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ كُفْرٍ وَيَكُونُ تَرْكُهُ كُفْرًا أَيْضًا ظَاهِرًا إذَا أَصَرَّ عَلَيْهِ فَتَفَطَّنْ .
( وَالثَّالِثُ ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْحِقْدُ غَيْرَ ذَنْبٍ ( مَا لَا يَعْصِي بِعَمَلِهِ ) أَوْ تَرْكِهِ أَيْ حِقْدِ مَا يَعْصِي بِعَمَلِهِ أَوْ تَرْكِهِ أَيْ الْحِقْدِ عَلَى مَا يَعْصِي إلَى آخِرِهِ وَإِنَّمَا صَحَّ إضَافَةُ الْحِقْدِ إلَى مَا يَعْصِي بِتَضْيِيعِهِ أَوْ عَمَلِهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى إبْقَاؤُهُ فِي الْقَلْبِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِكَ : الْحِقْدُ عَلَى الشَّيْءِ ( وَإِنْ كُرِهَ لَهُ ) ذَلِكَ الْعَمَلُ وَكَذَا التَّرْكُ وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُحِبَّ لَهُ فِعْلَ مَا هُوَ مَكْرُوهٌ كَالِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ مَعَ صِحَّةِ الْيُسْرَى وَشَدَّدَ فِيهِ بَعْضٌ ، وَكَتَقْدِيمِ الرِّجْلِ الْيُسْرَى فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْعَكْسِ فِي الْخُرُوجِ وَالْأَكْلِ بِالْيُسْرَى مَعَ صِحَّةِ الْيُمْنَى ( وَ ) الْحَاقِدُ ( هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ ) أَيْ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِلِ .
وَكَذَا التَّارِكُ فِي عَدَمِ الْمَعْصِيَةِ أَوْ فِي الْإِسَاءَةِ لَكِنَّ التَّارِكَ أَسَاءَ بِالتَّرْكِ وَالْفَاعِلَ بِالْفِعْلِ فَكَذَا الْحَاقِدُ أَسَاءَ بِزِيَادَةِ الْحِقْدِ فَالْأَوْسَطُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْإِسَاءَةِ بِلَا حِقْدٍ ( إنْ حَقَدَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ ) الْعَمَلِ أَوْ عَلَى تَرْكِهِ وَذَلِكَ كَتَرْكِ السُّنَّةِ غَيْرِ الْوَاجِبَةِ وَكَفِعْلِ الْمَكْرُوهِ أَوْ الْمُبَاحِ إذَا كُرِهَ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ أَوْ يَفْعَلَ مُخَالِفَهُ فَحَقَدَ لَهُ ، وَإِذَا خَرَجَ بِهِ حِقْدُهُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ إلَى كَبِيرَةٍ كَغِيبَةٍ وَكَذِبٍ فَهُوَ ذَنْبٌ كَبِيرٌ ، قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ : وَإِنْ حَقَدَ لَهُ فِعْلًا يَجُوزُ أَوْ لَا يَجُوزُ لَمْ يُؤَاخَذْ إلَّا إنْ كَرِهَ النَّفْعَ أَوْ أَحَبَّ الضُّرَّ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَوْ كَرِهَ مَا لَا يَجُوزُ كُرْهُهُ أَوْ أَحَبَّ مَا لَا يَجُوزُ حُبُّهُ ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُحِبَّ لِغَيْرِهِ الْحِقْدَ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ الْحِقْدُ عَلَيْهِ ، وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ الْحِقْدِ وَإِنْ حَقَدَ بَغَضَ مَا يَضُرُّهُ قَاصِدًا بِهِ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْحِقْدُ أَوْ حَقَدَ لِمَنْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْقِدَ لَهُ قَاصِدًا مَنْ لَهُ أَنْ يَحْقِدَ لَهُ وَكَانَتْ فِي ذَلِكَ مَضَرَّةٌ مِنْ حِقْدِهِ عَصَى ، وَكَذَا الْحُبُّ وَالْبُغْضُ وَفِي الْأَثَرِ : الْحِقْدُ حَرَامٌ سَوَاءٌ لِأَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ أَوْ أُخْرَوِيٍّ إذَا كَانَ لِطَاعَةٍ أَوْ مُبَاحٍ كَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ ، وَإِنْ كَانَ الْحِقْدُ لِظُلْمٍ فَلَيْسَ حَرَامًا بَلْ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِ الْحَقِّ فَلَهُ التَّأْخِيرُ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَالْعَفْوُ أَفْضَلُ ، وَإِنْ قَدَرَ فَعَفْوُهُ أَفْضَلُ مِنْ الْعَفْوِ الْأَوَّلِ لِقُدْرَتِهِ ، وَأَمَّا الِانْتِصَارُ وَهُوَ اسْتِيفَاءُ الْحَقِّ بِلَا زِيَادَةٍ فَهُوَ عَدْلٌ مَفْضُولٌ وَقَدْ يَكُونُ أَفْضَلَ لِعَارِضٍ كَإِمَاتَةِ الْفِتْنَةِ وَتَقْلِيلِ ظُلْمِهِ وَهَدْمِهِ وَرَدْعِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { خُذْ الْعَفْوَ } ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ } وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ } وَرَوَى مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ ، وَلَا زَادَ اللَّهُ تَعَالَى عَبْدًا بِعَفْوٍ إلَّا عِزًّا ، وَمَا تَوَاضَعَ عَبْدٌ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى } وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَفْوِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْمَعْفُوُّ مُطْلَقًا سَوَاءٌ لِلدُّنْيَا أَوْ لِلدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .
وَقِيلَ : وَالْعَفْوُ لَهُمَا مَعًا ، وَاسْتِيفَاءُ الْحَقِّ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ عَدْلٌ ، وَهُوَ مُنْتَهَى دَرَجَاتِ الصَّالِحِينَ ، وَإِنْ عَفَا عَنْهُ وَأَكْرَمَهُ فَذَاكَ فَضْلٌ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الصِّدِّيقِينَ ، وَإِنْ اسْتَوْفَى وَزَادَ أَوْ طَالَبَهُ بِمَا لَا يَسْتَحِقُّهُ فَذَلِكَ جَوْرٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأَرْذَالِ ، وَإِنْ أَخَذَ أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ فَفِي دَرَجَاتِ الصَّالِحِينَ ، وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { ثَلَاثُ خِصَالٍ مَنْ كُنَّ فِيهِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ ، مَنْ إذَا رَضِيَ لَمْ يُدْخِلْهُ رِضَاهُ فِي بَاطِلٍ ، وَإِذَا غَضِبَ لَمْ يُخْرِجْهُ غَضَبُهُ عَنْ حَقٍّ وَإِذَا قَدَرَ عَفَا } .
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : { مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْتَصِرًا مِنْ مَظْلِمَةٍ ظُلِمَهَا قَطُّ مَا لَمْ يُنْتَهَكْ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ شَيْءٌ ، فَإِذَا اُنْتُهِكَ ذَلِكَ كَانَ أَشَدَّهُمْ فِي ذَلِكَ غَضَبًا وَمَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إثْمًا } ، وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ : { لَقِيتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَبَادَرْتُهُ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ وَبَادَرَنِي وَأَخَذَ بِيَدِي وَقَالَ : يَا عُقْبَةُ أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلِ أَخْلَاقِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، تَصِلُ مَنْ قَطَعَكَ وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَكَ وَتَعْفُو عَمَّنْ ظَلَمَكَ } .
وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ : يَا رَبِّ أَيُّ عِبَادِكَ أَعَزُّ عَلَيْكَ قَالَ : الَّذِي إذَا قَدَرَ عَفَا وَسُئِلَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : مَنْ أَعَزُّ ، النَّاسِ ؟ قَالَ : الَّذِي يَعْفُو إذَا قَدَرَ فَاعْفُوا يُعِزُّكُمْ اللَّهُ .
وَعَنْ أَنَسٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إذَا وَقَفَ الْعِبَادُ نَادَى مُنَادٍ لِيَقُمْ مَنْ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ فَلْيَدْخُلْ الْجَنَّةَ : ، قِيلَ : مَنْ ذَا الَّذِي أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : الْعَاسِفُونَ عَنْ النَّاسِ ، فَقَامَ كَذَا وَكَذَا أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ } ، وَعَنْ جَابِرٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { ثَلَاثٌ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ مَعَ إيمَانٍ بِاَللَّهِ دَخَلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ وَزُوِّجَ مِنْ الْحُورِ الْعَيْنِ حَيْثُ شَاءَ مَنْ أَدَّى دَيْنًا خَفِيًّا ، وَقَرَأَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ ، وَعَفَا عَنْ قَاتِلِهِ } ، أَيْ قَاتِلِ وَلِيِّهِ أَوْ قَاتِلِهِ فِي نَفْسِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَضُرُّهُ فَيَقُولُ : إنْ مِتَّ بِضُرِّهِ فَلَا تَقْتُلُوهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَوْ إحْدَاهُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : أَوْ إحْدَاهُنَّ قَالَ أَبُو الرَّبِيعِ : لَا تُدْرَكُ النَّجَاةُ لِأَهْلِ زَمَانِنَا إلَّا بِاجْتِهَادٍ أَعْظَمَ مِنْ اجْتِهَادِ الْأَوَّلِينَ لِأَنَّهُمْ فِي زَمَانٍ شَدِيدٍ وَنَوَازِلُهُ أَشَدُّ وَأَعْظَمُ ، وَقَلَّتْ فِيهِ أَسْبَابُ النَّجَاةِ وَكَثُرَ فِيهِ أَسْبَابُ الْهَلَكَةِ زَمَانٍ أَدْبَرَ فِيهِ الْخَيْرُ وَأَقْبَلَ فِيهِ الشَّرُّ وَانْدَرَسَ فِيهِ الْعِلْمُ وَقَلَّ فِيهِ وَذَهَبَ الْخَوْفُ مِنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَقَسَتْ الْقُلُوبُ وَجَمَدَتْ الْعُيُونُ وَمَا جَمَدَتْ الْعُيُونُ إلَّا وَقَسَتْ الْقُلُوبُ وَمَا قَسَتْ الْقُلُوبُ إلَّا وَكَثُرَ الذُّنُوبُ .
وَسَمِعَ رَجُلٌ رَجُلًا يَبْكِي وَبَالَغَ فِي بُكَائِهِ فَقَالَ لَهُ : مَا يُبْكِيكَ ؟ فَقَالَ : قَلْبٌ كَانَ لِي فَقَدْتُهُ وَلَا يَبْكِي الْبَاكِي عَلَى مِثْلِ هَذَا إلَّا وَفِي قَلْبِهِ حَيَاةٌ ، وَلَا يَبْلُو اللَّهُ الْعَبْدَ بِشَيْءٍ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ قَسْوَةِ قَلْبِهِ وَلَا يُعْطَى خَيْرًا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ حَيَاةِ قَلْبٍ ، وَمَنْ أَحْيَا لَيْلَةً أَحْيَا اللَّهُ قَلْبَهُ ، وَمَنْ أَمَاتَ لَيْلَةً أَمَاتَ اللَّهُ قَلْبَهُ ، وَتَحْيَا الْقُلُوبُ بِكَثْرَةِ الذِّكْرِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ وَالِابْتِهَالِ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ إلَى اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ ، وَمَدِّ الْيَدِ بِمَا أَمْكَنَ مِنْ النَّفَقَةِ لِلَّهِ مُحْتَسِبًا ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عِنْدَ نَشَاطِهِ ، وَالنَّظَرِ فِي وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ ، وَلُزُومِ الصَّمْتِ ، وَاجْتِنَابِ الْخَوْضِ ، وَتَرْكِ مَا لَا يَعْنِيهِ ، وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا ، وَالرَّغْبَةِ فِي الْآخِرَةِ ، وَذِكْرِ الْمَوْتِ ، وَقِصَرِ الْأَمَلِ ، وَذِكْرِ الْقَبْرِ ، وَوَحْشَتِهِ ، وَظُلْمَتِهِ ، وَمَا بَعْدَهُ مِنْ أَهْوَالِ الْحَشْرِ وَمَا بَعْدَهُ ، فَمَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ هَذَا لَا يَعْدَمُ حَيَاةَ قَلْبِهِ وَنَشَاطَ نَفْسِهِ وَمَنْ خَلَا مِنْهُ ، عُدِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ .
وَشَكَتْ امْرَأَةٌ إلَى عَائِشَةَ قَسْوَةَ قَلْبِهَا فَقَالَتْ لَهَا : أَكْثَرِي مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ فِي قَلْبِكِ فَفَعَلَتْ فَرَقَّ قَلْبُهَا ، فَجَاءَتْ تَشْكُرُ عَائِشَةَ .
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا يَنْبَغِي لِوَلِيِّ أَمْرٍ أَنْ يُؤْتَى بِحَدٍّ إلَّا أَقَامَهُ وَاَللَّهُ عَفْوٌ يُحِبُّ الْعَفْوَ ، ثُمَّ قَرَأَ : { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا } الْآيَةَ } ، وَدَخَلَ رَجُلٌ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَجَعَلَ يَشْكُو إلَيْهِ رَجُلًا ظَلَمَهُ وَيَقَعُ فِيهِ فَقَالَ لَهُ : إنَّكَ إنْ تَلْقَ اللَّهَ وَمَظْلِمَتُكَ كَمَا هِيَ خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَلْقَاهُ وَقَدْ انْتَقَصَهَا ، وَعَنْ ابْنِ مَيْسَرَةَ إنْ ظَلِلْتَ تَدْعُو عَلَى مَنْ ظَلَمَكَ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ إنَّ آخَرَ يَدْعُو عَلَيْكَ أَنَّكَ ظَلَمْتَهُ ، فَإِنْ شِئْتَ اسْتَجَبْنَا لَكَ وَأَجَبْنَا عَلَيْكَ ، وَإِنْ شِئْتَ أَخَّرْتُكُمَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَيَسَعُكُمَا عَفْوِي .
وَقَالَ ابْنُ يَسَارٍ لِرَجُلٍ دَعَا عَلَى ظَالِمِهِ : كِلْ الظَّالِمِ إلَى ظُلْمِهِ فَإِنَّهُ أَسْرَعُ مِنْ دُعَائِكَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَدَارَكَهُ بِعَمَلٍ وَضَمِنَ أَنْ لَا يَفْعَلَ ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : { بَلَغَنَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَأْمُرُ مُنَادِيًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُنَادِي مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ شَيْءٌ فَلْيَقُمْ فَيَقُومُ أَهْلُ الْعَفْوِ فَيُكَافِئُهُمْ اللَّهُ بِمَا كَانَ مِنْ عَفْوِهِمْ عَنْ النَّاسِ } ، وَقَالَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : عَلَيْكُمْ بِالْعَفْوِ وَالِاحْتِمَالِ حَتَّى تُمَكِّنَكُمْ الْفُرْصَةُ ، فَإِذَا أَمْكَنَتْكُمْ فَعَلَيْكُمْ بِالصَّفْحِ وَالْإِفْضَالِ ،
. الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 785)
إذن
التّعريف
1 - من معاني الإذن في اللّغة : إطلاق الفعل والإباحة.
ولم يخرج الفقهاء في استعمالهم للإذن عن المعنى اللّغويّ.
«الألفاظ ذات الصّلة »
«أ - الإباحة »
2 - الإباحة هي التّخيير بين الفعل والتّرك دون ترتّب ثواب أو عقاب.
ويذكرها الأصوليّون عند الكلام على الحكم وأقسامه باعتبارها من أقسام الحكم الشّرعيّ عند جمهور الأصوليّين.
ولهم في ذلك تفصيلات كثيرة من حيث تقسيم الإباحة ، وتقسيم متعلّقها وهو المباح « انظر : الملحق الأصوليّ » .
والفقهاء كذلك يفسّرون الإباحة بالمعنى السّابق الّذي ذكره الأصوليّون.
وأيضاً يستعمل الفقهاء الإذن والإباحة بمعنًى واحد ، وهو ما يفيد إطلاق التّصرّف فقد قال الجرجانيّ : الإباحة هي الإذن بالإتيان بالفعل كيف شاء الفاعل.
وقال ابن قدامة : من نثر على النّاس نثاراً كان إذناً في التقاطه وأبيح أخذه ، وفسّر الشّيخ عليش : المباح بالمأذون فيه.
وإذا كان الإذن يستعمل بمعنى الإباحة فلأنّ الإباحة مرجعها الإذن.
فالإذن هو أصل الإباحة.
ولولا صدور ما يدلّ على الإذن لما كان الفعل جائز الوقوع ، فالإباحة الشّرعيّة حكم شرعيّ عند جمهور الأصوليّين ، ويتوقّف وجوده على الشّرع.
وبذلك يتبيّن أنّ الإباحة تكون بمقتضى الإذن سواء أكان صريحاً أم ضمناً ، وسواء أكان من الشّارع أم من العباد بعضهم لبعض.
«ب - الإجازة »
3 - الإجازة معناها الإمضاء يقال : أجاز أمره إذا أمضاه وجعله جائزاً ، وأجزت العقد جعلته جائزاً ونافذاً.
والإذن هو إجازة الإتيان بالفعل.
فالإجازة والإذن كلاهما يدلّ على الموافقة على الفعل إلاّ أنّ الإذن يكون قبل الفعل ، والإجازة تكون بعد وقوعه.
«ج - الأمر »
4 - الأمر من معانيه لغةً : الطّلب ، واصطلاحاً : طلب الفعل على سبيل الاستعلاء.
فكلّ أمر يتضمّن إذناً بالأولويّة.
«أقسام الإذن»
الإذن قد يكون عامّاً وقد يكون خاصّاً ، والعموم والخصوص قد يكون بالنّسبة للمأذون له ، وقد يكون بالنّسبة للموضوع أو الوقت أو الزّمان.
«أ - الإذن بالنّسبة للمأذون له »
5 - الإذن قد يكون عامّاً بالنّسبة للشّخص المأذون له ، وذلك كمن ألقى شيئاً وقال : من أخذه فهو له فلمن سمعه أو بلغه ذلك القول أن يأخذه ، وكمن وضع الماء على بابه ، فإنّه يباح الشّرب منه لمن مرّ به من غنيّ أو فقير ، وكذا من غرس شجرةً في موضع لا ملك فيه لأحد ، ولم يقصد الإحياء ، فقد أباح للنّاس ثمارها.
وكأن يجعل الإمام للمسلمين موضعاً لوقوف الدّوابّ فيه ، فلكلّ مسلم حقّ الوقوف فيه ؛ لأنّه مأذون من السّلطان.
ومن ذلك الدّعوة العامّة للوليمة.
وقد يكون الإذن خاصّاً بشخص ، كمن يقول : هذا الشّيء صدقة لفلان ، أو كالوقف على أهل مذهب معيّن لصرف غلّة الوقف عليهم ، أو تخصيص أحد الضّيفان بطعام خاصّ ، أو اقتصار الدّعوة على بعض النّاس.
«ب - الإذن بالنّسبة للتّصرّف والوقت والمكان »
6 - قد يكون الإذن عامّاً بالنّسبة للتّصرّف والوقت والمكان ، وقد يكون خاصّاً ، فإذن السّيّد لعبده في التّجارة يعتبر عند الحنفيّة والمعتمد عند المالكيّة إذناً عامّاً يجيز للعبد المأذون له التّصرّف في سائر التّجارات ما عدا التّبرّعات ، حتّى لو أذن له في نوع من أنواع التّجارات فهو مأذون في جميعها ، خلافاً لزفر ؛ لأنّ الإذن عند الحنفيّة إسقاط الحقّ ، والإسقاطات لا تتوقّت بوقت ، ولا تتخصّص بنوع دون نوع ، ولا بمكان دون مكان ، فلو أذن له يوماً صار مأذوناً مطلقاً حتّى يحجر عليه ، وكذلك لو قال له : أذنت لك في التّجارة في البرّ دون البحر ، إلاّ أنّه إذا أمره بشراء شيء خاصّ كأن يقول له : اشتر بدرهم لحماً لنفسك أو اشتر كسوةً ففي الاستحسان يقتصر على ما أذن له فيه ؛ لأنّ هذا من باب الاستخدام ، يقول ابن عابدين : اعلم أنّ الإذن بالتّصرّف إذن بالتّجارة وبالشّخص استخدام.
وعند الشّافعيّة والحنابلة وبعض المالكيّة وزفر من الحنفيّة يتقيّد الإذن بالنّسبة للعبد ، فلا يصير العبد مأذوناً إلاّ فيما أذن له فيه سيّده ؛ لأنّ تصرّفه مستفاد من الإذن ، فاقتصر على المأذون فيه ، فإذا أذن له في التّجارة في نوع ، كالثّياب ، أو في وقت كشهر كذا أو في بلد فلا يجوز له أن يتجاوزه ، كالوكيل وعامل القراض ؛ لأنّه متصرّف بالإذن من جهة الآدميّ ، فوجب أن يختصّ بما أذن له فيه ، فإن لم ينصّ على شيء وتصرّف حسب المصلحة عند الشّافعيّة فيتصرّف في كلّ الأنواع والأزمنة والبلدان.
وأمثلة الإذن الخاصّ والعامّ كثيرة كما في الوكالة والقراض والشّركة والإعارة والإجارة وغيرها ، وتنظر في أبوابها.
«من له حقّ الإذن : إذن الشّارع »
7 - إذن الشّارع يكون إمّا بنصّ ، أو باجتهاد من الحاكم فيما يتعلّق بمصالح العباد ، مع مراعاة القواعد العامّة لمقاصد الشّريعة ، كجلب المصالح ودرء المفاسد.
ووجوه الإذن من الشّارع متعدّدة الأسباب لتفرّع مناحي الشّريعة في الحفاظ على كيان الفرد والمجتمع.
8 - فالإذن من الشّارع قد يكون للتّوسعة والتّيسير على العباد في حياتهم ، كالبيع والشّراء والإجارة والرّهن ، كما جاء في قوله تعالى : «وأحلّ اللّه البيع وحرّم الرّبا» ، وقوله تعالى : «فرهان مقبوضة» . إلخ.
وكذلك الإذن بالتّمتّع بالطّيّبات ، كالمأكل والمشرب والمسكن والملبس ، كما جاء في قوله تعالى : «قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق» .
والإذن بالنّكاح للتّمتّع والتّناسل على ما جاء في قوله تعالى : «فانكحوا ما طاب لكم من النّساء» .
ومن ذلك أيضاً الإذن بالصّيد إلاّ في حالة الإحرام والإذن بإحياء الموات ، والإذن بالانتفاع بالطّريق العامّ والمسيل العامّ وهكذا.
9 - وقد يكون إذن الشّارع بالانتفاع على وجه التّعبّد والقربة ، كالانتفاع بالمساجد والمقابر والرّباطات.
والإذن في كلّ ما سبق يجب أن يقتصر فيه على الأصل الّذي ورد من الشّارع مقيّداً بعدم الضّرر بالغير ، إذ لا ضرر ولا ضرار في الإسلام.
وقد وضع الفقهاء لكلّ هذه التّصرّفات قواعد وشرائط لا بدّ من مراعاتها ، ومخالفة ذلك تبطل التّصرّف.
10 - وقد يكون الإذن من الشّارع رفعاً للحرج ودفعاً للمشقّة ؛ لأنّ الشّارع لم يقصد إلى التّكليف بالشّاقّ والإعنات فيه والنّصوص الدّالّة على ذلك كثيرة ، منها قوله تعالى : «لا يكلّف اللّه نفساً إلاّ وسعها» ، وقوله : «يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر» ، وقوله : «يريد اللّه أن يخفّف عنكم» .
كذلك ورد أنّ « الرّسول صلى الله عليه وسلم ما خيّر بين أمرين إلاّ اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً » ، وكان صلى الله عليه وسلم ينهى عن الوصال في العبادة ويقول : « خذوا من الأعمال ما تطيقون فإنّ اللّه لن يملّ حتّى تملّوا » .
وعلى هذا الأساس كان الإذن للمسافر والمريض بالفطر في رمضان.
ولقد نقل عن مالك والشّافعيّ منع الصّوم إذا خاف التّلف به وأنّه لا يجزئه إن فعل ، ونقل المنع في الطّهارة عند خوف التّلف والانتقال إلى التّيمّم.
والدّليل على المنع قوله : «ولا تقتلوا أنفسكم» ، وجاء في حديث النّاذر للصّيام قائماً في الشّمس حيث قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم حين علم بذلك : « مروه فليستظلّ وليتكلّم وليتمّ صومه » .
وكذلك كان الإذن بإباحة ما كان محرّماً لذاته وأذن به لعارض كأكل الميتة ولحم الخنزير وشرب الخمر لإزالة الغصّة وذلك إذا عرضت ضرورة وهي خشية الموت أو التّلف ، وكذلك الإذن بإباحة ما كان محرّماً لغيره كالإذن بنظر الأجنبيّة للزّواج وبنظر العورة إذا عرضت حاجة كالعلاج.
وكلّ ما كان من هذا القبيل ممّا فيه مشقّة وحرج سواء أكانت المشقّة حاصلةً باختيار المكلّف كالنّاذر الصّيام قائماً في الشّمس ، أم كانت المشقّة تابعةً للفعل كالمريض غير القادر على الصّوم أو الصّلاة ، والحاجّ الّذي لا يقدر على الحجّ ماشياً أو راكباً إلاّ بمشقّة خارجة عن المعتاد ، فهذا هو الّذي ورد فيه اليسر ومشروعيّة الرّخص.
ولقد وضع الفقهاء بعض القواعد العامّة لذلك ، كقولهم : الضّرورات تبيح المحظورات.
المشقّة تجلب التّيسير.
الضّرر يزال.
أمّا إذا كانت المشقّة الدّاخلة على المكلّف ليست بسببه ، ولا بسبب دخوله في عمل تنشأ عنه فلقد فهم من مجموع الشّريعة الإذن في دفعها على الإطلاق رفعاً للمشقّة ، بل إنّ الشّارع أذن في التّحرّز منها عند توقّعها وإن لم تقع ، ومن ذلك الإذن في دفع ألم الجوع والعطش والحرّ والبرد ، والإذن في التّداوي عند وقوع الأمراض ، وفي التّوقّي من كلّ مؤذ آدميّاً كان أو غيره.
ولذلك يقول الفقهاء : لا ضمان في قتل الصّائل على نفس أو طرف أو بضع أو مال.
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 13905)
مَشَقَّة
التّعريف
1 - المشقّة في اللغة : بمعنى الجهد والعناء والشّدّة والثّقل , يقال : شقّ عليه الشّيء يشقّ شقاً ومشقّةً إذا أتعبه , ومنه قوله تعالى : « لَمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ » معناه : إلّا بجهد الأنفس , والشّقّ : المشقّة , وقال في المصباح المنير : وشقّ الأمر علينا يشقّ من باب قتل أيضاً فهو شاق , وشقّ عليّ الأمر يشقّ شقاً ومشقّةً أي ثقل عليّ والمشقّة اسم منه .
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ .
الألفاظ ذات الصّلة
«أ - الحَرَج»
2 - الحرج في اللغة : بمعنى الضّيق , وحرج صدره حرجاً من باب تعب : ضاق .
وفي الاصطلاح : الحرج ما فيه مشقّة فوق المعتاد .
والصّلة بين المشقّة والحرج هي : أنّ الحرج أخص من المشقّة .
«ب - الرخصة»
3 - الرخصة في اللغة : اليسر والسهولة يقال : رخص السّعر إذا تراجع وسَهل الشّراء . واصطلاحاً : عبارة عمّا وسِّع للمكلّف في فعله لعذر وعجز عنه مع قيام السّبب المحرّم : كتناول الميتة عند الاضطرار , وجواز الفطر في رمضان للمسافر .
والصّلة بين المشقّة والرخصة : هي أنّ المشقّة سبب للرخصة .
«ج - الضّرورة»
4 - الضّرورة اسم من الاضطرار .
وفي الشّرع : بلوغ الإنسان حداً إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب .
والصّلة هي أنّ المشقّة أعم من الضّرورة .
«د - الحاجة»
5 - الحاجة تطلق على الافتقار , وعلى ما يفتقر إليه مع محبّته .
واصطلاحاً : ما يفتقر إليها من حيث التّوسعة ورفع الضّيق المؤدّي في الغالب إلى الحرج والمشقّة اللّاحقة بفوت المطلوب .
والفرق بين المشقّة والحاجة أنّ الحاجة وإن كانت حالة جهد فهي دون المشقّة ومرتبتها أدنى منها .
«الأحكام المتعلّقة بالمشقّة»
«أوّلاً : أوجه المشقّة»
6 - يترتّب على المشقّة أحكام شرعيّة ورخصٌ متعدّدة , تعتمد على نوع المشقّة ودرجتها . ولا تخلو جميع التّكاليف في الشّريعة الإسلاميّة من جنس المشقّة أصلاً , بل إنّ التّكليف ما سمّي بهذا إلّا لأنّه طلب ما فيه كلفة ومشقّة , فلا يخلو شيء من التّكاليف من المشقّة وبيان ذلك في أنّ أوجه المشقّة أربعة .
«الوجه الأوّل : مشقّة ما لا يطاق»
7 - وهي المشقّة الّتي لا يقدر العبد على حملها أصلاً , فهذا النّوع لم يرد التّكليف به في الشّرع أصلاً , إذ لا قدرة للمكلّف عليه في العادة فلا يقع التّكليف به شرعاً , وإن جاز عقلاً, فتكليف ما لا يطاق يسمّى مشقّةً من حيث كان تكلف الإنسان نفسه بحمله موقعاً في عناء وتعب لا يجدي , كالمقعد إذا تكلّف القيام , والإنسان إذا تكلّف الطّيران في الهواء , وما أشبه ذلك فحين اجتمع مع المقدور عليه الشّاقّ الحمل إذا تحمّل في نفس المشقّة سمّي العمل شاقاً والتّعب في تكلف حمله مشقّة .
«الوجه الثّاني : المشقّة الّتي تطاق لكن فيها شدّة»
8 - المشقّة الّتي تطاق ويمكن احتمالها , لكن فيها شدّة , وهذا الوجه يكون خاصّاً بالمقدور عليه إلّا أنّه خارج عن المعتاد في الأعمال العادية , بحيث يشوّش على النّفوس في تصرفها ويقلقها في القيام بما فيه تلك المشقّة .
إلّا أنّ هذا الوجه على ضربين :
أحدهما : أن تكون المشقّة مختصّةً بأعيان الأفعال المكلّف بها , بحيث لو وقعت مرّةً واحدةً لوجدت فيها , وهذا هو الموضع الّذي وضعت له الرخص المشهورة في اصطلاح الفقهاء , كالصّوم في المرض والسّفر , والإتمام في السّفر وما أشبه ذلك .
والثّاني : أن لا تكون مختصّةً ولكن إذا نظر إلى كلّيّات الأعمال والدّوام عليها صارت شاقّةً ولحقت المشقّة العامل بها , ويوجد هذا في النّوافل وحدها إذا تحمّل الإنسان منها فوق ما يحتمله على وجهٍ ما إلّا أنّه في الدّوام يتعبه .
ولذلك فإنّ الشّارع لم يقصد إلى التّكليف بالشّاقّ والإعنات فيه , والدّليل على ذلك النصوص الدّالّة على ذلك كقوله تعالى : « وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ » , وقوله تعالى : « رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا » وقوله تعالى : « لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا » وقوله تعالى : « وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ » , وقوله تعالى : « يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا » , وجاء في الحديث عن عائشة رضي اللّه عنها أنّ النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم : « ما خيّر بين أمرين إلّا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً » وإنّما قالت : « ما لم يكن إثماً » لأنّ ترك الإثم لا مشقّة فيه من حيث كان مجرّد تركٍ إلى أشباه ذلك ممّا في هذا المعنى ولو كان قاصداً للمشقّة لما كان مريداً لليسر ولا للتّخفيف ولكان مريداً للحرج والعسر وذلك باطل .
كما يستدل على ذلك بما ثبت أيضاً من مشروعيّة الرخص , وهو أمر مقطوع به وممّا علم منه دين الأمّة بالضّرورة : كرخص السّفر , والفطر , والجمع , وتناول المحرّمات في الاضطرار , فإنّ هذا نمط يدل قطعاً على مطلق رفع الحرج والمشقّة , وكذلك بما جاء في النّهي عن التّعمق والتّكلف والتّسبب في الانقطاع عن دوام الأعمال , ولو كان الشّارع قاصداً للمشقّة في التّكليف لما كان ثمّ ترخيصٌ ولا تخفيف وهو يدل على عدم قصد الشّارع إليه , فإنّه لا ينازع في أنّ الشّارع قاصد للتّكليف بما يلزم فيه كلفة ومشقّة ما , ولكن لا تسمّى في العادة المستمرّة مشقّةً كما لا يسمّى في العادة مشقّةً طلب المعاش بالتّحرف وسائر الصّنائع, لأنّه ممكن معتاد لا يقطع ما فيه من الكلفة عن العمل في الغالب المعتاد , وإلى هذا المعنى يرجع الفرق بين المشقّة الّتي لا تعد مشقّةً عادةً , والّتي تعد مشقّةً , وهو أنّه إن كان العمل يؤدّي الدّوام عليه إلى الانقطاع عنه أو عن بعضه وإلى وقوع خلل في صاحبه في نفسه أو مال , أو حال من أحواله فالمشقّة هنا خارجة عن المعتاد , وإن لم يكن فيها شيء من ذلك في الغالب فلا يعد في العادة مشقّةً وإن سمّيت كلفةً .
فما تضمّن التّكليف الثّابت على العباد من المشقّة المعتادة أيضاً ليس بمقصود الطّلب للشّارع من جهة نفس المشقّة , بل من جهة ما في ذلك من المصالح العائدة على المكلّف .
«الوجه الثّالث : الزّيادة في الفعل على ما جرت به العادة»
9 - وهو إذا كان الفعل خاصّاً بالمقدور عليه , وليس فيه من التّأثير في تعب النّفس خروج عن المعتاد في الأعمال العاديّة , ولكن نفس التّكليف به زيادة على ما جرت به العادات قبل التّكليف شاقٌ على النّفس , ولذلك أطلق عليه لفظ التّكليف , وهو في اللغة يقتضي معنى المشقّة لأنّ العرب تقول : كلّفته تكليفاً إذا حمّلته أمراً يشقّ عليه وأمرته به , وتكلّفت الشّيء : إذا تحمّلته على مشقّة , وحملت الشّيء تكلّفته : إذا لم تطقه إلّا تكلفاً , فمثل هذا يسمّى مشقّةً بهذا الاعتبار , لأنّه إلقاء بالمقاليد ودخول أعمال زائدة على ما اقتضته حياة الدنيا .
«الوجه الرّابع : أن يكون ملزماً بما قبله»
10 - وهو أن يكون التّكليف خاصّاً بما يلزم ما قبله , فإنّ التّكليف إخراج المكلّف عن هوى نفسه , ومخالفة الهوى شاقّة على صاحب الهوى مطلقاً , ويلحق الإنسان بسببها تعب وعناء , وذلك معلوم في العادات الجارية في الخلق , وذلك أنّ مخالفة ما تهوى الأنفس شاق عليها , والشّارع إنّما قصد بوضع شريعة إخراج المكلّف عن اتّباع هواه حتّى يكون عبداً للّه , فإذاً مخالفة الهوى ليست من المشقّات المعتبرة في التّكليف .
«ثانياً : القواعد الفقهيّة المنظّمة لأحكام المشقّة»
11 - وضع الفقهاء مجموعةً من القواعد الفقهيّة لضبط أحكام المشقّة , ومن هذه القواعد « المشقّة تجلب التّيسير » يعني أنّ الصعوبة تصير سبباً للتّسهيل , ويلزم التّوسيع في وقت المضايقة .
ويتفرّع على هذا الأصل كثير من الأحكام الفقهيّة كالقرض والحوالة والحجر وغير ذلك , وما جوّزه الفقهاء من الرخص والتّخفيفات في الأحكام الشّرعيّة مستنبط من هذه القاعدة : وتعتبر المشقّة سبباً هاماً من أسباب الرخص , وهي تختلف بالقوّة والضّعف , بحسب الأحوال , وبحسب قوّة العزائم وضعفها , وبحسب الأعمال , فليس للمشقّة المعتبرة في التّخفيفات ضابط مخصوصٌ , ولا حد محدود يطّرد في جميع النّاس , ولذلك أقام الشّرع السّبب مقام العلّة واعتبر السّفر لأنّه أقرب مظَانّ وجود المشقّة .. وليست أسباب الرخص بداخلة تحت قانون أصليٍّ , ولا ضابطٍ مأخوذ باليد , بل هي إضافيّة بالنّسبة إلى كلّ مخاطب في نفسه .
والأصل في هذه القاعدة قوله تعالى : « يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ » .
وقوله تعالى : « وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ » , وقوله صلّى اللّه عليه وسلّم :
« بعثت بالحنيفيّة السّمحاء » , وفي لفظ آخر : « أحب الأديان إلى اللّه الحنيفيّة السّمحة » . وروى أبو هريرة رضي اللّه عنه وغيره قوله صلّى اللّه عليه وسلّم : « إنّما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين » .
وقالت عائشة رضي اللّه عنها : « ما خيّر رسول اللّه بين أمرين إلّا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً » .
ويتخرّج على هذه القاعدة جميع رخص الشّرع وتخفيفاته .
هذا وقد خرج عن هذه القاعدة ما نصّ عليه وإن كان فيه مشقّة وعمّت به البلوى , قال ابن نجيم : المشقّة والحرج إنّما يعتبران في موضع لا نصّ فيه وأمّا مع النّصّ بخلافه فلا . وبمعنى قاعدة : المشقّة تجلب التّيسير قول الشّافعيّ رحمه اللّه : « إذا ضاق الأمر اتّسع » ومعناها : إذا ظهرت مشقّة في أمر يرخّص فيه ويوسّع , فعكس هذه القاعدة « إذا اتّسع الأمر ضاق » , ومن فروع هذه القاعدة شهادة النّساء والصّبيان في الحمّامات والمواضع الّتي لا يحضرها الرّجال دفعاً لحرج ضياع الحقوق .
ومنها قبول شهادة القابلة
«المشاقّ الموجبة للتّخفيفات الشّرعيّة»
قال العز بن عبد السّلام : المشاقّ ضربان :
12 - أحدهما : مشقّة لا تنفك العبادة عنها كمشقّة الوضوء والغسل في شدّة البرد , وكمشقّة إقامة الصّلاة في الحرّ والبرد ولا سيّما في صلاة الفجر , وكمشقّة الصّوم في شدّة الحرّ وطول النّهار , وكمشقّة السّفر والحجّ والجهاد الّتي لا انفكاك عنها غالباً , وكمشقّة الاجتهاد في طلب العلم والرّحلة فيه , وكذلك المشقّة في رجم الزناة وإقامة الحدود على الجناة ولا سيّما في حقّ الآباء والأمّهات والبنين والبنات , فإنّ في ذلك مشقّةً عظيمةً على مقيم هذه العقوبات بما يجده من الرّقّة والمرحمة بها للسرّاق والزناة والجناة من الأجانب والأقارب البنين والبنات , ولمثل هذا قال تعالى : « ولا تأخذكم بهما رأفة في دين اللّه » , وقال عليه الصّلاة والسّلام : « لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعت يدها » وهو صلّى اللّه عليه وسلّم أولى بتحمل هذه المشاقّ من غيره ; لأنّ اللّه سبحانه وتعالى وصفه في كتابه العزيز بقوله : « بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ » فهذه المشاقّ كلها لا أثر لها في إسقاط العبادات والطّاعات .
13 - الضّرب الثّاني : مشقّة تنفك عنها العبادات غالباً وهي أنواع :
النّوع الأوّل : مشقّة عظيمة فادحة كمشقّة الخوف على النّفوس والأطراف ومنافع الأطراف, فهذه مشقّة موجبة للتّخفيف والتّرخيص لأنّ حفظ المهج والأطراف لإقامة مصالح الدّارين أولى من تعريضها للفوات في عبادة أو عبادات ثمّ تفوت أمثالها .
النّوع الثّاني : مشقّة خفيفة كأدنى وجع في إصبع أو أدنى صداع أو سوء مزاج خفيف , فهذا لا أثر له ولا التفات إليه لأنّ تحصيل مصالح العبادة أولى من دفع هذه المشقّة الّتي لا أثر لها .
النّوع الثّالث : مشاقّ واقعة بين هاتين المشقّتين مختلفة في الخفّة والشّدّة فما دنا منها من المشقّة العليا أوجب التّخفيف , وما دنا منها من المشقّة الدنيا لم يوجب التّخفيف .
كمريض في رمضان يخاف من الصّوم زيادة مرض أو بطءَ البرء , فيجوز له الفطر , وهكذا في المرض المبيح للتّيمم والحمّى الخفيفة ووجع الضروس اليسير وما وقع بين هاتين الرتبتين مختلف فيه , منهم من يلحقه بالعليا ومنهم من يلحقه بالدنيا , وتضبط مشقّة كلّ عبادة بأدنى المشاقّ المعتبرة في تخفيف تلك العبادة فإن كانت مثلها أو أزيد ثبتت الرخصة ولذلك أعتبر في مشقّة المرض المبيح للفطر في الصّوم أن يكون كزيادة مشقّة الصّوم في السّفر عليه في الحضر .
وكذلك المشاقّ في الحجّ وفي إباحة محظورات الإحرام : أن يحصل بتركها مثل مشقّة القمل الوارد فيه الرخصة , وأمّا أصل الحجّ فلا يكتفى بتركه بذلك , بل لا بدّ من مشقّة لا يحتمل مثلها كالخوف على النّفس والمال , وعدم الزّاد والرّاحلة , وفي إباحة ترك القيام إلى القعود : أن يحصل به ما يشوّش الخشوع وإلى الاضطجاع أشقّ , لأنّه مناف لتعظيم العبادات . والمشاقّ في الحجّ ثلاثة أقسام : منها ما يعظم فيمنع وجوب الحجّ , ومنها ما يخف ولا يمنع الوجوب , ومنها ما يتوسّط فيردّد فيه , وما قرب منه إلى المشقّة العليا كان أولى بمنع الوجوب , وما قرب منه إلى المشقّة الدنيا كان أولى بأن لا يمنع الوجوب .
وتختلف المشاقّ باختلاف العبادات في اهتمام الشّرع , فما اشتدّ اهتمامه به شرط في تخفيفه المشاقّ الشّديدة أو العامّة , وما لم يهتمّ به خفّفه بالمشاقّ الخفيفة , وقد تخفّف مشاقّه مع شرفه وعلوّ مرتبته لتكرر مشاقّه , كيلا يؤدّي إلى المشاقّ العامّة الكثيرة الوقوع. مثاله : ترخيص الشّرع في الصّلاة الّتي هي من أفضل الأعمال تقام مع الخبث الّذي يشقّ الاحتراز منه ومع الحدث في حقّ المتيمّم والمستحاضة , ومن كان عذره كعذر المستحاضة. أمّا الصّلاة فينتقل فيها القائم إلى القعود بالمرض الّذي يشوّش عليه الخشوع والأذكار , ولا يشترط فيها الضّرورة ولا العجز عن تصوير القيام اتّفاقاً , ويشترط في الانتقال من القعود إلى الاضطجاع عذراً أشقّ من عذر الانتقال من القيام إلى القعود , لأنّ الاضطجاع مناف لتعظيم العبادات ولا سيّما والمصلّي مناج ربّه .
وأمّا الأعذار في ترك الجماعات والجمعات فخفيفة , لأنّ الجماعات سنّة عند من يقول بذلك, والجمعات بدل .
وأمّا الصّوم فالأعذار فيه خفيفة كالسّفر والمرض الّذي يشقّ الصّوم معه لمشقّة الصّوم على المسافر , وهذان عذران خفيفان , وما كان أشدّ منهما كالخوف على الأطراف والأرواح كان أولى بجواز الفطر .
وأمّا التّيمم : فقد جوّزه الشّافعي رحمه اللّه تارةً بأعذار خفيفة , ومنعه تارةً على قول بأعذار أثقل منها , والأعذار عنده رتب متفاوتة في المشقّة .
الرتبة الأولى : مشقّة فادحة كالخوف على النّفوس والأعضاء , ومنافع الأعضاء فيباح بها التّيمم .
الرتبة الثّانية : مشقّة دون هذه المشقّة في الرتبة كالخوف من حدوث المرض المخوف فهذا ملحق بالرتبة العليا على الأصحّ .
الرتبة الثّالثة : خوف إبطاء البرء وشدّة الضّنى ففي إلحاقه بالرتبة الثّانية خلاف والأصح الإلحاق .
نحر الهدي قد يكون واجباً وقد يكون متطوعاً به.
ولمعرفة التفصيل بوقت النحر وسائر المسائل المتعلقة بنحر الهدايا والأضاحي ينظر (حج ف 38 ـ 44 ـ 45، نحر ف 5 ـ 7).
د ـ الحلق والتقصير:
اختلف الفقهاء في كون الحلق والتقصير نسكاً في الحج أو إطلاقاً من محظور كان محرماً عليه بالإحرام.
فذهب الحنفية والمالكية والشافعية في المذهب والحنابلة في المذهب كذلك إلى أن الحلق أو التقصير نسك في الحج.
وذهب الشافعية في قول وأحمد في رواية إلى أن كلاً منهما: إطلاق من محظور لا شيء في تركه.
ثم اختلف القائلون بكون الحلق والتقصير من النسك في اعتبار الحلق أو التقصير من واجبات الحج أو أركانه فيرى جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والحنابلة والشافعية في قول) أنه واجب من واجبات الحج، ويرى الشافعية في المذهب أنه ركن من أركان الحج(46).
كما اختلفوا في الوقت الذي يجوز تأخير الحلق والتقصير إليه.
وفيما يجب على تأخير الحلق إلى ما بعد أيام النحر.
والتفصيل في (حج ف 67، حلق ف 8، تحلل ف 3).
هـ طواف الزيارة:
طواف الزيارة فرض من فرائض الحج باتفاق الفقهاء، والأفضل عند العلماء أداؤه يوم النحر بعد الرمي والحلق.
ولمعرفة التفصيل المتعلقة في شروط طواف الزيارة وفيما يجب على تأخيره إلى ما بعد أيام النحر.
ينظر (حج ف 52 ـ 55).
و ـ الترتيب:
اختلف الفقهاء في حكم الترتيب بين أعمال يوم النحر.
فمنهم من ذهب إلى وجوب الترتيب بينهما اتباعاً لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومنهم قال بسنية الترتيب بينهما لحديث عبدالله بن عمرو: "فما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج"(47).
ولمعرف التفصيل في حكم الترتيب بين هذه الأعمال ينظر
(حج ف 84 ـ 85).
ثانياً: أعمال غير الحاج يوم النحر:
13 ـ نظراً لأن يوم النحر يوم عيد الأضحى فإنه تشرع لغير الحاج في هذا اليوم أعمال.. منها:
أ ـ التكبير المطلق: الذي لا يكون في الصلاة أو عقبها، كالتكبير في الطريق إلى صلاة العيد، أو في المسجد يوم النحر حتى إحرام الإمام بالصلاة.
وللتفصيل ينظر في مصطلح (تكبير ف 14، وصلاة العيدين ف 11،12،13).
ب ـ صلاة عيد الأضحى: وهي فرض كفاية عند الحنابلة، وواجبة عند الحنفية، وسنة مؤكدة عند المالكية والشافعية وفي ذلك، وفي شروطها، ومكانها، ووقت أدائها، وغير ذلك تفصيل ينظر في مصطلح
(صلاة العيدين ف 2 ـ 17).
ج ـ الأضحية: وهي ما يذكى من النعم تقربا إلى الله تعالى أيام النحر بشروط مخصوصة، وهي مشروعة إجماعاً، ويرى جمهور الفقهاء (الشافعية والحنابلة في المذهب والمالكية على المشهور وأبو يوسف في إحدى الروايتين) أنها سنة مؤكدة.
ويرى الحنفية في المذهب وأحمد في رواية عنه، ومالك في أحد قوليه والليث بن سعد والأوزاعي والثوري وربيعة أن الأضحية واجبة(48).
د ـ التزاور يوم العيد: وقد ورد ما يدل على مشروعيته في العيد.
والتفصيل في مصطلح (عيد ف 7).
هـ ـ وعظ الإمام النساء بعد صلاة العيد مستحب: لتعليمهن وتذكيرهن بما يجب أو يستحب أو يشرع لهن إذا أمنت الفتنة.
وانفرد عطاء بالقول بوجوبه.
وفي ذلك تفصيل ينظر في مصطلح (عيد ف 10).
و ـ التهنئة بالعيد: وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى مشروعيتها من حيث الجملة.
وفي ذلك تفصيل ينظر في مصطلح (تهنئة ف 10).
ز ـ الغسل والتطيب والتزين المباح يوم العيد: وقد قال الفقهاء باستحباب كل ذلك.
والتفصيل في مصطلح (عيد ف 5).
ح ـ اللعب والغناء إذا سلما من المحرمات: مشروع يوم العيد(49).
والتفصيل في مصطلح (عيد ف 8).
الإحرام بالعمرة يوم النحر:
14 ـ اختلف الفقهاء في حكم الإحرام بالعمرة يوم النحر.
فذهب المالكية والشافعية والحنابلة في المذهب إلى أنه لا يكره الإحرام بالعمرة يوم النحر.
وذهب الحنفية وأحمد بن حنبل في رواية عنه إلى أنه يكره(50).
(ر: عمرة ف 15، وإحرام 37 ـ 38).
ذبح الهدي يوم النحر:
15 ـ اتفق الفقهاء على جواز ذحب هدي التمتع والقران والتطوع والمنذور والإحصاء والخبايات أيام النحر واختلفوا فيما عداها.
والتفصيل في (مصطلح هدي ف 34 ـ 37، وإحصار ف 40).
فتاوى نور على الدرب للعثيمين - (ج / ص 1)
السؤال
أحسن الله إليكم يقول في آخر أسئلته هل يجوز تأخير الرمي في اليوم الأول من أيام التشريق إلى أن يزول الزحام لكي لا أضايق الآخرين؟
الجواب
الشيخ: يجب أن نقول لإخواننا المسلمين ما نعلمه من السنة رمي جمرة العقبة يوم العيد من آخر الليل ليلة العيد إلى طلوع الفجر ليلة الحادي عشر لكن الأفضل للقادرين أن لا يرموا حتى طلوع الشمس رمي جمرات أيام التشريق من الزوال أي من دخول وقت صلاة الظهر إلى طلوع الفجر من اليوم الثاني فيوم إحدى عشر من زوال الشمس إلى طلوع الفجر يوم اثنا عشر وكذلك رمي يوم اثنا عشر من الزوال إلى طلوع الفجر أي فجر يوم ثلاثة عشر يوم ثلاثة عشر من الزوال إلى غروب الشمس ولا رمي بعد غروب الشمس يوم ثلاثة عشر لأنه تنتهي أيام التشريق لكن في اليوم الثاني عشر من أراد التعجل فليحرص على أن يرمي قبل غروب الشمس لكن لو فرض أنه تأخر الرمي عن غروب الشمس للعجز عنه لكون المسير غير سريع أو لبقاء الزحام الشديد إلى غروب الشمس فلا بأس أن يرمي بعد غروب الشمس ويستمر ولا يلزمه في هذه الحال أن يبيت في منى لأن الرجل تأهب ونوى التعجل وفارق خيمته لكنه حبس إما من مسير السيارات وإما من كون الزحام شديداً حتى غابت الشمس ولا يجوز الرمي قبل الزوال في أيام التشريق لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رمى بعد الزوال وقال خذوا عني مناسككم ومن رمى قبل الزوال لم يأخذ عنه مناسكه بل تعجل ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يترقب بفارق الصبر كما يقولون أن تزول الشمس بدليل أنه من حين أن تزول الشمس يرمي قبل أن يصلي الظهر ويلزم من هذا أن يؤخر صلاة الظهر ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لرمى قبل الزوال لأجل أن يصلي الظهر في أول وقتها ثالثاً أنه ما كان للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو أرحم الخلق بأمته ما كان ليؤخر الرمي حتى تزول الشمس فيشتد الحر مع جواز الرمي قبل ذلك لأن من المعلوم أن هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً كم هذه ثلاثة أوجه الرابع أنه لم يأذن للضعفة أن يرموا قبل الزوال كما أذن لهم ليلة العيد أن يتقدموا ويرموا الجمرة قبل طلوع الفجر وأما قول بعض الناس إن هذا مشقة نقول الحمد لله ما في مشقة أكثر ما تكون مشقة عند الزوال يوم اثنا عشر أخر إلى العصر إذا بقي الزحام أخر إلى المغرب إذا بقي الزحام أخر إلى العشاء لك إلى الفجر فأين المشقة قول بعض الناس ما يمكن أن يرمي مليونان من الناس في هذا المكان من الزوال إلى الغروب هذا أيضاً مغالطة لأنه من يقول إن الحجاج يبلغون مليونين هذه واحدة ثانياً إذا بلغوا مليونين هل كلهم يرمي بنفسه كثير من يوكل ثالثاً إننا نقول ليس هناك دليل على أن وقت الرمي ينتهي بالغروب بغروب الشمس لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حدد أوله ولم يحدد آخره فالواجب على المسلمين أن يتبعوا ما دلت عليه السنة ويجب أن نعلم أنه ليس كلما حلت مشقة جاز تغيير أصول العبادة وإلا لقلنا إن الإنسان إذا شق عليه صلاة الظهر في وقت الظهيرة جاز أن يصليها في أول النهار لأنه أيسر مع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر عند اشتداد الحر في صلاة الظهر أن يبردوا بالصلاة ولم يقل قدموها في أول النهار.
-----------------
صلاة الجماعة
المجيب عبدالله بن عبدالوهاب بن سردار
خطيب جامع العمودي بالمدينة النبوية
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 9/1/1425هـ
السؤال
نرجو من فضيلتكم التكرم بتوضيح حكم صلاة الجماعة بالأدلة الشرعية، وكيف الرد على من يقول إنها ليست واجبة بل هي سنة مؤكدة أو هي من قبيل فروض الكفايات؟ شكر الله لكم مع دلالتنا لبعض المراجع التي نستفيد منها في هذا الموضوع ومن أحسن من كتب فيها؟
الجواب
صلاة الجماعة واجبة، وذلك لأدلة كثيرة منها:
(1) أن الله عز وجل أمر المسلمين في حال الخوف في الحرب بصلاة الجماعة ما داموا مستطيعين فقال -تعالى-: "وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك" [النساء: 102]، فمن كان في حال السلم فهو أولى بوجوب الجماعة عليه، ولاحظ كيف أن الله أسقط عنهم جزءاًَ من الصلاة ولم يسقط عنهم صلاة الجماعة.
(2) حديث ابن أم مكتوم -رضي الله عنه- أنه قال للنبي -صلى الله عليه وسلم- إني رجل ضرير البصر شاسع الدار، ولي قائد لا يلائمني فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: هل تسمع النداء قال: نعم قال: لا أجد لك رخصة. رواه أبو داود(552)، وأحمد(15064)، والنسائي(851)، وابن ماجة(792)، وابن خزيمة، قال عنه النووي صحيح أو حسن وقال المنذري: إسناده جيد وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
فهذا النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي ما خيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً كما صح ذلك عنه فيما رواه البخاري(3560)، ومسلم(2327)، من حديث عائشة -رضي الله عنها-، فيختار هنا للأعمى أن يأتي للمسجد مع صعوبته عليه.
ثم لاحظ أنه قال: لا أجد لك رخصة، والرخصة لا تكون إلا من واجب، أما ترك سنة فلا يحتاج إلى رخصة.
ثم تأمل بعض أقوال الصحابة -رضي الله عنهم- مثل قول ابن مسعود -رضي الله عنه-: (ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم) رواه مسلم(654)، ولا يوصف بالضلال إلا من ترك واجباً أو ارتكب محرماً. وقول أبي هريرة -رضي الله عنه-: لأن يمتلئ أذنا ابن آدم رصاصاً مذاباً خير له من أن يسمع المنادي فلا يجيبه. وليس هذا محل جمع الأدلة فأحيلك على أحد الكتب التالية:
صلاة الجماعة د. سعيد بن علي القحطاني.
أهمية صلاة الجماعة د. فضل إلهي
الرد على من قال إنها سنة: (إنكم قلتم: (إن الجماعة سنة بدليل أن صلاة المنفرد صحيحة ولها فضل كما في حديث: "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" رواه البخاري(645)، ومسلم(650) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- فكيف يكون لها فضل وصاحبها آثم بترك الجماعة؟
والجواب: أن هذا ممكن فقد يقوم العبد بعبادة يترك فيها واجباً من الواجبات لكن عبادته صحيحة ولها فضل وهو آثم بترك ذلك الواجب، كالذي يحج ولا يطوف طواف الوداع.
الرد على من قال إنها فرض كفاية: لو كانت فرض كفاية لما همّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بتحريق بيوت الذين لا يشهدون الجماعة واكتفى بالذين يشهدون الجماعة معه لأن الإثم يسقط عمن لم يحضر، انظر ما رواه البخاري(644)، ومسلم(651) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- والله أعلم.
موسوعة الأسرة المسلمة معدلة - (ج 1 / ص 51)
البيت النبوي
تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بالسيدة خديجة -رضي الله عنها- وكانت تزيد عنه في العمر خمسة عشر عامًا، وعاش معها النبي صلى الله عليه وسلم حياة سعيدة هانئة، وظل الرسول صلى الله عليه وسلم يحن إليها ويحفظ عهدها بعد وفاتها إلى أن توفاه الله، فقد كانت خديجة أروع مثال للزوجة المسلمة الصالحة، حيث قدمت له خير ما تقدم زوجة لزوجها.
ومن ذلك أنه لما تفرغ النبي صلى الله عليه وسلم قبيل بعثته بسنوات للتأمل والتدبر في الكون خلال شهر رمضان من كل عام، لم تضجر السيدة
خديجة -رضي الله عنها- لبعد النبي صلى الله عليه وسلم وانقطاعه عنها، بل قابلت ذلك بالرضا والقبول، فكانت تحمل إليه الطعام والشراب في الغار.
ولما نزل عليه الوحي ولَّى مسرعًا إلى السيدة خديجة، وهو يقول: (زملوني، زملوني) والرعدة تملأ جسده، فغطته وقامت على أمره حتى ذهبت عنه الرعدة، ثم حكي لها ما حدث له، وهو يقول: لقد خشيت على نفسي، فطمأنته، وبذلت غاية جهدها للتخفيف عنه، فجمعت قواها، وقالت له: كلا، والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتقْرِي الضيف، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق. [البخاري].
وليس هذا فحسب، بل أسرعت لتخفف الأمر عنه وبحثت عن تفسيره لهذا الأمر، فعرضته على ابن عمها ورقة بن نوفل وكان راهبًا متعبدًا قد دخل دين النصارى، فقالت له: يا بن عم، اسمع من ابن أخيك، فلما حكى له، أخبره ورقة أن ذلك هو الوحي الذي نزل على موسى وعيسى من قبل، وبشره بالنبوة.
وكانت السيدة خديجة -رضي الله عنها- أول من آمن بدعوة زوجها المصطفى صلى الله عليه وسلم، كانت تخفف عنه ما يلقاه من أذى الناس، وتثبته وتمنحه الثقة، وتؤكد أن الله ناصره ومؤيده، وظلت السيدة خديجة تساند النبي صلى الله عليه وسلم وتؤازره، وتخفف عنه آلامه، وتدعم دعوته بمالها وجهدها، إلى أن توفيت قبل الهجرة بثلاثة أعوام.
ومن أعظم ما يذكر لها موقفها في سنوات الحصار الذي فرضته قريش على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، للإضرار به وبأصحابه، فإنها لازمت زوجها النبي في هذه الشدة، وكان لها القدرة على البعد عن الحصار، وقد كانت سيدة مرموقة المقام، رفيعة القدر، ولو فعلت لكان معها العذر؛ فقد بلغت من العمر عِتيًّا.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب السيدة خديجة -رضي الله عنها- حُبًّا شديدًا، وامتد حبه لها بعد وفاتها، فكان يكثر من ذكرها، ويكرم أقاربها، ويحسن إلى صديقاتها، وقد ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم يومًا عند عائشة، فأخذتها الغيرة، فقالت: هل كانت إلا عجوزًا أبدلك الله خيرًا منها. فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (لا والله ما أبدلني خيرًا منها، آمنت بي حين كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني منها الولد دون غيرها من النساء) قالت عائشة -رضي الله عنها- في نفسها: لا أذكرها بعدها أبدًا [أحمد]. وبذلك استحقت السيدة خديجة -رضي الله عنها- رضا ربها؛ كما رضي عنها رسوله صلى الله عليه وسلم، فنالت خير جزاء.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أتى جبريلُ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتتك، معها إناء فيه إدام، أو طعام، أو شراب، فإذا هي أتتك، فاقرأ عليها السلام من ربها عز وجلَّ، ومنِّي، وبشِّرها ببيت في الجنة من قصب (اللؤلؤ المجوف) لا صخب فيه ولانصب._[متفق عليه].
وذلك شأن كل زوجة مسلمة، تبتغي سعادة زوجها وتخفيف آلامه، لتُرضيه، فيرضى عنها ربها عز وجل، ومثلما كانت خديجة -رضي الله عنها- كانت كذلك جميع نسائه -رضوان الله عليهن- وكان صلى الله عليه وسلم حسن العشرة مع زوجاته ،يقابلهن جميعًا بالوُدٍّ والحب، وقورًا لا يتكلم في غير حاجته، عدلا لا يفضل زوجة على أخرى في النفقة والمعيشة، مُبَشِّرًا لامنفرًا، وما خُير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا.
وكان صلى الله عليه وسلم لا يعيب طعامًا قط، إن أحبه أكله، وإن كرهه تركه، وكان يأكل الخبز بالزيت، فإن لم يجد طعامًا، قال: إني صائم. وكان في مهنة أهله؛ يحلب الشاة، ويخصف النعل، ويرقِّع الثوب، ويقمُّ البيت (يجمع قمامته)، ويحمل بضاعته من السوق، فكان نموذجًا كاملا للمسلم مع زوجته.
وكانت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم عابدات طائعات، يتحملن معه نوائب الدهر، وتبعات الدعوة، وعاشوا عيشة الكفاف التي تسدُّ الحاجة، وتمنع الهلاك، وقد نظرن يومًا إلى فقرهن، وهن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم قائد الأمة وسيدها، فمالت نفوسهن إلى شيء من النعيم والترف، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بأمرهن قاطعهنَّ شهرًا؛ حتى أنزل الله فيهن قرآنًا.
قال تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحًا جميلاً. وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرًا عظيمًا} [الأحزاب: 28-29] . فخيرهن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن يبقين على حالتهن وجزاؤهن الجنة، أو أن يطَلِّقُهن، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة.. وهكذا، فالوقوف عند أوامر الله ونواهيه يوفر للزوجين حياة سعيدة هادئة مطمئنة، فالغاية عندئذ، هي رضا الله ورسوله.
عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 24 / ص 688)
6853 - ح ( دثنا عبدان ) أخبرنا ( عبد الله ) أخبرنا ( يونس ) عن ( الزهري ) أخبرني ( عروة ) عن ( عائشة ) رضي الله عنها قالت ما انتقم رسول الله لنفسه في شيء يؤتى إليه حتى ينتهك من حرمات الله فينتقم لله
مطابقته للترجمة من حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتقم لله إذا انتهك حرمة حد من حدود الله إما بالضرب وإما بالحبس وإما بشيء آخر يكرهه وهذا داخل في باب التعزير والتأديب
وعبدان هو لقب عبد الله بن عثمان يروي عن عبد الله بن المبارك عن يونس بن يزيد عن محمد بن مسلم الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين
والحديث أخرجه مسلم في الفضائل عن حرملة عن ابن وهب عن يونس قوله ما انتقم من الانتقام وهو المبالغة في العقوبة وقال ابن الأثير معنى الحديث ما عاقب رسول الله أحدا على مكروه أتاه من قبله يقال نقم ينقم ونقم ينقم فالأول من باب علم والثاني من باب ضرب قوله حتى ينتهك أي حتى يبالغ في خرق محارم الشرع وإتيانها والانتهاك ارتكاب المعصية وفيه حذف تقديره حتى ينتهك شيء من حرمات الله جمع حرمة كظلمة تجمع على ظلمات والحرمة ما لا يحل انتهاكه قوله فينتقم بالنصب عطف على قوله حتى ينتهك لأن أن مقدرة بعد حتى فافهم
المحلى لابن حزم - (ج 7 / ص 358)
2306 - مَسْأَلَةٌ : هَلْ يُقَالُ ذَوُو الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتُهُمْ وَكَيْفَ يَتَجَاوَزُ ، عَنْ مُسِيءِ الأَنْصَارِ ، رضي الله عنهم .
قال أبو محمد رحمه الله :حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْخَوْلاَنِيِّ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بُكَيْرٍ الْبَصْرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ , وَجَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ التِّنِّيسِيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ زَيْدٍ مِنْ وَلَدِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، عَنْ عَمْرَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إِلاَّ الْحُدُودَ.
حدثنا حمام ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ مَوْلَى الْعُمَرِيِّينَ قَالَ : سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ , قَالَتْ عَمْرَةُ : قَالَتْ عَائِشَةُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ.
حدثنا أحمد بن قاسم ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا جَدِّي ، حَدَّثَنَا مُضَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ مَالِكٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ جَرَحَ مَوْلًى لَهُ فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ ابْنُ حَزْمٍ وَهُوَ وَالِي الْمَدِينَةِ فَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ : سَمِعْت جَدَّتِي عَمْرَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم : أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ أَوْ زَلَّاتِهِمْ وَأَنْتَ ذُو هَيْئَةٍ , وَقَدْ أَقَلْتُك.
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ زَيْدٍ الْمَدِينِيُّ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَمْرَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ، حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ ، هُوَ ابْنُ نَصْرٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَمْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : تُجَاوِزُوا ، عَنْ زَلَّةِ ذِي الْهَيْئَةِ
قال أبو محمد رحمه الله :حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ كَانَ يَكُونُ جَيِّدًا لَوْلاَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ مُقَدَّرٌ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عَمْرَةَ , لأََنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إنَّمَا هُوَ ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ عَمْرَةَ
وَأَمَّا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ فَهُوَ ضَعِيفٌ لَيْسَ هُوَ بِشَيْءٍ وَلَيْسَ هُوَ أَبَا بَكْرِ بْنَ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ , ذَلِكَ عَالٍ ثِقَةٌ , وَهَذَا مُتَأَخِّرٌ وَأَحْسَنُهَا كُلُّهَا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ فَهُوَ جَيِّدٌ وَالْحُجَّةُ بِهِ قَائِمَةٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ سَمِعْت قَتَادَةَ يُحَدِّثُ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : الأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي , وَالنَّاسُ سَيَكْثُرُونَ وَيَقِلُّونَ , فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَتَجَاوَزُوا ، عَنْ مُسِيئِهِمْ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حَدَّثَنَا الْفَرَبْرِيُّ ، حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أَبُو عَلِيٍّ الصَّائِغُ ، حَدَّثَنَا شَاذَانُ أَخُو عَبْدَانَ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ : سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ مَرَّ أَبُو بَكْرٍ , وَالْعَبَّاسُ , بِمَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الأَنْصَارِ وَهُمْ يَبْكُونَ , فَقَالَ : مَا يَبْكِيكُمْ فَقَالُوا : ذَكَرْنَا مَجْلِسَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَّا , فَدَخَلَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ , قَالَ : فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ بِحَاشِيَةِ بُرْدٍ , فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ وَلَمْ يَصْعَدْهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ , ثُمَّ قَالَ : أُوصِيكُمْ بِالأَنْصَارِ فَإِنَّهُمْ كَرِشِي وَعَيْبَتِي , وَقَدْ قَضَوْا الَّذِي عَلَيْهِمْ , وَبَقِيَ الَّذِي لَهُمْ , فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَتَجَاوَزُوا ، عَنْ مُسِيئِهِمْ. وَبِهِ إلَى الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُغَلِّسِ قَالَ : سَمِعْت عِكْرِمَةَ يَقُولُ : سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ مُتَعَصِّبًا بِهَا عَلَى مَنْكِبَيْهِ وَعَلَيْهِ عِصَابَةٌ دَسْمَاءُ , حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ , فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ , ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ : أَيُّهَا النَّاسُ , فَإِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ وَتَقِلُّ الأَنْصَارُ , حَتَّى يَكُونُوا كَالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ.
فإن قال قائل : فَكَيْفَ تُجْمَعُ هَذِهِ الآثَارُ مَعَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلِيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ وَمَعَ مَا حَدَّثَكُمُوهُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حَدَّثَنَا الْفَرَبْرِيُّ ، حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدَانُ ، هُوَ ابْنُ عُثْمَانَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ ، عَنْ عَائِشَةَ , قَالَتْ : مَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتَى إلَيْهِ , حَتَّى يُنْتَهَكَ مِنْ حُرُمَاتِ اللَّهِ , فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
قال أبو محمد رحمه الله :فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : إنَّ جَمِيعَهَا كُلَّهَا حَقٌّ مُمْكِنٌ ظَاهِرٌ , وَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ إسَاءَةٍ لاَ تَبْلُغُ مُنْكَرًا وَجَبَ أَنْ يَتَجَاوَزَ فِيهَا ، عَنِ الأَنْصَارِيِّ فِي التَّعْزِيرِ , وَلَمْ يُخَفِّفْ ، عَنْ غَيْرِهِمْ , وَمَا كَانَ مِنْ حَدٍّ خَفِيفٍ أَيْضًا مِنْ الأَنْصَارِ مَا لاَ يُخَفَّفُ ، عَنْ غَيْرِهِمْ , مِثْلُ أَنْ يُجْلَدَ الأَنْصَارِيُّ فِي الْخَمْرِ بِطَرَفِ الثَّوْبِ , وَغَيْرِهِ بِالْيَدِ , أَوْ بِالْجَرِيدِ , وَالنِّعَالِ , وَيُقَالُ ذُو الْهَيْئَةِ وَهُوَ الَّذِي لَهُ هَيْئَةُ عِلْمٍ وَشَرَفٍ عَثْرَةٌ فِي جَفَا , وَنَحْوِ ذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ حَدًّا أَوْ مُنْكَرًا , فَلاَ بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ , وَالتَّعْزِيرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.(1/132)
266-7922 أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً لَهُ قَطُّ ، وَلَا جَلَدَ خَادِمًا لَهُ قَطُّ ، وَلَا ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ إِلَّا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، أَوْ تُنْتَهَكُ مَحَارِمُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ "(1)
267-7923 أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ ، وَوَكِيعٌ قَالَا : حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ خَادِمًا لَهُ قَطُّ ، وَلَا امْرَأَةً ، وَلَا ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ ، زَادَ عَبْدَةُ إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " (2)
__________
(1) - صحيح
(2) - مسلم برقم (6195)
شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 39)
فِيهِ أَنَّ ضَرْبَ الزَّوْجَة وَالْخَادِم وَالدَّابَّة وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لِلْأَدَبِ فَتَرْكُهُ أَفْضَلُ
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - (ج 16 / ص 486)
قال العسقلاني المعنى ما انتقم لحاجة نفسه فلا يرد أمره بقتل عقبة بن أبي معيط وعبد الله بن خطل وغيرهما ممن كان يؤذي رسول الله لأنهم كانوا مع ذلك ينتهكون حرمات الله وقيل ذلك في غير السب الذي يفضي إلى الكفر وقيل يختص ذلك بالمال وأما العرض فقد اقتص ممن نال منه متفق عليه ورواه أبو داود وعنها أي عن عائشة رضي الله عنها قالت ما ضرب رسول الله شيئا أي آدميا لأنه ربما ضرب مركوبه قط بيده ولا امرأة ولا خادما خصا بالذكر اهتماما بشأنهما ولكثرة وقوع ضرب هذين والاحتياج إليه وضربهما وإن جاز بشرطه فالأولى تركه قالوا بخلاف الولد فإن الأولى تأديبه ويوجه بأن ضربه لمصلحة تعود إليه فلم يندب العفو بخلاف ضرب هذين فإنه لحظ النفس غالبا فندب العفو عنهما مخالفة لهواها وكظما لغيظها إلا أن يجاهد في سبيل الله فإنه قتل أبي بن خلف بأحد ثم ليس المراد به الغزو مع الكفار فقط بل يدخل فيه الحدود والتعازير وغير ذلك وما نيل بكسر النون مجهول نال يقال نال منه نيلا إذا أصاب وفي الحديث إن رجلا كان ينال من الصحابة أي يقع فيهم ويصيب منهم فالمعنى ما أصيب منه شيء قط فينتقم من صاحبه أي من صاحب ذلك الشيء إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله رواه مسلم وروى الترمذي الفصل الأول بلفظ ما ضرب رسول الله بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله ولا ضرب خادما ولا امرأة والفصل الثاني بلفظ ما رأيت رسول الله منتصرا من مظلمة ظلمها قط ما لم ينتهك من محارم الله تعالى شيء فإذا انتهك من محارم الله تعالى شيء كان من أشدهم في ذلك غضبا
دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين - (ج 5 / ص 113)
2644 ـ (وعنها قالت: ما ضرب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيئاً) من الحيوانات ولا من غيرها (قط) أي في شيء من الأزمنة التي كان فيها وهي ماضية حال الأخبار عنه وقوله (ولا امرأة ولا خادماً) من عطف الخاص علة العام، وصرح بهما لأنه يعتاد ضربهما وإذا لم يضربهما مع جريان العادة فغيرهما ممن لم يعتد ضربه أولى (إلا أن يجاهد في سبيل الله) استثناء من أعم الأحوال: أي في حال من الأحوال إلا في حال الجهاد لإعلاء كلمة الله تعالى (وما نيل) بالبناء للمجهول (منه شيء) أي ما نال أحد منه شيئاً كما وقع من شج الكفار لرأسه في أحد وإسقاط رباعيته وغير ذلك مما وقع من جهالاتهم وإضراراتهم به في بدنه الشريف وغير ذلك (قط فينتقم) بالنصب في جواب النفي (من صاحبه) أي صاحب الذنب لنفسه، كان يعفو ويصفح ويزيد بالإحسان، كما ورد أنه قيل له يوم أحد: ادع اللّه عليهم فقال «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» فعفا عن حقه وصفح وزاد إحساناً بالدعاء لهم بغفر ذلك الذنب المتعلق بحقه، إذ لو سأل لهم مطلق لغفران لأجيبت دعوته وآمنوا حالاً واعتذر عنهم (إلا أن ينتهك شيء من محارم اللّه) يحتمل كون الاستثناء متصلاً: أي إلا ما نيل منه بأن كان فيه انتهاك المحارم كالطعن بارتكاب المحارم (فينتقم) حينئذ من ذلك الطاعن (لـ) حق (اللّه تعالى) لا لحق نفسه، وعدم انتقامه ممن قال في قسمته: هذه ما أريد بها وجه اللّه تعالى تأليفاً للقوم على الإسلام كما قال «لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه» ويحتمل أن يكون الاستثناء منقطعاً وهو الأقرب، أي لكن إذا انتهكت حرمات اللّه تعالى انتقم من منتهكها كائناً ما كان (رواه مسلم).
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 2 / ص 195)
سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ حُسْنِ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِخَلْقِ الْخَلْقِ وَإِنْشَاءِ الْأَنَامِ وَهَلْ يَخْلُقُ لِعِلَّةِ أَوْ لِغَيْرِ عِلَّةٍ ؟ فَإِنْ قِيلَ لَا لِعِلَّةِ فَهُوَ عَبَثٌ - تَعَالَى اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنْ قِيلَ لِعِلَّةِ فَإِنْ قُلْتُمْ إنَّهَا لَمْ تَزَلْ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْلُولُ لَمْ يَزَلْ وَإِنْ قُلْتُمْ إنَّهَا مُحْدَثَةٌ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ لَهَا عِلَّةٌ وَالتَّسَلْسُلُ مُحَالٌ .
الْجَوَابُ
وَالنَّاسُ فِي الشَّرْعِ وَالْقَدَرِ عَلَى " أَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ " فَشَرُّ الْخَلْقِ مَنْ يَحْتَجُّ بِالْقَدَرِ لِنَفْسِهِ وَلَا يَرَاهُ حُجَّةً لِغَيْرِهِ يَسْتَنِدُ إلَيْهِ فِي الذُّنُوبِ والمعائب وَلَا يَطْمَئِنُّ إلَيْهِ فِي الْمَصَائِبِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : أَنْتَ عِنْدَ الطَّاعَةِ قَدَرِيٌّ وَعِنْدَ الْمَعْصِيَةِ جَبْرِيٌّ أَيُّ مَذْهَبٍ وَافَقَ هَوَاك تَمَذْهَبْت بِهِ . وَبِإِزَاءِ هَؤُلَاءِ خَيْرُ الْخَلْقِ الَّذِينَ يَصْبِرُونَ عَلَى الْمَصَائِبِ وَيَسْتَغْفِرُونَ مِنْ المعائب كَمَا قَالَ تَعَالَى : { فَاصْبِرْ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ } وَقَالَ تَعَالَى : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } { لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ } وَقَالَ تَعَالَى { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ . قَالَ تَعَالَى { وَالَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } . وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ لَمَّا فَعَلَ مَا فَعَلَ قَالَ { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } وَعَنْ إبْلِيسَ أَنَّهُ قَالَ { بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } فَمَنْ تَابَ أَشْبَهَ أَبَاهُ آدَمَ وَمَنْ أَصَرَّ وَاحْتَجَّ بِالْقَدَرِ أَشْبَهَ إبْلِيسَ . وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي احْتِجَاجِ آدَمَ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ لَمَّا قَالَ لَهُ مُوسَى . { أَنْتَ آدَمَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَك اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيك مِنْ رُوحِهِ وَعَلَّمَك أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ لِمَاذَا أَخْرَجْتنَا وَنَفْسَك مِنْ الْجَنَّةِ ؟ فَقَالَ لَهُ آدَمَ : أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاك اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ وَخَطَّ لَك التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ فَبِكَمْ وَجَدْت مَكْتُوبًا عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ { وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى } قَالَ : بِكَذَا وَكَذَا سَنَةً قَالَ فَحَجَّ آدَمَ مُوسَى } . وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ رُوِيَ بِإِسْنَادِ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . فَآدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّمَا حَجَّ مُوسَى لِأَنَّ مُوسَى لَامَهُ عَلَى مَا فَعَلَ لِأَجْلِ مَا حَصَلَ لَهُمْ مِنْ الْمُصِيبَةِ بِسَبَبِ أَكْلِهِ مِنْ الشَّجَرَةِ لَمْ يَكُنْ لَوْمُهُ لَهُ لِأَجْلِ حَقِّ اللَّهِ فِي الذَّنْبِ . فَإِنَّ آدَمَ كَانَ قَدْ تَابَ مِنْ الذَّنْبِ كَمَا قَالَ تَعَالَى { فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ } وَقَالَ تَعَالَى { ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى } وَمُوسَى - وَمَنْ هُوَ دُونَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ يَعْلَمُ أَنَّهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَالْمَغْفِرَةِ لَا يَبْقَى مَلَامٌ عَلَى الذَّنْبِ وَآدَمُ أَعْلَمُ بِاَللَّهِ مِنْ أَنْ يَحْتَجَّ بِالْقَدَرِ عَلَى الذَّنْبِ وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَعْلَمُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَنْ يَقْبَلَ هَذِهِ الْحُجَّةَ فَإِنَّ هَذِهِ لَوْ كَانَتْ حُجَّةً عَلَى الذَّنْبِ لَكَانَتْ حُجَّةً لإبليس عَدُوِّ آدَمَ وَحُجَّةً لِفِرْعَوْنَ عَدُوِّ مُوسَى وَحُجَّةً لِكُلِّ كَافِرٍ وَفَاجِرٍ وَبَطَلَ أَمْرُ اللَّهِ وَنَهْيُهُ ؛ بَلْ إنَّمَا كَانَ الْقَدَرُ حُجَّةً لِآدَمَ عَلَى مُوسَى لِأَنَّهُ لَامَ غَيْرَهُ لِأَجْلِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي حَصَلَتْ لَهُ بِفِعْلِ ذَلِكَ وَتِلْكَ الْمُصِيبَةُ كَانَتْ مَكْتُوبَةً عَلَيْهِ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } . وَقَالَ أَنَسٌ : { خَدَمْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي : أُفٍّ قَطُّ وَلَا قَالَ لِشَيْءِ فَعَلْته : لِمَ فَعَلْته ؟ وَلَا لِشَيْءِ لَمْ أَفْعَلْهُ : لِمَ لَا فَعَلْته ؟ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِهِ إذَا عَاتَبَنِي عَلَى شَيْءٍ يَقُولُ دَعُوهُ فَلَوْ قُضِيَ شَيْءٌ لَكَانَ } وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ { مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ خَادِمًا وَلَا امْرَأَةً وَلَا دَابَّةً وَلَا شَيْئًا قَطُّ إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَانْتَقَمَ لِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ مَحَارِمُ اللَّهِ فَإِذَا اُنْتُهِكَتْ مَحَارِمُ اللَّهِ لَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَقِمَ لِلَّهِ } . وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْت يَدَهَا } . فَفِي أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ يُسَارِعُ إلَى الطَّاعَةِ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ عَلَى مَنْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ وَلَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ وَإِذَا آذَاهُ مُؤْذٍ أَوْ قَصَّرَ مُقَصِّرٌ فِي حَقِّهِ عَفَا عَنْهُ وَلَمْ يُؤَاخِذْهُ نَظَرًا إلَى الْقَدَرِ . فَهَذَا سَبِيلُ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا . وَهَذَا وَاجِبٌ فِيمَا قُدِّرَ مِنْ الْمَصَائِبِ بِغَيْرِ فِعْلِ آدَمِيٍّ كَالْمَصَائِبِ السَّمَاوِيَّةِ أَوْ بِفِعْلِ لَا سَبِيلَ فِيهِ إلَى الْعُقُوبَةِ كَفِعْلِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى لَوْمِهِ شَرْعًا - لِأَجْلِ التَّوْبَةِ - وَلَا قَدَرًا ؛ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ . وَأَمَّا إذَا ظَلَمَ رَجُلٌ رَجُلًا فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مَظْلِمَتَهُ عَلَى وَجْهِ الْعَدْلِ وَإِنْ عَفَا عَنْهُ كَانَ أَفْضَلَ لَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى { وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ } . وَأَمَّا " الصِّنْفُ الثَّالِثُ " فَهُمْ الَّذِينَ لَا يَنْظُرُونَ إلَى الْقَدَرِ لَا فِي المعائب وَلَا فِي الْمَصَائِبِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ بَلْ يُضِيفُونَ ذَلِكَ كُلَّهُ إلَى الْعَبْدِ وَإِذَا أَسَاءُوا اسْتَغْفَرُوا وَهَذَا حَسَنٌ ؛ لَكِنْ إذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِفِعْلِ الْعَبْدِ لَمْ يَنْظُرُوا إلَى الْقَدَرِ الَّذِي مَضَى بِهِ عَلَيْهِمْ وَلَا يَقُولُونَ لِمَنْ قَصَّرَ فِي حَقِّهِمْ دَعُوهُ فَلَوْ قُضِيَ شَيْءٌ لَكَانَ لَا سِيَّمَا وَقَدْ تَكُونُ تِلْكَ الْمُصِيبَةُ بِسَبَبِ ذُنُوبِهِمْ فَلَا يَنْظُرُونَ إلَيْهَا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ } وَقَالَ تَعَالَى { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } وَقَالَ تَعَالَى { وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ } . وَمِنْ هَذَا قَوْله تَعَالَى { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا } { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } . فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَنَازَعَ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ مُثْبِتِي الْقَدَرِ ونفاته : هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ الْأَفْعَالُ كُلُّهَا مِنْ اللَّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } . وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : الْحَسَنَةُ مِنْ اللَّهِ وَالسَّيِّئَةُ مِنْ نَفْسِك لِقَوْلِهِ { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } . وَقَدْ يُجِيبُهُمْ الْأَوَّلُونَ بِقِرَاءَةِ مَكْذُوبَةٍ { فَمِنْ نَفْسِكَ } بِالْفَتْحِ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ وَرُبَّمَا قَدَّرَ بَعْضُهُمْ تَقْدِيرًا : أَيْ أَفَمِنْ نَفْسِك ؟ وَرُبَّمَا قَدَّرَ بَعْضُهُمْ الْقَوْلَ فِي قَوْله تَعَالَى { مَا أَصَابَكَ } فَيَقُولُونَ : تَقْدِيرُ الْآيَةِ { فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا } يَقُولُونَ فَيُحَرِّفُونَ لَفْظَ الْقُرْآنِ وَمَعْنَاهُ وَيَجْعَلُونَ مَا هُوَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ - قَوْلَ الصِّدْقِ - مِنْ قَوْلِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ أَنْكَرَ اللَّهُ قَوْلَهُمْ وَيُضْمِرُونَ فِي الْقُرْآنِ مَا لَا دَلِيلَ عَلَى ثُبُوتِهِ بَلْ سِيَاقُ الْكَلَامِ يَنْفِيهِ ؛ فَكُلٌّ مِنْ هَاتَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ جَاهِلَةٌ بِمَعْنَى الْقُرْآنِ وَبِحَقِيقَةِ الْمَذْهَبِ الَّذِي تَنْصُرُهُ . وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ النِّعَمُ وَالْمَصَائِبُ ؛ لَيْسَ الْمُرَادُ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِيَ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا } وَكَقَوْلِهِ : { إنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ } { قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا } الْآيَةَ . وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى { وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } أَيْ بِالنِّعَمِ وَالْمَصَائِبِ . وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إلَّا مِثْلَهَا } وَأَمْثَالُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا الطَّاعَةُ وَالْمَعْصِيَةُ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ مَا يُبَيِّنُ الْمُرَادَ بِاللَّفْظِ فَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى إشْكَالٌ ؛ بَلْ هُوَ مُبِينٌ . وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَالَ : { مَا أَصَابَكَ } وَمَا { مِسْكٌ } وَنَحْوَ ذَلِكَ كَانَ مِنْ فِعْلِ غَيْرِك بِك كَمَا قَالَ { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } وَكَمَا قَالَ تَعَالَى { إنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ } وَقَالَ تَعَالَى { وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } . وَإِذَا قَالَ { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ } كَانَتْ مِنْ فِعْلِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْجَائِي بِهَا فَهَذَا يَكُونُ فِيمَا فَعَلَهُ الْعَبْدُ لَا فِيمَا فُعِلَ بِهِ . وَسِيَاقُ الْآيَةِ يُبَيِّنُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ ذَكَرَ هَذَا فِي سِيَاقِ الْحَضِّ عَلَى الْجِهَادِ وَذَمِّ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْهُ فَقَالَ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا } { وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا } { وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا } . فَأَمَرَ سُبْحَانَهُ بِالْجِهَادِ وَذَمَّ الْمُثَبِّطِينَ وَذَكَرَ مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنِينَ تَارَةً مِنْ الْمُصِيبَةِ فِيهِ وَتَارَةً مِنْ فَضْلِ اللَّهِ فِيهِ كَمَا أَصَابَهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ مُصِيبَةٌ فَقَالَ : { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ } . وَأَصَابَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَضْلٌ مِنْ اللَّهِ بِنَصْرِهِ لَهُمْ وَتَأْيِيدِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ } ثُمَّ إنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ : { فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } { وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِين مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ } - إلَى قَوْلِهِ - { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ } فَهَذَا مِنْ كَلَامِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ إذَا أَصَابَهُمْ نَصْرٌ وَغَيْرُهُ مِنْ النِّعَمِ قَالُوا هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ أَصَابَهُمْ ذُلٌّ وَخَوْفٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَائِبِ قَالُوا : هَذَا مِنْ عِنْدِ مُحَمَّدٍ بِسَبَبِ الدِّينِ الَّذِي جَاءَ بِهِ فَإِنَّ الْكُفَّارَ يُضِيفُونَ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ الْمَصَائِبِ إلَى فِعْلِ أَهْلِ الْإِيمَانِ . وَقَدْ ذَكَرَ نَظِيرَ ذَلِكَ فِي قِصَّةِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ قَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } { فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ } . وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى فِي سُورَةِ يس { قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إنَّا إلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } { وَمَا عَلَيْنَا إلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } { قَالُوا إنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَتَطَيَّرُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ فَإِذَا أَصَابَهُمْ بَلَاءٌ جَعَلُوهُ بِسَبَبِ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَمَا أَصَابَهُمْ مِنْ الْخَيْرِ جَعَلُوهُ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ تَعَالَى { فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا } وَاَللَّهُ تَعَالَى نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ فَلَوْ فَهِمُوا الْقُرْآنَ لَعَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَاهُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ أَمَرَ بِالْخَيْرِ وَنَهَى عَنْ الشَّرِّ فَلَيْسَ فِيمَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِلشَّرِّ بَلْ الشَّرُّ حَصَلَ بِذُنُوبِ الْعِبَادِ فَقَالَ تَعَالَى { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } أَيْ مَا أَصَابَك مِنْ نَصْرٍ وَرِزْقٍ وَعَافِيَةٍ فَمِنْ اللَّهِ نِعْمَةً أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْك وَإِنْ كَانَتْ بِسَبَبِ أَعْمَالِك الصَّالِحَةِ فَهُوَ الَّذِي هَدَاك وَأَعَانَك ويسرك لِلْيُسْرَى وَمَنَّ عَلَيْك بِالْإِيمَانِ وَزَيَّنَهُ فِي قَلْبِك وَكَرَّهَ إلَيْك الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ . وَفِي آخِرِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْإِلَهِيِّ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { يَا عِبَادِي إنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ } وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ { سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُك وَأَنَا عَلَى عَهْدِك وَوَعْدِك مَا اسْتَطَعْت أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْت أَبُوءُ لَك بِنِعْمَتِك عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي ؛ فَاغْفِرْ لِي إنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ . مَنْ قَالَهَا إذَا أَصْبَحَ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ قَالَهَا إذَا أَمْسَى مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ } . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى { وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ } مِنْ ذُلٍّ وَخَوْفٍ وَهَزِيمَةٍ كَمَا أَصَابَهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ { فَمِنْ نَفْسِكَ } أَيْ بِذُنُوبِك وَخَطَايَاك وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَكْتُوبًا مُقَدَّرًا عَلَيْك فَإِنَّ الْقَدَرَ لَيْسَ حُجَّةً لِأَحَدِ لَا عَلَى اللَّهِ وَلَا عَلَى خَلْقِهِ وَلَوْ جَازَ لِأَحَدِ أَنْ يَحْتَجَّ بِالْقَدَرِ عَلَى مَا يَفْعَلُهُ مِنْ السَّيِّئَاتِ لَمْ يُعَاقَبْ ظَالِمٌ وَلَمْ يُقَاتَلْ مُشْرِكٌ وَلَمْ يُقَمْ حَدٌّ وَلَمْ يَكُفَّ أَحَدٌ عَنْ ظُلْمِ أَحَدٍ وَهَذَا مِنْ الْفَسَادِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا الْمَعْلُومُ ضَرُورَةً فَسَادُهُ لِلْعَالَمِ بِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ الْمُطَابِقِ لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ . فَالْقَدَرُ يُؤْمِنُ بِهِ وَلَا يَحْتَجُّ بِهِ فَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِالْقَدَرِ ضَارَعَ الْمَجُوسَ وَمَنْ احْتَجَّ بِهِ ضَارَعَ الْمُشْرِكِينَ وَمَنْ أَقَرَّ بِالْأَمْرِ وَالْقَدَرِ وَطَعَنَ فِي عَدْلِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ كَانَ شَبِيهًا بإبليس فَإِنَّ اللَّهَ ذَكَرَ عَنْهُ أَنَّهُ طَعَنَ فِي حِكْمَتِهِ وَعَارَضَهُ بِرَأْيِهِ وَهَوَاهُ وَأَنَّهُ قَالَ { بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } . وَقَدْ ذَكَرَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَبَعْضِ الْمُصَنِّفِينَ فِي الْمَقَالَاتِ كالشهرستاني أَنَّهُ نَاظَرَ الْمَلَائِكَةَ فِي ذَلِكَ مُعَارِضًا لِلَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ ؛ لَكِنَّ هَذِهِ الْمُنَاظَرَةَ بَيْنَ إبْلِيسَ وَالْمَلَائِكَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشِّهْرِسْتَانِيّ فِي أَوَّلِ الْمَقَالَاتِ وَنَقَلَهَا عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَيْسَ لَهَا إسْنَادٌ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَلَوْ وَجَدْنَاهَا فِي كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمْ يَجُزْ أَنْ نُصَدِّقَهَا لِمُجَرَّدِ ذَلِكَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ { إذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ فَإِمَّا أَنْ يُحَدِّثُوكُمْ بِحَقِّ فَتُكَذِّبُونَهُ وَإِمَّا أَنْ يُحَدِّثُوكُمْ بِبَاطِلِ فَتُصَدِّقُونَهُ } . وَيُشْبِهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْمُنَاظَرَةُ مِنْ وَضْعِ بَعْضِ الْمُكَذِّبِينَ بِالْقَدَرِ إمَّا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَإِمَّا مِنْ الْمُسْلِمِينَ . والشهرستاني نَقَلَهَا مِنْ كُتُبِ الْمَقَالَاتِ وَالْمُصَنِّفُونَ فِي الْمَقَالَاتِ يَنْقُلُونَ كَثِيرًا مِنْ الْمَقَالَاتِ مِنْ كُتُبِ الْمُعْتَزِلَةِ كَمَا نَقَلَ الْأَشْعَرِيُّ وَغَيْرُهُ مَا نَقَلَهُ فِي الْمَقَالَاتِ مِنْ كُتُبِ الْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهُمْ مِنْ أَكْثَرِ الطَّوَائِفِ وَأَوَّلِهَا تَصْنِيفًا فِي هَذَا الْبَابِ وَلِهَذَا تُوجَدُ الْمَقَالَاتُ مَنْقُولَةً بِعِبَارَاتِهِمْ فَوَضَعُوا هَذِهِ الْمُنَاظَرَةَ عَلَى لِسَانِ إبْلِيسَ كَمَا رَأَيْنَا كَثِيرًا مِنْهُمْ يَضَعُ كِتَابًا أَوْ قَصِيدَةً عَلَى لِسَانِ بَعْضِ الْيَهُودِ أَوْ غَيْرِهِمْ وَمَقْصُودُهُمْ بِذَلِكَ الرَّدُّ عَلَى الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ يَقُولُونَ إنَّ حُجَّةَ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالتَّكْذِيبِ بِالْقَدَرِ ؛ كَمَا وَضَعُوا فِي مَثَالِبِ ابْنِ كُلَّابٍ أَنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الصِّفَاتِ وَعِنْدَهُمْ مَنْ أَثْبَتَ الصِّفَاتِ فَقَدْ أَشْبَهَ النَّصَارَى وَتُتَلَقَّى أَمْثَالُ هَذِهِ الْحِكَايَاتِ بِالْقَبُولِ مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ مِمَّنْ لَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَةَ أَمْرِهَا . وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ حُجَّةٌ عَلَى هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ : حُجَّةٌ عَلَى مَنْ يَحْتَجُّ بِالْقَدَرِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُ عَذَّبَهُمْ بِذُنُوبِهِمْ فَلَوْ كَانَتْ حُجَّتُهُمْ مَقْبُولَةً لَمْ يُعَذِّبْهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَحُجَّةٌ عَلَى مَنْ كَذَّبَ بِالْقَدَرِ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ أَنَّ الْحَسَنَةَ مِنْ اللَّهِ وَأَنَّ السَّيِّئَةَ مِنْ نَفْسِ الْعَبْدِ وَالْقَدَرِيَّةُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ هُوَ الْمُحْدِثُ لِلْمَعْصِيَةِ كَمَا هُوَ الْمُحْدِثُ لِلطَّاعَةِ وَاَللَّهُ عِنْدَهُمْ مَا أَحْدَثَ لَا هَذَا وَلَا هَذَا ؛ بَلْ أَمَرَ بِهَذَا وَنَهَى عَنْ هَذَا . وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ لِلَّهِ نِعْمَةٌ أَنْعَمَهَا عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الدِّينِ إلَّا وَقَدْ أَنْعَمَ بِمِثْلِهَا عَلَى الْكُفَّارِ فَعِنْدَهُمْ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَبَا لَهَبٍ مُسْتَوِيَانِ فِي نِعْمَةِ اللَّهِ الدِّينِيَّةِ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا أُرْسِلَ إلَيْهِ الرَّسُولُ وَأُقْدِرَ عَلَى الْفِعْلِ وَأُزِيحَتْ عِلَّتُهُ لَكِنَّ هَذَا فَعَلَ الْإِيمَانَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخُصَّهُ بِنِعْمَةِ آمَنَ بِهَا وَهَذَا فَعَلَ الْكُفْرَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفَضِّلَ اللَّهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْمُؤْمِنَ وَلَا خَصَّهُ بِنِعْمَةِ آمَنَ لِأَجْلِهَا وَعِنْدَهُمْ أَنَّ اللَّهَ حَبَّبَ الْإِيمَانَ إلَى الْكُفَّارِ كَأَبِي لَهَبٍ وَأَمْثَالِهِ كَمَا حَبَّبَهُ إلَى الْمُؤْمِنِينَ كَعَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمْثَالِهِ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِ الطَّائِفَتَيْنِ وَكَرَّهَ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ إلَى الطَّائِفَتَيْنِ سَوَاءٌ لَكِنَّ هَؤُلَاءِ كَرِهُوا مَا كَرَّهَهُ اللَّهُ إلَيْهِمْ بِغَيْرِ نِعْمَةٍ خَصَّهُمْ بِهَا وَهَؤُلَاءِ لَمْ يَكْرَهُوا مَا كَرَّهَهُ اللَّهُ إلَيْهِمْ . وَمَنْ تَوَهَّمَ عَنْهُمْ أَوْ مَنْ نَقَلَ عَنْهُمْ أَنَّ الطَّاعَةَ مِنْ اللَّهِ وَالْمَعْصِيَةَ مِنْ الْعَبْدِ فَهُوَ جَاهِلٌ بِمَذْهَبِهِمْ ؛ فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْقَدَرِيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَهُ فَإِنَّ أَصْلَ قَوْلِهِمْ إنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ لِلطَّاعَةِ كَفِعْلِهِ لِلْمَعْصِيَةِ كِلَاهُمَا فَعَلَهُ بِقُدْرَةِ تَحْصُلُ لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخُصَّهُ اللَّهُ بِإِرَادَةِ خَلَقَهَا فِيهِ وَلَا قُوَّةٍ جَعَلَهَا فِيهِ تَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا فَإِذَا احْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ كَانُوا جَاهِلِينَ بِمَذْهَبِهِمْ وَكَانَتْ الْآيَةُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : { قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } وَعِنْدَهُمْ لَيْسَ الْحَسَنَاتُ الْمَفْعُولَةُ وَلَا السَّيِّئَاتُ الْمَفْعُولَةُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بَلْ كِلَاهُمَا مِنْ الْعَبْدِ وقَوْله تَعَالَى { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ فَإِنَّ عِنْدَهُمْ الْحَسَنَةَ الْمَفْعُولَةَ وَالسَّيِّئَةَ الْمَفْعُولَةَ مِنْ الْعَبْدِ لَا مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ . وَكَذَلِكَ مَنْ احْتَجَّ مِنْ مُثْبِتَةِ الْقَدَرِ بِالْآيَةِ عَلَى إثْبَاتِهِ إذَا احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } كَانَ مُخْطِئًا ؛ فَإِنَّ اللَّهَ ذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ رَدًّا عَلَى مَنْ يَقُولُ الْحَسَنَةُ مِنْ اللَّهِ وَالسَّيِّئَةُ مِنْ الْعَبْدِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ طَوَائِفِ النَّاسِ ؛ أَنَّ الْحَسَنَةَ الْمَفْعُولَةَ مِنْ اللَّهِ وَالسَّيِّئَةَ الْمَفْعُولَةَ مِنْ الْعَبْدِ . وَأَيْضًا فَإِنَّ نَفْسَ فِعْلِ الْعَبْدِ وَإِنْ قَالَ أَهْلُ الْإِثْبَاتِ : أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ وَهُوَ مَخْلُوقٌ لَهُ وَمَفْعُولٌ لَهُ ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يُنْكِرُونَ أَنَّ الْعَبْدَ هُوَ الْمُتَحَرِّكُ بِالْأَفْعَالِ وَبِهِ قَامَتْ وَمِنْهُ نَشَأَتْ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ خَلَقَهَا . وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ هَذَا { مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ } يَمْتَنِعُ أَنْ يُفَسَّرَ بِالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ ؛ فَإِنَّ أَهْلَ الْإِثْبَاتِ لَا يَقُولُونَ : إنَّ اللَّهَ خَالِقُ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى ؛ بَلْ يَقُولُونَ إنَّ اللَّهَ خَالِقٌ لِجَمِيعِ الْأَفْعَالِ وَكُلِّ الْحَوَادِثِ . وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ مَذْهَبَ سَلَفِ الْأُمَّةِ - مَعَ قَوْلِهِمْ : اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبُّهُ وَمَلِيكُهُ وَأَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَلَقَ الْعَبْدَ هَلُوعًا إذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا وَنَحْوَ ذَلِكَ - إنَّ الْعَبْدَ فَاعِلٌ حَقِيقَةً وَلَهُ مَشِيئَةٌ وَقُدْرَةٌ قَالَ تَعَالَى : { لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ } { وَمَا تَشَاءُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } وَقَالَ تَعَالَى { إنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إلَى رَبِّهِ سَبِيلًا } { وَمَا تَشَاءُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ } وَقَالَ تَعَالَى : { كَلَّا إنَّهُ تَذْكِرَةٌ } { فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ } { وَمَا يَذْكُرُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ } . وَهَذَا الْمَوْضِعُ اضْطَرَبَ فِيهِ الْخَائِضُونَ فِي الْقَدَرِ فَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ وَنَحْوُهُمْ مِنْ النفاة : الْكُفْرُ وَالْفُسُوقُ وَالْعِصْيَانُ أَفْعَالٌ قَبِيحَةٌ وَاَللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ فِعْلِ الْقَبِيحِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا تَكُونُ فِعْلًا لَهُ . وَقَالَ مَنْ رَدَّ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمَائِلِينَ إلَى الْجَبْرِ بَلْ هِيَ فِعْلُهُ وَلَيْسَتْ أَفْعَالًا لِلْعِبَادِ بَلْ هِيَ كَسْبٌ لِلْعَبْدِ : وَقَالُوا : إنَّ قُدْرَةَ الْعَبْدِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي حُدُوثِ مَقْدُورِهَا وَلَا فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهَا وَإِنَّ اللَّهَ أَجْرَى الْعَادَةَ بِخَلْقِ مَقْدُورِهَا مُقَارِنًا لَهَا فَيَكُونُ الْفِعْلُ خَلْقًا مِنْ اللَّهِ إبْدَاعًا وَإِحْدَاثًا وَكَسْبًا مِنْ الْعَبْدِ لِوُقُوعِهِ مُقَارِنًا لِقُدْرَتِهِ وَقَالُوا : إنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مُحْدِثًا لِأَفْعَالِهِ وَلَا مُوجِدًا لَهَا وَمَعَ هَذَا فَقَدَ يَقُولُونَ : إنَّا لَا نَقُولُ بِالْجَبْرِ الْمَحْضِ بَلْ نُثْبِتُ لِلْعَبْدِ قُدْرَةً حَادِثَةً وَالْجَبْرِيُّ الْمَحْضُ الَّذِي لَا يُثْبِتُ لِلْعَبْدِ قُدْرَةً . وَأَخَذُوا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْكَسْبِ الَّذِي أَثْبَتُوهُ وَبَيْنَ الْخَلْقِ فَقَالُوا : الْكَسْبُ عِبَارَةٌ عَنْ اقْتِرَانِ الْمَقْدُورِ بِالْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ وَالْخَلْقُ هُوَ الْمَقْدُورُ بِالْقُدْرَةِ الْقَدِيمَةِ وَقَالُوا : أَيْضًا الْكَسْبُ هُوَ الْفِعْلُ الْقَائِمُ بِمَحَلِّ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَالْخَلْقُ هُوَ الْفِعْلُ الْخَارِجُ عَنْ مَحَلِّ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ . فَقَالَ لَهُمْ النَّاسُ : هَذَا لَا يُوجِبُ فَرْقًا بَيْنَ كَوْنِ الْعَبْدِ كَسَبَ وَبَيْنَ كَوْنِهِ فَعَلَ وَأَوْجَدَ وَأَحْدَثَ وَصَنَعَ وَعَمِلَ وَنَحْوِ ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ فِعْلَهُ وَإِحْدَاثَهُ وَعَمَلَهُ وَصُنْعَهُ هُوَ أَيْضًا مَقْدُورٌ بِالْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ وَهُوَ قَائِمٌ فِي مَحَلِّ الْقُدْرَةِ الْحَادِثَةِ . وَ ( أَيْضًا فَهَذَا فَرْقٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ فَإِنَّ كَوْنَ الْمَقْدُورِ فِي مَحَلِّ الْقُدْرَةِ أَوْ خَارِجًا عَنْ مَحَلِّهَا لَا يَعُودُ إلَى نَفْسِ تَأْثِيرِ الْقُدْرَةِ فِيهِ : وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى " أَصْلَيْنِ " إنَّ اللَّهَ لَا يَقْدِرُ عَلَى فِعْلٍ يَقُومُ بِنَفْسِهِ وَإِنَّ خَلْقَهُ لِلْعَالَمِ هُوَ نَفْسُ الْعَالَمِ وَأَكْثَرُ الْعُقَلَاءِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ . وَ ( الثَّانِي إنَّ قُدْرَةَ الْعَبْدِ لَا يَكُونُ مَقْدُورُهَا إلَّا فِي مَحَلِّ وُجُودِهَا وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ مَقْدُورِهَا خَارِجًا عَنْ مَحَلِّهَا . وَفِي ذَلِكَ نِزَاعٌ طَوِيلٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ . وَ ( أَيْضًا فَإِذَا فُسِّرَ التَّأْثِيرُ بِمُجَرَّدِ الِاقْتِرَانِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْفَارِقُ فِي الْمَحَلِّ أَوْ خَارِجًا عَنْ الْمَحَلِّ . وَ ( أَيْضًا قَالَ لَهُمْ الْمُنَازِعُونَ : مِنْ الْمُسْتَقِرِّ فِي فِطَرِ النَّاسِ أَنَّ مَنْ فَعَلَ الْعَدْلَ فَهُوَ عَادِلٌ وَمَنْ فَعَلَ الظُّلْمَ فَهُوَ ظَالِمٌ وَمَنْ فَعَلَ الْكَذِبَ فَهُوَ كَاذِبٌ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ فَاعِلًا لِكَذِبِهِ وَظُلْمِهِ وَعَدْلِهِ بَلْ اللَّهُ فَاعِلٌ ذَلِكَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُتَّصِفَ بِالْكَذِبِ وَالظُّلْمِ قَالُوا : وَهَذَا كَمَا قُلْتُمْ أَنْتُمْ وَسَائِرُ الصفاتية : مِنْ الْمُسْتَقِرِّ فِي فِطَرِ النَّاسِ أَنَّ مَنْ قَامَ بِهِ الْعِلْمُ فَهُوَ عَالِمٌ وَمَنْ قَامَتْ بِهِ الْقُدْرَةُ فَهُوَ قَادِرٌ وَمَنْ قَامَتْ بِهِ الْحَرَكَةُ فَهُوَ مُتَحَرِّكٌ وَمَنْ قَامَ بِهِ التَّكَلُّمُ فَهُوَ مُتَكَلِّمٌ وَمَنْ قَامَتْ بِهِ الْإِرَادَةُ فَهُوَ مُرِيدٌ وَقُلْتُمْ إذَا كَانَ الْكَلَامُ مَخْلُوقًا كَانَ كَلَامًا لِلْمَحَلِّ الَّذِي خَلَقَهُ فِيهِ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ الْمُطَّرِدَةُ فِيمَنْ قَامَتْ بِهِ الصِّفَاتُ نَظِيرُهَا أَيْضًا مَنْ فَعَلَ الْأَفْعَالَ . وَقَالُوا أَيْضًا : الْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ بِذِكْرِ إضَافَةِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ إلَى الْعِبَادِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } وَقَوْلِهِ : { اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ } وَقَوْلِهِ : { وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ } وَقَوْلِهِ : { إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } وَأَمْثَالِ ذَلِكَ . وَقَالُوا ( أَيْضًا إنَّ الشَّرْعَ وَالْعَقْلَ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ يُحْمَدُ وَيُذَمُّ عَلَى فِعْلِهِ وَيَكُونُ حَسَنَةً لَهُ أَوْ سَيِّئَةً فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا فِعْلُ غَيْرِهِ لَكَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ هُوَ الْمَحْمُودَ الْمَذْمُومَ عَلَيْهَا . وَفِي " الْمَسْأَلَةِ " كَلَامٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهِ لَكِنْ نُنَبِّهُ عَلَى نُكَتٍ نَافِعَةٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْمُشْكِلِ فَنَقُولُ : قَوْلُ الْقَائِلِ : هَذَا فَعَلَ هَذَا وَفَعَلَ هَذَا : لَفْظٌ فِيهِ إجْمَالٌ ؛ فَإِنَّهُ تَارَةً يُرَادُ بِالْفِعْلِ نَفْسُ الْفِعْلِ وَتَارَةً يُرَادُ بِهِ مُسَمَّى الْمَصْدَرِ . فَيَقُولُ فَعَلْت هَذَا أَفْعَلُهُ فِعْلًا وَعَمِلْت هَذَا أَعْمَلُهُ عَمَلًا فَإِذَا أُرِيدَ بِالْعَمَلِ نَفْسُ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ مُسَمَّى الْمَصْدَرِ كَصَلَاةِ الْإِنْسَانِ وَصِيَامِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَالْعَمَلُ هُنَا هُوَ الْمَعْمُولُ وَقَدْ اتَّحَدَ هُنَا مُسَمَّى الْمَصْدَرِ وَالْفِعْلِ ؛ وَإِذَا أُرِيدَ بِذَلِكَ مَا يَحْصُلُ بِعَمَلِهِ كَنِسَاجَةِ الثَّوْبِ وَبِنَاءِ الدَّارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَالْعَمَلُ هُنَا غَيْرُ الْمَعْمُولِ قَالَ تَعَالَى { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ } فَجَعَلَ هَذِهِ الْمَصْنُوعَاتِ مَعْمُولَةً لِلْجِنِّ . وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْله تَعَالَى { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } فَإِنَّهُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ { مَا } بِمَعْنَى الَّذِي وَالْمُرَادُ بِهِ مَا تَنْحِتُونَهُ مِنْ الْأَصْنَامِ كَمَا قَالَ تَعَالَى { أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ } { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } أَيْ وَاَللَّهُ خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ الْأَصْنَامَ الَّتِي تَنْحِتُونَهَا . وَمِنْهُ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ صَانِعٍ وَصَنْعَتِهِ } لَكِنْ قَدْ يُسْتَدَلُّ بِالْآيَةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَيُقَالُ : إذَا كَانَ خَالِقًا لِمَا يَعْمَلُونَهُ مِنْ الْمَنْحُوتَاتِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْخَالِقَ لِلتَّأْلِيفِ الَّذِي أَحْدَثُوهُ فِيهَا فَإِنَّهَا إنَّمَا صَارَتْ أَوْثَانًا بِذَلِكَ التَّأْلِيفِ وَإِلَّا فَهِيَ بِدُونِ ذَلِكَ لَيْسَتْ مَعْمُولَةً لَهُمْ وَإِذَا كَانَ خَالِقًا لِلتَّأْلِيفِ كَانَ خَالِقًا لِأَفْعَالِهِمْ . وَالْمَقْصُودُ أَنَّ لَفْظَ " الْفِعْلِ " وَ " الْعَمَلِ " وَ " الصُّنْعِ " أَنْوَاعٌ وَذَلِكَ كَلَفْظِ الْبِنَاءِ وَالْخِيَاطَةِ وَالنِّجَارَةِ تَقَعُ عَلَى نَفْسِ مُسَمَّى الْمَصْدَرِ وَعَلَى الْمَفْعُولِ وَكَذَلِكَ لَفْظُ " التِّلَاوَةِ " وَ " الْقِرَاءَةِ " وَ " الْكَلَامِ " وَ " الْقَوْلِ " يَقَعُ عَلَى نَفْسِ مُسَمَّى الْمَصْدَرِ وَعَلَى مَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ مِنْ نَفْسِ الْقَوْلِ وَالْكَلَامِ فَيُرَادُ بِالتِّلَاوَةِ وَالْقِرَاءَةِ نَفْسُ الْقُرْآنِ الْمَقْرُوءِ الْمَتْلُوِّ ؛ كَمَا يُرَادُ بِهَا مُسَمَّى الْمَصْدَرِ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ فِعْلُ اللَّهِ أَوْ فِعْلُ الْعَبْدِ ؛ فَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهَا فِعْلُ اللَّهِ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ فَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَبِصَرِيحِ الْعَقْلِ وَلَكِنْ مَنْ قَالَ هِيَ فِعْلُ اللَّهِ وَأَرَادَ بِهِ أَنَّهَا مَفْعُولَةٌ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ كَسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ [ فَهَذَا حَقٌّ ] . ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ قَالَ إنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ فِعْلٌ يَقُومُ بِهِ فَلَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَمَفْعُولِهِ وَخَلْقِهِ وَمَخْلُوقِهِ . وَأَمَّا الْجُمْهُورُ الَّذِينَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا فَيَقُولُونَ هَذِهِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ مَفْعُولَةٌ لِلَّهِ لَيْسَتْ هِيَ نَفْسَ فِعْلِهِ وَأَمَّا الْعَبْدُ فَهِيَ فِعْلُهُ الْقَائِمُ بِهِ وَهِيَ أَيْضًا مَفْعُولَةٌ لَهُ إذَا أُرِيدَ بِالْفِعْلِ الْمَفْعُولُ ؛ فَمَنْ لَمْ يُفَرِّقْ فِي حَقِّ الرَّبِّ تَعَالَى بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْمَفْعُولِ إذَا قَالَ إنَّهَا فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ لِمُسَمَّى فِعْلِ اللَّهِ عِنْدَهُ مَعْنَيَانِ وَحِينَئِذٍ فَلَا تَكُونُ فِعْلًا لِلْعَبْدِ وَلَا مَفْعُولَةً لَهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَبَعْضُ هَؤُلَاءِ قَالَ هِيَ فِعْلٌ لِلرَّبِّ وَلِلْعَبْدِ فَأَثْبَتَ مَفْعُولًا بَيْنَ فَاعِلَيْنِ . وَأَكْثَرُ الْمُعْتَزِلَةِ يُوَافِقُونَ هَؤُلَاءِ عَلَى أَنَّ فِعْلَ الرَّبِّ تَعَالَى لَا يَكُونُ إلَّا بِمَعْنَى مَفْعُولِهِ مَعَ أَنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ فِي الْعَبْدِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْمَفْعُولِ ؛ فَلِهَذَا عَظُمَ النِّزَاعُ وَأَشْكَلَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ وَحَارُوا فِيهَا . وَأَمَّا مَنْ قَالَ : خَلْقُ الرَّبِّ تَعَالَى لِمَخْلُوقَاتِهِ لَيْسَ هُوَ نَفْسَ مَخْلُوقَاتِهِ قَالَ : إنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ كَسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ وَمَفْعُولَةٌ لِلرَّبِّ كَسَائِرِ الْمَفْعُولَاتِ وَلَمْ يَقُلْ : إنَّهَا نَفْسُ فِعْلِ الرَّبِّ وَخَلْقِهِ بَلْ قَالَ إنَّهَا نَفْسُ فِعْلِ الْعَبْدِ وَعَلَى هَذَا تَزُولُ الشُّبْهَةُ ؛ فَإِنَّهُ يُقَالُ الْكَذِبُ وَالظُّلْمُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْقَبَائِحِ يَتَّصِفُ بِهَا مَنْ كَانَتْ فِعْلًا لَهُ كَمَا يَفْعَلُهَا الْعَبْدُ وَتَقُومُ بِهِ وَلَا يَتَّصِفُ بِهَا مَنْ كَانَتْ مَخْلُوقَةً لَهُ إذَا كَانَ قَدْ جَعَلَهَا صِفَةً لِغَيْرِهِ كَمَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَتَّصِفُ بِمَا خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الطُّعُومِ وَالْأَلْوَانِ وَالرَّوَائِحِ وَالْأَشْكَالِ وَالْمَقَادِيرِ وَالْحَرَكَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ؛ فَإِذَا كَانَ قَدْ خَلَقَ لَوْنَ الْإِنْسَانِ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْمُتَلَوِّنَ بِهِ وَإِذَا خَلَقَ رَائِحَةً مُنْتِنَةً أَوْ طَعْمًا مُرًّا أَوْ صُورَةً قَبِيحَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَكْرُوهٌ مَذْمُومٌ مُسْتَقْبَحٌ لَمْ يَكُنْ هُوَ مُتَّصِفًا بِهَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ الْقَبِيحَةِ الْمَذْمُومَةِ الْمَكْرُوهَةِ وَالْأَفْعَالِ الْقَبِيحَةِ . وَمَعْنَى قُبْحِهَا كَوْنُهَا ضَارَّةً لِفَاعِلِهَا وَسَبَبًا لِذَمِّهِ وَعِقَابِهِ وَجَالِبَةً لِأَلَمِهِ وَعَذَابِهِ . وَهَذَا أَمْرٌ يَعُودُ عَلَى الْفَاعِلِ الَّذِي قَامَتْ بِهِ ؛ لَا عَلَى الْخَالِقِ الَّذِي خَلَقَهَا فِعْلًا لِغَيْرِهِ . ثُمَّ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَهُ حِكْمَةٌ فِيمَا خَلَقَهُ فِي الْعَالَمِ مِمَّا هُوَ مُسْتَقْبَحٌ وَضَارٌّ وَمُؤْذٍ يَقُولُونَ : لَهُ فِيمَا خَلَقَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَفْعَالِ الْقَبِيحَةِ الضَّارَّةِ لِفَاعِلِهَا حِكْمَةٌ عَظِيمَةٌ ؛ كَمَا لَهُ حِكْمَةٌ عَظِيمَةٌ فِيمَا خَلَقَهُ مِنْ الْأَمْرَاضِ وَالْغُمُومِ . وَمَنْ يَقُولُ : لَا تُعَلَّلُ أَفْعَالُهُ لَا يُعَلَّلُ لَا هَذَا وَلَا هَذَا . يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا خَلَقَ فِي الْإِنْسَانِ عَمًى وَمَرَضًا وَجُوعًا وَعَطَشًا وَوَصَبًا وَنَصَبًا وَنَحْوَ ذَلِكَ كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الْمَرِيضَ الْجَائِعَ الْعَطْشَانَ الْمُتَأَلِّمَ فَضَرَرُ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْأَذَى وَالْكَرَاهَةِ عَادَ إلَيْهِ وَلَا يَعُودُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ مَا خَلَقَ فِيهِ مِنْ كَذِبٍ وَظُلْمٍ وَكُفْرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ هِيَ أُمُورٌ ضَارَّةٌ مَكْرُوهَةٌ مُؤْذِيَةٌ . وَهَذَا مَعْنَى كَوْنِهَا سَيِّئَاتٍ وَقَبَائِحَ أَيْ أَنَّهَا تَسُوءُ صَاحِبَهَا وَتَضُرُّهُ وَقَدْ تَسُوءُ أَيْضًا غَيْرَهُ وَتَضُرُّهُ كَمَا أَنَّ مَرَضَهُ وَنَتَنَ رِيحِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ قَدْ يَسُوءُ غَيْرَهُ وَيَضُرُّهُ . يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَدَرِيَّةَ سَلَّمُوا أَنَّ اللَّهَ قَدْ يَخْلُقُ فِي الْعَبْدِ كُفْرًا وَفُسُوقًا عَلَى سَبِيلِ الْجَزَاءِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } وَقَوْلِهِ { فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا } وَقَوْلِهِ { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } . ثُمَّ إنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ تَكُونُ فِعْلًا لِلْعَبْدِ وَكَسْبًا لَهُ يُجْزَى عَلَيْهَا وَيَسْتَحِقُّ الذَّمَّ عَلَيْهَا وَالْعِقَابَ وَهِيَ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَالْقَوْلُ عِنْدَ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ فِيمَا يَخْلُقُهُ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ ابْتِدَاءً كَالْقَوْلِ فِيمَا يَخْلُقُهُ جَزَاءً مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ افْتَرَقَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُمْ لَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا بِفَرْقِ يَعُودُ إلَى كَوْنِ هَذَا فِعْلًا لِلَّهِ دُونَ هَذَا وَهَذَا فِعْلًا لِلْعَبْدِ دُونَ هَذَا ؛ وَلَكِنْ يَقُولُونَ إنَّ هَذَا يَحْسُنُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِكَوْنِهِ جَزَاءً لِلْعَبْدِ وَذَلِكَ لَا يَحْسُنُ مِنْهُ لِكَوْنِهِ ابْتِدَاءً لِلْعَبْدِ بِمَا يَضُرُّهُ وَهُمْ يَقُولُونَ لَا يَحْسُنُ مِنْهُ أَنْ يَضُرَّ الْحَيَوَانَ إلَّا بِجُرْمِ سَابِقٍ أَوْ عِوَضٍ لَاحِقٍ . وَأَمَّا أَهْلُ الْإِثْبَاتِ لِلْقَدَرِ فَمَنْ لَمْ يُعَلِّلْ مِنْهُمْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مَخْلُوقٍ وَمَخْلُوقٍ . وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِالْحِكْمَةِ وَهُمْ الْجُمْهُورُ فَيَقُولُونَ : لِلَّهِ تَعَالَى فِيمَا يَخْلُقُهُ مِنْ أَذَى الْحَيَوَانِ حِكَمٌ عَظِيمَةٌ كَمَا لَهُ حِكَمٌ فِي غَيْرِ هَذَا وَنَحْنُ لَا نَحْصُرُ حِكْمَتَهُ فِي الثَّوَابِ وَالْعِوَضِ فَإِنَّ هَذَا قِيَاسٌ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى الْوَاحِدِ مِنْ النَّاسِ وَتَمْثِيلٌ لِحِكْمَةِ اللَّهِ وَعَدْلِهِ بِحِكْمَةِ الْوَاحِدِ مِنْ النَّاسِ وَعَدْلِهِ . وَ " الْمُعْتَزِلَةُ " مُشَبِّهَةٌ فِي الْأَفْعَالِ مُعَطِّلَةٌ فِي الصِّفَاتِ وَمِنْ أُصُولِهِمْ الْفَاسِدَةِ أَنَّهُمْ يَصِفُونَ اللَّهَ بِمَا يَخْلُقُهُ فِي الْعَالَمِ إذْ لَيْسَ عِنْدَهُمْ صِفَةٌ لِلَّهِ قَائِمَةٌ بِهِ وَلَا فِعْلٌ قَائِمٌ بِهِ فَيُسَمُّونَهُ بِهِ وَيَصِفُونَهُ بِمَا يَخْلُقُهُ فِي الْعَالَمِ : مِثْلُ قَوْلِهِمْ : هُوَ مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامِ يَخْلُقُهُ فِي غَيْرِهِ وَمُرِيدٌ بِإِرَادَةِ يُحْدِثُهَا لَا فِي مَحَلٍّ وَقَوْلُهُمْ : أَنَّ رِضَاهُ وَغَضَبَهُ وَحُبَّهُ وَبُغْضَهُ هُوَ نَفْسُ الْمَخْلُوقِ الَّذِي يَخْلُقُهُ مِنْ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَقَوْلُهُمْ : إنَّهُ لَوْ كَانَ خَالِقًا لَظَلَمَ الْعَبْدَ وَكَذَّبَهُ لَكَانَ هُوَ الظَّالِمَ الْكَاذِبَ . وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنْ الْأَقْوَالِ الَّتِي إذَا تَدَبَّرَهَا الْعَاقِلُ عَلِمَ فَسَادَهَا بِالضَّرُورَةِ . وَلِهَذَا اشْتَدَّ نَكِيرُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ عَلَيْهِمْ لَا سِيَّمَا لَمَّا أَظْهَرُوا الْقَوْلَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ وَعَلِمَ السَّلَفُ أَنَّ هَذَا فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ إنْكَارٌ لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَلَامُهُ هُوَ مَا يَخْلُقُهُ لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ كَلَامٍ مَخْلُوقٍ كَلَامًا لَهُ فَيَكُونُ إنْطَاقُهُ لِلْجُلُودِ يَوْمَ الْقِيَامَة وَإِنْطَاقُهُ لِلْجِبَالِ وَالْحَصَى بِالتَّسْبِيحِ وَشَهَادَةُ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ وَنَحْوُ ذَلِكَ كَلَامًا لَهُ وَإِذَا كَانَ خَالِقًا لِكُلِّ شَيْءٍ كَانَ كُلُّ كَلَامٍ مَوْجُودٍ كَلَامَهُ وَهَذَا قَوْلُ الْحُلُولِيَّةِ مِنْ الجهمية كَصَاحِبِ الْفُصُوصِ وَأَمْثَالِهِ وَلِهَذَا يَقُولُونَ : وَكُلُّ كَلَامٍ فِي الْوُجُودِ كَلَامُهُ سَوَاءٌ عَلَيْنَا نَثْرُهُ وَنِظَامُهُ وَقَدْ عُلِمَ بِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا خَلَقَ صِفَةً فِي مَحَلٍّ كَانَتْ صِفَةً لِذَلِكَ الْمَحَلِّ فَإِذَا خَلَقَ حَرَكَةً فِي مَحَلٍّ كَانَ ذَلِكَ الْمَحَلُّ هُوَ الْمُتَحَرِّكُ بِهَا ؛ وَإِذَا خَلَقَ لَوْنًا أَوْ رِيحًا فِي جِسْمٍ كَانَ هُوَ الْمُتَلَوِّنَ الْمُتَرَوِّحَ بِذَلِكَ وَإِذَا خَلَقَ عِلْمًا أَوْ قُدْرَةً أَوْ حَيَاةً فِي مَحَلٍّ كَانَ ذَلِكَ الْمَحَلُّ هُوَ الْعَالِمَ الْقَادِرَ الْحَيَّ فَكَذَلِكَ إذَا خَلَقَ إرَادَةً وَحُبًّا وَبُغْضًا فِي مَحَلٍّ كَانَ هُوَ الْمُرِيدَ الْمُحِبَّ الْمُبْغِضَ وَإِذَا خَلَقَ فِعْلًا لِعَبْدِ كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الْفَاعِلَ فَإِذَا خَلَقَ لَهُ كَذِبًا وَظُلْمًا وَكُفْرًا كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الْكَاذِبَ الظَّالِمَ الْكَافِرَ وَإِنْ خَلَقَ لَهُ صَلَاةً وَصَوْمًا وَحَجًّا كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الْمُصَلِّي الصَّائِمَ الْحَاجَّ . وَاَللَّهُ تَعَالَى لَا يُوصَفُ بِشَيْءِ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ بَلْ صِفَاتُهُ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ وَهَذَا مُطَّرِدٌ عَلَى أُصُولِ السَّلَفِ وَجُمْهُورِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَيَقُولُونَ إنَّ خَلْقَ اللَّهِ لِلسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَيْسَ هُوَ نَفْسَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ؛ بَلْ الْخَلْقُ غَيْرُ الْمَخْلُوقِ لَا سِيَّمَا مَذْهَبُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ الَّذِينَ وَافَقُوهُمْ عَلَى إثْبَاتِ صِفَاتِ اللَّهِ وَأَفْعَالِهِ . فَإِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ الجهمية وَالْقَدَرِيَّةِ نَقَضُوا هَذَا الْأَصْلَ عَلَى مَنْ لَمْ يَقُلْ إنَّ الْخَلْقَ غَيْرُ الْمَخْلُوقِ كَالْأَشْعَرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ فَقَالُوا ؛ إذَا قُلْتُمْ إنَّ الصِّفَةَ إذَا قَامَتْ بِمَحَلِّ عَادَ حُكْمُهَا عَلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ دُونَ غَيْرِهِ - كَمَا ذَكَرْتُمْ فِي الْحَرَكَةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَسَائِرِ الْأَعْرَاضِ - انْتَقَضَ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يُسَمَّى عَادِلًا بِعَدْلِ خَلْقِهِ فِي غَيْرِهِ مُحْسِنًا بِإِحْسَانِ خَلْقِهِ فِي غَيْرِهِ فَكَذَا يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا بِكَلَامِ خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ . وَالْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِمْ يُجِيبُونَ بِالْتِزَامِ هَذَا الْأَصْلِ وَيَقُولُونَ إنَّمَا كَانَ عَادِلًا بِالْعَدْلِ الَّذِي قَامَ بِنَفْسِهِ وَمُحْسِنًا بِالْإِحْسَانِ الَّذِي قَامَ بِنَفْسِهِ . وَأَمَّا الْمَخْلُوقُ الَّذِي حَصَلَ لِلْعَبْدِ فَهُوَ أَثَرُ ذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ رَحْمَنٌ رَحِيمٌ بِالرَّحْمَةِ الَّتِي هِيَ صِفَتُهُ وَأَمَّا مَا يَخْلُقُهُ مِنْ الرَّحْمَةِ فَهُوَ أَثَرُ تِلْكَ الرَّحْمَةِ وَاسْمُ الصِّفَةِ يَقَعُ تَارَةً عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي هِيَ مُسَمَّى الْمَصْدَرِ وَيَقَعُ تَارَةً عَلَى مُتَعَلِّقِهَا الَّذِي هُوَ مُسَمَّى الْمَفْعُولِ كَلَفْظِ " الْخَلْقِ " يَقَعُ تَارَةً عَلَى الْفِعْلِ وَعَلَى الْمَخْلُوقِ أُخْرَى وَالرَّحْمَةُ تَقَعُ عَلَى هَذَا وَهَذَا وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ يَقَعُ عَلَى أَمْرِهِ الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ أَمَرَ يَأْمُرُ أَمْرًا وَيَقَعُ عَلَى الْمَفْعُولِ تَارَةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى { وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا } وَكَذَلِكَ لَفْظُ " الْعِلْمِ " يَقَعُ عَلَى الْمَعْلُومِ وَ " الْقُدْرَةِ " تَقَعُ عَلَى الْمَقْدُورِ وَنَظَائِرُ هَذَا مُتَعَدِّدَةٌ . وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ فِي جُمْلَةِ مَا اسْتَدَلُّوا عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ } وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقَالُوا الِاسْتِعَاذَةُ لَا تَحْصُلُ بِالْمَخْلُوقِ وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِك وَبِك مِنْك } . وَمَنْ تَدَبَّرَ هَذَا الْبَابَ وَنَحْوَهُ وَجَدَ أَهْلَ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ لَا يَسْتَطِيلُونَ عَلَى فَرِيقٍ مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى السُّنَّةِ وَالْهُدَى إلَّا بِمَا دَخَلُوا فِيهِ مِنْ نَوْعِ بِدْعَةٍ أُخْرَى وَضَلَالٍ آخَرَ لَا سِيَّمَا إذَا وَافَقُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَيَحْتَجُّونَ عَلَيْهِمْ بِمَا وَافَقُوهُمْ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَيَطْلُبُونَ لَوَازِمَهُ حَتَّى يُخْرِجُوهُمْ مِنْ الدِّينِ إنْ اسْتَطَاعُوا خُرُوجَ الشَّعْرَةِ مِنْ الْعَجِينِ كَمَا فَعَلَتْ الْقَرَامِطَةُ الْبَاطِنِيَّةُ وَالْفَلَاسِفَةُ وَأَمْثَالُهُمْ بِفَرِيقِ مِنْ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ . وَ " الْمُعْتَزِلَةُ " اسْتَطَالُوا عَلَى " الْأَشْعَرِيَّةِ " وَنَحْوِهِمْ مِنْ الْمُثْبِتِينَ لِلصِّفَاتِ وَالْقَدَرِ بِمَا وَافَقُوهُمْ عَلَيْهِ مِنْ نَفْيِ الْأَفْعَالِ الْقَائِمَةِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَنَقَضُوا بِذَلِكَ أَصْلَهُمْ الَّذِي اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَيْهِمْ فِي أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَأَنَّ الْكَلَامَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْأُمُورِ إذَا خُلِقَ بِمَحَلِّ عَادَ حُكْمُهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ . وَاسْتَطَالُوا عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ فِي " مَسْأَلَةِ الْقَدَرِ " وَاضْطَرُّوهُمْ إلَى أَنْ جَعَلُوا نَفْسَ مَا يَفْعَلُهُ الْعَبْدُ مِنْ الْقَبِيحِ فِعْلًا لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ دُونَ الْعَبْدِ ثُمَّ أَثْبَتُوا كَسْبًا لَا حَقِيقَةَ لَهُ ؛ فَإِنَّهُ لَا يُعْقَلُ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُ الْقُدْرَةِ بِالْمَقْدُورِ فَرْقٌ بَيْنَ الْكَسْبِ وَالْفِعْلِ ؛ وَلِهَذَا صَارَ النَّاسُ يَسْخَرُونَ بِمَنْ قَالَ هَذَا وَيَقُولُونَ : ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ لَا حَقِيقَةَ لَهَا : طَفْرَةُ النِّظَامِ وَأَحْوَالُ أَبِي هَاشِمٍ وَكَسْبُ الْأَشْعَرِيِّ . وَاضْطَرُّوهُمْ إلَى أَنْ فَسَّرُوا تَأْثِيرَ الْقُدْرَةِ فِي الْمَقْدُورِ بِمُجَرَّدِ الِاقْتِرَانِ الْعَادِيِّ وَالِاقْتِرَانُ الْعَادِيُّ يَقَعُ بَيْنَ كُلِّ مَلْزُومٍ وَلَازِمِهِ وَيَقَعُ بَيْنَ الْمَقْدُورِ وَالْقُدْرَةِ فَلَيْسَ جَعْلُ هَذَا مُؤَثِّرًا فِي هَذَا بِأَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ وَيَقَعُ بَيْنَ الْمَعْلُولِ وَعِلَّتِهِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْهُ مَعَ أَنَّ قُدْرَةَ الْعِبَادِ عِنْدَهُ لَا تَتَجَاوَزُ مَحَلَّهَا . وَلِهَذَا فَرَّ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إلَى قَوْلٍ وَأَبُو إسْحَاقَ الإسفراييني إلَى قَوْلٍ وَأَبُو الْمَعَالِي الجويني إلَى قَوْلٍ ؛ لَمَّا رَأَوْا مَا فِي هَذَا الْقَوْلِ مِنْ التَّنَاقُضِ . وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعِهِ وَالْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ . وَمِنْ النُّكَتِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ لَفْظَ " التَّأْثِيرِ " وَلَفْظَ " الْجَبْرِ " وَلَفْظَ " الرِّزْقِ " وَنَحْوَ ذَلِكَ أَلْفَاظُ جُمْلَةٍ فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ : هَلْ قُدْرَةُ الْعَبْدِ مُؤَثِّرَةٌ فِي مَقْدُورِهَا أَمْ لَا ؟ قِيلَ لَهُ أَوَّلًا : لَفْظُ الْقُدْرَةِ يَتَنَاوَلُ نَوْعَيْنِ : ( أَحَدُهُمَا الْقُدْرَةُ الشَّرْعِيَّةُ الْمُصَحِّحَةُ لِلْفِعْلِ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ . ( وَالثَّانِي الْقُدْرَةُ الْقَدَرِيَّةُ الْمُوجِبَةُ لِلْفِعْلِ الَّتِي هِيَ مُقَارِنَةٌ لِلْمَقْدُورِ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهَا . فَالْأَوْلَى هِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْله تَعَالَى { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } فَإِنَّ هَذِهِ الِاسْتِطَاعَةَ لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُقَارِنَةَ لِلْفِعْلِ لَمْ يَجِبْ حِجُّ الْبَيْتِ إلَّا عَلَى مَنْ حَجَّ فَلَا يَكُونُ مَنْ لَمْ يَحْجُجْ عَاصِيًا بِتَرْكِ الْحَجِّ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ زَادٌ وَرَاحِلَةٌ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْحَجِّ أَوْ لَمْ يَكُنْ . وَكَذَلِكَ { قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ } وَكَذَا قَوْله تَعَالَى { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } لَوْ أَرَادَ اسْتِطَاعَةً لَا تَكُونُ إلَّا مَعَ الْفِعْلِ لَكَانَ قَدْ قَالَ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا تَفْعَلُونَ فَلَا يَكُونُ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا عَاصِيًا لَهُ وَهَذِهِ الِاسْتِطَاعَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَلِسَانِ الْعُمُومِ .
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 2 / ص 226)
( فَصْلٌ ) : فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ آدَمَ حَجَّ مُوسَى لَمَّا قَصَدَ مُوسَى أَنْ يَلُومَ مَنْ كَانَ سَبَبًا فِي مُصِيبَتِهِمْ وَبِهَذَا جَاءَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } وَقَالَ تَعَالَى : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } . وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمَصَائِبُ السمائية وَالْمَصَائِبُ الَّتِي تَحْصُلُ بِأَفْعَالِ الْآدَمِيِّينَ قَالَ تَعَالَى : { وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا } . { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا } وَقَالَ فِي سُورَةِ الطُّورِ بَعْدَ قَوْلِهِ : { فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ } { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ } { قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ } - إلَى قَوْلِهِ - { أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ } - إلَى قَوْلِهِ - { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ } { أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ } { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ ( ن ) : { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ } { أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ } { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ } . وَقَدْ قِيلَ فِي مَعْنَاهُ : اصْبِرْ لِمَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَيْك وَقِيلَ اصْبِرْ عَلَى أَذَاهُمْ لِقَضَاءِ رَبِّك الَّذِي هُوَ آتٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ، وَحُكْمُ اللَّهِ نَوْعَانِ : خَلْقٌ وَأَمْرٌ . ( فَالْأَوَّلُ ) : مَا يُقَدِّرُهُ مِنْ الْمَصَائِبِ . وَ ( الثَّانِي ) مَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ وَالْعَبْدُ مَأْمُورٌ بِالصَّبْرِ عَلَى هَذَا وَعَلَى هَذَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَصْبِرَ لِمَا أُمِرَ بِهِ وَلِمَا نُهَى عَنْهُ فَيَفْعَلُ الْمَأْمُورَ وَيَتْرُكُ الْمَحْظُورَ وَعَلَيْهِ أَنْ يَصْبِرَ لِمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ . وَبَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ يَقُولُ : هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ وَهَذَا يُتَوَجَّهُ إنْ كَانَ فِي الْآيَةِ النَّهْيُ عَنْ الْقِتَالِ فَيَكُونُ هَذَا النَّهْيُ مَنْسُوخًا لَيْسَ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الصَّبْرِ مَنْسُوخَةً كَيْفَ وَالْآيَةُ لَمْ تَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ هُنَا لَا بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ بَلْ الصَّبْرُ وَاجِبٌ لِحُكْمِ اللَّهِ مَا زَالَ وَاجِبًا وَإِذَا أُمِرَ بِالْجِهَادِ فَعَلَيْهِ " أَيْضًا " : أَنْ يَصْبِرَ لِحُكْمِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يُبْتَلَى مِنْ قِتَالِهِمْ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ كَمَا اُبْتُلِيَ بِهِ يَوْمَ أُحُدٍ وَالْخَنْدَقِ وَعَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَنْ يَصْبِرَ وَيَفْعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ الْجِهَادِ . وَ " الْمَقْصُودُ هُنَا " قَوْلُهُ : { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } فَإِنَّ مَا فَعَلُوهُ مِنْ الْأَذَى هُوَ مِمَّا حُكِمَ بِهِ عَلَيْك قَدَرًا فَاصْبِرْ لِحُكْمِهِ وَإِنْ كَانُوا ظَالِمِينَ فِي ذَلِكَ وَهَذَا الصَّبْرُ أَعْظَمُ مِنْ الصَّبْرِ عَلَى مَا جَرَى وَفُعِلَ بِالْأَنْبِيَاءِ وَقَوْلُهُ : { فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ } وَقَالَ : { وَذَا النُّونِ إذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ } وَسَوَاءٌ كَانَ مُغَاضِبًا لِقَوْمِهِ أَوْ لِرَبِّهِ فَكَانَتْ مُغَاضَبَتُهُ مِنْ أَمْرٍ قُدِّرَ عَلَيْهِ وَبِصَبْرِهِ صَبَرَ لِحُكْمِ رَبِّهِ الَّذِي قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا تَأَذَّى مِنْ تَكْذِيبِ النَّاسِ لَهُ . وَقَالَتْ الرُّسُلُ لِقَوْمِهِمْ : { وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ } وَقَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ لَمَّا قَالَ فِرْعَوْنُ : { سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } { قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } وَقَالَ : { فَاصْبِرْ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ } . وَقَالَ تَعَالَى : { وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } { الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } فَهَؤُلَاءِ ظُلِمُوا فَصَبَرُوا عَلَى ظُلْمِ الظَّالِمِ لَهُمْ وَسَبَبُ نُزُولِهَا الْمُهَاجِرُونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهِيَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ اتَّصَفَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ . وَأَصْلُ " الْمُهَاجِرِ " مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَكُلُّ مَنْ هَجَرَ السُّوءَ فَظَلَمَهُ النَّاسُ عَلَى تَرْكِ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ حَتَّى أَخْرَجُوهُ - لَا هَجَرَ بَعْضَ أُمُورٍ فِي الدُّنْيَا - فَصَبَرَ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ يُبَوِّئُهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ، كَيُوسُفَ الصِّدِّيقِ فَإِنَّهُ هَجَرَ الْفَاحِشَةَ حَتَّى أَلْجَأَهُ ذَلِكَ هَجْرَ مَنْزِلِهِ . وَاللُّبْثَ فِي السِّجْنِ بَعْدَ مَا ظُلِمَ فَمَكَّنَهُ اللَّهُ حَتَّى تَبَوَّأَ مِنْ الْأَرْضِ حَيْثُ يَشَاءُ . وَقَالَ الَّذِينَ لَقُوا الْكُفَّارَ : { رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا } وَقَالَ : { إنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ } { الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } وَقَالَ : { كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } فَهَذَا كُلُّهُ صَبْرٌ عَلَى مَا قُدِّرَ مِنْ أَفْعَالِ الْخَلْقِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ مَدَحَ فِي كِتَابِهِ الصَّبَّارَ الشَّكُورَ . قَالَ تَعَالَى : { إنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، فَالصَّبْرُ وَالشُّكْرُ عَلَى مَا يُقَدِّرُهُ الرَّبُّ عَلَى عَبْدِهِ مِنْ السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ : مِنْ النِّعَمِ وَالْمَصَائِبِ : مِنْ الْحَسَنَاتِ الَّتِي يَبْلُوهُ بِهَا وَالسَّيِّئَاتِ ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَلَقَّى الْمَصَائِبَ بِالصَّبْرِ وَالنِّعَمَ بِالشُّكْرِ وَمِنْ النِّعَمِ مَا يُيَسِّرُهُ لَهُ مِنْ أَفْعَالِ الْخَيْرِ وَمِنْهَا مَا هِيَ خَارِجَةٌ عَنْ أَفْعَالِهِ فَيَشْهَدُ الْقَدَرَ عِنْدَ فِعْلِهِ لِلطَّاعَاتِ وَعِنْدَ إنْعَامِ اللَّهِ عَلَيْهِ فَيَشْكُرُهُ وَيَشْهَدُهُ عِنْدَ الْمَصَائِبِ فَيَصْبِرُ وَأَمَّا عِنْدَ ذُنُوبِهِ فَيَكُونُ مُسْتَغْفِرًا تَائِبًا كَمَا قَالَ : { فَاصْبِرْ إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ } . وَأَمَّا مَنْ عَكَسَ هَذَا فَشَهِدَ الْقَدَرَ عِنْدَ ذُنُوبِهِ وَشَهِدَ فِعْلَهُ عِنْدَ الْحَسَنَاتِ فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُجْرِمِينَ وَمَنْ شَهِدَ فِعْلَهُ فِيهِمَا فَهُوَ قَدَرِيٌّ وَمَنْ شَهِدَ الْقَدَرَ فِيهِمَا وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِالذَّنْبِ وَيَسْتَغْفِرْهُ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْمُشْرِكِينَ . وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ : أَبُوءُ لَك بِنِعْمَتِك عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي . كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْإِلَهِيِّ : { يَا عِبَادِي إنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ } . وَكَانَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّبِعًا مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ الصَّبْرِ عَلَى أَذَى الْخَلْقِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ خَادِمًا لَهُ وَلَا دَابَّةً وَلَا شَيْئًا قَطُّ ؛ إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَانْتَقَمَ لِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ مَحَارِمُ اللَّهِ فَإِذَا اُنْتُهِكَتْ مَحَارِمُ اللَّهِ لَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَقِمَ لِلَّهِ } . { وَقَالَ أَنَسٌ : خَدَمْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِشَيْءِ فَعَلْته : لِمَ فَعَلْته ؟ وَلَا لِشَيْءِ لَمْ أَفْعَلْهُ : لِمَ لَا فَعَلْته ؟ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِهِ إذَا عَتَبَنِي عَلَى شَيْءٍ يَقُولُ : دَعُوهُ دَعُوهُ فَلَوْ قُضِيَ شَيْءٌ لَكَانَ } . وَفِي السُّنَنِ { عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَ بَعْضِ مَنْ آذَاهُ : فَقَالَ : دَعْنَا مِنْك فَقَدْ أُوذِيَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ } . فَكَانَ يَصْبِرُ عَلَى أَذَى النَّاسِ لَهُ مِنْ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَأَذَى بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { إنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ } . وَكَانَ يَذْكُرُ : أَنَّ هَذَا مُقَدَّرٌ . وَالْمُؤْمِنُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَصْبِرَ عَلَى الْمَقْدُورِ وَلِذَلِكَ قَالَ : { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا } فَالتَّقْوَى فِعْلُ الْمَأْمُورِ وَتَرْكُ الْمَحْظُورِ وَالصَّبْرُ عَلَى أَذَاهُمْ ثُمَّ إنَّهُ حَيْثُ أَبَاحَ الْمُعَاقَبَةَ قَالَ : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ } { وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ } . فَأَخْبَرَ أَنَّ صَبْرَهُ بِاَللَّهِ فَاَللَّهُ هُوَ الَّذِي يُعِينُهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ الصَّبْرَ عَلَى الْمَكَارِهِ بِتَرْكِ الِانْتِقَامِ مِنْ الظَّالِمِ ثَقِيلٌ عَلَى الْأَنْفُسِ لَكِنَّ صَبْرَهُ بِاَللَّهِ كَمَا أَمَرَهُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ فِي قَوْلِهِ : { وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ } . لَكِنْ هُنَاكَ ذَكَرَهُ فِي الْجُمْلَةِ الطَّلَبِيَّةِ الْأَمْرِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ أَنْ يَصْبِرَ لِلَّهِ لَا لِغَيْرِهِ وَهُنَا ذَكَرَهُ فِي الْخَبَرِيَّةِ فَقَالَ : { وَمَا صَبْرُكَ إلَّا بِاللَّهِ } فَإِنَّ الصَّبْرَ وَسَائِرَ الْحَوَادِثِ لَا تَقَعُ إلَّا بِاَللَّهِ ثُمَّ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ وَقَدْ لَا يَكُونُ فَمَا لَا يَكُونُ بِاَللَّهِ لَا يَكُونُ وَمَا لَا يَكُونُ لِلَّهِ لَا يَنْفَعُ وَلَا يَدُومُ . وَلَا يُقَالُ : وَاصْبِرْ بِاَللَّهِ فَإِنَّ الصَّبْرَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاَللَّهِ لَكِنْ يُقَالُ : اسْتَعِينُوا بِاَللَّهِ وَاصْبِرُوا فَنَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ عَلَى الصَّبْرِ . وَكَمَا أَنَّ الْإِنْسَانَ مَأْمُورٌ بِشُهُودِ الْقَدَرِ وَتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ عِنْدَ الْمَصَائِبِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ عِنْدَمَا يُنْعِمُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ فِعْلِ الطَّاعَاتِ فَيَشْهَدُ قَبْلَ فِعْلِهَا حَاجَتَهُ وَفَقْرَهُ إلَى إعَانَةِ اللَّهِ لَهُ وَتَحَقُّقِ قَوْلِهِ : { إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } . وَيَدْعُو بِالْأَدْعِيَةِ الَّتِي فِيهَا طَلَبُ إعَانَةِ اللَّهِ لَهُ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَاتِ كَقَوْلِهِ : { أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك } وَقَوْلِهِ : { يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِك وَيَا مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ اصْرِفْ قَلْبِي إلَى طَاعَتِك وَطَاعَةِ رَسُولِك } وَقَوْلِهِ : { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ } وَقَوْلِهِ : { رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا } وَمِثْلِ قَوْلِهِ : { اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وَاكْفِنِي شَرَّ نَفْسِي } . وَرَأْسُ هَذِهِ الْأَدْعِيَةِ وَأَفْضَلُهَا قَوْلُهُ : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } . فَهَذَا الدُّعَاءُ أَفْضَلُ الْأَدْعِيَةِ وَأَوْجَبُهَا عَلَى الْخَلْقِ فَإِنَّهُ يَجْمَعُ صَلَاحَ الْعَبْدِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَذَلِكَ الدُّعَاءُ " بِالتَّوْبَةِ " فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ الدُّعَاءَ بِأَنْ يُلْهِمَ الْعَبْدَ التَّوْبَةَ وَكَذَلِكَ دُعَاءُ " الِاسْتِخَارَةِ " فَإِنَّهُ طَلَبُ تَعْلِيمِ الْعَبْدِ مَا لَمْ يَعْلَمْهُ وَتَيْسِيرِهِ لَهُ وَكَذَلِكَ الدُّعَاءُ الَّذِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ . وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ : { اللَّهُمَّ رَبِّ جبرائيل وميكائيل وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِك فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِك إنَّك تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } . وَكَذَلِكَ الدُّعَاءُ الَّذِي فِيهِ : { اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِك مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعْصِيَتِك وَمِنْ طَاعَتِك مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَك وَمِنْ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مَصَائِبَ الدُّنْيَا } وَكَذَلِكَ الدُّعَاءُ بِالْيَقِينِ وَالْعَافِيَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي قَلْبِي وَنِيَّتِي وَمِثْلُ قَوْلِ الْخَلِيلِ وَإِسْمَاعِيلَ : { وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ } . وَهَذِهِ أَدْعِيَةٌ كَثِيرَةٌ تَتَضَمَّنُ افْتِقَارَ الْعَبْدِ إلَى اللَّهِ فِي أَنْ يُعْطِيَهُ الْإِيمَانَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ فَهَذَا افْتِقَارٌ وَاسْتِعَانَةٌ بِاَللَّهِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَطْلُوبِ فَإِذَا حَصَلَ بِدُعَاءِ أَوْ بِغَيْرِ دُعَاءٍ شَهِدَ إنْعَامَ اللَّهِ فِيهِ وَكَانَ فِي مَقَامِ الشُّكْرِ وَالْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ وَأَنَّ هَذَا حَصَلَ بِفَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ لَا بِحَوْلِ الْعَبْدِ وَقُوَّتِهِ . فَشُهُودُ الْقَدَرِ فِي الطَّاعَاتِ مِنْ أَنْفَعِ الْأُمُورِ لِلْعَبْدِ وَغَيْبَتُهُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ أَضَرِّ الْأُمُورِ بِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَدَرِيًّا مُنْكِرًا لِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدَرِيَّ الِاعْتِقَادِ كَانَ قَدَرِيَّ الْحَالِ وَذَلِكَ يُورِثُ الْعَجَبَ وَالْكِبْرَ وَدَعْوَى الْقُوَّةِ وَالْمِنَّةِ بِعَمَلِهِ وَاعْتِقَادِ اسْتِحْقَاقِ الْجَزَاءِ عَلَى اللَّهِ بِهِ فَيَكُونُ مَنْ يَشْهَدُ الْعُبُودِيَّةَ مَعَ الذُّنُوبِ وَالِاعْتِرَافِ بِهَا - لَا مَعَ الِاحْتِجَاجِ بِالْقَدَرِ - عَلَيْهَا خَيْرًا مِنْ هَذَا الَّذِي يَشْهَدُ الطَّاعَةَ مِنْهُ لَا مِنْ إحْسَانِ اللَّهِ إلَيْهِ وَيَكُونُ أُولَئِكَ الْمُذْنِبُونَ بِمَا مَعَهُمْ مِنْ الْإِيمَانِ أَفْضَلَ مِنْ طَاعَةٍ بِدُونِ هَذَا الْإِيمَانِ . وَأَمَّا مَنْ أَذْنَبَ وَشَهِدَ أَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ أَصْلًا لِكَوْنِ اللَّهِ هُوَ الْفَاعِلَ وَعِنْدَ الطَّاعَةِ يَشْهَدُ أَنَّهُ الْفَاعِلُ فَهَذَا شَرُّ الْخَلْقِ وَأَمَّا الَّذِي يَشْهَدُ نَفْسَهُ فَاعِلًا لِلْأَمْرَيْنِ وَاَلَّذِي يَشْهَدُ رَبَّهُ فَاعِلًا لِلْأَمْرَيْنِ وَلَا يَرَى لَهُ ذَنْبًا فَهَذَا أَسْوَأُ عَاقِبَةً مِنْ الْقَدَرِيِّ وَالْقَدَرِيُّ أَسْوَأُ بِدَايَةً مِنْهُ كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ . وَالنَّاسُ فِي هَذَا الْمَقَامِ " أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ " مَنْ يَغْضَبُ لِرَبِّهِ لَا لِنَفْسِهِ وَعَكْسِهِ وَمَنْ يَغْضَبُ لَهُمَا وَمَنْ لَا يَغْضَبُ لَهُمَا كَمَا أَنَّهُمْ فِي شُهُودِ الْقَدَرِ " أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ " : مَنْ يَشْهَدُ الْحَسَنَةَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ وَالسَّيِّئَةَ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ . وَعَكْسُهُ وَمَنْ يَشْهَدُ الثِّنْتَيْنِ مِنْ فِعْلِ رَبِّهِ وَمَنْ يَشْهَدُ الثِّنْتَيْنِ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ . فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الْأَرْبَعَةُ فِي شُهُودِ الرُّبُوبِيَّةِ نَظِيرُ تِلْكَ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ فِي شُهُودِ الْإِلَهِيَّةِ فَهَذَا تَقْسِيمُ الْعِبَادِ فِيمَا لِلَّهِ وَلَهُمْ وَذَاكَ تَقْسِيمُهُمْ فِيمَا هُوَ بِاَللَّهِ وَبِهِمْ وَالْقِسْمُ الْمَحْضُ أَنْ يَعْمَلَ لِلَّهِ بِاَللَّهِ فَلَا يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ وَلَا بِنَفْسِهِ . وَالْمَقْصُودُ هُنَا : تَقْسِيمُهُمْ فِيمَا لِلَّهِ . فَأَعْلَاهُمْ حَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ اتَّبَعَهُ : أَنْ يَصْبِرُوا عَلَى أَذَى النَّاسِ لَهُمْ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ وَيُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُعَاقِبُونَ وَيَغْضَبُونَ وَيَنْتَقِمُونَ لِلَّهِ لَا لِنُفُوسِهِمْ يُعَاقِبُونَ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِعُقُوبَةِ ذَلِكَ الشَّخْصِ وَيَجِبُ الِانْتِقَامُ مِنْهُ كَمَا فِي جِهَادِ الْكُفَّارِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَأَدْنَاهُمْ عَكْسُ هَؤُلَاءِ يَغْضَبُونَ وَيَنْتَقِمُونَ وَيُعَاقِبُونَ لِنُفُوسِهِمْ لَا لِرَبِّهِمْ فَإِذَا أُوذِيَ أَحَدُهُمْ أَوْ خُولِفَ هَوَاهُ غَضِبَ وَانْتَقَمَ وَعَاقَبَ وَلَوْ اُنْتُهِكَتْ مَحَارِمُ اللَّهِ أَوْ ضُيِّعَتْ حُقُوقُهُ لَمْ يَهُمَّهُ ذَلِكَ وَهَذَا حَالُ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ . وَبَيْنَ هَذَيْنِ وَهَذَيْنِ قِسْمَانِ " قِسْمٌ " يَغْضَبُونَ لِرَبِّهِمْ وَلِنُفُوسِهِمْ . وَ " قِسْمٌ " يَمِيلُونَ إلَى الْعَفْوِ فِي حَقِّ اللَّهِ وَحُقُوقِهِمْ فَمُوسَى فِي غَضَبِهِ عَلَى قَوْمِهِ لَمَّا عَبَدُوا الْعِجْلَ كَانَ غَضَبُهُ لِلَّهِ وَقَدْ مَثَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ بِإِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى وَنُوحٍ وَمُوسَى فَقَالَ : { إنَّ اللَّهَ يُلِينُ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ حَتَّى تَكُونَ أَلْيَنَ مِنْ اللَّبَنِ وَيُشَدِّدُ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ حَتَّى تَكُونَ أَشَدَّ مِنْ الْحَجَرِ وَمَثَلُك يَا أَبَا بَكْرٍ كَمَثَلِ إبْرَاهِيمَ وَعِيسَى وَمَثَلُك يَا عُمَرُ كَمَثَلِ نُوحٍ وَمُوسَى } . وَأَمَّا عَفْوُ الْإِنْسَانِ عَنْ حُقُوقِهِ فَهَذَا أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ الِاقْتِصَاصُ جَائِزًا وَكَذَلِكَ غَضَبُهُ لِنَفْسِهِ تَرْكُهُ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ الِاقْتِصَاصُ جَائِزًا وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ بَابِ الْمَصَائِبِ الْحَاصِلَةِ بِقَدَرِ اللَّهِ وَلَمْ يَبْقَ فِيهَا مُذْنِبٌ يُعَاقَبُ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا الصَّبْرُ وَالتَّسْلِيمُ لِلْقَدَرِ . وَقِصَّةُ آدَمَ وَمُوسَى كانت مِنْ هَذَا الْبَابِ ؛ فَإِنَّ مُوسَى لَامَهُ لِأَجْلِ مَا أَصَابَهُ وَالذُّرِّيَّةَ وَآدَمُ كَانَ قَدْ تَابَ مِنْ الذَّنْبِ وَغُفِرَ لَهُ وَالْمُصِيبَةُ كَانَتْ مُقَدَّرَةً فَحَجَّ آدَمَ مُوسَى . وَهَكَذَا قَدْ يُصِيبُ النَّاسُ مَصَائِبَ بِفِعْلِ أَقْوَامٍ مُذْنِبِينَ تَابُوا مِثْلَ كَافِرٍ يَقْتُلُ مُسْلِمًا ثُمَّ يُسْلِمُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَوْ يَكُونُ مُتَأَوِّلًا لِبِدْعَةِ ثُمَّ يَتُوبُ مِنْ الْبِدْعَةِ أَوْ يَكُونُ مُجْتَهِدًا أَوْ مُقَلِّدًا مُخْطِئًا فَهَؤُلَاءِ إذَا أَصَابَ الْعَبْدَ أَذًى بِفِعْلِهِمْ فَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْمَصَائِبِ السَّمَاوِيَّةِ الَّتِي لَا يُطْلَبُ فِيهَا قِصَاصٌ مِنْ آدَمِيٍّ
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 2 / ص 406)
وَأَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَهُ " إبْرَاهِيمُ " كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { أَنَّ إبْرَاهِيمَ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ } " وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي خُطْبَةِ الْجُمْعَةِ : خَيْرُ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } " . وَكَذَلِكَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَخْطُبُ بِذَلِكَ يَوْمَ الْخَمِيسَ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ : " { مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَادِمًا لَهُ وَلَا امْرَأَةً وَلَا دَابَّةً وَلَا شَيْئًا قَطُّ إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا نِيلَ مِنْهُ قَطُّ شَيْءٌ فَانْتَقَمَ لِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ مَحَارِمُ اللَّهِ فَإِذَا اُنْتُهِكَتْ مَحَارِمُ اللَّهِ لَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَقِمَ لِلَّهِ } " . { وَقَالَ أَنَسٌ : خَدَمْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي : أُفٍّ قَطُّ وَمَا قَالَ لِي لِشَيْءِ فَعَلْتُهُ لِمَ فَعَلْتَهُ ؟ وَلَا لِشَيْءِ لَمْ أَفْعَلْهُ لِمَ لَا فَعَلْتَهُ ؟ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِهِ إذَا عَنَّفَنِي عَلَى شَيْءٍ قَالَ : دَعُوهُ فَلَوْ قُضِيَ شَيْءٌ لَكَانَ } " . وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ أَفْضَلُ الْخَلَائِقِ وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَهُ الْوَسِيلَةُ فِي الْمَقَامَاتِ كُلِّهَا وَلَمْ يَكُنْ حَالُهُ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ شَيْئًا وَلَا أَنَّهُ يُرِيدُ كُلَّ وَاقِعٍ كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَالُهُ أَنَّهُ يَتَّبِعُ الْهَوَى بَلْ هُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ هَذَا وَهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى } { إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى } وَقَالَ تَعَالَى : { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا } وَقَالَ : { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا } . وَالْمُرَادُ بِعَبْدِهِ عَابِدُهُ الْمُطِيعُ لِأَمْرِهِ ؛ وَإِلَّا فَجَمِيعُ الْمَخْلُوقِينَ عِبَادٌ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ مُعَبَّدُونَ مَخْلُوقُونَ مدبرون . وَقَدْ قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ : { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لِعَمَلِ الْمُؤْمِنِ أَجَلًا دُونَ الْمَوْتِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَنْ وَافَقَهُ كَابْنِ عيينة وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ : عَلَى دِينٍ عَظِيمٍ . وَ " الدِّينُ " فِعْلُ مَا أُمِرَ بِهِ . وَقَالَتْ عَائِشَةُ : { كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ } " رَوَاهُ مُسْلِمٌ . وَقَدْ أَخْبَرَتْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُعَاقِبُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ لَكِنْ يُعَاقِبُ لِلَّهِ وَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ وَكَذَلِكَ أَخْبَرَ أَنَسٌ أَنَّهُ كَانَ يَعْفُو عَنْ حُظُوظِهِ وَأَمَّا حُدُودُ اللَّهِ فَقَدْ قَالَ : " { وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْت يَدَهَا } " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ . وَهَذَا هُوَ كَمَالُ الْإِرَادَةِ ؛ فَإِنَّهُ أَرَادَ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيَرْضَاهُ مِنْ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَأَمَرَ بِذَلِكَ وَكَرِهَ مَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ كَمَا وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } . وَأَمَّا لِحَظِّ نَفْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ يُعَاقِبُ وَلَا يَنْتَقِمُ بَلْ يَسْتَوْفِي حَقَّ رَبِّهِ ، وَيَعْفُو عَنْ حَظِّ نَفْسِهِ وَفِي حَظِّ نَفْسِهِ يَنْظُرُ إلَى الْقَدَرِ . فَيَقُولُ : " { لَوْ قُضِيَ شَيْءٌ لَكَانَ } " وَفِي حَقِّ اللَّهِ يَقُومُ بِالْأَمْرِ فَيَفْعَلُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَيُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَكْمَلَ الْجِهَادِ الْمُمْكِنِ فَجَاهَدَهُمْ أَوَّلًا بِلِسَانِهِ بِالْقُرْآنِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا } { فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا } . ثُمَّ لَمَّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ وَأُذِنَ لَهُ فِي الْقِتَالِ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ . وَهَذَا مُطَابِقٌ لِمَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ مَعْرُوفٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ احْتِجَاجِ آدَمَ وَمُوسَى لَمَّا لَامَ مُوسَى آدَمَ لِكَوْنِهِ أَخْرَجَ نَفْسَهُ وَذُرِّيَّتَهُ مِنْ الْجَنَّةِ بِالذَّنْبِ الَّذِي فَعَلَهُ فَأَجَابَهُ آدَمَ بِأَنَّ هَذَا كَانَ مَكْتُوبًا عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ بِمُدَّةِ طَوِيلَةٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { فَحَجَّ آدَمَ مُوسَى } " وَذَلِكَ لِأَنَّ مَلَامَ مُوسَى لِآدَمَ لَمْ يَكُنْ لِحَقِّ اللَّهِ وَإِنَّمَا كَانَ لِمَا لَحِقَهُ وَغَيْرَهُ مِنْ الْآدَمِيِّينَ مِنْ الْمُصِيبَةِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَذَكَرَ لَهُ آدَمَ أَنَّ هَذَا كَانَ أَمْرًا مُقَدَّرًا لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ وَالْمَصَائِبُ الَّتِي تُصِيبُ الْعِبَادَ يُؤْمَرُونَ فِيهَا بِالصَّبْرِ ؛ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يَنْفَعُهُمْ . وَأَمَّا لَوْمُهُمْ لِمَنْ كَانَ سَبَبًا فِيهَا فَلَا فَائِدَةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ مَا فَاتَهُمْ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تَنْفَعُهُمْ يُؤْمَرُونَ فِي ذَلِكَ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَدَرِ وَأَمَّا التَّأَسُّفُ وَالْحُزْنُ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ فَمَا جَرَى بِهِ الْقَدَرُ مِنْ فَوْتِ مَنْفَعَةٍ لَهُمْ أَوْ حُصُولِ مَضَرَّةٍ لَهُمْ فَلْيَنْظُرُوا فِي ذَلِكَ إلَى الْقَدَرِ وَأَمَّا مَا كَانَ بِسَبَبِ أَعْمَالِهِمْ فَلْيَجْتَهِدُوا فِي التَّوْبَةِ مِنْ الْمَعَاصِي وَالْإِصْلَاحِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ . فَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ يَنْفَعُهُمْ وَهُوَ مَقْدُورٌ لَهُمْ بِمَعُونَةِ اللَّهِ لَهُمْ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " { الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُك وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَلَا تَعْجِزَنَّ . وَإِنْ أَصَابَك شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ : لَوْ أَنِّي فَعَلْت لَكَانَ كَذَا وَكَذَا ؛ وَلَكِنْ قُلْ : قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ } " أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِرْصِ الْعَبْدِ عَلَى مَا يَنْفَعُهُ وَالِاسْتِعَانَةِ بِاَللَّهِ وَنَهَاهُ عَنْ الْعَجْزِ وَأَنْفَعُ مَا لِلْعَبْدِ طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَهِيَ عِبَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى . وَهَذَانِ الْأَصْلَانِ هُمَا حَقِيقَةُ قَوْله تَعَالَى { إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وَنَهَاهُ عَنْ الْعَجْزِ وَهُوَ الْإِضَاعَةُ وَالتَّفْرِيطُ وَالتَّوَانِي . كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ : " { الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الْأَمَانِيَّ } " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ . وَفِي سُنَنِ أَبِي داود : " { أَنَّ رَجُلَيْنِ تَحَاكَمَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَضَى عَلَى أَحَدِهِمَا . فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ : حَسْبِي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ وَلَكِنْ عَلَيْك بِالْكَيْسِ فَإِذَا غَلَبَك أَمْرٌ فَقُلْ : حَسْبِي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } " فَالْكَيْسُ ضِدُّ الْعَجْزِ . وَفِي الْحَدِيثِ : " { كُلُّ شَيْءٍ بِقَدْرِ حَتَّى الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ } " رَوَاهُ مُسْلِمٌ . وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْعَجْزِ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُضَادُّ الْقُدْرَةَ ؛ فَإِنَّ مَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ بِحَالِ لَا يُلَامُ وَلَا يُؤْمَرُ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ بِحَالِ . ثُمَّ لَمَّا أَمَرَهُ بِالِاجْتِهَادِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِاَللَّهِ وَنَهَاهُ عَنْ الْعَجْزِ أَمَرَهُ إذَا غَلَبَهُ أَمْرٌ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْقَدَرِ ، وَيَقُولَ : قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ وَلَا يَتَحَسَّرُ وَيَتَلَهَّفُ وَيَحْزَنُ . وَيَقُولُ : لَوْ أَنِّي فَعَلْت كَذَا وَكَذَا لَكَانَ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ . وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ فِي هَذَا الْمَعْنَى : الْأَمْرُ أَمْرَانِ : أَمْرٌ فِيهِ حِيلَةٌ وَأَمْرٌ لَا حِيلَةَ فِيهِ . فَمَا فِيهِ حِيلَةٌ لَا يَعْجِزُ عَنْهُ وَمَا لَا حِيلَةَ فِيهِ لَا يَجْزَعُ مِنْهُ . وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَذْكُرُهُ أَئِمَّةُ الدِّينِ . كَمَا ذَكَرَ ( الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ وَغَيْرُهُ . فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِ الْمَأْمُورِ وَتَرْكِ الْمَحْظُورِ وَالرِّضَا وَالصَّبْرِ عَلَى الْمَقْدُورِ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ يُوسُفَ : { أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } " فَالتَّقْوَى " تَتَضَمَّنُ فِعْلَ الْمَأْمُورِ وَتَرْكَ الْمَحْظُورِ . وَ " الصَّبْرُ " يَتَضَمَّنُ الصَّبْرَ عَلَى الْمَقْدُورِ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا } - إلَى قَوْلِهِ - { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا } فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ مَعَ التَّقْوَى وَالصَّبْرِ لَا يَضُرُّ الْمُؤْمِنِينَ كَيْدُ أَعْدَائِهِمْ الْمُنَافِقِينَ . وَقَالَ تَعَالَى : { بَلَى إنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ } فَبَيَّنَ أَنَّهُ مَعَ الصَّبْرِ وَالتَّقْوَى يَمُدُّهُمْ بِالْمَلَائِكَةِ . وَيَنْصُرُهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَهُمْ . وَقَالَ تَعَالَى : { لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ أَعْدَاءَهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ، وَأَهْلِ الْكِتَابِ لَا بُدَّ أَنْ يُؤْذُوهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ إنْ يَصْبِرُوا وَيَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ . فَالصَّبْرُ وَالتَّقْوَى يَدْفَعُ شَرَّ الْعَدُوِّ الْمُظْهِرِ لِلْعَدَاوَةِ الْمُؤْذِينَ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَالْمُؤْذِينَ بِأَيْدِيهِمْ وَشَرُّ الْعَدُوِّ الْمُبْطِنُ لِلْعَدَاوَةِ . وَهُمْ الْمُنَافِقُونَ وَهَذَا الَّذِي كَانَ خُلُقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَدْيُهُ هُوَ أَكْمَلُ الْأُمُورِ .
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 3 / ص 343)
سُئِلَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ قَوْله تَعَالَى { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي } ؟ وَهَلْ الدَّعْوَةُ عَامَّةٌ تَتَعَيَّنُ فِي حَقِّ كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ دَاخِلٌ فِي هَذِهِ الدَّعْوَةِ أَمْ لَا وَإِذَا كَانَا دَاخِلَيْنِ أَوْ لَمْ يَكُونَا فَهَلْ هُمَا مِنْ الْوَاجِبَاتِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا تَقَدَّمَ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا كَانَا وَاجِبَيْنِ فَهَلْ يَجِبَانِ مُطْلَقًا مَعَ وُجُودِ الْمَشَقَّةِ بِسَبَبِهِمَا أَمْ لَا ؟ وَهَلْ لِلْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِي عَنْ الْمُنْكَرِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ الْجَانِي عَلَيْهِ إذَا آذَاهُ فِي ذَلِكَ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى طَمَعٍ مِنْهُ فِي جَانِبِ الْحَقِّ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَهَلْ تَرْكُهُ أَوْلَى مُطْلَقًا أَمْ لَا ؟ ؟ .
الْجَوَابُ
لَكِنْ لِلْآمِرِ النَّاهِي أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ مَا يَضُرُّهُ كَمَا يَدْفَعُ الْإِنْسَانُ عَنْ نَفْسِهِ الصَّائِلَ فَإِذَا أَرَادَ الْمَأْمُورُ الْمَنْهِيُّ ضَرْبَهُ أَوْ أَخْذَ مَالِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى دَفْعِهِ فَلَهُ دَفْعُهُ عَنْهُ ؛ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ الْأَذَى وَتَابَ مِنْهُ ؛ فَإِنَّ هَذَا مَقَامَ الصَّبْرِ وَالْحِلْمِ وَالْكَمَالُ فِي هَذَا الْبَابِ حَالُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ { عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ خَادِمًا لَهُ وَلَا امْرَأَةً وَلَا دَابَّةً وَلَا شَيْئًا قَطُّ إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا نِيلَ مِنْهُ فَانْتَقَمَ لِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ مَحَارِمُ اللَّهِ فَإِذَا اُنْتُهِكَتْ مَحَارِمُ اللَّهِ لَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَقِمَ لِلَّهِ } فَقَدْ تَضَمَّنَ خُلُقُهُ الْعَظِيمُ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ إذَا نِيلَ مِنْهُ وَإِذَا اُنْتُهِكَتْ مَحَارِمُ اللَّهِ لَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَقِمَ لِلَّهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَذَى الرَّسُولِ مِنْ أَعْظَمِ الْمُحَرَّمَاتِ فَإِنَّ مَنْ آذَاهُ فَقَدْ آذَى اللَّهَ وَقَتْلُ سَابِّهِ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ سَوَاءٌ قِيلَ إنَّهُ قُتِلَ لِكَوْنِهِ رِدَّةً أَوْ لِكَوْنِهِ رِدَّةً مُغَلَّظَةً أَوَجَبَتْ أَنْ صَارَ قَتْلُ السَّابِّ حَدًّا مِنْ الْحُدُودِ . وَالْمَنْقُولُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي احْتِمَالِهِ وَعَفْوِهِ عَمَّنْ كَانَ يُؤْذِيهِ كَثِيرٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ } . فَالْآمِرُ النَّاهِي إذَا أُوذِيَ وَكَانَ أَذَاهُ تَعَدِّيًا لِحُدُودِ اللَّهِ وَفِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ النَّهْيُ عَنْهُ وَصَاحِبُهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْعُقُوبَةِ ؛ لَكِنْ لَمَّا دَخَلَ فِيهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ كَانَ لَهُ الْعَفْوُ عَنْهُ كَمَا لَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ الْقَاذِفِ وَالْقَاتِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَعَفْوُهُ عَنْهُ لَا يُسْقِطُ عَنْ ذَلِكَ الْعُقُوبَةَ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ لِحَقِّ اللَّهِ ؛ لَكِنْ يُكْمِلُ لِهَذَا الْآمِرِ النَّاهِي مَقَامَ الصَّبْرِ وَالْعَفْوِ الَّذِي شَرَعَ اللَّهُ لِمِثْلِهِ حَتَّى يَدْخُلَ فِي قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } وَفِي قَوْلِهِ : { فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ } . ثُمَّ هُنَا فَرْقٌ لَطِيفٌ : أَمَّا الصَّبْرُ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ مُطْلَقًا فَلَا يُنْسَخُ . وَأَمَّا الْعَفْوُ وَالصَّفْحُ فَإِنَّهُ جُعِلَ إلَى غَايَةٍ وَهُوَ : أَنْ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ فَلَمَّا أَتَى بِأَمْرِهِ : بِتَمْكِينِ الرَّسُولِ وَنَصْرِهِ - صَارَ قَادِرًا عَلَى الْجِهَادِ لِأُولَئِكَ وَإِلْزَامِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ وَمَنْعِهِمْ عَنْ الْمُنْكَرِ - صَارَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِالْيَدِ فِي ذَلِكَ مَا كَانَ عَاجِزًا عَنْهُ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالصَّبْرِ فِي ذَلِكَ كَمَا كَانَ مَأْمُورًا بِالصَّبْرِ أَوَّلًا . وَالْجِهَادُ مَقْصُودُهُ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَأَنْ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ؛ فَمَقْصُودُهُ إقَامَةُ دِينِ اللَّهِ لَا اسْتِيفَاءُ الرَّجُلِ حَظَّهُ ؛ وَلِهَذَا كَانَ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُجَاهِدُ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ أَجْرُهُ فِيهِ عَلَى اللَّهِ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ حَتَّى إنَّ الْكُفَّارَ إذَا أَسْلَمُوا أَوْ عَاهَدُوا لَمْ يُضَمَّنُوا مَا أَتْلَفُوهُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ ؛ بَلْ لَوْ أَسْلَمُوا وَبِأَيْدِيهِمْ مَا غَنِمُوهُ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ كَانَ مِلْكًا لَهُمْ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ : كَمَالِكِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد وَهُوَ الَّذِي مَضَتْ بِهِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّةُ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ . فَالْآمِرُ النَّاهِي إذَا نِيلَ مِنْهُ وَأُوذِيَ ثُمَّ إنْ ذَلِكَ الْمَأْمُورُ الْمَنْهِيُّ تَابَ وَقَبِلَ الْحَقُّ مِنْهُ : فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ وَيُعَاقِبَهُ عَلَى أَذَاهُ فَإِنَّهُ قَدْ سَقَطَ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ حَقُّ اللَّهِ كَمَا يَسْقُطُ عَنْ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { الْإِسْلَامُ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَالتَّوْبَةُ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا } وَالْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ هَدَمَ الْإِسْلَامُ مَا كَانَ قَبْلَهُ : دَخَلَ فِي ذَلِكَ مَا اعْتَدَى بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي نُفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ حَرَامًا ؛ بَلْ كَانَ يَسْتَحِلُّهُ فَلَمَّا تَابَ مِنْ ذَلِكَ غُفِرَ لَهُ هَذَا الِاسْتِحْلَالُ وَغُفِرَتْ لَهُ تَوَابِعُهُ .
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 6 / ص 378)
وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ نَوْعَانِ : كَافِرٌ وَمُسْلِمٌ . فَالْكَافِرُ : إمَّا أَنْ يُرْجَى بِعَطِيَّتِهِ مَنْفَعَةٌ : كَإِسْلَامِهِ ؛ أَوْ دَفْعُ مَضَرَّتِهِ إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِذَلِكَ . وَالْمُسْلِمُ الْمُطَاعُ يُرْجَى . بِعَطِيَّتِهِ الْمَنْفَعَةُ أَيْضًا كَحُسْنِ إسْلَامِهِ . أَوْ إسْلَامُ نَظِيرِهِ أَوْ جِبَايَةُ الْمَالِ مِمَّنْ لَا يُعْطِيهِ إلَّا لِخَوْفِ أَوْ النِّكَايَةِ فِي الْعَدُوِّ . أَوْ كَفُّ ضَرَرِهِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ يَنْكَفَّ إلَّا بِذَلِكَ . وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْعَطَاءِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ إعْطَاءَ الرُّؤَسَاءِ وَتَرْكُ الضُّعَفَاءِ كَمَا يَفْعَلُ الْمُلُوكُ ؛ فَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ؛ فَإِذَا كَانَ الْقَصْدُ بِذَلِكَ مَصْلَحَةَ الدِّينِ وَأَهْلِهِ كَانَ مِنْ جِنْسِ عَطَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْعُلُوَّ فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادَ كَانَ مِنْ جِنْسِ عَطَاءِ فِرْعَوْنَ ؛ وَإِنَّمَا يُنْكِرُهُ ذَوُو الدِّينِ الْفَاسِدِ كَذِي الخويصرة الَّذِي أَنْكَرَهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَالَ فِيهِ مَا قَالَ وَكَذَلِكَ حِزْبُهُ الْخَوَارِجُ أَنْكَرُوا عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا قَصَدَ بِهِ الْمَصْلَحَةَ مِنْ التَّحْكِيمِ وَمَحْوِ اسْمِهِ وَمَا تَرَكَهُ مِنْ سَبْيِ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَصِبْيَانِهِمْ . وَهَؤُلَاءِ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِتَالِهِمْ ؛ لِأَنَّ مَعَهُمْ دِينًا فَاسِدًا لَا يَصْلُحُ بِهِ دُنْيَا وَلَا آخِرَةٌ كَثِيرًا مَا يَشْتَبِهُ الْوَرَعُ الْفَاسِدُ بِالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ ؛ فَإِنَّ كِلَاهُمَا فِيهِ تَرْكٌ ؛ فَيَشْتَبِهُ تَرْكُ الْفَسَادِ ؛ لِخَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِتَرْكِ مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ الْجِهَادِ وَالنَّفَقَةِ : جُبْنًا وَبُخْلًا ؛ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { شَرُّ مَا فِي الْمَرْءِ شُحٌّ هَالِعٌ وَجُبْنٌ خَالِعٌ } . قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ صَحِيحٌ . كَذَلِكَ قَدْ يَتْرُكُ الْإِنْسَانُ الْعَمَلَ ظَنًّا أَوْ إظْهَارًا أَنَّهُ وَرَعٌ ؛ وَإِنَّمَا هُوَ كِبْرٌ وَإِرَادَةٌ لِلْعُلُوِّ ؛ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ كَامِلَةٌ فَإِنَّ النِّيَّةَ لِلْعَمَلِ كَالرُّوحِ لِلْجَسَدِ ؛ وَإِلَّا فَكَلُّ وَاحِدٍ مِنْ السَّاجِدِ لِلَّهِ وَالسَّاجِدِ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ قَدْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَى الْأَرْضِ فَصُورَتُهُمَا وَاحِدَةٌ ؛ ثُمَّ هَذَا أَقْرَبُ الْخَلْقِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا أَبْعَدُ الْخَلْقِ عَنْ اللَّهِ . وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ } . وَفِي الْأَثَرِ { أَفْضَلُ الْإِيمَانِ : السَّمَاحَةُ وَالصَّبْرُ } . فَلَا تَتِمُّ رِعَايَةُ الْخَلْقِ وَسِيَاسَتُهُمْ إلَّا بِالْجُودِ الَّذِي هُوَ الْعَطَاءُ ؛ وَالنَّجْدَةُ الَّتِي هِيَ الشَّجَاعَةُ ؛ بَلْ لَا يَصْلُحُ الدِّينُ وَالدُّنْيَا إلَّا بِذَلِكَ . وَإِذَا كَانَ مَنْ لَا يَقُومُ بِهِمَا سَلَبَهُ [ اللَّهُ ] الْأَمْرَ وَنَقَلَهُ إلَى غَيْرِهِ ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إلَّا قَلِيلٌ } { إلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } وَقَالَ تَعَالَى : { هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى } فَعَلَّقَ الْأَمْرَ بِالْإِنْفَاقِ الَّذِي هُوَ السَّخَاءُ وَالْقِتَالِ الَّذِي هُوَ الشَّجَاعَةُ ؛ وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ : { وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . } وَبَيَّنَ أَنَّ الْبُخْلَ مِنْ الْكَبَائِرِ فِي قَوْله تَعَالَى { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } وَفِي قَوْلِهِ : { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } الْآيَةَ . وَكَذَلِكَ الْجُبْنُ فِي مِثْلِ قَوْله تَعَالَى { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } وَفِي قَوْله تَعَالَى { وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ } . وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهُوَ مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْأَرْضِ حَتَّى إنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي الْأَمْثَالِ الْعَامِّيَّةِ : " لَا طَعْنَةَ وَلَا جَفْنَةَ " وَيَقُولُونَ : " لَا فَارِسَ الْخَيْلِ وَلَا وَجْهَ الْعَرَبِ " . وَلَكِنْ افْتَرَقَ النَّاسُ هُنَا ثَلَاثَ فِرَقٍ : فَرِيقٌ غَلَبَ عَلَيْهِمْ حُبُّ الْعُلُوِّ فِي الْأَرْضِ وَالْفَسَادِ فَلَمْ يَنْظُرُوا فِي عَاقِبَةِ الْمَعَادِ وَرَأَوْا أَنَّ السُّلْطَانَ لَا يَقُومُ إلَّا بِعَطَاءِ وَقَدْ لَا يَتَأَتَّى الْعَطَاءُ إلَّا بِاسْتِخْرَاجِ أَمْوَالٍ مِنْ غَيْرِ حِلِّهَا ؛ فَصَارُوا نَهَّابِينَ وَهَّابِينَ . وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَوَلَّى عَلَى النَّاسِ إلَّا مَنْ يَأْكُلُ وَيُطْعِمُ فَإِنَّهُ إذَا تَوَلَّى الْعَفِيفُ الَّذِي لَا يَأْكُلُ وَلَا يُطْعِمُ سَخِطَ عَلَيْهِ الرُّؤَسَاءُ وَعَزَلُوهُ ؛ إنْ لَمْ يَضُرُّوهُ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ . وَهَؤُلَاءِ نَظَرُوا فِي عَاجِلِ دُنْيَاهُمْ وَأَهْمَلُوا الْآجِلَ مِنْ دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ فَعَاقِبَتُهُمْ عَاقِبَةٌ رَدِيئَةٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ مَا يُصْلِحُ عَاقِبَتَهُمْ مِنْ تَوْبَةٍ وَنَحْوِهَا . وَفَرِيقٌ عِنْدَهُمْ خَوْفٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَدِينٌ يَمْنَعُهُمْ عَمَّا يَعْتَقِدُونَهُ قَبِيحًا مِنْ ظُلْمِ الْخَلْقِ وَفِعْلِ الْمَحَارِمِ . فَهَذَا حَسَنٌ وَاجِبٌ ؛ وَلَكِنْ قَدْ يَعْتَقِدُونَ مَعَ ذَلِكَ : أَنَّ السِّيَاسَةَ لَا تَتِمُّ إلَّا بِمَا يَفْعَلُهُ أُولَئِكَ مِنْ الْحَرَامِ فَيَمْتَنِعُونَ عَنْهَا مُطْلَقًا ؛ وَرُبَّمَا كَانَ فِي نُفُوسِهِمْ جُبْنٌ أَوْ بُخْلٌ أَوْ ضِيقُ خُلُقٍ يَنْضَمُّ إلَى مَا مَعَهُمْ مِنْ الدِّينِ فَيَقَعُونَ أَحْيَانًا فِي تَرْكِ وَاجِبٍ يَكُونُ تَرْكُهُ أَضَرَّ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْضِ الْمُحَرَّمَاتِ أَوْ يَقَعُونَ فِي النَّهْيِ عَنْ وَاجِبٍ يَكُونُ النَّهْيُ عَنْهُ مِنْ الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ . وَقَدْ يَكُونُونَ مُتَأَوِّلِينَ . وَرُبَّمَا اعْتَقَدُوا أَنَّ إنْكَارَ ذَلِكَ وَاجِبٌ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقِتَالِ فَيُقَاتِلُونَ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فَعَلَتْ الْخَوَارِجُ وَهَؤُلَاءِ لَا تَصْلُحُ بِهِمْ الدُّنْيَا وَلَا الدِّينُ الْكَامِلُ ؛ لَكِنْ قَدْ يَصْلُحُ بِهِمْ كَثِيرٌ مِنْ أَنْوَاعِ الدِّينِ وَبَعْضُ أُمُورِ الدُّنْيَا . وَقَدْ يُعْفَى عَنْهُمْ فِيمَا اجْتَهَدُوا فِيهِ فَأَخْطَئُوا وَيُغْفَرُ لَهُمْ قُصُورُهُمْ . وَقَدْ يَكُونُونَ مِنْ الْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا . وَهَذِهِ طَرِيقَةُ مَنْ لَا يَأْخُذُ لِنَفْسِهِ وَلَا يُعْطِي غَيْرَهُ وَلَا يَرَى أَنَّهُ يَتَأَلَّفُ النَّاسَ مِنْ الْكُفَّارِ وَالْفُجَّارِ ؛ لَا بِمَالِ وَلَا بِنَفْعِ وَيَرَى أَنَّ إعْطَاءَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ نَوْعِ الْجَوْرِ وَالْعَطَاءِ الْمُحَرَّمِ . الْفَرِيقُ الثَّالِثُ : الْأُمَّةُ الْوَسَطُ وَهُمْ أَهْلُ دِينِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَائِهِ عَلَى عَامَّةِ النَّاسِ وَخَاصَّتِهِمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُوَ إنْفَاقُ الْمَالِ وَالْمَنَافِعِ لِلنَّاسِ - وَإِنْ كَانُوا رُؤَسَاءَ - بِحَسَبِ الْحَاجَةِ إلَى صَلَاحِ الْأَحْوَالِ وَلِإِقَامَةِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا الدِّينُ وَعِفَّتُهُ فِي نَفْسِهِ فَلَا يَأْخُذُ مَالًا يَسْتَحِقُّهُ . فَيَجْمَعُونَ بَيْنَ التَّقْوَى وَالْإِحْسَانِ { إنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ } وَلَا تَتِمُّ السِّيَاسَةُ الدِّينِيَّةُ إلَّا بِهَذَا وَلَا يَصْلُحُ الدِّينُ وَالدُّنْيَا إلَّا بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ . وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُطْعِمُ النَّاسَ مَا يَحْتَاجُونَ إلَى طَعَامِهِ وَلَا يَأْكُلُ هُوَ إلَّا الْحَلَالَ الطَّيِّبَ ثُمَّ هَذَا يَكْفِيهِ مِنْ الْإِنْفَاقِ أَقَلَّ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْأَوَّلُ فَإِنَّ الَّذِي يَأْخُذُ لِنَفْسِهِ تَطْمَعُ فِيهِ النُّفُوسُ مَا لَا تَطْمَعُ فِي الْعَفِيفِ وَيَصْلُحُ بِهِ النَّاسُ فِي دِينِهِمْ مَا لَا يَصْلُحُونَ بِالثَّانِي ؛ فَإِنَّ الْعِفَّةَ مَعَ الْقُدْرَةِ تُقَوِّي حُرْمَةَ الدِّينِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ { عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ : أَنَّ هِرَقْلَ مَلِكَ الرُّومِ سَأَلَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَاذَا يَأْمُرُكُمْ ؟ قَالَ : يَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ } . وَفِي الْأَثَرِ : { أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إلَى إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَا إبْرَاهِيمُ : أَتَدْرِي لِمَ اتَّخَذَتْك خَلِيلًا ؟ لِأَنِّي رَأَيْت الْعَطَاءَ أَحَبَّ إلَيْك مِنْ الْأَخْذِ } . وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الرِّزْقِ وَالْعَطَاءِ الَّذِي هُوَ السَّخَاءُ وَبَذْلُ الْمَنَافِعِ نَظِيرُهُ فِي الصَّبْرِ وَالْغَضَبِ الَّذِي هُوَ الشَّجَاعَةُ وَدَفْعُ الْمَضَارِّ . فَإِنَّ النَّاسَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : قِسْمٌ يَغْضَبُونَ لِنُفُوسِهِمْ وَلِرَبِّهِمْ . وَقِسْمٌ لَا يَغْضَبُونَ لِنُفُوسِهِمْ وَلَا لِرَبِّهِمْ . وَالثَّالِثُ - وَهُوَ الْوَسَطُ - الَّذِي يَغْضَبُ لِرَبِّهِ لَا لِنَفْسِهِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ { عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ : خَادِمًا لَهُ وَلَا امْرَأَةً . وَلَا دَابَّةً وَلَا شَيْئًا قَطُّ إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ فَانْتَقَمَ لِنَفْسِهِ قَطُّ إلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ فَإِذَا اُنْتُهِكَتْ حُرُمَاتُ اللَّهِ لَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَقِمَ لِلَّهِ } . فَأَمَّا مَنْ يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ لَا لِرَبِّهِ أَوْ يَأْخُذُ لِنَفْسِهِ وَلَا يُعْطِي غَيْرَهُ . فَهَذَا الْقِسْمُ الرَّابِعُ شَرُّ الْحَلْقِ ؛ لَا يَصْلُحُ بِهِمْ دِينٌ وَلَا دُنْيَا . كَمَا أَنَّ الصَّالِحِينَ أَرْبَابُ السِّيَاسَةِ الْكَامِلَةِ هُمْ الَّذِينَ قَامُوا بِالْوَاجِبَاتِ وَتَرَكُوا الْحُرُمَاتِ وَهُمْ الَّذِينَ يُعْطُونَ مَا يُصْلِحُ الدِّينَ بِعَطَائِهِ وَلَا يَأْخُذُونَ إلَّا مَا أُبِيحَ لَهُمْ وَيَغْضَبُونَ لِرَبِّهِمْ إذَا اُنْتُهِكَتْ مَحَارِمُهُ وَيَعْفُونَ عَنْ حُقُوقِهِمْ وَهَذِهِ أَخْلَاقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَذْلِهِ وَدَفْعِهِ وَهِيَ أَكْمَلُ الْأُمُورِ . وَكُلَّمَا كَانَ إلَيْهَا أَقْرَبُ كَانَ أَفْضَلَ . فَلْيَجْتَهِدْ الْمُسْلِمُ فِي التَّقَرُّبِ إلَيْهَا بِجُهْدِهِ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ قُصُورٍ . أَوْ تَقْصِيرِهِ بَعْدَ أَنْ يَعْرِفَ كَمَالَ مَا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الدِّينِ فَهَذَا فِي قَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا } وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 7 / ص 417)
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَنْ رَجُلٍ أُخِذَ مَالُهُ ظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ وَانْتُهِكَ عِرْضُهُ أَوْ نِيلَ مِنْهُ فِي بَدَنِهِ فَلَمْ يَقْتَصَّ فِي الدُّنْيَا وَعَلِمَ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى . فَهَلْ يَكُونُ عَفْوُهُ عَنْ ظَالِمِهِ مُسْقِطًا عِنْدَ اللَّهِ ؟ أَمْ نَقْصًا لَهُ ؟ أَمْ لَا يَكُونُ ؟ أَوْ يَكُونُ أَجْرُهُ بَاقِيًا كَامِلًا مُوَفَّرًا ؟ وَأَيُّمَا أَوْلَى مُطَالَبَةُ هَذَا الظَّالِمِ وَالِانْتِقَامُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ - وَتَعْذِيبُ اللَّهِ لَهُ . أَوْ الْعَفْوُ عَنْهُ وَقَبُولُ الْحَوَالَةِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : لَا يَكُونُ الْعَفْوُ عَنْ الظَّالِمِ وَلَا قَلِيلُهُ مُسْقِطًا لِأَجْرِ الْمَظْلُومِ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا مُنْقِصًا لَهُ ؛ بَلْ الْعَفْوُ عَنْ الظَّالِمِ يُصَيِّرُ أَجْرَهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ؛ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَعْفُ كَانَ حَقُّهُ عَلَى الظَّالِمِ فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ وَإِذَا عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ . وَأَجْرُهُ الَّذِي هُوَ عَلَى اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى . قَالَ تَعَالَى : { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } . فَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ جَزَاءَ السَّيِّئَةِ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا بِلَا عُدْوَانٍ وَهَذَا هُوَ الْقِصَاصُ فِي الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . ثُمَّ قَالَ : { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } وَقَدْ ذُكِرَ [ عَنْ ] الْإِمَامِ أَحْمَد لَمَّا ظُلِمَ فِي مِحْنَتِهِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى حَلَّلَ مَنْ ظَلَمَهُ . وَقَالَ : ذَكَرْت حَدِيثًا ذُكِرَ عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ : { إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ : أَلَا لِيَقُمْ مَنْ وَجَبَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ فَلَا يَقُومُ إلَّا مَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ } . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ } وَأَبَاحَ لَهُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إذَا عَاقَبُوا الظَّالِمَ أَنْ يُعَاقِبُوهُ بِمِثْلِ مَا عَاقَبَ بِهِ ثُمَّ قَالَ : { وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ } فَعُلِمَ أَنَّ الصَّبْرَ عَنْ عُقُوبَتِهِ بِالْمِثْلِ خَيْرٌ مِنْ عُقُوبَتِهِ . فَكَيْفَ يَكُونُ مُسْقِطًا لِلْأَجْرِ أَوْ مُنْقِصًا لَهُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ } . فَجَعَلَ الصَّدَقَةَ بِالْقِصَاصِ الْوَاجِبِ عَلَى الظَّالِمِ - وَهُوَ الْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ - كَفَّارَةً لِلْعَافِي وَالِاقْتِصَاصُ لَيْسَ بِكَفَّارَةٍ لَهُ فَعُلِمَ أَنَّ الْعَفْوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الِاقْتِصَاصِ . وَهَذَا لِأَنَّ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْمَصَائِبِ مُكَفِّرٌ لِلذُّنُوبِ وَيُؤْجَرُ الْعَبْدُ عَلَى صَبْرِهِ عَلَيْهَا وَيُرْفَعُ دَرَجَتُهُ بِرِضَاهُ بِمَا يَقْضِيهِ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْهَا . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ وَلَا غَمٍّ وَلَا أَذًى حَتَّى الشَّوْكَةُ يشاكها إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ } . وَفِي الْمُسْنَدِ : { أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } قَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ نَزَلَتْ قَاصِمَةُ الظَّهْرِ وَأَيُّنَا لَمْ يَعْمَلْ سُوءًا فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَسْت تَنْصَبُ ؟ أَلَسْت تَحْزَنُ ؟ أَلَسْت تُصِيبُك اللَّأْوَاءُ . فَذَلِكَ مَا تُجْزَوْنَ بِهِ } وَفِيهِ أَيْضًا : { الْمَصَائِبُ حِطَّةٌ تَحُطُّ الْخَطَايَا عَنْ صَاحِبِهَا كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ الْقَائِمَةُ وَرَقَهَا } . وَالدَّلَائِلُ عَلَى أَنَّ الْمَصَائِبَ كَفَّارَاتٌ كَثِيرَةٌ إذَا صَبَرَ عَلَيْهَا أُثِيبَ عَلَى صَبْرِهِ فَالثَّوَابُ وَالْجَزَاءُ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْعَمَلِ - وَهُوَ الصَّبْرُ - وَأَمَّا نَفْسُ الْمُصِيبَةِ فَهِيَ مِنْ فِعْلِ اللَّهِ ؛ لَا مِنْ فِعْلِ الْعَبْدِ وَهِيَ مِنْ جَزَاءِ اللَّهِ لِلْعَبْدِ عَلَى ذَنْبِهِ وَتَكْفِيرِهِ ذَنْبَهُ بِهَا . وَفِي الْمُسْنَدِ " أَنَّهُمْ دَخَلُوا عَلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَهُوَ مَرِيضٌ . فَذَكَرُوا أَنَّهُ يُؤْجَرُ عَلَى مَرَضِهِ فَقَالَ : مَا لِي مِنْ الْأَجْرِ وَلَا مِثْلُ هَذِهِ . وَلَكِنَّ الْمَصَائِبَ حِطَّةٌ " فَبَيَّنَ لَهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ نَفْسَ الْمَرَضِ لَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ بَلْ يُكَفَّرُ بِهِ عَنْ خَطَايَاهُ . وَكَثِيرًا مَا يُفْهَمُ مِنْ الْأَجْرِ غُفْرَانُ الذُّنُوبِ فَيَكُونُ فِيهِ أَجْرٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ . وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّعْوِيضِ وَالْأَجْرِ وَالِامْتِنَانِ وَقَدْ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابٌ بِغَيْرِ عَمَلٍ كَمَا يُفْعَلُ عَنْهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ . وَأَمَّا الصَّبْرُ عَلَى الْمَصَائِبِ فَفِيهَا أَجْرٌ عَظِيمٌ قَالَ تَعَالَى : { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } { الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ } { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } . فَالرَّجُلُ إذَا ظُلِمَ بِجُرْحِ وَنَحْوِهِ فَتَصَدَّقَ بِهِ كَانَ الْجُرْحُ مُصِيبَةً يُكَفَّرُ بِهَا عَنْهُ وَيُؤْجَرُ عَلَى صَبْرِهِ وَعَلَى إحْسَانِهِ إلَى الظَّالِمِ بِالْعَفْوِ عَنْهُ ؛ فَإِنَّ الْإِحْسَانَ يَكُونُ بِجَلْبِ مَنْفَعَةٍ وَبِدَفْعِ مَضَرَّةٍ ؛ وَلِهَذَا سَمَّاهُ اللَّهُ صَدَقَةً . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَسَارِعُوا إلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } فَذَكَرَ : أَنَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ . وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ هَذَا مِنْ الْإِحْسَانِ . وَالْإِحْسَانُ ضِدُّ الْإِسَاءَةِ وَهُوَ فِعْلُ الْحَسَنِ سَوَاءٌ كَانَ لَازِمًا لِصَاحِبِهِ أَوْ مُتَعَدِّيًا إلَى الْغَيْرِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ : { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إلَّا مِثْلَهَا } . فَالْكَاظِمُ لِلْغَيْظِ وَالْعَافِي عَنْ النَّاسِ قَدْ أَحْسَنَ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَى النَّاسِ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ عَمِلَ حَسَنَةً مَعَ نَفْسِهِ وَمَعَ النَّاسِ وَمَنْ أَحْسَنَ إلَى النَّاسِ فَإِلَى نَفْسِهِ . كَمَا يُرْوَى عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ : مَا أَحْسَنْت إلَى أَحَدٍ وَمَا أَسَأْت إلَى أَحَدٍ وَإِنَّمَا أَحْسَنْت إلَى نَفْسِي وَأَسَأْت إلَى نَفْسِي . قَالَ تَعَالَى : { إنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } وَقَالَ تَعَالَى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا } . وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْإِحْسَانُ إلَى الْخَلْقِ إحْسَانًا إلَى الْمُحْسِنِ يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَيْهِ لَكَانَ فَاعِلًا إثْمًا أَوْ ضَرَرًا ؛ فَإِنَّ الْعَمَلَ الَّذِي لَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى فَاعِلِهِ ؛ إمَّا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَائِدَةٌ وَإِمَّا شَرٌّ مِنْ الْعَبَثِ ؛ إذَا ضَرَّ فَاعِلَهُ . وَالْعَفْوُ عَنْ الظَّالِمِ أَحَدُ نَوْعَيْ الصَّدَقَةِ : الْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ إلَى النَّاسِ . وَجِمَاعُ ذَلِكَ الزَّكَاةُ . وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ دَائِمًا يَأْمُرُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَهِيَ الصَّدَقَةُ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ قَالَ : { كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ } وَذَلِكَ نَوْعَانِ : أَحَدُهُمَا : اتِّصَالُ نَفْعٍ إلَيْهِ . الثَّانِي : دَفْعُ ضَرَرٍ عَنْهُ . فَإِذَا كَانَ الْمَظْلُومُ يَسْتَحِقُّ عُقُوبَةَ الظُّلْمِ وَنَفْسُهُ تَدْعُوهُ إلَيْهِ فَكَفَّ نَفْسَهُ عَنْ ذَلِكَ وَدَفَعَ عَنْهُ مَا يَدْعُوهُ إلَيْهِ مِنْ إضْرَارِهِ فَهَذَا إحْسَانٌ مِنْهُ إلَيْهِ وَصَدَقَةٌ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ وَلَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ . فَكَيْفَ يَسْقُطُ أَجْرُ الْعَافِي وَهَذَا عَامٌّ فِي سَائِر مَا لِلْعَبْدِ مِنْ الْحُقُوقِ عَلَى النَّاسِ ؛ وَلِهَذَا إذَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ حُقُوقَ الْعِبَادِ وَذَكَرَ فِيهَا الْعَدْلَ نَدَبَ فِيهَا إلَى الْإِحْسَانِ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ . كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } . فَجَعَلَ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمَدِينِ الْمُعْسِرِ بِإِسْقَاطِ الدَّيْنِ عَنْهُ خَيْرًا لِلْمُتَصَدِّقِ مِنْ مُجَرَّدِ إنْظَارِهِ . وَقَالَ تَعَالَى : { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ إلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا } فَسَمَّى إسْقَاطَ الدِّيَةِ صَدَقَةً . وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } فَجَعَلَ الْعَفْوَ عَنْ نِصْفِ الصَّدَاقِ الْوَاجِبِ عَلَى الزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ أَقْرَبَ لِلتَّقْوَى مِنْ اسْتِيفَائِهِ . وَعَفْوُ الْمَرْأَةِ إسْقَاطُ نِصْفِ الصَّدَاقِ بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ . وَأَمَّا عَفْوُ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ . فَقِيلَ : هُوَ عَفْوُ الزَّوْجِ وَأَنَّهُ تَكْمِيلٌ لِلصَّدَاقِ لِلْمَرْأَةِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ هَذَا الْعَفْوُ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الْعَفْوِ فَهَذَا الْعَفْوُ إعْطَاءُ الْجَمِيعِ وَذَلِكَ الْعَفْوُ إسْقَاطُ الْجَمِيعِ . وَاَلَّذِي حَمَلَ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ عَلَيْهِ ؛ أَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ غَيْرَ الْمَرْأَةِ لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ حَقِّهَا الْوَاجِبِ كَمَا لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ سَائِر دُيُونِهَا . وَقِيلَ : الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ . هُوَ وَلِيٌّ الْمَرْأَةِ الْمُسْتَقِلُّ بِالْعَقْدِ بِدُونِ اسْتِئْذَانِهَا : كَالْأَبِ لِلْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ وَكَالسَّيِّدِ لِلْأَمَةِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْعَفْوَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ . وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ : إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوا هُمْ وَالْخِطَابُ فِي الْآيَةِ لِلْأَزْوَاجِ . وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ لُقْمَانَ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِهِ : { وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ } { إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } { وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } . فَهُنَاكَ فِي قَوْلِ لُقْمَانَ ذَكَرَ الصَّبْرَ عَلَى الْمُصِيبَةِ فَقَالَ : { إنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } وَهُنَا ذَكَرَ الصَّبْرَ وَالْعَفْوَ فَقَالَ : { إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } وَذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ قَوْلِهِ : { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ } { إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ } فَذَكَرَ سُبْحَانَهُ الْأَصْنَافَ الثَّلَاثَةَ فِي بَابِ الظُّلْمِ الَّذِي يَكُونُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمَظْلُومِ ؛ وَهُمْ : الْعَادِلُ وَالظَّالِمُ وَالْمُحْسِنُ . فَالْعَادِلُ مَنْ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ وَهَذَا جَزَاؤُهُ أَنَّهُ مَا عَلَيْهِ مِنْ سَبِيلٍ فَلَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ مَمْدُوحًا وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ مَذْمُومًا . وَذَكَرَ الظَّالِمَ بِقَوْلِهِ : { إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ } فَهَؤُلَاءِ عَلَيْهِمْ السَّبِيلُ لِلْعُقُوبَةِ وَالِاقْتِصَاصِ . وَذَكَرَ الْمُحْسِنِينَ فَقَالَ : { وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } . وَالْقُرْآنُ فِيهِ جَوَامِعُ الْكَلِمِ . وَهَذَا كَمَا ذَكَرَ فِي آخِرِ الْبَقَرَةِ أَصْنَافُ النَّاسِ فِي الْمُعَامَلَاتِ الَّتِي تَكُونُ بِاخْتِيَارِ الْمُتَعَامِلِينَ وَهُمْ ثَلَاثَةٌ : مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ وَعَادِلٌ . فَالْمُحْسِنُ : هُوَ الْمُتَصَدِّقُ . وَالظَّالِمُ : هُوَ الْمُرْبِي . وَالْعَادِلُ : هُوَ الْبَائِعُ . فَذَكَرَ هُنَا حُكْمَ الصَّدَقَاتِ وَحُكْمَ الرِّبَا وَحُكْمَ الْمُبَايَعَاتِ وَالْمُدَايَنَاتِ . وَكَمَا أَنَّ مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّهُ بِالْعَفْوِ يَسْقُطُ حَقُّهُ أَوْ يَنْقُصُ : غالط جَاهِلٌ ضَالٌّ ؛ بَلْ بِالْعَفْوِ يَكُونُ أَجْرُهُ أَعْظَمَ ؛ فَكَذَلِكَ مَنَّ تَوَهَّمَ أَنَّهُ بِالْعَفْوِ يَحْصُلُ لَهُ ذُلٌّ وَيَحْصُلُ لِلظَّالِمِ عِزٌّ وَاسْتِطَالَةٌ عَلَيْهِ فَهُوَ غالط فِي ذَلِكَ . كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { ثَلَاثٌ إنْ كُنْت لَحَالِفًا عَلَيْهِنَّ : مَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوِ إلَّا عِزًّا وَمَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ } . فَبَيَّنَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ : أَنَّ اللَّهَ لَا يَزِيدُ الْعَبْدَ بِالْعَفْوِ إلَّا عِزًّا وَأَنَّهُ لَا تَنْقُصُ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَأَنَّهُ مَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ . وَهَذَا رَدٌّ لِمَا يَظُنُّهُ مَنْ يَتَّبِعُ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ مِنْ أَنَّ الْعَفْوَ يُذِلُّهُ وَالصَّدَقَةَ تُنْقِصُ مَالَهُ وَالتَّوَاضُعَ يَخْفِضُهُ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ : { مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَادِمًا لَهُ وَلَا امْرَأَةً وَلَا دَابَّةً وَلَا شَيْئًا قَطُّ إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا نِيلَ مِنْهُ قَطُّ شَيْءٌ فَانْتَقَمَ لِنَفْسِهِ ؛ إلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ مَحَارِمُ اللَّهِ فَإِذَا اُنْتُهِكَتْ مَحَارِمُ اللَّهِ لَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ . حَتَّى يَنْتَقِمَ لِلَّهِ } . وَخُلُقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنُ أَكْمَلَ الْأَخْلَاقِ وَقَدْ كَانَ مِنْ خُلُقِهِ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ وَإِذَا اُنْتُهِكَتْ مَحَارِمُ اللَّهِ لَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَقِمَ لِلَّهِ فَيَعْفُوَ عَنْ حَقِّهِ وَيَسْتَوْفِيَ حَقَّ رَبِّهِ . وَالنَّاسُ فِي الْبَابِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ : مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَصِرُ لِنَفْسِهِ وَلِرَبِّهِ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ دِينٌ وَغَضَبٌ . وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَنْتَصِرُ لَا لِنَفْسِهِ وَلَا لِرَبِّهِ وَهُوَ الَّذِي فِيهِ جَهْلٌ وَضَعْفُ دِينٍ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ ؛ لَا لِرَبِّهِ وَهُمْ شَرُّ الْأَقْسَامِ . وَأَمَّا الْكَامِلُ فَهُوَ الَّذِي يَنْتَصِرُ لِحَقِّ اللَّهِ وَيَعْفُو عَنْ حَقِّهِ . كَمَا قَالَ { أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ : خَدَمْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي : أُفٍّ قَطُّ . وَمَا قَالَ لِي لِشَيْءِ فَعَلْته : لَمْ فَعَلْته ؟ وَلَا لِشَيْءِ لَمْ أَفْعَلْهُ : لَمْ لَا فَعَلْته ؟ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِهِ إذَا عَتَبَنِي عَلَى شَيْءٍ يَقُولُ : دَعُوهُ لَوْ قُضِيَ شَيْءٌ لَكَانَ } . فَهَذَا فِي الْعَفْوِ عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِهِ وَأَمَّا فِي حُدُودِ اللَّهِ فَلَمَّا { شَفَعَ عِنْدَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ - وَهُوَ الْحِبُّ ابْنُ الْحِبِّ وَكَانَ هُوَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ أَنَسٍ وَأَعَزَّ عِنْدَهُ - فِي امْرَأَةٍ سَرَقَتْ شَرِيفَةٍ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ قَطْعِ يَدِهَا : غَضِبَ وَقَالَ : يَا أُسَامَةُ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ إنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ . أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ سَرَقَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ لَقَطَعْت يَدَهَا } . فَغَضِبَ عَلَى أُسَامَةَ لَمَّا شَفَعَ فِي حَدٍّ لِلَّهِ وَعَفَا عَنْ أَنَسٍ فِي حَقِّهِ . وَكَذَلِكَ لَمَّا { أَخْبَرَهُ أُسَامَةُ أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا بَعْدَ أَنْ قَالَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ : قَالَ أَقَتَلْته بَعْدَ مَا قَالَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْت : لَيْتَهُ سَكَتَ } . وَالْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ فِي اسْتِحْبَابِ الْعَفْوِ عَنْ الظَّالِمِ وَأَنَّ أَجْرَهُ بِذَلِكَ أَعْظَمُ كَثِيرَةٌ جِدًّا . وَهَذَا مِنْ الْعِلْمِ الْمُسْتَقِرِّ فِي فِطَرِ الْآدَمِيِّينَ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ : { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْعَفْوِ فِي أَخْلَاقِ النَّاسِ وَهُوَ مَا يُقَرُّ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ ابْنِ الزُّبَيْرِ : أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْعَفْوِ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ وَهَذَا كَقَوْلِهِ : { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ } مِنْ أَمْوَالِهِمْ . هَذَا مِنْ الْعَفْوِ وَيَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيُعْرِضُ عَنْ الْجَاهِلِينَ . وَهَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا جِمَاعُ الْأَخْلَاقِ الْكَرِيمَةِ ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مَعَ النَّاسِ إمَّا أَنْ يَفْعَلُوا مَعَهُ غَيْرَ مَا يُحِبُّ أَوْ مَا يَكْرَهُ . فَأُمِرَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ مَا يُحِبُّ مَا سَمَحُوا بِهِ وَلَا يُطَالِبَهُمْ بِزِيَادَةِ . وَإِذَا فَعَلُوا مَعَهُ مَا يَكْرَهُ أَعْرَضَ عَنْهُمْ وَأَمَّا هُوَ فَيَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ . وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ .
طرح التثريب - (ج 7 / ص 498)
وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ { مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ خَادِمًا لَهُ قَطُّ وَلَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ ، إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إلَّا كَانَ أَحَبَّهُمَا إلَيْهِ أَيْسَرُهُمَا حَتَّى يَكُونَ إثْمًا فَإِذَا كَانَ إثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْ الْإِثْمِ ، وَلَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ يُؤْتَى إلَيْهِ حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ ، فَيَكُونَ هُوَ يَنْتَقِمُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ } .
الشَّرْحُ
الْحَدِيثُ التَّاسِعُ وَعَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ خَادِمًا لَهُ قَطُّ ، وَلَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَطُّ إلَّا كَانَ أَحَبُّهُمَا إلَيْهِ أَيْسَرَهُمَا حَتَّى يَكُونَ إثْمًا فَإِذَا كَانَ إثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْ الْإِثْمِ وَلَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ يُؤْتَى إلَيْهِ حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ فَيَكُونَ هُوَ يَنْتَقِمُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ } .
( فِيهِ ) فَوَائِدُ : { الْأُولَى } أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد مِنْهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الْجُمْلَةَ الْأُولَى مُخْتَصَرًا بِلَفْظِ { مَا ضَرَبَ خَادِمًا وَلَا امْرَأَةً قَطُّ } مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ ، وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ مِنْ قَوْلِهِ { وَلَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ } إلَى آخِرِهِ ، وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ سَاقَ الْبُخَارِيُّ لَفْظَهُ ، وَلَمْ يَسُقْ مُسْلِمٌ لَفْظَهُ بَلْ قَالَ إنَّهُ نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ، وَأَحَالَ بِهِ أَيْضًا عَلَى رِوَايَةِ مَالِكٍ أَرْبَعَتُهُمْ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ، وَغَيْرُهُ بِكَمَالِهِ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ .
{ الثَّانِيَةُ } فِيهِ أَنَّ ضَرْبَ الْخَادِمِ ، وَنَحْوَهُ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لِلْأَدَبِ فَتَرْكُهُ أَفْضَلُ ، وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا هُوَ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يُعَاتِبْهُ قَطُّ .
{ الثَّالِثَةُ } قَوْلُهَا ( وَلَا ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ ) مِنْ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ ، وَأَفْرَدَ ذَلِكَ لِيُسْتَثْنَى مِنْهُ الضَّرْبُ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَخَصَّ الْخَادِمَ بِالذِّكْرِ أَوَّلًا لِوُجُودِ سَبَبِ ضَرْبِهِ لِلِابْتِلَاءِ بِمُخَالَطَتِهِ وَمُخَالَفَتِهِ غَالِبًا ، وَفِيهِ فَضْلُ الْجِهَادِ ، وَالْمُقَاتَلَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَفِيهِ أَنَّ الْأَوْلَى لِلْإِمَامِ التَّنَزُّهُ عَنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ بِنَفْسِهِ بَلْ يُقِيمُ لَهَا مَنْ يَتَعَاطَاهَا ، وَعَلَى ذَلِكَ عَمَلُ الْخُلَفَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ .
{ الرَّابِعَةُ } قَوْلُهُ ( إلَّا كَانَ أَحَبَّهُمَا إلَيْهِ أَيْسَرُهُمَا ) كَذَا رَوَيْنَاهُ بِنَصْبِ الْأَوَّلِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ ، وَرَفْعِ الثَّانِي عَلَى نِيَّةِ التَّقْدِيمِ فِي الِاسْمِيَّةِ ، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْأَخْذِ بِالْأَيْسَرِ وَالْأَرْفَقِ مَا لَمْ يَكُنْ حَرَامًا ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَا لَمْ يَكُنْ حَرَامًا أَوْ مَكْرُوهًا ، وَفِي أَخْذِ الْمَكْرُوهِ مِنْ الْحَدِيثِ نَظَرٌ ، وَإِنْ كَانَ قَدْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَصْدُرُ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِعْلُ الْمَكْرُوهِ ، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَرْكُ مَا عَسِرَ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَتَرْكُ الْإِلْحَاحِ فِيهِ إذَا لَمْ يُضْطَرَّ إلَيْهِ ، وَالْمَيْلُ إلَى الْأَيْسَرِ أَبَدًا ، وَفِي مَعْنَاهُ الْأَخْذُ بِرُخَصِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَرُخَصِ رَسُولِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَرُخَصِ الْعُلَمَاءِ مَا لَمْ يَكُنْ الْقَوْلُ خَطَأً بَيِّنًا قَالَ : وَرَوَيْنَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَلَّامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى الرُّخْصَةِ وَالسَّعَةِ مَا لَمْ يَخَفْ الْمَأْثَمَ ؛ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ مَعْمَرٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا الْعِلْمُ أَنْ تَسْمَعَ بِالرُّخْصَةِ مِنْ ثِقَةٍ فَأَمَّا التَّشْدِيدُ فَيَحُسُّهُ كُلُّ أَحَدٍ انْتَهَى قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَخْيِيرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُنَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا فِيهِ عُقُوبَتَانِ أَوْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكُفَّارِ مِنْ الْقِتَالِ أَوْ أَخْذِ الْجِزْيَةِ أَوْ فِي حَقِّ أُمَّتِهِ فِي الْمُجَاهَدَةِ فِي الْعِبَادَةِ أَوْ الِاقْتِصَادِ فَكَانَ يَخْتَارُ الْأَيْسَرَ فِي كُلِّ هَذَا قَالَ : وَأَمَّا قَوْلُهَا مَا لَمْ يَكُنْ إثْمًا فَيُتَصَوَّرُ إذَا خَيَّرَهُ الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ فَأَمَّا إنْ كَانَ التَّخْيِيرُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعًا .
{ الْخَامِسَةُ } قَوْلُهُ { وَلَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ يُؤْتَى إلَيْهِ } فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْعَفْوِ ، وَالصَّفْحِ ، وَالْحِلْمِ ، وَاحْتِمَالِ الْأَذَى ، وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْأَئِمَّةِ ، وَالْقُضَاةِ ، وَسَائِرِ وُلَاةِ الْأُمُورِ التَّخَلُّقُ بِهَذَا الْخُلُقِ الْكَرِيمِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي لِنَفْسِهِ ، وَلَا لِمَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ .
{ السَّادِسَةُ } قَوْلُهُ ( حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ ) أَيْ يُرْتَكَبَ مَا حَرَّمَهُ ، وَلَيْسَ هَذَا دَاخِلًا فِيمَا قَبْلَهُ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى اسْتِدْرَاكِهِ لِأَنَّ انْتِقَامَهُ لِلَّهِ تَعَالَى عِنْدَ انْتِهَاكِ حُرُمَاتِهِ لَيْسَ انْتِقَامًا لِنَفْسِهِ فَهُوَ كَالِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ لِأَنَّ فِيهِ انْتِقَامًا فِي الْجُمْلَةِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهُ لَا حَقِيقَةً لَكِنْ بِتَأْوِيلٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ أَيْ بِإِيذَائِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَا فِيهِ غَضَاضَةٌ فِي الدِّينِ فَذَلِكَ مِنْ انْتِهَاكِ حُرُمَاتِ اللَّهِ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا لَا يَجُوزُ أَذَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِعْلٍ مُبَاحٍ ، وَلَا غَيْرِهِ ، وَيَجُوزُ أَذَى غَيْرِهِ بِمَا يُبَاحُ لِلْإِنْسَانِ فِعْلُهُ ، وَاحْتُجَّ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي إرَادَةِ عَلِيٍّ تَزْوِيجَ بِنْتِ أَبِي جَهْلٍ { إنِّي لَا أُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ ، وَإِنَّ فَاطِمَةَ يُؤْذِينِي مَا أَذَاهَا ، وَلَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ أَبَدًا } ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ } الْآيَةَ فَأَطْلَقَ وَعَمَّمَ ، وَقَالَ { وَاَلَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا } فَقَدْ شَرَطَ ( بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا ) قَالَ مَالِكٌ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْفُو عَنْ شَتْمِهِ ، وَقَدْ عَفَا عَنْ الَّذِي قَالَ لَهُ إنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ .
وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ غَضَاضَةٌ عَلَى الدِّينِ فَقَدْ يَكُونُ عَفْوُهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الطَّعْنَ عَلَيْهِ فِي الْمَيْلِ عَنْ الْحَقِّ بَلْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ الدُّنْيَا الَّذِي يَصِحُّ الْخَطَأُ مِنْهُ فِيهَا ، وَالصَّوَابُ ، أَوْ كَانَ هَذَا اسْتِئْلَافًا لِمِثْلِهِ كَمَا اسْتَأْلَفَهُمْ بِمَالِهِ وَمَالِ اللَّهِ رَغْبَةً فِي إسْلَامِ مِثْلِهِ .
يسألونك فتاوى - (ج 1 / ص 339)
ضرب الزوج زوجته مشروع بشروط
تقول السائلة : إن زوجها يضربها باستمرار ، فهو يضربها عند حصول أي نقاش بينهما ويضربها إن قصرت في شيء ، وتقول إنه يضربها ضرباً مبرحاً يترك آثاراً على وجهها وجسمها ، فما حكم الشرع في ذلك ؟
الجواب : يقول الله تعالى : ( وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ) سورة النساء /34 .
قال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية: " قوله تعالى (واضربوهن) أمر الله أن يبدأ النساء بالموعظة أولاً ، ثم بالهجران ، فإن لم ينجعا فالضرب ، فإنه هو الذي يصلحها ويحملها على توفية حقه ، والضرب في هذه الآية هو ضرب الأدب غير المبرح .... " تفسير القرطبي 5/172 .
لا شك أن ضرب الزوج لزوجته مشروع ، والضرب إحدى وسائل التأديب ، ولكن لا يجوز للزوج أن يبادر إلى ضرب زوجته ابتداءً ، ولا بد أن يعظها أولاً ، فإن نفع الوعظ فبها ونعمت ، وإن لم ينفعها الوعظ هجرها في المضجع ، فإن أخفق الهجر في ردها إلى جادة الصواب ، فإنه حينئذ يلجأ إلى الضرب ، وليس المقصود بالضرب إلحاق الأذى بالزوجة كأن يكسر أسنانها أو يشوه وجهها ، وإنما المقصود بالضرب هو إصلاح حال المرأة ، ويكون الضرب غير مبرح ، وكذلك لا يجوز الضرب على الوجه والمواضع الحساسة في الجسد ، وقد ورد في ذلك أحاديث منها :
- قوله صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح ) رواه مسلم .
- قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع : ( ألا واستوصوا بالنساء خيراً ، فأنهن عوان عندكم ، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك ، إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينة ، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح ، فإن أطعنكم فلا تبتغوا عليهن سبيلاً ، ألا إن لكم على نسائكم حقاً ، ولنسائكم عليكم حقاً فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن ) رواه الترمذي ، وقال: حسن صحيح .
- وقال الإمام البخاري: باب ما يكره من ضرب النساء ، وقول الله تعالى (واضربوهن) أي ضرباً غير مبرح " ، ثم ساق البخاري بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ، ثم يجامعها في آخر اليوم ) وقال الحافظ ابن حجر معلقاً على عنوان الباب: وفيه إشارة إلى أن ضربهن لا يباح مطلقاً ، بل فيه ما يكره كراهة تنزيه أو تحريم " فتح الباري 11/214 .
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط ، ولا امرأة ولا خادماً ، إلا أن يجاهد في سبيل الله ، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله ، فينتقم لله عز وجل ) رواه مسلم.
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(إذا ضرب أحدكم ، فليتق الوجه ) رواه مسلم .
- وعن معاوية بن حيدة قال: قلت يا رسول الله : ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال: ( أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت ) رواه أبو داود ، وقال الألباني: صحيح .
وخلاصة الأمر ، أنه لا يجوز للزوج أن يضرب زوجته ابتداءً ، وإنما يكون ذلك بعد الوعظ ، وبعد الهجران .
ويجب أن يكون الضرب غير مبرح ، فإن الضرب المبرح حرام لما سبق في الأحاديث ، قال عطاء : " الضرب غير المبرح بالسواك ونحوه ، وقال الحافظ ابن حجر: " إن كان لا بد فليكن التأديب بالضرب اليسير " فتح الباري 11/215 .
وعلى الزوج أن يتجنب ضرب الوجه والمواضع الحساسة في الجسد .
--------
تعذيب الأطفال
المجيب هاني بن عبدالله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
أصول الفقه /السياسة الشرعية
التاريخ 14/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
نحن نشارك في برنامج إذاعي، ونرغب أن نتكلم في موضوع تعذيب الأطفال حيث يكثر حدوث ذلك في إحدى الدول الأوربية، ونريد أن نسألكم فيما إذا كان في الإسلام ما يحرم تعذيب الأطفال من جميع النواحي: مثل البدنية والجنسية والعاطفية... نرجو مساندتنا بتوجيهات إلى روابط أو تحديد العناصر الرئيسية من الكتاب والسنة لكيفية بحث هذا الموضوع.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فالإسلام دين رب العالمين، أنزله الله الذي خلق الإنسان، فهو أعلم بمصالحه، وهو دين كله رحمة، وكله عدل، وكله صلاح، وأي أمر خرج عن الرحمة والعدل والصلاح إلى ضدها فليس من الإسلام، وقد جاء الإسلام بجملة ترتيبات تتعلّق بالتعذيب، فحرّم كل أنواع التعذيب الموجه للأطفال، وأمر بالتوجيه بالأسلوب الحسن، كما قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)[النحل: من الآية125].
وقالت عائشة، رضي الله عنها: (مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ). رواه مسلم (2228).
وعن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال: (خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي أُفًّا قَطُّ، وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا). متفق عليه: البخاري (6038) ومسلم (2309).
وكذلك جاء برعاية الطفل عاطفيًّا ونفسيًّا، ففي صحيح البخاري (2366) وصحيح مسلم (2030) عن سهل بن سعد، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ وَعَنْ يَسَارِهِ أَشْيَاخٌ، فَقَالَ لِلْغُلَامِ: "أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ؟". فَقَالَ الْغُلَامُ: لَا وَاللَّهِ لَا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا. قَالَ: فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَدِهِ.
وأما الاعتداء الجنسي فهو محرّم تحريمًا عظيمًا فلا تجوز ممارسة الجنس في الإسلام سواء بالاختيار أو الإكراه إلا مع الزوجة فقط، قال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)[المؤمنون: 5- 7].
وكما تحرم الممارسة الجنسية تحرم كل وسائلها أو ما يرغب فيها ويدعو إليها، وأما الضرب لتأديب الصغار عند الخطأ فقد شرعه الإسلام عند عدم جدوى النصح والتوجيه المتكرر بعدة شروط:
الأول: أن يكون بعد إكمال عشر سنوات، وأما من كان أصغر من عشر سنوات فإنه لا يضرب أبدًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعٍ واضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٌ". أخرجه أبو داود (495).
الثاني: ألا يزيد الضرب عن عشر؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرِ جَلْدَاتٍ إِلَّا في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللهِ". أخرجه البخاري (6848). فيضربه ثلاث ضربات مثلًا.
الثالث: ألا يؤدي الضرب إلى أي ضرر يتجاوز ألم الجِلدْ الخارجي، فلا يضرب ضربًا متكررًا لمكان واحد، ولا يكون قويًّا، ولا في وقت مرض المضروب، وألا يجرح الضرب.
الرابع: ألا يضرب في الوجه والرأس، ولا في الأماكن التي يخشى منها الضرر كالفرج مثلًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الوَجْهَ". رواه أبو داود (4493). وفي رواية: "إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ ". أخرجه مسلم (2612).
الخامس: ألا يقصد بالضرب الانتقام أو التشفي، بل يكون مراده إصلاح الخطأ والتأديب.
هذه جملة مختصرة من عناصر هذا الموضوع. والله الموفق.
--------
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 16 / ص 235)
ضرب الزوجة ليس حقًا مطلقًا!
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 03/05/1427هـ
السؤال
هل يصحّ كما يبدو أنّ هناك آيةً قرآنيّةً تُبيح للرجل ضربَ زوجته؟ وإذا كان الجواب إيجابيًّا, ألا يكون في ذلك حثّ على العنف الزوجي؟ و شكرا مقدّما.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) [النساء:34]. وهذه الآية آية محكمة غير منسوخة، ولكن كثيرا من الناس لم يفهم المراد منها، فعمل بفهمه الخاطئ، وتعدى على المرأة، وظن أن هذا من الدين، وإذا رجعنا للمنهج الإسلامي في تعامل الزوجين تبين لنا جليا أنه لا يحث على ما يظنه البعض "لعنف الزوجي"، بل يحث على الألفة، والمحبة، والعشرة بالمعروف، وذلك في آيات، وأحاديث نبوية كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر:
أولا: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء:19].
قال الشافعي -رحمه الله تعالى-: "وجماع المعروف بين الزوجين كف المكروه، وإعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه، لا بإظهار الكراهية في تأديته، فأيهما مطل بتأخيره فمطل الغني ظلم" ا.هـ أحكام القرآن للشافعي (1/204)، الأم (5/89).
وقال الطبري -رحمه الله تعالى-: "يعني جل ثناؤه بقوله (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ): وخالقوا أيها الرجالُ نساءَكم وصاحبوهن (بِالمَعْرُوفِ) يعني بما أمرتم به من المصاحبة، وذلك إمساكهن بأداء حقوقهن التي فرض الله جل ثناؤه لهن عليكم إليهن، أو تسريح منكم لهن بإحسان" ا.هـ تفسير الطبري (4/312).
وقال ابن قدامة -رحمه الله تعالى-: "وقال بعض أهل العلم: التماثل هاهنا في تأدية كل واحد منهما ما عليه من الحق لصاحبه بالمعروف، ولا يمطله به ولا يظهر الكراهة، بل ببشر وطلاقة، ولا يتبعه أذى ولا منة، لقول الله تعالى: "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ" وهذا من المعروف ويستحب لكل واحد منهما تحسين الخلق مع صاحبه، والرفق به، واحتمال أذاه، لقول الله تعالى: "وبالوالدين إحسانا وبذي القربى"... إلى قوله: "والصاحب بالجنب" قيل: هو كل واحد من الزوجين" ا.هـ المغني( 7/223).
وقال ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "وقوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ) أي: طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم، بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ" [البقرة:228]. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي". وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقة، ويضاحك نساءه، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- يتودد إليها بذلك، قالت: سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسبقته، وذلك قبل أن أحمل اللحم، ثم سابقته بعد ما حملت اللحم فسبقني، فقال: "هذه بتلك". ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد، يضع عن كتفيه الرداء، وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلا قبل أن ينام، يؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم، وقد قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب:21]". ا.هـ تفسير ابن كثير (1/467)، وانظر زاد المعاد (1/150).
وقال الذهبي -رحمه الله تعالى-: "وإذا كانت المرأة مأمورة بطاعة زوجها وبطلب رضاه، فالزوج أيضا مأمور بالإحسان إليها، واللطف بها، والصبر على ما يبدو منها من سوء خلق وغيره، وإيصالها حقها من النفقة، والكسوة، والعشرة الجميلة، لقول الله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ)" ا.هـ الكبائر (1/178).
ثانيا: قال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الرُّوم:21]. قال ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "فلا ألفة بين روحين أعظم مما بين الزوجين" ا.هـ تفسير ابن كثير (2/275).
ثالثا: قال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [البقرة:228]. قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "إني لأحب أن أتزين للمرأة، كما أحب أن تزين لي، لأن الله عز وجل يقول: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ) وما أحب أن أستوفي جميع حق لي عليها، لأن الله عز وجل يقول: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ). رواه ابن أبي شيبة (4/196) وابن جرير (2/453) والبيهقي (7/295) وانظر الدر المنثور (1/661).
رابعا: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ كان يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فلا يُؤْذِ جَارَهُ، وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا؛ فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ من ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ في الضِّلَعِ أَعْلَاهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لم يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا". رواه البخاري (4890) ومسلم (1468).
قال النووي -رحمه الله تعالى-: "فيه الحث على الرفق بالنساء، والإحسان إليهن، والصبر على عوج أخلاقهن، واحتمال ضعف عقولهن، وكراهة طلاقهن بلا سبب، وأنه لا مطمع في استقامتهن" ا.هـ مرقاة المفاتيح (6/356).
وقال المناوي -رحمه الله تعالى-: "وفيه ندب المداراة، لاستمالة النفوس، وتألف القلوب، وسياسة النساء بأخذ العفو عنهن، والصبر عليهن، وأن من رام تقويمهن فاته النفع بهن، مع أنه لا غنى له عن امرأة يسكن إليها" ا.هـ فيض القدير (2/388).
خامسا : عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مؤمنه، إن كَرِهَ منها خُلُقًا رضي منها آخَرَ". رواه مسلم (1469).
قال الحافظ النووي -رحمه الله تعالى-: "أي ينبغي أن لا يبغضها، لأنه إن وجد فيها خُلقا يُكره، وجد فيها خُلقا مرضيا، بأن تكون شرسة الخلق، لكنها دينة، أو جميلة، أو عفيفة، أو رفيقة به، أو نحو ذلك " ا.هـ شرح صحيح مسلم (10/ 58)، الديباج للسيوطي (4/80).
سادسا: قال النبي صلى الله عليه وسلم -في حجة الوداع- "اتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَن لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِن فَعَلْنَ ذلك فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ". رواه مسلم (1218) من حديث جابر -رضي الله عنه-.
وعن عَمْرِو بن الْأَحْوَصِ -رضي الله عنه- أَنَّهُ شهد حجة الوداع مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر ووعظ، فذكر في الحديث قِصَّةً فقال: "ألا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ، ليس تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شيئا غير ذلك، إلا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ، فَإِن فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ في الْمَضَاجِعِ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غير مُبَرِّحٍ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، ألا إِنَّ لَكُمْ على نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ على نِسَائِكُمْ، فلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ من تَكْرَهُونَ، ولا يَأْذَنَّ في بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، ألا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ في كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ". رواه ابن أبي شيبة (2/56) والنسائي في الكبرى (9169) وابن ماجه (1851) والترمذي (1163)، وقال: حسن صحيح.
سابعا: عن عبد اللَّهِ بن زَمْعَةَ -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَا يَجْلِد أحدكم امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ، ثُمَّ يُجَامِعُهَا في آخِرِ الْيَوْمِ". رواه البخاري (4908).
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: "وفي سياقه استبعاد وقوع الأمرين من العاقل، أن يبالغ في ضرب امرأته، ثم يجامعها من بقية يومه أو ليلته، والمجامعة أو المضاجعة إنما تستحسن مع ميل النفس، والرغبة في العشرة، والمجلود غالبا ينفر ممن جلده، فوقعت الإشارة إلى ذم ذلك، وأنه إن كان ولا بد فليكن التأديب بالضرب اليسير، بحيث لا يحصل منه النفور التام فلا يفرط في الضرب، ولا يفرط في التأديب... ولأن ضرب المرأة إنما أبيح من أجل عصيانها زوجها، فيما يجب من حقه عليها" ا.هـ فتح الباري (9/303) عمدة القاري (20/192).
ثامنا: عن إياس بن أبي ذباب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تضربوا إماء الله". قال فذئر -أي نشز- النساء، وساءت أخلاقهن على أزواجهن، فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: ذئر النساء، وساءت أخلاقهن على أزواجهن منذ نهيت عن ضربهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فاضربوا" فضرب الناس نساءهم تلك الليلة، فأتى نساء كثير يشتكين الضرب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين أصبح: "لقد طاف بآل محمد الليلة سبعون امرأة كلهن يشتكين الضرب، وأيم الله لا تجدون أولئك خياركم". رواه النسائي في الكبرى (9167)، وصححه ابن حبان (4189).
قال الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-: "فجعل لهم الضرب، وجعل لهم العفو، وأخبر أن الخيار ترك الضرب" ا.هـ الأم (5/112).
وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-: "فيه دلالة على أن ضربهن مباح في الجملة، ومحل ذلك أن يضربها تأديبا إذا رأى منها ما يكره، فيما يجب عليها فيه طاعته، فإن اكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل، ومهما أمكن الوصول إلى الغرض بالإيهام لا يعدل إلى الفعل، لما في وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن المعاشرة المطلوبة في الزوجية، إلا إذا كان في أمر يتعلق بمعصية الله" ا.هـ فتح الباري (9/304)، وانظر عون المعبود (6/128).
تاسعا: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ما ضَرَبَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل. رواه مسلم (2328).
قال النووي -رحمه الله تعالى-: "فيه أن ضرب الزوجة، والخادم، والدابة وإن كان مباحا للأدب، فتركه أفضل " ا.هـ شرح صحيح مسلم (15/84).
وقال القاري -رحمه الله تعالى-: "خصا بالذكر اهتماماً بشأنهما، ولكثرة وقوع ضرب هذين، والاحتياج إليه، وضربهما وإن جاز بشرطه، فالأولى تركه، قالوا بخلاف الولد، فإن الأولى تأديبه، ويوجه بأن ضربه لمصلحة تعود إليه، فلم يندب العفو، بخلاف ضرب هذين فإنه لحظ النفس-غالباً- فندب العفو عنهما مخالفة لهواها، وكظماً لغيظها" ا.هـ مرقاة المفاتيح (10/488)، وانظر كشاف القناع (5/209).
عاشرا: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي". رواه ابن حبان (4177). والبيهقي (7/468).
قال المناوي -رحمه الله تعالى-: "ولهذا كان على الغاية القصوى من حسن الخلق معهن، وكان يداعبهن ويباسطهن... "وأنا خيركم لأهلي" أي برا ونفعا لهم، ديناً ودنيا، أي فتابعوني، ما آمركم بشيء إلا وأنا أفعله" ا.هـ فيض القدير (3/496).
الحادي عشر: عن جَابِرٍ -رضي الله عنه- قال: نهى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه. رواه مسلم (2116).
قال النَّوَوِيّ -رحمه الله تعالى-: "وأما الضرب في الوجه، فمنهي عنه في كل الحيوان المحترم، من الآدمي، والحمير، والخيل، والإبل، والبغال، والغنم، وغيرها، لكنه في الآدمي أشد، لأنه مجمع المحاسن، مع أنه لطيف لأنه يظهر فيه أثر الضرب، وربما شانه وربما آذى بعض الحواس" ا.هـ شرح النووي على صحيح مسلم (14/97)، وانظر عمدة القاري (21/140)، التيسر بشرح الجامع الصغير (2/470)، نيل الأوطار (8/250)،عون المعبود (7/167).
وعن معاوية بن الحكم السلمي -رضي الله عنه- قال: كانت لي جارية ترعى غنمًا لي قبل أحد والجوانية فاطلعت ذات يوم، فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم، آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك علي، قلت : يا رسول الله أفلا أعتقها قال: "ائْتِنِي بها". فأتيته بها فقال لها: "أَيْنَ الله؟" قالت: في السماء قال: "مَنْ أَنَا؟". قالت: أنت رسول اللَّه. قال: "أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ". رواه مسلم (537).
الثاني عشر: عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، وكان بيده سواك، فدعا وصيفة له أو لها، حتى استبان الغضب في وجهه، وخرجت أم سلمة إلى الحجرات، فوجدت الوصيفة وهي تلعب ببهمة، فقالت: ألا أراك تلعبين بهذه البهمة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك، فقالت: لا والذي بعثك بالحق ما سمعتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا خشية القود، لأوجعتك بهذا السواك". رواه أبو يعلى (6944) والبخاري في الأدب (184)، وقال المنذري: "رواه أبو يعلي بأسانيد أحدها جيد" ا.هـ الترغيب والترهيب (3/153)ن وضعيف الترغيب والترهيب (2/98)، رقم (1379). وقال الهيثمي: "وإسناده جيد عند أبي يعلى والطبراني" ا.هـ مجمع الزوائد (10/353).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن ضرب سوطا ظلما اقتص منه يوم القيامة". رواه البزار والطبراني في الأوسط (1445) وإسنادهما حسن. مجمع الزوائد (10/353).
وبعد هذه الجولة في تلك الآيات والأحاديث المباركة، وما هي إلا فيض من غيض يتبين معنى الآية ويظهر لنا ما يلي:
أولا: وجوب معاشرة كل واحد من الزوجين الآخر بالمعروف.
ثانيا: أن القوامة بيد الرجل، ومما يدخل في القوامة تقويم سلوك الزوجة، متى أساءت أو نشزت بترفعها عليه، أو غلظتها معه، أو معصيته بما يجب عليها له، فيُقوِّمها بالنصح أولا، وذلك بتذكيرها بحرمة النشوز، ووجوب طاعتها له في غير معصية، مع ذكر الأدلة على ذلك، كحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إلى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ، فَبَاتَ غَضْبَانَ عليها، لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حتى تُصْبِحَ". رواه البخاري (3065).
فإن لم يُجْدِ ذلك هجر فراشها أو الحديث معها في البيت، ولا يتعدى ذلك خارج البيت، لحديث حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "أَن تُطْعِمَهَا إذ طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إذا اكْتَسَيْتَ، أو اكْتَسَبْتَ ولا تَضْرِب الْوَجْهَ، ولا تُقَبِّحْ، ولا تَهْجُرْ إلا في الْبَيْتِ" رواه أحمد (20036) وأبو داود (2142) والنسائي في الكبرى (11431)، وحسنه النووي في رياض الصالحين (277).
ومدة الهجر لا تزيد على ثلاثة أيام لحديث أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَن يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ". رواه البخاري (5718) ومسلم (2559).
فإن لم ينفع ذلك معها، جاز له ضربها ضربا غير مبرح بسواك، أو بمنديل ملفوف، لا بسوط، ولا بعصى، أو نحوه -والسواك كما لا يخفى دقيق، وقصير، طوله غالبا طول القلم- (كشاف القناع 5/210) عن عطاء قال: قلت لابن عباس: ما الضرب غير المبرح؟ قال: السواك، وشبهه يضربها به. رواه ابن جرير (5/68)، وانظر الدر المنثور (2/523)
ويحرم عليه ضرب الوجه والمقاتل (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) [النساء:34] قال ابن كثير -رحمه الله تعالى-: "وقوله تعالى: (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا) أي إذا أطاعت المرأة زوجها في جميع ما يريده منها مما أباحه الله له منها، فلا سبيل له عليها بعد ذلك، وليس له ضربها ولا هجرانها، وقوله (إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير وليهن وهو منتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن " ا.هـ تفسير ابن كثير (1/493).
فإن تلف من الزوجة شيء بسبب الضرب، ضمن ما وقع منه لتبين أنه إتلاف لا إصلاح. شرح زيد بن رسلان (1/259).
ثالثا: يحرم على الزوج ضرب زوجته ظلما بلا سبب، ولو كان الضرب يسيرا، فالظلم ظلمات يوم القيامة، قال ابن جرير -رحمه الله تعالى-: "إنه غير جائز لأحد ضرب أحد من الناس ولا أذاه إلا بالحق، لقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب:58] سواء كان المضروب امرأة وضاربها زوجها، أو كان مملوكا، أو مملوكة، وضاربه مولاه، أو كان صغيرا وضاربه والده، أو وصي والده وصاه عليه " ا.هـ تهذيب الآثار مسند عمر بن الخطاب (1/418).
وقال تعالى: (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [البقرة:231]، فقد نهى الزوج عن الإضرار بمطلقته فكيف بزوجته.
رابعا: أن يقصد الزوج من ذلك تأديبها، وتقويمها، لا التشفي والانتقام منها.
خامسا: أنه لا يحل له ضربها أكثر من عشر ضربات بحال من الأحوال، لحديث أبي بردة الأنصاري -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لَا تَجْلِدُوا فَوْقَ عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ، إلا في حَدٍّ من حُدُودِ اللَّهِ" رواه البخاري (6458) ومسلم (1708).
سادسا: أن التأديب متى ما كان في الحدود المشروعة آتى أُكُله، ولا يصح تسميته "عنفا أسريا"، أما لو تجاوز الحدود الشرعية فهو محرم شرعا، وسمِّه ما شئت بعد ذلك "عنفا أسريا"، أو غير ذلك.
سابعا: أن الترفع عن الضرب أفضل وأكمل، إبقاءً للمودة. الفروع (5/258)، المبدع (7/215)، كشاف القناع (5/210).
حتى مع وجود الداعي له، لحال النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه ما ضرب خادما، ولا امرأة. قال شريح -رحمه الله تعالى-:
رأيت رجالا يضربون نساءهم *** فشلَّت يميني حين أضرب زينبا
وزينب شمس والنساء كواكب *** إذا طلعت لم تبق منهن كوكبا
تاريخ دمشق (23/52)، سير أعلام النبلاء(4/106)، الطبقات الكبرى (6/143).
ثامنا: أنه لا يحل للرجل أن يضرب زوجته إن استدعى الأمر ذلك أمام أطفالها، أو غيرهم، لكون ذلك زيادة في التأديب، لم يأذن بها الشارع، وتنجم عن ذلك أمور لا تحمد عقباها.
تاسعا: أرى أنه لا يحل للرجل أن يضرب زوجته في حال الغضب، ولو مع وجود ما يستدعي ضربها، لكونه والحال هذه سيتجاوز الحد المأذون به.
فإن امتثل الزوج ذلك فإنه لا يسأل عن ضربه زوجته، ويحمل عليه حديث عمر -رضي الله عنه-إن صح- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يسأل الرجل فيم ضرب امرأته" رواه أبو داود (2147) والنسائي في الكبرى (9168) وابن ماجه (1986)، وهو حديث ضعيف، قال ابن المديني -رحمه الله تعالى-: "فإن إسناده مجهول رواه رجل من أهل الكوفة يقال له داود بن عبد الله الأودي، لا أعلم أحدا روى عنه شيئا غير عبد الرحمن المسلي، وهو عندي أبو وبرة المسلي" ا.هـ العلل لابن المديني (1/93).
أما إذا تعسف الزوج وتجاوز حده في التأديب، فإنه يقتص منه لزوجته، بلا خلاف أعلمه.
ومع الأسف فإن العنف الأسري ليس قاصرا على الزوج بل امتد ليصدر من الزوجة ضد زوجها، وليس بالقليل، فقد سمعت المحامي الكويتي خالد العبد الجليل يقول: إن دراسة في الكويت تثبت أن عشرين في المائة من الزوجات يضربن أزواجهن ضربا مبرحا!!
وهذا غيض من فيض، وإلا فالموضوع بحاجة إلى تحرير وإيضاح، وتفصيل، ومناقشة الشبه التي يطرحها بعض المغرضين.
وأخيرا: يجب على المسلم التأدب مع كلام الله تعالى، فلا يليق بمسلم أن يعترض على حكم من الأحكام التي أذن الله تعالى بها، وهو الحكيم العليم بمثل هذه الشبه الباردة، وبمثل هذا الكلام الذي يتكلم به كثير ممن لا خلاق لهم، بل الواجب على كل مسلم ومسلمة التسليم المطلق لما جاء عن الله تعالى، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) [الأحزاب:36] وقال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء:65]. والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 18 / ص 150)
أنقذوني من جحيم زوجي
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية -سابقا-ً
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/ المشكلات الزوجية/سوء العشرة
التاريخ 03/04/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا امرأة متزوجة منذ 9سنوات، ولديّ أولاد، كانت حياتي في بدايتها سعيدة، يتخللها المرح والاحترام المتبادل بين الزوجين، فزوجي شخص حنون وملتزم التزاماً حسناً، ويكثر من قراءة القرآن وحضور المحاضرات، -هذا ما علقني به أول الأمر-، وبعد سنتين من الزواج بدأ زوجي -مع التزامه- عند حدوث أي مشكلة يستخدم الكلمات البذيئة، ثم بعدها بفترة استخدم الضرب، سواء بيده أو بأي شيء معه ما عدا الحديد، ومع سكوتي وسرعة رضائي عنه أصبح يتمادى في ضربي في أي مكان من جسمي، وأنا مهما تكن حالتي أثناء المشكلة لا أحب أن أخبر أحداً من أهلي بذلك، ولا أحب تصعيدها؛ لأني أحس أنها مشكلة عائلية خاصة جداً جداً.
وقد مرت فترة 4 أشهر تقريباً عاهد فيها نفسه ألا يضربني؛ بحجة أنه لا يريد الاحتكاك معي، وأنه سوف يتجاهلني، وأنا أحس أنه في تلك الفترة قد حس بالذنب، ولكن لا يفصح، فرجع بعدها أشد من ذي قبل، فأصبح -تقريباً- في الأسبوع مرة أو مرتين يضربني، حتى بدأت معالم في جسمي جراء الضرب المبرح أخفيها عن الناس، وكلٌّ يسألني عن هذه الآثار التي في يدي ورجلي؟ وقد تحدث لي -كامرأة- بعض المضاعفات الداخلية من أثر الضرب على الظهر وعلى البطن، لأنه يتهور إذا بدأ يضرب، وقد أدافع أنا بدفع يده أو إبعاده بقدمي، لكن لا تقارن قوتي بقوته كرجل، ويقول لي: في القرآن كلمة (واضربوهن).
أنصحوني ماذا أفعل في حياتي الزوجية الخالية من أي معالم الكرامة؟ فأنا أحس باليأس منها، ولا أريد إفسادها، وماذا أفعل لإصلاحها، وهل يمكن ذلك؟.
الجواب
الابنة الصابرة وفقها الله.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فلقد سببت لي رسالتك -أيتها الصابرة- ألماً نفسياً شديداً بسبب هذه المعاناة التي صورتها كلماتك، وزاد ألمي وصفك لهذا الزوج بالالتزام، وقراءة القرآن، وحضور المحاضرات.
وأصارحك بأني لا أبرئك من خطأ يستثير زوجك، ويكون سبباً في قسوته وعدوانه، وأن عليك تفقد نفسك أن تكوني سبباً للإثارة، ولكني أعلم يقيناً أن الأخطاء لا تعالج بهذا العدوان، وأن خطأ الزوج الذي يتعامل بهذه القسوة أكبر من خطأ الزوجة، وأن هذا التعامل القاسي لا يصح صدوره من مسلم يخشى الله ويتقيه.
فأين هو -هداه الله- إذًا من قول الله -عز وجل-: "وعاشروهن بالمعروف" [النساء: 19].
وقوله صلى الله عليه وسلم: "إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة" أخرجه أحمد (9666)، وابن ماجه (3678). وقوله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله" أخرجه مسلم (1218).
أين هو -هداه الله- من شهامة الرجل الذي ينظر للمرأة على أنها محل الرعاية والحماية والعطف، وليس على أنها ميدان لاستعراض القوة، وإظهار البطولات، وتحقيق الانتصارات، ولذا قالت العرب: "لا يكرمهن إلا كريم ولا يهينهن إلا لئيم، يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام".
أي بنيتي: إني أرى أن عليك أن تجلسي إلى زوجك في ساعة صفاء؛ تبثين فيها إليه -بكثير من الهدوء والمنطق والعقل- معاناتك، وتتحدثين معه على أنه زوجك وأقرب الناس إليك، وأنك ما صبرت هذا الصبر إلا محبة للبقاء معه، وكرهاً للبعد عنه.
حدثيه وهو المسلم الملتزم كما وصفتِه:
بأن الإسلام أسس لتعامل أسري رائع، وحياة دافئة ناعمة، بعيدة عن التوتر والخشونة؛ ليتحقق الإشباع العاطفي والاستقرار الأسري والصحة النفسية العالية لجميع أفراد الأسرة.
فللزوجة الحب وحسن المعاملة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "حتى اللقمة التي ترفعها إلى في امرأتك" صحيح البخاري (2742)، وصحيح مسلم (1628). وقال -عليه الصلاة والسلام-: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله" أخرجه الترمذي (2612)، وغيره.
حدثيه: أن الشريعة جاءت أيضًا بإقامة العوازل ضد تصرفات القسوة والعنف.
فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول وهو يربي المجتمع لتخليصهم من أوضار الإرث الجاهلي: "لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يضاجعها في آخر اليوم" أخرجه البخاري (5204). ولينظر إلى المقارنة الرائعة التي تبين أن دفء الاحتضان الليلي لا يمكن أن يكون ثمرة لشراسة العنف النهاري.
وعندما اشتكى نساء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ضرب أزواجهن تفاعل -بأبي هو وأمي- مع هذه الشكاية، فقال: "إنه قد طاف بأبيات آل محمد نساء كثير كلهن يشتكين أزواجهن، أولئك ليسوا بخياركم" أخرجه النسائي في الكبرى (9176). وقد كان صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة في ذلك، فهو زوج لتسع نسوة، وأب لبنات وأحفاد، ومع ذلك ما ضرب -صلى الله عليه وسلم- بيده امرأة ولا خادمًا ولا أحدًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله.
بل كان صلى الله عليه وسلم هو الحماية والملاذ للزوجة، فقد مر أبو بكر -رضي الله عنه- ببيت عائشة، فسمع صوتها مرتفعًا، فاستأذن ودخل غاضبًا على ابنته، وهو يقول: ترفعين صوتك على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهمَّ أن يتناولها بيده، فلم يكن لها ملاذ إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي حماها منه، وخرج أبو بكر ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينظر إليها، ويقول: "كيف رأيتيني أنقذتك من الرجل" أخرجه أبو داود (4999)، وغيره.
حدثيه يا بنتي: أن العنف والقسوة في الأسرة سبب نضوب العاطفة، وبناء عوازل نفسية بين أفراد الأسرة ورب الأسرة، وأن هذا العنف يحول علاقة الحب إلى رعب، والتآلف إلى نفرة.
إن المرأة مهما كانت نبلاً ومثالية لن تعطي لزوجها وآثار عنفه على جسدها، ولن تبادله حبًا وعاطفة وآثار جراحاته النفسية غائرة في وجدانها، ولذا تقع هذه المرأة عرضة لأنواع الإصابات النفسية الشديدة التي تعوقها عن القيام بدورها زوجة وأماً.
ذكِّريه أن الأب والزوج القاسي لن يكون مصدرًا للتوجيه، ولا نموذجًا للقدوة، وصلوات الله على خير معلّم للناس الخير، حيث قال: "إن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف" صحيح مسلم (2593). "إنها رحمة وإنما يرحم الله من عباده الرحماء" صحيح البخاري (1284)، صحيح مسلم (923).
ذكِّريه بأن استدلاله بقوله تعالى:"واضربوهن.." استدلال غير صحيح؛ لعدة أمور:
أولهما: أن الله ذكر الضرب بعد أدبين قبله، فهو غير مشروع إلا إذا لم يفد ما قبله، وهو قوله تعالى:"فعظوهن واهجروهن في المضاجع" [النساء: 34]، فالرجل يقدم الموعظة، فإذا لم تجدِ هجر هجراً جميلاً، فإذا لم يجدِ انتقل إلى الضرب، فالضرب هو الوصفة الأخيرة والنادرة، ولكن صاحبك -هداه الله- جعلها الوصفة الأولى والدائمة.
ثانيهما: أن الضرب المأذون به هو ما وصفه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "ضرباً غير مبرح" صحيح مسلم (1218). إنه ضرب توجيه وتأديب، لا ضرب قسوة، وتشفٍّ وانتقام، ضرب يشعر بالعتب ولا يتلذّذ بالألم، يستعمل فيه الرجل قوة شخصيته، وليس قوة جسمه.
فأين هذا وما تصفينه من ضرب هذا الزوج -هداه الله-.
ذكريه -بنيتي- وسائليه هل يرضى بمثل هذه المعاملة لأخته أو ابنته؟ وهل ستغمض له عين لو علم أنها تلاقي مثل ما تلاقينه؟
ذكِّريه أن قوته عليك فوقها قوة الله الذي وهبه قوته، وقد يسلبها منه في أي لحظة، أو يسلِّط عليه من هو أقوى منه، وأن الله -عز وجل- يملي للظالم ثم يأخذه بعزته وقهره "ولا تحسبن الله غافلاً عمّا يعمل الظالمون" [إبراهيم: 42]، "دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب -عز وجل-: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين" أخرجه أحمد (9743).
حدثيه بهذا ومثله، فإن كان ممن يخشى الله، فقد قال الله: "سيذكر من يخشى" [الأعلى: 10]. وتكونين قد أديت واجبك نصحاً وتفاهماًَ.
ثالثهما: أحذرك من الخضوع والخنوع لهذا الوضع المهين، وعليك بالمحافظة على حقوقك، وليس السكوت والاحتمال هو الحل دائماً.
ولذا فإذا حصل أن كرر مثل هذا التصرف فإن عليك الاستعانة بأهلك، ووضعهم في الصورة، واستخراج تقرير عاجل عن الحالة من المستشفى، ثم التقدم بشكاية فورية للمحكمة.
واعلمي -يا ابنتي- أن المحاكم لم توضع إلا لحماية الحقوق، وردع من لا يرتدع إلا بقوة الحق.
أي بنيتي، إني أخشى أن يكون زوجك -هداه الله- مأزوماً بأزمة نفسية، ويجعلك محطة تفريغ انفعالاته المريضة، ولذا فإن المواجهة توقف هذا النوع عند حده، وتشعره أن التمادي بلا حدود لا يمكن استمراره.
فإن توقف وارتدع فالحمد لله، ولعلها تكون نهاية المعاناة، وأن يؤلف الله بينكما بحياة مستقرة هانئة.
وإن أدى ذلك إلى أن يطلقك ويذهب عنك، فلا أظنك ستخسرين ما يؤسف عليه، وسيغني الله كلاً من سعته، وكان الله واسعاً حكيماً.
أعانك الله، ويسر أمرك، وفرج همك، ونفس كربك، والسلام عليك.
-------------
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 20 / ص 308)
كيف أحب رسول الله؟
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/ استشارات دعوية/أخرى
التاريخ 14/6/1425هـ
السؤال
أشعر أحياناً بأني لا أحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فهل هذا وسواس أم لا؟ وكيف أبتعد عن هذا الوسواس وأحب الرسول - صلى الله عليه وسلم-؟ وكذلك أريد وصفاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الأخ الكريم: -سلمه الله ورعاه-
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فنشكر لك مراسلتك لنا على موقع (الإسلام اليوم)، ونرجو الله أن تجد منا النفع والفائدة،
ونعتذر عن التأخير في إجابة سؤالك، والجواب على ما سألت كالتالي:
حب الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الإيمان، وبغضه كفر ونفاق، ولا يكتمل إيمان عبد حتى يحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر من ماله وولده ونفسه التي بين جنبيه.
قال تعالى: "قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد
في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره"[التوبة: 24].
وفي البخاري(15)، ومسلم(44) من حديث أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين".
وروى البخاري(6632) عن عبد الله بن هشام -رضي الله عنه-: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو آخذ بيد عمر-رضي الله عنه- فقال له عمر-رضي الله عنه-: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك"، فقال له عمر-رضي الله عنه-: فإنه الآن، والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الآن يا عمر".
وكيف لا يحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحبه تابع لحب الله -عز وجل- والله
-تعالى- اختاره وأحبه. روى مسلم(2276) عن واثلة بن الأسقع-رضي الله عنه- مرفوعاً: "إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم". وروى البخاري(3209)، ومسلم(2637) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: "إذا أحب الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلاناً فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض".
كيف لا يحب وهو الذي بلغ الكمال في رأفته ورحمته بأمته وحرصه على هدايتها: يقول تعالى: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم"[التوبة: 128]، وقال سبحانه: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون"[الأنفال: 33]، وروى مسلم(202) عن ابن عمرو-رضي الله عنهما-: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- تلا قول الله -عز وجل- في إبراهيم- عليه السلام-: "رب إنهن أضللن كثيراً من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم" [إبراهيم: 36]، وقال عيسى- عليه السلام-: "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم"[المائدة: 118]. فرفع يديه وقال: "اللهم أمتي أمتي" وبكى، فقال الله-عز وجل- يا جبريل، اذهب إلى محمد وربك أعلم، فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل - عليه السلام- فسأله، فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بما قال: وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل، اذهب إلى محمد - صلى الله عليه وسلم- فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك".
وروى البخاري(6304)، ومسلم(199)، واللفظ له عن أبي هريرة-رضي الله عنه- مرفوعاً: "لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة، فهي نائلةٌ إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً".
كيف لا يحب يا أخي الكريم وهو الذي حقق الكمال في نصحه للأمة. "لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين" [آل عمران: 164]، وقال تعالى: "كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون"[البقرة: 151].
كيف لا يحب وهو صاحب الأخلاق العالية. "وإنك لعلى خلق عظيم" [القلم: 4].
فيا أخي الفاضل: ذكر نفسك بهذه النصوص في وجوب حب الرسول -صلى الله عليه وسلم-وخطورة تسرب شيء خلاف ذلك، وأحسب أنك مؤمن وأن هذه وساوس شيطانية، يريد بها إبليس أن يصدك عن الدين ويدخلك في عالم الشك والريب ليصل بك إلى الكفر، فإذا وجدت شيء من ذلك فعليك بالتالي:
1- كثرة التعوذ بالله من الشيطان الرجيم .
2- الإلحاح على الله أن يثبت قلبك على الإيمان والدين، كما كان يدعو سيد الخلق
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله:"يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" رواه الترمذي(2140)، وابن ماجة(3834) من حديث أنس -رضي الله عنه-.
3- ذكر نفسك أن إيمانك يقوم على أركان من أعظمها حب الله وحب رسوله -صلى الله عليه وسلم- فاحذر أن تتجاوزهما؛ حتى لا تفقد إيمانك.
4- اقرأ في سيرته -صلى الله عليه وسلم- وشمائله؛ حتى يقوى حبك له .
5- اجلس بين يدي العلماء وطلبة العلم مستفيداً من علمهم، راغباً في صيانة دينك وعقلك وقلبك من نزغات الشيطان.
6- اصحب الصالحين والأخيار الذين أمرنا الله بلزومهم في قوله: "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً"[سورة الكهف: 18-28].
7- اقنع نفسك بعمق أنه لا نجاة لك في الدنيا والآخرة إلا باتباع النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وحبه والتأسي بسيرته وأخلاقه.
8- احذرك من القراءة في كتب المفسدين للعقائد، أو السماع لمن يهمهم صرفك عن الحق وإدخالك في عالم الضلال.
9- أنصحك بقراءة كتاب الله -عز وجل- والإكثار من ذلك، وليكن لك منه نصيب يوميا كورد تلزمه فإنه شفاء لما في الصدور .
10- أشير عليك بقراءة كتاب الرحيق المختوم للمباركفوري، وكتاب الصارم المسلول لابن تيمية، وكتاب (جلاء الإفهام) لابن القيم فإنها نافعة بإذن الله.
11- أكثر من قولك : (لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) مع استشعارك للحاجة إلى الله في دفع هذا الضعف والوساوس.
وإليك شيء من صفات النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخلاقه:
قال هند بن أبي هالة -رضي الله عنه- في حديثه الطويل وفيه: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معتدل الخلق، بادن متماسك، سواء البطن والصدر)، أخرجه الطبراني في الكبير(22/155)، والترمذي في الشمائل(ص329-344)، والبغوي في شرح السنة(13/274)، وابن سعد في الطبقات(1/422) وغيرهم.
قال البراء بن عازب -رضي الله عنه-: (كان رسول الله أحسن الناس وجهاً وأحسنه خَلقاً، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير) رواه البخاري(3549)، ومسلم(2337).
وجاء أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر -رضي الله عنه- ومولاه ودليلهما، خرجوا من مكة ومَرّوا على خيمة امرأة عجوز تُسمَّى (أم مَعْبد)، كانت تجلس قرب الخيمة تسقي وتُطعِم، فسألوها لحماً وتمراً ليشتروا منها، فلم يجدوا عندها شيئاً. نظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى شاة في جانب الخيمة، وكان قد نَفِدَ زادهم وجاعوا.
سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- أم معبد: ما هذه الشاة يا أم معبد؟ فأجابت أم معبد: شاة خلَّفها الجهد والضعف عن الغنم.
قال الرسول -صلى الله عليه و سلم-: "هل بها من لبن؟". ردت أم معبد: بأبي أنت وأمي، إن رأيتَ بها حلباً فاحلبها!. فدعا النبي -عليه الصلاة والسلام- الشاة، ومسح بيده ضرعها، وسمَّى الله جلَّ ثناؤه ثم دعا لأم معبد في شاتها حتى فتحت الشاة رِجليها، ودَرَّت. فدعا بإناء كبير، فحلب فيه حتى امتلأ، ثم سقى المرأة حتى رويت، و سقى أصحابه حتى رَوُوا (أي شبعوا)، ثم شرب آخرهم، ثم حلبَ في الإناء مرة ثانية حتى ملأ الإناء، ثم تركه عندها وارتحلوا عنها ... وبعد قليل أتى زوج المرأة (أبو معبد) يسوق أعنُزاً يتمايلن من الضعف، فرأى اللبن!!. قال لزوجته: من أين لكِ هذا اللبن يا أم معبد والشاة عازب (حائل) ولا حلوب في البيت؟!!. أجابته: لا والله، إلا أنه مَرَّ بنا رجل مُبارَك من حالِه كذا وكذا. فقال لها أبو معبد: صِفيه لي يا أم معبد!!. فأخذت أم معبد تَصِفُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، أبلَجَ الوجهِ (أي مُشرِقَ الوجه) حسن الخلق،لم تَعِبه نُحلَة (أي نُحول الجسم) ولم تزريه صعلة (وهي صفر الرأس) (أنه ليس بِناحِلٍ ولا سمين)، وسيمٌ قسيم (أي حسن وضيء)، في عينيه دَعَج (أي سواد)، وفي أشفاره وَطَف (طويل شعر العين)، وفي صوته صَهَلٌ (حدة وصلابة)، وفي عنقه سَطع (طول)، وفي لحيته كثاثة (كثرة شعر)، أزَجُّ أقرَن (حاجباه طويلان ومقوَّسان ومُتَّصِلان)، إن صَمَتَ فعليه الوقار، و إن تَكلم سماه وعلاهُ البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأجلاهم وأحسنهم من قريب، حلوُ المنطق، فصل لا نزْر ولا هذَر (كلامه بَيِّن وسط ليس بالقليل ولا بالكثير)، كأنَّ منطقه خرزات نظم يتحَدَّرن، رَبعة (ليس بالطويل البائن ولا بالقصير)، لا تشنأه من طول، ولا تقتَحِمُه عين من قِصر، غُصن بين غصنين، فهو أنضَرُ الثلاثة منظراً، وأحسنهم قَدراً، له رُفَقاء يَحُفون به، إن قال سمعوا لقوله، وإن أمَرَ تبادروا إلى أمره، محشود محفود (أي عنده جماعة من أصحابه يطيعونه)، لا عابس ولا مُفَنَّد (غير عابس الوجه، وكلامه خالٍ من الخُرافة).
قال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الذي ذُكِرَ لنا من أمره ما ذُكِر بمكة، ولقد همَمتُ أن أصحبه، ولأفعَلَنَّ إن وَجدتُ إلى ذلك سبيلا. وأصبح صوت بمكة عالياً يسمعه الناس، ولا يدرون من صاحبه وهو يقول:
جزى الله رب الناس خيرَ جزائه*** رفيقين حلاّ خيمتي أم معبد
هما نزلاها بالهدى واهتدت به*** فقد فاز من أمسى رفيق محمد
حديث حسن قوي أخرجه الحاكم(4333) وصححه، ووافقه الذهبي، وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ليلة إضحيان، وعليه حُلَّة حمراء، فجعلتُ أنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإلى القمر، فإذا هو عندي أحسنُ من القمر". (إضحِيان هي الليلة المقمرة من أولها إلى آخرها) والحديث رواه الترمذي(2811) وغيره.
- وما أحسن ما قيل في وصف الرسول -صلى الله عليه وسلم-:
وأبيض يُستَسقى الغمام بوجهه ثِمال اليتامى عِصمة للأرامل
(ثِمال: مُطعِم، عصمة: مانع من ظُلمهم). لقد وُصِفَ بأنه كان مشرباً بحمرة، وقد صدق من نعته بذلك، ولكن إنما كان المشرب منه حُمرة، ما ضحا للشمس والرياح، فقد كان بياضه من ذلك قد أشرب حمرة، وما تحت الثياب فهو الأبيض الأزهر لا يشك فيه أحد ممن وصفه بأنه أبيض أزهر ... يعرف رضاه وغضبه وسروره في وجهه، وكان لا يغضب إلا لله، كان إذا رضي أو سُرّ استنار وجهه فكأن وجهه المرآة، وإذا غضب تلون وجهه واحمرت عيناه.
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: " استعرت من حفصة بنت رواحة-رضي الله عنها- إبرة كنت أخيط بها ثوب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فطلبتها فلم أقدر عليها، فدخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتبينت الإبرة لشعاع وجهه ... "، أخرجه ابن عساكر والأصبهاني في الدلائل(1/113) والديلمي في مسند الفردوس كما في الجامع الكبير للسيوطي.
ولا بد من الإشارة إلى أن تمام الإيمان بالنبي -صلى الله عليه وسلم- هو الإيمان بأن الله -سبحانه وتعالى- خلق بدنه الشريف في غاية الحسن والكمال على وجه لم يظهر لآدمي مثله.
ويرحم الله القائل:
فهو الذي تم معناه وصورت*** ثم اصطفاه حبيباً بارئ النسم
منزه عن شريك في محاسنه*** فجوهر الحسن فيه غير منقسم
وقيل في شأنه -صلى الله عليه وسلم- أيضاً:
بلغ العلى بكماله، كشف الدجى بجماله، حسنت جميع خصاله، صلوا عليه وآله.
ومن أخلاقه -صلى الله عليه و سلم-: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: " ما خُيِّرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أمرين قط إلا آخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنفسه في شيء قط إلا أن تُنهَكَ حُرمة الله، فينتقم لها للّه"رواه البخاري(6126)، ومسلم(2327). وعن عائشة -رضي الله عنها- أيضاً قالت: " ما ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئاً قط بيده، ولا امرأة، و لا خادماً إلاّ أن يجاهد في سبيل الله، و ما نيلَ منه شيء قط، فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيءٌ من محارِم الله، فينتقم لله- عز وجل-"رواه مسلم(2328) وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أحسن الناس خُلُقاً، فأرسلني يوماً لِحاجة، فقلت: والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لِما أمرني به نبي الله -صلى الله عليه وسلم-. فخرجتُ حتى أمُرَّ على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقفاي قد قبض من ورائي، فنظرتُ إليه وهو يضحك. فقال: "يا أُنَيس أذهبتَ حيث أمرتُك"، فقلت: أنا أذهب يا رسول الله!.
قال أنس -رضي الله عنه-: والله لقد خدمته تسع سنين ما عَلِمْتُهُ قال لشيء صنعتُه: لم فعلتَ كذا وكذا؟ أو لشيء تركته: هلا فعلت كذا وكذا، رواه مسلم(2309). قلت: فكم من مرة قلنا لوالدينا أفٍّ أما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما قال لخادمه: أفٍّ قط!!.
وفي حديث هند بن أبي هالة -رضي الله عنه-السابق أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان خافض الطرف (من الخفض ضد الرفع فكان إذا نظر لم ينظر إلى شيء يخفض بصره؛ لأن هذا من شأن من يكون دائم الفكرة لاشتغال قلبه بربه)، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، وكان جل نظره الملاحظة (المراد أنه لم يكن نظره إلى الأشياء كنظر أهل الحرص والشره بل بقدر الحاجة)، يسوق أصحابه أمامه (أي يقدمهم أمامه، ويمشي خلفهم تواضعاً، أو إشارة إلى أنه كالمربي، فينظر في أحوالهم وهيئتهم، أو رعاية للضعفاء وإغاثة للفقراء، أو تشريعاً، وتعليماً، وفي ذلك رد على أرباب الجاه وأصحاب التكبر والخيلاء)، وكان صلى الله عليه وسلم يبدر من لقي بالسلام.
لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- من أكمل الناس شرفاً، وألطفهم طبعاً، وأعدلهم مزاجاً، وأسمحهم صلة، وأنداهم يداً؛ لأنه مستغن عن الفانيات بالباقيات الصالحات.
وأقترح عليك أن تقرأ كتاب الشمائل المحمدية للإمام الترمذي مع شرحها للإمام الباجوري، والمسمى المواهب اللدنية على الشمائل المحمدية، ويمكنك الاستفادة من هذا الرابط:(صفات الرسول صلى الله عليه وسلم الخلقية) وأرجو الله أن يجعلنا جميعاً من المحبين الصادقين لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ومن المتبعين له ومن المقربين منه يوم القيامة إنه جواد كريم .
---------
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 4 / ص 15)
الإسلام والرق رقم الفتوى:12210تاريخ الفتوى:15 شوال 1422السؤال : 1-لما ذا لم يقض الإسلام على العبودية؟ فقد كان المسلمون في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم يرغمون سجناء الحرب على أن يصبحوا عبيداً وقد بلغ بهم الأمر أن أصبحوا يعاملون سبايا النساء كغنيمة، بل إن القرآن أعطى رجال المسلمين الحق في معاملتهن كملك اليمين من حيث الدخول بهن(انظر سورة النساء) فلماذا هذا؟ وهل ما زال ذلك التعامل جائزاً؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فعلى العبد أن يتذكر دائما أنه عبد مربوب لا يملك من أمر نفسه شيئاً، فسمعه وبصره وعقله وإدراكه ويده ورجله وكل أعضائه بيد الله، تتحرك بأمر الله لا بأمره، ففي حال نومه ويقظته وشغله وراحته ينبض قلبه ويتحرك ولو توقف لهلك هذا الإنسان، هذا في نفسه هو، أما لو نظر إلى انتظام الكواكب في مداراتها والمجرات في أفلاكها، وهي تسير جميعاً بحكمة بالغة ودقة محكمة لعلم الحقيقة التي لا شك فيها وهي: أن لله في أفعاله الحكمة البالغة، وأن أفعاله تعالى لا تخرج عن الحكمة قيد أنملة، ولا أقل من ذلك، فإن جاء الشيطان بعد كل هذا ليقذف الشبه في قلب المسلم فعلى المسلم أن يستعيذ بالله من الشيطان وكيده ووسوسته، وعليه أن يتوجه إلى أهل العلم لسؤالهم. أما بشأن ما ورد في السؤال فنقول:
جاء الإسلام والرق شائع في أمم الأرض منذ أزمان قديمة، ولا فرق عند تلك الأمم بين أن يؤخذ الرقيق في حرب مشروعة، وبين أن يؤخذ فى عدوان ظالم، أو احتيال على أخذ الحر غدراً وخيانة، وأكل ثمنه، فضيق الإسلام هذا الباب، وشدد في حرمة بيع الحر، واسترقاقه، وحصر دائرة الرق فيما أخذ من طريق الجهاد المشروع، ثم نظم الإسلام هذه العلاقة بين العبد والسيد، فأوصى الله تعالى السادة بالعبيد آكد وصية أن يحسنوا إليهم، كما يحسنون إلى آبائهم وأمهاتهم وأقاربهم، وأن يطعموهم مما يأكلون، ويلبسوهم مما يلبسون، وأن لا يكلفوهم من العمل ما لا يطيقون، قال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً)[النساء: 36] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم" والحديث في صحيح مسلم وغيره عن أبي ذر رضي الله عنه. وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة سيئ الملكة" فقال رجل: يا رسول الله أليس أخبرتنا أن هذه الأمة أكثر الأمم مملوكين وأيتاماً؟ قال: "بلى، فأكرموهم كرامة أولادكم، وأطعموهم مما تأكلون" والحديث في المسند وغيره عن أبي بكر الصديق. وفي صحيح مسلم عن أبي مسعود البدري قال: كنت أضرب غلاماً لي بسوط، فسمعت صوتاً من خلفي: "اعلم أبا مسعود" فلم أفهم الصوت من الغضب، قال: فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقول: "اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود" قال: فألقيت السوط من يدي، فقال: "اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام" قال: فقلت: لا أضرب مملوكاً بعده أبداً. رواه مسلم.
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده ولا امرأة ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل.
وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه ستر الله عليه كنفه، وأدخله جنته: رفق بالضعيف، وشفقة على الوالدين، وإحسان إلى المملوك" رواه الترمذي، وقال حسن غريب.
بل إن من آخر ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة وملك اليمين(العبيد) ففي المسند وسنن ابن ماجه وغيرهما عن أنس قال: كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت: الصلاة وما ملكت أيمانكم حتى، جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يغرغر بها صدره وما يكاد يفيض بها لسانه.
وفي المقابل أوصى العبد بطاعة سيده، والقيام بحقه، ووعده على ذلك أجراً مضاعفاً، كما في الصحيحين عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة يؤتون أجورهم مرتين: الرجل تكون له الأمة فيعلمها ويحسن تعليمها، ويؤدبها فيحسن تأديبها، ثم يعتقها فيتزوجها فله أجران، ومؤمن من أهل الكتاب الذي كان مؤمناً ثم آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم فله أجران، والعبد الذي يؤدي حق الله تعالى، وينصح لسيده.."
وإضافة إلى ما قلناه من أن الإسلام ليس هو الذي جاء بالرق، وأنه نظم العلاقة بين السادة والعبيد، فإنه قد فتح الباب على مصراعيه للعتق ورغب فيه، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضو منه عضواً من النار" وقال تعالى: (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً وآتوهم من مال الله الذي آتاكم)[النور: 33] وفي المسند عن سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أعان مجاهداً في سبيل الله أو غارماً في عسرته أو مكاتباً في رقبته أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" وقد جعل الله جزءا من الزكاة -التي هي ركن من أركان الإسلام- مخصصاً لهذا الغرض، وقد جعل الله عتق الرقاب كفارة لأمور تحدث كثيراً، فكفارة قتل الخطأ عتق رقبة، وكفارة الظهار عتق رقبة، وكفارة الأيمان عتق رقبة، وكفارة من أفطر في رمضان متعمداً عتق رقبة، وبهذا تعلم أن الإسلام يتشوق إلى الحرية ويتطلع إليها، وتشريعاته تتضمن ذلك، وتعلم الطريقة التي يريد الإسلام أن يقضي بها على العبودية بدون قسر ولا قهر، ولا تداعيات وآثار سلبية، ونحن على يقين بأنه لو ظل سلطان الإسلام الصحيح قائماً في الأرض لاضمحلت هذه الظاهرة أو كادت، ولكان ما بقي من الرقيق يساوي بين بقائه رقيقاً وعتقه، وذلك لما يوليه الإسلام له من عناية ويحض على حسن معاملته.
وقد سبقت أجوبة لنا في هذا الموضوع فيها بعض الفوائد لم تذكر هنا فإليك أرقامها لتراجعها إن شئت:
4492 5730 4341
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 34 / ص 413)
:تأديب العم ابن أخيه مشروع رقم الفتوى:52292تاريخ الفتوى:05 رجب 1425السؤال:
إذا تعدى عم على ولد ليس ابنه وهو ولد أخيه عمره 13 سنة، وتضارب معه، والولد لا حول ولا قوة إلا بالله، فهل هو على حق أم باطل، وهل يرضى الله عنه؟
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن العم يتعين عليه الحرص على تهذيب أخلاق ولد أخيه، والأولى أن يستعمل في ذلك النصح برفق وحكمة ومحاولة الإقناع العاطفي والعقلي، ويتأكد هذا في المراهق والبالغ.
ولا يلجأ إلى الضرب إلا عند عدم جدوائية غيره من الوسائل، فإذا كان أبو الولد حياً، فإن الأولى بتأديبه هو أبوه، وأما إذا كان أبوه متوفى أو عاجزاً عن التأديب، فإن العم يتنزل منزلة الأب، كما في الحديث: العم أب إذا لم يكن دونه أب. رواه ابن المبارك في البر والصلة عن الزهري مرفوعاً، وقال محققه الدكتور محمد سعيد نجاري مرسل رجال اسناده ثقات، وفي رواية أخرى حسنها الألباني: العم والد.
وبناء على هذا فإنه إذا كان العم قصد تأديب ولد أخيه بالضرب بعد أن استخدم وسائل النصح بالحكمة والرفق والإقناع العقلي والعاطفي والترغيب والترهيب فإنه لا يعتبر ظالماً ما لم يتجاوز حد التأديب، وإن كان العم ضرب ابن أخيه لغير ذلك فإنه ليس محقا إذ لا يحق لمسلم أن يظلم أخاه، كما في الحديث: المسلم أخو المسلم لا يظلمه. رواه البخاري ومسلم.
وفي الحديث عن عائشة قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده ولا امرأة ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل. رواه مسلم.
ثم إن للولد إذا كان مظلوماً أن يدافع عن نفسه، ولكن صبره على عمه أفضل وأولى، ويدل لذلك قول الله تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ* وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ {الشورى:40-41}، وراجع في تأديب الأولاد بالضرب الفتوى رقم: 18842، والفتوى رقم: 14123.
والله أعلم.(1/133)
278-7924 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ : سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَظَهُمْ فِي الرِّيحِ الَّتِي تَخْرُجُ قَالَ : " وَلَمْ يَضْحَكْ أَحَدُكُمْ مِمَّا يَكُونُ مِنْهُ ، وَوَعَظَهُمْ فِي النِّسَاءِ أَنْ يَضْرِبَ أَحَدُهُمُ امْرَأَتَهُ كَمَا يَضْرِبُ الْعَبْدَ أَوِ الْأَمَةَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ ، ثُمَّ يُعَانِقُهَا مِنْ آخِرِ النَّهَارِ " (1)
__________
(1) -البخاري برقم(5204 ) وسنن البيهقى - (ج 37 / ص 267) برقم( 15177 )
فتح الباري لابن حجر - (ج 15 / ص 1)
4805 - قَوْله ( سُفْيَان )
هُوَ الثَّوْرِيّ ،
وَهِشَام
هُوَ اِبْن عُرْوَة ،
وَعَبْد اللَّه بْن زَمْعَة
تَقَدَّمَ بَيَان نَسَبه فِي تَفْسِير سُورَة وَالشَّمْس .
قَوْله ( لَا يَجْلِد أَحَدكُمْ )
كَذَا فِي نُسَخ الْبُخَارِيّ بِصِيغَةِ النَّهْي ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ رِوَايَة أَحْمَد بْن سُفْيَان النَّسَائِيِّ عَنْ الْفِرْيَابِيّ - وَهُوَ مُحَمَّد بْن يُوسُف شَيْخ الْبُخَارِيّ فِيهِ - بِصِيغَةِ الْخَبَر وَلَيْسَ فِي أَوَّله صِيغَة النَّهْي ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْم مِنْ وَجْه آخَر عَنْ الْفِرْيَابِيّ ، وَكَذَا تَوَارَدَ عَلَيْهِ أَصْحَاب هِشَام بْن عُرْوَة ، وَتَقَدَّمَ فِي التَّفْسِير مِنْ رِوَايَة وُهَيْب ، وَيَأْتِي فِي الْأَدَب مِنْ رِوَايَة اِبْن عُيَيْنَةَ ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَد عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ وَعَنْ وَكِيع وَعَنْ أَبِي مُعَاوِيَة وَعَنْ اِبْن نُمَيْر ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم وَابْن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَة اِبْن نُمَيْر ، وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَة عَبْدَة بْن سُلَيْمَان ، فَفِي رِوَايَة أَبِي مُعَاوِيَة وَعَبْدَة " إِلَامَ يَجْلِد " وَفِي رِوَايَة وَكِيع وَابْن نُمَيْر " عَلَامَ يَجْلِد " وَفِي رِوَايَة اِبْن عُيَيْنَةَ " وَعَظَهُمْ فِي النِّسَاء فَقَالَ : يَضْرِب أَحَدكُمْ اِمْرَأَته " وَهُوَ مُوَافِق لِرِوَايَةِ أَحْمَد بْن سُفْيَان ، وَلَيْسَ عِنْد وَاحِد مِنْهُمْ صِيغَة النَّهْي .
قَوْله ( جَلْد الْعَبْد )
أَيْ مِثْل جَلْد الْعَبْد ، وَفِي إِحْدَى رِوَايَتَيْ اِبْن نُمَيْر عِنْد مُسْلِم " ضَرْب الْأَمَة " وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيق اِبْن عُيَيْنَةَ " كَمَا يُضْرَب الْعَبْد وَالْأَمَة " وَفِي رِوَايَة أَحْمَد بْن سُفْيَان " جَلْد الْبَعِير أَوْ الْعَبْد " وَسَيَأْتِي فِي الْأَدَب مِنْ رِوَايَة اِبْن عُيَيْنَةَ " ضَرْب الْفَحْل أَوْ الْعَبْد " وَالْمُرَاد بِالْفَحْلِ الْبَعِير ، وَفِي حَدِيث لَقِيط بْن صُبْرَة عِنْد أَبِي دَاوُدَ " وَلَا تَضْرِب ظَعِينَتك ضَرْبك أَمَتك " .
قَوْله ( ثُمَّ يُجَامِعهَا )
فِي رِوَايَة أَبِي مُعَاوِيَة " وَلَعَلَّهُ أَنْ يُضَاجِعهَا " وَهِيَ رِوَايَة الْأَكْثَر ، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ عُيَيْنَةَ فِي الْأَدَب " ثُمَّ لَعَلَّهُ يُعَانِقهَا " . وَقَوْله " فِي آخِر الْيَوْم " فِي رِوَايَة اِبْن عُيَيْنَةَ عِنْد أَحْمَد " مِنْ آخِر اللَّيْل " وَلَهُ عِنْد النَّسَائِيِّ " آخِر النَّهَار " وَفِي رِوَايَة اِبْن نُمَيْر وَالْأَكْثَر " فِي آخِر يَوْمه " وَفِي رِوَايَة وَكِيع " آخِر اللَّيْل أَوْ مِنْ آخِر اللَّيْل " وَكُلّهَا مُتَقَارِبَة . وَفِي الْحَدِيث جَوَاز تَأْدِيب الرَّقِيق بِالضَّرْبِ الشَّدِيد ، وَالْإِيمَاء إِلَى جَوَاز ضَرْب النِّسَاء دُون ذَلِكَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّف بِقَوْلِهِ " غَيْر مُبَرِّح " ، وَفِي سِيَاقه اِسْتِبْعَاد وُقُوع الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْعَاقِل : أَنْ يُبَالِغ فِي ضَرْب اِمْرَأَته ثُمَّ يُجَامِعهَا مِنْ بَقِيَّة يَوْمه أَوْ لَيْلَته ، وَالْمُجَامَعَة أَوْ الْمُضَاجَعَة إِنَّمَا تُسْتَحْسَن مَعَ مَيْل النَّفْس وَالرَّغْبَة فِي الْعِشْرَة ، وَالْمَجْلُود غَالِبًا يَنْفِر مِمَّنْ جَلَدَهُ ، فَوَقَعَتْ الْإِشَارَة إِلَى ذَمّ ذَلِكَ وَأَنَّهُ إِنْ كَانَ وَلَا بُدّ فَلْيَكُنْ التَّأْدِيب بِالضَّرْبِ الْيَسِير بِحَيْثُ لَا يَحْصُل مِنْهُ النُّفُور التَّامّ فَلَا يُفْرِط فِي الضَّرْب وَلَا يُفْرِط فِي التَّأْدِيب ، قَالَ الْمُهَلَّب : بَيَّنَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ " جَلْد الْعَبْد " أَنَّ ضَرْبَ الرَّقِيق فَوْق ضَرْب الْحُرّ لِتَبَايُنِ حَالَتَيْهِمَا ، وَلِأَنَّ ضَرْب الْمَرْأَة إِنَّمَا أُبِيحَ مِنْ أَجْل عِصْيَانهَا زَوْجهَا فِيمَا يَجِب مِنْ حَقّه عَلَيْهَا ا ه . وَقَدْ جَاءَ النَّهْي عَنْ ضَرْب النِّسَاء مُطْلَقًا ، فَعِنْد أَحْمَد وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان وَالْحَاكِم مِنْ حَدِيث إِيَاس بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي ذُبَاب بِضَمِّ الْمُعْجَمَة وَبِمُوَحَّدَتَيْنِ الْأُولَى خَفِيفَة " لَا تَضْرِبُوا إِمَاء اللَّه " فَجَاءَ عُمَر فَقَالَ : قَدْ ذَئِرَ النِّسَاء عَلَى أَزْوَاجهنَّ ، فَأَذِنَ لَهُمْ فَضَرَبُوهُنَّ ، فَأَطَافَ بِآلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاء كَثِير فَقَالَ : لَقَدْ أَطَافَ بِآلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعُونَ اِمْرَأَة كُلّهنَّ يَشْكِينَ أَزْوَاجهنَّ ، وَلَا تَجِدُونَ أُولَئِكَ خِيَاركُمْ " وَلَهُ شَاهِد مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس فِي صَحِيح اِبْن حِبَّان ، وَآخَر مُرْسَل مِنْ حَدِيث أُمّ كُلْثُوم بِنْت أَبِي بَكْر عِنْد الْبَيْهَقِيِّ ، وَقَوْله " ذَئِرَ " بِفَتْحِ الْمُعْجَمَة وَكَسْر الْهَمْزَة بَعْدهَا رَاء أَيْ نَشَزَ بِنُونٍ وَمُعْجَمَة وَزَاي ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ غَضِبَ وَاسْتَبَّ ، قَالَ الشَّافِعِيّ : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون النَّهْي عَلَى الِاخْتِيَار وَالْإِذْن فِيهِ عَلَى الْإِبَاحَة ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون قَبْل نُزُول الْآيَة بِضَرْبِهِنَّ ثُمَّ أَذِنَ بَعْد نُزُولهَا فِيهِ ، وَفِي قَوْله " لَنْ يَضْرِب خِيَاركُمْ " دَلَالَة عَلَى أَنَّ ضَرَبَهُنَّ مُبَاح فِي الْجُمْلَة ، وَمَحَلّ ذَلِكَ أَنْ يَضْرِبهَا تَأْدِيبًا إِذَا رَأَى مِنْهَا مَا يَكْرَه فِيمَا يَجِب عَلَيْهَا فِيهِ طَاعَته ، فَإِنْ اِكْتَفَى بِالتَّهْدِيدِ وَنَحْوه كَانَ أَفْضَل ، وَمَهْمَا أَمْكَنَ الْوُصُول إِلَى الْغَرَض بِالْإِيهَامِ لَا يَعْدِل إِلَى الْفِعْل ، لِمَا فِي وُقُوع ذَلِكَ مِنْ النَّفْرَة الْمُضَادَّة لِحُسْنِ الْمُعَاشَرَة الْمَطْلُوبَة فِي الزَّوْجِيَّة ، إِلَّا إِذَا كَانَ فِي أَمْر يَتَعَلَّق بِمَعْصِيَةِ اللَّه . وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ فِي الْبَاب حَدِيث عَائِشَة " مَا ضَرَبَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِمْرَأَة لَهُ وَلَا خَادِمًا قَطُّ ، وَلَا ضَرَبَ بِيَدِهِ شَيْئًا قَطُّ إِلَّا فِي سَبِيل اللَّه أَوْ تُنْتَهَك حُرُمَات اللَّه فَيَنْتَقِم لِلَّهِ " وَسَيَأْتِي مَزِيد فِي ذَلِكَ فِي كِتَاب الْأَدَب إِنْ شَاء اللَّه تَعَالَى .
عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 21 / ص 466)
4025 - حدثنا ( محمد بن يوسف ) حدثنا ( سفيان ) عن ( هشام ) عن أبيه عن
( عبد الله بن زمعة ) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في آخر اليوم مطابقته للترجمة ظاهرة ومحمد بن يوسف هو الفريابي وسفيان هو الثوري وهشام هو ابن عروة بن الزبير بن العوام وعبد الله بن زمعة بالزاي والميم والعين بالمهملة المفتوحات وجاء بسكون الميم أيضا ابن الأسود بن المطلب بن أسد الأسدي
والحديث قد مر بأتم منه في تفسير سورة والشمس وضحاها ( الشمس1 ) ح
قوله لا يجلد بصيغة النهي في نسخ البخاري ورواية الإسماعيلي عن أحمد بن سفيان النسائي عن محمد بن يوسف الفريابي المذكور بصيغة الخبر قوله جلد العبد بالنصب أي مثل جلد العبد وعنده مسلم في رواية ضرب الأمة وعند النسائي من طريق ابن عيينة ضرب العبد أو الأمة وفي رواية أحمد بن سفيان جلد البعير أو العبد وسيأتي في الأدب إن شاء الله تعالى من رواية ابن عيينة ضرب الفحل أو العبد والمراد بالفحل البعير ووقع لابن حبان كضربك إبلك قيل لعله تصحيف وفي حديث لقيط بن صبرة عند أبي داود ولا تضرب ظغينتك ضربك أمتك قوله ثم يجامعها جاء في لفظ آخر ثم لعله يعانقها وفي الترمذي مصححا ثم لعله أن يضاجعها من آخر يومه قوله في آخر اليوم ويروى من آخر اليوم أي يوم جلدها وعند أحمد من آخر الليل وعند النسائي آخر النهار
وفي الحديث جواز ضرب العبد بالضرب الشديد للتأديب وفيه أن ضرب النساء دون ضرب العبيد وفيه استبعاد وقوع الأمرين من العاقل أن يبالغ في ضرب امرأته ثم يجامعها في بقية يومه أو ليلته وذلك أن المضاجعة إنما تستحسن مع ميل النفس والرغبة والمضروب غالبا ينفر من ضاربه ولكن يجوز الضرب اليسير بحيث لا يحصل منه النفور التام فلا يفرط في الضرب ولا يفرط في التأديب
شرح ابن بطال - (ج 13 / ص 322)
قال بعض أهل العراق: فأمر الله بهجر النساء فى المضاجع وضربهن تذليلاً منه للنساء وتصغيرًا لهن على إيذاء بعولتهن، ولم يأمر فى شىء من كتابه بالضرب صراحًا إلا فى ذلك وفى الحدود العظام، فساوى معصيتهن لأزواجهن بمعصية أهل الكبائر، وولى الأزواج ذلك دون الأئمة، وجعله لهم دون القضاة بغير شهود ولا بينات ائتمانًا من الله للأزواج على النساء.
قال المهلب: وإنما يكره من ضرب النساء التعدى فيه والإسراف، وقد بين النبى - صلى الله عليه وسلم - ذلك، فقال: « ضرب العبد » ، فجعل ضرب العبد من أجل الرق فوق ضرب الحر لتباين حالتيهم، ولأن ضرب النساء إنما جوز من أجل امتناعها على زوجها فى المباضعة.
واختلف فى وجوب ضربها فى الخدمة، والقياس يوجب إذا جاز ضربها فى المباضعة جاز فى الخدمة الواجبة للزوج عليها بالمعروف.
وقوله: « ثم يجامعها ذلك اليوم » ، تقبيح من النبى - صلى الله عليه وسلم - للاضطراب وقرب التناقض لقلة الرياضة لهن بذلك؛ لأن المرأة إذا عرفت قرب الرجعة وسرعة الفيئة لم تعبأ بإيذائه، ولا يقع فيها ما ندب الله إليه من رياضتها، ويدل على ذلك طول هجران النبى - صلى الله عليه وسلم - لأزواجه المدة الطويلة، ولم يكن ذلك يومًا ولا يومين ولا ثلاثة، وكذلك كان هجران النبى - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين لكعب بن مالك وصاحبيه حتى مضت خمسون ليلة.
وقال قتادة فى قوله: « ضربًا غير مبرح » ، قال: يعنى غير شائن، وقال الحسن: غير مؤثر.
وقد تقدم فى باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها اختلاف العلماء فى ضرب النساء، واختلاف الآثار فى ذلك، وبيان مذاهبهم، والحمد لله.
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 7925)
18 - سادسًا: للسّيّد حقّ تأديب عبده ومعاقبته على ترك ما أوجبه اللّه عليه ، أو فعل ما حرّمه اللّه تعالى ، أو مخالفة السّيّد ، أو إساءة الأدب ، أو غير ذلك باللّوّم أو الضّرب ، كما يؤدّب ولده وزوجته النّاشز.
واختلفوا في إقامة السّيّد الحدّ والقصاص على عبده.
وسيأتي بيان ذلك إن شاء اللّه.
ومن جملة العقوبة الّتي يملكها السّيّد أن يضربه على ترك الصّلاة إذا كان مميّزًا وبلغ عشر سنين ، وذلك لتمرينه عليها حتّى يألفها ويعتادها لحديث: " واضربوهم عليها وهم أبناء عشرٍ "قال الحجّاويّ والبهوتيّ: وللسّيّد أن يزيد في ضرب الرّقيق ، تأديبًا على ضرب الولد والزّوجة ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: " لا تضرب ظعينتك كضرب أمّيّتك " وقوله: " لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثمّ يجامعها في آخر اليوم "
وللسّيّد أن يقيّد عبده إذا خاف عليه الإباق.
موسوعة الأسرة المسلمة معدلة - (ج 13 / ص 221)
و القوامة التي أخبر الله عنها هي قوامة إدارة ورعاية ، لا قوامة تحكّم بل إن كلمة ( ( قوامة ) ) لا تصلح في مدلولها اللغوي لهذا الوهم الثاني فقط ، و الله عز وجل نفى أن يكون للرجل ولاية على المرأة ، ولم يجعل لرجولته سلطاناً يبرر ذلك .
وأثبت الله عز وجل في مكانها ما لم يعرفه أي قانون وضعي إلى اليوم ، وهو ما نعبر عنه في الشريعة الإسلامية بالولاية المتبادلة ، فقال : ((الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ )) [36] فإذا أسقط البيان الإلهي ولاية الرجل على المرأة بهذا القرار الواضح الجلي ، فأي معنى بقي إذن للقوامة التي أخبر في هذه الآية عنها ؟ . . المعنى الباقي لها هو الإدارة والرعاية ، ومصدر استحقاق الرجل للأولى ، كونه هو المنفق عليها والقانون الدولي يقول : من ينفق يشرف ، أما مصدر رعايته لها ، فما قد قضى به الله الفاطر الحكيم من أن سعادة كل من الرجل و المرأة ، في أن تكون المرأة في كنف الرجل ، لا أن يكون الرجل في كنف المرأة ، وإن واقع الدنيا كلها أفصح بيان ينطق بذلك . [37]
o قوله تعالى (( واللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا))[38]
إن الله سبحانه و تعالى أمر بهذا الأمر بعد عدة وسائل لإصلاح الزوجة و حفظ البيت المسلم من الانهيار و هي الوعظ الكلامي ثم الهجر الذي يعد من العقوبات النفسية و إذا لم تنجح كل هذه الطرق فعليه - أي الزوج - أن يلجأ لعقوبة نفسية أشد من الهجر و هي الضرب غير المبرح فهو لا يقصد به الإيذاء أبداً و إنما هو كضرب الرجل ابنه لا يعدو أن يكون تأديباً
فإذا قيل فلماذا يكون حق التأديب حكراً على الرجال دون النساء ؟ فإن الجواب على هذا يكون بأننا اتفقنا أن الرجل هو القوام على المرأة و أن المرأة تعيش تحت كنفه و في رعايته فلهذا يكون هو الرئيس و المدير العام لشؤون البيت و أي خطأ يرتكبه أفراد البيت فيجب عليه هو القيام بمهمة التأديب ، و أما إذا جعلنا كلاً من المرأة و الرجل رئيسين لمؤسسة واحدة فلا يجتمع - كما يقال - ديكان على مزبلة ، و لن تؤدي هذه المؤسسة التي تصنع للمجتمع أفراده مهمتها العظيمة الموكولة إليها.
كما أننا عندما نبحث في تشريع الضرب للمرأة الناشز و التي لم تنفع معها عدة وسائل بعد تجريبها فيجب علينا ملاحظة عدة نقاط :
1. مع تشريع الضرب تم تحديد نوعيته وماهيته فهو ليس ضرب انتقام وتشفي ، و إنما الحكمة منه توصيل رسالة بعدم الرضى ، وقال ابن عباس وعطاء: ( الضرب غير المبرح بالسواك، ويتجنب الوجه، وأن لا يترك الضرب أثراً على الجسد ).
2. مع تشريع الضرب كوسيلة إلا أن هناك أحاديث كثيرة نهت عنه مثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (( لاَ يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ، ثُمَّ يُجَامِعُهَا في آخِرِ الْيَوْمِ )) . [39]
3. وفي بعض حالات الانحراف السيكولوجي لا تجدي مع المصاب إلا وسيلة الضرب، ويطلق علماء النفس على هذا الانحراف اسم " الماسوشزم " ، وصاحب هذا المرض لا يتعدل مزاجه إلا بعد معاملة قاسية حسياً ومعنوياً، وهذا النوع من الانحراف كما يقرر علم النفس أكثر ما يصيب النساء، إذ يصاب الرجل بانحراف " السادزم" وهو التمتع باستعمال العنف أما في الحالات الأخرى التي لا تصل إلى مرتبة المرض، فلا يجوز استعمال الضرب،إذ لا ضرورة له ولا يجوز المبادرة إليه ، ولعل ذلك يصلح مع بعض حالات الناس.
4. أعطى الإسلام المرأة عدة وسائل لعلاج انحرافات الرجل منها النصح و الإرشاد كما يجوز لها الهجر في المضجع في بعض الحالات كأن يطلب منها زوجها أن يجامعها في الدبر أو في المحيض ... مع ابتعاد المرأة عن وسيلة الضرب لأنها لو ضربت الرجل فسوف يتحول إلى وحش كاسر و يحطمها ، و لكن يجوز لها أن تطلب من وليها - أو القاضي - أن يضرب زوجها إذا أساء إليها بحيث يكون الولي رجلاً يتحمل مقاتلة الرجال .
5. كذلك فإن المرأة التي ارتضت قوامة الزوج عليها أن ترضى تأديبه لها بالمعروف إذا نشزت .. [40]
والمتمحص في أمر الإسلام و شرعته يجد منه تركيزاً شديداً على أمور الإمارة فقد قالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ قَالَ نَعَمْ. قُلْتُ هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ قَالَ " نَعَمْ ". قُلْتُ فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ قَالَ " نَعَمْ ". قُلْتُ كَيْفَ قَالَ " يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بهداي وَلاَ يَسْتَنُّونَ بسنتي وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ في جُثْمَانِ إِنْسٍ ". قَالَ قُلْتُ كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ قَالَ " تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ " [41].
و عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ " مَنْ أطاعني فَقَد أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عصاني فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ الأَمِيرَ فَقَدْ أطاعني وَمَنْ عَصَى الأَمِيرَ فَقَدْ عصاني وَالأَمِيرُ مِجَنٌّ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ فَإِنَّهُ إِذَا وَافَقَ ذَلِكَ قَوْلَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَكُمْ وَإِنْ صَلَّى قَاعِداً فَصَلُّوا قُعُوداً "[42]
فلذلك أمر الضرب لم يكن مقصوراً على علاقة الرجل بالمرأة في عقد الزواج و إنما هو في كل حالات الإمارة (( تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ )).
و في نهاية الرد على هذه الشبهة الباطلة أقدم نصيحة لمن يتحذلقون بهذه الشبهة من الغربيين و العلمانيين أن الذي بيته من زجاج فلا يجدر به أن يرمي الناس بالحجارة
يقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي : تنتشر في أمريكا اليوم ملاجئ كثيرة من نوع خاص، لاستقبال النساء اللائي أتيح لهن الفرار من وابل الضرب والتحطيم ، من قبل الأزواج أو الأصدقاء ، وتحيط بهذه الملاجئ ديكورات مزخرفة للتمويه ، ابتغاء قطع السبيل إلى معرفة هذه الأماكن التي يأوي إليها هذا القطيع الكبير من النساء المنكوبات ، كي لا يلاحقهن الأزواج أو الأصدقاء بالضرب والأذى إلى المأمن الذي التجأن إليه ! . .
وقد كتب الأستاذ في معهد القبالة وأمراض النساء في أمريكا مقالاً عن هذه الظاهرة الوبائية المخيفة بعنوان : ( Voices be Heard Domestic Violence Let Our) افتتح مقاله بقوله : هناك وباء يجتاح بلادنا ، إنه لشنيع ، وإنه غير قابل للتجاوز عنه . ثم قال الكاتب : إنه في كل (12) ثانية امرأة تضرب إلى درجة القتل أو التحطيم ، من قبل صديق أو زوج . وفي كل يوم نرى نتائج هذا الضرب وآثاره في مكاتبنا في غرف الطوارئ لدينا ، وفي عياداتنا! . .(1/134)
269-7925 أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ " فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ : " قَدْ ذَئِرَ النِّسَاءُ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَأَذِنَ لَهُمْ فَضَرَبُوهُنَّ فَطَافَ بِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءٌ كَثِيرٌ " فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّيْلَةَ سَبْعُونَ امْرَأَةً كُلُّهُمْ يَشْتَكِينَ أَزْوَاجَهُنَّ ، وَلَا تَجِدُونَ أُولَئِكَ خِيَارَكُمْ "(1)
270-7926 أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ ، وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُسْلِيِّ ، عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يُسْأَلُ الرَّجُلُ فِيمَ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ (2)
__________
(1) - تهذيب الآثار للطبري - (ج 2 / ص 179) برقم( 1137 ) وسنن البيهقى برقم(15178) ومسند الحميدى - برقم( 916) وهو صحيح
(2) - سنن البيهقى برقم(15175) ود (2147) وهـ (1986) ومشكل 3/211 ون (9168) وحم 1/20 وهق 7/305 والفتوحات الربانية 7/140 وصححه الحافظ ابن حجر في تنبيه الأخبار .. الأذكار (977) وهو حسن
ولايخفى أن هذا في الضرب غير المبِّرح ، أما ما سواه فيسأل عنه
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 7 / ص 203)
لا يُسأل الرجل فيم ضرب امرأته" حديث ضعيف رقم الفتوى:16605تاريخ الفتوى:03 ربيع الأول 1423السؤال : في تفسير ابن كثير قرأت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال( خذ عني هذا: لا تسأل رجلاً ضرب امرأته قط )هل يحق للرجل هذا أفيدوني بذلك لأني أكاد أن أضل طريقي ولكم خير الجزاء ولله السمع والطاعة.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث المسؤول عنه رواه أحمد و أبو داود و ابن ماجه وسكت عنه المنذري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يُسأل الرجل فيم ضرب امرأته" وفي سنده عبد الرحمن المسلمي قال عنه الذهبي : لا يعرف إلا في هذا الحديث. وضعف الحديث الشيخ أحمد شاكر و الألباني . وعلى افتراض صحته -وهو افتراض بعيد- فمعناه أن الرجل لا يُسأل فيم ضرب امرأته إذا وجد سبب للضرب، وهو عصيان الزوجة وتعاليها على زوجها، وعدم قيامها بما فرض الله عليها ونحو ذلك، شريطة أن يتبع التدرج الوارد في القرآن في قوله تعالى:وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً (النساء: من الآية34) فلا يلجأ إلى ضرب المرأة إلا إذا يئس الزوج من إصلاحها بغير ذلك، وكان في الضرب منفعة لها وإصلاحا وراعى الزوج في ضربه شرائطه وحدوده، فلا يضرب الوجه، ولا يكسر العظم، ولا يشين الجارحة، أو يذهب منفعة كالبصر ونحوه.
وأما إذا تعدى وبغى على زوجته وضربها بغير حق فإنه يسأل، لأن الله تعالى يقول: (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً) قال ابن كثير رحمه الله تعالى قوله:(إن الله كان علياً كبيراً) تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير وليُّهن، وهو منتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن. اهـ. ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 6897
والله أعلم.(1/135)
كَيْفَ الضَّرْبُ
271- 7927 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ، عَنْ زَائِدَةَ ، عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ ، لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِلَّا إِنَّ لَكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ حَقًّا ، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقٌّ ، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ ، فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ ، وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ ، أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ ، وَطَعَامِهِنَّ "(1)
--------------------------
(1) -حديث صحيح
الروضة الندية - (ج 2 / ص 263)
وعليها الطاعة لقوله تعالى فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله وسلم عليه إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح وأخرج أهل السنن وصححه الترمذي من حديث عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع مع النبي صلى الله وسلم عليه فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال استوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن لكم من نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقاً فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون إلا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن وفي الباب أحادث كثيرة . واما ان عليها خدمته في بيته أم لا ؟ فأقول : ايجاب ذلك عليها غير ظاهر ولكن قد كان نساء الصحابة يعملن الأعمال التي تصلح المعيشة بل ويعملن من الأعمال الخارجة عن ذلك ما هو متبالغ في المشقة ، ولم يسمع أن امرأة امتنعت من ذلك وقالت هذا ليس علي أو لست ممن يعمل هذه الأعمال لكوني بمكان من الشرف أو بمحل من الجمال . فقد صح في الصحيحين وغيرهما أن الرحى أثرت في يد البتول والقربة اثرت في نحرها ولا شرف كشرفها رضي الله عنها وأرضاها فمن زعمت أنه لا يجب عليها إلا تمكين زوجها من الوطء وأرادت الرجوع بأجرة عملها لم تحل اجابتها إلى ذلك . إنما الأشكال إذا امتنعت من المباشرة للأعمال ابتداء قائلة هذا لا يجب علي فإجبارها على ذلك يحتاج إلى دليل . فإن صح الأمر منه صلى الله وسلم عليه للبتول بخدمة زوجها كان ذلك صالحاً للتمسك به على إجبار الممتنعة . وأما استدلال القائلين بعدم الوجوب بقوله تعالى نساؤكم حرث لكم ونحو ذلك فليس مما يفيد المطلوب وكان يكفيهم أن يقولوا لم نقف على دليل يدل على الوجوب ولا يثبت مثل هذا الحكم الشاق بدون ذلك ومجرد تقريره صلى الله وسلم عليه لنسائه ونساء المسلمين على العمل في بيوت الأزواج غايته الجواز لا الوجوب .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 8361)
18 - يستحبّ للزّوج تحسين خلقه مع زوجته والرّفق بها ، وتقديم ما يمكن تقديمه إليها ممّا يؤلّف قلبها ، لقوله تعالى : «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» وقوله : «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ» وفي الخبر : « استوصوا بالنّساء خيراً فإنّما هنّ عوان عندكم ».
وقال عليه الصلاة والسلام : « خياركم خياركم لنسائهم خلقاً ».
ومن حسن الخلق في معاملة الزّوجة التّلطّف بها ومداعبتها.
فقد جاء في الأثر : « كلّ ما يلهو به الرّجل المسلم باطل إلاّ رميه بقوسه ، وتأديبه فرسه ، وملاعبته أهله ، فإنّهنّ من الحقّ ».والتّفصيل في : «عشرة» .
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 12 / ص 124)
زوجتي تغلبني
المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ عشرة النساء/حقوق الزوج على زوجته والزوجة على زوجها
التاريخ 11/08/1425هـ
السؤال
أنا متزوج، هل كلمة "واطية على رأسه" فيها عيب؟ أقصد زوجتي، وهل هي من معايب الرجال؟ وهل الرجل يكون آثمًا عندما تتسلط الزوجة الحبيبة؟ أرجو الإفادة.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
يقول صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ" أخرجه الترمذي (3895) ، وابن ماجه (1977).
وقال صلى الله عليه وسلم: "اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا" أخرجه البخاري (5186) ، ومسلم (1468).
وقال صلى الله عليه وسلم: "اتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ" أخرجه مسلم (1218) .
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم، أنه لم يضرب في حياته كلها خادمًا ولا أحدًا من أهله (أزواجه). انظر صحيح مسلم (2328) ، وسنن النسائي الكبرى (9163).
وكان صلى الله عليه وسلم يحلم عليهن، ويصبر على ما يبدر منهن من أخطاء؛ مراعاة لطبيعتهن.
فإذا أحسن الزوج معاشرة زوجته ورفق بها ولم يقصر في حقوقها فلا عليه ولا يضيره أن يقول الناس فيه ما يقولون، مثل قولهم: (فلان زوجته واطية على رأسه). ونحو ذلك من العبارات، فنظر الناس إلى الأمور كثيرًا ما يخالف الشرع، وليس على نظرهم المُعْتَمَدُ في تمييز الحق من الباطل، والصحيح من عدمه، فليقولوا عنه ما شاؤوا ما دام أنه قد التزم وصية النبي صلى الله عليه وسلم، واجتهد في أداء الحقوق، لكن ينبغي ألا يبلغ به التودد والإحسان إلى الزوجة أن يتعدى حدود الله، ويطيع ويطيعها في معصية الله، ويسكت عن تقصيرها، أو تجاوزها لحدود الشريعة، فهذا هو الذي يعاب به الزوج، ويدل حقًّا على ضعفه وقصوره. والتسلط على الزوجة ليس من شيم الرجال الكرام، فضلاً عن أنه يخالف وصية النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه تسلط على جنس ضعيف، شبهه النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأسير في ضعفه، وقلة حيلته، وليس من الشجاعة التسلط عليه وقهره وظلمه، فقال صلى الله عليه وسلم: "اسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا؛ فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ". أخرجه الترمذي (1163) ، وابن ماجه (1851) ، والنسائي في الكبرى (6169). والعاني هو الأسير، والأسير معلوم ضعفه وعجزه، وعلى الرجل أن يترفع عن التسلط وقهر هذا الجنس اللطيف الضعيف، وخير الحلم ما كان مع القدرة، كما أن خير العفو ما كان عند المقدرة. والله أعلم.
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 12 / ص 270)
حق المرأة في راتبها
المجيب أحمد بن موسى السهلي
رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمحافظة الطائف
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ قضايا المرأة /عمل المرأة
التاريخ 1/8/1424هـ
السؤال
أنا موظفة براتب مرتفع، و زوجي يعتبر هذا الراتب من حقه و ليس لي حرية التصرف به، وعندما أخبره أنه من حقي يغضب جداً ويقول لا تعملي، مع العلم إنه لا يمكننا أن نعيش براتبه وحده؛ لأنه يعطيه كله لأهله، وأنا المسؤولة عن البيت ومصروفه أيضا، أريد أن أعرف ما رأي الشرع في هذا الوضع؟.
جزاكم الله خيراً.
الجواب
الشريعة الإسلامية قامت على العدل والإنصاف في كل شيء، ومن ذلك الحقوق الزوجية، ولا سيما الحقوق المالية فإنها بنيت على المشاحة والمطالبة في الدنيا والآخرة، فقد جعلت نفقة الزوجة المطيعة لزوجها واجبة على الزوج، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، وهي مقدرة شرعاً حسب يسر الزوج وإعساره، قال تعالى: "لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا" [الطلاق: 7].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" أخرجه مسلم (1218) من حديث جابر - رضي الله عنه - .
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "استوصوا بالنساء خيراً، فإنما هن عوان عندكم" أخرجه الترمذي (1163).
وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم- لهند بنت عتبة: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" رواه الجماعة على اختلاف في الألفاظ انظر صحيح البخاري (2211)، وصحيح مسلم (1714).
وقوله تعالى: "أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى" [الطلاق: 6]، أي على قدر ما يجد أحدكم.
وعلى هذا يجب على زوجك أن ينفق عليك بشرط أن تتفرغي لمتعته والقيام بحقوقه الزوجية، وعدم خروجك للعمل ما لم تشترطي عليه في العقد.
وإذا لم يحصل بينك وبينه شرط للخروج للعمل، فهذا لا يعني أن سكوته ملزم له، لأن النفقة على الزوجة بشرط حبسها نفسها على متعته وخدمته، والحديث يقول: "الخراج بالضمان" انظر مسند الطيالسي (1567)، وجامع الترمذي (1285)، أما كون المرأة تعمل في النهار وتفوت على زوجها حقوقه فلا يلزم بالنفقة عليها ما لم تكن اشترطت عليه عند عقد الزواج أن تعمل، ووافق على الشرط ورضي به، فلا يجوز له أن يمنعها من العمل شريطة أن يكون عملها ملتزماً بالضوابط الشرعية من حجاب وعدم اختلاط بالرجال..إلخ.
أما أنه ملزم بالنفقة عليك فلما ذكر من النصوص السابقة الذكر، ولقول الله تعالى" الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان علياً كبيرا" [النساء: 34].
وعلى كل لا تجب النفقة عليك، بل يجب عليه هو أن ينفق عليك إذا أنت قمت بالحقوق الزوجية، لكن أقول لك: من باب التعاون مع الزوج، وقد أذن لك في العمل، إن كنت اشترطت عليه فحبذا لو كان هناك شيء من المساعدة تقديراً لموقفه وتعاونه معك.
أما إذا كان الزوج شرط عليك عند العقد أن يسمح لك بالعمل خارج المنزل بشرط أن تعطيه مثلاً ربع الراتب أو ثلثه، أو أن تدفعي راتب الخادمة وما شابه ذلك من أجل تفويتك عليه شيء من حقوق الاستمتاع في النهار والقيام بأعمال المنزل، ورضيت بذلك الشرط، فالمسلمون على شروطهم إلا شرطاً أحلَّ حراماً أو حرَّم حلالاً، وهذا الشرط ليس من ذلك في شيء، كما أنه يجب على الزوج أن يتقي الله ولا يضايق زوجته ويسيء عشرتها من أجل أن تنفق عليه أو تعطيه راتبها أو شيئاً منه، فهذه خسة في الطبع ، ودناءة في الخلق، فليس ذلك من خلق المسلم الحقيقي الإسلام ؛ بل يجب عليه أن يترفع عن ذلك.
هذا والله أعلم. وصلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(1/135)
خِدْمَةُ الْمَرْأَةِ (زوجها )
272-7928 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا هِشَامٌ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ : " تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ وَمَا لَهُ فِي الْأَرْضِ مِنْ مَالٍ ، وَلَا مَمْلُوكٍ وَلَا شَيْءٍ غَيْرُ فَرَسِهِ ، فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ ، وَأَكْفِيهِ مُؤْنَتَهُ وَأَسُوسُهُ ، وَأَدُقُّ النَّوَى لِنَاضِحِهِ ، وَأَعْلِفُهُ ، وَأَسْتَقِي الْمَاءَ ، وَأَخْرِزُ غَرْبَهُ ، وَأَعْجِنُ ، وَلَمْ أَكُنْ أُحْسِنُ أَخْبِزُ ، فَكَانَ يَخْبِزُ جَارَاتٌ لِي مِنَ الْأَنْصَارِ ، وَكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ ، وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ ، وَهِيَ الَّتِي أَقْطَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِي ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ ، فَجِئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي ، فَلَقِيَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابٍهٍ فَدَعَانِي ثُمَّ قَالَ : " إِخْ ، إِخْ ، لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ ، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسِيرَ مَعَ الرِّجَالِ ، وَذَكَرْتُ الزُّبَيْرَ وَغَيْرَتَهُ ، وَكَانَ مِنْ أَغْيَرِ النَّاسِ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ قَدِ اسْتَحْيَيْتُ فَمَضَى ، فَجِئْتُ إِلَى الزُّبَيْرِ فَقُلْتُ : " لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى رَأْسِي النَّوَى وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَأَنَاخَ لِأَرْكَبَ مَعَهُ ، فَاسْتَحْيَيْتُ وَعَرَفْتُ غَيْرَتَكَ ، فَقَالَ : " وَاللَّهِ لَحَمْلُكِ النَّوَى كَانَ أَشَدَّ مِنْ رُكُوبِكِ مَعَهُ " قَالَتْ : " حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَادِمٍ فَكَفَتْنِي سِيَاسَةَ الْفَرَسِ فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَنِي " (1)
__________
(1) - صحيح البخارى برقم( 5224) وصحيح مسلم برقم( 5821) والمسند الجامع برقم( 15781 )
فتح الباري لابن حجر - (ج 15 / ص 30)
4823 - قَوْله ( حَدَّثَنِي مَحْمُود ) هُوَ اِبْن غَيْلَان الْمَرْوَزِيُّ .
قَوْله ( أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ أَسْمَاء ) هِيَ أُمّه الْمُقَدَّم ذِكْرهَا قَبْل .
قَوْله ( تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْر ) أَيْ اِبْن الْعَوَامّ ( وَمَا لَهُ فِي الْأَرْض مِنْ مَال وَلَا مَمْلُوك وَلَا شَيْء غَيْر نَاضِح وَغَيْر فَرَسه ) أَمَّا عَطْف الْمَمْلُوك عَلَى الْمَال فَعَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْمَالِ الْإِبِل أَوْ الْأَرَاضِي الَّتِي تُزْرَع ، وَهُوَ اِسْتِعْمَال مَعْرُوف لِلْعَرَبِ يُطْلِقُونَ الْمَال عَلَى كُلّ مِنْ ذَلِكَ ، وَالْمُرَاد بِالْمَمْلُوكِ عَلَى هَذَا الرَّقِيق مِنْ الْعَبِيد وَالْإِمَاء ، وَقَوْلهَا بَعْد ذَلِكَ " وَلَا شَيْء " مِنْ عَطْف الْعَامّ عَلَى الْخَاصّ يَشْمَل كُلّ مَا يُتَمَلَّك أَوْ يُتَمَوَّل لَكِنَّ الظَّاهِر أَنَّهَا لَمْ تُرِدْ إِدْخَال مَا لَا بُدّ لَهُ مِنْهُ مِنْ مَسْكَن وَمَلْبَس وَمَطْعَم وَرَأْس مَال تِجَارَة ، وَدَلَّ سِيَاقهَا عَلَى أَنَّ الْأَرْض الَّتِي يَأْتِي ذِكْرهَا لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَة لِلزُّبَيْرِ وَإِنَّمَا كَانَتْ إِقْطَاعًا ، فَهُوَ يَمْلِك مَنْفَعَتهَا لَا رَقَبَتهَا ، وَلِذَلِكَ لَمْ تَسْتَثْنِهَا كَمَا اِسْتَثْنَتْ الْفَرَس وَالنَّاضِح ، وَفِي اِسْتِثْنَائِهَا النَّاضِح وَالْفَرَس نَظَر اِسْتَشْكَلَهُ الداودي ، لِأَنَّ تَزْوِيجهَا كَانَ بِمَكَّة قَبْل الْهِجْرَة ، وَهَاجَرَتْ وَهِيَ حَامِل بِعَبْدِ اللَّه بْن الزُّبَيْر كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي كِتَاب الْهِجْرَة ، وَالنَّاضِح وَهُوَ الْجَمَل الَّذِي يُسْقَى عَلَيْهِ الْمَاء إِنَّمَا حَصَلَ لَهُ بِسَبَبِ الْأَرْض الَّتِي أَقْطَعهَا ، قَالَ الدَّاوُدِيّ : وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بِمَكَّة فَرَس وَلَا نَاضِح ، وَالْجَوَاب مَنْع هَذَا النَّفْي وَأَنَّهُ لَا مَانِع أَنْ يَكُون الْفَرَس وَالْجَمَل كَانَا لَهُ بِمَكَّة قَبْل أَنْ يُهَاجِر ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ فِي يَوْم بَدْر عَلَى فَرَس وَلَمْ يَكُنْ قَبْل بَدْر غَزْوَة حَصَلَتْ لَهُمْ مِنْهَا غَنِيمَة ، وَالْجَمَل يَحْتَمِل أَنْ يَكُون كَانَ لَهُ بِمَكَّة وَلَمَّا قَدِمَ بِهِ الْمَدِينَة وَأُقْطِعَ الْأَرْض الْمَذْكُورَة أَعَدَّهُ لِسَقْيِهَا وَكَانَ يَنْتَفِع بِهِ قَبْل ذَلِكَ فِي غَيْر السَّقْي فَلَا إِشْكَال .
قَوْله ( فَكُنْت أَعْلِف فَرَسه ) زَادَ مُسْلِم عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي أُسَامَة " وَأَكْفِيه مُؤْنَته وَأَسُوسهُ وَأَدُقّ النَّوَى لِنَاضِحِهِ وَأَعْلِفهُ " وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ طَرِيق اِبْن أَبِي مُلَيْكَة عَنْ أَسْمَاء " كُنْت أَخْدُم الزُّبَيْر خِدْمَة الْبَيْت وَكَانَ لَهُ فَرَس وَكُنْت أَسُوسهُ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ خِدْمَته شَيْء أَشَدّ عَلَيَّ مِنْ سِيَاسَة الْفَرَس كُنْت أَحُشّ لَهُ وَأَقُوم عَلَيْهِ " .
قَوْله ( وَأَسْتَقِي الْمَاء ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ ، وَلِلسَّرَخْسِيِّ " وَأَسْقِي " بِغَيْرِ مُثَنَّاة وَهُوَ عَلَى حَذْف الْمَفْعُول أَيْ وَأَسْقِي الْفَرَس أَوْ النَّاضِح الْمَاء ، وَالْأَوَّل أَشْمَل مَعْنَى وَأَكْثَر فَائِدَة .
قَوْله ( وَأَخْرِز ) بِخَاءِ مُعْجَمَة ثُمَّ رَاءٍ ثُمَّ زَاي
( غَرْبه ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء بَعْدهَا مُوَحَّدَة هُوَ الدَّلْو .
قَوْله ( وَأَعْجِن ) أَيْ الدَّقِيق وَهُوَ يُؤَيِّد مَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ الْمَال ، إِذْ لَوْ كَانَ الْمُرَاد نَفْي أَنْوَاع الْمَال لَانْتَفَى الدَّقِيق الَّذِي يُعْجَن ، لَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ مُرَادهَا ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيث الْهِجْرَة أَنَّ الزُّبَيْر لَاقَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْر رَاجِعًا مِنْ الشَّام بِتِجَارَةٍ وَأَنَّهُ كَسَاهُمَا ثِيَابًا .
قَوْله ( وَلَمْ أَكُنْ أُحْسِن أَخْبِز فَكَانَ يَخْبِز جَارَات لِي ) فِي رِوَايَة مُسْلِم " فَكَانَ يَخْبِز لِي " وَهَذَا مَحْمُول عَلَى أَنَّ فِي كَلَامهَا شَيْئًا مَحْذُوفًا تَقْدِيره تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْر بِمَكَّة وَهُوَ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَة ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَة ، وَكُنْت أَصْنَع كَذَا إِلَخْ ، لِأَنَّ النِّسْوَة مِنْ الْأَنْصَار إِنَّمَا جَاوَرْنَهَا بَعْد قُدُومهَا الْمَدِينَة قَطْعًا ، وَكَذَلِكَ مَا سَيَأْتِي مِنْ حِكَايَة نَقْلِهَا النَّوَى مِنْ أَرْض الزُّبَيْر .
قَوْله ( وَكُنَّ نِسْوَة صَدْقٍ ) أَضَافَتْهُنَّ إِلَى الصِّدْق مُبَالَغَة فِي تَلَبُّسهنَّ بِهِ فِي حُسْن الْعِشْرَة وَالْوَفَاء بِالْعَهْدِ .
قَوْله ( وَكُنْت أَنْقُل النَّوَى مِنْ أَرْض الزُّبَيْر الَّتِي أَقْطَعهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
تَقَدَّمَ فِي كِتَاب فَرْض الْخُمُس بَيَان حَال الْأَرْض الْمَذْكُورَة وَأَنَّهَا كَانَتْ مِمَّا أَفَاءَ اللَّه عَلَى رَسُوله مِنْ أَمْوَال بَنِي النَّضِير ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَوَائِل قُدُومه الْمَدِينَة كَمَا تَقَدَّمَ بَيَان ذَلِكَ هُنَاكَ .
قَوْله ( وَهِيَ مِنِّي ) أَيْ مِنْ مَكَان سُكْنَاهَا .
قَوْله ( فَدَعَانِي ثُمَّ قَالَ إِخْ إِخْ ) بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَسُكُون الْخَاء ، كَلِمَة تُقَال لِلْبَعِيرِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُنِيخهُ .
قَوْله ( لِيَحْمِلنِي خَلْفه ) كَأَنَّهَا فَهِمَتْ ذَلِكَ مِنْ قَرِينَة الْحَال ، وَإِلَّا فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يُرْكِبهَا وَمَا مَعَهَا وَيَرْكَب هُوَ شَيْئًا آخَر غَيْر ذَلِكَ .
قَوْله ( فَاسْتَحْيَيْت أَنْ أَسِير مَعَ الرِّجَال ) هَذَا بَنَتْهُ عَلَى مَا فَهِمَتْهُ مِنْ الِارْتِدَاف ، وَإِلَّا فَعَلَى الِاحْتِمَال الْآخَر مَا تَتَعَيَّن الْمُرَافَقَة .
قَوْله ( وَذَكَرْت الزُّبَيْر وَغَيْرَته ، وَكَانَ أَغْيَر النَّاس ) هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ عَلِمْته ، أَيْ أَرَادَتْ تَفْضِيله عَلَى أَبْنَاء جِنْسه فِي ذَلِكَ ، أَوْ " مِنْ " مُرَادَة ، ثُمَّ رَأَيْتهَا ثَابِتَة فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ وَلَفْظه " وَكَانَ مِنْ أَغْيَر النَّاس " .
قَوْله ( وَاللَّه لَحَمْلك النَّوَى عَلَى رَأْسك كَانَ أَشَدّ عَلَيَّ مِنْ رُكُوبك مَعَهُ ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ ، وَفِي رِوَايَة السَّرَخْسِيّ كَانَ أَشَدّ عَلَيْك وَسَقَطَتْ هَذِهِ اللَّفْظَة مِنْ رِوَايَة مُسْلِم ، وَوَجْه الْمُفَاضَلَة الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا الزُّبَيْر أَنَّ رُكُوبهَا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْشَأ مِنْهُ كَبِير أَمْر مِنْ الْغَيْرَة لِأَنَّهَا أُخْت اِمْرَأَته ، فَهِيَ فِي تِلْكَ الْحَالَة لَا يَحِلّ لَهُ تَزْوِيجهَا أَنْ لَوْ كَانَتْ خَلِيَّة مِنْ الزَّوْج ، وَجَوَاز أَنْ يَقَع لَهَا مَا وَقَعَ لِزَيْنَب بِنْت جَحْش بَعِيد جِدًّا لِأَنَّهُ يَزِيد عَلَيْهِ لُزُوم فِرَاقه لِأُخْتِهَا ، فَمَا بَقِيَ إِلَّا اِحْتِمَال أَنْ يَقَع لَهَا مِنْ بَعْض الرِّجَال مُزَاحَمَة بِغَيْرِ قَصْد ، وَأَنْ يَنْكَشِف مِنْهَا حَالَة السَّيْر مَا لَا تُرِيد اِنْكِشَافه وَنَحْو ذَلِكَ ، وَهَذَا كُلّه أَخَفّ مِمَّا تَحَقَّقَ مِنْ تَبَذُّلهَا بِحَمْلِ النَّوَى عَلَى رَأْسهَا مِنْ مَكَان بَعِيد لِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّم خِسَّة النَّفْس وَدَنَاءَة الْهِمَّة وَقِلَّة الْغَيْرَة وَلَكِنْ كَانَ السَّبَب الْحَامِل عَلَى الصَّبْر عَلَى ذَلِكَ شَغْل زَوْجهَا وَأَبِيهَا بِالْجِهَادِ وَغَيْره مِمَّا يَأْمُرهُمْ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُقِيمهُمْ فِيهِ ، وَكَانُوا لَا يَتَفَرَّغُونَ لِلْقِيَامِ بِأُمُورِ الْبَيْت بِأَنْ يَتَعَاطَوْا ذَلِكَ بِأَنْفُسِهِمْ ، وَلِضِيقِ مَا بِأَيْدِيهِمْ عَلَى اِسْتِخْدَام مَنْ يَقُوم بِذَلِكَ عَنْهُمْ ، فَانْحَصَرَ الْأَمْر فِي نِسَائِهِمْ فَكُنَّ يَكْفِينَهُمْ مُؤْنَة الْمَنْزِل وَمَنْ فِيهِ لِيَتَوَفَّرُوا هُمْ عَلَى مَا هُمْ فِيهِ مِنْ نَصْر الْإِسْلَام مَعَ مَا يَنْضَمّ إِلَى ذَلِكَ مِنْ الْعَادَة الْمَانِعَة مِنْ تَسْمِيَة ذَلِكَ عَارًا مَحْضًا .
قَوْله ( حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْر بِخَادِمٍ تَكْفِينِي سِيَاسَة الْفَرَس فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَنِي ) فِي رِوَايَة مُسْلِم " فَكَفَتْنِي " وَهِيَ أَوْجَهُ ، لِأَنَّ الْأُولَى تَقْتَضِي أَنَّهُ أَرْسَلَهَا لِذَلِكَ خَاصَّة ، بِخِلَافِ رِوَايَة مُسْلِم وَقَدْ وَقَعَ عِنْده فِي رِوَايَة اِبْن أَبِي مُلَيْكَة " جَاءَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْي فَأَعْطَاهَا خَادِمًا ، قَالَتْ كَفَتْنِي سِيَاسَة الْفَرَس فَأَلْقَتْ عَنِّي مُؤْنَته " وَيُجْمَع بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ السَّبْي لَمَّا جَاءَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى أَبَا بَكْر مِنْهُ خَادِمًا لِيُرْسِلهُ إِلَى اِبْنَته أَسْمَاء فَصَدَقَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُعْطِي ، وَلَكِنْ وَصَلَ ذَلِكَ إِلَيْهَا بِوَاسِطَةٍ . وَوَقَعَ عِنْده فِي هَذِهِ الرِّوَايَة أَنَّهَا بَاعَتْهَا بَعْد ذَلِكَ وَتَصَدَّقَتْ بِثَمَنِهَا ، وَهُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهَا اِسْتَغْنَتْ عَنْهَا بِغَيْرِهَا . وَاسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْقِصَّة عَلَى أَنَّ عَلَى الْمَرْأَة الْقِيَام بِجَمِيعِ مَا يَحْتَاج إِلَيْهِ زَوْجهَا مِنْ الْخِدْمَة ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو ثَوْر ، وَحَمَلَهُ الْبَاقُونَ عَلَى أَنَّهَا تَطَوَّعَتْ بِذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَازِمًا ، أَشَارَ إِلَيْهِ الْمُهَلَّب وَغَيْره . وَالَّذِي يَظْهَر أَنَّ هَذِهِ الْوَاقِعَة وَأَمْثَالهَا كَانَتْ فِي حَال ضَرُورَة كَمَا تَقَدَّمَ فَلَا يَطَّرِد الْحُكْم فِي غَيْرهَا مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِثْل حَالهمْ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فَاطِمَة سَيِّدَة نِسَاء الْعَالَمِينَ شَكَتْ مَا تَلْقَى يَدَاهَا مِنْ الرَّحَى وَسَأَلَتْ أَبَاهَا خَادِمًا فَدَلَّهَا عَلَى خَيْر مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ ذِكْر اللَّه تَعَالَى ، وَالَّذِي يَتَرَجَّح حَمْل الْأَمْر فِي ذَلِكَ عَلَى عَوَائِد الْبِلَاد فَإِنَّهَا مُخْتَلِفَة فِي هَذَا الْبَاب ، قَالَ الْمُهَلَّب : وَفِيهِ أَنَّ الْمَرْأَة الشَّرِيفَة إِذَا تَطَوَّعَتْ بِخِدْمَةِ زَوْجهَا بِشَيْءٍ لَا يَلْزَمهَا لَمْ يُنْكِر عَلَيْهَا ذَلِكَ أَب وَلَا سُلْطَان ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى مَا أَصْله مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ تَطَوُّعًا ، وَلِخَصْمِهِ أَنْ يَعْكِس فَيَقُول لَوْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا مَا سَكَتَ أَبُوهَا مَثَلًا عَلَى ذَلِكَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّة عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا ، وَلَا أَقَرَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ مَعَ عَظَمَة الصِّدِّيق عِنْده ؛ قَالَ : وَفِيهِ جَوَاز اِرْتِدَاف الْمَرْأَة خَلْف الرَّجُل فِي مَوْكِب الرِّجَال ، قَالَ : وَلَيْسَ فِي الْحَدِيث أَنَّهَا اِسْتَتَرَتْ وَلَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا بِذَلِكَ ، فَيُؤْخَذ مِنْهُ أَنَّ الْحِجَاب إِنَّمَا هُوَ فِي حَقّ أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة ا ه . وَالَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْقِصَّة كَانَتْ قَبْل نُزُول الْحِجَاب وَمَشْرُوعِيَّته ، وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَة كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِير سُورَة النُّور " لَمَّا نَزَلَتْ ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبهنَّ ) أَخَذْنَ أُزُرهنَّ مِنْ قِبَلَ الْحَوَاشِي فَشَقَقْنَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا " وَلَمْ تَزَلْ عَادَة النِّسَاء قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَسْتُرْنَ وُجُوههنَّ عَنْ الْأَجَانِب ، وَالَّذِي ذَكَرَ عِيَاض أَنَّ الَّذِي اُخْتُصَّ بِهِ أُمَّهَات الْمُؤْمِنِينَ سِتْر شُخُوصهنَّ زِيَادَة عَلَى سِتْر أَجْسَامهنَّ ، وَقَدْ ذَكَرْت الْبَحْث مَعَهُ فِي ذَلِكَ فِي غَيْر هَذَا الْمَوْضِع . قَالَ الْمُهَلَّب : وَفِيهِ غَيْرَة الرَّجُل عِنْد اِبْتِذَال أَهْله فِيمَا يَشُقّ مِنْ الْخِدْمَة وَأَنَفَة نَفْسه مِنْ ذَلِكَ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَتْ ذَات حَسَب اِنْتَهَى . وَفِيهِ مَنْقَبَة لِأَسْمَاء وَلِلزُّبَيْرِ وَلِأَبِي بَكْر وَلِنِسَاءِ الْأَنْصَار .
شرح النووي على مسلم - (ج 7 / ص 319)
4050 - قَوْله ( عَنْ أَسْمَاء إِنَّهَا كَانَتْ تَعْلِف فَرَس زَوْجهَا الزُّبَيْر ، وَتَكْفِيه مُؤْنَته ، وَتَسُوسهُ ، وَتَدُقّ النَّوَى لِنَاضِحِهِ ، وَتَعْلِفهُ ، وَتَسْتَقِي الْمَاء ، وَتَعْجِن ) هَذَا كُلّه مِنْ الْمَعْرُوف وَالْمَرْوَات الَّتِي أَطْبَقَ النَّاس عَلَيْهَا ، وَهُوَ أَنَّ الْمَرْأَة تَخْدُم زَوْجهَا بِهَذِهِ الْأُمُور الْمَذْكُورَة وَنَحْوهَا مِنْ الْخَبْز وَالطَّبْخ وَغَسْل الثِّيَاب وَغَيْر ذَلِكَ ، وَكُلّه تَبَرُّع مِنْ الْمَرْأَة وَإِحْسَان مِنْهَا إِلَى زَوْجهَا وَحُسْن مُعَاشَرَة وَفِعْل مَعْرُوف مَعَهُ ، وَلَا يَجِب عَلَيْهَا شَيْء مِنْ ذَلِكَ ، بَلْ لَوْ اِمْتَنَعَتْ مِنْ جَمِيع هَذَا لَمْ تَأْثَم ، وَيَلْزَمهُ هُوَ تَحْصِيل هَذِهِ الْأُمُور لَهَا ، وَلَا يَحِلّ لَهُ إِلْزَامهَا بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا ، وَإِنَّمَا تَفْعَلهُ الْمَرْأَة تَبَرُّعًا ، وَهِيَ عَادَة جَمِيلَة اِسْتَمَرَّ عَلَيْهَا النِّسَاء مِنْ الزَّمَن الْأَوَّل إِلَى الْآن ، وَإِنَّمَا الْوَاجِب عَلَى الْمَرْأَة شَيْئَانِ : تَمْكِينهَا زَوْجهَا مِنْ نَفْسهَا ، وَمُلَازَمَة بَيْته .
قَوْلهَا : ( وَأَخْرُز غَرْبه ) هُوَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَة مَفْتُوحَة ثُمَّ رَاءٍ سَاكِنَة ثُمَّ بَاءَ مُوَحَّدَة ، وَهُوَ الدَّلْو الْكَبِير .
قَوْلهَا : ( وَكُنْت أَنْقُل النَّوَى مِنْ أَرْض الزُّبَيْر الَّتِي أَقَطَعَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِي ، وَهُوَ عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخ ) قَالَ أَهْل اللُّغَة : يُقَال : أَقَطَعَهُ إِذَا أَعْطَاهُ قَطِيعَة ، وَهِيَ قِطْعَة أَرْض ، سُمِّيَتْ قَطِيعَة لِأَنَّهَا اِقْتَطَعَهَا مِنْ جُمْلَة الْأَرْض .
وَقَوْله : ( عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخ ) أَيْ مِنْ مَسْكَنهَا بِالْمَدِينَةِ ، وَأَمَّا الْفَرْسَخ فَهُوَ ثَلَاثَة أَمْيَال ، وَالْمِيل سِتَّة آلَاف ذِرَاع ، وَالذِّرَاع أَرْبَع وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا مُعْتَرِضَة مُعْتَدِلَة ، وَالْأُصْبُع سِتّ شَعِيرَات مُعْتَرِضَات مُعْتَدِلَات . وَفِي هَذَا دَلِيل لِجَوَازِ إِقْطَاع الْإِمَام . فَأَمَّا الْأَرْض الْمَمْلُوكَة لِبَيْتِ الْمَال فَلَا يَمْلِكهَا أَحَد إِلَّا بِإِقْطَاعِ الْإِمَام ، ثُمَّ تَارَة يَقْطَع رَقَبَتهَا ، وَيَمْلِكهَا الْإِنْسَان يَرَى فِيهِ مَصْلَحَة ، فَيَجُوز ، وَيَمْلِكهَا كَمَا يَمْلِك مَا يُعْطِيه مِنْ الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وَغَيْرهَا إِذَا رَأَى فِيهِ مَصْلَحَة ، وَتَارَة يَقْطَعهُ مَنْفَعَتهَا ، فَيَسْتَحِقّ الِانْتِفَاع بِهَا مُدَّة الْإِقْطَاع . وَأَمَّا الْمَوَات فَيَجُوز لِكُلِّ أَحَد إِحْيَاؤُهُ ، وَلَا يَفْتَقِر إِلَى إِذْن الْإِمَام . هَذَا مَذْهَب مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَالْجُمْهُور ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَا يُمْلَك الْمَوَات بِالْإِحْيَاءِ إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَام .
وَأَمَّا قَوْلهَا : ( وَكُنْت أَنْقُل النَّوَى مِنْ أَرْض الزُّبَيْر ) فَأَشَارَ الْقَاضِي إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَلْتَقِطهُ مِنْ النَّوَى السَّاقِط فِيهَا مِمَّا أَكَلَهُ النَّاس وَأَلْقَوْهُ قَالَ : فَفِيهِ جَوَاز اِلْتِقَاط الْمَطْرُوحَات رَغْبَة عَنْهَا كَالنَّوَى ، وَالسَّنَابِل ، وَخِرَق الْمَزَابِل ، وَسُقَاطَتهَا ، وَمَا يَطْرَحهُ النَّاس مِنْ رَدِيء الْمَتَاع ، وَرَدِيء الْخُضَر ، وَغَيْرهَا مِمَّا يُعْرَف أَنَّهُمْ تَرَكُوهُ رَغْبَة عَنْهُ ، فَكُلّ هَذَا يَحِلّ اِلْتِقَاطه ، وَيَمْلِكهُ الْمُلْتَقِط ، وَقَدْ لَقَطَهُ الصَّالِحُونَ وَأَهْل الْوَرَع ، وَرَأَوْهُ مِنْ الْحَلَال الْمَحْض ، وَارْتَضَوْهُ لِأَكْلِهِمْ وَلِبَاسهمْ .
قَوْلهَا : ( فَجِئْت يَوْمًا وَالنَّوَي عَلَى رَأْسِي فَلَقِيت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَعَهُ نَفَر مِنْ أَصْحَابه فَدَعَانِي وَقَالَ : إِخْ إِخْ لِيَحْمِلنِي خَلْفه ، فَاسْتَحْيَيْت ، وَعَرَفْت غَيْرَتك ) أَمَّا لَفْظَة إِخْ إِخْ فَهِيَ بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَإِسْكَان الْخَاء الْمُعْجَمَة ، وَهِيَ كَلِمَة تُقَال لِلْبَعِيرِ لِيَبْرُك . وَفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز الْإِرْدَاف عَلَى الدَّابَّة إِذَا كَانَتْ مُطِيقَة ، وَلَهُ نَظَائِر كَثِيرَة فِي الصَّحِيح سَبَقَ بَيَانهَا فِي مَوَاضِعهَا . وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّفَقَة عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات وَرَحْمَتهمْ وَمُوَاسَاتهمْ فِيمَا أَمْكَنَهُ . وَفِيهِ جَوَاز إِرْدَاف الْمَرْأَة الَّتِي لَيْسَتْ مَحْرَمًا إِذَا وُجِدَتْ فِي طَرِيق قَدْ أَعْيَتْ ، لَا سِيَّمَا مَعَ جَمَاعَة رِجَال صَالِحِينَ ، وَلَا شَكّ فِي جَوَاز مِثْل هَذَا . وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض : هَذَا خَاصّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ غَيْره ، فَقَدْ أَمَرَنَا بِالْمُبَاعَدَةِ مِنْ أَنْفَاس الرِّجَال وَالنِّسَاء ، وَكَانَتْ عَادَته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَاعَدَتهنَّ لِتَقْتَدِي بِهِ أُمَّته ، قَالَ : وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ خُصُوصِيَّة لَهُ لِكَوْنِهَا بِنْت أَبِي بَكْر ، وَأُخْت عَائِشَة ، وَامْرَأَة الزُّبَيْر ، فَكَانَتْ كَإِحْدَى أَهْله وَنِسَائِهِ ، مَعَ مَا خُصَّ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمْلَك لِإِرْبِهِ . وَأَمَّا إِرْدَاف الْمَحَارِم فَجَائِز بِلَا خِلَاف بِكُلِّ حَال .
قَوْلهَا : ( أَرْسَلَ إِلَيَّ بِخَادِمٍ ) أَيْ جَارِيَة تَخْدُمنِي ، يُقَال لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى خَادِم بِلَا هَاء .(1/136)
تَحْرِيمُ ضَرْبِ الْوَجْهِ فِي الْأَدَبِ
273-7929 أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيدُ قَالَ : أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي قَزَعَةَ ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ رَجُلٌ مَا حَقُّ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا قَالَ : " تُطْعِمُهَا إِذَا طَعِمْتَ ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ ، وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ ، وَلَا تُقَبِّحْ ، وَلَا تُهْجَرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ " (1)
__________
(1) - سنن أبى داود برقم( 2144 و2145 ) وأحمد برقم ( 20548 و20557و20560 ) حسن
عون المعبود - (ج 5 / ص 27)
1830 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( وَتَكْسُوهَا )
: بِالنَّصْبِ
( إِذَا اِكْتَسَيْت )
: قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّه : اِلْتِفَات مِنْ الْغَيْبَة إِلَى الْخِطَاب اِهْتِمَامًا بِثَبَاتِ مَا قَصَدَ مِنْ الْإِطْعَام وَالْكِسْوَة ، يَعْنِي كَانَ الْقِيَاس أَنْ يَقُول أَنْ يُطْعِمهَا إِذَا طَعِمَ فَالْمُرَاد بِالْخِطَابِ عَامّ لِكُلِّ زَوْج أَيْ يَجِب عَلَيْك إِطْعَام الزَّوْجَة وَكِسْوَتهَا عِنْد قُدْرَتك عَلَيْهِمَا لِنَفْسِك كَذَا فِي الْمِرْقَاة
( وَلَا تَضْرِب الْوَجْه )
فَإِنَّهُ أَعْظَم الْأَعْضَاء وَأَظْهَرهَا وَمُشْتَمِل عَلَى أَجْزَاء شَرِيفَة وَأَعْضَاء لَطِيفَة . وَفِيهِ دَلِيل عَلَى وُجُوب اِجْتِنَاب الْوَجْه عِنْد التَّأْدِيب
( وَلَا تُقَبِّح )
: بِتَشْدِيدِ الْبَاء أَيْ لَا تَقُلْ لَهَا قَوْلًا قَبِيحًا وَلَا تَشْتُمهَا وَلَا قَبَّحَك اللَّه وَنَحْوه
( وَلَا تَهْجُر إِلَّا فِي الْبَيْت )
: أَيْ لَا تَتَحَوَّل عَنْهَا أَوْ لَا تُحَوِّلهَا إِلَى دَار أُخْرَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِع } .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ .
فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (ج 7 / ص 348)
3740 - (حق المرأة على الزوج أن يطعمها إذا طعم ويكسوها إذا اكتسى ولا يضرب الوجه ولا يقبح) بشد الموحدة أي لا يسمعها المكروه ولا يقل قبحك اللّه ولا يشتمها (ولا يهجر) كذا في كثير من النسخ وفي رواية أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ورأيت في أصول صحيحة من كتب كثيرة ولا يهجرها (إلا في البيت) وفي رواية للبخاري غير أن لا يهجر إلا في البيت والحصر الواقع في خبر معاوية هذا غير معمول به بل يجوز الهجر في غير البيوت كما وقع للمصطفى صلى اللّه عليه وسلم من هجره أزواجه في المشربة قال ابن حجر: والحق أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال فربما كان الهجر في البيت أشق منه في غيره وعكسه والغالب أن الهجر في غير البيت آلم للنساء لضعف نفوسهن واختلف المفسرون في المراد بالهجر فالجمهور على أنه ترك الدخول عليهنّ والإقامة عندهنّ على ظاهر الآية من الهجران وهو البعد وظاهره أنه لا يضاجعها وقيل يضاجعها ويوليها ظهره وقيل يترك جماعها وقيل يجامعها ولا يكلمها.
- (طب ك) في النكاح (عن معاوية ابن حيدة) بفتح الحاء المهملة صحابي مشهور وهو جد بهز بن حكيم بن معاوية قال: سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن حق زوجة أحدنا عليه فذكره قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجاً لأحد من الستة والأمر بخلافه فقد رواه أبو داود وابن ماجه في النكاح والنسائي في عشرة النساء عن معاوية المذكور باللفظ [ص 393] المزبور وصححه الدارقطني في العلل وعلقه البخاري وممن عزاه لأبي داود النووي وغيره.
الفتاوى الكبرى - (ج 8 / ص 358)
كِتَابُ النَّفَقَاتِ وَعَلَى الْوَلَدِ الْمُوسِرِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى أَبِيهِ الْمُعْسِرِ وَزَوْجَةِ أَبِيهِ وَعَلَى إخْوَتِهِ الصِّغَارِ وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ تَمْلِيكُ الزَّوْجَةِ النَّفَقَةَ وَالْكُسْوَةَ بَلْ يُنْفِقُ وَيَكْسُو بِحَسَبِ الْعَادَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ { إنَّ حَقَّهَا عَلَيْك أَنْ تُطْعِمَهَا إذَا طَعِمْت وَتَكْسُوَهَا إذَا اكْتَسَيْت } كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمَمْلُوكِ ، ثُمَّ الْمَمْلُوك لَا يَجِبُ لَهُ التَّمْلِيكُ إجْمَاعًا وَإِنْ قِيلَ : إنَّهُ يُمْلَكُ بِالتَّمْلِيكِ ، وَيَتَخَرَّجُ هَذَا أَيْضًا مِنْ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْفَقِيرِ بَلْ هُنَا أَوْلَى لِلْعُسْرِ وَالْمَشَقَّةِ .
وَإِذَا انْقَضَتْ السَّنَةُ وَالْكُسْوَةُ صَحِيحَةٌ .
قَالَ أَصْحَابُنَا : عَلَيْهِ كُسْوَةُ السَّنَةِ الْأُخْرَى ، وَذَكَرُوا احْتِمَالًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَالْكُسْوَةَ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ عِنْدَنَا فَإِذَا كَفَتْهَا الْكُسْوَةُ عِدَّةَ سِنِينَ ، لَمْ يَجِبْ غَيْرُ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا يُتَوَجَّهُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهَا مُقَدَّرَةً وَكَذَلِكَ عَلَى قِيَاسِ هَذَا لَوْ اسْتَبْقَتْ مِنْ نَفَقَةِ أَمْسِ لِلْيَوْمِ وَذَلِكَ أَنَّهَا وَإِنْ وَجَبَتْ مُعَاوَضَةٌ فَالْعِوَضُ الْآخَرُ لَا يُشْتَرَطُ الِاسْتِبْقَاءُ فِيهِ وَلَا التَّمْلِيكُ بَلْ التَّمْكِينُ مِنْ الِانْتِفَاعِ فَكَذَلِكَ عِوَضُهُ وَنَظِيرُ هَذَا الْأَجِيرِ بِطَعَامِهِ وَكُسْوَتِهِ وَيُتَوَجَّهُ عَلَى مَا قُلْنَا : إنَّ قِيَاسَ الْمَذْهَبِ أَنَّ الزَّوْجَةَ إذَا اقْتَضَتْ النَّفَقَةَ ثُمَّ تَلِفَتْ أَوْ سُرِقَتْ أَنَّهُ يَلْزَمُ الزَّوْجَ عِوَضُهَا وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِنَا فِي الْحَاجِّ عَنْ الْغَيْرِ إذَا كَانَ مَا أَخَذَهُ نَفَقَةً تَلِفَ فَإِنَّهُ يَتْلَفُ مِنْ ضَمَانِ مَالِكِهِ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ وَلَوْ أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهِ وَهُوَ غَائِبٌ فَتَبَيَّنَ مَوْتُهُ فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا أَنْفَقَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ .
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ : وَعَلَى قِيَاسِهِ كُلُّ مَنْ أُبِيحَ لَهُ شَيْءٌ وَزَالَتْ الْإِبَاحَةُ بِفِعْلِ اللَّهِ أَوْ بِفِعْلِ الْمُبِيحِ كَالْمُعِيرِ إذَا مَاتَ أَوْ رَجَعَ وَالْمَانِحُ وَأَهْلُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْجَدَّ هَاهُنَا إذَا طَلَّقَ فَلَعَلَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالطَّلَاقِ فَإِنَّ التَّفْرِيطَ فِي الطَّلَاقِ مِنْهُ ، وَالْقَوْلُ فِي دَفْعِ النَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ قَوْلُ مَنْ شَهِدَ لَهُ الْعُرْفُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَيُخَرَّجُ عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ فِي تَقْدِيمِهِ الظَّاهِرَ عَلَى الْأَصْلِ وَعَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ قَصِيدَةٍ وَوُجِدَتْ حَافِظَةً لَهَا ، وَقَالَتْ تَعَلَّمْتهَا مِنْ غَيْرِهِ .
قَالَ بَلْ مِنِّي إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ وَإِذَا خَلَا بِزَوْجَتِهِ اسْتَقَرَّ الْمَهْرُ عَلَيْهِ وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ عَدَمَ عِلْمِهِ بِهَا وَلَوْ كَانَ أَعْمَى نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ فَقَدْ قُدِّمَتْ هُنَا الْعَادَةُ عَلَى الْأَصْلِ .
سبل السلام - (ج 5 / ص 317)
( وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ ) مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ ( قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ قَالَ أَنْ تُطْعِمَهَا إذَا طَعِمْت وَتَكْسُوَهَا إذَا اكْتَسَيْت } - الْحَدِيثَ وَتَقَدَّمَ فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ ) بِتَمَامِهِ وَنَسَبَهُ إلَى أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنِ مَاجَهْ ، وَأَنَّهُ عَلَّقَ الْبُخَارِيُّ بَعْضَهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ .
( 1071 ) - وَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْحَجِّ بِطُولِهِ - قَالَ فِي ذِكْرِ النِّسَاءِ { وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ .
( وَعَنْ جَابِرٍ فِي حَدِيثِ الْحَجِّ بِطُولِهِ قَالَ فِي ذِكْرِ النِّسَاءِ { وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ) .
وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ لِلزَّوْجَةِ كَمَا دَلَّتْ لَهُ الْآيَةُ ، وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ .
وَقَوْلُهُ : بِالْمَعْرُوفِ إعْلَامٌ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا مَا تُعُورِفَ مِنْ إنْفَاقِ كُلٍّ عَلَى قَدْرِ حَالِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى { لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا مَا آتَاهَا } ثُمَّ الْوَاجِبُ لَهَا طَعَامٌ مَصْنُوعٌ ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ نَفَقَةٌ ، وَلَا تَجِبُ الْقِيمَةُ إلَّا بِرِضَا مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ ، وَقَدْ طَوَّلَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ وَاخْتَارَهُ ، وَهُوَ الْحَقُّ ، فَإِنَّهُ قَالَ مَا لَفْظُهُ : وَأَمَّا فَرْضُ الدَّرَاهِمِ ، فَلَا أَصْلَ لَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَا سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَلْبَتَّةَ ، وَلَا التَّابِعِينَ ، وَلَا تَابِعِيهِمْ ، وَلَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ ، وَلَا غَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ وَالزَّوْجَاتِ وَالرَّقِيقِ بِالْمَعْرُوفِ وَلَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ فَرْضُ الدَّرَاهِمِ بَلْ الْمَعْرُوفُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّارِعُ أَنْ يَكْسُوَهُمْ مِمَّا يَلْبَسُ وَيُطْعِمَهُمْ مِمَّا يَأْكُلُ وَلَيْسَتْ الدَّرَاهِمُ مِنْ الْوَاجِبِ ، وَلَا عِوَضُهُ ، وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَمَّا لَمْ يَسْتَقِرَّ وَلَمْ يَمْلِكْ ، فَإِنَّ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ وَالزَّوْجَاتِ إنَّمَا تَجِبُ يَوْمًا فَيَوْمًا ، وَلَوْ كَانَتْ مُسْتَقِرَّةً لَمْ تَصِحَّ الْمُعَاوَضَةُ عَنْهَا بِغَيْرِ رِضَا الزَّوْجِ وَالْقَرِيبِ ، فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ تُجْعَلُ عِوَضًا عَنْ الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ ، وَهُوَ إمَّا الْبُرُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ، أَوْ الْمُقْتَاتُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَكَيْفَ يُجْبَرُ عَلَى الْمُعَاوَضَةِ عَلَى ذَلِكَ بِدَرَاهِمَ مِنْ غَيْرِ رِضَا وَلَا إجْبَارِ الشَّرْعِ لَهُ عَلَى ذَلِكَ ، فَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوَاعِدِ الشَّرْعِ وَنُصُوصِ الْأَئِمَّةِ وَمَصَالِحِ الْعِبَادِ وَلَكِنْ إنْ اتَّفَقَ الْمُنْفِقُ وَالْمُنْفَقُ عَلَيْهِ جَازَ بِاتِّفَاقِهِمَا .
عَلَى أَنَّ فِي اعْتِيَاضِ الزَّوْجَةِ عَنْ النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ لَهَا نِزَاعًا مَعْرُوفًا فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ .
الروضة الندية - (ج 2 / ص 309)
باب النفقة
تجب على الزوج للزوجة لا أعرف في ذلك خلافاً . وقد أوجبها القرآن الكريم قال الله تعالى : وارزقوهم فيها واكسوهم وقد قرر دلالة هذه الآية على المطلوب الموزعي في تفسيره . والحديث إذنه صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة أن تأخذ من مال زوجها أبي سفيان ما يكفيها وولدها بالمعروف وهو في الصحيحين وغيرهما . ولقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن حق الزوجة على الزوج أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت وهو عند أهل السنن وغيرهم . قال في المسوى : تجب نفقة الزوجة على الزوج موسراً كان أو معسراً . قال تعالى : لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله وقال تعالى : وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف وقال تعالى : ذلك أدنى أن لا تعولوا قلت : قال الشافعي : أي لا يكثر من تعولون . وفيه دليل على أن على الرجل نفقة امرأته ، وقد أنكر على الشافعي بعض أهل العربية هذا التفسير ، فأجاب البغوي بأن الكسائي قال : يقال عال الرجل يعول إذا كثر عياله واللغة الجيدة أعال . وأجاب الزمخشري بأنه بيان حاصل المعنى وجهه أن يجعل من قولك عال الرجل عياله يعولهم كقولهم مانهم يمونهم إذا أنفق عليهم ، ومن كثر عياله لزمه أن يعولهم وهذا مما اتفق عليه أهل العلم . وقال ابن القيم : في حديث هند المتقدم تضمنت هذه الفتوى أموراً أحدها أن نفقة الزوجة غير مقدرة بل المعروف لنفي تقديرها وإن لم يكن تقديرها معروفاً في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم . الثاني أن نفقة الزوجة من جنس نفقة الوالد كلاهما بالمعروف . الثالث انفراد الأب بنفقة أولاده . الرابع أن الزوج والأب إذا لم يبذل النفقة الواجبة عليه فللزوجة والأولاد أن يأخذوا قدر كفايتهم بالمعروف . الخامس أن المرأة إذا قدرت على أخذ كفايتها من مال زوجها لم يكن لها إلى الفسخ سبيل . السادس أن ما لم يقدره الله تعالى ورسوله من الحقوق الواجبة فالمرجع فيه إلى العرف . السابع أن من منع الواجب عليه وكان سبب ثبوته ظاهراً فلمستحقه أن يأخذ بيده إذا قدر عليه كما أفتى به النبي صلى الله عليه وسلم هذا انتهى حاصله .
أقول : هذا يختلف بإختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال والأشخاص ، فنفقة زمن الخصب المعروف فيها غير المعروف في زمن الجدب ، ونفقة أهل البوادي المعروف فيها ما هو الغالب عندهم ، وهو غير المعروف من نفقة أهل المدن ، وكذلك المعروف من نفقة الأغنياء على إختلاف طبقاتهم غير المعروف من نفقة الفقراء ، والمعروف من نفقة أهل الرياسات والشرف غير المعروف من نفقة أهل الوضاعات . فليس المعروف المشار إليه في الحديث هو شئ متحد بل مختلف باختلاف الإعتبار وقد أوضحت المقام في كتابي دليل الطالب فليراجع .
وقال الماتن رحمه الله في الفتح الرباني في جواب سؤال في الفرض للزوجة ونحوها ما لفظه قد اختلفت المذاهب في تقديره النفقة بمقدار معين وعدم التقدير فذهب جماعة من أهل العلم وهم الجمهور إلى أنه لا تقدير للنفقة إلا بالكفاية ، وقد اختلفت الرواية عن الفقهاء فقال : الشافعي على المسكين والمتكسب مد وعلى الموسر مدان وعلى المتوسط مد ونصف . وقال أبو حنيفة : على الموسر سبعة دراهم إلى ثمانية في الشهر وعلى المعسر أربعة دراهم إلى خمسة .قال بعض أصحابه هذا التقدير في وقت رخص الطعام وأما في غيره فيعتبر بالكفاية انتهى .
السيل الجرار للشوكاني - (ج 2 / ص 204)
فصل يجب على الزوج كيف كان لزوجته كيف كانت اقول قد ثبت الاجماع على وجوب نفقة الزوجات على الازواج ولم يرد في ذلك خلاف والادلة على ذلك كثيرة منها حديث معاوية القشيري عند ابي داود والنسائي وابن ماجه والحاكم وابن حبان وصححه ايضا الدارقطني في العلل قال اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ما تقول في نسائنا قال اطعموهن مما تأكلون واكسوهن مما تكتسون ولا تضربوهن ولا تقبحوهن وفي لفظ من حديثه هذا عند احمد وابي داود وابن ماجه انه قال إن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل ما حق المراة على الزوج قال تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ومنها ما في صحيح مسلم وغيره من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك فإن فضل عن اهلك شيء فلذوي قرابتك ومنها حديث عائشة في الصحيحين وغيرهما ان هندا قالت يا رسول الله إن ابا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما اخذت منه وهو لا يعلم قال خذي ما يكفيك ووندك بالمعروف
الفقه الإسلامي وأصوله - (ج 3 / ص 168)
ثانياً: ولاية التأديب:
إذا كانت الزوجة مطيعة لزوجها محافظة على حقوقه فلا سبيل له عليها، أما إذا خرجت عن الطاعة وخالفته فيما يجب عليها، كان له عليها ولاية التأديب لقوله تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا} [النساء: 34]. فهذه الآية قسمت النساء إلى نوعين: النوع الأول: صالحات، وهؤلاء لسن في حاجة إلى تأديب لأنهن يقمن بما عليهن من حقوق الله وحقوق الزوج.
والنوع الثاني: الذي عبرت عنه الآية {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} وهن اللاتي شرع التأديب لهن، لأن تركهن على انحرافهن يسبب للبيت شقاء لا يستقيم معه الحياة الزوجية، وجعل التأديب للزوج دون غيره من الولي أو القاضي محافظة على كيان الأسرة بحفظ أسرارها من أن تذاع فيطلع الناس منها على ما لا يحسن الاطلاع عليه، ولأنه أعلم من غيره بما يقومها ويردها إلى صوابها، ولأن ضرر انحرافها يعود أولاً عليه وعلى بيته.
ثم إن الآية بينت طريق التأديب فجعلت له وسائل ثلاث: الموعظة الحسنة والهجر في المضاجع، والضرب، وجاءت بها مرتبة فإذا أراد التأديب بدأ بما بدأ الله به فيعظها فإن كفت الموعظة وقف عند ذلك، وإن لم تفد الموعظة هجرها في المضجع بأن يوليها ظهره أو ينام في فراش آخر داخل البيت، فإن لم يفد الهجر فله أن يضربها ضرباً غير مبرح ولا مشين.
وفي هذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع. "ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا".
(1) عوان جمع عانية وهي الأسيرة. ومعناها أن النساء عند الرجال بمنزلة الأسرى فعليهم الإحسان إليهن.
ولقد سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم: "ما حق المرأة على الزوج؟ قال: "تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت".
فإذا أساء الرجل استعمال حقه، وتجاوز القدر اللازم للإصلاح كان متعدياً، وللزوجة حينئذ أن ترفع أمرها إلى القاضي ليرده عن عدوانه، فإن ثبت لديه عدوان الزوج عزره بما يراه كافياً لزجره عن معاودته لما فعل، وليس له حق إيقاع الطلاق جبراً إذا طلبته الزوجة كما يرى الحنفية ويرى المالكية أن المرأة لو طلبت الطلاق للضرر في هذه الحالة كان للقاضي سلطة إيقاع الطلاق إذا امتنع الزوج عن التطليق وتكون طلقة بائنة.
وإذا عرفنا أن شريعة الله عامة لا تخص طائفة دون غيرها وليست قاصرة على زمن معين ولا بيئة خاصة، وعرفنا مع ذلك أن النساء تختلف طبائعهن، ففيهن من تردهن الكلمة عن غيها، ومنهن من لا يؤثر فيها الكلام ولا يردها إلا الهجر والحرمان، ومنهن من لا يفيد معها كلام ولا هجر لشراسة في خلقها وعناد لا يرده إلا الضرب، إذا عرفنا ذلك أدركنا سر تنوع وسائل التهذيب في كتاب الله الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، والذي خلق المرأة وهو الخبير بأسرارها العليم بما يهذبها إذا ما التوى بها الأمر عن الجادة المستقيمة.
وبعد ذلك يكون من قصر النظر وسوء الفهم توجيه النقد على غير هدى كما قيل: إن الضرب وسيلة صحراوية لا تتفق مع عصر المدنية والتقدم، فكيف تبيح شريعة لزوج أن يضرب زوجة تدرجت في مدارج الثقافة حتى بلغت قمتها ؟.
ونحن نقول لهذا المفتري: ليس كل النساء كما وصفت، وليس الضرب هو الوسيلة الوحيدة المشروعة، بل إنها إحدى وسائل ثلاث، وكانت في المرتبة الثالثة لا يلجأ إليها إلا عند فشل الأولى والثانية.
إن القرآن يعالج انحراف المرأة من القمة، فيعالج من طريق العقل أولاً، ثم ينتقل إلى طريق العاطفة، ولم يبق بعد ذلك إلا طريق الجسد بالضرب، لأن من لا يستجيب بعقله ولا يتأثر بعاطفته ينزل إلى مرتبة الحيوان الأعجم، فبم تقوم اعوجاجه أيها الناقد الحاقد ؟.
ثم إن القرآن لم يقف بالعلاج عند هذه الوسائل الفردية التي وكلها إلى الزوج، بل جعل للزوج إذا لم يصل إلى نتيجة وأفلت الزمام من يده أن يرفع الأمر إلى القاضي ليعالج المشكلة بوسيلة أخرى على مستوى الجماعة، لأن الحياة الزوجية ليست ملكاً للزوجين خاصة، بل لها جانب اجتماعي من جهة أنهما عضوان في المجتمع الذي يسعد بسعادة أفراده ويشقى بشقائهم، فيبعث القاضي حكماً من أهل الزوج وحكماً من أهل الزوجة، ليتعرفا أسباب النزاع ويقوما بالإصلاح كما يقول سبحانه: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء:35].
المحلى لابن حزم - (ج 5 / ص 422)
1854 - مَسْأَلَةٌ : وَعَلَى الزَّوْجِ كِسْوَةُ الزَّوْجَةِ مُذْ يَعْقِدُ النِّكَاحَ وَنَفَقَتُهَا , وَمَا تَتَوَطَّاهُ وَتَتَغَطَّاهُ وَتَفْتَرِشُهُ , وَإِسْكَانُهَا كَذَلِكَ أَيْضًا صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً ذَاتَ أَبٍ أَوْ يَتِيمَةً غَنِيَّةً أَوْ فَقِيرَةً دُعِيَ إلَى الْبِنَاءِ أَوْ لَمْ يُدْعَ نَشَزَتْ أَوْ لَمْ تَنْشِزْ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً بُوِّئَتْ مَعَهُ بَيْتًا أَوْ لَمْ تُبَوَّأْ.
برهان ذَلِكَ : مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو قَزَعَةَ الْبَاهِلِيُّ " ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ قَالَ : أَنْ تُطْعِمَهَا إذَا طَعِمْتُ وَتَكْسُوَهَا إذَا اكْتَسَيْتُ , وَلاَ تَضْرِبْ الْوَجْهَ , وَلاَ تُقَبِّحْ , وَلاَ تَهْجُرْ إِلاَّ فِي الْبَيْتِ.
قال أبو محمد رحمه الله : أَبُو قَزَعَةَ هَذَا هُوَ سُوَيْدُ بْنُ حُجَيْرٍ ثِقَةٌ , رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ , وَابْنُ جُرَيْجٍ , وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ , وَابْنُهُ قَزَعَةُ , وَغَيْرُهُمْ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي خُطْبَتِهِ فِي عَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ : فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ , فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ. فَعَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلَّ النِّسَاءِ وَلَمْ يَخُصَّ نَاشِزًا مِنْ غَيْرِهَا , وَلاَ صَغِيرَةً ، وَلاَ كَبِيرَةً , وَلاَ أَمَةً مُبَوَّأَةً بَيْتًا مِنْ غَيْرِهَا وَمَا يَنْطِقُ ، عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى أُمَرَاءِ الأَجْنَادِ : أَنْ اُنْظُرُوا إلَى مَنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ أَنْ يَبْعَثُوا بِنَفَقَةٍ أَوْ يَرْجِعُوا وَذَكَرَ بَاقِي الْخَبَرِ , فَلَمْ يَسْتَثْنِ عُمَرُ امْرَأَةً مِنْ امْرَأَةٍ : .
حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ : سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ ، عَنْ امْرَأَةٍ خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَاضِبَةً هَلْ لَهَا نَفَقَةٌ قَالَ : نَعَمْ.
قال أبو محمد رحمه الله :
وَرُوِّينَا ، عَنْ نَحْوِ خَمْسَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ : لاَ نَفَقَةَ لِنَاشِزٍ
وَهَذَا قَوْلٌ خَطَأٌ مَا نَعْلَمُ لِقَائِلِهِ حُجَّةً.
فإن قيل : إنَّ النَّفَقَةَ بِإِزَاءِ الْجِمَاعِ , وَالطَّاعَةِ
قلنا : لاَ , بَلْ هَذَا الْقَوْلُ كَذِبٌ , وَأَوَّلُ مَنْ يُبْطِلُهُ أَنْتُمْ , أَمَّا الْحَنَفِيُّونَ , وَالشَّافِعِيُّونَ فَيُوجِبُونَ النَّفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ الصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرَةِ , وَلاَ جِمَاعَ هُنَالِكَ ، وَلاَ طَاعَةَ. وَالْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ , وَالشَّافِعِيُّونَ : يُوجِبُونَ النَّفَقَةَ عَلَى " الْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ " .
وَلاَ خِلاَفَ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الْمَرِيضَةِ الَّتِي لاَ يُمْكِنُ جِمَاعُهَا , وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا عَلَى النَّاشِزِ فَقَالَ : وَاَللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً. فَأَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى النَّاشِزِ إِلاَّ الْهَجْرُ وَالضَّرْبُ , وَلَمْ يُسْقِطْ عَزَّ وَجَلَّ نَفَقَتَهَا ، وَلاَ كِسْوَتَهَا فَعَاقَبْتُمُوهُنَّ أَنْتُمْ بِمَنْعِهَا حَقَّهَا , وَهَذَا شَرْعٌ فِي الدِّينِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ , فَهُوَ بَاطِلٌ.
فَإِنْ قَالُوا : إنَّهَا ظَالِمَةٌ بِنُشُوزِهَا
قلنا : نَعَمْ , وَلَيْسَ كُلُّ ظَالِمٍ يَحِلُّ مَنْعُهُ مِنْ مَالِهِ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ نَصٌّ , وَإِلَّا فَلَيْسَ هُوَ حُكْمُ اللَّهِ ; هَذَا حُكْمُ الشَّيْطَانِ , وَظُلْمَةُ الْعُمَّالِ وَالشَّرْطِ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّهُمْ لاَ يُسْقِطُونَ قَرْضًا أَقْرَضَتْهُ إيَّاهُ مِنْ أَجْلِ نُشُوزِهَا فَمَا ذَنْبُ نَفَقَتِهَا تَسْقُطُ دُونَ سَائِرِ حُقُوقِهَا إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ عَجِيبٌ وَقَالَ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الصَّغِيرَةِ : سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَأَبُو سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابُنَا. وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ أَسْقَطَهَا حُجَّةً أَصْلاً , فَهُوَ بَاطِلٌ بِلاَ شَكٍّ ,
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
فَصَحَّ أَنَّ مَنْ لاَ برهان لَهُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ فَقَوْلُهُ بَاطِلٌ.
وقال مالك : لاَ نَفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ إِلاَّ حَتَّى يُدْعَى إلَى الْبِنَاءِ.
قال أبو محمد رحمه الله : هَذَا الْحُكْمُ دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ لاَ
برهان عَلَى صِحَّتِهَا , لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ , وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ , وَلاَ قِيَاسٍ , وَلاَ رَأْيٍ صَحِيحٍ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ جَاءَتْ بِخِلاَفِهِ فَهُوَ سَاقِطٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
شرح النيل وشفاء العليل - إباضية - (ج 27 / ص 361)
الْكِتَابُ الثَّامِنَ عَشَرَ فِي النَّفَقَاتِ .
النَّفَقَةُ مَا بِهِ قَوَامٌ مُعْتَادٌ حَالٌ ، وَهَذَا عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ : الشَّيْءُ الَّذِي يُعْطَى فِي الْإِنْفَاقِ ، وَأَمَّا بِمَعْنَى الْإِنْفَاقِ فَإِعْطَاءُ مَا بِهِ قَوَامُ حَالٍ ، وَخَرَجَ بِقَوَامِ الْحَالِ مَا بِهِ قَوَامُ السَّرَفِ ، فَلَيْسَ بِنَفَقَةٍ شَرْعًا وَلَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِهِ ، وَفِي دُخُولِ الْكِسْوَةِ فِي لَفْظِ النَّفَقَةِ خِلَافٌ ، فَقِيلَ : هُوَ لَفْظٌ مَوْضُوعٌ لِلطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ ، ثُمَّ تَخَصَّصَتْ فِي عُرْفِ الْأَكْثَرِ فِي الطَّعَامِ ، وَقِيلَ : مَوْضُوعٌ لِلطَّعَامِ فَقَطْ ، فَمَنْ الْتَزَمَ نَفَقَةَ رَجُلٍ فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ كِسْوَتُهُ ؟ فَقِيلَ : تَجِبُ وَقَالَ ابْنُ سَهْلٍ وَابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُمَا : لَا تَجِبُ ، وَأَصْلُ النَّفَقَةِ قَوْله تَعَالَى : { فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } ، وَحَدِيثُ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةُ زَوْجِ أَبِي سُفْيَانَ ، وَقَدْ مَرَّ فِي تَقَاضِي الدَّيْنِ فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ إنْفَاقِ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ وَمَا رَوَاهُ طَارِقٌ الْمُحَارِبِيُّ قَالَ : { قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ وَيَقُولُ : يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ؛ أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ } وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَيَبْدَأُ أَحَدُكُمْ بِمَنْ يَعُولُ ، تَقُولُ الْمَرْأَةُ : أَطْعِمْنِي أَوْ طَلِّقْنِي } وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ وَلَا يُكَلَّفُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا يُطِيقُ } وَقَوْلُ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ : { أَنْ تُطْعِمَهَا إذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إذَا اكْتَسَيْتَ } وَقَوْلُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النِّسَاءِ : { وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ } ، وَفِي رِوَايَةٍ : أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ .
وَقَوْلُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لَا نَفَقَةَ لَهَا ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ لِغَيْرِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا نَفَقَةً ، وَكِتَابَةُ عُمَرَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ : أَنْ يَأْخُذُوهُمْ بِأَنْ يُنْفِقُوا أَوْ يُطَلِّقُوا ، فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا حَبَسُوا وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ : { ' جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ ، فَقَالَ : أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ ، قَالَ : عِنْدِي آخَرُ ، قَالَ : أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِكَ ، قَالَ : عِنْدِي آخَرُ ، قَالَ : أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِكَ ، قَالَ : عِنْدِي آخَرُ ، قَالَ : أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِكَ ، قَالَ : عِنْدِي آخَرُ ، قَالَ : أَنْتَ أَعْلَمُ } وَفِي رِوَايَةٍ ذَكَرَ الزَّوْجَةَ بَدَلَ الْأَهْلِ لَكِنْ بِتَقْدِيمِ الزَّوْجَةِ عَلَى الْوَلَدِ وَقَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ قَالَ : يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ؛ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، قَالَ : قُلْتُ لِسَعِيدٍ : سُنَّةٌ ، فَقَالَ : سُنَّةٌ ، وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ غَيْرُ هَذَا ، كَمَا يُفْسَخُ بِالْجَبِّ وَالْعُنَّةِ إنْ شَاءَتْ بَلْ هَذَا أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الصَّبْرَ عَنْ التَّمَتُّعِ أَسْهَلُ مِنْهُ عَنْ النَّفَقَةِ وَنَحْوِهَا ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ يَبْقَى بِلَا وَطْءٍ وَلَا يَبْقَى بِلَا قُوتٍ ، وَأَيْضًا مَنْفَعَةُ الْجِمَاعِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا ، فَإِذَا ثَبَتَ فِي الْمُشْتَرَكِ جَوَازُ الْفَسْخِ لِعَدَمِهِ ، فَفِي عَدَمِ الْمُخْتَصِّ بِهَا أَوْلَى وَقِيَاسًا عَلَى الْمَرْقُوقُ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ إذَا أُعْسِرَ بِنَفَقَتِهِ ، وَلَا فَسْخَ لِلزَّوْجَةِ بِنَفَقَةٍ مَاضِيَةٍ إذَا عَجَزَ عَنْهَا لِتَنَزُّلِهَا مَنْزِلَةَ دَيْنٍ آخَرَ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ .
وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا أُعْسِرَ بِالنَّفَقَةِ يُؤْمَرُ بِأَخْذِ الدَّيْنِ وَيَلْزَمُهَا الصَّبْرُ ، وَتَتَعَلَّقُ النَّفَقَةُ بِذِمَّتِهِ مَتَى وَجَدَ أَنْفَقَ وَمَا فَاتَ لَمْ تُدْرِكْهُ إلَّا إنْ فُرِضَ وَغَايَةُ النَّفَقَةِ أَنْ تَكُونَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَقَدْ أُعْسِرَ بِهَا الزَّوْجُ فَدَخَلَ ذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ } ، فَتَكُونُ الزَّوْجَةُ مَأْمُورَةٌ بِالْإِنْظَارِ بِالنَّصِّ ، وَفِي إلْزَامِ الْفَسْخِ إبْطَالُ حَقِّهِ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَفِي إلْزَامِ الْإِنْظَارِ وَأَخْذِ الدَّيْنِ تَأْخِيرُ حَقِّهَا دَيْنًا عَلَيْهِ ، وَإِذَا دَارَ بَيْنَهُمَا كَانَ التَّأْخِيرُ أَوْلَى ، وَبِهِ فَارَقَ الْجَبُّ وَالْعُنَّةُ وَالْمَمْلُوكُ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْجِمَاعِ لَا يَصِيرُ دَيْنًا عَلَى الزَّوْجِ وَلَا نَفَقَةَ الْمَمْلُوكِ تَصِيرُ دَيْنًا عَلَى الْمَالِكِ ، وَيَخُصُّ الْمَمْلُوكَ أَنَّ فِي إلْزَامِ بَيْعِهِ إبْطَالَ حَقِّ السَّيِّدِ إلَى خُلْفٍ هُوَ الثَّمَنُ ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ نَفَقَتِهِ كَانَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي إلْزَامِهِ بِبَيْعِهِ ؛ إذْ فِيهِ تَخْلِيصُ الْمَمْلُوكِ مِنْ عَذَابِ الْجُوعِ وَحُصُولِ الْبَدَلِ الْقَائِمِ مَقَامَهُ لِلسَّيِّدِ ؛ بِخِلَافِ إلْزَامِ الْفُرْقَةِ فَإِنَّهُ إبْطَالُ حَقِّهِ بِلَا بَدَلٍ وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ عَجَزَ عَنْ نَفَقَتِهَا لَمْ يُعْتِقْهَا الْقَاضِي عَلَيْهِ ، وَبِمَذْهَبِنَا الْمَشْهُورِ هَذَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَأَثْبَتَ ابْنُ بَرَكَةَ مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ سَعِيدٌ ، وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ : تَقُولُ الْمَرْأَةُ : أَطْعِمْنِي أَوْ طَلِّقْنِي وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا تَرَكَ غِنًى ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ، تَقُولُ الْمَرْأَةُ : إمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي ، وَيَقُولُ الْعَبْدُ : أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي وَإِلَّا فَبِعْنِي ، وَيَقُولُ الِابْنُ : أَطْعِمْنِي ؛ إلَى مَنْ تَدَعُنِي ؟ } وَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ قَالُوا : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ سَمِعْتَ هَذَا ؟ يَعْنُونَ قَوْلَهُ : تَقُولُ الْمَرْأَةُ إلَخْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا ، مِنْ كِيسِ أَبِي هُرَيْرَةَ - بِكَسْرِ الْكَافِ - أَيْ مِنْ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَدْرَجَهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ مُسْتَنْبِطًا لَهُ مِنْ الْحَدِيثِ ، وَأَصْلُ الْكِيسِ : الْوِعَاءُ الْمَعْرُوفُ ، وَرُوِيَ بِالْفَتْحِ ، وَهُوَ الْعَقْلُ .
يسألونك فتاوى - (ج 3 / ص 184)
حج الزوجين والأقارب على نفقة بعضهم بعضاً
يقول السائل : ما حكم حج الزوجة على نفقة زوجها وحج الزوج على نفقة زوجته وما حكم حج الابن على نفقة أبيه وحج الأب على نفقة ابنه . وهل يجبر الزوج على الحج بزوجته أو تحمل نفقات حجها وكذلك الابن هل يجبر على ذلك أم لا ؟ أفيدونا .
الجواب : فرض الله سبحانه وتعالى الحج على المستطيع فقال جل جلاله :( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ) سورة آل عمران الآية 97 .
وتوفر نفقات الحج وتكاليفه داخلة في معنى الاستطاعة المذكورة في الآية الكريمة فالأصل أن يكون من وجب عليه الحج مستطيعاً فحينئذ يجب عليه أن يحج .
وإذا تبرع شخص لآخر بتحمل نفقات الحج على حسابه كأن يتبرع الزوج لزوجته فحجها جائز ومسقط للفريضة وكذا العكس أي تبرعت الزوجة لزوجها فحجه جائز ومسقط للفريضة ومثل ذلك في حالة الأب والابن إلا أنه يندب في حق الابن الموسر أن يحجج والديه لأن ذلك من البر بهما وهو مأمور بالبر والإحسان إليهما وليس واجباً عليه بل هو تبرع وإحسان فقط .
وكذلك الزوج لا يجب عليه أن يحجج زوجته حتى لو كان غنياً بل ذلك من باب المعروف والإحسان إليها لأن إحجاج الزوجة ليس من ضمن النفقة الواجبة على الزوج
فالنفقة الواجبة على الزوج لا يدخل فيها دفع نفقات حجها قال الله تعالى :
( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ) سورة الطلاق الآية 6 . وقال تعالى :( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) سورة البقرة الآية 233 .
وجاء في الحديث الشريف عن حكيم بن معاوية رضي الله عنهما قال : قلت : يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال : أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تقبح الوجه ولا تهجر إلا في البيت ) رواه أبو داود وقال الألباني حديث حسن صحيح . انظر صحيح سنن أبي داود 2/402 .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع :( ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم ... ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا لهن في كسوتهن وطعامهن ) رواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح ، سنن الترمذي مع شرحه التحفة 4/274 . وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/341 .
والذي يؤخذ من مجموع هذه النصوص أن النفقة الواجبة للزوجة على زوجها إنما هي السكن والطعام والكسوة ولا يدخل في ذلك نفقة حجها .
وبناء على ما تقدم فإن الزوجة إن كانت مستطيعة للحج وقادرة على تحمل نفقات الحج من مالها الخاص فيجب عليها الحج وإلا فلا يجب الحج عليها لأنها غير مستطيعة إلا أن يتبرع لها زوجها أو غيره بالنفقة .
وخلاصة الأمر أنه لا يجب على أي شخص أن يحجج غيره بل ذلك تبرع وإحسان ومعروف .
يسألونك فتاوى - (ج 4 / ص 369)
الإحسان إلى الزوجة من واجبات الزوج
اشتكت مجموعة من النساء من سوء معاملة أزواجهن وقلن إن من أزواجهن من يضربهن ويشتمهن ويسب أهلهن ويسيء معاملتهن وبعضهم يقاطع زوجته الشهر والشهرين وأكثر من ذلك لأسباب تافهة وقالت إحداهن إنكم يا معشر المشايخ تتحدثون دائماً عن حق الزوج على زوجته ولا تتكلمون عن حقوق الزوجة على زوجها فلماذا؟ هلا بينتم لهؤلاء الأزواج حقوق زوجاتهم عليهم.
الجواب:إن الحياة الزوجية في الإسلام تقوم على المودة والمحبة والتفاهم بين الزوجين قال تعالى:(وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) سورة الروم الآية 21.
إن الأساس الذي ينبغي أن تقوم عليه العلاقة الزوجية هو المودة والرحمة وتعني عطف قلوبهم بعضهم على بعض وقال بعض أهل التفسير: المودة المحبة والرحمة الشفقة وقال ابن عباس رضي الله عنهما:[ المودة حب الرجل امرأته والرحمة رحمته إياها أن يصيبها سوء ] تفسير القرطبي 14/17.
ويجب على كل من الزوجين أن يعرف ما له وما عليه وقد بين الإسلام واجبات الزوجين وحقوقهما بياناً شاملاً فقد وردت نصوص كثيرة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم تبين حقوق الزوجة على زوجها. يقول الله تعالى:(وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ( سورة البقرة الآية227. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم :( إن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقاً ) رواه الترمذي وصححه.
فمن حقوق الزوجة على زوجها أن يعاملها معاملة كريمة فيها اللطف والرحمة وحسن المعاملة قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا( سورة النساء الآية 19. قال الإمام القرطبي:[قوله تعالى:(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ( أي على ما أمر الله به من حسن المعاشرة والخطاب للجميع إذ لكل أحد عشرة زوجاً كان أو ولياً ولكن المراد بهذا الأمر في الأغلب الأزواج وهو مثل قوله تعالى:(فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ( وذلك توفية حقها من المهر والنفقة وألا يعبس في وجهها بغير ذنب وأن يكون منطلقاً في القول لا فظاً ولا غليظاً ولا مظهراً ميلاً إلى غيرها، والعشرة: المخالطة والممازجة... فأمر الله سبحانه بحسن صحبة النساء إذا عقدوا عليهن لتكون أدمة ما بينهم وصحبتهم على الكمال فإنه أهدأ للنفس وأهنأ للعيش وهذا واجب على الزوج...] تفسير القرطبي 5/97.
وقد حثّ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على حسن معاملة الزوجة في أحاديث كثيرة وقد بوَّب على بعضها الإمام البخاري بتراجم مناسبة فقال:(باب الوصاة بالنساء)، وقال الإمام البخاري أيضاً:(باب المداراة مع النساء)، وقال الإمام البخاري أيضاً:(باب حسن المعاشرة مع الأهل).ومن هذه الأحاديث حديث أبي هريرة أن النبيصلى الله عليه وسلم قال:( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من ضلع أعوج وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيراً ).
قال الحافظ ابن حجر معلقاً على هذا الحديث:[ وفي الحديث الندب إلى المداراة لاستمالة النفوس وتألف القلوب وفي سياسة النساء بأخذ العفو منهن والصبر على عوجهن وأن من رام تقويمهن فاته الانتفاع بهن مع أنه لا غنى للإنسان عن امرأة يسكن إليها ويستعين بها على معاشه ] فتح الباري 11/163.
وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( إني أحرج عليكم حق الضعيفين اليتيم والمرأة ) رواه ابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبة حجة الوداع:( واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضرباً غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن ألا إن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقاً فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن) رواه الترمذي وقال حسن صحيح ورواه ابن ماجة وحسّنه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/341.
وعن أبي هريرة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم ) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح. ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
قال العلامة ابن علان المكي:[ ( وخياركم خياركم لنسائهم ) وفي رواية ( خيركم خيركم لأهله ) قال في النهاية هو إشارة إلى صلة الرحم والحث عليها، قيل ولعل المراد من حديث الباب أن يعامل زوجته بطلاقة الوجه وكف الأذى والإحسان إليها والصبر على أذاها قلت ويحتمل أن الإضافة فيه للعهد والمعهود هو النبي صلى الله عليه وسلم والمراد ( أنا خيركم لأهلي ) وقد كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس لأهله وأصبرهم على اختلاف أحوالهم] دليل الفالحين 3/106.
ومن حقوق الزوجة على زوجها وجوب الإنفاق عليها بالمعروف من طعام وشراب وكسوة وغير ذلك من لوازم الحياة وأن لا يحرمها مما تشتهيه وأن لا يكون بخيلاً في النفقة عليها ولا على أولاده وكل ذلك يكون حسب حالة الزوج المالية لقوله تعالى:(وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ( سورة البقرة الآية 233، ولقوله تعالى:(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا( سورة البقرة الآية 286.
وعلى الزوج أن يعلم أن المال الذي ينفقه على زوجته وأولاده له فيه أجر عظيم كما ورد في الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم :( إذا أنفق الرجل فهي له صدقة ) رواه البخاري ومسلم.
وقد ورد أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه قال:( أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت ) رواه أبو داود وذكر معنى لا تقبح أي لا تقل قبحك الله. وهو حديث حسن صحيح كما قال الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/402.
ومن حقوق الزوجة على زوجها أن لا يفشي أسرارها وأن لا يذكر عيوبها لما ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم :( إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها ) رواه مسلم.
ومن حقوق الزوجة على زوجها أن يأذن لها بزيارة أهلها وأقاربها وجيرانها وكذلك إذا استأذنته بالخروج إلى صلاة الجماعة والجمعة بشرط أن يكون خروجها شرعياً فلا تمس طيباً ولا تخرج متزينة مع أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد ولا ينبغي لزوج منع زوجته من الذهاب إلى المسجد إلا إذا خشي الفتنة عليها أو إذا خرجت متعطرة فيجوز له حينئذ منعها لقوله صلى الله عليه وسلم :( لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد وبيوتهن خير لهن ) رواه أحمد وأبو داود وإسناده صحيح .
وعلى المرأة إذا خرجت من بيتها قاصدة حضور الجماعة أو الجمعة أن تخرج وهي ملتزمة بأحكام الشرع من حيث اللباس والمشي وترك الزينة والطيب فقد ورد في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات) رواه أحمد وأبو داود وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني ومعنى تفلات: غير متطيبات. وفي حديث آخر قوله صلى الله عليه وسلم :( إذا شهدت إحداكن المساجد فلا تمس الطيب ) رواه مسلم.
ومن حقوق الزوجة على زوجها أن يفقهها في دينها لقوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا( سورة التحريم الآية 6. ويجب على الزوج أن يأمرها وأولاده بالمحافظة على الصلاة لقوله الله تعالى:(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا( سورة طه الآية 132.
هذه أهم حقوق الزوجة على زوجها باختصار وينبغي أن يعلم أنه يحرم على الزوج أن يسب زوجته وأهلها أو يلعنها فعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا الفاحش ولا البذيء) رواه الترمذي وابن حبان والحاكم وصححاه.
كما ينبغي أن يعلم أنه لا يجوز للزوج أن يهجر زوجته في الكلام فوق ثلاثة أيام لقول الرسول صلى الله عليه وسلم :( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) رواه البخاري ومسلم. وأما الهجر في المضجع المذكور في قوله تعالى:(وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِع( سورة النساء الآية 34. فهذا الهجر سببه النشوز وأجازه جماعة من العلماء إلى شهر كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم نسائه شهراً.
يسألونك فتاوى - (ج 5 / ص 146)
نفقة علاج الزوجة واجبة على زوجها
تقول السائلة: إنها قرأت فتوى لبعض العلماء تنص على أنه لا يجب على الزوج تحمل مصاريف علاج زوجته ولا يلزمه شراء الدواء لها فما قولكم في ذلك؟
الجواب:اتفق أهل العلم على وجوب إنفاق الزوج على زوجته وقد دل على ذلك نصوص كثيرة من كتاب الله تعالى ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فمنها قوله تعالى:(وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ( سورة البقرة الآية 233، وقوله تعالى:(لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا ءَاتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا ءَاتَاهَا( سورة الطلاق الآية 7. وقوله تعالى:(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ( سورة الطلاق الآية 6.
وقولهصلى الله عليه وسلم :(أطعموهن مما تأكلون واكسوهن مما تكتسون ولا تضربوهن ولا تقبحوهن) رواه أبو داود وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن أبي داود 2/402. وعن عائشة رضي الله عنها قالت:(إن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم. فقال صلى الله عليه وسلم : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) رواه البخاري ومسلم.
وعن حكيم بن معاوية رضي الله عنه قال:(قلت: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تقبح الوجه ولا تهجر إلا في البيت) رواه أبو داود وقال الألباني حديث حسن صحيح. انظر صحيح سنن أبي داود 2/402. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع:(ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم... ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا لهن في كسوتهن وطعامهن) رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح، سنن الترمذي مع شرحه التحفة 4/274. وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/341. وغير ذلك من النصوص.
قال الشيخ ابن قدامة المقدسي:[نفقة الزوجة واجبة بالكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب...] ثم ذكر النصوص الموجبة للنفقة من الكتاب والسنة ثم قال:[وفيه دلالة على وجوب النفقة لها على زوجها وأن ذلك مقدر بكفايتها وأن نفقة ولده عليه دونها مقدر بكفايتهم، وأن ذلك بالمعروف وأن لها أن تأخذ ذلك بنفسها من غير علمه إذا لم يعطها إياه.
وأما الإجماع فاتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن، إذا كانوا بالغين إلا الناشز منهن ذكره ابن المنذر وغيره وفيه ضرب من العبرة، وهو أن المرأة محبوسة على الزوج يمنعها من التصرف والاكتساب فلا بد من أن ينفق عليها...] المغني 8/195.
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني:[وقال الطبري ما ملخصه: الإنفاق على الأهل واجب والذي يعطيه يؤجر على ذلك بحسب قصده ولا منافاة بين كونها واجبة وبين تسميتها صدقة بل هي من صدقة التطوع وقال المهلب: النفقة على الأهل واجبة بالإجماع وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم فيه وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر فعرّفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن يكفوهم ترغيباً لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوع] فتح الباري 11/425.
وبعد اتفاق الفقهاء على وجوب النفقة على الزوج اختلفوا في أنواع النفقة الزوجية فأوجبوا على الزوج أن ينفق على زوجته فيما يتعلق بالمأكل والمشرب والملبس والمسكن وذهب جمهور الفقهاء بما فيهم أصحاب المذاهب الأربعة إلى عدم وجوب أجرة الطبيب ولا ثمن العلاج على الزوج وخالف آخرون فأوجبوا ذلك على الزوج ويجب أن يعلم أولاً أن المسألة ليس فيها نصوص خاصة وإنما هي مسألة اجتهادية وللعرف فيها اعتبار وقال ابن عبد الحكم الفقيه المالكي بوجوب تحمل الزوج لنفقات علاج زوجته وهو قول الزيدية وهذا قول وجيه يؤيده عموم النصوص الواردة بالإنفاق على الزوجة بالمعروف وحسن معاشرتها بالمعروف أيضاً وقد مشت معظم قوانين الأحوال الشخصية على هذا الرأي وأفتى به جماعة كبيرة من أهل العلم المعاصرين فقد ورد في المادة رقم 66 من قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية في بلادنا ما يلي:[نفقة الزوجة تشمل الطعام والكسوة والسكنى والتطبيب بالقدر المعروف ...].
ويحتج لهذا القول بالعمومات الواردة كما في قوله تعالى:(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ( سورة النساء الآية 19.
قال الإمام القرطبي:[ قوله تعالى:(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ( أي على ما أمر الله به من حسن المعاشرة والخطاب للجميع إذ لكل أحد عِشْرَةٌ - زوجاً كان أو ولياً ولكن المراد بهذا الأمر في الأغلب الأزواج وهو مثل قوله تعالى :(فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ( وذلك توفية حقها من المهر والنفقة وألا يعبس في وجهها بغير ذنب وأن يكون منطلقاً في القول لا فظاً ولا غليظاً ولا مظهراً ميلاً إلى غيرها، والعشرة: المخالطة والممازجة... فأمر الله سبحانه بحسن صحبة النساء إذا عقدوا عليهن لتكون أدمة ما بينهم وصحبتهم على الكمال فإنه أهدأ للنفس وأهنأ للعيش وهذا واجب على الزوج...] تفسير القرطبي 5/97. ولا شك أن معالجة الزوجة إن مرضت وتأمين الدواء لها من المعاشرة بالمعروف وكذلك قوله تعالى:(وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ( فإن أجرة العلاج وثمن الدواء داخل في الرزق.
ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لهند زوجة أبي سفيان (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) فهذا يشمل كل ما تحتاج إليه الزوجة وأولادها ويدخل فيه الأدوية وأجرة العلاج. ولعل جمهور الفقهاء الذين قالوا بعدم وجوب أجرة العلاج على الزوج بنوا هذا الحكم على ما كان معروفاً في زمانهم وخاصة أن الناس كانوا يعتنون بصحتهم ويتعالجون بأدوية طبيعية غير مكلفة، وأما في زماننا فقد اختلفت الأمور كثيراً وصار العلاج مكلفاً وكذا ما يترتب على ذلك من أجور المستشفيات ونحوها قال العلامة ابن عابدين الحنفي في منظومته: والعرف له اعتبار فلذا الحكم عليه قد يدار.
انظر نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف في الجزء الثاني من رسائل العلامة ابن عابدين ص112.
ويجب أن يعلم أن هذا الإنفاق يؤجر عليه الزوج أجراً عظيماً فقد جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك) رواه مسلم .وقال صلى الله عليه وسلم :(أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله) رواه مسلم .
وعن أبي مسعود البدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة) رواه البخاري ومسلم .وعن سعد رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إنك مهما أنفقت على أهلك من نفقة فإنك تؤجر حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك) رواه البخاري ومسلم.
وخلاصة الأمر أنه يلزم الزوج معالجة زوجته المريضة وعليه تحمل تكاليف علاجها ما دام مستطيعاً ويكون ذلك حسب العرف السائد في المجتمع.
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 47 / ص 6)
ج- الضرب
16- اتفق الفقهاء على أن مما يؤدب به الرجل زوجته عند نشوزها الضرب لقول الله تعالى { وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ }
وللفقهاء تفصيل في كيفية الضرب وما يلزم توافره لمباشرته.
فاشترط الفقهاء في ضرب التأديب المشروع إن نشزت الزوجة أن يكون الضرب غير مدم ولا مبرح ولا شائن ولا مخوف، وهو الذي لا يكسر عظما ولا يشين جارحة كاللكزة ونحوها، لأن المقصود منه الصلاح لا غير.
وتابوا الضرب المبرح هو ما يعظم ألمه عرفا، أو ما يخشى منه تلف نفس أو عضو، أو ما يورث شيئا فاحشا، أو الشديد، أو المؤثر الشاق، قال بعضهم لعله من برح الخفاء إذا ظهر، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ( اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح ) " .
40 299 ونص المالكية والشافعية على أن الناشزة إن لم تنزجر وتدع النشوز إلا بالضرب المبرح أو الخوف لم يجز لزوجها تعزيرها لا بالضرب المبرح ولا بغيره، قال الدردير لا يجوز الضرب المبرح ولو علم أنها لا تترك النشوز إلا به، فإن وقع فلها التطليق عليه والقصاص .
ونص الشافعية والحنابلة على تفصيل في هيئة الضرب
فقال الشافعية لا يضرب الزوج امرأته التي تحقق نشوزها على الوجه والمهالك ، قال ابن حجر الهيتمي في الحديث النهي عن ضرب الوجه، فعن معاوية القشيري رضي الله عنه قال " ( قلت يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت أو اكتسبت ولا تضرب الوجه ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت ) " ، وقال الهيتمي لا تضرب إلا في البيت، ويفرقه على بدنها، ولا يواليه في موضع لئلا يعظم ضرره، وقالوا لا يبلغ ضرب حرة أربعين وغيرها عشرين .
وقال الحنابلة يجتنب الوجه تكرمة له، والبطن والمواضع المخوفة خشية القتل، والمواضع المستحسنة لئلا يشوهها، ويكون الضرب عشرة أسواط فأقل .
لقوله صلى الله عليه وسلم " ( لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله ) " .
وقال الشافعية في الأوجه المعتمد عندهم والحنابلة في المذهب إن للزوج أن يؤدب زوجته إن نشزت بضربها بسوط أو عصا ضربا غير مبرح ولا مدم ولا شائن.
وقال المالكية وبعض الشافعية والحنابلة يؤدبها بضربها بالسواك ونحوه أو بمنديل ملفوف أو بيده، لا بسوط ولا بعصا ولا بخشب، لأن 40 300 المقصود التأديب .
ونص الشافعية والحنابلة على أن الزوج- إن جاز له الضرب لتأديب امرأته لنشوزها- فالأولى له العفو لأن الحق لنفسه ولمصلحته، قال الشافعية ترك الضرب بالكلية أفضل، وقال الحنابلة الأولى ترك ضربها إبقاء للمودة .
وفي ضرب المرأة للنشوز قال المالكية لم يأمر الله عز وجل في شيء من كتابه بالضرب صراحة إلا هنا- أي الضرب للتعزير على النشوز - وفي الحدود العظام، فساوى معصيتهن بأزواجهن بمعصية الكبائر.
وقال الشافعية ليس لنا موضع يضرب المستحق فيه من منعه حقه غير هذا، والرقيق يمتنع من حق سيده .
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 11 / ص 265)
هل يضرب الرجل امرأته؟
المجيب أ.د. محمد بن أحمد الصالح
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/النشوز
التاريخ 29/3/1423
السؤال
ما هو النشاز؟ ومتى يضرب الرجل امرأته؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الزواج في الخلق آية من آيات الله الذي نخر له ساجدين، ويقوم على أركان ثلاثة: السكن، المودة، الرحمة. قال -تعالى-:"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" [الروم:21].
والعلاقة بين الزوجين تسمو على كل العلاقات "هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ" [البقرة:187]، فالزواج إذن ضرورة دينية وضرورة مدنية وجاء وصف عقد النكاح وصفاً متميزاً على جميع العقود "وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً"[النساء:21] وللرجل حق القوامة على المرأة "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ" [النساء:34]، وقال المصطفى - عليه السلام - في بيان أفضل النساء:"هي التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه فيما يكره في نفسها وماله" أبو داود (1664) وابن ماجة (1857) وأحمد (7421) واللفظ له، وقال -عليه السلام-:"إن حسن تبعل المرأة لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله" البيهقي في الشُعَب (15/248) والدر المنثور للسيوطي (2/483) ويعنى بذلك ما يقوم به الرجال من الأعمال من صلاة وجهاد في سبيل الله.
الناشز هي التي تبرز وتستعلي بالعصيان والتمرد، والمنهج في الإسلام لا ينتظر حتى يقع النشوز بالفعل وتعلن راية العصيان وتسقط مهابة القوامة، بل لابد من المبادرة في علاج مبادئ النشوز الذي لا يستقر معه سكن ولا طمأنينة، ومآله بعد ذلك تصدع وانهيار ودمار وتشرد، ولا بد من المبادرة باتخاذ الاجراءات المتدرجة في علاج علامات النشوز وحينئذٍ يباح أن يزاول الزوج بعض أنواع التأديب المصلحة في حالات كثيرة لا للانتقام ولا للإهانة ولا للتعذيب، ولكن لرأب الصدع والإصلاح في هذه المرحلة المبكرة من النشوز، وذلك بالوعظ، وبيان مزايا استمرار الزوجية، وبيان مساوئ الفرقة والاختلاف فإذا لم يجدِ هذا انتقل إلى مرحلة أخرى في التأديب والتهذيب، وهذه المرحلة تتمثل في الهجر في الكلام ثلاثة أيام، وفي المضجع ما شاء على ألا يضر بها، فإذا لم يجدِ هذا الأسلوب انتقل الزوج إلى التأديب الخفيف فلا يضرب الوجه ولا يقبح.
عن معاوية القشيري أنه قال: يا رسول الله ما حق امرأة أحدنا عليه؟ قال:" أن تطعمها إذا طَِعمْت وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت" أبو داود (2142) وأحمد (20011).
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 12 / ص 338)
ألا يستحب الطلاق في هذه الحالة؟
المجيب د. نايف بن أحمد الحمد
القاضي بمحكمة رماح
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/مسائل متفرقة
التاريخ 22/08/1425هـ
السؤال
زوجان تزوجا منذ (50 سنة تقريبًا)، وقريباً سيصبحان جدين ملتزمين بواجباتهم الشرعية، حياتهما بدأت بالمشاكل وانتهت بمشاكل، فكروا كثيرًا بالطلاق (ولكن قدَّر الله وما شاء فعل)، لا يربطهما إلا الأبناء والعقد الشرعي، كبر الأبناء ولم يتبق إلا الطفل الأخير عمره 11 سنة (طفل حسَّاس جدًا وحزين)؛ لأنه ترعرع في جو كله مشاكل، السؤال: هل يجوز للزوج والزوجة أن يستمرا على هذا الحال، حفاظًا على مشاعر الابن الأصغر؟ أم الأفضل أن يفترقا؟ مع العلم أن الطرفين مستغنيان عن جميع حقوقهما الشرعية -أي برضاهما -، والزوج لم يعد يسكن مع الزوجة والأبناء (متزوج)، يعني هاجر البيت هجرة تامة، والزوجة موافقة، وليس لديها مانع، لكنه لا يقصر معهم بأي شيء، ودائم السؤال عنهم وعن احتياجاتهم العاطفية والمادية، وكل من الزوجين له حياته، وناجحان فيها بتفوق، في الوقت الحالي متخاصمان، الزوجة تظهر وتدخل، لا تستأذن من الزوج، وما له حقوق عندها، وهو أيضاً لا يعدل بينها وبين باقي زوجاته، وإن كان يجوز بقاؤهما على هذا الحال ولكن بشروط فاذكروهما لنا بالتفصيل، فهذين الزوجين من أقاربي. جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فمن ثمرات الزواج المعاشرة بالمعروف؛ قال تعالى: "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"[النساء: من الآية19]، وقال تعالى: "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ"[البقرة: من الآية228]، أي ولهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهن لهم من الطاعة فيما أوجب الله -تعالى- ذكره له عليها، انظر: تفسير الطبري(2/453)، وقال ابن عباس - رضي الله عنهما-: (إني أحب أن أتزين للمرأة، كما أحب أن تتزين لي؛ لأن الله -تعالى- يقول: "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف") رواه ابن أبي حاتم(2/417)، وابن جرير في التفسير(2/453)، وعن جابر - رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في خطبته في حجة الوداع: "فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" رواه مسلم(1218)، وفي حديث حكيم بن معاوية عن أبيه - رضي الله عنه- أنه قال: (يا رسول الله: ما حق زوجة أحدنا؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت" رواه أحمد(5/3)، وأبو داود(2140)، والنسائي في الكبرى(9171)، وصححه الدار قطني، التلخيص الحبير(4/7)، وقد نص الفقهاء في كتب الفقه على حقوق الزوجين، والتي يجدها من يرجع إليها، ومع ذلك فلكل واحد من الزوجين أن يسقط حقه تجاه الآخر برضاه؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: (خشيت سودة أن يطلقها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت يا رسول الله: لا تطلقني، واجعل يومي لعائشة، ففعل، ونزلت هذه الآية: "وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً")[النساء: من الآية128]، قال ابن عباس- رضي الله عنهما-: (فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز) رواه الترمذي(3040)، والطيالسي(2683)، والبيهقي(7/297)، وحسّنه الترمذي، وأخرج أبو داود(2135)، والبيهقي(7/74)، عن عائشة - رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يفضل بعضنا على بعض في مكثه عندنا، وكان يطوف علينا يومياً من كل امرأة من غير مسيس، حتى يبلغ إلى من هو يومها فيبيت عندها، ولقد قالت سودة بنت زمعة- رضي الله عنها- حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت: يا رسول الله: يومي هو لعائشة، فقبل ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قالت عائشة - رضي الله عنها-: فأنزل الله في ذلك: "وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً") [النساء: من الآية128]، وإن تمكنتِ - أختي السائلة- في محاولة الجمع بينهما فأنت على خير كثير؛ عن أبي الدرداء - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟" قالوا: بلى، قال: "إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين هي الحالقة") رواه أحمد(6/444) وأبو داود(4919)، والترمذي(2509)، وقال: حديث صحيح، وقال عليه الصلاة والسلام: "أفضل
الصدقة إصلاح ذات البين" رواه عبد بن حميد(335)، من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما-، وحسّنه المنذري في الترغيب(3/321). والله -تعالى- أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 1 / ص 17)
ضرب الزوجة جائز إذا كان هناك مسوغ شرعي مع عدم تجاوز ذلك
تاريخ الفتوى : 12 ذو القعدة 1421
السؤال
ما هو حكم ضرب الزوجة؟ وهل هناك حالات يعتبر فيها هذا جائزا؟ الرجاء إيراد الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة بهذا الخصوص وشكرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن المعلوم أن الله ـ جل وعلا ـ قد شرع من أحكامه، وسن من معاملاته، ما يكفل للعباد تحقيق كافة مصالحهم على وجه التمام، في جميع أمورهم وأحوالهم. ولا ريب أن من أعظم ما أولاه الشرع عنايته، وصرف له رعايته، حفظ رابطة الزوجية التي تجمع شمل الزوجين، وتضم أنفاسهما في ظلال بيت واحد. فقد أحاطت الشريعة المطهرة هذا الصرح (صرح الزوجية) أحاطته بسور من الأحكام التي ترسي دعائمه، وتقيم بنيانه على وجه الكمال والتمام. وهذا في غاية الوضوح والبيان لمن كان له أدنى اطلاع على علل الأحكام، وأسرار التشريع والإبرام. وبالجملة، فإن قاعدة الشرع الثابتة هي: "جلب المصالح للعباد وتكميلها، ودرء المفاسد عنهم وتقليلها". إذا علم هذا، فليعلم أن الأحكام الشرعية قد تطرقت إلى حال الشقاق والخلاف إذا طرأ بين الزوجين، وقسمتها إلى أحوال، فنأخذ منها الحالة التي ورد السؤال عنها، ألا وهي "حكم ضرب الزوجة، وهل هناك حالة يجوز فيها ذلك؟.
والجواب : أن الله جل وعلا قد حرم على كلا الزوجين ـ بل على عموم الخلق ـ الظلم والتعدي، ولا ريب أن في ضرب الزوجة بلا مسوغ شرعي أذية لها، واعتداء على حقها، فإن من حقوقها المعاملة والمعاشرة بالمعروف قال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) [البقرة:228] وقال جل وعلا: (وعاشروهن بالمعروف)[ النساء:19]. وقد حرم الله جل وعلا إبقاء الزوجة في العصمة بقصد إذايتها ومضارتها، وسمى ذلك اعتداءً وظلماً، قال جل وعلا: (ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا، ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه)[ البقرة: 231] وقد ثبت مرفوعا إلى النبي صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: "لا ضرر ولا ضرار" أخرجه الإمام أحمد في مسنده وهو أيضا في سنن الدارقطني.
وعليه فضرب الزوجة بلا مسوغ من الاعتداء والظلم الذي لا يجوز، وقد ثبت عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه قال فيما يرويه عن ربه جل وعلا: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا" أخرجه مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه. إذا ثبت هذا فإنه مما ينبغي أن يعرف أن هنالك حالات يسوغ فيها مثل هذا الفعل ، ولكن مع مراعاة الضوابط الشرعية في ذلك. فقد نص الله جل وعلا في كتابه العزيز أن ذلك يسوغ إذا خرجت الزوجة عن طوع زوجها بلا مسوغ لها في ذلك. فمن المقرر أن طاعة الزوجة زوجها من الواجبات المتحتمات المقررة في الكتاب والسنة وبإجماع أهل العلم بالملة، فإن خرجت الزوجة عن طوع زوجها تمردا وعصيانا بلا مسوغ، فقد شرع الله ـ جل وعلا ـ علاج ذلك بجملة أمور.
أولها: النصح والإرشاد، بأن يعظ الزوج زوجته ويبين لها وجوب طاعته، وما افترضه الله عليها وعليه من الحقوق، مترفقا بها تارة، وزاجراً لها أخرى بحسب المقام والأحوال. فإن تعذر ذلك لعدم استجابتها انتقل إلى الخطوة الثانية، ألا وهي الهجر، فيسوغ له عند تعذر الأمر الأول أن يهجرها في الفراش، إظهاراً لها منه بعدم الرضا عنها، والاستياء من معاملتها.
فإن استوفى الزوج هاتين الخطوتين، وبذل وسعه في ذلك ولم ينصلح الأمر، جاز له أن يضربها تأديباً لها مراعيا جملة أمور في ذلك:
أ ـ أن لا يكون الضرب مبرحا، أي شديداً ، بل يكون على وجه التأديب والتأنيب ضرباً غير ذي إذاية شديدة.
ب ـ أن لا يضربها على وجهها.
ج ـ أن لا يشتمها بالتقبيح.
د ـ أن يستصحب أثناء هذه المعاملة، أن القصد حصول المقصود من صلاح الزوجة وطاعتها زوجها، لا أن يكون قصده الثأر والانتقام.
هـ ـ أن يكف عن هذه المعاملة عند حصول المقصود.
والأصل في كل ما قدمناه قوله ـ عزَّ من قائل ـ (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم، فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله، واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجرون في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان عليا كبيراً) [النساء :34]. وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع: "ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً، ألا إن لكم على نساءكم حقا ولنسائكم عليكم حقا ... الحديث) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وخرج الإمام أبوداود في سننه من حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت". وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة الجياد، ولا بد من الإشارة إلى أنه ينبغي لكلا الزوجين مراعاة جانب الرأفة والرحمة كلاً مع الآخر، وأن يتجنبنا الجنوح إلى هذه الحالة ما استطاعا إلى ذلك سبيلاً. وأيضا فإنه مما يعين على ذلك التغاضي عن بعض الأخطاء التي لا تخل بأمور الشرع ، ولو أن كلا الزوجين تدارسا طرفا من الهدي النبوي في ذلك لكان حسنا، كباب حق الزوج على المرأة، وباب الوصية بالنساء من كتاب رياض الصالحين، جعلنا الله جميعاً من عباده الصالحين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. والله أعلم
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 3 / ص 340)
مسائل في نفقة الزوجة رقم الفتوى:11800تاريخ الفتوى:23 رمضان 1422السؤال :
هل يلزم للزوج أن يمنح لزوجته مصاريف شخصية كل شهر؟ وهل يلزم الزوج أن يطلع زوجته عن مصاريفه وحساب راتبه شهرياً؟ علماً بأن الزوج يعتني بنفقة زوجته وأولاده بصورة جيدة ومن نفقته طبعاً إيجار بيت مناسب والطعام واللباس ويوفر لهم كل ما يطلبون منه ذلك وكل ما يحتاجونه إلى ذلك، ولا يعطي الزوجة مالا شهرياً بل يعطيها عند المناسبات مثل العيد أو عندما يذهبون في إجازة لأنها في حاجة أن تشتري الملابس لها ولبناتها لمدة سنتين لأنها رخيصة في الهند والزوج يرسل جزءاً كثيراً من راتبه إلى والديه وإخوانه، والزوجة تستحي بأن تطلب من زوجها بأن يشتري للبيت ولها مع أنهما يتسوقان مع بعض في كثير من الأوقات.
والزوج يجبر من قبل زوجته وأقرباء الزوجة على أن يعطى زوجته كل شهر مبلغاً من المال لمصاريفها الشخصية ويقولون إن هذا ما تقرره الشريعة؟
علماً بأن الزوجة أيضا تشتغل وتتقاضى راتباً جيداً والزوج لم يسأل شيئاً عن راتبها إلى الآن ولم يستفسر أبداً أين تصرف مالها، ولما ذكر حصل بينهما صراع شديد، آمل الإجابة أن تكون مدعماً من الأدلة من الكتاب والسنة؟
الفتوى :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الزوج يجب عليه أن ينفق على زوجته، وعلى أولاده على قدر استطاعته نفقة لا إسراف فيها ولا تقتير لقول الله عز وجل: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة:233].
ولحديث معاوية القشيري عن أبيه قال: قلت يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت" رواه أبو داود.
ويجب عليه المسكن حسب طاقته أيضاً، لقول الله عز وجل: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ) [الطلاق:6].
ولا يلزمه أن يعطيها مالا لمصاريفها الشخصية ما دام أنفق عليها، وعلى أولادها وكساهم بالمعروف، إذ لا يلزمه أكثر من ذلك، غير أنه إن زادها على الواجبات شيئاً لا إسراف فيه تقوية لأواصر المودة بينهما فهو أمر حسن، ومندوب إليه.
ولا يلزمه أن يطلعها على دخله وحساباته الخاصة، ويحرم عليه أن يطيعها في قطع النفقة عن والديه، أو قطع صلة أرحامه، بل عليه أن يمتثل أمر الله، فالله سبحانه وتعالى يقول: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ) [النساء: من الآية36].
ثم إننا نقول لك: إن الأولى والأجدر بالزوجين أن يسود بينهما جو المودة والتراحم، يقول الله سبحانه وتعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) [الروم: من الآية21].
وأن يحلا مشاكلهما من وراء الستار بحيث لا يطلع عليها قرابات كل منهما ما أمكنهما ذلك، فإن تدخل القرابات يجعل من الأمر البسيط مشكلة ضخمة، ولابد في ذلك كله من تنازل كل من الطرفين عن بعض من الأمور التي يراها حقوقاً له.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 8 / ص 2)
محل وجوب نفقة الزوجة على الزوج رقم الفتوى:17203تاريخ الفتوى:22 ربيع الأول 1423السؤال : هل على المعسر واجب النفقة على زوجته إن كان لديها راتب وسكن خاص بها وساعدته في ذلك برغبتها أو سكنت عند أهلها لحين يتمكن من فتح بيت لها وهل هذا دين عليه أم ماذا؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الأصل أن نفقة الزوجات واجبة على أزوجهن ولو كنَّ غنيات، لقوله تعالى: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) [الطلاق:7] ، ولما في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود من حديث حكيم بن معاوية عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال -حين سأله رجل ما حق المرأة على الزوج-: "تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت".
ولكن محل وجوب نفقة الزوجة هو ما إذا كان الزوج موسرا بها قادراً عليها. أما إذا كان معسراً ورضيت الزوجة بالبقاء معه، فلا تجب عليه النفقة لعجزه عنها، ولا يطالب بها في ذمته إذا أيسر، لأن ذمته لم تعمر بها أصلاً فسقطت المطالبة بها.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 22 / ص 283)
النفقة وتوابعها واجبة على الزوج رقم الفتوى:33898تاريخ الفتوى:27 ربيع الثاني 1424السؤال : أنا زوجة ثانية أعمل في وظيفة محترمة ولي دخل معقول، لدي ابنة عمرها 9 أشهر ، زوجي لا يتحمل من أعباء الحياة سوى مصاريف حضانة الطفلة، وأنا أتحمل الباقي من إيجار ومأكل وملبس ومستلزمات البيت والطفلة وغيرها من أمور المعايش، وهو دائما يخبرني أنه يعمل قدر استطاعته فهو لديه عمله ومصاريف بيته ومصاريفه الشخصية وهو يقسم أنه لا يتوفر لديه أموال بعد ذلك وبالتالي لا تكون مقصرا معي في أي شيء، هل هذا جائز وهل له العذر وهل أنا ملزمة بتحمل النفقات مع العلم بأني لا أفعل ذلك عن طيب خاطر وإنما مجبرة لتستمر الحياة؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه يجب على الرجل أن ينفق على زوجته الممكنة من نفسها وأولادها منه، ولو كانت غنية لقوله صلى الله عليه وسلم مبيناً حق الزوجة: ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن رواه الترمذي وحسنه الألباني .
وقال في جواب من سأله ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت. رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني في صحيح الترغيب.
كما يجب عليه العدل بينك وبين الزوجة الأولى، ويحرم عليه الميل إلى الأولى وإيثارها بالمال أو الوقت أو غير ذلك، لقوله تعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ(النساء: من الآية129)، قال السيوطي في تفسير هذه الآية فلا تميلوا بالقسم والنفقة.
وفي الحديث: إذا كانت عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط. رواه الترمذي والحاكم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني .
وبناء على هذا.. فإن النفقة وما يتعلق بها على الزوج ملزم بها شرعاً إن لم تكوني مسامحة له في تقصيره.
وبإمكانك أن تشهدي الشهود وترفعي أمره إلى المحاكم الشرعية لتنصفك منه.
وإن سامحته فهو أفضل، قال ابن قدامة في الشرح الكبير: وإن رضيت بالمقام معه مع عشرته وترك المطالبة جاز، لأن الحق لها، وتكون النفقة ديناً في ذمته.
وراجعي الفتاوى التالية أرقامها:
8476/ 8497/ 19453/ 22155/ 31634
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 42 / ص 243)
مؤن الدفن وتجهيز الزوجة هل تجب على زوجها رقم الفتوى:61717تاريخ الفتوى:30 ربيع الأول 1426السؤال :
زوجة توفي عنها زوجها ولم ترزق منه بأولاد وترك لها في حصتها الشرعية مالا قدره حوالي 12 ألف دولار، وذلك منذ 21 سنة، ومعاشا يكفيها حاجتها، وعندما تزوجت بعد وفاة زوجها بثلاث سنوات منذ 18 سنة أوقف عنها المعاش، والزوج الثاني حالته المادية جيدة وله أولاد من غيرها متزوجون جميعاً وهي ليس لديها أولاد، وطول هذه السنين تخدمه وترعاه وتصرف على نفسها من إرثها من زوجها الأول والزوج الثاني فقط يقوم بإيوائها وأكلها، سؤالي هو: هل من حق الزوج الثاني بعد وفاتها في إرث باقي ما لديها من مال وذهب، وهل من حقه ألا يتكفل بمصاريف المأتم والدفن، علماً بأن لديها 2 إخوة ذكور و4 أخوات بنات كانوا يتمنون أن يقوموا بعمل صدقة جارية لروحها ولا يريدون أخذ شيء من الإرث، فما حكم الشرع في ذلك، وما هي حصة الزوج في عدم وجود أولاد بينما يوجود أولاد له من زواج سابق؟
الفتوى :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجب على الزوج أن ينفق على زوجته وأولاده مما أعطاه الله غير مبذر ولا مقتر، قال الله تعالى: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ {الطلاق:7}، وفي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود من حديث حكيم بن معاوية عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حين سأله رجل ما حق المرأة على الزوج: تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت.
وإذا أنفقت الزوجة على نفسها أو على زوجها أو أسقطت عنه شيئاً من حقوقها أو قامت عنه ببعض ما هو واجب عليه متطوعة بذلك، فإنها بذلك تكون قد قامت بصلة وصدقة لها فيها الأجر عند الله إن شاء الله، ولكن أي شيء من ذلك لا يسقط حق الزوج في الإرث، بل هو واحد من جملة الورثة، ونصيبه نصف ما تركت الزوجة، طالما أنها لم تترك ولدا، قال الله تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ {النساء:12}، ولا يختلف هذا الحكم بكونه هو له أولاد من غيرها، لأن العبرة إنما هي بأولادها هي، سواء كانوا منه أو من غيره.
وأما بالنسبة لمصاريف مؤن الدفن والتجهيز فالجواب أن أهل العلم اختلفوا فيما إذا كان الزوج هو المطلوب بالكفن ونحوه أم لا، فأوجبه عليه الشافعية وأبو يوسف من الحنفية، ونفاه عنه المالكية والحنابلة ومحمد من الحنفية، قال صاحب التجريد وهو شافعي: ولو امتنع الزوج الموسر من ذلك أو كان غائباً فجهز الزوجة الورثة من مالها أو غيره رجعوا عليه بما ذكر إن فعلوه بإذن حاكم يراه وإلا فلا.
وقال الكاساني في بدائع الصنائع وهو حنفي: إلا المرأة فإنه لا يجب كفنها على زوجها عند محمد، لأن الزوجية انقطعت بالموت فصار كالأجنبي وعن أبي يوسف يجب عليه كفنها، كما تجب عليه كسوتها في حال حياتها.
وقال الشيخ خليل المالكي: وهو على المنفق بقرابة أو رق لا زوجية.
وفي الموسوعة الفقهية: وعلى الزوج تكفين زوجته عند الحنفية على قول مفتى به، والمالكية في قول والشافعية في الأصح، لأن نفقة الزوجة واجبة على زوجها حياتها فكذلك التكفين، وأما عند المالكية والحنابلة ومحمد من الحنفية، فلا يلزم الزوج كفن امرأته ولا مؤنة تجهيزها، لأن النفقة والكسوة وجبا في حالة الزواج وقد انقطع بالموت فأشبهت الأجنبية. وتراجع الفتوى رقم: 28527.
والذي نرى رجحانه -والله أعلم- هو ما ذهبت إليه الشافعية وأبو يوسف من الحنفية وعليه الفتوى عندهم، وإليه ذهبت لجنة الفتوى في الأزهر وهو القول بوجوب تجهيز الزوجة على زوجها ولو كانت غنية ووجه الترجيح: أن الأصل المستقر في الشريعة: أن سائر من تلزم المسلم نفقتهم وكسوتهم حال حياتهم، تجب عليه مؤنة تجهيزهم بعد مماتهم، وكذلك الزوج تجب عليه نفقة زوجها وكسوتها حال حياتها، فيلزمه تجهيزها بعد مماتها، ومما يؤكد ذلك عموم النصوص الموجبة لنفقة الزوجة وكسوتها على زوجها، كقوله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. وقوله تعالى: وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ. وقوله صلى الله عليه وسلم: للنساء رزقهن وكسوتهن بالمعروف. وأمثال هذه النصوص فإن ذلك عام يشمل حال الحياة وحال الوفاة.
وإذا كان مرادك بمصاريف المأتم إقامة مأدبات الطعام في العزاء، فإن ذلك من البدع والمحدثات المنكرة، ولا يجب على الزوج ولا على غيره، وانظر الفتوى رقم: 140.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 49 / ص 84)
اللجوء للشرع يعين على حل المشاكل بين الزوجين، وليس الإهانة والسب رقم الفتوى:6897تاريخ الفتوى:14 ذو القعدة 1421السؤال : متي يبيح الشرع للرجل أن يضرب زوجته، وماذا لوضربها في غير ما أباح له الشرع، وماحكم من يسب زوجته ويلعنها ويدعو عليها ويذكرأهلها بالسوء، وهل إذا دعت عليه زوجته تكون آثمة، وهل على الزوج أن يعامل زوجته كما يشاء وعليها تقبل ذلك بدون إعتراض . وجزاكم الله خيرا
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فمن المعلوم أن الله ـ جل وعلا ـ قد شرع من أحكامه، وسن من معاملاته، ما يكفل للعباد تحقيق كافة مصالحهم على وجه التمام، في جميع أمورهم وأحوالهم. ولا ريب أن من أعظم ما أولاه الشرع عنايته، وصرف له رعايته، حفظ رابطة الزوجية التي تجمع شمل الزوجين، وتضم أنفاسهما في ظلال بيت واحد. فقد أحاطت الشريعة المطهرة هذا الصرح (صرح الزوجية) أحاطته بسور من الأحكام التي ترسي دعائمه، وتقيم بنيانه على وجه الكمال والتمام. وهذا في غاية الوضوح والبيان لمن كان له أدنى اطلاع على علل الأحكام، وأسرار التشريع والإبرام. وبالجملة، فإن قاعدة الشرع الثابتة هي: "جلب المصالح للعباد وتكميلها، ودرء المفاسد عنهم وتقليلها". إذا علم هذا، فليعلم أن الأحكام الشرعية قد تطرقت إلى حال الشقاق والخلاف إذا طرأ بين الزوجين، وقسمتها إلى أحوال، فنأخذ منها الحالة التي ورد السؤال عنها، ألا وهي "حكم ضرب الزوجة، وهل هناك حالة يجوز فيها ذلك؟.
والجواب : أن الله جل وعلا قد حرم على كلا الزوجين ـ بل على عموم الخلق ـ الظلم والتعدي، ولا ريب أن في ضرب الزوجة بلا مسوغ شرعي أذية لها، واعتداء على حقها، فإن من حقوقها المعاملة والمعاشرة بالمعروف قال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) [البقرة:228] وقال جل وعلا: (وعاشروهن بالمعروف)[ النساء:19]. وقد حرم الله جل وعلا إبقاء الزوجة في العصمة بقصد إذايتها ومضارتها، وسمى ذلك اعتداءً وظلماً، قال جل وعلا: (ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا، ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه)[ البقرة: 231] وقد ثبت مرفوعا إلى النبي صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: "لا ضرر ولا ضرار" أخرجه الإمام أحمد في مسنده وهو أيضا في سنن الدارقطني.
وعليه فضرب الزوجة بلا مسوغ من الاعتداء والظلم الذي لا يجوز، وقد ثبت عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه قال فيما يرويه عن ربه جل وعلا: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا" أخرجه مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه. إذا ثبت هذا فإنه مما ينبغي أن يعرف أن هنالك حالات يسوغ فيها مثل هذا الفعل ، ولكن مع مراعاة الضوابط الشرعية في ذلك. فقد نص الله جل وعلا في كتابه العزيز أن ذلك يسوغ إذا خرجت الزوجة عن طوع زوجها بلا مسوغ لها في ذلك. فمن المقرر أن طاعة الزوجة زوجها من الواجبات المتحتمات المقررة في الكتاب والسنة وبإجماع أهل العلم بالملة، فإن خرجت الزوجة عن طوع زوجها تمردا وعصيانا بلا مسوغ، فقد شرع الله ـ جل وعلا ـ علاج ذلك بجملة أمور.
أولها: النصح والإرشاد، بأن يعظ الزوج زوجته ويبين لها وجوب طاعته، وما افترضه الله عليها وعليه من الحقوق، مترفقا بها تارة، وزاجراً لها أخرى بحسب المقام والأحوال. فإن تعذر ذلك لعدم استجابتها انتقل إلى الخطوة الثانية، ألا وهي الهجر، فيسوغ له عند تعذر الأمر الأول أن يهجرها في الفراش، إظهاراً لها منه بعدم الرضا عنها، والاستياء من معاملتها.
فإن استوفى الزوج هاتين الخطوتين، وبذل وسعه في ذلك ولم ينصلح الأمر، جاز له أن يضربها تأديباً لها مراعيا جملة أمور في ذلك:
أ ـ أن لا يكون الضرب مبرحا، أي شديداً ، بل يكون على وجه التأديب والتأنيب ضرباً غير ذي إذاية شديدة.
ب ـ أن لا يضربها على وجهها.
ج ـ أن لا يشتمها بالتقبيح.
د ـ أن يستصحب أثناء هذه المعاملة، أن القصد حصول المقصود من صلاح الزوجة وطاعتها زوجها، لا أن يكون قصده الثأر والانتقام.
هـ ـ أن يكف عن هذه المعاملة عند حصول المقصود.
والأصل في كل ما قدمناه قوله ـ عزَّ من قائل ـ (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم، فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله، واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجرون في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان عليا كبيراً) [النساء :34]. وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع: "ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً، ألا إن لكم على نساءكم حقا ولنسائكم عليكم حقا ... الحديث) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وخرج الإمام أبوداود في سننه من حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت". وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة الجياد.
وأما سب المرأة ولعنها وذكر أهلها بسوء، فلا يجوز بحال؛ إذ إن العقوبات المشروع للزوج استخدامها إنما شرعت لتقويم المرأة، وليس للتشفي منها، أو إهانتها.
وفي الحديث السابق : "ولا تقبح " أي لا تقل لها قبحك الله ونحو ذلك، مما يعد سباً أو شتماً.
والمؤمن يتجافى عن اللعن والسب للناس، قال صلى الله عليه وسلم :" ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء"
وعنه صلى الله عليه وسلم : إن الله يبغض الفاحش البذيء " رواهما الترمذي.
فكيف بزوجته التي خصها الله تعالى بمزيد عناية من حسن العشرة بالمعروف، قال تعالى: ( وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً) [ النساء : 19]. وهذا أنس رضي عنه يقول : (خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، لا والله ما سبني سبة قط، ولا قال لي : أف قط . ولا قال لي لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا بشيء لم أفعله: ألا فعلته؟) رواه أحمد. وأي شيء يجنيه المرء من سب زوجته ولعنها وإهانتها، إلا الإثم وزيادة الفرقة والبغض بينهما.
إن القوامة مسئولية عظيمة ملقاة على عاتق الزوج، ومعناها أن يقوم على زوجته بما يصلح من شئونها وشئون بيته. واستخدامها على هذا النحو من الإساءة هو من قلة الفقه في الدين.
وللزوجة أن تدعو على زوجها - إن كانت مظلومة - وأفضل من ذلك أن تفوض أمرها إلى ربها، وتقول كما قال مؤمن آل فرعون : ( وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد) [ غافر: 44]. ولها أن تبين للزوج بالحسنى أن ما يقوله ويفعله مخالف للشرع، وتراجعه فيما يحدث. فقد كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يراجعنه في كثير من الأمور.
ولا بد من الإشارة إلى أنه ينبغي لكلا الزوجين مراعاة جانب الرأفة والرحمة كلاً مع الآخر، وأن يتجنبنا الجنوح إلى هذه الحالة ما استطاعا إلى ذلك سبيلاً. وأيضا فإنه مما يعين على ذلك التغاضي عن بعض الأخطاء التي لا تخل بأمور الشرع ، ولو أن كلا الزوجين تدارسا طرفا من الهدي النبوي في ذلك لكان حسنا، كباب حق الزوج على المرأة، وباب الوصية بالنساء من كتاب رياض الصالحين، جعلنا الله جميعاً من عباده الصالحين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. والله أعلم
موسوعة الأسرة المسلمة معدلة - (ج 1 / ص 80)
التعاون في طلب الرزق:
النفقة حق للزوجة وواجب على الزوج، فعن معاوية بن حَيْدة -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: (أن تطعمها إذا طعمتَ، وتكسوها إذا اكتسيتَ، ولا تضرب الوجه، ولا تقبِّح، ولا تهجر إلا في البيت)_[أبو داود، وابن حبان].
والزوجة الفاضلة لها مزايا عظيمة، حيث إنها توفِّر على زوجها كثيرًا من نفقات المعيشة، تلبس ما يستر عورتها، وتأكل ما يَسُدُّ حاجتها، وتستطيع أن تتحمل نصيبًا من أعباء زوجها، فقد ساعدت أسماء بنت أبي بكر زوجها الزبير بن العوام -رضي الله عنهم- في زراعة الأرض التي أقطعها له النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت تحمل النوى على ظهرها مسيرة عدة أميال، ثم تعدُّه غذاءً لفرس زوجها، حتى أهداها أبوها (أبو بكر الصديق) -رضي الله عنهما- خادمًا يكفيها هذه الخدمة.
وكانت أم المؤمنين زينب بنت جحش الأسدية -رضي الله عنها- تدبغ الجلود، وتبيعها؛كي تجد لديها ما تتصدق به في سبيل الله -عز وجل- وكانت زوجة الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- تغزل الصوف؛ لتساهم في اكتساب
القوت، ويمكن للمرأة أن تقوم بأعمال تعين الزوج بها على العِفَّة وطلب الحلال، دون مبرر للخروج والاختلاط بالرجال، وهذه الأعمال تدرُّ ربحًا وتعين الزوج، وليست واجبة عليها، لكنها من باب المشاركة والتعاون، ومنها:
1- تربية الدواجن بالمنزل.
2- القيام بمهنة الخياطة للنساء.
3- القيام بأعمال التطريز والتريكو.
4- إعداد بعض التحف الفنية.
وكانت المرأة من نساء الصحابة تنصح زوجها قبل خروجه لطلب الرزق في الصباح، وتقول له: اتقِ الله فينا، ولا تطعمنا إلا من حلال، فإنا نصبر على الجوع في الدنيا، ولا نصبر على عذاب الله يوم القيامة، وقد حثَّ الإسلام على الزهد والقناعة، ورغَّب فيهما، فلا تتوق نفس المسلمة لما في أيدي أخواتها من المال والنعمة. قال صلى الله عليه وسلم: (قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافًا، وقنَّعه الله بما آتاه) [مسلم].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قنوعًا، لم يَعِبْ طعامًا قَطَّ، إذا أحبه أكله، وإذا كرهه تركه، وكان يأكل الخبز بالخلِّ، والخبز بالزيت، وكان صلى الله عليه وسلم يلبس ما تيسَّر من الثياب، فيرتدي الثوب من الصوف، أو القطن، أوالكتَّان، ويرتدي مما يُهْدَي إليه. ويجوز للمرأة أن تخرج من بيتها للعمل في وظيفة، إذا أصبح زوجها عاجزًا عن العمل، أو احتاج العمل إليها، على أن تخرج عفيفة محتشمة، مبتعدةً عن مواطن الاختلاط بالرجال ما وجدتْ إلى ذلك سبيلاً.(1/137)
الْخَادِمُ لِلْمَرْأَةِ
274-7930 أَخْبَرَنَا زِيَادُ بْنُ يَحْيَى قَالَ : حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ عُبَيْدَةَ ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : شَكَتْ إِلَيَّ فَاطِمَةُ مَجْلَ يَدَيْهَا مِنَ الطَّحِينِ فَقُلْتُ : لَوْ أَتَيْتِ أَبَاكِ فَسَأَلْتِيهِ خَادِمًا فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ تُصَادِفْهُ فَرَجَعَتْ ، فَلَمَّا جَاءَ أُخْبِرَ ، فَأَتَانَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا ، وَعَلَيْنَا قَطِيفَةٌ إِذَا لَبِسْنَاهَا طُولًا خَرَجَتْ مِنْهَا جُنُوبُنَا ، وَإِذَا لَبِسْنَاهَا عَرْضًا خَرَجَتْ رُءُوسُنَا أَوْ أَقْدَامُنَا فَقَالَ : يَا فَاطِمَةُ " أُخْبِرْتُ أَنَّكِ جِئْتِ ، فَهَلْ كَانَ لَكِ حَاجَةٌ ؟ " قُلْتُ : بَلَى ، شَكَتْ إِلَيَّ مَجْلَ يَدَيْهَا مِنَ الطَّحِينِ فَقُلْتُ : " لَوْ أَتَيْتِ أَبَاكِ فَسَأَلْتِيهِ خَادِمًا " قَالَ : " أَفَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنَ الْخَادِمِ ؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا " فَقُولَا : " ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَأَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ مِنْ تَحْمِيدٍ وَتَسْبِيحٍ وَتَكْبِيرٍ " (1)
__________
(1) - البخارى برقم( 3113 و 3705 و 5361 و 5362 و6318 ) والمسند الجامع برقم( 10240)و سنن الترمذى برقم ( 3737 )
تحفة الأحوذي - (ج 8 / ص 306)
3330 - قَوْلُهُ : ( عَنْ اِبْنِ عَوْنٍ ) اِسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنِ بْنِ أَرْطَبَانَ ( عَنْ عُبَيْدَةَ )
هُوَ اِبْنُ عُمَرَ السَّلْمَانِيُّ الْمُرَادِيُّ . قَوْلُهُ : ( شَكَتْ إِلَيَّ فَاطِمَةُ مَجْلَ يَدَيْهَا )
قَالَ فِي الْقَامُوسِ : مَجَلَتْ يَدُهُ كَنَصَرَ وَفَرِحَ مَجْلًا وَمَجَلًا وَمُجُولًا نَفِطَتْ مِنْ الْعَمَلِ فَمَرَنَتْ كَأَمْجَلَت . وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ : يُقَالُ مَجَلَتْ يَدُهُ تَمْجُلُ مَجْلًا وَمَجَلَتْ تَمْجُلُ مَجَلًا إِذَا ثَخُنَ جِلْدُهَا وَتَعَجَّرَ وَظَهَرَ فِيهَا مَا يُشْبِهُ الْبَتْرَ مِنْ الْعَمَلِ بِالْأَشْيَاءِ الصُّلْبَةِ الْخَشِنَةِ
( مِنْ الطَّحِينِ ) أَيْ بِسَبَبِ الطَّحِينِ وَهُوَ الدَّقِيقُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ الطَّحْنِ
( فَقُلْت لَوْ أَتَيْت أَبَاك فَسَأَلَنِيهِ خَادِمًا ) أَيْ جَارِيَةً تَخْدُمُك وَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى
( فَقَالَ ) أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
( أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ الْخَادِمَةِ ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُهُ خَادِمًا فَلَمْ تَجِدْهُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ قَالَ فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا فَذَهَبْت أَقُومُ فَقَالَ مَكَانَك فَجَلَسَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْت بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي . فَقَالَ : أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ . قَالَ الْعَيْنِيُّ : وَجْهُ الْخَيْرِيَّةِ إِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ وَالْخَادِمُ بِالدُّنْيَا . وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ، وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا طَلَبَتْهُ بِأَنْ يَحْصُلَ لَهَا بِسَبَبِ هَذِهِ الْأَذْكَارِ قُوَّةٌ تَقْدِرُ عَلَى الْخِدْمَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَقْدِرُ الْخَادِمُ
" تَقُولَانِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ مِنْ تَحْمِيدٍ وَتَسْبِيحٍ وَتَكْبِيرٍ"
وَفِي الرِّوَايَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا كَمَا فِي الْمِشْكَاةِ " فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ"
( وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ ) أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا هَذَا الْحَدِيثَ بِالْقِصَّةِ مُطَوَّلًا .
فتح الباري لابن حجر - (ج 18 / ص 81)
5843 - قَوْله ( عَنْ الْحَكَم )
هُوَ اِبْن عُتَيْبَة بِمُثَنَّاةٍ وَمُوَحَّدَة مُصَغَّر فَقِيه الْكُوفَة .
وَقَوْله " عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى "
هُوَ عَبْد الرَّحْمَن .
وَقَوْله " عَنْ عَلِيّ "
قَدْ وَقَعَ فِي النَّفَقَات " عَنْ بَدَل بْن الْمُحَبَّر عَنْ شُعْبَة أَخْبَرَنِي الْحَكَم سَمِعْت عَبْد الرَّحْمَن اِبْن أَبِي لَيْلَى أَنْبَأَنَا عَلِيّ " .
قَوْله ( إِنَّ فَاطِمَة شَكَتْ مَا تَلْقَى فِي يَدهَا مِنْ الرَّحَى )
زَادَ بَدَل فِي رِوَايَته " مِمَّا تَطْحَن " وَفِي رِوَايَة الْقَاسِم مَوْلَى مُعَاوِيَة عَنْ عَلِيّ عِنْد الطَّبَرَانِيِّ " وَأَرَتْهُ أَثَرًا فِي يَدهَا مِنْ الرَّحَى " وَفِي زَوَائِد عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد فِي مُسْنَد أَبِيهِ وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَة بْن عَمْرو عَنْ عَلِيّ " اِشْتَكَتْ فَاطِمَة مَجْل يَدهَا " وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيم وَسُكُون الْجِيم بَعْدهَا لَامَ مَعْنَاهُ التَّقْطِيع ، وَقَالَ الطَّبَرِيُّ : الْمُرَاد بِهِ غِلَظ الْيَد ، وَكُلّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا بِكَفِّهِ فَغَلُظَ جِلْدهَا قِيلَ مَجَلَتْ كَفّه . وَعِنْد أَحْمَد مِنْ رِوَايَة هُبَيْرَة بْن يَرِيم عَنْ عَلِيّ " قُلْت لِفَاطِمَة لَوْ أَتَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتِيهِ خَادِمًا ، فَقَدْ أَجْهَدَك الطَّحْن وَالْعَمَل " وَعِنْده وَعِنْد اِبْن سَعْد مِنْ رِوَايَة عَطَاء بْن السَّائِب عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيّ " أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا زَوَّجَهُ فَاطِمَة " فَذَكَرَ الْحَدِيث وَفِيهِ " فَقَالَ عَلِيّ لِفَاطِمَة ذَات يَوْم : وَاَللَّه لَقَدْ سَنَوْت حَتَّى اِشْتَكَيْت صَدْرِي ، فَقَالَتْ : وَأَنَا وَاَللَّه لَقَدْ طَحَنْت حَتَّى مَجَلَتْ يَدَاي " وَقَوْله " سَنَوْت " بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَالنُّون أَيْ اِسْتَقَيْت مِنْ الْبِئْر فَكُنْت مَكَان السَّانِيَة وَهِيَ النَّاقَة ، وَعِنْد أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيق أَبِي الْوَرْد بْن ثُمَامَة عَنْ عَلِيّ بْن أَعْبُد عَنْ عَلِيّ قَالَ " كَانَتْ عِنْدِي فَاطِمَة بِنْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَرَّتْ بِالرَّحَى حَتَّى أَثَّرَتْ بِيَدِهَا ، وَاسْتَقَتْ بِالْقِرْبَةِ حَتَّى أَثَّرَتْ فِي عُنُقهَا ، وَقَمَّتْ الْبَيْت حَتَّى اِغْبَرَّتْ ثِيَابهَا " وَفِي رِوَايَة لَهُ " وَخَبَزَتْ حَتَّى تَغَيَّرَ وَجْههَا " .
قَوْله ( فَأَتَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلهُ خَادِمًا )
أَيْ جَارِيَة تَخْدُمهَا ، وَيُطْلَق أَيْضًا عَلَى الذَّكَر . وَفِي رِوَايَة السَّائِب " وَقَدْ جَاءَ اللَّه أَبَاك بِسَبْيٍ ، فَاذْهَبِي إِلَيْهِ فَاسْتَخْدِمِيهِ " أَيْ اِسْأَلِيهِ خَادِمًا . وَزَادَ فِي رِوَايَة يَحْيَى الْقَطَّان عَنْ شُعْبَة كَمَا تَقَدَّمَ فِي النَّفَقَات " وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيق " وَفِي رِوَايَة بَدَل " وَبَلَغَهَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى بِسَبْيٍ " .
قَوْله ( فَلَمْ تَجِدهُ )
فِي رِوَايَة الْقَطَّان " فَلَمْ تُصَادِفهُ " وَفِي رِوَايَة بَدَل فَلَمْ تُوَافِقهُ وَهِيَ بِمَعْنَى تُصَادِفهُ ، وَفِي رِوَايَة أَبِي الْوَرْد " فَأَتَتْهُ فَوَجَدَتْ عِنْده حُدَّاثًا " بِضَمِّ الْمُهْمَلَة وَتَشْدِيد الدَّال وَبَعْد الْأَلِف مُثَلَّثَة أَيْ جَمَاعَة يَتَحَدَّثُونَ " فَاسْتَحْيَتْ فَرَجَعَتْ " فَيُحْمَل عَلَى أَنَّ الْمُرَاد أَنَّهَا لَمْ تَجِدهُ فِي الْمَنْزِل بَلْ فِي مَكَان آخَر كَالْمَسْجِدِ وَعِنْده مَنْ يَتَحَدَّث مَعَهُ .
قَوْله ( فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَة ، فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ )
فِي رِوَايَة الْقَطَّان " أَخْبَرَتْهُ عَائِشَة " زَادَ غُنْدَر عَنْ شُعْبَة فِي الْمَنَاقِب " بِمَجِيءِ فَاطِمَة " وَفِي رِوَايَة بَدَل " فَذَكَرَتْ ذَلِكَ عَائِشَة لَهُ " وَفِي رِوَايَة مُجَاهِد عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى عِنْد جَعْفَر الْفِرْيَابِيّ فِي " الذِّكْر " وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي " الْعِلَل " وَأَصْله فِي مُسْلِم " حَتَّى أَتَتْ مَنْزِل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ تُوَافِقهُ ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ أُمّ سَلَمَة بَعْد أَنْ رَجَعَتْ فَاطِمَة " وَيُجْمَع بِأَنَّ فَاطِمَة اِلْتَمَسَتْهُ فِي بَيْتَيْ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ ، وَقَدْ وَرَدَتْ الْقِصَّة مِنْ حَدِيث أُمّ سَلَمَة نَفْسهَا أَخْرَجَهَا الطَّبَرِيُّ فِي تَهْذِيبه مِنْ طَرِيق شَهْر بْن حَوْشَب عَنْهَا قَالَتْ " جَاءَتْ فَاطِمَة إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشْكُو إِلَيْهِ الْخِدْمَة " فَذَكَرَتْ الْحَدِيث مُخْتَصَرًا ، وَفِي رِوَايَة السَّائِب " فَأَتَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا جَاءَ بِك يَا بُنَيَّة ؟ قَالَتْ : جِئْت لِأُسَلِّم عَلَيْك ، وَاسْتَحْيَتْ أَنْ تَسْأَلهُ وَرَجَعَتْ ، فَقُلْت : مَا فَعَلْت ؟ قَالَتْ : اِسْتَحْيَيْت " . قُلْت : وَهَذَا مُخَالِف لِمَا فِي الصَّحِيح ، وَيُمْكِن الْجَمْع بِأَنْ تَكُون لَمْ تَذْكُر حَاجَتهَا أَوَّلًا عَلَى مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَة ، ثُمَّ ذَكَرَتْهَا ثَانِيًا لِعَائِشَة لَمَّا لَمْ تَجِدهُ ، ثُمَّ جَاءَتْ هِيَ وَعَلِيّ عَلَى مَا فِي رِوَايَة السَّائِب فَذَكَرَ بَعْض الرُّوَاة مَا لَمْ يَذْكُر بَعْض . وَقَدْ اِخْتَصَرَهُ بَعْضهمْ ، فَفِي رِوَايَة مُجَاهِد الْمَاضِيَة فِي النَّفَقَات " أَنَّ فَاطِمَة أَتَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلهُ خَادِمًا فَقَالَ : أَلَا أُخْبِرك مَا هُوَ خَيْر لَك مِنْهُ " وَفِي رِوَايَة هُبَيْرَة " فَقَالَتْ اِنْطَلِقْ مَعِي ، فَانْطَلَقْت مَعَهَا فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ : أَلَا أَدُلّكُمَا " الْحَدِيث . وَوَقَعَ عِنْد مُسْلِم مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة " أَنَّ فَاطِمَة أَتَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلهُ خَادِمًا وَشَكَتْ الْعَمَل فَقَالَ : مَا أَلْفَيْته عِنْدنَا " وَهُوَ بِالْفَاءِ أَيْ مَا وَجَدْته ، وَيُحْمَل عَلَى أَنَّ الْمُرَاد مَا وَجَدْته عِنْدنَا فَاضِلًا عَنْ حَاجَتنَا إِلَيْهِ لِمَا ذَكَرَ مِنْ إِنْفَاق أَثْمَان السَّبْي عَلَى أَهْل الصُّفَّة .
قَوْله ( فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعنَا )
زَادَ فِي رِوَايَة السَّائِب " فَأَتَيْنَاهُ جَمِيعًا ، فَقُلْت بِأَبِي يَا رَسُول اللَّه ، وَاَللَّه لَقَدْ سَنَوْت حَتَّى اِشْتَكَيْت صَدْرِي . وَقَالَتْ فَاطِمَة : لَقَدْ طَحَنْت حَتَّى مَجَلَتْ يَدَاي ، وَقَدْ جَاءَك اللَّه بِسَبْيٍ وَسَعَة فَأَخْدِمنَا فَقَالَ : وَاَللَّه لَا أُعْطِيكُمَا وَأَدَع أَهْل الصُّفَّة تُطْوَى بُطُونهمْ لَا أَجِد مَا أُنْفِق عَلَيْهِمْ ، وَلَكِنِّي أَبِيعهُمْ وَأُنْفِق عَلَيْهِمْ أَثْمَانهمْ " وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّف إِلَى هَذِهِ الزِّيَادَة فِي فَرْض الْخُمُس وَتَكَلَّمْت عَلَى شَرْحهَا هُنَاكَ . وَوَقَعَ فِي رِوَايَة عُبَيْدَة بْن عَمْرو عَنْ عَلِيّ عِنْد اِبْن حِبَّان مِنْ الزِّيَادَة " فَأَتَانَا وَعَلَيْنَا قَطِيفَة إِذَا لَبِسْنَاهَا طُولًا خَرَجَتْ مِنْهَا جُنُوبنَا وَإِذَا لَبِسْنَاهَا عَرْضًا خَرَجَتْ مِنْهَا رُءُوسنَا وَأَقْدَامنَا " وَفِي رِوَايَة السَّائِب " فَرَجَعَا فَأَتَاهُمَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ دَخَلَا فِي قَطِيفَة لَهُمَا إِذَا غَطَّيَا رُءُوسهمَا تَكَشَّفَتْ أَقْدَامهمَا ، وَإِذَا غَطَّيَا أَقْدَامهمَا تَكَشَّفَتْ رُءُوسهمَا " .
قَوْله ( فَذَهَبْت أَقُوم )
وَافَقَهُ غُنْدَر ، وَفِي رِوَايَة الْقَطَّان " فَذَهَبْنَا نَقُوم " وَفِي رِوَايَة بَدَل " لِنَقُومَ " وَفِي رِوَايَة السَّائِب " فَقَامَا " .
قَوْله ( فَقَالَ مَكَانك )
وَفِي رِوَايَة غُنْدَر " مَكَانكُمَا " وَهُوَ بِالنَّصْبِ أَيْ اِلْزَمَا مَكَانكُمَا ، وَفِي رِوَايَة الْقَطَّان وَبَدَل " فَقَالَ عَلَى مَكَانكُمَا " أَيْ اِسْتَمِرَّا عَلَى مَا أَنْتُمَا عَلَيْهِ .
قَوْله ( فَجَلَسَ بَيْننَا )
فِي رِوَايَة غُنْدَر " فَقَعَدَ " بَدَل جَلَسَ ، وَفِي رِوَايَة الْقَطَّان " فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنهَا " وَفِي رِوَايَة عَمْرو بْن مُرَّة عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى عِنْد النَّسَائِيِّ ، " أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى وَضَعْ قَدَمه بَيْنِي وَبَيْن فَاطِمَة .
قَوْله ( حَتَّى وَجَدْت بَرْد قَدَمَيْهِ )
هَكَذَا هُنَا بِالتَّثْنِيَةِ وَكَذَا فِي رِوَايَة غُنْدَر وَعِنْد مُسْلِم أَيْضًا ، وَفِي رِوَايَة الْقَطَّان بِالْإِفْرَادِ ، وَفِي رِوَايَة بَدَل كَذَلِكَ بِالْإِفْرَادِ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ ، وَفِي رِوَايَة لِلطَّبَرِيِّ " فَسَخَّنْتُهُمَا " وَفِي رِوَايَة عَطَاء عَنْ مُجَاهِد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى عِنْد جَعْفَر فِي الذِّكْر وَأَصْله فِي مُسْلِم مِنْ الزِّيَادَة " فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى مَنْزِل فَاطِمَة وَقَدْ دَخَلَتْ هِيَ وَعَلِيّ فِي اللِّحَاف فَلَمَّا اِسْتَأْذَنَ هَمَّا أَنْ يَلْبَسَا فَقَالَ : كَمَا أَنْتُمَا ، إِنِّي أُخْبِرَتْ أَنَّك جِئْت تَطْلُبِينَ ، فَمَا حَاجَتك ؟ قَالَتْ : بَلَغَنِي أَنَّهُ قَدِمَ عَلَيْك خَدَم ، فَأَحْبَبْت أَنْ تُعْطِينِي خَادِمًا يَكْفِينِي الْخُبْز وَالْعَجْن فَإِنَّهُ قَدْ شَقَّ عَلَيَّ ، قَالَ : فَمَا جِئْت تَطْلُبِينَ أَحَبّ إِلَيْك أَوْ مَا هُوَ خَيْر مِنْهُ ؟ قَالَ عَلِيّ : فَغَمَزْتهَا فَقُلْت قُولِي مَا هُوَ خَيْر مِنْهُ أَحَبّ إِلَيَّ ، قَالَ : فَإِذَا كُنْتُمَا عَلَى مِثْل حَالكُمَا الَّذِي أَنْتُمَا عَلَيْهِ فَذَكَرَ التَّسْبِيح . وَفِي رِوَايَة عَلِيّ بْن أَعْبُد " فَجَلَسَ عِنْد رَأْسهَا فَأَدْخَلَتْ رَأْسهَا فِي اللِّفَاع حَيَاء مِنْ أَبِيهَا " وَيُحْمَل عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ أَوَّلًا ، فَلَمَّا تَآنَسَتْ بِهِ دَخَلَ مَعَهُمَا فِي الْفِرَاش مُبَالَغَة مِنْهُ فِي التَّأْنِيس ، وَزَادَ فِي رِوَايَة عَلِيّ بْن أَعْبُد " فَقَالَ مَا كَانَ حَاجَتك أَمْس ؟ فَسَكَتَتْ مَرَّتَيْنِ ، فَقُلْت : أَنَا وَاَللَّه أُحَدِّثك يَا رَسُول اللَّه فَذَكَرْته لَهُ " وَيُجْمَع بَيْن الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهَا أَوَّلًا اِسْتَحْيَتْ فَتَكَلَّمَ عَلِيّ عَنْهَا ، فَأُنْشِطَتْ لِلْكَلَامِ فَأَكْمَلَتْ الْقِصَّة . وَاتَّفَقَ غَالِب الرُّوَاة عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ إِلَيْهِمَا . وَوَقَعَ فِي رِوَايَة شَبَث وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَة وَالْمُوَحَّدَة بَعْدهَا مُثَلَّثَة اِبْن رِبْعِيّ عَنْ عَلِيّ عِنْد أَبِي دَاوُدَ وَجَعْفَر فِي الذِّكْر وَالسِّيَاق لَهُ " قَدِمَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْي ، فَانْطَلَقَ عَلِيّ وَفَاطِمَة حَتَّى أَتَيَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا أَتَى بِكَمَا ، قَالَ عَلِيّ : شَقَّ عَلَيْنَا الْعَمَل . فَقَالَ : أَلَا أَدُلّكُمَا " وَفِي لَفْظ جَعْفَر " فَقَالَ عَلِيّ لِفَاطِمَة : اِئْتِ أَبَاك فَاسْأَلِيهِ أَنْ يُخْدِمك ، فَأَتَتْ أَبَاهَا حِين أَمْسَتْ فَقَالَ : مَا جَاءَ بِك يَا بُنَيَّة ؟ قَالَتْ : جِئْت أُسَلِّم عَلَيْك . وَاسْتَحْيَتْ . حَتَّى إِذَا كَانَتْ الْقَابِلَة قَالَ : اِئْتِ أَبَاك " فَذَكَرَ مِثْله " حَتَّى إِذَا كَانَتْ اللَّيْلَة الثَّالِثَة قَالَ لَهَا عَلِيّ : اِمْشِي فَخَرَجَا مَعًا " الْحَدِيث ، وَفِيهِ " أَلَا أَدُلّكُمَا عَلَى خَيْر لَكُمَا مِنْ حُمْر النَّعَم " وَفِي مُرْسَل عَلِيّ بْن الْحُسَيْن عِنْد جَعْفَر أَيْضًا " إِنَّ فَاطِمَة أَتَتْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلهُ خَادِمًا وَبِيَدِهَا أَثَر الطَّحْن مِنْ قُطْب الرَّحَى ، فَقَالَ : إِذَا أَوَيْت إِلَى فِرَاشك " الْحَدِيث . فَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون قِصَّة أُخْرَى . فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيق أُمّ الْحَكَم أَوْ ضُبَاعَة بِنْت الزُّبَيْر أَيْ اِبْن عَبْد الْمُطَّلِب قَالَتْ " أَصَابَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيًا ، فَذَهَبْت أَنَا وَأُخْتِي فَاطِمَة بِنْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَشْكُو إِلَيْهِ مَا نَحْنُ فِيهِ ، وَسَأَلْنَاهُ أَنْ يَأْمُر لَنَا بِشَيْءٍ مِنْ السَّبْي فَقَالَ : سَبَقَكُنَّ يَتَامَى بَدْر " فَذَكَرَ قِصَّة التَّسْبِيح إِثْر كُلّ صَلَاة وَلَمْ يَذْكُر قِصَّة التَّسْبِيح عِنْد النَّوْم ، فَلَعَلَّهُ عَلَّمَ فَاطِمَة فِي كُلّ مَرَّة أَحَد الذِّكْرَيْنِ . وَقَدْ وَقَعَ فِي تَهْذِيب الطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيق أَبِي أُمَامَةَ عَنْ عَلِيّ فِي قِصَّة فَاطِمَة مِنْ الزِّيَادَة " فَقَالَ اِصْبِرِي يَا فَاطِمَة ، إِنَّ خَيْر النِّسَاء الَّتِي نَفَعَتْ أَهْلهَا " .
قَوْله ( فَقَالَ أَلَا أَدُلّكُمَا عَلَى مَا هُوَ خَيْر لَكُمَا مِنْ خَادِم )
فِي رِوَايَة بَدَل " خَيْر مِمَّا سَأَلْتُمَاهُ " وَفِي رِوَايَة غُنْدَر " مِمَّا سَأَلْتُمَانِي " وَلِلْقَطَّانِ نَحْوه ، وَفِي رِوَايَة السَّائِب " أَلَا أُخْبِركُمَا بِخَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَانِي ؟ فَقَالَا : بَلَى . فَقَالَ : كَلِمَات عَلَّمَنِيهُنَّ جِبْرِيل " .
قَوْله ( إِذَا أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشكُمَا أَوْ أَخَذْتُمَا مَضَاجِعكُمَا )
هَذَا شَكّ مِنْ سُلَيْمَان بْن حَرْب ، وَكَذَا فِي رِوَايَة الْقَطَّان ، وَجَزَمَ بَدَل وَغُنْدَر بِقَوْلِهِ " إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعكُمَا " وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَة مُعَاذ عَنْ شُعْبَة " إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعكُمَا مِنْ اللَّيْل " وَجَزَمَ فِي رِوَايَة السَّائِب بِقَوْلِهِ " إِذَا أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشكُمَا " وَزَادَ فِي رِوَايَة " تُسَبِّحَانِ دُبُر كُلّ صَلَاة عَشْرًا وَتَحْمَدَانِ عَشْرًا وَتُكَبِّرَانِ عَشْرًا " وَهَذِهِ الزِّيَادَة ثَابِتَة فِي رِوَايَة عَطَاء بْن السَّائِب عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ عِنْد أَصْحَاب السُّنَن الْأَرْبَعَة فِي حَدِيث أَوَّله " خَصْلَتَانِ لَا يُحْصِيهِمَا عَبْد إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّة " وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن حِبَّان ، وَفِيهِ ذِكْر مَا يُقَال عِنْد النَّوْم أَيْضًا . وَيُحْتَمَل إِنْ كَانَ حَدِيث السَّائِب عَنْ عَلِيّ مَحْفُوظًا أَنْ يَكُون عَلَى ذِكْر الْقِصَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ أَشَرْت إِلَيْهِمَا قَرِيبًا مَعًا . ثُمَّ وَجَدْت الْحَدِيث فِي " تَهْذِيب الْآثَار " لِلطَّبَرِيِّ فَسَاقَهُ مِنْ رِوَايَة حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ عَطَاء كَمَا ذَكَرْت ، ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيق شُعْبَة عَنْ عَطَاء عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عَلِيًّا وَفَاطِمَة إِذَا أَخَذَا مَضَاجِعهمَا بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيد وَالتَّكْبِير " فَسَاقَ الْحَدِيث فَظَهَرَ أَنَّ الْحَدِيث فِي قِصَّة عَلِيّ وَفَاطِمَة ، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَذْكُرهُمَا مِنْ الرُّوَاة اِخْتَصَرَ الْحَدِيث ، وَأَنَّ رِوَايَة السَّائِب إِنَّمَا هِيَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو ، وَأَنَّ قَوْل مَنْ قَالَ فِيهِ عَنْ عَلِيّ لَمْ يُرِدْ الرِّوَايَة عَنْ عَلِيّ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ عَنْ قِصَّة عَلِيّ وَفَاطِمَة كَمَا فِي نَظَائِره .
قَوْله ( فَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ وَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ )
كَذَا هُنَا بِصِيغَةِ الْأَمْر وَالْجَزْم بِأَرْبَعٍ فِي التَّكْبِير ، وَفِي رِوَايَة بَدَل مِثْله وَلَفْظه " فَكَبِّرَا اللَّه " وَمِثْله لِلْقَطَّانِ لَكِنْ قَدَّمَ التَّسْبِيح وَأَخَّرَ التَّكْبِير وَلَمْ يَذْكُر الْجَلَالَة ، وَفِي رِوَايَة عَمْرو بْن مُرَّة عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى وَفِي رِوَايَة السَّائِب كِلَاهُمَا مِثْله ، وَكَذَا فِي رِوَايَة هُبَيْرَة عَنْ عَلِيّ وَزَادَ فِي آخِره " فَتِلْكَ مِائَة بِاللِّسَانِ وَأَلْف فِي الْمِيزَان " وَهَذِهِ الزِّيَادَة ثَبَتَتْ أَيْضًا فِي رِوَايَة هُبَيْرَة وَعُمَارَة بْن عَبْد مَعًا عَنْ عَلِيّ عِنْد الطَّبَرَانِيِّ ، وَفِي رِوَايَة السَّائِب كَمَا مَضَى ، وَفِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة عِنْد مُسْلِم كَالْأَوَّلِ لَكِنْ قَالَ تُسَبِّحِينَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِع ، وَفِي رِوَايَة عُبَيْدَة بْن عَمْرو " فَأَمَرَنَا عِنْد مَنَامنَا بِثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَع وَثَلَاثِينَ مِنْ تَسْبِيح وَتَحْمِيد وَتَكْبِير " وَفِي رِوَايَة غُنْدَر لِلْكُشْمِيهَنِيِّ مِثْل الْأَوَّل ، وَعَنْ غَيْر الْكُشْمِيهَنِيّ " تُكَبِّرَانِ " بِصِيغَةِ الْمُضَارِع وَثُبُوت النُّون ، وَحُذِفَتْ فِي نُسْخَة وَهِيَ إِمَّا عَلَى أَنَّ إِذَا تَعْمَل عَمَل الشَّرْط وَإِمَّا حُذِفَتْ تَخْفِيفًا . وَفِي رِوَايَة مُجَاهِد عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى فِي النَّفَقَات بِلَفْظِ " تُسَبِّحِينَ اللَّه عِنْد مَنَامك " وَقَالَ فِي الْجَمِيع " ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ " ثُمَّ قَالَ فِي آخِره قَالَ سُفْيَان رِوَايَة إِحْدَاهُنَّ أَرْبَع " وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيِّ عَنْ قُتَيْبَة عَنْ سُفْيَان " لَا أَدْرِي أَيّهَا أَرْبَع وَثَلَاثُونَ " وَفِي رِوَايَة الطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيق أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيّ عَنْ عَلِيّ فِي الْجَمِيع " ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ . وَاخْتِمَاهَا بِلَا إِلَه إِلَّا اللَّه " وَلَهُ مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن الْحَنَفِيَّة عَنْ عَلِيّ " وَكَبِّرَاهُ وَهَلِّلَاهُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ " وَلَهُ مِنْ طَرِيق أَبِي مَرْيَم عَنْ عَلِيّ " اِحْمَدَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ " وَكَذَا لَهُ فِي حَدِيث أُمّ سَلَمَة ، وَلَهُ مِنْ طَرِيق هُبَيْرَة أَنَّ التَّهْلِيل أَرْبَع وَثَلَاثُونَ وَلَمْ يَذْكُر التَّحْمِيد ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَد مِنْ طَرِيق هُبَيْرَة كَالْجَمَاعَةِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ شَاذّ ، وَفِي رِوَايَة عَطَاء عَنْ مُجَاهِد عِنْد جَعْفَر وَأَصْله عِنْد مُسْلِم " أَشُكّ أَيّهَا أَرْبَع وَثَلَاثُونَ غَيْر أَنِّي أَظُنّهُ التَّكْبِير " وَزَادَ فِي آخِره " قَالَ عَلِيّ فَمَا تَرَكْتهَا بَعْد فَقَالُوا لَهُ : وَلَا لَيْلَة صِفِّين ؟ فَقَالَ : وَلَا لَيْلَة صِفِّين " وَفِي رِوَايَة الْقَاسِم مَوْلَى مُعَاوِيَة عَنْ عَلِيّ " فَقِيلَ لِي " وَفِي رِوَايَة عَمْرو اِبْن مُرَّة " فَقَالَ لَهُ رَجُل " وَكَذَا فِي رِوَايَة هُبَيْرَة ، وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَة مِنْ طَرِيق مُجَاهِد عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى " قُلْت وَلَا لَيْلَة صِفِّين " وَفِي رِوَايَة جَعْفَر الْفِرْيَابِيّ فِي الذِّكْر مِنْ هَذَا الْوَجْه " قَالَ عَبْد الرَّحْمَن : قُلْت وَلَا لَيْلَة صِفِّين ؟ قَالَ : وَلَا لَيْلَة صِفِّين " وَكَذَا أَخْرَجَهُ مطين فِي مُسْنَد عَلِيّ مِنْ هَذَا الْوَجْه ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَة زُهَيْر اِبْن مُعَاوِيَة عَنْ أَبِي إِسْحَق " حَدَّثَنِي هُبَيْرَة وَهَانِئ بْن هَانِئ وَعُمَارَة بْن عَبْد أَنَّهُمْ سَمِعُوا عَلِيًّا يَقُول " فَذَكَرَ الْحَدِيث وَفِي آخِره " فَقَالَ لَهُ رَجُل قَالَ زُهَيْر أَرَاهُ الْأَشْعَث بْن قَيْس : وَلَا لَيْلَة صِفِّين ؟ قَالَ : وَلَا لَيْلَة صِفِّين " وَفِي رِوَايَة السَّائِب فَقَالَ لَهُ اِبْن الْكَوَّاء : وَلَا لَيْلَة صِفِّين ؟ فَقَالَ : قَاتَلَكُمْ اللَّه يَا أَهْل الْعِرَاق . نَعَمْ : وَلَا لَيْلَة صِفِّين ، وَلِلْبَزَّارِ مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاء بْن السَّائِب " فَقَالَ لَهُ عَبْد اللَّه بْن الْكَوَّاء " وَالْكَوَّاء بِفَتْحِ الْكَاف وَتَشْدِيد الْوَاو مَعَ الْمَدّ وَكَانَ مِنْ أَصْحَاب عَلِيّ لَكِنَّهُ كَانَ كَثِير التَّعَنُّت فِي السُّؤَال . وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة زَيْد بْن أَبِي أُنَيْسَة عَنْ الْحَكَم بِسَنَدِ حَدِيث الْبَاب " فَقَالَ اِبْن الْكَوَّاء : وَلَا لَيْلَة صِفِّين ؟ فَقَالَ : وَيْحك مَا أَكْثَر مَا تُعَنِّتنِي ، لَقَدْ أَدْرَكْتهَا مِنْ السَّحَر " وَفِي رِوَايَة عَلِيّ بْن أَعْبُد " مَا تَرَكْتهنَّ مُنْذُ سَمِعْتهنَّ إِلَّا لَيْلَة صِفِّين فَإِنِّي ذَكَرْتهَا مِنْ آخِر اللَّيْل فَقُلْتهَا " وَفِي رِوَايَة لَهُ وَهِيَ عِنْد جَعْفَر أَيْضًا فِي الذِّكْر " إِلَّا لَيْلَة صِفِّين فَإِنِّي أُنْسِيتهَا حَتَّى ذَكَرْتهَا مِنْ آخِر اللَّيْل " وَفِي رِوَايَة شَبَث بْن رِبْعِيّ مِثْله وَزَادَ " فَقُلْتهَا " وَلَا اِخْتِلَاف فَإِنَّهُ نَفَى أَنْ يَكُون قَالَهَا أَوَّل اللَّيْل وَأَثْبَتَ أَنَّهُ قَالَهَا فِي آخِره ، وَأَمَّا الِاخْتِلَاف فِي تَسْمِيَة السَّائِل فَلَا يُؤَثِّر لِأَنَّهُ مَحْمُول عَلَى التَّعَدُّد بِدَلِيلِ قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى " فَقَالُوا " وَفِي هَذِهِ تَعَقُّب عَلَى الْكَرْمَانِيّ حَيْثُ فَهِمَ مِنْ قَوْل عَلِيّ " وَلَا لَيْلَة صِفِّين " أَنَّهُ قَالَهَا مِنْ اللَّيْل فَقَالَ : مُرَاده أَنَّهُ لَمْ يَشْتَغِل مَعَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الشُّغْل بِالْحَرْبِ عَنْ قَوْل الذِّكْر الْمُشَار إِلَيْهِ ، فَإِنَّ فِي قَوْل عَلِيّ " فَأُنْسِيتهَا " التَّصْرِيح بِأَنَّهُ نَسِيَهَا أَوَّل اللَّيْل وَقَالَهَا فِي آخِره . وَالْمُرَاد بِلَيْلَةِ صِفِّين الْحَرْب الَّتِي كَانَتْ بَيْن عَلِيّ وَمُعَاوِيَة بِصِفِّين ، وَهِيَ بَلَد مَعْرُوف بَيْن الْعِرَاق وَالشَّام ، وَأَقَامَ الْفَرِيقَانِ بِهَا عِدَّة أَشْهُر ، وَكَانَتْ بَيْنهمْ وَقَعَات كَثِيرَة ، لَكِنْ لَمْ يُقَاتِلُوا فِي اللَّيْل إِلَّا مَرَّة وَاحِدَة وَهِيَ لَيْلَة الْهَرِير بِوَزْنِ عَظِيم ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ مَا كَانَ الْفُرْسَان يَهِرُّونَ فِيهَا ، وَقُتِلَ بَيْن الْفَرِيقَيْنِ تِلْكَ اللَّيْلَة عِدَّة آلَاف ، وَأَصْبَحُوا وَقَدْ أَشْرَفَ عَلِيّ وَأَصْحَابه عَلَى النَّصْر فَرَفَعَ مُعَاوِيَة وَأَصْحَابه الْمَصَاحِف ، فَكَانَ مَا كَانَ مِنْ الِاتِّفَاق عَلَى التَّحْكِيم وَانْصِرَاف كُلّ مِنْهُمْ إِلَى بِلَاده . وَاسْتَفَدْنَا مِنْ هَذِهِ الزِّيَادَة أَنَّ تَحْدِيث عَلِيّ بِذَلِكَ كَانَ بَعْد وَقْعَة صِفِّين بِمُدَّةٍ ، وَكَانَتْ صِفِّين سَنَة سَبْع وَثَلَاثِينَ ، وَخَرَجَ الْخَوَارِج عَلَى عَلِيّ عَقِب التَّحْكِيم فِي أَوَّل سَنَة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَقَتَلَهُمْ بِالنَّهْرَوَانِ ، وَكُلّ ذَلِكَ مَشْهُور مَبْسُوط فِي تَارِيخ الطَّبَرِيِّ وَغَيْره
( فَائِدَة ) :
زَادَ أَبُو هُرَيْرَة فِي هَذِهِ الْقِصَّة مَعَ الذِّكْر الْمَأْثُور دُعَاء آخَر وَلَفْظه عِنْد الطَّبَرِيِّ فِي تَهْذِيبه مِنْ طَرِيق الْأَعْمَش عَنْ أَبِي صَالِح عَنْهُ " جَاءَتْ فَاطِمَة إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلهُ خَادِمًا فَقَالَ : أَلَا أَدُلّك عَلَى مَا هُوَ خَيْر مِنْ خَادِم ؟ تُسَبِّحِينَ " فَذَكَرَهُ وَزَادَ " وَتَقُولِينَ : اللَّهُمَّ رَبّ السَّمَاوَات السَّبْع وَرَبّ الْعَرْش الْعَظِيم ، رَبّنَا وَرَبّ كُلّ شَيْء ، مُنْزِل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَالْفُرْقَان ، أَعُوذ بِك مِنْ شَرّ كُلّ ذِي شَرّ ، وَمِنْ شَرّ كُلّ دَابَّة أَنْتَ آخِذ بِنَاصِيَتِهَا ، أَنْتَ الْأَوَّل فَلَيْسَ قَبْلك شَيْء ، وَأَنْتَ الْآخِر فَلَيْسَ بَعْدك شَيْء ، وَأَنْتَ الظَّاهِر فَلَيْسَ فَوْقك شَيْء ، وَأَنْتَ الْبَاطِن فَلَيْسَ دُونك شَيْء ، اِقْضِ عَنِّي الدَّيْن وَأَغْنِنِي مِنْ الْفَقْر " وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ طَرِيق سُهَيْل بْن أَبِي صَالِح عَنْ أَبِيهِ لَكِنْ فَرَّقَهُ حَدِيثَيْنِ . وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ مِنْ طَرِيق الْأَعْمَش لَكِنْ اِقْتَصَرَ عَلَى الذِّكْر الثَّانِي وَلَمْ يَذْكُر التَّسْبِيح وَمَا مَعَهُ .
قَوْله ( وَعَنْ شُعْبَة عَنْ خَالِد )
هُوَ الْحَذَّاء
( عَنْ اِبْن سِيرِينَ )
هُوَ مُحَمَّد
( قَالَ التَّسْبِيح أَرْبَع وَثَلَاثُونَ )
هَذَا مَوْقُوف عَلَى اِبْن سِيرِينَ ، وَهُوَ مَوْصُول بِسَنَدِ حَدِيث الْبَاب . وَظَنَّ بَعْضهمْ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَة اِبْن سِيرِينَ بِسَنَدِهِ إِلَى عَلِيّ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامه ، وَذَلِكَ أَنَّ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيَّ وَابْن حِبَّان أَخْرَجُوا الْحَدِيث الْمَذْكُور مِنْ طَرِيق اِبْن عَوْن عَنْ اِبْن سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَة بْن عَمْرو عَنْ عَلِيّ ، لَكِنْ الَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّهُ مِنْ قَوْل اِبْن سِيرِينَ مَوْقُوف عَلَيْهِ ، إِذْ لَمْ يَتَعَرَّض الْمُصَنِّف لِطَرِيقِ اِبْن سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَة ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي رِوَايَته عَنْ عُبَيْدَة تَعْيِين عَدَد التَّسْبِيح وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْقَاضِي يُوسُف فِي كِتَاب الذِّكْر عَنْ سُلَيْمَان بْن حَرْب شَيْخ الْبُخَارِيّ فِيهِ بِسَنَدِهِ هَذَا إِلَى اِبْن سِيرِينَ مِنْ قَوْله فَثَبَتَ مَا قُلْته وَلِلَّهِ الْحَمْد . وَوَقَعَ فِي مُرْسَل عُرْوَة عِنْد جَعْفَر أَنَّ التَّحْمِيد أَرْبَع ، وَاتِّفَاق الرُّوَاة عَلَى أَنَّ الْأَرْبَع لِلتَّكْبِيرِ أَرْجَح ، قَالَ اِبْن بَطَّال : هَذَا نَوْع مِنْ الذِّكْر عِنْد النَّوْم ، وَيُمْكِن أَنْ يَكُون صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُول جَمِيع ذَلِكَ عِنْد النَّوْم وَأَشَارَ لِأُمَّتِهِ بِالِاكْتِفَاءِ بِبَعْضِهَا إِعْلَامًا مِنْهُ أَنَّ مَعْنَاهُ الْحَضّ وَالنَّدْب لَا الْوُجُوب . وَقَالَ عِيَاض : جَاءَتْ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذْكَار عِنْد النَّوْم مُخْتَلِفَة بِحَسَبِ الْأَحْوَال وَالْأَشْخَاص وَالْأَوْقَات ، وَفِي كُلّ فَضْل ، قَالَ اِبْن بَطَّال : وَفِي هَذَا الْحَدِيث حُجَّة لِمَنْ فَضَّلَ الْفَقْر عَلَى الْغِنَى لِقَوْلِهِ " أَلَا أَدُلّكُمَا عَلَى مَا هُوَ خَيْر لَكُمَا مِنْ خَادِم " فَعَلَّمَهُمَا الذِّكْر ، فَلَوْ كَانَ الْغِنَى أَفْضَل مِنْ الْفَقْر لَأَعْطَاهُمَا الْخَادِم وَعَلَّمَهُمَا الذِّكْر فَلَمَّا مَنَعَهُمَا الْخَادِم وَقَصَرَهُمَا عَلَى الذِّكْر عُلِمَ أَنَّهُ إِنَّمَا اِخْتَارَ لَهُمَا الْأَفْضَل عِنْد اللَّه . قُلْت : وَهَذَا إِنَّمَا يَتِمّ أَنْ لَوْ كَانَ عِنْده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْخُدَّام فَضْلَة ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْخَبَر أَنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى بَيْع ذَلِكَ الرَّقِيق لِنَفَقَتِهِ عَلَى أَهْل الصِّفَة ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ عِيَاض : لَا وَجْه لِمَنْ اِسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْفَقِير أَفْضَل مِنْ الْغَنِيّ ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْخَيْرِيَّة فِي الْخَبَر فَقَالَ عِيَاض : ظَاهِره أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُعَلِّمهُمَا أَنَّ عَمَل الْآخِرَة أَفْضَل مِنْ أُمُور الدُّنْيَا عَلَى كُلّ حَال ، وَإِنَّمَا اِقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ لَمَّا لَمْ يُمْكِنهُ إِعْطَاء الْخَادِم ، ثُمَّ عَلَّمَهُمَا إِذْ فَاتَهُمَا مَا طَلَبَاهُ ذِكْرًا يُحَصِّل لَهُمَا أَجْرًا أَفْضَل مِمَّا سَأَلَاهُ . وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ : إِنَّمَا أَحَالَهُمَا عَلَى الذِّكْر لِيَكُونَ عِوَضًا عَنْ الدُّعَاء عِنْد الْحَاجَة ، أَوْ لِكَوْنِهِ أَحَبَّ لِابْنَتِهِ مَا أَحَبَّ لِنَفْسِهِ مِنْ إِيثَار الْفَقْر وَتَحَمُّل شِدَّته بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ تَعْظِيمًا لِأَجْرِهَا . وَقَالَ الْمُهَلَّب : عَلَّمَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِبْنَته مِنْ الذِّكْر مَا هُوَ أَكْثَر نَفْعًا لَهَا فِي الْآخِرَة ، وَآثَرَ أَهْل الصُّفَّة لِأَنَّهُمْ كَانُوا وَقَفُوا أَنْفُسهمْ لِسَمَاعِ الْعِلْم وَضَبْط السُّنَّة عَلَى شِبَع بُطُونهمْ لَا يَرْغَبُونَ فِي كَسْب مَال وَلَا فِي عِيَال ، وَلَكِنَّهُمْ اِشْتَرَوْا أَنْفُسهمْ مِنْ اللَّه بِالْقُوتِ . وَيُؤْخَذ مِنْهُ تَقْدِيم طَلَبَة الْعِلْم عَلَى غَيْرهمْ فِي الْخُمُس . وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَف الصَّالِح مِنْ شَظَف الْعَيْش وَقِلَّة الشَّيْء وَشِدَّة الْحَال . وَأَنَّ اللَّه حَمَاهُمْ الدُّنْيَا مَعَ إِمْكَان ذَلِكَ صِيَانَة لَهُمْ مِنْ تَبِعَاتهَا ، وَتِلْكَ سُنَّة أَكْثَر الْأَنْبِيَاء وَالْأَوْلِيَاء . وَقَالَ إِسْمَاعِيل الْقَاضِي : فِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَسِّم الْخُمُس حَيْثُ رَأَى ؛ لِأَنَّ السَّبْي لَا يَكُون إِلَّا مِنْ الْخُمُس ، وَأَمَّا الْأَرْبَعَة أَخْمَاس فَهُوَ حَقّ الْغَانِمِينَ اِنْتَهَى . وَهُوَ قَوْل مَالِك وَجَمَاعَة ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيّ وَجَمَاعَة إِلَى أَنَّ لِآلِ الْبَيْت سَهْمًا مِنْ الْخُمُس ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْط ذَلِكَ فِي فَرْض الْخُمُس فِي أَوَاخِر الْجِهَاد . ثُمَّ وَجَدْت فِي تَهْذِيب الطَّبَرِيِّ مِنْ وَجْه آخَر مَا لَعَلَّهُ يُعَكِّر عَلَيَّ ذَلِكَ ، فَسَاقَ مِنْ طَرِيق أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيّ عَنْ عَلِيّ قَالَ " أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقِيق ، أَهْدَاهُمْ لَهُ بَعْض مُلُوك الْأَعَاجِم ، فَقُلْت لِفَاطِمَة : اِئْتِ أَبَاك فَاسْتَخْدِمِيهِ " فَلَوْ صَحَّ هَذَا لَأَزَالَ الْإِشْكَال مِنْ أَصْله ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُون لِلْغَانِمِينَ فِيهِ شَيْء . وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ مَال الْمَصَالِح يَصْرِفهُ الْإِمَام حَيْثُ يَرَاهُ . وَقَالَ الْمُهَلَّب : فِيهِ حَمْل الْإِنْسَان أَهْله عَلَى مَا يَحْمِل عَلَيْهِ نَفْسه مِنْ إِيثَار الْآخِرَة عَلَى الدُّنْيَا إِذَا كَانَتْ لَهُمْ قُدْرَة عَلَى ذَلِكَ . قَالَ : وَفِيهِ جَوَاز دُخُول الرَّجُل عَلَى اِبْنَته وَزَوْجهَا بِغَيْرِ اِسْتِئْذَان وَجُلُوسه بَيْنهمَا فِي فِرَاشهمَا ، وَمُبَاشَرَة قَدَمَيْهِ بَعْض جَسَدهمَا . قُلْت : وَفِي قَوْله بِغَيْرِ اِسْتِئْذَان نَظَر ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي بَعْض طُرُقه أَنَّهُ اِسْتَأْذَنَ كَمَا قَدَّمْته مِنْ رِوَايَة عَطَاء عَنْ مُجَاهِد فِي الذِّكْر لِجَعْفَر ، وَأَصْله عِنْد مُسْلِم ، وَهُوَ فِي " الْعِلَل " لِلدَّارَقُطْنِيِّ أَيْضًا بِطُولِهِ . وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ فِي تَهْذِيبه مِنْ طَرِيق أَبِي مَرْيَم " سَمِعْت عَلِيًّا يَقُول : إِنَّ فَاطِمَة كَانَتْ تَدُقّ الدَّرْمَك بَيْن حَجَرَيْنِ حَتَّى مَجَلَتْ يَدَاهَا " فَذَكَرَ الْحَدِيث ، وَفِيهِ " فَأَتَانَا وَقَدْ دَخَلْنَا فِرَاشنَا فَلَمَّا اِسْتَأْذَنَ عَلَيْنَا تَخَشَّشْنَا لِنَلْبَس عَلَيْنَا ثِيَابنَا ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ قَالَ : كَمَا أَنْتُمَا فِي لِحَافكُمَا " . وَدَفَعَ بَعْضهمْ الِاسْتِدْلَال الْمَذْكُور لِعِصْمَتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَلْحَق بِهِ غَيْره مِمَّنْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ . وَفِي الْحَدِيث مَنْقَبَة ظَاهِرَة لِعَلِيٍّ وَفَاطِمَة عَلَيْهِمَا السَّلَام . وَفِيهِ بَيَان إِظْهَار غَايَة التَّعَطُّف وَالشَّفَقَة عَلَى الْبِنْت وَالصِّهْر وَنِهَايَة الِاتِّحَاد بِرَفْعِ الْحِشْمَة وَالْحِجَاب حَيْثُ لَمْ يُزْعِجهُمَا عَنْ مَكَانهمَا فَتَرَكَهُمَا عَلَى حَالَة اِضْطِجَاعهمَا ، وَبَالَغَ حَتَّى أَدْخَلَ رِجْله بَيْنهمَا وَمَكَثَ بَيْنهمَا حَتَّى عَلَّمَهُمَا مَا هُوَ الْأَوْلَى بِحَالِهِمَا مِنْ الذِّكْر عِوَضًا عَمَّا طَلَبَاهُ مِنْ الْخَادِم ، فَهُوَ مِنْ بَاب تَلَقِّي الْمُخَاطَب بِغَيْرِ مَا يَطْلُب إِيذَانًا بِأَنَّ الْأَهَمّ مِنْ الْمَطْلُوب هُوَ التَّزَوُّد لِلْمَعَادِ وَالصَّبْر عَلَى مَشَاقّ الدُّنْيَا وَالتَّجَافِي عَنْ دَار الْغُرُور . وَقَالَ الطِّيبِيُّ : فِيهِ دَلَالَة عَلَى مَكَانَة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ خَصَّتْهَا فَاطِمَة بِالسِّفَارَةِ بَيْنهَا وَبَيْن أَبِيهَا دُون سَائِر الْأَزْوَاج . قُلْت : وَيَحْتَمِل أَنَّهَا لَمْ تُرِدْ التَّخْصِيص بَلْ الظَّاهِر أَنَّهَا قَصَدَتْ أَبَاهَا فِي يَوْم عَائِشَة فِي بَيْتهَا فَلَمَّا لَمْ تَجِدهُ ذَكَرَتْ حَاجَتهَا لِعَائِشَة ، وَلَوْ اِتَّفَقَ أَنَّهُ كَانَ يَوْم غَيْرهَا مِنْ الْأَزْوَاج لَذَكَرْت لَهَا ذَلِكَ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي بَعْض طُرُقه أَنَّ أُمّ سَلَمَة ذَكَرَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ أَيْضًا ، فَيَحْتَمِل أَنَّ فَاطِمَة لَمَّا لَمْ تَجِدهُ فِي بَيْت عَائِشَة مَرَّتْ عَلَى بَيْت أُمّ سَلَمَة فَذَكَرَتْ لَهَا ذَلِكَ ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون تَخْصِيص هَاتَيْنِ مِنْ الْأَزْوَاج لِكَوْنِ بَاقِيهنَّ كُنَّ حِزْبَيْنِ كُلّ حِزْب يَتْبَع وَاحِدَة مِنْ هَاتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ صَرِيحًا فِي كِتَاب الْهِبَة . وَفِيهِ أَنَّ مَنْ وَاظَبَ عَلَى هَذَا الذِّكْر عِنْد النَّوْم لَمْ يُصِبْهُ إِعْيَاء لِأَنَّ فَاطِمَة شَكَتْ التَّعَب مِنْ الْعَمَل فَأَحَالَهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ ، كَذَا أَفَادَهُ اِبْن تَيْمِيَةَ ، وَفِيهِ نَظَر وَلَا يَتَعَيَّن رَفْع التَّعَب بَلْ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون مَنْ وَاظَبَ عَلَيْهِ لَا يَتَضَرَّر بِكَثْرَةِ الْعَمَل وَلَا يَشُقّ عَلَيْهِ وَلَوْ حَصَلَ لَهُ التَّعَب ، وَاَللَّه أَعْلَم .
شرح ابن بطال - (ج 19 / ص 114)
وهذا نوع من الذكر عند النوم غير ما جاء فى حديث البراء، وحديث حذيفة والأحاديث الأُخر، وقد يمكن أن يكون النبى - صلى الله عليه وسلم - يجمع ذلك كله عند نومه، وقد يمكن أن يقتصر منها على بعضها إعلامًا منه لأمته أن ذلك معناه الحض والندب، لا الوجوب والفرض، وفى هذا الحديث حجة لمن فضل الفقر على الغنى؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال: « ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم » فعلمهما الذكر، ولو كان الغنى أفضل من الفقر لأعطاهما الخادم وعلمهما الذكر، فلما منعهما الخادم وقصرهما على الذكر خاصةً علم أنه - صلى الله عليه وسلم - إنما اختار لهما الأفضل عند الله، والله الموفق.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 4 / ص 403)
هل يلزم المرأة خدمة زوجها رقم الفتوى:13158تاريخ الفتوى:03 ذو الحجة 1424السؤال : هل حق الخدمة من الحقوق الواجبة على الزوجة تجاه زوجها - وأعني بحق الخدمة تجهيز البيت من كنسه ونظافته وإعداد الطعام وغير ذلك - أم أن هذا غير واجب عليها وإذا فعلته كان من باب التطوع أرجو توضيح المسألة مع بيان أراء العلماء فيها؟
جزاكم الله كل الخير.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالصحيح من أقوال العلماء أنه يجب على المرأة أن تخدم زوجها، وللإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - فصل جميل حول هذا الموضوع ننقله بلفظه من كتابه زاد المعاد قال رحمه الله تعالى:
فصل في حكم النبي صلى الله عليه وسلم في خدمة المرأة لزوجها. قال ابن حبيب في الواضحة: حكم النبي صلى الله عليه وسلم بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبين زوجته فاطمة رضي الله عنها حين اشتكيا إليه الخدمة، فحكم على فاطمة بالخدمة الباطنة: خدمة البيت، وحكم على علي بالخدمة الظاهرة، ثم قال ابن حبيب: والخدمة الباطنة: العجين والطبخ والفرش وكنس البيت واستقاء الماء وعمل البيت كله.
وفي الصحيحين: أن فاطمة رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يديها من الرحى، وتسأله خادما فلم تجده، فذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قال علي: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم فقال: "مكانكما" فجاء فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على بطني، فقال: "ألا أدلكما على ما هو خير لكما مما سألتما إذ أخذتما مضاجعكما: فسبحا الله ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم". قال علي: فما تركتها بعد. قيل: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين.
وصح عن أسماء أنها قالت: كنت أخدم الزبير خدمة البيت كله، وكان له فرس، وكنت أسوسه، وكنت أحتش له وأقوم عليه.
وصح عنها أنها كانت تعلف فرسه، وتسقي الماء، وتخرز الدلو، وتعجن، وتنقل النوى على رأسها من أرض له على ثلثي فرسخ، فاختلف الفقهاء في ذلك، فأوجب طائفة من السلف والخلف خدمتها له في مصالح البيت.
وقال أبو ثور: عليها أن تخدم زوجها في كل شيء، ومنعت طائفة وجوب خدمته عليها في شيء، وممن ذهب إلى ذلك مالك والشافعي وأبو حنيفة، وأهل الظاهر قالوا: لأن عقد النكاح إنما اقتضى الاستمتاع لا الاستخدام، وبذل المنافع. قالوا: والأحاديث المذكورة إنما تدل على التطوع ومكارم الأخلاق، فأين الوجوب منها؟ واحتج من أوجب الخدمة بأن هذا هو المعروف عند من خاطبهم الله سبحانه بكلامه.
وأما ترفيه المرأة وخدمة الزوج وكنسه وطحنه وعجنه وغسيله وفرشه وقيامه بخدمة البيت، فمن المنكر، والله تعالى يقول: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة:228].
وقال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) [النساء:34].
وإذا لم تخدمه المرأة بل يكون هو الخادم لها، فهي القوامة عليه.
وأيضا: فإن المهر في مقابلة البضع، وكل من الزوجين يقضي وطره من صاحبه، فإنما أوجب الله سبحانه نفقتها وكسوتها ومسكنها في مقابلة استمتاعه بها وخدمتها وما جرت به عادة الأزواج.
وأيضا: فإن العقود المطلقة إنما تنزل على العرف، والعرف خدمة المرأة وقيامها بمصالح البيت الداخلة، وقولهم: إن خدمة فاطمة وأسماء كانت تبرعا وإحسانا، يرده أن فاطمة كانت تشتكي ما تلقى من الخدمة، فلم يقل لعلي لا خدمة عليها، وإنما هي عليك، وهو صلى الله عليه وسلم لا يحابي في الحكم أحدا، ولما رأى أسماء والعلف على رأسها والزبير معه لم يقل له: لا خدمة، وأن هذا ظلم لها، بل أقره على استخدامها، وأقر سائر أصحابه على استخدام أزواجهم مع علمه بأن منهن الكارهة والراضية، هذا أمر لا ريب فيه. ولا يصح التفريق بين شريفة ودنيئة، وفقيرة وغنية، فهذه أشرف نساء العالمين كانت تخدم زوجها، وجاءته تشكو إليه الخدمة، فلم يشكها، وقد سمى النبي في الحديث الصحيح المرأة عانية. فقال صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم" والعاني: الأسير، ومرتبة الأسير خدمة من هو تحت يده.
ولا ريب أن النكاح نوع من الرق، قال بعض السلف: النكاح رق، فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته، ولا يخفى على المنصف الراجح من المذهبين، والأقوى من الدليلين.
والله أعلم.
زاد المعاد - (ج 5 / ص 169)
فَصْلٌ فِي حُكْمِ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي خِدْمَةِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي " الْوَاضِحَةِ " : حَكَمَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا حِينَ اشْتَكَيَا إلَيْهِ الْخِدْمَةَ فَحَكَمَ عَلَى فَاطِمَةَ بِالْخِدْمَةِ الْبَاطِنَةِ خِدْمَةِ الْبَيْتِ وَحَكَمَ عَلَى عَلِيّ بِالْخِدْمَةِ الظّاهِرَةِ ثُمّ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَالْخِدْمَةُ الْبَاطِنَةُ الْعَجِينُ وَالطّبْخُ وَالْفَرْشُ وَكَنْسُ الْبَيْتِ وَاسْتِقَاءُ الْمَاءِ وَعَمَلُ الْبَيْتِ كُلّهِ . وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " : أَنّ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَتَتْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَشْكُو إلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدَيْهَا مِنْ الرّحَى وَتَسْأَلُهُ خَادِمًا فَلَمْ تَجِدْهُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا فَلَمّا جَاءَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخْبَرَتْهُ . قَالَ عَلِيّ فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا فَذَهَبْنَا نَقُومُ فَقَالَ مَكَانَكُمَا " فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتّى وَجَدْت بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي فَقَالَ " أَلَا أَدُلّكُمَا عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِمّا سَأَلْتُمَا إذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا فَسَبّحَا اللّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ " . قَالَ عَلِيّ فَمَا تَرَكْتُهَا بَعْدُ قِيلَ وَلَا لَيْلَةَ صِفّينَ ؟ قَالَ وَلَا لَيْلَةَ صِفّينَ [ ص 170 ] قَالَتْ كُنْت أَخْدِمُ الزّبَيْرَ خِدْمَةَ الْبَيْتِ كُلّهِ وَكَانَ لَهُ فَرَسٌ وَكُنْتُ أَسُوسُهُ وَكُنْت أَحْتَشّ لَهُ وَأَقُومُ عَلَيْهِ وَصَحّ عَنْهَا أَنّهَا كَانَتْ تَعْلِفُ فَرَسَهُ وَتَسْقِي الْمَاءَ وَتَخْرِزُ الدّلْوَ وَتَعْجِنُ وَتَنْقُلُ النّوَى عَلَى رَأْسِهَا مِنْ أَرْضٍ لَهُ عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ . فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ فَأَوْجَبَ طَائِفَةٌ مِنْ السّلَفِ وَالْخَلَفِ خِدْمَتَهَا لَهُ فِي مَصَالِحِ الْبَيْتِ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ : عَلَيْهَا أَنْ تَخْدِمَ زَوْجَهَا فِي كُلّ شَيْءٍ وَمَنَعَتْ طَائِفَةٌ وُجُوبَ خِدْمَتِهِ عَلَيْهَا فِي شَيْءٍ وَمِمّنْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ مَالِكٌ وَالشّافِعِيّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَهْلُ الظّاهِر ِ قَالُوا : لِأَنّ عَقْدَ النّكَاحِ إنّمَا اقْتَضَى الِاسْتِمْتَاعَ لَا الِاسْتِخْدَامَ وَبَذْلَ الْمَنَافِعِ قَالُوا : وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ إنّمَا تَدُلّ عَلَى التّطَوّعِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فَأَيْنَ الْوُجُوبُ مِنْهَا ؟ .
وَاحْتَجّ مَنْ أَوْجَبَ الْخِدْمَةَ بِأَنّ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ مَنْ خَاطَبَهُمْ اللّهُ سُبْحَانَهُ بِكَلَامِهِ وَأَمّا تَرْفِيهُ الْمَرْأَةِ وَخِدْمَةُ الزّوْجِ وَكَنْسُهُ وَطَحْنُهُ [ ص 171 ] { وَلَهُنّ مِثْلُ الّذِي عَلَيْهِنّ بِالْمَعْرُوفِ } [ الْبَقَرَةُ 228 ] وَقَالَ { الرّجَالُ قَوّامُونَ عَلَى النّسَاءِ } [ النّسَاءُ 34 ] وَإِذَا لَمْ تَخْدِمْهُ الْمَرْأَةُ بَلْ يَكُونُ هُوَ الْخَادِمَ لَهَا فَهِيَ الْقَوّامَةُ عَلَيْهِ . وَأَيْضًا : فَإِنّ الْمَهْرَ فِي مُقَابَلَةِ الْبُضْعِ وَكُلّ مِنْ الزّوْجَيْنِ يَقْضِي وَطَرَهُ مِنْ صَاحِبِهِ فَإِنّمَا أَوْجَبَ اللّهُ سُبْحَانَهُ نَفَقَتَهَا وَكُسْوَتَهَا وَمَسْكَنَهَا فِي مُقَابَلَةِ اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا وَخِدْمَتِهَا وَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْأَزْوَاجِ . وَأَيْضًا فَإِنّ الْعُقُودَ الْمُطْلَقَةَ إنّمَا تَنْزِلُ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعُرْفُ خِدْمَةُ الْمَرْأَةِ وَقِيَامُهَا بِمَصَالِحِ الْبَيْتِ الدّاخِلَةِ وَقَوْلُهُمْ إنّ خِدْمَةَ فَاطِمَةَ وَأَسْمَاءَ كَانَتْ تَبَرّعًا وَإِحْسَانًا يَرُدّهُ أَنّ فَاطِمَةَ كَانَتْ تَشْتَكِي مَا تَلْقَى مِنْ الْخِدْمَةِ فَلَمْ يَقُلْ لِعَلِيّ : لَا خِدْمَةَ عَلَيْهَا وَإِنّمَا هِيَ عَلَيْك وَهُوَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُحَابِي فِي الْحُكْمِ أَحَدًا وَلَمّا رَأَى أَسْمَاءَ وَالْعَلَفَ عَلَى رَأْسِهَا وَالزّبَيْرُ مَعَهُ لَمْ يَقُلْ لَهُ لَا خِدْمَةَ عَلَيْهَا وَأَنّ هَذَا ظُلْمٌ لَهَا بَلْ أَقَرّهُ عَلَى اسْتِخْدَامِهَا وَأَقَرّ سَائِرَ أَصْحَابِهِ عَلَى اسْتِخْدَامِ أَزْوَاجِهِمْ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنّ مِنْهُنّ الْكَارِهَةَ وَالرّاضِيَةَ هَذَا أَمْرٌ لَا رَيْبَ فِيهِ . وَلَا يَصِحّ التّفْرِيقُ بَيْنَ شَرِيفَةٍ وَدَنِيئَةٍ وَفَقِيرَةٍ وَغَنِيّةٍ فَهَذِهِ أَشْرَفُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ كَانَتْ تَخْدِمُ زَوْجَهَا وَجَاءَتْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَشْكُو إلَيْهِ الْخِدْمَةَ فَلَمْ يَشْكُهَا وَقَدْ سَمّى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْحَدِيثِ الصّحِيحِ الْمَرْأَةَ عَانِيَةً فَقَالَ اتّقُوا اللّهَ فِي النّسَاءِ فَإِنّهُنّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ وَالْعَانِي : الْأَسِيرُ وَمَرْتَبَةُ الْأَسِيرِ خِدْمَةُ مَنْ هُوَ تَحْتَ يَدِهِ وَلَا رَيْبَ أَنّ النّكَاحِ نَوْعٌ مِنْ الرّقّ كَمَا قَالَ بَعْضُ السّلَفِ النّكَاحُ رِقّ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ عِنْدَ مَنْ يُرِقّ كَرِيمَتَهُ وَلَا يَخْفَى عَلَى الْمُنْصِفِ الرّاجِحُ مِنْ الْمَذْهَبَيْنِ وَالْأَقْوَى مِنْ الدّلِيلَيْنِ . [ ص 172 ](1/138)