76-7732 أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ، عَنْ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَدْرٍ ، عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ ، عَنْ أَبِيهِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ : سَمِعْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِذَا الرَّجُلُ دَعَا زَوْجَتَهُ لِحَاجَتِهِ فَلْتَأْتِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى التَّنُّورِ "(1)
__________
(1) - أخرجه الترمذي برقم (1193) والمسند الجامع برقم(5475) صحيح
تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 239)
1080 - قَوْلُهُ : ( إِذَا الرَّجُلُ دَعَا زَوْجَتَهُ لِحَاجَتِهِ ) أَيْ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ كِنَايَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ
( فَلْتَأْتِهِ ) أَيْ لِتُجِبْ دَعْوَتَهُ
( وَإِنْ كَانَتْ عَلَى التَّنُّورِ ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ تَخْبِزُ عَلَى التَّنُّورِ مَعَ أَنَّهُ شُغْلُ شَاغِلٍ لَا يُتَفَرَّغُ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ إِلَّا بَعْدَ اِنْقِضَائِهِ . قَالَ اِبْنُ الْمَلَكِ هَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْخُبْزُ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ دَعَاهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَقَدْ رَضِيَ بِإِتْلَافِ مَالِ نَفْسِهِ ، وَتَلَفُ الْمَالِ أَسْهَلُ مِنْ وُقُوعِ الزَّوْجِ فِي الزِّنَا . كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ .
قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ )
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ . وَرَوَى الْبَزَّارُ . عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِلَفْظِ : إِذَا دَعَا الرَّجُلُ اِمْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْتُجِبْ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى ظَهْرِ قَتَبٍ .
-------------------
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 347)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَتْ وَخَرَجَتْ عَنْ حُكْمِ وَالِدَيْهَا . فَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ : بِرُّهَا لِوَالِدَيْهَا أَوْ مُطَاوَعَةُ زَوْجِهَا ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . الْمَرْأَةُ إذَا تَزَوَّجَتْ كَانَ زَوْجُهَا أَمْلَكَ بِهَا مِنْ أَبَوَيْهَا وَطَاعَةُ زَوْجِهَا عَلَيْهَا أَوْجَبُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ } وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ ؛ إذَا نَظَرْت إلَيْهَا سَرَّتْك وَإِذَا أَمَرْتهَا أَطَاعَتْك وَإِذَا غِبْت عَنْهَا حَفِظَتْك فِي نَفْسِهَا وَمَالِك } . وَفِي صَحِيحِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَصَّنَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا دَخَلَتْ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ } وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَزَوْجُهَا رَاضٍ عَنْهَا دَخَلَتْ الْجَنَّةَ } وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَوْ كُنْت آمِرًا لِأَحَدِ أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدِ لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا } أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وَلَفْظُهُ : { لَأَمَرْت النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحُقُوقِ } وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ أَنَسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا يَصْلُحُ لِبَشَرِ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرِ وَلَوْ صَلَحَ لِبَشَرِ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرِ لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا ؛ مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ مِنْ قَدَمِهِ إلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ قُرْحَةٌ تَجْرِي بِالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْهُ فَلَحِسَتْهُ مَا أَدَّتْ حَقَّهُ } وَفِي الْمُسْنَدِ وَسُنَنِ ابْنِ ماجه عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَوْ أَمَرْت أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدِ لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَمَرَ امْرَأَتَهُ أَنْ تَنْقُلَ مِنْ جَبَلٍ أَحْمَرَ إلَى جَبَلٍ أَسْوَدَ وَمِنْ جَبَلٍ أَسْوَدَ إلَى جَبَلٍ أَحْمَرَ : لَكَانَ لَهَا أَنْ تَفْعَلَ } أَيْ لَكَانَ حَقُّهَا أَنْ تَفْعَلَ . وَكَذَلِكَ فِي الْمُسْنَدِ وَسُنَنِ ابْنِ ماجه وَصَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ : { لَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ مِنْ الشَّامِ سَجَدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا هَذَا يَا مُعَاذُ ؟ قَالَ : أَتَيْت الشَّامَ فَوَجَدْتهمْ يَسْجُدُونَ لِأَسَاقِفَتِهِمْ وَبَطَارِقَتِهِمْ فَوَدِدْت فِي نَفْسِي أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ بِك يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَفْعَلُوا ذَلِكَ فَإِنِّي لَوْ كُنْت آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا ؛ وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ } وَعَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيُّمَا رَجُلٍ دَعَا زَوْجَتَهُ لِحَاجَتِهِ فَلْتَأْتِهِ وَلَوْ كَانَتْ عَلَى التَّنُّورِ } رَوَاهُ أَبُو حَاتِمٍ فِي صَحِيحِهِ والترمذي وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ فَبَاتَ غضبانا عَلَيْهَا : لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ } . وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ : الزَّوْجُ سَيِّدٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَقَرَأَ قَوْله تَعَالَى { وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ } . وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : النِّكَاحُ رِقٌّ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ عِنْدَ مَنْ يُرِقُّ كَرِيمَتَهُ . وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٌ } فَالْمَرْأَةُ عِنْدَ زَوْجِهَا تُشْبِهُ الرَّقِيقَ وَالْأَسِيرَ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ سَوَاءٌ أَمَرَهَا أَبُوهَا أَوْ أُمُّهَا أَوْ غَيْرُ أَبَوَيْهَا بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ . وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى مَكَانٍ آخَرَ مَعَ قِيَامِهِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَحِفْظِ حُدُودِ اللَّهِ فِيهَا وَنَهَاهَا أَبُوهَا عَنْ طَاعَتِهِ فِي ذَلِكَ : فَعَلَيْهَا أَنْ تُطِيعَ زَوْجَهَا دُونَ أَبَوَيْهَا ؛ فَإِنَّ الْأَبَوَيْنِ هُمَا ظَالِمَانِ ؛ لَيْسَ لَهَا أَنْ يَنْهَيَاهَا عَنْ طَاعَةِ مِثْلِ هَذَا الزَّوْجِ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطِيعَ أُمَّهَا فِيمَا تَأْمُرُهَا بِهِ مِنْ الِاخْتِلَاعِ مِنْهُ أَوْ مضاجرته حَتَّى يُطَلِّقَهَا : مِثْلَ أَنْ تُطَالِبَهُ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ وَالصَّدَاقِ بِمَا تَطْلُبُهُ لِيُطَلِّقَهَا فَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تُطِيعَ وَاحِدًا مِنْ أَبَوَيْهَا فِي طَلَاقِهِ إذَا كَانَ مُتَّقِيًا لِلَّهِ فِيهَا . فَفِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَصَحِيحِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ ثوبان قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ } وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ { الْمُخْتَلِعَاتُ وَالْمُنْتَزِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ } وَأَمَّا إذَا أَمَرَهَا أَبَوَاهَا أَوْ أَحَدُهُمَا بِمَا فِيهِ طَاعَةُ اللَّهِ : مِثْلَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَنَهْيِهَا عَنْ تَبْذِيرِ مَالِهَا وَإِضَاعَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَوْ نَهَاهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَنْهُ : فَعَلَيْهَا أَنْ تُطِيعَهُمَا فِي ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ مِنْ غَيْرِ أَبَوَيْهَا . فَكَيْفَ إذَا كَانَ مِنْ أَبَوَيْهَا وَإِذَا نَهَاهَا الزَّوْجُ عَمَّا أَمَرَ اللَّهُ أَوْ أَمَرَهَا بِمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ : لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُطِيعَهُ فِي ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقِ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ } بَلْ الْمَالِكُ لَوْ أَمَرَ مَمْلُوكَهُ بِمَا فِيهِ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُطِيعَهُ فِي مَعْصِيَةٍ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تُطِيعَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا أَوْ أَحَدَ أَبَوَيْهَا فِي مَعْصِيَةٍ فَإِنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالشَّرَّ كُلَّهُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ .
---------------
نيل الأوطار - (ج 10 / ص 195)
قَوْلُهُ : ( إذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إلَى فِرَاشِهِ ) قَالَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ : الظَّاهِرُ أَنَّ الْفِرَاشَ كِنَايَةٌ عَنْ الْجِمَاعِ وَيُقَوِّيهِ قَوْلُهُ : { الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ } أَيْ لِمَنْ يَطَأُ فِي الْفِرَاشِ ، وَالْكِنَايَةُ عَنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُسْتَحْيَا مِنْهَا كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ .
قَالَ : وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ اخْتِصَاصُ اللَّعْنِ بِمَا إذَا وَقَعَ مِنْهَا ذَلِكَ لَيْلًا لِقَوْلِهِ : " حَتَّى تُصْبِحَ " وَكَأَنَّ السِّرَّ فِيهِ تَأْكِيدُ ذَلِكَ لَا أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الِامْتِنَاعُ فِي النَّهَارِ ، وَإِنَّمَا خَصَّ اللَّيْلَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ الْمَظِنَّةُ لِذَلِكَ .
قَالَ فِي الْفَتْحِ : وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ : { وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إلَى فِرَاشِهِ فَتَأْبَى عَلَيْهِ إلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا } وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَفَعَهُ : { ثَلَاثَةٌ لَا تُقْبَلُ لَهُمْ صَلَاةٌ وَلَا تَصْعَدُ لَهُمْ إلَى السَّمَاءِ حَسَنَةٌ : الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ ، وَالسَّكْرَانُ حَتَّى يَصْحُوَ ، وَالْمَرْأَةُ السَّاخِطُ عَلَيْهَا زَوْجُهَا حَتَّى يَرْضَى } فَهَذِهِ الْإِطْلَاقَاتُ تَتَنَاوَلُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ .
-------------------
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 5 / ص 416)
إعراض الزوجة عن المعاشرة بدون ضرر عليها لا يسوغ رقم الفتوى:14690تاريخ الفتوى:02 ذو الحجة 1424السؤال : أنا متزوج ولدي طفلتان وزوجتي لاترغب في المعاشرة الجنسية وإن فعلتها فعلتها مضطرة وكل فترة يحدث بيننا خلاف بسبب هذا الموضوع وبعدها تلتزم معي فترة قصيرة وتعود ثانية لما كانت عليه مما يضطرني في بعض الأحيان ونظرا للشهوة الجنسية العادية أضطر إلى الاستمناء باليد للتخلص من شهوتي وبعد ذلك أندم على ذلك وأكررها بعد ذلك وأحيانا أفكر بأن أحرمها على نفسي بأن أقول لها أنت تحرمن علي وأحرم عليك إذا تمت بيننا معاشرة مرة ثانية فلا أدري ماذا أفعل وهل تفريغ الشهوة بهذه الطريقة حرام وهل زوجتي تعتبر آثمة على ذلك وهي أيضا ترفض زيارة الطبيبة لعرض حالتها عليها؟
الرجاء الرد عليّ سريعاً وعدم إهمال سؤالي وجزاكم الله خيراً.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجب على الزوجة أن تمكن زوجها من الاستمتاع بها كلما أراد ذلك على الوجه الذي أباحه الله، فإن لم تفعل من غير ضرر فإنها ناشز عاصية لربها، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح" .
وعند ابن ماجه وأحمد وابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفس محمد بيده! لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها عليها كله، حتى لو سألها نفسها وهي على قتب". وروى النسائي والترمذي عن طلق بن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا الرجل دعا زوجته لحاجته فلتأته، وإن كانت على التنور" .
وإن لم تجد الزوجة رغبة في معاشرة زوجها فيلزمها مطاوعته في ذلك متى ما أراد، تحصيناً له عن الحرام، كما ينبغي عليها أن تذهب إلى الطبيبة المختصة لمعرفة الأسباب، ولا يجوز لك الاستمناء لمجرد أن زوجتك امتنعت من فراشك. وانظر حكم الاستمناء في الجواب رقم: 7170.
وعليك بنصحها ومعالجتها، وإلا فالحل يكمن في الزواج بأخرى مع إبقاء هذه الزوجة وإمساكها، مع الإحسان إليها ومعاشرتها بالمعروف ونصحها وتوجيهها إلى ما يصلح حالكما.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 10 / ص 182)
تعارض حق الزوج مع حق الوالدين...نظرة شرعية رقم الفتوى:19419تاريخ الفتوى:05 جمادي الأولى 1423السؤال : بسم الله الرحمن الرحيم
أنا سيدة متزوجة منذ سنة ونصف وأبي وأمي منفصلان منذ ست سنوات في أول فترة من زواجي كنت أذهب لأمي أسبوعيا لكن بعد فترة أمي تزوجت فمنعني زوجي من الذهاب لأمي إلا أن أكون معه وعلى فترات متباعدة فغضبت أمي لهذا السبب وظلت تقول إنه يجب علي أن أتخذ مع زوجي موقفا وأنا أتكلم معه فقط وهو مصر على موقفه وبسبب هذا أصبحت أمي لا تكلمني وأنا أخشى أن يكون هذا عقوقا لها وفي نفس الوقت أخشى إغضاب زوجي أفيدوني أفادكم الله .
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن طاعة الزوج في المعروف من الواجبات المحتمات على المرأة، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم فضل طاعة الزوج أحسن بيان، وورد في ذلك من الأدلة ما لا يُحصى، وقد ذكرنا طرفاً منها في الفتوى رقم: 4180 ونذكر طرفاً منها هنا أيضاً لبيان خطورة الأمر وأهميته، فقد روى الترمذي في سننه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم، العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وإمام قوم وهم له كارهون. وحسنه الألباني.
وروى الترمذي أيضاً عن طلق بن علي قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا الرجل دعا زوجته لحاجته فلتأته، وإن كانت على التنور. وصححه الألباني.
وروى الترمذي عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا، إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله، فإنما هو عندك دخيل، يوشك أن يفارقك إلينا. وصححه الألباني، ورواه أحمد وابن ماجه والحاكم الطبراني وغيرهم.
وروى أحمد عن الحصين بن محصن أن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة ففرغت من حاجتها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أذات زوج أنت؟ قالت: نعم، قال: كيف أنت له؟ قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه، قال: فانظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك. قال الشيخ شعيب الأرناؤوط إسناده محتمل للتحسين، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 6/220
ولو تتبعنا الأحاديث الواردة في ذلك، لعجزنا عن حصرها في هذا المقام.
وبمقابل حق الزوج في طاعة زوجته له، نجد حق الوالدين في البر بهما والإحسان إليهما، فماذا نفعل لو تعارض هذا الحقان؟
والجواب: أن الحقوق تختلف مراتبها، باختلاف أحوال المكلف، فطاعة الوالدين في المعروف واجبة على أولادهما فيما لا معصية فيه لله، وهي مقدمة على طاعة كل أحد إلا الزوج.
فإذا انتقلت البنت إلى عصمة زوجها صار زوجها أملك لها من أبويها، فكانت طاعتها له أقوى وأولى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الفتاوى: المرأة إذا تزوجت، كان زوجها أملك بها من أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب. انتهى
وقال أيضاً: فليس لها أن تخرج من منزله إلا بإذنه، سواء أمرها أبوها، أو أمها، أو غير أبويها، باتفاق الأئمة. انتهى
وقال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى بعد ذكر الأحوال الضرورية التي يجوز للمرأة الخروج فيها دون إذن زوجها: لا لعيادة مريض وإن كان أباها، ولا لموته وشهود جنازته، قاله الحموي. انتهى.
وقال ابن قدامة في المغني: وللزوج منعها من الخروج من منزله، إلى ما لها منه بد، سواء أرادت زيارة والديها، أو عيادتهما، أو حضور جنازة أحدهما، قال أحمد ، في امرأة لها زوج وأم مريضة: طاعة زوجها أوجب عليها من أمها، إلا أن يأذن لها. انتهى.
ولذلك فإننا نقول للأخت السائلة، لا تجوز معصية زوجك في الأمر المذكور، ولا يجوز لوالدتك أن تغضب منك بسبب طاعة الزوج، لا سيما إذا كان في ذلك مصلحة لك، لأن الزوج أقوى نظراً في هذه الأمور منك، وأعلم بما يجلب المصالح ويدفع المفاسد، والحمد لله أنه لم يمنعك من زيارتها تماماً، وإن كان لديك حجة تستطيعين بها التأثير عليه وإقناعه بما تريدين، فبينيها له بالحكمة والموعظة الحسنة فعسى أن يكون ذلك سببا في لين قلبه، وتغير موقفه، وراجعي الفتوى رقم: 4149. والله أعلم.(1/62)
نَظَرُ الْمَرْأَةِ إِلَى عَوْرَةِ زَوْجِهَا
77-7733 أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ : حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ جَدِّي قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ ؟ قَالَ : " احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ ، أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ " قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ قَالَ : " إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَى أَحَدٌ عَوْرَتَكَ فَافْعَلْ " قُلْتُ : فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا فَقَالَ : " فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَى مِنَ النَّاسِ "(1)
__________
(1) - أخرجه أبو داود برقم(4019) والترمذي برقم(2996) وابن ماجة برقم(1995) وأحمد برقم( 20567 ) صحيح
عون المعبود - (ج 9 / ص 40)
( عَنْ أَبِيهِ ): حَكِيم بْنُ مُعَاوِيَة ( عَنْ جَدّه ): أَيْ جَدّ بَهْز وَهُوَ مُعَاوِيَة بْن حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيُّ
( عَوْرَاتنَا ): أَيْ أَيّ عَوْرَة نَسْتُرهَا وَأَيّ عَوْرَة نَتْرُك سِتْرهَا
( اِحْفَظْ عَوْرَتك ) : أَيْ اُسْتُرْهَا كُلّهَا
( إِلَّا مِنْ زَوْجَتك أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينك ) : فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ يَجُوز لَهُمَا النَّظَر إِلَى ذَلِكَ مِنْهُ ، وَقِيَاسه أَنَّهُ يَجُوز لَهُ النَّظَر .
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ : وَيَدُلّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز النَّظَر لِغَيْرِ مَنْ اُسْتُثْنِيَ ، وَمِنْهُ الرَّجُل لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَة لِلْمَرْأَةِ . وَكَمَا دَلَّ مَفْهُوم الِاسْتِثْنَاء عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْطُوق قَوْله فَإِذَا كَانَ الْقَوْم بَعْضهمْ فِي بَعْض . وَيَدُلّ عَلَى أَنَّ التَّعَرِّيَ فِي الْخَلَاء غَيْر جَائِز مُطْلَقًا .
وَقَدْ اِسْتَدَلَّ الْبُخَارِيّ عَلَى جَوَازه فِي الْغُسْل بِقِصَّةِ مُوسَى وَأَيُّوب .
وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى عَدَم الْجَوَاز مُطْلَقًا حَدِيث اِبْن عُمَر عِنْد التِّرْمِذِيّ بِلَفْظِ قَالَ : رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّي فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقكُمْ إِلَّا عِنْد الْغَائِط وَحِين يُفْضِي الرَّجُل إِلَى أَهْله فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ "
( بَعْضهمْ فِي بَعْض ) : أَيْ مُخْتَلِطُونَ فِيمَا بَيْنهمْ مُجْتَمِعُونَ فِي مَوْضِع وَاحِد وَلَا يَقُومُونَ مِنْ مَوْضِعهمْ فَلَا نَقْدِر عَلَى سَتْر الْعَوْرَة وَعَلَى الْحِجَاب مِنْهُمْ عَلَى الْوَجْه الْأَتَمّ وَالْكَمَال فِي بَعْض الْأَحْيَان لِضِيقِ الْإِزَار أَوْ لِانْحِلَالِهِ لِبَعْضِ الضَّرُورَة ، فَكَيْف نَصْنَع بِسَتْرِ الْعَوْرَة وَكَيْف نُحْجَب مِنْهُمْ
( أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَد فَلَا يَرَيَنَّهَا ) : وَلَفْظ التِّرْمِذِيّ فِي الِاسْتِئْذَان أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَد فَلَا يَرَاهَا . وَلَفْظ اِبْن مَاجَهْ فِي النِّكَاح أَنْ لَا تُرِيهَا أَحَدًا فَلَا تُرِيَنَّهَا . وَفِيهِ دَلِيل عَلَى وُجُوب السَّتْر لِلْعَوْرَةِ لِقَوْلِهِ فَلَا يَرَيَنَّهَا وَلِقَوْلِهِ اِحْفَظْ عَوْرَتك
( أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ )
: بِصِيغَةِ الْمَجْهُول أَيْ فَاسْتُرْ طَاعَةً لَهُ وَطَلَبًا لِمَا يُحِبّهُ مِنْك وَيُرْضِيه ، وَلَيْسَ الْمُرَاد فَاسْتُرْ مِنْهُ إِذْ لَا يُمْكِن الِاسْتِتَار مِنْهُ تَعَالَى ، قَالَهُ السِّنْدِيُّ :
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ : حَسَن . هَذَا آخِر كَلَامه ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الِاخْتِلَاف فِي بَهْز بْن حَكِيم وَجَدَّهُ هُوَ مُعَاوِيَة اِبْن حَيْدَة الْقُشَيْرِيُّ لَهُ صُحْبَة .
تَعْلِيقُ الْحَافِظِ ابْنِ الْقَيِّمِ :
قَالَ الشَّيْخ اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه :
وَقَدْ حَكَى الْحَاكِم الِاتِّفَاق عَلَى تَصْحِيح حَدِيث بَهْز بْن حَكِيم عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَام أَحْمَد وَعَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ وَغَيْرهمَا . وَاللَّهُ أَعْلَم .
----------------
تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 78)
2693 - قَوْلُهُ : ( عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ ) الْعَوْرَاتُ جَمْعُ عَوْرَةٍ وَهِيَ كُلُّ مَا يُسْتَحَى مِنْهُ إِذَا ظَهَرَ وَهِيَ مِنْ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ ، وَمِنْ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ جَمِيعُ جَسَدِهَا إِلَّا الْوَجْهُ وَالْيَدَيْنِ إِلَى الْكُوعَيْنِ ، وَفِي أَخْمَصُهَا خِلَافٌ ، وَمِنْ الْأَمَةِ كَالرَّجُلِ وَمَا يَبْدُو فِي حَالِ الْخِدْمَةِ كَالرَّأْسِ وَالرُّكْبَةِ وَالسَّاعِدِ فَلَيْسَ بِعَوْرَةٍ ، وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِ الصَّلَاةِ وَاجِبٌ وَفِيهِ عِنْدَ الْخَلْوَةِ خِلَافٌ قَالَهُ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ . وَمَعْنَى قَوْلِهِ نَذَرُ : أَيْ نَتْرُكُ ، وَأَمَاتَ الْعَرَبُ مَاضِيَ يَذَرُ وَيَدَعُ إِلَّا مَا جَاءَ فِي قِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : { مَا وَدَعَك } بِالتَّخْفِيفِ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ ، وَالْمَعْنَى أَيُّ عَوْرَةٍ نَسْتُرُهَا وَأَيُّ عَوْرَةٍ نَتْرُكُ سَتْرَهَا
( اِحْفَظْ ) أَيْ اُسْتُرْ وَصُنْ
( عَوْرَتَك ) مَا بَيْنَ سُرَّتِك وَرُكْبَتِك
( إِلَّا مِنْ زَوْجَتِك أَوْ مَا ) أَيْ وَالْأَمَةِ الَّتِي
( مَلَكَتْ يَمِينُك ) وَحَلَّ لَك وَطْؤُهَا وَعَبَّرَ بِالْيَمِينِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَصَافَحُونَ بِهَا عِنْدَ الْعُقُودِ
( فَقَالَ ) أَيْ جَدُّ بَهْزٍ
( الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ بَعْدَ عِدَّةِ أَبْوَابٍ : قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ ، أَيْ مُخْتَلِطُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ مُجْتَمِعُونَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَلَا يَقُومُونَ مِنْ مَوْضِعِهِمْ فَلَا نَقْدِرُ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَعَلَى الْحِجَابِ مِنْهُمْ عَلَى الْوَجْهِ الْأَتَمِّ وَالْكَمَالِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ لِضِيقِ الْإِزَارِ أَوْ لِانْحِلَالِهِ لِبَعْضِ الضَّرُورَةِ ، فَكَيْفَ نَصْنَعُ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَكَيْفَ نَحْجُبُ مِنْهُمْ
( قَالَ إِنْ اِسْتَطَعْت أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ ) كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ قَالَ : " إِنْ اِسْتَطَعْت أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَلَا تَرَيْنَهَا"
( قُلْت فَالرَّجُلُ يَكُونُ خَالِيًا ) أَيْ فِي خَلْوَةٍ ، فَمَا حِكْمَةُ السَّتْرِ حِينَئِذٍ ؟ "
( فَاَللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحَيَا مِنْهُ ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ، أَيْ فَاسْتُرْ طَاعَةً لَهُ وَطَلَبًا لِمَا يُحِبُّهُ مِنْك وَيُرْضِيهِ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ فَاسْتُرْ مِنْهُ ، إِذْ لَا يُمْكِنُ الِاسْتِتَارُ مِنْهُ تَعَالَى قَالَهُ السِّنْدِيُّ . قَالَ الْحَافِظُ : مَفْهُومُ قَوْلِهِ ( إِلَّا مِنْ زَوْجَتِك ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا النَّظَرُ إِلَى ذَلِكَ مِنْهُ وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ ، وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ لِغَيْرِ مَنْ اِسْتَثْنَى ، وَمِنْهُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةُ لِلْمَرْأَةِ ، وَفِيهِ حَدِيثٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ يَعْنِي بِهِ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي فِي بَابِ كَرَاهِيَةِ مُبَاشَرَةِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لِلْمَرْأَةِ ثُمَّ إِنَّ ظَاهِرَ حَدِيثِ بهز يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعَرِّي فِي الْخَلْوَةِ غَيْرُ جَائِزٍ مُطْلَقًا ، لَكِنْ اِسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ ، يَعْنِي الْبُخَارِيَّ عَلَى جَوَازِهِ فِي الْغُسْلِ بِقِصَّةِ مُوسَى وَأَيُّوبَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ عَلَى مَا قَالَ اِبْنُ بَطَّالٍ أَنَّهُمَا مِمَّا أُمِرْنَا بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ ، وَهَذَا إِنَّمَا يَأْتِي عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا . وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ وَجْهَ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَّ الْقِصَّتَيْنِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْ شَيْئًا مِنْهُمَا ، فَدَلَّ عَلَى مُوَافَقَتِهِمَا لِشَرْعِنَا ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ فِيهِمَا شَيْءٌ غَيْرُ مُوَافِقٍ لَبَيَّنَهُ ، فَعَلَى هَذَا فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِحَمْلِ حَدِيثِ بهز بْنِ حَكِيمٍ عَلَى الْأَفْضَلِ ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ فِي التَّرْجَمَةِ أَيْ بِقَوْلِهِ : بَابُ مَنْ اِغْتَسَلَ عُرْيَانًا وَحْدَهُ فِي خَلْوَةٍ وَمَنْ تَسَتَّرَ ، وَالتَّسَتُّرُ أَفْضَلُ .
قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ )
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْحَمَّامِ وَالنَّسَائِيُّ فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَابْنُ مَاجَهْ فِي النِّكَاحِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا .
----------------
مشكل الآثار للطحاوي - (ج 3 / ص 398)
باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ستر العورة
1182 - حدثنا حسين بن نصر ، قال : سمعت يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، قال : قلت : يا رسول الله ، عوراتنا ما نأتي أو ما نذر ؟ قال : « احفظ عورتك إلا من زوجتك أو مما ملكت يمينك » قال : قلت : يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض قال : « فإن استطعت أن لا يراها أحد » قال : قلت : يا رسول الله إذا كان أحدنا خاليا قال : « فالله أحق أن يستحيا منه من الناس » حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : حدثنا عثمان بن عمر بن فارس ، قال : أخبرنا بهز بن حكيم ، فذكر بإسناده مثله ، غير أنه قال : « فالله عز وجل أحق أن يستحيا منه من الناس » قال أبو جعفر : ففي هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحظر على الرجال ستر عوراتهم من أزواجهم ولا مما ملكت أيمانهم
1183 - وقد حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، قال : ثنا سفيان ، قال : حدثنا منصور بن المعتمر ، عن موسى قال أبو جعفر : وهو ابن عبد الله بن يزيد الأنصاري ثم الخطمي عن مولاة لعائشة عن عائشة ، رضي الله عنها قالت : « ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط » قال أبو جعفر : فكان في هذا الحديث ما ذكرناه عنها فيه ، وذلك عندنا ، والله أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان في سنته أن هذا غير محظور عليه تركه واستعمل سنن نفسه منه ، وذلك لما أعلى الله من منزلته ورفع من قدره ، وجعل رتبته الرتبة المتجاوزة لرتب سائر خلقه سواه ، فكان فيما فعل من ذلك من الستر على ما يكون عليه من هذه منزلته ، وكان من سواه من الناس على حكم سنته المذكورة في حديث بهز بن حكيم عن أبيه ، عن جده عنه . فقال قائل : كيف تقبلون هذا عن عائشة وأنتم تروون وعندكم عنها ما يخالف ذلك وذكر
1184 - ما قد حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا إبراهيم بن يحيى بن محمد بن عباد الشجري ، قال : حدثني يحيى بن محمد بن عباد ، قال : حدثني ابن إسحاق ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة قالت : « قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي ، فأتاه فقرع عليه الباب ، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عريانا ، والله ما رأيته عريانا قبله فقبله واعتنقه » فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أن حديث عروة هذا عن عائشة غير مخالف لحديث مولاتها عنها الذي ذكرناه ؛ لأن الذي في هذا إخبارها أنها رأته عريانا ، وقد يكون ذلك منه عريا ليس فيه انكشاف عورة وأطلقت عليه فيه العري ؛ لأن أكثر بدنه كان كذلك . والدليل على هذا التأويل أن الذي في هذا الحديث من قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان ليلقى رجلا لا يصلح له أن يلقاه مكشوف العورة ، فكان في ذلك ما قد دل على أن العري الذي لقيه عليه لم يكن فيه انكشاف عورة له وعاد بذلك ما رأته عائشة منه حينئذ إلى ما يصلح أن يراه ذلك الرجل من بدنه . وفي ذلك ما قد دل أنها لم تر له حينئذ عورة ، وفي ذلك إثبات ما روته مولاة عائشة عن عائشة مما قد رويناه عنها في هذا الكتاب ، والله نسأله التوفيق
----------------
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 3 / ص 373)
وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ مَعَ الْمَرْأَةِ وَكَذَلِكَ مَحَارِمُ الْمَرْأَةِ : مِثْلُ ابْنِ زَوْجِهَا وَابْنِهِ وَابْنِ أَخِيهَا وَابْنِ أُخْتِهَا وَمَمْلُوكِهَا عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُهُ مَحْرَمًا : مَتَى كَانَ يَخَافُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةَ أَوْ عَلَيْهَا تَوَجَّهَ الِاحْتِجَابُ بَلْ وَجَبَ . وَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالِاحْتِجَابِ فِيهَا مَظِنَّةُ الْفِتْنَةِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : { ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ } فَقَدْ تَحْصُلُ الزَّكَاةُ وَالطَّهَارَةُ بِدُونِ ذَلِكَ لَكِنَّ هَذَا أَزْكَى وَإِذَا كَانَ النَّظَرُ وَالْبُرُوزُ قَدْ انْتَفَى فِيهِ الزَّكَاةُ وَالطَّهَارَةُ لِمَا يُوجَدُ فِي ذَلِكَ مِنْ شَهْوَةِ الْقَلْبِ وَاللَّذَّةِ بِالنَّظَرِ كَانَ تَرْكُ النَّظَرِ وَالِاحْتِجَابُ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ وَلَا زَكَاةَ بِدُونِ حِفْظِ الْفَرْجِ مِنْ الْفَاحِشَةِ ؛ لِأَنَّ حِفْظَهُ يَتَضَمَّنُ حِفْظَهُ عَنْ الْوَطْءِ بِهِ فِي الْفُرُوجِ وَالْأَدْبَارِ وَدُونَ ذَلِكَ وَعَنْ الْمُبَاشَرَةِ وَمَسِّ الْغَيْرِ لَهُ وَكَشْفِهِ لِلْغَيْرِ وَنَظَرِ الْغَيْرِ إلَيْهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحْفَظَ فَرْجَهُ عَنْ نَظَرِ الْغَيْرِ وَمَسِّهِ . وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ { بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ لَمَّا قَالَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ فَقَالَ : احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ زَوْجَتِك أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُك قَالَ : فَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضَهُمْ فِي بَعْضٍ ؟ قَالَ : إنْ اسْتَطَعْت أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا قَالَ : فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا ؟ قَالَ : فَاَللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحَيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ } وَقَدْ { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُبَاشِرَ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فِي شِعَارٍ وَاحِدٍ وَأَنْ يُبَاشِرَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي شِعَارٍ وَاحِدٍ } و { نَهَى عَنْ الْمَشْيِ عُرَاةً } { وَنَهَى عَنْ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَأَنْ تَنْظُرَ الْمَرْأَةُ إلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ } وَقَالَ : { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَدْخُلُ الْحَمَّامَ إلَّا بِمِئْزَرِ } وَفِي رِوَايَةٍ : { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ مِنْ إنَاثِ أُمَّتِي فَلَا تَدْخُلُ الْحَمَّامَ إلَّا بِمِئْزَرِ } . وَقَالَ الْعُلَمَاءُ : يُرَخَّصُ لِلنِّسَاءِ فِي الْحَمَّامِ عِنْدَ الْحَاجَةِ كَمَا يُرَخَّصُ لِلرِّجَالِ مَعَ غَضِّ الْبَصَرِ وَحِفْظِ الْفَرْجِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ أَوْ عَلَيْهَا غُسْلٌ لَا يُمْكِنُهَا إلَّا فِي الْحَمَّامِ . وَأَمَّا إذَا اعْتَادَتْ الْحَمَّامَ وَشَقَّ عَلَيْهَا تَرْكُهُ فَهَلْ يُبَاحُ لَهَا عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ : أَحَدُهُمَا لَا يُبَاحُ وَالثَّانِي يُبَاحُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ .
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 4 / ص 217)
فَصْلٌ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } { إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ زَوْجَتِك أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُك } وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّ مَا حُرِّمَ وَطْؤُهُ بِالنِّكَاحِ حُرِّمَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَلَا يَحِلُّ التَّسَرِّي بِذَوَاتِ مَحَارِمِهِ وَلَا وَطْءُ السَّرِيَّةِ فِي الْإِحْرَامِ وَالصِّيَامِ وَالْحَيْضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُحَرِّمُ وَطْءَ الزَّوْجَةِ فِيهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى . وَأَمَّا الِاسْتِبْرَاءُ فَلَمْ تَأْتِ بِهِ السُّنَّةُ مُطْلَقًا فِي كُلِّ مَمْلُوكَةٍ بَلْ قَدْ { نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسْقِيَ الرَّجُلُ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ } { وَقَالَ فِي سَبَايَا أوطاس : لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ } وَهَذَا كَانَ فِي رَقِيقِ سَبْيٍ وَلَمْ يَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ فِيمَا مَلَكَ بِإِرْثٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ . فَالْوَاجِبُ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ تُوطَأُ الْمَمْلُوكَةُ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا حَتَّى تُسْتَبْرَأَ ؛ لِئَلَّا يُسْقِيَ الرَّجُلُ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ . وَأَمَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا لَمْ يَكُنْ سَيِّدُهَا يَطَؤُهَا : إمَّا لِكَوْنِهَا بِكْرًا ؛ أَوْ لِكَوْنِ السَّيِّدِ امْرَأَةً أَوْ صَغِيرًا ؛ أَوْ قَالَ وَهُوَ صَادِقٌ : إنِّي لَمْ أَكُنْ أَطَؤُهَا لَمْ يَكُنْ لِتَحْرِيمِ هَذِهِ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ وَجْهٌ لَا مِنْ نَصٍّ وَلَا مِنْ قِيَاسٍ .
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 4 / ص 447)
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا مَسَّ يَدَ الصَّبِيِّ الْأَمْرَدِ : فَهَلْ هُوَ مَنْ جِنْسِ النِّسَاءِ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ ؟ وَمَا جَاءَ فِي تَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَى وَجْهِ الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ ؟ وَهَلْ هَذَا الَّذِي يَقُولُهُ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ لِلشَّرِيعَةِ : إنَّ النَّظَرَ إلَى وَجْهِ الصَّبِيِّ الْأَمْرَدِ عِبَادَةٌ وَإِذَا قَالَ لَهُمْ : أَحَدٌ هَذَا النَّظَرُ حَرَامٌ يَقُولُ : أَنَا إذَا نَظَرْت إلَى هَذَا أَقُولُ : سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَهُ لَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ ؟ .
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ . إذَا مَسَّ الْأَمْرَدَ لِشَهْوَةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ . أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ كَمَسِّ النِّسَاءِ لِشَهْوَةِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ . وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي شَرْحِ الْمَذْهَبِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ . وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ فَإِنَّ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ يُفْسِدُ الْعِبَادَاتِ الَّتِي تَفْسُدُ بِالْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ : كَالصِّيَامِ وَالْإِحْرَامِ وَالِاعْتِكَافِ وَيُوجِبُ الْغُسْلَ كَمَا يُوجِبُهُ هَذَا فَتَكُونُ مُقَدِّمَاتُ هَذَا فِي بَاب الْعِبَادَاتِ كَمُقَدِّمَاتِ هَذَا . فَلَوْ مَسَّ الْأَمْرَدَ لِشَهْوَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَعَلَيْهِ دَمٌ كَمَا لَوْ مَسَّ أَجْنَبِيَّةً لِشَهْوَةِ . وَكَذَلِكَ إذَا مَسَّهُ لِشَهْوَةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَمَا لَوْ مَسَّ الْمَرْأَةَ لِشَهْوَةِ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ . وَاَلَّذِي لَمْ يَنْقُضْ الْوُضُوءَ بِمَسِّهِ يَقُولُ : إنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ مَحَلًّا لِذَلِكَ فَيُقَالُ لَهُ : لَا رَيْبَ أَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ لِذَلِكَ وَأَنَّ الْفَاحِشَةَ اللُّوطِيَّةَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُحَرَّمَاتِ لَكِنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَمْ يُعْتَبَرْ فِي بَابِ الْوَطْءِ ؛ فَإِنْ وَطِئَ فِي الدُّبُرِ تَعَلَّقَ بِهِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَإِنْ كَانَ الدُّبُرُ لَمْ يُخْلَقْ مَحَلًّا لِلْوَطْءِ مَعَ أَنَّ نُفْرَةَ الطِّبَاعِ عَنْ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ أَعْظَمُ مَنْ نُفْرَتِهَا عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَنَقْضُ الْوُضُوءِ بِالْمَسِّ يُرَاعَى فِيهِ حَقِيقَةُ الْحِكْمَةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَسُّ لِشَهْوَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ : كَمَالِكِ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا كَمَا يُرَاعَى مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْإِحْرَامِ وَالِاعْتِكَافِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَحَيْثُ وُجِدَ اللَّمْسُ لِشَهْوَةِ تَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْمُ حَتَّى لَوْ مَسَّ أُمَّهُ وَأُخْتَه وَبِنْتَه لِشَهْوَةِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ : فَكَذَلِكَ الْأَمْرَدُ . وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَد فِي رِوَايَةٍ فَيَعْتَبِرُ الْمَظِنَّةَ وَهُوَ : أَنَّ النِّسَاءَ مَظِنَّةُ الشَّهْوَةِ فَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ سَوَاءٌ بِشَهْوَةِ أَوْ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَلِهَذَا لَا يَنْقُضُ لَمْسُ الْمَحَارِمِ لَكِنْ لَوْ لَمَسَ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ لِشَهْوَةِ فَقَدْ وُجِدَتْ حَقِيقَةُ الْحِكْمَةِ ؛ وَكَذَلِكَ إذَا مَسَّ الْأَمْرَدَ لِشَهْوَةِ . وَالتَّلَذُّذُ بِمَسِّ الْأَمْرَدِ كَمُصَافَحَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ : حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا يَحْرُمُ التَّلَذُّذُ بِمَسِّ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ وَالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ بَلْ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ التَّلَذُّذِ بِالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ كَمَا أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أَنَّ عُقُوبَةَ اللُّوطِيِّ أَعْظَمُ مِنْ عُقُوبَةِ الزِّنَا بِالْأَجْنَبِيَّةِ فَيَجِبُ قَتْلُ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ أَحَدُهُمَا مُحْصَنًا أَوْ لَمْ يَكُنْ وَسَوَاءٌ كَانَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا لِلْآخَرِ أَوْ لَمْ يَكُنْ كَمَا جَاءَ ذَلِكَ فِي السُّنَنِ عَنْ النَّبِيِّ وَعَمِلَ بِهِ أَصْحَابُهُ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ يُعْرَفُ بَيْنَهُمْ وَقَتْلُهُ بِالرَّجْمِ كَمَا قَتَلَ اللَّهُ قَوْمَ لُوطٍ بِالرَّجْمِ وَبِذَلِكَ جَاءَتْ الشَّرِيعَةُ فِي قَتْلِ الزَّانِي : أَنَّهُ يُرْجَمُ فَرَجَمَ النَّبِيُّ مَاعِزَ بْنَ مَالِكٍ والغامدية واليهوديين ؛ وَالْمَرْأَةَ الَّتِي أَرْسَلَ إلَيْهَا أنيسا وَقَالَ : { اذْهَبْ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا } فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا . وَالنَّظَرُ إلَى وَجْهِ الْأَمْرَدِ لِشَهْوَةِ كَالنَّظَرِ إلَى وَجْهِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ وَالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِالشَّهْوَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الشَّهْوَةُ شَهْوَةَ الْوَطْءِ أَوْ شَهْوَةَ التَّلَذُّذِ بِالنَّظَرِ فَلَوْ نَظَرَ إلَى أُمِّهِ وَأُخْتِهِ وَابْنَتِهِ يَتَلَذَّذُ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا كَمَا يَتَلَذَّذُ بِالنَّظَرِ إلَى وَجْهِ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ : كَانَ مَعْلُومًا لِكُلِّ أَحَدٍ أَنَّ هَذَا حَرَامٌ فَكَذَلِكَ النَّظَرُ إلَى وَجْهِ الْأَمْرَدِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ . وَقَوْلُ الْقَائِلِ : إنَّ النَّظَرَ إلَى وَجْهِ الْأَمْرَدِ عِبَادَةٌ كَقَوْلِهِ : إنَّ النَّظَرَ إلَى وُجُوهِ النِّسَاءِ أَوْ النَّظَرِ إلَى وُجُوهِ مَحَارِمِ الرَّجُلِ - كَبِنْتِ الرَّجُلِ وَأُمِّهِ وَأُخْتِهِ - عِبَادَةٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ جَعَلَ هَذَا النَّظَرَ الْمُحَرَّمَ عِبَادَةً كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ جَعَلَ الْفَوَاحِشَ عِبَادَةً قَالَ تَعَالَى { وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي صُوَرِ النِّسَاءِ الْأَجْنَبِيَّاتِ وَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ مِنْ الِاعْتِبَارِ وَالدِّلَالَةِ عَلَى الْخَالِقِ مَنْ جِنْسِ مَا فِي صُورَةِ الْمُرْدِ : فَهَلْ يَقُولُ مُسْلِمٌ : إنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَنْظُرَ بِهَذَا الْوَجْهِ إلَى صُوَرِ نِسَاءِ الْعَالَمِ وَصُوَرِ مَحَارِمِهِ وَيَقُولُ : إنَّ ذَلِكَ عِبَادَةٌ ؟ بَلْ مَنْ جَعَلَ مِثْلَ هَذَا النَّظَرَ عِبَادَةً فَإِنَّهُ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ يَجِبُ أَنْ يُسْتَتَابَ ؛ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ جَعَلَ إعَانَةَ طَالِبِ الْفَوَاحِشِ عِبَادَةً ؛ أَوْ جَعَلَ تَنَاوُلَ يَسِيرِ الْخَمْرِ عِبَادَةً ؛ أَوْ جَعَلَ السُّكْرَ بِالْحَشِيشَةِ عِبَادَةً . فَمَنْ جَعَلَ الْمُعَاوَنَةَ عَلَى الْفَاحِشَةِ بِقِيَادَةِ أَوْ غَيْرِهَا عِبَادَةً أَوْ جَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي يَعْلَمُ تَحْرِيمَهَا مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ عِبَادَةً : فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ ؛ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَهُوَ مُضَاهٍ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ { وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } وَفَاحِشَةُ أُولَئِكَ إنَّمَا كَانَتْ طَوَافَهُمْ بِالْبَيْتِ عُرَاةً وَكَانُوا يَقُولُونَ : لَا نَطُوفُ فِي الثِّيَابِ الَّتِي عَصَيْنَا اللَّهَ فِيهَا فَهَؤُلَاءِ إنَّمَا كَانُوا يَطُوفُونَ عُرَاةً عَلَى وَجْهِ اجْتِنَابِ ثِيَابِ الْمَعْصِيَةِ وَقَدْ ذُكِرَ عَنْهُمْ مَا ذُكِرَ فَكَيْفَ بِمَنْ يَجْعَلُ جِنْسَ الْفَاحِشَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالشَّهْوَةِ عِبَادَةً ؟ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ أَمَرَ فِي كِتَابِهِ بِغَضِّ الْبَصَرِ وَهُوَ نَوْعَانِ : غَضُّ الْبَصَرِ عَنْ الْعَوْرَةِ وَغَضُّهَا عَنْ مَحَلِّ الشَّهْوَةِ . فَالْأَوَّلُ كَغَضِّ الرَّجُلِ بَصَرَهُ عَنْ عَوْرَةِ غَيْرِهِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ { : لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلَا تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ } وَيَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ { لمعاوية بْنِ حَيْدَةَ : احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ زَوْجَتِك أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُك قُلْت : فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا مَعَ قَوْمِهِ ؟ قَالَ : إنْ اسْتَطَعْت أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا قُلْت : فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا ؟ قَالَ : فَاَللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحَيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ } . وَيَجُوزُ [ أَنْ ] يَكْشِفَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ كَمَا يَكْشِفُ عِنْدَ التَّخَلِّي وَكَذَلِكَ إذَا اغْتَسَلَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ بِجَنْبِ مَا يَسْتُرُهُ فَلَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ عريانا كَمَا اغْتَسَلَ مُوسَى عريانا وَأَيُّوبُ وَكَمَا فِي اغْتِسَالِهِ يَوْمَ الْفَتْحِ وَاغْتِسَالِهِ فِي حَدِيث مَيْمُونَةَ . وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ النَّظَرِ : كَالنَّظَرِ إلَى الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ فَهَذَا أَشَدُّ مِنْ الْأَوَّلِ كَمَا أَنَّ الْخَمْرَ أَشَدُّ مِنْ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَعَلَى صَاحِبِهَا الْحَدُّ . وَتِلْكَ الْمُحَرَّمَاتُ إذَا تَنَاوَلَهَا غَيْرُ مُسْتَحِلٍّ لَهَا كَانَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ لَا تَشْتَهِيهَا النُّفُوسُ كَمَا تَشْتَهِي الْخَمْرَ وَكَذَلِكَ النَّظَرُ إلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ لَا يُشْتَهَى كَمَا يُشْتَهَى النَّظَرُ إلَى النِّسَاءِ وَنَحْوِهِنَّ ؛ وَكَذَلِكَ النَّظَرُ إلَى الْأَمْرَدِ بِشَهْوَةِ هُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ وَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ لِشَهْوَةِ وَالْخَالِقُ سُبْحَانَهُ يُسَبَّحُ عِنْدَ رُؤْيَةِ مَخْلُوقَاتِهِ كُلِّهَا وَلَيْسَ خَلْقُ الْأَمْرَدِ بِأَعْجَبَ فِي قُدْرَتِهِ مَنْ خَلْقِ ذِي اللِّحْيَةِ وَلَا خَلْقُ النِّسَاءِ بِأَعْجَبَ فِي قُدْرَتِهِ مَنْ خَلْقِ الرِّجَالِ ؛ بَلْ تَخْصِيصُ الْإِنْسَانِ التَّسْبِيحَ بِحَالِ نَظَرِهِ إلَى الْأَمْرَدِ دُونَ غَيْرِهِ : كَتَخْصِيصِهِ التَّسْبِيحَ بِنَظَرِهِ إلَى الْمَرْأَةِ دُونَ الرَّجُلِ وَمَا ذَاكَ لِأَنَّهُ دَلَّ عَلَى عَظَمَةِ الْخَالِقِ عِنْدَهُ وَلَكِنْ لِأَنَّ الْجَمَالَ يُغَيِّرُ قَلْبَهُ وَعَقْلَهُ وَقَدْ يُذْهِلُهُ مَا رَآهُ فَيَكُونُ تَسْبِيحُهُ بِمَا يَحْصُلُ فِي نَفْسِهِ مِنْ الْهَوَى . كَمَا أَنَّ النِّسْوَةَ لَمَّا رَأَيْنَ يُوسُفَ { أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إنْ هَذَا إلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ } . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ } وَإِذَا كَانَ اللَّهُ لَا يَنْظُرُ إلَى الصُّوَرِ وَالْأَمْوَالِ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إلَى الْقُلُوبِ وَالْأَعْمَالِ : فَكَيْفَ يُفَضَّلُ الشَّخْصُ بِمَا لَمْ يُفَضِّلْهُ اللَّهُ بِهِ ؟ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } وَقَالَ فِي الْمُنَافِقِينَ : { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } فَإِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ تُعْجِبُ النَّاظِرَ أَجْسَامُهُمْ لِمَا فِيهِمْ مِنْ الْبَهَاءِ وَالرِّوَاءِ وَالزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ - وَلَيْسُوا مِمَّنْ يُنْظَرُ إلَيْهِ لِشَهْوَةِ - قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَا ذَكَرَ : فَكَيْفَ بِمَنْ يُنْظَرُ إلَيْهِ لِشَهْوَةِ ؟ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُنْظَرُ إلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى ؛ وَهُنَا الِاعْتِبَارُ بِقَلْبِهِ وَعَمَلِهِ لَا بِصُورَتِهِ وَقَدْ يُنْظَرُ إلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الصُّورَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُصَوِّرِ فَهَذَا حَسَنٌ . وَقَدْ يُنْظَرُ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ اسْتِحْسَانِ خَلْقِهِ كَمَا يُنْظَرُ إلَى الْجَبَلِ وَالْبَهَائِمِ وَكَمَا يُنْظَرُ إلَى الْأَشْجَارِ : فَهَذَا أَيْضًا إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ اسْتِحْسَانِ الدُّنْيَا وَالرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ فَهُوَ مَذْمُومٌ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } وَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى وَجْهٍ لَا يُنْقِصُ الدِّينَ وَإِنَّمَا فِيهِ رَاحَةُ النَّفْسِ فَقَطْ - كَالنَّظَرِ إلَى الْأَزْهَارِ - فَهَذَا مِنْ الْبَاطِلِ الَّذِي يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى الْحَقِّ . وَكُلُّ قِسْمٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ مَتَى كَانَ مَعَهُ شَهْوَةٌ كَانَ حَرَامًا بِلَا رَيْبٍ سَوَاءٌ كَانَتْ شَهْوَةَ تَمَتُّعٍ بِنَظَرِ الشَّهْوَةِ أَوْ كَانَ نَظَرًا بِشَهْوَةِ الْوَطْءِ وَفَرْقٌ بَيْنَ مَا يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ عِنْدَ نَظَرِهِ الْأَشْجَارَ وَالْأَزْهَارَ وَمَا يَجِدُهُ عِنْدَ نَظَرِهِ النسوان والمردان ؛ فَلِهَذَا الْفَرْقَانِ افْتَرَقَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ فَصَارَ النَّظَرُ إلَى الْمُرْدِ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا : مَا يُقْرَنُ بِهِ الشَّهْوَةُ فَهُوَ حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ . وَالثَّانِي : مَا يُجْزَمُ أَنَّهُ لَا شَهْوَةَ مَعَهُ : كَنَظَرِ الرَّجُلِ الْوَرِعِ إلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ وَابْنَتِهِ الْحَسَنَةِ وَأُمِّهِ ؛ فَهَذَا لَا يُقْرَنُ بِهِ شَهْوَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مَنْ أَفْجَرِ النَّاسِ وَمَتَى اقْتَرَنَتْ بِهِ الشَّهْوَةُ حَرُمَ . وَعَلَى هَذَا مَنْ لَا يَمِيلُ قَلْبُهُ إلَى الْمُرْدِ - كَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ ؛ وَكَالْأُمَمِ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ هَذِهِ الْفَاحِشَةَ ؛ فَإِنَّ الْوَاحِدَ مِنْ هَؤُلَاءِ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذَا الْوَجْهِ وَبَيْنَ نَظَرِهِ إلَى ابْنِهِ وَابْنِ جَارِهِ وَصَبِيٍّ أَجْنَبِيٍّ وَلَا يَخْطُرُ بِقَلْبِهِ شَيْءٌ مِنْ الشَّهْوَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَدْ ذَلِكَ وَهُوَ سَلِيمُ الْقَلْبِ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ وَقَدْ كَانَتْ الْإِمَاءُ عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ يَمْشِينَ فِي الطُّرُقَاتِ وَهُنَّ مُتَكَشِّفَاتِ الرُّءُوسِ وَتَخْدِمُ الرِّجَالَ مَعَ سَلَامَةِ الْقُلُوبِ فَلَوْ أَرَادَ الرِّجَالُ أَنْ يَتْرُكَ الْإِمَاءَ التُّرْكِيَّاتِ الْحِسَانَ يَمْشِينَ بَيْنَ النَّاسِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ وَالْأَوْقَاتِ كَمَا كَانَ أُولَئِكَ الْإِمَاءُ يَمْشِينَ : كَانَ هَذَا مِنْ بَابِ الْفَسَادِ . وَكَذَلِكَ الْمُرْدُ الْحِسَانُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَخْرُجُوا فِي الْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ الَّتِي يُخَافُ فِيهَا الْفِتْنَةُ بِهِمْ إلَّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَلَا يُمَكَّنُ الْأَمْرَدُ الْحَسَنُ مِنْ التَّبَرُّجِ وَلَا مِنْ الْجُلُوسِ فِي الْحَمَّامِ بَيْنَ الْأَجَانِبِ وَلَا مِنْ رَقْصِهِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ فِتْنَةٌ لِلنَّاسِ وَالنَّظَرُ إلَيْهِ : كَذَلِكَ . وَإِنَّمَا وَقَعَ النِّزَاعُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ النَّظَرِ وَهُوَ : النَّظَرُ إلَيْهِ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ لَكِنْ مَعَ خَوْفِ ثَوَرَانِهَا ؟ فِيهِ وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد : أَصَحُّهُمَا - وَهُوَ الْمَحْكِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ . وَالثَّانِي : يَجُوزُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ثَوَرَانِهَا فَلَا يَحْرُمُ بِالشَّكِّ بَلْ قَدْ يُكْرَهُ . وَالْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ كَمَا أَنَّ الرَّاجِحَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد أَنَّ النَّظَرَ إلَى وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَتْ الشَّهْوَةُ مُنْتَفِيَةً لَكِنْ لِأَنَّهُ يَخَافُ ثَوَرَانَهَا ؛ وَلِهَذَا حَرُمَتْ الْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ الْفِتْنَةِ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ سَبَبًا لِلْفِتْنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ؛ فَإِنَّ الذَّرِيعَةَ إلَى الْفَسَادِ يَجِبُ سَدُّهَا إذَا لَمْ يُعَارِضْهَا مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ ؛ وَلِهَذَا كَانَ النَّظَرُ الَّذِي يُفْضِي إلَى الْفِتْنَةِ مُحَرَّمًا إلَّا إذَا كَانَ لِمَصْلَحَةِ رَاجِحَةٍ مِثْلَ نَظَرِ الْخَاطِبِ وَالطَّبِيبِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّهُ يُبَاحُ النَّظَرُ لِلْحَاجَةِ لَكِنْ مَعَ عَدَمِ الشَّهْوَةِ . وَأَمَّا النَّظَرُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ إلَى مَحَلِّ الْفِتْنَةِ فَلَا يَجُوزُ . وَمَنْ كَرَّرَ النَّظَرَ إلَى الْأَمْرَدِ وَنَحْوِهِ أَوْ أَدَامَهُ وَقَالَ : إنِّي لَا أَنْظُرُ لِشَهْوَةِ : كَذَبَ فِي ذَلِكَ ؛ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ دَاعٍ يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى النَّظَرِ لَمْ يَكُنْ النَّظَرُ إلَّا لِمَا يَحْصُلُ فِي الْقَلْبِ مِنْ اللَّذَّةِ بِذَلِكَ وَأَمَّا نَظْرَةُ الْفَجْأَةِ فَهِيَ عَفْوٌ إذَا صَرَفَ بَصَرَهُ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ { عَنْ جَرِيرٍ قَالَ : سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ عَنْ نَظْرَةِ الْفَجْأَةِ فَقَالَ : اصْرِفْ بَصَرَك } وَفِي السُّنَنِ أَنَّهُ { قَالَ لِعَلِيِّ : يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّمَا لَك الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَك الثَّانِيَةُ } . وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي الْمَسْنَدِ وَغَيْرِهِ : { النَّظَرُ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إبْلِيسَ } وَفِيهِ : { مَنْ نَظَرَ إلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ ثُمَّ غَضَّ بَصَرَهُ عَنْهَا أَوْرَثَ اللَّهُ قَلْبَهُ حَلَاوَةَ عِبَادَةٍ يَجِدُهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } - أَوْ كَمَا قَالَ - وَلِهَذَا يُقَالُ : إنَّ غَضَّ الْبَصَرِ عَنْ الصُّورَةِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ النَّظَرِ إلَيْهَا - كَالْمَرْأَةِ وَالْأَمْرَدِ الْحَسَنِ - يُورِثُ ذَلِكَ ثَلَاثَ فَوَائِدَ جَلِيلَةَ الْقَدْرِ : إحْدَاهَا : حَلَاوَةُ الْإِيمَانِ وَلَذَّتُهُ الَّتِي هِيَ أَحْلَى وَأَطْيَبُ مَا تَرَكَهُ لِلَّهِ فَإِنَّ مَنْ تَرَكَ شَيْئًا لِلَّهِ عَوَّضَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ وَالنَّفْسُ تُحِبُّ النَّظَرَ إلَى هَذِهِ الصُّوَرِ لَا سِيَّمَا نُفُوسُ أَهْلِ الرِّيَاضَةِ وَالصَّفَا فَإِنَّهُ يَبْقَى فِيهَا رِقَّةٌ تُجْتَذَبُ بِسَبَبِهَا إلَى الصُّوَرِ حَتَّى تَبْقَى تَجْذِبُ أَحَدَهُمْ وَتَصْرَعُهُ كَمَا يَصْرَعُهُ السَّبُعُ ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ : مَا أَنَا عَلَى الشَّابِّ التَّائِبِ مِنْ سَبُعٍ يَجْلِسُ إلَيْهِ بِأَخْوَفَ عَلَيْهِ مِنْ حَدَثٍ جَمِيلٍ يَجْلِسُ إلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : اتَّقُوا النَّظَرَ إلَى أَوْلَادِ الْمُلُوكِ فَإِنَّ لَهُمْ فِتْنَةً كَفِتْنَةِ الْعَذَارَى . وَمَا زَالَ أَئِمَّةُ الْعِلْمِ وَالدِّينِ - كَشُيُوخِ الْهُدَى وَشُيُوخِ الطَّرِيقِ - يُوصُونَ بِتَرْكِ صُحْبَةِ الْأَحْدَاثِ حَتَّى يُرْوَى عَنْ فَتْحٍ الموصلي أَنَّهُ قَالَ : صَحِبْت ثَلَاثِينَ مِنْ الْأَبْدَالِ كُلُّهُمْ يُوصِينِي عِنْدَ فِرَاقِهِ بِتَرْكِ صُحْبَةِ الْأَحْدَاثِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَا سَقَطَ عَبْدٌ مِنْ عَيْنِ اللَّهِ إلَّا بِصُحْبَةِ هَؤُلَاءِ الْأَنَّتَانِ . ثُمَّ النَّظَرُ يُؤَكِّدُ الْمَحَبَّةَ فَيَكُونُ عِلَاقَةً لِتَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِالْمَحْبُوبِ ؛ ثُمَّ صَبَابَةً لِانْصِبَابِ الْقَلْبِ إلَيْهِ ؛ ثُمَّ غَرَامًا لِلُزُومِهِ لِلْقَلْبِ كَالْغَرِيمِ الْمُلَازِمِ لِغَرِيمِهِ ؛ ثُمَّ عِشْقًا إلَى أَنْ يَصِيرَ تتيما وَالْمُتَيَّمُ الْمُعَبَّدُ وَتَيَّمَ اللَّهُ عَبْدَ اللَّهِ فَيَبْقَى الْقَلْبُ عَبْدًا لِمَنْ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ أَخًا بَلْ وَلَا خَادِمًا وَهَذَا إنَّمَا يُبْتَلَى بِهِ أَهْلُ الْأَعْرَاضِ عَنْ الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ يُوسُفَ : { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } فَامْرَأَةُ الْعَزِيزِ كَانَتْ مُشْرِكَةً فَوَقَعَتْ مَعَ تَزَوُّجِهَا فِيمَا وَقَعَتْ فِيهِ مِنْ السُّوءِ وَيُوسُفُ مَعَ عُزُوبَتِهِ وَمُرَاوَدَتِهَا لَهُ وَاسْتِعَانَتِهَا عَلَيْهِ بِالنِّسْوَةِ وَعُقُوبَتِهَا لَهُ بِالْحَبْسِ عَلَى الْعِفَّةِ : عَصَمَهُ اللَّهُ بِإِخْلَاصِهِ لِلَّهِ ؛ تَحْقِيقًا لِقَوْلِهِ : { لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } { إلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } قَالَ تَعَالَى : { إنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ } وَالْغَيُّ هُوَ اتِّبَاعُ الْهَوَى . وَهَذَا الْبَابُ مِنْ أَعْظَمِ أَبْوَابِ اتِّبَاعِ الْهَوَى . وَمَنْ أَمَرَ بِعِشْقِ الصُّوَرِ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ كَابْنِ سِينَا وَذَوِيهِ أَوْ مِنْ الْفُرْسِ كَمَا يُذْكَرُ عَنْ بَعْضِهِمْ ؛ أَوْ مِنْ جُهَّالِ الْمُتَصَوِّفَةِ : فَإِنَّهُمْ أَهْلُ ضَلَالٍ وَغَيٍّ فَهُمْ مَعَ مُشَارَكَةِ الْيَهُودِ فِي الْغَيِّ وَالنَّصَارَى فِي الضَّلَالِ زَادُوا عَلَى الْأُمَّتَيْنِ فِي ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ هَذَا وَإِنْ ظُنَّ أَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِلْعَاشِقِ كَتَطْلِيقِ نَفْسِهِ وَتَهْذِيبِ أَخْلَاقِهِ وَلِلْمَعْشُوقِ مِنْ الشِّفَاءِ فِي مَصَالِحِهِ وَتَعْلِيمِهِ وَتَأْدِيبِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ : فَمَضَرَّةُ ذَلِكَ أَضْعَافُ مَنْفَعَتِهِ . وَأَيْنَ إثْمُ ذَلِكَ مِنْ مَنْفَعَتِهِ ؟ وَإِنَّمَا هَذَا كَمَا يُقَالُ : إنَّ فِي الزِّنَا مَنْفَعَةً لِكُلِّ مِنْهُمَا بِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ التَّلَذُّذِ وَالسُّرُورِ وَيَحْصُلُ لَهَا مِنْ الْجُعْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَمَا يُقَالُ : إنَّ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ مَنَافِعُ بَدَنِيَّةٌ وَنَفْسِيَّةٌ . وَقَدْ قَالَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ : { قُلْ فِيهِمَا إثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا } وَهَذَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ دَعْ مَا قَالَهُ عِنْدَ التَّحْرِيمِ وَبَعْدَهُ . وَبَابُ التَّعَلُّقِ بِالصُّوَرِ هُوَ مِنْ جِنْسِ الْفَوَاحِشِ وَبَاطِنُهُ مِنْ بَاطِنِ الْفَوَاحِشِ وَهُوَ مِنْ بَاطِنِ الْإِثْمِ قَالَ تَعَالَى : { وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ } وَقَالَ تَعَالَى : { قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } وَقَدْ قَالَ : { وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } . وَلَيْسَ بَيْنَ أَئِمَّةِ الدِّينِ نِزَاعٌ فِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُسْتَحَبِّ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبِ فَمَنْ جَعَلَهُ مَمْدُوحًا وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَدْ خَرَجَ مِنْ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ؛ بَلْ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ؛ بَلْ وَعَمَّا عَلَيْهِ عُقَلَاءُ بَنِي آدَمَ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ وَهُوَ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى } { فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } وَقَالَ تَعَالَى { وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } . وَأَمَّا مَنْ نَظَرَ إلَى الْمُرْدِ ظَانًّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى الْجَمَالِ الْإِلَهِيِّ وَجَعَلَ هَذَا طَرِيقًا لَهُ إلَى اللَّهِ - كَمَا يَفْعَلُهُ طَوَائِفُ مِنْ الْمُدَّعِينَ لِلْمَعْرِفَةِ - فَقَوْلُهُ هَذَا أَعْظَمُ كُفْرًا مِنْ قَوْلِ عُبَّادِ الْأَصْنَامِ وَمِنْ كُفْرِ قَوْمِ لُوطٍ فَهَؤُلَاءِ مِنْ شَرِّ الزَّنَادِقَةِ الْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ يَجِبُ قَتْلُهُمْ بِإِجْمَاعِ كُلِّ الْأُمَّةِ ؛ فَإِنَّ عُبَّادَ الْأَصْنَامِ قَالُوا : { مَا نَعْبُدُهُمْ إلَّا لِيُقَرِّبُونَا إلَى اللَّهِ زُلْفَى } وَهَؤُلَاءِ يَجْعَلُونَ اللَّهَ مَوْجُودًا فِي نَفْسِ الْأَصْنَامِ وَحَالًّا فِيهَا ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ بِظُهُورِهِ وَتَجَلِّيهِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ أَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَيْهِ وَآيَاتٌ لَهُمْ ؛ بَلْ يُرِيدُونَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ ظَهَرَ فِيهَا وَتَجَلَّى فِيهَا وَيُشَبِّهُونَ ذَلِكَ بِظُهُورِ الْمَاءِ فِي الزُّجَاجَةِ ؛ وَالزُّبْدِ فِي اللَّبَنِ ؛ وَالزَّيْتِ فِي الزَّيْتُونِ وَالدُّهْنِ فِي السِّمْسِمِ ؛ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي حُلُولَ نَفْسِ ذَاتِهِ فِي مَخْلُوقَاتِهِ أَوْ اتِّحَادَهُ بِهَا فِي جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ نَظِيرَ مَا قَالَتْهُ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ خَاصَّةً يَجْعَلُونَ الْمُرْدَ مَظَاهِرَ الْجَمَالِ فَيُقَرِّرُونَ هَذَا الشِّرْكَ الْأَعْظَمَ طَرِيقًا إلَى اسْتِحْلَالِ الْفَوَاحِشِ بَلْ إلَى اسْتِحْلَالِ كُلِّ مُحَرَّمٍ كَمَا قِيلَ لِأَفْضَلِ مُتَأَخِّرِيهِمْ - التِّلْمِسَانِيّ - : إذَا كَانَ قَوْلُكُمْ بِأَنَّ الْوُجُودَ وَاحِدٌ هُوَ الْحَقَّ . فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ أُمِّي وَأُخْتِي وَابْنَتِي : تَكُونُ هَذِهِ حَلَالًا وَهَذِهِ حَرَامًا ؟ فَقَالَ الْجَمِيعُ عِنْدَنَا سَوَاءٌ لَكِنْ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُوبُونَ قَالُوا : حَرَامٌ . فَقُلْنَا : حَرَامٌ عَلَيْكُمْ . وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْحُلُولِيَّةِ والاتحادية مَنْ يَخُصُّ الْحُلُولَ وَالِاتِّحَادَ بِبَعْضِ الْأَشْخَاصِ : إمَّا بِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ كَالْمَسِيحِ ؛ أَوْ بِبَعْضِ الصَّحَابَةِ كَقَوْلِ الْغَالِيَةِ فِي عَلِيٍّ ؛ أَوْ بِبَعْضِ الشُّيُوخِ كَالْحَلَّاجِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ ؛ أَوْ بِبَعْضِ الْمُلُوكِ ؛ أَوْ بِبَعْضِ الصُّوَرِ كَصُوَرِ الْمُرْدِ وَيَقُولُ أَحَدُهُمْ : أَنَا أَنْظُرُ إلَى صِفَاتِ خَالِقِي وَأَشْهَدُهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ . وَالْكُفْرُ فِي هَذَا الْقَوْلِ أَبْيَنُ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَى مَنْ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَوْ قَالَ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامَ فِي نَبِيٍّ كَرِيمٍ لَكَانَ كَافِرًا : فَكَيْفَ إذَا قَالَهُ فِي صَبِيٍّ أَمْرَدَ ؟ فَقَبَّحَ اللَّهُ طَائِفَةً يَكُونُ مَعْبُودُهَا مِنْ جِنْسِ مَوْطُوئِهَا . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } فَإِذَا كَانَ مَنْ اتَّخَذَ الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا مَعَ اعْتِرَافِهِمْ بِأَنَّهُمْ مَخْلُوقُونَ لِلَّهِ كُفَّارًا : فَكَيْفَ بِمَنْ اتَّخَذَ بَعْضَ الْمَخْلُوقَاتِ أَرْبَابًا مَعَ قَوْلِهِ إنَّ اللَّهَ فِيهَا أَوْ مُتَّحِدٌ بِهَا ؟ فَوُجُودُهَا وَجُودُهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَالَاتِ ؟ . وَأَمَّا الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةَ فِي غَضِّ الْبَصَرِ فَهُوَ : أَنَّهُ يُورِثُ نُورَ الْقَلْبِ وَالْفِرَاسَةِ قَالَ تَعَالَى عَنْ قَوْمِ لُوطٍ : { لَعَمْرُكَ إنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } فَالتَّعَلُّقُ فِي الصُّوَرِ يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْلِ وَعَمَى الْبَصِيرَةِ وَسُكْرَ الْقَلْبِ بَلْ جُنُونَهُ كَمَا قِيلَ : سكران : سُكْرُ هَوًى وَسُكْرُ مُدَامَةٍ فَمَتَى إفَاقَةُ مَنْ بِهِ سكران ؟ وَقِيلَ : قَالُوا : جُنِنْت بِمَنْ تَهْوَى ؟ فَقُلْت لَهُمْ : الْعِشْقُ أَعْظَمُ مِمَّا بِالْمَجَانِينِ الْعِشْقُ لَا يَسْتَفِيقُ الدَّهْرَ صَاحِبُهُ وَإِنَّمَا يُصْرَعُ الْمَجْنُونُ فِي الْحِينِ وَذَكَرَ سُبْحَانَهُ آيَةَ النُّورِ عَقِيب آيَاتِ غَضِّ الْبَصَرِ فَقَالَ : { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } وَكَانَ شاه بْنُ شُجَاعٍ الكرماني لَا تُخْطِئُ لَهُ فِرَاسَةٌ وَكَانَ يَقُولُ : مَنْ عَمَّرَ ظَاهِرَهُ بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَبَاطِنَهُ بِدَوَامِ الْمُرَاقَبَةِ ؛ وَغَضَّ بَصَرَهُ عَنْ الْمَحَارِمِ ؛ وَكَفَّ نَفْسَهُ عَنْ الشَّهَوَاتِ ؛ وَذَكَرَ خَصْلَةً خَامِسَةً وَهِيَ أَكْلُ الْحَلَالِ : لَمْ تُخْطِئْ لَهُ فِرَاسَةٌ . وَاَللَّهُ تَعَالَى يَجْزِي الْعَبْدَ عَلَى عَمَلِهِ بِمَا هُوَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِهِ فَغَضُّ بَصَرِهِ عَمَّا حَرُمَ يُعَوِّضُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِهِ بِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ ؛ فَيُطْلِقُ نُورَ بَصِيرَتِهِ وَيَفْتَحُ عَلَيْهِ بَابَ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْكُشُوفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَنَالُ بَصِيرَةَ الْقَلْبِ . وَالْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ : قُوَّةُ الْقَلْبِ وَثَبَاتُهُ وَشَجَاعَتُهُ فَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ سُلْطَانَ النُّصْرَةِ مَعَ سُلْطَانِ الْحُجَّةِ . وَفِي الْأَثَرِ : " الَّذِي يُخَالِفُ هَوَاهُ يَفْرُقُ الشَّيْطَانُ مِنْ ظِلِّهِ " وَلِهَذَا يُوجَدُ فِي الْمُتَّبِعِ لِهَوَاهُ مِنْ الذُّلِّ - ذُلِّ النَّفْسِ وَضَعْفِهَا وَمَهَانَتِهَا - مَا جَعَلَهُ اللَّهُ لِمَنْ عَصَاهُ فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْعِزَّةَ لِمَنْ أَطَاعَهُ وَالذِّلَّةَ لِمَنْ عَصَاهُ قَالَ تَعَالَى : { يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } . وَلِهَذَا كَانَ فِي كَلَامِ الشُّيُوخِ : النَّاسُ يَطْلُبُونَ الْعِزَّ مِنْ أَبْوَابِ الْمُلُوكِ وَلَا يَجِدُونَهُ إلَّا فِي طَاعَةِ اللَّهِ . وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ : وَإِنْ هَمْلَجَتْ بِهِمْ الْبَرَاذِينُ وَطَقْطَقْت بِهِمْ الْبِغَالُ فَإِنَّ ذُلَّ الْمَعْصِيَةِ فِي رِقَابِهِمْ يَأْبَى اللَّهُ إلَّا أَنْ يُذِلَّ مَنْ عَصَاهُ . وَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ فَقَدْ وَالَاهُ فِيمَا أَطَاعَهُ فِيهِ وَمَنْ عَصَاهُ فَفِيهِ قِسْطٌ مِنْ فِعْلِ مَنْ عَادَاهُ بِمَعَاصِيهِ . وَفِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ : { أَنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْت وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْت . } وَالصُّوفِيَّةُ الْمَشْهُورُونَ عِنْدَ الْأُمَّةِ الَّذِينَ لَهُمْ لِسَانُ صِدْقٍ فِي الْأُمَّةِ لَمْ يَكُونُوا يَسْتَحِبُّونَ مِثْلَ هَذَا ؛ بَلْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَلَهُمْ فِي الْكَلَامِ فِي ذَمِّ صُحْبَةِ الْأَحْدَاثِ وَفِي الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْحُلُولِ وَبَيَانِ مُبَايَنَةِ الْخَالِقِ لِلْمَخْلُوقِ ؛ مَا لَا يَتَّسِعُ هَذَا الْمَوْضِعُ لِذِكْرِهِ وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَهُ مِنْ تَشَبَّهَ بِهِمْ مِمَّنْ هُوَ عَاصٍ أَوْ فَاسِقٌ أَوْ كَافِرٌ ؛ فَتَظَاهَرَ بِدَعْوَى الْوِلَايَةِ لِلَّهِ وَتَحْقِيقِ الْإِيمَانِ وَالْعِرْفَانِ وَهُوَ مِنْ شَرِّ أَهْلِ الْعَدَاوَةِ لِلَّهِ وَأَهْلِ النِّفَاقِ وَالْبُهْتَانِ . وَاَللَّهُ تَعَالَى يَجْمَعُ لِأَوْلِيَائِهِ الْمُتَّقِينَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَجْعَلُ لِأَعْدَائِهِ الصَّفْقَةَ الْخَاسِرَةَ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 4 / ص 465)
مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - فِيمَنْ دَخَلَ الْحَمَّامَ بِلَا مِئْزَرٍ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ : هَلْ يَحْرُمُ ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ مَنْعُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَيْضًا أَنْ يُلْزِمَ مُسْتَأْجِرَ الْحَمَّامِ أَنْ لَا يُمَكِّنَ أَحَدًا مِنْ دُخُولِ حَمَّامِهِ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ أَمْ لَا ؟ وَفِيمَنْ يَقْعُدُ فِي الْحَمَّامِ وَقْتَ صَلَاةِ الْجُمْعَةِ وَيَتْرُكُ الصَّلَاةَ : هَلْ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ أَفْتُونَا وَابْسُطُوا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ .
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : شَيْخُ الْإِسْلَامِ بَقِيَّةُ السَّلَفِ الْكِرَامِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَد بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ابْنُ تيمية . الْحَمْدُ لِلَّهِ : نَعَمْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ وَقَدْ صَحَّ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى النَّاسَ عَنْ الْحَمَّامِ } وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ مِنْ ذُكُور أُمَّتِي فَلَا يَدْخُلُ الْحَمَّامَ إلَّا بِمِئْزَرِ } وَفِي الْحَدِيثِ : { نَهَى النِّسَاءَ مِنْ الدُّخُولِ مُطْلَقًا إلَّا لِمَعْذِرَةِ } وَفِي الْحَدِيثِ الثَّابِتِ عَنْهُ الَّذِي اسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْقَشِيرِي أَنَّهُ قَالَ لَهُ : { احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ زَوْجَتِك : أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُك قَالَ : قُلْت : فَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ قَالَ : إنْ اسْتَطَعْت أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا قَالَ : قُلْت ؛ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ إذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا قَالَ : فَاَللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحَيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ } أَخْرَجَهُ أَبُو داود والنسائي والترمذي وَقَالَ حَسَنٌ . وَابْنُ ماجه . وَعَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ وَإِلْزَامُ النَّاسِ بِأَنْ لَا يَدْخُلَ أَحَدٌ الْحَمَّامَ مَعَ النَّاسِ إلَّا مَسْتُورَ الْعَوْرَةِ وَإِلْزَامُ أَهْلِ الْحَمَّامِ بِأَنَّهُمْ لَا يُمَكِّنُونَ النَّاسَ مِنْ دُخُولِ حَمَّامَاتِهِمْ إلَّا مُسْتَوْرِي الْعَوْرَةِ وَمَنْ لَمْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَوُلَاةَ الْأَمْرِ مِنْ أَهْلِ الْحَمَّامِ وَالدَّاخِلِينَ : عُوقِبَ عُقُوبَةً بَلِيغَةً تُرْدِعهُ وَأَمْثَالَهُ مِنْ أَهْلِ الْفَوَاحِشِ الَّذِينَ لَا يَسْتَحْيُونَ لَا مِنْ اللَّهِ وَلَا مِنْ عِبَادِهِ ؛ فَإِنَّ إظْهَارَ الْعَوْرَاتِ مِنْ الْفَوَاحِشِ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ } وَغَضُّ الْبَصَرِ وَاجِبٌ عَمَّا لَا يَحِلُّ التَّمَتُّعُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ : مِنْ النِّسْوَةِ الْأَجْنَبِيَّاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَعَنْ الْعَوْرَاتِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا لَذَّةٌ لِفُحْشِ ذَلِكَ . وَلِهَذَا كَانَ عَلَى دَاخِلِ الْحَمَّامِ أَنْ يَغُضَّ بَصَرَهُ عَمَّنْ كَانَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ قَدْ عَصَى بِكَشْفِهَا وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَ الْمَكْشُوفَ بِالِاسْتِتَارِ فَإِنَّ هَذَا مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ الَّذِي يَجِبُ عَلَى النَّاسِ وَكَذَلِكَ حِفْظُ الْفُرُوجِ يَكُونُ عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَعَنْ إظْهَارِهَا لِمَنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرَاهَا كَمَا يُنْهَى الرَّجُلُ عَنْ مَسِّ عَوْرَةِ غَيْرِهِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُبَاشِرَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَأَنْ تُبَاشِرَ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَأَمَرَ بِالتَّفْرِيقِ فِي الْمَضَاجِعِ بَيْنَ الصِّبْيَانِ إذَا بَلَغُوا عَشْرَ سِنِينَ . كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ : { احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ زَوْجَتِك أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُك لَمَّا قَالَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي ؟ وَمَا نَذَرُ ؟ . . فَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ قَالَ : إنْ اسْتَطَعْت أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا قَالَ : قُلْت : فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا قَالَ : فَاَللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحَيَا مِنْهُ مِنْ النَّاسِ } فَأَمَرَ بِسَتْرِهَا فِي الْخَلْوَةِ . وَهَذَا وَاجِبٌ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ . وَأَمَّا إذَا اغْتَسَلَ فِي مَكَانٍ خَالٍ بِجَنْبِ حَائِطٍ أَوْ شَجَرَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فِي بَيْتِهِ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ كَشْفُهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ . كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ : { أَنَّ مُوسَى اغْتَسَلَ عريانا } { وَأَنَّ أَيُّوبَ اغْتَسَلَ عريانا } { وَأَنَّ فَاطِمَةَ كَانَتْ تَسْتُرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَوْبِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ } . وَهَذَا كَشْفٌ لِلْحَاجَةِ بِمَنْزِلَةِ كَشْفِهَا عِنْدَ التَّخَلِّي وَالْجِمَاعِ بِمِقْدَارِ الْحَاجَةِ وَلِهَذَا كَرِهَ الْعُلَمَاءُ لِلْمُتَخَلِّي أَنْ يَرْفَعَ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْ الْأَرْضِ . وَتَنَازَعُوا فِي نَظَرِ كُلٍّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ إلَى عَوْرَةِ الْآخَرِ : هَلْ يُكْرَهُ أَوْ لَا يُكْرَهُ ؟ أَمْ يُكْرَهُ وَقْتَ الْجِمَاعِ خَاصَّةً ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ مَعْرُوفَةٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ . وَقَدْ كَرِهَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ النُّزُولَ فِي الْمَاءِ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ وَرَوَوْا عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ وَقَالَ : إنَّ لِلْمَاءِ سُكَّانًا . وَأَمَّا فَتْحُ الْحَمَّامِ وَقْتَ صَلَاةِ الْجُمْعَةِ وَتَمْكِينُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ دُخُولِهَا هَذَا الْوَقْتَ وَقُعُودِهِمْ فِيهَا تَارِكِينَ مَا فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ السَّعْيِ إلَى الْجُمْعَةِ فَهَذَا أَيْضًا مُحَرَّمٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ بَعْدَ النِّدَاءِ إلَى الْجُمْعَةِ الْبَيْعَ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ النَّاسُ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ وَكَانَ هَذَا تَنْبِيهًا عَلَى مَا دُونَهُ مِنْ قُعُودٍ فِي الْحَمَّامِ أَوْ بُسْتَانٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَالْجُمْعَةُ فَرْضٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ وَلَيْسَ دُخُولُ الْحَمَّامِ مِنْ الْأَعْذَارِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ إنْ كَانَ لِتَنَعُّمِ كَانَ آثِمًا عَاصِيًا وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ أَمْكَنَهُ الِاغْتِسَالُ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الِاغْتِسَالَ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الصَّلَاةِ . بَلْ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ أَمْرُ جَمِيعِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمْعَةُ بِهَا مَنْ أَهْلِ الْأَسْوَاقِ وَالدُّورِ وَغَيْرِهِمْ وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْ هَذَا الْوَاجِبِ عُوقِبَ عَلَى ذَلِكَ عُقُوبَةً تَحْمِلُهُ وَأَمْثَالَهُ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ . فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ تَرْكِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَطْبَعَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونَنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ } وَقَالَ : { مَنْ تَرَكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ } . وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ أَمْرِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمْعَةُ بِهَا وَنَهْيِهِ عَمَّا يَمْنَعُهُ مِنْ الْجُمْعَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . كَتَبَهُ أَحْمَد ابْنُ تيمية .
---------------
نيل الأوطار - (ج 2 / ص 466)
الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ بَهْزٍ فَذَكَرَهُ لَا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ، وَقَدْ عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِدُونِ قَوْلِهِ : " فَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ " إلَى قَوْلِهِ : " قُلْت فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا " وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ : { فَاَللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ } لَفْظَ : " مِنْ النَّاسِ " وَقَدْ عُرِفَ مِنْ السِّيَاقِ أَنَّهُ وَارِدٌ فِي كَشْفِ الْعَوْرَةِ بِخِلَافِ مَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَوْنِيُّ إنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ : " أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ " أَيْ فَلَا يُعْصَى وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ : " إلَّا مِنْ زَوْجَتِك أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُك " يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُمَا النَّظَرُ إلَى ذَلِكَ مِنْهُ وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ ، وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ لِغَيْرِ مَنْ اُسْتُثْنِيَ ، وَمِنْهُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةُ لِلْمَرْأَةِ ، وَكَمَا دَلَّ مَفْهُومُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ مَنْطُوقُ قَوْلِهِ : " فَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ " وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعَرِّي فِي الْخَلَاءِ غَيْرُ جَائِزٍ مُطْلَقًا وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ عَلَى جَوَازِهِ فِي الْغُسْلِ بِقِصَّةِ مُوسَى وَأَيُّوبَ .
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ مُطْلَقًا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ بِلَفْظِ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّي فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إلَّا عِنْدَ الْغَائِطَ ، وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إلَى أَهْلِهِ فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ } .
وَيَدُلُّ عَلَى مَا أَشْعَرَ بِهِ الْحَدِيثُ مَفْهُومًا وَمَنْطُوقًا مِنْ عَدَمِ جَوَازِ نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ بِلَفْظِ : { لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَلَا الْمَرْأَةُ إلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ } وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ السَّتْرِ لِلْعَوْرَةِ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ : " احْفَظْ عَوْرَتَك " وَقَوْلُهُ : " فَلَا يَرَيَنَّهَا " وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى عَدَمِ وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ ، وَتَمَسَّكُوا بِأَنَّ تَعْلِيقَ الْأَمْرِ بِالِاسْتِطَاعَةِ قَرِينَةٌ تَصْرِفُ الْأَمْرَ إلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ الَّذِي هُوَ النَّدْبُ .
وَرُدَّ بِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ مُسْتَطَاعٌ لِكُلِّ أَحَدٍ فَهُوَ مِنْ الشُّرُوطِ الَّتِي يُرَادُ بِهَا التَّهْيِيجُ وَالْإِلْهَابُ كَمَا عُلِمَ فِي عِلْمِ الْبَيَانِ ، وَتَمَسَّكُوا أَيْضًا بِمَا سَيَأْتِي مِنْ كَشْفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَخِذِهِ وَسَيَأْتِي الْجَوَابُ عَلَيْهِ ، وَالْحَقُّ وُجُوبُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ إلَّا وَقْتَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَإِفْضَاءِ الرَّجُلِ إلَى أَهْلِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ ، وَعِنْدَ الْغُسْلِ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي مَرَّ فِي الْغُسْلِ وَمِنْ جَمِيعِ الْأَشْخَاصِ إلَّا فِي الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَالطَّبِيبِ وَالشَّاهِدِ وَالْحَاكِمِ عَلَى نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ .
-------------
الروضة الندية - (ج 1 / ص 106)
وستر عورته لقوله تعالى : يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد قلت : الزينة ما واري عورتك ولو عباءة قاله مجاهد ، والمسجد الصلاة ، ولما وقع منه صلى الله وسلم عليه من الأمر بسترها في كل الأحوال كما في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال قلت يا رسول الله : عوراتنا ما نأتي منها وما نذر قال : احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ملكت يمينك قلت : فإذا كان القوم بعضهم في بعض قال : إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها قلت : فإذا كان أحدنا خالياً قال الله تبارك وتعالى أحق أن يستحيا منه أخرجه أحمد وأبو اود وابن ماجه والترمذي ، وعلقه البخاري وحسنه الترمذي وصححه الحاكم ومن ذلك قوله صلى الله وسلم عليه : لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت أخرجه أبو داود وابن ماجه والحاكم والبزار وفي إسناده مقال ولكنه يعضده حديث محمد بن جحش قال : مر رسول الله صلى الله وسلم عليه على معمر وفخذاه مكشوفتان فقال يا معمر غط فخذيك فإن الفخذين عورة أخرجه أحمد والبخاري في صحيحه تعليقاً وأخرجه أيضاً في تاريخه والحاكم في المستدرك ، وروى الترمذي وأحمد من حديث ابن عباس مرفوعاً الفخذ عورة . وأخرج نحوه مالك في الموطأ وأحمد وأبو داود الترمذي وحسنه وابن حبان وصححه وعلقه البخاري ، وقد عارض أحاديث الفخذ عورة أحاديث أخر وليس فيها إلا أنه صلى الله وسلم عليه كشف عن فخذه يوم خيبر أو في بيته ولا يصلح ذلك لمعارضة ما تقدم ، وورد في الركبة ما يفيد أنها تستر وما يخالف ذلك ، وأما المرأة فورد حديث لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم ، وقد روي موقوفاً ومرفوعاً من حديث عائشة ومن حديث أبي قتادة ، ومما يفيد وجوب ستر العورة أحاديث النهي عن الصلاة في الثوب الواحد ليس على عاتق المصلي منه شئ وفي بعضها فليخالف بين طرفيه وفي بعضها وإن كان ضيقاً فاتزر به وكلها في الصحيح ولكن ليس فيها ما يستفاد منه الشرطية التي صرح بها جماعة من المصنفين ، وحديث الخمار إذا انتهض للاستدلال به على الشرطية فهو خاص بالمرأة وقد عرفت مما سلف أن الذي يستلزم عدمه عدم الصلاة أي بطلانها هو الشرط ، أو الركن لا الواجب ، فمن زعم أن من ظهر شئ من عورته في الصلاة ، أو صلى بثياب متنجسة كانت صلاته باطلة ، فهو مطالب بالدليل ولا ينفعه مجرد الأوامر بالستر أو التطهير ، فإن غاية ما يستفاد منها الوجوب .
--------------
فتاوى الشيخ عبدالله بن عقيل - (ج 1 / ص 412)
وستر العورة واجب لحق اللَّه -تعالى-، حتى في غير الصلاة، ولو كان في ظلمة، أو في حال خلوة، بحيث لا يراه أحد، وحتى عن نفسه، ويجب سترها بلباس ساتر لا يصف لون البشرة؛ لحديث بهز ابن حكيم، عن أبيه، عن جده قال: قلت: يا رسول اللَّه، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: «احفظ عورتك، إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك» . قلت: فإذا كان القوم بعضهم مع بعض؟ قال: «فإن استطعت أن لا يراها أحد، فلا يرينها» . قلت: فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال: «فاللَّه تعالى أحق أن يستحيا منه» . رواه أبو داود ( ) .
وقد ورد نص الفقهاء -رحمهم اللَّه- على النهي عن لبس الرقيق من الثياب: وهو ما يصف البشرة، أي: مع ستر العورة بالسترة الكافية في حق كل من الرجل والمرأة، ولو في بيتها. نص عليه الإمام أحمد- رحمه اللَّه- كما صرحوا بالمنع من لبس ما يصف اللِّين والخشونة والحجم، وصرحوا بمنع المرأة من شد وسطها مطلقا أي سواء كان بما يشبه الزِّنّار أو غيره، وسواء كانت في الصلاة أو خارجها؛ لأنه يبين حجم عجيزتها، وتبين به مقاطع بدنها، قالوا:ولا تضم المرأة ثيابها حال قيامها؛ لأنه يبين به تقاطيع بدنها. فتشبه الحزام، وهذا اللباس المذكور أبلغ من الحزام. وضم الثياب حال القيام أحق بالمنع منه.
---------------
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 827)
استتارٌ
التّعريف
1 - الاستتار في اللّغة : التّغطّي والاختفاء.
يقال : استتر وتستّر أي تغطّى ، وجاريةٌ مستترةٌ أي مخدّرةٌ.
وقد استعمله الفقهاء بهذا المعنى ، كما استعملوه بمعنى اتّخاذ السّترة في الصّلاة.
والسّترة « بالضّمّ » هي في الأصل : ما يستتر به مطلقاً ، ثمّ غلب في الاستعمال الفقهيّ على : ما ينصب أمام المصلّي ، من عصاً أو تسنيم ترابٍ أي تكويمه ونحوه ، لمنع المرور أمامه.
ويسمّى ستر الصّدقة إخفاؤها.
«صفته : الحكم التّكليفيّ»
2 - يختلف حكم الاستتار تبعاً للأحوال والأفعال الّتي يكون فيها ، على ما سيأتي : الاستتار « بمعنى اتّخاذ المصلّي سترةً » 3 - اتّخاذ السّترة للمصلّي مشروعٌ اتّفاقاً ؛ لحديث : « ليستتر أحدكم ولو بسهمٍ » .
ثمّ اختلف الفقهاء في حكمه بين الوجوب والسّنّة أو الاستحباب ، على تفصيلٍ موطنه مصطلح : « سترة المصلّي » .
«الاستتار حين الجماع»
4 - يشمل الاستتار هنا أمرين :
الأوّل : الاستتار عن أعين النّاس حين الوطء.
الثّاني : عدم التّجرّد حين الوطء.
أمّا الأوّل : فإمّا أن يكون الوطء في حالة انكشاف العورة ، أو في حالة عدم انكشافها.
ففي حالة انكشاف العورة انعقد الإجماع على فرضيّة الاستتار ، أمّا في حالة عدم ظهور شيءٍ من العورة فقد اتّفق الفقهاء على أنّ الاستتار سنّةٌ.
وأنّ من يتهاون فيه فقد خالف السّنّة ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : « إذا أتى أحدكم أهله فليستتر » .
وحملوا الأمر على النّدب ولما في ذلك من الدّناءة والإخلال بالمروءة.
وأمّا الثّاني : « عدم التّجرّد حين الجماع » وإن لم يكن معهما أحدٌ يطّلع عليهما ، فقد اختلف الفقهاء فيه ، فذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة إلى أنّه يجوز للرّجل أن يجرّد زوجته للجماع ، وقيّده الحنفيّة بكون البيت صغيراً ، ويستدلّ لذلك بحديث بهز بن حكيمٍ عن أبيه عن جدّه قال : « قلت : يا رسول اللّه عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال احفظ عورتك إلاّ من زوجتك ، أو ما ملكت يمينك ، قلت : يا رسول اللّه ، أرأيت إن كان القوم بعضهم من بعضٍ ؟ قال : إن استطعت ألاّ تريها أحداً فلا ترينّها.
قلت يا رسول اللّه ، فإن كان أحدنا خالياً ، قال : فاللّه أحقّ أن يستحيا منه من النّاس » وبحديث عبد اللّه بن عمر قال : « قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : إيّاكم والتّعرّي ، فإنّ معكم من لا يفارقكم إلاّ عند الغائط ، وحين يفضي الرّجل إلى أهله ، فاستحيوهم وأكرموهم » .
وذهب الحنابلة إلى أنّه يكره ، لحديث عتبة بن عبدٍ السّلميّ ، قال : « قال رسول اللّه : إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ، ولا يتجرّدا تجرّد العيرين » .
«ما يخلّ بالاستتار»
5 -أ - يخلّ بالاستتار وجود شخصٍ مميّزٍ مستيقظٍ معهما في البيت ، سواءٌ أكان زوجةً ، أم سرّيّةً ، أم غيرهما ، يرى أو يسمع الحسّ ، وبه قال الجمهور ، وقد سئل الحسن البصريّ عن الرّجل يكون له امرأتان في بيتٍ ، قال : كانوا يكرهون أن يطأ إحداهما والأخرى ترى أو تسمع.
ب - ويخلّ بالاستتار وجود نائمٍ ، نصّ على ذلك المالكيّة ، فقال الرّهونيّ في حاشيته على شرح الزّرقانيّ لمتن خليلٍ : لا يجوز للرّجل أن يصيب زوجته أو أمته ومعه في البيت أحدٌ يقظان أو نائمٌ ، لأنّ النّائم قد يستيقظ فيراهما على تلك الحال.
ج - ويخلّ بالاستتار عند جمهور المالكيّة وجود صغيرٍ غير مميّزٍ ، اتّباعاً لابن عمر الّذي كان يخرج الصّبيّ في المهد عندما يريد الجماع.
وذهب الجمهور - ومنهم بعض المالكيّة - إلى أنّ وجود غير المميّز لا يخلّ بالاستتار ؛ لما فيه من مشقّةٍ وحرجٍ.
«الآثار المرتّبة على ترك الاستتار في الجماع»
6 - من حقّ المرأة الامتناع عن إجابة طلب زوجها إلى فراشه ، إن كان ممّن لا يستتر عن النّاس حين الجماع ، ولا تصير ناشزاً بهذا الامتناع ؛ لأنّه امتناعٌ بحقٍّ ؛ ولأنّ الحياء والمروءة يأبيان ذلك ، نصّ على ذلك الحنفيّة ، والشّافعيّة ، وقواعد المالكيّة والحنابلة لا تأباه.
«الاستتار عند قضاء الحاجة»
7 - يشمل هذا أمرين : الاستتار عن النّاس ، والاستتار عن القبلة إن كان خارج البنيان.
أمّا الأوّل ، فالأصل وجوب ستر العورة عند قضاء الحاجة ، بحضور من لا يحلّ له النّظر إليها ، وتفصيله في مصطلح « عورةٌ » ، كما أنّه يسنّ عند بعض الفقهاء استتار شخص الإنسان عند إرادة الغائط.
وأمّا الاستتار عن القبلة بساترٍ فإنّ بعض الفقهاء يرى جواز استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة ، إن استتر عن القبلة بساترٍ.
ويرى بعضهم تحريم استقبال القبلة واستدبارها مطلقاً ، وتفصيل ما يتّصل بالاستتار عن القبلة في مصطلح : « قضاء الحاجة » .
«الاستتار حين الاغتسال»
«أ-وجوب الاستتار عمّن لا يحلّ له النّظر إليه»
8 - الأمر الّذي لا خلاف فيه هو : افتراض الاستتار حين الاغتسال ، بحضرة من لا يجوز له النّظر إلى عورة المغتسل ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « احفظ عورتك إلاّ من زوجتك ، أو ما ملكت يمينك » .
وعن أمّ هانئٍ قالت : « ذهبت إلى رسول اللّه عام الفتح فوجدته يغتسل ، وفاطمة تستره فقال : من هذه ؟ فقلت : أنا أمّ هانئٍ » .
« ر : عورةٌ » فإذا لم يمكنه الاغتسال إلاّ بكشف عورته أمام واحدٍ من هؤلاء ، فقد صرّح الحنفيّة بأنّ كشف العورة حينئذٍ لا يسقط وجوب الغسل عليه - إن كان رجلاً بين رجالٍ ، أو امرأةً بين نساءٍ - لأمرين.
الأوّل : نظر الجنس إلى الجنس أخفّ من النّظر إلى الجنس الآخر.
والثّاني : أنّ الغسل فرضٌ فلا يترك لكشف العورة.
أمّا إن كانت امرأةٌ بين رجالٍ ، أو رجلٌ بين نساءٍ ، أو خنثى بين رجالٍ أو نساءٍ ، أو هما معاً ، فلا يجوز لهؤلاء الكشف عن عوراتهم للغسل ، بل يتيمّمون ، لكن شارح منية المصلّي لم يسلّم بهذا التّفصيل ؛ لأنّ ترك المنهيّ عنه مقدّمٌ على فعل المأمور ، وللغسل خلفٌ وهو التّيمّم.
وعموم كلام الحنابلة ، في تحريم كشف العورة عند الاغتسال بحضور من يحرم نظره إليها ، يشعر بأنّهم يخالفون الحنفيّة.
والّذي يؤخذ من كلام المالكيّة ، والشّافعيّة أنّه لو ترتّب على القيام بالطّهارة المائيّة كشف العورة ، فإنّه يصار إلى التّيمّم ؛ لأنّ ستر العورة لا بدل له ؛ ولأنّه واجبٌ للصّلاة والصّيانة عن العيون ، ويباح فعل المحظور من أجله ، كاستتار الرّجل بالحرير إذا تعيّن.
أمّا الطّهارة المائيّة فلها بدلٌ ، ولا يباح فعل المحظور من أجلها ومن هنا كان السّلف والأئمّة الأربعة يتشدّدون في المنع من دخول الحمّام إلاّ بمئزرٍ.
وروى ابن أبي شيبة في ذلك آثاراً عن عليّ بن أبي طالبٍ ومحمّد بن سيرين وأبي جعفرٍ محمّد بن عليٍّ وسعيد بن جبيرٍ ، حتّى بلغ الأمر بعمر بن الخطّاب أنّه كتب : لا يدخلنّ أحدٌ الحمّام إلاّ بمئزرٍ ، وبعمر بن عبد العزيز أن كتب إلى عامله بالبصرة أمّا بعد : فمر من قبلك ألاّ يدخلوا الحمّام إلاّ بمئزرٍ ، وأخذ يفرض العقوبات الرّادعة على من دخل الحمّام بغير مئزرٍ ، وعلى صاحب الحمّام الّذي أدخله.
وعن عبادة قال : رأيت عمر بن عبد العزيز يضرب صاحب الحمّام ومن دخله بغير إزارٍ.
«ب-استتار المغتسل بحضور الزّوجة»
9 - ممّا لا خلاف فيه أيضاً : أنّ لكلّ واحدٍ من الزّوجين أن يغتسل بحضور الآخر ، وهو بادي العورة.
للحديث المتقدّم : « احفظ عورتك إلاّ من زوجتك ، أو ما ملكت يمينك » .
ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت : « كنت أغتسل أنا والنّبيّ صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحدٍ من قدحٍ ، يقال له : الفرق » ، متّفقٌ عليه.
«استتار المغتسل منفرداً»
10 - ذهب الحنفيّة ، والمالكيّة ، والشّافعيّة ، والحنابلة إلى أنّه يجوز للمنفرد أن يغتسل عرياناً.
واستدلّوا على ذلك بما رواه البخاريّ عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم « قال : كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراةً ، ينظر بعضهم إلى بعضٍ ، وكان موسى يغتسل وحده ، فقالوا : واللّه ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلاّ أنّه آدرّ - منفوخ الخصية - فذهب مرّةً يغتسل ، فوضع ثوبه على حجرٍ ، ففرّ الحجر بثوبه ، فخرج موسى في إثره يقول : ثوبي يا حجر ، حتّى نظر بنو إسرائيل إلى موسى فقالوا : واللّه ما بموسى من بأسٍ ، وأخذ ثوبه ، فطفق بالحجر ضرباً » .
وعن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم « قال : بينا أيّوب يغتسل عرياناً فخرّ عليه جرادٌ من ذهبٍ ، فجعل أيّوب يحتشي في ثوبه ، فناداه ربّه : يا أيّوب ألم أكن أغنيتك عمّا ترى ؟ قال : بلى وعزّتك ، ولكن لا غنى بي عن بركتك » .
فقد قصّ علينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ذلك دون نكيرٍ ، فهو دليلٌ على الجواز ؛ لأنّ شرع من قبلنا شرعٌ لنا إذا لم يرد في شرعنا ما يخالفه.
وسئل الإمام مالكٌ عن الغسل في الفضاء ، فقال : لا بأس به ، فقيل : يا أبا عبد اللّه إنّ فيه حديثاً ، فأنكر ذلك ، وقال تعجّباً : لا يغتسل الرّجل في الفضاء ؟ ، وجه إجازة مالكٍ للرّجل أن يغتسل في الفضاء إذا أمن أن يمرّ به أحدٌ ، وأنّ الشّرع إنّما قرّر وجوب ستر العورة عن المخلوقين من بني آدم دون سواهم من الملائكة ، إذ لا يفارقه الحفظة الموكّلون به في حالٍ من الأحوال ، قال تعالى : «ما يلفظ من قولٍ إلاّ لديه رقيبٌ عتيدٌ» .
وقال تعالى : «وإنّ عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون» : ولهذا قال مالكٌ تعجّباً : لا يغتسل الرّجل في الفضاء ، إذ لا فرق في حقّ الملائكة بين الفضاء وغيره.
ولكن هذا جوازٌ مقرونٌ بالكراهة التّنزيهيّة ، ولذلك يندب له الاستتار.
لما رواه البخاريّ تعليقاً ، ووصله غيره ، عن معاوية بن حيدة ، عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « احفظ عورتك إلاّ من زوجتك أو ما ملكت يمينك.
قلت : يا رسول اللّه فإن كان أحدنا خالياً ؟ قال : فاللّه أحقّ أن يستحيا منه من النّاس » .
وذهب عبد الرّحمن بن أبي ليلى إلى وجوب الاستتار حين الغسل ، ولو كان في خلوةٍ.
مستدلاًّ بالحديث الّذي أخرجه أبو داود والنّسائيّ « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يغتسل بالبراز - أي بالخلاء - فصعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه وقال : إنّ اللّه عزّ وجلّ حليمٌ حييٌّ ستّيرٌ ، يحبّ الحياء والسّتر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر » .
«استتار المرأة المتزيّنة»
11 - يجب على المرأة الاستتار عن غير الزّوج والمحارم ، بستر عورتها وعدم إبداء زينتها ، لقوله تعالى : « يا أيّها النّبيّ قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ » .
وفيما يجب ستره عن المحارم وغيرهم ، وفي ستر الوجه والكفّين والقدمين خلافٌ وتفصيلٌ موطنه مصطلح : « تزيّنٌ » « وعورةٌ » .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 5791)
1 - الحجاب بالنّسبة للعورة
5 - اتّفق الفقهاء على وجوب حجب عورة المرأة والرّجل البالغين بسترها عن نظر الغير الّذي لا يحلّ له النّظر إليها.
وعورة المرأة الّتي يجب عليها حجبها عن الأجنبيّ هي في الجملة جميع جسدها عدا الوجه والكفّين ، وهي بالنّسبة للمحرم من الرّجال ما عدا الوجه والرّأس والعنق والذّراع ، قال الحنفيّة : وما عدا الصّدر والسّاقين ، وقال الشّافعيّة : ما عدا ما بين السّرّة والرّكبة ، وبالنّسبة لمثلها من النّساء ما بين السّرّة والرّكبة.
وعورة الرّجل الّتي يجب حجبها عن الغير هي ما بين السّرّة والرّكبة مع الاختلاف في حجب الفخذ.
وهذا في الجملة.
وينظر تفصيل ذلك في مصطلح : « عورة » .
والدّليل على وجوب حجب العورة عمّن لا يحلّ له النّظر إليها قوله تعالى : «قل للمؤمنين يغضّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إنّ اللّه خبير بما يصنعون ، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ ويحفظن فروجهنّ ولا يبدين زينتهنّ إلاّ ما ظهر منها»
الآية.
وقول «النّبيّ صلى الله عليه وسلم لأسماء : يا أسماء إنّ المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلاّ هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفّيه» .
وقوله صلى الله عليه وسلم بالنّسبة للرّجال : «عورة الرّجل ما بين سرّته إلى ركبته» ووجوب حجب العورة إنّما يتحقّق بما يحول بين النّاظر ولون البشرة أو حجم الأعضاء.
وكما يجب حجب العورة عن نظر الغير فإنّه يستحبّ - وقيل يجب - حجبها في الخلوة حياء من اللّه تعالى.
هذا مع مراعاة أنّه لا حجاب بين الرّجل وزوجته.
فعن بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جدّه قال : «قلت : يا رسول اللّه : عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال : احفظ عورتك إلاّ من زوجتك أو ما ملكت يمينك ، قال : قلت يا رسول اللّه : إذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال : إن استطعت أن لا يرينّها أحد فلا يرينّها ، قال : قلت يا رسول اللّه إذا كان أحدنا خاليا ؟ قال : اللّه أحقّ أن يستحيا منه من النّاس» .
والصّغيرة إن كانت بنت سبع سنين إلى تسع فعورتها الّتي يجب حجبها هي ما بين السّرّة والرّكبة ، وإن كانت أقلّ من سبع سنين فلا حكم لعورتها ، وهذا كما يقول الحنابلة.
كما أنّه يجب على المرأة أن تحتجب من المراهق الّذي يميّز بين العورة وغيرها ، وهذا في الجملة.
فإن كان صغيرا لا يميّز بين العورة وغيرها فلا بأس من إبداء الزّينة له لقوله تعالى : «وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ ويحفظن فروجهنّ ولا يبدين زينتهنّ إلاّ ما ظهر منها وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ ولا يبدين زينتهنّ إلاّ لبعولتهنّ أو آبائهنّ أو آباء بعولتهنّ أو أبنائهنّ أو أبناء بعولتهنّ أو إخوانهنّ أو بني إخوانهنّ أو بني أخواتهنّ أو نسائهنّ أو ما ملكت أيمانهنّ أو التّابعين غير أولي الإربة من الرّجال أو الطّفل الّذين لم يظهروا على عورات النّساء» .
ويستثنى من وجوب حجب العورة إباحة كشفها للحاجة والضّرورة كالتّداوي والختان والشّهادة وغير ذلك.
فعن عطيّة القرظيّ قال : كنت من سبي بني قريظة ، فكانوا ينظرون ، فمن أنبت الشّعر قتل ، ومن لم ينبت لم يقتل ، فكنت فيمن لم ينبت.
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 6314)
«دخول الحمّام»
5 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ دخول الحمّام مشروع للرّجال والنّساء.
وقد دخل خالد بن الوليد حمّام حمص ، ودخل ابن عبّاس حمّام الجحفة.
وكان الحسن وابن سيرين يدخلان الحمّام.
ولكنّه مقيّد بما إذا لم يكن فيه كشف العورة ، مع مراعاة ما يلي :
6 - إذا كان الدّاخل رجلًا فيباح له دخوله إذا أمن وقوع محرّم : بأن يسلم من النّظر إلى عورات النّاس ومسّها ، ويسلم من نظرهم إلى عورته ومسّها ، وإن خشي أن لا يسلم من ذلك كره له ذلك ، لأنّه لا يأمن وقوعه في المحظور ، فإنّ كشف العورة ومشاهدتها حرام ، لما روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه قال « : قلت : يا رسول اللّه ، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال : احفظ عورتك إلاّ من زوجتك أو ما ملكت يمينك.
قال : قلت : يا رسول اللّه ، إذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال : إن استطعت أن لا يرينّها أحد فلا يرينّها.
قال : قلت : يا رسول اللّه.
إذا كان أحدنا خالياً.
قال : اللّه أحقّ أن يستحيا منه من النّاس » .
وأن يعلم أنّ كلّ من في الحمّام عليه إزار ، قال أحمد : إن علمت أنّ كلّ من في الحمّام عليه إزار فادخله ، وإلاّ فلا تدخل.
وقال سعيد بن جبير : دخول الحمّام بغير إزار حرام.
لحديث جابر بن عبد اللّه : أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يدخل الحمّام بغير إزار ، ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمّام » .
وأيضاً روي « من دخل الحمّام بغير مئزر لعنه الملكان » قال ابن ناجي من المالكيّة : دخول الرّجل الحمّام على ثلاثة أوجه : الأوّل : دخوله مع زوجته ، أو وحده فمباح ، الثّاني : دخوله مع قوم لا يستترون فممنوع ، الثّالث : دخوله مع قوم مستترين فمكروه ، إذ لا يؤمن أن ينكشف بعضهم فيقع بصره على ما لا يحلّ.
وقيل في هذا الوجه : إنّه جائز.
7- إذا كان الدّاخل امرأةً فيباح لها دخوله مع مراعاة ما سبق ، وبوجود عذر من حيض أو نفاس ، أو جنابة أو مرض ، أو حاجة إلى الغسل ، وأن لا يمكنها أن تغتسل في بيتها لخوفها من مرض أو ضرر ، لما روى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : إنّها ستفتح لكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتًا يقال لها الحمّامات ، فلا يدخلنها الرّجال إلاّ بالأزر ، وامنعوها النّساء إلاّ مريضةً أو نفساء » .
ولخبر « ما من امرأة تضع أثيابها في غير بيت زوجها إلاّ هتكت السّتر بينها وبين ربّها » .
ولأنّ أمر النّساء مبنيّ على المبالغة في السّتر ، ولما في خروجهنّ واجتماعهنّ من الفتنة.
فإن لم يكن لها عذر كره لها دخول الحمّام.
وذكر ابن عابدين نقلاً عن إحكامات الأشباه : أنّ المعتمد أن لا كراهة مطلقاً ، ثمّ قال ابن عابدين : وفي زماننا لا شكّ في الكراهة لتحقّق كشف العورة.
وفي قول عند المالكيّة : إنّما منع دخولهنّ حين لم يكن لهنّ حمّامات منفردة ، فأمّا مع انفرادهنّ عن الرّجال فلا بأس ، وقال ابن الجوزيّ ، وابن تيميّة : إنّ المرأة إذا اعتادت الحمّام وشقّ عليها تركت دخوله إلاّ لعذر أنّه يجوز لها دخوله.
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 8482)
ستر العورة
التّعريف
1 - السّتر لغةً : ما يستر به ، وجمعه ستور ، والسّترة - بضمّ السّين - مثله.
قال ابن فارس : السّترة ما استترت به كائناً ما كان ، والسّتارة مثله ، وسترت الشّيء ستراً من باب قتل.
والعورة لغةً : الخلل في الثّغر وفي غيره ، قال الأزهريّ : العورة في الثّغور وفي الحرب خلل يتخوّف منه القتل ، والعورة كلّ مكمن للسّتر ، وعورة الرّجل والمرأة سوأتهما.
ويقول الفقهاء : ما يحرم كشفه من الرّجل والمرأة فهو عورة.
وفي المصباح : كلّ شيء يستره الإنسان أنفةً وحياءً فهو عورة.
وستر العورة في اصطلاح الفقهاء هو : تغطية الإنسان ما يقبح ظهوره ويستحى منه ، ذكراً كان أو أنثى أو خنثى على ما سيأتي تفصيله.
«ما يتعلّق بستر العورة من أحكام»
«أوّلاً - ستر العورة عمّن لا يحلّ له النّظر»
2 -اتّفق الفقهاء على أنّ ستر العورة من الرّجل والمرأة واجب عمّن لا يحلّ له النّظر إليها.
وما يجب ستره في الجملة بالنّسبة للمرأة جميع جسدها عدا الوجه والكفّين ، وهذا بالنّسبة للأجنبيّ.
أمّا بالنّسبة لمحارمها من الرّجال فعورتها عند المالكيّة والحنابلة ما عدا الوجه والأطراف « الرّأس والعنق » .
وضبط الحنابلة ذلك بأنّه ما يستتر غالباً وهو ما عدا الوجه والرّأس والرّقبة واليدين والقدمين والسّاقين.
وقال الحنفيّة : ما عدا الصّدر أيضاً.
وقال الشّافعيّة : ما بين السّرّة والرّكبة ، كما أنّ عورة المرأة الّتي يجب سترها بالنّسبة لغيرها من النّساء هي ما بين السّرّة والرّكبة.
أمّا عورة الرّجل فهي ما بين السّرّة والرّكبة.
وفي كلّ ذلك تفصيل ينظر في مصطلح « عورة » .
والدّليل على وجوب ستر العورة قول اللّه تعالى : «قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ، وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا» .
وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم « لأسماء بنت أبي بكر : يا أسماء إنّ المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلاّ هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفّيه » ، وورد « عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالنّسبة لعورة الرّجال أنّها ما بين السّرّة إلى الرّكبة » .
3 - ويشترط في السّاتر أن لا يكون رقيقاً يصف ما تحته بل يكون كثيفاً لا يرى منه لون البشرة ويشترط كذلك أن لا يكون مهلهلاً ترى منه أجزاء الجسم لأنّ مقصود السّتر لا يحصل بذلك.
ومن المعلوم أنّ ستر العورة غير واجب بين الرّجل وزوجته ، إذ كشف العورة مباح بينهما ، فقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « احفظ عورتك إلاّ من زوجتك أو ما ملكت يمينك » .
4 - والصّغيرة إن كانت كبنت سبع سنين إلى تسع فعورتها الّتي يجب سترها هي ما بين السّرّة والرّكبة ، وإن كانت أقلّ من سبع سنين فلا حكم لعورتها - وهذا كما يقول الحنابلة - وينظر تفصيل ذلك في : « عورة » .
والمراهق الّذي يميّز بين العورة وغيرها يجب على المرأة أن تستر عورتها عنه ، أمّا إن كان لا يميّز بين العورة وغيرها فلا بأس من إبداء مواضع الزّينة أمامه.
لقوله تعالى : «وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء» .
ويستثنى من وجوب ستر العورة ما كان لضرورة ، كعلاج وشهادة ، جاء في الشّرح الصّغير يجب ستر العورة عمّن يحرم النّظر إليها من غير الزّوجة والأمة إلاّ لضرورة فلا يحرم بل قد يجب ، وإذا كشف للضّرورة كالطّبيب يبقر له ثوب على قدر موضع العلّة.
«ستر العورة في الصّلاة»
5 - ستر العورة شرط من شروط صحّة الصّلاة لقوله تعالى : « خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ» والآية إن كانت نزلت بسبب خاصّ فالعبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب ، قال ابن عبّاس رضي الله عنهما : المراد بالزّينة في الآية : الثّياب في الصّلاة ، ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « لا يقبل اللّه صلاة حائض إلاّ بخمار » .
وقد أجمع الفقهاء على فساد صلاة من ترك ثوبه وهو قادر على الاستتار به وصلّى عرياناً.
ويشترط في السّاتر أنّه يمنع إدراك لون البشرة.
ومن لم يجد إلاّ ثوباً نجساً أو ثوباً من الحرير صلّى به ولا يصلّي عرياناً ، لأنّ فرض السّتر أقوى من منع النّجس والحرير في هذه الحالة.
على خلاف وتفصيل ينظر في مصطلح : « صلاة » .
هذا ويختلف الفقهاء في تحديد العورة الواجب سترها في الصّلاة.
وينظر تفصيل ذلك في « عورة » .
«ثانياً : ستر العورة في الخلوة»
6 - كما يجب ستر العورة عن أعين النّاس يجب كذلك سترها ولو كان الإنسان في خلوة ، أي في مكان خال من النّاس.
والقول بالوجوب هو مذهب الحنفيّة على الصّحيح ، وهو مذهب الشّافعيّة والحنابلة ، وقال المالكيّة : يندب ستر العورة في الخلوة.
والسّتر في الخلوة مطلوب حياءً من اللّه تعالى وملائكته ، والقائلون بالوجوب قالوا : إنّما وجب لإطلاق الأمر بالسّتر ، ولأنّ اللّه تعالى أحقّ أن يستحيا منه ، وفي حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه « قال : قلت : يا رسول اللّه ، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال : احفظ عورتك إلاّ من زوجتك أو ممّا ملكت يمينك ، فقال : الرّجل يكون مع الرّجل ؟ قال : إن استطعت أن لا يراها أحد فافعل ، قلت : والرّجل يكون خالياً ؟ قال : فاللّه أحقّ أن يستحيا منه » .
والسّتر في الخلوة مطلوب إلاّ لحاجة ، كاغتسال وتبرّد ونحوه.
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 10770)
«أ - الاغتسال عرياناً»
4 - الاغتسال عرياناً بين النّاس محرّم عند جميع الفقهاء ، لأنّ ستر العورة فرض وكشفها محرّم إلاّ بين الزّوجين ، فقد روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه أنّه قال : عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ قال : « احفظ عورتك إلاّ من زوجتك أو ممّا ملكت يمينك » .
وقال صلى الله عليه وسلم : « لا ينظر الرّجل إلى عورة الرّجل ، ولا المرأة إلى عورة المرأة » .
أمّا إذا كان خالياً فيجوز الاغتسال عرياناً ، لكن قيّد أكثر الفقهاء هذا الجواز بالكراهة ، وقالوا : يستحبّ التّستّر وإن كان خالياً لما ورد في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه قال : يا رسول اللّه ، إذا كان أحدنا خالياً ؟ قال : « اللّه أحقّ أن يستحيا منه من النّاس » وروي أنّ الحسن بن عليّ رضي الله عنهما دخل غديراً وعليه برد له متوشّحاً به ، فلمّا خرج قيل له ، قال : إنّما تستّرت ممّن يراني ولا أراه ، يعني ربّي والملائكة .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 11136)
11 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه ليس أي جزء من بدن الزّوجة عورةً بالنّسبة للزّوج وكذلك أي جزء من بدنه بالنّسبة لها ، وعليه يحلّ لكلّ واحد منهما النّظر إلى جميع جسم الآخر ومسّه حتّى الفرج ؛ لأنّ وطأها مباح ، فيكون نظر كلّ منهما إلى أيّ جزء من أجزاء الآخر مباحاً بشهوة وبدون شهوة بطريق الأولى ، والأصل فيه قوله تعالى : « وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ » وما ورد عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه قال : « قلت : يا رسول اللّه : عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال : احفظ عورتك إلاّ من زوجتك أو ما ملكت يمينك » .
لكنّ الشّافعيّة والحنابلة قالوا : يكره نظر كلّ منهما إلى فرج الآخر ، ونصّ الشّافعيّة على أنّ النّظر إلى باطن الفرج أشدّ كراهةً .
وقال الحنفيّة : من الأدب أن يغضّ كلّ من الزّوجين النّظر عن فرج صاحبه ، واستدلّوا بما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال « إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ، ولا يتجرّد تجرّد العيرين » .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 58 / ص 10)
واستدل أصحاب هذا القول بأن نساء أهل الكتاب كن يدخلن على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يكن يتحجبن ولا أمرن بحجاب واستدلوا أيضا بالقياس على نظر الرجل الكافر للرجل المسلم بجامع اتحاد الجنس، فكما لم يفرق في حكم النظر بين الرجال باختلاف الدين، فكذلك في حكمه بين النساء، ولأن المعنى الذي منع به الرجال من النظر إلى النسا ء غير موجود في النظر بين النساء، سواء اتحد الدين أم اختلف، ولأن هذا القول أرفق بالناس ويرفع حرجا عنهم ، إذ لا يكاد يمكن احتجاب المسلمات عن الذميات .
القول الثالث أنه يجوز للمسلمة أن تمكن الكافرة من النظر إلى ما ينظر إليه محارمها، وهو قول بعض المالكية، وقول عند الشافعية وصفه النووي بالأشبه والرملي والخطيب الشربيني بالمعتمد، وهو رواية عند الحنابلة .
نظر الفاجرة إلى العفيفة
24- نص بعض فقهاء الحنفية على أنه لا ينبغي للمرأة الصالحة أن تنظر إليها المرأة الفاجرة، لأنها تصفها عند الرجال ، فلا تضع جلبابها ولا خمارها أمامها .
وذهب الشيخ عز الدين بن عبد السلام من الشافعية إلى أن الفاسقة مع العفيفة كالكافرة مع المسلمة، يعني أن المسلمة العفيفة يحرم عليها تمكين الفاسقة من النظر إلى بدنها، وتابعه آخرون من علماء الشافعية كالزركشي ، لكن 40 363 بعضهم قصر هذا الحكم على نوع معين من الفاسقات هن المساحقات، أو من كان عندهن ميل إلى النساء، وعممه آخرون على كل فاسقة سواء أكان فسقها بسبب تعاطي السحاق أم بسبب الزنا أم بسبب القيادة وغير ذلك، لكن أكثر فقهاء الشافعية يرون ما ذهب إليه الشيخ عز الدين بن عبد السلام وغيره، لأن الفاسقة من المؤمنات ، والفسق لا يخرجها عن الإيمان.
ودليل أصحاب هذا القول من الحنفية والشافعية هو قياس الفاجرة على الكافرة من حيث كون كل منهما مظنة نقل ما تراه من محاسن المرأة العفيفة إلى زوجها أو غيره من الرجال، فيحرم نظرها ويحرم تمكينها من النظر كالرجل .
النظر بين الزوجين
25 - اتفق الفقهاء علي أنه يباح لكل من الزوجين النظر إلى جميع بدن صاحبه بدون كراهة سوى الفرج والدبر، سواء أكان النظر بشهوة أم بغيرها، مادامت الزوجية قائمة بينهما، واختلفوا في حكم نظر الواحد منهما إلى فرج الآخر أو دبره.
فذهب الحنفية والحنابلة في المذهب إلى إباحة ذلك، وأنه يحل لكل منهما النظر إلى جميع بدن الآخر، ولا يستثنى من ذلك أي عضو، واستدلوا بقوله تعالى { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } { إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } فاستثنى سبحانه من الأمر بحفظ الفروج، الزوجات والمملوكات، ويدخل في ذلك الاستمتاع بجميع أنواعه، ولا خلاف في دخول المس والوطء في هذا الاستثناء، فكذلك النظر من باب أولى ، واستدلوا بما ورد ( عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك ) وفيه دلالة 40 364 على إباحة النظر إلى عورة الزوجة .
وذهب الحنفية إلى أن الأولى للزوجين أن لا ينظر أحدهما إلى عورة صاحبه، واستدلوا بقول عائشة رضي الله عنها قالت ما نظرت أو ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط .
واستثنى أبو حنيفة وأبو يوسف من حل النظر إلى الفرج بين الزوجين النظر إلى فرج المظاهر منها ، وقالا يحل له النظر إلى الشعر والظهر والصدر منها، وتردد صاحب الدر في حل النظر إلى فرج الحائض مع القطع بتحريم قربانها فيما تحت الإزار، وصرح الحنابلة بكراهة النظر إلى الفرج حال الحيض .
وذهب المالكية في نظر أحد الزوجين إلى فرج صاحبه إلى مثل ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة، فيحل بدون كراهة، واختلفوا في حكم النظر إلى الدبر ، فقال الأقفهسي لا يجوز النظر إليه لأنه يحرم التمتع به ، فيحرم النظر إليه .
وذهب الشافعية في الأصح ويعض المالكية والحنابلة في رواية إلى أنه يكره لأحد الزوجين أن ينظر إلى فرج الآخر، وتشتد الكراهة إذا كان النظر إلى باطن الفرج ، لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت ما نظرت إلى فرج النبي صلى الله عليه وسلم قط أو ما رأيت فرج النبي صلى الله عليه وسلم قط .
ثم استثنى الشافعية من جواز النظر مع الكراهة إلى فرج الزوجة النظر إلى فرج الزوجة المعتدة عن وطء أجنبي بشبهة، فهذه لا يحل النظر منها إلا إلى ما عدا ما بين سرتها وركبتها، وذهب بعض الشافعية إلى إباحة النظر إلى الدبر والتلذذ به بما سوى الإيلاج، وذهب الدارمي منهم إلى تحريم النظر إلى الدبر، أي إلى حلقته، وجميع ذلك يختص بحال الحياة.
ونصوا على أن الزوجة لا يحل لها النظر إلى فرج زوجها إذا منعها من ذلك بخلاف العكس لأنه يملك التمتع بها بخلاف العكس نقله الشربيني الخطيب عن الزركشي واستظهره، ونقل عن بعض المتأخرين التوقف فيه .
40 365 نظر الإنسان إلى عورة نفسه
26 - نص الشافعية والحنابلة على كراهة نظر الشخص إلى فرج نفسه بلا حاجة، وقال الشافعية ونظره إلى باطنه أشد كراهة . ، واستدلوا بما ورد عن معاوية بن حيدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك )
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 81 / ص 43)
ب- استمتاع كل من الزوجين بالآخر
138 - ذهب الفقهاء إلى أنه يحل لكل من الزوجين الاستمتاع بالآخر، ولهم في ذلك تفصيل
نص الشافعية والحنابلة على أنه يحل لكل من الزوجين الاستمتاع بالآخر كما يحل له النظر إلى جميع بدن صاحبه وكذا لمسه لحديث ( "احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك " )
وقال الحنفية إن من أحكام النكاح الأصلية حل وطء الزوج لزوجه إلا في حالة الحيض والنفاس والإحرام وفي الظهار قبل التكفير قال تعالى { والذين هم لفروجهم حافظون } { إلا على أزوجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } وقال صلى الله عليه وسلم ( "اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله " ) وكلمة الله هي الإنكاح والتزويج، ولأن النكاح ضم وتزويج لغة فيقتضي الانضمام والازدواج، ولا يتحقق 41 312 ذلك إلا بحل الوطء والاستمتاع، وحل الاستمتاع مشترك بين الزوجين، فإن المرأة كما تحل لزوجها فزوجها يحل لها، قال الله عز وجل { لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } وللزوج أن يطالبها بالوطء متى شاء إلا عند اعتراض أسباب مانعة من الوطء كالحيض والنفاس والظهار والإحرام وغير ذلك.
وللزوجة أن تطالب زوجها بالوطء، لأن حله لها حقها، كما أن حلها له حقه، وإذا طالبته يجب على الزوج ويجبر عليه في الحكم مرة واحدة، والزيادة على ذلك تجب فيما بينه وبين الله تعالى من باب حسن المعاشرة واستدامة النكاح فلا يجب عليه عند بعض الحنفية، وعند بعضهم يجب عليه في الحكم.
وأضاف الكاساني ومن الأحكام الأصلية للنكاح الصحيح حل النظر والمس من رأسها - أي الزوجة - إلى قدميها في حال الحياة، لأن الوطء فوق النظر والمس فكان إحلاله إحلالا للمس والنظر من طريق الأولى .
وقال المالكية يحل لكل من الزوجين بالعقد الصحيح النظر لسائر أجزاء البدن حتى نظر الفرج، ويحل بالنكاح والملك للأنثى تمتع بغير وطء دبر .
------------
النوم عارياً
المجيب د.أحمد بن محمد الخليل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف الفهرسة/ العادات/الألبسة
التاريخ 29/4/1423
السؤال
هل يوجد نهي من النوم بدون ملابس، ولو كان من الزوجة؟
ملاحظة: لا أقصد أثناء الجماع، إنما النوم اليومي، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
العورة يجب سترها في كل الأحوال إلا عند الحاجة كحالة الاغتسال أو الجماع أو قضاء الحاجة ونحوها، أما بدون حاجة فيجب ستر العورة؛ لما رواه بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال:"احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك"، قال: فالرجل يكون مع الرجل؟ قال:"إن استطعت ألا يراها أحد فافعل"، قال: فإن كان أحدنا خالياً، قال: فالله أحق أن يستحيا منه" رواه الترمذي (2769) وغيره.
بناءً على ما سبق لا يجوز لك أن تنام بدون ملابس تستر عورتك، سواء كان هذا النوم مع زوجتك أو بدونها، إنما يجوز كشف العورة عند الحاجة فقط، والله -سبحانه وتعالى- أعلم.
-----------
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 12 / ص 121)
احفظ عورتك إلا من زوجتك رقم الفتوى:21297تاريخ الفتوى:11 جمادي الثانية 1423السؤال : السلام عليكم و رحمه الله و بركاته
زوجي دائما يسألني الاستحمام معه قبل الجماع أو بعده فهل هذا جائز، وإن كان فكيف أسلم من ما نستعيذ منه في الحمام مع العلم أنني أذكر دعاء الدخول إلى الخلاء وأقوم بتغطيه مكان الخلاء فهل هذا يكفي أم لا؟ وجزاكم الله خيراً.......
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا حرج في أن تطيعي زوجك فيما يأمرك به؛ لأنه لا يوجد مانع يمنع من ذلك ما دام الشرع قد أباح أن ينظر كل منكما إلى عورة الآخر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: احفظ عورتك إلا من زوجتك. رواه الترمذي.
ولما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، أنها كانت تغتسل هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد يغترفان منه جميعاً.
أما كيف تسلمين من الشياطين التي قد تكون بداخل الحمام؟ فعليك بمداومة الذكر الوارد في ذلك، ومنه ما رواه أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدخل الخلاء، قال: بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث. رواه الجماعة.
والخبث: ذكران الشياطين، والخبائث: إناثها.
والله أعلم.(1/63)
إِتْيَانُ الْمَرْأَةِ مُجَبَّاةً
78-7734 أَخْبَرَنَا هِلَالُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ : إِنَّ الْيَهُودَ تَقُولُ : إِذَا جَاءَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ مُجَبَّاةً جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلُ ، فَقَالَ : " كَذَبَتْ يَهُودُ " فَنَزَلَتْ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ، فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ (1)
__________
(1) -أخرجه البخاري برقم(4528) ومسلم برقم(3608) والترمذي برقم(3245)
فتح الباري لابن حجر - (ج 12 / ص 371)
4164 - قَوْله : ( حَدَّثَنَا سُفْيَانُ )
هُوَ الثَّوْرِيُّ
قَوْلُهُ : ( كَانَتْ الْيَهُود تَقُول إِذَا جَامَعَهَا مِنْ وَرَائِهَا جَاءَ الْوَلَد أَحْوَل ، فَنَزَلَتْ )
هَذَا السِّيَاق قَدْ يُوهِم أَنَّهُ مُطَابِق لِحَدِيثِ اِبْن عُمَر ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيق يَحْيَى بْن أَبِي زَائِدَة عَنْ سُفْيَان الثَّوْرِيّ بِلَفْظِ " بَارِكَة مُدْبِرَة فِي فَرْجهَا مِنْ وَرَائِهَا " وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ طَرِيق سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَنْ اِبْن الْمُنْكَدِر بِلَفْظِ " إِذَا أَتَيْت اِمْرَأَة مِنْ دُبُرهَا فِي قُبُلهَا " وَمِنْ طَرِيق أَبِي حَازِم عَنْ اِبْن مُنْكَدِر بِلَفْظِ " إِذَا أَتَيْت الْمَرْأَة مِنْ دُبُرهَا فَحَمَلَتْ " وَقَوْله " فَحَمَلَتْ " يَدُلّ عَلَى أَنَّ مُرَاده أَنَّ الْإِتْيَان فِي الْفَرْج لَا فِي الدُّبُر ، وَهَذَا كُلّه يُؤَيِّد تَأْوِيل اِبْن عَبَّاس الَّذِي رَدَّ بِهِ عَلَى اِبْن عُمَر ، وَقَدْ أَكْذَبَ اللَّهُ الْيَهُودَ فِي زَعْمهمْ وَأَبَاحَ لِلرِّجَالِ أَنْ يَتَمَتَّعُوا بِنِسَائِهِمْ كَيْفَ شَاءُوا ، وَإِذَا تَعَارَضَ الْمُجْمَل وَالْمُفَسَّر قُدِّمَ الْمُفَسَّر ، وَحَدِيث جَابِر مُفَسَّر فَهُوَ أَوْلَى أَنْ يُعْمَل بِهِ مِنْ حَدِيث اِبْن عُمَر ، وَاللَّهُ أَعْلَم . وَأَخْرَجَ مُسْلِم أَيْضًا مِنْ حَدِيث جَابِر زِيَادَة فِي طَرِيق الزُّهْرِيّ عَنْ اِبْن الْمُنْكَدِر بِلَفْظِ " إِنْ شَاءَ مُحْبِيَة وَإِنْ شَاءَ غَيْر مُحْبِيَة غَيْر أَنَّ ذَلِكَ فِي صِمَام وَاحِد " وَهَذِهِ الزِّيَادَة يُشْبِه أَنْ تَكُون مِنْ تَفْسِير الزُّهْرِيّ لِخُلُوِّهَا مِنْ رِوَايَة غَيْره مِنْ أَصْحَاب اِبْن الْمُنْكَدِر مَعَ كَثْرَتهمْ . وَقَوْله " مُحْبِيَة " بِمِيمِ ثُمَّ مُوَحَّدَة أَيْ بَارِكَة وَقَوْله " صِمَام " بِكَسْرِ الْمُهْمَلَة وَالتَّخْفِيف هُوَ الْمَنْفَذ .
شرح النووي على مسلم - (ج 5 / ص 159)
2592 - قَوْل جَابِر ( كَانَتْ الْيَهُود تَقُول : إِذَا أَتَى الرَّجُل اِمْرَأَته مِنْ دُبُرهَا فِي قُبُلهَا كَانَ الْوَلَد أَحْوَل . فَنَزَلَتْ : { نِسَاؤُكُمْ حَرْث لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } )
. وَفِي رِوَايَة ( إِنْ شَاءَ مُجَبِّيَة وَإِنْ شَاءَ غَيْر مُجَبِّيَة غَيْر أَنَّ ذَلِكَ فِي صِمَام وَاحِد ) . الْمُجَبِّيَة بِمِيمٍ مَضْمُومَة ثُمَّ جِيم مَفْتُوحَة ثُمَّ بَاء مُوَحَّدَة ، مُشَدَّدَة مَكْسُورَة ثُمَّ يَاء مُثَنَّاة مِنْ تَحْت أَيْ مَكْبُوبَة عَلَى وَجْههَا . ( وَالصِّمَام ) بِكَسْرِ الصَّاد أَيْ ثَقْب وَاحِد ، وَالْمُرَاد بِهِ الْقُبُل قَالَ الْعُلَمَاء . وَقَوْله تَعَالَى : { فَأْتُوا حَرْثكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } أَيْ مَوْضِع الزَّرْع مِنْ الْمَرْأَة وَهُوَ قُبُلهَا الَّذِي يُزْرَع فِيهِ الْمَنِيّ لِابْتِغَاءِ الْوَلَد ، فَفِيهِ إِبَاحَة وَطْئِهَا فِي قُبُلهَا ، إِنْ شَاءَ مِنْ بَيْن يَدَيْهَا ، وَإِنْ شَاءَ مِنْ وَرَائِهَا ، وَإِنْ شَاءَ مَكْبُوبَة .
وَأَمَّا الدُّبُر فَلَيْسَ هُوَ بِحَرْثٍ وَلَا مَوْضِع زَرْع . وَمَعْنَى قَوْله : { أَنَّى شِئْتُمْ } أَيْ كَيْف شِئْتُمْ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء الَّذِينَ يُعْتَدّ بِهِمْ عَلَى تَحْرِيم وَطْء الْمَرْأَة فِي دُبُرهَا حَائِضًا كَانَتْ أَوْ طَاهِرًا ، لِأَحَادِيث كَثِيرَة مَشْهُورَة كَحَدِيثِ " مَلْعُون مَنْ أَتَى اِمْرَأَة فِي دُبُرهَا " قَالَ أَصْحَابنَا : لَا يَحِلّ الْوَطْء فِي الدُّبُر فِي شَيْء مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَلَا غَيْرهمْ مِنْ الْحَيَوَان فِي حَال مِنْ الْأَحْوَال وَاَللَّه أَعْلَم .
قَوْله ( إِنَّ يَهُود كَانَتْ تَقُول ) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخ . ( يَهُود ) غَيْر مَصْرُوف لِأَنَّ الْمُرَاد قَبِيلَة الْيَهُود فَامْتَنَعَ صَرْفه لِلتَّأْنِيثِ وَالْعَلَمِيَّة .
تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 298)
2904 - قَوْلُهُ : ( كَانَتْ الْيَهُودُ تَقُولُ مَنْ أَتَى اِمْرَأَةً فِي قُبُلِهَا مِنْ دُبُرِهَا )
قَالَ اِبْنُ الْمَلَكِ كَانَ يَقِفُ مِنْ خَلْفِهَا وَيُولِجُ فِي قُبُلِهَا ، فَإِنَّ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ مُحَرَّمٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ ،
( كَانَ الْوَلَدُ )
أَيْ الْحَاصِلُ بِذَلِكَ الْجِمَاعِ
( أَحْوَلَ )
لِتَحَوُّلِ الْوَاطِئِ عَنْ حَالِ الْجِمَاعِ الْمُتَعَارَفِ ، وَهُوَ الْإِقْبَالُ مِنْ الْقُدَّامِ إِلَى الْقُبُلِ ، وَبِهَذَا سُمِّيَ قُبُلًا إِلَى حَالِ خِلَافِ ذَلِكَ مِنْ الدُّبُرِ ، فَكَأَنَّهُ رَاعَى الْجَانِبَيْنِ وَرَأَى الْجِهَتَيْنِ فَأَنْتَجَ أَنْ جَاءَ أَحُولَ وَهُوَ أَفْعَلُ مِنْ الْحَوَلِ ، وَهُوَ أَنْ تَمِيلَ إِحْدَى الْحَدَقَتَيْنِ إِلَى الْأَنْفِ وَالْأُخْرَى إِلَى الصُّدْغِ ، يُقَالُ حَوِلَتْ عَيْنُهُ يَحُولُ حَوَلًا كَانَ بِهَا حَوَلٌ فَهُوَ أَحْوَلُ وَهِيَ حَوْلَاءُ
( فَنَزَلَتْ )
أَيْ رَدًّا عَلَيْهِمْ فِيمَا تَخَايَلَ لَهُمْ
{ نِسَاؤُكُمْ }
أَيْ مَنْكُوحَاتُكُمْ وَمَمْلُوكَاتُكُمْ
{ حَرْثٌ لَكُمْ }
أَيْ مَوَاضِعُ زِرَاعَةِ أَوْلَادِكُمْ ، يَعْنِي هُنَّ لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ الْمُعَدَّةِ لِلزِّرَاعَةِ وَمَحَلُّهُ الْقُبُلُ ، فَإِنَّ الدُّبُرَ مَوْضِعُ الْفَرْثِ لَا مَحَلُّ الْحَرْثِ .
{ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ }
أَيْ كَيْفَ شِئْتُمْ مِنْ قِيَامٍ أَوْ قُعُودٍ أَوْ اِضْطِجَاعٍ أَوْ مِنْ الدُّبُرِ فِي فَرْجِهَا ، وَالْمَعْنَى عَلَى أَيِّ هَيْئَةٍ كَانَتْ فَهِيَ مُبَاحَةٌ لَكُمْ مُفَوَّضَةٌ إِلَيْكُمْ ، وَلَا يَتَرَتَّبُ مِنْهَا ضَرَرٌ عَلَيْكُمْ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ اِتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ إِتْيَانُ الزَّوْجَةِ فِي قُبُلِهَا مِنْ جَانِبِ دُبُرِهَا وَعَلَى أَيَّةِ صِفَةٍ كَانَتْ . وَعَلَيْهِ دَلَّ قَوْلُهُ تَعَالَى : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } أَيْ هُنَّ لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ أَرْضٍ تُزْرَعُ وَمَحَلُّ الْحَرْثِ هُوَ الْقُبَلُ .
قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )
وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ .
نيل الأوطار - (ج 10 / ص 180)
وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ : لَا إلَّا فِي دُبُرِهَا .
وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ وَالطَّبَرِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا ، فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْأَسْبَابِ فِي نُزُولِ الْآيَةِ .
2804 - ( وَعَنْ جَابِرٍ : { أَنَّ يَهُودَ كَانَتْ تَقُولُ : إذَا أُتِيَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ دُبُرِهَا ثُمَّ حَمَلَتْ كَانَ وَلَدُهَا أَحْوَلَ ، قَالَ : فَنَزَلَتْ : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ .
وَزَادَ مُسْلِمٌ : إنْ شَاءَ مُجَبِّيَةً وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مُجَبِّيَةٍ ، غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ ) .
2805 - ( وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى : { { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } يَعْنِي صِمَامًا وَاحِدًا } ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ ) .
2806 - ( وَعَنْهَا أَيْضًا قَالَتْ : { لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ عَلَى الْأَنْصَارِ تَزَوَّجُوا مِنْ نِسَائِهِمْ ، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يُجَبُّونَ ، وَكَانَتْ الْأَنْصَارُ لَا تُجَبِّي ، فَأَرَادَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى ذَلِكَ ، فَأَبَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : فَأَتَتْهُ ، فَاسْتَحْيَتْ أَنْ تَسْأَلَهُ فَسَأَلَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ ، فَنَزَلَتْ : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } وَقَالَ : لَا ، إلَّا فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ } رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَلِأَبِي دَاوُد هَذَا الْمَعْنَى مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ ) .
2807 - ( وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : { جَاءَ عُمَرُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ ، قَالَ : وَمَا الَّذِي أَهْلَكَكَ ؟ قَالَ : حَوَّلْتُ رَحْلِي الْبَارِحَةَ ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ، قَالَ : فَأَوْحَى اللَّهُ إلَى رَسُولِهِ هَذِهِ الْآيَةَ : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ ، وَاتَّقُوا الدُّبُرَ وَالْحَيْضَةَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ) .
2808 - ( وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { اسْتَحْيُوا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ ، لَا يَحِلُّ مَأْتَاكَ النِّسَاءَ فِي حُشُوشِهِنَّ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ) .
حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ الثَّانِي أَوْرَدَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَسَكَتَ عَنْهُ ، وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَفِيهِ : { إنَّمَا كَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ وَهُمْ أَهْلُ وَثَنٍ مَعَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ يَهُودَ وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ ، وَكَانُوا يَرَوْنَ لَهُمْ فَضْلًا عَلَيْهِمْ مِنْ الْعِلْمِ ، وَكَانُوا يَقْتَدُونَ بِكَثِيرٍ مِنْ فِعْلِهِمْ وَكَانَ مِنْ أَمْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا يَأْتُونَ النِّسَاءَ إلَّا عَلَى حَرْفٍ ، فَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ قَدْ أَخَذُوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ ، وَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ يَشْرَحُونَ النِّسَاءَ شَرْحًا مُنْكَرًا وَيَتَلَذَّذُونَ مِنْهُنَّ مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ ؛ فَلَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ فَذَهَبَ يَصْنَعُ بِهَا ذَلِكَ فَأَنْكَرَتْهُ عَلَيْهِ وَقَالَتْ : إنَّمَا كُنَّا نُؤْتَى عَلَى حَرْفٍ فَاصْنَعْ ذَلِكَ وَإِلَّا فَاجْتَنِبْنِي ، فَسَرَى أَمْرُهُمَا حَتَّى بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } } يَعْنِي : مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ ، يَعْنِي بِذَلِكَ مَوْضِعَ الْوَلَدِ .
وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الثَّانِي فِي قِصَّةِ عُمَرَ لَعَلَّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ نَفْسِهِ وَقَدْ سَبَقَ مَا فِيهِ .
وَحَدِيثُ جَابِرٍ الْآخَرُ قَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ الْإِشَارَةَ إلَيْهِ ، وَأَنَّهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ عَلَى سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ .
قَوْلُهُ : ( مُجَبِّيَةً ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَبَعْدَهَا جِيمٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ مُوَحَّدَةٌ : أَيْ " بَارِكَةً " .
وَالتَّجْبِيَةُ : الِانْكِبَابُ عَلَى الْوَجْهِ .
وَأَخْرَجَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بِلَفْظِ : " بَارِكَةً مُدْبِرَةً فِي فَرْجِهَا مِنْ وَرَائِهَا " وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ : إذَا أُتِيَتْ مِنْ دُبُرِهَا ، يَعْنِي فِي قُبُلِهَا .
وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ ، وَيَزِيدُ ذَلِكَ وُضُوحًا قَوْلُهُ عَقِبَ ذَلِكَ : ثُمَّ حَمَلَتْ ، فَإِنَّ الْحَمْلَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ قَوْلُهُ : ( غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ ) هَذِهِ الزِّيَادَةُ تُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ مِنْ تَفْسِيرِ الزُّهْرِيِّ لِخُلُوِّهَا مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ مَعَ كَثْرَتِهِمْ ، كَذَا قِيلَ وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَلَوْ كَانَتْ مَرْفُوعَةً لَمَا صَحَّ قَوْلُ الْبَزَّارِ فِي الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ : لَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا صَحِيحًا لَا فِي الْحَصْرِ وَلَا فِي الْإِطْلَاقِ ، وَكَذَا رَوَى نَحْوَ ذَلِكَ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيِّ ، وَمِثْلَهُ عَنْ النَّسَائِيّ ، وَقَالَهُ قَبْلَهُمَا الْبُخَارِيُّ ، كَذَا قَالَ الْحَافِظُ : وَالصِّمَامُ بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ سِدَادُ الْقَارُورَةِ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْمَنْفَذُ كَفَرْجِ الْمَرْأَةِ ، وَهَذَا أَحَدُ الْأَسْبَابِ فِي نُزُولِ الْآيَةِ .
وَقَدْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ السَّبَبُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي بَعْضِهَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْقُبُلِ .
وَفِي أَكْثَرِهَا الرَّدُّ عَلَى اعْتِرَاضِ الْيَهُودِ ، وَهَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ سَبَبَ النُّزُولِ إتْيَانُ الزَّوْجَةِ فِي الدُّبُرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْإِذْنِ بِالْعَزْلِ عَنْ الزَّوْجَةِ .
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَخْرَجَهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنِ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ : " { فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } ، إنْ شَاءَ عَزَلَ ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَعْزِلْ " وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، أَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ .
الْقَوْلُ الرَّابِعُ : أَنَّ " أَنَّى شِئْتُمْ " بِمَعْنَى إذَا شِئْتُمْ ، رَوَى ذَلِكَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَيْهِ السَّلَامُ
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 2 / ص 328)
رد شبهة في شأن الوطء في الدبر رقم الفتوى:10660تاريخ الفتوى:15 رجب 1422السؤال : لقد تصفحت كتب الحديث لأعرف حكم إتيان الزوجة من دبرها، ووجدت فيها حديثين أحدهما يدل على الحل والآخر على الحرمة، فعجزت عن الحكم وأطلب منكم إفتائي في هذا الشيء.
الحديث الذي يدل على حلّ هذا الشيء هو:
كانت اليهود تقول إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول فنزلت: (نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم).
والحديث الذي يدل على حرمته هو: "ملعون من أتى امرأته في دبرها"
فأطلب منكم الفتوى وجزاكم الله خيراً.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإنه لا تعارض بين الحديثين - اللذين في نص السؤال - لاختلاف موضوعهما، فموضوع حديث جابر هو: الإتيان في محلّ المأتى وموضع الحرث أي: الفرج.
إلا أنه من ناحية الدبر، وهذا هو الذي نزل القرآن بإباحته، كما في نص حديث جابر.
أما حديث أبي هريرة: "ملعون من أتى امرأته في دبرها"، فموضوعه الإتيان في غير المأتى أي الدبر، وهذا هو الذي ذهب جماهير السلف والخلف وجمهور الأئمة إلى حرمته، وقد تقدم الجواب عن محتوى الحديثين تحت الجوابين رقم: 8130، 3533 فليراجعا.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 25 / ص 116)
آداب الجماع رقم الفتوى:3768تاريخ الفتوى:21 ربيع الأول 1422السؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أود معرفة آداب الجماع في الإسلام وكيف يمكن للزوج المسلم أن يحقق الإشباع الجنسي لزوجته تحقيقا لقوله تعالى "ولهن مثل الدي عليهن..." ولكم جزيل الشكر
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فللجماع آداب حث عليها الإسلام، وصولاً به إلى العمل الكريم اللائق بالإنسان، وتحقيقاً للأهداف المرجوة من النكاح ومن هذه الآداب.
1- التطيب قبل الجماع: ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيطوف على نسائه ثم يصبح محرماً ينضخ طيباً
2- ملاعبة الزوجة قبل الجماع لتنهض شهوتها فتنال من اللذة ما ينال.
3- ما يقال عند الجماع: روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً ".
4- كيفيات الجماع الجائزة: الجماع لا يجوز إلا في الفرج الذي هو موضع الولادة والحرث، سواء جامعها فيه من الأمام أو من الخلف، روى البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه قال: كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول، فنزلت: ( نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) [البقرة:223].
5- إذا قضى الزوج أربه فلا ينزع حتى تقضي الزوجة أربها.
6- تحريم وطء الحائض : روى الترمذي وأبو داود عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فقد كفر بما أنزل على محمد".
7- تحريم الوطء في الدبر: روى أبو داود في سننه عن أبي هريرة قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم " ملعون من أتى امرأته في دبرها "
8- تحريم إفشاء ما بين الزوجين مما يتصل بالمعاشرة: روى مسلم عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها".
9- وجوب الغسل من الجماع ولو لم ينزل: روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب عليه الغسل وإن لم ينزل" وعند مسلم أيضاً: " إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان، فقد وجب الغسل". وعن الترمذي: " إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل
10- التستر أثناء الجماع: ورد في ذلك حديث لكنه ضعيف فلا حرج في عدم التستر، والحديث هو ما رواه ابن ماجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أتى أحدكم أهله فليستر، ولا يتجرد تجرد العيرين" فإذا التزم الإنسان هذه الآداب مع غض بصره عن الحرام، واستشعار نعمة الله عليه في تيسير الزواج له، واستحضار نية إعفاف أهله ووقايتهم من الحرام تحقق له مراده في الإشباع الجنسي له ولأهله. ولا مانع من الاستفادة من بعض الكتب النافعة التي عنيت بالحديث عن اللقاء بين الزوجين وعلاج المشاكل التي تعرض له، ككتاب تحفة العروس، وكتاب اللقاء بين الزوجين، وكتاب متعة الحياة الزوجية.
والله أعلم.(1/64)
تَأْوِيلُ قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ :{نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ .. } (223) سورة البقرة(1)
__________
(1) - التحرير والتنوير - (ج 2 / ص 303)
هذه الجملة تذييل ثان لجملة : { فأتوهن من حيث أمركم الله نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُمْ } [ البقرة : 222 ] قصد به الارتفاق بالمخاطبين والتأنس لهم لإشعارهم بأن منعهم من قربان النساء في مدة المحيض منع مؤقت لفائدتهم وأن الله يعلم أن نساءهم محل تعهدهم وملابستهم ليس منعهم منهن في بعض الأحوال بأمر هين عليهم لولا إرادة حفظهم من الأذى ، كقول عمر بن الخطاب لما حمي الحمى «لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبراً إنها لبلادُهم» وتعتبر جملة { نساؤكم حرث } مقدِّمة لجملة { فأتوا حرثكم أنى شئتم } وفيها معنى التعليل للإذن بإتيانهن أنّى شاءوا ، والعلةُ قد تجعل مقدمة فلو أوثر معنى التعليل لأخرت عن جملة { فأتوا حرثكم أنى شئتم } ولكن أوثر أن تكون مقدمة للتي بعدها لأنه أحكم نسيج نظم ولتتأتى عقبه الفاء الفصيحة .
والحرث مصدر حرث الأرض إذا شقها بآلة تشق التراب ليزرع في شقوقه زريعة أو تغرس أشجار . وهو هنا مطلق على معنى اسم المفعول .
وإطلاق الحرث على المحروث وأنواعه إطلاق متعدد فيطلق على الأرض المجعولة للزرع أو الغرس كما قال تعالى : { وقالوا هذه أنعام وحرث حجر } [ الأنعام : 138 ] أي أرض زرع محجورة على الناس أن يزرعوها .
وقال : { والخيل المسومة والأنعام والحرث } [ آل عمران : 14 ] أي الجنات والحوائط والحقول .
وقال : { كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته } [ »ل عمران : 117 ] أي فأهلكت زرعهم .
وقال : { فتنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين } [ القلم : 22 ] يعنون به جنتهم أي صارمين عراجين التمر .
والحرث في هذه الآية مراد به المحروث بقرينة كونه مفعولاً لفعل { فأتوا حرثكم } وليس المراد به المصدر لأن المقام ينبو عنه ، وتشبيه النساء بالحرث تشبيه لطيف كما شبه النسل بالزرع في قول أبي طالب في خطبته خديجة للنبيء صلى الله عليه وسلم " الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل " .
والفاء في { فأتوا حرثكم أنى شئتم } فاء فصيحة لابتناء ما بعدها على تقرر أن النساء حرث لهم ، لا سيما إذا كانوا قد سألوا عن ذلك بلسان المقال أو بلسان الحال .
وكلمة ( أنى ) اسم لمكان مبهم تبينه جملة مضاف هو إليها ، وقد كثر استعماله مجازاً في معنى كيف بتشبيه حال الشيء بمكانه ، لأن كيف اسم للحال المبهمة يبينها عاملها نحو { كيف يشاء } [ آل عمران : 6 ] وقال في «لسان العرب» : إن ( أنى ) تكون بمعنى ( متى ) ، وقد أضيف ( أنى ) في هذه الآية إلى جملة ( شئتم ) والمشيئات شتى فتأوله كثير من المفسرين على حمل ( أني ) على المعنى المجازي وفسره بكيف شئتم وهو تأويل الجمهور الذي عضدوه بما رووه في سبب نزول الآية وفيها روايتان .
إحداهما عن جابر بن عبد الله والأخرى عن ابن عباس وتأوله الضحاك على معنى متى شئتم وتأوله جمع على معناه الحقيقي من كونه اسم مكان مبهم ، فمنهم من جعلوه ظرفاً لأنه الأصل في أسماء المكان إذا لم يصرح فيها بما يصرف عن معنى الظرفية وفسروه بمعنى في أي مكان من المرأة شئتم وهو المروي في «صحيح البخاري» تفسيراً من ابن عمر ، ومنهم من جعلوه اسم مكان غير ظرف وقدروا أنه مجرور ب ( من ) ففسروه من أي مكان أو جهة شئتم وهو يئول إلى تفسيره بمعنى كيف ، ونسب القرطبي هذين التأويلين إلى سيبويه . فالذي يتبادر من موقع الآية وتساعد عليه معاني ألفاظها أنها تذييل وارد بعد النهي عن قربان النساء في حال الحيض . فتحمل ( أني ) على معنى متى ويكون المعنى فأتوا نساءكم متى شئتم إذا تطهرن فوزانها وزان قوله تعالى : { وإذا حللتم فاصطادوا بعد قوله : { غير محلى الصيد وأنتم حرم } [ المائدة : 2 ] .
ولا مناسبة تبعث لصرف الآية عن هذا المعنى إلا أن ما طار بين علماء السلف ومن بعدهم من الخوض في محامل أخرى لهذه الآية ، وما رووه من آثار في أسباب النزول يضطّرنا إلى استفصال البيان في مختلف الأقوال والمحامل مقتنعين بذلك ، لما فيه من إشارة إلى اختلاف الفقهاء في معاني الآية ، وإنها لمسألة جديرة بالاهتمام ، على ثقل في جريانها ، على الألسنة والأقلام .
روى البخاري ومسلم في «صحيحهما» عن جابر بن عبد الله : أن اليهود قالوا إذا أتى الرجل امرأته مجبية جاء الولد أحول ، فسأل المسلمون عن ذلك فنزلت { نساؤكم حرث لكم } الآية وأخرج أبو داود عن ابن عباس قال : كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من اليهود وهم أهل كتاب وكانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العلم فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم ، وكان من أمر أهل الكتاب ألا يأتوا النساء إلا على حرف وذلك أستر ما تكون المرأة ، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك ، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحاً ( أي يطأونهن وهن مستلقيات عن أقفيتهن ) ومقبلات ومدبرات ومستلقيات ، فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه وقالت : إنما كنا نؤتَى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني حتى شَرِي أمرُهما ( أي تفاقم اللجاج ) فبلغ ذلك النبي فأنزل الله : { فأتوا حرثكم أنى شئتم } أي مقبلات كن أو مدبرات أو مستلقيات يعني بذلك في موضع الولد ، وروي مثله عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الترمذي ، وما أخرجه الترمذي عن ابن عباس قال : جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله هلكتُ قال وما أهلكك؟ قال : حوَّلْت رحلي الليلة ( يريد أنه أتى امرأته وهي مستدبرة ) فلم يردَّ عليه رسول الله شيئاً فأوحى الله إلى رسوله هذه الآية : { نساؤكم حرث لكم } الآية .
وروى البخاري عن نافع قال : كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه فأخذت عليه المصحف يوماً فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى { فأتوا حرثكم أنى شئتم } قال : تدري فيم أنزلت؟ قلت : لا قال : أنزلت في كذا وكذا وفي رواية عن نافع في البخاري «يأتيها في . . . . » ولم يزد وهو يعني في كلتا الروايتين عنه إتيان النساء في أدبارهن كما صرح بذلك في رواية الطبري وإسحاق بن راهويه : أنزلت إتيان النساء في أدبارهن ، وروى الدارقطني في «غرائب مالك» والطبري عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رجلاً أتى امرأته في دبرها فوجد في نفسه من ذلك فأنزل الله { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } وقد روى أن ذلك الرجل هو عبد الله بن عمر ، وعن عطاء بن يسار أن رجلاً أصاب امرأته في دبرها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكر الناس عليه وقالوا : أثفرها فأنزل الله تعالى { نساؤكم حرث لكم } فعلى تأويل هؤلاء يكون قوله تعالى : { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } ، تشبيهاً للمرأة بالحرث أي بأرض الحرث وأطلق { فأتوا حرثكم } على معنى : فاحرثوا في أي مكان شئتم .
أقول : قد أجمل كلام الله تعالى هنا ، وأبهم وبين المبهمات بمبهمات من جهة أخرى لاحتمال { أمركم الله } معاني ليس معنى الإيجاب والتشريع منها ، إذ لم يعهد سبق تشريع من الله في هذا كما قدمناه ، ثم أتبع بقوله : { يحب التوابين } [ البقرة : 222 ] فربما أشعر بأن فعلاً في هذا البيان كان يرتكب والله يدعو إلى الانكفاف عنه وأتبع بقوله : { ويحب المتطهرين } فأشعر بأن فعلاً في هذا الشأن قد يلتبس بغيرِ التنزه والله يحب التنزه عنه ، مع احتمال المحبة عنه لمعنى التفضيل والتكرمة مثل { يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين } [ التوبة : 108 ] ، واحتمالها لمعنى : ويبغض غير ذلك ، ثم جاء ما هو كالدليل وهو قوله : { نساؤكم حرث لكم } فجعلن حرثاً على احتمال وجوه في الشبه؛ فقد يقال : إنه وكل للمعروف ، وقد يقال : إنه جعل شائعاً في المرأة ، فلذلك نيط الحكم بذات النساء كلها ، ثم قال : { فأتوا حرثكم أنى شئتم } فجاء بأنى المحتملة للكيفيات وللأمكنة وهي أصل في الأمكنة ووردت في الكيفيات ، وقد قيل : إنها ترد للأزمنة فاحتمل كونها أمكنة الوصول من هذا الإتيان ، أو أمكنة الورود إلى مكان آخر مقصود فهي أمكنة ابتداء الإتيان أو أمكنة الاستقرار فأُجمِل في هذا كله إجمال بديع وأثنى ثناء حسن .
واختلاف محامل الآية في أنظار المفسرين والفقهاء طوعُ علم المتأمل ، وفيها أقوال كثيرة ومذاهب مختلفة لفقهاء الأمصار في كتب أحكام القرآن وكتب السنة ، وفي دواوين الفقه ، وقد اقتصرنا على الآثار التي تمت إلى الآية بسبب نزول ، وتركنا ما عداه إلى أفهام العقول .(1/65)
79-7735 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ قَالَ : أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : إِنَّ يَهُودَ كَانَتْ تَقُولُ : " إِذَا أُتِيَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ دُبُرِهَا ، ثُمَّ حَمَلَتْ كَانَ وَلَدُهَا أَحْوَلَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ : أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ، وَذَكَرَ آخَرُ أَنَّ ابْنَ الْهَادِ ، حَدَّثَهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، نَحْوَهُ (1)
__________
(1) - أخرجه مسلم برقم(3609)
عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 19 / ص 361)
والحديث أخرجه مسلم في النكاح وغيره عن قتيبة وأخرجه الترمذي في التفسير عن ابن أبي عمر وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن إسحاق بن إبراهيم وأخرجه ابن ماجه في النكاح عن سهل بن أبي سهل وغيره وظاهر حديث جابر هذا يوهم أنه مطابق لحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وليس كذلك فإنه روى بوجوه كلها ترجع إلى معنى واحد فروى الطحاوي من حديث الزهري عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن يهوديا قال إذا نكح الرجل امرأته مجبية خرج ولده أحول فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم إن شئتم مجبية وإن شئتم غير مجببة إذا كان ذلك في صمام واحد وأخرجه مسلم أيضا نحوه وروى الطحاوي أيضا من حديث ابن جريج عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن اليهود قالوا للمسلمين من أتى امرأته وهي مدبرة جاء ولده أحول فأنزل الله عز وجل نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم فقال رسول الله مدبرة ومقبلة ما كان في الفرج وفي رواية لمسلم من طريق سفيان بن عيينة عن ابن المنكدر بلفظ إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها ومن طريق أبي حازم عن ابن المنكدر بلفظ إذا أتيت المرأة من دبرها فحملت وقوله فحملت يدل على أن مراده أن الإتيان في الفرج لا في الدبر وقال الطحاوي ففي توقيت النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك على الفرج إعلام منه إياهم أن الدبر بخلاف ذلك قلت لأن تنصيصه على الفرج ينافي دخول الدبر قوله مجبية من جبى يجبى تجبية كعلى يعلى تعلية ومادته جيم وياء موحدة وألف ومعناه مكية على وجهها تشبيها بهيئة السجود وعن سعيد بن المسيب أنزلت هذه الآية الكريمة في الغزل أخرجه الدارمي ولفظه ( نساؤكم حرث لكم أنى شئتم ) قال إن شئت فاعزل وإن شئت فلا تعزل ورواه الطحاوي عن ابن عباس نحوه وعند الطبري أن أناسا من حمير أتوا رسول الله فقال رجل منهم يا رسول الله إني رجل أحب النساء فكيف ترى في ذلك فنزلت وعنده مقاتل قال حيي بن أخطب ونفر من اليهود للمسلمين إنه لا يحل لكم جماع النساء إلا مستلقيات وإنا نجد في كتاب الله عز وجل أن جماع المرأة غير مستلقية دنس عند الله تعالى فنزلت وعن ابن عباس الحرث منبت الولد وقال السدي هي مزرعة يزع فيها أو يحرث فيها وقال ابن حزم ما رويت إباحة الوطء في دبرها إلا عن ابن عمرو وحده باختلاف عنه وعن مالك باختلاف عنه فقط وذكر أبو الحسن المرغيناني أن من أتى امرأته في المحل المكروه فلا حد عليه عند الإمام أبي حنيفة ويعزر وقال هو كالزنا وقال أبو زكريا اتفق العلماء الذين يعتد بهم على تحريم وطء المرأة في دبرها قال وقال أصحابنا لا يحل الوطء في الدبر في شيء من الآدميين ولا غيرهم من الحيوان على حال من الأحوال
نيل الأوطار - (ج 10 / ص 180)
2805 - ( وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْله تَعَالَى : { { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } يَعْنِي صِمَامًا وَاحِدًا } ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ ) .
2806 - ( وَعَنْهَا أَيْضًا قَالَتْ : { لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ عَلَى الْأَنْصَارِ تَزَوَّجُوا مِنْ نِسَائِهِمْ ، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يُجَبُّونَ ، وَكَانَتْ الْأَنْصَارُ لَا تُجَبِّي ، فَأَرَادَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى ذَلِكَ ، فَأَبَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : فَأَتَتْهُ ، فَاسْتَحْيَتْ أَنْ تَسْأَلَهُ فَسَأَلَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ ، فَنَزَلَتْ : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } وَقَالَ : لَا ، إلَّا فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ } رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَلِأَبِي دَاوُد هَذَا الْمَعْنَى مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ ) .
2807 - ( وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : { جَاءَ عُمَرُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ ، قَالَ : وَمَا الَّذِي أَهْلَكَكَ ؟ قَالَ : حَوَّلْتُ رَحْلِي الْبَارِحَةَ ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ، قَالَ : فَأَوْحَى اللَّهُ إلَى رَسُولِهِ هَذِهِ الْآيَةَ : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ ، وَاتَّقُوا الدُّبُرَ وَالْحَيْضَةَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ) .
2808 - ( وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { اسْتَحْيُوا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ ، لَا يَحِلُّ مَأْتَاكَ النِّسَاءَ فِي حُشُوشِهِنَّ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ) .
حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ الثَّانِي أَوْرَدَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَسَكَتَ عَنْهُ ، وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَفِيهِ : { إنَّمَا كَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ وَهُمْ أَهْلُ وَثَنٍ مَعَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ يَهُودَ وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ ، وَكَانُوا يَرَوْنَ لَهُمْ فَضْلًا عَلَيْهِمْ مِنْ الْعِلْمِ ، وَكَانُوا يَقْتَدُونَ بِكَثِيرٍ مِنْ فِعْلِهِمْ وَكَانَ مِنْ أَمْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا يَأْتُونَ النِّسَاءَ إلَّا عَلَى حَرْفٍ ، فَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ قَدْ أَخَذُوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ ، وَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ يَشْرَحُونَ النِّسَاءَ شَرْحًا مُنْكَرًا وَيَتَلَذَّذُونَ مِنْهُنَّ مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ ؛ فَلَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ فَذَهَبَ يَصْنَعُ بِهَا ذَلِكَ فَأَنْكَرَتْهُ عَلَيْهِ وَقَالَتْ : إنَّمَا كُنَّا نُؤْتَى عَلَى حَرْفٍ فَاصْنَعْ ذَلِكَ وَإِلَّا فَاجْتَنِبْنِي ، فَسَرَى أَمْرُهُمَا حَتَّى بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } } يَعْنِي : مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ ، يَعْنِي بِذَلِكَ مَوْضِعَ الْوَلَدِ .
وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الثَّانِي فِي قِصَّةِ عُمَرَ لَعَلَّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ نَفْسِهِ وَقَدْ سَبَقَ مَا فِيهِ .
وَحَدِيثُ جَابِرٍ الْآخَرُ قَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ الْإِشَارَةَ إلَيْهِ ، وَأَنَّهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ عَلَى سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ .
قَوْلُهُ : ( مُجَبِّيَةً ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَبَعْدَهَا جِيمٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ مُوَحَّدَةٌ : أَيْ " بَارِكَةً " .
وَالتَّجْبِيَةُ : الِانْكِبَابُ عَلَى الْوَجْهِ .
وَأَخْرَجَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بِلَفْظِ : " بَارِكَةً مُدْبِرَةً فِي فَرْجِهَا مِنْ وَرَائِهَا " وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ : إذَا أُتِيَتْ مِنْ دُبُرِهَا ، يَعْنِي فِي قُبُلِهَا .
وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ ، وَيَزِيدُ ذَلِكَ وُضُوحًا قَوْلُهُ عَقِبَ ذَلِكَ : ثُمَّ حَمَلَتْ ، فَإِنَّ الْحَمْلَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ قَوْلُهُ : ( غَيْرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ ) هَذِهِ الزِّيَادَةُ تُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ مِنْ تَفْسِيرِ الزُّهْرِيِّ لِخُلُوِّهَا مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ مَعَ كَثْرَتِهِمْ ، كَذَا قِيلَ وَهُوَ الظَّاهِرُ ، وَلَوْ كَانَتْ مَرْفُوعَةً لَمَا صَحَّ قَوْلُ الْبَزَّارِ فِي الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ : لَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا صَحِيحًا لَا فِي الْحَصْرِ وَلَا فِي الْإِطْلَاقِ ، وَكَذَا رَوَى نَحْوَ ذَلِكَ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيِّ ، وَمِثْلَهُ عَنْ النَّسَائِيّ ، وَقَالَهُ قَبْلَهُمَا الْبُخَارِيُّ ، كَذَا قَالَ الْحَافِظُ : وَالصِّمَامُ بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ سِدَادُ الْقَارُورَةِ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْمَنْفَذُ كَفَرْجِ الْمَرْأَةِ ، وَهَذَا أَحَدُ الْأَسْبَابِ فِي نُزُولِ الْآيَةِ .
وَقَدْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ السَّبَبُ مِنْ طُرُقٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي بَعْضِهَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْقُبُلِ .
وَفِي أَكْثَرِهَا الرَّدُّ عَلَى اعْتِرَاضِ الْيَهُودِ ، وَهَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ سَبَبَ النُّزُولِ إتْيَانُ الزَّوْجَةِ فِي الدُّبُرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ .
وَالثَّالِثُ : أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْإِذْنِ بِالْعَزْلِ عَنْ الزَّوْجَةِ .
رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَخْرَجَهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنِ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ .
وَرُوِيَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ : " { فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } ، إنْ شَاءَ عَزَلَ ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَعْزِلْ " وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، أَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ .
الْقَوْلُ الرَّابِعُ : أَنَّ " أَنَّى شِئْتُمْ " بِمَعْنَى إذَا شِئْتُمْ ، رَوَى ذَلِكَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَيْهِ السَّلَامُ(1/66)
80-7736 أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرٍ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَأْتِي امْرَأَتَهُ مِنْ قِبَلِ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا : إِنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ أَحْوَلَ فَنَزَلَتْ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ (1)
81-7737 أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ قَالَ : حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ يَعْنِي ابْنَ أَبِي الْمُغِيرَةِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ قَالَ : " وَمَا الَّذِي أَهْلَكَكَ ؟ " قَالَ : حَوَّلْتُ رَحْلِي اللَّيْلَةَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا ، فَأُوحِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةُ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ يَقُولُ : " أَقْبِلْ ، وَأَدْبِرْ ، وَاتَّقِ الدُّبُرَ ، وَالْحَيْضَةَ (2)
__________
(1) - صحيح
(2) - أخرجه الترمذي برقم(3247) وتفسير ابن أبي حاتم برقم(2170) والبيهقي برقم(14505) وصحيح برقم(4276) حديث حسن
تحفة الأحوذي - (ج 7 / ص 300)
قَوْلُهُ : ( حَوَّلْت رَحْلِي اللَّيْلَةَ ) ، كَنَّى بِرَحْلِهِ عَنْ زَوْجَتِهِ أَرَادَ بِهِ غَشَيَانَهَا فِي قُبُلِهَا مِنْ جِهَةِ ظَهْرِهَا لِأَنَّ الْمُجَامِعَ يَعْلُو الْمَرْأَةَ وَيَرْكَبُهَا مِمَّا يَلِي وَجْهَهَا فَحَيْثُ رَكِبَهَا مِنْ جِهَةِ ظَهْرِهَا ، كَنَّى عَنْهُ بِتَحْوِيلِ رَحْلِهِ ، إِمَّا نَقْلًا مِنْ الرَّحْلِ بِمَعْنَى الْمَنْزِلِ أَوْ مِنْ الرَّحْلِ بِمَعْنَى الْكُورِ وَهُوَ لِلْبَعِيرِ كَالسَّرْجِ لِلْفَرَسِ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ .
( أَقْبِلْ ) أَيْ جَامِعْ مِنْ جَانِبِ الْقُبُلِ
( وَأَدْبِرْ ) أَيْ أَوْلِجْ فِي الْقُبُلِ مِنْ جَانِبِ الدُّبُرِ
( وَاتَّقِ الدُّبُرَ ) أَيْ إِيلَاجَهُ فِيهِ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى جَلَّ جَلَالُهُ { فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } فَإِنَّ الْحَرْثَ يَدُلُّ عَلَى اِتِّقَاءِ الدُّبُرِ وَأَنَّى شِئْتُمْ عَلَى إِبَاحَةِ الْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ وَالْخِطَابُ فِي التَّفْسِيرِ خِطَابٌ عَامٌّ وَأَنَّ كُلَّ مَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ الْإِقْبَالُ وَالْإِدْبَارُ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِمَا
( وَالْحِيضَةَ ) بِكَسْرِ الْحَاءِ اِسْمٌ مِنْ الْحَيْضِ وَالْحَالُ الَّتِي تَلْزَمُهَا الْحَائِضُ مِنْ التَّجَنُّبِ وَالتَّحَيُّضِ كَالْجِلْسَةِ وَالْقِعْدَةِ مِنْ الْجُلُوسِ . كَذَا فِي النِّهَايَةِ . وَالْمَعْنَى اِتَّقِ الْمُجَامَعَةَ فِي زَمَانِهَا .
قَوْلُهُ : ( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ .
مشكل الآثار للطحاوي - (ج 13 / ص 342)
باب بيان مشكل ما روي في السبب الذي نزل فيه قوله تعالى : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم (1) ، وما كان من النبي صلى الله عليه وسلم عند نزولها مما أعلم الناس به المراد بها
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 223
5346 - حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، حدثنا أبو بكر بن أبي أويس ، حدثني سليمان بن بلال ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الله بن عمر : أن رجلا ، أتى امرأته في دبرها ، فوجد في نفسه من ذلك وجدا شديدا ، فأنزل الله تعالى : نساؤكم حرث لكم ، فأتوا حرثكم أنى شئتم (1)
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 223
5347 - وحدثنا أحمد بن داود قال : حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب ، حدثنا عبد الله بن نافع ، عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد : أن رجلا ، أصاب (1) امرأته في دبرها ، فأنكر الناس ذلك عليه وقالوا : أثفرها فأنزل الله تعالى : نساؤكم حرث لكم ، فأتوا حرثكم أنى شئتم (2) ففي هذين الحديثين ما قد ذكر قوم أنهم استدلوا به على الإباحة لهذا المعنى المذكور فيها فتأملنا ما روي في ذلك من غير هذين الحديثين
__________
(1) أصاب : جامع
(2) سورة : البقرة آية رقم : 223
5348 - فوجدنا يونس قد حدثنا ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله : أن اليهود قالوا : من أتى امرأته في فرجها من دبرها خرج ولده أحول ، فأنزل الله تعالى : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم (1) ووجدنا يونس قد حدثنا قال : حدثنا ابن وهب ، حدثنا سفيان الثوري : أن محمد بن المنكدر ، حدثه عن جابر بن عبد الله ، مثله ، ووجدنا أبا شريح محمد بن زكريا قد حدثنا ، قال : حدثنا الفريابي حدثنا سفيان الثوري ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله ، مثله
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 223
5349 - ووجدنا إبراهيم بن مرزوق قد حدثنا قال حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا شعبة ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر قال : قالت اليهود : إذا أتى الرجل أهله باركة جاء ولده أحول ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم (1)
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 223
5350 - ووجدنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قد حدثنا قال : حدثنا أشهب بن عبد العزيز ، عن مالك بن أنس ، أخبرنا محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله أنه قال : إن اليهود قالوا : إذا أتى الرجل امرأته مدبرة جاء ولده أحول ، فأنزل الله تعالى : « نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم (1) »
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 223
5351 - ووجدنا فهد بن سليمان قد حدثنا ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثني الليث بن سعد ، قال : حدثني يزيد بن عبد الله بن الهاد ، عن أبي حازم ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله : أنه كان يقول : إن اليهود كانت تقول : إذا أتيت المرأة في قبلها من دبرها ، ثم حملت كان ولدها أحول ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم (1) فكان ما في هذه الآثار مما يدفع ذلك
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 223
5352 - ووجدنا إبراهيم بن أبي داود قد حدثنا قال : حدثنا المقدمي ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا أبي قال : سمعت النعمان بن راشد ، يحدث عن الزهري ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله : أن يهوديا ، قال : « إذا نكح الرجل امرأته مجبية (1) خرج ولدها أحول ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، يعني : إن شئت مجبية ، وإن شئت غير مجبية ، إذا كان في صمام واحد »
__________
(1) مجبية : مكبوبة على وجهها
5353 - وحدثنا يونس ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني ابن جريج ، أن محمد بن المنكدر ، حدثه عن جابر بن عبد الله : أن اليهود ، قالوا للمسلمين : من أتى امرأة مدبرة جاء ولدها أحول ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مقبلة ومدبرة ما كان في الفرج من قبلها ، لا إلى ما سواه » فعادت هذه الآثار في الحظر لوطء النساء في أدبارهن ، لا إلى الإباحة لذلك وقد ذكر قوم أن الآية كان نزولها في غير هذا المعنى ، وذكر في ذلك
5354 - ـ ما قد حدثنا . . . . الحسن بن موسى الأشيب ، حدثنا يعقوب بن عبد الله القمي ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه قال : جاء عمر رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، هلكت قال : « وما أهلكك ؟ » قال : حولت رحلي (1) البارحة ، فلم يرد عليه شيئا ، فأوحى الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : نساؤكم حرث لكم (2) « أقبل وأدبر ، واتق الدبر والحيضة » فكان في هذا الحديث أن سبب نزول هذه الآية غير السبب الذي ذكر فيما تقدم مما ذكرناه ، وفيما تقدم منا في هذا الباب ، وكان فيه المنع من وطء النساء في أدبارهن ، كالمنع من وطئهن في حيضهن ، فكان في هذا الحديث ، إنما دار على ابن عباس . فنظرنا : هل روي عن ابن عباس ما يخالفه ، أم لا ؟
__________
(1) رحلي : زوجتي والمراد أنه أتاها في قبلها من جهة دبرها
(2) سورة : البقرة آية رقم : 223
5355 - ـ فوجدنا الربيع بن سليمان الجيزي قد حدثنا قال : حدثنا أبو الأسود ، أخبرنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب : أن عامر بن يحيى المعافري ، حدثه : أن حنش بن عبد الله السبئي حدثه : أنه سمع ابن عباس يقول : إن ناسا من حمير أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن النساء ، فأنزل الله : نساؤكم حرث لكم ، فأتوا حرثكم أنى شئتم (1) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ائتها مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج » ففي هذا الحديث : أن سبب نزول هذه الآية في خلاف السبب المذكور نزولها فيه لما سبقت روايتنا له عن ابن عباس في هذا الباب ، والمنع من إتيان النساء فيما سوى فروجهن .
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 223
5356 - ووجدنا فهد بن سليمان قد حدثنا قال : حدثنا علي بن معبد ، حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن أبي إسحاق ، عن زائدة بن عمير الطائي قال : سألت ابن عباس عن العزل (1) ، فقال : قد أكثرتم ، فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه شيئا ، فهو كما قال ، وإن لم يكن قال فيه صلى الله عليه وسلم ، فأنا أقول فيه : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم (2) ، فإن شئتم فاعزلوا ، وإن شئتم فلا تعزلوا ، أي ذلك فعلتم ، فلا بأس فهذا ابن عباس قد حمل تأويل الآية على خلاف ما روي عنه ، مما ذكر أن نزولها كان فيه . ثم نظرنا : هل روي في نزولها شيء عن غير ابن عباس ، وعن غير من ذكرنا في هذا الباب سواه ؟
__________
(1) العزل : عَزْلَ ماء المني عن النّساء حَذَرَ الحمْل
(2) سورة : البقرة آية رقم : 223
5357 - فوجدنا يزيد بن سنان قد حدثنا قال : حدثنا زكريا بن يحيى كاتب العمري ، حدثنا المفضل بن فضالة ، عن عبد الله ، عن كعب بن علقمة ، عن أبي النضر : أنه أخبره : أنه قال لنافع مولى عبد الله بن عمر ، إنه قد أكثر عليك القول : أنك تقول عن ابن عمر ، إنه أفتى أن تؤتى النساء في أدبارهن ، قال نافع : كذبوا علي ، ولكني سأخبرك كيف كان الأمر : إن ابن عمر عرض المصحف يوما ، وأنا عنده ، حتى بلغ قوله عز وجل : نساؤكم حرث لكم (1) ، قال : يا نافع ، هل تعلم من أمر هذه الآية ؟ قال : قلت : لا . قال : « إنا كنا معشر قريش نجبي النساء ، فلما دخلنا المدينة ، ونكحنا نساء الأنصار ، أردنا منهن مثل الذي نريد ، فإذا هن كرهن ، وأعظمن ذلك ، وكانت نساء الأنصار قد أخذن بحال اليهود ، إنما يؤتين على جنوبهن ، فأنزل الله تعالى : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم » فكان في هذا الحديث عن ابن عمر ، أن نزول هذه الآية كان للمعنى المذكور نزولها فيه ، لا لما سوى ذلك من إباحته لوطء النساء في أدبارهن . فقال قائل : فقد روي عن ابن عمر إباحته ، وذكر
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 223
5358 - ما قد حدثنا أبو قرة محمد بن حميد الرعيني ، حدثنا أصبغ بن الفرج وأبو زيد بن أبي الغمر قالا : قال ابن القاسم : وحدثني مالك ، قال : حدثني ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن أبي الحباب سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر عنه ، يعني وطء النساء في أدبارهن ، فقال : لا بأس به فكان جوابنا له : أنه قد روي عن ابن عمر من ناحية سعيد بن يسار ما يخالف هذا
5359 - كما حدثنا الربيع المرادي ، حدثنا عبد الله بن وهب ، حدثنا الليث بن سعد ، عن الحارث بن يعقوب ، عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال : قلت لابن عمر : ما تقول في الجواري أحمض لهن ، قال : وما التحميض ، فذكرت الدبر ، فقال : وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين ؟ فهذا ابن عمر قد روي عنه ضد ما ذكرت ، وإذا كان ذلك كذلك ، كان كأنه لم يرو عنه فيه ، ولقد قال ميمون بن مهران في ذلك ما قد حدثنا فهد بن سليمان ، وإسحاق بن محمد بن معمر قالا : حدثنا علي بن معبد قال : حدثنا عبيد الله بن عمرو ، عن ميمون بن مهران ، وذكر له عن نافع ما حكى عنه من إباحة وطء النساء في أدبارهن ، فقال : إنما قال ذلك نافع بعدما كبر ، وذهب عقله . وقد روي عن سالم نفي ذلك ، عن ابن عمر .
5360 - كما حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا ابن أبي مريم ، أخبرنا عطاف بن خالد عن موسى بن عبد الله بن الحسن أن أباه سأل سالم بن عبد الله أن يحدثه بحديث نافع ، عن ابن عمر : « أنه كان لا يرى بأسا في إتيان النساء في أدبارهن ، فقال سالم : كذب العبد ، أو قال : أخطأ ، إنما قال : لا بأس أن يؤتين في فروجهن من أدبارهن » ثم نظرنا في سبب نزول هذه الآية : هل روي فيه عن غير من ذكرنا شيء ، أم لا ؟
5361 - ـ فوجدنا فهدا قد حدثنا قال : حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل ، حدثنا وهيب بن خالد ، حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن عبد الرحمن بن سابط قال : أتيت حفصة بنت عبد الرحمن ، فقلت : إني أريد أن أسألك عن شيء ، وإني أستحيي منك ، فقالت : سل يا ابن أخي عما بدا لك ، قلت : عن إتيان النساء في أدبارهن ، قالت : حدثتني أم سلمة ، أن الأنصار كانوا لا يجبون والمهاجرون يجبون ، وكانت اليهود تقول : من جبى خرج ولده أحول ، فلما قدم المهاجرون المدينة ، نكحوا نساء الأنصار ، فنكح رجل من المهاجرين امرأة من الأنصار ، فجباها ، فأبت ، فأتت أم سلمة ، فذكرت ذلك لها ، فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم ، ذكرت ذلك له أم سلمة ، فاستحيت الأنصارية ، فخرجت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « ادعيها » ، فدعتها ، فقال : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم (1) « صماما واحدا » فكان ما في هذا الحديث رد ما أبيح لهم بهذه الآية هو ما عاد إلى ذلك الصمام ، لا إلى ما سواه . ثم نظرنا : هل روي في هذا الباب غير هذه الآثار ؟
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 223
5362 - فوجدنا فهد بن سليمان قد حدثنا قال : حدثنا أبو نعيم ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن حكيم الأثرم ، عن أبي تميمة ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من أتى حائضا ، أو امرأة في دبرها ، أو أتى كاهنا ، فقد كفر بما أنزل على محمد »
5363 - وكما حدثنا يونس ، حدثنا سفيان ، عن ابن الهاد ، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت ، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : « إن الله لا يستحيي من الحق ، لا تأتوا النساء في أدبارهن »
5364 - ووجدنا روح بن الفرج قد حدثنا قال : حدثنا إبراهيم بن محمد الشافعي ، حدثنا محمد بن علي قال : كنت مع محمد بن كعب القرظي ، فسأله رجل : يا أبا حمزة ، ما ترى في إتيان النساء في أدبارهن ؟ فأعرض ، أو سكت ، وقال : هذا شيخ من قريش ، فاسأله يعني عبد الله بن علي بن السائب ، فقال عبد الله : اللهم قذر ، ولو كان حلالا ، قال : حدثني ، ولم يكن سمع في ذلك شيئا ، قال : ثم أخبرني عبد الله بن علي أنه لقي عمرو بن أحيحة بن الجلاح ، فسأله عن ذلك ، فقال : أشهد لسمعت خزيمة بن ثابت الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة رجلين : أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إني آتي امرأتي من دبرها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « نعم » ، قالها مرتين ، أو ثلاثا ، قال : ثم فطن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : « في أي الخربتين ، أو في أي الخرزتين ، أو في أي الخصفتين ، أما من دبرها في قبلها ، فنعم ، وأما في دبرها ، فإن الله تعالى ينهاكم أن تأتوا النساء في أدبارهن » .
5365 - ووجدنا محمد بن خزيمة ، قد حدثنا قال : حدثنا معلى بن أسد ، حدثنا عبد العزيز بن المختار ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن الحارث بن مخلد ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : « لا ينظر الله عز وجل إلى رجل وطئ امرأته في دبرها »
5366 - ووجدنا سليمان بن شعيب قد حدثنا قال : حدثنا الخصيب بن ناصح ، حدثنا همام بن يحيى ، عن قتادة ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : « هي اللواطة الصغرى » يعني وطء النساء في أدبارهن
5367 - ووجدنا يزيد بن سنان ، قد حدثنا قال : حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أبي أيوب ، عن عبد الله بن عمرو ولم يرفعه ، قال في الذي يأتي امرأة في دبرها ، قال : « اللواطة الصغرى » . وفي هذا الباب آثار أخر في تحريم هذا المعنى تركناها إذ كان في أسانيدها ما يمنع قبولها . ثم رجعنا إلى تأويل قول الله عز وجل : نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم (1) . فوجدنا الحرث إنما يطلب منه النسل ، وكان النسل موجودا في الوطء في الفرج ، ومعدوما في الوطء في غيره ، فدل أن المراد فيها هو ما أبيح منها ، مما يكون عنه النسل ، لا ما لا يكون عنه نسل ، وهكذا كان الفقهاء الكوفيون جميعا يذهبون إليه في هذا الباب .
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 223
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 9 / ص 380)
جواز الإتيان في القبل من الدبر رقم الفتوى:1884تاريخ الفتوى:16 صفر 1420السؤال : السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته أفتوني عن حكم من يجامع زوجته الحامل في قبلها من دبرها، خائفا على إيذائها وإيذاء الجنين. وجزاكم
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد: فإن كان الأمر كما يقول السائل فذلك جائز ولا حرج فيه. روى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنه بسند صحيح قال: جاء عمر بن الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله، هلكت، قال: ما الذي أهلكك. قال: حولت رحلي البارحة (يعني أنه جامع زوجته في قبلها من جهة الدبر) قال: فلم يردّ عليه شيئاً. قال: فأوحى الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم هذه الآية. (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم). فقال صلى الله عليه وسلم: (أَقْبلْ، وأَدْبرْ، وأتَّق الدُّبرَ والحيضة)" [رواه الترمذي من وجه آخر بسند صحيح] فلا بأس إذا ما دام الإيلاج في القبل ولا يتقيد ذلك بحال الحمل عن غيره فهو جائز على كل حال كما نص الحديث على ذلك. والله تعالى أعلم.(1/67)
82-7738 أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُفَيْلٍ قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عِيسَى قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ لِنَافِعٍ : مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَدْ أَكْثَرَ عَلَيْكَ الْقَوْلَ أَنَّكَ تَقُولُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَفْتَى بِأَنْ يُؤْتَى النِّسَاءُ فِي أَدْبَارِهِنَّ قَالَ نَافِعٌ : " لَقَدْ كَذَبُوا عَلَيَّ ، وَلَكِنِّي سَأُخْبِرُكَ كَيْفَ كَانَ الْأَمْرُ إِنَّ ابْنَ عُمَرَ عَرَضَ الْمُصْحَفَ يَوْمًا ، وَأَنَا عِنْدَهُ حَتَّى بَلَغَ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ قَالَ : يَا نَافِعُ " هَلْ تَعْلَمُ مَا أَمْرُ هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّا كُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نُجَبِّي النِّسَاءَ ، فَلَمَّا دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ وَنَكَحْنَا نِسَاءَ الْأَنْصَارِ ، أَرَدْنَا مِنْهُنَّ مِثْلَ مَا كُنَّا نُرِيدُ مِنْ نِسَائِنَا ، فَإِذَا هُنَّ قَدْ كَرِهْنَ ذَلِكَ وَأَعْظَمْنَهُ ، وَكَانَتْ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ إِنَّمَا يُؤْتَيْنَ عَلَى جُنُوبِهِنَّ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ (1)
__________
(1) - مشكل الآثار برقم(5357) حسن
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 112 / ص 35)
ثَالِثًا: وَطْءُ الْحَلِيلَةِ فِي الدُّبُرِ: 24 - ذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ إِلَى < 26 > حُرْمَةِ إِتْيَانِ الزَّوْجَةِ أَوِ الْأَمَةِ فِي دُبُرِهَا. وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَطَاوُوسٌ وَالثَّوْرِيُّ [124] . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَجُمْهُورُ التَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ [125] . وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَطْءُ الْحَلِيلَةِ فِي الدُّبُرِ لَمْ يُبَحْ عَلَى لِسَانِ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ [126] . وَقَدْ نَصَّ جَمْعٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَبَائِرِ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشِ، مِنْهُمُ ابْنُ النَّحَّاسِ وَالْهَيْتَمِيُّ وَابْنُ الْقَيِّمِ [127] . 25 - وَذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْحَدِّ فِي وَطْئِهَا، لِأَنَّ كَوْنَ الزَّوْجَةِ أَوِ الْأَمَةِ مَحَلَّ اسْتِمْتَاعِ الرَّجُلِ فِي الْجُمْلَةِ أَوْرَثَ شُبْهَةً تَدْرَأُ الْحَدَّ، وَلَكِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ مُطْلَقًا، وَوَافَقَهُمْ عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ إِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ فَلَا تَعْزِيرَ. وَقَالَ الْهَيْتَمِيُّ: وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِمَا بَعْدَ مَنْعِ الْحَاكِمِ لَهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ. وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ [128] . وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَمَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ وَطَاوَعَتْهُ فِي دُبُرِهَا، وَجَبَ أَنْ يُعَاقَبَا عَلَى ذَلِكَ عُقُوبَةً تَعْزِيرِيَّةً تَزْجُرُهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِيَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا كَمَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْفَاجِرِ وَبَيْنَ مَنْ يَفْجُرُ بِهِ [129] . وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ شُرْطِيَّ الْمَدِينَةِ سَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ رُفِعَ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا. فَقَالَ لَهُ: أَرَى أَنْ تُوجِعَهُ ضَرْبًا فَإِنْ عَادَ إِلَى ذَلِكَ فَفَرِّقْ بَيْنَهُمَا [130] . أَدِلَّةُ اللِّوَاطِ: 26 - وَقَدِ احْتَجَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ إِتْيَانِ هَذِهِ الْفِعْلَةِ وَأَنَّهَا مِنَ الْكَبَائِرِ بِالْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ: < 27 > فَأَمَّا الْمَنْقُولُ: فَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوِ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". وَفِي رِوَايَةٍ: "فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ" [131] . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا" [132] . وَبِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً فِي الدُّبُرِ" [133] . وَعَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ... ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ" [134] .
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ: فَلِأَنَّهُ إِتْيَانٌ فِي دُبُرٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا كَاللِّوَاطِ [135] . قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: فَإِنَّ الدُّبُرَ لَمْ يَتَهَيَّأْ لِهَذَا الْعَمَلِ، وَلَمْ يُخْلَقْ لَهُ، وَإِنَّمَا الَّذِي هُيِّئَ لَهُ الْفَرْجُ، فَالْعَادِلُونَ عَنْهُ إِلَى الدُّبُرِ خَارِجُونَ عَنْ حِكْمَةِ اللَّهِ وَشَرْعِهِ جَمِيعًا [136] . وَلِأَنَّ الدُّبُرَ مَحَلُّ أَذًى، فَوَجَبَ أَنْ تَحْرُمَ الْإِصَابَةُ فِيهِ كَالْحَيْضِ [137] ، بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ، لِأَنَّ الْأَذَى فِي الْحَيْضِ عَارِضٌ، أَمَّا الْأَذَى فِيهِ فَهُوَ لَازِمٌ دَائِمٌ [138] . قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ الْمَالِكِيُّ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إِذَا مُنِعَ الْوَطْءُ فِي الْفَرْجِ فِي حَالِ الْحَيْضِ مِنْ أَجْلِ الْأَذَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ? وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ? [139] ، وَهِيَ أَيَّامٌ يَسِيرَةٌ مِنَ الشَّهْرِ غَالِبًا، فَمَا بَالُكَ بِمَوْضِعٍ لَا تُفَارِقُهُ النَّجَاسَةُ الَّتِي هِيَ أَشَدُّ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ [140] ؟ وَلِأَنَّ لِلْمَرْأَةِ حَقًّا عَلَى الزَّوْجِ فِي الْوَطْءِ، وَوَطْؤُهَا فِي دُبُرِهَا يُفَوِّتُ حَقَّهَا، وَلَا يَقْضِي وَطَرَهَا، وَلَا يُحَصِّلُ مَقْصُودَهَا، بَلْ يَضُرُّهَا لِتَحْرِيكِ بَاعِثِ شَهْوَتِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَنَالَ غَرَضَهَا [141] . < 28 > وَلِانْدِرَاجِهِ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ? وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ? [142] . قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَتَلَطُّخُ الْإِنْسَانِ بِالْعَذِرَةِ مِنَ الدُّبُرِ مِنْ أَخْبَثِ الْخَبَائِثِ، وَلَا يَمِيلُ إِلَى ذَلِكَ مِنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ إِلَّا النُّفُوسُ الْخَبِيثَةُ، خَسِيسَةُ الطَّبْعِ، بَهِيمَةُ الْأَخْلَاقِ، وَالنُّفُوسُ الشَّرِيفَةُ بِمَعْزِلٍ عَنْ ذَلِكَ [143] . 27 - وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَنَافِعٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِي قَوْلٍ، وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَنُسِبَ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ، وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَشْهَبَ - أَنَّ إِتْيَانَ الزَّوْجَةِ فِي دُبُرِهَا حَلَالٌ [144] ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ وَجْدًا شَدِيدًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ? نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ? [145] . كَمَا اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ? وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ? [146] . وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ يَتَأَوَّلُ فِيهِ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ? أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ ? [147] . حَيْثُ قَالَ: فَتَقْدِيرُهُ: تَتْرُكُونَ مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ، وَلَوْ لَمْ يُبَحْ مِثْلُ ذَلِكَ مِنَ الْأَزْوَاجِ لَمَا صَحَّ ذَلِكَ، وَلَيْسَ الْمُبَاحُ مِنَ الْمَوْضِعِ الْآخَرِ مِثْلًا لَهُ حَتَّى يُقَالَ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَتَتْرُكُونَ مِثْلَهُ مِنَ الْمُبَاحِ [148] . 28 - وَقَدْ رَدَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ الْأُولَى: ? نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ? [149] ، بِأَنَّ "أَنَّى" فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ إِنَّمَا هِيَ بِمَعْنَى "مِنْ أَيْنَ" لَا بِمَعْنَى "أَيْنَ"، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: مِنْ أَيْنَ شِئْتُمْ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ? يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا ? [150] ، بِمَعْنَى مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ أَنَّهُ قَالَ لِنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ: قَدْ أَكْثَرَ عَلَيْكَ الْقَوْلُ، أَنَّكَ تَقُولُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَفْتَى بِأَنْ < 29 > يُؤْتَى النِّسَاءُ فِي أَدْبَارِهَا، قَالَ نَافِعٌ: لَقَدْ كَذَبُوا عَلَيَّ ، وَلَكِنْ سَأُخْبِرُكَ كَيْفَ كَانَ الْأَمْرُ، إِنَّ ابْنَ عُمَرَ عَرَضَ الْمُصْحَفَ يَوْمًا وَأَنَا عِنْدَهُ حَتَّى بَلَغَ ? نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ? قَالَ: يَا نَافِعُ، هَلْ تَدْرِي مَا أَمْرُ هَذِهِ الْآيَةِ؟ إِنَّا كُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نُجَبِّي النِّسَاءَ، فَلَمَّا دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ وَنَكَحْنَا نِسَاءَ الْأَنْصَارِ أَرَدْنَا مِنْهُنَّ مِثْلَ مَا كُنَّا نُرِيدُ مِنْ نِسَائِنَا، فَإِذَا هُنَّ قَدْ كَرِهْنَ ذَلِكَ وَأَعْظَمْنَهُ، وَكَانَتْ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ إِنَّمَا يُؤْتَيْنَ عَلَى جُنُوبِهِنَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ? نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ? [151] . وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ: الدُّبُرُ اسْمٌ لِلظَّهْرِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ? وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ? [152] ، وَقَالَ: ? وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ ? [153] ، أَيْ ظَهْرَهُ، وَالْمَرْأَةُ تُؤْتَى مِنْ قُبُلٍ وَمِنْ دُبُرٍ. يَعْنِي: أَنَّهَا تُؤْتَى مِنْ جِهَةِ ظَهْرِهَا فِي قُبُلِهَا [154] . وَنَحْوُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَلَالٌ، ثُمَّ دَعَاهُ أَوْ أَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ، فَقَالَ: كَيْفَ قُلْتَ؟ فِي أَيِّ الْخُرْبَتَيْنِ أَوْ فِي أَيِّ الْخُرْزَتَيْنِ، أَوْ فِي الْخُصْفَتَيْنِ؟ أَمِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا فَنَعَمْ، أَمْ مِنْ دُبُرِهَا فِي دُبُرِهَا فَلَا، إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ، لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ" [155] . وَأَمَّا مَا حُكِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي جَوَازِ إِتْيَانِ الزَّوْجَةِ فِي دُبُرِهَا فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ تَحْرِيمُ ذَلِكَ، وَقَالَ فِيهِ: وَهَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟ كَمَا أَنْكَرَ ابْنُهُ سَالِمٌ نَقْلَ الْإِبَاحَةِ عَنْ أَبِيهِ، وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ مِنْ جَوَازِ ذَلِكَ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ فِيمَا رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: "لَقَدْ كَذَبُوا عَلَيَّ"، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْحَدِيثِ بِنَصِّهِ [156] . وَمَا نُسِبَ لِمَالِكٍ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ عَكْسُ ذَلِكَ؛ حَيْثُ قَالَ مَالِكٌ لِابْنِ وَهْبٍ وَعَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ لَمَّا أَخْبَرَاهُ: أَنَّ نَاسًا بِمِصْرَ يَتَحَدَّثُونَ عَنْهُ أَنَّهُ يُجِيزُ ذَلِكَ، فَنَفَرَ مِنْ ذَلِكَ وَبَادَرَ إِلَى تَكْذِيبِ النَّاقِلِ، فَقَالَ: كَذَبُوا عَلَيَّ، كَذَبُوا عَلَيَّ، كَذَبُوا عَلَيَّ! ثُمَّ قَالَ: أَلَسْتُمْ عَرَبًا، أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ تَعَالَى: ? نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ? وَهَلْ يَكُونُ الْحَرْثُ إِلَّا فِي مَوْضِعِ الْمَنْبَتِ [157] .
وَبِذَلِكَ ثَبَتَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ < 30 > تَحْرِيمُ إِتْيَانِ الْحَلِيلَةِ فِي دُبُرِهَا. وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالْآيَةِ الثَّانِيَةِ: ? وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ? فَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُرَادَ إِتْيَانُ الْمَرْأَةِ فِي فَرْجِهَا دُونَ دُبُرِهَا. وَأَمَّا تَأْوِيلُ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ لِلْآيَةِ، فَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ: ? وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ ? [158] مِمَّا قَدْ أَحَلَّ لَكُمْ مِنْ جِمَاعِهِنَّ فِي فُرُوجِهِنَّ، وَقَالُوا: هَذَا التَّأْوِيلُ أَوْلَى مِنْ تَأْوِيلِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ لِمُوَافَقَتِهِ لِمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ [159] .(1/68)
83-7739 أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَصْبُغُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ : قُلْتُ : لِمَالِكٍ إِنَّ عِنْدَنَا بِمِصْرَ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ يُحَدِّثُ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَعْقُوبَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ : إِنَّا نَشْتَرِي الْجَوَارِيَ فَنُحَمِّضُ لَهُنَّ قَالَ : " وَمَا التَّحْمِيضُ ؟ " قَالَ : نَأْتِيهُنَّ فِي أَدْبَارِهِنَّ قَالَ : " أَوَّ أَوَ يَعْمَلُ هَذَا مُسْلِمٌ ؟ " فَقَالَ لِي مَالِكٌ : " فَأَشْهَدُ عَلَى رَبِيعَةَ لَحَدَّثَنِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْهُ " فَقَالَ : " لَا بَأْسَ بِهِ " (1)
__________
(1) - شرح معاني الآثار - (ج 3 / ص 420) ومشكل الآثار للطحاوي - (ج 13 / ص 355) برقم(5358)صحيح موقوف شاذ
التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير - (ج 4 / ص 330)
1661 - ( 1 ) - قَوْلُهُ : وَالْإِتْيَانُ فِي الدُّبُرِ حَرَامٌ ، لِمَا رُوِيَ { أَنَّهُ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : فِي أَيِّ الْخَرِبَتَيْنِ ؟ أَمِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا فَنَعَمْ ، أَوْ مِنْ دُبُرِهَا فِي دُبُرِهَا فَلَا ، إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِي مِنْ الْحَقِّ ، لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ } .
قَالَ : وَالْخُرْبَةُ الثُّقْبَةُ .
الشَّافِعِيُّ مِنْ حَدِيثِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ : { أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ ، أَوْ إتْيَانِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَقَالَ : حَلَالٌ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ أَوْ أَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ ، فَقَالَ : كَيْفَ قُلْت ؟ فِي أَيِّ الْخَرِبَتَيْنِ ، أَوْ فِي أَيِّ الْخَرَزَتَيْنِ ، أَوْ فِي أَيِّ الْخَصْفَتَيْنِ ؟ أَمِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا فَنَعَمْ ، أَمْ مِنْ دُبُرِهَا فِي دُبُرِهَا فَلَا ، إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِي مِنْ الْحَقِّ ، لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ } .
( تَنْبِيهٌ ) الْخَرِبَتَيْنِ تَثْنِيَةُ خُرْبَةٍ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَالْخَرَزَتَيْنِ تَثْنِيَةُ خَرَزَةٍ بِوَزْنِ الْأَوَّلِ لَكِنْ بِزَايٍ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ وَالْخَصْفَتَيْنِ تَثْنِيَةُ خَصَفَةٍ بِفَتَحَاتٍ وَالْخَاءُ مُعْجَمَةٌ أَيْضًا وَالصَّادُ مُهْمَلَةٌ بَعْدَهَا فَاءٌ .
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ كُلُّ ثَقْبٍ مُسْتَدِيرَةٍ خُرْبَةٌ وَالْجَمْعُ خُرَبٌ بِضَمَّةٍ ثُمَّ فَتْحٍ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَرَادَ بِالْخَرِبَتَيْنِ الْمَسْلَكَيْنِ وَقَالَ ابْنُ دَاوُد خُرْبُ الْفَاسِ ثُقْبُهُ الَّذِي فِيهِ النِّصَابُ وَالْخَرَزَتَيْنِ تَثْنِيَةُ خَرَزَةٍ وَهِيَ الثُّقْبُ الَّذِي يَثْقُبُهُ الْخَرَّازُ لِيَخْرُزَ كَنَّى بِهِ عَنْ الْمَأْتِيِّ ، وَالْخَصْفَتَيْنِ تَثْنِيَةُ خَصَفَةٍ مِنْ قَوْلِك خَصَفْت الْجِلْدَ عَلَى الْجِلْدِ إذَا خَرَزْته مُطَابِقًا .
وَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ عَمْرُو بْنُ أُحَيْحَةَ ، وَهُوَ مَجْهُولُ الْحَالِ ، وَاخْتُلِفَ فِي إسْنَادِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ، وَقَدْ أَطْنَبَ النَّسَائِيُّ فِي تَخْرِيجِ طُرُقِهِ ، وَذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِيهِ ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ ، يَرْوِيهِ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ ، وَرَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الشَّافِعِيُّ الْإِمَامُ ، وَابْنُ عَمِّهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ ، وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي فَوَائِدِ أَبِي الطَّاهِرِ الذُّهْلِيِّ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ هَذَا ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ فَسَأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ : هَذَا شَيْخُ قُرَيْشٍ فَاسْأَلْهُ ، يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ ، فَسَأَلَهُ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : اللَّهُمَّ قَذِرًا وَلَوْ كَانَ حَلَالًا انْتَهَى .
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ ، فَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ ، عَنْ هَرَمِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ ، وَمِنْ طَرِيقِ هَرَمِيٍّ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ ، وَهَرَمِيُّ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ أَيْضًا ، وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ : غَلِطَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي إسْنَادِ حَدِيثِ خُزَيْمَةَ ، يَعْنِي حَيْثُ رَوَاهُ .
وَقَالَ الْبَزَّارُ : لَا أَعْلَمُ فِي الْبَابِ حَدِيثًا صَحِيحًا لَا فِي الْحَظْرِ وَلَا فِي الْإِطْلَاقِ ، وَكُلُّ مَا رُوِيَ فِيهِ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ مِنْ طَرِيقٍ فِيهِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ ، انْتَهَى .
وَكَذَا رَوَى الْحَاكِمُ ، عَنْ الْحَافِظِ أَبِي عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيِّ ، وَمِثْلُهُ عَنْ النَّسَائِيّ ، وَقَالَهُ قَبْلَهُمَا الْبُخَارِيُّ .
1662 - ( 2 ) - قَوْلُهُ : وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا } .
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ، وَبَقِيَّةُ أَصْحَابِ السُّنَنِ ، مِنْ طَرِيقِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ الْحَارِثِ بْنِ مَخْلَدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا .
لَفْظُ أَبِي دَاوُد ، وَالنَّسَائِيِّ ،
وَابْنِ مَاجَهْ : { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى رَجُلٍ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا } .
وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ .وَقَالَ : الْحَارِثُ بْنُ مَخْلَدٍ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ : لَا يُعْرَفُ حَالُهُ ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى سُهَيْلٍ ، فَرَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْهُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرٍ .
أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ، وَابْنُ شَاهِينَ ، وَرَوَاهُ عُمَرُ مَوْلَى غَفْرَةَ ، عَنْ سُهَيْلٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ ، وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ طَرِيقٌ أُخْرَى أَخْرَجَهَا أَحْمَدُ ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ حَكِيمٍ الْأَثْرَمَ ، عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ : { مَنْ أَتَى حَائِضًا ، أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا ، أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ فِيمَا يَقُولُ ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ } .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ حَكِيمٍ ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ : لَا يُعْرَفُ لِأَبِي تَمِيمَةَ سَمَاعٌ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .
وَقَالَ الْبَزَّارُ : هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ ، وَحَكِيمٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ ، وَمَا انْفَرَدَ بِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ ، وَلَهُ طَرِيقٌ ثَالِثٌ أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ حَمْزَةُ الْكِنَانِيُّ الرَّاوِي عَنْ النَّسَائِيّ : هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ ، وَلَعَلَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّنْعَانِيَّ سَمِعَهُ مِنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعْدَ اخْتِلَاطِهِ ، قَالَ : وَهُوَ بَاطِلٌ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ ، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ ، انْتَهَى .
وَعَبْدُ الْمَلِكِ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ دُحَيْمٌ ، وَأَبُو حَاتِمٍ ، وَغَيْرُهُمَا ، وَلَهُ طَرِيقٌ رَابِعَةٌ أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ بَكْرِ بْنِ خُنَيْسٍ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ : { مَنْ أَتَى شَيْئًا مِنْ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ فِي الْأَدْبَارِ ، فَقَدْ كَفَرَ } .
وَبَكْرٌ ، وَلَيْثٌ ضَعِيفَانِ ، وَقَدْ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ لَيْثٍ بِهَذَا السَّنَدِ مَوْقُوفًا ، وَلَفْظُهُ : " إتْيَانُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ كُفْرٌ " .
وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ ، عَنْ لَيْثٍ ، وَالْهَيْثَمُ بْنُ خَلَفٍ فِي كِتَابِ ذَمِّ اللِّوَاطِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ ، عَنْ لَيْثٍ ، وَفِي رِوَايَةٍ : " مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَتِلْكَ كَفْرَةٌ " .
وَلَهُ طَرِيقٌ خَامِسَةٌ رَوَاهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانَ ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزَّنْجِيِّ ، عَنْ الْعَلَاءِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظٍ : { مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ } .
وَمُسْلِمٌ فِيهِ ضَعْفٌ ، وَقَدْ رَوَاهُ
يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ عَنْهُ مَوْقُوفًا .
وَفِي الْبَابِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَالنَّسَائِيُّ ، وَابْنُ حِبَّانَ ، وَأَحْمَدُ ، وَالْبَزَّارُ ، مِنْ طَرِيقِ كُرَيْبٍ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ الْبَزَّارُ : لَا نَعْلَمَهُ يَرْوِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ أَحْسَنَ مِنْ هَذَا ، تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ ، عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ كُرَيْبٍ ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ ، عَنْ هَنَّادٍ ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ الضَّحَّاكِ مَوْقُوفًا ، وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدَهُمْ مِنْ الْمَرْفُوعِ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : طَرِيقٌ أُخْرَى مَوْقُوفَةٌ رَوَاهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ ، عَنْ أَبِيهِ : " أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ إتْيَانِ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا ، فَقَالَ : تَسْأَلُنِي عَنْ الْكُفْرِ " .
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، وَإِسْنَادُهُ قَوِيٌّ ، وَسَيَأْتِي لَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى بَعْدَ قَلِيلٍ .
وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ ، أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَالنَّسَائِيُّ ، وَابْنُ حِبَّانَ ، بِلَفْظٍ : { إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِي مِنْ الْحَقِّ ، لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ } .
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ : " سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَأْتِي الْمَرْأَةَ فِي دُبُرِهَا ، فَقَالَ : هِيَ اللُّوطِيَّةُ الصُّغْرَى " .
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا وَأَعَلَّهُ ، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْن عَمْرٍو مِنْ قَوْلِهِ ، كَذَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، وَغَيْرُهُ ، وَعَنْ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي مُعْجَمِهِ ، وَفِيهِ يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ .
وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ : فِي جُزْءِ الْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ جِدًّا ، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ ابْنِ عَدِيٍّ بِإِسْنَادٍ وَاهٍ ، وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَفِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ ، وَعَنْ عُمَرَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ ، وَالْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ
زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ ابْنِ الْهَادِ ، عَنْ عُمَرَ ، وَزَمْعَةَ ضَعِيفٌ ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي وَقْفِهِ وَرَفْعِهِ .
قَوْلُهُ : وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ : لَمْ يَصِحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَحْرِيمِهِ وَلَا فِي تَحْلِيلِهِ شَيْءٌ ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ حَلَالٌ ، قُلْت : هَذَا سَمِعَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ مُحَمَّدٍ ، وَكَذَلِكَ الطَّحَاوِيُّ ، وَأَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ لَهُ ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ ، عَنْ الْأَصَمِّ ، عَنْهُ ، وَأَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ ، عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ مُوسَى ، عَنْ الْأَصَمِّ .
وَرَوَى الْحَاكِمُ ، عَنْ نَصْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُعَدَّلِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ شَعْبَانَ الْفَقِيهِ ، قَالَ : ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِيَاضٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمَّادٍ قَالَا : نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِيَانِ ابْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ ، قَالَ : قَالَ الشَّافِعِيُّ كَلَامًا كَلَّمَ بِهِ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ فِي مَسْأَلَةِ إتْيَانِ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا ، قَالَ : سَأَلَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، فَقُلْت لَهُ : إنْ كُنْت تُرِيدُ الْمُكَابَرَةَ ، وَتَصْحِيحَ الرِّوَايَاتِ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ ، فَأَنْتَ أَعْلَمُ ، وَإِنْ تَكَلَّمْتَ بِالْمُنَاصَفَةِ ، كَلَّمْتُك ، قَالَ : عَلَى الْمُنَاصَفَةِ .
قُلْت : فَبِأَيِّ شَيْءٍ حَرَّمْته قَالَ : بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ } .
وَقَالَ : { فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } وَالْحَرْثُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْفَرْجِ ، قُلْت : أَفَيَكُونُ ذَلِكَ مُحَرِّمًا لِمَا سِوَاهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْت : فَمَا تَقُولُ : لَوْ وَطِئَهَا بَيْنَ سَاقَيْهَا ، أَوْ فِي أَعْكَانِهَا ، أَوْ تَحْتَ إبْطِهَا ، أَوْ أَخَذَتْ ذَكَرَهُ بِيَدِهَا ، أَفِي ذَلِكَ حَرْثٌ ؟ قَالَ : لَا ، قُلْت : أَفَيُحَرَّمُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : لَا ، قُلْت : فَلِمَ تَحْتَجُّ بِمَا لَا حُجَّةَ فِيهِ ؟ قَالَ : فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ : { وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } الْآيَةَ ، قَالَ : فَقُلْت لَهُ : إنَّ هَذَا مِمَّا يَحْتَجُّونَ بِهِ لِلْجَوَازِ ، إنَّ اللَّهَ أَثْنَى عَلَى مَنْ حَفِظَ فَرْجَهُ مِنْ غَيْرِ زَوْجَتِهِ ، وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ ، فَقُلْت : أَنْتَ تَتَحَفَّظُ مِنْ زَوْجَتِهِ وَمِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ .
قَالَ الْحَاكِمُ : لَعَلَّ الشَّافِعِيَّ كَانَ يَقُولُ بِذَلِكَ فِي الْقَدِيمِ ، فَأَمَّا فِي الْجَدِيدِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ حَرَّمَهُ .
قَوْلُهُ : قَالَ الرَّبِيعُ : كَذَبَ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ ، قَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ فِي سِتَّةِ كُتُبٍ ، هَذَا سَمِعَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ مِنْ الرَّبِيعِ ، وَحَكَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ ، مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي ، وَأَبُو نَصْرِ بْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ ، وَغَيْرُهُمَا ، وَتَكْذِيبُ الرَّبِيعِ لِمُحَمَّدٍ لَا مَعْنَى لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ بِذَلِكَ ، فَقَدْ تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخُوهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بْنُ أُسَامَةَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي السَّمْحِ الْمِصْرِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : سَمِعْت عَبْدَ الرَّحْمَنِ .
فَذَكَرَ نَحْوَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ ، وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ ، عَنْ الْأَصَمِّ ، عَنْ الرَّبِيعِ ، قَالَ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : قَالَ اللَّهُ : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } احْتَمَلَتْ الْآيَةُ مَعْنَيَيْنِ : أَحَدَهُمَا : أَنْ تُؤْتَى الْمَرْأَةُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ زَوْجُهَا ؛ لِأَنَّ ( أَنَّى شِئْتُمْ } ، يَأْتِي بِمَعْنَى أَيْنَ شِئْتُمْ .
ثَانِيَهُمَا : أَنَّ الْحَرْثَ إنَّمَا يُرَادُ بِهِ النَّبَاتُ فِي مَوْضِعِهِ دُونَ مَا سِوَاهُ ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ ، وَأَحْسِبُ كُلًّا مِنْ الْفَرِيقَيْنِ تَأَوَّلُوا مَا وَصَفْت مِنْ احْتِمَالِ الْآيَةِ ، قَالَ : فَطَلَبْنَا الدَّلَالَةَ مِنْ السُّنَّةِ ، فَوَجَدْنَا حَدِيثَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ، أَحَدُهُمَا ثَابِتٌ وَهُوَ حَدِيثُ خُزَيْمَةَ فِي التَّحْرِيمِ ، قَالَ ، فَأَخَذْنَا بِهِ .
قَوْلُهُ : وَفِي مُخْتَصَرِ الْجُوَيْنِيِّ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَقَامَ مَا رَوَاهُ ، أَيْ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ ، قَوْلًا ، انْتَهَى .
وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ ، وَقَدْ رَجَعَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ كَمَا قَالَ الرَّبِيعُ ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ إطْلَاقِ الرَّبِيعِ تَكْذِيبَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي ثِقَتِهِ وَأَمَانَتِهِ ، وَإِنَّمَا اغْتَرَّ مُحَمَّدٌ بِكَوْنِ الشَّافِعِيِّ قَصَّ لَهُ الْقِصَّةَ الَّتِي وَقَعَتْ لَهُ بِطَرِيقِ الْمُنَاظَرَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَالِمَ فِي الْمُنَاظَرَةِ يَتَقَذَّرُ الْقَوْلَ وَهُوَ لَا يَخْتَارُهُ ، فَيَذْكُرُ أَدِلَّتَهُ إلَى أَنْ يَنْقَطِعَ خَصْمُهُ ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ فِي الْمُنَاظَرَةِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ : وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ ، وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ : وَيُعْلَمُ قَوْلُهُ الْإِتْيَانُ فِي الدُّبُرِ بِالْمِيمِ ، لِمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ قَالَ : وَأَصْحَابُهُ الْعِرَاقِيُّونَ لَمْ يُثْبِتُوا الرِّوَايَةَ ، انْتَهَى .
قَرَأْت فِي رِحْلَةِ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ نَقَلَ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ الْمُحِيطِ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ قَالَ : وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ ، وَقَدْ رَجَعَ مُتَأَخِّرُو أَصْحَابِهِ عَنْ ذَلِكَ ، وَأَفْتَوْا بِتَحْرِيمِهِ ، إلَّا أَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّهُ حَلَالٌ ، قَالَ : وَكَانَ عِنْدَنَا قَاضٍ يُقَالُ لَهُ : أَبُو وَائِلَةَ ، وَكَانَ يَرَى بِجَوَازِهِ ، فَرُفِعَتْ إلَيْهِ امْرَأَةٌ وَزَوْجُهَا ، وَاشْتَكَتْ مِنْهُ أَنَّهُ يَطْلُبُ مِنْهَا ذَلِكَ ، فَقَالَ : قَدْ اُبْتُلِيت ، وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ : نُصَّ فِي كِتَابِ السِّرِّ عَنْ مَالِكٍ عَلَى إبَاحَتِهِ ، وَرَوَاهُ عَنْهُ أَهْلُ مِصْرَ ، وَأَهْلُ الْمَغْرِبِ .
قُلْت .وَكِتَابُ السِّرِّ وَقَفْت عَلَيْهِ فِي كُرَّاسَةٍ لَطِيفَةٍ مِنْ رِوَايَةِ الْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ مَالِكٍ ، وَهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى نَوَادِرَ مِنْ الْمَسَائِلِ ، وَفِيهَا كَثِيرٌ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْخُلَفَاءِ ، وَلِأَجْلِ هَذَا سُمِّيَ كِتَابُ السِّرِّ ، وَفِيهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ، وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ أُسَامَةَ التُّجِيبِيُّ وَهَذَّبَهُ ، وَرَتَّبَهُ عَلَى الْأَبْوَابِ ، وَأَخْرَجَ
لَهُ أَشْبَاهًا وَنَظَائِرَ فِي كُلِّ بَابٍ .
وَرَوَى فِيهِ مِنْ طَرِيقِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى ، سَأَلْت مَالِكًا عَنْهُ فَقَالَ .
مَا أَعْلَمُ فِيهِ تَحْرِيمًا .
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ فِي شَرْحِ الْعُتْبِيَّةِ : رَوَى الْعُتْبِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُ ، وَقَدْ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ مُخَلِّيًا بِهِ ، فَقَالَ .
حَلَالٌ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ .
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : وَلَمْ أُدْرِك أَحَدًا اُقْتُدِيَ بِهِ فِي دِينٍ يَشُكُّ فِيهِ ، وَالْمَدَنِيُّونَ يَرْوُونَ الرُّخْصَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وَأَبِي سَعِيدٍ ، أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ : فَلَهُ طُرُقٌ رَوَاهُ عَنْهُ نَافِعٌ ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ ، وَسَعِيدُ بْنُ يَسَارٍ ، وَغَيْرُهُمْ ، أَمَّا نَافِعٌ ، فَاشْتُهِرَ عَنْهُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ جِدًّا ، مِنْهَا رِوَايَةُ مَالِكٍ ، وَأَيُّوبَ ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمْرِيِّ ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ ، وَهِشَامِ بْنِ سَعْدٍ ، وَعُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ ، وَأَبَانَ بْنِ صَالِحٍ ، وَإِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن أَبِي فَرْوَةَ .
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ ، فِي أَحَادِيثِ مَالِكٍ الَّتِي رَوَاهَا خَارِجَ الْمُوَطَّأِ : نَا أَبُو جَعْفَرٍ الْأُسْوَانِيُّ الْمَالِكِيُّ بِمِصْرٍ ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمَّادٍ ، نَا أَبُو الْحَارِثِ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْفِهْرِيُّ ، نَا أَبُو ثَابِتٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنِي الدَّرَاوَرْدِيُّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ ، عَنْ نَافِعٍ ، قَالَ : قَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ : أَمْسِكْ عَلَيَّ الْمُصْحَفَ يَا نَافِعُ ، فَقَرَأَ حَتَّى أَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ } فَقَالَ : تَدْرِي يَا نَافِعُ ، فِيمَنْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ؟ .
قَالَ : قُلْت : لَا .
قَالَ : فَقَالَ لِي : فِي رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَصَابَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا ، فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ
اللَّهُ تَعَالَى { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ } الْآيَةَ .
قَالَ نَافِعٌ : فَقُلْت لِابْنِ عُمَرَ : مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا ؟ قَالَ : لَا ، إلَّا فِي دُبُرِهَا ، قَالَ أَبُو ثَابِتٍ : وَحَدَّثَنِي بِهِ الدَّرَاوَرْدِيُّ ، عَنْ مَالِكٍ ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَفِيهِمَا عَنْ نَافِعٍ مِثْلُهُ ، وَفِي تَفْسِيرِ الْبَقَرَةِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ، نَا إِسْحَاقُ ، أَنَا النَّضْرُ ، أَنَا ابْنُ عَوْنٍ ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ ، قَالَ : فَأَخَذْت عَلَيْهِ يَوْمًا ، فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ حَتَّى انْتَهَى إلَى مَكَان ، فَقَالَ : تَدْرِي فِيمَ أُنْزِلَتْ ؟ فَقُلْت : لَا .
قَالَ : نَزَلَتْ فِي كَذَا وَكَذَا .
ثُمَّ مَضَى ، وَعَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ : حَدَّثَنِي أَبِي - يَعْنِي عَبْدَ الْوَارِثِ - ، حَدَّثَنِي أَيُّوبُ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي قَوْله تَعَالَى : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ } قَالَ : يَأْتِيهَا فِي .
قَالَ : وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ هَكَذَا وَقَعَ عِنْدَهُ ، وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى فِي تَفْسِيرِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ مِثْلُ مَا سَاقَ ، لَكِنَّ عَيْنَ الْآيَةِ وَهِيَ { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ } وَغَيْرُ قَوْلِهِ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ : نَزَلَتْ فِي إتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ ، وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُلَيَّةَ ، عَنْ ابْنِ عَوْنٍ ، وَأَمَّا رِوَايَةُ عَبْدِ الصَّمَدِ فَهِيَ تَفْسِيرُ إِسْحَاقَ أَيْضًا عَنْهُ .
وَقَالَ فِيهِ : يَأْتِيهَا فِي الدُّبُرِ ، وَأَمَّا رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ فَأَخْرَجَهَا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْيَنِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِلَفْظِ : إنَّمَا نَزَلَتْ { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ } رُخْصَةً فِي إتْيَانِ الدُّبُرِ ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ مَثْرُودٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ ، وَمِنْ طَرِيقِ سَهْلِ بْنِ عَمَّارٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ ،
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ زَكَرِيَّا السَّاجِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ الْمَدَنِيِّ ، عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ ، وَرَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَكَمِ الْعَبْدِيِّ ، وَرَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدِ الْفَرْوِيِّ ، وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَارِيخِ أَصْبَهَانَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ صَدَقَةَ الْفَدَكِيِّ كُلُّهُمْ عَنْ مَالِكٍ .
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : هَذَا ثَابِتٌ عَنْ مَالِكٍ .
وَأَمَّا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ فَرَوَى النَّسَائِيُّ ، وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ ، عَنْهُ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ : { أَنَّ رَجُلًا أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ وَجْدًا شَدِيدًا } .
فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ } الْآيَةَ ، وَأَمَّا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : فَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْهُ : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا ، مَوْقُوفٌ ، وَأَمَّا سَعِيدُ بْنُ يَسَارٍ : فَرَوَى النَّسَائِيُّ ، وَالطَّحَاوِيُّ ، وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ ، قَالَ : قُلْت لِمَالِكٍ : إنَّ عِنْدَنَا بِمِصْرٍ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ يُحَدِّثْ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ يَعْقُوبَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : قُلْت لِابْنِ عُمَرَ : " إنَّا نَشْتَرِي الْجَوَارِيَ فَنُحَمِّضُ لَهُنَّ "
وَالتَّحْمِيضُ الْإِتْيَانُ فِي الدُّبُرِ ، فَقَالَ : أُفٍّ أَوَ يَفْعَلُ هَذَا مُسْلِمٌ ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : فَقَالَ لِي مَالِكٌ : أَشْهَدُ عَلَى رَبِيعَةَ لَحَدَّثَنِي ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْهُ ، فَقَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ .
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ : فَرَوَى أَبُو يَعْلَى وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ ، وَالطَّبَرِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ طُرُقٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ
سَعْدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : " أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا ، فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، وَقَالُوا : ثَفَّرَهَا " .فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } .
وَرَوَاهُ أُسَامَةُ بْنُ أَحْمَدَ التُّجِيبِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ وَلَفْظُهُ : كُنَّا نَأْتِي النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ ، وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْإِثْفَارُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ .
وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى ، عَنْ هِشَامٍ ، وَلَمْ يُسَمِّ أَبَا سَعِيدٍ قَالَ : كَانَ رِجَالٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ، قُلْت : وَقَدْ أَثْبَتَ ابْنُ عَبَّاسٍ الرِّوَايَةَ فِي ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ ، فَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : إنَّ ابْنَ عُمَرَ وَاَللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ أَوْهَمَ ، إنَّمَا كَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ وَهُمْ أَهْلُ وَثَنٍ ، مَعَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ يَهُودَ وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ ، وَكَانُوا يَرَوْنَ لَهُمْ فَضْلًا عَلَيْهِمْ مِنْ الْعِلْمِ ، فَكَانُوا يَقْتَدُونَ بِكَثِيرٍ مِنْ فِعْلِهِمْ ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَا يَأْتُونَ النِّسَاءَ إلَّا عَلَى حَرْفٍ ، وَذَلِكَ أَسْتَرُ مَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ ، فَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ قَدْ أَخَذُوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ ، وَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ يُشَرِّحُونَ النِّسَاءَ شَرْحًا مُنْكَرًا ، وَيَتَلَذَّذُونَ مِنْهُنَّ مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَذَهَبَ يَصْنَعُ بِهَا ذَلِكَ ، فَأَنْكَرَتْهُ عَلَيْهِ ، وَقَالَتْ : إنَّمَا كُنَّا نُؤْتَى عَلَى حَرْفٍ ، فَاصْنَعْ ذَلِكَ وَإِلَّا فَاجْتَنِبْنِي ، فَسَرَى أَمْرُهُمَا حَتَّى بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى : - { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } أَيْ : مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ يَعْنِي بِذَلِكَ مَوْضِعَ الْوَلَدِ .
وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ .
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، نَا عَفَّانُ ، نَا وُهَيْبٌ ، نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ قَالَ : دَخَلْت عَلَى حَفْصَةَ ابْنَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقُلْت : إنِّي سَائِلُك عَنْ أَمْرٍ ، وَأَنَا أَسْتَحِي أَنْ أَسْأَلُك ، قَالَتْ : فَلَا تَسْتَحِي يَا ابْنَ أَخِي ، قَالَ : عَنْ إتْيَانِ النِّسَاءِ ، وَكَانَتْ الْيَهُودُ تَقُولُ : إنَّهُ مَنْ جَبَّى امْرَأَتَهُ كَانَ وَلَدُهُ أَحْوَلَ ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ نَكَحُوا فِي نِسَاءِ الْأَنْصَارِ فَجَبُّوهُنَّ ، فَأَبَتْ امْرَأَةٌ أَنْ تُطِيعَ زَوْجَهَا ، وَقَالَتْ : لَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ ، حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَدَخَلَتْ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَتْ لَهَا ذَلِكَ ، فَقَالَتْ : اجْلِسِي حَتَّى يَأْتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، اسْتَحْيَتْ الْأَنْصَارِيَّةُ أَنْ تَسْأَلَهُ ، فَخَرَجَتْ ، { فَحَدَّثَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : اُدْعِي الْأَنْصَارِيَّةَ .
فَدُعِيَتْ فَتَلَا عَلَيْهَا هَذِهِ الْآيَةَ : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } صِمَامًا وَاحِدًا } .
( تَنْبِيهٌ ) : رَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ : أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ الْمَرْأَةِ تُؤْتَى فِي دُبُرِهَا فَقَالَ : إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ : اسْقِ حَرْثَك مِنْ حَيْثُ نَبَاتُهُ .
كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ ، وَفِي بَعْضِهَا مِنْ حَيْثُ شِئْت .
وَكَذَا رَوَاهُ الْفَضْلُ بْنُ حِنْزَابَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْمَأْمُونِيِّ ، عَنْ النَّسَائِيّ ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَرَوَى جَابِرٌ : أَنَّ
سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ : أَنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ تَقُولُ : إذَا أَتَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ مِنْ خَلْفِهَا فِي قُبُلِهَا ، جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ، أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا ، وَفِي رِوَايَة آدَمَ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : { فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } قَالَ : قَالَتْ الْيَهُودُ : إذَا أَتَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بَارِكَةً ، كَانَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ ، فَأَكْذَبَهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَأَنْزَلَ : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } يَقُولُ : كَيْفَ شِئْتُمْ فِي الْفَرْجِ ، يُرِيدُ بِذَلِكَ مَوْضِعَ الْوَلَدِ لِلْحَرْثِ ، يَقُولُ : ائْتِ الْحَرْثَ كَيْفَ شِئْت ، وَمِنْ قَوْلِهِ يَقُولُ : كَيْفَ شِئْتُمْ ، يُحْمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ ذَلِكُمْ جَائِزًا وَمِنْ دُونِهِ ( فَائِدَةٌ ) : مَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ ، لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَصْحَابِهِمْ إلَّا عَنْ نَاسٍ قَلِيلٍ ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : كَانَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْأَصِيلِيُّ يُجِيزُهُ وَيَذْهَبُ فِيهِ إلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ ، وَصَنَّفَ فِي إبَاحَتِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَحْنُونٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ شَعْبَانَ ، وَنَقَلَا ذَلِكَ عَنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنْ التَّابِعِينَ .
وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَالْمَازِرِيِّ مَا يُومِئُ إلَى جَوَازِ ذَلِكَ أَيْضًا ، وَحَكَى ابْنُ بَزِيزَةَ فِي تَفْسِيرِهِ ، عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ : هُوَ أَحَلُّ مِنْ الْمَاءِ الْبَارِدِ ، وَأَنْكَرَهُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَصْلًا وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ ، وَابْنُ عَطِيَّةَ قَبْلَهُ : لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ بِذَلِكَ ، وَلَوْ ثَبَتَتْ الرِّوَايَةُ فِيهِ لِأَنَّهَا مِنْ الزَّلَّاتِ .
وَذَكَرَ الْخَلِيلِيُّ فِي الْإِرْشَادِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا رَجَعَ عَنْهُ ، وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ ، عَنْ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ مَالِكٍ إنْكَارُ ذَلِكَ ، وَتَكْذِيبُ مَنْ نَقَلَهُ عَنْهُ ، لَكِنَّ الَّذِي
رَوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهِ .
وَالصَّوَابُ مَا حَكَاهُ الْخَلِيلِيُّ فَقَدْ ذَكَرَ الطَّبَرِيُّ ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى ، عَنْ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَبَاحَهُ ، رَوَى الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ الْمُزَنِيِّ قَالَ : كُنْت عِنْدَ ابْنِ وَهْبٍ وَهُوَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا رِوَايَةَ مَالِكٍ فَجَاءَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ارْوِ لَنَا مَا رَوَيْت ، فَامْتَنَعَ أَنْ يَرْوِيَ لَهُمْ ذَلِكَ ، وَقَالَ : أَحَدُكُمْ يَصْحَبُ الْعَالِمَ ، فَإِذَا تَعَلَّمَ مِنْهُ لَمْ يُوجِبْ لَهُ مِنْ حَقِّهِ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ أَقْبَحِ مَا يُرْوَى عَنْهُ ، وَأَبَى أَنْ يَرْوِيَ ذَلِكَ .
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَتُهُ ، وَتَكْذِيبُ مَنْ نَقَلَهُ عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ فِي الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ حِصْنٍ ، عَنْ إسْرَائِيلَ بْنِ رَوْحٍ ، قَالَ : سَأَلْت مَالِكًا عَنْهُ ، فَقَالَ : مَا أَنْتُمْ قَوْمُ عَرَبٍ ، هَلْ يَكُونُ الْحَرْثُ إلَّا مَوْضِعَ الزَّرْعِ ؟ قُلْت : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ ، قَالَ : يَكْذِبُونَ عَلَيَّ ، وَالْعُهْدَةُ فِي هَذِهِ الْحِكَايَةِ عَلَى إسْمَاعِيلَ فَإِنَّهُ وَاهِي الْحَدِيثِ .
وَقَدْ رَوَيْنَا فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ لِلْحَاكِمِ قَالَ : نَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، نَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ الْبَيْرُوتِيُّ ، نَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ ، سَمِعْت الْأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ : يُجْتَنَبُ ، أَوْ يُتْرَكُ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْحِجَازِ خَمْسٌ ، وَمِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْعِرَاقِ خَمْسٌ ، مِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْحِجَازِ : اسْتِمَاعُ الْمَلَاهِي ، وَالْمُتْعَةُ ، وَإِتْيَانُ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ ، وَالصَّرْفُ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِغَيْرِ عُذْرٍ ، وَمِنْ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِرَاقِ : شُرْبُ النَّبِيذِ ، وَتَأْخِيرُ الْعَصْرِ حَتَّى يَكُونَ ظِلُّ الشَّيْءِ أَرْبَعَةَ أَمْثَالِهِ ، وَلَا جُمُعَةَ إلَّا فِي سَبْعَةِ أَمْصَارٍ ، وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ ، وَالْأَكْلُ بَعْدَ الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ .
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ : لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَخَذَ بِقَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ : فِي اسْتِمَاعِ الْغِنَاءِ ، وَإِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ ، وَبِقَوْلِ أَهْلِ مَكَّةَ : فِي الْمُتْعَةِ ، وَالصَّرْفِ ، وَبِقَوْلِ أَهْلِ الْكُوفَةِ : فِي الْمُسْكِرِ ، كَانَ شَرَّ عِبَادِ اللَّهِ ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنِ أُسَامَةَ التُّجِيبِيُّ : نَا أَبِي ، سَمِعْت الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ الْجِيزِيَّ يَقُولُ : أَنَا أَصْبَغُ ؛ قَالَ : سُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ فِي الْجَامِعِ ، فَقَالَ : لَوْ جُعِلَ لِي مِلْءُ هَذَا الْمَسْجِدِ ذَهَبًا مَا فَعَلْته ، قَالَ : ونَا أَبِي سَمِعْت الْحَارِثَ بْنَ مِسْكِينٍ يَقُولُ : سَأَلْت ابْنَ الْقَاسِمِ عَنْهُ فَكَرِهَهُ لِي .قَالَ : وَسَأَلَهُ غَيْرِي فَقَالَ : كَرِهَهُ مَالِكٌ .
----------------
المحلى بالآثار - (ج 1 / ص 5190)
1901 - مَسْأَلَةٌ : وَلَا يَحِلُّ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ أَصْلًا , لَا فِي امْرَأَةٍ وَلَا فِي غَيْرِهَا - أَمَّا مَا عَدَا النِّسَاءَ , فَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ . وَأَمَّا فِي النِّسَاءِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ - اُخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ ابْنِ عُمُرَ , وَعَنْ نَافِعٍ كَمَا رَوَيْنَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أرنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد نا أُصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ , قَالَ : قُلْت لِمَالِكٍ : إنَّ عِنْدنَا بِمِصْرَ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ يُحَدِّثُ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : قُلْت لَابْنِ عُمُرَ : إنَّا نَشْتَرِي الْجَوَارِيَ فَنُحَمِّضُ لَهُنَّ , قَالَ : وَمَا التَّحْمِيضُ ؟ قَالَ : نَأْتِيهِنَّ فِي أَدْبَارِهِنَّ ؟ قَالَ ابْنُ عُمُرَ : أُفٍّ أُفٍّ أُفٍّ , أَوَ يَعْمَلُ هَذَا مُسْلِمٌ ؟ فَقَالَ لِي مَالِكٌ : فَأَشْهَدُ عَلَى رَبِيعَةَ لَحَدَّثَنِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمُرَ فَقَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُفَيْلٍ نا سَعِيدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنِي الْمُفَضَّلُ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ : أَنَّهُ قَالَ لِنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمُرَ : قَدْ أَكْثَرَ عَلَيْك الْقَوْلَ أَنَّك تَقُولُ عَنْ ابْنِ عُمُرَ أَنَّهُ أَفَتَى بِأَنَّ تُؤْتَى النِّسَاءُ فِي أَدْبَارِهِنَّ ؟ فَقَالَ نَافِعٌ : لَقَدْ كَذَبُوا عَلَيَّ - وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ أَحَادِيثَ لَوْ صَحَّتْ لَجَاءَنَا مَا يَنْسَخُهَا - عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ - وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَهَذَا لَا حَجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّ " أَنَّى " فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ إنَّمَا هِيَ بِمَعْنَى " مِنْ أَيْنَ " لَا بِمَعْنَى : أَيْنَ , فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ - فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مِنْ أَيْنَ شِئْتُمْ " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلّ : { يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا } بِمَعْنَى : مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا وَقَالُوا : لَوْ حُرِّمَ مِنْ الْمَرْأَةِ شَيْءٌ لَحُرِّمَ جَمِيعُهَا ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : هَذَا كَمَا قَالُوا لَوْ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِتَحْرِيمِهِ وَقَالُوا : وَطْءُ الْمَجْمُوعَةِ جَائِزٌ وَرُبَّمَا مَالَ الذَّكَرُ إلَى الدُّبُرِ ؟ قَالَ عَلِيٌّ : إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ وَطْءِ الْمَجْمُوعَةِ إلَّا بِالْإِيلَاجِ فِي الدُّبُرِ فَوَطْؤُهَا حَرَامٌ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ ؟ فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ , قَالَ أَحْمَدُ : نَا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ; وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ , ثُمَّ اتَّفَقَ الْأَشَجُّ , وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ , قَالَا جَمِيعًا : نا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرٍ } هَذَا لَفْظُ وَرِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعٍ , وَرِوَايَةُ أَحْمَدَ " فِي دُبُرِهَا " لَمْ يَخْتَلِفَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ - هُوَ الثَّوْرِيُّ - حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ , لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ } قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَهَذَانِ خَبَرَانِ صَحِيحَانِ تَقُومُ الْحُجَّةُ بِهِمَا , وَلَوْ صَحَّ خَبَرٌ فِي إبَاحَةِ ذَلِكَ لَكَانَ هَذَانِ نَاسِخَيْنِ لَهُ , لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مُبَاحٌ حَتَّى يَأْتِيَ تَحْرِيمُهُ , فَهَذَانِ الْخَبَرَانِ وَرَدَا بِمَا فَصَّلَ اللَّهُ تَحْرِيمَهُ لَنَا وَقَدْ جَاءَ تَحْرِيمُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ , وَطَاوُسٍ , وَمُجَاهِدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَغَيْرِهِمْ وَمَا رَوَيْت إبَاحَةَ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ إلَّا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَحْدَهُ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ , وَعَنْ نَافِعٍ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ , وَعَنْ مَالِكٍ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ فَقَطْ . وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ(1/69)
84-7740 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارٍ الْمُوصِلِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ : حَدَّثَنِي خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ ، كَانَ " لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَأْتِي الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا قَالَ مَعْنٌ : وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ : " مَا عَلِمْتُ حَرَامًا "(1)
تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ
85-7741 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ : حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ وَجْدًا شَدِيدًا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ خَالَفَهُ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ فَرَوَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ(2)
ذِكْرُ اخْتِلَافِ النَّاقِلِينَ لِخَبَرِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ فِي إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أدبارهنَّ
86-7742 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ : حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِيي مِنَ الْحَقِّ لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ(3)
__________
(1) -فيه ضعف خارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت فيه كلام
(2) -المسند الجامع برقم(7690) صحيح موقوف
حاشية ابن القيم على سنن أبي داود - (ج 1 / ص 230)
قيل هذا غلط بلا شك غلط فيه سليمان بن بلال أو ابن أبي أويس راويه عنه وانقلبت عليه لفظة من بلفظة في وإنما هو أتى امرأة من دبرها
(3) - أخرجه ابن أبي شيبة برقم(16806)وأحمد برقم(22496 و22503) والطبراني برقم(3628 و3649-3652) والبيهقي في السنن برقم(14493و14497 -14501) وأبو عوانة برقم(3482) والحميدي برؤقم(462) وتفسير سعيد برقم(353 و354)صحيح
مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 8 / ص 350)
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ رَجُلٍ يَنْكِحُ زَوْجَتَهُ فِي دُبُرِهَا . أَحَلَالٌ هُوَ أَمْ حَرَامٌ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : " وَطْءُ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا " حَرَامٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاهِيرِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ؛ بَلْ هُوَ اللُّوطِيَّةُ الصُّغْرَى وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ } وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } " وَالْحَرْثُ " هُوَ مَوْضِعُ الْوَلَدِ ؛ فَإِنَّ الْحَرْثَ هُوَ مَحَلُّ الْغَرْسِ وَالزَّرْعِ . وَكَانَتْ الْيَهُودُ تَقُولُ : إذَا أَتَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ مِنْ دُبُرِهَا جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ ؛ وَأَبَاحَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَتَهُ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهَا ؛ لَكِنْ فِي الْفَرْجِ خَاصَّةً . وَمَتَى وَطِئَهَا فِي الدُّبُرِ وَطَاوَعَتْهُ عُزِّرَا جَمْعِيًّا ؛ فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِيَا وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ؛ كَمَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الرَّجُلِ الْفَاجِرِ وَمَنْ يَفْجُرُ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَسُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّا يَجِبُ عَلَى مَنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ فِي دُبُرِهَا ؟ وَهَلْ أَبَاحَهُ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ ؟
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . " الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ " حَرَامٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى ذَلِكَ عَامَّةُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ : مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ فِي كِتَابِهِ : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ : أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَقُولُونَ إذَا أَتَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي قُبُلِهَا مِنْ دُبُرِهَا جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ فَسَأَلَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } و " الْحَرْثُ " مَوْضِعُ الزَّرْعِ . وَالْوَلَدُ إنَّمَا يُزْرَعُ فِي الْفَرْجِ لَا فِي الدُّبُرِ { فَأْتُوا حَرْثَكُمْ } وَهُوَ مَوْضِعُ الْوَلَدِ . { أَنَّى شِئْتُمْ } أَيْ مِنْ أَيْنَ شِئْتُمْ : مِنْ قُبُلِهَا وَمِنْ دُبُرِهَا وَعَنْ يَمِينِهَا وَعَنْ شِمَالِهَا . فَاَللَّهُ تَعَالَى سَمَّى النِّسَاءَ حَرْثًا ؛ وَإِنَّمَا رَخَّصَ فِي إتْيَانِ الحروث وَالْحَرْثُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْفَرْجِ . وَقَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ أَثَرٍ : أَنَّ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ هُوَ اللُّوطِيَّةُ الصُّغْرَى وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي حُشُوشِهِنَّ } " و " الْحُشُّ " هُوَ الدُّبُرُ وَهُوَ مَوْضِعُ الْقَذَرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ حَرَّمَ إتْيَانُ الْحَائِضِ مَعَ أَنَّ النَّجَاسَةَ عَارِضَةٌ فِي فَرْجِهَا فَكَيْفَ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ النَّجَاسَةُ الْمُغَلَّظَةُ : و " أَيْضًا " فَهَذَا مِنْ جِنْسِ اللِّوَاطِ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَأَصْحَابِهِ أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ لَا نِزَاعَ بَيْنَهُمْ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ ؛ لَكِنْ حَكَى بَعْضُ النَّاسِ عَنْهُمْ رِوَايَةً أُخْرَى بِخِلَافِ ذَلِكَ . وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَطَعَنَ فِيهَا . وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَدْ كَانَ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُكَذِّبُ نَافِعًا فِي ذَلِكَ . فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نَافِعٌ غَلِطَ أَوْ غَلِطَ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ . فَإِذَا غَلِطَ بَعْضُ النَّاسِ غَلْطَةً لَمْ يَكُنْ هَذَا مِمَّا يُسَوِّغُ خِلَافَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَمَا أَنَّ طَائِفَةً غَلِطُوا فِي إبَاحَةِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ وَاتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ لِمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَكَذَلِكَ طَائِفَةٌ غَلِطُوا فِي أَنْوَاعٍ [ مِنْ ] الْأَشْرِبَةِ . وَلَمَّا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ ؛ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ } وَأَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَنْوَاعٍ مِنْ الْأَنْبِذَةِ فَقَالَ : { كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ } { مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ } وَجَبَ اتِّبَاعُ هَذِهِ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ . وَلِهَذَا نَظَائِرُ فِي الشَّرِيعَةِ . وَمَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا وَجَبَ أَنْ يُعَاقَبَا عَلَى ذَلِكَ عُقُوبَةً تَزْجُرُهُمَا فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُمَا لَا يَنْزَجِرَانِ فَإِنَّهُ يَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 32 / ص 27)
الإيلاج البسيط في الدبر حرام كالإيلاج الكامل رقم الفتوى:4859تاريخ الفتوى:02 ربيع الثاني 1422السؤال : هل يجوز ملاعبة الزوجة في الدبر دون إيلاج؟أو بإيلاج بسيط جدا جدا بهدف المساعدة على الإنزال للمني؟وفي الحالتين هل يجب الغسل على الزوجة كون المداعبة ليست في القبل؟ وماذا يترتب على الزوج إذا فعل ما ورد في السؤال الأول والثاني
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
أيها السائل الكريم سبق الجواب عن سؤالك برقم 1383 وإليك نص كل من السؤال وجوابه
س: ما حكم مداعبة الزوجة في الدبر بعضو الذكر دون الإيلاج؟
آسف جدا لصراحة السؤال .وهل هناك ضرر صحي إذا توخيت النظافة اللازمة
شاكرين إتاحة الفرصة ، وفى انتظار وصول الإجابة بالبريد الإليكتروني.
الإجابة: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله . أما بعد :
فقد نص العلماء على أن المحرم إنما هو إيلاج الذكر داخل الدبر وأن ما دون ذلك جائز، ولكن هذا مقيد بما إذا أمنت على نفسك أن تنزلق إلى ما لا تحمد عقباه. فقد روى الإمام النسائي من حديث خزيمة بن ثابت عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن" .[ حسنه السيوطي ] وروى أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ملعون من أتى امرأته في دبرها". [صححه الألباني]. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شبه - في حديث النعمان ابن بشير المتفق عليه ـ الحائم حول الحرام بالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه. وقد نص العلماء على أن ما لا يتم ترك المحرم إلا بتركه يجب تركه. فالذي ننصحك به أن تبتعد عن هذا الأمر ، وأن تبتغي ما تريد فيما أرشدك الله إليه، وهو موضع الحرث، فقد قال تعالى: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) .[ البقرة: 223] ، والعلم عند الله تعالى.
وبالنسبة لموضوع الغسل، ففي الحالة الأولى: حيث الملاعبة دون الإيلاج فلا يجب الغسل على الزوج والزوجة ما لم يحصل إنزال فإن حدث إنزال وجب الغسل على من أنزل.
وفي الحالة الثانية يجب الغسل على كل من الزوج والزوجة، إضافة إلى أن الإيلاج في الدبر حرام سواء كان بسيطاً أو غير ذلك. وهو كبيرة من كبائر الذنوب.
والله أعلم.
زاد المعاد - (ج 4 / ص 235)
[تَحْرِيمُ الدّبُرِ ]
وَأَمّا الدّبُرُ فَلَمْ يُبَحْ قَطّ عَلَى لِسَانِ نَبِيّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَمَنْ نَسَبَ إلَى بَعْضِ السّلَفِ إبَاحَةَ وَطْءِ الزّوْجَةِ فِي دُبُرِهَا فَقَدْ غَلِطَ عَلَيْهِ وَفِي " سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى الْمَرْأَةَ فِي دُبُرِهَا . [ ص 236 ] لِأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ : لَا يَنْظُرُ اللّهُ إلَى رَجُلٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا وَفِي لَفْظٍ لِلتّرْمِذِيّ وَأَحْمَدَ مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدّقَهُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفِي لَفْظٍ لِلْبَيْهَقِيّ مَنْ أَتَى شَيْئًا مِنْ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ فِي الْأَدْبَارِ فَقَدْ كَفَرَ وَفِي " مُصَنّفِ وَكِيعٍ " : حَدّثَنِي زَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ طَاوُوسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ اللّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَق لَا تَأْتُوا النّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنّ وَقَالَ مرّة : " فِي أَدْبَارِهِنّ " . وَفِي التّرْمِذِيّ عَنْ عَلِيّ بْنِ طَلْقٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَأْتُوا النّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنّ فَإِنّ اللّهَ لَا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقّ وَفِي " الْكَامِلِ " لِابْنِ عَدِيّ مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ الْمَحَامِلِيّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَحْيَى الْأُمَوِيّ [ ص 237 ] قَالَ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ حَمْزَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ رَفِيعٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يَرْفَعُهُ لَا تَأْتُوا النّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنّ وَرُوِينَا فِي حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيّ الْجَوْهَرِيّ عَنْ أَبِي ذَرّ مَرْفُوعًا : مَنْ أَتَى الرّجَالَ أَوْ النّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنّ فَقَدْ كَفَرَ وَرَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيّاشٍ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ يَرْفَعُهُ اسْتَحْيُوا مِنْ اللّهِ فَإِنّ اللّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقّ لَا تَأْتُوا النّسَاءَ فِي حُشُوشِهِنّ وَرَوَاهُ الدّارَقُطْنِيّ مِنْ هَذِهِ الطّرِيقِ وَلَفْظُهُ إنّ اللّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقّ لَا يَحِلّ مَأْتَاكَ النّسَاءَ فِي حُشُوشِهِنّ وَقَالَ الْبَغَوِيّ : حَدّثَنَا هُدْبَةُ حَدّثَنَا هَمّامٌ قَالَ سُئِلَ قَتَادَةُ عَنْ الّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا ؟ فَقَالَ حَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ تِلْكَ اللّوطِيّةُ الصّغْرَى وَقَالَ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ " : حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ قَالَ حَدّثَنَا هَمّامٌ أَخْبَرَنَا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ فَذَكَرَهُ . [ ص 238 ] وَفِي " الْمُسْنَدِ " أَيْضًا : عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ } فِي أُنَاسٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَتَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ ائْتِهَا عَلَى كُلّ حَالٍ إذَا كَانَ فِي الْفَرْجِ وَفِي " الْمُسْنَدِ " أَيْضًا : عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ جَاءَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ هَلَكْت فَقَالَ وَمَا الّذِي أَهْلَكَكَ ؟ " قَالَ حَوّلْتُ رَحْلِي الْبَارِحَةَ قَالَ فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ شَيْئًا فَأَوْحَى اللّهُ إلَى رَسُولِهِ { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ } أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ وَاتّقِ الْحَيْضَةَ وَالدّبُرَ وَفِي التّرْمِذِيّ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ مَرْفُوعًا : لَا يَنْظُرُ اللّهُ إلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فِي الدّبُرِ وَرُوِينَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَلِيّ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ دُومَا عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ يَرْفَعُهُ كَفَرَ بِاَللّهِ الْعَظِيمِ عَشَرَةٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمّةِ : الْقَاتِلُ وَالسّاحِرُ وَالدّيّوثُ وَنَاكِحُ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا وَمَانِعُ الزّكَاةِ وَمَنْ وَجَدَ سَعَةً فَمَاتَ وَلَمْ يَحُجّ وَشَارِبُ الْخَمْرِ وَالسّاعِي فِي الْفِتَنِ وَبَائِعُ السّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمَنْ نَكَحَ ذَاتَ مَحْرَمٍ مِنْهُ وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ وَهْبٍ : حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ لَهِيعَةَ عَنْ مِشْرَحِ بْنِ هَاعَانَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ مَلْعُونٌ مَنْ يَأْتِي النّسَاءَ فِي مَحَاشّهِنّ يَعْنِي : أَدْبَارَهُنّ " . [ ص 239 ] مُسْنَدِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبّاسٍ قَالَا : خَطَبَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ وَفَاتِهِ وَهِيَ آخِرُ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا بِالْمَدِينَةِ حَتّى لَحِقَ بِاَللّهِ عَزّ وَجَلّ وَعَظَنَا فِيهَا وَقَالَ " مَنْ نَكَحَ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ رَجُلًا أَوْ صَبِيّا حُشِرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَرِيحُهُ أَنْتَنُ مِنْ الْجِيفَةِ يَتَأَذّى بِهِ النّاسُ حَتّى يَدْخُلَ النّارَ وَأَحْبَطَ اللّهُ أَجْرَهُ وَلَا يَقْبَلُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا وَيُدْخَلُ فِي تَابُوتٍ مِنْ نَارٍ وَيُشَدّ عَلَيْهِ مَسَامِيرُ مِنْ نَارٍ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : هَذَا لِمَنْ لَمْ يَتُبْ . وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيّ مِنْ حَدِيثِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ يَرْفَعُهُ إنّ اللّهَ لَا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقّ لَا تَأْتُوا النّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنّ وَقَالَ الشّافِعِيّ : أَخْبَرَنِي عَمّي مُحَمّدُ بْنُ عَلِيّ بْنِ شَافِعٍ . قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَلِيّ بْنِ السّائِبِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجِلَاحِ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ أَنّ رَجُلًا سَأَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ إتْيَانِ النّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنّ فَقَالَ حَلَالٌ " فَلَمّا وَلّى دَعَاهُ فَقَالَ " كَيْفَ قُلْت فِي أَيّ الْخَرِبَتَيْنِ أَوْ فِي أَيّ الْخَرَزَتَيْنِ أَوْ فِي أَيّ الْخَصْفَتَيْنِ أَمِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا ؟ فَنَعَمْ أَمْ مِنْ دُبُرِهَا فِي دُبُرِهَا فَلَا إنّ اللّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقّ لَا تَأْتُوا النّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنّ قَالَ الرّبِيعُ فَقِيلَ لِلشّافِعِيّ فَمَا تَقُولُ ؟ فَقَالَ عَمّي ثِقَةٌ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَلِيّ ثِقَةٌ وَقَدْ أَثْنَى عَلَى الْأَنْصَارِيّ خَيْرًا يَعْنِي عَمْرَو بْنَ الْجِلَاحِ وَخُزَيْمَةُ [ ص 240 ] أَنْهَى عَنْهُ . قُلْت : وَمِنْ هَاهُنَا نَشَأَ الْغَلَطُ عَلَى مَنْ نُقِلَ عَنْهُ الْإِبَاحَةُ مِنْ السّلَفِ وَالْأَئِمّةِ فَإِنّهُمْ أَبَاحُوا أَنْ يَكُونَ الدّبُرُ طَرِيقًا إلَى الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ فَيَطَأُ مِنْ الدّبُرِ لَا فِي الدّبُرِ فَاشْتَبَهَ عَلَى السّامِعِ " مِنْ " ب " فِي " وَلَمْ يَظُنّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا فَهَذَا الّذِي أَبَاحَهُ السّلَفُ وَالْأَئِمّةُ فَغَلِطَ عَلَيْهِمْ الْغَالِطُ أَقْبَحَ الْغَلَطِ وَأَفْحَشَهُ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { فَأْتُوهُنّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ } قَالَ مُجَاهِدٌ : سَأَلْتُ ابْنَ عَبّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : { فَأْتُوهُنّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ } فَقَالَ تَأْتِيهَا مِنْ حَيْثُ أُمِرْت أَنْ تَعْتَزِلَهَا يَعْنِي فِي الْحَيْضِ . وَقَالَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ يَقُولُ فِي الْفَرْجِ وَلَا تَعْدُهُ إلَى غَيْرِهِ . وَقَدْ دَلّتْ الْآيَةُ عَلَى تَحْرِيمِ الْوَطْءِ فِي دُبُرِهَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنّهُ أَبَاحَ إتْيَانَهَا فِي الْحَرْثِ وَهُوَ مَوْضِعُ الْوَلَدِ لَا فِي الْحُشّ الّذِي هُوَ مَوْضِعُ الْأَذَى وَمَوْضِعُ الْحَرْثِ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللّهُ الْآيَةَ قَالَ { فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ } وَإِتْيَانُهَا فِي قُبُلِهَا مِنْ دُبُرِهَا مُسْتَفَادٌ مِنْ الْآيَةِ أَيْضًا لِأَنّهُ قَالَ أَنّى شِئْتُمْ أَيْ مِنْ أَيْنَ شِئْتُمْ مِنْ أَمَامٍ أَوْ مِنْ خَلْفٍ . قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ :
{ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ } يَعْنِي : الْفَرْج
[ مَفَاسِدُ إتْيَانِ الدّبُرِ ]
وَاذَا كَانَ اللّهُ حَرّمَ الْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ لِأَجْلِ الْأَذَى الْعَارِضِ فَمَا الظّنّ بِالْحُشّ الّذِي هُوَ مَحَلّ الْأَذَى اللّازِمِ مَعَ زِيَادَةِ الْمَفْسَدَةِ بِالتّعَرّضِ لِانْقِطَاعِ النّسْلِ وَالذّرِيعَةِ الْقَرِيبَةِ جِدّا مِنْ أَدْبَارِ النّسَاءِ إلَى أَدْبَارِ الصّبْيَانِ . وَأَيْضًا : فَلِلْمَرْأَةِ حَقّ عَلَى الزّوْجِ فِي الْوَطْءِ وَوَطْؤُهَا فِي دُبُرِهَا يُفَوّتُ حَقّهَا وَلَا يَقْضِي وَطَرَهَا وَلَا يُحَصّلُ مَقْصُودَهَا . وَأَيْضًا : فَإِنّ الدّبُرَ لَمْ يَتَهَيّأْ لِهَذَا الْعَمَلِ وَلَمْ يُخْلَقْ لَهُ وَإِنّمَا الّذِي هُيّئَ لَهُ الْفَرْجُ فَالْعَادِلُونَ عَنْهُ إلَى الدّبُرِ خَارِجُونَ عَنْ حِكْمَةِ اللّهِ وَشَرْعِهِ جَمِيعًا . [ ص 241 ] مُضِرّ بِالرّجُلِ وَلِهَذَا يَنْهَى عَنْهُ عُقَلَاءُ الْأَطِبّاءِ مِنْ الْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ لِأَنّ لِلْفَرْجِ خَاصّيّةً فِي اجْتِذَابِ الْمَاءِ الْمُحْتَقَنِ وَرَاحَةُ الرّجُلِ مِنْهُ وَالْوَطْءُ فِي الدّبُرِ لَا يُعِينُ عَلَى اجْتِذَابِ جَمِيعِ الْمَاءِ وَلَا يُخْرِجُ كُلّ الْمُحْتَقَنِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْأَمْرِ الطّبِيعِيّ . وَأَيْضًا : يَضُرّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ إحْوَاجُهُ إلَى حَرَكَاتٍ مُتْعِبَةٍ جِدّا لِمُخَالَفَتِهِ لِلطّبِيعَةِ . وَأَيْضًا فَإِنّهُ مَحَلّ الْقَذَرِ وَالنّجْوِ فَيَسْتَقْبِلُهُ الرّجُلُ بِوَجْهِهِ وَيُلَابِسُهُ . وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يَضُرّ بِالْمَرْأَةِ جِدّا لِأَنّهُ وَارِدٌ غَرِيبٌ بَعِيدٌ عَنْ الطّبَاعِ مُنَافِرٌ لَهَا غَايَةَ الْمُنَافَرَةِ . وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يُحْدِثُ الْهَمّ وَالْغَمّ وَالنّفْرَةَ عَنْ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ . وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يُسَوّدُ الْوَجْهَ وَيَظْلِمُ الصّدْرَ وَيَطْمِسُ نُورَ الْقَلْبِ وَيَكْسُو الْوَجْهَ وَحْشَةً تَصِيرُ عَلَيْهِ كَالسّيمَاءِ يَعْرِفُهَا مَنْ لَهُ أَدْنَى فِرَاسَةٍ . وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يُوجِبُ النّفْرَةَ وَالتّبَاغُضَ الشّدِيدَ وَالتّقَاطُعَ بَيْنَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَلَا بُدّ . وَأَيْضًا فَإِنّهُ يُفْسِدُ حَالَ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ فَسَادًا لَا يَكَادُ يُرْجَى بَعْدَهُ صَلَاحٌ إلّا أَنْ يَشَاءَ اللّهُ بِالتّوْبَةِ النّصُوحِ . وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يُذْهِبُ بِالْمَحَاسِنِ مِنْهُمَا وَيَكْسُوهُمَا ضِدّهَا كَمَا يُذْهِبُ بِالْمَوَدّةِ بَيْنَهُمَا وَيُبْدِلُهُمَا بِهَا تَبَاغُضًا وَتَلَاعُنًا . وَأَيْضًا : فَإِنّهُ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ زَوَالِ النّعَمِ وَحُلُولِ النّقَمِ فَإِنّهُ يُوجِبُ اللّعْنَةَ وَالْمَقْتَ مِنْ اللّهِ وَإِعْرَاضَهُ عَنْ فَاعِلِهِ وَعَدَمَ نَظَرِهِ إلَيْهِ فَأَيّ خَيْرٍ [ ص 242 ] يَرْجُوهُ بَعْدَ هَذَا وَأَيّ شَرّ يَأْمَنُهُ وَكَيْفَ حَيَاةُ عَبْدٍ قَدْ حَلّتْ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللّهِ وَمَقْتُهُ وَأَعْرَضَ عَنْهُ بِوَجْهِهِ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَيْهِ . وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يُذْهِبُ بِالْحَيَاءِ جُمْلَةً وَالْحَيَاءُ هُوَ حَيَاةُ الْقُلُوبِ فَإِذَا فَقَدَهَا الْقَلْبُ اسْتَحْسَنَ الْقَبِيحَ وَاسْتَقْبَحَ الْحَسَنَ وَحِينَئِذٍ فَقَدَ اسْتَحْكَمَ فَسَادُهُ . وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يُحِيلُ الطّبَاعَ عَمّا رَكّبَهَا اللّهُ وَيُخْرِجُ الْإِنْسَانَ عَنْ طَبْعِهِ إلَى طَبْعٍ لَمْ يُرَكّبْ اللّهُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الْحَيَوَانِ بَلْ هُوَ طَبْعٌ مَنْكُوسٌ وَإِذَا نُكِسَ الطّبْعُ انْتَكَسَ الْقَلْبُ وَالْعَمَلُ وَالْهُدَى فَيَسْتَطِيبُ حِينَئِذٍ الْخَبِيثَ مِنْ الْأَعْمَالِ وَالْهَيْئَاتِ وَيَفْسُدُ حَالُهُ وَعَمَلُهُ وَكَلَامُهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ . وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يُورِثُ مِنْ الْوَقَاحَةِ وَالْجُرْأَةِ مَا لَا يُورِثُهُ سِوَاهُ . وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يُورِثُ مِنْ الْمَهَانَةِ وَالسّفَالِ وَالْحَقَارَةِ مَا لَا يُورِثُهُ غَيْرُهُ . وَأَيْضًا : فَإِنّهُ يَكْسُو الْعَبْدَ مِنْ حُلّةِ الْمَقْتِ وَالْبَغْضَاءِ وَازْدِرَاءِ النّاسِ لَهُ وَاحْتِقَارِهِمْ إيّاهُ وَاسْتِصْغَارِهِمْ لَهُ مَا هُوَ مُشَاهَدٌ بِالْحِسّ فَصَلَاةُ اللّهِ وَسَلَامُهُ عَلَى مَنْ سَعَادَةِ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ فِي هَدْيِهِ وَاتّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ وَهَلَاكُ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ فِي مُخَالَفَةِ هَدْيِهِ وَمَا جَاءَ بِهِ .(1/70)
87-7743 أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ ، عَنْ هَرَمِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِيي مِنَ الْحَقِّ " يَقُولُهَا ثَلَاثًا " لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ "(1)
__________
(1) - ابن أبي شيبة برقم(16789) وأحمد برقم(22492و22512) والآحاد برقم(1840) والطبراني برقم(3647 و3652 -3655) والبيهقي في السنن برقم( 14496 و14500 ) والدارمي برقم(1180 و2268) والمسند الجامع برقم(3622) وصحيح ابن حبان برقم(4272) صحيح
نيل الأوطار - (ج 10 / ص 174)
بَابُ النَّهْيِ عَنْ إتْيَانِ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا 2797 - ( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَفِي لَفْظٍ : { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى رَجُلٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ ) .
2798 - ( وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ : فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أُنْزِلَ ) .
2799 - ( وَعَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ ) .
2800 - ( وَعَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ ، أَوْ قَالَ : فِي أَدْبَارِهِنَّ } ) .
2801 - ( وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا : هِيَ اللُّوطِيَّةُ الصُّغْرَى } رَوَاهُمَا أَحْمَدُ ) .
2802 - ( وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَسْتَاهِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ ) 2803 - ( وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فِي الدُّبُرِ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَدِيثٌ غَرِيبٌ ) .
الشَّرْحُ
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأَوَّلُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا بَقِيَّةُ أَهْلِ السُّنَنِ وَالْبَزَّارُ ، وَفِي إسْنَادِهِ الْحَارِثُ بْنُ مَخْلَدٍ .
قَالَ الْبَزَّارُ : لَيْسَ بِمَشْهُورٍ .
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ : لَا يُعْرَفُ حَالُهُ .
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، فَرَوَاهُ عَنْهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ كَمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَابْنُ شَاهِينَ .
وَرَوَاهُ عُمَرُ مَوْلَى عَفْرَةَ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ .
قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ : إنَّ رِجَالَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا ثِقَاتٌ لَكِنْ أُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ .
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هُوَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ : لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ : لَا يُعْرَفُ لِأَبِي تَمِيمَةَ سَمَاعٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .
وَقَالَ الْبَزَّارُ : هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ ، وَفِي الْإِسْنَادِ أَيْضًا حَكِيمٌ الْأَثْرَمُ .
قَالَ الْبَزَّارُ : لَا يُحْتَجُّ بِهِ ، وَمَا تَفَرَّدَ بِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ .
وَلِأَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ ثَالِثٌ نَحْوُ حَدِيثِهِ الْأَوَّلِ ، أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي إسْنَادِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّنْعَانِيُّ ، وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ دُحَيْمٌ وَأَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُمَا .
وَلِأَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا حَدِيثٌ رَابِعٌ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ بَكْرِ بْنِ خُنَيْسٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ : { مَنْ أَتَى شَيْئًا مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْأَدْبَارِ فَقَدْ كَفَرَ } وَفِي إسْنَادِهِ بَكْرُ بْنُ خُنَيْسٍ وَلَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَهُمَا ضَعِيفَانِ .
وَلِأَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا حَدِيثٌ خَامِسٌ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَبَانَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزِّنْجِيِّ عَنْ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ : { مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ } وَفِي إسْنَادِهِ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ .
وَحَدِيثُ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا بِنَحْوِهِ ، وَفِي إسْنَادِهِ عُمَرُ بْنُ أُحَيْحَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ .
وَاخْتُلِفَ فِي إسْنَادِهِ كَثِيرًا ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَفِيهَا هَرَمِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَلَا يُعْرَفُ حَالُهُ .
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ هَرَمِيٍّ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ .
وَحَدِيثُ الْإِمَامِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ : وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ .
وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ وَأَعَلَّهُ .
قَالَ الْحَافِظُ : وَالْمَحْفُوظُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ قَوْلِهِ كَذَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُ .
وَحَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ أَنْ حَسَّنَهُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ : لَا أَعْرِفُ لِعَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ ، وَلَا أَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ مِنْ حَدِيثِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ السُّحَيْمِيِّ ، وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ آخِرَ هَذَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْبَزَّارُ وَقَالَ : لَا نَعْلَمُهُ يَرْوِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ ، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ هَنَّادٍ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ الضَّحَّاكِ مَوْقُوفًا ، وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدَهُمْ مِنْ الْمَرْفُوعِ .
وَلِابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ آخَرُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى مَوْقُوفَةٍ رَوَاهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ : " أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ إتْيَانِ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا ، فَقَالَ : سَأَلْتَنِي عَنْ الْكُفْرِ " وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ .
وَفِي الْبَابِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهَا مَا سَيَأْتِي ، وَمِنْهَا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ .
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ ابْنِ عَدِيٍّ بِإِسْنَادٍ وَاهٍ ، وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ .
وَعَنْ عُمَرَ عِنْدَ النَّسَائِيّ وَالْبَزَّارِ بِإِسْنَادٍ فِيهِ زَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ .
وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ مَنْ قَالَ : إنَّهُ يَحْرُمُ إتْيَانُ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ : لَمْ يَصِحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَحْرِيمِهِ وَلَا فِي تَحْلِيلِهِ شَيْءٌ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ حَلَالٌ .
وَقَدْ أَخْرَجَهُ عَنْهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ ، وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ عَنْ الْأَصَمِّ عَنْهُ .
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ الشَّافِعِيِّ .
وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ : سَأَلَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فَقُلْت لَهُ : إنْ كُنْت تُرِيدُ الْمُكَابَرَةَ وَتَصْحِيحَ الرِّوَايَاتِ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ فَأَنْتَ أَعْلَمُ ، وَإِنْ تَكَلَّمْتَ بِالْمُنَاصَفَةِ كَلَّمْتُكَ ، قَالَ : عَلَى الْمُنَاصَفَةِ ، قُلْتُ : فَبِأَيِّ شَيْءٍ حَرَّمْتَهُ ؟ قَالَ : يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ } وَقَالَ : { فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } وَالْحَرْث لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْفَرْجِ : قُلْتُ : أَفَيَكُونُ ذَلِكَ مُحَرِّمًا لِمَا سِوَاهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
قُلْتُ : فَمَا تَقُولُ لَوْ وَطِئَهَا بَيْنَ سَاقَيْهَا أَوْ فِي أَعْكَانِهَا أَوْ تَحْتَ إبْطَيْهَا أَوْ أَخَذَتْ ذَكَرَهُ بِيَدِهَا أَفِي ذَلِكَ حَرْثٌ ؟ قَالَ : لَا ، قُلْتُ : فَيَحْرُمُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : لَا ، قُلْتُ : فَلِمَ تَحْتَجُّ بِمَا لَا حُجَّةَ فِيهِ ؟ قَالَ : فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ : { وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } الْآيَةَ ، قَالَ : فَقُلْتُ : هَذَا مِمَّا يَحْتَجُّونَ بِهِ لِلْجَوَازِ أَنَّ اللَّهَ أَثْنَى عَلَى مَنْ حَفِظَ فَرْجَهُ مِنْ غَيْرِ زَوْجَتِهِ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ ، فَقُلْتُ لَهُ : أَنْتَ تَتَحَفَّظُ مِنْ زَوْجَتِكَ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ، انْتَهَى .
وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْأَصْلَ تَحْرِيمُ الْمُبَاشَرَةِ إلَّا مَا أَحَلَّ اللَّهُ بِالْعَقْدِ وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لِعَدَمِ الْمُشَابَهَةِ فِي كَوْنِهِ مِثْلَهُ مَحَلًّا لِلزَّرْعِ .
وَأَمَّا تَحْلِيلُ الِاسْتِمْتَاعِ فِيمَا عَدَا الْفَرْجَ فَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ ، وَلَكِنَّهُ لَا يَخْفَى وُرُودُ مَا أَوْرَدَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى مَنْ اسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ .
وَأَمَّا دَعْوَى أَنَّ الْأَصْلَ تَحْرِيمُ الْمُبَاشَرَةِ فَهَذَا مُحْتَاجٌ إلَى دَلِيلٍ ، وَلَوْ سَلِمَ فَقَوْلُهُ تَعَالَى : { فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } رَافِعٌ لِلتَّحْرِيمِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ ذَلِكَ الْأَصْلِ ، فَيَكُونَ الظَّاهِرُ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ الْحِلَّ .
وَمَنْ ادَّعَى تَحْرِيمَ الْإِتْيَانِ مِنْ مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ طُولِبَ بِدَلِيلٍ يَخُصُّ عُمُومَ الْآيَةِ .
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْبَابِ الْقَاضِيَةَ بِتَحْرِيمِ إتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا فَتَنْتَهِضُ لِتَخْصِيصِ الدُّبُرِ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ ، وَأَيْضًا الدُّبُرُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ اسْمٌ لِخِلَافِ الْوَجْهِ ، وَلَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِالْمَخْرَجِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } فَلَا يَبْعُدُ حَمْلُ مَا وَرَدَ مِنْ الْأَدْبَارِ عَلَى الِاسْتِمْتَاعِ بَيْنَ الْأَلْيَتَيْنِ .
وَأَيْضًا قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ الْوَطْءَ فِي الْفَرْجِ لِأَجْلِ الْأَذَى فَمَا الظَّنُّ بِالْحُشِّ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ الْأَذَى اللَّازِمِ مَعَ زِيَادَةِ الْمَفْسَدَةِ بِالتَّعَرُّضِ لِانْقِطَاعِ النَّسْلِ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ الْغَائِبَةُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ النِّكَاحِ وَالذَّرِيعَةُ الْقَرِيبَةُ جِدًّا الْحَامِلَةُ عَلَى الِانْتِقَالِ مِنْ ذَلِكَ إلَى أَدْبَارِ الْمُرْدِ .
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْقَيِّمِ لِذَلِكَ مَفَاسِدَ دِينِيَّةً وَدُنْيَوِيَّةً فَلْيُرَاجَعْ ، وَكَفَى مُنَادِيًا عَلَى خَسَاسَتِهِ أَنَّهُ لَا يَرْضَى أَحَدٌ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ وَلَا إمَامِهِ تَجْوِيزُ ذَلِكَ ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ الرَّافِضَةِ مَعَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ عِنْدَهُمْ ، وَأَوْجَبُوا لِلزَّوْجَةِ فِيهِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ عِوَضَ النُّطْفَةِ ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ إحْدَى مَسَائِلِهِمْ الَّتِي شَذُّوا بِهَا .
وَقَدْ حَكَى الْإِمَامُ الْمَهْدِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِتْرَةِ جَمِيعًا وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ حَرَامٌ .
قَالَ الْحَاكِمُ بَعْدَ أَنْ حَكَى عَنْ الشَّافِعِيِّ مَا سَلَفَ : لَعَلَّ الشَّافِعِيَّ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ فِي الْقَدِيمِ ، فَأَمَّا الْجَدِيدُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ حَرَّمَهُ .
وَقَدْ رَوَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي وَأَبُو نَصْرِ بْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ الرَّبِيعِ أَنَّهُ قَالَ : كَذَبَ وَاَللَّهِ ، يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ ، فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ تَحْرِيمَهُ فِي سِتَّةِ كُتُبٍ .
وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ فَقَالَ : لَا مَعْنَى لِهَذَا التَّكْذِيبِ ، فَإِنَّ عَبْدَ الْحَكَمِ لَمْ يَنْفَرِدْ بِذَلِكَ بَلْ قَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخُوهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ قَالَ : إنَّهُ لَا خِلَافَ فِي ثِقَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَمَانَتِهِ .
وَقَدْ رُوِيَ الْجَوَازُ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ .
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ : إنَّهُ رَوَى ذَلِكَ عَنْهُ أَهْلُ مِصْرَ وَأَهْلُ الْمَغْرِبِ .
وَرَوَاهُ عَنْهُ أَيْضًا ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ ، وَأَصْحَابُ مَالِكٍ الْعِرَاقِيُّونَ لَمْ يُثْبِتُوا هَذِهِ الرِّوَايَةَ .
وَقَدْ رَجَعَ مُتَأَخِّرُو أَصْحَابِهِ عَنْ ذَلِكَ وَأَفْتَوْا بِتَحْرِيمِهِ .
وَقَدْ اُسْتُدِلَّ لِلْمُجَوِّزِينَ بِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَمَّا قَرَأَ قَوْله تَعَالَى : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ } فَقَالَ : مَا تَدْرِي يَا نَافِعُ فِيمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ؟ قَالَ : قُلْتُ : لَا .
قَالَ لِي : فِي رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَصَابَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ } قَالَ نَافِعٌ : فَقُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ : مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا ؟ قَالَ : لَا ، إلَّا فِي دُبُرِهَا .
وَرَوَى نَحْوَ ذَلِكَ عَنْهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَرَوَى النَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ : لَا إلَّا فِي دُبُرِهَا .
وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ وَالطَّبَرِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا ، فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْأَسْبَابِ فِي نُزُولِ الْآيَةِ .
الروضة الندية - (ج 2 / ص 268)
ولا يجوز إتيان المرأة في دبرها لحديث أبي هريرة عند أحمد وأهل السنن والبزار قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ملعون من أتى امرأة في دبرها وفي إسناده الحرث بن مخلد لا يعرف حاله . وأخرج أحمد والترمذي وأبو داود من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد وفي إسناده أبو تميمة عنه . قال البخاري لا يعرف لأبي تميمة سماع عن أبي هريرة . وقال البزار هذا حديث منكر . وفي إسناده أيضاً حكيم بن الاثرم . قال البزار لا يحتج به وما تفرد به فليس بشئ . وأخرج أحمد وابن ماجة من حديث خزيمة بن ثابت أن النبي صلى الله وسلم عليه نهى أن يأتي الرجل امرأته في دبرها وفي إسناده عمر بن أحيحة وهو مجهول . وفي الباب عن علي بن أبي طالب عند أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة أن النبي صلى الله وسلم عليه قال : لا تأتوا النساء في إعجازهن . أو قال في أدبارهن ورجال إسناده ثقات . وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أحمد والنسائي أن النبي صلى الله وسلم عليه قال في الذي يأتي إمرأته في دبرها هو اللوطية الصغري وفي الباب أحاديث وبعضها يقوي بعضاً . وحكي عن بعض أهل العلم الجواز واستدلوا بقوله تعالى فاتوا حرثكم أنى شئتم والبحث طويل لا يتسع المقام لبسطه .
===================
الفقه على المذاهب الأربعة - (ج 7 / ص 230)
وقد لخص العلماء مضار اللواط فيما يأتي.
أولاً - جناية على الفطرة البشرية السليمة، لآن النفوس السليمة تستفحشه وتراه أقبح من الزنا لقذارة المحل.
ثانياً - مفسدة للشبان بالإسراف في الشهوة، لأنها تنال بسهولة.
ثالثاً - تذل الرجال بما تحدثه فيهم من داء - الأبنة - ولا يستطيع أن يرفع رأسه بعد أن وضع نفسه.
رابعاً - تفسد النساء اللواتي تنصرف أزواجهن عنهن بسبب حبهم للواطة، فيقصورا فيما يجب عليهم من إحصانهن، وإشباع شهواتهن، فيعرضهن ذلك للتهاون في أعراضهن.
خامساً - قلة النسل، بانتشار هذه الفاحشة، لأن من لوازمها الرغبة عن الزواج والإعراض عن النساء.
سادساً - الرغبة في إتيان النساء في أدبارهن، وفي ذلك الفساد كل الفساد.
سابعاً - من يتعود هذه الفاحشة يميل إلى استمناء اليد، وإتيان البهائم، وهما جريمتان فبيحتان، شديدتا الضرر في الأبدان، مفسدتان للأخلاق، مضعيتان للصحة البدنية وهما محرمتان كاللواطة، والزنا، في جميع الملل والأديان، لما لهما من الأضرار الخطيرة المهلكة.
ثامناً - إفساد الحياة الزوجية، وتفكك العائلات والأسر، وغرس العداوة والبغضاء.
تاسعاً - يحمل الشبان على الإضراب عن الزواج وتحمل مسؤولية الأسرة، وفي ذلك ما فيه من المفاسد المقوضة لدعائم المجتمع، لأن الحيان الزوجية فيها إحصان كل من الزوجين.
عاشراً - تسبب أضراراً خطيرة للفاعل مثل مرض الزهري والسيلان وغيرهما، وأضراراً للمفعول به، فتنزل منه الأشياء الكريهة من غير أن يستطيع إمساكها. وعلى العموم فإن أضرار هذه الفاحشة لا نستطيع حصرها لكثرتها وشناعتها، وخطورتها على الفرد والمجتمع.
فإنها نذير الرعب، وداعي الخيبة، ودليل السقوط، وسبب الدناءةن وفقدان الشهامة والنجدة، وتدعو إلى انتشار الأوبئة، والأمراض الخبيثة الفتاكةن وتجلب السل والصفرة وترفع رحنة الله، وتحل غضبه، وتوجب اللعنة والعقاب على الفاعلين والمفعولين، وتوجد الصغار في نفس اللائط، وترفع الحياء من الوجوه، وترد شهادة الفاعل والمفعول به، وتوجب عليهما اشد العقاب في الدنيا والدار الآخرة. ولهذا أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم بنفي المخنث من المدينة حتى لا يفسد مجتمعها واهتم الشارع الحكيم بالنهي عنها، وفرض العقاب الرادع لها. ووردت الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى اللّه عليه وسلم تنفر المسلمين من الوقوع فيها وتحذرهم من عواقبها الوخيمةن وتهول من شناعتهان وتبين لهم فظاعتها وخطرها الجسيم. عن أبي هريرة أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم قال: (لعن الله سبعة من خلقه من فوق سبع سمواته، وردد اللعنة على كل واحد منهم ثلاثاً، ولعن كل واحد منهم لعنة تكفيه، قال: ملعةن من عمل عمل قوم لوط، ملعون من عمل عمل قوم لوط، ملعون من عمل عمل قوم لوط، ملعون من ذبح لغير الله، ملعون من أتى شيئاً من البهائم، ملعون من عق والديه، ملعون من جمع بين امرأة وابنتها، ملعون من غير حدود الأرض، ملعون من ادعى إلى غير مواليه).
حرمة اتيان النساء في أدبارهن
اتفقت كلمة علماء المسلمين على أن من أتى امرأته، أو أمته، في دبرها وترك القبل فلا يقام عليه حد، حيث لم يرد من الشارع الحكيم حد في هذه الحالات.
ولكنهم قالوا: بأن من يعمل هذا العمل الشنيع يكون آثماً، مستوجباً للعقاب الأخروي حيث ارتكب فعلاً ممنوعاً شرعاً، غير مسموح بهن بل منهي عن الوقوع فيه والالتجاء إليه، فقد وردت أحاديث كثيرة عن الرسول المعصوم صولات الله وسلامه عليه تحرم إتيان النساء في أدبارهنن روى خذيمة بن ثابت، وأبو هريرة، وعلي بن طلق رحمهم الله تعالى كلهم عن رسول الله صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (لا تأتوا النساء في أدبارهن).
وروي عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (هي اللوطة الصغرى) يعني إتيان النساء في أدبارهن. وروى حماد بن سلمة عن حكيم بن الثرم عن أبي تميم، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنهم أن رسول الله صلى اللّه عليه وسلم قال: (من أى حائضاً، أو امرأة في دبرها، أو كاهناً فصدقه، فقد كفر بما نزل على محمد) رواه الترمذي والإمام أحمد. وحدد القرآن مكان النكاح وهو القبل لأنه محل الحرث، والمكان الذي ينبت منه الولد، وحرم غيره، روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن اليهود قالوا للمسلمين فيمن أى امرأة وهي مدبرة - في قبلها. جاء ولده أحول، فأنزل الله تعالى: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا انكم ملاقوه وبشر المؤمنين} آية: 223 من البقرة. فقال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم (مقبلة ومدبرة ما كان في المخرج).
وقد وردت الأحاديث المروية من طرق متعددة بالزجر عن فعله وتعاطيه. فقد روي عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم: (استحيوا إن الله لا يستحي من الحق، لا يحل لكم أن تأتوا النساء في حشوشهن) وروى الإمام أحمد عن خذيمة بن ثابت (أن رسول الله صلى اللّه عليه وسلم نهى أن يأتي الرجل امرأته في دبرها) (ومن طريق أخرى) أن رسول الله صلى اللّه عليه وسلم قال: (استحيوا إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن) رواه النسائي وأبن ماجة من طريق خذيمة وروى الترمذي والنسائي عن أبن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم: (لا ينظر الله إلى رجل أى رجلاً، أو امرأة في الدبر) ثم قال الترمذي هذا حديث حسن غريب وقال عبد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر بن طاوس عن ابيه أن رواه النسائي عن طريق أبن المبارك عم عمر به نحوه - وقال عبد ايضاً في تفسيره: حدثنا إبراهيم عن الحاكم عن ابيه عن عكرمة قال، جاء رجل إلى أبن عباس وقال:كنات آتي أهلي في دبرها وسمعت قول الله تعالى: {نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} فظننت أن ذلك لي حلال فقال: يا وكيع إنما قوله: {فأتوا حرثم أنى شئتم} قائمة، وقادعدة، ومقبلة، ومدبرة في أقبالهن لا تعدو ذلك إلى غيره، وروى الإمام أحمد حدثنا عبد الصمد حدثنا همام حدثنا قتادة، عن عمرو بن شعيبن عن أبيه عند جده أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطة الصغرى).
وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم: (سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم، ويقول: ادخلوا النار مع الداخلين: الفاعل، والمفعول به، والنكاح يده وناكح البهيمة، وناكح المرأة في دبرها، وجامع بين امرأة وابنتها، والزاني بحليلة جاره، ومؤذي جاره حتى يلعنه).
وروى الإمام أحمد قال: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن سهيل بن أبي صالح عن الحارث بن مخلد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (إن الذي يأتي امرأته في دبرها لا يظر الله إليه).
وروى النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قل: قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم: (ملعون من أتى امرأته في دبرها) وفي رواية أخرى: (ملعون من أت النساء في أدبارهن). قال النسائي: حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن أبي هريرة قال: (إتيان الرجال النساء في ادبارهن كفر) ثم رواه عن بندار عن عبد الرحمن به قال: من أتى امرأة في دبرها وتلك كفر) هكذا رواه النسائي من طريق الثوري عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرية عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (من أتى شيئاً من الرجال والنساء في ادبارهن فقد كفر) والمراد بالكفر في الحديث إنما هو كفر النعمة وهي النساء اللاتي احلهن الله عز وجل. وروى أبن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه وسلم إنه قال: (محاش النساء حرام). وقال الثوري عن الصلت بن بهرام عن أبي المعتمر عن أبي جويرية قال: سأل رجل علياً عن إتيان المرأة في دبرها فقال: سفلت سفل الله بك الم تسمع قول الله عز وجل: {أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين} قال الإمام أبن كثير في تفسيره وقد تقدم قول أبن عباس، وأبن مسعود، وأبي الدرداي، وابي هريرة، وعبد الله بن عمرو، في تحريم ذلك، وهو الثابت بلا شك عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما انه يحرمه، فقد روي إنه سئل عن ذلك فقال: وهل يفعل ذلك احد من المسلمين؟ وروي أن رجلاً سأل الإمام مالك بن أنس: ما تقول في إتيان النساء في أدبارهن قال: ما أنتم إلا قوم عرب هل يكون الحرث إلا موضع الزرع؟، لا تعدوا الفرج. قال: يا أبا عبد الله إنهم يقولن إنك تقول ذلك، قال يكذبون
علي) فهذا هو الثابت عنه رحمه الله تعالى. فقد اتفقت كلمة الأئمة جميعاً الحنفية، والشافعية، والحنابلة، والمالكية من غير خلاف منهم، على تحريم هذا الفعل وشناعته وعدم جوازه بحال من الأحوال، في الزوجة والأمة وغيرهما، وهو قول سعيد بن المسيب، وابي سلمة، وعكرمةن وطاوس، وعطاء، وسعيد بن جبير، وعروة بن الزبير، ومجاهد بن جبر، والحسن البصري وغيرهم من السلف جميعاً أنكروا ذلك الفعل اشد الإنكار ومنهم من يطلق على فعله الكفر، وهو مذهب جمهور العلماءز ومما يدل على تحريم هذا العمل قول الله تعالى: {وقدموا لأنفسكم} فإن معناه من فعل الطاعات مع امتثال ما أنهاكم عنه من ترك المحرمات التي نهيتكم عنها. لذلك قال: {واتقوا الله واعلموا انكم ملاقوه} أي اتقوا الله في اتيان نسائكم، فلا تأتوهن إلا في موضع الحرث وهو الفرج، فهو سيحاسبكم على اعمالكم جميعاً ومن جملتها هذا العمل المشين وقول الله تعالى: {وبشر المؤمنين} أي المطيعين لله تعالى فيما أمرهم، التاركين ما عنه زجرهم.
فإن قيل: قول الله تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت إيمانهم فإنهم غير ملومين} يقتضي إباحة وطء النساء في أدبارهين، لورود الإباحة مطلقة غير مقيدة بشيء، ولا فالجواب على ذلك: أنه قال الله تعالى: {فأتوهن من حيث أمركم الله} ثم قال تعالى: {فأتوا حرثكم أنى شئتم} فأبانت هذه الآية الموضع المأمور به شرعاً، وهو موضع الحرث الذي يأتي منه الولد ولم يرد إطلاق الوطء بعد حظره إلا في موضع الولد، فهو مقصور عليه، دون غيره، وهو قاض مع ذلك على قوله تعالى: {إلا على أزواجهم} فكانت هذه الآية مرتبة على ما ذكر من حكم الحائض، فالآية التي في البقرة تدل على أن إباحة الوطء مقصورة على الجماع الجائز في الفرج دون غيره، لأنه موضع الحرث الذي نصت عليه الآية الكريمة حيث قال: {فأتوا حرثكم} وهو موضع الولد، قال أبو بكر الرازي الحصاص في كتابه (أحكام القرآن) عند ذكر إتيان النساء في أدبارهن: كان أصحابنا يحرمون ذلك، وينهون عنه، أشد النهي. وعن علي بن طلق رحمه الله أنه قال: سمعت رسول للث صلى اللّه عليه وسلم يقول: (لا تأتوا النساء في أستاههن، فإن الله لا يستحي من الحق) رواه الإمام أحمد والترمذي وقال: حديث حسن. من هذا يتضح أن إتيان النساء في أدبارهن عمل شنيع، وجرم فظيع، لا يقره شرع، ولا يرضى به عاقل. ومفاسده لا تعد، ولا تحصى. بل ربما كان أخطر على الفرد والسر؟؟، والجماعات، من أي جناية أخرى غيرها من أنواع المحرمات، فليتق الله هؤلاء السفلة الذين يأتون نساءهم في أدبارهن، ويعملون عمل قوم لوط، ويظنون أنه جائز في الإسلام . نسأل الله تعالى الحفظ والعصمة عن الزلل.
يسألونك فتاوى - (ج 4 / ص 383)
وطء الزوجة في الدبر من المحرمات ولكنه لا يعد طلاقاً
تقول السائلة: إن زوجها أجبرها على الوطء في الدبر وهي تعلم أن ذلك محرم شرعاً ولكنها سمعت أن المرأة تصير طالقاً إذا أتاها زوجها في دبرها فما الحكم في هذه المسألة أفيدونا؟
الجواب: إن شريعة الإسلام المباركة قد بينت للناس كل الأحكام التي يحتاجون إليها في جميع نواحي حياتهم ومن ذلك طريقة المعاشرة الزوجية الصحيحة والموافقة للفطرة الإنسانية يقول الله تعالى:(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ( سورة البقرة الآية 222. وقال الله تعالى في الآية بعدها (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ( سورة البقرة الآية 223. قال أهل التفسير إن المراد هو إتيان الزوجة في محل الولد وهو المحل الذي أمر الله عز وجل أن تؤتى الزوجة فيه ومن المعلوم عند الناس كافة أن محل الولد هو القبل لا الدبر. انظر تفسير القرطبي 3/90.
وقد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في تحريم إتيان الزوجة في دبرها فمن ذلك:
عن أبي هريرة رضي الله عنهما قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم :(ملعون من أتى امرأة في دبرها ) . رواه أحمد وأبو داود وهو حديث حسن.
وعن أبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال:( من أتى حائضاً أو امرأةً في دبرها أو كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ) رواه أحمد والترمذي والنسائي وأبو داود. وقال: ( فقد بريء مما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ) . وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل 7/68.
وعن خزيمة بن ثابت رضي الله عنهما ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يأتي الرجل امرأته في دبرها ) رواه أحمد وابن ماجة . وعن علي رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( لا تأتوا النساء في أعجازهن أو قال في أدبارهن ) رواه أحمد .
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى ) رواه أحمد .
وعن علي بن طلق قال سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول:( لا تأتوا النساء في أستاههن فإن اللّه لا يستحي من الحق ) . رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن وصححه ابن حبان.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم :( لا ينظر اللّه إلى رجل يأتي امرأته في دبرها ) رواه الترمذي وحسنه وصححه ابن حبان وصححه ابن راهويه انظر آداب الزفاف ص105،زاد المعاد 3/257.
وعن خزيمة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:( إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن ) رواه أحمد وابن ماجة والبيهقي وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني في إرواء الغليل 7/65.
وهذه الأحاديث وإن كان في بعضها كلام لأهل الحديث فهي صالحة للاحتجاج ومثبتة لتحريم إتيان الزوجة في دبرها قال الحافظ ابن حجر العسقلاني عن هذه الأحاديث:[ طرقها كثيرة فمجموعها صالح للاحتجاج به ] فتح الباري 8/241.
وقال الشوكاني:[ ولا شك أن الأحاديث المذكورة في الباب القاضية بتحريم إتيان النساء في أدبارهن يقوي بعضها بعضاً ] نيل الأوطار6/228. وقد أخذ أهل العلم من هذه النصوص تحريم إتيان المرأة في دبرها قال شيخ الإسلام ابن تيمية:[ وطء المرأة في دبرها حرام في قول جماهير العلماء] مختصر الفتاوى المصرية ص 37.
ولم يصح عن أحد من العلماء إباحة ذلك وما روي من أقوال منسوبة لبعض أهل العلم بإباحة ذلك فهي أقوال ضعيفة شاذة وغير ثابتة عنهم. قال الحافظ ابن كثير:[ وقال أبو بكر بن زياد النيسابورى… حدثني إسرائيل بن روح سألت مالك بن أنس: ما تقول في إتيان النساء في أدبارهن؟ قال: ما أنتم إلا قوم عرب، هل يكون الحرث إلا موضع الزرع؟ لا تعدوا الفرج، قلت: يا أبا عبد الله، إنهم يقولون إنك تقول ذلك- أي إباحة الوطء في الدبر- قال: يكذبون عليَّ يكذبون عليَّ، فهذا هو الثابت عنه، وهو قول أبي حنيفة، والشافعي، وأحمد بن حنبل وأصحابهم قاطبة، وهو قول سعيد بن المسيب وأبي سلمة، وعكرمة، وطاوس، وعطاء، وسعيد بن جبير، وعروة بن الزبير، ومجاهد بن جبر، والحسن وغيرهم من السلف أنهم أنكروا ذلك أشد الإنكار، ومنهم من يطلق على فعله الكفر، وهو مذهب جمهور العلماء ] تفسير ابن كثير 1/265.(1/71)
88-7744 أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَمِّي قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ : حَدَّثَنِي يَزِيدُ ، أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ الْحُصَيْنِ ، حَدَّثَهُ أَنَّ هَرَمِيَّ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَهُ أَنَّ خُزَيْمَةَ بْنَ ثَابِتٍ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِيي مِنَ الْحَقِّ لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ "(1)
89- 7745 أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَفْصٍ ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُصَيْنِ الْوَائِلِيَّ ، عَنْ هَرَمِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاقِفِيِّ ، عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَا يَسْتَحِيي اللَّهُ مِنَ الْحَقِّ " يَقُولُهَا ثَلَاثًا " لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ " قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ فَقَالَ : عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ(2)
90-7746 أَخْبَرَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُصَيْنِ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْخَطْمِيِّ ، عَنْ هَرَمِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : سَمِعْتُ خُزَيْمَةَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِيي مِنَ الْحَقِّ لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ " (3)
91-7747 أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ هِشَامٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَصِينٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي يُقَالُ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ قَالَ : حَدَّثَنِي هَرَمِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : كُنْتُ جَالِسًا فِي نَادِي بَنِي خَطْمَةَ وَخُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الْمَجْلِسِ فَقَالَ : فَذَكَرُوا النِّسَاءَ وَمَا يُؤْتَى مِنْهُنَّ فَقَالَ خُزَيْمَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِيي مِنَ الْحَقِّ لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ " (4)
92-7748 أَخْبَرَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ هَرَمِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " نَهَى أَنْ تُؤْتَى الْمَرْأَةُ مِنْ قِبَلِ دُبُرِهَا "(5)
ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِيهِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ
__________
(1) - أخرجه ابن أبي شيبة برقم(16806) وأحمد برقم( 22496 و22503) والطبراني برقم(3628و3649-3652) والبيهقي في السنن برقم(14493و14497و14498 و14501) وأبو عوانة برقم(3482) والحميدي برقم(462) والخرائطي في مساوئ الأخلاق برقم(440 و441 و442) صحيح
(2) - صحيح
(3) - أخرجه ابن أبي شيبة برقم( 16798 ) والطبراني برقم (3646-3652) والبيهقي في السنن برقم(14496و14500) والدارمي برقم( 1190و2268) والمسند الجامع برقم ( 3622 ) صحيح
عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 19 / ص 359)
وأما اختلاف العلماء في هذا الباب فذهب محمد بن كعب القرظي وسعيد بن يسار المدني ومالك إلى إباحة ذلك واحتجوا في ذلك بما رواه أبو سعيد أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه وقالوا اثغرها فأنزل الله عز وجل نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ( البقرة223 ) وقالوا معنى الآية حيث شئتم من القبل والدبر وقال عياض تعلق من قال بالتحليل بظاهر الآية وقال ابن العربي في كتابه ( أحكام القرآن ) جوزته طائفة كثيرة وقد جمع ذلك ابن شعبان في كتابه ( جماع النسوان ) وأسند جوازه إلى زمرة كبيرة من الصحابة والتابعين وإلى مالك من روايات كثيرة وقال أبو بكر الجصاص في كتابه ( أحكام القرآن ) المشهور عن مالك إباحة ذلك وأصحابه ينفون عنه هذه المقالة لقبحها وشناعتها وهي عنه أشهر من أن تدفع بنفيهم عنه وقد روى محمد بن سعد عن أبي سليمان الجوزجاني قال كنت عند مالك بن أنس فسئل عن النكاح في الدبر فضرب بيده على رأسه وقال الساعة اغتسلت منه ورواه عنه ابن القاسم ما أدركت أحدا اقتدى به في ديني يشك فيه أنه حلال يعني وطء المرأة في دبرها ثم قرأ نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم قال فأي شيء أبين من هذا وما أشك فيه وأما مذهب الشافعي فيه فما قاله الطحاوي حكى لنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنه سمع الشافعي يقول ما صح عن رسول الله في تحريمه ولا في تحليله والقياس أنه حلال وقال الحاكم لعل الشافعي كان يقول ذلك في القديم وأما في الجديد فصرح بالتحريم وذهب الجمهور إلى تحريمه فمن الصحابة علي بن أبي طالب ابن عباس وابن مسعود وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبو الدرداء وخزيمة بن ثابت وأبو هريرة وعلي بن طلق وأم سلمة وقد اختلف عن عبد الله بن عمر بن الخطاب والأصح عنه المنع ومن التابعين سعيد بن المسيب ومجاهد وإبراهيم النخعي وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعطاء بن أبي رباح ومن الأئمة سفيان الثوري وأبو حنيفة والشافعي في الصحيح وأبو يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق وآخرون كثيرون واحتجوا في ذلك بأحاديث كثيرة منها حديث ابن خزيمة أن رسول الله قال إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن أخرجه الطحاوي والطبراني وإسناده صحيح ومنها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال هي اللوطية
الصغرى يعني وطء النساء في أدبارهن أخرجه الطحاوي بإسناد صحيح والطيالسي والبيهقي ومنها حديث أبي هريرة قال قال رسول الله لا ينظر الله عز وجل إلى رجل وطىء امرأة في دبرها أخرجه الطحاوي وابن أبي شيبة وابن ماجه وأحمد ومنها حديث جابر بن عبد الله نحو حديث خزيمة وفي رواية لا بحل ما تأتي النساء في حشوشهن وفي رواية في محاشهن اخرجه الطحاوي ومنها حديث طلق بن علي أن رسول الله قال إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن أخرجه الطحاوي وابن أبي شيبة وفي رواية في أعجازهن أو قال في أدبارهن وأما الآية فتأولوها بفأتوا حرثكم أنى شئتم مستقبلين ومستدبرين ولكن في موضع الحرث وهو الفرج فإن قلت القاعدة عندكم أن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب قلت نعم لكن وردت أحاديث كثيرة فأخرجت الآية عن عمومها وأقصرتها على إباحة الوطء في الفرج ولكن على أي وجه كان
(4) - أخرجه ابن أبي شيبة برقم( 16798 ) والطبراني برقم(3646-3652) والبيهقي برقم(14496) صحيح
(5) -المسند الجامع برقم(3622) صحيح(1/72)
93-7749 أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرٌو يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ ، أَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي هِلَالٍ ، حَدَّثَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ أَحَدَ بَنِي الْمُطَّلِبِ حَدَّثَهُ أَنَّ حُصَيْنَ بْنَ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيَّ ، حَدَّثَهُ أَنَّ هَرَمِيَّ بْنَ عَمْرٍو الْخَطْمِيَّ ، حَدَّثَهُ أَنَّ خُزَيْمَةَ بْنَ ثَابِتٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِيي مِنَ الْحَقِّ لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ " (1)
94-7750 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : حَدَّثَنَا حَيْوَةُ ، وَذَكَرَ آخَرَ قَالَ : أَخْبَرَنَا حَسَّانُ ، مَوْلَى مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ هَرَمِيِّ بْنِ عَمْرٍو الْخَطْمِيِّ ، عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِيي مِنَ الْحَقِّ لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ (2)
95-7751 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ ، عَنْ شُعَيْبٍ ، عَنِ اللَّيْثِ قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِدٌ وَهُوَ ابْنُ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي هِلَالٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ ، عَنْ هَرَمِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِيي مِنَ الْحَقِّ فَلَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ "
96-7752 أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ شُجَاعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَعْيَنَ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّافِعِيُّ ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ ، حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ يَقُولُ : سَمِعْتُ خُزَيْمَةَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ "(3)
97-7753 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ يَعْنِي أَبَا إِسْحَاقَ الشَّافِعِيَّ قَالَ : سَمِعْتُ جَدِّي مِنْ قِبَلِ أُمِّي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ قَالَ : أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ ، أَنَّهُ لَقِيَ عَمْرَو بْنَ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ فَسَأَلَهُ هَلْ سَمِعْتَ فِي إِتْيَانِ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا شَيْئًا ؟ فَقَالَ : أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ خُزَيْمَةَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ " (4)
98-7754 أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الشَّافِعِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أُحَيْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ لَهُ : أَخْبِرْنِي أَمْتَعَ اللَّهُ بِكِ عَنِ الْمَرْأَةِ تُؤْتَى فِي دُبُرِهَا هَلْ عِنْدَكَ مِنْهُ خَبَرٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ خُزَيْمَةَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ " مُخْتَصَرٌ (5)
99-7755 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ الْأَعْرَجِ ، عَنْ رَجُلٍ ، عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِتْيَانُ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ حَرَامٌ "(6)
ذِكْرُ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِيهِ
__________
(1) - أخرجه ابن أبي شيبة برقم( 16806 ) وأحمد برقم(22496 و22503) والطبراني برقم(3628-3652) والبيهقي برقم(14493و14497 و14498 و14501) وأبو عوانة برقم( 3492) صحيح
(2) - صحيح
(3) - الطبراني برقم(3656) والطبراني في الأوسط برقم(6535) والمسند الجامع برقم(3624) والآحاد والمثاني برقم(1839) صحيح
(4) - صحيح
(5) - صحيح
(6) - الصحيحة (873) وصحيح الجامع (126) صحيح لغيره
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 61 / ص 55)
كتب التفسير تنص على حرمة الوطء في الدبر رقم الفتوى:9835تاريخ الفتوى:30 جمادي الأولى 1422السؤال : بسم الله الرحمن الرحيم
الرجاء أن توضحوا لي وللإخوه القراء الحكم في مسالة إتيان النساء في الدبر خاصة وأنه ورد في بعض التفاسير بأن من أسباب نزول آيه(نساؤكم حرث لكم .......) أنها نزلت بهذا الشأن وأنه أمر مشروع ومن ضمنها تفسير الجلالين, لرفع اللبس عن هذه القضية التي قد يصطدم القارئ بهاعن غير علم و بارك الله بكم.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن إتيان النساء في أدبارهن حرام بنص القرآن، بل هو من الكبائر المحرمة كما في بعض الأحاديث، وقد تقدم توضيح حكمه مفصلاً تحت الجواب رقم 8130 وليس في كتب التفسير المعتمدة- ومن بينها تفسير الجلالين- ما يدل على مشروعية ذلك لا في نص التفسير، ولا في سبب النزول.
ففي الجلالين عند قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) [البقرة: 223] أي محل زرعكم الولد (فأتوا حرثكم) أي محله، وهو القبل أنى كيف (شئتم) من قيام وقعود واضطجاع وإقبال وإدبار، ونزل رداً لقول اليهود من أتى امرأته في قبلها أي من جهة دبرها جاء الولد أحول. من تفسير الجلالين ج:1ص47 فقوله: رداً لقول اليهود إلى آخر كلامه، يشير إلى ما رواه البخاري ومسلم عن جابر قال: " كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول فنزلت: ( نساؤكم حرث لكم ) الآية. وروى الحاكم عن ابن عباس قال: إن هذا الحي من قريش كانوا يتزوجون النساء ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات، فلما قدموا المدينة تزوجوا من الأنصار، فذهبوا ليفعلوا بهن كما كانوا يفعلون بمكة، فأنكرن ذلك، وقلن: هذا لم نكن نؤتى عليه، فانتشر الحديث حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى في ذلك ( نساؤكم حرث لكم) الآية. وهكذا فإن أسباب نزول الآية التي ذكرها أهل التفسير لا يفهم منها جواز إتيان المرأة في الدبر؛ بل هي مصرحة بعكس ذلك كما هو واضح. والله أعلم(1/73)
100-7756 أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ أَبُو غَسَّانَ قَالَ : حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ أَبِي الرُّقَادِ الصَّيْرَفِيُّ ، عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يَأْتِي امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَقَالَ : " تِلْكَ اللُّوطِيَّةُ الصُّغْرَى " قَالَ لَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ زَائِدَةُ لَا أَدْرِي مَا هُوَ ؟ هُوَ مَجْهُولٌ ، وَوَجَدْتُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَاصِمَ الْأَحْوَلَ (1)
101-7757 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا هَمَّامٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " هِيَ اللُّوطِيَّةُ الصُّغْرَى " أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، بِمِثْلِهِ (2)
102-7758 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : " إِتْيَانُ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ اللُّوطِيَّةُ الصُّغْرَى "(3)
103-7759 أَخْبَرَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى قَالَ : حَدَّثَنَا شَيْبَانُ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ ، عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ : " تِلْكَ اللُّوطِيَّةُ الصُّغْرَى "(4)
ذِكْرُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ ، وَاخْتِلَافُ أَلْفَاظِ النَّاقِلِينَ عَلَيْهِ
104-7760 أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْأَشَجُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ كُرَيْبٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً فِي دُبُرٍ " (5)
__________
(1) - أخرجه الطبراني في الأوسط برقم ( 5493 ) والبيهقي في السنن برقم( 14502 ) والطيالسي برقم(2368) صحيح
(2) - أخرجه عبد الرزاق برقم( 20957 ) وابن أبي شيبة برقم( 16801 ) وأحمد برقم( 6877و7154 و7155) والشاميين برقم(2691) والمسند الجامع برقم( 8456 ) صحيح
(3) - صحيح
(4) - صحيح
(5) -صحيح
المحلى بالآثار - (ج 1 / ص 5190)
1901 - مَسْأَلَةٌ : وَلَا يَحِلُّ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ أَصْلًا , لَا فِي امْرَأَةٍ وَلَا فِي غَيْرِهَا - أَمَّا مَا عَدَا النِّسَاءَ , فَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ . وَأَمَّا فِي النِّسَاءِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ - اُخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ ابْنِ عُمُرَ , وَعَنْ نَافِعٍ كَمَا رَوَيْنَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أرنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد نا أُصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ , قَالَ : قُلْت لِمَالِكٍ : إنَّ عِنْدنَا بِمِصْرَ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ يُحَدِّثُ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : قُلْت لَابْنِ عُمُرَ : إنَّا نَشْتَرِي الْجَوَارِيَ فَنُحَمِّضُ لَهُنَّ , قَالَ : وَمَا التَّحْمِيضُ ؟ قَالَ : نَأْتِيهِنَّ فِي أَدْبَارِهِنَّ ؟ قَالَ ابْنُ عُمُرَ : أُفٍّ أُفٍّ أُفٍّ , أَوَ يَعْمَلُ هَذَا مُسْلِمٌ ؟ فَقَالَ لِي مَالِكٌ : فَأَشْهَدُ عَلَى رَبِيعَةَ لَحَدَّثَنِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمُرَ فَقَالَ : لَا بَأْسَ بِهِ . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُفَيْلٍ نا سَعِيدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنِي الْمُفَضَّلُ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي النَّضْرِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ : أَنَّهُ قَالَ لِنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمُرَ : قَدْ أَكْثَرَ عَلَيْك الْقَوْلَ أَنَّك تَقُولُ عَنْ ابْنِ عُمُرَ أَنَّهُ أَفَتَى بِأَنَّ تُؤْتَى النِّسَاءُ فِي أَدْبَارِهِنَّ ؟ فَقَالَ نَافِعٌ : لَقَدْ كَذَبُوا عَلَيَّ - وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ أَحَادِيثَ لَوْ صَحَّتْ لَجَاءَنَا مَا يَنْسَخُهَا - عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّه عَزَّ وَجَلّ - وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَهَذَا لَا حَجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّ " أَنَّى " فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ إنَّمَا هِيَ بِمَعْنَى " مِنْ أَيْنَ " لَا بِمَعْنَى : أَيْنَ , فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ - فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مِنْ أَيْنَ شِئْتُمْ " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلّ : { يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا } بِمَعْنَى : مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا وَقَالُوا : لَوْ حُرِّمَ مِنْ الْمَرْأَةِ شَيْءٌ لَحُرِّمَ جَمِيعُهَا ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : هَذَا كَمَا قَالُوا لَوْ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِتَحْرِيمِهِ وَقَالُوا : وَطْءُ الْمَجْمُوعَةِ جَائِزٌ وَرُبَّمَا مَالَ الذَّكَرُ إلَى الدُّبُرِ ؟ قَالَ عَلِيٌّ : إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ وَطْءِ الْمَجْمُوعَةِ إلَّا بِالْإِيلَاجِ فِي الدُّبُرِ فَوَطْؤُهَا حَرَامٌ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ ؟ فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ , قَالَ أَحْمَدُ : نَا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ; وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ , ثُمَّ اتَّفَقَ الْأَشَجُّ , وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ , قَالَا جَمِيعًا : نا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرٍ } هَذَا لَفْظُ وَرِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعٍ , وَرِوَايَةُ أَحْمَدَ " فِي دُبُرِهَا " لَمْ يَخْتَلِفَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ - هُوَ الثَّوْرِيُّ - حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ , لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ } قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَهَذَانِ خَبَرَانِ صَحِيحَانِ تَقُومُ الْحُجَّةُ بِهِمَا , وَلَوْ صَحَّ خَبَرٌ فِي إبَاحَةِ ذَلِكَ لَكَانَ هَذَانِ نَاسِخَيْنِ لَهُ , لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مُبَاحٌ حَتَّى يَأْتِيَ تَحْرِيمُهُ , فَهَذَانِ الْخَبَرَانِ وَرَدَا بِمَا فَصَّلَ اللَّهُ تَحْرِيمَهُ لَنَا وَقَدْ جَاءَ تَحْرِيمُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ , وَطَاوُسٍ , وَمُجَاهِدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَالشَّافِعِيِّ , وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَغَيْرِهِمْ وَمَا رَوَيْت إبَاحَةَ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ إلَّا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَحْدَهُ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ , وَعَنْ نَافِعٍ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ , وَعَنْ مَالِكٍ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ فَقَطْ . وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ(1/74)
105-7761 أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ ، عَنْ كُرَيْبٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى رَجُلٍ أَتَى بَهِيمَةً أَوِ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا (1)
106-7762 أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ : أَخْبَرَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنِ الْمَرْأَةِ تُؤْتَى فِي دُبُرِهَا فَقَالَ مُحَمَّدٌ : إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ : " اسْقِ حَرْثَكَ مِنْ حَيْثُ نَبَاتِهِ "(2)
107-7763 أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الرَّجُلِ يَأْتِي الْمَرْأَةَ فِي دُبُرِهَا قَالَ : " ذَلِكَ الْكُفْرُ "(3)
108-7764 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ ، عَنْ أَبِيهِ فِي " الرَّجُلِ يَأْتِي الْمَرْأَةَ فِي دُبُرِهَا ، أَنَّهُ كَانَ يُنْزِلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَرَامِ(4)
109-7765 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَتَادَةَ قَالَ : سَأَلْتُ طَاوُسًا عَنِ الرَّجُلِ يَأْتِي الْمَرْأَةَ فِي دُبُرِهَا قَالَ : " تِلْكَ كَفْرَةٌ "(5)
110- 7766 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْمُؤَمَّلِ , وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ ، قَالَا : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ كَرَامَةَ ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : " مَنْ آذَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ , وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ , وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ , فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ , وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ , وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا , وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا , فَلَئِنْ سَأَلَنِي عَبْدِي أَعْطَيْتُهُ , وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأَعَذْتُهُ , وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ إِسَاءَتَهُ , أَوْ مُسَاءَتَهُ "(6)
__________
(1) - المسند الجامع برقم(6470) صحيح موقوف
(2) - حديث حسن موقوف
(3) - صحيح موقوف
(4) - صحيح مقطوع
(5) - ذم الملاهي برقم(172 ) صحيح مقطوع ، وزاد إنما بدأ قوم لوط ذلك ، صنعه الرجال بالنساء ، ثم صنعه الرجال بالرجال
(6) - أخرجه البخاري برقم(6502) وعبد الرزاق برقم(20302) عن الحسن وشرح السنة برقم(1214) والمسند الجامع برقم(15085)
عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 24 / ص 185)
2056 - حدثني ( محمد بن عثمان ) حدثنا ( خالد بن مخلد ) حدثنا ( سليمان بن بلال ) حدثني ( شريك بن عبد الله بن أبي نمر ) عن ( عطاء ) عن ( أبي هريرة ) قال قال رسول الله إن الله قال من عاداى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره إساءته لأعيذنه
قيل لا مطابقة بين هذا الحديث والترجمة حتى قال الداودي ليس هذا الحديث من التواضع في شيء وقال صاحب ( التلويح ) لا أدري ما مطابقته لها لأنه لا ذكر فيه للتواضع ولا لما يقرب منه وقيل المناسب إدخاله في الباب الذي قبله وهو مجاهدة المرء نفسه في طاعة الله وأجابوا عن ذلك فقال الكرماني التقرب بالنوافل لا يكون إلا بغاية التواضع والتذلل للرب تعالى
قلت قد سبقه بهذا صاحب ( التلويح ) فإنه قال التقرب إلى الله بالنوافل حتى يستحقوا المحبة من الله تعالى لا يكون إلا بغاية التواضع والتذلل للرب عز وجل ثم قال وفيه بعد لأن النوافل إنما يزكي ثوابها عند الله لمن حافظ على فرائضه وقيل الترجمة مستفادة مما قال كنت سمعه ومن التردد وقال بعضهم تستفاد الترجمة من لازم قوله من عادى لي وليا لأنه يقتضي الزجر عن معاداة الأولياء المستلزم لموالاتهم وموالاة جميع الأولياء لا تتأتى إلا بغاية التواضع إذ فيهم الأشعث الأغبر الذي لا يؤبه له انتهى قلت دلالة الإلتزام مهجورة لأنها لو كانت معتبرة لزم أن يكون للفظ الواحد مدلولات غير متناهية ويقال لهذا القائل تريد اللزوم البين أو مطلق اللزوم وأياما كان فدلالة الالتزام مهجورة فإن أردت اللزوم البين فهو يختلف باختلاف الأشخاص فلا يكاد ينصبط المدلول وإن أردت مطلق اللزوم فاللوازم لا تتناهى فيمتنع إفادة اللفظ إياها فلا يقع كلامه جوابا
ومحمد بن عثمان بن كرامة بفتح الكاف وتخفيف الراء العجلي بكسر العين المهملة الكوفي مات ببغداد سنة ست وخمسين ومائتين وهو من صغار شيوخ البخاري وقد شاركه في كثير من مشايخه منهم خالد بن مخلد شيخه في هذا الحديث فقد أخرج عنه البخاري بغير واسطة أيضا في باب الاستعاذة من الجبن في كتاب الدعوات وخالد بن مخلد بفتح الميم واللام البجلي ويقال القطواني الكوفي مات بالكوفة في محرم سنة ثلاث عشرة ومائتين وسليمان بن بلال أبو أيوب القرشي التيمي مات سنة سبع وسبعين ومائة وشريك بن عبد الله بن أبي نمر بلفظ الحيوان المشهور القرشي ويقال الليثي مات سنة أربعين ومائة فإن قلت خالد فيه مقال فعن أحمد له مناكير وعن أبي حاتم لا يحتج به وأخرج ابن عدي عشرة أحاديث من حديثه استنكرها منها حديث الباب وشريك أيضا فيه مقال وهو راوي حديث المعراج الذي زاد فيه ونقص وقدم وأخر وتفرد بأشياء لم يتابع عليها
قلت أما خالد فعن ابن معين ما به بأس وقال أبو حاتم يكتب حديثه وقال أبو داود صدوق ولكنه تشيع وهو عندي إن شاء الله لا بأس به وأما شريك فعن يحيى بن معين والنسائي ليس به بأس وقال محمد بن سعد كان ثقة كثير الحديث وعطاء هو ابن يسار ضد اليمين ووقع في بعض النسخ كذلك وقيل هو ابن أبي رباح والأول أصح والحديث من أفراده قوله إن الله قال هذا من الأحاديث الإلهية التي تسمى القدسية وقد مر الكلام فيها عن قريب وقد وقع في بعض طرقه أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث به عن جبريل عليه السلام عن الله عز وجل قوله لي صفة لقوله وليا لكنه لما قدم صار حالا قوله وليا الولي هو العالم بالله المواظب على طاعته المخلص في عبادته فإن قلت قوله عادى من المعاداة وهو من باب المفاعلة التي تقع من الجانبين ومن شأن الولي الحلم والاجتناب عن المعاداة والصفح عمن يجهل عليه
قلت أجيب بأن المعاداة لم تنحصر في الخصومة والمعاداة الدنيوية مثلا بل تقع عن بغض ينشأ عن التعصب كالرافضي في بغضه لأبي بكر رضي الله تعالى عنه والمبتدع في بغضه للسني فتقع المعاداة من الجانبين أما من جانب الولي فلله وفي الله وأما من الجانب الآخر فظاهر انتهى
قلت لا يحتاج إلى هذا التكلف فإذا قلنا إن فاعل يأتي بمعنى فعل كما في قوله عز وجل وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ( آل عمران 133 ) بمعنى اسرعوا يحصل الجواب قوله فقد آذنته بالمد وفتح المعجمة بعد هانون أي أعلمته من الإيذان وهو الإعلام قوله بالحرب وفي رواية الكشميهني بحرب ووقع في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها من عادى لي واليا فقد استحل محاربتي وفي حديث معاذ فقد بارز الله بالمحاربة وفي حديث أبي أمامة وأنس فقد بارزني فإن قيل المحاربة من الجانبين والمخلوق في أسر الخالق قيل له أطلق الحرب وأراد لازمه أي أعمل به ما يعمله العدو المحارب قوله أحب بالرفع والنصب قاله الكرماني الكشميهني وفي رواية غيره وما زال بصيغة الماضي قوله يتقرب إلي بتشديد الياء وفي حديث أبي أمامة يتحبب والتقرب طلب القرب وقال القشيري قرب العبد من ربه يقع أولا بإيمانه ثم بإحسانه وقرب الرب من عبده ما يخصه به في الدنيا من عرفانه وفي الآخرة من رضوانه وفيما بين ذلك من وجوه لطفه وامتنانه ولا يتم قرب العبد من الحق إلا ببعده من الخلق قال وقرب الرب بالعلم والقدرة عام للناس وباللطف والنصرة خاص بالخواص وبالتأنيس خاص بالأولياء قوله بالنوافل المراد بها ما كانت حاوية للفرائض مشتملة عليها ومكملة لها وليس المراد كون النوافل مطلقا قوله أحبه هكذا رواية الكشميهني وفي رواية غيره حتى أحببته قوله كنت سمعه الذي يسمع به لفظة به في رواية الكشميهني لا غيره قال الداودي هذا كله من المجاز يعني أنه يحفظه كما يحفظ العبد جوارحه لئلا يقع في مهلكة وقال الخطابي هذه أمثال والمعنى والله أعلم توفيقه في الأعمال التي باشرها بهذه الأعضاء وتيسير المحبة له فيها بأن يحفظ جوارحه عليه ويعصمه من موافقة ما يكره الله تعالى من الإصغاء إلى اللهو مثلا ومن النظر إلى ما نهى عنه ومن البطش بما لا يحل له ومن السعي في الباطل برجله أو بأن يسرع في إجابة الدعاء والإلحاح في الطلب وذلك أن مساعي الإنسان إنما تكون بهذه الجوارح الأربع قوله وبصره الذي يبصر به وفي حديث عائشة في رواية عبد الواحد عينه التي يبصر بها وفي رواية يعقوب بن مجاهد عينيه اللتين يبصر بهما وكذا قال في الأذن واليد والرجل وزاد عبد الواحد في روايته وفؤاده الذي يعقل به ولسانه الذي يتكلم به وقيل المعنى إجعل له مقاصده كأنه ينالها بسمعه وبصره إلى آخره وقيل كنت له في النصرة كسمعه وبصره ويده ورجله في المعاونة على عدوه وقيل فيه مضاف محذوف والتقدير كنت حافظ سمعه الذي يسمع به فلا يسمع إلا ما يحل سماعه وحافظ بصره كذلك إلى آخره قيل إن الاتحادية زعموا أنه على حقيقته وأن الحق عين العبد واحتجوا بمجيء جبريل عليه الصلاة والسلام في صورة دحية قالوا فهو روحاني خلع صورته وظهر بمظهر البشر قالوا فالله أقدر على أن يظهر في صورة الوجود الكلي أو ببعضه تعالى الله سبحانه عما يقول الظالمون علوا كبيرا قوله يبطش بكسر الطاء قوله وإن سألني أي عبدي وكذا وقع في رواية عبد الواحد قوله لأعطينه اللام للتأكيد والهمزة مضمومة والفعل مؤكد بالنون الثقيلة قوله استعاذ بي بالباء الموحدة بعد الذال المعجمة وقيل بالنون موضع الباء قوله لأعيذنه أي مما يخاف فإن قيل كثير من الصلحاء والعباد دعوا وبالغوا ولم يجابوا قيل له الإجابة تتنوع فتارة يقع المطلوب بعينه على الفور وتارة يقع ولكن يتأخر الحكم وتارة قد تقع الإجابة ولكن بغير المطلوب حيث لا يكون في المطلوب مصلحة ناجزة وفي الواقع مصلحة ناجزة أو أصلح منها قوله وما ترددت عن شيء التردد مثل لأنه محال على الله وقال الخطابي التردد في حق الله غير جائز والبداء عليه في الأمور غير سائغ لكن له تأويلان أحدهما أن العبد قد يشرف على الهلاك في أيام عمره من داء يصيبه أو فاقة تنزل به فيدعو الله فيشفيه منها ويدفع عنه مكروهها فيكون ذلك من فعله كترديد من يريد أمرا ثم يبدو له فيه فيتركه ويعرض عنه ولا بد من لقائه إذا بلغ الكتاب أجله لأن الله قد كتب الفناء على خلقه واستأثر بالبقاء لنفسه والثاني أن يكون معناه ما رددت رسلي في شيء أنا فاعله كترديدي إياهم في نفس المؤمن كما روى في قصة موسى عليه السلام وما كان من لطمه عين ملك الموت وتردده إليه مرة بعد أخرى قال وحقيقة المعنى على الوجهين عطف الله على العبد ولطفه به وشفقته عليه قوله وإساءته ويروى مساءته أي حياته لأنه بالموت يبلغ إلى النعيم المقيم لا في الحياة أولأن حياته تؤدي إلى أرذل العمر وتنكيس الخلق والرد إلى أسفل سافلين أو أكره مكروهه الذي هو الموت فلا أسرع بقبض روحه فأكون كالمترددشر
=============
شرح ابن بطال - (ج 19 / ص 280)
قال المؤلف: فى حديث أنس بيان مكان الدنيا عند الله من الهوان والضعة، ألا ترى قوله - صلى الله عليه وسلم - : « إن حقًا على الله ألا يرفع شيئًا من الدنيا إلا وضعه » فنبّه بذلك أمته - صلى الله عليه وسلم - على ترك المباهاة والفخر بمتاع الدنيا، وأن ما كان عند الله فى منزلة الضعة، فحق على كل ذى عقل الزهد فيه وقلة المنافسة فى طلبه، وترك الترفع والغبطة بنيله، لأن المتاع به قليل والحساب عليه طويل. وفى حديث أبى هريرة من معنى الباب أن التقرب إلى الله بالنوافل حتى تستحق المحبة منه تعالى لا يكون ذلك إلا بغاية التواضع والتذلل له. وفيه أن النوافل إنما يزكو ثوابها عند الله لمن حافظ على فرائضه وأداها.
ورأيت لبعض الناس أن معنى قوله تعالى: « فأكون عينيه اللتين يبصر بهما وأذنيه ويديه ورجليه » قال: وجه ذلك أنه لا يحرك جارحة من جوارحه إلا فى الله ولله، فجوارحه كلها تعمل بالحق، فمن كان كذلك لم تُردّ له دعوة.
وقد جاء فى فضل التواضع آثار كثيرة، روى الطبرى من حديث شعبة، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبى هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « ما تواضع رجل إلا رفعه الله بها درجةً » وعن عكرمة، عن ابن عباس أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: « ما من بنى آدم أحد إلا وفى رأسه سلسلتان: إحداهما فى السماء السابعة، والأخرى فى الأرض السابعة، فإذا تواضع رفعه الله بالسلسلة التى فى السماء، وإذا أراد أن يرفع رأسه وضعه الله » وقالت عائشة: إنكم لتغفلون عن أفضل العبادة: التواضع.
قال الطبرى: والتواضع من المحن التى امتحن الله بها عباده المؤمنين، لينظر كيف طاعتهم إياه فيها، ولما علم تعالى من مصلحة خلقه فى ذلك فى عاجل دنياهم وآجل أخراهم، فمصلحة الدنيا به لو استعمله الناس لارتفع والله أعلم الشحناء بينهم والعداوة، واستراحوا من تعب المباهاة والمفاخرة والتذوا بما قسم لهم، وكان لهم فيه صلاح ذات البين وارتفاع الحسد والشح.
روى النعمان بن بشير عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: « للشيطان مَضاَل وفخوخ، منها البطر بأنعم الله، والفخر بعطاء الله، والتكبر على عباد الله » .
وتواضعه - صلى الله عليه وسلم - معلوم لا يحصى، ومنه أنه لما دخل مكة جعل الناس يقولون: هو هذا، هو هذا، فجعل يُحنى ظهره على الرحل ويقول: « الله أعلى وأجل » وهذه سيرة السلف المهديين. روى سفيان، عن أيوب الطائى، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب قال: لما قدم عمر الشام عرضت له مخاضة، فنزل عن بعيره ونزع خفيه، فأمسكهما بيده، وخاض الماء ومعه بعيره، فقال له أبو عبيدة: لقد صنعت اليوم صنيعًا عظيمًا عند أهل الأرض. فصكّ فى صدره وقال: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، إنكم كنتم أذّل الناس وأحقر الناس، فأعزكم الله بالإسلام، فمهما تطلبون العز فى غيره يذلكم الله.
وروى ابن وهب بإسناده عن أبى هريرة أنه أقبل فى السوق يحمل حزمة حطب وهو يومئذ خليفة لمروان فقال: أوسع الطريق للأمير. فقيل له: تكفى، أصلحك الله. فقال: أوسع الطريق، والحزمة عليه. وعن عبد الله بن سلام أنه خرج من حائط له بحزمة حطب يحملها فقيل له: لقد كان فى ولدك وعبيدك من يكفيك هذا. قال: أردت أن أجرب قلبى هل ينكر هذا. وعن سالم بن عبد الله أنه كان يخرج إلى السوق فيشترى حوائج نفسه. وكان الربيع بن خثيم يكنس الحشّ بنفسه، فقيل له: إنك تكفى هذا. فقال: أحب أن آخذ نصيبى من المهنة. ولو تقصينا تواضعهم، رضى الله عنهم، لطال به الكتاب، وفيما ذكرناه دليل على ما تركناه إن شاء الله.
=================
فيض الباري شرح صحيح البخاري - (ج 6 / ص 192)
قلتُ: أمَّا كونُ الله تعالى جارحةً للعبد في القرب بالنوافل، فذلك نصُّ الحديث. وأمَّا ما ذكروه في القرب بالفرائض، فلا لفظَ له في الحديث، إلاَّ أنَّهم أخذوه بالمقابلة. والذي تبيَّن لي أن القربَ في الفرائض أَزْيَدُ وأكملُ، فإنه يَجْلِبُ المحبوبيةَ له تعالى من أوَّل الأمر. بخلاف القُرْب في النوافل، فإنها تَجْلِبُ المحبوبيةَ تدريجاً، وإن كانت ثمرتُها في الانتهاء أيضاً هي المحبوبيةُ. ولكن ما يَحْصُلُ من النوافل آخراً يَحْصُلُ من الفرائضِ أوَّلاً، فأنَّى يستويان وإليه تُرْشِدُ ألفاظُ الحديث، فإنَّه قال في الفرائض: «ما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أَحَبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه»، فجعل مفروضَه أحبَّ إليه من أوَّل الأمر، وجعل ثمرتَه القربَ. بخلاف النوافل، فإنَّ القُرْبَ منها تدريجيٌّ، يتدرَّجُ العبدُ إليه شيئاً فشيئاً. وبالجملةِ أنَّهما في النتيجة سواء، وهي المحبوبيةُ، غير أنَّها تْحْصُلُ بالفرائض أوَّلاً، وبالنوافل ثانياً.
==================
تحريم آلات الطرب - (ج 1 / ص 159)
الغناء الصوفي والأناشيد الإسلامية
بعد أن بينا الغناء المحرم بقسميه : بالآلة وبدونها معتمدين في ذلك على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى الآثار السلفية وأقوال الأئمة فقد آن لنا أن نتحدث عن الغناء الصوفي وعما يعرف اليوم ب ( الأناشيد الإسلامية أو الدينية ) فأقول وبالله أستعين :
إن مما لا شك فيه أنه كما لا يجوز أن لا نعبد أحدا إلا الله تحقيقا لشهادة أن لا إله إلا الله فكذلك لا يجوز لنا أن نعبد الله أو نتقرب إليه إلا بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم تحقيقا لشهادة ( محمد رسول الله ) فإذا تحقق المؤمن بذلك كان محبا لله متبعا لرسوله صلى الله عليه وسلم ومن أحبه الله كان الله معه وناصرا له
وقد كنت ذكرت في مقدمة تلعيقي على رسالة العز بن عبد السلام رحمه الله " بداية السول في تفضيل الرسول " بعد حديثين معروفين في حب الله والرسول وأن من كان ذلك فيه وجد حلاوة الإيمان ما نصه :
واعلم أيها الأخ المسلم أنه لا يمكن لأحد أن يرقى إلى هذه المنزلة من الحب لله ورسوله إلا بتوحيد الله تعالى في عبادته دون سواه وبإفراد النبي صلى الله عليه وسلم بالاتباع دون غيره من عباد الله لقوله تعالى : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) وقوله : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( حسن ) والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا اتباعي "
قلت : فإذا كان مثل موسى كليم الله لا يسعه أن يتبع غير النبي صلى الله عليه وسلم فهل يسع ذلك غيره ؟ فهذا من الأدلة القاطعة على وجوب إفراد النبي صلى الله عليه وسلم في الاتباع وهو من لوازم شهادة " أن محمدا رسول الله " ولذلك جعل الله تبارك وتعالى في الآية المتقدمة اتباعه صلى الله عليه وسلم - دون سواه - دليلا على حب الله إياه ومما لا شك فيه أن من أحبه الله كان الله معه في كل شيء كما في الحديث القدسي الصحيح :
وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه
رواه البخاري . وهو مخرج في " الصحيحة " ( 1640 )
وإذا كانت هذه العناية الإلهية إنما هي بعبده المحبوب من الله كان واجبا على كل مسلم أن يتخذ السبب الذي يجعله محبوبا عند الله ألا وهو اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده دون سواه وبذلك فقط يحظى بالعناية الخاصة من مولاه تبارك وتعالى ألست ترى أنه لا سبيل إلى معرفة الفرائض وتميزها من النوافل إلا باتباعه صلى الله عليه وسلم وحده ؟ "
إذا عرف هذا فإني أرى لزاما علي انطلاقا من قوله صلى الله عليه وسلم :
( صحيح ) " الدين النصيحة " أن أذكر من ابتلي من إخواننا المسلمين - من كانوا وحيثما كانوا بالغناء الصوفي أو بما يسمونه ب ( الأناشيد الدينية ) اسماعا و استماعا بما يلي :
أولا : أن مما لا يرتاب فيه عالم من علماء المسلمين العارفين حقا بفقه الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح الذين أمرنا بالتمسك بنهجهم ونهينا عن مخالفة سبيلهم في مثل قوله تعالى : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) أقول : لا يخفى على أحد من هؤلاء العلماء أن الغناء المذكور محدث لم يكن معروفا في القرون المشهود لها بالخيرية
ثانيا : أنه من المسلم عندهم أنه لا يجوز التقرب إلى الله إلا بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تقدم بيانه وقد ضرب لذلك شيخ الإسلام ابن تيمية بعض الأمثلة التي تؤكد لكل ذي علم منصف ما ذكرنا فقال رحمه الله تعالى :
ومن المعلوم أن الدين له ( أصلان ) فلا دين إلا ما شرع الله ولا حرام إلا ما حرمه الله والله تعالى عاب على المشركين أنهم حرموا ما لم يحرمه الله وشرعوا دينا لم يأذن به الله
ولو سئل العالم عمن يعدو بين الجبلين هل يباح له ذلك ؟ قال : نعم فإذا قيل : إنه على وجه العبادة كما يسعى بين الصفا والمروة ؟ قال : إن فعله على هذا الوجه [ فهو ] حرام منكر يستتاب فاعله فإن تاب وإلا قتل
ولو سئل عن كشف الرأس ولبس الإزار والرداء ؟ أفتى بأن هذا جائز فإذا قيل : إنه يفعله على وجه الإحرام كما يحرم الحاج ؟ قال : إن هذا حرام منكر [ 159 ](1/75)
ذِكْرُ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي ذَلِكَ
111-7767 أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ يَعْقُوبَ الطَّالْقَانِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْيَمَانِ ، عَنْ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ " (1)
112-7768 أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ ، عَنْ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ طَاوُسٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ قَالَ : قَالَ عُمَرُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِيي مِنَ الْحَقِّ لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ " (2)
ذِكْرُ اخْتِلَافِ أَلْفَاظِ النَّاقِلِينَ لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ
113-7769 أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، مِنْ كِتَابِهِ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّنْعَانِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ "(3)
114-7770 أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا اللَّيْثُ ، عَنِ ابْنِ الْهَادِ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَخْلَدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ يَأْتِي الْمَرْأَةَ فِي دُبُرِهَا(4)
115-7771 أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَمِّي قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبِي ، عَنْ يَزِيدَ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَخْلَدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى رَجُلٍ يَأْتِي الْمَرْأَةَ فِي دُبُرِهَا "
116-7772 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ الْمَخْرَمِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ قَالَ : حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ : حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَخْلَدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ يَأْتِي امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا "
117-7773 أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَخْلَدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى رَجُلٍ أَتَى امْرَأَتِهِ فِي دُبُرِهَا " (5)
118-7774 أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَمُرَةَ ، وَاللَّفْظُ لَهُ عَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَخْلَدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا (6)
__________
(1) - أخرجه ابن ماجة برقم(1999) وابن أبي شيبة برقم(16806) وأحمد برقم(22496و22503) والآحاد برقم(1489) والطبراني برقم(3628-3655) والبيهقي في السنن برقم(14493و14497 و14498-14501) صحيح
(2) - صحيح
(3) ـ قال المِزي : قال حمزة بن محمد الكناني الحافظ : هذا حديثٌ منكرٌ باطلٌ من حديث الزهري ، ومن حديث أبي سلمة ، ومن حديث سعيد ، فإذا كان عبد الملك سمعه من سعيد ، فإنما سمعه بعد الاختلاط ، وقد رواه الزهري ، عن أبي سَلَمة ؛ أنه كان ينهى عن ذلك ، فأما عن أبي هُرَيْرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا ." تحفة الأشراف.
(4) - معجم ابن الأعرابي برقم(167) والمسند الجامع برقم( 13548 ) حسن لغيره
(5) - حسن لغيره
(6) -أخرجه أحمد برقم(10475) ومعرفة السنن والآثار برقم(4456) وصحيح الجامع (5889) صحيح لغيره
التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير - (ج 4 / ص 331)
1662 - ( 2 ) - قَوْلُهُ : وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا } .
أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ، وَبَقِيَّةُ أَصْحَابِ السُّنَنِ ، مِنْ طَرِيقِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ الْحَارِثِ بْنِ مَخْلَدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا .
لَفْظُ أَبِي دَاوُد ، وَالنَّسَائِيِّ ، وَابْنِ مَاجَهْ : { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى رَجُلٍ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا } .
وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ .
وَقَالَ : الْحَارِثُ بْنُ مَخْلَدٍ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ ، وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ : لَا يُعْرَفُ حَالُهُ ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى سُهَيْلٍ ، فَرَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْهُ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ جَابِرٍ .
أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ، وَابْنُ شَاهِينَ ، وَرَوَاهُ عُمَرُ مَوْلَى غَفْرَةَ ، عَنْ سُهَيْلٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ ابْنُ عَدِيٍّ ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ ، وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ طَرِيقٌ أُخْرَى أَخْرَجَهَا أَحْمَدُ ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ حَكِيمٍ الْأَثْرَمَ ، عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ .
شرح النووي على مسلم - (ج 5 / ص 159)
وَأَمَّا الدُّبُر فَلَيْسَ هُوَ بِحَرْثٍ وَلَا مَوْضِع زَرْع . وَمَعْنَى قَوْله : { أَنَّى شِئْتُمْ } أَيْ كَيْف شِئْتُمْ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء الَّذِينَ يُعْتَدّ بِهِمْ عَلَى تَحْرِيم وَطْء الْمَرْأَة فِي دُبُرهَا حَائِضًا كَانَتْ أَوْ طَاهِرًا ، لِأَحَادِيث كَثِيرَة مَشْهُورَة كَحَدِيثِ " مَلْعُون مَنْ أَتَى اِمْرَأَة فِي دُبُرهَا " قَالَ أَصْحَابنَا : لَا يَحِلّ الْوَطْء فِي الدُّبُر فِي شَيْء مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَلَا غَيْرهمْ مِنْ الْحَيَوَان فِي حَال مِنْ الْأَحْوَال وَاَللَّه أَعْلَم .
فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (ج 12 / ص 379)
8204 - (ملعون من أتى امرأة في دبرها) أي جامعها فيه فهو من أعظم الكبائر إذا كان هذا في المرأة فكيف بالذكر وما نسب إلى مالك في كتاب السر من حل دبر الحليلة أنكره جمع. - (حم د) وكذا النسائي وابن ماجه كلهم في النكاح من طريق سهل بن أبي صالح عن الحارث بن مخلد (عن أبي هريرة) قال ابن حجر: والحارث بن مخلد ليس بمشهور وقال ابن القطان: لا يعرف حاله وقد اختلف فيه على سهل اهـ فرمز المصنف لصحته غير مسلم.
سبل السلام - (ج 5 / ص 25)
بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ عِشْرَةِ الرِّجَالِ أَيْ الْأَزْوَاجِ النِّسَاءَ أَيْ الزَّوْجَاتِ .
( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَالنَّسَائِيُّ ، وَاللَّفْظُ لَهُ ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنْ أُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ ) رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِلَفْظِهِ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَعُمَرُ ، وَخُزَيْمَةُ ، وَعَلِيُّ بْنُ طَلْقٍ ، وَطَلْقُ بْنُ عَلِيٍّ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ ، وَجَابِرٌ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَابْنُ عُمَرَ ، وَالْبَرَاءُ ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ ، وَأَنَسٌ ، وَأَبُو ذَرٍّ ، وَفِي طُرُقِهِ جَمِيعِهَا كَلَامٌ ، وَلَكِنَّهُ مَعَ كَثْرَةِ الطُّرُقِ وَاخْتِلَافِ الرُّوَاةِ يَشُدُّ بَعْضُ طُرُقِهِ بَعْضًا ، وَيَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ إتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَتْ الْأُمَّةُ إلَّا الْقَلِيلَ لِلْحَدِيثِ هَذَا ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ تَحْرِيمُ الْمُبَاشَرَةِ إلَّا مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ ، وَلَمْ يُحِلَّ تَعَالَى إلَّا الْقُبُلَ كَمَا دَلَّ قَوْلُهُ { فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ } ، وَقَوْلُهُ { فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ } فَأَبَاحَ مَوْضِعَ الْحَرْثِ ، وَالْمَطْلُوبُ مِنْ الْحَرْثِ نَبَاتُ الزَّرْعِ فَكَذَلِكَ النِّسَاءُ الْغَرَضُ مِنْ إتْيَانِهِنَّ هُوَ طَلَبُ النَّسْلِ لَا قَضَاءُ الشَّهْوَةِ ، وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْقُبُلِ فَيَحْرُمُ مَا عَدَا مَوْضِعَ الْحَرْثِ ، وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ لِعَدَمِ الْمُشَابَهَةِ فِي كَوْنِهِ مَحَلًّا لِلزَّرْعِ ، وَأَمَّا حِلُّ الِاسْتِمْتَاعِ فِيمَا عَدَا الْفَرْجَ فَمَأْخُوذٌ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ ، وَهُوَ جَوَازُ مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ فِيمَا عَدَا الْفَرْجَ ، وَذَهَبَتْ الْإِمَامِيَّةُ إلَى جَوَازِ إتْيَانِ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ بَلْ وَالْمَمْلُوكِ فِي الدُّبُرِ .
وَرُوِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَصِحَّ فِي تَحْلِيلِهِ ، وَلَا تَحْرِيمِهِ شَيْءٌ ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ حَلَالٌ ، وَلَكِنْ قَالَ الرَّبِيعُ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ فِي سِتَّةِ كُتُبٍ ، وَيُقَالُ إنَّهُ كَانَ يَقُولُ بِحِلِّهِ فِي الْقَدِيمِ ، وَفِي الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا أُرَخِّصُ فِيهِ بَلْ أَنْهَى عَنْهُ ، وَقَالَ إنَّ مَنْ نَقَلَ عَنْ الْأَئِمَّةِ إبَاحَتَهُ فَقَدْ غَلِطَ عَلَيْهِمْ أَفْحَشَ الْغَلَطَ وَأَقْبَحَهُ ، وَإِنَّمَا الَّذِي أَبَاحُوهُ أَنْ يَكُونَ الدُّبُرُ طَرِيقًا إلَى الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ فَيَطَأَ مِنْ الدُّبُرِ فَاشْتَبَهَ عَلَى السَّامِعِ انْتَهَى .
وَيُرْوَى جَوَازُ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ ، وَأَنْكَرَهُ أَصْحَابُهُ ، وَقَدْ أَطَالَ الشَّارِح الْقَوْلَ فِي الْمَسْأَلَةِ بِمَا لَا حَاجَةَ إلَى اسْتِيفَائِهِ هُنَا ، وَقَرَّرَ آخِرًا تَحْرِيمَ ذَلِكَ ، وَمِنْ أَدِلَّةِ تَحْرِيمِهِ قَوْلُهُ .
( 953 ) - وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ ، وَأُعِلَّ بِالْوَقْفِ ( وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ { لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَالنَّسَائِيُّ ، وَابْنُ حِبَّانَ ، وَأُعِلَّ بِالْوَقْفِ ) عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَلَكِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا مَسْرَحَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهَا سِيَّمَا ذِكْرُ هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْوَعِيدِ فَإِنَّهُ لَا يُدْرَكُ بِالِاجْتِهَادِ فَلَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ .
------------------
الزواج بمن أتاها في دبرها
المجيب هاني بن عبدالله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ النكاح/مسائل متفرقة
التاريخ 18/6/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نعلم أن حكم الرجل الذي يأتي زوجته من غير ما أمر الله هو التفريق بينهما، ولكن هل يجوز أن يعقد شاب على فتاة كان قد أتاها من غير ما أمر، ولكنها لا تزال بكراً والآن يريد أن يقترن بها في الحلال؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فإتيان الرجل لزوجته في دبرها حرام عند جماهير أهل العلم، ويدل لذلك قوله تعالى:"نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" [البقرة:223]، والدبر ليس موضع حرث، قال ابن عباس الحرث: الفرج موضع الولد. أخرجه ابن جرير (4/398) بإسناد حسن.
وقد وردت أحاديث كثيرة تنهى عن إتيان المرأة في دبرها. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"ملعون من أتى امرأة في دبرها" أحمد (2/444) وأبو داود (2162)، وعنه أيضاً مرفوعاً:"من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد" الترمذي (135) وابن ماجة (639) الدارمي (1/259)، قال ابن حجر عن هذه الأحاديث:"طرقها كثيرة فمجموعها صالح للاحتجاج به" فتح الباري (8/242).
وقد ذكر العلامة ابن القيم -رحمه الله- لتحريم الوطء في الدبر قرابة العشرين وجهاً (زاد المعاد 4/257)، منها أنه لو كان مباحاً لما نهينا عن إتيان النساء حال الحيض، إذ إتيان الدبر يكفي عن إتيان الفرج حال الحيض.
وأن الله تعالى حرم الفرج حال الحيض لأجل النجاسة العارضة في الحيض، فأولى أن يحرم الدبر بالنجاسة اللازمة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"وطء المرأة في دبرها حرام في قول جماهير العلماء ومتى وطئها في الدبر وطاوعته عُزرا فإن لم ينتهيا فرِّق بينهما" مختصر الفتاوى المصرية صـ (37).
وإتيان الرجل لامرأة لا تحل له في دبرها زنا عند أكثر أهل العلم، وإذا زنى الرجل بامرأة فإنه لا يحل له نكاحها حتى يتوبا من الزنا ويندما على فعلهما ويعزما على تركه وعدم العودة إليه.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 1 / ص 67)
للزوجة طلب الطلاق إن أصر الزوج على الوطء في الدبر
تاريخ الفتوى : 16 صفر 1420
السؤال
هل يجوز للزوجة أن تطلب الطلاق من زوجها بحجة مجامعتها من الدبر علما بأن ذلك لم يعد عليها بضرر جسدي لأنه حصل مرة واحدة وكان ذلك طوع إرادتها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
الجماع في الدبر محرم بل كبيرة من الكبائر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ملعون من أتى امرأة في دبرها" رواه أبو داود والنسائي وصححه السيوطي والألباني. وروى الترمذي والنسائي: "لا ينظر الله الى رجل اتى رجلا او امرأة في دبرها" وحسنه الترمذي وصححه الألباني. وللزوجة إذا أصر زوجها على هذا الحرام طلب الطلاق. ومن تاب تاب الله عليه. فإذا أقلع الزوج عن هذا وتاب إلى الله فليس للزوجة طلب الطلاق. والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
------------------
لا تمكني زوجك أن يأتيك من الدبر رقم الفتوى:3909تاريخ الفتوى:16 صفر 1420السؤال : أجبرني زوجي على الجماع من الدبر أكثر من مرة، فما هو الحل؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
جماعه لك في الدبر معصية عظيمة فإنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن تؤتى النساء في أعجازهن فقال: "ملعون من أتى امرأة في دبرها" رواه أحمد والنسائي وابن ماجه. وقال أيضاً: "من أتى كاهنا فصدقه أو أتى امرأة في دبرها أو أتى حائضاً فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم" رواه أحمد وأصحاب السنن بألفاظ متقاربة وصححه الألباني.
وعليك ألا تطيعي هذا الزوج فيما يفعل، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق: "إنما الطاعة في المعروف". وهدديه بأنه إن أجبرك ثانية على هذا الفعل القبيح فستخبرين المحاكم الشرعية أو الجهات المعنية، وحذريه من مغبة هذا العمل القبيح، وأخبريه أنه من أعظم أسباب سخط الله. والله تعالى أعلم.
-------------------
يريد الاستمتاع بامرأته من الدبر خشية الوقوع في الزنا رقم الفتوى:50840تاريخ الفتوى:18 جمادي الأولى 1425السؤال:
هل يحل للمرء الاجتماع مع زوجته من المنطقة الخلفية إذا كان هذا سيدفعه إلى الزنا مع واحدة أخرى إذا لم توافق زوجته على أن يفعل ذلك.
و شكرا.
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كان السائل يسأل هل يحل الوطء في الدبر فالجواب أنه لا يحل بوجه من الوجوه سواء وافقت الزوجة أم لم توافق، وسواء خشي على نفسه من الوقوع في الزنا إذا لم توافق أم لا لأن الوطء في الدبر حرام بل هو كبيرة من الكبائر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ملعون من أتى امرأة في دبرها. رواه أبو داود والنسائي وصححه السيوطي والألباني، وروى الترمذي والنسائي: لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في دبرها. وحسنه الترمذي وصححه الألباني.
ولا يجوز للزوجة الموافقة على ذلك ولها إن أصر زوجها على ذلك المنكر أن تطلب الطلاق منه وإن كان يسأل عن إتيانها من الخلف مع كون الوطء في المكان المعهود الذي أمر الله به حيث يقول تبارك وتعالى: [ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ] (البقرة: 222)
فلا بأس بذلك، ولا حرج لأن الله أباح له الوطء في محل الولد سواء جاء من الخلف أو من أي جهة مادام ذلك في غير الدبر، قال تعالى: [نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ]
(البقرة: 223)، قال ابن عباس: الحرث موضع الولد ومعنى قوله أنى شئتم أي كيف شئتم مقبلة ومدبرة في صمام واحد، انتهى وهو القبل.
للفائدة راجع الفتوى رقم: 31618.
وعلى السائل الكريم أن لا يفكر في الزنا أبدا ولا يتخذ الحرام وسيلة إلى الحرام بحيث يقول إن وافقت الزوجة على الفعل المحرم وإلا فسيدفعه ذلك إلى الزنا، وليستمع هذه الآية الكريمة قال الله تعالى:[ وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً]
(الاسراء:32)، وللفائدة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 5871.
والله أعلم.
---------------
الوطء في الدبر نهار رمضان يوجب الكفارة المغلظة رقم الفتوى:6668تاريخ الفتوى:22 شوال 1421السؤال : رجل أتى زوجته في دبرها في نهار رمضان. فما حكم ذلك؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا شك أن الوطء في الدبر محرم بالكتاب والسنة، وقد لعن الرسول صلى الله عليه وسلم فاعله فقال: "ملعون من أتى امرأة في دبرها" رواه أبو داود والنسائي، وصححه السيوطي والألباني، وفي ابن ماجه من حديث خزيمة عبن ثابت قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يستحي من الحق، ثلاث مرات،لا تأتوا النساء في أدبارهن".
وعند أحمد وأصحاب السنن بألفاظ متقاربة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى كاهناً فصدقه أو أتى امرأة في دبرها، أو أتى حائضاً فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم" صححه الألباني.
ولا شك أن الوطء في الدبر في نهار رمضان منكر عظيم، وهتك لحرمة الصيام، ومن فعل ذلك فسد صومه ووجب عليه قضاء ذلك اليوم مع الكفارة، حيث نص أكثر الفقهاء على أن لا فرق في وجوب الكفارة بين كون الفرج قبلاً أو دبراً. انظر: المغني لابن قدامة (3/57)، حاشية الدسوقي (1/523)، والمجموع للنووي (6/376)، أما الكفارة فهي واجبة على الترتيب: عتق رقبة، فإن عجز أو لم يجد فصوم شهرين متتابعين، فإن عجز فإطعام ستين مسكيناً، لكل مسكين مدّ من البرّ، أو الزبيب أو التمر... إلخ. ويجب مع ذلك التوبة والاستغفار. والله أعلم.
قال تعالى:"الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين" [النور:3]، فإذا تابا من الزنا فإن لهما أن يقترنا بالحلال.
وفق الله الجميع لهداه وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.
------------------(1/76)
19-7775 أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ حَكِيمٍ الْأَثْرَمِ ، عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوِ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا فَقَدْ كَفَرَ "(1)
120- 7776 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ، وَبَهْزُ بْنُ أَسَدٍ قَالُوا : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ حَكِيمٍ الْأَثْرَمِ ، عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ أَتَى امْرَأَةً حَائِضًا ، أَوِ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا ، أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "(2)
121-7777 أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : " إِتْيَانُ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ فِي أَدْبَارِهِنَّ كُفْرٌ "(3)
122-7778 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : " إِتْيَانُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ كُفْرٌ (4)
123-7779 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، مَرَّةً أُخْرَى قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ لَيْثٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا قَالَ : " تِلْكَ كُفْرَةٌ "(5)
124-7780 أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ يَعْنِي ابْنَ أَبِي مُزَاحِمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ يَعْنِي الْمُؤَدِّبَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : " مَنْ أَتَى أَدْبَارَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَقَدْ كَفَرَ "(6)
125-7781 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ ، عَنْ سُلَيْمٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : " مَنْ فَعَلَهُ فَلَيْسَ مِنَ الْمُطَّهِّرِينَ "(7)
ذِكْرُ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ فِي إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ
126- 7782 أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّا نَكُونُ فِي الْبَادِيَةِ ، فَتَكُونُ مِنْ أَحَدِنَا الرُّوَيْحَةُ فَقَالَ : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِيي مِنَ الْحَقِّ إِذَا فَسَا أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ ، وَلَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ " (8)
__________
(1) - أخرجه ابن أبي شيبة برقم(16805) والمسند الجامع برقم( 12797 ) وإرواء الغليل برقم( 2006 ) صحيح
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 48 / ص 365)
وقال الخلال في (جامعه): ... عن أبي شميلة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى قباء فاستقبله رهط من الأنصار يحملون جنازة على باب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ قالوا: مملوك لآل فلان، كان من أمره، قال: أكان يشهد أن لا إله إلا الله؟ قالوا: نعم، ولكنه كان وكان. فقال لهم: أما كان يصلي؟ فقالوا: قد كان يصلي ويدع. فقال لهم: ارجعوا به، فغسلوه وكفنوه، وصلوا عليه، وادفنوه، والذي نفسي بيده، لقد كادت الملائكة تحول بيني وبينه. وروى بإسناده عن عطاء عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلوا على من قال لا إله إلا الله.
ولأن ذلك إجماع المسلمين، فإنا لا نعلم في عصر من الأعصار أحداً من تاركي الصلاة ترك تغسيله، والصلاة عليه، ودفنه في مقابر المسلمين، ولا منع ورثته ميراثه، ولا منع هو ميراث مورثه، ولا فُرِّق بين زوجين لترك الصلاة من أحدهما، مع كثرة تاركي الصلاة، ولو كان كافرا لثبتت هذه الأحكام كلها، ولا نعلم بين المسلمين خلافا في أن تارك الصلاة يجب عليه قضاؤها، ولو كان مرتدا لم يجب عليه قضاء صلاة ولا صيام. وأما الأحاديث المتقدمة -الدالة على كفر تارك الصلاة- فهي على سبيل التغليظ، والتشبيه له بالكفار، لا على الحقيقة، كقوله عليه السلام: سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر. وقوله: كفر بالله تبرؤ من نسب وإن دق. وقوله: من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما. وقوله: من أتى حائضا أو امرأة في دبرها، فقد كفر بما أنزل على محمد. قال: ومن قال: مطرنا بنوء الكواكب، فهو كافر بالله، مؤمن بالكواكب. وقوله: من حلف بغير الله فقد أشرك. وقوله: شارب الخمر كعابد وثن. وأشباه هذا مما أريد به التشديد في الوعيد، وهو أصوب القولين. انتهى.
-------------
فتح الباري لابن رجب - (ج 1 / ص 70)
وقد حمل مالك حديث : " من قال لأخيه : يا كافر " على الحرورية المعتقدين لكفر المسلمين بالذنوب . نقله عنه أشهب وكذلك حمل ( 199 - أ / ف ) إسحاق بن راهوية حديث " من أتى حائضا أو امرأة في دبرها فقد كفر " على المستحل لذلك . نقله عنه حرب وإسحاق الكوسج . ومنهم من يحملها على التغليظ والكفر الذي لا ينقل عن الملة - كما تقدم عن ابن عباس وعطاء . ونقل إسماعيل الشالنجي عن أحمد - وذكر له قول ابن عباس المتقدم وسأله : ما هذا الكفر ؟ - قال أحمد : هو كفر لا ينقل عن الملة مثل الإيمان بعضه دون بعض ، فكذلك الكفر حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه .
قال محمد بن نصر المروزي : . واختلف من قال من أهل الحديث أن مرتكب الكبائر مسلم وليس بمؤمن هل يسمى كافرا كفرا لا ينقل عن الملة كما قال عطاء : كفر دون كفر ، وقال ابن عباس وطاوس : كفر لا ينقل عن الملة ؟ على قولين لهم . قال : وهما مذهبان في الجملة محكيان عن أحمد بن حنبل في موافقيه من أهل الحديث . قلت : قد أنكر أحمد في رواية المروذي ما روي عن عبد الله بن عمرو أن شارب الخمر يسمى كافرا ولم يثبته عنه ؛ مع أنه قد روي عنه من وجوه كثيرة وبعضها إسناده حسن ، وروي عنه مرفوعا .
(2) -حسن لغيره
(3) - فيه لين
(4) - فيه لين
(5) - ضعيف وصح من قول طاوس ذم الملاهي برقم(172) وقد مر من قبل عنه
(6) - حسن موقوف
وهو مأخوذ من قوله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ }(222) [البقرة/222]
وهو محمول على من استحل ذلك
(7) - صحيح مقطوع
(8) -الترمذي برقم(1197و1199) وأحمد برقم(666) وابن حبان برقم(4273و4275) والمسند الجامع برقم(10400) حديث حسن
في سنده مسلم بن سلام الحنفي روى عنه اثنان ووثقه ابن حبان 7/107 وقال الذهبي في الكاشف : وثق (5514) وسكت عليه أبو حاتم الجرح 8/185 وتهذيب الكمال(5930)
أقول : رواية هؤلاء لهذا الحديث تقوى أمره .
تحفة الأحوذي - (ج 3 / ص 243)
1084 - قَوْلُهُ : ( عَنْ عِيسَى بْنِ حِطَّانَ )
بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ الرِّقَاشِيِّ مَقْبُولٌ مِنْ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ : وَثَّقَهُ اِبْنُ حِبَّانَ
( عَنْ مُسْلِمِ بْنِ سَلَّامٍ )
بِفَتْحِ السِّينِ وَبِتَشْدِيدِ اللَّامِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَقْبُولٌ . وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَثَّقَهُ اِبْنُ حِبَّانَ
( عَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ عَلِيُّ بْنُ طَلْقِ بْنِ الْمُنْذِرِ الْحَنَفِيُّ السُّحَيْمِيُّ الْيَمَامِيُّ صَحَابِيٌّ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ وَعَنْهُ مُسْلِمُ بْنُ سَلَّامٍ
( فِي الْفَلَاةِ ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْفَلَاةُ الْقَفْرُ أَوْ الْمَفَازَةُ لَا مَاءَ فِيهَا أَوْ الصَّحْرَاءُ الْوَاسِعَةُ جَمْعُ فَلَاةٍ وَفَلَوَاتٍ وَفُلُوٍّ وَفُلِيٍّ وَفِلِيٍّ
( فَتَكُونُ مِنْهُ الرُّوَيْحَةُ ) تَصْغِيرُ الرَّائِحَةِ غَرَضُ السَّائِلِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُنْقِضَ الْوُضُوءَ بِهَذَا الْقَدْرِ
( إِذَا فَسَا أَحَدُكُمْ ) أَيْ خَرَجَ الرِّيحُ الَّتِي لَا صَوْتَ لَهُ مِنْ أَسْفَلِ الْإِنْسَانِ قَالَهُ الْقَارِي . قَالَ فِي الْقَامُوسِ : فَسَا فَسْوًا وَفُسَاءً مَشْهُورٌ أَخْرَجَ رِيحًا مِنْ مَفْسَاهُ بِلَا صَوْتٍ
( فَلْيَتَوَضَّأْ ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ : إِذَا فَسَا أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُعِدْ الصَّلَاةَ
( وَلَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ ) جَمْعُ عَجُزٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّ الْجِيمِ عَلَى الْمَشْهُورِ مُؤَخَّرُ الشَّيْءِ ، وَالْمُرَادُ الدُّبُرُ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْفُسَاءَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ وَيُزِيلُ الطَّهَارَةَ وَالتَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ ذَكَرَ مَا هُوَ أَغْلَظُ مِنْهُ فِي رَفْعِ الطَّهَارَةِ زَجْرًا وَتَشْدِيدًا كَذَا فِي اللُّمُعَاتِ .
قَوْلُهُ : ( وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ ) لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثِهِ
( وَخُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ ) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِي مِنْ الْحَقِّ لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ
( وَابْنِ عَبَّاسٍ ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ
( وَأَبِي هُرَيْرَةَ ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ : مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى اِمْرَأَةً فِي دُبُرِهَا .
قَوْلُهُ : ( حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ
قَوْلُهُ : ( وَلَا أَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ حَدِيثِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ السُّحَيْمِيِّ ) كَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ : طَلْقُ بْنُ عَلِيٍّ السُّحَيْمِيُّ وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ عِبَارَةَ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ : وَفِيهِ عَلِيُّ بْنُ طَلْقٍ السُّحَيْمِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ . قَالَ الْحَافِظُ : فِي هَذَا الْكِتَابِ عَلِيُّ بْنُ طَلْقِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ سُحَيْمٍ نَسَبَهُ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ الْحَنَفِيُّ الْيَمَامِيُّ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوُضُوءِ مِنْ الرِّيحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَعَنْهُ مُسْلِمُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَمِعْت مُحَمَّدًا يَقُولُ : لَا أَعْرِفُ لِعَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَلَا أَعْرِفُ هَذَا مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ السُّحَيْمِيِّ . قَالَ التِّرْمِذِيُّ : فَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ هَذَا رَجُلٌ آخَرُ . وَقَالَ اِبْنُ عَبْدِ الْبَرِّ السُّحَيْمِيُّ : أَظُنُّهُ وَالِدَ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ . قُلْت : هُوَ ظَنٌّ قَوِيٌّ لِأَنَّ النَّسَبَ الَّذِي ذَكَرَهُ خَلِيفَةُ هُنَا هُوَ النَّسَبُ الْمُتَقَدِّمُ فِي تَرْجَمَةِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ وَجَزَمَ بِهِ الْعَسْكَرِيُّ . اِنْتَهَتْ عِبَارَةُ تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ بِلَفْظِهَا
( وَكَأَنَّهُ ) أَيْ كَأَنَّ الْإِمَامَ الْبُخَارِيَّ وَهَذَا مَقُولَةُ التِّرْمِذِيِّ .
قَوْلُهُ : ( وَرَوَى وَكِيعٌ هَذَا الْحَدِيثَ ) أَيْ حَدِيثَ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ الْمَذْكُورَ وَذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ إِلَخْ .(1/77)
127-7783 أَخْبَرَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو الْحِمْصِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو سَلَامٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ سَلَامٍ ، عَنْ عِيسَى بْنِ حِطَّانَ ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ سَلَامٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " إِنَّا نَكُونُ بِهَذِهِ الْبَادِيَةِ ، وَإِنَّهُ تَكُونُ مِنْ أَحَدِنَا الرُّوَيْحَةُ ، وَفِي الْمَاءِ قِلَّةٌ " فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا فَسَا أَحَدُكُمْ ، فَلْيَتَوَضَّأْ ، وَلَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ " (1)
128-7784 أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ ، عَنْ عِيسَى بْنِ حِطَّانَ ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ سَلَامٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ قَالَ : قَالَ أَعْرَابِيٌّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الرَّجُلُ مِنَّا يَكُونُ بِالْأَرْضِ الْفَلَاةِ ، فَتَكُونُ مِنْهُ الرُّوَيْحَةُ ، وَيَكُونُ فِي الْمَاءِ قِلَّةٌ " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا فَسَا أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ ، وَلَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ " (2)
129- 7785 أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ عِيسَى بْنِ حِطَّانَ ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ سَلَامٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا فَسَا أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ ، وَلَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ "(3)
__________
(1) - حديث حسن
(2) - حديث حسن
تهذيب الآثار للطبري - (ج 4 / ص 466)
ذكر من روى هذا الخبر عن علي بن طلق ، عن النبي صلى الله عليه وسلم
1689 - حدثنا هناد بن السري ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن عاصم الأحول ، عن عيسى بن حطان ، عن مسلم بن سلام ، عن علي بن طلق ، قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي ، فقال : يا رسول الله ، الرجل منا يكون بأرض الفلاة ، فتكون منه الرويحة ، ويكون في الفلاة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا فسا أحدكم فليتوضأ »
1690 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عاصم ، عن عيسى بن حطان ، عن مسلم بن سلام ، عن علي بن طلق ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف فليتوضأ ، ثم ليعد للصلاة »
1691 - وحدثني عمران بن بكار الكلاعي ، قال : حدثنا أحمد بن خالد ، قال : حدثنا أبو سلام عبد الملك بن مسلم بن سلام ، عن عيسى بن حطان ، عن مسلم بن سلام ، عن علي بن طلق ، أن أعرابيا ، أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله ، إنا نكون بهذه البادية ، وإنه يكون من أحدنا الرويحة ، وفي الماء قلة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا فسا أحدكم فليتوضأ » حدثني أحمد بن حازم الغفاري ، وأحمد بن منصور ، قالا : حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ، قال : حدثنا أبو سلام بن مسلم الحنفي ، عن عيسى بن حطان ، عن مسلم بن سلام ، عن علي ، أن أعرابيا ، أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ذكر نحوه
1692 - حدثنا هناد بن السري ، قال : حدثنا وكيع ، عن عبد الملك بن مسلم ، عن أبيه ، عن علي ، قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إنا نكون بالبادية ، فيكون من أحدنا الرويحة ؟ فقال : إن الله لا يستحيي من الحق ، إذا فسا أحدكم فليتوضأ
مساوئ الأخلاق للخرائطي - (ج 1 / ص 481)
453 - حدثنا سعدان بن يزيد البزاز ، ثنا يزيد بن هارون ، أنبا عبد الملك بن مسلم الحنفي ، ثنا عيسى بن حطان ، عن مسلم بن سلام أبي عبد الملك ، وقد كان أدرك عليا رضي الله عنه ، وشهد معه ، عن علي رضي الله عنه ، قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي ، فقال : يا رسول الله ، إنا نكون بالبادية ، ويكون في الماء قلة ، ويكون من الرويحة (1) ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا فسا أحدكم فليتوضأ ، ولا تأتوا النساء (2) في أدبارهن (3) ، فإن الله لا يستحيي من الحق »
__________
(1) الرويحة : الرائحة التي تخرج من الدبر
(2) تأتوا النساء : المراد : الجماع
(3) الأدبار : جمع دبر ، ودبر كل شيء عقبه ومؤخره والمراد فتحة الدبر
(3) - حديث حسن(1/78)
التَّرْغِيبُ فِي الْمُبَاضَعَةِ(1)
130- 7786 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيٌّ ، عَنْ يَحْيَى ، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَامٍ ، عَنْ أَبِي سَلَامٍ قَالَ : قَالَ أَبُو ذَرٍّ قَالَ : كَأَنْ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ كُلَّ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ صَدَقَةً مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مِنْ أَيْنَ أَتَصَدَّقُ وَلَيْسَ لَنَا أَمْوَالٌ ؟ قَالَ : " أَوَلَيْسَ مِنْ أَبْوَابِ الصَّدَقَةِ التَّكْبِيرُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ ، وَتَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ، وَتَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ ، وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَتَعْزِلُ الشَّوْكَةَ عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ وَالْعَظْمَ وَالْحَجَرَ ، وَتُهْدِي الْأَعْمَى ، وَتُدِلُّ الْمُسْتَدِلَّ عَلَى حَاجَةٍ لَهُ قَدْ عَلِمْتَ مَكَانَهَا ، وَتَرْفَعُ بِشِدَّةٍ ذِرَاعَيْكَ مَعَ الضَّعِيفِ ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الصَّدَقَةِ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ ، وَلَكَ فِي جِمَاعِكَ زَوْجَتَكَ أَجْرٌ " قُلْتُ : كَيْفَ يَكُونُ لِي الْأَجْرُ فِي شَهْوَتِي ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ وَلَدٌ فَأَدْرَكَ وَرَجَوْتَ خَيْرَهُ ، ثُمَّ مَاتَ أَكُنْتَ تَحْتَسِبُهُ " قَالَ : نَعَمْ قَالَ : " فَأَنْتَ خَلَقْتَهُ ؟ " قَالَ : بَلِ اللَّهُ خَلَقَهُ قَالَ : " فَأَنْتَ هَدِيَّتُهُ ؟ " قَالَ : بَلِ اللَّهُ هَدَاهُ قَالَ : " فَأَنْتَ كُنْتَ تَرْزُقُهُ ؟ " قَالَ : بَلِ اللَّهُ رَزَقَهُ قَالَ : " كَذَلِكَ فَضَعْهُ فِي حَلَالِهِ ، وَجَنِّبْهُ حَرَامَهُ ، فَإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَحْيَاهُ ، وَإِنْ شَاءَ أَمَاتَهُ وَلَكَ أَجْرٌ "(2)
--------------
(1)المباضعة: المجامعة.القاموس الفقهي - (ج 1 / ص 38)
(2) - الآداب للبيهقي برقم( 96 ) وتعظيم قدر الصلاة برقم(713) وأحمد برقم(22101) والمسند الجامع برقم(12284) والصحيحة برقم(575) صحيح
موسوعة خطب المنبر - (ج 1 / ص 2454)
الزواج
عبد الله الهذيل
الرياض
7/3/1418
فيحان
الخطبة الأولى
أيها الأحبة في الله, أرأيتم هذه الحياة وما فيها من شمس وقمر وجبال وشجر ودواب, وما سخّر في برها وبحرها.
ما شأن الناس فيها لو كانوا رجالاً بلا نساء، أو نساء بلا رجال!
هل تستقيم لهم حياة ؟!
وهل تصلح لهم حال ؟!
لذا كان من أعظم النعم التي امتن الله تعالى بها على عباده أن جعلهم أزواجاً يسكن بعضهم إلى بعض، كما قال سبحانه وتعالى: هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا [الأعراف:189].
وقال عز وجل: وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْواجاً لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لايَاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم:21].
فالزواج من أعظم النعم التي يتنعم بها البشر, وهو أساس في بقاء الحياة، وبناء المجتمعات, والرغبة عنه رغبة عن خيرٍ وهدى، فإن الله تعالى أخبر عن المرسلين فقال: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرّيَّةً [الرعد:38].
وقد قرر النبي صلى الله عليه وسلم أن الزواج من سنته, وذلك حين جاءه الرهط الثلاثة وكان منهم من قال: أنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبداً، فغضب صلى الله عليه وسلم وقال: ((أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)) رواه البخاري.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحث أمته على الزواج ويقول: ((تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم)) رواه أبو داود والترمذي.
أيها الأحبة في الله, ومن هنا, فلابد من حديث نتدارس به بعض ما يتعلق بهذا الشأن العظيم ـ أعني شأن الزواج ـ
وخاصة أننا في أيام نشهد فيها كثرة الزواج, وهذه نعمة نتحدث بها, ونحمد ربنا سبحانه وتعالى عليها.
فإليكم الحديث, وقفات نصح ومحبة, ورسائل إخاء, أسطر فيها أحرفاً إلى الشباب بعامة وإلى كل واضع قدمه على عتبة الزواج, إلى كل أب، وكل قائم على فتاة بلغت سن الزواج، وإلينا جميعاً في أفراحنا وولائمنا.
وإلى كل عروسين لبناء أسرة مسلمة تحفها أنوار الإيمان من كل جانب.
فالرسالة الأولى:
إلى كل شاب، وقد بلغ سن الزواج, وأراه مع هذا يعرض عنه كثيراً, ويجعل بينه وبينه عوائق مظنونة وحواجز وهمية, فترى سنين زهرة العمر تمضي عليه سريعة وهو في سبات التسويف يوماً بعد يوم.
فإليك أيها الشاب هذا الخطاب, ممن لن تجد من الخلق أرأف بك منه، ولا أنصح لك منه, وهو النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)).
فأجب النداء ما دامت الاستطاعة في يديك, وبخاصة أنك ترى الفتن تسارع في الناس بأنواع شتى, وتمد حبائلها, لتتصيد بها الفُرَانِس.
فاقطع الطريق عليها أن تصل إليك، وتعفف بالحلال الطيب، الذي يرضاه ربك، لتذوق اللذتين، وتعيش الحلاوتين في حياة طيبة في الدارين.
الرسالة الثانية:
إلى ذاك الذي يريد أن يبدأ خطوته الأولى في الزواج.
فإليه أقول: من تخيّرت لتكون رفيقة دربك وسكينة نفسك؟
وبأي ميزان وزنت حالها؟
أبجمالها؟
أم بمالها؟
أم بدينها وخلقها؟
اسمع إلى نبيك صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ((تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)).
هذا هو الميزان الحق الذي يجب أن تبدأ به.
فالمرأة الصالحة تعينك على طاعة ربك وترعاك في بيتك، وتحفظك في نفسها، وهي يدٌ أمينة على ذريتك بأن تنشئهم النشأة الطيبة.
قال تعالى: وَالطَّيّبَاتُ لِلطَّيّبِينَ وَالطَّيّبُونَ لِلْطَّيّبَاتِ [النور:26].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة من السعادة، وثلاثة من الشقاء، فمن السعادة: المرأة الصالحة، تراها فتعجبك، وتغيب عنها فتأمنها على نفسها ومالك)) الحديث أخرجه الحاكم وصححه، وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة)) أخرجه مسلم والنسائي وأحمد.
وقد قيل في هذا المعنى:
مِنْ خير ما يَتّخِذ الإنسان في……دنياه كيما يستقيمَ دينُه
قلب شكور ولسان ذاكر……وزوجة صالحة تعينُه
فليكن الصلاح هو ميزانك الأول في اختيار زوجتك.
ثم إني أعلم أن في نفسك مطالبَ ومواصفات ترغبها فيمن تريد زواجها, وهذا مما لا جناح عليك فيه, بل هو من الأمور المعتبرة, ولكن لا يقدّم على الدين والخُلق.
ثم لتكن واقعياً في تلك الرغبات, ولا تُغرق في المواصفات, فتريدها كذا وكذا وكذا, حتى يعيى أهلك أن يجدوا لك مطلبك.
فإن الجمال حقيقة هو جمالُ الدين والخلق والمنطق الحسن, فإنه لا يزيد مع الأيام إلا حسناً.
أما جمال الظاهر, فسرعان ما يتبلد الحسّ بتكراره, وإن اجتمع هذا وهذا, فذاك خيرعلى خير.
ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا …لا بارك الله في دنيا بلا دين
وكن كذاك الذي بذلت أمه الجهد أن تجد له ذات الدلال والجمال، فلما وجدتها جاءت تزف إليه البشرى:
جاءته بعد الجهد قائلة له………أبشر بنيّ ظفرت بالمتعلمهْ
شقراء أجمل ما رأت عين امرئ………وقوامها يا حسنه ما أقومهْ
عينان ضاحكتان ما أحلاهما………سبحان من صاغ الجمال وتممهْ
ما أروع الحلي المضاعف حسنها ………ويزيد سحر الحسن وهي مهندمهْ
أغلى المراكب تستقل وتكتسي ………أغلى الثياب وفي الثراء مقدَّمتهْ
فلكل ما تبغي تقدم مالها………بذلاً ، ودوماً بالنفائس متخمهْ
والأم مذ عرفت مرادي تمتمت ………وأنا الذي أدري بتلك التمتمهْ
ما لي أراك وأنت تطرق صامتاً………هل يرضِيَنَّك أن أظل محطمهْ
أماه, ما يرضيك روحي دونه………هيهات قلبك أن أعُق وأظلمَهْ
أماه شوقي لا يحن لزوجة………إن همت أو قصّرت كانت ملهمهْ
هي للثراء وفي الثراء وما تريـ …ـد سوى بأن تبقى الزمان منعمة
أماه لي أمل وما أملي سوى………جيل يعيد لنا حياة المكرُمَهْ
أماه ما أرجو وترجو أمتي………ما كان إلا في زواج المؤمنهْ
ثم اعلم أنك في حياتك الزوجية تزيد عليك المسؤولية, فإن قمت بها خير قيام كانت الأجور تأتيك مضاعفة, بل إن في شهوتك التي تقضيها مع زوجتك يكتب لك الأجر، وفي اللقمة تضعها في فم امرأتك يكتب لك فيها الأجر.
وقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((على كل نفس في كل يوم طلعت فيه الشمس صدقة منه على نفسه...)) الحديث وفيه: ((ولك في جماع زوجتك أجر)) قال أبو ذر: كيف يكون لي أجر في شهوتي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أرأيت لو كان لك ولد، فأدركَ، ورجوت خيره، فمات، أكنت تحتسب به؟)) قال: نعم.
قال: ((فأنت خلقته؟)) قال: بل الله خلقه.
قال: ((فأنت هديته؟)) قال: بل الله هداه.
قال: ((فأنت ترزقه؟)) قال: بل الله كان يرزقه.
قال: ((كذلك فضعه في حلاله وجنبه حرامه، فإن شاء الله أحياه، وإن شاء أماته ولك أجر)).
الرسالة الثالثة:
إلى كل أب وإلى كل ولي على فتاة بلغت سن الزواج, أن يرعوا تلك الأمانة التي بأيديهم, وأن يقوموا بالحق الذي عليهم تجاهها, ومن ذلك:
أولاً: أن يتخيروا لمن تحت أيديهم الزوج الصالح، وأن يحفظوها من كل من ضيع الخلق والدين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)).
وإن من المؤسف أن تجد بعض الآباء ينظرون إلى كل جانب ماديّ فيمن خطب منهم، ويربطون به القبول أو الردّ.
أما إذا قيل: إنه لا يصلي، أو أنه يتعامل بالربا، وأنه يفعل كذا وكذا, لم يجد ذلك في قلوبهم نفوراً فيزوجونه على هذه الحال.
ثانياً: التيسير في أمر المهور، ليكون ذلك مُنزلاً للبركة في حياة بناتهم.
وإن المغالاة في المهور سنّة سيئة، تجعل أمام الزواج العقبات المتراكمة, حتى يرى الشاب أن أمام زواجه بحراً من الديون لابد أن يركبه، ولا يدري أيقطعه بأن يكون غريق مطالبة فلان وفلان.
ألا فبأي مفخرة يفخر المغالون؟
وبأي سُنة يقتدون؟
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خير النكاح أيسره)) أخرجه أبو داود عن عقبة بن عامر.
وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن من يمن المرأة: تيسير خطبتها، وتيسير صداقها، وتيسير رحمِها)).
ثالثاً: السماح لمن تقدَّم للخطبة وجزم على ذلك أن ينظر إلى المخطوبة, وتلك رخصة رخصها له الشارع, فقد قال صلى الله عليه وسلم لرجل أراد أن يتزوج امرأة: ((هل نظرت إليها؟ قال: لا، قال: انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما)).
فلا نُحَكِّم عادات وتقاليد على شرع الله تعالى, فلن نجد أحكم منه أبداً.
أما الرسالة الرابعة:
فإلينا جميعاً في أفراحنا بأن نحيي فيها سنة نبينا صلى الله عليه وسلم في إعلان النكاح, وأن نجعلها ليالي نيّرة بالمحافظة على أمر الله تعالى والوقوف عند حدوده, وأن نصون نقاءها من كل كدر يعكّر صفوها من الغناء الماجن، والتقاليد الغربية العمياء، والسهر المضيع للصلوات، ودخول الرجال على النساء، ونحو ذلك مما يحيلها ليلة كدر وإن ضحك أصحابها.
ولننظر في زواج بنت خير البشر صلى الله عليه وسلم فاطمة رضي الله عنها, فقد قال جابر رضي الله عنه: حضرنا عرس فاطمة، فما رأينا عرساً أحسن منه، حشونا الفراش ليفاً، وأتينا بتمر وزبيب فأكلنا وكان فراشها ليلة عرسها إهاباً (أي جلداً).
فماذا يقول بعد هذا أولئك الذين يتفاخرون بالإسراف والبذخ المفرط في أعراسهم؟!
---------
الخطبة الثانية
الرسالة الخامسة:
إلى كل عروسين جمعتهما كلمة الله, بأن يبدآ مسيرة الحياة الزوجية بخطى حثيثة السعي في صراط مستقيم، ونظرة سامية إلى أعلى المطالب, وليَبْنِيا هذه اللبنة في المجتمع على تقوى من الله ورضوان, ويغرسا بذور اجتماعهما بأرض الطاعة والانقياد, ليكون الإثمار أطيبه وأزكاه.
ولله ما أجمل البيوت الزوجية التي تحف بها معاني الإيمان والتقى، وتضيء من جنباتها أنوار الصلاح والإصلاح!
فوالله إنها لحياة, لو يعلم عنها أرباب الأموال والمناصب لجالدوا عليها بالسيوف.(1/78)
131-7787 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ : أَخْبَرَنَا هِشَامٌ ، عَنْ وَاصِلٍ ، مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُقَيْلٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ ، عَنْ أَبِي ذَرِّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنَ ابْنِ آدَمَ كُلَّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ " ثُمَّ قَالَ : " إِمَاطَتُكَ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ ، وَتَسْلِيمُكَ عَلَى النَّاسِ صَدَقَةٌ ، وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ ، وَنَهْيُكَ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ ، وَمُبَاضَعَتُكَ أَهْلَكَ صَدَقَةٌ " قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَقْضِي الرَّجُلُ شَهْوَتَهُ وَتَكُونُ لَهُ صَدَقَةٌ ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، أَرَأَيْتَ لَوْ جَعَلَ تِلْكَ الشَّهْوَةَ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وِزْرًا ؟ " قُلْنَا : بَلَى قَالَ : " فَإِنَّهُ إِذَا جَعَلَهَا فِيمَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ فَهِيَ صَدَقَةٌ " قَالَ : وَذَكَرَ أَشْيَاءَ صَدَقَةً ، ثُمَّ قَالَ : " يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ رَكْعَتَا الضُّحَى "(1)
__________
(1) - أحمد برقم(22169) والبيهقي في السنن برقم(11772) والمسند الجامع برقم(12269) والصحيحة برقم(1025) حديث صحيح(1/79)
النَّهْيُ عَنِ التَّجَرُّدِ عِنْدَ الْمُبَاضَعَة
ِ 32- 77881 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَلْقِ عَلَى عَجُزِهِ وَعَجُزِهَا شَيْئًا ، وَلَا يَتَجَرَّدَا تَجَرُّدَ الْعَيْرَيْنِ " قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ : هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَصَدَقَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ضَعِيفٌ وَإِنَّمَا أَخْرَجْتُهُ لِئَلَّا يُجْعَلَ عَمْرٌو عَنْ زُهَيْر(1)
-----------------
(1) - عبد الرزاق برقم(10470و10471) وابن أبي شيبة برقم(17621) مرسلا عَنْ أَبِي قِلابَةَ والبيهقي في السنن برقم( 14475) عن عبد الله وفيه ضعف
وفي سنن البيهقى - (ج 35 / ص 443)
وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَمَحْمُودٌ فِى الأَخْلاَقِ. {ش} قَالَ الشَّافِعِىُّ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَأَكْرَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَالأُخْرَى تَنْظُرُ لأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ التَّسَتُّرِ وَلاَ مَحْمُودِ الأَخْلاَقِ وَلاَ يُشْبِهُ الْعِشْرَةَ بِالْمَعْرُوفِ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يُعَاشِرَهَا بِالْمَعْرُوفِ.(1/79)
مَا يَقُولُ : " إِذَا أَتَاهُنَّ "
133-7789 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنْ كُرَيْبٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ قَالَ حِينَ يُوَاقِعُ أَهْلَهُ : " بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنَّبَنِي الشَّيْطَانَ ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا ، فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ " خَالَفَهُ ابْنُ أَبِي عُمَرَ (1)
----------------
(1) - أخرجه البخاري برقم(3283و5165)و أحمد برقم(1895 و1936 و2215 و2605) والبيهقي في السنن برقم( 14217 ) وأبو عوانة برقم(3480) والروياني برقم(1177)
فتح الباري لابن حجر - (ج 14 / ص 444)
قَوْله ( أَمَا لَوْ أَنَّ أَحَدهمْ ) كَذَا لِلْكُشْميهَنِيّ هُنَا ، وَلِغَيْرِهِ بِحَذْفِ " أَنْ " وَتَقَدَّمَ فِي بَدْء الْخَلْق مِنْ رِوَايَة هَمَّام عَنْ مَنْصُور بِحَذْفِ " لَوْ " وَلَفْظه " أَمَا أَنَّ أَحَدكُمْ إِذَا أَتَى أَهْله " وَفِي رِوَايَة جَرِير عَنْ مَنْصُور عِنْد أَبِي دَاوُدَ وَغَيْره " لَوْ أَنَّ أَحَدكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْله " وَهِيَ مُفَسِّرَة لِغَيْرِهَا مِنْ الرِّوَايَات دَالَّة عَلَى أَنَّ الْقَوْل قَبْل الشُّرُوع .
قَوْله ( حِين يَأْتِي أَهْله ) فِي رِوَايَة إِسْرَائِيل عَنْ مَنْصُور عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ " أَمَا أَنَّ أَحَدكُمْ لَوْ يَقُول حِين يُجَامِع أَهْله " وَهُوَ ظَاهِر أَنَّ الْقَوْل يَكُون مَعَ الْفِعْل ، لَكِنْ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَجَاز ، وَعِنْده فِي رِوَايَة رَوْح بْن الْقَاسِم عَنْ مَنْصُور " لَوْ أَنَّ أَحَدهمْ إِذَا جَامَعَ اِمْرَأَته ذَكَرَ اللَّه " .
قَوْله ( بِسْمِ اللَّه ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي ) فِي رِوَايَة رَوْحٍ " ذَكَرَ اللَّه ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي " وَفِي رِوَايَة شُعْبَة عَنْ مَنْصُور فِي بَدْء الْخَلْق " جَنِّبْنِي " بِالْإِفْرَادِ أَيْضًا وَفِي رِوَايَة هَمَّام " جَنِّبْنَا " .
قَوْله ( الشَّيْطَان ) فِي حَدِيث أَبِي أُمَامَةَ عِنْد الطَّبَرَانِيِّ " جَنِّبْنِي وَجَنِّبْ مَا رَزَقْتنِي مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم " .
قَوْله ( ثُمَّ قُدِّرَ بَيْنهمَا وَلَدٌ أَوْ قُضِيَ وَلَد ) كَذَا بِالشَّكِّ ، وَزَادَ فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ " ثُمَّ قُدِّرَ بَيْنهمَا فِي ذَلِكَ - أَيْ الْحَال - وَلَد " وَفِي رِوَايَة سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُور " فَإِنْ قَضَى اللَّه بَيْنهمَا وَلَدًا " وَمِثْله فِي رِوَايَة إِسْرَائِيل ، وَفِي رِوَايَة شُعْبَة " فَإِنْ كَانَ بَيْنهمَا وَلَد " وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقه " فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّر بَيْنهمَا وَلَد فِي ذَلِكَ " وَفِي رِوَايَة جَرِير " ثُمَّ قُدِّرَ أَنْ يَكُون " وَالْبَاقِي مِثْله ، وَنَحْوه فِي رِوَايَة رَوْح بْن الْقَاسِم وَفِي رِوَايَة هَمَّام " فَرُزِقَا وَلَدًا " .
قَوْله ( لَمْ يَضُرّهُ شَيْطَان أَبَدًا ) كَذَا بِالتَّنْكِيرِ ، وَمِثْله فِي رِوَايَة جَرِير ، وَفِي رِوَايَة شُعْبَة عِنْد مُسْلِم وَأَحْمَد " لَمْ يُسَلَّط عَلَيْهِ الشَّيْطَان أَوْ لَمْ يَضُرّهُ الشَّيْطَان " وَتَقَدَّمَ فِي بَدْء الْخَلْق مِنْ رِوَايَة هَمَّام وَكَذَا فِي رِوَايَة سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ وَإِسْرَائِيل وَرَوْح بْن الْقَاسِم بِلَفْظِ الشَّيْطَان " وَاللَّام لِلْعَهْدِ الْمَذْكُور فِي لَفْظ الدُّعَاء ، وَلِأَحْمَد عَنْ عَبْد الْعَزِيز الْعُمّيّ عَنْ مَنْصُور " لَمْ يَضُرّ ذَلِكَ الْوَلَد الشَّيْطَان أَبَدًا " وَفِي مُرْسَل الْحَسَن عَنْ عَبْد الرَّزَّاق " إِذَا أَتَى الرَّجُل أَهْله فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّه اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيمَا رَزَقَتْنَا وَلَا تَجْعَل لِلشَّيْطَانِ نَصِيبًا فِيمَا رَزَقْتنَا ، فَكَانَ يُرْجَى إِنْ حَمَلْت أَنْ يَكُون وَلَدًا صَالِحًا " وَاخْتُلِفَ فِي الضَّرَر الْمَنْفِيّ بَعْد الِاتِّفَاق عَلَى مَا نَقَلَ عِيَاض عَلَى عَدَم الْحَمْل عَلَى الْعُمُوم فِي أَنْوَاع الضَّرَر ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِي الْحَمْل عَلَى عُمُوم الْأَحْوَال مِنْ صِيغَة النَّفْي مَعَ التَّأْبِيد ، وَكَانَ سَبَب ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ فِي بَدْء الْخَلْق " إِنَّ كُلّ بَنِي آدَم يَطْعَن الشَّيْطَان فِي بَطْنه حِين يُولَد إِلَّا مَنْ اِسْتَثْنَى " فَإِنَّ فِي هَذَا الطَّعْن نَوْع ضَرَر فِي الْجُمْلَة ، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ سَبَب صُرَاخه . ثُمَّ اِخْتَلَفُوا فَقِيلَ : الْمَعْنَى لَمْ يُسَلَّط عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ بَرَكَة التَّسْمِيَة ، بَلْ يَكُون مِنْ جُمْلَة الْعِبَاد الَّذِينَ قِيلَ فِيهِمْ ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَك عَلَيْهِمْ سُلْطَان ) وَيُؤَيِّدهُ مُرْسَل الْحَسَن الْمَذْكُور ، وَقِيلَ الْمُرَاد لَمْ يُطَعْنَ فِي بَطْنه ، وَهُوَ بَعِيد لِمُنَابَذَتِهِ ظَاهِر الْحَدِيث الْمُتَقَدِّم ، وَلَيْسَ تَخْصِيصه بِأَوْلَى مِنْ تَخْصِيص هَذَا ، وَقِيلَ الْمُرَاد لَمْ يَصْرَعهُ ، وَقِيلَ لَمْ يَضُرّهُ فِي بَدَنه ، وَقَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : يَحْتَمِل أَنْ لَا يَضُرّهُ فِي دِينه أَيْضًا ، وَلَكِنْ يُبْعِدهُ اِنْتِفَاء الْعِصْمَة . وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ اِخْتِصَاص مَنْ خُصَّ بِالْعِصْمَةِ بِطَرِيقِ الْوُجُوب لَا بِطَرِيقِ الْجَوَاز ، فَلَا مَانِع أَنْ يُوجَد مَنْ لَا يَصْدُر مِنْهُ مَعْصِيَة عَمْدًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَاجِبًا لَهُ ، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ مَعْنَى " لَمْ يَضُرّهُ " أَيْ لَمْ يَفْتِنهُ عَنْ دِينه إِلَى الْكُفْر ، وَلَيْسَ الْمُرَاد عِصْمَته مِنْهُ عَنْ الْمَعْصِيَة ، وَقِيلَ لَمْ يَضُرّهُ بِمُشَارَكَةِ أَبِيهِ فِي جِمَاع أُمّه كَمَا جَاءَ عَنْ مُجَاهِد " أَنَّ الَّذِي يُجَامِع وَلَا يُسَمِّي يَلْتَفّ الشَّيْطَان عَلَى إِحْلِيله فَيُجَامِع مَعَهُ " وَلَعَلَّ هَذَا أَقْرَب الْأَجْوِبَة ، وَيَتَأَيَّد الْحَمْل عَلَى الْأَوَّل بِأَنَّ الْكَثِير مِمَّنْ يَعْرِف هَذَا الْفَضْل الْعَظِيم يَذْهَل عَنْهُ عِنْد إِرَادَة الْمُوَاقَعَة وَالْقَلِيل الَّذِي قَدْ يَسْتَحْضِرهُ وَيَفْعَلهُ لَا يَقَع مَعَهُ الْحَمْل ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ نَادِرًا لَمْ يَبْعُد . وَفِي الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد أَيْضًا اِسْتِحْبَاب التَّسْمِيَة وَالدُّعَاء وَالْمُحَافَظَة عَلَى ذَلِكَ حَتَّى فِي حَالَة الْمَلَاذ كَالْوِقَاعِ ، وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّف فِي كِتَاب الطَّهَارَة وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ . وَفِيهِ الِاعْتِصَام بِذِكْرِ اللَّه وَدُعَائِهِ مِنْ الشَّيْطَان وَالتَّبَرُّك بِاسْمِهِ وَالِاسْتِعَاذَة بِهِ مِنْ جَمِيع الْأَسْوَاء وَفِيهِ الِاسْتِشْعَار بِأَنَّهُ الْمُيَسِّر لِذَلِكَ الْعَمَل وَالْمُعِين عَلَيْهِ . وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ الشَّيْطَان مُلَازِم لِابْنِ آدَم لَا يَنْطَرِدُ عَنْهُ إِلَّا إِذَا ذَكَرَ اللَّه . وَفِيهِ رَدّ عَلَى مَنْعِ الْمُحْدِث أَنْ يَذْكُر اللَّه ، وَيَخْدِش فِيهِ الرِّوَايَة الْمُتَقَدِّمَة " إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ " وَهُوَ نَظِير مَا وَقَعَ مِنْ الْقَوْل عِنْد الْخَلَاء ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّف ذَلِكَ وَأَشَارَ إِلَى الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا " إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُل " وَتَقَدَّمَ الْبَحْث فِيهِ فِي كِتَاب الطَّهَارَة بِمَا يُغْنِي عَنْ إِعَادَته
شرح ابن بطال - (ج 13 / ص 279)
قال المهلب: فيه أن الدعاء يصرف البلاء ويعتصم به من نزعات الشيطان وأذاه. قال الطبرى: فإذا قال ذلك عند جماع أهله كان قد اتبع سنة النبى - صلى الله عليه وسلم - ، ورجونا له دوام الألفة، وينبغى أن يفعل ذلك عند إتيانه مملوكته مثل الذى ينبغى أن يفعله عند إتيانه زوجته، إذ يمكن أن يحدث بينهما ولد.
قال المهلب: واختلف العلماء فى هذا الضرر المدفوع بهذا الدعاء من الشيطان ما هو؟ فقال قوم: إنه الطعن الذى يطعن الشيطان المولود عند الولادة الذى عصم منه عيسى، عليه السلام، فطعن شيطانه فى الحجاب لما استعاذت منه أمه. وقيل: هو ألا يصرع ذلك المولود الذى يذكر اسم الله عليه ويستعاذ من الشيطان عند جماع أمه، وكلا الوجهين جائز، والله أعلم بالأولى منهما، ولا يجوز أن يكون الضرر الذى يكفاه من الشيطان كل ما يجوز أن يكون من الشيطان، فلو عصم أحد من ضرر الشيطان لعصم منه النبى، عليه السلام، وقد اعترض عليه فى الصلاة والقراءة.
موسوعة الأسرة المسلمة معدلة - (ج 13 / ص 409)
العاشر: في آداب الجماع. ويستحب أن يبدأ باسم الله تعالى قال عليه الصلاة والسلام: "لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا. فإن كان بينهما ولد لم يضره الشيطان". [متفق عليه]. ثم ينحرف عن القبلة ولا يستقبل القبلة بالوقاع إكراماً للقبلة، وليغط نفسه وأهله بثوب وليقدم التلطف بالكلام والتقبيل ومن العلماء من استحب الجماع يوم الجمعة وليلته تحقيقاً لأحد التأويلين من قوله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله من غسل واغتسل" [أخرجه الأربعة] الحديث. ثم إذا قضى وطره فليتمهل على أهله حتى تقضي هي أيضاً نهمتها، فإن إنزالها ربما يتأخر فتهيج شهوتها، ثم القعود عنها إيذاء لها، والاختلاف في طبع الإِنزال يوجب التنافر مهما كان الزوج سابقاً إلى الإِنزال، والتوافق في وقت الإِنزال ألذ عندها ليشتغل الرجل بنفسه عنها، فإنها ربما تستحيي. وينبغي أن يأتيها في كل أربع ليال مرة فهو أعدل، إذ عدد النساء أربعة فجاز التأخير إلى هذا الحد، نعم ينبغي أن يزيد أو ينقص بحسب حاجتها في التحصين، فإن تحصينها واجب عليه، وإن كان لا تثبت المطالبة بالوطء فذلك لعسر المطالبة والوفاء بها، ولا يأتيها في المحيض.(1/79)
134-7790 أَخْبَرَنَا هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ " قَالَ : " بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي الشَّيْطَانُ ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا ، ثُمَّ قُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ " قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ : هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ(1)
__________
(1) - قلت : أما متن الحديث فصحيح ، وإنما حكم عليه النسائي رحمه الله بالنكاره بسبب سنده لأن المشهور أنه من رواية كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس فخالفت هذه الرواية المشهور في السند ، وقد يكون المقصود بالنكاره عند الأقدمين التفرد ليس إلا(1/80)
طَوَافُ الرَّجُلِ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ
135- 7791 أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ ، قَاضِي الْبَصْرَةِ قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ دَاوُدَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ : " أَطُوفُ اللَّيْلَةَ عَلَى مِائَةِ امْرَأَةٍ ، فَتَأْتِي كُلُّ امْرَأَةٍ بِرَجُلٍ يَضْرِبُ بِالسَّيْفِ ، وَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَطَافَ عَلَيْهِنَّ ، فَجَاءَتْ وَاحِدَةٌ بِنِصْفِ وَلَدٍ " وَلَوْ قَالَ سُلَيْمَانُ : " إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَكَانَ مَا قَالَ "(1)
136-7792 أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : أَخْبَرَنَا مُعَاذٌ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِي السَّاعَةِ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ قُلْتُ لِأَنَسٍ : " هَلْ كَانَ يُطِيقُ ذَلِكَ ؟ " قَالَ : " كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلَاثِينَ "(2)
137-7793 أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ وَهُوَ ابْنُ زُرَيْعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، أَنَّ أَنَسًا ، حَدَّثَهُمْ "أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ "(3)
----------------
(1) - أحمد برقم(7336و10860) صحيح
(2) - البخاري (268)وأحمد برقم(14473) وابن خزيمة برقم(233) والمسند الجامع برقم(284)
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 16 / ص 119)
قوة النبي صلى الله عليه وسلم شاملة لجميع أنواع القوة رقم الفتوى:26115تاريخ الفتوى:09 شوال 1423السؤال : أعلم أن النبي قوي فهل هو أقوى رجل ؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى قد أمد نبيه صلى الله عليه وسلم بقوة عظيمة وطاقة هائلة لا يفوقه في ذلك أحد.
وقوة النبي صلى الله عليه وسلم شاملة لجميع أنواع القوة: المادية الظاهرية، والمعنوية الخفية.
فهو صلى الله عليه وسلم قوي البنية قوي الإرادة قوي الشخصية شديد التأثير على الآخرين.
يتضح ذلك في سيرته وفي حياته كلها، فمواقفه وتصرفاته ومعاملاته مع الأصدقاء والأعداء تتجلى فيها هذه القوة المعنوية الخارقة.
ومن أمثلة قوته المعنوية تأثيره على قريش وهو في شبابه قبل البعثة حيث حكموه وسلموا له أمراً كادوا ويقتتلون بسببه، وهو وضع الحجر الأسود في مكانه من البيت الحرام عند تجديدهم لبنائه، والناس دائماً لا ينقادون إلا لمن يفوقهم.
ومن أمثلة قوته المادية أن الصحابة عندما عجزوا يوم الخندق عن كسر صخرة عظيمة عرضت لهم في طريق الحفر استنجدوا به صلى الله عليه وسلم، فأخذ المعول وضربها حتى عادت كثيباً أهيل.... كما في البخاري. وكذلك قصة مصارعته مع ركانة وهو أقوى رجل بمكة، والقصة في سنن أبي داود، وكذلك ما جاء في البخاري أنه صلى الله عليه وسلم، كان يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهن إحدى عشرة، قال أنس: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين، وفي رواية قوة أربعين. إلى غير ذلك من مظاهر قوته صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.
(3) - البخاري برقم(284و 268 و 5068 و 5215 ) ونص برقم(3211)
فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 448)
قَوْله : ( أَنَّ النَّبِيَّ ) وَفِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيّ وَكَرِيمَة " أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَام عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِرَقْمِ " 268 " فِي بَابِ إِذَا جَامَعَ ثُمَّ عَادَ وَإِيرَاده لَهُ فِي هَذَا الْبَابِ يُقَوِّي رِوَايَة " وَغَيْره " بِالْجَرِّ ؛ لِأَنَّ حُجَرَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ مُتَقَارِبَة فَهُوَ مُحْتَاجٌ فِي الدُّخُولِ فِي هَذِهِ إِلَى هَذِهِ إِلَى الْمَشْيِ وَعَلَى هَذَا فَنَاسَبَهُ إِيرَادُ أَثَرِ عَطَاء مِنْ جِهَةِ الِاشْتِرَاكِ فِي جَوَازِ تَشَاغُل الْجُنُب بِغَيْرِ غُسْل وَقَدْ خَالَفَ عَطَاء غَيْره كَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْره فَقَالُوا : يُسْتَحَبُّ لَهُ الْوُضُوء وَحَدِيث أَنَس يُقَوِّي اِخْتِيَارَ عَطَاءٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَوْرَدَهُ لِيَسْتَدِلّ لَهُ لَا لِيَسْتَدِلّ بِهِ .
شرح سنن النسائي - (ج 4 / ص 453)
3147 -
حَاشِيَةُ السِّنْدِيِّ :
قَوْله ( يَطُوف عَلَى نِسَائِهِ ) أَيْ يَدْخُل عَلَيْهِنَّ إِمَّا لِعَدَمِ وُجُوب الْقَسَم عَلَيْهِ صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ كَانَ ذَلِكَ عِنْد قُدُومه مِنْ سَفَر قَبْل تَقْرِير الْقَسْمِ أَوْ عِنْد تَمَام الدَّوَرَان عَلَيْهِنَّ وَابْتِدَاء دَوْر آخِر أَوَكَانَ ذَلِكَ عِنْد إِذْن صَاحِبَة النَّوْبَة وَإِلَّا فَوَطْء الْمَرْأَة فِي نَوْبَة ضَرَّتهَا مَمْنُوع مِنْهُ .
فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 422)
قَوْله : ( فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ )
الْمُرَاد بِهَا قَدْر مِنْ الزَّمَانِ لَا مَا اِصْطَلَحَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْهَيْئَةِ .
قَوْله : ( مِنْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ )
الْوَاو بِمَعْنَى " أَوْ " جَزَمَ بِهِ الْكَرْمَانِيّ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَلَى بَابِهَا بِأَنْ تَكُونَ تِلْكَ السَّاعَة جُزْءًا مِنْ آخِرِ أَحَدهمَا وَجُزْءًا مِنْ أَوَّلِ الْآخَرِ .
قَوْله : ( وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ )
قَالَ اِبْن خُزَيْمَة : تَفَرَّدَ بِذَلِكَ مُعَاذ بْن هِشَام عَنْ أَبِيهِ وَرَوَاهُ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة وَغَيْرُهُ عَنْ قَتَادَة فَقَالُوا " تِسْع نِسْوَة " . اِنْتَهَى . وَقَدْ أَشَارَ الْبُخَارِيّ إِلَى رِوَايَةِ سَعِيد بْن أَبِي عَرُوبَة فَعَلَّقَهَا هُنَا وَوَصَلَهَا بَعْد اِثْنَيْ عَشَر بَابًا بِلَفْظ " كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْع نِسْوَة " وَقَدْ جَمَعَ اِبْن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى حَالَتَيْنِ لَكِنَّهُ وَهِمَ فِي قَوْلِهِ " أَنَّ الْأُولَى كَانَتْ فِي أَوَّلِ قُدُومِهِ الْمَدِينَة حَيْثُ كَانَ تَحْتَهُ تِسْع نِسْوَة وَالْحَالَةَ الثَّانِيَةَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ حَيْثُ اِجْتَمَعَ عِنْدَهُ إِحْدَى عَشْرَةَ اِمْرَأَة " وَمَوْضِع الْوَهْم مِنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُ اِمْرَأَةٌ سِوَى سَوْدَة ثُمَّ دَخَلَ عَلَى عَائِشَة بِالْمَدِينَةِ ثُمَّ تَزَوَّجَ أُمّ سَلَمَة وَحَفْصَةَ وَزَيْنَب بِنْت خُزَيْمَة فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ ثُمَّ تَزَوَّجَ زَيْنَب بِنْت جَحْش فِي الْخَامِسَةِ ثُمَّ جُوَيْرِيَة فِي السَّادِسَةِ ثُمَّ صَفِيَّة وَأُمّ حَبِيبَة وَمَيْمُونَة فِي السَّابِعَةِ وَهَؤُلَاءِ جَمِيع مَنْ دَخَلَ بِهِنَّ مِنْ الزَّوْجَاتِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَاخْتُلِفَ فِي رَيْحَانَةَ وَكَانَتْ مِنْ سَبْيِ بَنِي قُرَيْظَة فَجَزَمَ اِبْن إِسْحَاق بِأَنَّهُ عَرَضَ عَلَيْهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَيَضْرِبَ عَلَيْهَا الْحِجَاب فَاخْتَارَتْ الْبَقَاءَ فِي مِلْكِهِ وَالْأَكْثَر عَلَى أَنَّهَا مَاتَتْ قَبْلَهُ فِي سَنَة عَشْر وَكَذَا مَاتَتْ زَيْنَب بِنْت خُزَيْمَة بَعْدَ دُخُولِهَا عَلَيْهِ بِقَلِيل قَالَ ابْن عَبْدِ الْبَرِّ : مَكَثَتْ عِنْدَهُ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَة . فَعَلَى هَذَا لَمْ يَجْتَمِعْ عِنْدَهُ مِنْ الزَّوْجَاتِ أَكْثَر مِنْ تِسْع مَعَ أَنَّ سَوْدَة كَانْت وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَة كَمَا سَيَأْتِي فِي مَكَانِهِ فَرَجَحَتْ رِوَايَةُ سَعِيد . لَكِنْ تُحْمَلُ رِوَايَةُ هِشَام عَلَى أَنَّهُ ضَمَّ مَارِيَة وَرَيْحَانَة إِلَيْهِنَّ وَأَطْلَقَ عَلَيْهِنَّ لَفْظَ " نِسَائِهِ " تَغْلِيبًا . وَقَدْ سَرَدَ الدِّمْيَاطِيّ - فِي السِّيرَةِ الَّتِي جَمَعَهَا - مَنْ اِطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ أَزْوَاجِهِ مِمَّنْ دَخَلَ بِهَا أَوْ عَقَدَ عَلَيْهَا فَقَطْ أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ خَطَبَهَا وَلَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهَا فَبَلَغَتْ ثَلَاثِينَ وَفِي الْمُخْتَارَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَس " تَزَوَّحَ خَمْس عَشْرَة : دَخَلَ مِنْهُنَّ بِإِحْدَى عَشْرَةَ وَمَاتَ عَنْ تِسْع " . وَسَرَدَ أَسْمَاءَهُنَّ أَيْضًا أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيّ ثُمَّ مُغَلْطَايْ فَزِدْنَ عَلَى الْعَدَدِ الَّذِي ذَكَرَهُ الدِّمْيَاطِيُّ وَأَنْكَرَ اِبْن الْقَيِّمِ ذَلِكَ . وَالْحَقُّ أَنَّ الْكَثْرَةَ الْمَذْكُورَةَ مَحْمُولَة عَلَى اِخْتِلَافٍ فِي بَعْضِ الْأَسْمَاءِ وَبِمُقْتَضَى ذَلِكَ تَنْقُصُ الْعِدَّة . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
قَوْله : ( أَوَكَانَ )
بِفَتْحِ الْوَاوِ هُوَ مَقُول قَتَادَة وَالْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ وَمُمَيَّز ثَلَاثِينَ مَحْذُوفٌ أَيْ ثَلَاثِينَ رَجُلًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى مِنْ مُعَاذ بْن هِشَام " أَرْبَعِينَ " بَدَل ثَلَاثِينَ وَهِيَ شَاذَّةٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَكِنْ فِي مَرَاسِيل طَاوُس مِثْل ذَلِكَ وَزَادَ " فِي الْجِمَاعِ " وَفِي صِفَةِ الْجَنَّةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيق مُجَاهِد مِثْله وَزَادَ " مِنْ رِجَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ " وَمِنْ حَدِيثِ عَبْد اللَّه بْن عُمَر وَرَفَعَهُ " أُعْطِيت قُوَّة أَرْبَعِينَ فِي الْبَطْشِ وَالْجِمَاعِ " وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ زَيْد بْن أَرْقَم رَفَعَهُ " إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُعْطَى قُوَّة مِائَة فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَالشَّهْوَةِ " فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حِسَاب قُوَّة نَبِيِّنَا أَرْبَعَة آلَاف .
شرح ابن بطال - (ج 13 / ص 336)
قد تقدم هذا الباب فى كتاب الطهارة، وأنه يحتمل أن يكون فعل ذلك حين إقباله من سفره حيث لا قسمة تلزمه؛ لأنه حينئذ لا تكون منهن واحدة أولى بالابتداء من صاحبتها، فلما استوت حقوقهن جمعهن كلهن فى ليلة، ثم استأنف القسمة بعد ذلك، ويحتمل أن يكون ذلك بطيب أنفس أزواجه وإذنهن فيه، يدل على ذلك سؤاله أزواجه أن يمرض فى بيت عائشة، حكاه ابن المنذر، عن أبى عبيد.
قال المهلب: يحتمل أن يكون ذلك فى يوم يقرع فيه بالقسمة بين أزواجه، فيقرع هذا اليوم لهن كلهن يجمعهن فيه، ثم يستأنف بعده القسمة، والله أعلم. إلا أن هذا من فعل النبى - صلى الله عليه وسلم - فى القسم بينهن شىء تبرع به وتطوع لما جبله الله عليه من العدل؛ لأن الله قد رفع عنه مئونة القسمة بينهن بقوله: {ترجى من تشاء منهن وتئوى إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك} [الأحزاب: 51].
ولا يجوز عند جماعة العلماء أن يطأ الرجل امرأته فى ليلة أخرى، وإنما يجوز فى الإماء حيث لا قسمة لهن. قال ابن حبيب: وإذا وطئ الرجل إحدى امرأتيه فى يومها، ثم أراد أن يطأ الأخرى قبل أن يغتسل، فحللت امرأته التى لها ذلك اليوم فلا بأس به، ويكره للرجل أن يجمع بين امرأتيه من نسائه فى فراش واحد وإن رضيتا به، لكن لا يجوز أن يطأ إحداهما والأخرى معه فى البيت وإن لم تسمع ذلك.
قال ابن الماجشون: ويكره أن تكون معه فى البيت بهيمة أو حيوان، وكان ابن عمر إذا فعل ذلك أخرج كل من عنده فى البيت، حتى الصبى الممهود، ولا بأس أن يطأ امرأته الحرة، ثم يطأ أمته قبل أن يغتسل، ولا بأس أن يطأ أمته، ثم يطأ امرأته قبل أن يغتسل.
قال غيره: لما جاز أن يطأ امرأته مرتين وثلاثًا، ثم يغتسل فى آخر ذلك إذا حضر وقت الصلاة جاز له أن يطأ امرأتين فى ليلة إذا أذنت له صاحبة الليلة ويغتسل غُسلاً واحدًا، كما طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على نسائه فى غسل واحد فى ليلة.
قال ابن الماجشون: ولا يجب على الرجل غشيان امرأتيه جميعًا فى ليلتهما، ولا بأس أن يغشى إحداهما ويكف عن الأخرى ما لم يرد به الضرر والميل.
سبل السلام - (ج 5 / ص 58)
( وَعَنْ أَنَسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ } .
أَخْرَجَاهُ ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي بَابِ الْغُسْلِ ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْقَسْمُ بَيْنَ نِسَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَاجِبًا ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ : إنَّهُ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعَةٌ مِنْ النَّهَارِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهَا الْقَسْمُ ، وَهِيَ بَعْدَ الْعَصْرِ فَإِنْ اشْتَغَلَ عَنْهَا كَانَتْ بَعْدَ الْمَغْرِبِ ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا انْصَرَفَ مِنْ الْعَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ فَيَدْنُو مِنْ إحْدَاهُنَّ } فَقَوْلُهَا فَيَدْنُو يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِلْوِقَاعِ إلَّا أَنَّ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ مِنْ غَيْرِ وِقَاعٍ فَهُوَ لَا يَتِمُّ مَأْخَذًا لِابْنِ الْعَرَبِيِّ ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ } ، وَلَا يَتِمُّ أَنْ يُرَادَ بِاللَّيْلَةِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ كَمَا قَالَهُ لِأَنَّهُ لَا يَتَّسِعُ ذَلِكَ الْوَقْتُ سِيَّمَا مَعَ الِانْتِظَارِ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ لِفِعْلِ ذَلِكَ كَذَا قِيلَ ، وَهُوَ مُجَرَّدُ اسْتِبْعَادٍ ، وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ اتِّسَاعُهُ لِذَلِكَ فَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ أَوْ لِأَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةً فِي ذَلِكَ لَمْ يُعْطَهَا غَيْرُهُ ، وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ أَنَّهُ كَانَ لَا يَجِبُ الْقَسْمُ عَلَيْهِ لِنِسَائِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى { تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ } - الْآيَةَ ، وَذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَسْمُ ، وَتَأَوَّلُوا هَذَا الْحَدِيثَ بِأَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِرِضَاءِ صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ ، وَبِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ فِعْلَهُ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الْقَسْمِ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْقِسْمَةَ ،وَبِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ وُجُوبِ الْقَسْمِ ، وَقَوْلُهُ ( { وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ } ) فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ { وَهُنَّ إحْدَى عَشْرَةَ } ، وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ " تِسْعُ " نَظَرًا إلَى الزَّوْجَاتِ اللَّاتِي اجْتَمَعْنَ عِنْدَهُ ، وَلَمْ يَجْتَمِعْ عِنْدَهُ أَكْثَرُ مِنْ تِسْعٍ ، وَأَنَّهُ مَاتَ عَنْ تِسْعٍ كَمَا قَالَ أَنَسٌ أَخْرَجَهُ الضِّيَاءُ عَنْهُ فِي الْمُخْتَارَةِ ، وَمَنْ قَالَ إحْدَى عَشْرَةَ أَدْخَلَ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةَ ، وَرَيْحَانَةَ فِيهِنَّ ، وَأَطْلَقَ عَلَيْهِمَا لَفْظَ نِسَائِهِ تَغْلِيبًا .
وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَكْمَلَ الرِّجَالِ فِي الرُّجُولِيَّةِ حَيْثُ كَانَ لَهُ هَذِهِ الْقُوَّةُ ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ { أَنَّهُ كَانَ لَهُ قُوَّةُ ثَلَاثِينَ رَجُلًا } ، وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ { قُوَّةُ أَرْبَعِينَ } ، وَمِثْلُهُ لِأَبِي نُعَيْمٍ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ ، وَزَادَ مِنْ رِجَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ ، وَالنَّسَائِيُّ ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ { أَنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَنَّةِ لَيُعْطَى قُوَّةَ مِائَةٍ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَالشَّهْوَةِ } .
نيل الأوطار - (ج 10 / ص 48)
بَابُ الْعَدَدِ الْمُبَاحِ لِلْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَمَا خُصَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ 2707 - ( عَنْ قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ : { أَسْلَمْتُ وَعِنْدِي ثَمَانِ نِسْوَةٍ ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ : اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ ) 2708 - ( وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : يَنْكِحُ الْعَبْدُ امْرَأَتَيْنِ ، وَيُطَلِّقُ تَطْلِيقَتَيْنِ ، وَتَعْتَدُّ الْأَمَةُ حَيْضَتَيْنِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ ) .
2709 - ( وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ } وَفِي رِوَايَةٍ : { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُنَّ إحْدَى عَشْرَةَ ، قُلْتُ لِأَنَسٍ : وَكَانَ يُطِيقُهُ ؟ قَالَ : كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلَاثِينَ } رَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ )
الشَّرْحُ
حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ فِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيّ : وَلَا أَعْلَمُ لِلْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ حَدِيثًا غَيْرَ هَذَا وَقَالَ أَبُو عُمَرَ النَّمَرِيُّ : لَيْسَ لَهُ إلَّا حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَلَمْ يَأْتِ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ وَفِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ حَدِيثُ غَيْلَانَ الثَّقَفِيِّ لَمَّا أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ ، وَسَيَأْتِي فِي بَابِ مَنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ هُنَالِكَ وَفِي الْبَابِ عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ { أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ خَمْسُ نِسْوَةٍ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ الْأُخْرَى } وَفِي إسْنَادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ : حَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ : أَسْلَمْت فَذَكَرَهُ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ وَأَثَرُ عُمَرَ يُقَوِّيهِ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّهُ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْكِحُ الْعَبْدُ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ رَوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَمَاهِيرِ التَّابِعِينَ عَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ وَغَيْرِهِمْ قَوْلُهُ : ( اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْجُمْهُورُ عَلَى تَحْرِيمِ الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعٍ وَذَهَبَتْ الظَّاهِرِيَّةُ إلَى أَنَّهُ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ تِسْعًا ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ قَوْله تَعَالَى : { مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ - إلَّا بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنْ الْعَدْلِ - تِسْعٌ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَالْعِمْرَانِيِّ وَبَعْضِ الشِّيعَةِ وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَأَنْكَرَ الْإِمَامُ يَحْيَى الْحِكَايَةَ عَنْهُ ، وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ الظَّاهِرِيَّةِ وَقَوْمٍ مَجَاهِيلَ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ الْمَذْكُورِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْمَقَالِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ غَيْلَانَ الثَّقَفِيِّ بِمَا سَيَأْتِي فِيهِ مِنْ الْمَقَالِ وَكَذَلِكَ أَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بِمَا قَدَّمْنَا مِنْ كَوْنِ فِي إسْنَادِهِ مَجْهُولٌ ، قَالُوا : وَمِثْلُ هَذَا الْأَصْلِ الْعَظِيمِ لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ ، وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ تِسْعٍ أَوْ إحْدَى عَشْرَةَ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } وَأَمَّا دَعْوَى اخْتِصَاصِهِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ فَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَلَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى : { مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } فَالْوَاوُ فِيهِ لِلْجَمْعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ وَأَيْضًا لَفْظُ : مَثْنَى ، مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ اثْنَيْنِ ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى تَنَاوُلِ مَا كَانَ مُتَّصِفًا مِنْ الْأَعْدَادِ بِصِفَةِ الِاثْنَيْنِيَّةِ وَإِنْ كَانَ فِي غَايَةِ الْكَثْرَةِ الْبَالِغَةِ إلَى مَا فَوْقَ الْأُلُوفِ ، فَإِنَّك تَقُولُ : جَاءَنِي الْقَوْمُ مَثْنَى : أَيْ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ ، وَهَكَذَا ثُلَاثُ وَرُبَاعُ ، وَهَذَا مَعْلُومٌ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ ، فَالْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ بِأَصْلِ الْوَضْعِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْ النِّسَاءِ اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ ، وَثَلَاثًا ثَلَاثًا ، وَأَرْبَعًا أَرْبَعًا ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ ذَلِكَ أَنْ لَا تَأْتِيَ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مِنْ الْعَدَدِ إلَّا بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ لِلطَّائِفَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُ يَصِحُّ لُغَةً وَعُرْفًا أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِأَلْفِ رَجُلٍ عِنْدَهُ : جَاءَنِي هَؤُلَاءِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ ، أَوْ ثَلَاثَةً ثَلَاثَةً ، أَوْ أَرْبَعَةً أَرْبَعَةً فَحِينَئِذٍ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ الزَّوَاجِ بِعَدَدٍ مِنْ النِّسَاءِ كَثِيرٍ سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَاوُ لِلْجَمْعِ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ ؛ لِأَنَّ خِطَابَ الْجَمَاعَةِ بِحُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ بِمَنْزِلَةِ الْخِطَابِ بِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، فَكَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ النَّاسِ : انْكِحْ مَا طَابَ لَك مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ، وَمَعَ هَذَا فَالْبَرَاءَةُ الْأَصْلِيَّةُ مُسْتَصْحَبَةٌ ، وَهِيَ بِمُجَرَّدِهَا كَافِيَةٌ فِي الْحِلِّ حَتَّى يُوجَدَ نَاقِلٌ صَحِيحٌ يَنْقُلُ عَنْهَا وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَجْمُوعَ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ لَا تَقْصُرُ عَنْ رُتْبَةِ الْحَسَنِ لِغَيْرِهِ فَتَنْتَهِضُ بِمَجْمُوعِهَا لِلِاحْتِجَاجِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا يَخْلُو عَنْ مَقَالٍ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ كَوْنُ الْأَصْلِ فِي الْفُرُوجِ الْحُرْمَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْخَطَّابِيِّ فَلَا يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا بِدَلِيلٍ وَأَيْضًا هَذَا الْخِلَافُ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْبَحْرِ وَقَالَ فِي الْفَتْحِ : اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزِّيَادَةَ عَلَى أَرْبَعِ نِسْوَةٍ يَجْمَعُ بَيْنَهُنَّ قَوْلُهُ : ( يَنْكِحُ الْعَبْدُ امْرَأَتَيْنِ ) قَدْ تَمَسَّكَ بِهَذَا مَنْ قَالَ : إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِعَبْدٍ أَنْ يَتَزَوَّجَ فَوْقَ اثْنَتَيْنِ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَالنَّاصِرِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَقُلْ بِحُجِّيَّتِهِ ، نَعَمْ لَوْ صَحَّ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ كَمَا أَسْلَفْنَا لَكَانَ دَلِيلًا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِحُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ وَلَكِنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَمُجَاهِدٍ وَرَبِيعَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَالِمٍ وَالْقَاسِمِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أَرْبَعًا كَالْحُرِّ ، حَكَى ذَلِكَ عَنْهُمْ صَاحِبُ الْبَحْرِ ، فَالْأَوْلَى الْجَزْمُ بِدُخُولِهِ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ } وَالْحُكْمُ لَهُ وَعَلَيْهِ بِمَا لِلْأَحْرَارِ وَعَلَيْهِمْ ، إلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ يَقْتَضِي الْمُخَالَفَةَ كَمَا فِي الْمَوَاضِعِ الْمَعْرُوفَةِ بِالتَّخَالُفِ بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا قَوْلُهُ : ( وَيُطَلِّقُ تَطْلِيقَتَيْنِ ) سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي طَلَاقِ الْعَبْدِ ، وَكَذَلِكَ يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى عِدَّةِ الْأَمَةِ قَوْلُهُ : ( تِسْعُ نِسْوَةٍ ) هُنَّ : " عَائِشَةُ وَسَوْدَةُ وَحَفْصَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ وَصْفِيَّةُ وَجُوَيْرِيَةُ وَأُمُّ حَبِيبَةَ وَمَيْمُونَةُ " هَؤُلَاءِ الزَّوْجَاتُ اللَّاتِي مَاتَ عَنْهُنَّ وَاخْتُلِفَ فِي رَيْحَانَةَ هَلْ كَانَتْ زَوْجَةً أَوْ سُرِّيَّةً ، وَهَلْ مَاتَتْ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَهُ ؟ وَدَخَلَ أَيْضًا بِخَدِيجَةَ وَلَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَتْ ، وَبِزَيْنَبِ أُمِّ الْمَسَاكِينِ وَمَاتَتْ فِي حَيَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ صَفِيَّةَ ، وَمَنْ بَعْدَهَا ، قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ : وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ { أَنَّهُ تَزَوَّجَ خَمْسَ عَشْرَةَ امْرَأَةً وَدَخَلَ مِنْهُنَّ بِإِحْدَى عَشْرَةَ وَمَاتَ عَنْ تِسْعٍ } فَقَدْ قَوَّاهُ الضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ قَالَ : وَأَمَّا مَنْ عَقَدَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَوْ خَطَبَهَا وَلَمْ يَعْقِدْ عَلَيْهَا فَضَبَطْنَا مِنْهُنَّ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ امْرَأَةً ، وَقَدْ حَرَّرْتُ ذَلِكَ فِي كِتَابِي فِي الصَّحَابَةِ وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالتَّلْخِيصِ الْحِكْمَةَ فِي تَكْثِيرِ نِسَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيُرَاجَعْ ذَلِكَ(1/80)
طَوَافُ الرَّجُلِ عَلَى نِسَائِهِ ، وَالِاغْتِسَالُ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ
138-7794 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا حَبَّانُ قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ فُلَانِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ ، عَنْ عَمَّتِهِ سُلْمَى ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ ذَاتَ يَوْمٍ فَجَعَلَ يَغْتَسِلُ عِنْدَ هَذِهِ وَعِنْدَ هَذِهِ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ جَعَلْتَهُ غُسْلًا وَاحِدًا قَالَ : " هَذَا أَزْكَى وَأَطْيَبُ وَأَطْهَرُ " (1)
__________
(1) - أخرجه أبو داود برقم( 219 ) وأحمد برقم(24591) والبيهقي برقم(1025) وإتحاف الخيرة برقم(668) وحسن إسناده وهو حديث حسن
عون المعبود - (ج 1 / ص 251)
189 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( يَغْتَسِل عِنْد هَذِهِ وَعِنْد هَذِهِ ) : بَعْد الْمُعَاوَدَة عَلَى حِدَة عَلَى حِدَة
( قَالَ ) : أَبُو رَافِع ( يَا رَسُول اللَّه أَلَا تَجْعَلهُ غُسْلًا وَاحِدًا ) : وَأَنْ لَا تَكْتَفِي عَلَى الْغُسْل الْوَاحِد فِي آخِر الْجِمَاع
( قَالَ هَذَا أَزْكَى وَأَطْيَب وَأَطْهَر ) : وَالْحَدِيث يَدُلّ عَلَى اِسْتِحْبَاب الْغُسْل قَبْل الْمُعَاوَدَة وَلَا خِلَاف فِيهِ . قَالَ النَّسَائِيُّ : لَيْسَ بَيْنه وَبَيْن حَدِيث أَنَس اِخْتِلَاف بَلْ كَانَ يَفْعَل هَذَا وَذَلِكَ أُخْرَى . اِنْتَهَى . وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شَرْح مُسْلِم : هُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ الْأَمْرَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ، وَاَلَّذِي قَالَاهُ هُوَ حَسَن جِدًّا وَلَا تَعَارُض بَيْنهمَا ، فَمَرَّة تَرَكَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانًا لِلْجَوَازِ وَتَخْفِيفًا عَلَى الْأُمَّة ، وَمَرَّة فَعَلَهُ لِكَوْنِهِ أَزْكَى وَأَطْهَر
( حَدِيث أَنَس ) : الْمُتَقَدِّم
( أَصَحّ مِنْ هَذَا ) : أَيْ مِنْ حَدِيث أَبِي رَافِع لِأَنَّ حَدِيث أَنَس مَرْوِيّ مِنْ طُرُق مُتَعَدِّدَة وَرُوَاته ثِقَات أَثْبَات ، وَرُوَاة حَدِيث أَبِي رَافِع لَيْسُوا بِهَذِهِ الْمَثَابَة وَقَوْل الْمُؤَلِّف هَذَا لَيْسَ بِطَعْنٍ فِي حَدِيث أَبِي رَافِع لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفِ الصِّحَّة عَنْهُ ، وَأَوْرَدَ حَدِيث أَبِي رَافِع فِي هَذَا الْبَاب لِأَنَّ الْغُسْل يَشْمَل الْوُضُوء أَيْضًا . قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ .
فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 420)
بَاب إِذَا جَامَعَ ثُمَّ عَادَ وَمَنْ دَارَ عَلَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ
قَوْله : ( بَاب إِذَا جَامَعَ ثُمَّ عَادَ ) أَيْ مَا حُكْمُهُ ، وَلِلْكُشْمِيهَنِيّ " عَاوَدَ " أَيْ الْجِمَاعَ ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِتِلْكَ الْمُجَامَعَةِ أَوْ غَيْرهَا وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ بَيْنَهُمَا لَا يَجِبُ وَيَدُلُّ عَلَى اِسْتِحْبَابِهِ حَدِيث أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَنْ أَبِي رَافِع " أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ ذَات يَوْمٍ عَلَى نِسَائِهِ يَغْتَسِلُ عِنْدَ هَذِهِ وَعِنْدَ هَذِهِ قَالَ فَقُلْت : يَا رَسُول اللَّهِ أَلَا تَجْعَلُهُ غُسْلًا وَاحِدًا ؟ قَالَ : هَذَا أَزْكَى وَأَطْيَب وَأَطْهَر " وَاخْتَلَفُوا فِي الْوُضُوءِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ أَبُو يُوسُف : لَا يُسْتَحَبُّ وَقَالَ الْجُمْهُور : يُسْتَحَبُّ . وَقَالَ اِبْن حَبِيب الْمَالِكِيّ وَأَهْلُ الظَّاهِر : يَجِبُ ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيد قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءًا " أَخْرَجَهُ مُسْلِم مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَفْصٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّل عَنْهُ . وَأَشَارَ اِبْن خُزَيْمَة إِلَى أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ حَمَلَهُ عَلَى الْوُضُوءِ اللُّغَوِيِّ فَقَالَ : الْمُرَادُ بِهِ غَسْل الْفَرْجِ ثُمَّ رَدَّهُ اِبْن خُزَيْمَة بِمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ اِبْن عُيَيْنَةَ عَنْ عَاصِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ " فَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءه لِلصَّلَاةِ " وَأَظُنُّ الْمُشَار إِلَيْهِ هُوَ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ فَقَدْ نَقَلَ اِبْن الْمُنْذِر عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : لَا بُدّ مِنْ غَسْلِ الْفَرْجِ إِذَا أَرَادَ الْعَوْدَ . ثُمَّ اِسْتَدَلَّ اِبْن خُزَيْمَة عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْوُضُوءِ لِلنَّدْبِ لَا لِلْوُجُوبِ بِمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَاصِمٍ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيد الْمَذْكُورِ كَرِوَايَةِ اِبْن عُيَيْنَةَ وَزَادَ " فَإِنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلْإِرْشَادِ أَوْ لِلنَّدْبِ . وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لِغَيْرِ الْوُجُوبِ مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْن عُقْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاق عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَة قَالَتْ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجَامِعُ ثُمَّ يَعُودُ وَلَا يَتَوَضَّأُ " .
شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 499)
بَاب جَوَازِ نَوْمِ الْجُنُبِ وَاسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ لَهُ وَغَسْلِ الْفَرْجِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَوْ يَنَامَ أَوْ يُجَامِعَ
قَوْله : ( بَاب جَوَاز نَوْم الْجُنُب وَاسْتِحْبَاب الْوُضُوء لَهُ وَغَسْلِ الْفَرْج إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُل أَوْ يَشْرَب أَوْ يَنَام أَوْ يُجَامِع )
فِيهِ حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا ( أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَام وَهُوَ جُنُب تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ قَبْل أَنْ يَنَام ) فِي رِوَايَة : ( إِذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُل أَوْ يَنَام تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ) وَفِي رِوَايَة عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ( يَا رَسُول اللَّه أَيَرْقُدُ أَحَدنَا وَهُوَ جُنُب ؟ قَالَ : نَعَمْ إِذَا تَوَضَّأَ ) . وَفِي رِوَايَة ( نَعَمْ ، لِيَتَوَضَّأ ثُمَّ لِيَنَمْ حَتَّى يَغْتَسِل إِذَا شَاءَ ) . وَفِي رِوَايَة : ( تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَك ثُمَّ نَمْ ) . وَفِي رِوَايَة ( أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا كَانَ جُنُبًا رُبَّمَا اِغْتَسَلَ فَنَامَ وَرُبَّمَا تَوَضَّأَ فَنَامَ ) . وَفِي رِوَايَة : ( إِذَا أَتَى أَحَدكُمْ أَهْله ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُود فَلْيَتَوَضَّأْ ، بَيْنهمَا وُضُوءًا ) وَفِي رِوَايَة : ( أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوف عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِد ) حَاصِل الْأَحَادِيث كُلّهَا أَنَّهُ يَجُوز لِلْجُنُبِ أَنْ يَنَام وَيَأْكُل وَيَشْرَب وَيُجَامِع قَبْل الِاغْتِسَال ، وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ بَدَن الْجُنُب وَعَرَقِهِ طَاهِرَانِ ، وَفِيهَا أَنَّهُ يُسْتَحَبّ أَنْ يَتَوَضَّأ ، وَيَغْسِل فَرْجه لِهَذِهِ الْأُمُور كُلّهَا ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا أَرَادَ جِمَاع مَنْ لَمْ يُجَامِعهَا ؛ فَإِنَّهُ يَتَأَكَّد اِسْتِحْبَاب غَسْلِ ذَكَرِهِ ، وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابنَا أَنَّهُ يُكْرَه النَّوْم وَالْأَكْل وَالشُّرْب وَالْجِمَاع قَبْل الْوُضُوء ، وَهَذِهِ الْأَحَادِيث تَدُلّ عَلَيْهِ ، وَلَا خِلَاف عِنْدنَا أَنَّهُ هَذَا الْوُضُوء لَيْسَ بِوَاجِبِ ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِك وَالْجُمْهُور ، وَذَهَبَ اِبْن حَبِيب مِنْ أَصْحَاب مَالِك إِلَى وُجُوبه ، وَهُوَ مَذْهَب دَاوُدَ الظَّاهِرِيّ ، وَالْمُرَاد بِالْوُضُوءِ وُضُوء الصَّلَاة الْكَامِل ، وَأَمَّا حَدِيث اِبْن عَبَّاس الْمُتَقَدِّم فِي الْبَاب قَبْله فِي الِاقْتِصَار عَلَى الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ ؛ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي الْجَنَابَة ، بَلْ فِي الْحَدَث الْأَصْغَر . وَأَمَّا حَدِيث أَبِي إِسْحَاق السُّبَيْعِيّ عَنْ الْأَسْوَد عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنَام وَهُوَ جُنُب وَلَا يَمَسّ مَاء ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ وَغَيْرهمْ ، فَقَالَ أَبُو دَاوُدَ : عَنْ يَزِيد بْن هَارُون وَهَمَ أَبُو إِسْحَاق فِي هَذَا ، يَعْنِي فِي قَوْله : لَا يَمَسّ مَاء . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ : يَرَوْنَ أَنَّ هَذَا غَلَط مِنْ أَبِي إِسْحَاق . وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ : طَعَنَ الْحُفَّاظ فِي هَذِهِ اللَّفْظَة ، فَبَانَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ ضَعْفُ الْحَدِيث ، وَإِذَا ثَبَتَ ضَعْفُهُ لَمْ يَبْقَ فِيهِ مَا يَتَعَرَّض بِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ ، وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ أَيْضًا مُخَالِفًا ، بَلْ كَانَ لَهُ جَوَابَانِ : أَحَدهمَا جَوَاب الْإِمَامَيْنِ الْجَلِيلَيْنِ أَبِي الْعَبَّاس بْن شُرَيْحٍ وَأَبِي بَكْر الْبَيْهَقِيِّ : أَنَّ الْمُرَاد لَا يَمَسّ مَاء لِلْغُسْلِ . وَالثَّانِي وَهُوَ عِنْدِي حَسَنٌ : أَنَّ الْمُرَاد أَنَّهُ كَانَ فِي بَعْض الْأَوْقَات لَا يَمَسّ مَاء أَصْلًا ، لِبَيَانِ الْجَوَاز . إِذْ لَوْ وَاظَبَ عَلَيْهِ لَتَوَهَّمَ وُجُوبه . وَاللَّهُ أَعْلَم .
وَأَمَّا طَوَافه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ فَيَحْتَمِل أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأ بَيْنَهُمَا ، أَوْ يَكُون الْمُرَاد بَيَان جَوَاز تَرْكِ الْوُضُوء ، وَقَدْ جَاءَ فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ ذَات لَيْلَة ، يَغْتَسِل عِنْد هَذِهِ وَعِنْد هَذِهِ ، فَقِيلَ : يَا رَسُول اللَّه ! أَلَا تَجْعَلهُ غُسْلًا وَاحِدًا ؟ فَقَالَ : " هَذَا أَزْكَى وَأَطْيَب وَأَطْهَر " قَالَ أَبُو دَاوُدَ : وَالْحَدِيث الْأَوَّل أَصَحّ ، قُلْت : وَعَلَى تَقْدِير صِحَّته ، يَكُون هَذَا فِي وَقْت وَذَاكَ فِي وَقْت . وَاللَّهُ أَعْلَم .
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي حِكْمَة هَذَا الْوُضُوء ، فَقَالَ أَصْحَابنَا : لِأَنَّهُ يُخَفِّف الْحَدَث ، فَإِنَّهُ يَرْفَع الْحَدَث عَنْ أَعْضَاء الْوُضُوء . وَقَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الْمَازِرِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : اُخْتُلِفَ فِي تَعْلِيله ، فَقِيلَ : لِيَبِيتَ عَلَى إِحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ خَشْيَة أَنْ يَمُوت فِي مَنَامه . وَقِيلَ : بَلْ لَعَلَّهُ أَنْ يَنْشَط إِلَى الْغُسْل إِذَا نَالَ الْمَاء أَعْضَاءَهُ . قَالَ الْمَازِرِيّ : وَيَجْرِي هَذَا الْخِلَاف فِي وُضُوء الْحَائِض قَبْل أَنْ تَنَام ، فَمَنْ عَلَّلَ بِالْمَبِيتِ عَلَى طَهَارَة اِسْتَحَبَّهُ لَهَا . هَذَا كَلَام الْمَازِرِيّ . وَأَمَّا أَصْحَابنَا فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبّ الْوُضُوء لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاء ؛ لِأَنَّ الْوُضُوء لَا يُؤَثِّر فِي حَدَثِهِمَا ، فَإِنْ كَانَتْ الْحَائِض قَدْ اِنْقَطَعَتْ حَيْضَتهَا صَارَتْ كَالْجُنُبِ . وَاللَّهُ أَعْلَم .
وَأَمَّا طَوَاف النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِد ، فَهُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ كَانَ بِرِضَاهُنَّ أَوْ بِرِضَى صَاحِبَة النَّوْبَة ، إِنْ كَانَتْ نَوْبَة وَاحِدَة ، وَهَذَا التَّأْوِيل يَحْتَاج إِلَيْهِ مَنْ يَقُول : كَانَ الْقَسْمُ وَاجِبًا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدَّوَام ، كَمَا يَجِب عَلَيْنَا ، وَأَمَّا مَنْ لَا يُوجِبهُ فَلَا يَحْتَاج إِلَى تَأْوِيل فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَل مَا يَشَاء . وَهَذَا الْخِلَاف فِي وُجُوب الْقَسْمِ هُوَ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا . وَاللَّهُ أَعْلَم .
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة فِي الْبَاب أَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَة لَيْسَ عَلَى الْفَوْر ، وَإِنَّمَا يَتَضَيّق عَلَى الْإِنْسَان عِنْد الْقِيَام إِلَى الصَّلَاة وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَصْحَابنَا فِي الْمُوجِب لِغُسْلِ الْجَنَابَة هَلْ حُصُول الْجَنَابَة بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ ؟ أَوْ إِنْزَال الْمَنِيّ ؟ أَمْ هُوَ الْقِيَام إِلَى الصَّلَاة ؟ أَمْ هُوَ حُصُول الْجَنَابَة مَعَ الْقِيَام إِلَى الصَّلَاة ؟ فِيهِ ثَلَاثَة أَوْجُه لِأَصْحَابِنَا ، وَمَنْ قَالَ : يَجِب بِالْجَنَابَةِ قَالَ : هُوَ وُجُوب مُوَسَّع ، وَكَذَا اِخْتَلَفُوا فِي مُوجِبِ الْوُضُوء ، هَلْ هُوَ الْحَدَث أَمْ الْقِيَام إِلَى الصَّلَاة أَمْ الْمَجْمُوع ؟ ، وَكَذَا اِخْتَلَفُوا فِي الْمُوجِب لِغُسْلِ الْحَيْض هَلْ هُوَ خُرُوج الدَّم أَمْ اِنْقِطَاعه ؟ وَاللَّهُ أَعْلَم .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 112 / ص 20)
آدَابُ الْوَطْءِ وَمُسْتَحَبَّاتُهُ: 10 - لَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ لِلْوَطْءِ آدَابًا وَمُسْتَحَبَّاتٍ، فَقَالُوا: أَ - يُسْتَحَبُّ الْبَدَاءَةُ بِالتَّسْمِيَةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ?وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ? [64] قَالَ عَطَاءٌ: هُوَ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الْجِمَاعِ [65] . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا" [66] . ب - كَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ الِانْحِرَافُ عَنِ الْقِبْلَةِ، فَلَا يَسْتَقْبِلْهَا بِالْوِقَاعِ إِكْرَامًا لَهَا [67] . ج - وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمُلَاعَبَةِ وَالضَّمِّ وَالتَّقْبِيلِ [68] . فَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُوَاقَعَةِ قَبْلَ الْمُلَاعَبَةِ" [69] . وَذَلِكَ لِتَنْهَضَ شَهْوَتُهَا، فَتَنَالَ مِنْ < 17 > لَذَّةِ الْجِمَاعِ مِثْلَ مَا نَالَهُ [70] . د - وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ مُرَاعَاةُ التَّوَافُقِ مَعَ حَلِيلَتِهِ فِي قَضَاءِ الْوَطَرِ، لِأَنَّ فِي تَعَجُّلِهِ فِي قَضَاءِ وَطَرِهِ قَبْلَ قَضَاءِ حَاجَتِهَا ضَرَرًا عَلَيْهَا وَمَنْعًا لَهَا مِنْ قَضَاءِ شَهْوَتِهَا [71] . فَقَدْ رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا: "إِذَا جَامَعَ أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَصْدُقْهَا، ثُمَّ إِذَا قَضَى حَاجَتَهُ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَ حَاجَتَهَا فَلَا يُعْجِلْهَا حَتَّى تَقْضِيَ حَاجَتَهَا" [72] . قَالَ الْغَزَالِيُّ: ثُمَّ إِذَا قَضَى وَطَرَهُ فَلْيَتَمَهَّلْ عَلَى أَهْلِهِ حَتَّى تَقْضِيَ هِيَ أَيْضًا نَهْمَتَهَا، فَإِنَّ إِنْزَالَهَا رُبَّمَا يَتَأَخَّرُ، فَتَهِيجُ شَهْوَتُهَا، ثُمَّ الْقُعُودُ عَنْهَا إِيذَاءٌ لَهَا، وَالِاخْتِلَافُ فِي طَبْعِ الْإِنْزَالِ يُوجِبُ التَّنَافُرَ مَهْمَا كَانَ الزَّوْجُ سَابِقًا إِلَى الْإِنْزَالِ، وَالتَّوَافُقُ فِي وَقْتِ الْإِنْزَالِ أَلَذُّ عِنْدَهَا [73] . هـ - وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَغَطَّى هُوَ وَأَهْلُهُ بِثَوْبٍ [74] ، حَيْثُ رَوَى عُتْبَةُ بْنُ عَبْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ فَلْيَسْتَتِرْ، وَلَا يَتَجَرَّدَا تَجَرُّدَ الْعَيْرَيْنِ" [75] . وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يُعَرِّيَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ عِنْدَ الْجِمَاعِ [76] . و - كَمَا يُسْتَحَبُّ غَضُّ الصَّوْتِ وَعَدَمُ الْإِكْثَارِ مِنَ الْكَلَامِ عِنْدَ الْجِمَاعِ [77] ، وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ وَطْءُ حَلِيلَتِهِ بِحَيْثُ يَرَاهُمَا أَوْ يَسْمَعُ حِسَّهُمَا أَوْ يُحِسُّ بِهِمَا أَحَدٌ غَيْرَ طِفْلٍ لَا يَعْقِلُ، وَلَوْ رَضِيَ الزَّوْجَانِ. وَذَلِكَ إِذَا كَانَا مَسْتُورِي الْعَوْرَةِ، وَإِلَّا حَرُمَ مَعَ انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ [78] . وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَطَأُ الرَّجُلُ أَمَتَهُ بِحَضْرَةِ زَوْجَتِهِ كَمَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ زَوْجَتِهِ بِحَضْرَةِ أَمَتِهِ، وَلَا بِحَضْرَةِ الضَّرَّةِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ: يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ وَطْءُ زَوْجَتِهِ بِحَضْرَةِ أَمَتِهِ أَوْ ضَرَّتِهَا [79] . < 18 > ز - وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُجَامِعَ مَرَّةً ثَانِيَةً أَنْ يَغْسِلَ فَرْجَهُ وَيَتَوَضَّأَ، وَالْغُسْلُ أَفْضَلُ [80] ؛ لِمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ" [81] . وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ" [82] . وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى نِسَائِهِ، يَغْتَسِلُ عِنْدَ هَذِهِ وَعِنْدَ هَذِهِ. فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلَا تَجْعَلُهُ غُسْلًا وَاحِدًا؟ قَالَ: هَذَا أَزْكَى وَأَطْيَبُ وَأَطْهَرُ" [83] . 11 - قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنِ اسْتَحَبَّ الْجِمَاعَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتَهُ [84] وَذَلِكَ تَحْقِيقًا لِأَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ فِي قَوْلِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَسَّلَ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ، وَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ - كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا" [85] .(1/81)
طَوَافُ الرَّجُلِ عَلَى نِسَائِهِ ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى غُسْلٍ وَاحِدٍ وَذِكْرُ الِاخْتِلَافِ عَلَى مَعْمَر في خبرِ أنسٍ في ذلكَ
139-7795 أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ "(1)
__________
(1) - الترمذي برقم(140) ونص برقم(266) وابن ماجة برقم(631) والبيهقي في السنن برقم(14466) وابن خزيمة برقم(231) صحيح
فتح الباري لابن رجب - (ج 2 / ص 31)
268- من رواية : هشام ، عن قتادة : ثنا أنس بن مالك ، قالَ : كانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار ، وهن إحدى عشرة .
قلت لأنس : أو كانَ يطيقه ؟ قالَ : كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين .
وقال سعيد ، عن قتادة : إن أنساً حدثهم : تسع نسوة .
ووجه الاستدلال من هذا الحديث : أن أنساً ذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ يدور على إحدى عشرة امرأة في ساعة واحدة من الليل والنهار ، وهذا يدل على أنه لم يغتسل عندَ كل واحدة ؛ فإن الساعة الواحدة لا تتسع للوطء إحدى عشرة مرة ، مع غسل إحدى عشرة مرة .
وقد ذكر البخاري اختلاف هشام وسعيد بن أبي عروبة على قتادة في عدد النسوة : فذكر هشام : أنهن إحدي عشرة ، وذكر سعيد : أنهن تسع .
وحديث سعيد ، قد خرجه البخاري -فيما بعد - ، وسيأتي قريباً - إن شاء الله تعالى .
وقد روى هذا الحديث معمر ، عن قتادة ، وذكر فيهِ: أن ذلك كانَ بغسل واحد .
خرجه الإمام أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجه ، من رواية سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ، عن أنس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ يطوف على نسائه في غسل واحد .
وقال الترمذي : حسن صحيح .
وإنما لم يخرج البخاري هذا ؛ لأن رواية معمر ، عن قتادة ليست بالقوية .
قالَ ابن أبي خيثمة : سمعت يحيى بن معين يقول : قالَ معمر : جلست إلى قتادة وأنا صغير ، فلم أحفظ عنه الأسانيد .
قالَ الدارقطني في (( العلل )) : معمر سيء الحفظ لحديث قتادة .
وقد روى هذا الحديث ابن عيينة ، عن معمر ، عن ثابت ، عن أنس، وهو وهم.
ورواه مصعب بن المقدام ، عن الثوري ، عن معمر ، عن حميد، عن أنس .
خرجه الطبراني .
وهو وهم .
ورواه ضمرة ، عن الثوري ، عن معمر ، عن حميد ، عن أنس .
وأخطأ في قوله : (( عن حميد )) - : قاله أبو زرعة .
وقد توبع عليهِ معمر من وجوه غير قوية :
فرويناه من طريق سفيان ، عن محمد بن حجادة ، عن قتادة ، عن أنس .
ورواه مسلمة بن علي الخشني -وهو ضعيف -، عن سعيد بن بشير، عن قتادة ، عن أنس ، قالَ : ربما طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - في الليلة الواحدة على ثنتي عشرة امرأة ، لا يمس في ذَلِكَ شيئاً من الماء .
ورواه صالح بن أبي الأخضر ، عن الزهري ، عن أنس ، قالَ : وضعت للنبي - صلى الله عليه وسلم - غسلاً ، فاغتسل من جميع نسائه في الليلة .
خرجه ابن ماجه .
ونقل الترمذي في (( كتاب العلل )) ، عن البخاري، أنه ضعفه من أجل صالح .
وخرجه أبو داود والنسائي ، من رواية إسماعيل بن علية : نا حميد عن أنس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف على نسائه في ليلة بغسل واحد
وخرجه مسلم في (( صحيحه ))، من رواية مسكين بن بكير، عن شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ يطوف على نسائه بغسل واحد.
وتابعه بقية بن الوليد ، فرواه ، عن شعبة -أيضاً .
خرجه من طريقه الإمام أحمد .
ولم يرض البخاري هذا الحديث ، من أجل مسكن بن بكير ؛ فإنه ليس بذاك .
قالَ الأثرم : قلت لأحمد : نظرت في حديث مسكين ، عن شعبة ، فإذا فيها خطأ . قالَ : أحمد من أين كانَ يضبط هوَ عن شعبة ؟!
قالَ البرديجي : لا يلتفت إلى رواية الفرد عن شعبة ، ممن ليس لهُ حفظ ولا تقدم في الحديث من أهل الإتقان .
وقد روي الأمر بالوضوء للمعاودة من رواية عاصم الأحول ، عن أبي المتوكل ، عن أبي سعيد الخدري ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ : (( إذا أتى أحدكم أهله ، ثم أراد أن يعود ، فليتوضأ )) .
خرجه مسلم .
وفي رواية : (( فليتوضأ بينهما وضوءاً )) .
وخرجه ابن خريمة والحاكم في (( صحيحيهما )) ، بزيادة في آخره ، وهي : (( فإنه أنشط للعود )) .
وخرجه ابن خزيمة -أيضاً- بلفظ آخر ، وهو : (( إذا أراد أحدكم أن يعود فليتوضأ وضوءه للصلاة )) - يعني : الذي يجامع ، ثم يعود قبل أن يغتسل .
وفي إسناده بعض اختلاف .
وقال الشافعي : روي فيهِ حديث ، وإن كانَ مما لا يثبت مثله .
واستحب أكثر العلماء الوضوء للمعاودة ، وهو مروي عن عمر وغيره ، وليس بواجب عندَ الأكثرين ، وأوجبه قليل من أهل الظاهر ونحوهم .
ومن العلماء من أنكر الوضوء ، وحمل الوضوء في هذا الحديث على التنظيف وغسل الفرج .
وقد قالَ إسحاق :غسل الفرج لابد منه .
والأكثرون على أن المعاودة من غير وضوء لا تكره ، وهو قول الحسن ومالك وأحمد وإسحاق .
وقد روي الاغتسال للمعاودة من حديث أبي رافع ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف على نسائه جميعاً في يوم واحد ، واغتسل عندَ كل واحدة منهن غسلاً .
فقلت : يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ألا تجعله غسلاً واحداً ؟ قالَ : (( إن هذا أزكى واطهر وأطيب )) .
خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه .
وفي إسناده بعض من لا يعرف حاله .
قالَ أبو داود : حديث أنس أصح من هذا .
يعني : حديثه في الغسل الواحد .
وفي هذا الباب أحاديث أخر ، أسانيدها ضعيفة .
تحفة الأحوذي - (ج 1 / ص 168)
130 - حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ
قَالَ وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ أَنْ لَا بَأْسَ أَنْ يَعُودَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ هَذَا عَنْ سُفْيَانَ فَقَالَ عَنْ أَبِي عُرْوَةَ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ عَنْ أَنَسٍ وَأَبُو عُرْوَةَ هُوَ مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ قَالَ أَبُو عِيسَى وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ أَبِي عُرْوَةَ عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ وَهُوَ خَطَأٌ وَالصَّحِيحُ عَنْ أَبِي عُرْوَةَ
130 - قَوْلُهُ : ( نا أَبُو أَحْمَدَ ) اِسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ دِرْهَمٍ الْأَنْصَارِيُّ الزُّبَيْرِيُّ مَوْلَاهُمْ الْكُوفِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ . قَالَ الْعِجْلِيُّ ثِقَةٌ يَتَشَيَّعُ وَقَالَ بُنْدَارٌ مَا رَأَيْت قَطُّ أَحْفَظَ مِنْ أَبِي أَحْمَدَ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ حَافِظٌ لِلْحَدِيثِ عَاقِلٌ مُجْتَهِدٌ لَهُ أَوْهَامٌ مَاتَ سَنَةَ ثُلَّاتٍ وَمِائَتَيْنِ
( نَا سُفْيَانُ ) هُوَ الثَّوْرِيُّ
( عَنْ مَعْمَرٍ )هُوَ اِبْنُ رَاشِدٍ الْأَزْدِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عُرْوَةَ الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ الْيَمَنِ . ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَاضِلٌ إِلَّا أَنَّ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ ثَابِتٍ وَالْأَعْمَشِ وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ شَيْئًا وَكَذَا فِيمَا حَدَّثَ بِهِ بِالْبَصْرَةِ مِنْ كِبَارِ السَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ .
قَوْلُهُ : ( كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ ) أَيْ يُجَامِعُهُنَّ ثُمَّ يَغْسِلُ غُسْلًا وَاحِدًا وَلِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ فِي لَيْلَةٍ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ . وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ بَيْنَ الْجِمَاعِينَ لَا يَجِبُ وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ ، وَيَدُلُّ عَلَى اِسْتِحْبَابِهِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى نِسَائِهِ يَغْتَسِلُ عِنْدَ هَذِهِ وَعِنْدَ هَذِهِ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَحْمِلُهُ غُسْلًا وَاحِدًا قَالَ هَذَا أَزْكَى وَأَطْيَبُ وَأَظْهَرُ فَإِنْ قِيلَ : أَقَلُّ الْقِسْمَةِ لَيْلَةٌ لِكُلِّ اِمْرَأَةٍ فَكَيْفَ طَافَ عَلَى الْجَمِيعِ ؟ فَالْجَوَابُ : أَنَّ وُجُوبَ الْقَسْمِ عَلَيْهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ بَلْ كَانَ يَقْسِمُ بِالتَّسْوِيَةِ تَبَرُّعًا وَتَكَرُّمًا وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى وُجُوبِهِ . وَكَانَ طَوَافُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِضَاهُنَّ ، وَقَالَ اِبْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ سَفَرٍ وَنَحْوِهِ فِي وَقْتٍ لَيْسَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمٌ مُعَيَّنٌ مَعْلُومٌ فَجَمَعَهُنَّ يَوْمَئِذٍ ثُمَّ دَارَ بِالْقَسْمِ عَلَيْهِنَّ بَعْدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ . لِأَنَّهُنَّ كُنَّ حَرَائِرَ وَسُنَّتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِنَّ الْعَدْلُ بِالْقَسْمِ وَأَنْ لَا يَمَسَّ الْوَاحِدَةَ فِي يَوْمِ الْأُخْرَى اِنْتَهَى .
قَوْلُهُ : ( وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ ) تَقَدَّمَ آنِفًا تَخْرِيجُهُ وَلَفْظُهُ
قَوْلُهُ : ( حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ صَحِيحٌ ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ . كَذَا فِي الْمُنْتَقَى ، وَقَالَ فِي النَّيْلِ : الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ . قَالَ قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَوَكَانَ يُطِيقُهُ قَالَ كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلَاثِينَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْغُسْلَ اِنْتَهَى .
قَوْلُهُ : ( وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ أَنْ لَا بَأْسَ أَنْ يَعُودَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ ) فِي كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا شَيْءٌ فَإِنَّ حَدِيثَ الْبَابِ لَا يَدُلُّ عَلَى ، هَذَا بَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا بَأْسَ أَنْ يَعُودَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ فَتَفَكَّرْ . وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْعَوْدِ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَتَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي .
قَوْلُهُ : ( وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ) بْنُ وَاقِدِ بْنِ عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ مَوْلَاهُمْ الْفِرْيَابِيُّ . وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ . وَقَالَ الْبُخَارِيُّ كَانَ أَفْضَلَ زَمَانِهِ وَقَالَ اِبْنُ عَدِيٍّ لَهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ إِفْرَادَاتٌ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ كَانَ ثِقَةً فَاضِلًا عَابِدًا مِنْ أَجِلَّةِ أَصْحَابِ الثَّوْرِيِّ(1/82)
140-7796 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ " يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ مَرَّةً " قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ : الصَّوَابُ حَدِيثُ قَتَادَةَ (1)
__________
(1) - صحيح وقد مر
المحلى بالآثار - (ج 1 / ص 5189)
أَحْكَامُ الْوَطْءِ وَآدَابُهُ
1900 - مَسْأَلَةٌ : وَجَائِزٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يَطَأَ جَمِيعَ زَوْجَاتِهِ وَإِمَائِهِ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ , فَإِنْ تَطَهَّرَ بَيْنَ كُلِّ اثْنَتَيْنِ فَهُوَ أَحْسَنُ , وَإِنْ لَمْ يَغْتَسِلْ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ فَحَسَنٌ , لَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا سُفْيَانُ - هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبَنَانِيّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مَرَّةً } . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : الْإِمَاءُ مِنْ نِسَاءِ الرَّجُلِ , قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةُ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ } . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ نا وَهْبُ بْنُ مُسِرَّة نا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فُلَانِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَمَّتِهِ سَلْمَى بِنْتِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَافَ عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَاغْتَسَلَ عِنْدَ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ غُسْلًا , قَالَ فَقُلْت لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , لَوْ اغْتَسَلْت غُسْلًا وَاحِدًا ؟ قَالَ : هَذَا أَطْهُرُ وَأَطْيَبُ } , أَوْ قَالَ : وَأَنْظَفُ " . قَالَ عَلِيٌّ : وَلَوْ لَمْ يَأْتِ هَذَا الْخَبَرُ لَكَانَ الْغُسْلُ بَيْنَ كُلِّ اثْنَتَيْنِ مِنْهُنَّ حَسَنًا , لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْ ذَلِكَ نَهْيٌ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ .
إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 2 / ص 164)
فَصْلٌ [ الْحِكْمَةُ فِي إبَاحَةِ التَّعَدُّدِ لِلرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ ] .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : " وَإِنَّهُ أَبَاحَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ ، وَلَمْ يُبِحْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِأَكْثَرَ مِنْ زَوْجٍ وَاحِدٍ " فَذَلِكَ مِنْ كَمَالِ حِكْمَةِ الرَّبِّ تَعَالَى لَهُمْ وَإِحْسَانِهِ وَرَحْمَتِهِ بِخَلْقِهِ وَرِعَايَةِ مَصَالِحِهِمْ ، وَيَتَعَالَى سُبْحَانَهُ عَنْ خِلَافِ ذَلِكَ ، وَيُنَزَّهُ شَرْعُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِغَيْرِ هَذَا ، وَلَوْ أُبِيحَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَكُونَ عِنْدَ زَوْجَيْنِ فَأَكْثَرَ لَفَسَدَ الْعَالَمُ ، وَضَاعَتْ الْأَنْسَابُ ، وَقَتَلَ الْأَزْوَاجُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، وَعَظُمَتْ الْبَلِيَّةُ ، وَاشْتَدَّتْ الْفِتْنَةُ ، وَقَامَتْ سُوقُ الْحَرْبِ عَلَى سَاقٍ ، وَكَيْف يَسْتَقِيمُ حَالُ امْرَأَةٍ فِيهَا شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ ؟ وَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ حَالُ الشُّرَكَاءِ فِيهَا ؟ فَمَجِيءُ الشَّرِيعَةِ بِمَا جَاءَتْ بِهِ مِنْ خِلَافِ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْأَدِلَّةِ عَلَى حِكْمَةِ الشَّارِعِ وَرَحْمَتِهِ وَعِنَايَتِهِ بِخَلْقِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَكَيْف رُوعِيَ جَانِبُ الرَّجُلِ ، وَأَطْلَقَ لَهُ أَنْ يُسِيمَ طَرْفَهُ وَيَقْضِيَ وَطَرَهُ ، وَيَنْتَقِلَ مِنْ وَاحِدَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ بِحَسَبِ شَهْوَتِهِ وَحَاجَتِهِ ، وَدَاعِي الْمَرْأَةِ دَاعِيهِ ، وَشَهْوَتُهَا شَهْوَتُهُ ؟ قِيلَ : لَمَّا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ عَادَتِهَا أَنْ تَكُونَ مُخَبَّأَةً مِنْ وَرَاءِ الْخُدُورِ ، وَمَحْجُوبَةً فِي كُنِّ بَيْتِهَا ، وَكَانَ مِزَاجُهَا أَبْرَدَ مِنْ مِزَاجِ الرَّجُلِ ، وَحَرَكَتُهَا الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ أَقَلَّ مِنْ حَرَكَتِهِ ، وَكَانَ الرَّجُلُ قَدْ أُعْطِيَ مِنْ الْقُوَّةِ وَالْحَرَارَةِ الَّتِي هِيَ سُلْطَانُ الشَّهْوَةِ أَكْثَرَ مِمَّا أُعْطِيَتْهُ الْمَرْأَةُ ، وَبُلِيَ بِمَا لَمْ تُبْلَ بِهِ ؛ أَطْلَقَ لَهُ مِنْ عَدَدِ الْمَنْكُوحَاتِ مَا لَمْ يُطْلِقْ لِلْمَرْأَةِ ؛ وَهَذَا مِمَّا خَصَّ اللَّهُ بِهِ الرِّجَالَ ، وَفَضَّلَهُمْ بِهِ عَلَى النِّسَاءِ ، كَمَا فَضَّلَهُمْ عَلَيْهِنَّ بِالرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْخِلَافَةِ وَالْمُلْكِ وَالْإِمَارَةِ وَوِلَايَةِ الْحُكْمِ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَجَعَلَ الرِّجَالَ قَوَّامِينَ عَلَى النِّسَاءِ سَاعِينَ فِي مَصَالِحِهِنَّ ، يَدْأَبُونَ فِي أَسْبَابِ مَعِيشَتِهِنَّ ، وَيَرْكَبُونَ الْأَخْطَارَ ، يَجُوبُونَ الْقِفَارَ ، وَيُعَرِّضُونَ أَنْفُسَهُمْ لِكُلِّ بَلِيَّةٍ وَمِحْنَةٍ فِي مَصَالِحِ الزَّوْجَاتِ ، وَالرَّبُّ تَعَالَى شَكُورٌ حَلِيمٌ ، فَشَكَرَ لَهُمْ ذَلِكَ ، وَجَبَرَهُمْ بِأَنْ مَكَّنَهُمْ مِمَّا لَمْ يُمَكِّنْ مِنْهُ الزَّوْجَاتِ ، وَأَنْتَ إذَا قَايَسْت بَيْنَ تَعَبِ الرِّجَالِ وَشَقَائِهِمْ وَكَدِّهِمْ وَنَصَبِهِمْ فِي مَصَالِحِ النِّسَاءِ وَبَيْنَ مَا اُبْتُلِيَ بِهِ النِّسَاءُ مِنْ الْغَيْرَةِ وَجَدْت حَظَّ الرِّجَالِ مِنْ تَحَمُّلِ ذَلِكَ التَّعَبِ وَالنَّصَبِ وَالدَّأْبِ أَكْثَرَ مِنْ حَظِّ النِّسَاءِ مِنْ تَحَمُّلِ الْغَيْرَةِ ؛ فَهَذَا مِنْ كَمَالِ عَدْلِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ ؛ فَلَهُ الْحَمْدُ كَمَا هُوَ أَهْلُهُ .
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ : " إنَّ شَهْوَةَ الْمَرْأَةِ تَزِيدُ عَلَى شَهْوَةِ الرَّجُلِ " فَلَيْسَ كَمَا قَالَ ، وَالشَّهْوَةُ مَنْبَعُهَا الْحَرَارَةُ ، وَأَيْنَ حَرَارَةُ الْأُنْثَى مِنْ حَرَارَةِ الذَّكَرِ ؟ وَلَكِنَّ الْمَرْأَةَ - لِفَرَاغِهَا وَبَطَالَتِهَا وَعَدَمِ مُعَانَاتِهَا لِمَا يَشْغَلُهَا عَنْ أَمْرِ شَهْوَتِهَا وَقَضَاءِ وَطَرِهَا - يَغْمُرُهَا سُلْطَانُ الشَّهْوَةِ ، وَيَسْتَوْلِي عَلَيْهَا ، وَلَا يَجِدُ عِنْدَهَا مَا يُعَارِضُهُ ، بَلْ يُصَادِفُ قَلْبًا فَارِغًا وَنَفْسًا خَالِيَةً فَيَتَمَكَّنُ مِنْهَا كُلَّ التَّمَكُّنِ ؛ فَيَظُنُّ الظَّانُّ أَنَّ شَهْوَتَهَا أَضْعَافُ شَهْوَةِ الرَّجُلِ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا جَامَعَ امْرَأَتَهُ أَمْكَنَهُ أَنْ يُجَامِعَ غَيْرَهَا فِي الْحَالِ ، { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ } ، وَطَافَ سُلَيْمَانُ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأَةً فِي لَيْلَةٍ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ لَهُ عِنْدَ كُلِّ امْرَأَةٍ شَهْوَةً وَحَرَارَةً بَاعِثَةً عَلَى الْوَطْءِ ، وَالْمَرْأَةُ إذَا قَضَى الرَّجُلُ وَطَرَهُ فَتَرَتْ شَهْوَتُهَا ، وَانْكَسَرَتْ نَفْسُهَا ، وَلَمْ تَطْلُبْ قَضَاءَهَا مِنْ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ الْحِينِ ، فَتَطَابَقَتْ حِكْمَةُ الْقَدَرِ وَالشَّرْعِ وَالْخَلْقِ وَالْأَمْرِ ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ .
زاد المعاد - (ج 1 / ص 145)
فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ فِي النّكَاحِ وَمُعَاشَرَتِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَهْلَهُ
صَحّ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ حُبّبَ إلَيّ مِنْ دُنْيَاكُمْ : النّسَاءُ وَالطّيبُ وَجُعِلَتْ قُرّةُ عَيْنِي فِي الصّلَاةِ هَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ وَمَنْ رَوَاهُ حُبّبَ إلَيّ مِنْ دُنْيَاكُمْ ثَلَاثٌ فَقَدْ وَهِمَ وَلَمْ يَقُلْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَلَاثٌ وَالصّلَاةُ لَيْسَتْ مِنْ أُمُورِ الدّنْيَا الّتِي تُضَافُ إلَيْهَا . وَكَانَ النّسَاءُ وَالطّيبُ أَحَبّ شَيْءٍ إلَيْهِ وَكَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي اللّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ وَكَانَ قَدْ أُعْطِيَ قُوّةَ ثَلَاثِينَ فِي الْجِمَاعِ وَغَيْرِهِ وَأَبَاحَ اللّهُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يُبِحْهُ لِأَحَدٍ مِنْ أُمّتِهِ . وَكَانَ يُقَسّمُ بَيْنَهُنّ فِي الْمَبِيتِ وَالْإِيوَاءِ وَالنّفَقَةِ وَأَمّا الْمَحَبّةُ فَكَانَ يَقُولُ اللّهُمّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا لَا أَمْلِكُ فَقِيلَ هُوَ الْحُبّ وَالْجِمَاعُ وَلَا تَجِبُ التّسْوِيَةُ فِي ذَلِكَ لِأَنّهُ مِمّا لَا يَمْلِكُ . وَهَلْ كَانَ الْقَسْمُ وَاجِبًا عَلَيْهِ أَوْ كَانَ لَهُ مُعَاشَرَتُهُنّ مِنْ غَيْرِ قَسْمٍ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْفُقَهَاءِ . فَهُوَ أَكْثَرُ الْأُمّةِ نِسَاءً قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ : تَزَوّجُوا فَإِنّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً [ ص 146 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَاجَعَ وَآلَى إيلَاءً مُؤَقّتًا بِشَهْرٍ وَلَمْ يُظَاهِرْ أَبَدًا وَأَخْطَأَ مَنْ قَالَ إنّهُ ظَاهَرَ خَطَأً عَظِيمًا وَإِنّمَا ذَكَرْته هُنَا تَنْبِيهًا عَلَى قُبْحِ خَطَئِهِ وَنِسْبَتِهِ إلَى مَا بَرّأَهُ اللّهُ مِنْهُ . وَكَانَتْ سِيرَتُهُ مَعَ أَزْوَاجِهِ حُسْنَ الْمُعَاشَرَةِ وَحُسْنَ الْخُلُقِ . وَكَانَ يُسَرّبُ إلَى عَائِشَة َ بَنَاتَ الْأَنْصَارِ يَلْعَبْنَ مَعَهَا . وَكَانَ إذَا هَوِيَتْ شَيْئًا لَا مَحْذُورَ فِيهِ تَابَعَهَا عَلَيْهِ وَكَانَتْ إذَا شَرِبَتْ مِنْ الْإِنَاءِ أَخَذَهُ فَوَضَعَ فَمَهُ فِي مَوْضِعِ فَمِهَا وَشَرِبَ وَكَانَ إذَا تَعَرّقَتْ عَرْقًا - وَهُوَ الْعَظْمُ الّذِي عَلَيْهِ لَحْمٌ - أَخَذَهُ فَوَضَعَ فَمَهُ مَوْضِعَ فَمِهَا وَكَانَ يَتّكِئُ فِي حِجْرِهَا وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَرَأْسُهُ فِي حِجْرِهَا وَرُبّمَا كَانَتْ حَائِضًا وَكَانَ يَأْمُرُهَا وَهِيَ حَائِضٌ فَتَتّزِرُ ثُمّ يُبَاشِرُهَا وَكَانَ يُقَبّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ مِنْ لُطْفِهِ وَحُسْنِ خُلُقِهِ مَعَ أَهْلِهِ أَنّهُ يُمَكّنُهَا مِنْ اللّعِبِ وَيُرِيهَا الْحَبَشَةَ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي مَسْجِدِهِ وَهِيَ مُتّكِئَةٌ عَلَى مَنْكِبَيْهِ تَنْظُرُ وَسَابَقَهَا فِي السّفَرِ عَلَى الْأَقْدَامِ مَرّتَيْنِ وَتَدَافَعَا فِي خُرُوجِهِمَا مِنْ الْمَنْزِلِ مَرّةً . وَكَانَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيّتُهُنّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ وَلَمْ يَقْضِ لِلْبَوَاقِي شَيْئًا وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ . وَكَانَ يَقُولُ خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي وَرُبّمَا مَدّ يَدَهُ إلَى بَعْضِ نِسَائِهِ فِي حَضْرَةِ بَاقِيهِنّ . [ ص 147 ] وَكَانَ إذَا صَلّى الْعَصْرَ دَارَ عَلَى نِسَائِهِ فَدَنَا مِنْهُنّ وَاسْتَقْرَأَ أَحْوَالَهُنّ فَإِذَا جَاءَ اللّيْلُ انْقَلَبَ إلَى بَيْتِ صَاحِبَةِ النّوْبَةِ فَخَصّهَا بِاللّيْلِ . وَقَالَتْ عَائِشَةُ كَانَ لَا يُفَضّلُ بَعْضَنَا عَلَى بَعْضٍ فِي مُكْثِهِ عِنْدَهُنّ فِي الْقَسْمِ وَقَلّ يَوْمٌ إلّا كَانَ يَطُوفُ عَلَيْنَا جَمِيعًا فَيَدْنُو مِنْ كُلّ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ حَتّى يَبْلُغَ الّتِي هُوَ فِي نَوْبَتِهَا فَيَبِيتُ عِنْدَهَا وَكَانَ يُقَسّمُ لِثَمَانٍ مِنْهُنّ دُونَ التّاسِعَةِ وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِ عَطَاءٍ أَنّ الّتِي لَمْ يَكُنْ يُقْسِمُ لَهَا هِيَ صَفِيّةُ بِنْتُ حُيَيّ وَهُوَ غَلَطٌ مِنْ عَطَاءٍ رَحِمَهُ اللّهُ وَإِنّمَا هِيَ سَوْدَةُ فَإِنّهَا لَمّا كَبِرَتْ وَهَبَتْ نَوْبَتَهَا لِعَائِشَةَ . وَكَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُقْسِمُ لِعَائِشَةَ يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ وَسَبَبُ هَذَا الْوَهْمِ - وَاَللّهُ أَعْلَمُ - أَنّهُ كَانَ قَدْ وَجَدَ عَلَى صَفِيّةَ فِي شَيْءٍ فَقَالَتْ لِعَائِشَةَ هَلْ لَكِ أَنْ تُرْضِيَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنّي وَأَهَبُ لَكِ يَوْمِي ؟ قَالَتْ نَعَمْ فَقَعَدَتْ عَائِشَةُ إلَى جَنْبِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي يَوْمِ صَفِيّةَ فَقَالَ : إلَيْكِ عَنّي يَا عَائِشَةُ فَإِنّهُ لَيْسَ يَوْمَكِ فَقَالَتْ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَأَخْبَرَتْهُ بِالْخَبَرِ فَرَضِيَ عَنْهَا وَإِنّمَا كَانَتْ وَهَبَتْهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَتِلْكَ النّوْبَةَ الْخَاصّةَ وَيَتَعَيّنُ ذَلِكَ وَإِلّا كَانَ يَكُونُ [ ص 148 ] كَانَ لِثَمَانٍ وَاَللّهُ أَعْلَمُ . وَلَوْ اتّفَقَتْ مِثْلُ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ لِمَنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ زَوْجَتَيْنِ فَوَهَبَتْ إحْدَاهُنّ يَوْمَهَا لِلْأُخْرَى فَهَلْ لِلزّوْجِ أَنْ يُوَالِيَ بَيْنَ لَيْلَةِ الْمَوْهُوبَةِ وَلَيْلَتِهَا الْأَصْلِيّةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَيْلَةُ الْوَاهِبَةِ تَلِيهَا أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ لَيْلَتَهَا هِيَ اللّيْلَةَ الّتِي كَانَتْ تَسْتَحِقّهَا الْوَاهِبَةُ بِعَيْنِهَا ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ . وَكَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْتِي أَهْلَهُ آخِرَ اللّيْلِ وَأَوّلَهُ فَكَانَ إذَا جَامَعَ أَوّلَ اللّيْلِ رُبّمَا اغْتَسَلَ وَنَامَ وَرُبّمَا تَوَضّأَ وَنَامَ . وَذَكَرَ أَبُو إسْحَاقَ السّبِيعِيّ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنّهُ كَانَ رُبّمَا نَامَ وَلَمْ يَمَسّ مَاءً وَهُوَ غَلَطٌ عِنْدَ أَئِمّةِ الْحَدِيثِ وَقَدْ أَشْبَعْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ تَهْذِيبِ سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَإِيضَاحَ عِلَلِهِ وَمُشْكِلَاتِهِ . وَكَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ وَرُبّمَا اغْتَسَلَ عِنْدَ كُلّ وَاحِدَةٍ [ ص 149 ] وَكَانَ إذَا سَافَرَ وَقَدِمَ لَمْ يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيْلًا وَكَانَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ .(1/83)
مَا عَلَى مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ
141-7797 أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، رَفَعَ الْحَدِيثَ قَالَ : " إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ "(1)
__________
(1) أخرجه مسلم برقم(733) والترمذي برقم(141) وابن ماجة برقم(630) والمسند الجامع برقم(4195)
تحفة الأحوذي - (ج 1 / ص 169)
131 - قَوْلُهُ : ( عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ ) هُوَ عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّمِيمِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَصْرِيُّ وَثَّقَهُ اِبْنُ مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَغَيْرُهُمَا
( عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ ) النَّاجِي اِسْمُهُ عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ مِنْ الثَّالِثَةِ مَاتَ سَنَةَ 108 ثَمَانٍ وَمِائَةٍ وَقِيلَ قَبْلَ ذَلِكَ .
قَوْلُهُ : ( فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا ) أَيْ بَيْنَ الْإِتْيَانَيْنِ
( وُضُوءًا ) أَيْ كَوُضُوءِ الصَّلَاةِ وَحَمَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى الْوُضُوءِ اللُّغَوِيِّ ، وَقَالَ الْمُرَادُ بِهِ غَسْلُ الْفَرْجِ وَرَدَّ عَلَيْهِ اِبْنُ خُزَيْمَةَ بِمَا رَوَاهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ فَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْوُضُوءِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُسْتَحَبُّ وَقَالَ الْجُمْهُورُ يُسْتَحَبُّ وَقَالَ اِبْنُ حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ يَجِبُ . وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ . وَقَالَ الْجُمْهُورُ إِنَّ الْأَمْرَ بِالْوُضُوءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِلِاسْتِحْبَابِ لَا لِلْوُجُوبِ . وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجَامِعُ ثُمَّ يَعُودُ وَلَا يَتَوَضَّأُ وَاسْتَدَلَّ اِبْنُ خُزَيْمَةَ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ بِالْوُضُوءِ لِلنَّدَبِ بِمَا رَوَاهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ : فَإِنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلْإِرْشَادِ أَوْ لِلنَّدَبِ ، وَحَدِيثُ الْبَابِ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي يُوسُفَ .
قَوْلُهُ : ( وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ ) وَفِي الْبَابِ عَنْ اِبْنِ عُمَرَ أَيْضًا ، قَالَ فِي النَّيْلِ تَحْتَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ مَا لَفْظُهُ : وَيُقَالُ إِنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى إِسْنَادِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَوَقَفَ عَلَى إِسْنَادِ غَيْرِهِ ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُمَرَ بِإِسْنَادَيْنِ ضَعِيفِينَ اِنْتَهَى مَا فِي النَّيْلِ . قُلْتُ : لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا .
قَوْلُهُ : ( وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ اِسْمُهُ سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ ) بِكَسْرِ السِّينِ وَبِالنُّونَيْنِ ، بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَشَهِدَ مَا بَعْدَ أُحُدٍ وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ مَاتَ سَنَةَ 74 أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ .
قَوْلُهُ : ( حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ صَحِيحٌ ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى .
حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 2 / ص 15)
580 - قَوْله ( ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُود فَلْيَتَوَضَّأْ ) أَيْ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُجَامِع مَرَّة ثَانِيَة فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْن الْجِمَاع الْأَوَّل وَالْعَوْد وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ فَإِنَّهُ أَنْشَط لِلْعَوْدِ وَقَدْ حَمَلَهُ قَوْم عَلَى الْوُضُوء الشَّرْعِيّ لِأَنَّهُ الظَّاهِر وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَة اِبْن خُزَيْمَةَ فَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَأَوَّله قَوْم بِغَسْلِ الْفَرْج وَقَالَ إِنَّمَا شُرِعَ الْوُضُوء لِلْعِبَادَةِ لَا لِقَضَاءِ الشَّهَوَات وَلَوْ شُرِعَ لِقَضَاءِ الشَّهْوَة لَكَانَ الْجِمَاع الْأَوَّل مِثْل الْعَوْد يَنْبَغِي أَنْ يُشْرَع لَهُ وَالْإِنْصَاف أَنَّهُ لَا مَانِع مِنْ الْعَوْد وَالْجِمَاع يَنْبَغِي أَنْ يَكُون مَسْبُوقًا بِذِكْرِ اللَّه مِثْل بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَان وَجَنِّبْ الشَّيْطَان مَا رَزَقَتْنَا فَلَا مَانِع مِنْ نَدْب الْوُضُوء ثَانِيًا تَخْفِيفًا لِلْجَنَابَةِ بِخِلَافِ الْأَوَّل فَلْيُتَأَمَّلْ وَاللَّهُ أَعْلَم .
المنتقى - شرح الموطأ - (ج 1 / ص 124)
( ش ) : قَوْلُهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُصِيبَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِالْمَاءِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي فَوْرٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْغُسْلَ إنَّمَا يُرَادُ لِلصَّلَاةِ أَوْ لِمَا جَرَى مَجْرَاهَا مِمَّا شُرِطَ فِيهِ الطَّهَارَةُ وَلَيْسَ الْجِمَاعُ مِمَّا شُرِطَ فِيهِ الطَّهَارَةُ فَيَحْتَاجُ إِلَى الْغُسْلِ إِلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ غَسْلُ فَرْجِهِ وَمَوَاضِعِ النَّجَاسَةِ مِنْ جَسَدِهِ لِئَلَّا تَنْجُسَ بِذَلِكَ ثِيَابُهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَالْوُضُوءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ غَسْلِ الْفَرْجِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ مِنْ الْجَسَدِ
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ فَأَمَّا النِّسَاءُ الْحَرَائِرُ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُصِيبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فِي يَوْمِ الْأُخْرَى هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ بِمَعْنَى الْقَسْمِ بَيْنَ النِّسَاءِ وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصِيبَ امْرَأَةً مِنْ حَرَائِرِ نِسَائِهِ فِي يَوْمٍ صَارَ بِالْقَسْمِ لِأُخْرَى إِلَّا أَنْ تَأْذَنَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَمَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ أَنَسِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُنَّ يَحْتَمِلُ أَحَدَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالثَّانِي إبَاحَتُهُنَّ لَهُ وَرِضَاهُنَّ بِهِ ( ش ) : وَهَذَا كَمَا قَالَ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى أَصَابِعِهِ مَاءٌ فَإِنَّ الْمَاءَ طَاهِرٌ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي أَصَابِعِهِ أَذًى فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا فَإِنَّ إدْخَالَ يَدِهِ فِيهِ لَا يُفْسِدُهُ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَلْيَتَحَيَّلْ فِي شَيْءٍ يَتَنَاوَلُ بِهِ الْمَاءَ فَيَغْسِلُ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ غَيْرُ هَذَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَا بِيَدِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ يُغَيِّرُ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْمَاءِ أَوْ لَا يُغَيِّرُهُ فَإِنْ كَانَ يُغَيِّرُهُ فَلَا يُدْخِلْ يَدَهُ فِيهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنَجِّسُ الْمَاءَ وَيُفْسِدُهُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ مَاءٌ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ تَنَاوُلِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُغَيِّرُهُ فَلْيُدْخِلْ يَدَهُ فِيهِ ثُمَّ يَغْسِلْ يَدَيْهِ بِمَا يَغْرِفُ بِهِمَا مِنْ الْمَاءِ ثُمَّ يَتَوَضَّأْ أَوْ يَغْتَسِلْ لِأَنَّ إدْخَالَ يَدِهِ فِي الْمَاءِ إِذَا لَمْ يُغَيِّرْهُ فَإِنَّهُ لَا يُنَجِّسُهُ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَحُكْمُ هَذَا حُكْمُ مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ مَاءٌ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ تَنَاوُلِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُغَيِّرُهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْيَسِيرِ تُحِلُّهُ نَجَاسَةٌ لَا تُغَيِّرُهُ فَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ التَّيَمُّمِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يُدْخِلُ يَدَهُ فِيهِ ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ بِمَا فَضَلَ وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مُحْتَمَلٌ فَتَأَوَّلَ عَلَيْهِ قَوْمٌ أَنَّ التَّيَمُّمَ أَوْلَى مِنْهُ فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لَا يُدْخِلُ يَدَهُ فِيهِ وَيَتَيَمَّمُ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا يَغْتَسِلُ الْجُنُبُ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَإِنْ غَسَلَ عَنْهُ الْأَذَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا غَسَلَ عَنْهُ الْأَذَى وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا يَحْمِلُ مَا وَقَعَ فِي ذَلِكَ لَجَازَ وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ عَنْهُ الْأَذَى فَيَقْتَضِي قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَاءِ الْكَثِيرِ مِقْدَارًا يَزِيدُ عَلَى مَا يَتَغَيَّرُ بِالنَّجَاسَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ فِي حَيِّزِ الْمَمْنُوعِ
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا أَخْذُهُ الْمَاءَ بِفِيهِ لِيَغْسِلَ بِهِ يَدَيْهِ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ الْمَنْعَ مِنْهُ وَرَوَى مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إبَاحَةَ ذَلِكَ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ مَا يَنْضَافُ إِلَيْهِ مِنْ الرِّيقِ مَعَ قِلَّتِهِ يَجْعَلُهُ مَاءً مُضَافًا وَيَمْنَعُ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ بِهِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الرِّيقَ قَرَّبَهُ لِطَعْمِ الْمَاءِ وَلَوْنِهِ وَرِيحِهِ مَعَ قِلَّتِهِ لَا يُغَيِّرُهُ فَلَا يَمْنَعُ رَفْعَ النَّجَاسَةِ
( مَسْأَلَةٌ ) وَأَمَّا اغْتِسَالُ الْجُنُبِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ لَا يَغْتَسِلُ الْجُنُبُ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَإِنْ غَسَلَ عَنْهُ الْأَذَى قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا بَأْسَ إِذَا غَسَلَ عَنْهُ الْأَذَى وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا يَحْمِلُ مَا وَقَعَ فِيهِ لَجَازَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ مِنْهُ الْأَذَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 499)
بَاب جَوَازِ نَوْمِ الْجُنُبِ وَاسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ لَهُ وَغَسْلِ الْفَرْجِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَوْ يَنَامَ أَوْ يُجَامِعَ
قَوْله : ( بَاب جَوَاز نَوْم الْجُنُب وَاسْتِحْبَاب الْوُضُوء لَهُ وَغَسْلِ الْفَرْج إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُل أَوْ يَشْرَب أَوْ يَنَام أَوْ يُجَامِع )
فِيهِ حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا ( أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَام وَهُوَ جُنُب تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ قَبْل أَنْ يَنَام ) فِي رِوَايَة : ( إِذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُل أَوْ يَنَام تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ) وَفِي رِوَايَة عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ( يَا رَسُول اللَّه أَيَرْقُدُ أَحَدنَا وَهُوَ جُنُب ؟ قَالَ : نَعَمْ إِذَا تَوَضَّأَ ) . وَفِي رِوَايَة ( نَعَمْ ، لِيَتَوَضَّأ ثُمَّ لِيَنَمْ حَتَّى يَغْتَسِل إِذَا شَاءَ ) . وَفِي رِوَايَة : ( تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَك ثُمَّ نَمْ ) . وَفِي رِوَايَة ( أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا كَانَ جُنُبًا رُبَّمَا اِغْتَسَلَ فَنَامَ وَرُبَّمَا تَوَضَّأَ فَنَامَ ) . وَفِي رِوَايَة : ( إِذَا أَتَى أَحَدكُمْ أَهْله ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُود فَلْيَتَوَضَّأْ ، بَيْنهمَا وُضُوءًا ) وَفِي رِوَايَة : ( أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوف عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِد ) حَاصِل الْأَحَادِيث كُلّهَا أَنَّهُ يَجُوز لِلْجُنُبِ أَنْ يَنَام وَيَأْكُل وَيَشْرَب وَيُجَامِع قَبْل الِاغْتِسَال ، وَهَذَا مُجْمَع عَلَيْهِ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ بَدَن الْجُنُب وَعَرَقِهِ طَاهِرَانِ ، وَفِيهَا أَنَّهُ يُسْتَحَبّ أَنْ يَتَوَضَّأ ، وَيَغْسِل فَرْجه لِهَذِهِ الْأُمُور كُلّهَا ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا أَرَادَ جِمَاع مَنْ لَمْ يُجَامِعهَا ؛ فَإِنَّهُ يَتَأَكَّد اِسْتِحْبَاب غَسْلِ ذَكَرِهِ ، وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابنَا أَنَّهُ يُكْرَه النَّوْم وَالْأَكْل وَالشُّرْب وَالْجِمَاع قَبْل الْوُضُوء ، وَهَذِهِ الْأَحَادِيث تَدُلّ عَلَيْهِ ، وَلَا خِلَاف عِنْدنَا أَنَّهُ هَذَا الْوُضُوء لَيْسَ بِوَاجِبِ ، وَبِهَذَا قَالَ مَالِك وَالْجُمْهُور ، وَذَهَبَ اِبْن حَبِيب مِنْ أَصْحَاب مَالِك إِلَى وُجُوبه ، وَهُوَ مَذْهَب دَاوُدَ الظَّاهِرِيّ ، وَالْمُرَاد بِالْوُضُوءِ وُضُوء الصَّلَاة الْكَامِل ، وَأَمَّا حَدِيث اِبْن عَبَّاس الْمُتَقَدِّم فِي الْبَاب قَبْله فِي الِاقْتِصَار عَلَى الْوَجْه وَالْيَدَيْنِ ؛ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي الْجَنَابَة ، بَلْ فِي الْحَدَث الْأَصْغَر . وَأَمَّا حَدِيث أَبِي إِسْحَاق السُّبَيْعِيّ عَنْ الْأَسْوَد عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنَام وَهُوَ جُنُب وَلَا يَمَسّ مَاء ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ وَغَيْرهمْ ، فَقَالَ أَبُو دَاوُدَ : عَنْ يَزِيد بْن هَارُون وَهَمَ أَبُو إِسْحَاق فِي هَذَا ، يَعْنِي فِي قَوْله : لَا يَمَسّ مَاء . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ : يَرَوْنَ أَنَّ هَذَا غَلَط مِنْ أَبِي إِسْحَاق . وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ : طَعَنَ الْحُفَّاظ فِي هَذِهِ اللَّفْظَة ، فَبَانَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ ضَعْفُ الْحَدِيث ، وَإِذَا ثَبَتَ ضَعْفُهُ لَمْ يَبْقَ فِيهِ مَا يَتَعَرَّض بِهِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ ، وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ أَيْضًا مُخَالِفًا ، بَلْ كَانَ لَهُ جَوَابَانِ : أَحَدهمَا جَوَاب الْإِمَامَيْنِ الْجَلِيلَيْنِ أَبِي الْعَبَّاس بْن شُرَيْحٍ وَأَبِي بَكْر الْبَيْهَقِيِّ : أَنَّ الْمُرَاد لَا يَمَسّ مَاء لِلْغُسْلِ . وَالثَّانِي وَهُوَ عِنْدِي حَسَنٌ : أَنَّ الْمُرَاد أَنَّهُ كَانَ فِي بَعْض الْأَوْقَات لَا يَمَسّ مَاء أَصْلًا ، لِبَيَانِ الْجَوَاز . إِذْ لَوْ وَاظَبَ عَلَيْهِ لَتَوَهَّمَ وُجُوبه . وَاللَّهُ أَعْلَم .
وَأَمَّا طَوَافه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ فَيَحْتَمِل أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأ بَيْنَهُمَا ، أَوْ يَكُون الْمُرَاد بَيَان جَوَاز تَرْكِ الْوُضُوء ، وَقَدْ جَاءَ فِي سُنَن أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ ذَات لَيْلَة ، يَغْتَسِل عِنْد هَذِهِ وَعِنْد هَذِهِ ، فَقِيلَ : يَا رَسُول اللَّه ! أَلَا تَجْعَلهُ غُسْلًا وَاحِدًا ؟ فَقَالَ : " هَذَا أَزْكَى وَأَطْيَب وَأَطْهَر " قَالَ أَبُو دَاوُدَ : وَالْحَدِيث الْأَوَّل أَصَحّ ، قُلْت : وَعَلَى تَقْدِير صِحَّته ، يَكُون هَذَا فِي وَقْت وَذَاكَ فِي وَقْت . وَاللَّهُ أَعْلَم .
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي حِكْمَة هَذَا الْوُضُوء ، فَقَالَ أَصْحَابنَا : لِأَنَّهُ يُخَفِّف الْحَدَث ، فَإِنَّهُ يَرْفَع الْحَدَث عَنْ أَعْضَاء الْوُضُوء . وَقَالَ أَبُو عَبْد اللَّه الْمَازِرِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ : اُخْتُلِفَ فِي تَعْلِيله ، فَقِيلَ : لِيَبِيتَ عَلَى إِحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ خَشْيَة أَنْ يَمُوت فِي مَنَامه . وَقِيلَ : بَلْ لَعَلَّهُ أَنْ يَنْشَط إِلَى الْغُسْل إِذَا نَالَ الْمَاء أَعْضَاءَهُ . قَالَ الْمَازِرِيّ : وَيَجْرِي هَذَا الْخِلَاف فِي وُضُوء الْحَائِض قَبْل أَنْ تَنَام ، فَمَنْ عَلَّلَ بِالْمَبِيتِ عَلَى طَهَارَة اِسْتَحَبَّهُ لَهَا . هَذَا كَلَام الْمَازِرِيّ . وَأَمَّا أَصْحَابنَا فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبّ الْوُضُوء لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاء ؛ لِأَنَّ الْوُضُوء لَا يُؤَثِّر فِي حَدَثِهِمَا ، فَإِنْ كَانَتْ الْحَائِض قَدْ اِنْقَطَعَتْ حَيْضَتهَا صَارَتْ كَالْجُنُبِ . وَاللَّهُ أَعْلَم .
وَأَمَّا طَوَاف النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِد ، فَهُوَ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ كَانَ بِرِضَاهُنَّ أَوْ بِرِضَى صَاحِبَة النَّوْبَة ، إِنْ كَانَتْ نَوْبَة وَاحِدَة ، وَهَذَا التَّأْوِيل يَحْتَاج إِلَيْهِ مَنْ يَقُول : كَانَ الْقَسْمُ وَاجِبًا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدَّوَام ، كَمَا يَجِب عَلَيْنَا ، وَأَمَّا مَنْ لَا يُوجِبهُ فَلَا يَحْتَاج إِلَى تَأْوِيل فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَل مَا يَشَاء . وَهَذَا الْخِلَاف فِي وُجُوب الْقَسْمِ هُوَ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا . وَاللَّهُ أَعْلَم .
وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة فِي الْبَاب أَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَة لَيْسَ عَلَى الْفَوْر ، وَإِنَّمَا يَتَضَيّق عَلَى الْإِنْسَان عِنْد الْقِيَام إِلَى الصَّلَاة وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ أَصْحَابنَا فِي الْمُوجِب لِغُسْلِ الْجَنَابَة هَلْ حُصُول الْجَنَابَة بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ ؟ أَوْ إِنْزَال الْمَنِيّ ؟ أَمْ هُوَ الْقِيَام إِلَى الصَّلَاة ؟ أَمْ هُوَ حُصُول الْجَنَابَة مَعَ الْقِيَام إِلَى الصَّلَاة ؟ فِيهِ ثَلَاثَة أَوْجُه لِأَصْحَابِنَا ، وَمَنْ قَالَ : يَجِب بِالْجَنَابَةِ قَالَ : هُوَ وُجُوب مُوَسَّع ، وَكَذَا اِخْتَلَفُوا فِي مُوجِبِ الْوُضُوء ، هَلْ هُوَ الْحَدَث أَمْ الْقِيَام إِلَى الصَّلَاة أَمْ الْمَجْمُوع ؟ ، وَكَذَا اِخْتَلَفُوا فِي الْمُوجِب لِغُسْلِ الْحَيْض هَلْ هُوَ خُرُوج الدَّم أَمْ اِنْقِطَاعه ؟ وَاللَّهُ أَعْلَم .
وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّق بِأَسَانِيد الْبَاب ، فَقَوْله : ( قَالَ اِبْن الْمُثَنَّى فِي حَدِيثه : حَدَّثَنَا الْحَكَم ، سَمِعْت إِبْرَاهِيم يُحَدِّثُ ) مَعْنَاهُ : قَالَ اِبْن الْمُثَنَّى فِي رِوَايَته عَنْ مُحَمَّد بْن جَعْفَر عَنْ شُعْبَة ، قَالَ شُعْبَة : حَدَّثَنَا الْحَكَم . قَالَ : سَمِعْت إِبْرَاهِيم يُحَدِّث ، وَفِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدِّمَة : شُعْبَة عَنْ الْحَكَم عَنْ إِبْرَاهِيم ، وَالْمَقْصُود أَنَّ الرِّوَايَة الثَّانِيَة أَقْوَى مِنْ الْأُولَى ، فَإِنَّ الْأُولَى ( بِعَنْ عَنْ ) ، وَالثَّانِيَة ( بِحَدَّثَنَا وَسَمِعْت ) ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ ( حَدَّثَنَا وَسَمِعْت ) أَقْوَى مِنْ ( عَنْ ) ، وَقَدْ قَالَتْ جَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء : إِنَّ ( عَنْ ) لَا تَقْتَضِي الِاتِّصَال ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ غَيْر مُدَلِّس ، وَقَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاح هَذَا فِي الْفُصُول وَفِي مَوَاضِع كَثِيرَة بَعْدهَا . وَاللَّهُ أَعْلَم .
وَفِيهِ : ( مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر الْمُقَدَّمِيّ ) هُوَ بِفَتْحِ الدَّال الْمُشَدَّدَة مَنْسُوب إِلَى جَدّه . مُقَدَّم ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه مَرَّات . وَفِيهِ ( أَبُو الْمُتَوَكِّل عَنْ أَبِي سَعِيد ) هُوَ أَبُو الْمُتَوَكِّل النَّاجِيّ وَاسْمه عَلِيّ بْن دَاوُدَ وَقِيلَ : اِبْن دَاوُدَ بِضَمِّ الدَّال مَنْسُوب إِلَى بَنِي نَاجِيَة قَبِيلَة مَعْرُوفَة ، . وَاللَّهُ أَعْلَم .
الفتاوى الفقهية الكبرى - (ج 1 / ص 249)
( وَسُئِلَ ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَاذَا يَنْوِي الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ إذَا تَوَضَّأَ لِلْوَطْءِ وَالطُّعْمِ هَلْ يَنْوِي سُنَّةَ الْغُسْلِ أَوْ رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِهِمْ بِتَقْلِيلِ الْحَدَثِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ؟ ( فَأَجَابَ ) بِقَوْلِهِ : إنَّهُ لَا يَنْوِي شَيْئًا مِمَّا ذَكَرَهُ السَّائِلُ وَإِنَّمَا يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ .
وَعِبَارَةُ شَرْحِي لِلْعُبَابِ ( وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ تَخْفِيفُ الْحَدَثِ غَالِبًا وَالتَّنْظِيفُ إذْ الْأَصَحُّ أَنَّ الْوُضُوءَ يُؤَثِّرُ فِي حَدَثِ الْجُنُبِ وَيُزِيلُهُ عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ خِلَافًا لِقَوْلِ الْإِمَامِ لَا يَرْتَفِعُ شَيْءٌ مِنْ الْحَدَثِ حَتَّى تَكْمُلَ الطَّهَارَةُ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ ، وَضَمِيرُ يُزِيلُهُ لِلْحَدَثِ الْأَصْغَرِ ، فَعَلَيْهِ لَا إشْكَالَ وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ فِي قَوْلِ الْقَاضِي وَابْنِ الصَّبَّاغِ : ( وُضُوءُ الْجُنُبِ يُزِيلُ الْجَنَابَةَ عَنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ وَأَطْلَقَ أَوْ يُؤَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ يَصْلُحُ لِإِزَالَتِهَا عَنْ غَالِبِ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ فِيمَا إذَا ظَنَّ حَدَثَهُ الْأَصْغَرَ فَنَوَاهُ .
وَقِيلَ الْحِكْمَةُ لَعَلَّهُ يَنْشَطُ لِلْغُسْلِ ثُمَّ مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرُوهُ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ هُوَ مَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ بَعْضُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ، وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِهِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ غَسْلُ الْيَدَيْنِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ مُفَسَّرًا بِهِ فِي خَبَرِ الْبَيْهَقِيّ وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ هُوَ فِي الْعَوْدِ لِلْوَطْءِ غَسْلُ فَرْجِهِ لِرِوَايَةٍ بِهِ ، قِيلَ : وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَيَرُدُّهُ خَبَرُ مُسْلِمٍ { إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءً } فَأُكِّدَ بِالْمَصْدَرِ ؛ دَفْعًا لِإِرَادَةِ الْمَجَازِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ .
وَبِتَأَمُّلِ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَاسْتِشْكَالِ مَا بَعْدَهُ مَعَ الْجَوَابِ عَنْهُ يَتَّضِحُ انْدِفَاعُ قَوْلِ السَّائِلِ : أَوْ رَفْعُ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ .
إلَخْ .
وَمُرَادُهُمْ بِتَقْلِيلِ الْحَدَثِ تَقْلِيلُهُ بِرَفْعِ الْأَصْغَرِ ، فَإِنْ قُلْت : هَذَا ظَاهِرٌ إنْ كَانَ عَلَيْهِ أَصْغَرُ أَمَّا إذَا تَجَرَّدَتْ جَنَابَتُهُ عَنْهُ فَتَبْقَى نِيَّةُ رَفْعِ الْأَكْبَرِ إذْ التَّقْلِيلُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ قُلْت : الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَعَلَيْهِ قَدْ يُحْمَلُ قَوْلُ السَّائِلِ : أَوْ رَفْعُ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ .
إلَخْ .
فَإِنْ قُلْت : هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ يَنْوِي بِالْوُضُوءِ هُنَا سُنَّةَ الْوُضُوءِ كَمَا فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ ؟ قُلْت : يُمْكِنُ ذَلِكَ لَوْلَا قَوْلُهُمْ : الْقَصْدُ مِنْ هَذَا الْوُضُوءِ تَقْلِيلُ الْحَدَثِ ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يَنْوِي الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَالْأَكْبَرُ ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَالْوُضُوءِ وَالْمُقَدِّمَةِ لِلْغُسْلِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ الْقَصْدَ بِهَذَا شَيْئَانِ : الْخُرُوجُ مِنْ خِلَافِ مَنْ مَنَعَ الِانْدِرَاجَ وَزِيَادَةَ النَّظَافَةِ لِيَكُونَ مُقَدِّمَةً لِلْغُسْلِ فَإِذَا فَاتَ الْأَوَّلُ بَقِيَ الثَّانِي وَكَفَتْ فِيهِ نِيَّةُ السُّنَّةِ ، وَأَمَّا ذَاكَ فَالْقَصْدُ بِهِ تَخْفِيفُ الْحَدَثِ فَحَيْثُ أَمْكَنَتْ نِيَّتُهُ لَمْ يَنْوِ غَيْرَهُ وَإِذَا تَعَيَّنَ فِي الْوُضُوءِ الْمَسْنُونِ لِنَحْوِ الْقِرَاءَةِ وَالْمُجَدَّدِ نِيَّةً مِمَّا يُجْزِئُ فِي الْأَصْلِ فَأَوْلَى هَذَا عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ فِي الْوُضُوءِ الْمُقَدَّمَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ لِإِجْزَاءِ نِيَّةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ عَنْهُ كَمَا تَحَقَّقَ فِي مَحَلِّهِ ، وَالنِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ لِنَحْوِ الْأَكْلِ وَاجِبَةٌ فَلَا تُقَاسُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى ، وَحِينَئِذٍ اتَّجَهَ مَا ذَكَرْته وَانْدَفَعَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الْقِيَاسِ السَّابِقِ فَتَأَمَّلْهُ .
سبل السلام - (ج 1 / ص 289)
( 106 ) - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءًا } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ - زَادَ الْحَاكِمُ { فَإِنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ } .
الشَّرْحُ
وَعَنْ " أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ إلَى إتْيَانِهَا فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءًا } كَأَنَّهُ أَكَّدَهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى غَسْلِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ ، فَأَبَانَ بِالتَّأْكِيدِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الشَّرْعِيَّ ، وَقَدْ وَرَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيِّ [ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ] رَوَاهُ مُسْلِمٌ زَادَ الْحَاكِمُ [ عَنْ " أَبِي سَعِيدٍ " [ فَإِنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ ] .
فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى شَرْعِيَّةِ الْوُضُوءِ لِمَنْ أَرَادَ مُعَاوَدَةَ أَهْلِهِ ، وَقَدْ ثَبَتَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَشِيَ نِسَاءَهُ وَلَمْ يُحْدِثْ وُضُوءًا بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ } ، وَثَبَتَ { أَنَّهُ اغْتَسَلَ بَعْدَ غَشَيَانِهِ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدَةٍ } فَالْكُلُّ جَائِزٌ .
نيل الأوطار - (ج 2 / ص 59)
283 - ( وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ } .
رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ ) .
وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَزَادُوا : ( فَإِنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ ) وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ : ( فَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ) وَيُقَالُ : إنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يُثْبِتُ مِثْلَهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَلَعَلَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى إسْنَادِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ ، وَوَقَفَ عَلَى إسْنَادِ غَيْرِهِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ بِإِسْنَادَيْنِ ضَعِيفَيْنِ قَالَ الْحَافِظُ : وَيُؤَيِّدُ هَذَا حَدِيثُ أَنَسٍ الثَّابِتُ فِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ } الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ وَإِنَّمَا يَتَضَيَّقُ عَلَى الْإِنْسَانِ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ .
قَالَ النَّوَوِيُّ : وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلَا شَكَّ فِي اسْتِحْبَابِهِ قَبْلَ الْمُعَاوَدَةِ لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ : { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ يَغْتَسِلُ عِنْدَ هَذِهِ وَعِنْدَ هَذِهِ وَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَجْعَلُهُ غُسْلًا وَاحِدًا فَقَالَ : هَذَا أَزْكَى وَأَطْيَبُ } وَقَوْلُ أَبِي دَاوُد : إنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ أَصَحُّ مِنْهُ لَا يَنْفِي صِحَّتَهُ .
وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ : هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ الْأَمْرَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ .
وَقَدْ ذَهَبَتْ الظَّاهِرِيَّةُ وَابْنُ حَبِيبٍ إلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ عَلَى الْمُعَاوِدِ وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ الْبَابِ .
وَذَهَبَ مَنْ عَدَاهُمْ إلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَجَعَلُوا مَا ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ بِلَفْظِ : ( إنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ ) صَارِفًا لِلْأَمْرِ إلَى النَّدْبِ .
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ : ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجَامِعُ ثُمَّ يَعُودُ وَلَا يَتَوَضَّأُ ) وَيُؤَيِّدهُ أَيْضًا الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ بِلَفْظِ : ( إنَّمَا أُمِرْت بِالْوُضُوءِ إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ ) ( فَائِدَةٌ ) طَوَافُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بِرِضَاهُنَّ أَوْ بِرِضَا صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ إنْ كَانَتْ نَوْبَةً وَاحِدَةً ، قَالَ النَّوَوِيُّ : وَهَذَا التَّأْوِيلُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَنْ يَقُولُ : كَانَ الْقَسَمُ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي الدَّوَامِ كَمَا يَجِبُ عَلَيْنَا ، وَأَمَّا مَنْ لَا يُوجِبُهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا شَاءَ بَابُ جَوَازِ تَرْكِ ذَلِكَ 284 - ( عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ وَهُوَ جُنُبٌ يَغْسِلُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ ) .
هُوَ طَرَفٌ مِنْ الْحَدِيثِ وَلَفْظُهُ فِي النَّسَائِيّ : { كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ غَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ } وَقَدْ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ ، وَابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ ، وَلَمْ يَتَكَلَّمَا عَلَيْهِ بِمَا يُوجِبُ ضَعْفًا ، وَهُوَ مِنْ سُنَنِ النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ فَذَكَرَهُ .
وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ ثِقَةٌ وَبَقِيَّةُ رِجَالِ الْإِسْنَادِ أَئِمَّةٌ .
وَأَخْرَجَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَطْعَمَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ يَدَهُ ثُمَّ يَطْعَمُ } وَبِهِ اسْتَدَلَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوُضُوءِ لِإِرَادَةِ النَّوْمِ وَالْوُضُوءِ لِإِرَادَةِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ .
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ : هُوَ مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ .
وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ : إذَا أَرَادَ الْجُنُبُ أَنْ يَأْكُلَ غَسَلَ يَدَيْهِ وَمَضْمَضَ فَاهُ .
وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ فِي الْجُنُبِ : إذَا أَرَادَ الْأَكْلَ أَنَّهُ يَغْسِلُ يَدَيْهِ وَيَأْكُلُ .
وَعَنْ الزُّهْرِيِّ مِثْلُهُ ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ ، وَقَالَ : ؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ فِي الْوُضُوءِ لِمَنْ أَرَادَ النَّوْمَ ، كَذَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لِابْنِ سَيِّدِ النَّاسِ .
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ كَوُضُوءِ الصَّلَاةِ ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِهَا بِلَفْظِ : { كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ } وَبِمَا سَبَقَ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ .
وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّهُ كَانَ تَارَةً يَتَوَضَّأُ وُضُوءَ الصَّلَاةِ وَتَارَةً يَقْتَصِرُ عَلَى غَسْلِ الْيَدَيْنِ لَكِنَّ هَذَا فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ خَاصَّةً ، وَأَمَّا فِي النَّوْمِ وَالْمُعَاوَدَةِ فَهُوَ كَوُضُوءِ الصَّلَاةِ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ لِلْأَحَادِيثِ الْمُصَرِّحَةِ فِيهِمَا بِأَنَّهُ كَوُضُوءِ الصَّلَاةِ .
الفقه الإسلامي وأصوله - (ج 1 / ص 205)
الثالث- مندوب: في أحوال كثيرة منها ما يأتي:
أ- التوضؤ لكل صلاة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء، ومع كل وضوء بسواك" رواه أحمد، ويندب تجديد الوضوء إذا كان قد أدى بالسابق صلاة : فرضاً أو نفلاً، لأنه نور على نور، وإن لم يؤد به عملاً مقصوداً شرعاً كان إسرافاً، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات" رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، كما يندب المداومة على الوضوء لما روى ابن ماجه والحاكم وأحمد والبيهقي عن ثوبان: "استقيموا ولن تُحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن". رواه البخاري
ب- مس الكتب الشرعية من تفسير وحديث وعقيدة وفقه ونحوها، لكن إذا كان القرآن أكثر من التفسير، حرم المس.
جـ- للنوم على طهارة وعقب الاستيقاظ من النوم مبادرة للطهارة، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم إني أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت". رواه البخاري.
د- قبل غسل الجنابة، وللجنب عند الأكل والشرب والنوم ومعاودة الوطء، لورود السنة به، قالت عائشة: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان جنباً، فأراد أن يأكل أو ينام، توضأ" رواه مسلم وقالت أيضاً: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذا أراد أن ينام وهو جنب، غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة" رواه أبو داود والترمذي وقال أبو سعيد الخدري: "إذا أتى أحدكم أهله، ثم أراد أن يعود، فليتوضأ".
هـ- بعد ثورة الغضب، لأن الوضوء يطفئه، روى أحمد في مسنده: "فإذا غضب أحدكم فليتوضأ".
و- لقراءة القرآن، ودراسة الحديث وروايته، ومطالعة كتب العلم الشرعي، اهتماماً بشأنها، وكان مالك يتوضأ ويتطهر عند إملاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تعظيماً له.
ز- للأذان والإقامة وإلقاء خطبة ولو خطبة زواج، وزيارة النبي صلى الله عليه وسلم، وللوقوف بعرفة، وللسعي بين الصفا والمروة، لأنها في أماكن عبادة.
حـ- بعد ارتكاب خطيئة، من غيبة وكذب ونميمة ونحوها، لأن الحسنات تمحو السيئات، قال صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطا إلى المساجد، وانتظار صلاة بعد صلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط". رواه مسلم.
ط- بعد قهقهة خارج الصلاة، لأنها حدث صورة.
ي- بعد غسل ميت وحمله، لقوله صلى الله عليه وسلم : "من غسل ميتاً فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ". رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان
ك- للخروج من خلاف العلماء، كما إذا لمس امرأة، أو لمس فرجه ببطن كفه، أو بعد أكل لحم الجزور، لقول بعضهم بالوضوء منه، ولتكون عبادته صحيحة بالاتفاق عليها، استبراء لدينه.
فتاوى ابن باز 1-18 - (ج 10 / ص 117)
الغسل أولا لمن استيقظ جنبا عند شروق الشمس
س : سؤال من : س . م- من نواكشوط يقول : استيقظت في حدود شروق الشمس مجنبا فإذا دخلت في الغسل ستشرق الشمس ، هل أتيمم وأصلي ، أم أغتسل ثم أصلي؟
ج : عليك أن تغتسل وتكمل طهارتك ثم تصلي ، وليس لك التيمم والحال ما ذكر . لأن الناسي والنائم مأموران أن يبادرا بالصلاة وما يلزم لها من حين الذكر والاستيقاظ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ومعلوما أنه لا صلاة إلا بطهور لقول النبي صلى الله عليه وسلم : لا تقبل صلاة بغير طهور ومن وجد الماء فطهوره الماء ، فإن عدمه صلى بالتيمم؛ لقول الله عز وجل : فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ الآية من سورة المائدة .
والواجب عليك أن تهتم بصلاتك ، وأن تعنى بها غاية العناية بوضع منبه عند رأسك ، أو تكليف من يوقظك من أهلك عند دخول الوقت؛ حتى تؤدي ما أوجب الله عليك من الصلاة مع إخوانك المسلمين في بيوت الله عز وجل ، وحتى تسلم من مشابهة المنافقين الذين يتأخرون عن الصلاة ، ولا يأتونها إلا كسالى .
أعاذنا الله وإياك وسائر المسلمين من صفاتهم وأخلاقهم .
والله ولي التوفيق .
نشرت في مجلة الدعوة في العدد (1211) بتاريخ 13 / 3 / 1410هـ .
جماع الرجل لزوجته أكثر من مرة بدون اغتسال بينهما
س : هل يجوز للرجل أن يجامع زوجته مرتين بدون اغتسال بين الأول والثاني والثالث مثلا؟
ج : يجوز له ذلك ، والاغتسال أحسن ، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على فعله وتركه ، فروى أصحاب السنن ، وأحمد من حديث رافع بن خديج ، أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه ذات ليلة يغتسل عند هذه وهذه فقيل يا رسول الله ألا تجعله غسلا واحدا؟ فقال هذا أزكي وأطيب وثبت في الصحيحين ، عن أنس رضي الله عنه ، أنه صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد .
والسنة أنه إذا أراد أن يعاود الوطء ولم يغتسل أن يتوضأ وضوء الصلاة ، وقد ورد ما يدل على جواز ترك الوضوء أيضا ، فأما ما يدل على سنيته : فما رواه مسلم وغيره ، عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ وفي رواية ابن خزيمة فليتوضأ وضوءه للصلاة
وأما ما يدل على جواز الترك : فما رواه الطحاوي ، من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يجامع ثم يعود ولا يتوضأ
والله الموفق .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 5507)
«ما يستحبّ وما يباح للجنب»
20 - يباح للجنب الذّكر والتّسبيح والدّعاء لما روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: « كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يذكر اللّه على كلّ أحيانه » .
21 - يستحبّ للجنب إذا أراد أن ينام أو يأكل أو يشرب أو يطأ ثانياً أن يغسل فرجه ويتوضّأ وضوءه للصّلاة ، وذلك عند الشّافعيّة والحنابلة ، وهو قول عند المالكيّة : لما روى مسلم : « كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا كان جنباً فأراد أن يأكل أو ينام توضّأ وضوءه » .
وعن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « إذا أتى أحدكم أهله ثمّ أراد أن يعود فليتوضّأ بينهما وضوءاً » رواه مسلم.
وفي القول الثّاني للمالكيّة : أنّ الوضوء للنّوم أو لمعاودة الأهل واجب ، لأنّ الجنب مأمور بالوضوء قبل النّوم ، فهل الأمر للإيجاب أو للنّدب ؟ قولان.
وأجاز الحنفيّة للجنب إذا أراد النّوم أو معاودة الأهل الوضوء وعدمه ، قال الكاسانيّ : لا بأس للجنب أن ينام ويعاود أهله ، لما روي عن عمر رضي الله عنه قال : « يا رسول اللّه أينام أحدنا وهو جنب ؟ قال : نعم » ، ويتوضّأ وضوءه للصّلاة ، وله أن ينام قبل أن يتوضّأ وضوءه للصّلاة ، لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت : « كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمسّ ماء » ولأنّ الوضوء ليس بقربة بنفسه وإنّما هو لأداء الصّلاة ، وليس في النّوم ذلك - وهو قول ابن المسيّب.
لكن استحبّ الحنفيّة بالنّسبة للأكل والشّرب لمن كان جنباً أن يتمضمض ويغسل يديه ، وهو قول ابن المسيّب ، وحكي ذلك عن الإمام أحمد وإسحاق ، وقال مجاهد : يغسل كفّيه.
22 - يصحّ من الجنب أداء الصّوم بأن يصبح صائماً قبل أن يغتسل فإنّ « عائشة وأمّ سلمة قالتا : نشهد على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن كان ليصبح جنباً من غير احتلام ثمّ يغتسل ثمّ يصوم » .
23 - يصحّ أذان الجنب مع الكراهة وهذا في الجملة.
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 111 / ص 3)
وضوء الجنب عند إرادة الأكل والشرب ومعاودة الوطء والنوم
22- ذهب جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه يستحب للجنب الوضوء عند إرادة الأكل والشرب ومعاودة الوطء والنوم لحديث عائشة - رضي الله عنها- " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ للصلاة " .
ولحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كان جنبا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة " ولحديث " إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ " .
قال الطحطاوي أما الوضوء بين الجماعين وعند النوم فالمراد به الشرعي في قول أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والجمهور لما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ للصلاة " وفي رواية " توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام " .
أما الوضوء عند إرادة الأكل والشرب فالمراد به اللغوي لما ورد عن عائشة رضي الله عنها " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه " قال في شرح المشكاة وعليه جمهور العلماء .
وقال أبو يوسف لا يستحب الوضوء بين الجماعين بل هو جائز .
وقال المالكية ليس على الجنب وضوء عند إرادة الأكل والشرب أو معاودة الجماع ولكن يستحب له غسل يديه من الأذى إذا أراد الأكل كما يستحب له غسل فرجه ومواضع النجاسة إذا أراد أن يعاود الجماع ، أما إذا أراد النوم ففي وضوئه ثلاثة أقوال
الأول أنه يندب له الوضوء .
زاد المعاد - (ج 4 / ص 228)
فَصْلٌ هَدْيُهُ [صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْجِمَاعِ ]
[مَقَاصِدُ الْجِمَاعِ ]
وَأَمّا الْجِمَاعُ وَالْبَاهُ فَكَانَ هَدْيُهُ فِيهِ أَكْمَلَ هَدْيٍ يُحْفَظُ بِهِ الصّحّةُ وَتَتِمّ بِهِ اللّذّةُ وَسُرُورُ النّفْسِ وَيَحْصُلُ بِهِ مَقَاصِدُهُ الّتِي وُضِعَ لِأَجْلِهَا فَإِنّ الْجِمَاعَ وُضِعَ فِي الْأَصْلِ لِثَلَاثَةِ أُمُورٍ هِيَ مَقَاصِدُهُ الْأَصْلِيّةُ أَحَدُهَا : حِفْظُ النّسْلِ وَدَوَامُ النّوْعِ إلَى أَنْ تَتَكَامَلَ الْعُدّةُ الّتِي قَدّرَ اللّهُ بُرُوزَهَا إلَى هَذَا الْعَالَمِ . الثّانِي . إخْرَاجُ الْمَاءِ الّذِي يَضُرّ احْتِبَاسُهُ وَاحْتِقَانُهُ بِجُمْلَةِ الْبَدَنِ . الثّالِثُ قَضَاءُ الْوَطَرِ وَنَيْلُ اللّذّةِ وَالتّمَتّعُ بِالنّعْمَةِ وَهَذِهِ وَحْدَهَا هِيَ الْفَائِدَةُ الّتِي فِي الْجَنّةِ إذْ لَا تَنَاسُلَ هُنَاكَ وَلَا احْتِقَانَ يَسْتَفْرِغُهُ الْإِنْزَالُ .
[ الْجِمَاعُ مِنْ أَسْبَابِ الصّحّةِ ]
وَفُضَلَاءُ الْأَطِبّاءِ يَرَوْنَ أَنّ الْجِمَاعَ مِنْ أَحَدِ أَسْبَابِ حِفْظِ الصّحّةِ . قَالَ جالينوس : الْغَالِبُ عَلَى جَوْهَرِ الْمَنِيّ النّارُ وَالْهَوَاءُ وَمِزَاجُهُ حَارّ رَطْبٌ لِأَنّ كَوْنَهُ مِنْ الدّمِ الصّافِي الّذِي تَغْتَذِي بِهِ الْأَعْضَاءُ الْأَصْلِيّةُ وَإِذَا ثَبَتَ فَضْلُ الْمَنِيّ فَاعْلَمْ أَنّهُ لَا يَنْبَغِي إخْرَاجُهُ إلّا فِي طَلَبِ النّسْلِ أَوْ إخْرَاجُ الْمُحْتَقِنِ مِنْهُ فَإِنّهُ إذَا دَامَ احْتِقَانُهُ أَحْدَثَ أَمْرَاضًا رَدِيئَةً مِنْهَا : الْوَسْوَاسُ وَالْجُنُونُ وَالصّرَعُ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَقَدْ يُبْرِئُ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَمْرَاضِ كَثِيرًا فَإِنّهُ إذَا طَالَ احْتِبَاسُهُ فَسَدَ وَاسْتَحَالَ إلَى كَيْفِيّةٍ سُمّيّةٍ تُوجِبُ أَمْرَاضًا رَدِيئَةً كَمَا ذَكَرْنَا وَلِذَلِكَ تَدْفَعُهُ الطّبِيعَةُ بِالِاحْتِلَامِ إذَا كَثُرَ عِنْدَهَا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ . وَقَالَ بَعْضُ السّلَفِ يَنْبَغِي لِلرّجُلِ أَنْ يَتَعَاهَدَ مِنْ نَفْسِهِ ثَلَاثًا : أَنْ لَا يَدَعَ الْمَشْيَ فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ يَوْمًا قَدَرَ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَدَعَ الْأَكْلَ فَإِنّ أَمْعَاءَهُ تَضِيقُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَدَعَ الْجِمَاعَ فَإِنّ الْبِئْرَ إذَا لَمْ تُنْزَحْ ذَهَبَ مَاؤُهَا . وَقَالَ مُحَمّدُ بْنُ زَكَرِيّا : مَنْ تَرَكَ الْجِمَاعَ مُدّةً طَوِيلَةً ضَعُفَتْ قُوَى أَعْصَابِهِ وَانْسَدّتْ مَجَارِيهَا وَتَقَلّصَ ذَكَرُهُ . قَالَ وَرَأَيْتُ جَمَاعَةً تَرَكُوهُ لِنَوْعٍ مِنْ التّقَشّفِ فَبَرُدَتْ [ ص 229 ]
[ مَنَافِعُهُ ]
[ مَحَبّتُهُ لَهُ ]
وَمِنْ مَنَافِعِهِ غَضّ الْبَصَرِ وَكَفّ النّفْسِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْعِفّةِ عَنْ الْحَرَامِ وَتَحْصِيلُ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ فَهُوَ يَنْفَعُ نَفْسَهُ فِي دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُ وَيَنْفَعُ الْمَرْأَةَ وَلِذَلِكَ كَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَعَاهَدُهُ وَيُحِبّهُ وَيَقُولُ حُبّبَ إلَيّ مِنْ دُنْيَاكُمْ : النّسَاءُ وَالطّيبُ وَفِي كِتَابِ " الزّهْدِ " لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ لَطِيفَةٌ وَهِيَ أَصْبِرُ عَنْ الطّعَامِ وَالشّرَابِ وَلَا أَصْبِرُ عَنْهُنّ
[الْحَثّ عَلَى الزّوَاجِ ]
وَحَثّ عَلَى التّزْوِيجِ أُمّتَهُ فَقَالَ تَزَوّجُوا فَإِنّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ . وَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ : خَيْرُ هَذِهِ الْأُمّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً وَقَالَ إنّي أَتَزَوّجُ النّسَاءَ وَأَنَامُ وَأَقُومُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنّتِي فَلَيْسَ مِنّي . وَقَالَ يَا مَعْشَرَ الشّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوّجْ فَإِنّهُ أَغَضّ لِلْبَصَرِ وَأَحْفَظُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصّوْمِ فَإِنّهُ لَهُ وِجَاءٌ [ ص 230 ] وَلَمّا تَزَوّجَ جَابِرٌ ثَيّبًا قَالَ لَهُ هَلّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي " سُنَنِهِ " : مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَلْقَى اللّهَ طَاهِرًا مُطَهّرًا فَلْيَتَزَوّجْ الْحَرَائِرَ وَفِي " سُنَنِهِ " أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ يَرْفَعُهُ قَالَ لَمْ نَرَ لِلْمُتَحَابّيْنِ مِثْلَ النّكَاحِ وَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الدّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدّنْيَا الْمَرْأَةُ الصّالِحَةُ . وَكَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُحَرّضُ أُمّتَهُ عَلَى نِكَاحِ الْأَبْكَارِ الْحِسَانِ وَذَوَاتِ الدّينِ وَفِي " سُنَنِ النّسَائِيّ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيّ النّسَاءِ خَيْرٌ ؟ [ ص 231 ] قَالَ الّتِي تَسُرّهُ إذَا نَظَرَ وَتُطِيعُهُ إذَا أَمَرَ وَلَا تُخَالِفُهُ فِيمَا يَكْرَهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " عَنْهُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ
[ الْحَثّ عَلَى نِكَاحِ الْوَلُودِ ]
وَكَانَ يُحِثّ عَلَى نِكَاحِ الْوَلُودِ وَيَكْرَهُ الْمَرْأَةُ الّتِي لَا تَلِدُ كَمَا فِي " سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ " عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أَنّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ وَإِنّهَا لَا تَلِدُ أَفَأَتَزَوّجُهَا ؟ قَالَ " لَا " ثُمّ أَتَاهُ الثّانِيَةَ فَنَهَاهُ ثُمّ أَتَاهُ الثّالِثَةَ فَقَالَ تَزَوّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ وَفِي التّرْمِذِيّ عَنْهُ مَرْفُوعًا : أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ : النّكَاحُ وَالسّوَاكُ وَالتّعَطّرُ وَالْحِنّاءُ رُوِيَ فِي " الْجَامِعِ " بِالنّونِ وَالْيَاءِ وَسَمِعْت أَبَا الْحَجّاجِ الْحَافِظَ يَقُولُ الصّوَابُ أَنّهُ الْخِتَانُ وَسَقَطَتْ النّونُ مِنْ الْحَاشِيَةِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْمَحَامِلِيّ عَنْ شَيْخِ أَبِي عِيسَى التّرْمِذِيّ .
[ أُمُورٌ تَتَعَلّقُ بِمَا قَبْلَ الْجِمَاعِ ]
وَمِمّا يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ عَلَى الْجِمَاعِ مُلَاعَبَةُ الْمَرْأَةِ وَتَقْبِيلُهَا وَمَصّ [ ص 232 ] وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُلَاعِبُ أَهْلَهُ وَيُقَبّلُهَا . وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي " سُنَنِهِ " أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يُقَبّلُ عَائِشَةَ وَيَمُصّ لِسَانَهَا . وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ الْمُوَاقَعَةِ قَبْلَ الْمُلَاعَبَةِ .
[ الْغُسْلُ مِنْ الْجِمَاعِ ]
وَكَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رُبّمَا جَامَعَ نِسَاءَهُ كُلّهُنّ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ وَرُبّمَا اغْتَسَلَ عِنْدَ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنّ فَرَوَى مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " عَنْ أَنَسٍ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي " سُنَنِهِ " عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ فَاغْتَسَلَ عِنْدَ كُلّ امْرَأَةٍ مِنْهُنّ غُسْلًا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللّهِ لَوْ اغْتَسَلْت غُسْلًا وَاحِدًا فَقَالَ هَذَا أَزْكَى وَأَطْهَرُ وَأَطْيَبُ وَشُرِعَ لِلْمُجَامِعِ إذَا أَرَادَ الْعَوْدَ قَبْلَ الْغَسْلِ الْوُضُوءُ بَيْنَ الْجِمَاعَيْنِ كَمَا رَوَى مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضّأْ
[ مَنَافِعُ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ بَعْدَ الْوَطْءِ ]
وَفِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ بَعْدَ الْوَطْءِ مِنْ النّشَاطِ وَطِيبِ النّفْسِ وَإِخْلَافِ بَعْضِ مَا تَحَلّلَ بِالْجِمَاعِ وَكَمَالِ الطّهْرِ وَالنّظَافَةِ وَاجْتِمَاعِ الْحَارّ الْغَرِيزِيّ إلَى [ ص 233 ] دَاخِلِ الْبَدَنِ بَعْدَ انْتِشَارِهِ بِالْجِمَاعِ وَحُصُولِ النّظَافَةِ الّتِي يُحِبّهَا اللّهُ وَيَبْغَضُ خِلَافَهَا مَا هُوَ مِنْ أَحْسَنِ التّدْبِيرِ فِي الْجِمَاعِ وَحِفْظِ الصّحّةِ وَالْقُوَى فِيهِ .
فَصْلٌ وَقْتُهُ
وَأَنْفَعُ الْجِمَاعِ : مَا حَصَلَ بَعْدَ الْهَضْمِ وَعِنْدَ اعْتِدَالِ الْبَدَنِ فِي حَرّهِ وَبَرْدِهِ وَيُبُوسَتِهِ وَرُطُوبَتِهِ وَخَلَائِهِ وَامْتِلَائِهِ . وَضَرَرُهُ عِنْدَ امْتِلَاءِ الْبَدَنِ أَسْهَلُ وَأَقَلّ مِنْ ضَرَرِهِ عِنْدَ خُلُوّهِ وَكَذَلِكَ ضَرَرُهُ عِنْدَ كَثْرَةِ الرّطُوبَةِ أَقَلّ مِنْهُ عِنْدَ الْيُبُوسَةِ وَعِنْدَ حَرَارَتِهِ أَقَلّ مِنْهُ عِنْدَ بُرُودَتِهِ وَإِنّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُجَامِعَ إذَا اشْتَدّتْ الشّهْوَةُ وَحَصَلَ الِانْتِشَارُ التّامّ الّذِي لَيْسَ عَنْ تَكَلّفٍ وَلَا فِكْرٍ فِي صُورَةٍ وَلَا نَظَرٍ مُتَتَابِعٍ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَدْعِيَ شَهْوَةَ الْجِمَاعِ وَيَتَكَلّفَهَا وَيَحْمِلَ نَفْسَهُ عَلَيْهَا وَلْيُبَادِرْ إلَيْهِ إذَا هَاجَتْ بِهِ كَثْرَةُ الْمَنِيّ وَاشْتَدّ شَبَقُهُ
[التّحْذِيرُ مِنْ جِمَاعِ الْعَجُوزِ وَالصّغِيرَةِ ]
وَلْيَحْذَرْ جِمَاعَ الْعَجُوزِ وَالصّغِيرَةِ الّتِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا وَاَلّتِي لَا شَهْوَةَ لَهَا وَالْمَرِيضَةُ وَالْقَبِيحَةُ الْمَنْظَرِ وَالْبَغِيضَةُ فَوَطْءُ هَؤُلَاءِ يُوهِنُ الْقُوَى وَيُضْعِفُ الْجِمَاعَ بِالْخَاصّيّةِ .
[ جِمَاعُ الثّيّبِ ]
وَغَلِطَ مَنْ قَالَ مِنْ الْأَطِبّاءِ إنّ جِمَاعَ الثّيّبِ أَنْفَعُ مِنْ جِمَاعِ الْبِكْرِ وَأَحْفَظُ لِلصّحّةِ وَهَذَا مِنْ الْقِيَاسِ الْفَاسِدِ حَتّى رُبّمَا حَذّرَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ عُقَلَاءُ النّاسِ وَلِمَا اتّفَقَتْ عَلَيْهِ الطّبِيعَةُ وَالشّرِيعَةُ .
[ أَسْبَابُ التّرْغِيبِ بِالْبِكْرِ ]
وَفِي جِمَاعِ الْبِكْرِ مِنْ الْخَاصّيّةِ وَكَمَالِ التّعَلّقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مُجَامِعِهَا وَامْتِلَاءِ قَلْبِهَا مِنْ مَحَبّتِهِ وَعَدَمِ تَقْسِيمِ هَوَاهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مَا لَيْسَ لِلثّيّبِ . وَقَدْ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِجَابِرٍ هَلّا تَزَوّجْتَ بِكْرًا وَقَدْ جَعَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ كَمَالِ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنّةِ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ أَنّهُنّ لَمْ يَطْمِثْهُنّ أَحَدٌ قَبْلَ مَنْ جُعِلْنَ لَهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ . وَقَالَتْ عَائِشَةُ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرَأَيْتَ لَوْ مَرَرْتَ بِشَجَرَةٍ قَدْ أُرْتِعَ فِيهَا وَشَجَرَةٍ لَمْ يُرْتَعْ فِيهَا فَفِي أَيّهِمَا كُنْت تُرْتِعُ بَعِيرَك ؟ قَالَ فِي الّتِي لَمْ يُرْتَعْ فِيهَا [ ص 234 ] وَجِمَاعُ الْمَرْأَةِ الْمَحْبُوبَةِ فِي النّفْسِ يَقِلّ إضْعَافُهُ لِلْبَدَنِ مَعَ كَثْرَةِ اسْتِفْرَاغِهِ لِلْمَنِيّ وَجِمَاعُ الْبَغِيضَةِ يُحِلّ الْبَدَنَ وَيُوهِنُ الْقُوَى مَعَ قِلّةِ اسْتِفْرَاغِهِ وَجِمَاعُ الْحَائِضِ حَرَامٌ طَبْعًا وَشَرْعًا فَإِنّهُ مُضِرّ جِدّا وَالْأَطِبّاءُ قَاطِبَةً تُحَذّرُ مِنْهُ .
[ أَحْسَنُ أَشْكَالِهِ ]
وَأَحْسَنُ أَشْكَالِ الْجِمَاعِ أَنْ يَعْلُوَ الرّجُلُ الْمَرْأَةَ مُسْتَفْرِشًا لَهَا بَعْدَ الْمُلَاعَبَةِ وَالْقُبْلَةِ وَبِهَذَا سُمّيَتْ الْمَرْأَةُ فِرَاشًا كَمَا قَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَهَذَا مِنْ تَمَامِ قَوّامِيّةِ الرّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : { الرّجَالُ قَوّامُونَ عَلَى النّسَاءِ } [ النّسَاءِ 34 ] وَكَمَا قِيلَ
إذَا رُمْتُهَا كَانَتْ فِرَاشًا يُقِلّنِي
وَعِنْدَ فَرَاغِي خَادِمٌ يَتَمَلّقُ
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { هُنّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنّ } [ الْبَقَرَةِ 187 ] وَأَكْمَلُ اللّبَاسِ وَأَسْبَغُهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ فَإِنّ فِرَاشَ الرّجُلِ لِبَاسٌ لَهُ وَكَذَلِكَ لِحَافُ الْمَرْأَةِ لِبَاسٌ لَهَا فَهَذَا الشّكْلُ الْفَاضِلُ مَأْخُوذٌ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَبِهِ يَحْسُنُ مَوْقِعُ اسْتِعَارَةِ اللّبَاسِ مِنْ كُلّ مِنْ الزّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ . وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنّهَا تَنْعَطِفُ عَلَيْهِ أَحْيَانًا فَتَكُونُ عَلَيْهِ كَاللّبَاسِ قَالَ الشّاعِرُ
إذَا مَا الضّجِيعُ ثَنَى جِيدَهَا تَثَنّتْ فَكَانَتْ عَلَيْهِ لِبَاسًا
[ أَرْدَأُ أَشْكَالِهِ ]
وَأَرْدَأُ أَشْكَالِهِ أَنْ تَعْلُوَهُ الْمَرْأَةُ وَيُجَامِعَهَا عَلَى ظَهْرِهِ وَهُوَ خِلَافُ الشّكْلِ الطّبِيعِيّ الّذِي طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهِ الرّجُلَ وَالْمَرْأَةَ بَلْ نَوْعَ الذّكَرِ وَالْأُنْثَى وَفِيهِ مِنْ الْمَفَاسِدِ أَنّ الْمَنِيّ يَتَعَسّرُ خُرُوجُهُ كُلّهُ فَرُبّمَا بَقِيَ فِي الْعُضْوِ مِنْهُ فَيَتَعَفّنُ وَيَفْسُدُ فَيَضُرّ وَأَيْضًا : فَرُبّمَا سَالَ إلَى الذّكَرِ رُطُوبَاتٌ مِنْ الْفَرْجِ وَأَيْضًا فَإِنّ الرّحِمَ لَا [ ص 235 ] كَانَتْ فَاعِلَةً خَالَفَتْ مُقْتَضَى الطّبْعِ وَالشّرْعِ . وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ إنّمَا يَأْتُونَ النّسَاءَ عَلَى جُنُوبِهِنّ عَلَى حَرْفٍ وَيَقُولُونَ هُوَ أَيْسَرُ لِلْمَرْأَةِ . وَكَانَتْ قُرَيْشٌ وَالْأَنْصَارُ تَشْرَحُ النّسَاءَ عَلَى أَقْفَائِهِنّ فَعَابَتْ الْيَهُودُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ } [ الْبَقَرَةِ 223 ] . وَفِي " الصّحِيحَيْنِ " عَنْ جَابِرٍ قَالَ كَانَتْ الْيَهُودُ تَقُولُ إذَا أَتَى الرّجُلُ امْرَأَتَهُ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا كَانَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ } وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ إنْ شَاءَ مُجَبّيَةً وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مُجَبّيَةٍ غَيْرَ أَنّ ذَلِكَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ " وَالْمُجَبّيَةُ الْمُنْكَبّةُ عَلَى وَجْهِهَا وَالصّمَامُ الْوَاحِدُ الْفَرْجُ وَهُوَ مَوْضِعُ الْحَرْثِ وَالْوَلَدِ .(1/84)
142-7798 أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ حَفْصٍ وَهُوَ ابْنُ غِيَاثٍ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ أَتَى أَهْلَهُ أَوَّلَ اللَّيْلِ ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ مِنْ آخِرِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَ ذَلِكَ وُضُوءًا " خَالَفَهُمَا هَمَّامٌ(1)
143-7799 أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ : حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الَّذِي يَمَسُّ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يَعُودَ قَالَ : " يَتَوَضَّأُ قَبْلَ أَنْ يَعُودَ " قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ : هَذَا خَطَأٌ ، وَالصَّوَابُ حَدِيثُ ابْنُ الْمُبَارَكِ ، وَحَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ (2)
__________
(1) - حديث صحيح
(2) - المسند الجامع برقم( 4195 ) ومسلم برقم(733) نحوه والترمذي برقم(141)
والصواب أنه صحيح فالمعنى واحد(1/85)
الْجُنُبُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَذِكْرُ اخْتِلَافِ النَّاقِلِينَ لِخَبَرِ عَائِشَةَ فِي ذلك
144-7800 أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ : حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ ، وَأَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ : سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ قَالَ : حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ "(1)
-----------------------
(1) - أخرجه مسلم برقم(725) وأبو داود برقم(222) ونص برقم(260) وابن ماجة برقم(627) وأحمد برقم(24811 و25345 و25451 و25616 و25846 و26394 و26733)
عون المعبود - (ج 1 / ص 256)
192 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ )
: لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيث ذِكْر الْأَكْل لِلْجُنُبِ الَّذِي بَوَّبَ لَهُ ، لَكِنْ حَدِيث عَائِشَة الْآتِي فِيهِ ذِكْره فَعُلِمَ أَنَّ الْحَدِيث فِيهِ اِخْتِصَار .
( عَنْ الزُّهْرِيّ بِإِسْنَادِهِ )
: الْمَذْكُور قَبْل هَذَا عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ عَائِشَة
( وَمَعْنَاهُ )
: أَيْ مَعْنَى حَدِيث سُفْيَان الَّذِي قَبْل هَذَا لَا بِلَفْظِهِ
( زَادَ )
: أَيْ يُونُس عَنْ الزُّهْرِيّ فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَة بَيَان قِصَّتَيْنِ : قِصَّة الْأَكْل وَقِصَّة النَّوْم
( مَقْصُورًا )
: أَيْ اِقْتَصَرَ اِبْن وَهْب فِي رِوَايَته عَلَى ذِكْر أَكْل الْجُنُب وَلَمْ يَذْكُر قِصَّة النَّوْم
( صَالِح بْن أَبِي الْأَخْضَر )
: قَالَ الْحَافِظ فِي التَّقْرِيب : ضَعِيف يُعْتَبَر بِهِ
( كَمَا قَالَ اِبْن الْمُبَارَك )
: بِذِكْرِ الْقِصَّتَيْنِ
( عَنْ عُرْوَة أَوْ أَبِي سَلَمَة )
: بِالشَّكِّ فِي الرَّاوِي عَنْ عَائِشَة
( وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يُونُس )
: أَيْ عَنْ يُونُس عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ عَائِشَة مِنْ غَيْر شَكّ بِذِكْرِ قِصَّة الْأَكْل وَالنَّوْم مَعًا . وَهَذِهِ الْأَحَادِيث تَدُلّ عَلَى أَنَّ الْجُنُب لَهُ أَنْ يَأْكُل أَوْ يَشْرَب مِنْ غَيْر التَّوَضِّي وَالِاغْتِسَال ، وَالْبَاب الْآتِي يَدُلّ عَلَى اِسْتِحْبَاب التَّوَضِّي فَلَا مُنَافَاة بَيْنهمَا وَاَللَّه أَعْلَم .
حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 2 / ص 12)
577 - قَوْله ( تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ )
أَيْ كَوُضُوءِ الصَّلَاة ذَكَرَهُ لِدَفْعِ أَنْ يُتَوَهَّم أَنَّ الْمُرَاد الْوُضُوء لُغَة وَيُحْمَل هَذَا عَلَى أَنَّهُ الْغَالِب لِلتَّوْفِيقِ بَيْنه وَبَيْن مَا تَقَدَّمَ وَفَائِدَة هَذَا الْوُضُوء تَخْفِيف الْجَنَابَة .
المحلى لابن حزم - (ج 1 / ص 51)
118 - مَسْأَلَةٌ : وَيُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ لِلْجُنُبِ إذَا أَرَادَ الأَكْلَ أَوْ النَّوْمَ وَلِرَدِّ السَّلاَمِ وَلِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى , وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ.
فإن قيل : فَهَلاَّ أَوْجَبْتُمْ ذَلِكَ كُلَّهُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلاَّ عَلَى طُهْرٍ وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إذْ ذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ وَلِمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ.
قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : أَمَّا الْحَدِيثُ فِي كَرَاهَةِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى إلاَّ عَلَى طُهْرٍ فَإِنَّهُ مَنْسُوخٌ بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا صَدَقَةٌ ، حدثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حدثنا الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ حَدَّثَنِي جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ ، حدثنا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ : لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ , لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ , الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ ، وَلاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ، وَلاَ حَوْلَ ، وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاَللَّهِ , ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي , أَوْ دَعَا اُسْتُجِيبَ لَهُ , فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ
قَالَ عَلِيٌّ : فَهَذِهِ إبَاحَةٌ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ الاِنْتِبَاهِ مِنْ النَّوْمِ فِي اللَّيْلِ وَقَبْلَ الْوُضُوءِ نَصًّا , وَهِيَ فَضِيلَةٌ , وَالْفَضَائِلُ لاَ تُنْسَخُ لاَِنَّهَا مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْنَا , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ? الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَهَذَا أَمْرٌ بَاقٍ غَيْرُ مَنْسُوخٍ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ.
وَقَالَ تَعَالَى ? إنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ فَهَذَا عُمُومُ ضَمَانٍ لاَ يَخِيسُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ? إنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ وَقَدْ أَيْقَنَّا بِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ إخْبَارِهِ عليه السلام ، أَنَّهُ قَالَ : لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ أَنَّ جَمِيعَ الآُمَّةِ لاَ تُغَيِّرُ أَصْلاً. وَإِذَا صَحَّ أَنَّ الآُمَّةَ كُلَّهَا لاَ تُغَيِّرُ أَبَدًا , فَقَدْ أَيْقَنَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لاَ يُغَيِّرُ نِعَمَهُ عِنْدَ الآُمَّةِ أَبَدًا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.(1/85)
144م-7801 أَخْبَرَنِي صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ (1)
145-7802 أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ فَأَرَادَ أَنْ يَرْقُدَ ، تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ " قَالَ النَّسَائِيُّ : الصَّوَابُ حَدِيثُ إِسْحَاقَ ، وَحِدِيثُ عَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ خَطَأٌ (2)
146-7803 الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأنا أَسْمَعُ ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ ، عَنِ اللَّيْثِ ، وَيُونُسَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ ، وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ "(3)
147-7804 أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَنَّ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ قَالَتْ : " غَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَأْكُلُ وَيُشْرَبُ "(4)
__________
(1) - الصواب أنه صحيح انظر الذي قبله فهو بنفس اللفظ
(2) -إسحاق برقم(921) وهو صحيح
قلت : وما أعله به النسائي فيه نظر
(3) - أخرجه مسلم برقم(725) ونص برقم(260)
شرح الزرقاني على موطأ مالك - (ج 1 / ص 199)
قال ابن عبد البر: أردف مالك حديث ابن عمر بقول عائشة هذا لإفادة أن الوضوء المأمور به ليس للصلاة. قلت: ولإفادة أنه مثله خلافاً لمن ذهب إلى أن الوضوء المأمور به غسل الأذى وغسل ذكره ويديه وهو التنظف، قال مالك في المجموعة: ولا يبطل هذا الوضوء ببول ولا غائط ولا يبطل بشيء إلا بمعاودة الجماع، ونظمه القائل:
إذا سئلت وضوءاً ليس ينقضه سوى الجماع وضوء النوم للجنب
(4) - أخرجه مسلم برقم(725)
فيض القدير، شرح الجامع الصغير، الإصدار 2 - (ج 11 / ص 28)
6548 - (كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ) أي غسل أعضاءه الأربعة بالنية ولما كان الوضوء لغوياً وشرعياً دفع توهم إرادة اللغوي الذي هو مطلق النظافة بقوله (وضوءه للصلاة) احترازاً عن الوضوء اللغوي فيسن وضوء الجنب للنوم ويكره تركه ونقل ابن العربي عن مالك والشافعي أنه لا يجوز النوم بدونه إن أراد به نفي الحل المستوي الطرفين فمسلم وإلا فهو باطل عند الشافعي إذ لم يقل هو ولا أحد من صحبه بوجوبه ونوم المصطفى صلى اللّه عليه وسلم بغير وضوء وهو جنب بفرض صحة الخبر به لبيان الجواز وحكمة الوضوء تخفيف الحدث سيما إن قلنا بجواز تفريق الغسل فينويه فيرتفع الحدث عن تلك الأعضاء ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة بسند قال ابن حجر: رجاله ثقات عن شداد رفعه إذا أجنب أحدكم من الليل ثم أراد أن ينام فليتوضأ فإنه نصف غسل الجنابة وقيل حكمته أنه أحد الطهارتين وعليه فيقوم التيمم مقامه وقد روى البيهقي بإسناد قال ابن حجر: حسن عن عائشة كان إذا أجنب فأراد أن ينام توضأ أو تيمم أي عند فقد الماء وقيل حكمته أن ينشط إلى العود أو الغسل ونقل ابن دقيق العيد عن نص الشافعي أنه مثل الجنب الحائض بعد الانقطاع وفيه ندب التنظف عند النوم قال ابن الجوزي: وحكمته أن الملائكة تبعد عن الوسخ والريح الكريه بخلاف الشياطين (وإذا أراد أن يأكل أو يشرب وهو جنب غسل يديه ثم يأكل ويشرب) لأن أكل الجنب بدون ذلك يورث الفقر كما جاء في خبر الديلمي عن شداد بن أوس يرفعه: ثلاث تورث الفقر أكل الرجل وهو جنب قبل أن يغسل يديه وقيامه عرياناً بلا مئزر وسترة والمرأة تشتم زوجها في وجهه.
- (د ن ه عن عائشة) قال الهيثمي: رجاله ثقات وفي الميزان عن ابن عدي: منكر.
الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار - (ج 1 / ص 243)
1 ( 19 - باب وضوء الجنب إذا أراد أن ينام أو يطعم قبل أن يغتسل )
90 - مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أنه قال ذكر عمر بن الخطاب لرسول الله أنه يصيبه جنابة من الليل فقال له رسول الله ( ( توضأ واغسل ذكرك ثم نم ) )
( وهذا من التقديم والتأخير أراد اغسل ذكرك )
وكذلك رواه سفيان الثوري وشعبة عن عبد الله بن دينار عن بن عمر فقالا فيه يغسل ذكره ويتوضأ
وقد رواه عن مالك جماعة كذلك في غير الموطإ ولم يختلف رواة الموطإ أنه كما رواه يحيى توضأ واغسل ذكرك ثم نم
ورواية بن جريج لهذا الحديث عن نافع كرواية الثوري وشعبة عن بن عيينة عن عبد الله بن دينار في المعنى
قال فيه إن عمر استفتى النبي - عليه السلام - فقال أينام أحدنا وهو جنب قال نعم ليتوضأ
ولم يذكر غسل الذكر في الوضوء لا قبل ولا بعد لقول عائشة
91 - إذا أصاب أحدكم المرأة ثم أراد أن ينام فلا ينم حتى يتوضأ وضوءه
---
الاستذكار ج:1 ص:278
للصلاة ليبين أن الوضوء الذي أمر به النبي - عليه السلام - عمر بن الخطاب هو الوضوء للصلاة ثم أتبعه بفعل بن عمر أنه كان لا يغسل رجليه إذا توضأ وهو جنب للأكل أو للنوم
ولم يعجب مالكا فعل بن عمر وأظنه أدخله إعلاما أن ذلك الوضوء ليس بلازم وما أعلم أحدا من أهل العلم أوجبه فرضا إلا طائفة من أهل الظاهر وأما سائر الفقهاء بالأمصار فلا يوجبونه وأكثرهم يأمرون به ويستحبونه
وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وجماعة الصحابة والتابعين
قال مالك لا ينام الجنب حتى يتوضأ وضوءه للصلاة قال وله أن يعاود أهله ويأكل قبل أن يتوضأ إلا أن يكون في يده قذر فيغسلها
قال وأما الحائض فتنام قبل أن تتوضأ وقول الشافعي في هذا كله نحو قول مالك
وقال الليث بن سعد لا ينام الجنب حتى يتوضأ رجلا كان أو امرأة
وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري لا بأس أن ينام الجنب على غير وضوء وأحب إليهم أن يتوضأ قال فإذا أراد أن يأكل مضمض وغسل يديه وهو قول الحسن بن حي
وقال الأوزاعي الحائض والجنب إذا أرادا أن يأكلا أو يناما غسلا أيديهما
وقال سعيد بن المسيب إن شاء الجنب نام قبل أن يتوضأ
قال أبو عمر وقد ذكرنا الآثار المرفوعة عن عمر وعائشة عن النبي - عليه السلام - في وضوء الجنب عند النوم ولم تختلف عنهما الآثار في ذلك إلا من رواية من أخطأ في الحديث عند أهل العلم به على ما بيناه في التمهيد
واختلفت الرواية المرفوعة عن عائشة في وضوء الجنب عند النوم
وأحسن الأسانيد عن عائشة في ذلك ما رواه بن المبارك وغيره عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة قالت كان رسول الله إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وإذا أراد أن يأكل ويشرب غسل يديه ثم يأكل ويشرب
---
الاستذكار ج:1 ص:279
وقد ذكرنا الاختلاف عنه في هذا الحديث وذكرنا طرق حديث عائشة وطرق حديث بن عمر عن عمر بذلك في التمهيد
ورواه الحكم عن إبراهيم عن الحسن عن عائشة أن النبي - عليه السلام - كان إذا أراد أن يأكل أو ينام - وهو جنب - توضأ
وذكر أحمد بن زهير عن أحمد بن حنبل عن يحيى القطان قال ترك شعبة حديث الحكم في الجنب إذا أراد أن يأكل
وأما حجة من ذهب من الكوفيين وغيرهم إلى أن الجنب لا بأس أن ينام قبل أن يتوضأ فحديث ذكره أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة قال حدثنا عطاء الخرساني عن يحيى بن يعمر عن عمار بن ياسر أن النبي - عليه السلام - رخص للجنب إذا أكل أو شرب أو نام أن يتوضأ
وقالوا معناه ألا يتوضأ لأنه في ذلك رخصة وهذا محتمل للتأويل لا حجة فيه
قال أبو داود وبين يحيى بن يعمر وعمار بن ياسر فيه رجل
وروى سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة أن النبي - عليه السلام - كان ينام وهو جنب ولا يمس ماء
قال سفيان وهذا الحديث خطأ ونحن نقول به
وقد أوضحنا قول سفيان هذا في ( ( التمهيد ) ) وقد عارض حديث بن عمر وحديث عائشة في هذا الباب بحديث سعيد بن الحويرث عن بن عباس أن رسول الله خرج من الخلاء فأتى بطعام فقالوا ألا نأتيك بطهر فقال ( ( لا أصلي فأتطهر ) ) وبعضهم يقول فيه ألا تتوضأ فقال ( ( ما أردت الصلاة فأتوضأ ) ) ثم تناول عرقا فأكل منه ولم يمس ماء
وهو حديث صحيح رواه أيوب وحماد بن زيد وسفيان بن عيينة وبن جريج عن عمرو بن دينار سمع سعيد بن الحويرث سمع بن عباس وقد سمعه بن جريج من سعيد بن الحويرث وطرقه في التمهيد
قالوا ففي هذا الحديث أن الوضوء لا يكون إلا لمن أراد الصلاة وذلك رفع الوضوء عند النوم وعند الأكل والله أعلم(1/86)
148-7805 أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ قَالَ : حَدَّثَنَا صَالِحٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، وَأَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ يَأْكُلُ ، وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ يَدَيْهِ "(1)
149-7806 أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ وَهُوَ ابْنُ زُرَيْعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الْأَسْوَدِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَأْكُلَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ " خَالَفَهُ مَنْصُورٌ (2)
150-7807 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ : حَدَّثَنَا ثُمَّ ، ذَكَرَ عَلَى أَثَرِهِ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ " إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ "(3)
151- 7808 أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : حَدَّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ " إِذَا أَجْنَبَ ، فَأَرَادَ أَنْ يَنَامَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ " (4)
152-7809 أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : " الْجُنُبُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ "(5)
153-7810 أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ مُغِيرَةَ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : " لَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْرَبَ وَإِنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ " خَالَفَهُمْ أَبُو إِسْحَاقَ (6)
154- 7811 أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ ، عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الْأَسْوَدِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَمَسُّ مَاءً (7)
__________
(1) - صحيح
(2) - أحمد برقم(26344) ومسند أبو عوانة برقم(611) صحيح
الجُنُب : الذي يجب عليه الغُسْل بالجِماع وخُروجِ المّنيّ، والجنَابة الاسْم، وهي في الأصل : البُعْد. وسُمّي الإنسان جُنُبا لأنه نُهِيَ أن يَقْرَب مواضع الصلاة ما لم يَتَطَهَّر. وقيل لمُجَانَبَتِه الناسَ حتى يَغْتَسل
(3) - صحيح
(4) - صحيح لغيره ولا يضر الجهالة فيه لوصله من طريق آخر صحيح
(5) - أخرجه ابن أبي شيبة برقم( 671 ) صحيح مقطوع
(6) -صحيح مقطوع
(7) - الترمذي برقم(118) وأحمد برقم(25878و26119) والبيهقي في السنن برقم(1010و1014) حديث صحيح وأنكر بعضهم الجملة الأخيرة لوروده بأسانيد أقوى منها
التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير - (ج 1 / ص 259)
187 - ( 9 ) - حَدِيثُ عَائِشَةَ : { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ ، تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِمَعْنَاهُ ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ عَنْهَا : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ جُنُبًا وَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ ، تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ } وَلَهُمَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ : { كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ ، تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ } وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْهَا : { إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ ، غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ } وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ ، بِلَفْظِهِ إلَى قَوْلِهِ : تَوَضَّأَ " وَهُوَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ .
وَرَوَى ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ ، عَنْ الْقَطَّانِ قَالَ : تَرَكَ شُعْبَةُ حَدِيثَ الْحَكَمِ فِي الْجُنُبِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ .
قُلْتُ : قَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِهِ فَلَعَلَّهُ تَرَكَهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ لِتَفَرُّدِهِ بِذِكْرِ الْأَكْلِ ، كَمَا حَكَاهُ الْخَلَّالُ عَنْ أَحْمَدَ ، وَقَدْ رُوِيَ الْوُضُوءُ عِنْدَ الْأَكْلِ لِلْجُنُبِ ، مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ ، عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ وَابْنِ خُزَيْمَةَ ، وَمِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ ، وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، بِلَفْظِ { كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ ، تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ غَسَلَ يَدَيْهِ ، ثُمَّ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ } وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ الْأَسْوَدِ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ : { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ ، وَلَا يَمَسُّ مَاءً } فَقَالَ أَحْمَدُ : إنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد : هُوَ وَهْمٌ ، وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونُ : هُوَ خَطَأٌ ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ الْحَدِيثَ دُونَ قَوْلِهِ : وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً " وَكَأَنَّهُ حَذَفَهَا عَمْدًا ، لِأَنَّهُ عَلَّلَهَا فِي كِتَابِ التَّمْيِيزِ ، وَقَالَ مُهَنَّا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ : لَا يَحِلُّ أَنْ يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ ، وَفِي عِلَلِ الْأَثْرَمِ : لَوْ لَمْ يُخَالِفْ أَبَا إِسْحَاقَ فِي هَذَا ؛ إلَّا إبْرَاهِيمُ وَحْدَهُ لَكَفَى .
فَكَيْفَ وَقَدْ وَافَقَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ ، وَكَذَلِكَ رَوَى عُرْوَةُ وَأَبُو سَلَمَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، وَقَالَ ابْنُ مُفَوِّزٍ : أَجْمَعَ الْمُحَدِّثُونَ عَلَى أَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ .
كَذَا قَالَ ، وَتَسَاهَلَ فِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ ، فَقَدْ صَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ ، وَقَالَ : إنَّ أَبَا إِسْحَاقَ قَدْ بَيَّنَ سَمَاعَهُ مِنْ الْأَسْوَدِ فِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ عَنْهُ ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ عَلَى مَا حَكَاهُ الْحَاكِمُ ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ الْفَقِيهِ عَنْهُ ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ : يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرَانِ صَحِيحَيْنِ ، قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : يَرَوْنَ أَنَّ هَذَا غَلَطٌ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَمَسُّ مَاءً لِلْغُسْلِ ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عِنْدَ أَحْمَدَ بِلَفْظِ : { كَانَ يُجْنِبُ مِنْ اللَّيْلِ ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ حَتَّى يُصْبِحَ ، وَلَا يَمَسُّ مَاءً } أَوْ كَانَ يَفْعَلُ الْأَمْرَيْنِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ ، وَبِهَذَا جَمَعَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ هُشَيْمٌ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ عَائِشَةَ مِثْلُ رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ الْأَسْوَدِ ، وَمَا رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ { ابْنِ عُمَرَ : أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ ؟ قَالَ نَعَمْ وَيَتَوَضَّأُ إنْ شَاءَ } وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ دُونَ قَوْلِهِ : إنْ شَاءَ " ، كَمَا سَيَأْتِي .
تحفة الأحوذي - (ج 1 / ص 144)
111 - قَوْلُهُ : ( قَالَ نَعَمْ إِذَا تَوَضَّأَ )
الْمُرَادُ بِهِ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ لَا اللُّغَوِيُّ ، لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ . قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَيْ تَوَضَّأَ وُضُوءً كَمَا لِلصَّلَاةِ ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُ تَوَضَّأَ لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ تَوَضَّأَ وُضُوءًا شَرْعِيًّا لَا لُغَوِيًّا اِنْتَهَى ، وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ غَيْرُ وَاجِبٍ ، فَالْجُمْهُورُ قَالُوا بِالثَّانِي ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَمَسُّ مَاءً ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِيهِ مَقَالًا لَا يَنْتَهِضُ بِهِ لِلِاسْتِدْلَالِ ، وَبِحَدِيثِ طَوَافِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعَى هُنَا دَلِيلٌ ، وَبِحَدِيثِ اِبْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا إِنَّمَا أُمِرْت بِالْوُضُوءِ إِذَا قُمْت إِلَى الصَّلَاةِ لَيْسَ فِيهِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى الْمُدَّعَى كَمَا لَا يَخْفَى ، وَذَهَبَ دَاوُدُ وَجَمَاعَةٌ إِلَى الْأَوَّلِ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ ، فَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ لِيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لِيَنَمْ ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَك ثُمَّ نَمْ ، قَالَ الشَّوْكَانِيُّ : يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ بِحَمْلِ الْأَمْرِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَخْرَجَ اِبْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِمَا مِنْ حَدِيثِ اِبْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ قَالَ نَعَمْ وَيَتَوَضَّأُ إِنْ شَاءَ . اِنْتَهَى ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَمَسُّ مَاءً رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ فَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَلَوْ صُحِّحَ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا يَعْنِي لِحَدِيثِ اِبْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ ، بَلْ كَانَ لَهُ جَوَابَانِ : أَحَدُهُمَا جَوَابُ الْإِمَامَيْنِ الْجَلِيلَيْنِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي بَكْرٍ الْبَيْهَقِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَمَسُّ مَاءً لِلْغُسْلِ وَالثَّانِي وَهُوَ عِنْدِي حَسَنٌ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ كَانَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لَا يَمَسُّ مَاءً أَصْلًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ إِذْ لَوْ وَاظَبَ عَلَيْهِ لَتُوُهِّمَ وُجُوبُهُ اِنْتَهَى .
قَوْلُهُ : ( وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمَّارٍ وَعَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ )
أَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ . وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ، وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ . وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَطْعَمَ غَسَلَ يَدَيْهِ . قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ .
قَوْلُهُ : ( قَالُوا إِذَا أَرَادَ الْجُنُبُ أَنْ يَنَامَ تَوَضَّأَ )
شرح مسند أبي حنيفة - (ج 1 / ص 47)
نوم الجنب وبه (عن حماد ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب) جملة حالية (توضأ وضوءه للصلاة) أي لتكون طهارة في الجملة ، إذ ما لا يدرك كله لا يترك كله ، والحديث رواه الشيخان ، وأبو داود والنسائي ، وابن ماجه ، عن عائشة بلفظ : كان إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ للصلاة ، ويؤخذ منه أنه لو كسل أحد من الوضوء أيضا تيمم ، فإنه نوع طهارة ، فهو خير من أن ينام على حدث ، أو جنابة.
ثم رأيت الطبراني في الأوسط روى عن عائشة كان إذا وقع بعض أهله فكسل أن يقوم ضرب يده على الحائط فتيمم انتهى ، وكان أحيانا يغتسل وينام ، وهذا كله مبني على الاستحباب إذ ورد في هذا الباب أنه عليه الصلاة والسلام كان ينام وهو جنب ولا يمس ماء ، رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه ، عن عائشة رضي الله عنها.
نيل الأوطار - (ج 2 / ص 56)
بَابُ تَأْكِيدِ ذَلِكَ لِلْجُنُبِ وَاسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ لَهُ لِأَجْلِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْمُعَاوَدَةِ .
279 - ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ { أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
إذَا تَوَضَّأَ } .
280 - ( وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ } رَوَاهُمَا الْجَمَاعَةُ ) .
281 - ( وَلِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ عَنْهَا قَالَتْ : { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ تَوَضَّأَ } )
الشَّرْحُ
قَوْلُهُ : ( قَالَ : نَعَمْ إذَا تَوَضَّأَ ) فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ ( لِيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لِيَنَمْ ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ : ( لِيَتَوَضَّأْ وَيَرْقُدْ ) .
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا ( تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَك ثُمَّ نَمْ ) .
وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ : ( نَعَمْ وَيَتَوَضَّأُ ) وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَنَامَ وَيَأْكُلَ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ مُعَاوَدَةُ الْأَهْلِ كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ ، وَكَذَلِكَ الشُّرْبُ كَمَا يَأْتِي فِي حَدِيثِ عَمَّارٍ ، وَهَذَا كُلُّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ، قَالَهُ النَّوَوِيُّ .
وَحَدِيثُ عُمَرَ جَاءَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَجَاءَ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ وَهُوَ مُتَمَسَّكٌ لِمَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ عَلَى الْجُنُبِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ وَهُمْ الظَّاهِرِيَّةُ وَابْنُ حَبِيبٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى اسْتِحْبَابِهِ وَعَدَمِ وُجُوبِهِ .
وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْآتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَمَسُّ مَاءً } وَهُوَ غَيْرُ صَالِحٍ لِلتَّمَسُّكِ بِهِ مِنْ وُجُوهٍ .
أَحَدُهَا : أَنَّ فِيهِ مَقَالًا لَا يَنْتَهِضُ مَعَهُ لِلِاسْتِدْلَالِ وَسَنُبَيِّنُهُ فِي شَرْحِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَثَانِيهَا : أَنَّ قَوْلَهُ ( لَا يَمَسُّ مَاءً ) ، نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ ، فَتَعُمُّ مَاءَ الْغُسْلِ وَمَاءَ الْوُضُوءِ وَغَيْرَهُمَا ، وَحَدِيثُهَا الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ بِلَفْظِ : { كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ } خَاصٌّ بِمَاءِ الْوُضُوءِ فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ( لَا يَمَسُّ مَاءً ) غَيْرَ مَاءِ الْوُضُوءِ ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَاءِ مَاءُ الْغُسْلِ .
وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { كَانَ يَجْنُبُ مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَلَا يَمَسُّ مَاءً } .
وَثَالِثُهَا أَنَّ تَرْكَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْسَ الْمَاءِ لَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ الْخَاصَّ بِنَا كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ فَيَكُونُ التَّرْكُ عَلَى تَسْلِيمِ شُمُولِهِ لِمَاءِ الْوُضُوءِ خَاصًّا بِهِ .
وَتَمَسَّكُوا أَيْضًا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا : { إنَّمَا أُمِرْت بِالْوُضُوءِ إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ } أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ
وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَأَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحَةِ .
قَالَ الْحَافِظُ : وَقَدْ قَدَحَ فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ ابْنُ زُبَيْدٍ الْمَالِكِيُّ وَهُوَ وَاضِحٌ .
قُلْت : فَيَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ بِحَمْلِ الْأَمْرِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَخْرَجَ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّهُ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ قَالَ : نَعَمْ وَيَتَوَضَّأُ إنْ شَاءَ } وَالْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ هُنَا وُضُوءُ الصَّلَاةِ لِمَا عَرَّفْنَاك غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّهُ هُوَ الْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَأَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى غَيْرِهَا
وَقَدْ صَرَّحَتْ بِذَلِكَ عَائِشَةُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَهُوَ يَرُدُّ مَا جَنَحَ إلَيْهِ الطَّحَاوِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُضُوءِ التَّنْظِيفُ ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ عُمَرَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ وَهُوَ صَاحِبُ الْقِصَّةِ : ( كَانَ يَتَوَضَّأُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ ) كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ نَافِعٍ .
وَيُرَدُّ أَيْضًا بِأَنَّ مُخَالَفَةَ الرَّاوِي لِمَا رَوَى لَا تَقْدَحُ فِي الْمَرْوِيِّ وَلَا تَصْلُحُ لِمُعَارَضَتِهِ .
وَأَيْضًا قَدْ وَرَدَ تَقْيِيدُ الْوُضُوءِ بِوُضُوءِ الصَّلَاةِ مِنْ رِوَايَتِهِ ، وَمِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ فَيُعْتَمَدُ ذَلِكَ ، وَيُحْمَلُ تَرْكُ ابْنِ عُمَرَ لِغَسْلِ رِجْلَيْهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِعُذْرٍ .
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ .
قَالَ الْحَافِظُ : وَالْحِكْمَةُ فِي الْوُضُوءِ أَنَّهُ يُخَفِّفُ الْحَدَثَ وَلَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ تَفْرِيقِ الْغَسْلِ .
وَيُؤَيِّدُ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ الصَّحَابِيِّ قَالَ : ( إذَا أَجْنَبَ أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ فَإِنَّهُ نِصْفُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ ) .
وَقِيلَ : الْحِكْمَةُ فِي الْوُضُوءِ أَنَّهُ إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ ، وَقِيلَ : إنَّهُ يُنَشِّطُ إلَى الْعَوْدِ أَوْ إلَى الْغُسْلِ .
نيل الأوطار - (ج 2 / ص 62)
285 - ( وَعَنْهَا أَيْضًا قَالَتْ : { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ لَهُ حَاجَةٌ إلَى أَهْلِهِ أَتَاهُمْ ثُمَّ يَعُودُ وَلَا يَمَسُّ مَاءً } رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَلِأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْهَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَمَسُّ مَاءً ) .
الْحَدِيثُ قَالَ أَحْمَدُ : لَيْسَ بِصَحِيحٍ .
وَقَالَ أَبُو دَاوُد : هُوَ وَهْمٌ .
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ : هُوَ خَطَأٌ .
وَقَالَ مُهَنَّا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ : لَا يَحِلُّ أَنْ يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ .
وَفِي عِلَلِ الْأَثْرَمِ لَوْ لَمْ يُخَالِفْ أَبَا إِسْحَاقَ فِي هَذَا إلَّا إبْرَاهِيمُ وَحْدَهُ لَكَفَى قَالَ ابْنُ مُفَوِّزٍ : أَجْمَعَ الْمُحَدِّثُونَ أَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، قَالَ الْحَافِظُ : وَتَسَاهَلَ فِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ ، فَقَدْ صَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ : إنَّ أَبَا إِسْحَاقَ قَدْ بَيَّنَ سَمَاعَهُ مِنْ الْأَسْوَدِ فِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ عَنْهُ .
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ : تَفْسِيرُ غَلَطِ أَبِي إِسْحَاقَ هُوَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ مُخْتَصَرًا وَاقْتَطَعَهُ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ فَأَخْطَأَ فِي اخْتِصَارِهِ إيَّاهُ .
وَنَصُّ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ مَا رَوَاهُ أَبُو غَسَّانَ قَالَ : أَتَيْت الْأَسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ وَكَانَ لِي أَخًا وَصَدِيقًا فَقُلْت : يَا أَبَا عُمَرَ { حَدِّثْنِي مَا حَدَّثَتْك عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : قَالَتْ : كَانَ يَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَيُحْيِي آخِرَهُ ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ قَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ يَنَامُ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ مَاءً ، فَإِذَا كَانَ عِنْدَ النِّدَاءِ الْأَوَّلِ وَثَبَ وَرُبَّمَا قَالَتْ : قَامَ فَأَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَمَا قَالَتْ : اغْتَسَلَ وَأَنَا أَعْلَمُ مَا تُرِيدُ وَإِنْ نَامَ جُنُبًا تَوَضَّأَ وُضُوءَ الرَّجُلِ لِلصَّلَاةِ } فَهَذَا الْحَدِيثُ الطَّوِيلُ فِيهِ " وَإِنْ نَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَ الرَّجُلِ لِلصَّلَاةِ " فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ : " ثُمَّ إنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ قَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ يَنَامُ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ مَاءً " يَحْتَمِلُ أَحَدَ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يُرِيدَ حَاجَةَ الْإِنْسَانِ مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فَيَقْضِيهِمَا ثُمَّ يَسْتَنْجِي وَلَا يَمَسَّ مَاءً وَيَنَامُ فَإِنْ وَطِئَ تَوَضَّأَ كَمَا فِي آخِرِ الْحَدِيثِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْحَاجَةِ حَاجَةَ الْوَطْءِ وَبِقَوْلِهِ " ثُمَّ يَنَامُ وَلَا يَمَسُّ مَاءً " يَعْنِي مَاءَ الِاغْتِسَالِ ، وَمَتَى لَمْ يُحْمَلْ الْحَدِيثُ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ تَنَاقَضَ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ فَتَوَهَّمَ أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّ الْحَاجَةَ حَاجَةُ الْوَطْءِ فَنَقَلَ الْحَدِيثَ عَلَى مَعْنَى مَا فَهِمَهُ انْتَهَى .
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْوُضُوءِ عَلَى الْجُنُبِ إذَا أَرَادَ النَّوْمَ أَوْ الْمُعَاوَدَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ غَيْرُ صَالِحٍ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى ذَلِكَ لِوُجُوهٍ ذَكَرْنَاهَا هُنَالِكَ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : وَهَذَا لَا يُنَاقِضُ مَا قَبْلَهُ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَتْرُكُ الْوُضُوءَ أَحْيَانًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَيَفْعَلُهُ غَالِبًا لِطَلَبِ الْفَضِيلَةِ انْتَهَى .وَبِهَذَا جَمَعَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَالنَّوَوِيُّ(1/87)
155-7812 أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ مُطَرِّفٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الْأَسْوَدِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي حَاجَتَهُ ، ثُمَّ يَنَامُ ، ثُمَّ يُفِيضُ عَلَيْهِ الْمَاءَ (1)
156-7813 أَخْبَرَنِي هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ هِلَالٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الْأَسْوَدِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ ، وَهُوَ جُنُبٌ " (2)
__________
(1) - صحيح
(2) - أخرجه البخاري برقم(288) ومسلم برقم(725) ونص برقم(257 و258 و259و260) وأبو داود برقم(222) والترمذي برقم( 118 )
عون المعبود - (ج 1 / ص 263)
197 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( مِنْ غَيْر أَنْ يَمَسّ مَاء )
: أَيْ لَا يَغْتَسِل بِهِ وَلَا يَتَوَضَّأ بِهِ . قَالَ النَّوَوِيّ : إِنْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيث لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِلرِّوَايَاتِ الْأُخَر أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأ ثُمَّ يَنَام بَلْ كَانَ لَهُ جَوَابَانِ : أَحَدهمَا جَوَاب الْإِمَامَيْنِ الْجَلِيلَيْنِ أَبِي الْعَبَّاس بْن شُرَيْح وَأَبِي بَكْر الْبَيْهَقِيِّ أَنَّ الْمُرَاد لَا يَمَسّ مَاء لِلْغُسْلِ ، وَالثَّانِي وَهُوَ عِنْدِي حَسَن أَنَّ الْمُرَاد أَنَّهُ كَانَ فِي بَعْض الْأَوْقَات لَا يَمَسّ مَاء أَصْلًا لِبَيَانِ الْجَوَاز ، إِذْ لَوْ وَاظَبَ عَلَيْهِ لَتُوُهِّمَ وُجُوبه . اِنْتَهَى . قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ ، وَقَالَ زَيْد بْن هَارُون : هَذَا الْحَدِيث وَهْم يَعْنِي حَدِيث أَبِي إِسْحَاق . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ : يَرَوْنَ أَنَّ هَذَا غَلَط مِنْ أَبِي إِسْحَاق . وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ : فَذَكَرْت الْحَدِيث يَوْمًا يَعْنِي حَدِيث أَبِي إِسْحَاق فَقَالَ لِي إِسْمَاعِيل : يَا فَتَى تَشُدّ هَذَا الْحَدِيث بِشَيْءٍ . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَحَمَلَ أَبُو الْعَبَّاس بْن شُرَيْح رِوَايَة أَبِي إِسْحَاق عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَا يَمَسّ مَاء لِلْغُسْلِ
( يَقُول هَذَا الْحَدِيث وَهْم يَعْنِي حَدِيث أَبِي إِسْحَاق )
: وَقَالَ التِّرْمِذِيّ وَقَدْ رَوَى عَنْ أَبِي إِسْحَاق هَذَا الْحَدِيث شُعْبَة وَالثَّوْرِيُّ وَغَيْر وَاحِد ، وَيَرَوْنَ أَنَّ هَذَا غَلَط مِنْ أَبِي إِسْحَاق ، وَقَالَ شَارِحه الْإِمَام أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ فِي عَارِضَة الْأَحْوَذِيّ شَرْح التِّرْمِذِيّ تَفْسِير غَلَط أَبِي إِسْحَاق هُوَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيث رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق هَاهُنَا مُخْتَصَرًا اِقْتَطَعَهُ مِنْ حَدِيث طَوِيل فَأَخْطَأَ فِي اِخْتِصَاره إِيَّاهُ .
تَعْلِيقُ الْحَافِظِ ابْنِ الْقَيِّمِ :
قَالَ الْحَافِظُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْقَيِّمِ :
قَالَا أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ حَزْمٍ : نَظَرْنَا فِي حَدِيث أَبِي إِسْحَاقَ فَوَجَدْنَاهُ ثَابِتًا صَحِيحًا تَقُوم بِهِ الْحُجَّة . ثُمَّ قَالَ . وَقَدْ قَالَ قَوْم : إِنَّ زُهَيْرَ بْنَ مُعَاوِيَةَ رَوَى عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ هَذَا الْخَبَر فَقَالَ فِيهِ : " وَإِنْ نَامَ جُنُبًا تَوَضَّأَ وُضُوء الرَّجُل لِلصَّلَاةِ " ، قَالَ : فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ سُفْيَانَ اِخْتَصَرَهُ أَوْ وَهِمَ فِيهِ . وَمُدَّعِي هَذَا الْخَطَأ وَالِاخْتِصَار فِي هَذَا الْحَدِيث هُوَ الْمُخْطِئ ، بَلْ نَقُول : إِنَّ رِوَايَة زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ صَحِيحَة . وَرِوَايَة الثَّوْرِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ صَحِيحَة . وَلَمْ تَكُنْ لَيْلَة وَاحِدَة فَتُحْمَل رِوَايَتهمْ عَلَى التَّضَادّ ، بَلْ كَانَ يَفْعَل مَرَّة هَذَا وَمَرَّة هَذَا . قَالَ اِبْنُ مُعَوِّذٍ : وَهَذَا كُلّه تَصْحِيحٌ لِلْخَطَأِ الْفَاسِد بِالْخَطَأِ الْبَيِّن . أَمَّا حَدِيث أَبِي إِسْحَاقَ مِنْ رِوَايَة الثَّوْرِيِّ وَغَيْره فَأَجْمَعَ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَمَنْ تَأَخَّرَ مِنْهُمْ أَنَّهُ خَطَأ مُنْذُ زَمَان أَبِي إِسْحَاقَ إِلَى الْيَوْم ، وَعَلَى ذَلِكَ تَلْقَوْهُ مِنْهُ وَحَمَلُوهُ عَنْهُ وَهُوَ أَوَّل حَدِيث أَوْ ثَانٍ مِمَّا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَاب التَّمْيِيز لَهُ ، مِمَّا حَمَلَ مِنْ الْحَدِيث عَلَى الْخَطَأ . وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ وَأَيْنَ يَقَع أَبُو إِسْحَاقَ مِنْ أَحَدهمَا ، فَكَيْف بِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَى مُخَالَفَته رَوَيَا الْحَدِيث بِعَيْنِهِ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ : " كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَنَام تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ " ، فَحُكْم الْأَئِمَّة بِرِوَايَةِ هَذَيْنَ الْفَقِيهَيْنِ الْجَلِيلَيْنِ عَنْ الْأَسْوَد عَلَى رِوَايَة أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ " إِنَّهُ كَانَ يَنَام وَلَا يَمَسّ مَاء " ، ثُمَّ عَضَّدُوا ذَلِكَ بِرِوَايَةِ عُرْوَةَ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ عَنْ عَائِشَةَ ، وَبِفَتْوَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ بِذَلِكَ حِين اِسْتَفْتَاهُ . وَبَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْفُقَهَاء الَّذِينَ لَا يَعْتَبِرُونَ الْأَسَانِيد وَلَا يَنْظُرُونَ الطُّرُق يَجْمَعُونَ بَيْنهمَا بِالتَّأْوِيلِ ، فَيَقُولُونَ : لَا يَمَسّ مَاء لِلْغُسْلِ . وَلَا يَصِحّ هَذَا . وَفُقَهَاء الْمُحَدِّثِينَ وَحُفَّاظهمْ عَلَى مَا أَعْلَمْتُك . وَأَمَّا الْحَدِيث الَّذِي نَسَبَهُ إِلَى رِوَايَة زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَقَالَ فِيهِ : " وَإِنْ نَامَ جُنُبًا تَوَضَّأَ " وَحُكِيَ أَنَّ قَوْمًا اِدَّعَوْا فِيهِ الْخَطَأ وَالِاخْتِصَار ، ثُمَّ صَحَّحَهُ هُوَ ، فَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدٍ الْأَزْدِيَّ ، فَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ ، وَهُوَ الَّذِي اِدَّعَى فِيهِ الِاخْتِصَار . وَرِوَايَته خَطَأ ، وَدَعْوَاهُ سَهْو وَغَفْلَة . وَرِوَايَة زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ كَرِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ وَغَيْره عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَحَدِيث زُهَيْرٍ أَتَمّ سِيَاقه . وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ الْحَدِيث بِكَامِلِهِ فِي كِتَاب الصَّلَاة ، وَقَالَ فِيهِ : " وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جُنُبًا تَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ " وَأَسْقَطَ مِنْهُ وَهْم أَبِي إِسْحَاقَ . وَهُوَ قَوْله : ثُمَّ يَنَام قَبْل أَنْ يَمَسّ مَاء " فَأَخْطَأَ فِيهِ بَعْض النَّقَلَة ، فَقَالَ : " وَإِنْ نَامَ جُنُبًا تَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ " فَعَمَدَ اِبْنُ حَزْمٍ إِلَى هَذَا الْخَطَأ الْحَادِث عَلَى زُهَيْرٍ فَصَحَّحَهُ ، وَقَدْ كَانَ صَحَّحَ خَطَأ أَبِي إِسْحَاقَ الْقَدِيم فَصَحَّحَ خَطَأَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ ! وَجَمَعَ بَيْن غَلَطَيْنِ مُتَنَافِرَيْنِ ! تَمَّ كَلَامه . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ . وَالْحُفَّاظُ طَعَنُوا فِي هَذِهِ اللَّفْظَة وَتَوَهَّمُوهَا مَأْخُوذَة عَنْ غَيْر الْأَسْوَد ، وَأَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ رُبَّمَا دَلَّسَ ، فَرَوَاهَا مِنْ تَدْلِيسَاته ، بِدَلِيلِ رِوَايَة إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ : " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَام وَهُوَ جُنُب تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ، ثُمَّ يَنَام " رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، قَالَ : وَحَدِيث أَبِي إِسْحَاقَ صَحِيح مِنْ جِهَة الرِّوَايَة ، فَإِنَّ أَبَا إِسْحَاقَ بَيَّنَ فِيهِ سَمَاعه مِنْ الْأَسْوَدِ ، وَالْمُدَلِّسُ إِذَا بَيَّنَ سَمَاعه وَكَانَ ثِقَة فَلَا وَجْه لِرَدِّهِ . تَمَّ كَلَامه . وَالصَّوَاب مَا قَالَهُ أَئِمَّة الْحَدِيث الْكِبَار مِثْل يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَمُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرهمْ مِنْ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَة وَهْم وَغَلَط . وَاللَّهُ أَعْلَم .
المنتقى - شرح الموطأ - (ج 1 / ص 112)
99 - ( ش ) قَوْلُهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَطْعَمَ وَهُوَ جُنُبٌ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا فِي الْوُضُوءِ لَهُمَا وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَأَمَّا مَالِكٌ فَقَالَ لَا يَتَوَضَّأُ إِلَّا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ فَقَطْ وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَطْعَمَ وَيُعَاوِدَ الْجِمَاعَ فَلَمْ يُؤْمَرْ بِالْوُضُوءِ وَمَا رَوَى الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ فَمَعْنَى وُضُوئِهِ هَاهُنَا إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ غَسَلَ يَدَهُ مِنْ الْأَذَى وَمَعْنَى وُضُوئِهِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا اشْتَرَكَا فِي اللَّفْظِ جُمِعَ بَيْنَهُمَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ وَالصَّلَاةُ مِنْ الْبَارِي رَحْمَةٌ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ دُعَاءٌ وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ مُفَسَّرًا أَبُو سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَطْعَمَ غَسَلَ فَرْجَهُ ثُمَّ طَعِمَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَتَوَضَّأُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّوْمِ وَالْأَكْلِ أَنَّ النَّوْمَ وَفَاةٌ فَشُرِعَ لَهُ نَوْعٌ مِنْ الطَّهَارَةِ كَالْمَوْتِ وَأَمَّا الْأَكْلُ فَإِنَّمَا يُرَادُ لِلْحَيَاةِ فَلَمْ يُشْرَعْ لَهُ وُضُوءٌ كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِ الْأَحْيَاءِ
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ أَنَّهُ كَانَ يَغْسِلُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَيَمْسَحُ بِرَأْسِهِ لَمْ يَذْكُرْ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخِلَافِ فِيهِ وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الرِّجْلَيْنِ وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ لِأَنَّهُ عُضْوٌ يَسْقُطُ مُبَاشَرَتُهُ بِالْمَاءِ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَذَلِكَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ
شرح ابن بطال - (ج 1 / ص 434)
واختلف العلماء فى نوم الجنب، فقالت طائفة: بظاهر خبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنه توضأ وضوءه للصلاة، وكذلك ينام، روى هذا عن على، وابن عباس، وعائشة، وأبى سعيد الخدرى، ومن التابعين: النخعى، وطاوس، والحسن، وبه قال: مالك، والليث، وأبو حنيفة، والشافعى، وأحمد، وإسحاق، كلهم يستحبون الوضوء، ويأمرون به.
وشذ أهل الظاهر، فأوجبوا عليه الوضوء فرضًا، وهذا قول مهجور لم يتابعهم عليه أحد، فلا معنى له، وروى عن سعيد بن المسيب أنه قال: إن شاء أن ينام قبل أن يتوضأ، وإليه ذهب أبو يوسف، فقال: لا بأس أن ينام الجنب قبل أن يتوضأ، لأن الوضوء لا يخرجه من حال الجنابة إلى حال الطهارة، ومن حجته ما رواه الأعمش، عن أبى إسحاق، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجنب ثم ينام ولا يمس ماء، حتى يقوم بعد ذلك فيغتسل.
قال الطحاوى: هذا الحديث غلط، اختصره أبو إسحاق من حديث طويل فأخطأ فيه، وذلك ما حدثنا فهد، قال: حدثنا أبو غسان، قال: حدثنا زهير، قال: حدثنا أبو إسحاق، قال: أتيت الأسود بن يزيد فقلت: حدثنى ما حدثتك عائشة عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قالت: كان ينام أول الليل، ويحيى آخره، ثم إن كانت له حاجة، قضى حاجته، ثم ينام قبل أن يمس ماء، فإذا كان عند النداء الأول، أفاض عليه الماء، وإن نام جنبًا توضأ وضوء الرجل للصلاة، فهذا الأسود بن يزيد قد بان فى حديثه أنه كان إذا أراد أن ينام، وهو جنب، توضأ للصلاة، وبان أن قولها: ثم ينام قبل أن يمس ماء، يعنى الغسل لا الوضوء، والدليل على صحة ذلك ما رواه البخارى عن عمر، وعائشة، وعلى هذا التأويل لا تتضاد الأخبار، وقد روى قبيصة بن ذؤيب، عن زيد بن ثابت، قال: إذا توضأ قبل أن ينام، كان كمن اغتسل فى الثواب الذى يكتب لمن بات على طهر. وقالت عائشة: لا ينام الجنب حتى يتوضأ للصلاة فإنه لا يدرى لعل نفسه تصاب فى نومه، فيكون قد أخذ بأى الطهارتين.
فأما ما روى عن ابن عمر أنه كان يتوضأ، ولا يغسل قدميه، فيدل ذلك أن محمل الحديث عندهم على الندب، لا على الوجوب، لأن ابن عمر روى الحديث عن أبيه، عن النبى وعَلِمَهُ فلم يترك غسل قدميه، إلا أنهم تلقوا الحديث على أن الوضوء على غير الإيجاب.
الفتاوى الفقهية الكبرى - (ج 1 / ص 239)
( وَسُئِلَ ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ قَوْلِ الْأَصْحَابِ ، وَالْعِبَارَةُ لِلْإِرْشَادِ ( وَنُدِبَ لِجُنُبٍ غَسْلُ فَرْجٍ وَوُضُوءٌ لِنَوْمٍ وَوَطْءٍ وَطُعْمٍ هَلْ يَنْوِي الْوُضُوءَ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ ؟ كَمَا أَنَّهُ يَنْوِي فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ أَسْبَابَهَا إلَّا الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ فَيَنْوِي كُلٌّ مِنْهُمَا رَفْعَ الْجَنَابَةِ ؟ ) فَإِنْ قُلْتُمْ بِهِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ ؟ ( فَأَجَابَ ) بِقَوْلِهِ : قَدْ ذَكَرْت الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ مَعَ نَظَائِرِهَا مِنْ كُلِّ وُضُوءٍ مَسْنُونٍ ، وَعِبَارَةُ الشَّرْحِ مَعَ الْمَتْنِ ( وَالْمُرَادُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ الَّتِي قُلْنَا يُسَنُّ الْوُضُوءُ فِيهَا الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي نَحْوِ الْغِيبَةِ وَصَوَّبَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ مُسْتَنِدًا إلَى مَا يَأْتِي عَنْ الشَّاشِيِّ ، وَهُوَ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ مَعَ النِّيَّةِ وَالتَّرْتِيبِ لَا اللُّغَوِيِّ الَّذِي هُوَ مُجَرَّدُ النَّظَافَةِ خِلَافًا لِلْمُتَوَلِّي وَابْنِ الصَّبَّاغِ ، فَقَدْ اسْتَبْعَدَ الشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ حَمْلَ الثَّانِي اسْتِحْبَابَ الشَّافِعِيِّ الْوُضُوءَ مِنْ الْكَلَامِ الْخَبِيثِ عَلَى غَسْلِ الْفَمِ بِأَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الشَّرْعِيُّ قَالَ : وَالْمَعْنَى يُؤَيِّدُهُ فَإِنَّ غَسْلَ الْفَمِ لَا يُؤَثِّرُ فِيمَا جَرَى وَإِنَّمَا الْقَصْدُ بِهِ التَّكْفِيرُ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالتَّطْهِيرُ مِنْ الذُّنُوبِ ) ا هـ .
نَعَمْ قَالَ الْحَلِيمِيُّ : ( الْمُرَادُ بِهِ لِمُعَاوَدَةِ الْوَطْءِ اللُّغَوِيِّ لِلتَّصْرِيحِ بِهِ فِي رِوَايَةٍ ) ا هـ .
وَنَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِخَبَرِ { فَلْيَغْسِلْ فَرْجَهُ مَكَانَ " فَلْيَتَوَضَّأْ " وَنَقَلَ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمُرَادَ بِوُضُوءِ الْجُنُبِ لِلْأَكْلِ غَسْلُ يَدَيْهِ لِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ ، وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ غَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ } ا هـ .
وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ الْمُرَادَ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ فِي الْكُلِّ ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْفِيفِ الْحَدَثِ ، وَأَنَّ غَسْلَ الْفَرْجِ فِي الْأَوَّلِ وَالْيَدَيْنِ فِي الثَّانِي يَحْصُلُ بِهِ أَصْلُ السُّنَّةِ لَا كَمَالُهَا ) انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ ، وَبِمَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ وَأَنَّهُ النِّيَّةُ ، وَغَسْلُ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ مَعَ التَّرْتِيبِ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَنْوِي بِهِ نِيَّةً مِنْ نِيَّاتِهِ الْمُجْزِئَةِ لَا أَسْبَابَهَا ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا رَفْعُ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ إمَّا لِيُخِفَّ حَدَثَهُ الْأَكْبَرَ فِي صُورَةِ الْجُنُبِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ ، وَإِمَّا لِتَحْصُلَ لَهُ حَقِيقَةُ الطَّهَارَةِ ، فَيُكَفَّرُ إثْمُهُ فِي نَحْوِ التَّكَلُّمِ بِكَلَامٍ فِيهِ إثْمٌ أَوْ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ فِي الصُّوَرِ الَّتِي جَرَى فِيهَا خِلَافٌ بِنَقْضِ الْوُضُوءِ ، أَوْ يَزْدَادُ تَأَهُّلُهُ وَتَعْظِيمُهُ فِي نَحْوِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْعِلْمِ وَنَحْوِ الْأَذَانِ وَالذِّكْرِ بِمَا تَقَرَّرَ هُنَا مِنْ هَذِهِ الْفَوَائِدِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى مَا قُلْنَاهُ أَنَّهُ يَنْوِي بِالْوُضُوءِ نَحْوَ رَفْعِ الْحَدَثِ يُفَرِّقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ نِيَّته فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ أَسْبَابُهَا إلَّا الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ ، وَيُؤَيِّدُ الْفَرْقَ اسْتِثْنَاءُ هَذَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِي أَمْرِهِمَا بِالْغُسْلِ رَفْعُ الْجَنَابَةِ الْمُحْتَمَلَةِ ؛ فَلِذَلِكَ طُلِبَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا نِيَّةُ رَفْعِهَا ، فَكَذَا الْقَصْدُ بِالْوُضُوءِ فِي تِلْكَ الصُّوَرِ مَا مَرَّ مِنْ تَخْفِيفِ الْحَدَثِ وَمَا بَعْدَهُ ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِنِيَّةِ رَفْعِهِ أَوْ نَحْوِهَا فَتَأَمَّلْ هَذَا الْفَرْقَ ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .
المحلى بالآثار - (ج 1 / ص 135)
118 - مَسْأَلَةٌ : وَيُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ لِلْجُنُبِ إذَا أَرَادَ الْأَكْلَ أَوْ النَّوْمَ وَلِرَدِّ السَّلَامِ وَلِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى , وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ . فَإِنْ قِيلَ : فَهَلَّا أَوْجَبْتُمْ ذَلِكَ كُلَّهُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم { إنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلَّا عَلَى طُهْرٍ } وَلِقَوْلِهِ { صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه - إذْ ذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ مِنْ اللَّيْلِ - فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ } وَلِمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ رضي الله عنه { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ } . قُلْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : أَمَّا الْحَدِيثُ فِي كَرَاهَةِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا عَلَى طُهْرٍ فَإِنَّهُ مَنْسُوخٌ بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا صَدَقَةٌ ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثنا الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ حَدَّثَنِي جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ ثنا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ , لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ , الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ , ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي , أَوْ دَعَا اُسْتُجِيبَ لَهُ , فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ } قَالَ عَلِيٌّ : فَهَذِهِ إبَاحَةٌ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ الِانْتِبَاهِ مِنْ النَّوْمِ فِي اللَّيْلِ وَقَبْلَ الْوُضُوءِ نَصًّا , وَهِيَ فَضِيلَةٌ , وَالْفَضَائِلُ لَا تُنْسَخُ لِأَنَّهَا مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْنَا , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } وَهَذَا أَمْرٌ بَاقٍ غَيْرُ مَنْسُوخٍ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ . وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } فَهَذَا عُمُومُ ضَمَانٍ لَا يَخِيسُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ } وَقَدْ أَيْقَنَّا بِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ إخْبَارِهِ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ : { لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ } أَنَّ جَمِيعَ الْأُمَّةِ لَا تُغَيِّرُ أَصْلًا . وَإِذَا صَحَّ أَنَّ الْأُمَّةَ كُلَّهَا لَا تُغَيِّرُ أَبَدًا , فَقَدْ أَيْقَنَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُغَيِّرُ نِعَمَهُ عِنْدَ الْأُمَّةِ أَبَدًا . وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ . وَأَمَّا أَمْرُهُ عليه السلام بِالْوُضُوءِ فَهُوَ نَدْبٌ , لِمَا حَدَّثَنَاهُ حَمَامٌ قَالَ : ثنا عُمَرُ بْنُ مُفَرِّجٍ قَالَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ قَالَ ثنا الدَّبَرِيُّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنَامُ جُنُبًا وَلَا يَمَسُّ مَاءً } وَهَذَا لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى مُدَاوَمَتِهِ صلى الله عليه وسلم لِذَلِكَ وَهِيَ رضي الله عنها أَحْدَثُ النَّاسِ عَهْدًا بِمَبِيتِهِ وَنَوْمِهِ جُنُبًا وَطَاهِرًا . فَإِنْ قِيلَ :إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَخْطَأَ فِيهِ سُفْيَانُ ; لِأَنَّ زُهَيْرَ بْنَ مُعَاوِيَةَ خَالَفَهُ فِيهِ قُلْنَا : بَلْ أَخْطَأَ بِلَا شَكٍّ مِنْ خَطَأِ سُفْيَانَ بِالدَّعْوَى بِلَا دَلِيلٍ , وَسُفْيَانُ أَحْفَظُ مِنْ زُهَيْرٍ بِلَا شَكٍّ . وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ . قَالَ عَلِيٌّ : وَكَانَ اللَّازِمُ لِلْقَائِلِينَ بِالْقِيَاسِ أَنْ يَقُولُوا : لَمَّا كَانَتْ الصَّلَاةُ وَهِيَ ذِكْرٌ لَا تُجْزِئُ إلَّا بِوُضُوءٍ , أَنْ يَكُونَ سَائِرُ الذِّكْرِ كَذَلِكَ , وَلَكِنَّ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ , وَلَا يُمْكِنُهُمْ هَهُنَا دَعْوَى الْإِجْمَاعِ , لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ { ابْنِ عُمَرَ : أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَلَا يَرُدُّ السَّلَامَ وَلَا يَذْكُرُ اللَّهَ إلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ . } إلَّا مُعَاوَدَةَ الْجُنُبِ لِلْجِمَاعِ فَالْوُضُوءُ عَلَيْهِ فَرْضٌ بَيْنَهُمَا . لِلْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ وَابْنِ عُيَيْنَةَ كِلَاهُمَا عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم { إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُعَاوِدَ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءًا } هَذَا لَفْظُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ وَلَفْظُ ابْنِ عُيَيْنَةَ { إذَا أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلَا يَعُودَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ } وَلَمْ نَجِدْ لِهَذَا الْخَبَرِ مَا يُخَصِّصُهُ وَلَا مَا يُخْرِجُهُ إلَى النَّدْبِ إلَّا خَبَرًا ضَعِيفًا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ ,وَبِإِيجَابِ الْوُضُوءِ فِي ذَلِكَ يَقُولُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ وَإِبْرَاهِيمُ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 5505)
«ما يحرم فعله بسبب الجنابة»
10 - يحرم على الجنب الصّلاة سواء أكانت فرضاً أم نفلاً ، لأنّ الطّهارة شرط صحّة الصّلاة ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « لا تقبل صلاة بغير طهور » .
وهذا باتّفاق.
ويشمل ذلك سجدة التّلاوة وصلاة الجنازة.
11 - ويحرّم كذلك الطّواف فرضاً كان أو نفلاً ، لأنّه في معنى الصّلاة لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « الطّواف بالبيت صلاة إلاّ أنّ اللّه أحلّ لكم فيه الكلام » ولذلك لا يصحّ الطّواف ممّن كان جنباً ، وهذا عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، أمّا عند الحنفيّة فإنّ طواف الجنب صحيح ولكن عليه بدنة ، لأنّ الطّهارة في الطّواف عندهم ليست شرطاً وإنّما هي واجبة ، وقد روي عن ابن عبّاس أنّه قال : البدنة تجب في الحجّ في موضعين : إذا طاف جنباً ، والثّاني : إذا جامع بعد الوقوف.
12 - ويحرم على الجنب مسّ المصحف بيده أو بشيء من جسده ، سواء أكان مصحفاً جامعاً للقرآن ، أم كان جزءاً أم ورقاً مكتوباً فيه بعض السّور ، وكذا مسّ جلده المتّصل به ، وذلك لقوله تعالى : «لا يَمَسُّه إلاّ المُطَهَّرُونَ» وفي كتاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم : « أن لا يمسّ القرآن إلاّ طاهر » .
13 - ويحرم على الجنب كذلك حمل القرآن إلاّ إذا كان بأمتعة ، والأمتعة هي المقصودة ، أو كان حمله لضرورة ، كخوف عليه من نجاسة أو غير ذلك.
وأجاز الحنابلة حمله بعلّاقة ، قال ابن قدامة : يجوز حمل المصحف بعلّاقته وهذا قول أبي حنيفة وروي ذلك عن الحسن وعطاء وطاوس والشّعبيّ والقاسم وأبي وائل والحكم وحمّاد ; لأنّه غير ماسّ له كما لو حمله في رحله.
14 - ويحرم عند الحنفيّة مسّ كتب التّفسير ، لأنّه يصير بمسّها ماسّاً للقرآن ، وهو قول ابن عرفة من المالكيّة ، والعبرة عند الشّافعيّة بالقلّة والكثرة ، فإن كان القرآن أكثر كبعض كتب غريب القرآن حرم مسّه ، وإن كان التّفسير أكثر لا يحرم مسّه في الأصحّ.
وأجاز ذلك المالكيّة - غير ابن عرفة - والحنابلة لأنّه لا يقع عليها اسم مصحف.
15 - ويحرم عند الحنفيّة وفي وجه للشّافعيّة والحنابلة مسّ الدّراهم الّتي عليها شيء من القرآن ، لأنّ الدّراهم كالورقة الّتي كتب فيها قرآن ، وكره ذلك عطاء والقاسم والشّعبيّ ، وأجاز ذلك المالكيّة ، وهو الأصحّ من وجهين مشهورين عند الشّافعيّة وفي وجه عند الحنابلة ، لأنّه لا يقع عليها اسم المصحف فأشبهت كتب الفقه ، ولأنّ في الاحتراز من ذلك مشقّة ، والحاجة تدعو إلى ذلك ، والبلوى تعمّ ، فعفي عنه.
16 - ويحرم على الجنب أن يكتب القرآن ، وذلك عند المالكيّة ، وهو وجه مشهور عند الشّافعيّة ، وقال محمّد بن الحسن : أحبّ إليّ أن لا يكتب ، لأنّ كتابة الحروف تجري مجرى القراءة.
17 - ويحرم على الجنب قراءة القرآن عند عامّة العلماء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة لما روي أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان لا يحجزه شيء عن قراءة القرآن إلاّ الجنابة وعن عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال:
« لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن » .
وروي عن ابن عبّاس وسعيد بن المسيّب أنّه يجوز للجنب قراءة كلّ القرآن.
قال القاضي أبو الطّيّب وابن الصّبّاغ وغيرهما : اختاره ابن المنذر ويجوز عند الجميع تلاوة ما لم يقصد به القرآن كالأدعية والذّكر البحت.
18 - ويحرم على الجنب دخول المسجد واللّبث فيه ، وأجاز الشّافعيّة والحنابلة وبعض المالكيّة عبوره ، للاستثناء الوارد في قوله تعالى : «ولا جُنُبَاً إلاّ عَابِري سَبيلٍ» .
ومنع الحنفيّة وهو المذهب عند المالكيّة العبور إلاّ بالتّيمّم.
19 - ويحرم الاعتكاف للجنب لقوله تعالى : «ولا جُنُبَاً إلاّ عَابِري سَبيلٍ» .
وقد سبق تفصيل ذلك في مصطلح « اعتكاف » .
«ما يستحبّ وما يباح للجنب»
20 - يباح للجنب الذّكر والتّسبيح والدّعاء لما روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: « كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يذكر اللّه على كلّ أحيانه » .
21 - يستحبّ للجنب إذا أراد أن ينام أو يأكل أو يشرب أو يطأ ثانياً أن يغسل فرجه ويتوضّأ وضوءه للصّلاة ، وذلك عند الشّافعيّة والحنابلة ، وهو قول عند المالكيّة : لما روى مسلم : « كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا كان جنباً فأراد أن يأكل أو ينام توضّأ وضوءه » .
وعن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « إذا أتى أحدكم أهله ثمّ أراد أن يعود فليتوضّأ بينهما وضوءاً » رواه مسلم.
وفي القول الثّاني للمالكيّة : أنّ الوضوء للنّوم أو لمعاودة الأهل واجب ، لأنّ الجنب مأمور بالوضوء قبل النّوم ، فهل الأمر للإيجاب أو للنّدب ؟ قولان.
وأجاز الحنفيّة للجنب إذا أراد النّوم أو معاودة الأهل الوضوء وعدمه ، قال الكاسانيّ : لا بأس للجنب أن ينام ويعاود أهله ، لما روي عن عمر رضي الله عنه قال : « يا رسول اللّه أينام أحدنا وهو جنب ؟ قال : نعم » ، ويتوضّأ وضوءه للصّلاة ، وله أن ينام قبل أن يتوضّأ وضوءه للصّلاة ، لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت : « كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمسّ ماء » ولأنّ الوضوء ليس بقربة بنفسه وإنّما هو لأداء الصّلاة ، وليس في النّوم ذلك - وهو قول ابن المسيّب.
لكن استحبّ الحنفيّة بالنّسبة للأكل والشّرب لمن كان جنباً أن يتمضمض ويغسل يديه ، وهو قول ابن المسيّب ، وحكي ذلك عن الإمام أحمد وإسحاق ، وقال مجاهد : يغسل كفّيه.
22 - يصحّ من الجنب أداء الصّوم بأن يصبح صائماً قبل أن يغتسل فإنّ « عائشة وأمّ سلمة قالتا : نشهد على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن كان ليصبح جنباً من غير احتلام ثمّ يغتسل ثمّ يصوم » .
23 - يصحّ أذان الجنب مع الكراهة وهذا في الجملة.
وقد سبق تفصيل ذلك في مصطلح « أذان » .
24 - تجوز خطبة الجمعة ممّن كان جنباً مع الكراهة عند المالكيّة ، وفي ظاهر الرّواية عند الحنفيّة ، وهو قول الإمام أحمد ، وفي القديم عند الشّافعيّة ، لأنّ الطّهارة في خطبة الجمعة سنّة عند هؤلاء وليست شرطاً ، ولأنّها من باب الذّكر ، والجنب لا يمنع من الذّكر ، فإن خطب جنباً واستخلف في الصّلاة أجزأه ، كما يقول المالكيّة ، وقال الإمام أحمد فيمن خطب وهو جنب ثمّ اغتسل وصلّى بهم أجزأه ، وفي الجديد عند الشّافعيّة وهو الأشبه بأصول مذهب الحنابلة ، كما قال ابن قدامة أنّ الطّهارة من الجنابة شرط فلا تصحّ الخطبة بدونها.
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 111 / ص 3)
ي - وضوء الجنب عند إرادة الأكل والشرب ومعاودة الوطء والنوم
22- ذهب جمهور الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنه يستحب للجنب الوضوء عند إرادة الأكل والشرب ومعاودة الوطء والنوم لحديث عائشة - رضي الله عنها- " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ للصلاة " .
ولحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كان جنبا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة " ولحديث " إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ " .
قال الطحطاوي أما الوضوء بين الجماعين وعند النوم فالمراد به الشرعي في قول أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والجمهور لما ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ للصلاة " وفي رواية " توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام " .
أما الوضوء عند إرادة الأكل والشرب فالمراد به اللغوي لما ورد عن عائشة رضي الله عنها " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه " قال في شرح المشكاة وعليه جمهور العلماء .
وقال أبو يوسف لا يستحب الوضوء بين الجماعين بل هو جائز .
وقال المالكية ليس على الجنب وضوء عند إرادة الأكل والشرب أو معاودة الجماع ولكن يستحب له غسل يديه من الأذى إذا أراد الأكل كما يستحب له غسل فرجه ومواضع النجاسة إذا أراد أن يعاود الجماع ، أما إذا أراد النوم ففي وضوئه ثلاثة أقوال
الأول أنه يندب له الوضوء .
الثاني أنه يسن له الوضوء.
الثالث أنه يجب عليه الوضوء .
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 8 / ص 243)
حكم النوم على جنابة رقم الفتوى:17623تاريخ الفتوى:04 ربيع الثاني 1423السؤال : هل يجوز أن أنام وأنا على جنابة غير شرعية؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجوز لك أن تنام وأنت على جنابة، ولكن يسن لك أن تتوضأ قبل أن تنام، وذلك لحديث عائشة رضي الله عنها الذي أخرجه البخاري ومسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة. ويكره للجنب أن ينام ولم يتوضأ.
هذا بالنسبة لحكم الجنابة فلا فرق فيها بين ما كان منها عن طريق مباح وغيره، لكن على المسلم أن يتقي الله تعالى وأن يتجنب ما حرم ، وأن يسارع بالتوبة مما تجرأ عليه من الذنوب، فقد يباغته الموت عند أول نومة نامها وهو مصر على المعاصي، فيلقى الله عز وجل مذنبا عاصيا غير نادم ولا تائب فيستحق بذلك عقوبة العصاة ووعيد المذنبين. نسأل الله عز وجل التوفيق والهدى.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 47 / ص 152)
تأخير غسل الجنابة ولو لغير ضرورة لا حرج فيه رقم الفتوى:6725تاريخ الفتوى:03 ذو الحجة 1424السؤال : هل يمكن البقاء دون التطهر من الجنابة لفترة طويلة دون ضرورة؟ وهل يمكن للإنسان الخروج من المنزل أو النوم وهو جنب؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجوز للإنسان تأخير غسل الجنابة إلى قيامه للصلاة، ولو لغير ضرورة، لأن غسل الجنابة واجب وجوباً متراخياً وليس على الفور، وإنما يجب عند القيام إلى الصلاة، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب، فانخنس منه فذهب فاغتسل ثم جاء فقال: "أين كنت يا أبا هريرة؟" قال: كنت جنباً، فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة، فقال: "سبحان الله إن المسلم لا ينجس" قال ابن حجر: "وفيه جواز تأخير الاغتسال عن أول وجوبه" انتهى.
وقد استدل البخاري بحديث أبي هريرة هذا على جواز تصرف الجنب في حوائجه فقال: "باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره". ويجوز للجنب أن ينام دون أن يغتسل، لكن يستحب له أن يتوضأ قبل أن ينام، ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب توضأ" وأخرج أبو داود عن غضيف بن الحارث قال قلت لعائشة: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل قبل أن ينام؟ وينام قبل أن يغتسل؟ قالت: نعم. قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة".
وفي الصحيحين أن عمر استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: "نعم إذا توضأ".
قال ابن عبد البر: "ذهب الجمهور إلى أنه ـ أي الأمر بالوضوء للجنب الذي يريد النوم - للاستحباب، وذهب أهل الظاهر إلى إيجابه وهو شذوذ" انتهى.
وأما ما رواه أبو داود وغيره عن علي رضي الله عنه مرفوعاً: "إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا جنب" فهو حديث ضعيف لأن في إسناده مجهولاً، وعلى فرض صحته فإن المراد بالجنب ـ كما قال الخطابي ـ: من يتهاون بالاغتسال، ويتخذ تركه عادة، لا من يؤخره ليفعله. والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 60 / ص 257)
متى يغتسل المحتلم رقم الفتوى:9299تاريخ الفتوى:02 جمادي الأولى 1422السؤال : بعد الاحتلام متى أغتسل؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيجوز للإنسان تأخير غسل الجنابة إلى قيامه للصلاة، ولو لغير ضرورة، لأن غسل الجنابة واجب وجوباً متراخياً وليس على الفور، وإنما يجب عند القيام إلى الصلاة، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب، فانخنس منه فذهب فاغتسل ثم جاء فقال: "أين كنت يا أبا هريرة؟" قال: كنت جنباً، فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة، فقال: "سبحان الله إن المسلم لا ينجس" قال ابن حجر: "وفيه جواز تأخير الاغتسال عن أول وجوبه" انتهى.
وقد استدل البخاري بحديث أبي هريرة هذا على جواز تصرف الجنب في حوائجه فقال: "باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره". ويجوز للجنب أن ينام دون أن يغتسل، لكن يستحب له أن يتوضأ قبل أن ينام، ففي صحيحين عن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ" وأخرج مسلم عن عبد الله بن أبي قيس أنه سأل عائشة رضي الله عنها كيف كان يصنع - رسول الله صلى الله عليه وسلم- : أكان يغتسل قبل أن ينام؟ أو ينام قبل أن يغتسل؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل ربما اغتسل فنام وربما توضأ فنام قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة".
وفي الصحيحين أن عمر استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: "نعم إذا توضأ".
قال ابن عبد البر: "ذهب الجمهور إلى أنه ـ أي الأمر بالوضوء للجنب الذي يريد النوم - للاستحباب، وذهب أهل الظاهر إلى إيجابه وهو شذوذ" انتهى.
وأما ما رواه أبو داود وغيره عن علي رضي الله عنه مرفوعاً: "إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا جنب" فهو حديث ضعيف لأن في إسناده مجهولاً، وعلى فرض صحته فإن المراد بالجنب ـ كما قال الخطابي ـ: من يتهاون بالاغتسال، ويتخذ تركه عادة، لا من يؤخره ليفعله. والله أعلم.(1/88)
ذِكْرُ اخْتِلَافِ النَّاقِلِينَ لِخَبَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ
157-7814 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ : حَدَّثَنَا قُرَادٌ وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَزْوَانَ أَبُو نُوحٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا مَالِكٌ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ عُمَرَ ، أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ ؟ قَالَ : " اغْسِلْ ذَكَرَكَ ، ثُمَّ تَوَضَّأْ وَنَمْ "(1)
158-7815 أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : ذَكَرَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تُصِيبُهُ جَنَابَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ "(2)
__________
(1) - المسند الجامع برقم(7210) صحيح
(2) - الموطأ برقم(108) والبخاري برقم( 290 ) ومسلم برقم( 730 )
فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 455)
281 - قَوْله : ( عَنْ عَبْد اللَّه بْن دِينَار )
هَكَذَا رَوَاهُ مَالِك فِي الْمُوَطَّأِ بِاتِّفَاقٍ مِنْ رُوَاة الْمُوَطَّأ وَرَوَاهُ خَارِج الْمُوَطَّأ عَنْ نَافِعٍ بَدَلَ عَبْد اللَّه بْن دِينَار وَذَكَرَ أَبُو عَلِيّ الْجَيَّانِيّ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ اِبْنِ السَّكَنِ عَنْ نَافِعٍ بَدَلَ عَبْد اللَّه بْن دِينَار وَكَانَ كَذَلِكَ عِنْدَ الْأَصِيلِيّ إِلَّا أَنَّهُ ضَرَبَ عَلَى نَافِع وَكَتَبَ فَوْقَهُ " عَبْد اللَّه بْن دِينَار " قَالَ أَبُو عَلِيّ : وَالْحَدِيثُ مَحْفُوظ لِمَالِكٍ عَنْهُمَا جَمِيعًا . اِنْتَهَى كَلَامُهُ . قَالَ ابْن عَبْدِ الْبَرِّ : الْحَدِيثُ لِمَالِكٍ عَنْهُمَا جَمِيعًا لَكِنَّ الْمَحْفُوظَ عَنْ عَبْد اللَّه بْن دِينَار وَحَدِيث نَافِع غَرِيب . اِنْتَهَى . وَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ كَذَلِكَ عَنْ نَافِع خَمْسَة أَوْ سِتَّة فَلَا غَرَابَةَ وَإِنْ سَاقَهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ فَمُرَاده مَا رَوَاهُ خَارِج الْمُوَطَّأ فَهِيَ غَرَابَة خَاصَّةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُوَطَّأ نَعَمْ رِوَايَة الْمُوَطَّأ أَشْهَر .
قَوْله : ( ذَكَرَ عُمَرُ بْن الْخَطَّاب )
مُقْتَضَاهُ أَيْضًا أَنَّهُ مِنْ مُسْنَدِ اِبْن عُمَر كَمَا هُوَ عِنْدَ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ وَرَوَاهُ أَبُو نُوح عَنْ مَالِكٍ فَزَادَ فِيهِ عَنْ عُمَر ، وَقَدْ بَيَّنَ النَّسَائِيّ سَبَب ذَلِكَ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ طَرِيقِ اِبْنِ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ : أَصَابَ اِبْن عُمَر جَنَابَة فَأَتَى عُمَر فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَأَتَى عُمَر النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْمَرَهُ فَقَالَ " لِيَتَوَضَّأْ وَيَرْقُد " وَعَلَى هَذَا فَالضَّمِير فِي قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ " أَنَّهُ تُصِيبُهُ " يَعُودُ عَلَى اِبْن عُمَر لَا عَلَى عُمَر وَقَوْله فِي الْجَوَابِ " تَوَضَّأْ " يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اِبْن عُمَر كَانَ حَاضِرًا فَوَجَّهَ الْخِطَابَ إِلَيْهِ .
)
قَوْله : ( بِأَنَّهُ )
كَذَا لِلْمُسْتَمْلِي وَالْحَمَوِيّ وَلِلْبَاقِينَ " أَنَّهُ " .
قَوْله : ( فَقَالَ لَهُ )
سَقَطَ لَفْظ " لَهُ " مِنْ رِوَايَةِ الْأَصِيلِيّ .
قَوْله : ( تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَك )
فِي رِوَايَةِ أَبِي نُوح " اِغْسِلْ ذَكَرَك ثُمَّ تَوَضَّأْ ثُمَّ نَمْ " وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ : يَجُوزُ تَقْدِيم الْوُضُوء عَلَى غَسْل الذَّكَر ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوُضُوءٍ يَرْفَعُ الْحَدَث وَإِنَّمَا هُوَ لِلتَّعَبُّدِ إِذْ الْجَنَابَةُ أَشَدّ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ فَتَبَيَّنَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي نُوح أَنَّ غَسْلَهُ مُقَدَّم عَلَى الْوُضُوءِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ عَنْهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَمَسَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَسَّهُ يَنْقُضُ . وَقَالَ اِبْن دَقِيقِ الْعِيدِ : جَاءَ الْحَدِيثُ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَجَاءَ بِصِيغَة الشَّرْط وَهُوَ مُتَمَسَّكٌ لِمَنْ قَالَ بِوُجُوبِهِ . وَقَالَ ابْن عَبْدِ الْبَرِّ : ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لِلِاسْتِحْبَابِ وَذَهَبَ أَهْل الظَّاهِر إِلَى إِيجَابِهِ وَهُوَ شُذُوذ . وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيِّ : قَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ لَا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَاسْتَنْكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ هَذَا النَّقْل وَقَالَ : لَمْ يَقُلْ الشَّافِعِيّ بِوُجُوبِهِ وَلَا يَعْرِفُ ذَلِكَ أَصْحَابه . وَهُوَ كَمَا قَالَ لَكِنَّ كَلَامَ اِبْنِ الْعَرَبِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ نَفْيَ الْإِبَاحَةِ الْمُسْتَوِيَةِ الطَّرَفَيْنِ لَا إِثْبَاتَ الْوُجُوبِ أَوْ أَرَادَ بِأَنَّهُ وَاجِب وُجُوبَ سُنَّة أَيْ مُتَأَكَّدُ الِاسْتِحْبَاب وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَابَلَهُ بِقَوْلِ اِبْن حَبِيب : هُوَ وَاجِبٌ وُجُوب الْفَرَائِض وَهَذَا مَوْجُود فِي عِبَارَةِ الْمَالِكِيَّةِ كَثِيرًا وَأَشَارَ اِبْنُ الْعَرَبِيِّ إِلَى تَقْوِيَةِ قَوْلِ اِبْن حَبِيب ، وَبَوَّبَ عَلَيْهِ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ إِيجَاب الْوُضُوءِ عَنْ الْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ النَّوْمَ ثُمَّ اِسْتَدَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ وَابْن خُزَيْمَة عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ بِحَدِيثِ اِبْن عَبَّاس مَرْفُوعًا " إِنَّمَا أُمِرْتَ بِالْوُضُوءِ إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ " وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي بَابِ إِذَا جَامَعَ ثُمَّ عَادَ . وَقَدْ قَدَحَ فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ اِبْن رُشْد الْمَالِكِيّ وَهُوَ وَاضِح . وَنَقَلَ الطَّحَاوِيّ عَنْ أَبِي يُوسُف أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى عَدَمِ الِاسْتِحْبَابِ وَتَمَسَّكَ بِمَا رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاق عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْنُبُ ثُمَّ يَنَامُ وَلَا يَمَسُّ مَاءً رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْحُفَّاظَ قَالُوا إِنَّ أَبَا إِسْحَاق غَلِطَ فِيهِ وَبِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ تَرَكَ الْوُضُوءَ لِبَيَان الْجَوَاز لِئَلَّا يُعْتَقَدَ وُجُوبه أَوْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَمَسُّ مَاءً أَيْ لِلْغُسْلِ ، وَأَوْرَدَ الطَّحَاوِيّ مِنْ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ أَبِي إِسْحَاق مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ جَنَحَ الطَّحَاوِيّ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُضُوءِ التَّنْظِيف وَاحْتَجَّ بِأَنَّ اِبْن عُمَر رَاوِي الْحَدِيثِ وَهُوَ صَاحِبُ الْقِصَّةِ كَانَ يَتَوَضَّأُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ كَمَا رَوَاهُ مَالِك فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِع وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ ثَبَتَ تَقْيِيد الْوُضُوء بِالصَّلَاةِ مِنْ رِوَايَتِهِ وَمِنْ رِوَايَةِ عَائِشَة كَمَا تَقَدَّمَ فَيُعْتَمَدُ وَيُحْمَلُ تَرْك اِبْن عُمَر لِغَسْلِ رِجْلَيْهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِعُذْر . وَقَالَ جُمْهُور الْعُلَمَاءِ : الْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ هُنَا الشَّرْعِيّ وَالْحِكْمَة فِيهِ أَنَّهُ يُخَفِّفُ الْحَدَثَ وَلَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ تَفْرِيق الْغُسْل فَيَنْوِيه فَيَرْتَفِعُ الْحَدَث عَنْ تِلْكَ الْأَعْضَاءِ الْمَخْصُوصَة عَلَى الصَّحِيحِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَات عَنْ شَدَّاد بْن أَوْس الصَّحَابِيّ قَالَ " إِذَا أَجْنَب أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ فَإِنَّهُ نِصْفُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ " وَقِيلَ : الْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّهُ إِحْدَى الطِّهَارَتَيْنِ فَعَلَى هَذَا يَقُومُ التَّيَمُّم مَقَامه . وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَائِشَة أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَجْنَبَ فَأَرَادَ أَنْ يَنَامَ تَوَضَّأَ أَوْ تَيَمَّمَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّيَمُّم هُنَا عِنْد عُسْر وُجُود الْمَاءِ وَقِيلَ الْحِكْمَة فِيهِ أَنَّهُ يَنْشَطُ إِلَى الْعَوْدِ أَوْ إِلَى الْغُسْلِ وَقَالَ اِبْن دَقِيقِ الْعِيدِ : نَصَّ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى الْحَائِضِ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ اِغْتَسَلَتْ لَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُهَا بِخِلَاف الْجُنُب لَكِنْ إِذَا اِنْقَطَعَ دَمهَا اِسْتُحِبَّ لَهَا ذَلِكَ . وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ وَإِنَّمَا يَتَضَيَّقُ عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ وَاسْتِحْبَاب التَّنْظِيف عِنْدَ النَّوْمِ قَالَ اِبْن الْجَوْزِيِّ : وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَبْعُدُ عَنْ الْوَسَخِ وَالرِّيحِ الْكَرِيهَةِ بِخِلَاف الشَّيَاطِين فَإِنَّهَا تَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
المنتقى - شرح الموطأ - (ج 1 / ص 110)
97 - ( ش ) : سُؤَالُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضْيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَحْذُوفٌ لِأَنَّهُ سَأَلَهُ هَلْ لَهُ أَنْ يَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ إِذَا أَصَابَتُهُ الْجَنَابَةُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَك ثُمَّ نَمْ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ لَهُ تَأْخِيرَ الْغُسْلِ مَا لَمْ يَأْتِ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَنَدَبَهُ إِلَى أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيَغْسِلَ مَا بِذَكَرِهِ مِنْ الْأَذَى ثُمَّ يَنَامُ إِنْ شَاءَ وَلَيْسَ هَذَا بِوَاجِبٍ عَلَى مَنْ أَرَادَ النَّوْمَ وَرَوَى ابْنُ نَافِعٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ تَعَالَى وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ لَمْ تَسْقُطْ عَدَالَتُهُ وَهَذَا الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو إسْحَقَ السَّبِيعِيُّ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ مَاءً وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ وُجُوبُ ذَلِكَ قَالَ وَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ جُنُبًا وَلَا يَمَسُّ مَاءً فَحَمْلُهُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْهُ مَاءٌ وَأَنَّهُ تَيَمَّمَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ يَبْعُدُ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَعْمِلُ هَذَا اللَّفْظَ فِي الْعَادِمِ الْمَاءِ وَلِذَلِكَ لَا يُقَالُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَلَا يَمَسُّ مَاءً وَيُرِيدُ بِهِ عَدَمَ الْمَاءِ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِذِكْرِ الْعِلَّةِ الْمَانِعَةِ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ عَدَمُ الْمَاءِ هَذَا عُرْفُ التَّخَاطُبِ وَلَمَّا قَالَتْ كَانَ يَنَامُ بَعْدَ الْجِمَاعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ مَاءً كَانَ مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَظَاهِرُهُ اسْتِبَاحَةَ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ قُلْنَا فِيمَا رُوِيَ أَنَّ مَاعِزًا زَنَى فَرُجِمَ أَنَّ الرَّجْمَ كَانَ لِأَجْلِ الزِّنَا وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ كَانَ قُتِلَ وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَهَا فَسَجَدَ ظَاهِرُهُ أَنَّ سُجُودَهُ كَانَ لِسَهْوِهِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إِنَّ سُجُودَهُ كَانَ عَلَى وَجْهِ الشُّكْرِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي فَلَا يُصْرَفُ عَنْ هَذَا اللَّفْظِ إِلَّا بِدَلِيلٍ
( مَسْأَلَةٌ ) وَلَا يَبْطُلُ هَذَا الْوُضُوءُ بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَجْمُوعَةِ وَلَا يَبْطُلُ بِشَيْءٍ إِلَّا بِمُعَاوَدَةِ الْجِمَاعِ فَإِنْ جَامَعَ بَعْدَ وُضُوئِهِ أَعَادَ الْوُضُوءَ لِأَنَّ الْجِمَاعَ الثَّانِيَ يَحْتَاجُ مَنْ أَحْدَثَ الْوُضُوءَ مِثْلُ مَا احْتَاجَهُ الْأَوَّلُ
فتح الباري لابن رجب - (ج 2 / ص 58)
290- حديث : مالك ، عَن عبد الله بنِ دينار ، عَن ابن عمر قالَ : ذكر عمر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأنَّهُ تصيبه الجنابة مِن الليل ، فقالَ لهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( توضأ ، واغسل ذكرك ، ثُمَّ نم )) .
ورواه ابن عيينة ، عَن عبد الله بنِ دينار ، عَن ابن عمر ، عَن عمر ، أنَّهُ سأل رسول الله- صلى الله عليه وسلم -
: أينام أحدنا وَهوَ جنب ؟ قالَ : (( نعم ، ويتوضأ إن شاء )) .
خرجه ابن خزيمة في (( صحيحه )) مِن طريق أحمد بن عبدة ، عَن سفيان .
ورواه بشر بنِ مطر ، عَن ابن عيينة ، عَن عبد الله بنِ دينار ، عَن ابن عمر ، أن عمر سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أينام أحدنا وَهوَ جنب ؟ فقالَ : (( ليتوضأ ، ولينم ، وليطعم إن شاء )) .
وكذا رواه الحميدي ، عَن سفيان .
وهذه الزيادات لا تعرف إلا عَن ابن عيينة .
ورواه سفيان الثوري ، عَن عبد الله بنِ دينار ، وقال في حديثه : (( ويتوضأ وضوءه للصلاة )) .
وقد ذهب أكثر العلماء إلى هَذهِ الأحاديث ، وقالوا : أن الجنب إذا أراد النوم غسل ذكره وتوضأ .
وممن أمر بذلك : علي ، وابن عمر ، وعائشة ، وشداد بنِ أوس ، وأبو سعيد الخدري ، وابن عباس ، وَهوَ قول الحسن ، وعطاء ، وابن المبارك ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق وغيرهم مِن العلماء ، وكرهوا تركه معَ القدرة عليهِ .
ومنهم مِن قالَ : هوَ واجب ويأثم بتركه . وَهوَ رواية عَن مالك ، واختارها ابن حبيب مِن أصحابه ، وَهوَ قول طائفة مِن أهل الظاهر .
ونقل مثنى الأنباري عَن أحمد ، في الجنب ينام مِن غير أن يتوضأ : هل ترى عليهِ شيئاً ؟ قالَ : فلم يعجبه ، وقال : يستغفر الله .
وهذا يشعر بأنَّهُ ذنب يستغفر منهُ .
ونص على أنَّهُ يتوضأ وضوء الصلاة كاملاً ، واحتج بحديث عائشة : (( توضأ وضوءه للصلاة )) .
وروي عَن ابن عمر ، أنَّهُ كانَ يتوضأ وضوء الصلاة سوى غسل رجليه .
وروي عَنهُ ، أنَّهُ كانَ يغسل يديه ووجهه .
وعن سفيان الثوري رواية ، أنَّهُ يغسل كفيه ثُمَّ ينام .
وحكى ابن عبد البر عَن طائفة مِن العلماء ، أنهم حملوا الوضوء عند النوم للجنب على غسل الأذى والفرج وغسل اليدين .
وهذا ترده رواية : (( توضأ وضوءه للصلاة )) .
وروي عَن عائشة : أنَّهُ يتوضأ أو يتيمم : قالَ ابن أبي شيبة : نا عثام بنِ علي ، عَن هشام ، عن أبيه ، عَن عائشة ، في الرجل تصيبه جنابة مِن الليل ، فيريد أن ينام ؟ قالت : يتوضأ ، أو يتيمم .
وروي مرفوعاً ؛ خرجه الطبراني مِن طريق عمار بنِ نصر أبي ياسر : نا بقية بنِ الوليد ، عَن إسماعيل بنِ عياش ، عَن هشام بنِ عروة ، عَن أبيه ، عَن عائشة ، قالت: كانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا واقع بعض أهله ، فكسل أن يقوم ، ضرب يده على الحائط ، فتيمم .
وهذا المرفوع لا يثبت ، وإسماعيل بنِ عياش رواياته عَن الحجازيين ضعيفة ، وعمار بنِ نصر ضعيف ، ورواية عثام الموقوفة أصح .
ولا فرق في نوم الجنب بين نوم الليل والنهار ، حكاه إسحاق بنِ راهويه عَن بعض العلماء ، ولم يمسه .
واختلفوا : هل المرأة في ذَلِكَ كالرجل ، أم لا ؟
فقالت طائفة : هما سواء ، وَهوَ قول الليث ، وحكي رواية عَن أحمد ، وقد نص على التسوية بينهما في الوضوء للأكل .
والثاني : أن الكراهة تخص بالرجل دونَ المرأة ، وَهوَ المنصوص عَن أحمد .
ولعله يستدل بأن عائشة لَم تذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ يأمرها بالوضوء ، وإنما أخبرت عَن وضوئه لنفسه .
وقد دلت هَذهِ الأحاديث المذكورة في هَذا الباب : على أن وضوء الجنب يخفف جنابته .
ولو نوى بوضوئه رفع الحدثين ارتفع عَن أعضاء وضوئه حدثاه جميعاً ، بناء على أن الغسل لا يشترط لَهُ موالاة ، وَهوَ قول الجمهور ، خلافاً لمالك ، كَما سبق ذكره .
وإن نوى بوضوئه رفع الحدث الأصغر ارتفع وحده ، ولم يرتفع معه شيء مِن الجنابة .
وإن نوى النوم ، فهل يرتفع حدثه الأصغر ؟ يتخرج على الخلاف فيمن نوى طهارة مستحبة ، فهل يرتفع حدثه أم لا ؟
على قول مِن قالَ : إن الضوء للنوم واجب ، لا يجوز النوم بدونه ؛ فإنه يرتفع الحدث حينئذٍ بغير تردد .
وَهوَ كَما لو نوى الجنب بوضوئه اللبث في المسجد ؛ فإنه يرتفع بذلك حدثه الأصغر عند أصحابنا .
وقد ورد في الجنب : (( إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيهِ جنب )) ، كذلك روي عَن علي ، عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
خرجه الإمام أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، والحاكم وصححه .
وورد : (( إن الملائكة لا تشهد جنازة الجنب إذا مات )) ، [ خرجه ] مِن حديث يحيى بنِ يعمر ، عَن عمار ، عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قالَ : (( إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر ، ولا المتضمخ بزعفران ، ولا الجنب )) .
خرجه الإمام أحمد ، وأبو داود .
وفي آخر الحديث : الرخصة لَهُ إذا أراد النوم ، أو الأكل ، أن يتوضأ ، وهذا يدل على أن الوضوء يخفف أمره .
وخرج أبو داود مِن حديث الحسن ، عَن عمار بنِ ياسر ، عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قالَ :
(( ثلاثة لا تقربهم الملائكة : جيفة الكافر ، والمتضمخ بالخلوق ، والجنب ، إلا أن
يتوضأ )) .
وخرجه بقي بنِ مخلد في (( مسنده )) ، ولفظه : (( ثلاثة لا تقربهم الملائكة بخير : جيفة الكافر ، والمتضمخ بالخلوق ، والجنب ، إلا أن يبدو لَهُ أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة )) .
ويحيى بنِ يعمر ، والحسن لَم يسمع مِن عمار .
وخرجه الطبراني ، ولفظه : (( إن الملائكة لا تحضر جنازة كافر بخير ، ولا جنباً حتى يغتسل أو يتوضأ وضوءه للصلاة ، ولا [ متضمخاً ] بصفرة )) .
وروى وكيع في (( كتابه )) عَن هشام بنِ عروة ، عَن أبيه ، عَن عائشة ، قالت :
إذا أراد أحدكم أن يرقد وَهوَ جنب فليتوضأ ؛ فإن أحدكم لا يدري لعله أن يصاب في منامه .
ورخص آخرون في نوم الجنب مِن غير وضوء ، مِنهُم : سعيد بنِ المسيب ،
وربيعة ، وأبو حنيفة ، وسفيان الثوري ، والحسن بنِ حي ، ووكيع .
وروى أبو حنيفة ، عَن حماد ، عَن إبراهيم ، قالَ : كانوا ينامون وهم جنب- يعني : قبل الوضوء .
وقد ورد حديث يدل على الرخصة ، مِن رواية أبي إسحاق ، عَن الأسود ، عَن عائشة ، قالت : كانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ينام وَهوَ جنب ، ولا يمس ماء .
خرجه الإمام أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، والترمذي .
وقال : قَد روى غير واحد عَن الأسود ، عَن عائشة ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : كانَ يتوضأ قبل أن ينام -يعني : جنباً .
قالَ : وهذا أصح مِن حديث أبي إسحاق ، عَن الأسود .
قالَ : ويرون أن هَذا غلط مِن أبي إسحاق .
وقد تقدم حديث الحكم ، عَن إبراهيم ، عَن الأسود ، عَن عائشة بخلاف هَذا .
خرجه مسلم .
وكذلك رواه حجاج بنِ أرطاة، عَن عبد الرحمن بنِ الأسود ، عَن أبيه عَن عائشة.
خرج حديثه الإمام أحمد ، ولفظه : كانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يجنب مِن الليل ، ثُمَّ يتوضأ وضوءه للصلاة حتى يصبح ، ولا يمس ماء .
وخرجه بقي بنِ مخلد مِن طريق أبي إسحاق ، عَن عبد الرحمن بنِ الأسود ، عَن أبيه ، قالَ : سألت عائشة : كيف كانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع إذا أراد أن ينام وهو
جنب ؟ قالت : يتوضأ وضوءه للصلاة ، ثُمَّ ينام .
وهذا الحديث مما اتفق أئمة الحديث مِن السلف على إنكاره على أبي إسحاق ، مِنهُم : إسماعيل بنِ أبي خالد ، وشعبة ، ويزيد بن هارون ، وأحمد بنِ حنبل ، وأبو بكر بنِ أبي شيبة ، ومسلم بنِ حجاج ، وأبو بكر الأثرم ، والجوزاني ، والترمذي ، والدارقطني .
وحكى ابن عبد البر عَن سفيان الثوري ، أنَّهُ قالَ : هوَ خطأ .
وعزاه إلى ((كِتابِ أبي داود )) ، والموجود في (( كتابه )) هَذا الكلام عَن يزيد بن هارون ، لا عَن سفيان .
وقال أحمد بنِ صالح المصري الحافظ : لا يحل أن يروي هَذا الحديث .
يعني : أنَّهُ خطأ مقطوع بهِ ، فلا تحل روايته مِن دونَ بيان علته .
وأما الفقهاء المتأخرون ، فكثير مِنهُم نظر إلى ثقة رجاله ، فظن صحته ، وهؤلاء يظنون أن كل حديث رواة ثقة فَهوَ صحيح ، ولا يتفطنون لدقائق علم علل الحديث .
ووافقهم طائفة مِن المحدثين المتأخرين كالطحاوي والحاكم والبيهقي .
ثُمَّ اختلفوا في الجمع بينه وبين حديث النخعي ، عَن الأسود ، عَن عائشة في الوضوء ، ولهم في ذَلِكَ مسالك :
أحدها : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ إذا أراد النوم وَهوَ جنب توضأ في غالب أوقاته لفيضلة الوضوء ، وكان تارة يترك الوضوء لبيان الجواز ، وأن الوضوء غير واجب ، وأن النوم بدونه غير محرم ، وهذا سلكه طوائف مِن الفقهاء مِن اصحابنا وأصحاب الشَافِعي وغيرهم .
والثاني : أن حديث أبي إسحاق أريد بهِ : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ ينام ولا يمس ماء للغسل ، فهو موافق لحديث إبراهيم عن الأسود في المعنى ، وهذا مسلك أبي العباس بنِ سريج والطحاوي وغيرهما .
وحديث حجاج ، عَن عبد الرحمن بنِ الأسود ، عَن أبيه يشهد لهذا التأويل ، كَما تقدم لفظه .
والثالث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ إذا أصابته الجنابة مِن أول الليل توضأ ثُمَّ نام نومه الطويل المعتاد مِن الليل ، وإن أصابته الجنابة مِن آخر الليل بعد قضاء ورده مِن الصلاة هجع هجعة خفيفة للاستراحة ، ثُمَّ قام فاغتسل لصلاة الفجر ، وهذا مسلك طائفة مِن العلماء ، وسلكه الطحاوي -أيضاً - ، وأشار إليه ابن عبد البر وغيره .
وقد روى زهير وإسرائيل، عَن أبي إسحاق هَذا الحديث بسياق مطول ، وفيه : أن نومه مِن غير أن يمس ماء ، إنما كانَ في آخر الليل إذا قضى صلاته ، ثُم كانَ لَهُ حاجة إلى
أهله .
خرجه الطحاوي مِن طريق زهير ، عَن أبي إسحاق ، ولفظه حديثه : كانَ
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينام أول الليل ويحيى آخره ، ثُمَّ إن كانَ لَهُ حاجة قضى حاجته ، ثُمَّ ينام قبل أن يمس ماء ، وإن نام جنباً توضأ وضوء الرجل للصلاة .
وهذه زيادة غريبة .
وقد خرجه الإمام أحمد بسياق مطول ، مِن طريق زهير ، بدون هَذهِ الزيادة في آخره .
وخرجه مسلم في (( صحيحه )) -أيضاً- مِن طريق زهير ، إلا أنَّهُ أسقط منهُ لفظة : (( قبل أن يمس الماء )) ، فلم يذكرها ؛ لأنه ذكر في (( كِتابِ التمييز )) لَهُ ، أنها وهم مِن أبي إسحاق .
وقد روي عَن أبي إسحاق ما يخالف هَذهِ الرواية : فروى سفيان ، عَن أبي
إسحاق ، عَن الأسود ، عَن عائشة ، قالت : كانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يصيب أهله مِن أول الليل ، ثُمَّ ينام ولا يمس ماء ، فإذا استيقظ مِن آخر الليل عاد إلى أهله واغتسل . خرجه الإمام أحمد .
وخرج الطبراني مِن طريق حمزة الزيات ، عَن أبي إسحاق ، عَن الأسود ، عَن عائشة ، قالت : كانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يجامع نسائه ، ثُمَّ لا يمس ماء ، فإن أصبح فأراد أن يعاود عاود ، وإن لَم يرد اغتسل ..
ورواه شريك ، عَن أبي إسحاق ، فذكر في حديثه : أنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يصيب أهله ، ثُمَّ يعود ولا يمس ماء - ولم يذكر النوم .
وهذا كله يدل على أن أبا إسحاق اضطرب في هَذا الحديث ، ولم يقم لفظه كَما ينبغي ، بل ساقه بسياقات مختلفة متهافتة .
وروى محمد بنِ عمرو ، عَن أبي سلمة ، عَن عائشة ، أنَّهُ سألها : هل كانَ
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينام وَهوَ جنب ؟ قالت : نعم ، ولكنه كانَ لا ينام حتى يتوضأ وضوءه للصلاة ، ويغسل فرجه .
خرجه بقي بنِ مخلد في (( مسنده )) .
وهذا يدل على أنها لَم ترو نومه مِن غير وضوء في حال الجنابة بحال .
بداية المجتهد ونهاية المقتصد - (ج 1 / ص 53)
-(المسألة الثانية) اختلف الناس في إيجاب الوضوء على الجنب في أحوال: أحدها إذا أراد أن ينام وهو جنب؛ فذهب الجمهور إلى استحبابه دون وجوبه وذهب أهل الظاهر إلى وجوبه لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمر "أنه ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تصيبه جنابة من الليل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: توضأ واغسل ذكرك ثم نم" وهو أيضا مروي عنه من طريق عائشة. وذهب الجهمور إلى حمل الأمر بذلك على الندب والعدول به عن ظاهره لمكان عدم مناسبة وجوب الطهارة لإرادة النوم، أعني المناسبة الشرعية، وقد احتجوا أيضا لذلك بأحاديث أثبتها حديث ابن عباس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء فأتي بطعام، فقالوا: ألا نأتيك بطهر؟ فقال: أأصلي فأتوضأ. وفي بعض رواياته: فقيل له: ألا تتوضأ؟ فقال: ما أردت الصلاة فأتوضأ" والاستدلال به ضعيف، فإنه من باب مفهوم الخطاب من أضعف أنواعه، وقد احتجوا بحديث عائشة "أنه عليه الصلاة والسلام كان ينام وهو جنب لا يمس الماء" إلا أنه حديث ضعيف. وكذلك اختلفوا في وجوب الوضوء على الجنب الذي يريد أن يأكل أو يشرب وعلى الذي يريد أن يعاود أهله، فقال الجمهور في هذا كله بإسقاط الوجوب لعدم مناسبة الطهارة لهذه الأشياء، وذلك أن الطهارة إنما فرضت في الشرع لأحوال التعظيم كالصلاة، وأيضا فلمكان تعارض الآثار في ذلك، وذلك أنه روي عنه عليه الصلاة والسلام "أنه أمر الجنب إذا أراد أن يعاود أهله أن يتوضأ" وروي عنه أنه كان يجامع ثم يعاود ولا يتوضأ. وكذلك روي عنه منع الأكل والشرب للجنب حتى يتوضأ. وروي عنه إباحة ذلك.
إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام - (ج 1 / ص 157)
31 - الْحَدِيثُ الرَّابِعُ : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ { يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْقُدْ } .
الشَّرْحُ
وُضُوءُ الْجُنُبِ قَبْلَ النَّوْمِ : مَأْمُورٌ بِهِ ، وَالشَّافِعِيُّ حَمَلَهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ، وَفِي مَذْهَبِ مَالِكٍ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : الْوُجُوبُ ، وَقَدْ وَرَدَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ، ثُمَّ نَمْ } لَمَّا سَأَلَهُ عُمَرُ إنَّهُ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ مِنْ اللَّيْلِ " وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ - الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ - مُتَمَسِّكٌ لِلْوُجُوبِ ، فَإِنَّهُ وَقَفَ إبَاحَةَ الرُّقَادِ عَلَى الْوُضُوءِ ، فَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " فَلْيَرْقُدْ " لَيْسَ لِلْوُجُوبِ ، وَلَا لِلِاسْتِحْبَابِ ، فَإِنَّ النَّوْمَ مِنْ حَيْثُ هُوَ نَوْمٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبٌ وَلَا اسْتِحْبَابٌ ، فَإِذَا هُوَ لِلْإِبَاحَةِ ، فَتَتَوَقَّفُ الْإِبَاحَةُ هَهُنَا عَلَى الْوُضُوءِ ، وَذَلِكَ هُوَ الْمَطْلُوبُ .
وَاَلَّذِينَ قَالُوا : إنَّ الْأَمْرَ هَهُنَا عَلَى الْوُجُوبِ ، اخْتَلَفُوا فِي عِلَّةِ هَذَا الْحُكْمِ ، فَقِيلَ : عِلَّتُهُ أَنْ يَبِيتَ عَلَى إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ ، خَشْيَةَ الْمَوْتِ فِي الْمَنَامِ ، وَقِيلَ : عِلَّتُهُ أَنْ يَنْشَطَ إلَى الْغُسْلِ إذَا نَالَ الْمَاءُ أَعْضَاءَهُ ، وَبَنَوْا عَلَى هَاتَيْنِ الْعِلَّتَيْنِ : أَنَّ الْحَائِضَ إذَا أَرَادَتْ النَّوْمَ ، هَلْ تُؤْمَرُ بِالْوُضُوءِ ؟ فَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ بِالْمَبِيتِ عَلَى إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ : أَنْ تَتَوَضَّأَ الْحَائِضُ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِيهَا وَمُقْتَضَى التَّعْلِيلِ بِحُصُولِ النَّشَاطِ : أَنْ لَا تُؤْمَرَ بِهِ الْحَائِضُ ؛ ؛ لِأَنَّهَا لَوْ نَشِطَتْ لَمْ يُمْكِنْهَا رَفْعُ حَدَثِهَا بِالْغُسْلِ .
وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى الْحَائِضِ ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَاعَى هَذِهِ الْعِلَّةَ ، فَنَفَى الْحُكْمَ لِانْتِفَائِهَا ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يُرَاعِهَا ، وَنَفَى الْحُكْمَ ؛ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ أَمْرَ الْجُنُبِ بِهِ تَعَبُّدٌ ، وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ، أَوْ رَأَى عِلَّةً أُخْرَى غَيْرَ مَا ذَكَرْنَاهُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .(1/89)
159-7816 أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : أَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ قُدَامَةَ قَالَ : حَدَّثَنِي ابْنُ دِينَارٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ عُمَرَ ، ذَكَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ : " لِيَتَوَضَّأْ ، وَلْيَغْسِلْ ذَكَرَهُ ، وَلْيَنَمْ (1)
160-7817 أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبِيدَةُ وَغَيْرُهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ عُمَرَ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيَرْقُدُ الرَّجُلُ وَهُوَ جُنُبٌ ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، إِذَا تَوَضَّأَ " (2)
161-7818 أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ يَحْيَى ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ عُمَرَ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ ؟ قَالَ : " يَتَوَضَّأُ " (3)
162-7819 أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَهُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ عُمَرَ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَتَوَضَّأْ " (4)
163-7820 أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِدٌ قَالَ : حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ ، عَنْ نَافِعٍ ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ ، حَدَّثَهُ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ ؟ " قَالَ : " نَعَمْ ، إِذَا تَوَضَّأَ "(5)
__________
(1) - صحيح
(2) - صحيح
(3) - نص برقم(261) صحيح
(4) -مسند الشامينن برقم(2889) وهو صحيح
الجُنُب : الذي يجب عليه الغُسْل بالجِماع وخُروجِ المّنيّ، والجنَابة الاسْم، وهي في الأصل : البُعْد. وسُمّي الإنسان جُنُبا لأنه نُهِيَ أن يَقْرَب مواضع الصلاة ما لم يَتَطَهَّر. وقيل لمُجَانَبَتِه الناسَ حتى يَغْتَسل
(5) - أخرجه البخاري برقم(287و289) ومسلم برقم(728) والترمذي برقم(120)
فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 452)
278 - قَوْله : ( أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب سَأَلَ ) ظَاهِره أَنَّ اِبْن عُمَر حَضَرَ هَذَا السُّؤَالَ فَيَكُونُ الْحَدِيث مِنْ مُسْنَدِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ رِوَايَةِ نَافِع وَرُوِيَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ اِبْن عُمَر عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ " يَا رَسُول اللَّهِ " أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَعَلَى هَذَا فَهُوَ مِنْ مُسْنَد عُمَرَ وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِم مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّان عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْن عُمَر عَنْ نَافِعٍ عَنْ اِبْن عُمَر عَنْ عُمَرَ لَكِنْ لَيْسَ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ مَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ . وَمُطَابَقَةُ الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ جَوَازَ رُقَاد الْجُنُب فِي الْبَيْتِ يَقْتَضِي جَوَازَ اِسْتِقْرَارِهِ فِيهِ يَقْظَانَ لِعَدَم الْفَرْق أَوْ لِأَنَّ نَوْمَهُ يَسْتَلْزِمُ الْجَوَاز لِحُصُولِ الْيَقَظَةِ بَيْنَ وُضُوئِهِ وَنَوْمِهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ . وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةٍ قَبْل حَدِيث اِبْن عُمَر " بَاب نَوْم الْجُنُب " وَهَذِهِ التَّرْجَمَة زَائِدَة لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا بِبَاب الْجُنُب يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَنَامُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَرْجَمَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَعَلَى التَّقْيِيدِ فَلَا تَكُونُ زَائِدَة .
تحفة الأحوذي - (ج 1 / ص 144)
111 - قَوْلُهُ : ( قَالَ نَعَمْ إِذَا تَوَضَّأَ ) الْمُرَادُ بِهِ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ لَا اللُّغَوِيُّ ، لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ . قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَيْ تَوَضَّأَ وُضُوءً كَمَا لِلصَّلَاةِ ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُ تَوَضَّأَ لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ تَوَضَّأَ وُضُوءًا شَرْعِيًّا لَا لُغَوِيًّا اِنْتَهَى ، وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ غَيْرُ وَاجِبٍ ، فَالْجُمْهُورُ قَالُوا بِالثَّانِي ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَمَسُّ مَاءً ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِيهِ مَقَالًا لَا يَنْتَهِضُ بِهِ لِلِاسْتِدْلَالِ ، وَبِحَدِيثِ طَوَافِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعَى هُنَا دَلِيلٌ ، وَبِحَدِيثِ اِبْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا إِنَّمَا أُمِرْت بِالْوُضُوءِ إِذَا قُمْت إِلَى الصَّلَاةِ لَيْسَ فِيهِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى الْمُدَّعَى كَمَا لَا يَخْفَى ، وَذَهَبَ دَاوُدُ وَجَمَاعَةٌ إِلَى الْأَوَّلِ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ ، فَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ لِيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لِيَنَمْ ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَك ثُمَّ نَمْ ، قَالَ الشَّوْكَانِيُّ : يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ بِحَمْلِ الْأَمْرِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَخْرَجَ اِبْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِمَا مِنْ حَدِيثِ اِبْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ قَالَ نَعَمْ وَيَتَوَضَّأُ إِنْ شَاءَ . اِنْتَهَى ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَمَسُّ مَاءً رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ فَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَلَوْ صُحِّحَ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا يَعْنِي لِحَدِيثِ اِبْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ ، بَلْ كَانَ لَهُ جَوَابَانِ : أَحَدُهُمَا جَوَابُ الْإِمَامَيْنِ الْجَلِيلَيْنِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي بَكْرٍ الْبَيْهَقِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَمَسُّ مَاءً لِلْغُسْلِ وَالثَّانِي وَهُوَ عِنْدِي حَسَنٌ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ كَانَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لَا يَمَسُّ مَاءً أَصْلًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ إِذْ لَوْ وَاظَبَ عَلَيْهِ لَتُوُهِّمَ وُجُوبُهُ اِنْتَهَى .
قَوْلُهُ : ( وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمَّارٍ وَعَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ ) أَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ . وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ، وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ . وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَطْعَمَ غَسَلَ يَدَيْهِ . قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ .
قَوْلُهُ : ( قَالُوا إِذَا أَرَادَ الْجُنُبُ أَنْ يَنَامَ تَوَضَّأَ ) أَيْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ . وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ كَمَا تَقْدَم .(1/90)
164-7821 أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ وَهُوَ ابْنُ زُرَيْعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ : أَصَابَ ابْنَ عُمَرَ جَنَابَةٌ ، فَأَتَى عُمَرَ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَأَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْمَرَهُ فَقَالَ : " يَتَوَضَّأُ وَيَرْقُدُ (1)
165-7822 أَخْبَرَنَا هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ : حَدَّثَنَا مُعَلَّى قَالَ : حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ، عَنْ عُمَرَ ، وَأَيُّوبُ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ عُمَرَ ، أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ ؟ " فِي حَدِيثِ نَافِعٍ قَالَ : " فَلْيَتَوَضَّأْ ، ثُمَّ لِيَنَمْ " وَفِي حَدِيثِ أَبِي قِلَابَةَ " فَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ، ثُمَّ لِيَنَمْ (2)
166-7823 أَخْبَرَنِي عِمْرَانُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي جَمِيلٍ الدِّمَشْقِيِّ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، أَنَّ عُمَرَ ، سَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ ؟ فَأَمَرَهُ أَنْ يَغْسِلَ فَرْجَهُ وَيَتَوَضَّأَ " (3)
167-7824 أَخْبَرَنِي شُعَيْبُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ إِسْحَاقَ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ : حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ سَعْدٍ قَالَ : حَدَّثَنِي نَافِعٌ قَالَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ : سَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيَنَامُ أَحَدُنَا ، وَهُوَ جُنُبٌ ؟ " قَالَ : " نَعَمْ ، وَيَتَوَضَّأُ " (4)
168-7825 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى بْنِ بُهْلُولٍ الْحِمْصِيُّ ، عَنْ بَقِيَّةَ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ : حَدَّثَنِي يَحْيَى قَالَ : حَدَّثَنِي نَافِعٌ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّ عُمَرَ ، سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيَنَامُ أَحَدُنَا ، وَهُوَ جُنُبٌ ؟ " قَالَ : " نَعَمْ ، يَتَوَضَّأُ وَيَنَامُ (5)
169-7826 أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ قَالَ : حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ ، عَنْ يَحْيَى ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، أَنَّ عُمَرَ ، سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيَنَامُ أَحَدُنَا ، وَهُوَ جُنُبٌ ؟ " قَالَ : " نَعَمْ ، وَيَتَوَضَّأُ " (6)
170-7827 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ الْحَرَّانِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ يَحْيَى ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَأَلَهُ : " أَيَنَامُ أَحَدُنَا ، وَهُوَ جُنُبٌ ؟ " قَالَ : " نَعَمْ ، وَلْيَتَوَضَّأْ " (7)
171-7828 أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيَنَامُ أَحَدُنَا ، وَهُوَ جُنُبٌ ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، وَيَتَوَضَّأُ " (8)
172-7829 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ كَانَ " إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ ، أَوْ يَنَامَ ، أَوْ يَشْرَبَ وَهُوَ جُنُبٌ ، تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ " (9)
173-7830 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، أَنَّهُ كَانَ " إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ ، أَوْ يَنَامَ ، أَوْ يَشْرَبَ ، وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ "(10)
174-7831 أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : " إِذَا أَجْنَبَ الرَّجُلُ فَأَرَادَ أَنْ يَنَامَ ، أَوْ يَطْعَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ "(11)
__________
(1) - أخرجه الجماعة المسند الجامع برقم(7209) وهو صحيح
(2) - أخرجه الجماعة المسند الجامع برقم(7209) وهو صحيح
(3) - أخرجه الجماعة المسند الجامع برقم(7209) والدولابي برقم(1107) وهو صحيح
(4) - أخرجه الجماعة المسند الجامع برقم(7209) صحيح
(5) - أخرجه الجماعة المسند الجامع برقم(7209) صحيح لغيره
(6) - أخرجه الجماعة المسند الجامع برقم(7209) صحيح
(7) - أخرجه الجماعة المسند الجامع برقم(7209) صحيح
(8) -أخرجه الجماعة المسند الجامع برقم(7209) صحيح
(9) - أخرجه الجماعة المسند الجامع برقم(7209) صحيح
(10) - صحيح موقوف
(11) - تحفة الأشراف ( 10103 ) صحيح موقوف(1/91)
كَيْفَ تُؤْنِثُ الْمَرْأَةُ ، وَكَيْفَ يُذْكِرُ الرَّجُلُ
175-7832 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الصُّوفِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ ، وَكَانَ يُجَالِسُ الْحَسَنَ بْنَ حَيٍّ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : أَقْبَلَتْ يَهُودُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِمِ " نَسْأَلُكَ عَنْ أَشْيَاءَ ، فَإِنْ أَجَبْتَنَا فِيهَا اتَّبَعْنَاكَ وَصَدَّقْنَاكَ وَآمَنَّا بِكَ " قَالَ : فَأَخَذَ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَ إِسْرَائِيلُ عَلَى بَنِيهِ إِذْ قَالُوا : اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ قَالُوا : أَخْبِرْنَا عَنْ عَلَامَةِ النَّبِيِّ قَالَ : " تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ " قَالُوا : وَأَخْبِرْنَا كَيْفَ تُؤْنِثُ الْمَرْأَةُ وَكَيْفَ يُذْكِرُ الرَّجُلُ ؟ قَالَ : " يَلْتَقِي الْمَاءَانِ ، فَإِذَا عَلَا مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ آنَثَتْ ، وَإِذَا عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَتْ " قَالُوا : صَدَقْتَ قَالُوا : فَأَخْبِرْنَا عَنِ الرَّعْدِ مَا هُوَ ؟ قَالَ : " مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، مُوكَلٌّ بِالسَّحَابِ مَعَهُ مَخَارِيقُ مِنْ نَارٍ يَسُوقُ بِهَا السَّحَابِ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ " قَالُوا : فَمَا هَذَا الصَّوْتُ الَّذِي يُسْمَعُ قَالَ : " زَجْرُهُ بِالسَّحَابِ إِذَا زَجَرَهُ حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى حَيْثُ أُمِرَ " قَالُوا : صَدَقْتَ قَالُوا : أَخْبِرْنَا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ : كَانَ يُسْكُنُ الْبَدْوَ فَاشْتَكَى عِرْقَ النَّسَا فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يُلَاوِمُهُ إِلَّا لُحُومَ الْإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا فَلِذَلِكَ حَرَّمَهَا قَالُوا : صَدَقْتَ قَالُوا : أَخْبِرْنَا مَنِ الَّذِي يَأْتِيكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا يَأْتِيَهُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ بِالرِّسَالَةِ وَبِالْوُحْيِ فَمَنْ صَاحِبُكَ ؟ فَإِنَّهُ إِنَّمَا بَقِيَتْ هَذِهِ حَتَّى نُتَابِعَكَ قَالَ : " هُوَ جِبْرِيلُ " قَالُوا : ذَلِكَ الَّذِي يَنْزِلُ بِالْحرْبِ وَبِالْقَتْلِ ذَاكَ عَدُوُّنَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَوْ قُلْتَ : مِيكَائِيلُ الَّذِي يَنْزِلُ بِالْقَطْرِ ، وَالرَّحْمَةِ تَابَعْنَاكَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ}(1) (98) سورة البقرة (2)
__________
(1) - وفي الوسيط لسيد طنطاوي - (ج 1 / ص 163)
ثم بين - تعالى - حقيقة الأمر فيمن يعادي جبريل وأن عداواته عداوة الله - تعالى - فإنه أمين وجيه إلى رسله ليس له في ذلك شيء إلا أن يبلغ ما أمر به فقال تعالى : { مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ الله عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ } .
والمعنى : أن عداوة جبريل عداوة لله ، وأن عداوة محمد صلى الله عليه وسلم عداوة لله - أيضاً - فالإِيمان بالله وملائكته ورسله وحدة لا تتجزأ فمن كفر بواحد منهم فهو كافر بالجميع .
ومعنى عداوة العبد لله : كفره به ومخالفته لأوامره ونواهيه ومعنى عداوته لملائكته : إنكار فضلهم ووصفهم بما ينافي عصمتهم ورفعة منزلتهم . ومعنى عداوته لرسله : تكذيبه لهم وتعمده إلحاق الأذى بهم ومعنى عداوة الله لعبده : غضبه سبحانه - عليه ، ومجازاته له على كفره . وصدر - سبحانه - الكلام باسمه الجليل تفخيماً لشأن ملائكته ورسله وإشعاراً بأن عداوتهم إنما هي عداوة له - تعالى- .
وأفرد - سبحانه - جبريل وميكال بالذكر ، مع اندراجهما تحت عموم ملائكته ، لتصريح اليهود بعداوة جبريل وتعظيم ميكائيل ، فأفردهما بالذكر للتنبيه على أن المعاداة لأحدهما معاداة للجميع ، وأن الكفر بأحدهما كفر بالآخر
قال ابن جرير : " فإن قال قائل : أو ليس جبريل وميكائيل من الملائكة؟ قيل بلى ، فإن قال : فما معنى تكرير ذكرهما بأسمائهما في الآية في جملة أسماء الملائكة؟ قيل : معنى إفراد ذكرهما بأسمائهما أن اليهود لما قالت جبريل عدونا وميكائيل ولينا ، وزعمت أنها كفرت بمحمد صلى الله عليه وسلم من أجل أن جبريل صاحبه ، أعلمهم الله - تعالى - أن من كان لجبريل عدواً فإن الله عدو له وأنه من الكافرين ، فنص عليه باسمه وعلى ميكائيل باسمه ، لئلا يقول منهم قائل : إنما قال الله : من كان عدواً لله وملائكته ورسله ، ولسنا لله ولا لملائكته ، ولا لرسله أعداء ، لأن الملائكة اسم عام محتمل خاصاً ، وجبريل وميكائيل غير داخلين فيه ، وكذلك قوله ورسله فلست يا محمد داخلا فيهم ، فنص الله - تعالى - على أسماء من زعموا أنهم أعداؤه بأعيانهم ليقلع بذلك تلبيسهم على أهل الضعف منهم ، ويحسم تمويهم أمورهم على ضعاف الإِيمان " .
وقال - سبحانه - في ختام الآية الكريمة { فَإِنَّ الله عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ } ولم يقل فإن الله عدو له أو لهم ، ليدل على أن عداوة كل واحد ممن اشتملت الآية الكريمة على ذكرهم كفر وجحود ، وليكون اندراجهم تحت هذا الحكم العام من باب إثبات الحكم بالدليل ، وللإِشعار بأن عداوة الله - تعالى - لهم سببها كفرهم فإن الله لن يعادي قوماً لذواتهم ولا لأنسابهم ، وإنما يكره لهم الكفر ويعاقبهم عليه معاقبة العدو للعدو .
قال صاحب المنار : " فهذه الآية الكريمة وعيد لهم بعد بيان فساد العلة التي جاءوا بها ، فهم لم يدعوا عداوة لهؤلاء كلهم ، لكنهم كذلك في نفس الأمر ، فأراد أن يبين حقيقة حالهم في الواقعِ ، وهي أنهم أعداء كل من يمثله ويدعو إليه ، فالتصريح بعداوة جبريل كالتصريح بعداوة ميكائيل الذي يزعمون أنهم يحبونه . وأنهم كانوا يؤمنون بالنبي صلى الله عليه وسلم لو كان هو الذي ينزل بالوحي عليه ، ومعاداة القرآن الكريم كمعاداة سائر الكتب الإِلهية لأن المقصود من الجميع واحد فقولهم السابق وحالهم يدلان على معاداة كل من ذكر ، وهذا من ضروب إيجاز القرآن الكريم التي انفرد بها " .
وبهذا تكون الآيتان الكريمتان قد دمغتا اليهود بالكفر والجهالة ، لمعاداتهم لجبريل وتكذيبهم لمحمد صلى الله عليه وسلم وبينتا ما عليه أمرهم من خزي وهوان بسبب هذه العداوة التي لا باعث عليها إلا الحسد ، وكراهية أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده .
(2) - أخرجه الترمذي برقم( 3406 ) والطبراني برقم( 12259 ) والصحيحة برقم(1872) صحيح
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً " (الفرقان :54).
الكاتب: د زغلول النجار
الناشر: جريدة الأهرام
تاريخ النشر: 28/6/2004
من الدلالات العلمية للآية الكريمة :
في قول ربنا (تبارك وتعالى ) : " وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً " ( الفرقان :54) .
- يتضح أن المقصود بلفظة الماء هنا هو ماء التناسل من كل من الزوج والزوجة , كما جاء في عدد آخر من آيات القرآن الكريم من مثل قول ربنا (عز وجل ) :
(1) " ذَلِكَ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ العَزِيزُ الرَّحِيمُ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ " (السجدة :7 ـ 9) .
(2) " أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ القَادِرُونَ " (المرسلات :20 ـ 23) .
(3) " فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ " ( الطارق :5 ـ 10) .
- وإن كان هذا التحديد لا ينفي صلة ماء التناسل بالماء عامة الذي هو أصل كل حي , وذلك لقول ربنا (عز من قائل ) :
(1) " وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ " (الأنبياء 30) .
(2) " وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " ( النور :45) .
- وروى الأئمة أحمد , والبيهقي , والحاكم وغيرهم من رواة الحديث عن أبي هريرة (رضي الله عنه ) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) قال : " كل شيء خلق من الماء ".
- وروي الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه ) أنه قال : مر يهودي برسول الله (صلى الله عليه وسلم ) وهو يحدث أصحابه , فقالت قريش : يا يهودي إن هذا يزعم أنه نبي , فقال : لأسألنه عن شيء لا يعلمه إلا نبي , قال : فجاء حتى جلس ثم قال : يا محمد مم يخلق الإنسان؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) : " يا يهودي من كل يخلق : من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة " .
أنواع النطاف :
يقال في العربية : (نطف ) (ينطف ) بضم الطاء وكسرها , (نطفانا ) بمعني سال , يسيل , سيلانا , و ( نطفان ) الماء سيلانه , و (النطفة ) الماء الصافي قل أو كثر , والجمع (نطاف ) و (نطف ) , و ( الناطف ) السائل من المائعات وهو أيضا نوع من الحلواء يعرف أيضا باسم القبيطي , ويكني عن صغار اللؤلؤ بـ (النطفة ) , و ( النطفة ) أيضا الدلو وجمعها (نطف ) , ويقال : فلان (منطف ) المعروف و (ينطف ) به أي يندي به .
ويغلب استخدام لفظة (نطفة ) للقليل من الماء الذي يعدل قطره , يقال : (نطفت ) آذان الماشية و (تنطفت ) إذا ابتلت بالماء فقطرت .
- وروى الإمام أحمد عن أنس بن مالك (رضي الله عنه ) قال : كنا جلوسا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) , فقال : " يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة , فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه " وفي علم الأجنة يطلق مصطلح (النطفة ) علي كل من الخلايا التناسلية الذكرية [ الحيوان المنوي (الحيمن )] والأنثوية [ البويضة (البييضة )] , وباتحادهما تنتج النطفة المختلطة (النطفة الأمشاج كما سماها القرآن الكريم ) , وعلي ذلك فهناك نطفة ذكرية (Sperm) ونطفة أنثوية (Ovum) , ونطفة أمشاج أو لاقحة ( Zygote) , وينتهي طور النطفة بانغراس اللاقحة في جدار الرحم , وتحولها إلي طور العلقة .
الماء الدافق (ماء التكاثر ): يعتبر ماء التكاثر من أكثر مخلوقات الله إبهارا لتناهي مكوناته في الصغر , وتعاظمها في دقة البناء , وحسن الأداء مما يشهد للخالق (سبحانه وتعالى ) بطلاقة القدرة , وبديع الصنعة وإحكام الخلق .
فماء التكاثر عند الرجل هو سائل أبيض , لزج , مليء بالنطاف الذكرية التي يتراوح عددها بين المائتي مليون والثلاثمائة مليون نطفة في الدفقة الواحدة التي يتراوح حجمها بين الثلاثين والستين من الملليمترات المكعبة , وهذه النطاف المقدرة بمئات الملايين تسبح في محاليل من المواد المذابة التي تشكل الغذاء لتلك النطاف , ومن المركبات المعادلة للوسط الحامضي في الرحم حماية للنطاف الواصلة إليه , ومن الوسائط المساعدة علي إتمام عملية الإخصاب من مثل مركبات البروستاجلاندين (Prostaglandin) التي تلعب دورا هاما في إحداث تقلصات الرحم التي تساعد علي نقل النطاف المذكرة إلي مواقع الإخصاب في قناة الرحم .
والنطفة الذكرية (الحيمن ) كائن متناه في ضآلة الحجم يتكون من رأس مدبب صغير يتراوح طوله بين 0 ,003 من الملليمتر و 0 ,005 من الملليمتر , وعنق دقيق لا يكاد أن يدرك , وذيل في حدود 0 ,1 من الملليمتر في الطول . علي هيئة السوط الذي يتحرك الحيمن بواسطته بالضرب به يمنة ويسرة كالمجداف في ماء التكاثر .
ويحتوي رأس النطفة الذكرية علي نواتها وبها نصف عدد الصبغيات المحددة للبشر إذ تحتوي علي 23 صبغيا فقط (والعدد المحدد للبشر من الصبغيات هو 46) . ويتغطي رأس الحيمن بقلنسوة واقية تحميه من المخاطر التي يمكن أن يمر بها في رحلته إلي قناة الرحم حيث يمكن له الالتقاء بالنطفة المؤنثة (البويضة أو البييضة ) وإخصابها بإذن الله (تعالى ) .
والصبغيات في رأس الحيمن تشغل حيزا لا يزيد علي واحد من نصف المليون من الملليمتر المكعب , ولكنها إذا فردت فإن طولها يصل إلي المتر , ويحتوي 9 ,3 بليون قاعدة كيميائية مرتبة ترتيبا في غاية الدقة والإحكام ليكون لفائف من حلزونات الحمض النووي الريبي المنزوع الأكسجين والمعروف بالـ د . ن . أ .(D .N .A) والتي تحمل نصف صفات الجنين .
أما العنق الدقيق للحيمن فيختزن مصادر الطاقة للنطفة الذكرية في عضيات (جسيمات عضوية شديدة الدقة ) تعرف باسم المتقدرات (Mitochondria) أعطاها الله (تعالى ) القدرة علي تحويل السكريات إلي الطاقة التي تحتاجها النطفة في أثناء رحلتها الطويلة , ويبقي الذيل (السوط ) بحركاته المختلفة وسيلة توجيه جيدة لها في سباحتها بسرعات تقدر بحوالي الملليمترين في الثانية الواحدة عبر بحر من سوائل التكاثر الذكرية والأنثوية المختلطة في الرحم وقناته , حتى يصل إلي النطفة الأنثوية في قناة الرحم , فيخترقها إذا قدر له ذلك , وحينئذ تحدث تغيرات سريعة في غشاء البويضة تمنع دخول حيمن (حوين منوي ) آخر , وبذلك تتكون النطفة الأمشاج (اللاقحة ) من جزء من ماء التكاثر الذكري وجزء من ماء التكاثر الأنثوي , وفي ذلكقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) : " ما من كل الماء يكون الولد " (صحيح مسلم ) .
تطور النطفة الأمشاج :
بمجرد تكون النطفة المختلطة (النطقة الأمشاج ) يستكمل عدد الصبغيات إلي (46) وهو العدد المحدد للنوع الإنساني , وتبدأ النطفة الأمشاج في الانقسام إلي خلايا أصغر فأصغر (إلي خليتين فأربع فثماني ) تعرف باسم القسيمات الأرومية (Blastomeres) , وبعد أربعة أيام من الإخصاب تتحول هذه القسيمات الأرومية إلي كتلة كروية من الخلايا تعرف باسم التويتة (تصغير التوتة ) أو وفي اليوم الخامس تنشطر التويتة إلي نصفين مكونة الكيسة الأرومية (Blastocyst) .
وباتحاد الصبغيات القادمة من النطفة الذكرية مع صبغيات البويضة تتحدد الصفات السائدة التي سوف تظهر علي الجنين في مستقبل حياته , كما تتحدد الصفات المستترة (المتنحية ) التي قد تظهر في الأجيال التالية , ولعل هذا هو المقصود بالتقدير الذي ذكره الحق (تبارك وتعالى ) في محكم كتابه فقال : " قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ " (عبس :17 ـ 19) .
ويتضمن هذا التقدير فيما يتضمن تحديد جنس الجنين , فإذا كان الحيمن الذي قدر له إخصاب البويضة يحمل الصبغي (Y) كان الجنين ذكرا , وإذا كان يحمل الصبغي (X) كان الجنين أنثي , وفي ذلك يقول الحق (تبارك وتعالى ) : " وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى " (النجم :46 ,45) .
وفي اليوم السادس من عمر النطفة الأمشاج تنغرس الكيسة الأرومية (Blastocyst) في بطانة الرحم بواسطة خلايا تنشأ منها وتتعلق بها في جدار الرحم ثم تتحول بعد ذلك إلي المشيمة , وتتحول الكيسة الأرومية إلي طور العلقة , ثم المضغة , ثم العظام , ثم اللحم وهي أطوار مرحلة التخليق وتستمر من الأسبوع الثاني حتى نهاية الأسبوع الثامن , وأهم ما يميز مرحلة التخليق هذه هو التكاثر السريع , والنشاط المتنامي في تكوين أجهزة الجسم المختلفة , وفي الأسبوع السابع يصل الجنين إلي صورة متميزة نتيجة لاستكمال بناء الهيكل العظمي , والبدء في كسوته بالعضلات (اللحم ) مع بداية الأسبوع الثامن إلي آخر فترة الحمل , ولكن منذ نهاية الأسبوع الثامن تبدأ الصفات البشرية في الظهور علي الجنين حيث تكون العظام قد كسيت بالعضلات (اللحم ) وتكون العضلات قد كساها الجلد , وتكون جميع أعضاء الجسم قد تمايزت وبدأت في العمل .
وتبدأ مرحلة النشأة في الأسبوع التاسع حيث تتباطأ معدلات النمو حتى بداية الأسبوع الثاني عشر ثم تتسارع حتى نهاية فترة الحمل (في حدود الأسبوع الثامن والثلاثين ) . وتعتبر نهاية طور كساء العظام باللحم هي الحد الفاصل بين مرحلتي الحميل والجنين .
الماء الدافق من الرجل : يخرج ماء التكاثر الذكري دافقا كما وصفه القرآن الكريم , وهذا الوصف القرآني ينسب التدفق للماء نفسه مما يؤكد علي وجود ذاتية للتدفق فيه , بالإضافة إلي أن ما يحمله من ملايين النطف الذكرية هي كائنات حية تجري بتدفق وحيوية أيضا ومنها القوي والضعيف , والطويل والقصير , وما يحمل شارة التذكير (Y) وما يحمل شارة التأنيث (X) , ومنها ما له رأس واحد (وهو الأغلب ) وما له رأسان (وهو النادر ) , ومنها ما هو صالح للإخصاب , ومنها ما هو غير صالح لذلك , وأغلبها يهلك قبل الوصول إلى قناة الرحم التي لا يكاد يصلها أكثر من خمسمائة نطفة من مئات الملايين التي تنتج , ولا ينجح في الوصول إلي البويضة , واختراق جدارها السميك إلا واحد فقط من مئات الحيوانات المنوية , وبعد إتمام عملية الإخصاب تحدث تغيرات سريعة في غشاء البويضة (البييضة ) يمنع دخول أي من الحيوانات المنوية الأخرى . وباتحاد النطفتين يكتمل عدد الصبغيات المحدد للنوع وتنشأ النطفة الأمشاج وفي ذلك يقول ربنا (تبارك وتعالى ) : " إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً " ( الإنسان :2) .
ويقول : المصطفى (صلى الله عليه وسلم ) : " يا يهودي من كل يخلق : من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة "، ويقول: ما من كل الماء يكون الولد" (رواه الإمام مسلم في صحيحه ) .
وقد لوحظ أن النطاف الذكرية يزداد نشاطها عندما تصل إلى الرحم خاصة عند الاقتراب من سطح البويضة السميك نسبيا , كما لوحظ أن كلا من البويضة والحيوانات المنوية من حولها تدور سبع دورات قبل التلقيح في حركة معاكسة لاتجاه حركة عقارب الساعة , ومشابهة للطواف حول الكعبة المشرفة , والبويضة تقدم المواد الهيولية (السيتوبلازمية ) التي تكون الكتلة الابتدائية للنطفة الأمشاج والغذاء الكافي لها حتى تنشب في جدار الرحم ويتم انغراسها فيه فتتحول إلي طور العلقة التي تتغذي علي دم الأم حتى تمام مدة الحمل مرورا بالأطوار المتتابعة , ومن هنا كانت الحكمة الإلهية في جعل قطر البويضة أربعين مرة ضعف طول النطفة الذكرية . والغدة التناسلية الذكرية بناء
في غاية التعقيد ودقة الإحكام حيث تتكون من عدد من الأنابيب الدقيقة واللافة على بعضها تعرف باسم الأنابيب الدقيقة الناقلة للنطاف الذكرية (Seminiferous Tubules) , وهذه الأنابيب الدقيقة محاطة بأغشية بينية تفرز أعدادا من الهرمونات التي من أهمها هرمون أندروجين (Androgen) , وهي علي الرغم من دقتها الشديدة ـ فإنها تتكون من عدة طبقات متراكبة من أنواع مختلفة من الخلايا أهمها الخلايا المولدة المعروفة باسم الحويصلات المنوية الابتدائية (Primary Spermatocysts) التي تبطن تلك الأنابيب الدقيقة مكونة طبقتها الداخلية والتي أعطاها الله (تعالى ) القدرة علي إفراز النطاف الذكرية بالانقسام المنصف (Meiosis) لتكون أربع خلايا متساوية الحجم تعرف باسم أرومة النطاف (Spermatids) , وهذه تتحول بالتدريج إلي نطاف ذكرية ذات أسواط بعد فقدان معظم الهيولي (السيتوبلازم ) الذي كان بداخلها عبر ما يعرف باسم الخلايا النطفية (Spermatocytes) , وترتحل هذه النطاف الذكرية عبر الأنابيب الدقيقة الحاملة لها حتى تصل إلي منطقة تجمع لها في أعلي الغدة التناسلية (الخصية ) تعرف باسم البربخ (Epididymis) وهي قناة لافة علي ذاتها يصل طولها إذا فردت إلي ما بين الأربعة والستة أمتار فتختزن فيها النطاف الذكرية إلى حين خروجها منها .
ومن العجيب أنه بمجرد تكون جيل من النطاف فإن خلايا مولدة جديدة تتكون لتعويضها , وبذلك فإن عملية الإنطاف أي إنتاج النطاف (Spermatogenesis) هي عملية مستمرة باستمرار حياة الرجل , وتتم في غدتين تناسليتين تحفظان في كيس خارج عن الجسم يعرف باسم الصفن مهمته حفظ هاتين الغدتين في درجة حرارة مناسبة لا تتعدي السبع درجات مئوية علي الرغم من أن درجة حرارة جسم الإنسان هي في حدود (37) درجة مئوية , ويتم التبريد بواسطة خلايا إفراز العرق , بالإضافة إلي عدد من العضلات التي تضبط مسافة هذه الغدد التكاثرية من الجسم بما لا يرفع درجة حرارتها عن الحد المسموح به .
الماء الدافق من المرأة : يندفع ماء التكاثر في الأنثى من غدتين تناسليتين تعرفان باسم المبيضين تتكون فيهما البويضات علي هيئة خلايا بيضية أولية (Primary Oocytes) يحاط كل منها بغلاف يعرف باسم الجريب (follicle) , وتقوم هذه الخلايا بالانقسام المنصف الأول لتكوين خليتين مختلفتين في الحجم , الكبيرة منهما تسمي باسم الخلية البيضية الثانوية (Secondary Oocyte) , والصغيرة منهما تعرف باسم الجسم القطبي الأول (The First Polar Body) , ثم تبدأ الخلية البيضية الثانوية بدورها في الانقسام المنصف لتكون خليتين مختلفتين حجما كذلك , الكبيرة منهما تسمي الطليعة البيضية (Ootid) , والصغيرة منهما تعرف باسم الجسم القطبي الثاني (The Second Polar Body) وبعد ذلك تستمر الطليعة البيضية في النمو حتى تكون البويضة (البييضة ) الكاملة (Ovum) التي تختزن معظم السائل الخلوي (السيتوبلازم أو الهيولي ) للخلية البيضية الأولية ومحتواها من الصبغيات المحمولة في النواة .
ويصل قطر البويضة إلي (0 .2) من الملليمتر أي أربعين مرة ضعف طول الحيوان المنوي لأنها هي التي تقدم المواد الهيولية (السيتوبلازمية ) التي تكون النطفة الأمشاج , كما تقدم الغذاء الكافي للنواة المختلطة (نواة النطفة الأمشاج ) المتكونة بداخلها حتى تنشب تلك النطفة المختلطة في جدار الرحم وتنغرس فيه مكونة طور العلقة التي تتغذي علي دم الأم . وماء المرأة سائل أصفر لزج يشمل بالإضافة إلي البويضة العديد من المركبات والعناصر التي تشارك في إتمام عملية الإخصاب من مثل الإنزيمات التي تفرزها بطانة الرحم وقناته , والتي تعمل علي إذابة القلنسوة المغطية لرأس الحيوان المنوي والمكونة من البروتين السكري عند تماسه بالمنطقة الشفافة من جدار البويضة حتى يصبح قادرا علي إخصابها , كما تعمل علي إزالة الخلايا المحيطة بالبويضة وكشف غطائها الواقي أمام الحيوان المنوي . وتحتاج هاتان النطفتان لبضع ساعات حتى تتمكنا من إتمام عملية الاتحاد التي يتبعها عدد من التغيرات الحيوية والوظائفية والتشريحية . وباتحاد الصبغيات الموجودة في هاتين النطفتين يكتمل عددها المحدد للنوع البشري (46 صبغيا ) نصفها من الحيوان المنوي والنصف الآخر من البويضة . فتجتمع علي هيئة أزواج لتكون نواة النطفة المختلطة (النطفة الأمشاج ) أو البويضة الملقحة [ اللاقحة (Zygote)] التي تشكل البناء الأولي للجنين , وبعد ذلك تحدث تغيرات سريعة في غشاء البويضة (البييضة ) لمنع دخول بقية الحيوانات المنوية وبينما يستطيع الرجل إفراز ملايين الحيوانات المنوية في كل يوم من عمره البالغ , أي من سن البلوغ الي سن الشيخوخة المتأخرة , فإن المرأة لا تفرز إلا بويضة واحدة في كل شهر من البلوغ إلي سن اليأس (Menopause) والذي يأتي للمرأة في منتصف عمرها (بين الأربعين والخمسين سنة ) , وبذلك يكون مجموع ما تفرزه المرأة من بويضات طوال حياتها لا يكاد يتعدي الخمسمائة بويضة , وما ينجح من هذه في الوصول إلي مرحلة الإخصاب لا يكاد يتعدي عدد أصابع اليد الواحدة إلا في بعض الحالات القليلة . وفي مقابل كل بويضة يفرزها جسد المرأة فإن جسد الرجل يفرز أكثر من بليون حيوان منوي يهلك معظمها في رحلة الوصول إلي البويضة , وبمجرد تكون البويضة فإن المبيضين يفرزان عددا من الهرمونات مثل هرمون الأستروجين (Estrogen) , وهرمون البروجيستيرون (Progesterone) أو الهرمون المهيئ للحمل , وهرمونات أخرى مثل هرمون HCGT .
ونظرا لقلة ما ينجح من نطف كل من الرجل والمرأة في الوصول إلي مرحلة الإخصاب قال رب العالمين : " ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ " ( السجدة :8) .
والسلالة في اللغة العربية هي كل ما يستل (أي يخرج في رفق ) من شيء آخر .
-وقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) : " ما من كل الماء يكون الولد " (صحيح الإمام مسلم ) .
- وعن ابن عباس (رضي الله عنهما ) أنه قال : أقبلت اليهود إلي رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) فقالوا : يا أبا القاسم : إنا نسألك عن خمسة أشياء , فإن أنبأتنا بها عرفنا أنك نبي واتبعناك , فأخذ عليهم ما أخذ يعقوب علي بنيه , إذ قالوا : الله علي ما نقول وكيل , قال (صلى الله عليه وسلم ) :" هاتوا" قالوا : خبرنا كيف تؤنث المرأة , وكيف تذكر؟ قال : " يلتقي الماءان , فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت , وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنثت " (رواه الأئمة أحمد , الطبراني , الترمذي ) .
- وفي رواية لمسلم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "ماء الرجل أبيض , وماء المرأة أصفر , فإذا اجتمعا , فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله , وإن علي مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله" ( صحيح الإمام مسلم ) .
- وروى البخاري قول النبي (صلى الله عليه وسلم ) : " وأما الشبه في الولد , فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه له , وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها " .
وهذه القضايا تقع من علم الأجنة في الصميم , وعرضها بهذه الدقة العلمية الشاملة في كتاب الله وفي سنة رسوله (صلى الله عليه وسلم ) من قبل ألف وأربعمائة سنة لما يجزم بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق , ويشهد بالنبوة والرسالة للنبي الخاتم والرسول الخاتم الذي تلقاه . فصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين .(1/92)
176-7833 أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَامٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي أَخِي ، أَنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ أَبَا سَلَامٍ يَقُولُ : حَدَّثَنِي أَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : كُنْتُ قَاعِدًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَتَاهُ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ فَقَالَ : " السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ قَالَ : فَدَفَعْتُهُ حَتَّى صَرَعْتُهُ ، فَقَالَ : لِمَ دَفَعْتَنِي ؟ قُلْتُ : أَلَا تَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ : أَنَا أُسَمِّيهِ بِالِاسْمِ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَجَلْ أَهْلِي سَمُّونِي مُحَمَّدًا " قَالَ : جِئْتُ لِأَسْأَلَ قَالَ : " فَيَنْفَعُكَ إِنْ أَخْبَرْتُكَ " فَقَالَ : أَسْمَعُ بِأُذُنِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ " فَقَالَ الْيَهُودِيُّ : أَرَأَيْتَ إِذَا بُدِّلَتِ السَّمَوَاتُ غَيْرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ ؟ قَالَ : " فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجَسْرُ " قَالَ : فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ أَجَازَهُ اللَّهُ ؟ قَالَ : " فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ " قَالَ : فَأَيُّ شَيْءٍ يُتْحَفُ بِهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ : " زَائِدَةُ كَبِدِ نُونٍ " قَالَ : فَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ ؟ قَالَ : " يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ الَّذِي كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا " قَالَ : فَمَا شَرَابُهُمْ ؟ قَالَ : " مِنْ عَيْنٍ تُسَمَّى سَلْسَبِيلَا " قَالَ : صَدَقْتَ قَالَ الْيَهُودِيُّ : أَسْأَلُكَ عَنْ وَاحِدَةٍ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا نَبِيٌّ ، أَوْ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ قَالَ : " هَلْ يَنْفَعُكَ إِنْ أَخْبَرْتُكَ ؟ قَالَ : أَسْمَعُ بِأُذُنِي قَالَ : " سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ " قَالَ : مِنْ أَيْنَ يَكُونُ شَبَهُ الْوَلَدِ ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ ، وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ رَقِيقٌ ، فَإِنْ عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَ بِإِذْنِ اللَّهِ ، وَإِنْ عَلَا مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ أَنَّثَ بِإِذْنِ اللَّهِ " قَالَ : صَدَقْتَ ، وَأَنْتَ نَبِيٌّ ، ثُمَّ ذَهَبَ ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَقَدْ سَأَلَنِي حِينَ سَأَلَنِي ، وَمَا عِنْدِي عِلْمٌ حَتَّى أَنْبَأَنِي اللَّهُ بِهِ " (1)
__________
(1) - أخرجه مسلم برقم(742) وعبد الرزاق برقم(20885) والطبراني برقم(1398)
شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 14)
قَوْله : ( فَنَكَتَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُود ) هُوَ بِفَتْحِ النُّون وَالْكَاف وَبِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة مِنْ فَوْق ، وَمَعْنَاهُ : يَخُطّ بِالْعُودِ فِي الْأَرْض ، وَيُؤَثِّر بِهِ فِيهَا ، وَهَذَا يَفْعَلهُ الْمُفَكِّر ، وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى جَوَاز فِعْل مِثْل هَذَا ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مُخِلًّا بِالْمُرُوءَةِ . وَاللَّهُ أَعْلَم .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( هُمْ فِي الظُّلْمَة دُون الْجِسْر ) هُوَ بِفَتْحِ الْجِيم وَكَسْرهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ ، وَالْمُرَاد بِهِ هُنَا الصِّرَاط .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَمَنْ أَوَّل النَّاس إِجَازَة ) هُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَبِالزَّايِ وَمَعْنَاهُ : جَوَازًا وَعُبُورًا . قَوْله :
( فَمَا تُحْفَتُهُمْ ) هِيَ بِإِسْكَانِ الْحَاء وَفَتْحهَا لُغَتَانِ ، وَهِيَ مَا يُهْدَى إِلَى الرَّجُل وَيُخَصّ بِهِ وَيُلَاطَف ، وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَلَبِيّ : هِيَ طَرَف الْفَاكِهَة . وَاللَّهُ أَعْلَم .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( زِيَادَة كَبِدِ النُّونِ ) هُوَ النُّون بِنُونَيْنِ ، الْأُولَى مَضْمُومَة ، وَهُوَ الْحُوت . وَجَمْعُهُ نِينَان ، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى :
( زَائِدَة كَبِد النُّون ) وَالزِّيَادَة وَالزَّائِدَة شَيْء وَاحِد ، وَهُوَ طَرَف الْكَبِد وَهُوَ أَطْيَبهَا .
قَوْله : ( فَمَا غِذَاؤُهُمْ ) رُوِيَ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا : بِكَسْرِ الْغَيْن وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَة ، وَالثَّانِي : بِفَتْحِ الْغَيْن وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَة . قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : هَذَا الثَّانِي هُوَ الصَّحِيح ، وَهُوَ رِوَايَة الْأَكْثَرِينَ . قَالَ : وَالْأَوَّل لَيْسَ بِشَيْءٍ ، قُلْت : وَلَهُ وَجْه ، وَتَقْدِيره : مَا غِذَاؤُهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْت ؟ وَلَيْسَ الْمُرَاد وَالسُّؤَال عَنْ غِذَائِهِمْ دَائِمًا . وَاللَّهُ أَعْلَم .
قَوْله : ( عَلَى إِثْرهَا ) بِكَسْرِ الْهَمْزَة مَعَ إِسْكَان الثَّاء وَبِفَتْحِهِمَا جَمِيعًا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مِنْ عَيْنٍ فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلَا ) ، قَالَ جَمَاعَة مِنْ أَهْل اللُّغَة وَالْمُفَسِّرِينَ : السَّلْسَبِيل اِسْم لِلْعَيْنِ . وَقَالَ مُجَاهِد وَغَيْره : هِيَ شَدِيدَة الْجَرْي . وَقِيلَ : هِيَ السِّلْسِلَة اللَّيِّنَة . قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللَّه وَآنَثَا بِإِذْنِ اللَّه ) مَعْنَى الْأَوَّل : كَانَ الْوَلَد ذَكَرًا . وَمَعْنَى الثَّانِي : كَانَ أُنْثَى .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( آنَثَا ) بِالْمَدِّ فِي أَوَّله وَتَخْفِيف النُّون ، وَقَدْ رُوِيَ بِالْقَصْرِ وَتَشْدِيد النُّون . وَاللَّهُ أَعْلَم .(1/93)
177-7834 أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَنَسٌ ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ ، بَلَغَهُ مَقْدَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ ، فَقَالَ : إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ : مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ ؟ وَمَا بَالُ الْوَلَدِ يَنْزِعُ إِلَى أُمِّهِ وَإِلَى أَبِيهِ ؟ قَالَ : أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيلُ آنِفًا ، فَقَالَ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، فَقَالَ : " أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ ، فَنَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ ، وَأَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ ، فَزَائِدَةُ كَبِدِ حُوتٍ ، وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ نَزَعَ إِلَيْهِ ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ نَزَعَتِ الشَّبَهَ " قَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ فَسَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا إِسْلَامِي ، فَجَاءَتِ الْيَهُودُ ، فَقَالَ : أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ ؟ قَالُوا : خَيْرُنَا ، وَابْنُ خَيْرِنَا ، وَأَفْضَلُنَا ، وَابْنُ أَفْضَلِنَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ " قَالُوا : أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَأَعَادَهَا ، فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ، فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، فَقَالُوا : شَرُّنَا وَابْنً شَرِّنَا وَتَنَقَّصُوهُ ، فَقَالَ : هَذَا كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللَّهِ (1)
__________
(1) - البخاري برقم(3938)(1/94)
صِفَةُ مَاءِ الرَّجُلِ ، وَصِفَةُ مَاءِ الْمَرْأَةِ
178-7835أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ النَّسَائِيُّ ، وَأَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ الْأَوْدِيُّ قَالَا : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ الْكُوفِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو كُدَيْنَةَ يَحْيَى بْنُ الْمُهَلَّبِ الْكُوفِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : مَرَّ يَهُودِيٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ ، قَالَ : قَالَتْ قُرَيْشٌ : يَا يَهُودِيُّ ، إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ ، فَقَالَ : لَأَسْأَلَنَّهُ عَنْ شَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا نَبِيٌّ ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، مِمَّ يُخْلُقُ الْإِنْسَانُ ؟ قَالَ : " يَا يَهُودِيُّ ، مِنْ كُلٍّ يُخْلَقُ : مِنْ نُطْفَةِ الرَّجُلِ ، وَمِنْ نُطْفَةِ الْمَرْأَةِ ، فَأَمَّا نُطْفَةُ الرَّجُلِ ، فَنُطْفَةٌ غَلِيظَةٌ فَمِنْهَا الْعَظْمُ وَالْعَصَبُ ، وَأَمَّا نُطْفَةُ الْمَرْأَةِ ، فَنُطْفَةٌ رُقَيْقَةٌ ، فَمِنْهَا اللَّحْمُ وَالدَّمُ " فَقَامَ الْيَهُودِيُّ . وَاللَّفْظُ لِأَحْمَدَ . قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ : عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ كَانَ قَدْ تَغَيَّرَ (1)
179-7836 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ وَهُوَ ابْنُ زُرَيْعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، حَدَّثَهُمْ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ فَلْتَغْتَسِلْ " قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : - وَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ ذَلِكَ - وَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، إِنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ ، وَمَاءُ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ ، فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلَا ، أَوْ سَبَقَ كَانَ مِنْهُ الشَّبَهُ "(2)
-------------------
(1) - أخرجه أحمد برقم(4531) وفي ضعف
(2) - أخرجه مسلم برقم(736)
شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 10)
قَوْله : ( فَقَالَتْ أُمّ سُلَيْمٍ وَاسْتَحْيَيْت مِنْ ذَلِكَ ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُول ، وَذَكَرَ الْحَافِظ أَبُو عَلِيّ الْغَسَّانِيّ أَنَّهُ هَكَذَا فِي أَكْثَر النُّسَخِ ، وَأَنَّهُ غَيَّرَ فِي بَعْض النُّسَخ فَجَعَلَ ( فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَة ) ، وَالْمَحْفُوظ مِنْ طُرُق شَتَّى أُمّ سَلَمَة ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاض : وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب ، لِأَنَّ السَّائِلَة هِيَ ( أُمّ سُلَيْم ) ، وَالرَّادَّة عَلَيْهَا ( أُمّ سَلَمَة ) فِي هَذَا الْحَدِيث ، وَعَائِشَة فِي الْحَدِيث الْمُتَقَدِّم ، وَيَحْتَمِل أَنَّ عَائِشَة وَأُمّ سَلَمَة جَمِيعًا أَنْكَرَتَا عَلَيْهَا ، وَإِنْ كَانَ أَهْل الْحَدِيث يَقُولُونَ : الصَّحِيح هُنَا أُمّ سَلَمَة لَا عَائِشَة . وَاَللَّه أَعْلَم .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَمِنْ أَيْنَ يَكُون الشَّبَه ) مَعْنَاهُ : أَنَّ الْوَلَد مُتَوَلِّد مِنْ مَاء الرَّجُل وَمَاء الْمَرْأَة ، فَأَيّهمَا غَلَبَ كَانَ الشَّبَه لَهُ ، وَإِذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ مَنِيّ فَإِنْزَاله وَخُرُوجه مِنْهَا مُمْكِن ، وَيُقَال : شِبْه وَشَبَه لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ إِحْدَاهُمَا بِكَسْرِ الشِّين وَإِسْكَان الْبَاء ، وَالثَّانِيَة : بِفَتْحِهِمَا . وَاللَّهُ أَعْلَم .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ مَاء الرَّجُل غَلِيظ أَبْيَض وَمَاء الْمَرْأَة رَقِيق أَصْفَر ) هَذَا أَصْل عَظِيم فِي : بَيَان صِفَة الْمَنِيّ ، وَهَذِهِ صِفَته فِي حَال السَّلَامَة وَفِي الْغَالِب ، قَالَ الْعُلَمَاء : مَنِيّ الرَّجُل فِي حَال الصِّحَّة أَبْيَض ثَخِين ، يَتَدَفَّق فِي خُرُوجه دَفْقَة بَعْد دَفْقَة ، وَيَخْرُج بِشَهْوَةٍ وَبِتَلَذُّذٍ بِخُرُوجِهِ ، وَإِذَا خَرَجَ اِسْتَعْقَبَ خُرُوجه فُتُورًا وَرَائِحَة كَرَائِحَةِ طَلْعِ النَّخْل ، وَرَائِحَة الطَّلْع قَرِيبَة مِنْ رَائِحَة الْعَجِين ، وَقِيلَ : تُشْبِه رَائِحَته رَائِحَة الْفَصِيل ، وَقِيلَ : إِذَا يَبِسَ كَانَتْ رَائِحَته كَرَائِحَةِ الْبَوْل ، فَهَذِهِ صِفَاته ، وَقَدْ يُفَارِقهُ بَعْضهَا مَعَ بَقَاء مَا يَسْتَقِلّ بِكَوْنِهِ مَنِيًّا ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَمْرَض فَيَصِير مَنِيّه رَقِيقًا أَصْفَر ، أَوْ يَسْتَرْخِي وِعَاء الْمَنِيّ ، فَيَسِيل مِنْ غَيْر اِلْتِذَاذ وَشَهْوَة ، أَوْ يَسْتَكْثِر مِنْ الْجِمَاع ؛ فَيَحْمَرّ وَيَصِير كَمَاءِ اللَّحْم ، وَرُبَّمَا خَرَجَ دَمًا عَبِيطًا ، وَإِذَا خَرَجَ الْمَنِيّ أَحْمَر فَهُوَ طَاهِر مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ ، كَمَا لَوْ كَانَ أَبْيَض ، ثُمَّ إِنَّ خَوَاصّ الْمَنِيّ الَّتِي عَلَيْهَا الِاعْتِمَاد فِي كَوْنه مَنِيًّا ثَلَاث : أَحَدهَا : الْخُرُوج بِشَهْوَةٍ مَعَ الْفُتُور عَقِبه . وَالثَّانِيَة : الرَّائِحَة الَّتِي شِبْه رَائِحَة الطَّلْع كَمَا سَبَقَ ، الثَّالِث : الْخُرُوج بِزُرَيْقٍ وَدَفْقٍ وَدُفُعَاتٍ . وَكُلّ وَاحِدَة مِنْ هَذِهِ الثَّلَاث كَافِيَة فِي إِثْبَات كَوْنه مَنِيًّا ، وَلَا يُشْتَرَط اِجْتِمَاعهَا فِيهِ ، وَإِذَا لَمْ يُوجَد شَيْء مِنْهَا لَمْ يُحْكَم بِكَوْنِهِ مَنِيًّا ، وَغَلَبَ عَلَى الظَّنّ كَوْنه لَيْسَ مَنِيًّا ، هَذَا كُلّه فِي مَنِيّ الرَّجُل . وَأَمَّا مَنِيّ الْمَرْأَة فَهُوَ أَصْفَر رَقِيق ، وَقَدْ يَبْيَضّ لِفَضْلِ قُوَّتِهَا ، وَلَهُ خَاصِّيَّتَانِ يُعْرَف بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا : إِحْدَاهُمَا : أَنَّ رَائِحَته كَرَائِحَةِ مَنِيّ الرَّجُل . وَالثَّانِيَة التَّلَذُّذ بِخُرُوجِهِ وَفُتُور شَهْوَتهَا عَقِب خُرُوجه . قَالُوا : وَيَجِب الْغُسْل بِخُرُوجِ الْمَنِيّ بِأَيِّ صِفَة وَحَال كَانَ . وَاللَّهُ أَعْلَم .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلَا أَوْ سَبَقَ يَكُون مِنْهُ الشَّبَه ) ، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى : ( إِذَا عَلَا مَاؤُهَا مَاء الرَّجُل وَإِذَا عَلَا مَاء الرَّجُل مَاءَهَا ) قَالَ الْعُلَمَاء : يَجُوز أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِالْعُلُوِّ هُنَا السَّبْقُ ، وَيَجُوز أَنْ يَكُون الْمُرَاد الْكَثْرَة وَالْقُوَّة ، بِحَسَبِ كَثْرَة الشَّهْوَة ، وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَمِنْ أَيّهمَا عَلَا ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُول . فَمِنْ أَيّهمَا بِكَسْرِ الْمِيم . وَبَعْدهَا نُون سَاكِنَة ، وَهِيَ الْحَرْف الْمَعْرُوف ، وَإِنَّمَا ضَبَطْته لِئَلَّا يُصَحَّف بِمَنِيٍّ ، وَاللَّهُ أَعْلَم .
المحلى لابن حزم - (ج 1 / ص 154)
172 - مَسْأَلَةٌ : وَالْجَنَابَةُ هِيَ الْمَاءُ الَّذِي يَكُونُ مِنْ نَوْعِهِ الْوَلَدُ , وَهُوَ مِنْ الرَّجُلِ أَبْيَضُ غَلِيظٌ رَائِحَتُهُ رَائِحَةُ الطَّلْعُ , وَهُوَ مِنْ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ , وَمَاءُ الْعَقِيمِ وَالْعَاقِرِ يُوجِبُ الْغُسْلَ , وَمَاءُ الْخَصِيِّ لاَ يُوجِبُ الْغُسْلَ ,
وَأَمَّا الْمَجْبُوبُ الذَّكَرِ السَّالِمُ الآُنْثَيَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا فَمَاؤُهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا سَعِيدُ ، هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُمْ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ حَدَّثَتْ أَنَّهَا سَأَلَتْ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، عَنِ الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ فَلْتَغْتَسِلْ , قِيلَ : وَهَلْ يَكُونُ هَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : نَعَمْ , فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ إنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ وَمَاءَ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ , فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلاَ أَوْ سَبَقَ يَكُونُ مِنْهُ الشَّبَهُ.
قال أبو محمد رحمه الله : فَهَذَا هُوَ الْمَاءُ الَّذِي يُوجِبُ الْغُسْلَ وَمَاءُ الْعَقِيمِ وَالْعَاقِرِ وَالسَّالِمِ الْخُصْيَةِ , وَإِنْ كَانَ مَجْبُوبًا , فَهَذِهِ صِفَتُهُ وَقَدْ يُولَدُ لِهَذَا ,
وَأَمَّا مَاءُ الْخَصِيِّ فَإِنَّمَا هُوَ أَصْفَرُ , فَلَيْسَ هُوَ الْمَاءُ الَّذِي جَاءَ النَّصُّ بِإِيجَابِ الْغُسْلِ فِيهِ فَلاَ غُسْلَ فِيهِ , وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً شُفِرَتْ وَهِيَ بَالِغٌ أَوْ غَيْرُ بَالِغٍ , فَدَخَلَ الْمَنِيُّ فَرْجَهَا فَحَمَلَتْ فَالْغُسْلُ عَلَيْهَا ، وَلاَ بُدَّ لاَِنَّهَا قَدْ أَنْزَلَتْ الْمَاءَ يَقِينًا.
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 11294)
5 - اتّفق الفقهاء على أنّ خروج المنيّ من موجبات الغسل ، بل نقل النّوويّ الإجماع على ذلك ، ولا فرق في ذلك بين الرّجل والمرأة في النّوم أو اليقظة ، والأصل في ذلك حديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله تعالى عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « إنّما الماء من الماء » ، ومعناه - كما حكاه النّوويّ - يجب الغسل بالماء من إنزال الماء الدّافق وهو المنيّ ، وعن أمّ سليم رضي الله عنها « أنّها سألت نبيّ اللّه صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرّجل ؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل ، فقالت أمّ سليم واستحييت من ذلك ، قالت : وهل يكون هذا ؟ فقال نبيّ اللّه صلى الله عليه وسلم : نعم ، فمن أين يكون الشّبه ؟ ، إنّ ماء الرّجل غليظ أبيض ، وماء المرأة رقيق أصفر ، فمن أيّهما علا أو سبق يكون منه الشّبه » ، وفي لفظ أنّها قالت : « يا رسول اللّه إنّ اللّه لا يستحيي من الحقّ ، فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت ؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : نعم إذا رأت الماء » .
واشترط الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة لإيجاب الغسل بخروج المنيّ كونه عن شهوة .
قال ابن عابدين : لو انفصل - أي المنيّ - بضرب أو حمل ثقيل على ظهره فلا غسل عندنا. وقال الدّردير : وإن خرج بلا لذّة بل سلساً أو بضربة أو طربة أو لدغة عقرب فلا غسل . ونصّ المالكيّة على أنّه إذا خرج المنيّ بلذّة غير معتادة فإنّه لا يجب الغسل ، كنزوله بماء حارّ فأحسّ بمبادئ اللّذّة واستدام حتّى أنزل ، وكحكّة لجرب بذكره ، أو هزّ دابّةً له ، فلا غسل عليه إلاّ أن يحسّ بمبادئ اللّذّة فيستديم فيها حتّى يمني فيجب عليه الغسل ، أمّا لو كان الجرب بغير ذكره فالظّاهر عدم وجوب الغسل .
ولم يشترط الشّافعيّة الشّهوة ، وقالوا بوجوب الغسل بخروج المنيّ مطلقاً .
وشرط أبو يوسف الدّفق أيضاً ، ولم يشترطه أبو حنيفة ومحمّد ، وأثر الخلاف يظهر فيما لو احتلم أو نظر بشهوة ، فأمسك ذكره حتّى سكنت شهوته ، ثمّ أرسله فأنزل ، وجب الغسل عندهما لا عنده ، قال الحصكفيّ : وبقول أبي يوسف يفتى في ضيف خاف ريبةً أو استحيا ، وقال ابن عابدين : قول أبي يوسف قياس وقولهما استحسان ، وإنّه الأحوط فينبغي الإفتاء بقوله في مواضع الضّرورة فقط .
كما اشترط الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة لإيجاب الغسل خروج المنيّ من العضو - ذكر الرّجل وفرج المرأة الدّاخل قال النّوويّ : لو قبّل امرأةً فأحسّ بانتقال المنيّ ونزوله ، فأمسك ذكره فلم يخرج منه في الحال شيء ، ولا علم خروجه بعد ذلك فلا غسل عليه عندنا ، وبه قال العلماء كافّةً ، ودليله قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « إنّما الماء من الماء » ولأنّ العلماء مجمعون على أنّ من أحسّ بالحدث كالقرقرة والرّيح ، ولم يخرج منه شيء لا وضوء عليه ، فكذا هنا .
ولم يشترط الحنابلة الخروج ، بل أوجبوا الغسل بالإحساس بالانتقال ، فلو أحسّ رجل أو امرأة بانتقال المنيّ فحبسه فلم يخرج ، وجب الغسل كخروجه ؛ لأنّ الجنابة أصلها البعد ، لقوله تعالى : « وَالْجَارِ الْجُنُبِ » أي البعيد ، ومع الانتقال قد باعد الماء محلّه ، فصدق عليه اسم الجنب ، وإناطةً للحكم بالشّهوة ، وتعليقاً له على المظنّة ، إذ بعد انتقاله يبعد عدم خروجه ، وأنكر أحمد أن يكون الماء يرجع .
وهناك مسائل تتعلّق بخروج المنيّ منها :
«أ - رؤية المنيّ من غير تذكّر الاحتلام»
6 - لو استيقظ النّائم ووجد المنيّ ، ولم يذكر احتلاماً فعليه الغسل ، ومن احتلم ولم يجد منيّاً فلا غسل عليه ، لما روت عائشة رضي الله عنها « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سئل عن الرّجل يجد البلل ولا يذكر احتلاماً ؟ قال : يغتسل ، وعن الرّجل يرى أنّه قد احتلم ولم يجد بللاً ؟ قال : لا غسل عليه » .
والتّفصيل في مصطلح : « احتلام ف /6 - 9 » .
«ب - خروج المنيّ بعد الغسل»
7 - اختلف الفقهاء في إيجاب الغسل في حالة خروج المنيّ بعد الاغتسال .
فذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا اغتسل ثمّ خرج المنيّ ، فإن كان خروجه بعد النّوم أو البول أو المشي الكثير فلا غسل عليه اتّفاقاً ، وإن خرج المنيّ بلا شهوة قبل النّوم أو البول أو المشي فإنّه يعيد الغسل عند أبي حنيفة ومحمّد خلافاً لأبي يوسف .
وذهب المالكيّة إلى أنّه إن كانت اللّذّة ناشئةً عن غير جماع ، بل بملاعبة ، فيجب إعادة الغسل عند خروج المنيّ ولو اغتسل قبل خروجه ؛ لأنّ غسله لم يصادف محلّاً ، وإن كانت اللّذّة ناشئةً عن جماع ، بأن غيّب الحشفة ولم ينزل ، ثمّ اغتسل ثمّ أمنى ، فلا غسل عليه ؛ لأنّ الجنابة لا يتكرّر غسلها ، ولكن يتوضّأ .
وقال الشّافعيّة : إذا أمنى واغتسل ثمّ خرج منه منيّ على القرب بعد غسله لزمه الغسل ثانياً، سواء كان ذلك قبل أن يبول بعد المنيّ أو بعد بوله ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « إنّما الماء من الماء » ، ولم يفرّق ؛ ولأنّه نوع حدث فنقض مطلقاً ، كالبول والجماع وسائر الأحداث .
وذهب الحنابلة إلى أنّه إذا خرج المنيّ بعد الغسل فلا يجب الغسل ثانياً ، لما روى سعيد عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه سئل عن الجنب يخرج منه الشّيء بعد الغسل ؟ قال : يتوضّأ، وكذا ذكره أحمد عن عليّ رضي الله عنه ؛ ولأنّه منيّ واحد فأوجب غسلاً واحداً كما لو خرج دفقةً واحدةً ؛ ولأنّه خارج لغير شهوة أشبه الخارج لبرد ، وبه علّل أحمد ، قال لأنّ الشّهوة ماضية ، وإنّما هو حدث أرجو أن يجزيه الوضوء .
«ج - خروج المنيّ من غير مخرجه المعتاد»
8 - نصّ الحنابلة والشّافعيّة في أصحّ الوجهين على أنّه لو انكسر صلب الرّجل فخرج منه المنيّ ، ولم ينزل من الذّكر ، فإنّه لا يجب عليه الغسل .
وصرّح الحنابلة بأنّ حكمه كالنّجاسة المعتادة .
قال المتولّي من الشّافعيّة : إذا خرج المنيّ من ثقب في الذّكر غير الإحليل ، أو من ثقب في الأنثيين أو الصّلب ، فحيث نقضنا الوضوء بالخارج منه أوجبنا الغسل ، وقطع البغويّ بوجوب الغسل بخروجه من غير الذّكر ، قال النّوويّ والصّواب تفصيل المتولّي .
وصرّح ابن عابدين بأنّه لو خرج المنيّ من جرح في الخصية ، بعد انفصاله عن مقرّه بشهوة ، فالظّاهر افتراض الغسل .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 14564)
«الغسل من المنيّ»
7 - اتّفق الفقهاء على أنّ خروج المنيّ من الرّجل والمرأة موجب للغسل . لما ورد : أنّ أمّ سليم رضي الله عنها حدّثت : « أنّها سألت نبيّ اللّه صلى الله عليه وسلم : عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرّجل ؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل : فقالت أم سليم - واستحييت من ذلك - قالت : وهل يكون هذا ؟ فقال نبي اللّه صلى الله عليه وسلم : نعم ، فمن أين يكون الشّبه ؟ إنّ ماء الرّجل غليظ أبيض ، وماء المرأة رقيق أصفر فمن أيّهما علا أو سبق يكون منه الشّبه » ، وفي رواية أنّها قالت :
« هل على المرأة من غسل إذ هي احتلمت ؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : نعم إذا رأت الماء » .
قال ابن قدامة : وإن رأى في ثوبه منيّاً وكان ممّا لا ينام فيه غيره فعليه الغسل ؛ لأنّ عمر وعثمان رضي الله عنهما اغتسلا حين رأياه في ثوبيهما ؛ ولأنّه لا يحتمل أن يكون إلّا منه ، ويُعيد الصّلاة من أحدث نومةٍ نامها فيه إلّا أن يرى إمارةً تدل على أنّه قبلها فيعيد من أدنى نومةٍ يحتمل أنّه منها ، وإن كان الرّائي له غلاماً يمكن وجود المنيّ منه كابن اثنتي عشرة سنةً فهو كالرّجال ؛ لأنّه وجد دليله وهو محتمل للوجود وإن كان أقلّ من ذلك فلا غسل عليه لأنّه لا يحتمل فيتعيّن حمله على أنّه من غيره ، فأمّا إن وجد الرّجل منيّاً في ثوب ينام فيه هو وغيره ممّن يحتلم فلا غسل على واحد منهما لأنّ كلّ واحد منهما بالنّظر إليه مفرداً يحتمل أن لا يكون منه فوجوب الغسل عليه مشكوك فيه ، وليس لأحدهما أن يأتمّ بصاحبه لأنّ أحدهما جنب يقيناً فلا تصح صلاتهما ، كما لو سمع كل واحد منهما صوت ريح يظن أنّها من صاحبه أو لا يدري من أيّهما هي .
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 5 / ص 161)
إفرازات المرأة أثناء المداعبة
المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
كتاب الطهارة/إزالة النجاسة
التاريخ 29/8/1424هـ
السؤال
هل السائل الذي يخرج مني أثناء مداعبة زوجي لي نجس؟ وهل يوجب الغسل (وهو سائل مائي اللون لزج قليلاً)؟
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
هذا السائل الذي يخرج عند المداعبة هو المذي، وهو سائل نجس، ولكنه لا يوجب الغسل، بل يوجب غسل الفرج ثم الوضوء، كما يدل عليه حديث علي -رضي الله عنه- ، فإنه قال:"كنت رجلاً مذاءً، فكنت أستحي أن أسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمكان ابنته، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله، فقال:"يغسل ذكره ويتوضأ" أخرجه البخاري(132)، ومسلم(303)، واللفظ له، وفي لفظ آخر لمسلم:"توضأ وانضح فرجك"، وأما المني الذي يوجب الغسل، فإنه يخرج عند الجماع أو الاحتلام أو الاستمناء، وهو ماء رقيق أصفر، كما جاء ذلك في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه(311) عن أنس -رضي الله عنه-:"أن أم سلمة حدثت أنها سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:"إذا رأت ذلك المرأة فلتغتسل" فقالت أم سلمة -رضي الله عنها-: واستحييت من ذلك، قالت: وهل يكون هذا؟ فقال نبي الله -صلى الله عليه وسلم-:"نعم، فمن أين يكون الشبه! إن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه" والله تعالى أعلم.
ماء المرأة وشبه الولد
المجيب أ.د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ قضايا المرأة /مسائل متفرقة
التاريخ 20/11/1424هـ
السؤال
قرأت عبارة في كتاب يستند على صحيح الإمام مسلم يبدو أنها تخالف العلم وهي:
عن أنس - رضي الله عنه- أن أم سلمة - رضي الله عنها- حدثت أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم- عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: "إذا رأت المرأة فلتغتسل، فقالت أم سلمة - رضي الله عنها-: واستحييت من ذلك، قالت: وهل يكون هذا؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: نعم، فمن أين يكون الشبه؟ إن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه".
وأنا لا أعرف أن المرأة تنزل ماءً مثل الرجل، وكذلك فمن المعلوم أن شبه الولد لأبيه أو أمه يكون بناء على التركيب الجيني، وليس على الزوج أو الزوجة أيهما أنزل ماءه أولاً. أرجو توضيح المسألة.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فالسؤال هام ويحتاج إلى التفصيل، فنقول وبالله التوفيق السؤال يشتمل على فقرتين: الفقرة الأولى قول السائل: إنه لا يعرف أن المرأة تنزل ماءً مثل الرجل، والجواب عن هذا أن نقول إذا صح الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فإنه حق يجب قبوله، فقد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الذي ذكره السائل، والذي رواه مسلم (311) وغيره أن للمرأة ماء وأنه رقيق أصفر، وهو - صلى الله عليه وسلم- لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، قال تعالى: "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى" [النجم:3-4] قال الدكتور محمد علي البار في كتابه (خلق الإنسان بين الطب والقرآن) ص(149) ما نصه (هل للمرأة ماء) وقع النزاع قديماً حول هذه النقطة، كما يقول الفخر الرازي في كتابه الممتع (المباحث الشرقية)، وقد نفى أرسطو أن يكون للمرأة مني.
وجالينوس (أشهر أطباء اليونان القديمة) قد أكثر من التشنيع عليه في ذلك، وأثبت أن للمرأة منياً وإن كان يختلف عن مني الرجل في طبيعته، وأنه لا ينقذف ولا يندفع،وإنما يسيل على العضو المخصوص، وأنه رطوبة بيضاء... إلى أن قال: "وقد جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فقالت يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق، هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم إذا رأت الماء" أخرجه البخاري (130) ومسلم (313).
وخروج الماء من فرج المرأة أمر طبيعي عند الجماع أو الاحتلام، وهو موجب للغسل، إلى أن قال: وعند الجماع يختلط هذا الماء بمني الرجل ...إلخ، هذا وذكر الدكتور محمد البار في ص (150) أن للمرأة نوعين من الماء، أولهما: ماء لزج يسيل ولا يتدفق،وهو ماء المهبل،وليس له علاقة في تكوين الجنين.
وثانيهما: ماء يتدفق وهو يخرج مرة واحدة من حويصلة جراف بالمبيض عندما تقترب هذه الحويصلة المليئة بالماء الأصفر، وفي صحيح مسلم من حديث ثوبان: (أن ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر).
أما الفقرة الثانية من السؤال فهي عن شبه الجنين بأبيه أو أمه ....إلخ، فالجواب أن الشبه جاءت به الأحاديث النبوية أيضاً، فقد يشبه الولد أباه، وقد يشبه أمه أو أخواله، وقد يشبه أحد أجداده، وقد لا يشبه أياً من آبائه، قال الدكتور محمد البار في المرجع السباق ص(164) والخلاصة: أن عوامل الشبه لأحد الوالدين أو للأسلاف، أو بظهور صفات جديدة كما حدث للفزاري الذي جاءته امرأته بولد أسود دون أن يكون أحد والديه أسود، أمر بالغ التعقيد،وتعمل فيه الجينات بصورة خفية ومعقدة، وبعضها يتبع قوانين مندل حسب الصفة: سائدة (DOMINANL)، أو منتحية (RECESSIVE)، وبعضها يتبعها وحتى تلك التي تعتبر خاضعة لقوانين الوراثة قد تتختلف عن تلك القوانين، ويعتبر الجنين عندئذ كامل التعبير أو ناقص التعبير..
ولا يزال العلم الحديث يجهل الكثير الكثير من الحقائق التي تحدد الشبه في الولد، ولا ندري إلى الآن ما هو دور السبق في ماء الرجل أو ماء المرأة في الشبه من الناحية العلمية، وحتى يتسع مدى العلم في هذا الباب فإننا نقبل الحديث الشريف بقلوب مطمئنة واثقة بصدق المصطفى صلوات الله عليه الذي لا ينطق عن الهوى، والذي لا يقول إلا حقاً، وينبغي أن يحفز ذلك العلماء المختصين في هذا الباب لدراسته، فقد تنفتح لهم أبواب وتكشف لهم كشوفات، وهذا معلم من معالم البحث التي ينبغي أن يدرسها العلماء المسلمون المختصون في هذا الفرع من العلم، انتهى محل الغرض منه، هذا وقد نقلت للسائل والمطلع على هذا السؤال والإجابة عليه كلام الدكتور محمد البار لعظيم فائدته وكونه في نظري كافياً في الإجابة عن استشكالات السائل، وعلينا جميعاً التسليم بما جاء عن الله، وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم- والإيمان بأنه الحق لأنه من عند الحكيم العليم، وصدق الله حيث يقول: "وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً"[الإسراء: من الآية85].
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 6 / ص 312)
فروق جوهرية بين مني المرأة ومني الرجل رقم الفتوى:15664تاريخ الفتوى:08 صفر 1423السؤال : أريد وصفاً تاماً لمني المرأة والفرق بينه وبين المذي إن وجد لدى المرأة مذي (من حيث الهيئة والوصف) . الفتوى : لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ....أما بعد:
فمني المرأة أصفر رقيق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر رواه مسلم.
وذكر الفقهاء أن رائحة المني كرائحة طلع النخل أو العجين، وأنه يخرج بشهوة ولذة، ويعقبه الإحساس بالفتور.
أما المذي فعرفه النووي قائلاً : " هو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند شهوة، لا بشهوة ولا دفق، ولا يعقبه فتور وربما لا يحس بخروجه، ويشترك الرجل والمرأة فيه " أ.هـ. والله أعلم(1/94)
180-7837 أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدَةُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدٌ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسٍ ، عَنْ أُمَّهِ أُمِّ سُلَيْمٍ ، أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا رَأَتِ الْمَرْأَةُ ذَلِكَ أَوْ إِحْدَاكُنَّ فَلْتَغْتَسِلْ " قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ : أَوَ يَكُونُ هَذَا ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَاءُ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ ، وَمَاءُ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ فَمِنْ أَيُّهُمَا سَبَقَ ، أَوْ عَلَا يَكُونُ الشَّبَهُ "(1)
__________
(1) - الطيالسي برقم(2846) ومعرفة الصحابة برقم(7300) والصحية برقم(1342) صحيح(1/95)
الْعَزْلُ وَذِكْرُ اخْتِلَافِ النَّاقِلِينَ لِلْخَبَرِ فِي ذَلِكَ
181-7838 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى ، قَالَ : حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ ، أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : كَانَتْ لَنَا جَوَارٍ وَكُنَّا نَعْزِلُ عَنْهُنَّ ، فَقَالَ الْيَهُودُ : إِنَّ تِلْكَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : " كَذَبَتْ يَهُودُ ، لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَهُ لَمْ تَسْتَطِعْ رَدَّهُ "(1)
182-7839 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو رِفَاعَةَ ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : إِنَّ لِي وَلِيدَةً ، وَأنا أَعْزِلُ عَنْهَا ، وَأَنَا أُرِيدُ مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ ، وَإِنَّ الْيَهُودَ زَعَمُوا أَنَّ الْمَوْءُودَةَ الصُّغْرَى الْعَزْلُ ، فَقَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَذَبَتْ يَهُودُ ، لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَهُ لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَصْرِفَهُ " أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ ، عَنْ يَحْيَى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ ، أَنَّ أَبَا مُطِيعِ بْنَ عَوْفٍ ، أَحَدُ بَنِي رِفَاعَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ أَخْبَرَهُ نَحْوَهُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، قَالَ : حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَبِي مُطِيعِ بْنِ رِفَاعَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ(2)
183-7840 أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ دُرُسْتٍ الْبَصْرِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْقَنَّادُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي مُطِيعٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : إِنَّ لِي جَارِيَةً وَأنا أَشْتَهِي مَا يَشْتَهِي الرِّجَالُ ، وَأنا أَعْزِلُ عَنْهَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ ، وَإِنَّ الْيَهُودَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْعَزْلَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى ، فَقَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَذَبَتْ يَهُودُ ، كَذَبَتْ يَهُودُ ، لَوْ أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَهُ لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَصْرِفَهُ "(3)
184-7841 أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَامِرٍ ، يُحَدِّثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْيَهُودَ تَقُولُ : إِنَّ الْعَزْلَ هِيَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَذَبَتْ يَهُودُ ، لَوْ أَرَادَ اللَّهُ خَلْقَهَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَزْلَهَا "(4)
185- 7842أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ ، عَنْ حَجَّاجٍ ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ الْأَحْوَلُ ، أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ ، يَسْأَلُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَزْلِ النِّسَاءِ فَقَالَ : زَعَمَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَنَّ رَجُلًا ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، إِنَّ لِي أمَةً وَإِنِّي أَعْزِلُهَا وَلَا أَعْزِلُهَا إِلَّا خَشْيَةَ الْوَلَدِ ، وَزَعَمَتْ يَهُودُ أَنَّهَا الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " كَذَبَتْ يَهُودُ ، كَذَبَتْ يَهُودُ " فَسَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ أَسَمِعْتَهُ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ : لَا ، وَلَكِنْ أَخْبَرَنِي عَنْهُ رَجُلٌ(5)
-------------
(1) -المسند الجامع برقم(2506) صحيح
(2) -السنة لابن أبي عاصم برقم(296) وهو صحيح
الجارية : الأمة المملوكة أو الشابة من النساء = العزل : عَزْلَ ماء المني عن النّساء حَذَرَ الحمْل
(3)شرح معاني الآثار - (ج 3 / ص 404) برقم(4018 ) بهذا اللفظ وهو صحيح
وورد ببعض النسخ بلفظ الذي قبله
(4)مسند أبي يعلى الموصلي - (ج 12 / ص 264) برقم(5876) و سنن أبى داود برقم( 2173) أبو سعيد والسنن الكبرى للبيهقي وفي ذيله الجوهر النقي - (ج 7 / ص 230) برقم(14703) وغيرهم من طرق صحيح
(1) العزل : عَزْلَ ماء المني عن النّساء حَذَرَ الحمْل
(2) الموءودة : المقتولة ظلما
(5) - أخرجه عبد الرزاق برقم( 12550 و 12551) وابن أبي شيبة برقم( 16604 ) وأبو يعلى برقم(5876) صحيح
مشكل الآثار للطحاوي - (ج 4 / ص 448)
باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في العزل ، وأنه الوأد الخفي ، وفيما روي عنه في تكذيبه من قال ذلك
1639 - حدثنا إبراهيم بن محمد بن يونس البصري ، وصالح بن عبد الرحمن الأنصاري ، قالا : حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ قال : حدثنا سعيد بن أبي أيوب ، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : حدثتني جذامة قالت : ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم العزل ، فقال : « ذاك الوأد الخفي » . حدثنا الربيع بن سليمان الأزدي قال : حدثنا أبو زرعة الحجري قال : أخبرنا حيوة ، عن أبي الأسود ، أنه سمع عروة يحدث ، عن عائشة ، عن جذامة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله . حدثنا ابن أبي داود قال : حدثنا سعيد بن أبي مريم قال : أخبرنا يحيى بن أيوب قال : حدثنا أبو الأسود ، ثم ذكر بإسناده مثله . وما حدثنا علي بن معبد قال : حدثنا يحيى بن إسحاق قال : حدثنا يحيى بن أيوب ، ثم ذكر بإسناده مثله . وقال فيه : جدامة ، بالدال . فقال قائل : ما في هذه الآثار التي رويتموها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل العزل كما قد جعله فيها وقد رويتم عنه ما يخالف ذلك
1640 - فذكر ما قد حدثنا بكار بن قتيبة قال : حدثنا أبو داود ح ، وما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا أبو داود ، عن هشام بن أبي عبد الله ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن أبي رفاعة ، عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال : يا رسول الله ، إن عندي جارية وأنا أعزل (1) عنها ، وأنا أكره أن تحمل وأشتهي ما يشتهي الرجال ، وإن اليهود يقولون : هي الموءودة (2) الصغرى ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كذبت يهود ، لو أن الله عز وجل أراد أن يخلقه لم تستطع أن تصرفه » . وما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا هارون بن إسماعيل الخزاز قال : حدثنا علي بن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن أبي مطيع بن رفاعة ، عن أبي سعيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله
__________
(1) العزل : عَزْلَ ماء المني عن النّساء حَذَرَ الحمْل
(2) الموءودة : المقتولة ظلما
1641 - وما قد حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني عياش بن عقبة الحضرمي ، عن موسى بن وردان ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اليهود يقولون : إن العزل هي الموءودة الصغرى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كذبت يهود » وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لو أفضيت لم يكن إلا بقدر »
1642 - وما قد حدثنا ابن أبي داود قال : حدثنا عياش بن الوليد الرقام قال : حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، وأبي أمامة بن سهل ، عن أبي سعيد الخدري قال : أقمت جارية لي بسوق بني قينقاع فمر بي يهودي فقال : ما هذه الجارية ؟ فقلت : جارية لي . قال : أكنت تصيبها ؟ قلت : نعم ، قال : فلعل في بطنها منك سخلة (1) قال : قلت : إني كنت أعزلها ، قال : تلك الموءودة الصغرى ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : « كذبت يهود ، كذبت يهود » . فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أنه قد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما ذكرنا عنه في الفصل الأول من هذا الباب ، لما كان عليه من اتباع اليهود على شريعتهم ما لم يحدث الله في شريعته ما ينسخ ذلك ، إذ كانوا أهل كتاب مقتدين بالذي جاءهم بكتابهم ، وإذ كان الله عز وجل أنزل عليه فيما أنزل : أولئك الذين هدى الله (2) يعني من تقدم من أنبيائه فبهداهم اقتده إنما كان يصل إلى ذلك مما كان يجده في التوراة وفيما سواها من كتب الله عز وجل التي كان أنزل على أنبيائه قبله ، صلوات الله عليه وعليهم ، فجاز أن يكون لما كشفهم عن ذلك كيف هو في كتابهم ، ذكروا له أنه الموءودة الصغرى وكذبوه ، فقال ما قال مما ترويه عنه جدامة ، ثم أعلمه الله عز وجل بكذبهم ، وأن الأمر في الحقيقة بخلاف ذلك ، كما لما سألهم عن حد الزنى في كتابهم ذكروا له أنه الجلد والفضيحة ، وأنه لا رجم فيه ، وأتوه بالتوراة فوضع أحدهم يده على آية الرجم حتى أعلمه عبد الله بن سلام أنهم قد كذبوه ، وأمر ذلك اليهودي رفع يده عن آية الرجم ، فرفعها فقامت عليهم الحجة بأن الرجم في كتابهم ، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك من زنى منهم ممن أتوه به محكمين له فيه ، فمثل ذلك ما كان منهم في العزل لما بين الله عز وجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم كذبهم في ذلك بين لأمته صلى الله عليه وسلم كذبهم فيه ، وأنزل عليه في كتابه ما أوضح له ما يستعمل الوأد فيه ، وهو قوله عز وجل : ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين (3) إلى قوله : ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (4) ، فأعلمه الله تعالى بذلك الوقت الذي يكون المخلوق من النطفة فيه الحياة ، فيجوز أن يوأد حينئذ فيكون ميتا ، وأما قبل ذلك فليس بحي ، وإنما هي كسائر الأشياء التي لا حياة فيها ، فمحال أن يكون ما كان ذلك موءودا ، وقد كان من علي بن أبي طالب رضي الله عنه خطاب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا المعنى ما قد ذكرنا
__________
(1) السخل : الذكر والأنثى من ولد المعز والضأن حين يولد
(2) سورة : الأنعام آية رقم : 90
(3) سورة : المؤمنون آية رقم : 12
(4) سورة : المؤمنون آية رقم : 14
1643 - كما قد حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال : حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن معمر بن أبي حيية قال : سمعت عبيد الله بن رفاعة الأنصاري قال : تذاكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه العزل ، فاختلفوا فيه ، فقال عمر رضي الله عنه : قد اختلفتم وأنتم أهل بدر الخيار ، فكيف بالناس بعدكم إذ تناجى رجلان ؟ فقال عمر : ما هذه المناجاة ؟ قال : إن اليهود تزعم أنها الموءودة الصغرى ، فقال علي رضي الله عنه : « إنها لا تكون موءودة حتى تمر بالتارات السبع ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين (1) » إلى آخر الآية ، فعجب عمر رضي الله عنه من قوله ، وقال : جزاك الله خيرا وكما حدثنا روح بن الفرج قال : ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير قال : حدثني الليث بن سعد ، حدثني معمر بن أبي حبيبة ، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال : تذاكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عمر رضي الله عنه العزل ، ثم ذكر مثله سواء ، غير أنه لم يذكر فيه قوله : فعجب عمر رضي الله عنه من قوله ، وقال : جزاك الله خيرا . قال أبو جعفر فهذا من علي بن أبي طالب رضي الله عنه استخراج صحيح في هذا المعنى ، وقد روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما هذا الكلام أيضا . كما قد حدثنا بكار قال : ثنا مؤمل بن إسماعيل قال : ثنا سفيان قال : ثنا الأعمش ، عن أبي الوداك ، أن قوما سألوا ابن عباس عن العزل ، فذكر مثل كلام علي في الحديثين الأولين سواء
__________
(1) سورة : المؤمنون آية رقم : 12
1644 - وكما حدثنا فهد قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا محمد بن شريك قال : سمعت ابن أبي مليكة . عن ابن عباس أنه أتاه ناس من أهل العراق يسألونه عن العزل وهم يرون أنه الموءودة ، فقال لجواريه : أخبروهم كيف أصنع ، فكأنهن استحيين ، فقال : إني لأصبه في الطست ، ثم أصب عليه الماء ، ثم أقول لإحداهن : انظري لا تقولين إن كان شيء ، ثم قال : إنه يكون نطفة ، ثم دما ، ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم يكون عظما ، ثم يكسى لحما ، ثم يكون ما شاء الله ، حتى ينفخ فيه الروح ، ثم تلا هذه الآية ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين (1) قال أبو جعفر : فلما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على كذب اليهود فيما كانوا قالوه في العزل واستحالته ، أكذبهم فيه ، وأعلم الناس أنه لا يكون إن عزلوا أو لم يعزلوا إلا ما قدر الله عز وجل فيه ، من كون ولد منه ، أو من انتفاء ذلك منه ، وفيما ذكرنا من هذا كفاية لما احتجنا إلى هذا الكلام من أجله ، والله نسأله التوفيق
__________
(1) سورة : المؤمنون آية رقم : 14(1/95)
ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ عَلَى الزُّهْرِيِّ فِي خَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ فِيهِ
186-7843 أَخْبَرَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ أَيُّوبَ الطَّالْقَانِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْعَزْلِ ، فَقَالَ : " لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوهُ ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ نَسَمَةٍ تُقْضَى أَنْ تَكُونَ إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ " قَالَ حَمْزَةُ : هُوَ خَطَأٌ . خَالَفَهُ مَعْمَرٌ (1)
187-7844 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْعَزْلِ ، قَالَ : " أَوَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ ؟ " قَالُوا : نَعَمْ قَالَ : " فَلَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَقْضِ لِنَفْسٍ أَنْ يَخْلُقَهَا ، إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ " . قَالَ حَمْزَةُ : وَهُوَ أَيْضًا خَطَأٌ . خَالَفَهُ الزُّبَيْدِيُّ (2)
188-7845 أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ عُبَيْدٍ الْحِمْصِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْحِمْصِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، أَنَّهُمْ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْعَزْلِ قَالَ : " لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا ، مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَتَبَهَا اللَّهُ فِي صُلْبِ عَبْدٍ إِلَّا هِيَ خَارِجَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " وَافَقَهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ .(3)
__________
(1) - أخرجه أحمد برقم(12200) وطس برقم(2736) والشاميين برقم(2122و2125) صحيح
(2) - صحيح
(3) - أخرجه البخاري برقم(2225و2542 ، 4138 ، 5210 ، 6603 ، 7409 ) ومسلم برقم(3617و3620و3621 و3622) ونص برقم(3340)
شرح النووي على مسلم - (ج 5 / ص 164)
2599 - قَوْله ( غَزْوَة بَلْمُصْطَلِق )
أَيْ بَنِي الْمُصْطَلِق وَهِيَ غَزْوَة الْمُرَيْسِيع قَالَ الْقَاضِي : قَالَ أَهْل الْبَيْت : هَذَا أَوْلَى مِنْ رِوَايَة مُوسَى بْن عُقْبَة أَنَّهُ كَانَ فِي غَزْوَة أَوْطَاس .
قَوْله : ( كَرَائِم الْعَرَب )
أَيْ النَّفِيسَات مِنْهُمْ قَوْله : ( فَطَالَتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَة وَرَغِبْنَا فِي الْفِدَاء ) مَعْنَاهُ اِحْتَجْنَا إِلَى الْوَطْء وَخِفْنَا مِنْ الْحَبَل فَتَصِير أُمّ وَلَد يَمْتَنِع عَلَيْنَا بَيْعهَا وَأَخَذَ الْفِدَاء فِيهَا . فَيُسْتَنْبَط مِنْهُ مَنْع بَيْع أُمّ الْوَلَد وَأَنَّ هَذَا كَانَ مَشْهُورًا عِنْدهمْ .
قَوْله
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا عَلَيْكُمْ إِلَّا تَفْعَلُوا مَا كَتَبَ اللَّه خَلْقَ نَسَمَة هِيَ كَائِنَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا سَتَكُونُ )
. مَعْنَاهُ مَا عَلَيْكُمْ ضَرَر فِي تَرْك الْعَزْل لِأَنَّ كُلّ نَفْس قَدَّرَ اللَّه تَعَالَى خَلْقهَا لَا بُدّ أَنْ يَخْلُقهَا سَوَاء عَزَلْتُمْ أَمْ لَا وَمَا لَمْ يُقَدِّر خَلْقهَا لَا يَقَع سَوَاء عَزَلْتُمْ أَمْ لَا . فَلَا فَائِدَة فِي عَزْلكُمْ ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ اللَّه تَعَالَى قَدَّرَ خَلْقهَا سَبَقَكُمْ الْمَاء فَلَا يَنْفَع حِرْصكُمْ فِي مَنْع الْخَلْق .
وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلَالَة لِمَذْهَبِ جَمَاهِير الْعُلَمَاء أَنَّ الْعَرَب يَجْرِي عَلَيْهِمْ الرِّقّ كَمَا يَجْرِي عَلَى الْعَجَم وَأَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا مُشْرِكِينَ وَسُبُوا جَازَ اِسْتِرْقَاقهمْ لِأَنَّ بَنِي الْمُصْطَلِق عَرَب صُلْبِيَّة مِنْ خُزَاعَة وَقَدْ اِسْتَرَقُّوهُمْ وَوَطِئُوا سَبَايَاهُمْ وَاسْتَبَاحُوا بَيْعهنَّ وَأَخْذ فَدَائِهِنَّ . وَبِهَذَا قَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ فِي قَوْله الصَّحِيح الْجَدِيد وَجُمْهُور الْعُلَمَاء وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي قَوْله الْقَدِيم لَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ الرِّقّ لِشَرَفِهِمْ وَاَللَّه أَعْلَم .
فتح الباري لابن حجر - (ج 15 / ص 8)
4809 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ
أَصَبْنَا سَبْيًا فَكُنَّا نَعْزِلُ فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَوَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ قَالَهَا ثَلَاثًا مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا هِيَ كَائِنَةٌ
4809 - قَوْله ( جُوَيْرِيَةُ )
هُوَ اِبْن أَسْمَاء الضُّبَعِيُّ يُشَارِك مَالِكًا فِي الرِّوَايَة عَنْ نَافِع وَتَفَرَّدَ عَنْهُ بِهَذَا الْحَدِيث وَبِغَيْرِهِ ، وَهُوَ مِنْ الثِّقَات الْأَثْبَات ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ بَعْد أَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقه : صَحِيح غَرِيب تَفَرَّدَ بِهِ جُوَيْرِيَّة عَنْ مَالِك . قُلْت : وَلَمْ أَرَهُ إِلَّا مِنْ رِوَايَة اِبْن أَخِيهِ عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن أَسْمَاء عَنْهُ .
قَوْله ( عَنْ الزُّهْرِيِّ )
لِمَالِكٍ فِيهِ إِسْنَاد آخَر أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّف فِي الْعِتْق ، وَأَبُو دَاوُدَ وَابْن حِبَّان مِنْ طَرِيق عَنْهُ عَنْ رَبِيعَة عَنْ مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن حِبَّان عَنْ اِبْن مُحَيْرِيزٍ ، وَكَذَا هُوَ فِي " الْمُوَطَّأ " .
قَوْله ( عَنْ اِبْن مُحَيْرِيزٍ )
بِحَاءٍ مُهْمَلَة ثُمَّ رَاء ثُمَّ زَاي مُصَغَّرًا ، اِسْمه عَبْد اللَّه ، وَوَقَعَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَة يُونُس كَمَا سَيَأْتِي فِي الْقَدْر عَنْ الزُّهْرِيّ " أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن مُحَيْرِيزٍ الْجُمَحِيُّ " وَهُوَ مَدَنِيّ سَكَنَ الشَّام ، وَمُحَيْرِيز أَبُوهُ هُوَ اِبْن جُنَادَةَ بْن وَهْب وَهُوَ مِنْ رَهْط أَبِي مَحْذُورَة الْمُؤَذِّن وَكَانَ يَتِيمًا فِي حِجْرِهِ ، وَوَافَقَ مَالِكًا عَلَى هَذَا السَّنَد شُعَيْب كَمَا مَضَى فِي الْبُيُوع ، وَيُونُس كَمَا سَيَأْتِي فِي الْقَدَرِ ، وَعُقَيْل وَالزُّبَيْدِيّ كِلَاهُمَا عِنْد النَّسَائِيّ ، وَخَالَفَهُمْ مَعْمَر فَقَالَ " عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاء بْن يَزِيد عَنْ أَبِي سَعِيد " أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ ، وَخَالَفَ الْجَمِيع إِبْرَاهِيم بْن سَعْد فَقَالَ " عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عَتَبَة عَنْ أَبِي سَعِيد " أَخْرَجَهُ النِّسَائِيّ أَيْضًا ، قَالَ النَّسَائِيُّ : رِوَايَة مَالِك وَمَنْ وَافَقَهُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ .
قَوْله ( عَنْ أَبِي سَعِيد )
فِي رِوَايَة يُونُس " أَنَّ أَبَا سَعِيد الْخُدْرِيَّ أَخْبَرَهُ " وَفِي رِوَايَة رَبِيعَة فِي الْمَغَازِي " عَنْ مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْن حِبَّان عَنْ اِبْن مُحَيْرِيزٍ أَنَّهُ قَالَ : دَخَلْت الْمَسْجِد فَرَأَيْت أَبَا سَعِيد الْخُدْرِيَّ فَجَلَسْت إِلَيْهِ فَسَأَلْته عَنْ الْعَزْل " كَذَا عِنْد الْبُخَارِيّ ، وَوَقَعَ عِنْد مُسْلِم مِنْ هَذَا الْوَجْه " دَخَلْت أَنَا وَأَبُو صِرْمَة عَلَى أَبِي سَعِيد فَسَأَلَهُ أَبُو صِرْمَة فَقَالَ : يَا أَبَا سَعِيد هَلْ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُر الْعَزْل " ؟ وَأَبُو صِرْمَة بِكَسْرِ الْمُهْمَلَة وَسُكُون الرَّاء اِسْمه مَالِك وَقِيلَ قَيْس صَحَابِيّ مَشْهُور مِنْ الْأَنْصَار ، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة لِلنِّسَائِيِّ مِنْ طَرِيق الضَّحَّاك بْن عُثْمَان " عَنْ مُحَمَّد بْن يَحْيَى عَنْ اِبْن مُحَيْرِيزٍ عَنْ أَبِي سَعِيد وَأَبِي صِرْمَة قَالَا : أَصَبْنَا سَبَايَا " وَالْمَحْفُوظ الْأَوَّل .
قَوْله ( أَصَبْنَا سَبْيًا )
فِي رِوَايَة شُعَيْب فِي الْبُيُوع وَيُونُس الْمَذْكُورَة أَنَّهُ " بَيْنَمَا هُوَ جَالِس عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " زَادَ يُونُس " جَاءَ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار " وَفِي رِوَايَة رَبِيعَة الْمَذْكُورَة " خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَة بَنِي الْمُصْطَلِق فَسَبْينَا كَرَائِم الْعَرَب ، وَطَالَتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَة وَرَغِبْنَا فِي الْفِدَاء فَأَرَدْنَا أَنْ نَسْتَمْتِع وَنَعْزِل ، فَقُلْنَا نَفْعَل ذَلِكَ وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن أَظْهُرنَا لَا نَسْأَلهُ ، فَسَأَلْنَاهُ " .
قَوْله ( فَكُنَّا نَعْزِل )
فِي رِوَايَة يُونُس وَشُعَيْب فَقَالَ " إِنَّا نُصِيب سَبْيًا وَنُحِبّ الْمَال فَكَيْف تَرَى فِي الْعَزْل " وَوَقَعَ عِنْد مُسْلِم مِنْ طَرِيق عَبْد الرَّحْمَن بْن بِشْر " عَنْ أَبِي سَعِيد قَالَ : ذُكِرَ الْعَزْل عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : وَمَا ذَلِكُمْ ؟ قَالُوا : الرَّجُل تَكُون لَهُ الْمَرْأَة تُرْضِع لَهُ فَيُصِيب مِنْهَا وَيَكْرَه أَنْ تَحْمِل مِنْهُ ، وَالرَّجُل تَكُون لَهُ الْأَمَة فَيُصِيب مِنْهَا وَيَكْرَه أَنْ تَحْمِل مِنْهُ ، فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَة إِشَارَة إِلَى أَنَّ سَبَب الْعَزْل شَيْئَانِ أَحَدهمَا كَرَاهَة مَجِيء الْوَلَد مِنْ الْأَمَة وَهُوَ إِمَّا أَنَفَة مِنْ ذَلِكَ وَإِمَّا لِئَلَّا يَتَعَذَّر بَيْع الْأَمَة إِذَا صَارَتْ أُمَّ وَلَد وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا سَأَذْكُرُهُ بَعْده ، وَالثَّانِي كَرَاهَة أَنْ تَحْمِل الْمَوْطُوءَة وَهِيَ تُرْضِع فَيَضُرّ ذَلِكَ بِالْوَلَدِ الْمُرْضَع .
قَوْله ( أَوَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ )
؟ هَذَا الِاسْتِفْهَام يُشْعِر بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ اِطَّلَعَ عَلَى فِعْلهمْ ذَلِكَ ، فَفِيهِ تَعَقُّب عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ قَوْل الصَّحَابِيّ كُنَّا نَفْعَل كَذَا فِي عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْفُوع مُعْتَلًّا بِأَنَّ الظَّاهِر اِطِّلَاع النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ ، فَفِي هَذَا الْخَبَر أَنَّهُمْ فَعَلُوا الْعَزْل وَلَمْ يَعْلَم بِهِ حَتَّى سَأَلُوهُ عَنْهُ ، نَعَمْ لِلْقَائِلِ أَنْ يَقُول كَانَتْ دَوَاعِيهمْ مُتَوَفِّرَة عَلَى سُؤَاله عَنْ أُمُور الدِّين ، فَإِذَا فَعَلُوا الشَّيْء وَعَلِمُوا أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِع عَلَيْهِ بَادَرُوا إِلَى سُؤَاله عَنْ الْحُكْم فِيهِ فَيَكُون الظُّهُور مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّة . وَوَقَعَ فِي رِوَايَة رَبِيعَة " لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا " ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَة مُسْلِم مِنْ طَرِيق أُخْرَى عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن بِشْر عَنْ أَبِي سَعِيد " لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا ذَلِكَ " قَالَ اِبْن سِيرِينَ : قَوْله " لَا عَلَيْكُمْ " أَقْرَب إِلَى النَّهْي ، وَلَهُ مِنْ طَرِيق اِبْن عَوْن عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ نَحْوه دُون قَوْل مُحَمَّد ، قَالَ اِبْن عَوْن فَحَدَّثْت بِهِ الْحَسَن فَقَالَ : وَاللَّه لِكَأَنَّ هَذَا زَجْر ، قَالَ الْقُرْطُبِيّ : كَأَنَّ هَؤُلَاءِ فَهِمُوا مِنْ " لَا " النَّهْي عَمَّا سَأَلُوهُ عَنْهُ فَكَأَنَّ عِنْدهمْ بَعْد " لَا " حَذْفًا تَقْدِيره لَا تَعْزِلُوا وَعَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا ، وَيَكُون قَوْله " وَعَلَيْكُمْ إِلَخْ " تَأْكِيدًا لِلنَّهْيِ . وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْأَصْل عَدَم هَذَا التَّقْدِير ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : لَيْسَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَتْرُكُوا ، وَهُوَ الَّذِي يُسَاوِي أَنْ لَا تَفْعَلُوا ، وَقَالَ غَيْره : قَوْله " لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا " أَيْ لَا حَرَج عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا ، فَفِيهِ نَفْي الْحَرَج عَنْ عَدَم الْفِعْل فَأَفْهَم ثُبُوت الْحَرَج فِي فِعْل الْعَزْل ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَاد نَفْي الْحَرَج عَنْ الْفِعْل لَقَالَ : لَا عَلَيْكُمْ أَنْ تَفْعَلُوا إِلَّا إِنْ اِدَّعَى أَنَّ " لَا " زَائِدَة فَيُقَال الْأَصْل عَدَم ذَلِكَ ؛ وَوَقَعَ فِي رِوَايَة مُجَاهِد الْآتِيَة فِي التَّوْحِيد تَعْلِيقًا وَوَصَلَهَا مُسْلِم وَغَيْره " ذُكِرَ الْعَزْل عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : وَلَمْ يَفْعَل ذَلِكَ أَحَدكُمْ " ؟ وَلَمْ يَقُلْ لَا يَفْعَل ذَلِكَ ، فَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّح لَهُمْ بِالنَّهْيِ ، وَإِنَّمَا أَشَارَ أَنَّ الْأَوْلَى تَرْك ذَلِكَ ، لِأَنَّ الْعَزْل إِنَّمَا كَانَ خَشْيَة حُصُول الْوَلَد فَلَا فَائِدَة فِي ذَلِكَ ، لِأَنَّ اللَّه إِنْ كَانَ قَدَّرَ خَلْق الْوَلَد لَمْ يَمْنَع الْعَزْل ذَلِكَ فَقَدْ يَسْبِق الْمَاء وَلَا يَشْعُر الْعَازِل فَيَحْصُل الْعُلُوق وَيَلْحَقهُ الْوَلَد وَلَا رَادّ لِمَا قَضَى اللَّه ، وَالْفِرَار مِنْ حُصُول الْوَلَد يَكُون لِأَسْبَابٍ : مِنْهَا خَشْيَة عُلُوق الزَّوْجَة الْأَمَة لِئَلَّا يَصِير الْوَلَد رَقِيقًا ، أَوْ خَشْيَة دُخُول الضَّرَر عَلَى الْوَلَد الْمُرْضَع إِذَا كَانَتْ الْمَوْطُوءَة تُرْضِعهُ ، أَوْ فِرَارًا مِنْ كَثْرَة الْعِيَال إِذَا كَانَ الرَّجُل مُقِلًّا فَيَرْغَب عَنْ قِلَّة الْوَلَد لِئَلَّا يَتَضَرَّر بِتَحْصِيلِ الْكَسْب ، وَكُلّ ذَلِكَ لَا يُغْنِي شَيْئًا . وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَد وَالْبَزَّار وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان مِنْ حَدِيث أَنَس " أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَنْ الْعَزْل ، فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ أَنَّ الْمَاء الَّذِي يَكُون مِنْهُ الْوَلَد أَهْرَقْتَه عَلَى صَخْرَة لَأَخْرَجَ اللَّه مِنْهَا وَلَدًا " وَبِهِ شَاهِدَانِ فِي " الْكَبِير لِلطَّبَرَانِيِّ " عَنْ اِبْن عَبَّاس وَفِي " الْأَوْسَط " لَهُ عَنْ اِبْن مَسْعُود ، وَسَيَأْتِي مَزِيد لِذَلِكَ فِي كِتَاب الْقَدَرِ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى ، وَلَيْسَ فِي جَمِيع الصُّوَر الَّتِي يَقَع الْعَزْل بِسَبَبِهَا مَا يَكُون الْعَزْل فِيهِ رَاجِحًا سِوَى الصُّورَة الْمُتَقَدِّمَة مِنْ عِنْد مُسْلِم فِي طَرِيق عَبْد الرَّحْمَن بْن بِشْر عَنْ أَبِي سَعِيد وَهِيَ خَشْيَة أَنْ يَضُرّ الْحَمْل بِالْوَلَدِ الْمُرْضِع لِأَنَّهُ مِمَّا جُرِّبَ فَضَرّ غَالِبًا ، لَكِنْ وَقَعَ فِي بَقِيَّة الْحَدِيث عِنْد مُسْلِم أَنَّ الْعَزْل بِسَبَبِ ذَلِكَ لَا يُفِيد لِاحْتِمَالِ أَنْ يَقَع الْحَمْل بِغَيْرِ الِاخْتِيَار ، وَوَقَعَ عِنْد مُسْلِم فِي حَدِيث أُسَامَة بْن زَيْد " جَاءَ رَجُل إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي أَعْزِل عَنْ اِمْرَأَتِي شَفَقَة عَلَى وَلَدهَا ، فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا ، مَا ضَرّ ذَلِكَ فَارِس وَلَا الرُّوم " . وَفِي الْعَزْل أَيْضًا إِدْخَال ضَرَر عَلَى الْمَرْأَة لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيت لَذَّتهَا . وَقَدْ اِخْتَلَفَ السَّلَف فِي حُكْم الْعَزْل قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : لَا خِلَاف بَيْن الْعُلَمَاء أَنَّهُ لَا يَعْزِل عَنْ الزَّوْجَة الْحُرَّة إِلَّا بِإِذْنِهَا ، لِأَنَّ الْجِمَاع مِنْ حَقّهَا ، وَلَهَا الْمُطَالَبَة بِهِ وَلَيْسَ الْجِمَاع الْمَعْرُوف إِلَّا مَا لَا يَلْحَقهُ عَزْل . وَوَافَقَهُ فِي نَقْل هَذَا الْإِجْمَاع اِبْن هُبَيْرَة ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَعْرُوف عِنْد الشَّافِعِيَّة أَنَّ الْمَرْأَة لَا حَقّ لَهَا فِي الْجِمَاع أَصْلًا ، ثُمَّ فِي خُصُوص هَذِهِ الْمَسْأَلَة عِنْد الشَّافِعِيَّة خِلَاف مَشْهُور فِي جَوَاز الْعَزْل عَنْ الْحُرَّة بِغَيْرِ إِذْنهَا ، قَالَ الْغَزَالِيّ وَغَيْره : يَجُوز ، وَهُوَ الْمُصَحَّح عِنْد الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَاحْتَجَّ الْجُمْهُور لِذَلِكَ بِحَدِيثِ عَنْ عُمَر أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَابْن مَاجَهْ بِلَفْظِ " نَهَى عَنْ الْعَزْل عَنْ الْحُرَّة إِلَّا بِإِذْنِهَا " وَفِي إِسْنَاده اِبْن لَهِيعَة ، وَالْوَجْه الْآخَر لِلشَّافِعِيَّةِ الْجَزْم بِالْمَنْعِ إِذَا اِمْتَنَعَتْ ، وَفِيمَا إِذَا رَضِيَتْ وَجْهَانِ أَصَحّهمَا الْجَوَاز ، وَهَذَا كُلّه فِي الْحُرَّة وَأَمَّا الْأَمَة فَإِنْ كَانَتْ زَوْجَة فَهِيَ مُرَتَّبَة عَلَى الْحُرَّة إِنْ جَازَ فِيهَا فَفِي الْأَمَة أَوْلَى ، وَإِنْ اِمْتَنَعَ فَوَجْهَانِ أَصَحّهمَا الْجَوَاز تَحَرُّزًا مِنْ إِرْقَاق الْوَلَد ، وَإِنْ كَانَتْ سُرِّيَّة جَازَ بِلَا خِلَاف عِنْدهمْ إِلَّا فِي وَجْه حَكَاهُ الرُّويَانِيّ فِي الْمَنْع مُطْلَقًا كَمَذْهَبِ اِبْن حَزْم ، وَإِنْ كَانَتْ السُّرِّيَّة مُسْتَوْلَدَة فَالرَّاجِح الْجَوَاز فِيهِ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ رَاسِخَة فِي الْفِرَاش ، وَقِيلَ حُكْمهَا حُكْم الْأَمَة الْمُزَوَّجَة . هَذَا وَاتَّفَقَتْ الْمَذَاهِب الثَّلَاثَة عَلَى أَنَّ الْحُرَّة لَا يَعْزِل عَنْهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا وَأَنَّ الْأَمَة يَعْزِل عَنْهَا بِغَيْرِ إِذْنهَا ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُزَوَّجَة فَعِنْد الْمَالِكِيَّة يَحْتَاج إِلَى إِذْن سَيِّدهَا ، وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَة ، وَالرَّاجِح عَنْ مُحَمَّد . وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَأَحْمَد : الْإِذْن لَهَا ، وَهِيَ رِوَايَة عَنْ أَحْمَد ، وَعَنْهُ بِإِذْنِهَا ، وَعَنْهُ يُبَاح الْعَزْل مُطْلَقًا ، وَعَنْهُ الْمَنْع مُطْلَقًا . وَالَّذِي اِحْتَجَّ بِهِ مَنْ جَنَحَ إِلَى التَّفْصِيل لَا يَصِحّ إِلَّا عِنْد عَبْد الرَّزَّاق عَنْهُ بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : تُسْتَأْمَر الْحُرَّة فِي الْعَزْل وَلَا تُسْتَأْمَر الْأَمَة السُّرِّيَّة فَإِنْ كَانَتْ أَمَة تَحْت حُرّ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْمِرهَا وَهَذَا نَصّ فِي الْمَسْأَلَة ، فَلَوْ كَانَ مَرْفُوعًا لَمْ يَجُزْ الْعُدُول عَنْهُ . وَقَدْ اِسْتَنْكَرَ اِبْن الْعَرَبِيّ الْقَوْل بِمَنْعِ الْعَزْل عَمَّنْ يَقُول بِأَنَّ الْمَرْأَة لَا حَقّ لَهَا فِي الْوَطْء ، وَنَقَلَ عَنْ مَالِك أَنَّ لَهَا حَقّ الْمُطَالَبَة بِهِ إِذَا قَصَدَ بِتَرْكِهِ إِضْرَارهَا . وَعَنْ الشَّافِعِيّ وَأَبِي حَنِيفَة لَا حَقّ لَهَا فِيهِ إِلَّا فِي وَطْئَة وَاحِدَة يَسْتَقِرّ بِهَا الْمَهْر ، قَالَ فَإِذَا كَانَ الْأَمْر كَذَلِكَ فَكَيْف يَكُون لَهَا حَقّ فِي الْعَزْل ، فَإِنْ خَصُّوهُ بِالْوَطْئَة الْأُولَى فَيُمْكِن وَإِلَّا فَلَا يَسُوغ فِيمَا بَعْد ذَلِكَ إِلَّا عَلَى مَذْهَب مَالِك بِالشَّرْطِ الْمَذْكُور ا ه . وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيّ غَرِيب ، وَالْمَعْرُوف عِنْد أَصْحَابه أَنَّهُ لَا حَقّ لَهَا أَصْلًا ، نَعَمْ جَزَمَ اِبْن حَزْم بِوُجُوبِ الْوَطْء وَبِتَحْرِيمِ الْعَزْل ، وَاسْتَنَدَ إِلَى حَدِيث جُذَامَة بِنْت وَهْب " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْعَزْل فَقَالَ : ذَلِكَ الْوَأْد الْخَفِيّ " أَخْرَجَهُ مُسْلِم ، وَهَذَا مُعَارَض بِحَدِيثَيْنِ أَحَدهمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيق مَعْمَر عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن ثَوْبَانَ عَنْ جَابِر قَالَ " كَانَتْ لَنَا جِوَارِي وَكُنَّا نَعْزِل ، فَقَالَتْ الْيَهُود إِنَّ تِلْكَ الْمَوْءُودَة الصُّغْرَى ، فَسُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : كَذَبَتْ الْيَهُود ، لَوْ أَرَادَ اللَّه خَلْقه لَمْ تَسْتَطِعْ رَدَّهُ " وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيق هِشَام وَعَلِيّ بْن الْمُبَارَك وَغَيْرهمَا عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَبِي مُطِيع بْن رِفَاعَة عَنْ أَبِي سَعِيد نَحْوه ، وَمِنْ طَرِيق أَبِي عَامِر عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة نَحْوه ، وَمِنْ طَرِيق سُلَيْمَان الْأَحْوَل أَنَّهُ سَمِعَ عَمْرو بْن دِينَار يَسْأَل أَبَا سَلَمَة بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ الْعَزْل فَقَالَ : زَعَمَ أَبُو سَعِيد ، فَذَكَرَ نَحْوه ، قَالَ فَسَأَلْت أَبَا سَلَمَة أَسَمِعْته مِنْ أَبِي سَعِيد ؟ قَالَ لَا ، وَلَكِنْ أَخْبَرَنِي رَجُل عَنْهُ .
وَالْحَدِيث الثَّانِي فِي النَّسَائِيِّ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ مُحَمَّد بْن عَمْرو عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ، وَهَذِهِ طُرُق يَقْوَى بَعْضهَا بِبَعْضٍ ، وَجُمِعَ بَيْنهَا وَبَيْن حَدِيث جُذَامَة بِحَمْلِ حَدِيث جُذَامَة عَلَى التَّنْزِيه وَهَذِهِ طَرِيقَة الْبَيْهَقِيِّ ، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَعَّفَ حَدِيث جُذَامَة بِأَنَّهُ مُعَارَض بِمَا هُوَ أَكْثَر طُرُقًا مِنْهُ ، وَكَيْف يُصَرِّح بِتَكْذِيبِ الْيَهُود فِي ذَلِكَ ثُمَّ يُثْبِتهُ ؟ وَهَذَا دَفْع لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة بِالتَّوَهُّمِ ، وَالْحَدِيث صَحِيح لَا رَيْب فِيهِ وَالْجَمْع مُمْكِن ، وَمِنْهُمْ مَنْ اِدَّعَى أَنَّهُ مَنْسُوخ ، وَرُدَّ بِعَدَمِ مَعْرِفَة التَّارِيخ ، وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ : يَحْتَمِل أَنْ يَكُون حَدِيث جُذَامَة عَلَى وَفْقِ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْر أَوَّلًا مِنْ مُوَافَقَة أَهْل الْكِتَاب ، وَكَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبّ مُوَافَقَة أَهْل الْكِتَاب فِيمَا لَمْ يُنْزَل عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَعْلَمَهُ اللَّه بِالْحُكْمِ فَكَذَبَ الْيَهُود فِيمَا كَانُوا يَقُولُونَهُ . وَتَعَقَّبَهُ اِبْن رُشْد ثُمَّ اِبْن الْعَرَبِيّ بِأَنَّهُ لَا يَجْزِم بِشَيْءٍ تَبَعًا لِلْيَهُودِ ثُمَّ يُصَرِّح بِتَكْذِيبِهِمْ فِيهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ حَدِيث جُذَامَة بِثُبُوتِهِ فِي الصَّحِيح ، وَضَعَّفَ مُقَابِله بِأَنَّهُ حَدِيث وَاحِد اُخْتُلِفَ فِي إِسْنَاده فَاضْطَرَبَ ، وَرُدَّ بِأَنَّ الِاخْتِلَاف إِنَّمَا يَقْدَح حَيْثُ لَا يَقْوَى بَعْض الْوُجُوه فَمَتَى قَوِيَ بَعْضهَا عُمِلَ بِهِ ، وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ وَالْجَمْع مُمْكِن . وَرَجَّحَ اِبْن حَزْم الْعَمَل بِحَدِيثِ جُذَامَة بِأَنَّ أَحَادِيث غَيْرهَا تُوَافِق أَصْل الْإِبَاحَة وَحَدِيثهَا يَدُلّ عَلَى الْمَنْع قَالَ : فَمَنْ اِدَّعَى أَنَّهُ أُبِيحَ بَعْد أَنْ مَنَعَ فَعَلَيْهِ الْبَيَان . وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ حَدِيثهَا لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْمَنْع إِذْ لَا يَلْزَم مِنْ تَسْمِيَته وَأْدًا خَفِيًّا عَلَى طَرِيق التَّشْبِيه أَنْ يَكُون حَرَامًا ، وَخَصَّهُ بَعْضهمْ بِالْعَزْلِ عَنْ الْحَامِل لِزَوَالِ الْمَعْنَى الَّذِي كَانَ يَحْذَرهُ الَّذِي يَعْزِل مِنْ حُصُول الْحَمْل ، لَكِنْ فِيهِ تَضْيِيع الْحَمْل لِأَنَّ الْمَنِيّ يَغْذُوهُ فَقَدْ يُؤَدِّي الْعَزْل إِلَى مَوْته أَوْ إِلَى ضَعْفه الْمُفْضِي إِلَى مَوْته فَيَكُون وَأْدًا خَفِيًّا ، وَجَمَعُوا أَيْضًا بَيْن تَكْذِيب الْيَهُود فِي قَوْلهمْ الْمَوْءُودَة الصُّغْرَى وَبَيْن إِثْبَات كَوْنه وَأْدًا خَفِيًّا فِي حَدِيث جُذَامَة بِأَنَّ قَوْلهمْ الْمَوْءُودَة الصُّغْرَى يَقْتَضِي أَنَّهُ وَأْد ظَاهِر ، لَكِنَّهُ صَغِير بِالنِّسْبَةِ إِلَى دَفْنِ الْمَوْلُود بَعْد وَضْعه حَيًّا ، فَلَا يُعَارِض قَوْله إِنَّ الْعَزْل وَأْد خَفِيّ فَإِنَّهُ يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي حُكْم الظَّاهِر أَصْلًا فَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ حُكْم ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ وَأْدًا مِنْ جِهَة اِشْتِرَاكهمَا فِي قَطْع الْوِلَادَة . وَقَالَ بَعْضهمْ : قَوْله الْوَأْد الْخَفِيّ وَرَدَ عَلَى طَرِيق التَّشْبِيه لِأَنَّهُ قَطَعَ طَرِيق الْوِلَادَة قَبْل مَجِيئِهِ فَأَشْبَهَ قَتْلَ الْوَلَد بَعْد مَجِيئِهِ ، قَالَ اِبْن الْقَيِّم : الَّذِي كَذَبَتْ فِيهِ الْيَهُود زَعْمهمْ أَنَّ الْعَزْل لَا يُتَصَوَّر مَعَهُ الْحَمْل أَصْلًا وَجَعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ قَطْع النَّسْل بِالْوَأْدِ ، فَأَكْذَبهمْ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَمْنَع الْحَمْل إِذَا شَاءَ اللَّه خَلَقَهُ ، وَإِذَا لَمْ يُرِدْ خَلْقه لَمْ يَكُنْ وَأْدًا حَقِيقَة ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ وَأْدًا خَفِيًّا فِي حَدِيث جُذَامَة لِأَنَّ الرَّجُل إِنَّمَا يَعْزِل هَرَبًا مِنْ الْحَمْل فَأَجْرَى قَصْده لِذَلِكَ مَجْرَى الْوَأْد ، لَكِنَّ الْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ الْوَأْد ظَاهِر بِالْمُبَاشَرَةِ اِجْتَمَعَ فِيهِ الْقَصْد وَالْفِعْل ، وَالْعَزْل يَتَعَلَّق بِالْقَصْدِ صَرْفًا فَلِذَلِكَ وَصْفه بِكَوْنِهِ خَفِيًّا ، فَهَذِهِ عِدَّة أَجْوِبَة يَقِف مَعَهَا الِاسْتِدْلَال بِحَدِيثِ جُذَامَة عَلَى الْمَنْع . وَقَدْ جَنَحَ إِلَى الْمَنْع مِنْ الشَّافِعِيَّة اِبْن حِبَّان فَقَالَ فِي صَحِيحه " ذِكْر الْخَبَر الدَّالّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْفِعْل مَزْجُور عَنْهُ لَا يُبَاح اِسْتِعْمَاله " ثُمَّ سَاقَ حَدِيث أَبِي ذَرّ رَفَعَهُ " ضَعْهُ فِي حَلَاله وَجَنِّبْهُ حَرَامه وَأَقْرِرْهُ ، فَإِنْ شَاءَ اللَّه أَحْيَاهُ وَإِنْ شَاءَ أَمَاتَهُ وَلَك أَجْر " ا ه . وَلَا دَلَالَة فِيمَا سَاقه عَلَى مَا اِدَّعَاهُ مِنْ التَّحْرِيم بَلْ هُوَ أَمْر إِرْشَاد لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ بَقِيَّة الْأَخْبَار وَاللَّهُ أَعْلَم . وَمِنْ عِنْد عَبْد الرَّزَّاق وَجْه آخَر عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ أَنْكَرَ أَنْ يَكُون الْعَزْل وَأْدًا وَقَالَ : الْمَنِيّ يَكُون نُطْفَة ثُمَّ عَلَقَة ثُمَّ مُضْغَة ثُمَّ عَظْمًا ثُمَّ يُكْسَى لَحْمًا ، قَالَ : وَالْعَزْل قَبْل ذَلِكَ كُلّه . وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن عَدِيّ بْن الْخِيَار عَنْ عَلِيّ نَحْوه فِي قِصَّة حَرْب عِنْد عُمَر وَسَنَده جَيِّد . وَاخْتَلَفُوا فِي عِلَّة النَّهْي عَنْ الْعَزْل : فَقِيلَ لِتَفْوِيتِ حَقّ الْمَرْأَة ، وَقِيلَ لِمُعَانَدَةِ الْقَدَر ، وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيه مُعْظَم الْأَخْبَار الْوَارِدَة فِي ذَلِكَ ، وَالْأَوَّل مَبْنِيّ عَلَى صِحَّة الْخَبَر الْمُفَرِّق بَيْن الْحُرَّة وَالْأَمَة . وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ : مَوْضِع الْمَنْع أَنَّهُ يَنْزِع بِقَصْدِ الْإِنْزَال خَارِج الْفَرْج خَشْيَة الْعُلُوق وَمَتَى فُقِدَ ذَلِكَ لَمْ يُمْنَع ، وَكَأَنَّهُ رَاعَى سَبَب الْمَنْع فَإِذَا فَقَدَ بَقِيَ أَصْل الْإِبَاحَة فَلَهُ أَنْ يَنْزِع مَتَى شَاءَ حَتَّى لَوْ نَزَعَ فَأَنْزَلَ خَارِج الْفَرْج اِتِّفَاقًا لَمْ يَتَعَلَّق بِهِ النَّهْي وَاللَّهُ أَعْلَم . وَيُنْتَزَع مِنْ حُكْم الْعَزْل حُكْم مُعَالَجَة الْمَرْأَة إِسْقَاط النُّطْفَة قَبْل نَفْخ الرُّوحِ ، فَمَنْ قَالَ بِالْمَنْعِ هُنَاكَ فَفِي هَذِهِ أَوْلَى ، وَمَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ يُمْكِن أَنْ يَلْتِحَق بِهِ هَذَا ، وَيُمْكِن أَنْ يُفَرَّق بِأَنَّهُ أَشَدّ لِأَنَّ الْعَزْل لَمْ يَقَع فِيهِ تَعَاطِي السَّبَب وَمُعَالَجَة السِّقْط تَقَع بَعْد تَعَاطِي السَّبَب ، وَيَلْتَحِق بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة تَعَاطِي الْمَرْأَة مَا يَقْطَع الْحَبَل مِنْ أَصْله ، وَقَدْ أَفْتَى بَعْض مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّة بِالْمَنْعِ ، وَهُوَ مُشْكِل عَلَى قَوْلهمْ بِإِبَاحَةِ الْعَزْل مُطْلَقًا . وَاللَّهُ أَعْلَم . وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيث أَبِي سَعِيد " وَأَصَبْنَا كَرَائِم الْعَرَب وَطَالَتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَة وَأَرَدْنَا أَنْ نَسْتَمْتِع وَأَحْبَبْنَا الْفِدَاء " لِمَنْ أَجَازَ اِسْتِرْقَاق الْعَرَب وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه فِي " بَاب مَنْ مُلِكَ مِنْ الْعَرَب رَقِيقًا " فِي كِتَاب الْعِتْق ، وَلِمَنْ أَجَازَ وَطْء الْمُشْرِكَات بِمِلْكِ الْيَمِين وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب لِأَنَّ بَنِي الْمُصْطَلِق كَانُوا أَهْل أَوْثَان ، وَقَدْ اِنْفَصَلَ عَنْهُ مَنْ مَنَعَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ دَانَ بِدِينِ أَهْل الْكِتَاب وَهُوَ بَاطِل ، وَبِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون ذَلِكَ فِي أَوَّل الْأَمْر ثُمَّ نُسِخَ ، وَفِيهِ نَظَر إِذْ النَّسْخ لَا يَثْبُت بِالِاحْتِمَالِ ، وَبِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُون الْمَسْبِيَّات أَسْلَمْنَ قَبْل الْوَطْء وَهَذَا لَا يَتِمّ مَعَ قَوْله فِي الْحَدِيث وَأَحْبَبْنَا الْفِدَاء فَإِنَّ الْمُسْلِمَة لَا تُعَاد لِلْمُشْرِكِ ، نَعَمْ يُمْكِن حَمْلُ الْفِدَاء عَلَى مَعْنَى أَخَصّ وَهُوَ أَنَّهُنَّ يَفْدِينَ أَنْفُسهنَّ فَيُعْتَقْنَ مِنْ الرِّقّ ، وَلَا يَلْزَم مِنْهُ إِعَادَتهنَّ لِلْمُشْرِكِينَ ، وَحَمَلَهُ بَعْضهمْ عَلَى إِرَادَة الثَّمَن لِأَنَّ الْفِدَاء الْمُتَخَوَّف مِنْ فَوْته هُوَ الثَّمَن ، وَيُؤَيِّد هَذَا الْحَمْل قَوْله فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى " فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه إِنَّا أَصَبْنَا سَبْيًا وَنُحِبّ الْأَثْمَان فَكَيْف تَرَى فِي الْعَزْل " ؟ وَهَذَا أَقْوَى مِنْ جَمِيع مَا تَقَدَّمَ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
عمدة القاري شرح صحيح البخاري - (ج 13 / ص 282)
9222 - حدثنا ( أبو اليمان ) قال أخبرنا ( شعيب ) عن ( الزهري ) قال أخبرنا ( ابن محيريز ) أن ( أبا سعيد الخدري ) رضي الله تعالى عنه أخبره أنه بينما هو جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله إنا نصيب سبيا فنحب الأثمان فكيف ترى في العزل فقال أو إنكم تفعلون ذلك لا عليكم أن لا تفعلوا ذالكم فإنها ليست نسمة كتب الله أن تخرج إلا هي خارجة
مطابقته للترجمة من حيث إنه لم يمنع عن بيع السبي لما قالوا إنا نصيب السبي فنحب الأثمان والأثمان لا تجيء إلا بالبيع والسبي فيه الرقيق وغيره
وأبو اليمان الحكم بن نافع الحمصي وشعيب بن حمزة الحمصي والزهري محمد بن مسلم وقد تكرر ذكرهم وابن محيريز بضم الميم وفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف وكسر الراء وفي آخره زاي وهو عبد الله بن محيريز الجمحي القرشي اليمامي يكنى أبا محيريز مات في خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه
ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في النكاح عن عبد الله بن محمد بن إسماعيل عن جويرية عن مالك وفي القدر عن حبان بن موسى عن ابن المبارك عن يونس كلاهما عن الزهري عنه به وفي المغازي عن قتيبة عن إسماعيل بن جعفر وفي العتق عن عبد الله بن يوسف عن مالك كلاهما عن ربيعة بن عبد الرحمن وفي التوحيد عن إسحاق بن عفان وأخرجه مسلم في النكاح عن عبد الله بن محمد به وعن يحيى بن أيوب وقتيبة وعلي بن حجر وعن محمد بن الفرج وفيه قصة لأبي صرمة وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي عن مالك وأخرجه النسائي في العتق عن علي بن حجر به وعن عمرو بن منصور وعن هارون بن سعيد الأيلي وعن عبد الملك بن شعيب وعن يحيى بن أيوب وفي عشرة النساء عن عباس بن عبد العظيم وعن كثير بن عبيد وفيه وفي النعوت عن هارون بن عبد الله ذكر معناه قوله إنا نصيب سيبا أي نجامع الإماء المسبية ونحن نريد أن نبيعهن فنعزل الذكر عن الفرج وقت الإنزال حتى لا ينزل فيه دفعا لحصول الولد المانع من البيع إذ أمهات الأولاد حرام بيعها وكيف تحكم في العزل أهو جائز أم لا واختلف فيه أهل كانوا أهل كتاب أم لا على قولين وقال أبو محمد الأصيلي كانوا عبدة أوثان وإنما جاز وطؤهن قبل نزول ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ( البقرة 122 ) وقال الداودي كانوا أهل كتاب فلم يحتج فيهن إلى ذكر الإسلام وقال ابن التين والظاهر الأول لقوله في بعض طرقه فأصبنا سبيا من سبي العرب ثم نقل عن الشيخ أبي محمد أنه كان أسر في بني المصطلق أكثر من سبعمائة ومنهم جويرية بنت الحارث أعتقها رسول الله وتزوجها ولما دخل بها سألته في الأسرى فوهبهم لها رضي الله تعالى عنها قوله أو أنكم تفعلون ذلك على التعجب منه وذلك إشارة إلى العزل قوله لا عليكم أن لا تفعلوا أي ليس عدم الفعل واجبا عليكم وقال المبرد كلمة لا زائدة أي لا بأس عليكم في فعله وأما من لم يجوز العزل فقال لا نفي لما سألوه و عليكم أن لا تفعلوا كلام مستأنف مؤكذ له وقال النووي معناه ما عليكم ضرر في ترك العزل لأن كل نفس قدر الله تعالى خلقها لا بد أن يخلقها سواء عزلتم أم لا قوله نسمة بفتح النون والسين المهملة وهو كل ذات روح ويقال النسمة النفس والإنسان ويراد بها الذكر والأنثى والنسم الأرواح والنسيم الريح الطيبة قوله إلا هي خارجة ويروى إلا وهي خارجة بالواو أي جف القلم بما يكون ذكر ما يستفاد منه فيه السؤال عن العزل من الإماء وأجاب بأن ما قدر من النسمة يكون وفي حديث النسائي سأل رجل رسول الله عن العزل فقال إن امرأتي مرضع وأنا أكره أن تحمل فقال ما قدر في الرحم سيكون وروى أبو داود من حديث جابر أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن لي جارية أطوف عليها وأكره أن تحمل فقال إعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها وروى الترمذي من حديث محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عنه قلنا يا رسول الله إنا كنا نعزل فزعمت اليهود أنها الموؤودة الصغرى فقال كذبت اليهود إن الله إذا أراد أن يخلقه لم تمنعه ثم إن هذا السبي المذكور في الحديث كان من سبي هوازن وذلك يوم حنين سنة ثمان لأن موسى بن عقبة روى هذا الحديث عن ابن محيريز عن أبي سعيد فقال أصبنا سبيا من سبي هوازن وذلك يوم حنين سنة ثمان قال القرطبي وهم موسى بن عقبة في ذلك ورواه أبو إسحاق السبيعي عن أبي الوداك عن أبي سعيد قال لما أصبنا سبي حنين سألنا رسول الله عن العزل فقال ليس من كل الماء يكون الولد وروى من حديث ابن محيريز قال دخلت أنا وأبو الصرمة على أبي سعيد الخدري فسأله أبو الصرمة فقال يا أبا سعيد هل سمعت رسول الله يذكر العزل فقال نعم غزونا مع رسول الله غزوة المصطلق فسبينا كرائم العرب فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء فأردنا أن نستمتع ونعزل فقلنا نفعل ورسول الله بين أظهرنا لا نسأله فسألنا رسول الله فقال لا عليكم أن لا تفعلوا ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون قوله غزوة المصطلق أي بني المصطلق وهي غزوة المريسيع قال القاضي قال أهل الحديث هذا أولى من رواية موسى بن عقبة أنه في غزوة أوطاس وكانت غزوة بني المصطلق في سنة ست أو خمس أو أربع وفيه في قوله فنحب الأثمان دلالة على عدم جواز بيع أمهات الأولاد وهو حجة على داود وغيره ممن يجوز بيعهن وفيه إباحة العزل عن الأمة قال الرافعي يجوز العزل في الأمة قطعا وحكى في البحر فيه وجهان وأما الزوجة فالأصح جوازه عند الشافعية ولكنه يكره ومنهم من جوزه عند إذنها ومنعه عند عدمه وهو مذهب الحنفية أيضا وذكر بعض العلماء أربعة أقوال الجواز وعدمه ومذهب مالك جوازه في التسري وفي الحرة موقوف على إذنها وإذن سيدها إن كانت للغير ورابعها يجوز برضى الموطوءة كيف ما كانت وحجة من أجاز حديث جابر كنا نعزل والقرآن ينزل فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينهنا وحجة من منع أنه لما سئل عنه قال ذلك الوأد الخفي
وفيه دلالة على أن الولد يكون مع العزل وفي ( التوضيح ) ولهذا صحح أصحابنا أنه لو قال وطئت وعزلت لحقه الولد على الأصح
المحلى بالآثار - (ج 1 / ص 5194)
أَحْكَامُ الْعَزْل
1903 - مَسْأَلَةٌ : وَلَا يَحِلُّ الْعَزْلُ عَنْ حُرَّةٍ وَلَا عَنْ أَمَةٍ بُرْهَانُ ذَلِكَ - : مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ نا الْمَقْبُرِيُّ - هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ - نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ حَدَّثَنِي أَبُو الْأَسْوَدِ - هُوَ يَتِيمُ عُرْوَةَ - عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ أُخْتِ عُكَاشَةَ قَالَتْ { حَضَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أُنَاسٍ فَسَأَلُوهُ عَنْ الْعَزْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ , وَقَرَأَ : { وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ } } قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : هَذَا خَبَرٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ الْعَزْلَ بِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي فِيهِ { لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا } قَالَ عَلِيٌّ : هَذَا خَبَرٌ إلَى النَّهْيِ أَقْرَبُ , وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ - وَاحْتَجُّوا بِتَكْذِيبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَوْلَ يَهُودَ : هُوَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى وَبِأَخْبَارٍ أُخَرَ لَا تَصِحُّ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : يُعَارِضُهَا خَبَرُ جُدَامَةَ الَّذِي أَوْرَدْنَا , وَقَدْ عَلِمْنَا بِيَقِينٍ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ فَأَصْلُهُ الْإِبَاحَةُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا } وَعَلَى هَذَا كَانَ كُلُّ شَيْءٍ حَلَالًا حَتَّى نَزَلَ التَّحْرِيمُ قَالَ تَعَالَى : { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } فَصَحَّ أَنَّ خَبَرَ جُدَامَةَ بِالتَّحْرِيمِ هُوَ النَّاسِخُ لِجَمِيعِ الْإِبَاحَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي لَا شَكَّ فِي أَنَّهَا قَبْلَ الْبَعْثِ وَبَعْدَ الْبَعْثِ , وَهَذَا أَمْرٌ مُتَيَقَّنٌ , لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ , وَالْوَأْدُ مُحَرَّمٌ , فَقَدْ نَسَخَ الْإِبَاحَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ بِيَقِينٍ . فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ تِلْكَ الْإِبَاحَةَ الْمَنْسُوخَةَ قَدْ عَادَتْ , وَأَنَّ النَّسْخَ الْمُتَيَقَّنَ قَدْ بَطَلَ فَقَدْ ادَّعَى الْبَاطِلَ , وَقَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ , وَأَتَى بِمَا لَا دَلِيلَ لَهُ عَلَيْهِ , قَالَ تَعَالَى : { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } وَقَدْ جَاءَتْ الْإِبَاحَةُ لِلْعَزْلِ صَحِيحَةً عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ , وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَصَحَّ الْمَنْعُ مِنْهُ عَنْ جَمَاعَةٍ - : كَمَا رُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ : أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَعْزِلُ , وَقَالَ : لَوْ عَلِمْت أَحَدًا مِنْ وَلَدِي يَعْزِلُ لَنَكَّلْته قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : لَا يَجُوزُ أَنْ يُنَكِّلَ عَلَى شَيْءٍ مُبَاحٍ عِنْدَهُ . وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ يَكْرَهُ الْعَزْلَ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَلِيٍّ نا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نا سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْعَزْلِ : هِيَ الْمَوْءُودَةُ الْخَفِيَّةُ وَرُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ : نا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْعَزْلِ : هِيَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى وَبِهِ إلَى مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ نا شُعْبَةُ نا زَيْدُ بْنُ خُمَيْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : سَمِعْت أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ يَقُولُ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْعَزْلِ ؟ فَقَالَ : مَا كُنْت أَرَى مُسْلِمًا يَفْعَلُهُ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أرنا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : ضَرَبَ عُمَرُ عَلَى الْعَزْلِ بَعْضَ بَنِيهِ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ , وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ يُنْكِرَانِ الْعَزْلَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : سَمَاعُ سَعِيدٍ عَنْ عُثْمَانَ صَحِيحٌ وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ , وَطَاوُسٍ
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 16 / ص 439)
شبهة استرقاق السبايا بالجهاد!
المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 02/01/1427هـ
السؤال
كنت أشرح مسألة الجهاد لرجل غير مسلم، وأخبرته أن النساء والأطفال لا يُقاتَلون، فاعترض بأنه يجوز عند المسلمين اغتصاب النساء في الحرب، وذكر أن في السنة جواز جماع السبايا، ثم ذكر الحديث الذي في صحيح مسلم: (عن ابن محيريز أنه قال: دخلت أنا وأبو صرمة على أبي سعيد الخدري، فسأله أبو صرمة فقال: يا أبا سعيد هل سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر العزل؟ فقال: نعم غزونا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غزوة بلمصطلق فسبينا كرائم العرب فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء، فأردنا أن نستمتع ونعزل فقلنا نفعل ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أظهرنا لا نسأله، فسألنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "لا عليكم أن لا تفعلوا ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون". ففي هذا الحديث يذكر أبو سعيد أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن العزل (وجماع السبايا) فأجاز له بقوله: "لا عليكم ألا تفعلوا، لا عليكم ألا تفعلوا، لا عليكم ألا تفعلوا". فكيف الجواب عن هذا؟!
الجواب
الحمد لله على أفضاله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فأقول (وبالله التوفيق):
إن الإسلام لا يبيح اغتصاب النساء أبداً، وكيف يُشكُّ في ذلك؟! وجماع المرأة المحرمة على المسلم من أعظم الفواحش في الإسلام وهي فاحشة الزنا، وهي من أكبر الكبائر في الإسلام، ولو كانت برضى المرأة، فكيف إذا كان بإكراهها على ذلك؟!!
وأما نكاحُ ما ملكت اليمين، وهو المعروف في الشريعة الإسلامية بـ (التَّسَرِّي)، فهو طريقة مشروعة أباحها الله تعالى، وجعل لها نظاماً معيناً وأحكاماً خاصة، كما أباح الزواج بالحرائر وفق نظامٍ معين وأحكام خاصة، فالذي أباح الزواج بالحرائر ونظمه، أباح نكاح ما ملكت اليمين ونظمه، فما الإشكال في ذلك؟! وكلاهما حكمٌ لله الذي لا معقب لحكمه، ولا أحسن من هدايته، ولا سعادة للبشر بغير التزام أمره عز وجل.
ونكاح ما ملكت اليمين وفق شرع الله تعالى وتنظيمه ليس من الاغتصاب في شيء، إلا إن كان الزواج بالحرائر وفق شرع الله وتنظيمه من الاغتصاب، وهو ليس كذلك عند جميع البشر العقلاء، فكذلك يكون (التسري) .
وإني لأعجب من مجتمع يستبيح السفاح بحجة الحرية، ويقنن للشذوذ الجنسي، ويسمح لقنواته الإعلامية بنشر الرذيلة والفواحش بأبشع صورة، ويعربد جنوده في بلدان العالم قتلاً واغتصاباً، وسلباً للحريات، واستعباداً للشعوب واستيلاءً على ثروات الأمم، وتدخلاً في خصوصيات قِيَمِ الحضارات، ثم مع هذا كُله يُسَمي شخص من هذا المجتمع (التسرِّي) اغتصاباً!!! إن كان جاهلاً يعلم، وإن كان عالماً بحقيقة التسري ومع ذلك يسميه اغتصاباً، فهو مكابر.
ومن أول ما أحب بيانه بخصوص التسرِّي الذي لا يقع إلا مع ملك اليمين أي مع (الاسترقاق): أن الإسلام لا يبيح استرقاق كل مخالف لنا في الدين، بل لا يبيح السبي إلا للمحاربين الكفار ومن معهم في دار الحرب من النساء والأطفال، أما غير المحاربين فلا سبي عليهم في الإسلام أصلاً، ولا يجوز لمسلم أن يتعدى على رجل أو امرأة إذا كان كافراً غير محارب للمسلمين، بأي نوع من أنواع الاعتداء كالقتل أو الضرب أو الاغتصاب للنساء، وهذا أول فرق بين مطلق الاغتصاب وبين التسري في الإسلام.
وثانياً: أن من تُسبى من النساء لا تكون متعةً مشاعةً لكل أحد من المسلمين، بل هي لمن تقع في سهمه من المسلمين فقط، فهي رقيقة مملوكة لسيّد واحد منهم، لا يجوز له أن يُجبرها على معاشرة غيره من المسلمين.
وثالثاً: إذا سُبي الرجل مع زوجه، ووقعا تحت ملك رجل واحد من المسلمين، فيبقى زواجهما على ما هو عليه، لا يجوز لمالكها معاشرتها، إلا أن يفرق بينهما ببيع أحدهما لمالك آخر، فيكون هذا كالطلاق، فيحق لمالك المسبية أن يعاشرها بعد الاستبراء؛ للتأكد من عدم حصول حملٍ من زوجها قبل معاشرة مالكها لها.
رابعاً: أن المَسْبِيِّة إذا عاشرها مالكها فحملت منه وولدت، لا يجوز بيعها، لأنه يؤدي إلى التفريق بينها وبين ولدها، وتُصبح حرة بوفاة مالكها.
إذن فالمسألة لا يصح أن تصور بأنها اغتصاب، وإنما هو ملك يمين واسترقاق له أحكامه وآدابه.
وإذا تذكر الإنسان أن هذا العدو الذي تسترقه كان حريصاً على أن يقتلك، ولو قتلك في ساحة الحرب لما كان هذا إلا عدلاً ومعاملة بالمثل، فاسترقاقه بعد ذلك أهونُ من قتله، ولذلك كان الناس يقدمون الأسر والاسترقاق على القتل، ويطلبون من المنتصر أن يبقيهم أحياء، والغرب وحضارته اليوم تبيح سجن أسرى الحرب، وربما عاملتهم بأسوأ معاملة، كسجناء المسلمين في جوانتنامو في المعسكرات الأمريكية، فأي الرقين ألطف؟ رق الغرب في الأقفاص والسجون، أو رق الإسلام، الذي هو تقييد لبعض الحرية، مع انطلاق الرقيق في الأرض، ومع آداب أوجبها الإسلام على أتباعه تجاه الرقيق، بحسن معاملتهم والرفق بهم، وعدم جواز إيذائهم، وحُرمة الاعتداء عليهم، وأن يطعموا مما يطعم سيدهم، وأن يكسوهم مالكهم من نفس ما يكتسي هو به، بل أن يترفق في ندائهم، فلا يقول: (عبدي) و(أمتي)، بل يقول: (فتاي) و(فتاتي)... إلى هذا الحدّ من اللطف شرع الإسلام الرقّ ووضع أحكامه.
مشكلة الغرب أنه عندما حارب الرق ظن أن الرق في الإسلام كالرق عنده، والفرق بينهما شاسع.
ومع محاربة الغرب لاستعباد الأفراد بالرق الصريح، لكن بعض دوله تستعبد شعوباً بأكملها، باحتلال أوطانها عسكرياً (كالعراق وفلسطين)، وبوضع حكومات تنفذ رغباتهم على حساب رغبات الشعوب وحُرياتهم، وتستنزف ثروات هذه الشعوب المقهورة، وتمنع العلوم التي ترتقي بتلك الشعوب عنهم ليضمنوا بقاءهم تحت سيطرة حضارة الغرب وتحت سطوة دُوله. فصور الاستعباد هذه، ما زال كثيرٌ من دول الغرب يمارسها، وبأبشع صور ممارسته، ثم بعد ذلك يدعي هؤلاء محاربة استرقاق الأفراد، ولو كان بآداب الإسلام مع الرقيق، التي ما عرفها الغرب ولا سمعت بها حضارته!!
وبالمناسبة: فالرق وجوازه لم ينفرد به دينُ الإسلام، بل أباحته وشرعته اليهودية والنصرانية أيضاً، فانظر لذلك سفر الملوك في كتابهم المقدس (9/15-23). وإنما منعته الأنظمة العلمانية في الغرب في العصر الحديث، بناءً على تصوراتها الخاطئة عنه التي كانت تمارس في أوروبا وأمريكا قبل منعهم لها.
وهنا أذكِّر السائل أن الحديث الذي أورده، والقصة التي حدثت فيه، كانت في زمن لم يدع أحدٌ فيه إلى إلغاء الرق، بل كان الاسترقاق والسبي قانوناً معمولاً به لدى شعوب الأرض كلها، فالنصارى يسبون نساء المسلمين إذا قدروا عليهن، وكذلك اليهود، فليس ما وقع في ذلك الحديث أمراً شاذاً على حضارات الأرض يومئذ، بل كان أمراً سائداً معمولاً، إلى أنْ حلَّ مكان الاسترقاق لأسرى الحرب اليوم السجنُ والإهانة والتعذيب، كما في سجن جوانتنامو الأمريكي.
وأنا أعلمُ أن من عاش في هذا العصر، وتأثرت أفكاره بالقيم التي سادت فيه، وكان أسيراً لواقعه= سوف يضيق أفقه عن قبول فكرة الرق والسبي، بأي صورة كانت، ولو كانت بالصورة العادلة التي جاء بها الإسلام. أمّا من وسع أفقه، وتذكر أن البشرية من أقدم عصورها كانت تبيح الرق، إلى العصر الحديث الذي حارب صورة منه وأباح صوراً أخرى أقبح وأفظع، وحاول أن ينظر إليه بعيداً عن أثر العادة وأسرها، مُنْفكَّا عن الغرور بحضارته= فإنه سيجد أن صورة الرق في الإسلام ليس فيها ما يُستنكر أبداً، بل هي حكمٌ عادل ومُثْمِرٌ ومفيد، وهو خير من صور الرق الأخرى التي مارسها الغرب قديماً أو حديثاً!!
وأنا أكتب هذا الجواب تذكرت كلاماً لأحد الرحّالة الأوربيين، وفي القرن التاسع عشر الميلادي، وهو كرستيان سنوك الهولندي المولد، والذي نال شهادة الدكتوراه سنة (1880م) من جامعة ليدن، والذي زار الجزيرة العربية ودخل مكة وبقي في الحجاز سنة (1882م) ستة أشهر، وكتب حوادث رحلته هذه بالألمانية، وتكلم في هذه الرحلة عن الرق الذي رآه وشاهده في الحجاز، ومع أنه ليس هو الرق بجميع آدابه الإسلامية إلا أنه قال عنه: "إن الذي يدخل سوق الرقيق بتصورات أوروبية وفي ذهنه كابينة العم توم (Uncle Tom -Cabin)، وهي إشارة إلى الرقيق الذي كان يُرسل إلى العالم الجديد، سيأخذ انطباعاً سيئاً، وسوف يغادر السوق وهو مشمئز من سوء المنظر، وهذا الانطباع الأولي هو انطباع خاطئ، ومع الأسف فإن معظم المستشرقين الرحّالة لم يصوّروا لنا إلا انطباعاتهم الأولية، وهذا هو مصدر الخطأ لديهم". إلى أن قال: "وعلى العموم فإن الرقيق في العالم الإسلامي لا يختلف كثيراً عن الخدم والعُمّال في المجتمع الأوروبي. وإن الذي يعرف الظروف المحليّة يعرف هذا تماماً، ويعلم كذلك أن إلغاء الرقيق يعني ثورة اجتماعية في الجزيرة العربية. وهناك العديد من الأوربيين الذين يعرفون جيداً شؤون الشرق، لا يريدون أن يقولوا ذلك بصراحة؛ لئلا يتهم هؤلاء بأنهم ضد الاتجاه السائد عموماً، الداعي إلى تحرير الرقيق نهائياً، وبأنهم ضد الاتجاه المبني على مشاعر إنسانية نبيلة..."، إلى أن قال: "إن خدعة ما يُسمى حركة تحرير الرقيق، ليس سَبَبُها اهتماماً شعبياً لغاية شريفة، ولكنه لعبة خطرة مزيّفة، يقوم بها رجال السياسة الكبار، لأغراض غير إنسانية، وذلك من أجل أن يتخذ العالم المسيحي موقفاً عدائياً خاطئاً ومزيَّفاً ضدّ الإسلام". (صفحات من تاريخ مكّة، سنوك هو رخونية، وترجمة د. على الشيوخ، طبع دارة الملك عبد العزيز: (1419هـ:2/323، 326، 330).
وإني لأقول أخيراً: لو علم الغربيون المنصفون حقيقة أحكام الإسلام، ومن بينها أحكام الرق والسبي فيه، لتمنّوا النجاة من حياة الخواء الروحي؛ (بسبب عقائدهم الباطلة عن الله تعالى وأنبيائه وكُتُبه) ومن حياة الرذيلة، والفحش (بسبب الحريّات التي تبيح الزنا وعمل قوم لوط)، ولو بالاسترقاق وَفْقَ أحكام الإسلام!!
نعم.. هو خيارٌ صَعْبٌ لكل حُرّ؛ لكنّ عبوديّة الإسلام خيرٌ من حرّية الكُفر!!
والله أعلم.(1/96)
189-7846 أَخْبَرَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ شَامِيٌّ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ : أَصَبْنَا سَبْيًا فَكُنَّا نَعْزِلُ ، ثُمَّ سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ لَنَا : " إِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ ، وَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ ، مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا هِيَ كَائِنَةٌ " قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ : حَدِيثُ مَالِكٍ ، وَالزُّبَيْدِيِّ أَوْلَى بِالصَّوَابِ (1)
190-7847 أَخْبَرَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا صِرْمَةَ ، وَأَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولَانِ : أَصَبْنَا سَبَايَا فِي غَزْوَةِ الْمُصْطَلِقِ ، وَهِيَ الْغَزْوَةُ الَّتِي أَصَابَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُوَيْرِيَةَ ، فَكَانَ مِنَّا مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَتَّخِذَ أَهْلًا ، وَمِنَّا مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ وَيَبِيعَ فَتَرَاجَعْنَا فِي الْعَزْلِ ، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَعْزِلُوا ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ قَدَّرَ مَنْ هُوَ خَالِقٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " (2)
191-7848 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ قَزْعَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ : ذُكِرَ الْعَزْلُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " لِمَ يَفْعَلُ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ ؟ " وَلِمَ يَقُلْ فَلَا يَفْعَلْ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ " فَلَيْسَتْ نَفْسٌ مَخْلُوقَةٌ إِلَّا اللَّهُ خَالِقُهَا "(3)
192-7849 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُمَرُ وَهُوَ ابْنُ أَبِي خَلِيفَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْعَزْلِ فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ الْيَهُودَ تَزْعُمُ أَنَّهَا الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى ، فَقَالَ : " كَذَبَتْ يَهُودُ "(4)
193-7850 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي الْعَزْلَ - ، قُلْتُ لِعَمْرٍو : أَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ جَابِرٍ ؟ قَالَ : " لَا "(5)
__________
(1) - الشاميين برقم(2123) صحيح
أصاب : نال =السبايا : الأسرى من النساء والأطفال = العزل : عَزْلَ ماء المني عن النّساء حَذَرَ الحمْل
(2) - صحيح
(3) - التوحيد لابن خزيمة برقم(256) صحيح
(4) - صحيح
(5) - أخرجه عبد الرزاق برقم( 12567) صحيح
شرح ابن بطال - (ج 13 / ص 325)
اختلف السلف فى العزل، فذكر مالك فى الموطأ، عن سعد بن أبى وقاص، وأبى أيوب الأنصارى، وزيد بن ثابت، وابن عباس، أنهم كانوا يعزلون، وذكره ابن المنذر، عن على بن أبى طالب، وخباب بن الأرت، وجابر بن عبد الله، وقال: كنا نفعله على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وروى ذلك عن جماعة من التابعين منهم ابن المسيب، وطاوس، وبه قال مالك، والكوفيون، والشافعى، وجمهور العلماء.
وكرهت طائفة العزل، ذكره ابن المنذر، عن أبى بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعن على بن أبى طالب، رواية أخرى، وعن ابن مسعود، وابن عمر.
وحجة من أباحه حديث جابر، وروى ابن أبى شيبة، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبى الزبير، عن جابر، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذن فى العزل، واحتجوا أيضًا بقوله: أو إنكم لتفعلون ذلك، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة، إلا وهى كائنة، قالوا: ولا يفهم من قوله عليه السلام: « أو إنكم لتفعلون ذلك » ، إلا الإباحة.
ويشهد لذلك قوله فى آخر الحديث: « ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهى كائنة » ، يقول: قد فرغ من الخلق، فاعزلوا أو لا تعزلوا، فإن قدر أن يكون ولد لم يمنعه العزل؛ لأنه قد يكون مع العزل إفضاء بقليل الماء الذى قدر الله أن يكون منه الولد، وقد يكون الاسترسال والإفضاء ولا يكون ولد، فالعزل والإفضاء سواء فى ألا يكون منه ولد إلا بتقدير الله، هذا معنى قول الطحاوى.
قال: واحتج من كره العزل بما حدثنا إبراهيم بن محمد بن يونس، قال: حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ، حدثنا سعيد بن أبى أيوب، عن أبى الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة، عن عائشة، قالت: حدثتنى جدامة بنت وهب الأسدية، أن النبى - صلى الله عليه وسلم - ذكر عنده العزل، فقال: « ذلك الوأد الخفى » ، وأنكر الذين أباحوا العزل حديث جدامة. ورووا عن النبى، عليه السلام، إنكار ذلك.
روى أبو داود: حدثنا هشام، عن يحيى بن أبى كثير، عن محمد بن عبد الرحمن، عن أبى رفاعة، وقال مرة: عن أبى مطيع بن رفاعة، عن أبى سعيد الخدرى، أن النبى - صلى الله عليه وسلم - أتاه رجل، فقال: يا رسول الله، إن عندى جارية، وأنا أعزل عنها وأكره أن تحمل، وإن اليهود يقولون: هى الموءودة الصغرى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « كذبت يهود، لو أن الله أراد أن يخلقه لم يستطع أحد أن يصرفه » .
قال الطحاوى: فهذا أبو سعيد قد حكى عن النبى إكذاب من زعم أن العزل موءودة، ثم قد روى عن على دفع ذلك والتنبيه على فساده بمعنى لطيف حسن، روى الليث، عن معمر بن أبى حبيبة، عن عبيد الله بن عدى بن الخيار، قال: تذاكر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند عمر العزل، فاختلفوا فيه، فقال عمر: قد اختلفتم وأنتم أهل بدر الأخيار، فكيف بالناس بعدكم، فقال على: إنها لا تكون موءودة حتى تمر بالتارات السبع، قوله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين} [المؤمنون: 12] الآية، فعجب عمر من قوله، وقال: جزاك الله خيرًا، فأخبر على أنه لا يوأد إلا من قد نفخ فيه قبل ذلك، وما لم ينفخ فيه الروح موات غير موءود. وروى سفيان عن أبى الوداك أن قومًا سألوا ابن عباس عن العزل، فذكر مثل كلام على سواء.
فهذا على وابن عباس قد اجتمعا على ما ذكرنا وتابعهما عمر، ومن كان يحضر من الصحابة، فدل على أن العزل غير مكروه، وذهب مالك، والشافعى، وجمهور العلماء، إلى أنه لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها، فإن منعت زوجها لم يعزل.
واختلفوا فى العزل عن الزوجة الأمة، فقال مالك والكوفيون: لا يعزل عنها إلا بإذن سيدها. وقال الثورى: لا يعزل عنها إلا بإذنها. وقال الشافعى: يعزل عنها دون إذنها ودون إذن مولاها.(1/97)
194-7851 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : " كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْقُرْآنُ يُنَزَّلُ " (1)
__________
(1) - أخرجه ابن ماجة برقم(2002) وأحمد برقم(14690) ومسند أبي عوانة برقم(3520) صحيح
فتح الباري لابن حجر - (ج 15 / ص 7)
قَوْله ( كُنَّا نَعْزِل وَالْقُرْآن يَنْزِل ، وَعَنْ عَمْرو عَنْ عَطَاء عَنْ جَابِر كُنَّا نَعْزِل عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآن يَنْزِل )
وَقَعَ فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ " كَانَ يُعْزَل " بِضَمِّ أَوَّله وَفَتْح الزَّاي عَلَى الْبِنَاء لِلْمَجْهُولِ ، وَكَأَنَّ اِبْن عُيَيْنَةَ حَدَّثَ بِهِ مَرَّتَيْنِ : فَمَرَّة ذَكَرَ فِيهَا الْأَخْبَار وَالسَّمَاع فَلَمْ يَقُلْ فِيهَا عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَرَّة ذَكَرَهُ بِالْعَنْعَنَةِ فَذَكَرهَا ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طُرُق عَنْ سُفْيَان صَرَّحَ فِيهَا بِالتَّحْدِيثِ قَالَ " حَدَّثَنَا عَمْرو بْن دِينَار " وَزَادَ اِبْن أَبِي عُمَر فِي رِوَايَته عَنْ سُفْيَان " عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَزَادَ إِبْرَاهِيم بْن مُوسَى فِي رِوَايَته عَنْ سُفْيَان أَنَّهُ قَالَ حِين رَوَى هَذَا الْحَدِيث " أَيْ لَوْ كَانَ حَرَامًا لَنَزَلَ فِيهِ " وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِم هَذِهِ الزِّيَادَة عَنْ إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ عَنْ سُفْيَان فَسَاقَهُ بِلَفْظِ " كُنَّا نَعْزِل وَالْقُرْآن يَنْزِل " قَالَ سُفْيَان : لَوْ كَانَ شَيْئًا يَنْهَى عَنْهُ لَنَهَانَا عَنْهُ الْقُرْآن ، فَهَذَا ظَاهِر فِي أَنَّ سُفْيَان قَالَهُ اِسْتِنْبَاطًا ، وَأَوْهَمَ كَلَام صَاحِب " الْعُمْدَة " وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَة مِنْ نَفْس الْحَدِيث فَأَدْرَجَهَا ، وَلَيْسَ الْأَمْر كَذَلِكَ فَإِنِّي تَتَبَّعْته مِنْ الْمَسَانِيد فَوَجَدْت أَكْثَر رُوَاته عَنْ سُفْيَان لَا يَذْكُرُونَ هَذِهِ الزِّيَادَة ، وَشَرَحَهُ اِبْن دَقِيق الْعِيد عَلَى مَا وَقَعَ فِي " الْعُمْدَة " فَقَالَ : اِسْتِدْلَال جَابِر بِالتَّقْرِيرِ مِنْ اللَّه غَرِيب ، وَيُمْكِن أَنْ يَكُون اِسْتَدَلَّ بِتَقْرِيرِ الرَّسُول لَكِنَّهُ مَشْرُوط بِعِلْمِهِ بِذَلِكَ اِنْتَهَى . وَيَكْفِي فِي عِلْمه بِهِ قَوْل الصَّحَابِيّ إِنَّهُ فَعَلَهُ فِي عَهْده ، وَالْمَسْأَلَة مَشْهُورَة فِي الْأُصُول وَفِي عِلْم الْحَدِيث وَهِيَ أَنَّ الصَّحَابِيّ إِذَا أَضَافَهُ إِلَى زَمَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ حُكْم الرَّفْع عِنْد الْأَكْثَر ، لِأَنَّ الظَّاهِر أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ وَأَقَرَّهُ لِتَوَفُّرِ دَوَاعِيهمْ عَلَى سُؤَالهمْ إِيَّاهُ عَنْ الْأَحْكَام ، وَإِذَا لَمْ يُضِفْهُ فَلَهُ حُكْم الرَّفْع عِنْد قَوْم ، وَهَذَا مِنْ الْأَوَّل فَإِنَّ جَابِرًا صَرَّحَ بِوُقُوعِهِ فِي عَهْده صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ وَرَدَتْ عِدَّة طُرُق تُصَرِّح بِاطِّلَاعِهِ عَلَى ذَلِكَ ، وَالَّذِي يَظْهَر لِي أَنَّ الَّذِي اِسْتَنْبَطَ ذَلِكَ سَوَاء كَانَ هُوَ جَابِرًا أَوْ سُفْيَان أَرَادَ بِنُزُولِ الْقُرْآن مَا يَقْرَأ ، أَعَمّ مِنْ الْمُتَعَبَّد بِتِلَاوَتِهِ أَوْ غَيْره مِمَّا يُوحَى إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَأَنَّهُ يَقُول : فَعَلْنَاهُ فِي زَمَن التَّشْرِيع وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ نُقَرّ عَلَيْهِ ، وَإِلَى ذَلِكَ يُشِير قَوْل اِبْن عُمَر " كُنَّا نَتَّقِي الْكَلَام وَالِانْبِسَاط إِلَى نِسَائِنَا هَيْبَة أَنْ يَنْزِل فِينَا شَيْء عَلَى عَهْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا مَاتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمْنَا وَانْبَسَطْنَا " أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ . وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِم أَيْضًا مِنْ طَرِيق أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر قَالَ " كُنَّا نَعْزِل عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيّ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَنْهَنَا " وَمِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر " أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ لِي جَارِيَة وَأَنَا أَطُوف عَلَيْهَا وَأَنَا أَكْرَه أَنْ تَحْمِل ، فَقَالَ : اِعْزِلْ عَنْهَا إِنْ شِئْت ، فَإِنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا . فَلَبِثَ الرَّجُل ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ : إِنَّ الْجَارِيَة قَدْ حَبِلَتْ ، قَالَ : قَدْ أَخْبَرْتُك " وَوَقَعَتْ هَذِهِ الْقِصَّة عِنْده مِنْ طَرِيق سُفْيَان بْن عُيَيْنَةَ بِإِسْنَادٍ لَهُ آخَر إِلَى جَابِر وَفِي آخِره " فَقَالَ أَنَا عَبْد اللَّه وَرَسُوله " وَأَخْرَجَهُ أَحْمَد وَابْن مَاجَهْ وَابْن أَبِي شَيْبَة بِسَنَدٍ آخَر عَلَى شَرْط الشَّيْخَيْنِ بِمَعْنَاهُ ، فَفِي هَذِهِ الطُّرُق مَا أَغْنَى عَنْ الِاسْتِنْبَاط ، فَإِنَّ فِي إِحْدَاهَا التَّصْرِيح بِاطِّلَاعِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْأُخْرَى إِذْنه فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ السِّيَاق يُشْعِر بِأَنَّهُ خِلَاف الْأَوْلَى كَمَا سَأَذْكُرُ الْبَحْث فِيهِ .
طرح التثريب - (ج 7 / ص 201)
الْحَدِيثُ الرَّابِعُ ) وَعَنْ جَابِرٍ { كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ } ( فِيهِ ) فَوَائِدُ : ( الْأُولَى ) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا أَبَا دَاوُد مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ لَهُ { لَوْ كَانَ شَيْئًا يُنْهَى عَنْهُ لَنَهَانَا عَنْهُ الْقُرْآنُ } وَلَيْسَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مُطَابِقَةً لِرِوَايَتِنَا مِنْ طَرِيقِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِزِيَادَةِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْنَ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَجَابِرٍ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مَعْقِلِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْجَزَرِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ لَيْسَ فِيهِ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُعَاذِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ { كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَنْهَنَا } وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَأَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ { جَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنَّ لِي جَارِيَةً أَطُوفُ عَلَيْهَا وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ فَقَالَ : اعْزِلْ عَنْهَا إنْ شِئْت فَسَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا ، قَالَ : فَلَبِثَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ : إنَّ الْجَارِيَةَ قَدْ حَمَلَتْ فَقَالَ : قَدْ أَخْبَرْتُك أَنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا } وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ { جَابِرٍ قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا كُنَّا نَعْزِلُ فَزَعَمَتْ الْيَهُودُ أَنَّهَا الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى فَقَالَ : كَذَبَتْ الْيَهُودُ ، إنَّ اللَّهَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَهُ لَمْ يَمْنَعْهُ } وَلَهُ عَنْ جَابِرٍ .
( الثَّانِيَةُ ) الْعَزْلُ أَنْ يُجَامِعَ فَإِذَا قَارَبَ الْإِنْزَالَ نَزَعَ فَأَنْزَلَ خَارِجَ الْفَرْجِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ جَابِرٌ عَلَى إبَاحَتِهِ بِكَوْنِهِمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْمُحْدِثِينَ وَالْأُصُولِيِّينَ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا مَعَ إضَافَتِهِ إلَى عَصْرِ الرَّسُولِ مَرْفُوعٌ حُكْمًا ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَقَالُوا : إنَّهُ مَوْقُوفٌ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى ذَلِكَ ، لَكِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ مَدْفُوعٌ هُنَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ { فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَنْهَنَا } فَثَبَتَ بِذَلِكَ اطِّلَاعُهُ وَتَقْرِيرُهُ وَهُوَ حُجَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الشَّافِعِيَّةُ : إنَّ النِّسَاءَ أَقْسَامٌ : ( أَحَدُهُمَا ) الزَّوْجَةُ الْحُرَّةُ وَفِيهَا طَرِيقَانِ أَظْهَرُهُمَا أَنَّهَا إنْ رَضِيَتْ جَازَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْغَزَالِيِّ وَالرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ الْجَوَازُ ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي أَنَّهَا إنْ لَمْ تَأْذَنْ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ أَذِنَتْ فَوَجْهَانِ .
( الثَّانِي ) الزَّوْجَةُ الْأَمَةُ وَهِيَ مُرَتَّبَةٌ عَلَى الْحُرَّةِ إنْ جَوَّزْنَاهُ فِيهَا فَفِي الْأَمَةِ أَوْلَى ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ تَحَرُّزًا عَنْ رِقِّ الْوَلَدِ .
( الثَّالِثُ ) الْأَمَةُ الْمَمْلُوكَةُ يَجُوزُ الْعَزْلُ عَنْهَا قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ بِلَا خِلَافٍ لَكِنْ حَكَى الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَحْقُ الْوَلَدِ .
( الرَّابِعُ ) الْمُسْتَوْلَدَةُ قَالَ الرَّافِعِيُّ : رَتَّبَهَا مُرَتِّبُونَ عَلَى الْمَنْكُوحَةِ الرَّقِيقَةِ وَأَوْلَى بِالْمَنْعِ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ حُرٌّ وَآخَرُونَ عَلَى الْحُرَّةِ وَالْمُسْتَوْلَدَةُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ رَاسِخَةً فِي الْفِرَاشِ وَلِهَذَا لَا تَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ ، قَالَ الرَّافِعِيُّ : وَهَذَا أَظْهَرُ ، هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَحَاصِلُهُ الْفَتْوَى بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا وَلَوْ تَغَيَّرَ إذْنُهَا .
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ : لَا يَعْزِلُ عَنْ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا وَلَا عَنْ الزَّوْجَةِ الْأَمَةِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا بِخِلَافِ السَّرَارِي ، هَذِهِ عِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ : لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَعْزِلُ عَنْ الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا ؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ مِنْ حَقِّهَا وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَلَيْسَ الْجِمَاعُ الْمَعْرُوفُ إلَّا مَا لَا يَلْحَقُهُ عَزْلٌ وَفِي دَعْوَى نَفْيِ الْخِلَافِ نَظَرٌ لِمَا قَدْ عَرَفْته مِنْ مَذْهَبِنَا ، وَقَالَ فِي الْأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ : لَا خِلَافَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْعَزْلُ عَنْهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا وَفِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ لِمَا عَرَفْته فِي مَذْهَبِنَا .
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ : يَجُوزُ الْعَزْلُ عَنْ مَمْلُوكَتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَلَا يَجُوزُ عَنْ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ إلَّا بِإِذْنِهَا وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً لَمْ يُبَحْ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا نَصَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ : بَلْ بِإِذْنِهِمَا ، وَقِيلَ : لَا يُبَاحُ الْعَزْلُ بِحَالٍ وَقِيلَ : يُبَاحُ بِكُلِّ حَالٍ ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ : لَا يَحِلُّ الْعَزْلُ عَنْ حُرَّةٍ وَلَا أَمَةٍ مُطْلَقًا ، وَاسْتَدَلَّ بِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جُدَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ أُخْتِ عُكَّاشَةَ فِي حَدِيثٍ قَالَتْ فِيهِ { وَسَأَلُوهُ عَنْ الْعَزْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ وَهِيَ { وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ } } وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْعَزْلِ عَنْ الْجَارِيَةِ فَرَخَّصَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيٌّ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَيُّوبُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَخَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُسٌ وَرَوَيْنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ رِوَايَةً ثَانِيَةً وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ ، وَنَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْعَزْلِ فَقَالَ : مَا كُنْت أَرَى مُسْلِمًا يَفْعَلُهُ ، وَعَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمَا كَانَا يُنْكِرَانِ الْعَزْلَ قَالَ : وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ وَطَاوُسٍ .
انْتَهَى .
وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مُطْلَقًا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا { لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا فَإِنَّمَا هُوَ الْقَدَرُ } قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ : كَأَنَّ هَؤُلَاءِ فَهِمُوا مِنْ ( لَا ) النَّهْيَ عَمَّا سُئِلُوا عَنْهُ ، وَحَذَفَ بَعْدَ قَوْلِهِ ( لَا ) فَكَأَنَّهُ قَالَ : لَا تَعْزِلُوا وَعَلَيْكُمْ أَلَّا تَفْعَلُوا تَأْكِيدًا لِذَلِكَ النَّهْيِ .
انْتَهَى .
وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ : لَيْسَ هَذَا نَهْيًا وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَوْ ضَرَرٌ فِي أَنْ لَا تَفْعَلُوا وَيَدُلُّ لِذَلِكَ اللَّفْظُ الْمَشْهُورُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْعَزْلِ أَوَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ قَالَهَا ثَلَاثًا مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلَّا هِيَ كَائِنَةٌ } وَاسْتَدَلَّ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَلَى تَحْرِيمِ الْعَزْلِ بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الَّذِي أَخْرَجَهُ فِي صَحِيحِهِ وَفِيهِ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَضَعْهُ فِي حَلَالِهِ وَجَنِّبْهُ حَرَامَهُ وَأَقْرِرْهُ فَإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَحْيَاهُ وَإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَمَاتَهُ وَلَك أَجْرٌ } وَأَقْوَى مَا اسْتَدَلَّ بِهِ لِذَلِكَ حَدِيثُ جُدَامَةَ الْمُتَقَدِّمُ ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ وَقَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ : هُوَ فَرْدٌ مِنْ حَدِيثِهَا وَقَدْ اخْتَلَفَ فِي زِيَادَةِ الْعَزْلِ فِيهِ فَلَمْ يُخْرِجْهُ مَالِكٌ فِي حَدِيثِهِ .
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عُورِضَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْعَزْلِ قَالُوا : إنَّ الْيَهُودَ تَزْعُمُ أَنَّ الْعَزْلَ هُوَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى ، قَالَ : كَذَبَتْ الْيَهُودُ } قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ جُدَامَةَ عَلَى طَرِيقِ التَّنْزِيهِ .
انْتَهَى .
وَحَمَلَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا حَدِيثَ جُدَامَةَ عَلَى الْعَزْلِ عَنْ الْحَامِلِ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الَّذِي كَانَ يُحَذِّرُهُ مِنْ حُصُولِ الْحَمْلِ وَفِيهِ تَضْيِيعٌ لِلْحَمْلِ ؛ لِأَنَّ الْمَنِيَّ يَغْذُوهُ فَقَدْ يُؤَدِّي إلَى مَوْتِهِ أَوْ ضَعْفِهِ فَيَكُونُ وَأْدًا خَفِيًّا ، وَسَأَلَ وَالِدِي أَيْضًا الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِأَوْجُهٍ : ( مِنْهَا ) أَنَّ قَوْلَهُمْ أَنَّهَا الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى يَقْتَضِي أَنَّهُ وَأْدٌ ظَاهِرٌ لَكِنَّهُ صَغِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى وَأْدِ الْوَلَدِ بَعْدَ وَضْعِهِ حَيًّا بِخِلَافِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : إنَّهُ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ أَصْلًا فَلَا يُرَتِّبُ عَلَيْهِ حُكْمَهُ وَهَذَا كَقَوْلِهِ : إنَّ الرِّيَاءَ هُوَ الشِّرْكُ الْخَفِيُّ وَإِنَّمَا شُبِّهَ بِالْوَأْدِ مِنْ وَجْهٍ ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ طَرِيقِ الْوِلَادَةِ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : إنَّهَا لَا تَكُونُ مَوْءُودَةً حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهَا الْحَالَاتُ السَّبْعُ ؛ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : صَدَقْت أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ نَحْوَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ يَشْكُلُ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مِنْ إبَاحَةِ الْعَزْلِ مَا أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ يُونُسَ وَالشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ اسْتِعْمَالُ دَوَاءٍ مَا يَمْنَعُ مِنْ الْحَبَلِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَلَوْ رَضِيَ بِهِ الزَّوْجُ وَقَدْ يُقَالُ هَذَا سَبَبٌ لِامْتِنَاعِهِ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ وَالْعَزْلُ فِيهِ تَرْكٌ لِلسَّبَبِ فَهُوَ كَتَرْكِ الْوَطْءِ مُطْلَقًا .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الثَّالِثَةُ ) مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْعَزْلِ مَا إذَا كَانَ يَقْصِدُ التَّحَرُّزَ عَنْ الْوَلَدِ قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ : حَيْثُ قُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ ، فَذَلِكَ إذَا نَزَعَ عَلَى قَصْدِ أَنْ يَقَعَ الْمَاءُ خَارِجًا تَحَرُّزًا عَنْ الْوَلَدِ قَالَ : وَأَمَّا إذَا عَنَّ لَهُ أَنْ يَنْزِعَ لَا عَلَى هَذَا الْقَصْدِ فَيَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ .
انْتَهَى .
وَقَدْ يُقَالُ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ فِي الْحُرَّةِ بِأَنَّهُ حَقُّهَا فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْذَانِهَا فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِحَالَةِ التَّحَرُّزِ عَنْ الْوَلَدِ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
( الرَّابِعَةُ ) قَدْ أَوْضَحَ قَوْلَهُ " وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ " بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ " لَوْ كَانَ شَيْئًا يَنْهَى عَنْهُ لَنَهَانَا عَنْهُ الْقُرْآنُ " وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ يُطْلِعُ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى فِعْلِنَا وَيُنْزِلُ فِي كِتَابِهِ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي قَضَايَا كَثِيرَةٍ ، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا " كُنَّا نَنْتَقِي الْكَلَامَ وَالِانْبِسَاطَ مَعَ نِسَائِنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَيْبَةَ أَنْ يَنْزِلَ فِيهَا شَيْءٌ ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمْنَا وَانْبَسَطْنَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ اسْتَدَلَّ جَابِرٌ بِالتَّقْرِيرِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ غَرِيبٌ وَكَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِدْلَال بِتَقْرِيرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّهُ مَشْرُوطٌ بِعِلْمِهِ بِذَلِكَ .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 10785)
33 - العزل عن الزّوجة والأمة هو أن يجامع الرّجل حليلته ، فإذا قارب الإنزال نزع وأنزل خارج الفرج ، وسبب ذلك : إمّا العزوف عن علوق المرأة وتكوين حمل في رحمها ، وإمّا أسباب صحّيّة تعود إلى المرأة أو إلى الجنين أو إلى الطّفل الرّضيع .
«أوّلاً : العزل عن الأمة المملوكة»
34 - ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز عزل السّيّد عن أمته مطلقاً سواء أذنت بذلك أو لم تأذن ، لأنّ الوطء حقّه لا غير ، وكذا إنجاب الولد وليس ذلك حقّاً لها .
«ثانياً : العزل عن الزّوجة الحرّة»
35 - اختلف الفقهاء فيها على رأيين :
الرّأي الأوّل : الإباحة مطلقاً أذنت الزّوجة أو لم تأذن ، إلاّ أنّ تركه أفضل وهو الرّاجح عند الشّافعيّة ، وذلك لأنّ حقّها الاستمتاع دون الإنزال ، إلاّ أنّه يستحبّ استئذانها .
الرّأي الثّاني : الإباحة بشرط إذنها ، فإن كان لغير حاجة كره ، وهو قول عمر وعليّ وابن عمر وابن مسعود ومالك ، وهو الرّأي الثّاني للشّافعيّة ، وبه قال الحنفيّة ، إلاّ أنّهم استثنوا ما إذا فسد الزّمان فأباحوه دون إذنها .
واستدلّ القائلون بالإباحة المطلقة بما روي عن جابر رضي الله عنه قال : « كنّا نعزل على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل » وفي رواية مسلم : « كنّا نعزل على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا » واستدلّ القائلون بالإباحة بشرط الاستئذان بما روى الإمام أحمد في مسنده ، وابن ماجه عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّه قال : « نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يعزل عن الحرّة إلاّ بإذنها » .
وأخرج عبد الرّزّاق والبيهقيّ عن ابن عبّاس قال : « نهى عن عزل الحرّة إلاّ بإذنها » .
وأمّا أدلّة الكراهة : إن كان العزل بدون عذر ، فلأنّه وسيلة لتقليل النّسل ، وقطع اللّذّة عن الموطوءة إذ قد حثّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم على تعاطي أسباب الولد فقال : « تناكحوا تكثروا » .
وقال : « تزوّجوا الودود الولود فإنّي مكاثر بكم الأمم » .
والعذر في العزل يتحقّق في الأمور التّالية :
أ - إذا كانت الموطوءة في دار الحرب وتخشى على الولد الكفر .
ب - إذا كانت أمةً ويخشى الرّقّ على ولده .
ج - إذا كانت المرأة يمرضها الحمل أو يزيد في مرضها .
د - إذا خشي على الرّضيع من الضّعف .
هـ- إذا فسد الزّمان وخشي فساد ذرّيّته .
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - (ج 12 / ص 90)
الإجهاض ومرض التلاسيميا
المجيب أ.د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ عشرة النساء/العزل والإجهاض وتحديد النسل
التاريخ 18/3/1424هـ
السؤال
أنا رجل متزوج وعندي طفلان أحدهما يعاني من مرض التلاسيميا، والآخر حامل له،
الطفل المصاب بهذا المرض يحدث له انخفاض في نسبة الدم ناتج عن تكسر كريات الدم الحمراء، مما يضطر الطفل المريض أن يأخذ وحدة دم كل 3 أسابيع لتعويض النقص، ونتيجة لأخذ الدم المتكرر يحدث ارتفاع في نسبة الحديد في الدم، فيحتاج المريض إلى أخذ إبرة تحت الجلد يومياً لتذويب الحديد تبقى هذه الإبرة مركبة لمدة ست ساعات يومياً على جهاز خاص، والمصاب بهذا المرض يبقى على هذه الحالة إلى ما شاء الله فليس هناك علاج لهذه الحالة، ولتجنب حدوث ولادة طفل مصاب بهذا المرض يجرى فحص أثناء الحمل تظهر نتيجته بعد80 يوماً من الحمل، السؤال هو:هل يجوز الإجهاض بعد 80 يوماً إذا تبين أن الجنين مصاب بهذا المرض؟
وهل علي من إثم إذا ما منعت زوجتي من الحمل؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
أما السؤال الأول: فنقول اتفق علماء الأمة الإسلامية على تحريم الإسقاط بعد نفخ الروح، إلا بضرورة قصوى كخوف هلاك الأم، كما اتفقوا على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة أشهر من الحمل، أما الإسقاط قبل نفخ الروح فمحل خلاف بين أهل العلم، والراجح في نظري عدم جوازه في جميع أطوار الجنين، ما لم يكن هناك سبب قوي يقتضي إسقاطه، هذا وأرى جواز الإسقاط قبل أربعة أشهر أي: قبل نفخ الروح إذا تبين أن الجنين مصاب بالمرض المذكور في السؤال أو نحوه إذا وافقت الأم على ذلك وذلك للحاجة الملحة، لا سيما وأن من العلماء من أجاز الإسقاط مطلقاً قبل نفخ الروح وهم جمهور الحنفية "ينظر حاشية ابن عابدين ج3 ص176"، لكنني كما سبق أرى عدم جواز الإسقاط في كل مراحل الجنين بدون سبب قوي، وإنما رأيت الجواز للسبب الذي ذكره السائل لا مطلقاً، أما الجواب عن السؤال الثاني وهو: هل علي من إثم إذا منعت زوجتي من الحمل؟ فنقول: يجوز استعمال ما يمنع الحمل لا ما يقطعه، لا سيما مع السبب الذي ذكر في السؤال الأول، وقد أجاز جمهور العلماء من الصحابة -رضي الله عنهم- ومن بعدهم العزل، وهو النزع بعد الإيلاج أثناء مجامعة الرجل للمرأة قرب الإنزال، مستدلين بما جاء في الصحيحين عند البخاري (5209)، ومسلم (1440)، عن جابر - رضي الله عنه- قال: كنا نعزل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- والقرآن ينزل"، ولما رواه مسلم وغيره عن جابر -رضي الله عنه- قال: كنا نعزل على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبلغ ذلك نبي الله فلم ينهنا، والله أعلم.
التوقف عن الانجاب لنصيحة الأطباء!
المجيب أ.د. سليمان بن فهد العيسى
أستاذ الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ عشرة النساء/العزل والإجهاض وتحديد النسل
التاريخ 14/2/1425هـ
السؤال
أنا متزوج ولي من الأبناء 3 أولاد وبنتان والحمد لله، وزوجتي هي ابنة عمي وقدر الله لنا بمرض أحد الأبناء وعمره الآن 13 عاماً وهو تخلف عقلي، وحسب التقارير الطبية أكد لي الأطباء أن المشكلة هي وراثية، ونصحوني وزوجتي بالتوقف عن إنجاب أطفال جدد؛ وإلا لابد من تكرر الإصابة بطفل مريض آخر، فامتنعنا لفترة ليست بالقصيرة ويقدر الله وتحمل زوجتي وتنجب لنا ابنة مصابة بنفس مشكلة أخوها والحمد لله على كل حال.
سؤالي: هل مجرد التفكير في نصيحة الأطباء بالامتناع عن الحمل معارض للقضاء والقدر؟ وإذا كان الجواب لا فما رأيكم في إنجاب المزيد من الأطفال المعاقين وخصوصاً أن من لديه أطفال معاقون يعاني بما يعانيه الطفل المعاق، ويجد نفسه لا يستطيع عمل شيء؟
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد: فالجواب أن ما ذكرته عن تقرير الأطباء من أن ما حصل لك مشكلة وراثية؛ فنقول قد تكون الوراثة سبباً - بإذن الله تعالى - وقد لا تكون، ويدل على ذلك أن أكثر أولادك والحمد لله ولدوا بحالة عقلية جيدة، وقد روي "اختاروا لنطفكم فإن العرق دساس"، انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (3401)، وروي أيضاً : "إياكم وخضراء الدمن" انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (14).
هذا ولا يظهر لي أن التفكير في نصيحة الأطباء بالإقلاع عن الحمل فيه معارضة للقضاء والقدر، ذلك أنه يجوز لك الامتناع عن الحمل بالعزل ونحوه، ولو لم يحصل لك شيء مما ذكرت في سؤالك؛ فقد روى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أنه قال: كنا نعزل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقرآن ينزل، زاد إسحاق قال سفيان - أحد رواة الحديث -: "لو كان شيئاً ينهى عنه لنهانا عنه القرآن". رواه البخاري (5209) ومسلم (1440) وروى مسلم في صحيحه (1439) عن جابر - رضي الله عنه - أن رجلاً أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن لي جارية وأنا أطوف عليها وأكره أن تحمل؛ فقال: اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها فليست الرجل ثم أتاه فقال إن الجارية قد حبلت قال : قد أخبرتك : أنه سيأيتها ما قدر لها.
هذا العزل هو النزع والإنزال خارج الفرج، أقول وبناءً على هذا فإنه يجوز لك الامتناع عن الإنجاب بالعزل أو نحوه مما هو معلوم، لا سيما وحالتك ما ذكرت، ولك أن تتزوج أخرى غير قريبة إن شئت، وعليك الإيمان بالله تبارك وتعالى وبقضائه وقدره وبأنه لا يرد حذر من قدر وأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 1 / ص 92)
حكم تنظيم النسل
تاريخ الفتوى : 24 ذو القعدة 1421
السؤال
ما حكم تنظيم النسل في الإسلام مع ذكر الأدلة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصبحه أما بعد:
فإذا كان تنظيم النسل لمصلحة شرعية اقتضته ، كإرهاق الأم بسبب الولادات المتتابعة بأن أخبرها الأطباء أن في تتابع الولادة خطرا على حياتها أو إضعافًا لبنيتها فالصحيح إن شاء الله أنه لا مانع من تنظيم النسل ، فقد ثبت بالحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه الله عنهما أنه قال: كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل . لكن الجواز مشروط بألا يكون هناك قطع كامل للنسل . والله أعلم
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 8 / ص 459)
يجوز العزل بشرط أن يكون بإذن الزوجة رقم الفتوى:1803تاريخ الفتوى:16 صفر 1420السؤال : السلام عليكم هل يجوز للمسلم القذف خارج فرج زوجته وذلك لمنع الحمل؟ جزاكم الله كل خير.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالقذف خارج فرج الزوجة هو العزل، والعزل جائز على الراجح لما في الصحيحين أن جابر رضي الله عنه كان يقول: " كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل". واشترط أهل العلم لذلك أن يكون بإذن الزوجة لأن العزل عنها قد يفوت عليها كمال الاستمتاع أو حقها في الإنجاب وكل واحد منهما حق لها، لا يجوز حرمانها منه إلا إذا رضيت بذلك. واعلم أن العزل لا يمنع حملا سيقدره الله تعالى لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابة رضوان الله عليهم لما أخبروه أنهم يعزلون عن السبي: "ما عليكم أن لا تفعلوا ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة" والحديث في الصحيحين وغيرهما عن أبي سعيد. وفي سنن أبي داود عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رجلا قال: "يا رسول الله إن لي جارية وأنا أعزل عنها وأنا أكره أن تحمل وأنا أريد ما يريد الرجل وأن اليهود تحدث أن العزل مؤودة صغرى قال كذبت يهود لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه".
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 20 / ص 273)
ليس للزوج أن يمنع امرأته من الحمل رقم الفتوى:31369تاريخ الفتوى:26 صفر 1424السؤال : هل طاعة الزوج في تحديد النسل جائزة؟ وهل يحرم الحمل بدون موافقة منه؟ علماً أنني ليس لدي صبيان لكن ثلاث بنات.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن إنجاب الأولاد هو المقصود الأهم من الزواج، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهياً شديداً ويقول: تزوجوا الودود الولود إني مكاثر الأنبياء يوم القيامة رواه أحمد وأبو داود والبيهقي عن أنس بن مالك.
وفي حديث آخر: تناكحوا تناسلوا أباهي بكم الأمم يوم القيامة رواه عبد الرزاق والبيهقي عن سعيد ابن أبي هلال.
وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها رواه الإمام أحمد وابن ماجه.
قال ابن قدامة في المغني: ولأن لها في الولد حقا، وعليها في العزل ضرر فلم يجز إلا بإذنها. جـ8صـ133.
ومما تقدم يتبين أن لك الحق في إنجاب الأولاد، وليس للزوج أن يمنعك من الحمل.
وأما لو اتفقتما على تنظيم النسل لمصلحة تربية الأولاد، أو شيء من ذلك القبيل، فإنه يجوز لما روي عن جابر رضي الله عنه قال: كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل. متفق عليه.
ويجب التنبه إلى أن قطع النسل كلية لا يجوز، إلا في حالة واحدة، وهي ما إذا أثبت الأطباء الثقات أن الحمل يعرض حياة الأم لخطر داهم، وكان قطع النسل كلية هو الوسيلة الوحيدة لتفادي هذا الخطر.
والله أعلم.(1/98)
195-7852 أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ ، عَنْ بِشْرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِشْرٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ : رَدَّ الْحَدِيثَ حَتَّى رَدَّهُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : ذُكِرَ ذَلِكَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " وَمَا ذَلِكُمْ ؟ " قَالُوا : الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الْمَرْأَةُ فَتُرْضِعُ لَهُ فَيُصِيبُ مِنْهَا ، وَيَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ مِنْهُ ، وَتَكُونُ لَهُ الْجَارِيَةُ فَيُصِيبُ مِنْهَا ، وَيَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ مِنْهُ قَالَ : فَقَالَ : " فَلَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا ذَاكُمْ ، فَإِنَّمَا هُوَ الْقَدَرُ " خَالَفَهُ إِبْرَاهِيمُ النَّخْعِيُّ (1)
196-7853 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ بِشْرٍ قَالَ : ذَكَرُوا عِنْدَهُ الْعَزْلَ ، فَقَالَ : " إِنَّمَا هُوَ الْقَدَرُ " (2)
197-7854 أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ حَسَّانَ الْمَخْزُومِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عِيَاضٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : إِنَّ لِي جَارِيَةً وَأنا أَعْزِلُ عَنْهَا ، فَقَالَ : " أَمَا إِنَّ ذَاكَ لَا يَمْنَعُ شَيْئًا أَرَادَ اللَّهُ " ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : أَشَعَرْتَ أَنَّ تِلْكَ الْجَارِيَةَ قَدْ حَمَلَتْ ؟ فَقَالَ : " أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ " (3)
__________
(1) - أخرجه مسلم برقم( 1623) والبيهقي برقم(14700) والمسند الجامع برقم(4393 )
شرح النووي على مسلم - (ج 5 / ص 164)
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا عَلَيْكُمْ إِلَّا تَفْعَلُوا مَا كَتَبَ اللَّه خَلْقَ نَسَمَة هِيَ كَائِنَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا سَتَكُونُ )
. مَعْنَاهُ مَا عَلَيْكُمْ ضَرَر فِي تَرْك الْعَزْل لِأَنَّ كُلّ نَفْس قَدَّرَ اللَّه تَعَالَى خَلْقهَا لَا بُدّ أَنْ يَخْلُقهَا سَوَاء عَزَلْتُمْ أَمْ لَا وَمَا لَمْ يُقَدِّر خَلْقهَا لَا يَقَع سَوَاء عَزَلْتُمْ أَمْ لَا . فَلَا فَائِدَة فِي عَزْلكُمْ ، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ اللَّه تَعَالَى قَدَّرَ خَلْقهَا سَبَقَكُمْ الْمَاء فَلَا يَنْفَع حِرْصكُمْ فِي مَنْع الْخَلْق .
وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلَالَة لِمَذْهَبِ جَمَاهِير الْعُلَمَاء أَنَّ الْعَرَب يَجْرِي عَلَيْهِمْ الرِّقّ كَمَا يَجْرِي عَلَى الْعَجَم وَأَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا مُشْرِكِينَ وَسُبُوا جَازَ اِسْتِرْقَاقهمْ لِأَنَّ بَنِي الْمُصْطَلِق عَرَب صُلْبِيَّة مِنْ خُزَاعَة وَقَدْ اِسْتَرَقُّوهُمْ وَوَطِئُوا سَبَايَاهُمْ وَاسْتَبَاحُوا بَيْعهنَّ وَأَخْذ فَدَائِهِنَّ . وَبِهَذَا قَالَ مَالِك وَالشَّافِعِيّ فِي قَوْله الصَّحِيح الْجَدِيد وَجُمْهُور الْعُلَمَاء وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي قَوْله الْقَدِيم لَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ الرِّقّ لِشَرَفِهِمْ وَاَللَّه أَعْلَم .
(2) -المسند الجامع برقم(4383) صحيح
(3) - صحيح(1/99)
مَا يُنَالُ مِنَ الْحَائِضِ تَأْوِيلُ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (222) سورة البقرة(1)
198-7855 أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ثَابِتٌ ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : كَانَتِ الْيَهُودُ إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ مِنْهُمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا ، وَلَمْ يُشَارِبُوهَا ، وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " افْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا الْجِمَاعَ " (2)
---------------
(1) - في ظلال القرآن - (ج 1 / ص 221)
إن المباشرة في تلك العلاقة وسيلة لا غاية . وسيلة لتحقيق هدف أعمق في طبيعة الحياة . هدف النسل وامتداد الحياة ، ووصلها كلها بعد ذلك بالله . والمباشرة في المحيض قد تحقق اللذة الحيوانية - مع ما ينشأ عنها من أذى ومن أضرار صحية مؤكدة للرجل والمرأة سواء - ولكنها لا تحقق الهدف الأسمى . فضلا على انصراف الفطرة السليمة النظيفة عنها في تلك الفترة . لأن الفطرة السليمة يحكمها من الداخل ذات القانون الذي يحكم الحياة . فتنصرف بطبعها - وفق هذا القانون - عن المباشرة في حالة ليس من الممكن أن يصح فيها غرس ، ولا أن تنبت منها حياة . والمباشرة في الطهر تحقق اللذة الطبيعية ، وتحقق معها الغاية الفطرية . ومن ثم جاء ذلك النهي إجابة عن ذلك السؤال : { ويسألونك عن المحيض . قل : هو أذى . فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن } . .
وليست المسألة بعد ذلك فوضى ، ولا وفق الأهواء والانحرافات . إنما هي مقيدة بأمر الله؛ فهي وظيفة ناشئة عن أمر وتكليف ، مقيدة بكيفية وحدود : { فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله } . .
في منبت الإخصاب دون سواه . فليس الهدف هو مطلق الشهوة ، إنما الغرض هو امتداد الحياة .
وابتغاء ما كتب الله . فالله يكتب الحلال ويفرضه؛ والمسلم يبتغي هذا الحلال الذي كتبه له ربه ، ولا ينشىء هو نفسه ما يبتغيه . والله يفرض ما يفرض ليطهر عباده ، ويحب الذين يتوبون حين يخطئون ويعودون إليه مستغفرين :
{ إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين } . .
(2) - شرح السنة برقم(313) صحيح
التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير - (ج 1 / ص 308)
227 - 227 - ( 5 ) - حَدِيثُ : { افْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا الْجِمَاعَ } قَالَهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى : { فَاعْتَزِلُوا النَّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ } هُوَ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَفِيهِ قِصَّةٌ ، وَقِيلَ : إنَّ السَّائِلَ عَنْ ذَلِكَ هُوَ أَبُو الدَّحْدَاحِ .
قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ ، وَالصَّوَابُ مَا فِي الصَّحِيحِ : أَنَّ السَّائِلَ عَنْ ذَلِكَ : أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ ، وَعَبَّادُ بْنِ بِشْرٍ ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ : { اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ } .(1/99)
مَا يَجِبُ عَلَى مَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي حَالِ حَيْضَتِهَا وَذِكْرُ اخْتِلَافِ
199-7856 أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ ، عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ : " يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ ، أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ " (1)
__________
(1) - أخرجه أبو داود برقم(2170) ونص برقم(291و372) وابن ماجة برقم(683) وأحمد برقم( 2063و2898 ) والمسند الجامع برقم( 6468) صحيح ورجح جمع وقفه
عون المعبود - (ج 5 / ص 51)
1853 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( فِي الَّذِي يَأْتِي اِمْرَأَته وَهِيَ حَائِض )
: أَيْ فِيمَنْ يُجَامِع اِمْرَأَته فِي حَالَة الْحَيْض
( قَالَ )
: أَيْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
( يَتَصَدَّق بِدِينَارٍ أَوْ نِصْف دِينَار )
: فِيهِ دَلَالَة عَلَى ثُبُوت التَّصَدُّق بِدِينَارٍ أَوْ نِصْف دِينَار لِمَنْ جَامَعَ اِمْرَأَته وَهِيَ حَائِض . قَالَ فِي السُّبُل : وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى إِيجَاب الصَّدَقَة الْحَسَن وَسَعِيد لَكِنْ قَالَا يُعْتِق رَقَبَة قِيَاسًا عَلَى مَنْ جَامَعَ فِي رَمَضَان . وَقَالَ غَيْرهمَا بَلْ يَتَصَدَّق بِدِينَارٍ أَوْ نِصْف دِينَار .
قَالَ الْخَطَّابِيّ : قَالَ أَكْثَر أَهْل الْعِلْم لَا شَيْء عَلَيْهِ ، وَزَعَمُوا أَنَّ هَذَا مُرْسَل أَوْ مَوْقُوف وَقَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : حُجَّة مَنْ لَمْ يُوجِب اِضْطِرَاب هَذَا الْحَدِيث وَأَنَّ الذِّمَّة عَلَى الْبَرَاءَة وَلَا يَجِب أَنْ يَثْبُت فِيهَا شَيْء لِمِسْكِينٍ وَلَا غَيْره إِلَّا بِدَلِيلٍ لَا مَدْفَع فِيهِ وَلَا مَطْعَن عَلَيْهِ وَذَلِكَ مَعْدُوم فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة .
قَالَ الْعَلَّامَة مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْأَمِير : أَمَّا مَنْ صَحَّ لَهُ كَابْنِ الْقَطَّان فَإِنَّهُ أَمْعَنَ النَّظَر فِي تَصْحِيحه وَأَجَابَ عَنْ طُرُق الطَّعْن فِيهِ وَأَقَرَّهُ اِبْن دَقِيق الْعِيد وَقَوَّاهُ فِي كِتَابه الْإِمَام فَلَا عُذْر لَهُ عَنْ الْعَمَل بِهِ . وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَصِحّ عِنْده كَالشَّافِعِيِّ وَابْن عَبْد الْبَرّ فَالْأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة فَلَا تَقُوم بِهِ الْحُجَّة اِنْتَهَى .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْن مَاجَهْ .
تَعْلِيقُ الْحَافِظِ ابْنِ الْقَيِّمِ :
قَالَ الْحَافِظ شَمْس الدِّين اِبْن الْقَيِّم رَحِمَهُ اللَّه : هَذَا الْحَدِيث قَدْ رَوَاهُ عَفَّان وَجَمَاعَة عَنْ شُعْبَة مَوْقُوفًا ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عَنْهُ مَوْقُوفًا ، ثُمَّ قَالَ : قِيلَ لِشُعْبَةَ : إِنَّك كُنْت تَرْفَعهُ . فَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ . وَقَالَ النَّسَائِيُّ بَعْدَمَا رَوَاهُ شُعْبَة مَوْقُوفًا : قَالَ شُعْبَة : أَنَا حِفْظِي مَرْفُوع ، وَقَالَ فُلَان وَفُلَان : إِنَّهُ كَانَ لَا يَرْفَعهُ ، فَقَالَ بَعْض الْقَوْم : يَا أَبَا بِسْطَام ، حَدَّثَنَا بِحِفْظِك وَدَعْنَا مِنْ فُلَان ، فَقَالَ : وَاَللَّه مَا أُحِبّ أَنِّي حَدَّثْت بِهَذَا أَوْ سَكَتَ عَنْ هَذَا ، وَأَنِّي عَمَّرْت فِي الدُّنْيَا عُمْر نُوح فِي قَوْمه .
وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيث سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس " أَنَّ رَجُلًا أَخْبَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَصَابَ اِمْرَأَته وَهِيَ حَائِض ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعْتِق نَسَمَة " ، وَلَهُ عِلَّتَانِ أَشَارَ إِلَيْهِمَا النَّسَائِيُّ .
إِحْدَاهُمَا : أَنَّ هَذَا الْحَدِيث يَرْوِيه الْوَلِيد بْن مُسْلِم عَنْ اِبْن جَابِر عَنْ عَلِيّ بْن بَذِيمَةَ عَنْ اِبْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس ، وَاخْتُلِفَ عَلَى الْوَلِيد ، فَرَوَاهُ عَنْهُ مُوسَى بْن أَيُّوب كَذَلِكَ ، وَخَالَفَهُ مَحْمُود بْن خَالِد ، فَرَوَاهُ عَنْ الْوَلِيد عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد السُّلَمِيّ ، قَالَ النَّسَائِيُّ : هُوَ عَبْد الرَّحْمَن بْن يَزِيد بْن تَمِيم ، ضَعِيف .
الْعِلَّة الثَّانِيَة : الْوَقْف عَلَى اِبْن عَبَّاس ، ذَكَرَهُ النَّسَائِيُّ .
وَقَالَ عَبْد الْحَقّ : حَدِيث الْكَفَّارَة فِي إِتْيَان الْحَائِض لَا يُرْوَى بِإِسْنَادٍ يُحْتَجّ بِهِ ، وَلَا يَصِحّ فِي إِتْيَان الْحَائِض إِلَّا التَّحْرِيم .
حاشية السندي على ابن ماجه - (ج 2 / ص 59)
632 - قَوْله ( بِنِصْفِ دِينَار )
وَفِي الزَّوَائِد الثَّانِيَة بِدِينَارِ أَوْ نِصْف دِينَار قِيلَ التَّخْيِير يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبّ لَكِنْ هَذَا لَوْ لَمْ تَكُنْ لِلتَّقَسُّمِ كَمَا هُوَ ظَاهِر بَعْض الرِّوَايَات الدَّالَّة عَلَى أَنَّ صُورَة التَّرْدِيد جَاءَتْ عَلَى حَسَب الْإِتْيَان فِي أَوَّل الدَّم أَوْ آخِره نَعَمْ قَدْ جَاءَ الْحَدِيث بِنَوْعِ اِضْطِرَاب فِي التَّقْدِير وَكَأَنَّهُ لِذَلِكَ قَالَ كَثِير مِنْ الْعُلَمَاء إِنَّهُ يَسْتَغْفِر اللَّه وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْل مَالِك وَأَبِي حَنِيفَة وَالْقَوْل الْجَدِيد لِلشَّافِعِيِّ وَالْحَدِيث ضَعِيف بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظ ا ه قُلْت قَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُضَعِّفهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضًا وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِلَا تَضْعِيف فَدَعْوَى الِاتِّفَاق فِي مَحَلّ النَّظَر وَقَدْ ذَكَرَ بَعْض عُلَمَائِنَا أَنَّ الْكَفَّارَة مُسْتَحَبَّة وَهُوَ أَقْرَب وَاللَّهُ أَعْلَم .
مشكل الآثار للطحاوي - (ج 9 / ص 231)
باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن أصاب امرأته وهي حائض
3577 - حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، حدثنا بكر بن خلف ، حدثنا يزيد بن زريع ، عن شعبة ، حدثنا الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض ، قال : « يتصدق بدينار أو بنصف دينار » فتأملنا هذا الحديث في إسناده لنعلم حقيقته كيف هي ؟
3578 - فوجدنا محمد بن خزيمة قد حدثنا ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، قال : حدثنا شعبة ، أخبرني الحكم ، عن عبد الحميد أمير الكوفة ، عن مقسم ، عن ابن عباس - ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم - في الذي يأتي امرأته وهي حائض ، قال : « يتصدق بدينار ، أو بنصف دينار » قال شعبة : شك الحكم فوقفنا بذلك على أن الحكم لم يكن حدث شعبة بهذا الحديث عن مقسم سماعا له منه ، وعلى أنه إنما كان أخذه عن عبد الحميد ، عن مقسم ، فدلس به ، ثم نظرنا هل روى هذا الحديث عن الحكم غير شعبة أم لا ؟
3579 - فوجدنا عبد الله بن محمد بن خشيش قد حدثنا ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم الأزدي ، حدثنا أبو عوانة ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما - ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم - في الذي يأتي امرأته وهي حائض ، قال : « يتصدق بدينار ، فإن لم يجد ، فبنصف دينار » فكان في هذا الحديث موافقة أبي عوانة شعبة فيما حدث به عنه يزيد بن زريع ، وموافقة حجاج فيما حدث به عن شعبة من إيقافه هذا الحديث على ابن عباس
3580 - ووجدنا فهدا قد حدثنا ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن الأجلح ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما - ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم - في الذي يقع على امرأته وهي حائض ، قال : « يتصدق بنصف دينار » فكان الأجلح أيضا قد وافق أبا عوانة في إسناد هذا الحديث ، عن الحكم ثم نظرنا هل رواه عن مقسم غير الحكم ؟
3581 - فوجدنا محمد بن عمرو بن يونس قد حدثنا ، قال : حدثنا أسباط بن محمد ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن مقسم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا غشي (1) امرأته وهي حائض أن يتصدق بدينار أو بنصف دينار » ثم نظرنا هل حدث قتادة سعيدا بهذا الحديث ، عن مقسم بسماعه إياه منه أو بما سوى ذلك ؟
__________
(1) الغشيان : إتيان الرجل المرأة وجماعها
3582 - فوجدنا إبراهيم بن مرزوق ، قد حدثنا ، قال : حدثنا عبادة بن صهيب ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن عبد الحميد ، عن مقسم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : « أن رجلا غشي (1) امرأته وهي حائض ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فأمره أن يتصدق بدينار أو بنصف دينار » فوقفنا بذلك على أن قتادة إنما حدث سعيدا بهذا الحديث عن مقسم تدليسا ، لا بسماعه إياه منه ثم نظرنا هل سمعه قتادة من عبد الحميد أم لا ؟
__________
(1) الغشيان : إتيان الرجل المرأة وجماعها
3583 - فوجدنا الحجاج بن عمران بن الفضل المازني البصري أبا عبد الله قد حدثنا ، حدثنا هدبة بن خالد ، حدثنا حماد بن الجعد ، عن قتادة ، عن الحكم ، عن عبد الحميد ، عن مقسم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض ؟ قال : « يتصدق بدينار أو بنصف دينار » فوقفنا بذلك على أن قتادة لم يسمعه من عبد الحميد ، فإنه إنما حدث به عن الحكم ، عن عبد الحميد ، والله أعلم أسمعه من الحكم أم لا ؟ ثم نظرنا هل رواه عن مقسم غير عبد الحميد ؟
3584 - فوجدنا الحسن بن عبد الله بن منصور البالسي قد حدثنا ، قال : حدثنا الهيثم بن جميل ح ووجدنا فهدا قد حدثنا ، قال : حدثنا محمد بن سعيد بن الأصبهاني ، قال الحسن : حدثنا شريك ، وقال فهد : أخبرنا شريك ، عن خصيف ، عن مقسم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يقع على امرأته وهي حائض ؟ قال : « يتصدق بنصف دينار »
3585 - ووجدنا محمد بن خزيمة ، قد حدثنا ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، أنبأنا خصيف الجزري ، عن مقسم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما - ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم - في الذي يغشى امرأته وهي حائض ، قال : « يتصدق بدينار أو بنصف دينار » قال أبو جعفر : فكان حديث خصيف هذا مما لم نقف على اضطراب في إسناده ، ولكنه قد وقع فيه بين حماد وبين شريك في متنه من الاختلاف ما قد ذكرناه في روايتيهما ، ورفعه شريك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووافقه حماد على ابن عباس رضي الله عنهما ثم نظرنا : هل رواه عن مقسم أحد غير من ذكرنا ؟
3586 - فوجدنا محمد بن علي بن داود قد حدثنا ، قال : حدثنا داود بن مهران الدباغ ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عبد الكريم الجزري ، عن مقسم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سفيان : أراه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إذا أتى الرجل امرأته وهي حائض في الدم العبيط تصدق بدينار ، وإن كانت صفرة ، فبنصف دينار » ووجدنا محمد بن جعفر بن محمد بن أعين البغدادي قد حدثنا ، قال : حدثنا علي بن الجعد ، أخبرنا أبو جعفر الرازي ، عن عبد الكريم بن أبي المخارق ، عن مقسم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر مثله فكان هذا الحديث قد حدث به ابن عيينة ، عن عبد الكريم الجزري وهو مقبول الرواية ، وحدث به أبو جعفر الرازي ، عن عبد الكريم بن أبي المخارق ، وهو مغمور في روايته ، وكلاهما حدث به عن مقسم ، عن ابن عباس ، وشك فيه ابن عيينة أن يكون عبد الكريم رفعه له أم لا ، ولم يشك فيه عبد الكريم أبو أمية أنه مرفوع ثم نظرنا : هل رواه عن ابن عباس غير مقسم ؟
3587 - فوجدنا الربيع بن سليمان المرادي قد حدثنا ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن تميم ، أنه سمع علي بن بذيمة الجزري ، يقول : سمعت سعيد بن جبير ، يقول : سمعت ابن عباس ، يقول : « أخبر رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أتى امرأته وهي حائض ، فأمره أن يعتق نسمة » ، قال ابن عباس : « وقيمة النسمة يومئذ دينار » فكأن هذا الحديث قد رجع إلى عبد الرحمن بن يزيد بن تميم ، وليس كمن روى هذا الحديث سواه ممن ذكرنا فيما تقدم منا في هذا الباب ، وكشفنا عن أحوال عبد الرحمن بن يزيد هذا ، فوجدنا البخاري قد ذكر أنه رجل من أهل الشام ، وأنه يحدث بأحاديث منكرات ، وأنه كان قدم الكوفة ، فكتب عنه غير واحد من أهلها ، ونسبوه إلى جابر ، فقالوا : عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، وهم يرونه عبد الرحمن بن يزيد وليس به
3588 - ووجدنا محمد بن خزيمة قد حدثنا ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن عطاء العطار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يغشى (1) امرأته وهي حائض ، قال : « يتصدق بدينار ، فإن لم يجد فبنصف دينار » وكان عطاء هذا عند أهل العلم بالإسناد هو أبو يزيد بن عطاء غير أن البخاري نسبه إلى البز ، ولم ينسبه إلى العطر ، وقد يحتمل أن يكون كان عطارا بزازا ، فنسبه قوم إلى البز ، ونسبه قوم إلى العطر ووجدنا الربيع بن سليمان المرادي قد حدثنا ، قال : حدثنا أسد ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن عطاء العطار ، ثم ذكر بإسناده مثله ثم نظرنا هل روى هذا الحديث أيضا عن عبد الحميد غير العراقيين أم لا ؟
__________
(1) الغشيان : إتيان الرجل المرأة وجماعها
3589 - فوجدنا الحسن بن عبد الله بن منصور البالسي قد حدثنا ، قال : حدثنا محمد بن كثير ، عن الأوزاعي ، عن يزيد بن أبي مالك ، عن عبد الحميد بن زيد يعني عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، ولم يتجاوز به ، قال : « كانت لعمر بن الخطاب امرأة تكره الجماع ، فكان إذا أرادها ، اعتلت بالمحيض ، فظن أنه ليس كما تقول ، فوقع عليها ، فإذا هي حائض ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمره أن يتصدق بخمسي دينار » فكان في هذا الحديث مما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتصدق به أقل مما في الأحاديث الأول ، وكانت الأحاديث الأول أولى عندنا من هذا الحديث لثبت رواتها ، ولتجاوزهم في المقدار ، يزيد بن أبي مالك ثم نظرنا هل روى هذا الحديث أيضا عن مقسم غير من ذكرنا ؟
3590 - فوجدنا فهدا قد حدثنا ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، حدثنا أبو بكر يعني ابن عياش ، عن ابن عطاء يعني يعقوب ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يقع على امرأته وهي حائض : « يتصدق بدينار أو بنصف دينار » ثم تأملنا هذا الحديث ، فوجدناه إذا ثبت ، كان الذي فيه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من وقع في السبب المذكور فيه بالصدقة بالمقدار المذكور فيها فعقلنا بذلك أن تلك الصدقة التي أمره بها قربة إلى الله عز وجل ، فاحتمل أن يكون كفارة عن ما كان منه ، واحتمل أن يكون قربة ، لا لأنها كفارة كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة عند كسوف الشمس لتكون قربة لا كفارة
3591 - كما حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : « إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تبارك وتعالى ، لا يخسفان (1) لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك ، فادعوا الله عز وجل وكبروا ، وتصدقوا » وهو أولى الاحتمالين فقال قائل : ولم كان ما تأولت في تلك الصدقة بالقربة أولى من الكفارة ؟ فكان جوابنا له في ذلك أنا وجدنا الكفارات التي أمر الله عز وجل بها في كتابه ، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم منها ما قد خلط فيه الصيام بغيره ، وهي آية جزاء الصيد ، فقال عز وجل : فجزاء مثل ما قتل من النعم (2) ، ومثلها أيضا آية الفدية في حلق المحرم رأسه من أذى ، وهي قوله : فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك (3) ومنها ما أمر به في كتابه في كفارات الأيمان عند إعواز الرقبة والكسوة والإطعام وهي قوله عز وجل : فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام (4) ، فكان ذلك صياما محولا عند الإعواز بدلا مما قبله مما ليس بصيام ، ومثل ذلك ما جعله عز وجل من الصيام بدلا عن الكفارة عن القتل الخطأ بقوله : فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين (5) ، ومثل ذلك كفارة الظهار لمن لم يجد رقبة بصوم شهرين متتابعين ، فإن لم يقدر ، أطعم ستين مسكينا ، ومثل ذلك ما بينه لنا على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في المجامع في صيامه متعمدا مما هو مثل ذلك ، فكان ما جعله الله عز وجل كفارة قد خلطه بالصيام ، أو جعل له بدلا من صيام ، وكان ما أمر به المجامع في حال الحيض لم يخلطه بصيام ، ولم يجعل صياما بدلا منه عند الإعواز ، كما أمر بالصدقة عند الوجود فعقلنا بذلك أن ما أمر به من ذكرنا للجماع في الحيض كان صدقة قربة ، لا صدقة كفارة فقال قائل : فقد رأينا المحرم يجامع في إحرامه ، فيكون عليه الدم بلا صيام معه ، وبلا صيام بدلا منه عند الإعواز له ، فما تنكرون أن تكون كذلك الصدقة التي أمر بها صلى الله عليه وسلم في الجماع في الحيض كفارة لا بدل لها فكان جوابنا له في ذلك : أن الذي ذكره من الدم في الجماع بغير بدل له من صيام وبغير مخالطة لصيام إياه إنما يقوله الكوفيون ، ولهم في ذلك مخالفون من أهل العلم ممن سواهم منهم مالك بن أنس رحمه الله كان يقول في الجماع في الإحرام : « إن فيه فدية من صيام ، أو صدقة ، أو نسك كالواجب في حلق الرأس في الإحرام من أذى » ومنهم الشافعي رحمه الله كان يقول : « إنه يوجب الدم في هذا ، ثم يقوم الدم ، فيصرف ثمنه بعد العجز عن الدم ، كما يصرف مثله في جزاء الصيد الذي يصيبه المحرم في إحرامه » وكان الذي قاله مالك بن أنس في ذلك عندنا أولى ما قيل فيه ؛ لأن الإحرام قد حرم الجماع ، وحرم حلق الرأس ، وحرم اللباس ، وكان من فعل شيئا من ذلك بلا ضرورة إليه آثما ، ومن فعله بضرورة إليه غير آثم ، وكانت الكفارات الواجبة في ذلك على الفعل لا ما سواه غير أنها إذا كانت بإصابة على ضرورة لا إثم معها ، وإذا كانت على غير ضرورة فمعها الإثم ، فكانت الكفارة واجبة للفعل لا لما سواه ، وكان قتل الصيد انتهاك حرمة من غير الأبدان ، وحلق الشعر انتهاك حرمة البدن ، فبعض أسباب البدن ببعض أسباب البدن أشبه منها بالصيد الذي ليس من أسباب البدن وإذا كان ما ذكرنا كذلك ، لم يكن فيما احتج به هذا المحتج علينا له حجة فيما احتج به علينا ، ثم نظرنا : هل تقدم هؤلاء المختلفين في هذا المعنى أحد ممن قبلهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
__________
(1) الخسوف : الخسوف للشمس وللقمر تغيرهما وذهاب ضوئهما كلا أو بعضا
(2) سورة : المائدة آية رقم : 95
(3) سورة : البقرة آية رقم : 196
(4) سورة : المائدة آية رقم : 89
(5) سورة : النساء آية رقم : 92
3592 - فوجدنا محمد بن خزيمة ، قد حدثنا ، قال : حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : أتته امرأة ، فقالت : « إني خرجت مع زوجي ، فأهللنا (1) بعمرة ، فطفت بالبيت وبين الصفا والمروة ، فوقع علي قبل أن أقصر ، فقال : شبق شديد ، فاستحيت المرأة ، فقامت ، فقال : » على المرأة فدية من صيام أو صدقة أو نسك : صيام ثلاثة أيام ، أو إطعام ثلاثة مساكين أو تنسكين نسكا ، فقالت : أي ذلك أفضل ؟ قال : النسك ، قالت : أي النسك أفضل ؟ قال : اذبحي بقرة ، أو انحري ناقة ، فقالت : أي ذلك أفضل ؟ قال : انحري ناقة « فكان ما رويناه عن ابن عباس في ذلك موافقا لما ذكرناه عن مالك سواء ، فهو أولى الأقوال عندنا في هذا الباب ، وإليه كان يذهب أحمد بن أبي عمران وبالله التوفيق
الأوسط لابن المنذر - (ج 3 / ص 51)
ذكر كفارة من أتى زوجته حائضا اختلف أهل العلم فيما على من أتى زوجته حائضا فقالت طائفة : يتصدق بدينار أو بنصف دينار روينا هذا القول عن ابن عباس وبه قال أحمد بن حنبل وقال : هو مخير في الدينار والنصف دينار
770 - حدثنا يحيى ، ثنا أحمد بن يونس ، ثنا إسرائيل ، عن خصيف ، عن مقسم ، عن ابن عباس : « في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال : يتصدق بدينار أو بنصف دينار » وفيه قول ثان : وهو أنه إن كان في فور الدم فدينار وإن كان في آخره فنصف دينار وروي هذا القول عن ابن عباس وهي الرواية الثابتة عنه وكذلك قال النخعي
771 - حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى ، ثنا أحمد بن يونس ، ثنا أبو بكر ، عن الأصلح ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس : « في الذي يقع (1) على امرأته وهي حائض قال ابن عباس : إذا كان في فور الدم فدينار وإذا كان في آخره فنصف دينار » قال : وكان إبراهيم يقول ذلك وقال إسحاق بن راهويه : معناه إذا كان الدم عبيطا فدينار وإن كان صفرة فنصف دينار وفيه قول ثالث : وهو إن كان وطأها في الدم فدينار وإن وطأها وقد طهرت من الحيض ولم تغتسل فنصف ، هذا قول الأوزاعي وقال قتادة : دينار للحائض ونصف دينار إذا أصابها قبل أن تغتسل . وفيه قول رابع : وهو أن عليه رقبة هذا قول سعيد بن جبير ، وفيه قول خامس وهو أن عليه ما على الذي يقع على أهله في رمضان كذلك قال الحسن وفيه قول سادس وهو أن لا غرم عليه في ماله ولكن يستغفر الله هذا قول عطاء ، وإبراهيم النخعي ومكحول وابن أبي مليكة والشعبي والزهري وربيعة وابن أبي الزناد وحماد بن أبي سليمان وأيوب السختياني ومالك بن أنس والليث بن سعد وسفيان الثوري والشافعي والنعمان ويعقوب قال أبو بكر : وقد احتج بعض من أوجب عليه دينارا إذا أتاها في حيضها ونصف دينار إذا أتاها وقد أدبر الدم عنها بحديث
__________
(1) وقع : جامع
772 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، أنبأ محمد بن راشد ، وابن جريج قالا : أنبا عبد الكريم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من أتى (1) امرأته حائضا فليتصدق بدينار ومن أتاها وقد أدبر الدم عنها ولم تغتسل فليتصدق بنصف دينار » وكل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال عبد الرزاق : حدثناه محمد ، عن عبد الكريم ، عن مقسم ، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم
__________
(1) أتى : جامع
773 - وحدثنا يحيى بن محمد ، ثنا مسدد ، ثنا يحيى ، عن شعبة ، قال : حدثني الحكم ، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن ، عن مقسم ، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : « في الذي يأتي (1) امرأته وهي حائض قال : » يتصدق بدينار أو بنصف دينار « وقال أبو بكر : وهذا خبر قد تكلم في إسناده رواه بعضهم عن مقسم عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا يحيى بن محمد ، عن مسدد ، قال ثنا يحيى ، عن سفيان ، عن علي بن بذيمة ، وخصيف ، عن مقسم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال بعضهم عن مقسم ، عن ابن عباس قوله . فإن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوجب ما ذكرناه وجب الأخذ به ثم لم يكن بين قبول ذلك منه في هذا الباب وبين قبولنا منه ما أوجب على الذي وقع على أهله في شهر رمضان فرق لأن الخبر إذا ثبت وجب التسليم له وإن لم يثبت الخبر ولا أحسبه يثبت فالكفارة لا يجوز إيجابها إلا أن يوجبها الله عز وجل أو يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوجبها ولا نعلم إلى هذا الوقت حجة توجب ذلك والله أعلم
__________
(1) الإتيان : الجماع
سبل السلام - (ج 1 / ص 349)
وَعَنْ " ابْنِ عَبَّاسٍ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - { عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ : يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ } رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ الْقَطَّانِ ، وَرَجَّحَ غَيْرُهُمَا وَقْفَهُ ، عَلَى " ابْنِ عَبَّاسٍ " الْحَدِيثُ فِيهِ رِوَايَاتٌ هَذِهِ إحْدَاهَا ، وَهِيَ الَّتِي خُرِّجَ لِرِجَالِهَا فِي الصَّحِيحِ ، وَرِوَايَتُهُ مَعَ ذَلِكَ مُضْطَرِبَةٌ ؛ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ : لَوْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ ثَابِتًا لَأَخَذْنَا بِهِ ، قَالَ الْمُصَنِّفُ : الِاضْطِرَابُ فِي إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ وَمَتْنِهِ كَثِيرٌ جِدًّا .
وَقَدْ ذَهَبَ إلَى إيجَابِ الصَّدَقَةِ " الْحَسَنُ " " وَسَعِيدٌ " ، لَكِنْ قَالَا : يُعْتِقُ رَقَبَةً قِيَاسًا عَلَى مَنْ جَامَعَ فِي رَمَضَانَ وَقَالَ غَيْرُهُمَا : بَلْ يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ وَزَعَمُوا أَنَّ هَذَا مُرْسَلٌ أَوْ مَوْقُوفٌ .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : حُجَّةُ مَنْ لَمْ يُوجِبْ : اضْطِرَابُ هَذَا الْحَدِيثِ ، وَأَنَّ الذِّمَّةَ عَلَى الْبَرَاءَةِ ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ فِيهَا شَيْءٌ لِمِسْكِينٍ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ لَا مَدْفَعَ فِيهِ ، وَلَا مَطْعَنَ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ مَعْدُومٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .
قُلْت : أَمَّا مَنْ صَحَّ عِنْدَهُ كَابْنِ الْقَطَّانِ فَإِنَّهُ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي تَصْحِيحِهِ ، وَأَجَابَ عَنْ طُرُقِ الطَّعْنِ فِيهِ ، وَأَقَرَّهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَقَوَّاهُ فِي كِتَابِهِ " الْإِلْمَامِ " فَلَا عُذْرَ لَهُ عَنْ الْعَمَلِ بِهِ ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ كَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ فَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ ، فَلَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ .
نيل الأوطار - (ج 2 / ص 222)
بَابُ كَفَّارَةِ مِنْ أَتَى حَائِضًا 383 - ( عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ } رَوَاهُ الْخَمْسَةُ ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد : هَكَذَا الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ " قَالَ : دِينَارٌ أَوْ نِصْفُ دِينَارٍ " وَفِي لَفْظٍ لِلتِّرْمِذِيِّ { إذَا كَانَ دَمًا أَحْمَرَ فَدِينَارٌ ، وَإِنْ كَانَ دَمًا أَصْفَرَ فَنِصْفُ دِينَارٍ } وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ فِي الْحَائِضِ تُصَابُ دِينَارًا ، فَإِنْ أَصَابَهَا وَقَدْ أَدْبَرَ الدَّمُ عَنْهَا وَلَمْ تَغْتَسِلْ فَنِصْفُ دِينَارٍ } كُلُّ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .
الشَّرْحُ
الرِّوَايَةُ الْأُولَى أَيْضًا رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيّ وَابْنَ الْجَارُودِ ، وَكُلُّ رُوَاتِهَا مُخَرَّجٌ لَهُمْ فِي الصَّحِيحِ إلَّا مِقْسَمًا الرَّاوِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَانْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ لَكِنْ مَا أَخْرَجَ لَهُ إلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا .
وَقَدْ صَحَّحَ حَدِيثَ الْبَابِ الْحَاكِمُ وَابْنُ الْقَطَّانِ وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ .
وَقَالَ أَحْمَدُ : مَا أَحْسَنَ حَدِيثَ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقِيلَ تَذْهَبُ إلَيْهِ ، فَقَالَ : نَعَمْ .
وَقَالَ أَبُو دَاوُد : وَهِيَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ ، وَرُبَّمَا لَمْ يَرْفَعْهُ شُعْبَةُ .
وَقَالَ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ : رَفَعَهُ غُنْدَرٌ .
قَالَ الْحَافِظُ : وَالِاضْطِرَابُ فِي إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ وَمَتْنِهِ كَثِيرٌ جِدًّا ، وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَطَّانَ ، وَهُوَ مِمَّنْ قَالَ بِصِحَّةِ الْحَدِيثِ إنَّ الْإِعْلَالَ بِالِاضْطِرَابِ خَطَأٌ ، وَالصَّوَابُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى رِوَايَةِ كُلِّ رَاوٍ بِحَسْبِهَا وَيَعْلَمُ مَا خَرَجَ عَنْهُ فِيهَا ، فَإِنْ صَحَّ مِنْ طَرِيقٍ قُبِلَ ، وَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يُرْوَى مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ ضَعِيفَةٍ ، فَهُمْ إذَا قَالُوا : رُوِيَ فِيهِ بِدِينَارٍ وَرُوِيَ بِنِصْفِ دِينَارٍ ، وَرُوِيَ بِاعْتِبَارِ صِفَاتِ الدَّمِ .
وَرُوِيَ دُونَ اعْتِبَارِهَا ، وَرُوِيَ بِاعْتِبَارِ أَوَّلِ الْحَيْضِ وَآخِرِهِ ، وَرُوِيَ دُونَ ذَلِكَ ، وَرُوِيَ بِخُمْسَيْ دِينَارٍ ، وَرُوِيَ بِعِتْقِ نَسَمَةٍ ، وَهَذَا عِنْد التَّدَيُّنِ وَالتَّحْقِيقِ لَا يَضُرُّهُ ، ثُمَّ أَخَذَ فِي تَصْحِيحِ حَدِيثِ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ زَعَمُوا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُرْسَلٌ أَوْ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ .
قَالَ الْخَطَّابِيّ : وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُتَّصِلٌ مَرْفُوعٌ لَكِنَّ الذِّمَمَ بَرِيئَةٌ إلَّا أَنْ تَقُومَ الْحُجَّةُ بِشُغْلِهَا .
وَيُجَابُ عَنْ دَعْوَى الِاخْتِلَافِ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ بِأَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ وَابْنَ أَبِي عَدِيٍّ رَفَعُوهُ عَنْ شُعْبَةَ ، وَكَذَلِكَ وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ وَسَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ وَالنَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ
الْخَفَّافُ .
قَالَ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ : مَنْ رَفَعَهُ عَنْ شُعْبَةَ أَجَلُّ وَأَكْثَرُ وَأَحْفَظُ مِمَّنْ وَثَّقَهُ ، وَأَمَّا قَوْلُ شُعْبَةَ أَسْنَدَهُ إلَى الْحَكَمِ مَرَّةً وَوَقَفَهُ مَرَّةً فَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ الْمَرْفُوعِ وَالْمَوْقُوفِ أَنَّ كُلًّا عِنْدَهُ ، ثُمَّ لَوْ تَسَاوَى رَافِعُوهُ مَعَ وَاقِفِيهِ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَا يَقْدَحُ فِيهِ .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ : اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْحَدِيثِ ضَعْفًا وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْأُصُولِ ، ؛ لِأَنَّ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لَيْسَتْ مُكَذِّبَةً لِلْأُخْرَى ، وَالْأَخْذُ بِالْمَرْفُوعِ أَخْذٌ بِالزِّيَادَةِ وَهِيَ وَاجِبَةُ الْقَبُولِ : قَالَ الْحَافِظُ : وَقَدْ أَمْعَنَ ابْنُ الْقَطَّانِ الْقَوْلَ فِي تَصْحِيحِ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْجَوَابِ عَنْ طُرُقِ الطَّعْنِ فِيهِ بِمَا يُرَاجِعُ مِنْهُ .
وَأَقَرَّ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ تَصْحِيحَ ابْنِ الْقَطَّانِ وَقَوَّاهُ فِي الْإِمَامِ وَهُوَ الصَّوَابُ ، فَكَمْ مِنْ حَدِيثٍ قَدْ احْتَجُّوا بِهِ فِيهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ أَكْثَرُ مِمَّا فِي هَذَا كَحَدِيثِ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَحَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا .
وَفِي ذَلِكَ مَا يَرُدُّ عَلَى النَّوَوِيِّ فِي دَعْوَاهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالتَّنْقِيحِ ؛ وَالْخُلَاصَةِ أَنَّ الْأَئِمَّةَ كُلَّهُمْ خَالَفُوا الْحُكْمَ فِي تَصْحِيحِهِ ، وَأَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ ، وَتَبِعَ النَّوَوِيُّ فِي بَعْض ذَلِكَ ابْنَ الصَّلَاحِ .
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ فَأَخْرَجَهَا مَعَ التِّرْمِذِيِّ الْبَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَأَبُو يَعْلَى وَالدَّارِمِيُّ ، بَعْضُهُمْ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ خُصَيْفٍ وَعَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ وَعَبْدِ الْكَرِيمِ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مِقْسَمٍ ، وَبَعْضُهُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ مِقْسَمٍ ، وَخُصَيْفٌ فِيهِ مَقَالٌ ، وَعَبْدُ الْكَرِيمِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ ، وَقِيلَ : مُجْمَعٌ عَلَى تَرْكِهِ ، وَعَلِيُّ بْنُ بَذِيمَةَ فِيهِ أَيْضًا مَقَالٌ .
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ فَقَدْ أَخْرَجَ نَحْوَهَا الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ .
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْهُ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ .
وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي الْكَفَّارَةِ ، فَقَالَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ : عِتْقُ رَقَبَةٍ ؛ وَقَالَ الْبَاقُونَ : دِينَارٌ أَوْ نِصْفُ دِينَارٍ عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْهُمْ فِي الْحَالِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الدِّينَارُ أَوْ نِصْفُ الدِّينَارِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ .
وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ .
وَقَالَ عَطَاءُ وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيِّ وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ وَأَبُو الزِّنَادِ وَرَبِيعَةُ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَجَمَاهِيرُ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ، بَلْ الْوَاجِبُ الِاسْتِغْفَارُ وَالتَّوْبَةُ .
وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بِمَا سَبَقَ مِنْ الْمَطَاعِنِ ، قَالُوا وَالْأَصْلُ الْبَرَاءَةُ فَلَا يُنْتَقَلُ عَنْهَا إلَّا بِحُجَّةٍ ، وَقَدْ عَرَفْتَ انْتِهَاضَ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ ، فَالْمَصِيرُ مُتَحَتِّمٌ إلَيْهَا ، وَعَرَفْتَ بِمَا أَسْلَفْنَاهُ صَلَاحِيَّتَهَا لِلْحُجِّيَّةِ وَسُقُوطِ الِاعْتِلَالَات الْوَارِدَةِ عَلَيْهَا .
قَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ أَنْ سَاقَ الْحَدِيثَ : وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْوَطْءِ قَبْلَ الْغُسْلِ .انْتَهَى .
المحلى بالآثار - (ج 1 / ص 549)
263 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ وَطِئَ حَائِضًا فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى , وَفَرْضٌ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ , وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : إنْ أَصَابَهَا فِي الدَّمِ فَيَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ , وَإِنْ كَانَ فِي انْقِطَاعِ الدَّمِ فَنِصْفُ دِينَارٍ . وَرُوِّينَا عَنْهُ أَيْضًا قَالَ : مَنْ وَطِئَ حَائِضًا فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ , وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي يَطَأُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ : يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ . وَرُوِّينَا عَنْ قَتَادَةَ : إنْ كَانَ وَاجِدًا فَدِينَارٌ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَنِصْفُ دِينَارٍ . وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ , وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ : يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ وَإِنْ شَاءَ بِنِصْفِ دِينَارٍ , وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ : يُعْتِقُ رَقَبَةً , فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا . فَأَمَّا مَنْ قَالَ : يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ فَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ } وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ هَذَا الْخَبَرِ { إنْ كَانَ الدَّمُ عَبِيطًا فَدِينَارٌ , وَإِنْ كَانَ فِيهِ صُفْرَةٌ فَنِصْفُ دِينَارٍ } وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الَّذِي يَأْتِي أَهْلَهُ حَائِضًا يَتَصَدَّقُ بِنِصْفِ دِينَارٍ } وَبِحَدِيثٍ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ { عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ - يَعْنِي الَّذِي يَعْمِدُ وَطْءَ حَائِضٍ - أَنْ يَتَصَدَّقَ بِخُمُسَيْ دِينَارٍ } وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ ثنا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ عَنْ السَّبِيعِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَبِيهِ { أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَطِئَ جَارِيَتَهُ فَإِذَا بِهَا حَائِضٌ , فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَصَدَّقْ بِنِصْفِ دِينَارٍ } وَآخَرُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ الْمَكْفُوفِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَوْطٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم { فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ } وَبِحَدِيثٍ آخَرَ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ جَابِرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ رَجُلًا أَصَابَ حَائِضًا بِعِتْقِ نَسَمَةٍ } . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَحْمُودِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ نَصًّا , وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْعِتْقَ أَوْ الصِّيَامَ أَوْ الْإِطْعَامَ بِقِيَاسِهِ عَلَى الْوَطْءِ نَهَارًا فِي رَمَضَانَ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : كُلُّ هَذَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ . أَمَّا حَدِيثُ مِقْسَمٍ فَمِقْسَمٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ , وَأَمَّا حَدِيثُ عِكْرِمَةَ , فَرَوَاهُ شَرِيكٌ عَنْ خُصَيْفٍ , وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ . وَأَمَّا حَدِيثُ الْأَوْزَاعِيِّ فَمُرْسَلٌ , وَأَمَّا حَدِيثَا عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ لَكَفَى بِهِ سُقُوطًا , فَكَيْفَ وَأَحَدُهُمَا عَنْ السَّبِيعِيِّ , وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ ؟ وَمُرْسَلٌ مَعَ ذَلِكَ , وَالْآخَرُ مَعَ الْمَكْفُوفِ , وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ ؟ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَوْطٍ وَهُوَ سَاقِطٌ . وَأَمَّا حَدِيثَا الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ فَمِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ , فَسَقَطَ جَمِيعُ الْآثَارِ فِي هَذَا الْبَابِ . وَأَمَّا قِيَاسُ الْوَاطِئِ حَائِضًا عَلَى الْوَاطِئِ فِي رَمَضَانَ فَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ . وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْآخِذِينَ بِالْآثَارِ الْوَاهِيَةِ كَحَدِيثِ حِزَامٍ فِي الِاسْتِظْهَارِ وَأَحَادِيثِ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ , وَأَحَادِيثِ الْجُعْلِ فِي الْأَنْفِ , وَحَدِيثِ الْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ , وَأَحَادِيثِ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ وَغَيْرِهَا فِي أَنْ لَا يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ حَائِضٌ وَلَا جُنُبٌ , وَبِالْأَخْبَارِ الْوَاهِيَةِ فِي أَنْ لَا يَقْرَأَ الْقُرْآنَ الْجُنُبُ , أَنْ يَقُولُوا بِهَذِهِ الْآثَارِ فَهِيَ أَحْسَنُ عَلَى عِلَّاتِهَا مِنْ تِلْكَ الصُّلْعِ الدَّبِرَةِ الَّتِي أَخَذُوا بِهَا هَهُنَا , وَلَكِنْ هَذَا يُلِيحُ اضْطِرَابَهُمْ , وَأَنَّهُمْ لَا يَتَعَلَّقُونَ بِمُرْسَلٍ وَلَا مُسْنَدٍ وَلَا قَوِيٍّ وَلَا ضَعِيفٍ إلَّا مَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ , وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ قَاسَ الْأَكْلَ فِي رَمَضَانَ , عَلَى الْوَاطِئِ فِيهِ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ أَنْ يَقِيسَ وَاطِئَ الْحَائِضِ عَلَى الْوَاطِئِ فِي رَمَضَانَ , لِأَنَّ كِلَيْهِمَا وَطِئَ فَرْجًا حَلَالًا فِي الْأَصْلِ حَرَامًا بِصِفَةٍ تَدُورُ , وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ قِيَاسَاتِهِمْ الْفَاسِدَةِ , فَإِنَّ الْوَاطِئَ أَشْبَهُ بِالْوَاطِئِ مِنْ الْآكِلِ بِالْوَاطِئِ . نَعَمْ وَمِنْ الزَّيْتِ بِالسَّمْنِ وَمِنْ الْمُتَغَوِّطِ بِالْبَائِلِ , وَمِنْ الْخِنْزِيرِ بِالْكَلْبِ وَمِنْ فَرْجِ الزَّوْجَةِ الْمُسْلِمَةِ بِيَدِ السَّارِقِ الْمَلْعُونِ , وَسَائِرِ تِلْكَ الْمَقَايِيسِ الْفَاسِدَةِ , وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ كُلُّ ذِي فَهْمٍ أَنَّهُمْ لَا النُّصُوصَ يَلْتَزِمُونَ , وَلَا الْقِيَاسَ يَتَّبِعُونَ , وَإِنَّمَا هُمْ مُقَلِّدُونَ أَوْ مُسْتَحْسِنُونَ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : وَأَمَّا نَحْنُ فَلَوْ صَحَّ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ لَأَخَذْنَا بِهِ , فَإِذْ لَمْ يَصِحَّ فِي إيجَابِ شَيْءٍ عَلَى وَاطِئِ الْحَائِضِ فَمَالُهُ حَرَامٌ , فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ حُكْمًا أَكْثَرَ مِمَّا أَلْزَمَهُ اللَّهُ مِنْ التَّوْبَةِ مِنْ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي عَمِلَ , وَالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّعْزِيرِ , لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم { مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ } وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ , وَسَنَذْكُرُ مِقْدَارَ التَّعْزِيرِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَبِهِ نَتَأَيَّدُ .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 112 / ص 82)
ل- أَثَرُ الْوَطْءِ فِي إِيجَابِ الْكَفَّارَاتِ : (1) وَطْءُ الْحَائِضِ: 67- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ الْحَائِضَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ إِنْ كَانَ الْجِمَاعُ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ، وَبِنِصْفِ دِينَارٍ إِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ، وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ: أَوْ فِي وَسَطِهِ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ دَمًا أَحْمَرَ فَدِينَارٌ، وَإِذَا كَانَ دَمًا أَصْفَرَ فَنِصْفُ دِينَارٍ [275] . وَالثَّانِي: لِلْحَنَابِلَةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ فِي قَوْلٍ، وَهُوَ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ وَطِئَ الْحَائِضَ، وَهُوَ دِينَارٌ أَوْ نِصْفُ دِينَارٍ عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ، أَيُّهُمَا < 52 > 402 أَخْرَجَ أَجْزَأَهُ، وَذَلِكَ لِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ: "يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفٍ دِينَارٍ" [276] . وَالثَّالِثُ: لِلْمَالِكِيَّةِ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَأَحْمَدِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إِلَّا التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَتَرْكُ الْعَوْدِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَمَكْحُولٍ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَغَيْرِهِمْ. وَالرَّابِعُ: لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ: إِعْتَاقُ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا [277] .
اتيان الزوجة مع الشك في الطهر
المجيب سالم بن ناصر الراكان
عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/الجديد
التاريخ 15/05/1427هـ
السؤال
تزعم زوجتي أن الحيض يأتيها 15 يوم من الشهر القمري, وأشك أنها تدرك الفرق بين الحيض وبين الصفرة والكدرة ما بعد الحيض, ولقد جامعتها وهي تقول: إنها في الحيض. ولكن بعد ذهاب دم الحيض وأنا أعتقد أنها في طهر ولكنها لا تعرف الفرق, هل هناك كفارة لما فعلت وأنا لم أجامعها إلا بعد انتهاء دم الحيض, وأنا محتار جدًّا، الرجاء النصيحة.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه، وبعد:
فالراجح من أقوال العلماء في تحديد مدة الحيض أنه لا حد لأكثره ولا لأقله، فلو استمر دم الحيض خمسة عشر يوماً، فإنه يعد حيضاً، إذا كانت المرأة مميزة لدم الحيض من الاستحاضة، وتعرف الفروق بينهما في اللون والرائحة، وعلى أية حال فمن أتى زوجته وهي حائض ظانًّا أنها طاهر، فلا شيء عليه لقوله عز وجل: "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" [البقرة:286]. وأما من أتاها عالماً بحيضها، فهو آثم، وعليه التوبة والاستغفار، ولا كفارة عليه على الصحيح، وأما الحديث الذي عند أبي داود (264)، والترمذي (137) وغيرهما عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم قال في الذي يأتي امرأته وهي حائض: "يتصدق بدينار أو بنصف دينار" ففي إسناده ضعف. والحمد لله رب العالمين.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 36 / ص 364)
حكم من أتى امرأته حال حيضها رقم الفتوى:5463تاريخ الفتوى:22 رمضان 1421السؤال : غلبتني شهوتي وجامعت زوجتي وهي في حالة الدورة الشهرية فهل علي كفارة أو إثم أفيدوني بارك الله فيكم
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فللزوج أن يستمتع بزوجته الحائض إلا أنه لا يجامعها في فرجها حتى تطهر وتغتسل من حيضها، قال تعالى: (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) [البقرة: 222] وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ قال : ما فوق الإزار" رواه أبو داود. وقال صلى الله عليه وسلم: " اصنعوا كل شيء إلا النكاح" رواه مسلم. ومن جامع زوجته وهي حائض في فرجها فقد ارتكب محرماً، تجب عليه التوبة منه، والعزم على عدم الرجوع إليه. وذهب بعض أهل العلم إلى وجوب الكفارة عليه، لما روى أبو داود والنسائي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي يأتي امرأته وهي حائض: "يتصدق بدينار أو بنصف دينار" والدينار قيمته أربعة جرامات وربع الجرام من الذهب. وذهب أكثر أهل العلم إلى عدم وجوب الكفارة لعدم ثبوت الدليل، والأصل براءة الذمة. والأحوط هو أن يتصدق إن كانت له مقدرة خروجاً من الخلاف بين أهل العلم مع التوبة والاستغفار. والله أعلم.(1/100)
20-7857 أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ : " يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ " قَالَ شُعْبَةُ : أَمَّا حِفْظِي فَمَرْفُوعٌ ، وَقَالَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ : إِنَّهُ كَانَ لَا يَرْفَعُهُ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ : يَا أَبَا بِسْطَامٍ ، حَدِّثْنَا بِحِفْظِكَ وَدَعْنَا مِنْ فُلَانٍ ، فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنِّي حَدَّثْتُ بِهَذَا وَسَكَتُّ عَنْ هَذَا ، وَأَنِّي عُمِّرْتُ فِي الدُّنْيَا عُمَرَ نُوحٍ فِي قَوْمِهِ (1)
ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ عَلَى الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِيهِ
201-7858 أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا ، عَنْ ثُمَّ ذَكَرَ عَمْرَو بْنَ قَيْسٍ عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : وَاقَعَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِنِصْفِ دِينَارٍ (2)
202-7859 أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَمَّادٌ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الشَّقَرِيِّ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فِي رَجُلٍ غَشِيَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ : " يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ ، أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ " (3)
203-7860 أَخْبَرَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَشْعَثَ ، عَنِ الْحَكَمِ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فِي الرَّجُلِ يَقَعُ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ : " يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ ، أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ " (4)
ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ عَلَى قَتَادَةَ فِيهِ
204-7861 أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ خُشَيْشُ بْنُ أَصْرَمَ النَّسَائِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا رَوْحٌ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ ، قَالَا : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ رَجُلًا ، غَشِيَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ " يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ ، أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ (5)
205-7862 أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ عَبْدَةَ ، عَنْ سَعِيدٍ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمَرَ رَجُلًا غَشِيَ امْرَأَتَهُ ، وَهِيَ حَائِضٌ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ ، أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ " أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ هِلَالٍ قَالَ : حَدَّثَنَا قَتَادَةُ ، عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، بِمِثْلِهِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ رَفَعَهُ عَبْدُ الْكَرِيمِ وَبَيَّنَهُ (6)
206-7863 أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ ، عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ ، قَالَ : " إِنْ كَانَ الدَّمُ عَبِيطًا فَدِينَارٌ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ صُفْرَةٌ فَنِصْفُ دِينَارٍ (7)
207-7864 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَامِلٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ : أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ ، عَنِ الْحَجَّاجِ ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ ، عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَطَأُ امْرَأَتَهُ ، وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ : " يَتَصَدَّقُ بِنِصْفِ دِينَارٍ " قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ : حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ ضَعِيفٌ صَاحِبُ تَدْلِيسٍ (8)
ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ عَلَى خُصَيْفٍ
208-7865 أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ الْمِصِّيصِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي خُصَيْفٌ ، عَنْ مِقْسَمٍ ، أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابَ امْرَأَتَهُ ، وَهِيَ حَائِضٌ ، فَأَمَرَهُ بِنِصْفِ دِينَارٍ " (9)
209-7866 أَخْبَرَنِي هِلَالُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَ : حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا خُصَيْفٌ ، عَنْ مِقْسَمٍ قَالَ : " كَانَ الرَّجُلُ إِذَا وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ ، وَهِيَ حَائِضٌ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنِصْفِ دِينَارٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ " (10)
210-7867 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ : حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ خُصَيْفٍ ، عَنْ مِقْسَمٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يَقَعُ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ : " يَتَصَدَّقُ بِنِصْفِ دِينَارٍ " (11)
211-7868 أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ : حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ ، عَنْ خُصَيْفٍ ، عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " إِذَا أَصَابَهَا حَائِضًا تَصَدَّقَ بِدِينَارٍ " وَقَالَ مِقْسَمٌ : " فَإِنْ أَصَابَهَا بَعْدَمَا تَرَى الطُّهْرَ فَنِصْفُ دِينَارٍ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ " (12)
__________
(1) - صحيح موقوف
(2) - أخرجه الطبراني برقم( 11857و11961 ) صحيح
(3) - صحيح
(4) - صحيح موقوف وهو أصح
(5) - صحيح
(6) - صحيح موقوف وهو أصح
(7) - صحيح
(8) - أخرجه الترمذي برقم(136) وابن ماجة برقم(694) وعبد البد الرزاق برقم(1262 و1263) وابن أبي شيبة برقم( 12371-12373) وأحمد برقم(2502) من طرق عنه صحيح
تحفة الأحوذي - (ج 1 / ص 163)
قَوْلُهُ : ( فِي الرَّجُلِ يَقَعُ عَلَى اِمْرَأَتِهِ ) أَيْ يُجَامِعُ اِمْرَأَتَهُ
( وَهِيَ حَائِضٌ ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ
( قَالَ يَتَصَدَّقُ بِنِصْفِ دِينَارٍ ) كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ، وَرُوِيَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ كَمَا سَتَقِفُ . وَالْحَدِيثُ فِي سَنَدِهِ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ يُخْطِئُ كَثِيرًا تَغَيَّرَ حِفْظُهُ مُنْذُ وَلِيَ الْقَضَاءَ بِالْكُوفَةِ ، وَفِيهِ خُصَيْفٌ وَقَدْ عَرَفْت حَالَهُ .
(9) - أخرجه الترمذي برقم(136) وابن ماجة برقم(694) وعبد البد الرزاق برقم(1262 و1263) وابن أبي شيبة برقم( 12371-12373) وأحمد برقم(2502) من طرق عنه صحيح
(10) - أخرجه الترمذي برقم(136) وابن ماجة برقم(694) وعبد البد الرزاق برقم(1262 و1263) وابن أبي شيبة برقم( 12371-12373) وأحمد برقم(2502) من طرق عنه صحيح
(11) - أخرجه الترمذي برقم(136) وابن ماجة برقم(694) وعبد البد الرزاق برقم(1262 و1263) وابن أبي شيبة برقم( 12371-12373) وأحمد برقم(2502) من طرق عنه صحيح
(12) - صحيح(1/101)
212- 7869 أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ ، عَنْ خُصَيْفٍ ، عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِنِصْفِ دِينَارٍ " قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ : " هَذَا خَطَأٌ وَشَرِيكٌ لَيْسَ بِالْحَافِظِ ، يَعْنِي حَدِيثَ سَهْلِ بْنِ صَالِحٍ "(1)
213-7870 أَخْبَرَنَا سَهْلُ بْنُ صَالِحٍ الْأَنْطَاكِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى هُوَ ابْنُ الطَّبَّاعِ قَالَ : أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ ، عَنْ خُصَيْفٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يَأْتِي أَهْلَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ : " يَتَصَدَّقُ بِنِصْفِ دِينَارٍ " (2)
214-7871 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنْ حَجَّاجٍ ، عَنْ خُصَيْفٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فِي الرَّجُلِ يُوَاقِعُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ : " إِذَا وَاقَعَ فِي الدَّمِ الْعَبِيطِ تَصَدَّقَ بِدِينَارٍ ، وَإِنْ كَانَ فِي الصُّفْرَةِ فَنِصْفُ دِينَارٍ " (3)
215- 7872 أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ تَمِيمٍ قَالَ : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَيُّوبَ ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنِ ابْنِ جَابِرٍ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ رَجُلًا أَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ " أَصَابَ امْرَأَتَهُ ، وَهِيَ حَائِضٌ فَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتِقَ نَسَمَةً " خَالَفَهُ مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ (4)
216- 7873 أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ السُّلَمِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ بَذِيمَةَ يَقُولُ : سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَتِي ، وَهِيَ حَائِضٌ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْتِقَ نَسَمَةً قَالَ ابْنَ عَبَّاسٍ : " وَقِيمَةُ النَّسَمَةِ يَوْمَئِذٍ دِينَارٌ "(5)
217-7874 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي حَرِيزٍ ، أَنَّ أَيْفَعَ ، حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَمَّنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ قَالَ : كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ : " مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ ، أَوْ صَوْمُ شَهْرٍ ، أَوْ إِطْعَامُ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا " قُلْتُ : وَمَنْ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ سَمِعَ أَذَانَ الْجُمُعَةِ ، وَلَمْ يُجَمِّعْ لَيْسَ لَهُ عُذْرٌ قَالَ : " كَذَلِكَ عِتْقُ رَقَبَةٍ " قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ : أَبُو حَرِيزٍ ضَعِيفٌ الْحَدِيثِ ، وَأَيْفَعَ لَا أَعْرِفُهُ . قَالَ حَمْزَةُ : أَبُو حَرِيزٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ قَاضِي سِجِسْتَانَ(6)
__________
(1) - صحيح
(2) - صحيح
(3) - صحيح
(4) - ضعيف
(5) - المسند الجامع برقم( 6467) صحيح
(6) - ضعيف
أبو حريز رتبته عند ابن حجر : صدوق يخطىء وأيفع ضعيف
المحلى لابن حزم - (ج 2 / ص 430)
737 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ فِطْرًا فِي رَمَضَانَ بِمَا لَمْ يُبَحْ لَهُ , إلاَّ مَنْ وَطِئَ فِي الْفَرْجِ مِنْ امْرَأَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ الْمُبَاحِ لَهُ وَطْؤُهُمَا إذَا لَمْ يَكُنْ صَائِمًا فَقَطْ ; فَإِنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ , عَلَى مَا نَصِفُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , وَلاَ يُقَدَّرُ الْقَضَاءُ , لِمَا ذَكَرْنَا
بُرْهَانُ ذَلِكَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُوجِبْ الْكَفَّارَةَ إلاَّ عَلَى وَاطِئِ امْرَأَتِهِ عَامِدًا , وَاسْمُ امْرَأَتِهِ يَقَعُ عَلَى الأَمَةِ الْمُبَاحِ وَطْؤُهَا , كَمَا يَقَعُ عَلَى الزَّوْجَةِ , وَلاَ جَمْعَ لِلْمَرْأَةِ مِنْ لَفْظِهَا ; لَكِنْ جَمْعُ الْمَرْأَةِ عَلَى نِسَاءٍ , وَلاَ وَاحِدَ لِلنِّسَاءِ مِنْ لَفْظِهِ , قَالَ تَعَالَى ? نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ بِلاَ خِلاَفٍ : الأَمَةُ الْمُبَاحَةُ , وَالزَّوْجَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى , وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ , كُلُّهُمْ ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَالَ : وَمَا أَهْلَكَكَ قَالَ : وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ , قَالَ : هَلْ تَجِدُ مَا تَعْتِقُ رَقَبَةً قَالَ : لاَ , قَالَ : فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ : لاَ , قَالَ : فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لاَ ثُمَّ جَلَسَ , فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ , فَقَالَ : تَصَدَّقْ بِهَذَا فَقَالَ : أَفْقَرَ مِنَّا فَمَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنَّا فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ , ثُمَّ قَالَ : اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ.
قال أبو محمد رحمه الله : هَكَذَا رَوَاهُ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ , وَشُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ , وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ , وَالأَوْزَاعِيُّ , وَمَعْمَرٌ , وَعِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ كُلُّهُمْ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . وَخَالَفَ أَشْهَبُ فِي هَذَا اللَّفْظِ سَائِرَ أَصْحَابِ اللَّيْثِ فَلَمْ يُوجِبْ الْكَفَّارَةَ عَلَى غَيْرِ مَنْ ذَكَرْنَا , وَقَدْ قَالَ عليه السلام : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَلاَ يَحِلُّ مَالُ أَحَدِ بِغَيْرِ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ.
وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ إيجَابُ غَرَامَةٍ لَمْ يُوجِبْهَا الْقُرْآنُ ، وَلاَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَتَعَدَّى بِذَلِكَ حُدُودَ اللَّهِ , وَيُبِيحُ الْمَالَ الْمُحَرَّمَ , وَيُشَرِّعُ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى
فإن قيل : فَلِمَ لَمْ تُوجِبُوا الْكَفَّارَةَ عَلَى كُلِّ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فِطْرًا لَمْ يُبَحْ لَهُ , بِأَيِّ شَيْءٍ أَفْطَرَ بِمَا رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ , وَابْنِ جُرَيْجٍ , وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ , كُلُّهُمْ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ,
وَمِنْ طَرِيقِ أَشْهَبَ ، عَنِ اللَّيْثِ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ , ثُمَّ اتَّفَقُوا : عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً أَفْطَرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ , فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ , أَوْ صِيَامِ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ , أَوْ إطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا فَقَالَ : لاَ أَجِدُ , فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَرَقِ تَمْرٍ , فَقَالَ : خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ أَجِدُ أَحْوَجَ إلَيْهِ مِنِّي فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ , وَقَالَ : كُلْهُ.
قلنا : لاَِنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ ، عَنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ , فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ , بِلاَ شَكٍّ , فَرَوَاهُ مَنْ ذَكَرْنَا ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مُجْمَلاً مُخْتَصَرًا , وَرَوَاهُ الآخَرُونَ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ وَأَتَوْا بِلَفْظِ الْخَبَرِ كَمَا وَقَعَ , كَمَا سُئِلَ عليه السلام , وَكَمَا أَفْتَى , وَبَيَّنُوا فِيهِ أَنَّ تِلْكَ الْقَضِيَّةَ إنَّمَا كَانَتْ وَطْئًا لاِمْرَأَتِهِ , وَرَتَّبُوا الْكَفَّارَةَ كَمَا أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَحَالَ مَالِكٌ , وَابْنُ جُرَيْجٍ , وَيَحْيَى : صِفَةَ التَّرْتِيبِ , وَأَجْمَلُوا الأَمْرَ , وَأَتَوْا بِغَيْرِ لَفْظِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَجُزْ الأَخْذُ بِمَا رَوَوْهُ مِنْ ذَلِكَ , مِمَّا هُوَ لَفْظٌ مِنْ دُونِ النَّبِيِّ عليه السلام مِمَّنْ اخْتَصَرَ الْخَبَرَ وَأَجْمَلَهُ , وَكَانَ الْفَرْضُ أَخْذُ فُتْيَا النَّبِيِّ عليه السلام كَمَا أَفْتَى بِهَا , بِنَصِّ كَلاَمِهِ فِيمَا أَفْتَى بِهِ
فإن قيل : فَإِنَّا نَقِيسُ كُلَّ مُفْطِرٍ عَلَى الْمُفْطِرِ بِالْوَطْءِ ; لاَِنَّهُ كُلُّهُ فِطْرٌ مُحَرَّمٌ قلنا : الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَاهُنَا هَذَا الْقِيَاسُ بَاطِلاً ; لاَِنَّهُ قَدْ جَاءَ خَبَرُ الْمُتَقَيِّئِ عَمْدًا , وَفِيهِ الْقَضَاءُ , وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ كَفَّارَةً. فَمَا الَّذِي جَعَلَ قِيَاسَ سَائِرِ الْمُفْطِرِينَ عَلَى حُكْمِ الْوَاطِئِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى حُكْمِ الْمُتَعَمِّدِ لِلْقَيْءِ وَالآكِلُ , وَالشَّارِبُ أَشَبَهُ بِالْمُتَعَمِّدِ لِلْقَيْءِ مِنْهُمَا بِالْوَاطِئِ ; لإِنَّ فِطْرَهُمْ كُلَّهُمْ مِنْ حُلُوقِهِمْ لاَ مِنْ فُرُوجِهِمْ , بِخِلاَفِ الْوَاطِئِ ; وَلاَِنَّ فِطْرَهُمْ كُلَّهُمْ لاَ يُوجِبُ الْغُسْلَ , بِخِلاَفِ فِطْرِ الْوَاطِئِ ; فَهَذَا أَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ , لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لاَ كَفَّارَةَ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ لِقَطْعِ صَلاَتِهِ ; وَالصَّلاَةُ أَعْظَمُ حُرْمَةً وَآكَدُ مِنْ الصِّيَامِ , فَصَارَتْ الْكَفَّارَةُ خَارِجَةً ، عَنِ الأَصْلِ ; فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَاسَ عَلَى خَبَرِهَا فَإِنْ قَالَ : إنِّي أُوجِبُ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ لِلْقَيْءِ ; لاَِنِّي أُدْخِلُهُ فِي جُمْلَةِ مَنْ أَفْطَرَ فَأُمِرَ بِالْكَفَّارَةِ , وَأَجْعَلُ هَذَا الْخَبَرَ الَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ , وَابْنُ جُرَيْجٍ , وَيَحْيَى ، عَنِ الزُّهْرِيِّ : زَائِدًا عَلَى مَا فِي خَبَرِ الْمُتَعَمِّدِ الْقَيْءَ
قلنا : هَذَا لاَزِمٌ لِكُلِّ مَنْ اسْتَعْمَلَ لَفْظَ خَبَرِ مَالِكٍ , وَابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ لاَزِمٌ لَهُ , وَإِلاَّ فَهُوَ مُتَنَاقِضٌ , وَقَدْ قَالَ بِهَذَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ.
وَرُوِيَ ، عَنْ أَبِي ثَوْرٍ , وَابْنِ الْمَاجِشُونِ , إلاَّ أَنَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا لَمْ يُكَلِّمْ إلاَّ فِي تَغْلِيبِ رِوَايَةِ سَائِرِ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ الَّتِي قَدَّمْنَا عَلَى مَا اخْتَصَرَهُ هَؤُلاَءِ فَقَطْ. وَلَيْسَ إلاَّ قَوْلُنَا أَوْ قَوْلُ مَنْ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ وَالْقَضَاءَ عَلَى كُلِّ مُفْطِرٍ , بِأَيِّ وَجْهٍ أَفْطَرَ , بِعُمُومِ رِوَايَةِ مَالِكٍ , وَابْنِ جُرَيْجٍ , وَيَحْيَى , وَبِالْقِيَاسِ جُمْلَةً عَلَى الْمُفْطِرِ بِالْوَطْءِ وَبِالْقَيْءِ.
وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ , وَالشَّافِعِيُّونَ : فَلَمْ يَتَعَلَّقُوا بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ أَصْلاً , وَلاَ بِالْقِيَاسِ , وَلاَ بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ لأَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْكَفَّارَةَ عَلَى بَعْضِ مَنْ أَفْطَرَ بِغَيْرِ الْوَطْءِ فَتَعَدَّوْا مَا رَوَاهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ , وَأَسْقَطُوا الْكَفَّارَةَ ، عَنْ بَعْضِ مَنْ أَفْطَرَ بِغَيْرِ الْوَطْءِ , مِمَّا قَدْ أَوْجَبَهَا فِيهِ غَيْرُهُمْ , فَخَالَفُوا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ , وَيَحْيَى , وَابْنُ جُرَيْجٍ ; فَخَالَفُوا كُلَّ لَفْظِ خَبَرٍ وَرَدَ فِي ذَلِكَ جُمْلَةً وَخَالَفُوا الْقِيَاسَ ; إذْ لَمْ يُوجِبُوا الْكَفَّارَةَ عَلَى بَعْضِ مَنْ أَفْطَرَ بِغَيْرِ الْوَطْءِ وَبِالْوَطْءِ , وَلَمْ يَتَّبِعُوا ظَاهِرَ الآثَارِ ; إذْ أَوْجَبُوهَا عَلَى بَعْضِ مَنْ أَفْطَرَ بِغَيْرِ الْوَطْءِ عَلَى مَا نَذْكُرُ مِنْ أَقْوَالِهِمْ بَعْدَ هَذَا ; فَلاَ يَجُوزُ إيهَامُهُمْ بِأَنَّهُمْ تَعَلَّقُوا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِشَيْءٍ مِنْ الآثَارِ , أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى مَنْ نَبَّهْنَاهُ عَلَى تَخَاذُلِ أَقْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا , فَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يَسَّرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِذِكْرِهِ مِنْ أَقْوَالِهِمْ , ثُمَّ نُعْقِبُ بِأَقْوَالِ الْحَنَفِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ , وَالشَّافِعِيِّينَ , الَّتِي لاَ مُتَعَلِّقَ لَهَا بِالْقُرْآنِ ، وَلاَ بِشَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ , وَالسُّنَنِ , لاَ صَحِيحِهَا ، وَلاَ سَقِيمِهَا , وَلاَ بِإِجْمَاعٍ , وَلاَ بِقَوْلِ صَاحِبٍ , وَلاَ بِقِيَاسٍ , وَلاَ بِرَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ , وَلاَ بِاحْتِيَاطٍ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ كَفَّارَةَ عَلَى مُفْطِرٍ فِي رَمَضَانَ بِوَطْءٍ ، وَلاَ بِغَيْرِهِ : رُوِّينَا بِأَصَحِّ إسْنَادٍ ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ : حدثنا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ , فِي رَجُلٍ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ , قَالَ : يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ وَعَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ , وَحَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ , وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ , قَالَ حَمَّادُ : عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ , وَقَالَ أَيُّوبُ , وَحَبِيبٌ وَهِشَامٌ كُلُّهُمْ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ. ثُمَّ اتَّفَقَ إبْرَاهِيمُ , وَابْنُ سِيرِينَ , فِيمَنْ وَطِئَ عَمْدًا فِي رَمَضَانَ أَنَّهُ يَتُوبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى , وَيَتَقَرَّبُ إلَيْهِ مَا اسْتَطَاعَ , وَيَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ فِيمَنْ أَكَلَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ عَامِدًا , قَالَ : يَقْضِي يَوْمًا وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ
وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ : حدثنا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ حَدَّثَنِي يَعْلَى بْنُ حَكِيمٍ قَالَ : سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ ، عَنْ رَجُلٍ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ : مَا يُكَفِّرُهُ فَقَالَ : مَا نَدْرِي مَا يُكَفِّرُهُ ذَنْبٌ أَوْ خَطِيئَةٌ , يَصْنَعُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِيهِ مَا يَشَاءُ وَيَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ
وَمِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ : حدثنا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ عَامِرِ الشَّعْبِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ : لَوْ كُنْت أَنَا لَصُمْت يَوْمًا مَكَانَهُ فَهَؤُلاَءِ : ابْنُ سِيرِينَ , وَالنَّخَعِيُّ , وَالشَّعْبِيُّ , وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : لاَ يَرَوْنَ عَلَى الْوَاطِئِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَامِدًا كَفَّارَةً
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِالْكَفَّارَةِ , ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَرْقَانَ ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ الْحَجَّاجِ الْكِلاَبِيِّ ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابُ : صَوْمُ يَوْمٍ مِنْ غَيْرِ رَمَضَانَ وَإِطْعَامُ مِسْكِينٍ يَعْدِلُ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ وَجَمَعَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ
قال أبو محمد رحمه الله : وَعَهِدْنَاهُمْ يُقَلِّدُونَ عُمَرَ فِي أَجَلِ الْعِنِّينِ , وَفِي حَدِّ الْخَمْرِ ثَمَانِينَ. وَلاَ يَصِحُّ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ ، عَنْ عُمَرَ , فَلْيُقَلِّدُوهُ هَاهُنَا ; فَهُوَ أَثْبَتُ عَنْهُ مِمَّا قَلَّدُوهُ وَلَكِنَّهُمْ مُتَحَكِّمُونَ بِالْبَاطِلِ فِي الدِّينِ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ
كَمَا رُوِّينَا ، عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ : قَرَأْت عَلَى فُضَيْلٍ ، عَنْ أَبِي حَرِيزٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَيْفَعُ قَالَ : سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَمَّنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَقَالَ : كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ : مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ , أَوْ صَوْمُ شَهْرٍ , أَوْ إطْعَامُ ثَلاَثِينَ مِسْكِينًا , وَمَنْ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ , وَسَمِعَ أَذَانَ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يَجْمَعْ , وَلَيْسَ لَهُ عُذْرٌ : كَذَلِكَ عِتْقُ رَقَبَةٍ
قال علي : وهذا قَوْلٌ لاَ نَصَّ فِيهِ , وَعَهْدُنَا بِالْحَنَفِيِّينَ يَقُولُونَ فِي مِثْلِ هَذَا إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ : مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ , فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ أَنَّهُ تَوْقِيفٌ , فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَقُولُوهُ هَاهُنَا , وَإِلاَّ فَهُمْ مُتَلاَعِبُونَ بِالدِّينِ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ
كَمَا رُوِّينَا ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ , فِي رَجُلٍ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ : يَصُومُ ثَلاَثَةَ آلاَفِ يَوْمٍ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ : أَنَا حُمَيْدٍ أَنَّهُ سَأَلَ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ ، عَنْ رَجُلٍ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ وَيَنْكِحُ فَقَالَ الْحَسَنُ : يَعْتِقُ أَرْبَعَةَ رِقَابٍ , فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَأَرْبَعٌ مِنْ الْبُدْنِ , فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ لِكُلِّ يَوْمٍ , فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ لِكُلِّ يَوْمٍ يَوْمَيْنِ
وَقَدْ ذَكَرْنَا مِثْلَ هَذَا مُرْسَلاً ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ.
وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَنِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الَّذِي وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي رَمَضَانَ : رَقَبَةٌ , ثُمَّ بَدَنَةٌ , ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ فِي الْعَرَقِ مِنْ التَّمْرِ
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ وَاقَعَ أَهْلَهُ فِي رَمَضَانَ , فَقَالَ لَهُ عليه السلام : أَعْتِقْ رَقَبَةً قَالَ : لاَ أَجِدُ , قَالَ : أَهْدِ بَدَنَةً قَالَ : لاَ أَجِدُ , قَالَ : صُمْ شَهْرَيْنِ , قَالَ : لاَ أَسْتَطِيعُ , قَالَ : أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ : لاَ أَجِدُ , فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِمِكْتَلٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ : تَصَدَّقْ بِهَذَا فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : مَا بَيْنَهُمَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا , قَالَ : كُلْهُ أَنْتَ وَعِيَالُكَ
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ : أَنَا عُمَارَةُ بْنُ مَيْمُونٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ الَّذِي وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً قَالَ : لاَ أَجِدُ , قَالَ : أَهْدِ هَدْيًا قَالَ : لاَ أَجِدُهُ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ فَإِنْ تَعَلَّلُوا فِي مُرْسَلِ سَعِيدٍ بِأَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ مَا رَوَاهُ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ سَعِيدٌ : كَذَبَ , إنَّمَا قُلْت لَهُ : تَصَدَّقْ تَصَدَّقْ : فَإِنَّ الْحَسَنَ وَقَتَادَةَ , وَعَطَاءً رَوَوْهُ أَيْضًا مُرْسَلاً وَفِيهِ الْهَدْيُ بِالْبَدَنَةِ.
قال أبو محمد رحمه الله : عَهِدْنَا بِالْحَنَفِيِّينَ , وَالْمَالِكِيِّينَ يَقُولُونَ : الْمُرْسَلُ كَالْمُسْنَدِ , وَهَذَا مُرْسَلٌ مِنْ طُرُقٍ , فَيَلْزَمُهُمْ الْقَوْلُ بِهِ ; لاَِنَّهُ زَادَ عَلَى سَائِرِ الأَحَادِيثِ ذِكْرَ الْهَدْيِ.
وَأَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ : فَإِنَّ الْبَدَنَةَ , وَالْهَدْيَ يُجْبَرُ بِهِمَا نَقْصُ الْحَجِّ ; وَلَمْ نَجِدْ شَيْئًا مِنْ الأَعْمَالِ يُجْبَرُ نَقْصُهُ بِكَفَّارَةٍ إلاَّ الْحَجَّ , وَالصَّوْمَ ; فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ لِلْهَدْيِ فِي الصَّوْمِ مَدْخَلٌ كَمَا لَهُ فِي الْحَجِّ ; وَلَكِنَّ الْقَوْمَ لاَ يَثْبُتُونَ عَلَى شَيْءٍ
وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ عِنْدَنَا أَصْلاً.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ رَجُلٍ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ عَامِدًا فَقَالَ : عَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرٍ , قُلْت : يَوْمَيْنِ قَالَ : صِيَامُ شَهْرٍ , قَالَ : فَعَدَدْت أَيَّامًا فَقَالَ : صِيَامُ شَهْرٍ
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الَّذِي يُفْطِرُ مِنْ رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا : عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرٍ
وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ : حدثنا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : عَلَيْهِ لِكُلِّ يَوْمٍ أَفْطَرَ شَهْرٌ
قَالَ عَلِيٌّ : يَحْتَمِلُ هَذَا الْقَوْلُ أَنَّهُ أَرَادَ شَهْرًا شَهْرًا ، عَنْ كُلِّ يَوْمٍ , وَيَحْتَمِلُ مَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ مِنْ أَنَّ عَلَيْهِ لِكُلِّ يَوْمٍ أَفْطَرَ شَهْرًا وَاحِدًا , وَهَذَا أَظْهَرُ وَأَوْلَى , لِتَيَقُّنِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ بِهَذَا : مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارِ قَالَ : حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الصُّوفِيُّ الْكُوفِيُّ ، حدثنا أَبُو غَسَّانَ ، حدثنا مِنْدَلٌ ، عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرٍ.
قَالَ عَلِيٌّ : مِنْدَلٌ ضَعِيفٌ , وَعَبْدُ الْوَارِثِ مَجْهُولٌ. وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ , وَيَلْزَمُ الْقَوْلُ بِهِ مَنْ لَمْ يُبَالِ بِالضُّعَفَاءِ ; لاَِنَّهُ زَائِدٌ عَلَى سَائِرِ الأَخْبَارِ , وَيَلْزَمُ أَيْضًا الْمَالِكِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ نِيَّةً وَاحِدَةً فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ تُجْزِئُ لِجَمِيعِهِ ; لاَِنَّهُ كُلُّهُ كَصَلاَةٍ وَاحِدَةٍ , وَكَيَوْمٍ وَاحِدٍ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الشَّافِعِيِّ : أَنَّ رَبِيعَةَ قَالَ : مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ عَامِدًا فَعَلَيْهِ صِيَامُ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا , لإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَخَيَّرَهُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا قَالَ الشَّافِعِيُّ : يَجِبُ عَلَى هَذَا أَنَّ مَنْ تَرَكَ صَلاَةً مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَنْ يَقْضِيَ ثَلاَثِينَ أَلْفَ صَلاَةٍ لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , وَهُوَ أَقْوَالٌ لاَ تُؤَثِّرُ كَمَا هِيَ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ :
فأما الشَّافِعِيُّونَ : فَهُمْ أَقَلُّ الثَّلاَثِ الطِّبَاقِ تَنَاقُضًا ; وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا : لاَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى مُفْطِرٍ عَمْدًا فِي رَمَضَانَ إلاَّ عَلَى مَنْ جَامَعَ إنْسَانًا , أَوْ بَهِيمَةً فِي فَرْجٍ أَوْ دُبُرٍ , فَإِنَّ مَنْ فَعَلَ هَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِالإِيلاَجِ , أَمْنَى أَمْ لَمْ يُمْنِ ; وَالْكَفَّارَةُ عِنْدَهُ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ حُمَيْدٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَرَ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمَوْطُوءَةِ كَفَّارَةً فِي أَشْهَرِ الأَقْوَالِ عَنْهُ , وَلاَ عَلَى مَنْ تَعَمَّدَ الأَكْلَ , وَالشُّرْبَ , أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ , وَلَمْ يَجْعَلْ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلاَّ الْقَضَاءَ فَقَطْ فَقَاسَ الْوَاطِئَ لاِمْرَأَةٍ مُحَرَّمَةٍ عَلَيْهِ عَلَى وَاطِئِ امْرَأَتِهِ , وَقَاسَ مَنْ أَتَى ذَكَرًا عَلَى مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ , وَقَاسَ مَنْ أَتَى بَهِيمَةً عَلَى مَنْ أَتَى أَهْلَهُ , وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْخَبَرِ. وَلَمْ يَقِسْ الآكِلَ , وَالشَّارِبَ , وَالْمُجَامِعَ دُونَ الْفَرْجِ فَيُمْنِي وَالْمَرْأَةَ الْمَوْطُوءَةَ عَلَى الْوَاطِئِ امْرَأَتَهُ , وَهَذَا تَنَاقُضٌ فَإِنْ قَالَ أَصْحَابُهُ : قِسْنَا الْجِمَاعَ عَلَى الْجِمَاعِ , وَالأَكْلَ وَالشُّرْبَ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ لِلْقَيْءِ
قلنا : فَهَلاَّ قِسْتُمْ مُجَامِعَ الْبَهِيمَةِ عَلَى مُجَامِعِ الْمَرْأَةِ فِي إيجَابِ الْحَدِّ كَمَا قِسْتُمُوهُ عَلَيْهِ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ وَهَلاَّ قِسْتُمْ الْمَرْأَةَ الْمَوْطُوءَةَ عَلَى الرَّجُلِ الْوَاطِئِ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ فَهُوَ وَطْءٌ وَاحِدٌ , هُمَا فِيهِ مَعًا وَهَلاَّ قِسْتُمْ الْمُجَامِعَ دُونَ الْفَرْجِ عَامِدًا فَيُمْنِي عَلَى الْمُجَامِعِ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ فَهَذَا أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْهُ إلَى الآكِلِ وَهَذَا تَنَاقُضٌ قَبِيحٌ فِي الْقِيَاسِ جِدًّا وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ : فَتَنَاقُضُهُمْ أَشَدُّ , وَهُوَ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْكَفَّارَةَ , وَالْقَضَاءَ عَلَى الْمُفْطِرِ بِالأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ , وَعَلَى مَنْ قَبَّلَ فَأَمْنَى ; أَوْ بَاشَرَ فَأَمْنَى ; أَوْ تَابَعَ النَّظَرَ فَأَمْنَى ; وَعَلَى مَنْ أَكَلَ , أَوْ شَرِبَ , أَوْ جَامَعَ شَاكًّا فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِذَا بِهَا لَمْ تَغْرُبْ ; وَعَلَى مَنْ نَوَى الْفِطْرَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ ، وَلاَ شَرِبَ , وَلاَ جَامَعَ , إذَا نَوَى ذَلِكَ أَكْثَرَ النَّهَارِ ; وَعَلَى الْمَرْأَةِ تَمَسُّ فَرْجَهَا عَامِدَةً فَتُنْزِلُ وَرَأَى عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُكْرَهَةِ عَلَى الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ الْقَضَاءَ , وَأَوْجَبَ عَلَى الْوَاطِئِ لَهَا الْكَفَّارَةَ ، عَنْ نَفْسِهِ وَكَفَّارَةً أُخْرَى عَنْهَا. وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا وَلَمْ يَرَ عَلَيْهَا إنْ أَكْرَهَهَا عَلَى الأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَفَّارَةً ; ، وَلاَ عَلَى الَّتِي جُومِعَتْ نَائِمَةً , وَلاَ عَلَيْهَا ، وَلاَ عَلَيْهِ عَنْهَا وَهَذَا تَنَاقُضٌ نَاهِيكَ بِهِ وَلَئِنْ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهَا فَمَا يُجْزِئُ أَنْ تُوجَبَ الْكَفَّارَةُ عَلَى غَيْرِهَا وَلَئِنْ لَمْ تَكُنْ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهَا فَأَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَجِبَ عَلَى غَيْرِهَا عَنْهَا وَأَبْطَلُوا صِيَامَ مَنْ قَبَّلَ فَأَنْعَظَ , أَوْ أَمْذَى وَلَمْ يُمْنِ أَوْ بَاشَرَ أَوْ لَمَسَ فَأَمْذَى وَلَمْ يُمْنِ. وَمَنْ نَظَرَ إلَى امْرَأَةٍ غَيْرِ عَامِدٍ لِذَلِكَ وَتَابَعَ النَّظَرَ فَأَمْذَى وَلَمْ يُمْنِ , أَوْ نَظَرَ نَظْرَةً وَلَمْ يُتَابِعْ النَّظَرَ فَأَمْنَى , وَمَنْ تَمَضْمَضَ فِي صِيَامِ نَهَارِ رَمَضَانَ فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ ، عَنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ , وَمَنْ أَكَلَ نَاسِيًا أَوْ وَطِئَ نَاسِيًا , أَوْ كَانَ ذَلِكَ وَهُوَ لاَ يُوقِنُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِذَا بِالْفَجْرِ قَدْ طَلَعَ , أَوْ كَانَ ذَلِكَ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ فَإِذَا بِهَا لَمْ تَغْرُبْ , وَمَنْ أَكَلَ شَاكًّا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ لَمْ يُوقِنْ بِأَنَّهُ طَلَعَ ، وَلاَ أَنَّهُ لَمْ يَطْلُعْ , وَمَنْ أَقَامَ مَجْنُونًا يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ أَوْ أَيَّامًا , أَوْ رَمَضَانَ كُلَّهُ , أَوْ عِدَّةَ شُهُورِ رَمَضَانَ مِنْ عِدَّةِ سِنِينَ , وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ النَّهَارِ , وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ , وَالْمُرْضِعُ تَخَافُ عَلَى رَضِيعِهَا ; وَالْمَرْأَةُ تُجَامَعُ نَائِمَةً , وَالْمُكْرَهُ عَلَى الأَكْلِ وَالشُّرْبِ , وَمَنْ صُبَّ فِي حَلْقِهِ مَاءُ وَهُوَ نَائِمٌ , وَمَنْ احْتَقَنَ , وَمَنْ اكْتَحَلَ بِكُحْلٍ فِيهِ عَقَاقِيرُ , وَمَنْ بَلَعَ حَصَاةً. وَأَوْجَبُوا عَلَى كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا الْقَضَاءَ , وَلَمْ يَرَوْا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَفَّارَةً. وَهَذَا تَنَاقُضٌ لاَ وَجْهَ لَهُ أَصْلاً , لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ. وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ , وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ , وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ , أَوْ تَابِعٍ , وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ , وَلاَ مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ ; ، وَلاَ يُعْرَفُ هَذَا التَّقْسِيمُ ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ وَقَدْ رَأَيْنَا بَعْضَ مُقَلِّدِيهِ يُوجِبُونَ عَلَى طَحَّانِي الدَّقِيقِ , وَالْحِنَّاءِ وَمُغَرْبِلِي الْكَتَّانِ وَالْحُبُوبِ : الْقَضَاءَ , وَيُبْطِلُونَ صَوْمَهُمْ , وَلاَ يُوجِبُونَ عَلَيْهِمْ فِي تَعَمُّدِ ذَلِكَ كَفَّارَةً وَيَدَّعُونَ أَنَّ هَذَا قِيَاسُ قَوْلِ مَالِكٍ وَهَذَا تَخْلِيطٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ وَيَلْزَمُهُمْ إبْطَالُ صَوْمِ كُلِّ مَنْ سَافَرَ فَمَشَى فِي غَبَرَةٍ عَلَى هَذَا وَلَمْ يُبْطِلْ صَوْمَ مَنْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فَلَمْ يُنْعِظْ ، وَلاَ أَمْذَى ، وَلاَ أَمْنَى , وَلاَ صَوْمَ مَنْ أَمْنَى مِنْ نَظَرٍ ، وَلاَ لَمَسَ , وَلاَ صَوْمَ تَطَوُّعٍ بِدُخُولِ الْمَاءِ فِي حَلْقِ فَاعِلِهِ مِنْ الْمَضْمَضَةِ , وَلاَ صَوْمَ مُتَطَوِّعٍ صُبَّ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ وَهُوَ نَائِمٌ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا أَنْ يَكُونَ أَمْرٌ وَاحِدٌ يُبْطِلُ صَوْمَ الْفَرْضِ ، وَلاَ يُبْطِلُ صَوْمَ التَّطَوُّعِ وَلَمْ يُبْطِلْ صَوْمَ مَنْ جُنَّ , أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَقَلَّ النَّهَارِ , وَهَذَا عَجَبٌ آخَرُ وَلَمْ يُبْطِلْ صَوْمَ مَنْ نَامَ النَّهَارَ كُلَّهُ , وَهَذَا عَجَبٌ زَائِدٌ ، وَلاَ نَدْرِي قَوْلَهُ فِيمَنْ نَوَى الْفِطْرَ أَقَلَّ النَّهَارِ : أَيَرَى عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَيَبْطُلُ صَوْمُهُ بِذَلِكَ أَمْ يَرَى صَوْمَهُ تَامًّا إلاَّ أَنَّهُ لاَ يَرَى فِيهِ كَفَّارَةً بِلاَ شَكٍّ وَلَمْ يُبْطِلْ الصَّوْمَ بِالْفَتَائِلِ تَتَدَخَّلُ لِدَوَاءٍ , وَلاَ نَقِفُ الآنَ عَلَى قَوْلِهِ فِي السَّعُوطِ وَالتَّقْطِيرِ فِي الآُذُنِ وَلَمْ يُبْطِلْ الصَّوْمَ بِكُحْلٍ فِي الْعَيْنِ لاَ عَقَاقِيرَ فِيهِ , وَلاَ بِمَنْ تَعَمَّدَ بَلْعَ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْنِ أَضْرَاسِهِ مِنْ الْجَذِيذَةِ وَنَحْوِهَا , وَلاَ بِمَضْغِ الْعِلْكِ , وَإِنْ اسْتَدْعَى الرِّيقَ , وَكَرِهَهُ
قال أبو محمد رحمه الله : إنْ كَانَ لاَ يُبْطِلُ الصَّوْمَ فَلِمَ كَرِهَهُ وَهَذِهِ أَقْوَالٌ لاَ نَحْتَاجُ مِنْ إبْطَالِهَا إلَى أَكْثَرَ مِنْ إيرَادِهَا وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَأَفْسَدُ الطِّبَاقِ أَقْوَالاً , وَأَسْمَجُهَا تَنَاقُضًا وَأَبْعَدُهَا ، عَنِ الْمَعْقُولِ وَهُوَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ وَالْقَضَاءَ عَلَى مَنْ وَطِئَ فِي الْفَرْجِ خَاصَّةً امْرَأَةً , حَلاَلاً لَهُ أَوْ حَرَامًا وَعَلَى الْمَرْأَةِ ، عَنْ نَفْسِهَا , وَعَلَى مَنْ أَكَلَ مَا يَغْتَذِي بِهِ , أَوْ شَرِبَ مَا يَتَغَذَّى بِهِ , أَوْ بَلَعَ لَوْزَةً خَضْرَاءَ , أَوْ أَكَلَ طِينًا إرْمِينِيًّا خَاصَّةً. وَأَبْطَلَ صَوْمَ مَنْ لاَطَ بِإِنْسَانٍ فِي دُبُرِهِ فَأَمْنَى , أَوْ بِبَهِيمَةٍ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ فَأَمْنَى , وَمَنْ بَقِيَ إلَى بَعْدَ الزَّوَالِ لاَ يَنْوِي صَوْمًا , وَمَنْ قَبَّلَ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ فَأَمْنَى , وَمَنْ لَمَسَ كَذَلِكَ فَأَمْنَى , أَوْ جَامَعَ كَذَلِكَ دُونَ الْفَرْجِ فَأَمْنَى , وَمَنْ تَمَضْمَضَ فَدَخَلَ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِصَوْمِهِ , وَمَنْ أَكَلَ , أَوْ شَرِبَ , أَوْ جَامَعَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِطُلُوعِهِ ثُمَّ عَلِمَ , وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ فَإِذَا بِهَا لَمْ تَغْرُبْ , وَمَنْ جُنَّ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ , أَوْ أَيَّامًا , أَوْ الشَّهْرَ كُلَّهُ إلاَّ سَاعَةً وَاحِدَةً مِنْهُ , وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا دَخَلَ رَمَضَانُ , حَاشَا يَوْمِ اللَّيْلَةِ الَّتِي أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِيهَا , وَالْمُرْضِعُ تَخَافُ عَلَى رَضِيعِهَا , وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فِي السَّفَرِ ثُمَّ جَامَعَ , أَوْ أَكَلَ , أَوْ شَرِبَ عَامِدًا ذَاكِرًا , وَمَنْ جَامَعَ , أَوْ أَكَلَ , أَوْ شَرِبَ عَمْدًا ثُمَّ مَرِضَ مِنْ نَهَارِهِ ذَلِكَ , أَوْ حَاضَتْ إنْ كَانَتْ امْرَأَةً , وَمَنْ أَصْبَحَ فِي رَمَضَانَ لاَ يَنْوِي صَوْمًا ثُمَّ أَكَلَ , أَوْ شَرِبَ , أَوْ جَامَعَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ , أَوْ فِي آخِرِهِ , وَالْمَرْأَةُ تُجَامَعُ وَهِيَ نَائِمَةٌ , أَوْ مَجْنُونَةٌ , أَوْ مُكْرَهَةٌ وَمَنْ احْتَقَنَ أَوْ اسْتَعَطَ أَوْ قَطَّرَ فِي أُذُنِهِ قُطُورًا وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيمَنْ قَطَّرَ فِي إحْلِيلِهِ قُطُورًا , فَمَرَّةً أَبْطَلَ صَوْمَهُ , وَمَرَّةً لَمْ يُبْطِلْهُ وَأَبْطَلَ صَوْمَ مَنْ دَاوَى جَائِفَةً بِهِ أَوْ مَأْمُومَةً بِدَوَاءٍ رَطْبٍ , وَإِلاَّ فَلاَ وَأَبْطَلَ صَوْمَ مَنْ بَلَعَ حَصَاةً عَامِدًا , أَوْ بَلَعَ جَوْزَةً رَطْبَةً أَوْ يَابِسَةً , أَوْ لَوْزَةً يَابِسَةً , وَمَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ فَوَقَعَ نُقَطٌ مِنْ الْمَطَرِ فِي حَلْقِهِ وَأَوْجَبُوا فِي كُلِّ ذَلِكَ الْقَضَاءَ وَلَمْ يَرَوْا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَفَّارَةً. وَلَمْ يُبْطِلُوا صَوْمَ مَنْ لاَطَ بِذَكَرٍ فَأَوْلَجَ إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْ ، وَلاَ صَوْمَ مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْ ، وَلاَ صَوْمَ مَنْ أَوْلَجَ فِي دُبُرِ امْرَأَةٍ إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْ وَرَأَوْا صَوْمَهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ تَامًّا صَحِيحًا لاَ قَضَاءَ فِيهِ ، وَلاَ كَفَّارَةَ وَلَمْ يُبْطِلُوا صَوْمَ مَنْ اكْتَحَلَ بِعَقَاقِيرَ أَوْ بِغَيْرِهَا , وَصَلَ إلَى الْحَلْقِ أَوْ لَمْ يَصِلْ , وَلاَ صَوْمَ مَنْ تَابَعَ النَّظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ فَأَمْنَى ; ، وَلاَ صَوْمَ مَنْ قَبَّلَ أَوْ بَاشَرَ فَأَمْذَى وَلَمْ يُمْنِ , وَلاَ صَوْمَ مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا , أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا , أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا , وَلاَ صَوْمَ مَنْ جَامَعَ أَوْ شَرِبَ , أَوْ أَكَلَ شَاكًّا فِي الْفَجْرِ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَ الْفَجْرِ , أَوْ جَامَعَ بَعْدَهُ , أَوْ شَرِبَ بَعْدَهُ. وَمَنَعَ لِلْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا أَنْ يُجَامِعَهَا " فَلَيْتَ شِعْرِي : إنْ كَانَا صَائِمَيْنِ , فَهَلاَّ أَوْجَبَ عَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةَ وَإِنْ كَانَا غَيْرَ صَائِمَيْنِ , فَلِمَ مَنَعَهُمَا ، وَلاَ أَبْطَلَ صَوْمَ مَنْ أَخْرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ طَعَامًا أَقَلَّ مِنْ حِمَّصَةٍ فَبَلَعَهُ عَامِدًا ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ.
قال أبو محمد رحمه الله : فَمَنْ أَعْجَبُ شَأْنًا , أَوْ أَقْبَحُ قَوْلاً مِمَّنْ يَرَى اللِّيَاطَةَ. وَإِتْيَانُ الْبَهِيمَةِ عَمْدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ لاَ يُنْقِضُ الصَّوْمَ وَيَرَى أَنَّ مَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ تَقْبِيلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ فَأَمْنَى فَقَدْ بَطَلَ صَوْمُهُ أَوْ مِمَّنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَكْلِ مَا يُغَذِّي وَمَا لاَ يُغَذِّي ، وَلاَ نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ هَذَا وَمِمَّنْ رَأَى أَنَّ مَنْ قَبَّلَ زَانِيَةً أَوْ ذَكَرًا أَوْ بَاشَرَهُمَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَلَمْ يُنْعِظْ , وَلاَ أَمْذَى : أَنَّ صَوْمَهُ صَحِيحٌ تَامٌّ لاَ دَاخِلَةَ فِيهِ وَمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ تَقْبِيلَهَا وَهُوَ صَائِمٌ فَأَنْعَظَ : أَنَّ صَوْمَهُ قَدْ بَطَلَ ; وَمَنْ يَرَى عَلَى مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا الْقَضَاءَ وَيُبْطِلُ صَوْمَهُ وَيَرَى أَنَّ مَنْ أَكَلَ مُتَعَمِّدًا مَا يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَضْرَاسِهِ مِنْ طَعَامِهِ أَنَّ صَوْمَهُ تَامٌّ فَهَلْ فِي الْعَجَبِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَالْعَجَبُ كُلُّهُ فِي إيجَابِهِمْ الْكَفَّارَةَ عَلَى بَعْضِ مَنْ أَفْطَرَ مِنْ غَيْرِ الْمُجَامِعِ قِيَاسًا عَلَى الْمُجَامِعِ , ثُمَّ إسْقَاطُهُمْ الْكَفَّارَةَ ، عَنْ بَعْضِ مَنْ أَفْطَرَ مِنْ غَيْرِ الْمُجَامِعِ وَكِلاَهُمَا مُفْطِرٌ , وَتَرَكُوا الْقِيَاسَ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَلْتَزِمُوا النَّصَّ وَأَوْجَبُوا الْكَفَّارَةَ عَلَى الْمُكْرَهَةِ عَلَى الْوَطْءِ , وَهِيَ غَيْرُ عَاصِيَةٍ بِذَلِكَ , وَأَسْقَطُوهَا ، عَنِ الْمُتَعَمِّدِ لِلْقُبُلِ فَيُمْذِي وَهُوَ عَاصٍ فَإِنْ قَالَ : لَيْسَ عَاصِيًا
قلنا : فَاَلَّذِي قَبَّلَ فَأَمْنَى إذَنْ لَيْسَ عَاصِيًا , فَلِمَ أَوْجَبْتُمُوهَا عَلَيْهِ وَهَذِهِ تَخَالِيطُ لاَ نَظِيرَ لَهَا ، وَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ أَصْلاً بِشَيْءٍ مِنْ الأَخْبَارِ ; لأَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْمُفَرِّطِينَ فِي الْحُكْمِ فَلَمْ يَأْخُذُوا بِرِوَايَةِ مَنْ رَوَى أَنَّ رَجُلاً أَفْطَرَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ عليه السلام بِالْكَفَّارَةِ ، وَلاَ بِرِوَايَةِ مَنْ رُوِيَ أَنَّ رَجُلاً وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ عليه السلام بِالْكَفَّارَةِ , فَيَقْتَصِرُوا عَلَيْهِ , وَلاَ قَاسُوا عَلَيْهِ كُلَّ مُفْطِرٍ وَأَسْقَطُوا الْكَفَّارَةَ عَمَّنْ تَعَمَّدَ الْفِطْرَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ , وَفِي صَوْمِ نَذْرٍ , وَفِي شَهْرَيْ الْكَفَّارَةِ , وَقَدْ صَحَّ عَنْ قَتَادَةَ إيجَابُ الْكَفَّارَةِ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ إذَا أَفْطَرَ فِيهِ عَامِدًا , وَتَرَكُوا هَاهُنَا الْقِيَاسَ ; لاَِنَّهُ صَوْمُ فَرْضٍ , وَصَوْمُ فَرْضٍ , وَتَعَمُّدُ فِطْرٍ , وَتَعَمُّدُ فِطْرٍ
فإن قيل : فَمِنْ أَيْنَ أَسْقَطْتُمْ الْكَفَّارَةَ عَمَّنْ وَطِئَ امْرَأَةً مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ فِي الْفَرْجِ وَعَنِ الْمَرْأَةِ الْمَوْطُوءَةِ بِإِكْرَاهٍ أَوْ بِمُطَاوَعَةٍ
قلنا : لإِنَّ النَّصَّ لَمْ يَرِدْ إلاَّ فِيمَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ , وَلاَ يُطْلَقُ عَلَى مَنْ وَطِئَهَا فِي غَيْرِ الْفَرْجِ اسْمُ وَاطِئٍ , وَلاَ اسْمُ مُوَاقِعٍ , وَلاَ اسْمُ مُجَامِعٍ , وَلاَ أَنَّهُ وَطِئَهَا ; ، وَلاَ أَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهَا , وَلاَ أَنَّهُ جَامَعَهَا , إلاَّ حَتَّى يُضَافَ إلَى ذَلِكَ صِلَةُ الْبَيَانِ , فَإِيجَابُ الْكَفَّارَةِ عَلَى غَيْرِ مَنْ ذَكَرْنَا مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَتَعَدِّي لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ , وَإِيجَابُ مَا لَمْ يُوجِبْهُ
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَمَوْطُوءَةٌ , وَالْمَوْطُوءَةُ غَيْرُ الْوَاطِئِ , فَالأَمْرُ فِي سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ عَنْهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ أَوْضَحُ مِنْ كُلِّ وَاضِحٍ
وَأَيْضًا : فَإِنَّ وَاطِئَ الْحَرَامِ لاَ يَصِلُ إلَى الْوَطْءِ إلاَّ بَعْدَ قَصْدٍ إلَى ذَلِكَ بِكَلاَمٍ أَوْ بَطْشٍ ، وَلاَ بُدَّ ; وَكِلاَ الأَمْرَيْنِ مَعْصِيَةٌ تُبْطِلُ الصَّوْمَ فَلَمْ يُجَامِعْ إلاَّ وَصَوْمُهُ قَدْ بَطَلَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
فإن قيل : فَإِنَّكُمْ تُوجِبُونَهَا عَلَى مَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ وَهُمَا حَائِضَانِ
قلنا : لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْجَبَهَا عَلَى مَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ جُمْلَةً , وَلَمْ يَسْأَلْهُ : أَحَائِضًا هِيَ أَمْ غَيْرَ حَائِضٍ(1/102)
مُضَاجَعَةُ الْحَائِضِ وَمُبَاشَرَتُهَا
218-7875 أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِدٌ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ : سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْأَسْوَدَ ، فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ مَرَّةٍ ذَكَرَهُ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ إِحْدَانَا تَتَّزِرَ وَهِيَ حَائِضٌ ، ثُمَّ يُبَاشِرُهَا وَرُبَّمَا " قَالَ : " يُضَاجِعُهَا " (1)
__________
(1) - صحيح
الأوسط لابن المنذر - (ج 3 / ص 43)
ذكر مباشرة الحائض والنوم معها ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض
764 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، قالت : « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أتزر ثم يباشرني (1) وأنا حائض »
__________
(1) المباشرة : الملامسة من لمس بشرة الرجل بشرة المرأة
765 - حدثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا عفان ، ثنا همام ، قال : سمعنا من يحيى بن أبي كثير قال : حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن ، أن زينب بنت أم سلمة ، حدثته قالت : حدثتني أمي ، قالت : « كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخميلة (1) فحضت فانسللت من الخميلة فقال لي : » أنفست ؟ « قلت : نعم فلبست ثياب حيضتي ودخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخميلة » وروينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال فيما يحل للرجل من امرأته حائضا ما فوق الإزار لا يطلعن إلى ما تحته حتى تطهر وقالت عائشة : تشد إزارها على أسفلها ثم يباشرها ، وبمثل هذا المعنى قال سعيد بن المسيب وشريح وعطاء وطاوس وسليمان بن يسار وقتادة ، وكان مالك بن أنس يقول : تشد إزارها ثم شأنه بأعلاها وكان الشافعي يقول : دلت السنة على اعتزال ما تحت الإزار وإباحة ما فوقه ورخص أحمد وإسحاق وأبو ثور في مباشرتها ، وروينا عن علي وابن عباس رضي الله عنهما قالا : ما فوق الإزار وعن أم سلمة أنها أباحت مضاجعة الحائض إذا كان على فرجها خرقة
__________
(1) الخميل والخَمِيلة : القطيفة ذات الأهداب
766 - حدثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا القعنبي ، عن مالك ، عن نافع ، أن عبد الله بن عمر أرسل إلى عائشة يسألها : « هل يباشر الرجل امرأته وهي حائض ؟ قالت : تشد إزارها على أسفلها ثم يباشرها إن شاء »
767 - حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أبي إسحاق ، عن عاصم البجلي : « أن نفرا من أهل الكوفة أتوا عمر بن الخطاب فسألوه عما يحل للرجل من امرأته حائضا قال : فأما ما يحل للرجل من امرأته حائضا قال : ما فوق الإزار (1) لا يطلعن على ما تحته حتى تطهر »
__________
(1) الإزار : ثوب يحيط بالنصف الأسفل من البدن
768 - حدثنا موسى ، ثنا أبو بكر ، ثنا ابن علية ، عن خالد ، عن عكرمة ، عن أم سلمة : « في مضاجعة الحائض إذا كان على فرجها خرقة » حدثنا موسى بن هارون ، ثنا أبو بكر ، ثنا عبد الأعلى ، عن برد ، عن مكحول ، عن علي ، قال : « ما فوق الإزار » حدثنا موسى ، ثنا أبو بكر ، ثنا ابن إدريس ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : « ما فوق الإزار » ورخصت طائفة لزوج الحائض إتيانها دون الفرج وروينا هذا القول عن عكرمة والشعبي وعطاء ، وقال الحكم : لا بأس أن يضعه على الفرج ولا يدخله ، وقال الحسن : أن يلعب على بطنها وبين فخذيها وقال سفيان الثوري : لا بأس أن يباشرها زوجها إذا أنقى موضع الدم ، وقال أحمد : ما دون الجماع ، وقال إسحاق : لو جامعها دون الفرج فأنزل لم يكن به بأس وقال النخعي : إن أم عمران لتعلم أني أطعن بين أليتيها وهي حائض . قال أبو بكر : الأعلى والأفضل اتباع السنة واستعمالها ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة رحمها الله أن تتزر ثم يباشرها وهي حائض ولا يحرم وعندي أن يأتيها دون الفرج إذا أنقى موضع الأذى ، والفرج بالكتاب وباتفاق أهل العلم محرم في حال الحيض وسائر البدن إذا اختلفوا فيه على الإباحة التي كانت قبل أن تحيض ، وغير جائز تحريم غير الفرج إلا بحجة ولا حجة مع من منع ذلك قال الله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن (1) إلى قوله فأتوهن من حيث أمركم الله فقال غير واحد من علماء الناس من حيث أمركم الله أن يعتزلوهن في حال الحيض والمباح منها بعد أن تطهر هو الممنوع منها قبل الطهارة والفرج محرم في حال الحيض بالكتاب والإجماع ، وسائر البدن على الإباحة التي كانت قبل الحيض
__________
(1) سورة : البقرة آية رقم : 222
شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 478)
فِيهِ جَوَاز النَّوْم مَعَ الْحَائِض وَالِاضْطِجَاع مَعَهَا فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ ، إِذَا كَانَ هُنَاكَ حَائِل يَمْنَع مِنْ مُلَاقَاة الْبَشَرَة فِيمَا بَيْن السُّرَّة وَالرُّكْبَة ، أَوْ يَمْنَع الْفَرْج وَحْده ، عِنْد مَنْ لَا يُحَرِّم إِلَّا الْفَرْج . قَالَ الْعُلَمَاء : لَا تُكْرَه مُضَاجَعَة الْحَائِض وَلَا قُبْلَتهَا ، وَلَا الِاسْتِمْتَاع بِهَا فِيمَا فَوْق السُّرَّة وَتَحْت الرُّكْبَة ، وَلَا يُكْرَه وَضْع يَدهَا فِي شَيْء مِنْ الْمَائِعَات ، وَلَا يُكْرَه غَسْلهَا رَأْس زَوْجهَا أَوْ غَيْره مِنْ مَحَارِمهَا وَتَرْجِيله ، وَلَا يُكْرَه طَبْخهَا وَعَجْنهَا ، وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الصَّنَائِع ، وَسُؤْرهَا وَعَرَقُهَا طَاهِرَانِ ، وَكُلّ هَذَا مُتَّفَق عَلَيْهِ ، وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَام أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد بْن جَرِير فِي كِتَابه فِي مَذَاهِب الْعُلَمَاء وَإِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذَا كُلّه . وَدَلَائِله مِنْ السُّنَّة ظَاهِرَة مَشْهُورَة . وَأَمَّا قَوْل اللَّه تَعَالَى : { فَاعْتَزِلُوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ } فَالْمُرَاد اِعْتَزِلُوا وَطْأَهُنَّ ، وَلَا تَقْرَبُوا وَطْأَهُنَّ . وَاللَّهُ أَعْلَم .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 13998)
«مضاجعة الحائض»
5 - نصّ الشّافعيّة على أنّه لا يجتنب الزّوج مضاجعة زوجته الحائض إذا سترت ما بين السرّة والركبة .
قال الشّيرازي : هذا متّفق عليه , قال : وقد نقل ابن جريرٍ إجماع المسلمين على هذا , ودلائله في الأحاديث الصّحيحة ظاهرة مشهورة , منها قوله صلّى اللّه عليه وسلّم : « اصنعوا كلّ شيءٍ إلا النّكاح » , وقد تظاهرت الأحاديث الصّحيحة بمعناه , مع الإجماع . وينظر التّفصيل في مصطلح : « حيض ف 42 » .(1/103)
مُؤَاكَلَةُ الْحَائِضُ وَالشُّرْبُ مِنْ سُؤْرِهَا وَالِانْتِفَاعُ بِفَضْلِهَا
219-7876 أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، فِي حَدِيثِهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ : أَخْبَرَنِي الْمِقْدَامُ قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي ، يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ تَقُولُ : " كُنْتُ أَشْرَبُ وَأنا حَائِضٌ ، ثُمَّ يَأْخُذُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَضَعُ فَمَهُ عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي شَرِبْتُ ، وَكُنْتُ أَتَعَرَّقُ فَيَأْخُذُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَضَعُ فَمَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ "(1)
--------------
(1) - أخرجه مسلم برقم(718) ونص برقم(284) وأحمد برقم(26341)
نيل الأوطار - (ج 2 / ص 231)
بَاب سُؤْرِ الْحَائِضِ وَمُؤَاكَلَتِهَا 386 - ( عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { كُنْتُ أَشْرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ فَأُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِي فَيَشْرَبُ ، وَأَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ وَأَنَا حَائِضٌ فَأُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِي } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ ) .
الشَّرْحُ
قَوْلُهُ : ( أَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ ) الْعَرْقُ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَرَاءٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَهَا قَافٌ : الْعَظْمَ ، وَتَعَرَّقَهُ : أَكَلَ مَا عَلَيْهِ مِنْ اللَّحْمِ ، ذُكِرَ مَعْنَى ذَلِكَ فِي الْقَامُوسِ .
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رِيقَ الْحَائِضِ طَاهِرٌ وَلَا خِلَافَ فِيهِ فِيمَا أَعْلَمُ ، وَعَلَى طَهَارَةِ سُؤْرِهَا مِنْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا .
387 - ( وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَنْ مُؤَاكَلَةِ الْحَائِضِ قَالَ : وَاكِلْهَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ ) .
الْحَدِيثُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ .
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُد ، رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ ، وَإِنَّمَا غَرَّبَهُ التِّرْمِذِيُّ ؛ لِأَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ الْعَلَاءُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ عَنْ عَمِّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ .
وَفِي الْبَابِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ : { اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ } وَهُوَ شَاهِدٌ لِصِحَّةِ حَدِيثِ الْبَابِ ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ السَّابِقُ .
قَالَ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ الْبَابِ : لَمَّا اُعْتُضِدَ بِهِ ارْتَقَى فِي مَرَاتِبِ التَّحْسِينِ إلَى مَرْتَبَةٍ لَمْ تَكُنْ لَهُ لَوْلَاهُ .
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ مُؤَاكَلَةِ الْحَائِضِ .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ يَرَوْا بِمُؤَاكَلَةِ الْحَائِضِ بَأْسًا .
قَالَ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ فِي شَرْحِهِ : وَهَذَا مِمَّا أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ ، وَهَكَذَا نَقَلَ الْإِجْمَاعَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ .
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى - { فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ } - فَالْمُرَادُ اعْتَزِلُوا وَطْأَهُنَّ .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 8402)
سؤر
التّعريف :س
1 - السّؤر لغةً : بقيّة الشّيء ، وجمعه أسآر ، وأسأر منه شيئاً أبقى ، وفي الحديث « إذا شربتم فأسئروا أي أبقوا شيئاً من الشّراب في قعر الإناء » ، وفي حديث الفضل بن عبّاس « ما كنت أوثر على سؤرك أحداً » .
ورجل سأر أي يبقي في الإناء من الشّراب.
ويقال : سأر فلان من طعامه وشرابه سؤراً وذلك إذا أبقى بقيّةً.
وبقيّة كلّ شيء سؤره.
والسّؤر في الاصطلاح هو : فضلة الشّرب وبقيّة الماء الّتي يبقيها الشّارب في الإناء ، أو في الحوض ، ثمّ استعير لبقيّة الطّعام أو غيره.
قال النّوويّ : ومراد الفقهاء بقولهم : سؤر الحيوان طاهر أو نجس : لعابه ورطوبة فمه.
الحكم التّكليفيّ
2 - اختلف الفقهاء في أحكام الأسآر على اتّجاهين
أحدها : يذهب إلى طهارة الأسآر ، وهو مذهب المالكيّة.
والآخر : مذهب الجمهور الّذين يرون طهارة بعض الأسآر ونجاسة بعضها.
والتّفصيل كما يلي
3 - ذهب الحنفيّة إلى تقسيم الأسآر إلى أربعة أنواع
النّوع الأوّل : سور متّفق على طهارته وهو سؤر الآدميّ بجميع أحواله مسلماً كان أو كافراً، صغيراً كان أو كبيراً ، ذكراً أو أنثى ، طاهراً أو نجساً حائضاً أو نفساء أو جنباً.
« وقد أتي عليه الصلاة والسلام بلبن فشرب بعضه وناول الباقي أعرابيّاً كان على يمينه فشرب ، ثمّ ناوله أبا بكر رضي الله عنه فشرب ، وقال : الأيمن فالأيمن » .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : « كنت أشرب وأنا حائض ، ثمّ أناوله النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في فيشرب » .
ولأنّ سؤر الآدميّ متحلّب من لحمه ، ولحمه طاهر ، فكان سؤره طاهراً ، إلاّ في حال شرب الخمر فيكون سؤره نجساً ، لنجاسة فمه بالخمر.
ومن النّوع الأوّل المتّفق على طهارته سؤر ما يؤكل لحمه من الأنعام والطّيور إلاّ الجلّالة والدّجاجة المخلّاة ، لما روي « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم توضّأ بسؤر بعير أو شاة » ولأنّ سؤره متولّد من لحمه ولحمه طاهر.
أمّا سؤر الجلّالة والدّجاجة المخلّاة وهي الّتي تأكل النّجاسات حتّى أنتن لحمها فيكره استعماله لاحتمال نجاسة فمها ومنقارها.
وإذا حبست حتّى يذهب نتن لحمها فلا كراهة في سؤرها.
وأمّا سؤر الفرس فطاهر على قول أبي يوسف ومحمّد ، وظاهر الرّواية عن أبي حنيفة ، وهو الصّحيح ، لأنّ سؤره متحلّب من لحمه ، ولحمه طاهر ، ولأنّ كراهة لحمه عنده ليست لنجاسته بل لاحترامه ، لأنّه آلة الجهاد وإرهاب العدوّ ، وذلك منعدم في سؤره فلا يؤثّر فيه.
ويرى أبو حنيفة في رواية أخرى عنه أنّ سؤره نجس بناءً على الرّواية الأخرى عنه بنجاسة لحمه.
ومن هذا النّوع : ما ليس له نفس سائلة أي دم سائل ، سواء كان يعيش في الماء أو في غيره فسؤره طاهر.
النّوع الثّاني : السّؤر الطّاهر المكروه وهو سؤر سباع الطّير كالبازي والصّقر والحدأة ونحوها فسؤرها طاهر ، لأنّها تشرب بمنقارها وهو عظم جافّ فلم يختلط لعابها بسؤرها ، ولأنّ صيانة الأواني عنها متعذّرة ، لأنّها تنقضّ من الجوّ فتشرب ، إلاّ أنّه يكره سؤرها ، لأنّ الغالب أنّها تتناول الجيف والميتات فأصبح منقارها في معنى منقار الدّجاجة المخلّاة.
وروي عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنّ سباع الطّير إن كان لا يتناول الميتات مثل البازي الأهليّ ونحوه فلا يكره الوضوء بسؤره.
ومن هذا النّوع سؤر سواكن البيوت كالفأرة والحيّة والوزغة والعقرب ونحوها من الحشرات الّتي لها دم سائل ، لأنّه يتعذّر صون الأواني منها.
ومن هذا النّوع أيضاً : سؤر الهرّة فهو طاهر ولكنّه مكروه لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « السّنّور سبع » .
ولقوله صلى الله عليه وسلم « يغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرّات أولاهنّ أو آخرهنّ بالتّراب ، وإذا ولغت فيه الهرّة غسل مرّةً » .
والمعنى في كراهة سؤر الهرّة من وجهين أحدهما ما ذكره الطّحاويّ : وهو أنّ الهرّة نجسة لنجاسة لحمها ، وسؤرها نجس مختلط بلعابها المتولّد من لحمها النّجس ، ولكن سقطت نجاسة سؤرها اتّفاقاً ، لعلّة الطّواف المنصوصة في قوله صلى الله عليه وسلم : « إنّما هي من الطّوّافين عليكم أو الطّوّافات » .
حيث إنّها تدخل المضائق وتعلو الغرف فيتعذّر صون الأواني منها.
ولمّا سقط حكم النّجاسة من سؤرها لضرورة الطّواف بقيت الكراهة ، لعدم تحاميها النّجاسة ولإمكان التّحرّز عنها في الجملة.
والثّاني : ما ذكره الكرخيّ وهو أنّ الهرّة ليست بنجسة - وإلى هذا ذهب أبو يوسف - لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نفى عنها النّجاسة بقوله : « إنّها ليست بنجس » .
ولكن يكره سؤرها لتوهّم أخذها الفأرة فصار فمها كيد المستيقظ من نومه.
فلو أكلت الفأرة ثمّ شربت الماء قال أبو حنيفة : إن شربته على الفور تنجّس الماء ، وإن مكثت ساعةً ولحست فمها ثمّ شربت فلا يتنجّس بل يكره.
وقال أبو يوسف ومحمّد : يتنجّس الماء بناءً على ما ذكراه في سؤر شارب الخمر ، وهو أنّ صبّ الماء شرط في التّطهير عند أبي يوسف ولم يوجد ، وإنّ ما سوى الماء من المائعات ليس بطهور عند محمّد.
النّوع الثّالث : السّؤر النّجس المتّفق على نجاسته في المذهب وهو سؤر الكلب والخنزير وسائر سباع البهائم.
أمّا الخنزير فلأنّه نجس العين لقوله تعالى : «فَإنَّهُ رِجْسٌ» الآية.
ولعابه يتولّد من لحمه النّجس.
وأمّا الكلب فلأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الإناء من ولوغه سبع مرّات ، ولسانه يلاقي الماء أو ما يشربه من المائعات الأخرى دون الإناء فكان أولى بالنّجاسة ، ولأنّه يمكن الاحتراز عن سؤرهما وصيانة الأواني عنهما ، ولأنّ « النّبيّ صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن الماء وما ينوبه من السّباع ؟ قال : إذا كان الماء قلّتين فإنّه لا ينجس » .
ولو كانت طاهرةً لم يحدّه بالقلّتين.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 25 / ص 15)
حكم مصافحة الجنب رقم الفتوى:37209تاريخ الفتوى:14 رجب 1424السؤال : الحمد لله وبعد
فقد ثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم من أمثال أبي هريرة وجابر وغيرهم أنهم كانوا يكرهون مجالسة الجنب، بل منهم من كان يتنحى عنه حتى بين لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأن المؤمن لا ينجس، وفي رواية لمسلم، والسؤال ما قول الفقهاء في حكم مصافحة الجنب ومن في حكمه؟ بالتفصيل وبيان الراجح، وبالله التوفيق.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اتفق الأئمة على أن بدن الجنب طاهر، وعرقه طاهر، والثوب الذي يكون فيه عرقه طاهر، وكل ذلك بلا نزاع بين الأئمة.
وكذلك الحائض والنفساء بدنهما طاهر وعرقهما طاهر، وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أذن للرجل في مباشرة زوجته الحائض، وفي صحيح البخاري وغيره : كان يأمرني -أي النبي صلى الله عليه وسلم - فأتزر فيباشرني وأنا حائض، وكان يخرج رأسه إلي وهو معتكف، فأغسله وأنا حائض . وكان صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجر عائشة وهي حائض، فيقرأ القرآن. متفق عليه.
وفي صحيح مسلم عن عائشة قالت : كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيّ، فيشرب، وأتعرق العرق وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ . والنفساء في ذلك كالحائض باتفاق العلماء.
وإذا عرفت ذلك، فمصافحة الجنب والحائض والنفساء كمصافحة غيرهم، من جاز له أن يصافحهم قبل طروء هذه الأحداث، جاز له أن يصافحهم بعدها بلا فرق.
وراجع الفتوى رقم: 28721، والفتوى رقم: 11837، والفتوى رقم: 1025.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 59 / ص 236)
اليهود هم الذين يقولون بنجاسة الحائض رقم الفتوى:8357تاريخ الفتوى:04 ربيع الأول 1422السؤال : بسم الله الرحمن الرحيم ..
بعد الدعاء لكم بالتوفيق لجهودكم فسؤالي عن عدة نقاط وأرجو الإجابة عليها بشكل واضح جزاكم الله خيرا :1 -قبل أيام دخلت في نقاش مع أحد النصارى و الذي كان يتهم الإسلام و الرسول صلى الله عليه و سلم بعدم الرحمة و ادعى أن الرسول صلى الله عليه و سلم قام بعد حصار اليهود في موقعة خيبر قام بتعذيب الأسرى و قتلهم و استدل بحديث ادعى أنه من صحيح البخاري و قال إنه مذكور في الحديث أنه (أقامهم في الحرة و سمرت أعينهم)
و قد سمعت بهذا الحديث من قبل و لكن سؤالي هو هل هذا الحديث ورد في يهود خيبر و إذا كان كذلك فهل عذبهم الرسول فعلا وإن فعل فلماذا ؟
وهل هو حديث صحيح أصلا أم لا و كيف نرد على من ادعى أن الرسول صلى الله عليه و سلم ليس برحيم وأنه اتهم المرأة بأنها نجس ؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد حاصر النبي صلى الله عليه وسلم يهود خيبر في السنة السابعة من الهجرة ، وذلك لدورهم السيئ في تحريض الأحزاب ضد المسلمين، وإثارة بني قريظة على الغدر والخيانة، واتصالهم بالمنافقين المتآمرين. وما ذكر محاورك النصراني من أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بتعذيب الأسرى وقتلهم كذب، وإنما قتل النبي صلى الله عليه وسلم كنانة بن الربيع، حين خالف بنود الصلح وأخفى كنزاً عنده لبني النضير، فقال صلى الله عليه وسلم: " أرأيت إن وجدناه عندك أأقتلك؟" قال: نعم. فلما وجد المسلمون الكنز أمر النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم بقتله. وأما حادثة سمل الأعين فليست في هذه الغزوة قطعاً، وإنما هي في العرنيين الذين قتلوا رعاة الإبل واستاقوها.
وحديثها صحيح أخرجه البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم نفر من عكل فأسلموا، فاجتووا المدينة، فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها، ففعلوا فصحوا، فارتدوا وقتلوا رعاتها، واستاقوا الإبل، فبعث في آثارهم فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، ثم لم يحسمهم حتى ماتوا" وقد فعل بهم صلى الله عليه وسلم هذا الفعل لأنهم كانوا قد فعلوا ذلك بالراعي، فكان قصاصا: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) .
وأما القول بنجاسة المرأة ونسبة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهو من الكذب البين.
فقد روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع فمي. فهذا الحديث صريح في إباحة أكل الحائض وشربها مع زوجها، وأن لعابها طاهر، وأن الحيض لا يجعل الحائض ولا شيئاً منها نجساً. واليهود هم الذين يقولون بنجاسة المرأة في الحيض. روى مسلم عن أنس أنه قال: إن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوهن في البيوت (أي لم يخالطوهن ولم يساكنوهن في بيت واحد) فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم فنزل قوله تعالى: ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن) فقال صلى الله عليه وسلم "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" فبين هذا الحديث الصحيح أن معنى الآية أي :اعتزلوا وطأهن ولا تقربوه. وما سوى ذلك من المؤاكلة والمجالسة والسكن في بيت واحد فكل ذلك مباح.
وأما القول بأنه صلى الله عليه وسلم ليس برحيم فهو من الافتراء والكذب للطعن فيه صلى الله عليه وسلم، وليست هذه القضية جديدة في ساحة العلاقات بين المسلمين وغيرهم، بل هي قضية متلازمة مع الحركة الإسلامية في كل زمان ومكان، فقد قام أعداء الدعوة الإسلامية في مهدها الأول -وهم مشركو قريش - بوسم الرسول صلى الله عليه وسلم بكل الصفات السلبية، وبعد انتقال الدعوة إلى المهد الثاني وهو: المدينة المنورة حمل لواء العداء لشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وتوجيه الشبهات والمطاعن لها أعداء الدعوة الجدد وهم: اليهود والمنافقون.
وقد دافع الله تعالى عن رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وذلك من خلال آيات القرآن الكريم ورد كل الشبهات والافتراءات بأبلغ الردود، وفندها بأوضح البراهين والحجج.
وللرد على أنه صلى الله عليه وسلم ليس برحيم، يقول تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) [الأنبياء:107] وسيرته صلى الله عليه وسلم مع أهله والمسلمين من حوله، بل ومع خصومه من كفار قريش والمنافقين في المدينة دالة على اتصافه بالرحمة والرأفة والإحسان. وحسبه صلى الله عليه وسلم موقفه يوم الفتح، وقوله لصناديد قريش: " اذهبوا فأنتم الطلقاء" .
والله أعلم.
موسوعة الأسرة المسلمة الشاملة - (ج 2 / ص 378)
أقسام المياه
ليست كل أنواع المياه تصلح للتطهر بها من النجاسات، لذا وجب على المسلم أن يعرف أنواع الماء التي تصلح للطهارة، والأنواع التي لا تصلح.
أولا: أنواع الماء الصالحة للطهارة:
1 -ماء المطر والثلج والْبَرَد والبحر وماء الآبار والعيون، وهذا ما يسمى بالماء المطلق، أو الماء الطهور.
2 -الماء المتبقي من شرب الإنسان والحيوان، وهو ما يسمى (السُّؤْر).. وسؤر الإنسان والحيوان طاهر يجوز التطهر به ما عدا سؤر الكلب والخنزير، والدليل على طهارة سؤر الإنسان أن عائشة -رضي الله عنها-قالت: كنت أشرب وأنا حائض فأناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فِي (أي فمي) [مسلم].
وما يدل على طهارة سؤر الحمر والسباع، أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل: أنتوضأ بما أَفْضَلَت الحُمُر (بما أبقت بعد شربها)؟ قال: (نعم، وبما أفضلت السباع كلها) [الدارقطني والبيهقي] ويدل على طهارة سؤر الهرة، قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات) [الخمسة].
3 -الماء الذي اختلط بشيء يسير طاهر، يقبل الذوبان كالدقيق والصابون، إذا لم يغير طعم الماء أو لونه أو رائحته.
4 -الماء الكثير الذي اختلط بشيء نجس كالبول والبراز، إذا كان قليلا بحيث لا يتغير طعمُ الماء أو لونه أو رائحته، ومثال ذلك ما يقع في الترع والأنهار والآبار من نجاسات.(1/103)
220-7877 أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا حَارِثُ بْنُ عَطِيَّةَ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَصُرَ بِامْرَأَةٍ ، فَرَجَعَ ، فَدَخَلَ إِلَى زَيْنَبَ فَقَضَى حَاجَتَهُ ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ : " إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ ، وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ ، فَمَنْ أَبْصَرَ مِنْكُمْ مِنْ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ وِجَاءً "(1)
__________
(1) - أخرجه مسلم برقم( 3473) وأبو داود برقم(2153) وأحمد برقم(14911 )
شرح النووي على مسلم - (ج 5 / ص 75)
2491 - قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْمَرْأَة تُقْبِل فِي صُورَة شَيْطَان وَتُدْبِر فِي صُورَة شَيْطَان فَإِذَا أَبْصَرَ أَحَدكُمْ اِمْرَأَة فَلْيَأْتِ أَهْله فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدّ مَا فِي نَفْسه )
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى : ( إِذَا أَحَدكُمْ أَعْجَبَتْهُ الْمَرْأَة فَوَقَعَتْ فِي قَلْبه فَلْيَعْمِدْ إِلَى اِمْرَأَته فَلْيُوَاقِعهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدّ مَا فِي نَفْسه ) . هَذِهِ الرِّوَايَة الثَّانِيَة مُبَيِّنَة لِلْأُولَى .
وَمَعْنَى الْحَدِيث : أَنَّهُ يُسْتَحَبّ لِمَنْ رَأَى اِمْرَأَة فَتَحَرَّكَتْ شَهْوَته أَنْ يَأْتِي اِمْرَأَته أَوْ جَارِيَته إِنْ كَانَتْ لَهُ ، فَلْيُوَاقِعهَا لِيَدْفَع شَهْوَته ، وَتَسْكُن نَفْسه ، وَيَجْمَع قَلْبه عَلَى مَا هُوَ بِصَدَدِهِ .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الْمَرْأَة تُقْبِل فِي صُورَة شَيْطَان وَتُدْبِر فِي صُورَة شَيْطَان ) قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ : الْإِشَارَة إِلَى الْهَوَى وَالدُّعَاء إِلَى الْفِتْنَة بِهَا لِمَا جَعَلَهُ اللَّه تَعَالَى فِي نُفُوس الرِّجَال مِنْ الْمَيْل إِلَى النِّسَاء ، وَالِالْتِذَاذ بِنَظَرِهِنَّ ، وَمَا يَتَعَلَّق بِهِنَّ ، فَهِيَ شَبِيهَة بِالشَّيْطَانِ فِي دُعَائِهِ إِلَى الشَّرّ بِوَسْوَسَتِهِ وَتَزْيِينه لَهُ . وَيُسْتَنْبَط مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهَا أَلَّا تَخْرُج بَيْن الرِّجَال إِلَّا لِضَرُورَةٍ ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ الْغَضّ عَنْ ثِيَابهَا ، وَالْإِعْرَاض عَنْهَا مُطْلَقًا .
قَوْله : ( تَمْعَس مَنِيئَة )
قَالَ أَهْل اللُّغَة : الْمَعْس بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة : الدَّلْك ، وَ ( الْمَنِيئَة ) بِمِيمِ مَفْتُوحَة ثُمَّ نُون مَكْسُورَة ثُمَّ هَمْزَة مَمْدُودَة ثُمَّ تَاء تُكْتَب هَاء ، وَهِيَ عَلَى وَزْن ( صَغِيرَة ، وَكَبِيرَة ، وَذَبِيحَة ) قَالَ أَهْل اللُّغَة : هِيَ الْجِلْد أَوَّل مَا يُوضَع الدِّبَاغ ، وَقَالَ الْكِسَائِيّ : يُسَمَّى مَنِيئَة مَا دَامَ فِي الدِّبَاغ ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة : هُوَ فِي أَوَّل الدِّبَاغ مَنِيئَة ، ثُمَّ أَفِيق بِفَتْحِ الْهَمْزَة وَكَسْر الْفَاء ، وَجَمْعه أُفُق ، كَقَفِيزِ وَقُفُز ، ثُمَّ أَدِيم . وَاَللَّه أَعْلَم .
قَوْله : ( أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى اِمْرَأَة فَأَتَى اِمْرَأَته زَيْنَب ، وَهِيَ تَمْعَس مَنِيئَة لَهَا ، فَقَضَى حَاجَته ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَصْحَابه فَقَالَ : إِنَّ الْمَرْأَة تُقْبِل فِي صُورَة شَيْطَان . . . )
إِلَى آخِره . قَالَ الْعُلَمَاء : إِنَّمَا فَعَلَ هَذَا بَيَانًا لَهُمْ ، وَإِرْشَادًا لِمَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوهُ ، فَعَلَّمَهُمْ بِفِعْلِهِ وَقَوْله . وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْس بِطَلَبِ الرَّجُل اِمْرَأَته إِلَى الْوِقَاع فِي النَّهَار وَغَيْره ، وَإِنْ كَانَتْ مُشْتَغِلَة بِمَا يُمْكِن تَرْكه ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا غَلَبَتْ عَلَى الرَّجُل شَهْوَة يَتَضَرَّر بِالتَّأْخِيرِ فِي بَدَنه أَوْ فِي قَلْبه وَبَصَره . وَاَللَّه أَعْلَم .
عون المعبود - (ج 5 / ص 36)
1839 -
قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ :
( فَدَخَلَ عَلَى زَيْنَب بِنْت جَحْش )
: أُمّ الْمُؤْمِنِينَ وَكَانَتْ أَوَّل نِسَائِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْتًا ، وَهِيَ أَوَّل مَنْ وُضِعَ عَلَى النَّعْش فِي الْإِسْلَام
( إِنَّ الْمَرْأَة تُقْبِل )
: مِنْ الْإِقْبَال
( فِي صُورَة شَيْطَان )
: شَبَّهَهَا بِالشَّيْطَانِ فِي صِفَة الْوَسْوَسَة وَالْإِضْلَال ، فَإِنَّ رُؤْيَتهَا مِنْ جَمِيع الْجِهَات دَاعِيَة لِلْفَسَادِ
( فَإِنَّهُ يُضْمِر مَا فِي نَفْسه )
: أَيْ يُضْعِفهُ وَيُقَلِّلهُ مِنْ الضُّمُور وَهُوَ الْهُزَال وَالضَّعْف كَذَا فِي الْمَجْمَع .
قَالَ النَّوَوِيّ : قَالَ الْعُلَمَاء مَعْنَاهُ الْإِشَارَة إِلَى الْهَوَى وَالدُّعَاء إِلَى الْفِتْنَة بِمَا جَعَلَ اللَّه تَعَالَى فِي نُفُوس الرِّجَال مِنْ الْمَيْل إِلَى النِّسَاء وَالتَّلَذُّذ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِنَّ وَمَا يَتَعَلَّق بِهِنَّ ، فَهِيَ شَبِيهَة بِالشَّيْطَانِ فِي دُعَائِهِ إِلَى الْبَشَر بِوَسْوَسَتِهِ وَتَزْيِينه لَهُ . وَيُسْتَنْبَط مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ لَا تَخْرُج إِلَّا لِضَرُورَةٍ وَلَا تَلْبَس ثِيَابًا فَاخِرَة ، وَيَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يَنْظُر إِلَيْهَا وَلَا إِلَى ثِيَابهَا .
وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْس بِالرَّجُلِ أَنْ يَطْلُب اِمْرَأَته إِلَى الْوِقَاع فِي النَّهَار وَإِنْ كَانَتْ مُشْتَغِلَة بِمَا يُمْكِن تَرْكه لِأَنَّهُ رُبَّمَا غَلَبَتْ عَلَى الرَّجُل شَهْوَته فَيَتَضَرَّر بِالتَّأْخِيرِ فِي بَدَنه أَوْ قَلْبه . اِنْتَهَى .
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ : وَأَخْرَجَهُ مُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ بِنَحْوِهِ .
مشكل الآثار للطحاوي - (ج 12 / ص 222)
باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما وصف به المرأة أنها تقبل بصورة شيطان ، وأنها تدبر بصورة شيطان
4835 - حدثنا أبو أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم ، حدثنا مسلم بن إبراهيم الأزدي ، حدثنا هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، حدثنا أبو الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة ، فدخل على زينب بنت جحش ، فقضى حاجته ، ثم خرج إلى أصحابه ، فقال لهم : « إن المرأة تقبل في صورة شيطان ، وتدبر في صورة شيطان ، فمن وجد ذلك ، فليأت أهله ، فإنه يصيب ما في نفسه » قال أبو جعفر : فتأملنا هذا الحديث ، فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وصف المرأة في إقبالها وفي إدبارها بما وصفها به ، وكانت الشياطين موصوفة في كتاب الله عز وجل بمعنيين ، أحدهما : تشبيهه عز وجل الشجرة التي هي طعام أهل النار ، الخارجة في أصل الجحيم ، أن طلعها كرءوس الشياطين ، وكان ذلك على بشاعة ما هي عليه وفظاعته وقبحه . فعقلنا بذلك : أن الذي سميت به المرأة من الشيطان بخلاف ذلك ، لأنها في صورتها بخلاف هذا الوصف ، ووجدناه عز وجل قد وصف الشيطان الذي هو منها في أعلى مراتبها ، بقوله عز وجل : يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة (1) الآية ، فكان ذلك على ما يلقي في قلوبهم مما يغويهم به ، ويحركهم على معاصي ربهم عز وجل ، فكان ذلك محتملا أن يكون هو الذي شبه المرأة به في الحديث الذي ذكرنا ؛ لأنه يخالط قلوبهم منها مثل الذي يخالط قلوبهم مما يلقيه الشيطان فيها . ثم وجدنا مثل ذلك مما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : « إن الشيطان يجري من بني آدم مجرى الدم » . فكان مثل ذلك ما يكون من رؤيتهم المرأة مما يوقع في قلوبهم ما لا خفاء به من أمثالهم مما هو من معاصي ربهم ، ومما يلحقهم به من العقوبات في الدنيا والآخرة ، مما يكون منهم عند ذلك مما يكون مثله مما يلقيه الشيطان في قلوبهم حتى يكون ذلك سببا لما يوجبه ذلك من العقوبة في دنياهم ، والعقوبة في آخرتهم ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من رأى ذلك بأن يفعل ما أمره بفعله ، مما يقطع السبب الذي يخاف عليه أنه قد وقع في قلبه ، مما يكون سببا لتلك الأشياء ، وبالله التوفيق
__________
(1) سورة : الأعراف آية رقم : 27
المعاشرة الزوجية في دورة المياه
المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ عشرة النساء/استمتاع كل من الزوجين بالآخر وحدود ذلك وآداب الجماع
التاريخ 13/8/1422
السؤال
ما حكم أن يجامع الرجل زوجته في دورة المياه - أجلّك الله - فإن البعض يستحم مع زوجته فيفتن بها فما هو الجواب ؟
الجواب
أخي السائل وفقك الله للخير وأغناك بما أحل لك عما حرم عليك ، ما ذكرته في سؤالك يجاب عنه بملاحظة ما يلي :
1. دورات المياه في وضعها الحالي في البيوت الحديثة كما في بلدك تختلف اختلافاً كبيراً عن أماكن قضاء الحاجة في السابق والتي تسمى الكنف والحشوش والتي كانت مجمعاً للنجاسات والهوام والنتن ، أما الدورات الحالية فليس فيها من ذلك شيء، وإنما يحافظ عليها طاهرة نظيفة وليس فيها شيء من أعيان النجاسات . وبالتالي فإن لها حالاً أخرى غير حال أماكن قضاء الحاجة في السابق ، وبينهما من الفروق ما لا يخفى عند أول نظر ، وعليه فلا يظهر وجود مانع معتبر يمنع من قضاء الوطر فيها عند الحاجة إلى ذلك من نحو ما ذكرته .
2. قضاء الإنسان وطره من أهله يكون في أحيان كثيرة استجابة لحالة انفعالية نتيجة رؤية أو ملامسة أو نحو ذلك ، ولذا فإن إطفاء الشهوة عند ثورانها في هذه الحال سبيل للعفاف وغض البصر، وكف جموح الشهوة ، وقد أرشد إلى ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه مسلم (1403) عن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى امرأة فأتى امرأته زينب، وهي تمعس منيئة لها فقضى حاجته، ثم خرج إلى أصحابه فقال : " إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه " وأخرج أحمد (19403) واللفظ له، وابن ماجة (1853) وابن حبان في صحيحه (4171) عن عبد الله بن أبي أوفى قال: (( لا تؤدي المرأة حق الله - عز وجل - عليها كله حتى تؤدي حق زوجها عليها كله، لو سألها نفسها وهي على ظهر قتب لأعطته إياه )) .
3. ومع ذلك فينبغي ألا يذهل المسلم مع ثوران شهوته عن استحضار نية العفاف والاستمتاع بالطيب المباح ، فإن عمله بذلك يكون صدقة وبراً كما قال -صلى الله عليه وسلم- : (( وفي بضع أحدكم صدقة" قالوا : يارسول الله : أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : أرأيتم لو وضعها في حرام ، أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر )) أخرجه مسلم (1006) من حديث أبي ذر .
وعليه أن يذكر المأثور من الذكر في هذه الحال كما قال -صلى الله عليه وسلم-: " لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبداً " أخرجه البخاري (6388)، ومسلم (1434) من حديث عبد الله بن عباس وفقك الله وبارك فيك وبارك لك .
الرغبة عن الزواج
المجيب يوسف بن أحمد القاسم
المحاضر بالمعهد العالي للقضاء
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات اجتماعية / العلاقات الزوجية/ قبل الزواج/تأخر الزواج وعقباته
التاريخ 17/2/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قررت عدم الزواج لهذه الأسباب
1/ البلد الذي أعيش فيه لا أضمن أنني أستطيع أن أربي فيه أولادي تربية صحيحة، والشواهد عندي كثيرة جداً (أرى وأسمع قصص وروايات)، طبعاً لا تستطيع أن ترمي بابنك أو ابنتك في البحر مقيداً ثم تقول له إياك ثم إياك أن تبتل بالماء، بلدي الأصلي أسوأ من هنا، لا أدري شيخي الكريم إن كنت تعلم هذا أم لا ( إرتيريا)..
2/تكاليف الزواج غريبة عجيبة لا تحتاج إلى تفصيل.
3/ أقسم بالله العظيم لم أر السعادة في وجوه المتزوجين بل العكس.
4/أسرتي الفقيرة الكبيرة العدد حفظهم الله وهم في حاجة إلى مساعدتي بعد الله عز وجل.
عمري 32 عاماً، أحيط نفسي بصحبة طيبة، أغض بصري قدر المستطاع، أحياناً أستمني؛ لكنني أحب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم- وأحب كل أهل السنة والجماعة.
أخيراً شيخي الفاضل توصلت إلى هذه الفكرة (عدم الزواج مطلقاً). السؤال: هل هذا حرام أن الشخص يقرر عدم الزواج مطلقاً؟ علماً أن شيخ الإسلام ابن تيميه لم يتزوج، وكذلك الإمام النووي رحمهم الله. هذا، وجزاكم الله كل خير.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فهذا الحل أو هذه الفكرة التي توصلت إليها غير مجدية؛ لأنك كالمستجير من الرمضاء بالنار، فهذه الغريزة الجنسية لا تستطيع أن تطفيء لهبها بهذه العادة السرية؛ لأنها في الواقع لا تزيدك إلا شوقاً نحو تلك اللذة، ولذا فإنه لا يمكن أن تطفيء هذه الشهوة أو الغريزة إلا بما يوافق الطبيعة التي طبع الله الناس عليها، وذلك بالزواج وحسب، ولا بالرهبانية أو بالسبل الأخرى المنافية للفطرة، ولذا أنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك الصحابي - رضي الله عنه- الذي قال: "لا أتزوج النساء"، بقوله: "ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، ولكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني" والحديث مخرج في الصحيحين البخاري (5063)، ومسلم (1401) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - ثم أخبر عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر أن الذي يطفئ هذه الغريزة هو إتيان الزوجة، فقال: "إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه" أخرجه مسلم في صحيحه (1403)، وأوله: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رأى امرأة، فأتى امرأته زينب وهي تَمْعَس منيئةً لها - أي وهي تدلك جلداً لها- فقضى حاجته، ثم خرج إلى أصحابه -رضي الله عنهم- فقال: "إن المرأة تقبل..." الحديث، وقد علق النووي على هذا الحديث في شرحه على صحيح مسلم(9/178-179)، فقال: قال العلماء: (إنما فعل هذا بياناً لهم وإرشاداً لما ينبغي لهم أن يفعلوه، فعلمهم بفعله وقوله...) ا.هـ.
هذا إذا قدر على مؤن النكاح، فإن عجز عن مؤمن النكاح ونفقاته فقد أرشد نبينا -صلى الله عليه وسلم- إلى ما يطفئ هذه الغريزة بالوسيلة المباحة والناجعة، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء" أخرجه البخاري(4779)، ومسلم(1400) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه-.
قال الحافظ ابن حجر تعليقاً على هذا الحديث كما في الفتح (9/112): "واستدل به بعض المالكية على تحريم الاستمناء؛ لأنه أرشد عند العجز عن التزويج إلى الصوم الذي يقطع الشهوة، فلو كان الاستمناء مباحاً لكان الإرشاد إليه أسهل" ا.هـ.
بقي أن نقول: إذا كان المجتمع الذي تعيش فيه يعج بالفساد والمغريات والفتن، فهاجر منه إلى بلدٍ آخر تأمن فيه على نفسك، وعلى أولادك، ولا يكن هذا الأمر عائقاً لك عن الزواج، لا سيما وأنت خائف للعنت، وواقع في ورطة الشهوة، وقد قرر عامة أهل العلم، أن النكاح واجب على من هذا حاله إذا كان قادراً عليه، كما أفاده ابن قدامة في المغني(9/341)؛ لأن المسلم يجب عليه أن يعف نفسه، ويصونها عن الحرام، ولتكن قدوتك حبيبك محمداً - صلى الله عليه وسلم-، فهو الأسوة، وهو أخشانا لله وأتقانا له، لا شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- ولا غيره من علماء الدين والملة، علماً بأن أولئك الأئمة، ما تركوا النكاح رغبة عنه ولا زهداً فيه، وإنما لأن أحدهم كان مثقل الظهر بهموم العلم والدعوة والجهاد، ولهذا لما سئل شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى(32/5)، عن شاب أو رجل أصابه سهم من سهام إبليس المسمومة- في إشارة إلى الوقوع في الشهوة المحرمة- فأجاب: (من أصابه جرح مسموم فعليه بما يخرج السهم ويبرئ الجرح بالترياق والمرهم، وذلك بأمور: منها: أن يتزوج أو يتسرى؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا نظر أحدكم إلى محاسن امرأة فليأت أهله؛ فإنما معها مثل ما معها" رواه الترمذي (1158) وأصله عند مسلم (1403)، من حديث جابر - رضي الله عنه -، وهذا مما ينقص الشهوة، ويضعف العشق.
الثاني: أن يداوم على الصلوات الخمس، والدعاء، والتضرع وقت السحر، وتكون صلاته بحضور قلب وخشوع، وليكثر من الدعاء بقوله: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك وطاعة رسولك" فإنه متى أدمن الدعاء والتضرع لله صرف قلبه عن ذلك، كما قال تعالى: "كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين..." [يوسف:24] ا.هـ.
وأما قولك - أيها السائل الكريم-: (لم أر السعادة...) فهو غريب وربما لم تحظ - كما حظي غيرك- برؤية زوجين ينعمان بحياة زوجية سعيدة، وحسبنا قول نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "خير متاع الدنيا المرأة الصالحة" أخرجه مسلم(1467) من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما- وقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً: "لم ير للمتحابَّين مثل النكاح" أخرجه ابن ماجة في سننه(1847)، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة(2/94) "هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات" ا.هـ.
وقد علق على هذا الحديث ابن القيم - رحمه الله - في كتابه الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي(ص364-367) بقوله: "فنكاح المعشوقة هو دواء العشق الذي جعله الله دواءه شرعاً وقدراً، وبه تداوى داود - صلى الله عليه وسلم-... ولا ريب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قد حبب إليه النساء، كما عند النسائي (3939) وأحمد (11884) عن أنس - رضي الله عنه- عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "حبب إلي من الدنيا النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة..."، وهذا خليل الله إبراهيم إمام الحنفاء - صلى الله عليه وسلم- كان عنده أجمل نساء العالمين، وأحب هاجر وتسرى بها، وهذا سليمان - عليه السلام- كان يطوف في الليلة الواحدة على تسعين امرأة، وقد سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عن أحب الناس إليه؟ فقال: "عائشة" رواه البخاري (3662) ومسلم (2384) من حديث عمرو بن العاص - رضي الله عنه - ، وقال عن خديجة "إني قد رزقت حبها" رواه مسلم (2435) من حديث عائشة - رضي الله عنها-، فمحبة النساء من كمال الإنسان، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "خير هذه الأمة أكثرها نساء..." رواه البخاري (5069) ا.هـ. هذا، والله -تعالى- أعلم وأحكم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 20 / ص 272)
من العواصم من فتنة الشهوة رقم الفتوى:31368تاريخ الفتوى:26 صفر 1424السؤال : ما معنى الحديث الشريف (إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه) رواه مسلم؟ وكذلك أرجو إفادتي إذا كانت هناك أحاديث أخرى مشابهة.
جزاكم الله عني خيراً.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحديث المذكور في السؤال رواه مسلم عن جابر ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأتى امرأته زينب وهي تمعس منيئة لها -أي تدلك جلداً وتدبغه- فقضى حاجته، ثم خرج إلى أصحابه، فقال إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، إذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه.
ومعناه كما قال الإمام النووي رحمه الله: أنه يستحب لمن رأى امرأة فتحركت شهوته أن يأتي امرأته أو جاريته إن كانت له فليواقعها -يعني يجامعها- ليدفع شهوته وتسكن نفسه ويجمع قلبه على ما هو بصدده. انتهى.
وقال أيضاً في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن المرأة تقبل في صورة شيطان..... قال العلماء: معناه: الإشارة إلى الهوى، والدعاء إلى الفتنة بها، لما جعل الله تعالى في نفوس الرجال من الميل إلى النساء والالتذاذ بنظرهن، وما يتعلق بهن، فهي شبيهة بالشيطان في دعائه إلى الشر بوسوسته وتزيينه له، ويستنبط من هذا أنه ينبغي لها ألا تخرج بين الرجال إلا لضرورة، وأنه ينبغي للرجل الغض عن ثيابها، والإعراض عنها مطلقاً. انتهى.
والله أعلم.
موسوعة الأسرة المسلمة معدلة - (ج 1 / ص 44)
الزواج في الإسلام
قال تعالى: {ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون} [الذاريات: 49]، وقال: {سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون} [يس: 36].
كم هي رائعة السنة الشرعية التي سنها الله في مخلوقاته حتى لكأن الكون كله يعزف نغمًا مزدوجًا. والزواج على الجانب الإنساني رباط وثيق يجمع بين الرجل والمرأة، وتتحقق به السعادة، وتقر به الأعين، إذا روعيت فيه الأحكام الشرعية والآداب الإسلامية. قال تعالى: {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا} [الفرقان: 74].
وهو السبيل الشرعي لتكوين الأسرة الصالحة، التي هي نواة الأمة الكبيرة، فالزواج في الشريعة الإسلامية: عقد يجمع بين الرجل والمرأة، يفيد إباحة العشرة بينهما، وتعاونهما في مودة ورحمة، ويبين ما لكليهما من حقوق وما عليهما من واجبات.
الحثَّ على النكاح:
وقد رغَّب النبي صلى الله عليه وسلم في الزواج، وحثَّ عليه، وأمر به عند القدرة عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة (أي: القدرة على تحمل واجبات الزواج) فليتزوج، فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وِجَاء (أي: وقاية وحماية) [متفق عليه]. كما أن الزواج سنة من سنن الأنبياء والصالحين، فقد كان لمعظم الأنبياء والصالحين زوجات.
وقد عنَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم، من ترك الزواج وهو قادر عليه، ونبه إلى أن هذا مخالف لسنته صلى الله عليه وسلم، عن أنس -رضي الله عنه- قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخْبِرُوا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما أنا، فإني أصلي الليل أبدًا وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر . وقال آخر: أنا أعتزل النساء، فلا أتزوَّج أبدًا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله، إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) _[متفق عليه].
حكم الزواج:
المسلمون والمسلمات أمام النكاح ثلاثة أصناف:
*صنف توافرت له أسباب النكاح، وعنده الرغبة المعتدلة في الزواج، بحيث يأمن على نفسه -إن لم يتزوج- من أن يقع في محظور شرعي؛ لأن غريزته لا تلح عليه بصورة تدفعه إلى الحرام. وفي نفس الوقت يعتقد هذا الصنف -أو يغلب على ظنه- أنه إن تزوج فسوف يقوم بحقوق الزوجية قيامًا مناسبًا، دون أن يظلم الطرف الآخر، ودون أن ينقصه حقًّا من حقوقه. والزواج في حق هذا الصنف سنَّة مؤكدة، مندوب إليه شرعًا، ومثاب عليه عند الله -تعالى- وإلى هذا الصنف تشير النصوص السابقة.
*والصنف الثاني أولئك الذين توافرت لهم أسباب الزواج، مع رغبة شديدة فيه، وتيقنه -غلبه الظن- أنه يقع في محظور شرعي إن لم يتزوج، فهذا الصنف يجب عليه الزواج لتحصيل العفاف والبعد عن أسباب الحرام، وذلك مع اشتراط أن يكون قادرًا على القيام بحقوق الزوجية، دون ظلم للطرف الآخر. فإن تيقن من أنه سيظلم الطرف الآخر بسوء خلق أو غير ذلك، وجب عليه أن يجتهد في تحسين خلقه وتدريب نفسه على حسن معاشرة شريك حياته.
*والصنف الثالث من لا شهوة له، سواء كان ذلك من أصل خلقته، أو كان بسبب كبر أو مرض أو حادثة. فإنه يتحدد حكم نكاحه بناء على ما يمكن أن يتحقق من مقاصد النكاح الأخرى، التي لا تقتصر على إشباع الغريزة الجنسية، كأن يتحقق الأنس النفسي والإلف الروحي به، مع مراعاة ما قد يحدث من ضرر للطرف الآخر، ولذا يجب المصارحة بين الطرفين منذ البداية في مثل هذا الأمر؛ ليختار كل من الطرفين شريكه على بينة.
وقد تبدو المصلحة الاجتماعية ظاهرة من زواج الصنف الثالث في بعض الحالات المتكافئة، كأن يتزوج رجل وامرأة كلاهما قد تقدم به السن، ولا حاجة لهما في إشباع رغبات جنسية بقدر حاجتهما إلى من يؤنس وحشتهما ويشبع عاطفة الأنس والسكن. أو نحو ذلك من الحالات المتكافئة، فهؤلاء يستحب لهم الزواج لما فيه من مقاصد شرعية طيبة، ولا ضرر حادث على الطرفين.
فوائد الزواج وثمراته:
والزواج باب للخيرات، ومدخل للمكاسب العديدة للفرد والمجتمع، ولذلك فإن من يشرع في الزواج طاعة لله واقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه يجد العون من الله، قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف)
[الترمذي، وأحمد، والحاكم]. وبذلك يصبح الزواج عبادة خالصة لله يثاب المقبل عليها .
أما عن ثمراته فهي كثيرة، فالزواج طريق شرعي لاستمتاع كل من الزوجين بالآخر، وإشباع الغريزة الجنسية، بصورة يرضاها الله ورسوله، قال صلى الله عليه وسلم: (حُبِّب إليَّ من دنياكم: النساء والطيب، وجُعلتْ قرَّة عيني في الصلاة) [أحمد، والنسائى، والحاكم].
والزواج منهل عذب لكسب الحسنات. قال صلى الله عليه وسلم: (وفي بُضْع (كناية عن الجماع) أحدكم صدقة). قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر؟ قال: (أرأيتم، لو وضعها في حرام، أكان عليه وِزْر؟). قالوا: بلى. قال: (فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) [مسلم].
وقال صلى الله عليه وسلم -أيضًا-: (وإنك لن تنفق نفقة تبتغى بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في في (فم) امرأتك) [متفق عليه].
والزواج يوفر للمسلم أسباب العفاف، ويعينه على البعد عن الفاحشة، ويصونه من وساوس الشيطان، قال صلى الله عليه وسلم: (إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان (أي أن الشيطان يزينها لمن يراها ويغريه بها) فإذا رأى أحدكم من امرأة (يعني: أجنبية) ما يعجبه، فلْيَأتِ أهله، فإن ذلك يردُّ ما في نفسه) [مسلم].
وهو وسيلة لحفظ النسل، وبقاء الجنس البشرى، واستمرار الوجود الإنساني، قال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرًا ونساء} [النساء: 1]. فهو وسيلة -أيضًا- لاستمرار الحياة، وطريق لتعمير الأرض، وتحقيق التكافل بين الآباء والأبناء، حيث يقوم الآباء بالإنفاق على الأبناء وتربيتهم، ثم يقوم الأبناء برعاية الآباء، والإحسان إليهم عند عجزهم، وكبر سِنِّهم.
والولد الصالح امتداد لعمل الزوجين بعد وفاتهما، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنْتفَع به، أو ولد صالح يدعو له) [مسلم].
والزواج سبيل للتعاون، فالمرأة تكفي زوجها تدبير أمور المنزل، وتهيئة أسباب المعيشة، والزوج يكفيها أعباء الكسب، وتدبير شئون الحياة، قال تعالى: {وجعل بينكم مودة ورحمة} [الروم: 21].
والزواج علاقة شرعية، تحفظ الحقوق والأنساب لأصحابها، وتصون الأعراض والحرمات، وتطهر النفس من الفساد، وتنشر الفضيلة والأخلاق، قال تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} [المعارج: 29-31].
وقال صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده وهو مسئول عن رعيته، والرجل راعٍ في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته، فكلكم راع، وكلكم راع ومسئول عن رعيته) [متفق عليه].
كما يساهم الزواج في تقوية أواصر المحبة والتعاون من خلال المصاهرة، واتساع دائرة الأقارب، فهو لبنة قوية في تماسك المجتمع وقوته، قال تعالى: {وهو الذي خلق من الماء بشرًا فجعله نسبًا وصهرًا وكان ربك قديرًا} [الفرقان: 54].
ولما غزا النبي صلى الله عليه وسلم بني المصطلق في غزوة المريسيع، وأسر منهم خلقًا كثيرًا، تزوج السيدة جويرية بنت الحارث - وكانت من بين الأسرى- فأطلق الصحابة ما كان بأيديهم من الأسرى؛ إكرامًا للرسول صلى الله عليه وسلم وأصهاره، فكان زواجها أعظم بركة على قومها.
كان هذا بعضًا من فوائد الزواج الكثيرة، وقد حرص الإسلام أن ينال كل رجل وامرأة نصيبًا من تلك الفوائد، فرغب في الزواج وحث عليه، وأمر ولى المرأة أن يزوجها، قال تعالى: {وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم} [النور: 32]. واعتبر الإسلام من يرفض تزويج ابنته أو موكلته - إذا وجد الزوج المناسب لها - مفسدًا في الأرض. قال صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد) [الترمذي].
موسوعة الأسرة المسلمة معدلة - (ج 1 / ص 49)
2- تلبية رغبة الزوج في الجماع:
يجب على المرأة أن تطيع زوجها إذا طلبها للجماع، درءًا للفتنة، وإشباعًا للشهوة، قال صلى الله عليه وسلم: (إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم من امرأة ما يعجبه فليأتِ أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه) [مسلم]. وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا : (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فلم تأته، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح) [البخاري، ومسلم، وأحمد].
ولا طاعة للزوج في الجماع إذا كان هناك مانع شرعي عند زوجته، ومن ذلك :
- أن تكون المرأة في حيض أو نفاس .
- أن تكون صائمة صيام فرض؛ كشهر رمضان، أو نذر، أوقضاء، أو كفارة، أما في الليل فيحل له أن يجامعها؛ لقوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} [البقرة: 187] .
- أن تكون مُحْرِمَة بحج أو عمرة .
أن يكون قد طلب جماعها في دبرها
ما يحلّ للرجل من زوجته في فترة حيضها:
يحرم على الرجل أن يجامع زوجته وهي حائض؛ لقوله تعالى: {فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن} [البقرة: 222]، ويجوز للرجل أن يستمتع بزوجته فيما دون فرجها.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر إحدانا إذا كانتْ حائضًا أن تأتزر ويباشرها فوق الإزار. [مسلم]. فإذا جامع الرجل زوجته وهي حائض، وكان عالمًا بالتحريم، فقد ارتكب كبيرة من الكبائر، عليه أن يتوب منها، وعليه أن يتصدق بدينار إن كان الوطء في أول الحيض، وبنصف دينار إن كان في آخره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا واقع الرجل أهله، وهي حائض، إن كان دمًا أحمر فليتصدَّقْ بدينار، وإن كان أصفر فليتصدَّقْ بنصف دينار)_[أبو داود، والحاكم]. ويقاس النفاس على الحيض.(1/104)
221-7878 أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا حَرْبٌ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فَمَرَّتْ بِهِ امْرَأَةٌ فَأَعْجَبَتْهُ نَحْوَهُ إِلَى صُورَةِ شَيْطَانٍ ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ هَذَا كَأَنَّهُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ (1)
__________
(1) - قلت : كلاهما صحيح(1/105)
الرُّخْصَةُ فِي أَنْ يُحَدِّثَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ بِمَا لَمْ يَكُنْ
222-7879 أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ عُبَيْدٍ الْحِمْصِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ ابْنَةَ عُقْبَةَ ، أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَقُولَ : خَيْرًا أَوْ يُنَمِّيَ خَيْرًا " وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ إِنَّهُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ : " فِي الْحَرْبِ ، وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ ، وَحَدِيثِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ ، وَحَدِيثِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا "(1)
-----------------
(1) - أخرجه البخاري برقم(2692) ومسلم برقم(6799 )
فتح الباري لابن حجر - (ج 8 / ص 222)
2495 - قَوْله : ( عَنْ صَالِح )
هُوَ اِبْن كَيْسَانَ ، وَالْإِسْنَاد كُلّه مَدَنِيُّونَ ، وَفِيهِ ثَلَاثَة مِنْ التَّابِعِينَ فِي نَسَق ، وَأُمّ كُلْثُوم بِنْت عُقْبَةَ أَيْ اِبْن أَبِي مُعَيْطٍ الْأُمَوِيَّة .
قَوْله : ( فَيَنْمِي )
بِفَتْحِ أَوَّله وَكَسْر الْمِيم أَيْ يُبَلِّغ ، تَقُول نَمَيْت الْحَدِيث أَنْمِيهِ إِذَا بَلَّغْته عَلَى وَجْه الْإِصْلَاح وَطَلَب الْخَيْر ، فَإِذَا بَلَّغْته عَلَى وَجْه الْإِفْسَاد وَالنَّمِيمَة قُلْت نَمَّيْته بِالتَّشْدِيدِ كَذَا قَالَهُ الْجُمْهُور ، وَادَّعَى الْحَرْبِيّ أَنَّهُ لَا يُقَال إِلَّا نَمَّيْته بِالتَّشْدِيدِ ، قَالَ : وَلَوْ كَانَ يَنْمِي بِالتَّخْفِيفِ لَلَزِمَ أَنْ يَقُول خَيْر بِالرَّفْعِ ، وَتَعَقَّبَهُ اِبْن الْأَثِير بِأَنَّ " خَيْرًا " اِنْتَصَبَ بِيَنَمِي كَمَا يَنْتَصِب بِقَالَ ، وَهُوَ وَاضِح جِدًّا يُسْتَغْرَب مِنْ خَفَاء مِثْله عَلَى الْحَرْبِيّ . وَوَقَعَ فِي رِوَايَة " الْمُوَطَّأ " يُنْمِي بِضَمِّ أَوَّله ، وَحَكَى اِبْن قُرْقُول عَنْ رِوَايَة اِبْن الدَّبَّاغ بِضَمِّ أَوَّله وَبِالْهَاءِ بَدَل الْمِيم قَالَ : وَهُوَ تَصْحِيف ، وَيُمْكِن تَخْرِيجه عَلَى مَعْنَى يُوصِل تَقُول : أَنْهَيْت إِلَيْهِ كَذَا إِذَا أَوْصَلْته .
قَوْله : ( أَوْ يَقُول خَيْرًا )
هُوَ شَكّ مِنْ الرَّاوِي ، قَالَ الْعُلَمَاء : الْمُرَاد هُنَا أَنَّهُ يُخْبِر بِمَا عَلِمَهُ مِنْ الْخَيْر وَيَسْكُت عَمَّا عَلِمَهُ مِنْ الشَّرّ وَلَا يَكُون ذَلِكَ كَذِبًا لِأَنَّ الْكَذِب الْإِخْبَار بِالشَّيْءِ عَلَى خِلَاف مَا هُوَ بِهِ ، وَهَذَا سَاكِت ، وَلَا يُنْسَب لِسَاكِتٍ قَوْل . وَلَا حُجَّة فِيهِ لِمَنْ قَالَ : يُشْتَرَط فِي الْكَذِب الْقَصْد إِلَيْهِ لِأَنَّ هَذَا سَاكِت ، وَمَا زَادَهُ مُسْلِم وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَة يَعْقُوب بْن إِبْرَاهِيم بْن سَعْد عَنْ أَبِيهِ فِي آخِره " وَلَمْ أَسْمَعهُ يُرَخِّص فِي شَيْء مِمَّا يَقُول النَّاس إِنَّهُ كَذِب إِلَّا فِي ثَلَاث " فَذَكَرَهَا ، وَهِيَ الْحَرْب وَحَدِيث الرَّجُل لِامْرَأَتِهِ وَالْإِصْلَاح بَيْن النَّاس ، وَأَوْرَدَ النَّسَائِيُّ أَيْضًا هَذِهِ الزِّيَادَة مِنْ طَرِيق الزُّبَيْدِيّ عَنْ اِبْن شِهَاب ، وَهَذِهِ الزِّيَادَة مُدْرَجَة ، بَيَّنَ ذَلِكَ مُسْلِم فِي رِوَايَته مِنْ طَرِيق يُونُس عَنْ الزُّهْرِيِّ فَذَكَرَ الْحَدِيث قَالَ : وَقَالَ الزُّهْرِيُّ . وَكَذَا أَخْرَجَهَا مُفْرَدَة مِنْ رِوَايَة يُونُس وَقَالَ : يُونُس أَثْبَتُ فِي الزُّهْرِيِّ مِنْ غَيْره ، وَجَزَمَ مُوسَى بْن هَارُون وَغَيْره بِإِدْرَاجِهَا ، وَرُوِّينَاهُ فِي " فَوَائِد اِبْن أَبِي مَيْسَرَة " مِنْ طَرِيق عَبْد الْوَهَّاب بْن رُفَيْع عَنْ اِبْن شِهَاب فَسَاقَهُ بِسَنَدِهِ مُقْتَصِرًا عَلَى الزِّيَادَة وَهُوَ وَهْم شَدِيد ، قَالَ الطَّبَرِيُّ : ذَهَبَتْ طَائِفَة إِلَى جَوَاز الْكَذِب لِقَصْدِ الْإِصْلَاح وَقَالُوا : إِنَّ الثَّلَاث الْمَذْكُورَة كَالْمِثَالِ ، وَقَالُوا : الْكَذِب الْمَذْمُوم إِنَّمَا هُوَ فِيمَا فِيهِ مَضَرَّة ، أَوْ مَا لَيْسَ فِيهِ مَصْلَحَة . وَقَالَ آخَرُونَ : لَا يَجُوز الْكَذِب فِي شَيْء مُطْلَقًا وَحَمَلُوا الْكَذِب الْمُرَاد هُنَا عَلَى التَّوْرِيَة وَالتَّعْرِيض كَمَنْ يَقُول لِلظَّالِمِ : دَعَوْت لَك أَمْسِ ، وَهُوَ يُرِيد قَوْله اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ . وَيَعِد اِمْرَأَته بِعَطِيَّةِ شَيْء وَيُرِيد إِنْ قَدَّرَ اللَّه ذَلِكَ . وَأَنْ يُظْهِر مِنْ نَفْسه قُوَّة . قُلْت : وَبِالْأَوَّلِ جَزَمَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره ، وَبِالثَّانِي جَزَمَ الْمُهَلَّب وَالْأَصِيلِيّ وَغَيْرهمَا ، وَسَيَأْتِي فِي " بَاب الْكَذِب فِي الْحَرْب " فِي أَوَاخِر الْجِهَاد مَزِيد لِهَذَا إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْكَذِبِ فِي حَقّ الْمَرْأَة وَالرَّجُل إِنَّمَا هُوَ فِيمَا لَا يُسْقِط حَقًّا عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا أَوْ أَخْذ مَا لَيْسَ لَهُ أَوْ لَهَا ، وَكَذَا فِي الْحَرْب فِي غَيْر التَّأْمِين . وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَاز الْكَذِب عِنْد الِاضْطِرَار ، كَمَا لَوْ قَصَدَ ظَالِم قَتْل رَجُل وَهُوَ مُخْتَفٍ عِنْده فَلَهُ أَنْ يَنْفِي كَوْنه عِنْده وَيَحْلِف عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَأْثَم . وَاَللَّه أَعْلَم .
شرح النووي على مسلم - (ج 8 / ص 426)
4717 - قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَيْسَ الْكَذَّاب الَّذِي يُصْلِح بَيْن النَّاس ، وَيَقُول خَيْرًا ، أَوْ يُنْمِي خَيْرًا )
هَذَا الْحَدِيث مُبَيِّن لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْبَاب قَبْله ، وَمَعْنَاهُ لَيْسَ الْكَذَّاب الْمَذْمُوم الَّذِي يُصْلِح بَيْن النَّاس ، بَلْ هَذَا مُحْسِن .
قَوْله : ( قَالَ اِبْن شِهَاب : وَلَمْ أَسْمَع يُرَخِّص فِي شَيْء مِمَّا يَقُول النَّاس كَذِب إِلَّا فِي ثَلَاث : الْحَرْب ، وَالْإِصْلَاح بَيْن النَّاس ، وَحَدِيث الرَّجُل اِمْرَأَته ، وَحَدِيث الْمَرْأَة زَوْجهَا )
قَالَ الْقَاضِي : لَا خِلَاف فِي جَوَاز الْكَذِب فِي هَذِهِ الصُّوَر ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَاد بِالْكَذِبِ الْمُبَاح فِيهَا مَا هُوَ ؟ فَقَالَتْ طَائِفَة : هُوَ عَلَى إِطْلَاقه ، وَأَجَازُوا قَوْل مَا لَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِع لِلْمَصْلَحَةِ ، وَقَالُوا : الْكَذِب الْمَذْمُوم مَا فِيهِ مَضَرَّة ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرهمْ } وَ { إِنِّي سَقِيم } وَقَوْله : إِنَّهَا أُخْتِي وَقَوْل مُنَادِي يُوسُف صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَيَّتهَا الْعِير إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } قَالُوا : وَلَا خِلَاف أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ ظَالِم قَتْل رَجُل هُوَ عِنْده مُخْتَفٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْكَذِب فِي أَنَّهُ لَا يَعْلَم أَيْنَ هُوَ ، وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ الطَّبَرِيُّ : لَا يَجُوز الْكَذِب فِي شَيْء أَصْلًا . قَالُوا : وَمَا جَاءَ مِنْ الْإِبَاحَة فِي هَذَا الْمُرَاد بِهِ التَّوْرِيَة ، وَاسْتِعْمَال الْمَعَارِيض ، لَا صَرِيح الْكَذِب ، مِثْل أَنْ يَعِد زَوْجَته أَنْ يُحْسِن إِلَيْهَا وَيَكْسُوهَا كَذَا ، وَيَنْوِي إِنْ قَدَّرَ اللَّه ذَلِكَ . وَحَاصِله أَنْ يَأْتِي بِكَلِمَاتٍ مُحْتَمَلَة ، يَفْهَم الْمُخَاطَب مِنْهَا مَا يُطَيِّب قَلْبه . وَإِذَا سَعَى فِي الْإِصْلَاح نَقَلَ عَنْ هَؤُلَاءِ إِلَى هَؤُلَاءِ كَلَامًا جَمِيلًا ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ إِلَى هَؤُلَاءِ كَذَلِكَ وَوَرَّى وَكَذَا فِي الْحَرْب بِأَنْ يَقُول لِعَدُوِّهِ : مَاتَ إِمَامكُمْ الْأَعْظَم ، وَيَنْوِي إِمَامهمْ فِي الْأَزْمَان الْمَاضِيَة : أَوْ غَدًا يَأْتِينَا مَدَد أَيْ طَعَام وَنَحْوه . هَذَا مِنْ الْمَعَارِيض الْمُبَاحَة ، فَكُلّ هَذَا جَائِز . وَتَأَوَّلُوا قِصَّة إِبْرَاهِيم وَيُوسُف وَمَا جَاءَ مِنْ هَذَا عَلَى الْمَعَارِيض . وَاَللَّه أَعْلَم . وَأَمَّا كَذِبه لِزَوْجَتِهِ وَكَذِبهَا لَهُ فَالْمُرَاد بِهِ فِي إِظْهَار الْوُدّ وَالْوَعْد بِمَا لَا يَلْزَم وَنَحْو ذَلِكَ ، فَأَمَّا الْمُخَادَعَة فِي مَنْع مَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا ، أَوْ أَخْذ مَا لَيْسَ لَهُ أَوْ لَهَا فَهُوَ حَرَام بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ . وَاَللَّه أَعْلَم .
مشكل الآثار للطحاوي - (ج 6 / ص 406)
باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما رخص فيه من الكلام الذي يراد به الصلاح بين الناس والكلام الذي يحدث به الرجل امرأته ، والكلام الذي تحدث به المرأة زوجها ، والكلام في الحرب
2447 - حدثنا بكار بن قتيبة قال : حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير قال : حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن عثمان يعني ابن خثيم ، عن شهر بن حوشب ، عن أسماء ابنة يزيد قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا يصلح الكذب إلا في إحدى ثلاث : إصلاح بين الناس ، وكذب الرجل لامرأته ليرضيها ، وكذب الحرب »
2448 - حدثنا فهد قال : حدثنا محمد بن كثير ، عن عبد الله بن واقد ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن أبي الطفيل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ألا إنه لا يصلح الكذب إلا في إحدى ثلاث : رجل كذب امرأته ليستصلح خلقها ، ورجل كذب ليصلح بين امرأين مسلمين ، ورجل كذب في خديعة حرب ، إن الحرب خدعة (1) »
__________
(1) الخدعة : المكر والحيلة
2449 - حدثنا الحسن بن غليب قال : حدثنا يوسف بن عدي قال : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان الرازي ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن شهر بن حوشب قال : أخبرتني أسماء ابنة يزيد الأشعرية قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كل الكذب يكتب على بني آدم إلا من كذب لامرأته ، أو رجل كذب بين امرأين مسلمين يصلح بينهما ، ورجل كذب في حرب » قال : فتأملنا هذه الآثار ، فوجدنا فيها قول من رويت عنه مما أضيف فيها من الأحوال التي تصلح للكذب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدنا الله عز وجل قد قال في كتابه : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين (1) ووجدناه عز وجل قد قال في كتابه : واجتنبوا قول الزور (2) فكان فيما تلونا أمره عز وجل لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين به أن يكونوا مع الصادقين ، وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تقدمه من أنبيائه صلوات الله عليهم ، ولم يخصص ذلك بحال دون حال ، ولا وقت دون وقت بل عم به الأحوال كلها والأوقات كلها ، وكذلك ما أمر به من اجتنابه فيها هو كذلك أيضا على الأوقات كلها ، وعلى الأحوال كلها ورسول الله صلى الله عليه وسلم أبعد الناس من خلاف ما أمره به ربه عز وجل ، ثم نظرنا هل روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المعاني سوى ما قد رويناه في هذا الباب
__________
(1) سورة : التوبة آية رقم : 119
(2) سورة : الحج آية رقم : 30
2450 - فوجدنا فهدا قد حدثنا قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني الليث قال : حدثني يحيى بن أيوب ، عن مالك بن أنس ، عن ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أم كلثوم ابنة عقبة أنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ، فيقول خيرا أو ينمي (1) خيرا »
__________
(1) نمى : نقل الحديث بين الناس وبلغه بنية الإصلاح
2451 - ووجدنا ابن أبي داود قد حدثنا قال : حدثنا أبو اليمان قال : حدثنا شعيب ، عن الزهري قال : حدثنا حميد بن عبد الرحمن أن أمه أم كلثوم ابنة عقبة وكانت من المهاجرات اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « ليس الكذاب الذي ينمي (1) خيرا ، أو يقول خيرا ليصلح بين الناس » وكان في هذين الحديثين نفي رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب عمن يصلح بين الناس ، فينمي خيرا أو يقول خيرا ، ولم يكن ذلك إلا على القول الذي بمعاريض الكلام مما ليس قائله كاذبا
__________
(1) نمى : نقل الحديث بين الناس وبلغه بنية الإصلاح
2452 - ووجدنا ابن أبي داود قد حدثنا قال : حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن ، أن أم كلثوم ابنة عقبة أخبرته ، أنها ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ، فيقول خيرا أو ينمي (1) خيرا » ، ولم يرخص في شيء مما يقول الناس : إنه كذب إلا في ثلاث : في الحرب ، وإصلاح بين الناس ، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها ووجدنا أحمد بن شعيب قد حدثنا قال : حدثنا كثير بن عبيد ، عن محمد بن حرب ، عن الزبيدي ، عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن أن أم كلثوم ابنة عقبة ، حدثته أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، ثم ذكر مثله قال : وكان في هذا الحديث أيضا نفي رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب عمن كانت هذه الأحوال منه ، وكان فيه ، ولم يرخص في شيء مما يقول الناس إنه كذب أي : لظاهره عندهم ، وليس قائله بكذاب إذ كان لم يرد به الكذب إنما أراد معنى سواه ، فكان في ذلك نفي الكذب مما كان منه
__________
(1) نمى : نقل الحديث بين الناس وبلغه بنية الإصلاح
2453 - ووجدنا أحمد قد حدثنا قال : أنبأنا الحسن بن محمد يعني الزعفراني قال : حدثنا : عبد الأعلى قال : حدثنا وهيب قال : حدثنا أيوب ، ومعمر ، عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أم كلثوم ابنة عقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ليس بكذاب من أصلح بين الناس أو قال خيرا أو نمى خيرا » قال : فكان الكلام في هذا كالكلام فيما رويناه قبله في الفصل الثاني من الفصلين اللذين تقدمت روايتنا لهما في هذا الباب ، فقال قائل : فقد روي حديث أم كلثوم هذا بمثل ما روي به حديث أسماء فذكر ما
2454 - قد حدثنا به إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا أبو عاصم ، عن ابن جريج قال : حدثت عن ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أمه أم كلثوم ابنة عقبة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في الكذب في ثلاثة : في الحرب ، وفي قول الرجل لامرأته ، وفي الصلح بين الناس
2455 - حدثنا يونس قال : حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، وحدثنا محمد بن خزيمة ، وفهد قالا : حدثنا عبد الله بن صالح قال : كل واحد منهما حدثني الليث ، عن ابن الهاد ، عن عبد الوهاب ، عن ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أم كلثوم ابنة عقبة قالت : ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « لا أعده كذابا : الرجل يصلح بين الناس يقول القول لا يريد به إلا الإصلاح ، والرجل يقول القول في الحرب ، والرجل يحدث امرأته ، والمرأة تحدث زوجها » فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل أن حديث إبراهيم بن أبي عاصم فاسد الإسناد ؛ لأن ابن جريج إنما حدث به عن رجل مجهول عن ابن شهاب ، وأما حديث عبد الوهاب فإن الذي فيه حكاية عن بعض رواته أن هذه الأشياء رخص فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا بأس بالكذب في تلك الأشياء إنما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في ذلك في تلك الأشياء ، وكان الذي فيه من ذكر الكذب يحتمل أن يكون ما عده قائل ذلك من رواة هذا الحديث كذبا ليس كذبا في الحقيقة ، وإنما هو لظنه ذلك . وفي ذلك ما قد وقفنا به على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك يوافق ذلك الباب ، فإن قال قائل : وهل يباح التعريض في مثل هذا حتى يكون المخاطب يقع في قلبه خلاف حقيقة كلام من يخاطبه ؟ فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أن ذلك مما لا بأس به . قال : وهو في كتاب الله عز وجل في قصة موسى عليه السلام مع صاحبه لما قال له لا تؤاخذني بما نسيت (1) ليس لأنه نسي ، ولكنه على معاريض الكلام ، ومثل ذلك ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : الحرب خدعة
__________
(1) سورة : الكهف آية رقم : 73
2456 - كما حدثنا يزيد بن سنان قال : حدثنا محمد بن كثير قال : حدثنا سفيان الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن ذي حدان ، عن علي رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمى الحرب خدعة
2457 - وكما حدثنا يزيد بن سنان ، وإبراهيم بن مرزوق جميعا قالا : حدثنا أبو عاصم قال : أنبأنا ابن جريج قال : أخبرني أبو الزبير ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنما الحرب خدعة » وكما حدثنا عبد الرحمن بن الجارود ، وعلي بن عبد الرحمن قالا حدثنا فضالة بن المفضل بن فضالة بن عبيد القتباني قال : حدثني أبي ، عن محمد بن عجلان ، عن أبي الزناد ، عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله فكان في ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرب أنها كذلك ما قد عقلنا به أن الكلام الذي يراد به الحرب هو الكلام الذي يكون ظاهره معنى يخيف أهل الحرب ، وإن كان باطنه مما يريده المتكلمون به خلاف ذلك ، وإذا كان ذلك كذلك في الحرب عقلنا به أن المرخص فيه في الحرب في الآثار المتقدمة في هذا الباب هو هذا المعنى بعينه لا ما سواه ، وإذا كان ذلك كذلك في الحرب كان الذي يصلح به الرجل بين الناس ، والذي يصلح به قلب زوجته ، والذي تصلح به الزوجة قلب زوجها هو هذا المعنى أيضا لا الكذب ، وقد حقق ذلك أيضا في حديث أم كلثوم ، ولم يرخص في شيء مما يقول الناس إنه كذب إلا في ثلاث ، أي مما يقول الناس إنه كذب ، وليس بكذب ، وهذه المعاني هي الأولى بأهل العلم أن يحملوا أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها ، وفيما روينا من أحاديث أم كلثوم هذه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس الكذاب الذي يمشي يصلح بين الناس ، فينمي خيرا أو يقوله ، وفي ذلك نفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن كانت تلك حاله الكذب ، وإذا انتفى عنه بذلك الكذب انتفى عمن كان منه الكذب أيضا ، وثبت أن الذي كان في ذلك هو المعاريض لا ما سواها . وقد روي في المعاريض عن عمر بن الخطاب ، وعمران بن حصين رضي الله عنهما
2458 - ما قد حدثنا أحمد بن أبي عمران قال : حدثنا علي بن الجعد قال : حدثنا أبو محمد الرازي ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، قال : قال عمر رضي الله عنه : « أما في المعاريض ما يغني المسلم عن الكذب »
2459 - وما قد حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا وهب بن جرير قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن مطرف بن عبد الله قال : صحبت عمران بن حصين من الكوفة إلى البصرة ، فما كان يأتي علينا يوم إلا أنشدنا عليه شعرا ، وقال : « إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب » قال : وهذه المعاني التي خرجنا معاني هذه الآثار عليها ، فأما حديث أسماء ابنة يزيد الذي فيه التصريح بما صرح به فيه فإنما دار على عبد الله بن عثمان بن خثيم ، وهو رجل مطعون في روايته منسوب إلى سوء الحفظ ، وإلى قلة الضبط ورداءة الأخذ ، وأما حديث أم كلثوم فمن رواه من أهل العلم الذين يؤخذ مثله عنهم فإنما ذكر فيه نفي الكذب ، منهم مالك بن أنس ، ومنهم صالح بن كيسان وزاد على مالك فيه أن الذي رخص فيه فذكر تلك الأشياء ، ثم قال : مما يقول الناس إنه كذب ، فأضاف الكذب إلى قول الناس في تلك الأشياء ، لا إلى حقائق تلك الأشياء ، والله نسأله التوفيق
شرح ابن بطال - (ج 15 / ص 86)
وفى هذا الحديث: زيادة لم يذكرها البخارى فى حديثه، حدثنا بذلك أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله الهمدانى قال: حدثنا أبو الربيع محمد بن الفضيل البلخى الصفار، حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق الخزاعى، حدثنى أبو يحيى بن أبى ميسرة، حدثنا يحيى بن محمد الحارثى، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن عبد الوهاب بن رفيع، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أمه أم كلثوم بنت عقبة قالت: « ما سمعت النبى - صلى الله عليه وسلم - يرخص فى الكذب إلا فى ثلاث: كان النبى - صلى الله عليه وسلم - يقول: لا أعدهن كذبًا: الرجل يصلح بين الناس يقول قولا يريد به الصلاح، والرجل يحدث زوجته، والمرأة تحدث زوجها، والرجل يقول فى الحرب » .
قال الطبرى: اختلف العلماء فى هذا الباب فقالت طائفة: الكذب الذى رخص فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى هذه الثلاث هو جميع معانى الكذب. واحتجوا بما رواه الأعمش، عن عبد الملك بن ميسرة، عن النزال بن سبرة قال: كنا عند عثمان، وعنده حذيفة فقال له عثمان: إنه بلغنى عنك أنك قلت كذا وكذا. فقال حذيفة: والله ما قلته. وقد سمعناه قبل ذلك يقوله، فلما خرج قلنا له: أليس قد سمعناك تقول؟ قال: بلى. قلنا: فلم حلفت؟ قال: إنى أشترى دينى بعضه ببعض مخافة أن يذهب كله. واحتجوا بحديث ابن شهاب أن عمر بن الخطاب قال لقيس بن مكشوح: هل حدثت نفسك بقتلى؟ قال: لو هممت فعلت. فقال عمر له: لو قلت: نعم ضربت عنقك، فنفاه من المدينة، فقال له عبد الرحمن بن عوف: لو قال: نعم ضربت عنقه؟ قال: لا ولكن أسترهبه بذلك.
وقالت طائفة: لا يصلح الكذب تعريضًا فى جد ولا لعب. روى سفيان عن الأعمش قال: ذكرت لإبراهيم الحديث الذى رخص فيه الكذب فى الإصلاح بين الناس، فقال إبراهيم: كانوا لا يرخصون فى الكذب فى جد ولا هزل. وروى مجاهد عن أبى معمر، عن ابن مسعود قال: لا يصلح الكذب فى جد ولا هزل ولا أن يعد أحدكم ولده شيئًا ثم لا ينجزه، اقرءوا إن شئتم: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [التوبة: 119].
وقال آخرون: بل الذى رخص فيه هو المعاريض. وقد قال ابن عباس: ما أحب بأن لى بمعاريض الكذب كذا وكذا. وهو قول سفيان وجمهور العلماء.
وقال المهلب: ليس لأحد أن يعتقد إباحة الكذب، وقد نهى النبى - صلى الله عليه وسلم - عن الكذب نهيًا مطلقًا، وأخبر أنه مجانب للإيمان، فلا يجوز استباحة شىء منه، وإنما أطلق - صلى الله عليه وسلم - للصلح بين الناس أن يقول ما علم من الخير بين الفريقين، ويسكت عما سمع من الشر بينهم ويعد أن يسهل ما صعب ويقرب ما بعد، لا أنه يخبر بالشىء على خلاف ما هو عليه لأن الله قد حرم ذلك ورسوله، وكذلك الرجل يعد المرأة ويمنيها وليس هذا من الكذب؛ لأن حقيقة الكذب الإخبار عن الشىء على خلاف ما هو عليه، والوعد لا يكون حقيقة حتى ينجز، والإنجاز مرجو فى الاستقبال فلا يصح أن يكون كذبًا.
وكذلك فى الحرب أيضًا إنما يجوز فيها المعاريض والإيهام بألفاظ تحتمل وجهين فيؤدى بها عن أحد المعنيين ليغتر السامع بأحدهما عن الآخر، وليس حقيقة الإخبار عن الشىء بخلافه وضده، ونحو ذلك ما روى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - : « أنه مازح عجوزًا فقال: إن العجز لا يدخلن الجنة » فأوهمها فى ظاهر الأمر أنهن لا يدخلن أصلا، وإنما أراد بهن لا يدخلن الجنة إلا شبابًا، فهذا وشبهه من المعاريض التى فيها مندوحة عن الكذب، فإن لم يسمع المصلح شيئًا فله أن يعد بخير ولا يقول: سمعت وهو لم يسمع ونحوه. قال الطبرى: والصواب فى ذلك قول من قال: الكذب الذى أذن فيه النبى - صلى الله عليه وسلم - هو ما كان تعريضًا ينحو به نحو الصدق، نحو ما روى عن إبراهيم النخعى أن امرأته عاتبته فى جارية وفى يده مروحة فجعل إبراهيم النخعى يقول: اشهدوا أنها لها ويشير بالمروحة فلما قامت امرأته قال: على أى شىء أشهدتكم؟ قالوا: أشهدتنا على أنها لها. قال: ألم ترونى أنى أشير بالمروحة.
وأما صريح الكذب فهو غير جائز لأحد كما قال ابن مسعود لما روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تحريمه والوعيد عليه، وأما قول حذيفة فإنه خارج عن معانى الكذب التى روى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه أذن فيها، وإنما ذلك من جنس إحياء الرجل نفسه عند الخوف، كالذى يضطر إلى الميتة ولحم الخنزير فيأكل ليحيى به نفسه، وكذلك الحالف له أن يخلص نفسه ببعض ما حرم الله عليه، وله أن يحلف على ذلك ولا حرج عليه ولا إثم، وسيأتى فى كتاب الأدب باب المعاريض مندوحة عن الكذب.
دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين - (ج 2 / ص 320)
2492 ـــ (وعن أم كلثوم) بضم الكاف وسكون اللام وبالمثلثة آخره ميم (بنت عقبة) بضم المهملة وسكون القاف بعدها موحدة فهاء (ابن أبي معيط) بضم الميم وفتح المهملة الأولى بعدها تحتية ساكنة واسمه، أبان بن أبي عمرو واسمه ذكوان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أسلمت (رضي الله عنها) بمكة قبل أن يأخذ النساء في الهجرة إلى المدينة ثم هاجرت وبايعت فهي من المهاجرات المبايعات. قيل وهي أول من هاجر من النساء كانت هجرتها في سنة سبع في الهدنة التي كانت بين رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبين المشركين من قريش، وكانوا صالحوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أن يردّ إليهم من جاء مؤمناً وفيها نزلت: {إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات} (الممتحنة:10) الآية. وذلك أنها لما هاجرت لحقها أخواها الوليد وعمارة ابنا عقبة حتى قدما على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسألانه أن يردها عليهما بالعهد الذي كان بينه وبين قريش في الحديبية فلم يفعل، وقال: نأبى ذلك. قال عمر بن عبد العزيز: يقولون إنها مشت على قدمها من مكة إلى المدينة، فلما قدمت المدينة تزوّجها زيد بن حارثة، فقتل عنها يوم مؤتة فتزوّجها الزبير بن العوام، فولدت له زينب، ثم طلقها فتزوّجها عبد الرحمن بن عوف فولدت له إبراهيم وحميداً ومحمداً وإسماعيل، ومات عنها فتزوّجها عمرو بن العاص فمكثت عنده شهراً وماتت، وهي أخت عثمان بن عفان لأمه. وروى عنها ابنها حميد بن عبد الرحمن وغيره، روي لها عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عشرة أحاديث فيما ذكر ابن حزم آخر سيرته وابن الجوزي في «مختصر التلقيح» إلا أنهما قالا في ترجمة من روي له عشرة أحاديث: أم كلثوم ولم ينسبوها، ثم رأيت ابن مالك قال في «شرح المشارق»: إنها روى لها كذلك، ولها في «الصحيحين» هذا الحديث الواحد اهـ. (قالت: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: ليس الكذاب) أي إثم الكذب من قبيل ذكر الملزوم وإرادة اللام أو معناه: ليس بكثير الكذب (الذي يصلح بين الناس) أي يكذب للإصلاح بين المتباغضين لأن هذا الكذب يؤدي إلى الخير وهو قليل أيضاً (فينمي خيراً) بفتح التحتية أي يبلغ خبراً فيه خير يقال نمى الحديث: إذا بلغه على وجه الإصلاح، ونماه بالتشديد: إذا بلغه على وجه الإفساد (أو) شك من الراوي أي شك هل قال: «فينمي خيراً» أو قال (يقول خيراً متفق عليه) رواه البخاري في كتاب الصلح ومسلم في الأدب، وكذا رواه فيه أبو داود والترمذي في البرّ وقال: حسن صحيح، والنسائي في السير.
(وفي رواية مسلم) لهذا الحديث أي في بعض طرقه زيادة على الرواية المتفق عليها، فالرواية المذكورة آنفاً فيه أيضاً من طريق معمر قال فيه إلى قوله: «وينمي خيراً» ولم يذكر ما بعده، أي من الزيادة وتلك الزيادة هي قوله: (قالت) أي أم كلثوم كذا في طريق عند مسلم وفي طريق أخرى عنده قال ابن شهاب الزهري: «ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث» الحديث فجعل مسلم في تلك الطريق هذه الزيادة من قول الزهري. وفي الطريق التي أشار إليها المصنف قول أم كلثوم فقال: قالت (ولم أسمعه) أي النبيّ (يرخص) بتشديد الخاء المعجمة وبعدها مهملة، من الترخيص، ضد الحظر (في شيء مما يقول الناس) أي إنه كذب كما هو كذلك في قول الزهري، وحذف قولها كذب هو كذا عند مسلم (إلا في ثلاث) أي من الخصال (تعني) أي أم كلثوم بتلك الثلاث (الحرب) كأن يقول لأعداء الدين: مات كبيركم أولنا جيش كبير يأتينا، أو نحو ذلك مما فيه مصلحة عامة للمسلمين، فيجوز ارتكاب الكذب لعظم النفع (والإصلاح بين الناس) بأن يقول لزيد مثلاً: رأيت عمرو: يعني عدوه، يحبك ويثني عليك خيراً مما لم يكن ليصلح بينهما ويذهب الشنآن (وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها) كأن يقول أحدهما للآخر لا أحد أحبّ إليّ منك، فهذا الكذب جائز لعظم المصلحة المترتب عليه على محظور الإخبار بخلاف الواقع. وكذا يجوز الكذب لتخليص محترم، بل يجب على من سئل عن محترم قصد سائله عن إهلاكه أن يخفيه ولو باليمين، وليس في الحديث ما يدل على الحصر. وقال قوم: لا يجوز ذلك إلا بطريق التورية، وهي أن يريد المتكلم بكلامه خلاف ظاهره كأن يقول فعل فلان كذا وينوي إن قدر، ويقول في الحرب: مات كبيركم ويريد بعض المتقدمين منهم. قال الدماميني في «حاشية البخاري»: وليس في الحديث ما يقتضي جواز الكذب، فإنه قال: «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس» وسلب الكذب عن المصلح لا يستلزم كون ما يقوله كذباً لجواز أن يكون صدقاً بطريق التصريح أو التعريض اهـ.
الفتاوى الكبرى - (ج 9 / ص 128)
الْوَجْهُ الْخَامِسَ عَشَرَ وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ حِيلَةً أَوْ يُسَمِّيهِ بَعْضُ النَّاسِ حِيلَةً ، أَوْ يُسَمُّونَهُ آلَةً - مِثْلُ الْحِيلَةِ الْمُحَرَّمَةِ - حَرَامًا فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ فِي تَنْزِيلِهِ : { إلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا } فَلَوْ احْتَالَ الْمُؤْمِنُ الْمُسْتَضْعَفُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْ بَيْنِ الْكُفَّارِ لَكَانَ مَحْمُودًا فِي ذَلِكَ وَلَوْ احْتَالَ مُسْلِمٌ عَلَى هَزِيمَةِ الْكَافِرِ ، كَمَا فَعَلَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ ، أَوْ عَلَى أَخْذِ مَالِهِ مِنْهُمْ ، كَمَا فَعَلَ الْحَجَّاجُ بْنُ علاطة وَعَلَى قَتْلِ عَدُوٍّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ كَمَا فَعَلَ النَّفَرُ الَّذِينَ احْتَالُوا عَلَى ابْنِ أَبِي الْحَقِيقِ الْيَهُودِيِّ وَعَلَى قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَكَانَ مَحْمُودًا أَيْضًا ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { الْحَرْبُ خَدْعَةٌ } .
وَكَانَ إذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَّى بِغَيْرِهَا وَلِلنَّاسِ فِي التَّلَطُّفِ وَحُسْنِ التَّحَيُّلِ عَلَى حُصُولِ مَا فِيهِ رِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، أَوْ دَفْعِ مَا يَكِيدُ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ سَعْيٌ مَشْكُورٌ .
وَالْحِيلَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ التَّحَوُّلِ وَهُوَ النَّوْعُ مِنْ الْحَوْلِ كَالْجِلْسَةِ وَالْقِعْدَةِ مِنْ الْجُلُوسِ وَالْقُعُودِ وَالْأَكْلَةِ وَالشِّرْبَةِ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَمَعْنَاهَا نَوْعٌ مَخْصُوصٌ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالْعَمَلِ الَّذِي هُوَ التَّحَوُّلُ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ هَذَا مُقْتَضَاهُ فِي اللُّغَةِ ، ثُمَّ غُلِّبَتْ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ عَلَى مَا يَكُونُ مِنْ الطُّرُقِ الْخَفِيَّةِ إلَى حُصُولِ الْغَرَضِ وَبِحَيْثُ لَا يُتَفَطَّنُ لَهُ إلَّا بِنَوْعٍ مِنْ الذَّكَاءِ وَالْفِطْنَةِ فَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ أَمْرًا حَسَنًا كَانَتْ حِيلَةً حَسَنَةً ، وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا كَانَتْ قَبِيحَةً ، وَلَمَّا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَتْ الْيَهُودُ فَتَسْتَحِلُّونَ مَحَارِمَ اللَّهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ } .
صَارَتْ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ إذَا أُطْلِقَتْ قُصِدَ بِهَا الْحِيَلُ الَّتِي يُسْتَحَلُّ بِهَا الْمَحَارِمُ كَحِيلِ الْيَهُودِ ، وَكُلُّ حِيلَةٍ تَضَمَّنَتْ إسْقَاطَ حَقِّ اللَّهِ ، أَوْ الْآدَمِيِّ ، فَهِيَ تَنْدَرِجُ فِيمَا يُسْتَحَلُّ بِهَا الْمَحَارِمُ ، فَإِنَّ تَرْكَ الْوَاجِبِ مِنْ الْمَحَارِمِ .
أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّى الْحَرْبَ خَدْعَةً ؛ ، ثُمَّ إنَّ الْخِدَاعَ فِي الدِّينِ مُحَرَّمٌ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَقَالَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَكَانَتْ مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا ، أَوْ يَقُولُ خَيْرًا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ : " وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ إلَّا فِي ثَلَاثٍ يَعْنِي الْحَرْبَ وَالْإِصْلَاحَ بَيْنَ النَّاسِ ، وَحَدِيثَ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ ، وَحَدِيثَ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا ، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَلَمْ أَسْمَعْ يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ أَنَّهُ كَذِبٌ إلَّا فِي ثَلَاثٍ .
وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ سَكَنٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ مَا يَحْمِلُكُمْ عَلَى أَنْ تَتَابَعُوا فِي الْكَذِبِ كَمَا يَتَتَابَعُ الْفَرَاشُ كُلُّ الْكَذِبِ يُكْتَبُ عَلَى ابْنِ آدَمَ إلَّا ثَلَاثَ خِصَالٍ رَجُلٌ كَذَبَ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا وَرَجُلٌ كَذَبَ بَيْنَ امْرَأَيْنِ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمَا وَرَجُلٌ كَذَبَ فِي خَدْعَةِ حَرْبٍ } .
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِنَحْوِهِ وَلَفْظُهُ : { لَا يَحِلُّ الْكَذِبُ إلَّا فِي ثَلَاثٍ } وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ ، وَيُرْوَى أَيْضًا ، عَنْ ثَوْبَانَ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا : { الْكَذِبُ كُلُّهُ إثْمٌ إلَّا مَا يُنْفَعُ بِهِ الْمُسْلِمُ أَوْ دُفِعَ بِهِ عَنْ دِينٍ } .
فَلَمْ يُرَخِّصْ فِيمَا تُسَمِّيهِ النَّاسُ كَذِبًا ، وَإِنْ كَانَ صِدْقًا فِي الْعِنَايَةِ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَمْ يَكْذِبْ إبْرَاهِيمُ إلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ قَوْلَهُ لِسَارَةَ أُخْتِي .
وَقَوْلَهُ : بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا وَقَوْلَهُ إنِّي سَقِيمٌ } وَالثَّلَاثُ مَعَارِيضُ وَمَلَاحَةٌ .
فَإِنَّهُ قَصَدَ بِاللَّفْظِ مَا يُطَابِقُهُ فِي عِنَايَتِهِ لَكِنْ لَمَّا أَفْهَمَ الْمُخَاطَبَ مَا لَا يُطَابِقُهُ سُمِّيَ كَذِبًا ، ثُمَّ هَذَا الضَّرْبُ قَدْ ضُيِّقَ فِيهِ كَمَا تَرَى .
يُؤَيِّدُ هَذَا التَّفْسِيرَ مَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ { أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَكْذِبُ امْرَأَتِي ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا خَيْرَ فِي الْكَذِبِ فَقَالَ الرَّجُلُ : أَعِدُهَا وَأَقُولُ لَهَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا جُنَاحَ عَلَيْك } .
وَسَيَجِيءُ كَلَامُ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِي ذَلِكَ وَبِالْجُمْلَةِ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُظْهِرَ قَوْلًا وَفِعْلًا مَقْصُودُهُ بِهِ مَقْصُودٌ صَالِحٌ ، وَإِنْ ظَنَّ النَّاسُ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ غَيْرَ مَا قَصَدَ بِهِ إذَا كَانَتْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ دِينِيَّةٌ مِثْلُ دَفْعِ ظُلْمٍ عَنْ نَفْسِهِ ، أَوْ عَنْ مُسْلِمٍ ، أَوْ دَفْعِ الْكُفَّارِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الِاحْتِيَالِ عَلَى إبْطَالِ حِيلَةٍ مُحَرَّمَةٍ ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَهَذِهِ حِيلَةٌ جَائِزَةٌ .
وَإِنَّمَا الْمُحَرَّمُ مِثْلُ أَنْ يَقْصِدَ بِالْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ وَنَحْوِهَا غَيْرَ مَا شُرِعَتْ الْعُقُودُ لَهُ ، فَيَصِيرَ مُخَادِعًا لِلَّهِ ، كَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ خَادَعَ النَّاسَ وَمَقْصُودُهُ حُصُولُ الشَّيْءِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ لَوْلَا تِلْكَ الْحِيلَةُ وَسُقُوطُ الشَّيْءِ الَّذِي يُوجِبُهُ اللَّهُ تَعَالَى لَوْلَا تِلْكَ الْحِيلَةُ ، كَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ مَقْصُودُهُ إظْهَارُ دِينِ اللَّهِ وَدَفْعُ مَعْصِيَةِ اللَّهِ ، وَنَظِيرُ هَذَا أَنْ يَتَأَوَّلَ الْحَالِفُ مِنْ يَمِينِهِ إذَا اسْتَحْلَفَهُ الْحَاكِمُ لِفَصْلِ الْخُصُومَةِ ، فَإِنَّ يَمِينَك عَلَى مَا يُصَدِّقُك بِهِ صَاحِبُك ، وَالنِّيَّةُ لِلْمُسْتَحْلَفِ فِي مِثْلِ هَذَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَنْفَعُهُ التَّأْوِيلُ وِفَاقًا ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَأَوَّلَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ الْأَكْثَرِ مِنْ الْعُلَمَاءِ ، بَلْ الِاحْتِيَالُ فِي الْعُقُودِ أَقْبَحُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُخَادَعَ فِيهَا هُوَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَمَنْ خَادَعَ اللَّهَ فَإِنَّمَا خَدَعَ نَفْسَهُ وَمَا يَشْعُرُ ، وَلِهَذَا لَا يُبَارَكُ لِأَحَدٍ فِي حِيلَةٍ اسْتَحَلَّ بِهَا شَيْئًا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ وَيَتَبَيَّنُ الْحَالُ بِذِكْرِ أَقْسَامِ الْحِيَلِ .
يسألونك فتاوى - (ج 2 / ص 39)
الكذب عى الزوجة
تقول السائلة : أن زوجها يكذب عليها في حالات كثيرة ويدعي أن الكذب على الزوجة جائز شرعاً فما قولكم في ذلك ؟
الجواب : لا شك أن الكذب خصلة ذميمة وذنب من أقبح الذنوب وقد تظاهرت الآيات والأحاديث على تحريم الكذب بشكل عام فقد ثبت في الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن والرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ) رواه البخاري ومسلم .
وثبت في الحديث الصحيح أيضاً عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر ) رواه البخاري مسلم .
والكذب ليس من صفات المؤمنين الصادقين يقول الله سبحانه وتعالى :( إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) .
هذا هو الأصل في الكذب أنه محرم وأنه فاحشة من فواحش الذنوب ولكن هذا الأصل له استثناء فقد أجاز الشرع الكذب في بعض المواطن وجعله مباحاً قال الإمام النووي رحمه الله :[ اعلم أن الكذب وإن كان أصله محرماً فيجوز في بعض الأحوال إلى أن قال " إن الكلام وسيلة إلى المقاصد فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب ، ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً كان الكذب مباحاً وإن كان واجباً كان الكذب واجباً فإذا اختفى مسلم من ظالم يريد قتله أو أخذ ماله وسئل إنسان عنه وجب الكذب بإخفائه وكذا لو كان عنده وديعة وأراد ظالم أخذها وجب الكذب بإخفائه والأحوط في ذلك كله أن يوري ومعنى التورية أن يقصد في كلامه مقصوداً صحيحاً ليس هو كاذباً بالنسبة إليه وإن كان كاذباً في ظاهر اللفظ بالنسبة إلى ما يفهمه المخاطب ولو ترك التورية وأطلق عبارة الكذب فليس بحرام في هذا الحال ] رياض الصالحين ص592 .
وخلاصة الأمر أن هنالك أحوالاً يجوز فيها الكذب وقد وردت في أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومنها :
1. ما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال :( ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً ) .
2. ما رواه مسلم في صحيحه أن أم كلثوم بنت عقبة قالت : ولم أسمعه أي الرسول صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها .
وهذا الحديث يدل على جواز أن يكذب الرجل على زوجته وكذلك المرأة على زوجها ولكن أهل العلم قيدوا كذب الرجل على امرأته وعكسه بأن يكون الكذب فيما يتعلق بأمر المعاشرة وحصول الألفة بينهما .
قال الخطابي :[ كذب الرجل على زوجته أن يعدها ويمنيها ويظهر لها من المحبة أكثر مما في نفسه يستديم بذلك صحبتها ويصلح من خلقها ] عون المعبود 13/179 .
وقال الحافظ ابن حجر [ واتفقوا على أن المراد بالكذب في حق المرأة والرجل إنما هو فيما لا يسقط حقاً عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها ] فتح الباري 6/228 .
وقال الإمام النووي :[ وأما كذبه لزوجته وكذبها له فالمراد به إظهار الود والوعد بما لا يلزم ونحو ذلك ، فأما المخادعة في صنع ما عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها فهو حرام بإجماع المسلمين ) شرح النووي على مسلم 16/158 .
وبهذا يظهر جواز الكذب بين الزوجين إذا كان في ذلك محافظة على الحياة الزوجية ومنع لهدمه فإذا سأل الزوج زوجته هل تحبه فعليها أن تجيبه بنعم وإن كانت تكرهه محافظة على بقاء الأسرة واستمرارية الحياة الزوجية وكما قال عمر رضي الله عنه لتلك المرأة :[ فإن كانت أحداكن لا تحب أحدنا فلا تحدثه بذلك فإن أقل البيوت الذي يبنى على الحب ] .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 8479)
«ستر المظلوم عن الظّالم»
5 - قال العلماء : إنّه يجب على المسلم أن يستر أخاه المسلم إذا سأله عنه إنسان ظالم يريد قتله أو أخذ ماله ظلماً ، وكذا لو كان عنده أو عند غيره وديعة وسأل عنها ظالم يريد أخذها يجب عليه سترها وإخفاؤها ، ويجب عليه الكذب بإخفاء ذلك ، ولو استحلفه عليها لزمه أن يحلف ، ولكنّ الأحوط في هذا كلّه أن يورّي ، ولو ترك التّورية وأطلق عبارة الكذب فليس بحرام في هذه الحال واستدلّوا بجواز الكذب في هذه الحال بحديث أمّ كلثوم رضي الله عنها أنّها سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : « ليس الكذّاب الّذي يصلح بين النّاس فينمي خيراً أو يقول خيراً » .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 10119)
«الاضطرار إلى الكذب»
يحلّ الكذب في أمور ثبتت بالسّنّة ، ففي حديث أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أنّها سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو يقول : « ليس الكذّاب الّذي يصلح بين النّاس ، ويقول خيراً وينمي خيراً » .
قال ابن شهاب - أحد رواة هذا الحديث - : ولم أسمع يرخّص في شيء ممّا يقول النّاس كذب إلاّ في ثلاث : الحرب والإصلاح بين النّاس ، وحديث الرّجل امرأته وحديث المرأة زوجها.
قال العزّ بن عبد السّلام : والتّحقيق أنّ الكذب يصير مأذوناً فيه ويثاب على المصلحة الّتي تضمّنها على قدر رتبة تلك المصلحة من الوجوب في حفظ الأموال والأبضاع والأرواح.
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 12501)
كَذِب
«التعريف»
1 - الكذب لغةً : الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو ، سواء فيه العمد والخطأ .
ولا يخرج اصطلاح الفقهاء عن المعنى اللّغويّ .
الألفاظ ذات الصّلة
«أ - التزوير»
2 - التزوير في اللّغة : تزيين الكذب ، وزورت الكلام في نفسي : هيأته .
وفي الاصطلاح : تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته حتى يخيل إلى من سمعه أو رآه أنّه بخلاف ما هو عليه في الحقيقة ، فهو تمويه الباطل بما يوهم أنّه حقّ .
وبين الكذب والتزوير عموم وخصوص وجهيّ ، فالتزوير يكون في القول والفعل ، والكذب لا يكون إلا في القول . « ر : تزوير ف / 1 » .
والكذب قد يكون مُزيناً أو غير مزين ، والتزوير لا يكون إلا في الكذب المموه .
«ب - الافتراء»
3 - الافتراء في اللّغة والاصطلاح : الكذب والاختلاق ، قال تعالى : « أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ » أي اختلقه وكذب به على الله .
والصّلة بين الكذب والافتراء عموم وخصوص مطلق ، فإنّ الكذب قد يقع على سبيل الإفساد، وقد يكون على سبيل الإصلاح ، كالكذب للإصلاح بين المتخاصمين ، أما الافتراء فإنّ استعماله لا يكون إلا في الإفساد « ر : افتراء ف / 1 » .
«الحكم التكليفيّ»
4 - الأصل في الكذب أنّه حرام بالكتاب والسّنّة وإجماع الأمة ، وهو من أقبح الذّنوب وفواحش العيوب ، قال تعالى : « وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ » .
وروى ابن مسعود أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إنّ الصّدق يهدي إلى البرّ ، وإنّ البر يهدي إلى الجنّة ، وإنّ الرجل ليصدق حتى يكون صدّيقاً ، وإنّ الكذب يهدي إلى الفجور ، وإنّ الفجور يهدي إلى النار ، وإنّ الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً » .
وقال عليه الصلاة والسلام : « كبرت خيانةً أن تحدّث أخاك حديثاً هو لك به مصدّق وأنت له به كاذب » .
وإجماع الأمة منعقد على تحريمه مع النّصوص المتظاهرة على ذلك .
5- وقد يكون الكذب مباحاً أو واجباً ، فالكلام وسيلة إلى المقاصد ، وكلّ مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه ، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب فيه ، ثم إن كان تحصيل ذلك القصد مباحاً كان الكذب مباحاً وإن كان واجباً كان الكذب واجباً ، كما أنّ عصمة دم المسلم واجبة ، فإذا كان في الصّدق سفك دم امرئ مسلم قد اختفى من ظالم فالكذب فيه واجب ، ومحلّ الوجوب ما لم يخش التبين ويعلم أنّه يترتب عليه ضرر شديد لا يحتمل .
وإذا كان لا يتمّ مقصود الحرب أو إصلاح ذات البين أو استمالة قلب المجنيّ عليه إلا بكذب فالكذب فيه مباح ، إلا أنّه ينبغي أن يحترز منه ما أمكن ; لأنّه إذا فتح باب الكذب على نفسه فيخشى أن يتداعى إلى ما يستغنى عنه ، وإلى ما لا يقتصر على حدّ الضرورة ، فيكون الكذب حراماً إلا لضرورة ، والذي يدلّ على هذا الاستثناء ما ورد عن أمّ كلثوم رضي الله عنها : أنّها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً » ، وورد عنها : « لم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث : الحرب ، والإصلاح بين الناس ، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها » ، فهذه الثلاث ورد فيها صريح الاستثناء وفي معناها ما عداها إذا ارتبط به مقصود صحيح له أو لغيره .
فأما ما هو صحيح له فمثل أن يأخذه ظالم ويسأله عن ماله فله أن ينكره ، أو يأخذه سلطان فيسأله عن فاحشة بينه وبين الله تعالى ارتكبها فله أن ينكر ذلك ، فيقول ما زنيت ، ما سرقت ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عنها، فمن ألم فليستتر بستر الله وليتب إلى الله فإنّه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله عز وجل » ، وذلك أنّ إظهار الفاحشة فاحشة أخرى ، فللرجل أن يحفظ دمه وماله الذي يؤخذ ظلماً وعرضه بلسانه وإن كان كاذباً .
وأما عرض غيره فبأن يُسأل عن سرّ أخيه فله أن ينكره ، ونحو ذلك ، ولكنّ الحد فيه أنّ الكذب محذور ، ولو صدق في هذه المواضع تولد منه محذور ، فينبغي أن يقابل أحدهما بالآخر ، ويزن بالميزان القسط ، فإذا علم أنّ المحذور الذي يحصل بالصّدق أشدّ وقعاً في الشرع من الكذب فله أن يكذب ، وإن كان المقصود أهون من مقصود الصّدق فيجب الصّدق، وقد يتقابل الأمران بحيث يتردد فيهما ، وعند ذلك الميل إلى الصّدق أولى ; لأنّ الكذب يباح لضرورة أو حاجة مهمة ، فإن شك في كون الحاجة مهمةً ، فالأصل التحريم ، فيرجع إليه . ولأجل غموض إدراك مراتب المقاصد وينبغي أن يحترز الإنسان من الكذب ما أمكنه ، وكذلك مهما كانت الحاجة له فيستحبّ له أن يترك أغراضه ويهجر الكذب ، فأما إذا تعلق الغرض بغيره فلا تجوز المسامحة لحقّ الغير والإضرار به .
وقالت طائفة من العلماء : لا يجوز الكذب في شيء مطلقاً ، وحملوا الكذب المراد في حديث أمّ كلثوم بنت عقبة على التورية والتعريض ، كمن يقول للظالم دعوت لك أمس ، وهو يريد قوله : اللهم اغفر للمسلمين ، ويعد امرأته بعطية شيء ، ويريد إن قدر الله ذلك .
واتفقوا على أنّ المراد بالكذب في حقّ المرأة والرجل إنّما هو فيما لا يسقط حقّاً عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها .
الحلف على الكذب درءًا للفتنة!
المجيب د. محمد بن إبراهيم الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/ أدب الحديث/الكذب
التاريخ 08/10/1425هـ
السؤال
السلام عليكم.
هل يجوز لي أن أحلف بالله كاذبًا لمنع حدوث فتنة وعنف جسدي بين جماعتين مسلمتين؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن الكذب محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، أما الكذب لأجل الإصلاح بين المسلمين فقد جاء فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لَيْسَ الكذَّابُ الذي يُصلِحُ بين النَّاسِ فَينْمِي خيرًا أو يقولُ خيرًا". أخرجه البخاري في كتاب الصلح، باب ليس الكاذب الذي يصلح بين الناس، حديث رقم: (2692) من فتح الباري، ومسلم في كتاب البر والصلة، باب تحريم الكذب منه. قال ابن شهاب: ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذبًا إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها.
حكى النووي- رحمه الله- عن القاضي- من الشافعية- الإجماع على جواز الكذب في هذه الصور، واختلفوا في المراد بالكذب المباح فيها؛ ما هو؟ فقالت طائفة: هو على إطلاقه. وأجازوا قول ما لم يكن في هذه المواضع للمصلحة، وقالوا: الكذب المذموم ما فيه مضرة. واحتجوا بقول إبراهيم صلى الله عليه وسلم: (قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ)[الأنبياء:63]. وقوله: (إِنِّي سَقِيمٌ)[الصافات:89] وقوله: إنها أختي .
وقول منادي يوسف-صلى الله على نبينا وعليه: (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ) [يوسف:70]. وقال آخرون، منهم الطبري: لا يجوز الكذب في شيء أصلاً. قالوا: وما جاء من الإباحة في هذا فالمراد به التورية واستعمال المعاريض، لا صريح الكذب، مثل أن يعد زوجته أن يحسن إليها ويكسوها كذا، وينوي إن قدر الله ذلك، وحاصله أن يأتي بكلمات محتملة يفهم المخاطب منها ما يطيب قلبه، وإذا سعى في الإصلاح نقل عن هؤلاء إلى هؤلاء كلامًا جميلاً ومن هؤلاء إلى هؤلاء كذلك وورّى.....إلخ، وأجابوا عن قصة إبراهيم ويوسف- عليهما الصلاة والسلام- وما جاء من هذا، على المعاريض. ينظر شرح النووي على صحيح مسلم(16/157،158)، وفتح الباري(5/369).
واختلفت الرواية عن الإمام أحمد- رحمه الله- هل إباحة الكذب في هذه الثلاثة على التورية أو مطلقًا؟ على روايتين: إحداهما أنه على الإطلاق. وهي ظاهر كلام الأصحاب، لأن التعريض جائز في غير هذه الثلاثة بلا حاجة للاستثناء، فلا وجه إذًا لاستثناء هذه الثلاثة واختصاص التصريح بها، والثانية أن المراد التورية وليس الكذب الصريح. ينظر في هذا: الآداب الشرعية لابن مفلح (1/25).
والذي يظهر لي أنه إن أمكنه استخدام المعاريض وترك الكذب الصريح فهو الأولى خروجًا من الخلاف، ولو حلف على ذلك لم يكن به بأس؛ لأنه ليس بكذب محض وإنما جاء بكلام هو في نفسه صدق لكون الكلام يحتمله.
وإن تعذر وكذب لأجل الإصلاح فالإصلاح بين المسلمين مصلحة شرعية لعموم قوله تعالى: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا.....)الآية [الحجرات:9]. لكن هل يحلف على الكذب الصريح الذي فهمته من كلام العلماء أنه لا يحلف. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 12 / ص 331)
الإصلاح والتأليف بين القلوب تنال به الدرجات العلى رقم الفتوى:21824تاريخ الفتوى:03 ذو الحجة 1424السؤال: السلام وعليكم ورحمة الله وبركاته
نحن نسكن في بيت والدنا ومنا أربعة أخوات واجتماعنا شبه يومي ولكن زياراتنا لبعضنا البعض منقطعة خصوصا في بيت كل واحدة منا وباستمرار تكون بيننا شحناء في الصدور ويمر الشهر وما نتكلم مع بعضنا البعض وإنما السلام نرده على بعض أرجو من فضيلتكم إفتائي في ما نحن عليه؟ وجزاكم الله كل خير....
الفتوى: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد حرم الله تعالى قطع الرحم، ولعن فاعله فقال جل شأنه:فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ*أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22-23].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله. متفق عليه.
وفوق ذلك فإن الشحناء محرمة في دين الله ولو كانت مع غير ذي الرحم، فعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث. أخرجه البخاري ومسلم.
فكيف إذا كان الهجر والشحناء بين شقيقات أمرهن الله بصلة الأرحام وحرم عليهن قطعها -كما سبق- ؟ ليس هذا فحسب بل قد أنعم الله عليكن بنعمة عظيمة كان يجب أن تشكرنها ولا تكفرنها، وهي نعمة الجوار والقرب من بعضكن، فالواجب عليكن أن تتقين الله تعالى وأن تتركن الشحناء والبغضاء.
وإنا نوصي السائلة الكريمة بأن تسعى في الإصلاح بين شقيقاتها وفي إعادة حبل الوداد بينهن من جديد، ولتعلم أنها إن فعلت فأجرها عند الله عظيم، قال تعالى:لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [النساء:114].
ولا جناح عليك إذا ادعيت مثلاً لواحدة منهن أو أكثر أن الأخرى تحبها أو تثني عليها في سبيل الإصلاح بينهن فإن ذلك لا يعد كذباً، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً، أو يقول خيراً. متفق عليه.
والله المسؤول أن يؤلف بينكن وأن يذهب عنكن رجز الشيطان.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 26 / ص 93)
الحالات التي يرخص فيها الكذب رقم الفتوى:39152تاريخ الفتوى:25 شعبان 1424السؤال : هل الكذب حرام في جميع صوره؟ أنا طالبة في كلية، و بعض الأحيان تطلب مني زميلة أن أكتب لها اسمها في الحضور وهي ليست حاضرة. أبي رجل عصبي جدا، و دائما يقول لنا إذا تكلم أحد في التليفون يريده نقول له إنه ليس موجودا (أبى) لكي لا يرد عليه. وأنا لا أجرؤ أن أقول له إن هذا حرام فماذا أفعل؟ حاولت أن أتهرب من الرد على التليفون لكن أحد إخوتي يقع في المشكلة.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالكذب حرام، ولا يرخص في الكذب إلا لضرورة أو حاجة، ويجب أن يكون ذلك في أضيق الحدود، بحيث لا توجد وسيلة أخرى مشروعة تحقق الغرض، ومن الوسائل المشروعة التي تحقق الغرض دون وقوع في الكذب: ما يسمى بالمعاريض، حيث تستعمل كلمة تحتمل معنيين، يحتاج الإنسان أن يقولها، فيقولها قاصدا بها معنى صحيحا، بينما يفهم المستمع معنى آخر.
ومن ذلك أن تقولي عن أبيك إنه غير موجود، وتقصدين أنه غير موجود أمامك أو في غرفتك ونحو ذلك.
وقد صح في الحديث جواز الكذب لتحقيق مصلحة دون مضرة، للغير تذكر، فيما رواه البخاري ومسلم عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا. وفي رواية: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث: تعني الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها. ، والمراد بالحديث بين الزوجين هو عن الحب الذي يساعد على دوام العشرة، وقد رأى بعض العلماء الاقتصار في جواز الكذب على ما ورد به النص في الحديث، ولكن جوزه المحققون في كل ما فيه مصلحة دون مضرة للغير، يقول ابن الجوزي ما نصه: وضابطه أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب، فهو مباح إن كان المقصود مباحا، وإن كان واجبا، فهو واجب.
وقال ابن القيم في "زاد المعاد" ج 2 ص 145: يجوز كذب الإنسان على نفسه، وعلى غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه، كما كذب الحجاج بن علاط على المشركين حتى أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت بالمسلمين من ذلك الكذب، وأما ما نال من بمكة من المسلمين من الأذى والحزن، فمفسدة يسيرة في جنب المصلحة التي حصلت بالكذب. وعلى هذا، فكتابة زميلتك في كشف الحضور بينما هي غائبة لا تجوز، لأنه كذب بلا حاجة، كما أنه غش محرم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من غش فليس منا. رواه مسلم.
وكذلك لا يجوز لك أن تقولي لمن سأل عن والدك إنه غير موجود، بينما هو موجود، لأن ذلك كذب يمكن الاستغناء عنه بالمعاريض، وراجعي للأهمية الفتوى رقم: 29059، 29954.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 26 / ص 193)
يريد أن يكذب على زوجته ليخفي عنها راتبه رقم الفتوى:39551تاريخ الفتوى:03 رمضان 1424السؤال : أريد أن أكذب على زوجتي في مسألة راتبي؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالأصل أن الكذب محرم، كما قال صلى الله عليه وسلم: إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار. متفق عليه.
ويستثنى من ذلك جواز الكذب لتحقيق مصلحة لا تتحقق إلا به، دون إلحاق مضرة بالغير، كما في الحديث الذي رواه البخاري و مسلم عن أم كلثوم بنت عقبة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم- يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيرا وينمي خيرا. زاد مسلم قالت: ولم أسمعه -تعني النبي صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء مما يقول الناس كذبا إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.
ورأى بعض العلماء الاقتصار في جواز الكذب على ما ورد به النص في الحديث، ولكن جوزه المحققون في كل ما فيه مصلحة دون مضرة للغير.
قال ابن الجوزي: وضابطه: أن كل مقصد محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب، فهو مباح إن كان المقصود مباحا، وإن كان واجبا، فهو واجب. انتهى.
وبهذا يتبين أنه لا يجوز لك أن تلجأ للكذب لتخفي عن زوجتك راتبك، لأنه بإمكانك أن تخفي عنها ذلك باستعمال المعاريض، فإن في استعمال المعاريض مندوحة عن الكذب، وراجع للأهمية الفتوى رقم: 1126، والفتوى رقم: 29059، ويشترط أن يكون هذا الإخفاء لا يترتب عليه حرمانها من حق من حقوقها.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 49 / ص 395)
حكم من حلف يميناً كاذبة لإصلاح العلاقة مع زوجته رقم الفتوى:6953تاريخ الفتوى:23 ذو القعدة 1421السؤال : السلام عليكم. لقد كان لي علاقات محرمة مع فتيات قبل أن أتزوج.وقد تبت وتركت كل تلك الافعال ولله الحمد . ولكن إحدى الفتيات فى إحدى المناسبات كانت هناك فتاه قد عرفتها من قبل فأخبرت زوجتى أنها كانت تراسلني وبالعكس فجن جنون زوجتي فسألتني كي تتحقق من الخبر فأنكرت كل شئ وطلبت منى أن أحلف لها فحلفت لأنه إن لم أحلف سنضطر إلى الفراق إلى الأبد.وماذا أفعل مع تلك المرأة التي تحاول زرع المشاكل بيني وبين زوجي مع العلم أنها متزوجة أحد أبناء عمي ولها منه أربعة أولاد. فما الحكم فى الحلف لزوجتى لتخمد نار المشاكل؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي ينبغي عليك أن تفعله في هذا المقام أن تحسن العلاقة بينك وبين زوجتك، وتجعلها خيراً مما كانت، وأن تشعرها بمكانتها عندك، ومنزلتها في قلبك، وتظهر لها من جميل الأخلاق، وحميد الصفات فوق ما كانت تعهد منك، مما ينسيها هذا الموقف من تلك المرأة.
وعليك أن تتجاهل هذه الفتاة تجاهلاً تاماً من غير أن تخبر زوجها، أو أحداً آخر بما كان بينكما، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حيي ستير يحب الحياء والستر".
وقال ابن عباس: (إن الله حليم رحيم بالمؤمنين يحب الستر). رواهما أبو داود.
ولأنه ربما أدى معرفتهم بما كان بينكما، وما تقوم به الآن، أو ما فعلته الآن، ربما أدى ذلك إلى قطيعة الرحم بينك وبين أبناء عمومتك، أو إلى فراقها من زوجها.
واجتهد في تذكيرها بالستر على ما ارتكبه العبد من معاص، والتحذير من الوقيعة بين المسلمين، لاسيما بين الزوجة وزوجها، ويكون ذلك بطريق غير مباشر عن طريق إهداء زوجها شريطاً، أو رسالة دعوية تحمل المعاني السابقة.
وأما كذبك على زوجتك وإنكارك لما قالته الفتاة فلا شيء فيه، وهو من الكذب المرخص فيه. قال النووي رحمه الله:( الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصد محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثم إذا كان تحصيل المقصود مباحاً كان الكذب مباحاً، وإن كان واجبا كان الكذب واجباً). أ.هـ.
والمقصود هو دوام حسن العشرة بينك وبين زوجتك، وهذا أمر قصد إليه الشرع، وحث عليه. وقد روى البخاري ومسلم عن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً، أو يقول خيراً".
وفي رواية لمسلم: "لم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ذلك، تعني: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها".
وأما حلفك على ذلك لها، فكان الواجب عليك ألا تحلف، وتدفع ذلك عنك، وتقنعها بما استطعت من حجج غير الحلف، ولو اضطررت إلى ذلك اضطراراً كان لك في التعريض مندوحة عن الحلف الكاذب، وهو اليمين الغموس، وحيث وقع الحلف منك، فعليك التوبة والاستغفار، وقال الشافعي بوجوب الكفارة في اليمين الغموس، لدخوله في عموم الأيمان. والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 50 / ص 46)
نشر المعاصي المستترة يفسد العلاقات والقلوب رقم الفتوى:6988تاريخ الفتوى:23 ذو القعدة 1421السؤال : السلام عليكم.
لقد كان لي علاقات محرمة مع فتيات قبل أن أتزوج، وقد تبت وتركت كل تلك الافعال ولله الحمد. لكن إحداهن وفى احدى المناسبات أخبرت زوجتى أنها كانت تراسلني، فجن جنون زوجتي فسألتني كي تتحقق من الخبر فأنكرت كل شئ وطلبت منى أن أحلف لها فحلفت لأنه إن لم أحلف سنضطر إلى الفراق إلى الأبد. وماذا أفعل مع تلك المرأة التي تحاول زرع المشاكل بيني وبين زوجتي، مع العلم أنها متزوجة من أحد ابناء عمي ولها منه أربعة أولاد. فما الحكم فى الحلف لزوجتى لتخمد نار المشاكل؟.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالذي ينبغي عليك أن تفعله في هذا المقام أن تحسن العلاقة بينك وبين زوجتك، وتجعلها خيراً مما كانت، وأن تشعرها بمكانتها عندك، ومنزلتها في قلبك، وتظهر لها من جميل الأخلاق، وحميد الصفات فوق ما كانت تعهد منك، مما ينسيها هذا الموقف من تلك المرأة.
وعليك أن تتجاهل هذه الفتاة تجاهلاً تاماً من غير أن تخبر زوجها، أو أحداً آخر بما كان بينكما، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حيي ستير يحب الحياء والستر".
وقال ابن عباس: (إن الله حليم رحيم بالمؤمنين يحب الستر). رواهما أبو داود.
ولأن معرفتهم بما كان بينكما، وما تقوم به الآن، أو ما فعلته الآن، قد تؤدي إلى قطيعة الرحم بينك وبين أبناء عمومتك، أو إلى فراقها من زوجها.
واجتهد في تذكيرها بالستر على ما ارتكبه العبد من معاص، والتحذير من الوقيعة بين المسلمين، لاسيما بين الزوجة وزوجها، ويكون ذلك بطريق غير مباشر عن طريق إهداء زوجها شريطاً، أو رسالة دعوية تحمل المعاني السابقة.
وأما كذبك على زوجتك وإنكارك لما قالته الفتاة فلا شيء فيه، وهو من الكذب المرخص فيه. قال النووي رحمه الله:( الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصد محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثم إذا كان تحصيل المقصود مباحاً كان الكذب مباحاً، وإن كان واجبا كان الكذب واجباً). أ.هـ.
والمقصود هو دوام حسن العشرة بينك وبين زوجتك، وهذا أمر قصد إليه الشرع، وحث عليه. وقد روى البخاري ومسلم عن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً، أو يقول خيراً".
وفي رواية لمسلم: "لم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ذلك، تعني: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها".
وأما حلفك على ذلك لها، فكان الواجب عليك ألا تحلف، وتدفع ذلك عنك، وتقنعها بما استطعت من حجج غير الحلف، ولو اضطررت إلى ذلك اضطراراً كان لك في التعريض مندوحة عن الحلف الكاذب، وهو اليمين الغموس، وحيث وقع الحلف منك، فعليك التوبة والاستغفار، وقال الشافعي بوجوب الكفارة في اليمين الغموس، لدخوله في عموم الأيمان. والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 52 / ص 384)
الجمع بين التوبة والكفارة في اليمين الغموس أحوط رقم الفتوى:7228تاريخ الفتوى:20 ذو الحجة 1421السؤال : ما هى عقوبه من يحلف بالله كذبا وكيف يمكن أن اكفر عن هذا الذنب ما الذى أفعله ليتقبل الله توبتي ويغفر ذنبي وهل هناك حالة يجوز فيها للإنسان أن يحلف بالله كذبا لينقذ موقفا معينا أم لا؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحلف على الكذب من صفات المنافقين واليهود الذين يعتاضون ويستبدلون بعهد الله تعالى، وبأيمانهم الكاذبة الفاجرة أعراض الحياة الدنيا.
الأمر الذي يحرمهم من النصيب في الآخرة، ومن لطفه تعالى ورحمته في ذلك اليوم العظيم، ويحول بينهم وبين التطهير من الذنوب والأدران.
فمن اتصف بصفاتهم، وتخلق بأخلاقهم، وسلك مسلكهم، فقد عرض نفسه لما سيحل بهم من عقابه تعالى وغضبه، وإعراضه عز وجل عنهم.
وقد أمر الله تعالى بحفظ الأيمان، وعدم المسارعة إليها، فقال: (واحفظوا أيمانكم) [المائدة: 89].
وقال: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم) [البقرة: 224].
أي لا تجعلوه معرضا لأيمانكم فتبتذلونه بكثرة الحلف به.
كما أنه تعالى ذم المكثرين من الحلف فقال: (ولا تطع كل حلاف مهين) [القلم: 10].
ثم إن من حلف بالله كاذبا متعمداً، فقد ذهب الجمهور إلى أنه لا كفارة عليه، إذ أنه أتى بذنب أعظم من أن تمحو أثره كفارة يمين، وإنما الواجب عليه أن يتوب لله تعالى مما ارتكبه وتجرأ عليه، وإذا كان اقتطع بها مال امرئ بغير حق، فلابد أن يتحلل منه، فإن تاب فالتوبة تَجُبُّ ما قبلها.
وذهب الشافعي وطائفة من العلماء إلى وجوب الكفارة عليه، لعموم قوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم للأيمان) [المائدة: 89].
ولعل الجمع بين التوبة والكفارة أسلم، إعمالاً للنصوص كلها، وخروجاً من خلاف أهل العلم، ولأن موجب التوبة والكفارة قائم، فلا يغني أحدهما عن الآخر. والله أعلم.
أما بالنسبة للحلف على الكذب فقد رخص فيه فيما إذا ترتبت عليه مصلحة شرعية من جلب نفع، أو دفع ضر، لا تتحقق بدون الكذب، بل إنه في بعض الحالات قد يجب، نظراً لأهمية الأمر المقصود منه، فإذا كان المقصود منه أمر واجباً: كحماية نفس المسلم أو ماله وجب، وإن كان المقصود منه الوصول إلى حق مباح كان مباحاً، حيث لم يمكن الوصول إليه إلا به.
مثال ذلك: ما لو اختفى بريء من ظالم يريد قتله أو أخذ ماله، وسأل الظالم عن المظلوم، أو عن ماله، ففي هذه الحالة يجب الكذب المؤدي إلى إخفاء المظلوم، وتضليل الظالم عن مكانه، أو مكان ماله ... ولكن الأحوط أن يستعمل الإنسان في الحالات التي يشرع فيها الكذب ما يسمى بالتورية، وهي أن يقصد بعبارته معنى صحيحاً ليس المتكلم كاذباً بالنسبة إلى ذلك المعنى، وإن كان كاذباً بالنسبة لظاهر اللفظ ولفهم المخاطب، ولا يلجأ إلى الكذب مع إمكانها، والدليل على جواز الكذب في هذه الحال حديث أم كلثوم رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً، أو يقول خيراً" متفق عليه.
وزاد مسلم قالت أم كلثوم: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث: تعني الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 57 / ص 45)
هل يجوز الحلف كذباً للضرورة والحاجة رقم الفتوى:7432تاريخ الفتوى:25 ذو الحجة 1424السؤال : لي جارة ظروفها المادية صعبة جداً فراتب زوجها 1800 درهم وإيجار البيت الذي يسكنونه 1000 درهم وينفق على مواصلاته من البيت إلى مقر عمله حوالي 400 درهم أي يتبقى من الراتب 400 درهم ولديهم من الأبناء خمسة أكبرهم عمره حوالي 12 سنة لذلك فظروفهم صعبة جداً وهذه المرأة كانت متزوجة من قبل برجل من مواطني الدولة وأنجبت له اثنان من الأبناء وتقدمت لوزارة الشؤون الاجتماعية لتحصل على معونة قدرها حوالي 1300 درهم ولكن من ضمن الشروط لكي تحصل على هذه المعونة هي أن تحلف بالله أنها لم تتزوج بعد طلاقها من الرجل الأول. لذلك فهي تسأل هل يجوز لها أن تحلف كذبأ لإنقاذ عائلتهاأم أنه حرام حتى في مثل حالتها ولكم جزيل الشكر.
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الكذب من الذنوب العظيمة، والأخلاق الذميمة، وهو من صفات المنافقين التي وصفوا بها في القرآن الكريم، والحديث النبوي، ويعظم إثمه ويزداد بشاعته إذا انضم إليه توكيده بالحلف بالله تعالى، كما قال عز وجل: (ويحلفون على الكذب وهم يعلمون) [المجادلة: 14].
وقد جاء في صحيح مسلم من حديث أم كلثوم بنت عقبة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيراً أو ينمي خيراً، قالت: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إنه كذب إلا في ثلاث: الإصلاح بين الناس، والحرب، وحديث الرجل امرأته والمرأة زوجها"، فأول هذا الحديث نفى الكذب -أي المؤاخذة عليه- إذا كان بقصد الإصلاح بين الناس، وإشاعة الخير بينهم، لكنه سد باب الكذب سداً، إلا في الحالات الثلاث المذكورة فيه، وقد ألحق العلماء بها ما إذا دعت ضرورة وحاجة ماسة مثل: إنقاذ نفس المسلم، أو ماله، أو نحو ذلك، فأباحوا الكذب لهذه الأمور نظراً للمصلحة الراجحة.
قال الإمام النووي: إن الكلام وسيلة إلى المقاصد فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب... إلى آخر كلامه.
انظر رياض الصالحين: باب 253 ص: 459.
وعلى هذا فلا حرج على من خشيت على نفسها، أو عيالها الضياع أن تكذب، وأن تحلف عليه إذا لم يمكن لها أن تصل إلى ما أعد للفقراء والمحتاجين من الأموال العمومية إلا بالكذب، لكن الأحوط لها أن تورّي في كلامها، فالأصل في الأيمان الكاذبة المنع إلا إذا ترتب عليها دفع ضرر أكبر وأعظم من ضرر الكذب. والله تعالى أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 58 / ص 193)
الكذب عند الحاجة والتداوي بماء زمزم والصدقة رقم الفتوى:75026تاريخ الفتوى:09 جمادي الأولى 1427السؤال:
أجريت بعض التحاليل فإذا بهم يكتشفون أني مريضة بداء خطير فلجأت إلى الله وتحجبت وكتمت الأمر إلا عن صديقة، ومما دعاني إلى ذلك أنني أشعر بتحسن عكس ما ينبغي أن يكون عليه من هم في مثل مرضي، وسؤالي هو: هل علي إثم إذا قلت لصديقتي إنني أجريت تحاليل فتبين أنني ليس بي شيء ذلك لأن صديقتي ليست ملتزمة فأخشى أن تفشي سري الذي كما أشرت أريد كتمانه حتى عن أهلي؟
الفتوى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نهنئك على ما من الله به عليك من التوفيق والهداية والحجاب، ثم إن العاصي قد يبتلى ببعض الأمراض وبضنك المعيشة عقوبة له، لعله يتوب إلى الله تعالى، ويدل لذلك قوله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {طه:124}، وقوله تعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {السجدة:21}، وذكر ابن كثير في تفسير هذه الآية عن جماعة من السلف أن معنى العذاب الأدنى: مصائب الدنيا وأسقامها وآفاتها.
وقال الله تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {الشورى:30}، وقال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {الروم:41}، وفي الحديث: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه. رواه البخاري.
واعلمي أن علاج ما يحصل من الابتلاءات بالتوبة الصادقة وصدق اللجوء إلى الله، والإلحاح في الدعاء والإكثار من الأعمال الصالحة، وصحبة أهل الإيمان والتقوى والحفاظ على الصلاة في وقتها وحضور مجالس العلم والوعظ، ثم إنه لا حرج في إعادة الفحص فقد يكون حالك تغير بسبب التوبة وإن لم يكن الحال تغير فعليك بمواصلة البحث عن الدواء فإن الله لم ينزل داء إلا وأنزل معه شفاء علمه من علمه وجهله من جهله، فقد ثبت أن الأعراب أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا أنتداوي؟ قال: تداووا، فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء. رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم، وصححه الترمذي والحاكم ووافقهم الذهبي والأرناؤوط والألباني.
وفي الحديث: تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد الهرم. رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني والأرناؤوط.
ونوصيك بعدم اليأس من رحمة الله واستجابة الدعاء، ففي صحيح مسلم: يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل.
ونوصيك بالذهاب إلى مكة للعمرة والحج إن تيسر لك وأكثري من شراب زمزم واقرئي عليه قبل الشرب فاتحة الكتاب، فإن فيهما نفعاً عظيماً مجرباً، كما ذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد، واستعملي الحبة السوداء والعسل ففيهما شفاء من الأمراض، كما سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 62318، والفتوى رقم: 34521.
وعليك بالإكثار من الصدقات على المحتاجين وتفطير الصائمين لعل دعوات صالحة منهم تفيدك بإذن الله، وقد ذكر البيهقي في شعب الإيمان: أن عبد الله بن المبارك رحمه الله سأله رجل يا أبا عبد الرحمن قرحة خرجت في ركبتي منذ سبع سنين وقد عالجت بأنواع العلاج وسألت الأطباء فلم أنتفع به، فقال: اذهب فانظر موضعاً يحتاج الناس إلى الماء فاحفر هناك بئراً، فإني أرجو أن تنبع هناك عين ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبرأ.
قال البيهقي: وفي هذا المعنى حكاية شيخنا الحاكم أبي عبد الله -رحمه الله- فإنه قرح وجهه وعالجه بأنواع المعالجة فلم يذهب وبقي فيه قريباً من سنة، فسأل الأستاذ الإمام أبا عثمان الصابوني أن يدعو له في مجلسه يوم الجمعة فدعا له وأكثر الناس التأمين، فلما كان في الجمعة الأخرى ألقت امرأة رقعة في المجلس بأنها عادت إلى بيتها واجتهدت في الدعاء للحاكم أبي عبد الله تلك الليلة فرأت في منامها رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يقول لها: قولوا لأبي عبد الله يوسع الماء على المسلمين، فجئت بالرقعة إلى الحاكم أبي عبد الله فأمر بسقاية الماء فيها وطرح الجمد في الماء، وأخذ الناس في الماء، فما مر عليه أسبوع حتى ظهر الشفاء وزالت تلك القروح وعاد وجهه إلى أحسن ما كان وعاش بعد ذلك سنين. وراجعي في الدعاء الفتاوى ذات الأرقام التالية: 30799، 21386، 9890، 2395، 19900، 48562.
ويتعين عليك البعد عن الكذب فالكذب حرام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً. رواه مسلم.
ولا يرخص في الكذب إلا لضرورة أو حاجة، ويجب أن يكون ذلك في أضيق الحدود، بحيث لا توجد وسيلة أخرى مشروعة تحقق الغرض، ومن الوسائل المشروعة التي تحقق الغرض دون وقوع في الكذب ما يسمى بالمعاريض، حيث تستعمل كلمة تحتمل معنيين، يحتاج الإنسان أن يقولها، فيقولها قاصداً بها معنى صحيحاً، بينما يفهم المستمع معنى آخر.
ويدل لجواز التعريض والتورية قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أما في المعاريض ما يكفي المسلم الكذب. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
وقال عمران بن الحصين: إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب. رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني، وقد صح في الحديث جواز الكذب لتحقيق مصلحة دون مضرة، للغير تذكر، فيما رواه البخاري ومسلم عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً. وفي رواية: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث: تعني الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.
وقد رأى بعض العلماء الاقتصار في جواز الكذب على ما ورد به النص في الحديث، ولكن جوزه المحققون في كل ما فيه مصلحة دون مضرة للغير، يقول ابن الجوزي ما نصه: وضابطه أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب، فهو مباح إن كان المقصود مباحاً، وإن كان واجباً فهو واجب.
وقال ابن القيم في زاد المعاد ج2ص145: يجوز كذب الإنسان على نفسه، وعلى غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه، كما كذب الحجاج بن علاط على المشركين حتى أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت بالمسلمين من ذلك الكذب، وأما ما نال من بمكة من المسلمين من الأذى والحزن، فمفسدة يسيرة في جنب المصلحة التي حصلت بالكذب.
وقال النووي في رياض الصالحين: باب بيان ما يجوز من الكذب،: اعلم أن الكذب وإن كان أصله محرماً فيجوز في بعض الأحوال بشروط قد أوضحتها في كتاب الأذكار، ومختصر ذلك أن الكلام وسيلة إلى المقاصد، فكل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يمكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً كان الكذب مباحاً، وإن كان واجباً كان الكذب واجباً، فإذا اختفى مسلم من ظالم يريد قتله أو أخذ ماله وأخفى ماله وسأل إنسان عنه وجب الكذب بإخفائه، وكذا لو كان عنده وديعة وأراد ظالم أخذها وجب الكذب بإخفائها، والأحوط في هذا كله أن يوري، ومعنى التورية أن يقصد بعبارته مقصوداً صحيحاً ليس هو كاذباً بالنسبة إليه وإن كان كاذباً في ظاهر اللفظ وبالنسبة إلى ما يفهمه الخاطب، ولو ترك التورية وأطلق عبارة الكذب فليس بحرام في هذا الحال، واستدل العلماء بجواز الكذب في هذا الحال بحديث أم كلثوم رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً. متفق عليه. زاد مسلم في رواية: قالت: أم كلثوم: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث، تعني الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.
هذا ونوصيك بالسعي في هداية صديقتك والبحث عن صديقات ملتزمات متمسكات بالدين فقد حض أهل العلم على مصاحبة أهل الخير ومخالطتهم ومجالستهم، واستدلوا لذلك بحديث مسلم في من قتل مائة نفس حيث أمره العالم بالانتقال من أرضه إلى أرض بها أناس صالحون ليعبد الله معهم فقال له: انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. واستدلوا لذلك بحديث أبي داود: الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. وبحديث أحمد: لا تصاحب إلا مؤمناً.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 58 / ص 409)
تشرع المعاريض أو الكذب لدفع مفسدة أعظم. رقم الفتوى:7758تاريخ الفتوى:30 محرم 1422السؤال : أنا رجل مسلم أتيت إلى رومانيا للدراسة، و كنت على ضلال و قد تزوجت من امرأة رومانية أسلمت بعد ذلك وحسن إسلامها، أما الآن و قد هدانا الله و ننوي عمل عائلة مسلمة، أخفيت زواجي منها عن أهلي والآن أريد أن أخبرهم بذلك، فهل يجوز لي شرعاً أن أكذب على أهلي بأن أخبرهم مثلاً أنها كانت عذراء علماً بأنها لم تكن كذلك، أيضاً أني تعرفت عليها في المسجد مع أنه لم يكن ذلك؟
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالحل الصحيح لمثل حالتك هذه هو أن تستخدم التعريض والتورية، وهي أن تطلق كلاماً يحتمل معنيين: يكون ظاهراً في واحد منهما وتريد المعنى الآخر، وهو نوع من الخداع، إلا أنه يجوز عند الحاجة. قال النووي في الأذكار: وقال العلماء: فإن دعت إلى ذلك مصلحة شرعية راجحة على خداع المخاطب، أو دعت حاجة لا مندوحة عنها إلا بالكذب فلا بأس بالتعريض، فإن لم تدع إليه مصلحة ولا حاجة فهو مكروه وليس بحرام، فإن توصل به إلى أخذ باطل أو دفع حق فيصير حينئذ حراماً. انتهى
فإن تعذر عليك التعريض ولم يكن أمامك إلا المصارحة بحقيقة ما حصل أو الكذب، فلك أن تكذب في هذه الحالة لأنك بهذا تزيل البغض والكره الذي سيحدث بين زوجتك وأهلك، وتنمي بينهما خيراً، ففي الصحيحين عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً، أو يقول خيراً" ولأنك بالكذب -أيضاً- تدفع مفسدة التشهير بزوجتك والإساءة إليها وكشف سترها بعد توبتها وإسلامها. فلهذا كله يجوز لك الكذب بشرط أن يتعين وسيلة لدفع هذه المفسدة.
والله أعلم.(1/105)
الرُّخْصَةُ فِي أَنْ تُحَدِّثَ الْمَرْأَةُ زَوْجِهَا بِمَا لَمْ يَكُنْ
223-7880 أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ مُحَمَّدُ بْنُ زُنْبُورٍ الْمَكِّيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أُمَّهِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُرَخَّصُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكَذِبِ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَا أَعُدُّهُ كَذِبًا ، الرَّجُلُ يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ يَقُولُ الْقَوْلَ يُرِيدُ الصَّلَاحَ ، وَالرَّجُلُ يَقُولُ الْقَوْلَ فِي الْحَرْبِ ، وَالرَّجُلُ يُحَدِّثُ امْرَأَتَهُ ، وَالْمَرْأَةُ تُحَدِّثُ زَوْجَهَا " خَالَفَهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ(1)
__________
(1) - صحيح
تهذيب الآثار للطبري - (ج 4 / ص 183)
القول في البيان عن معاني هذه الأخبار « إن قال لنا قائل : أخبرنا عن هذه الأخبار التي ذكرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قيله : » الحرب خدعة « ، وأن الكذب فيها وفي المعنيين الآخرين اللذين رويت عنه أنه رخص فيهما الكذب ، أسقيمة أم صحيحة ؟ فإن كانت سقيمة ، فما الذي أسقمها ؟ وإن كانت صحيحة فما وجهها ؟ وما معناها ؟ وقد علمت ما »
1468 - حدثك به ابن عبد الرحيم البرقي ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثني موسى بن عقبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « ألا وإياكم وروايا الكذب ، فإن الكذب لا يصلح بالجد ولا بالهزل ، ولا يعد الرجل صبيه ما لا يفي له به ، ألا إن الكذب يهدي إلى الفجور ، والفجور يهدي إلى النار ، والصدق يهدي إلى البر ، والبر يهدي إلى الجنة ، وإنه يقال للصادق : صدق وبر ، وللكاذب : كذب وفجر ، ألا إن العبد يكذب حتى يكتب عند الله كاذبا ، ويصدق حتى يكتب عند الله صديقا »
1469 - وحدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سمعت أبا إسحاق ، يحدث ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، أنه قال : إن « شر الروايا روايا الكذب ، إن الكذب لا يصلح في جد ولا هزل ، وإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، ويقال للصادق صدق وبر ويقال للكاذب كذب وفجر ، وإن محمدا صلى الله عليه وسلم قال : » إن الرجل يصدق حتى يكتب صديقا ، ويكذب حتى يكتب كذابا «
1470 - وحدثني عمر بن إسماعيل الهمداني ، قال : حدثنا يعلى بن الأشدق ، عن عبد الله بن جراد ، قال : قال أبو الدرداء : يا رسول الله ، هل يسرق المؤمن ؟ قال : « قد يكون ذلك » . قال : فهل يزني المؤمن ؟ قال : « بلى ، وإن كره أبو الدرداء » قال : هل يكذب المؤمن ؟ قال : « إنما يفتري الكذب من لا يؤمن ، إن العبد يزل الزلة ثم يرجع إلى ربه فيتوب ، فيتوب الله عليه » قيل : قد اختلف السلف من علماء الأمة قبلنا في الكذب الذي أباح صلى الله عليه وسلم ، وفي معاني هذه الأخبار التي رويناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نذكر في ذلك أقوالهم ، ثم نتبع جميع ذلك البيان عنه إن شاء الله . فقال بعضهم : الكذب محظور حرام على كل أحد ، غير جائز استعماله في شيء : لا في حرب ، ولا في غيرها . قالوا : والذي أذن النبي صلى الله عليه وسلم فيه من ذلك من معاني الكذب المتعارف بين الناس خارج . قالوا : وإنما الذي أذن فيه من ذلك ، كالذي فعله بالأحزاب عام الخندق ، إذ راسلت يهود قريظة أبا سفيان بن حرب ومن معه من مشركي قريش للغدر بمن في الآطام من ذراري المسلمين ونسائهم ، كالذي 1471 - حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : أرسلت بنو قريظة إلى أبي سفيان ومن معه من الأحزاب يوم الخندق : أن اثبتوا ، فإنا سنغير على بيضة المسلمين من ورائهم . فسمع ذلك نعيم بن مسعود الأشجعي ، وهو موادع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان عند عيينة بن حصن حين أرسلت بذلك بنو قريظة إلى الأحزاب ، فأقبل نعيم إلى رسول الله فأخبره خبر ما أرسلت به بنو قريظة إلى الأحزاب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « فلعلنا نحن أمرناهم بذلك » ، فقام نعيم بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك من عند رسول الله ليحدث بها غطفان ، وكان نعيم رجلا لا يملك الحديث فلما ولى نعيم ذاهبا إلى غطفان ، قال عمر بن الخطاب : لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، هذا الذي قلت إما هو من عند الله فأمضه ، وإما هو رأي رأيته ، فإن شأن بني قريظة هو أيسر من أن يقول شيئا يؤثر عليك فيه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « بل هذا رأي رأيته ، إن الحرب خدعة » . ثم أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في إثر نعيم فدعاه ، فقال له رسول الله : « أرأيتك الذي سمعتني أذكر آنفا ؟ اسكت عنه فلا تذكره لأحد » . فانصرف نعيم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء عيينة بن حصن ومن معه من غطفان ، فقال لهم : هل علمتم أن محمدا صلى الله عليه وسلم قال : شيئا قط إلا حقا ؟ قالوا : لا ، قال : فإنه قد قال لي فيما أرسلت به إليكم بنو قريظة : « فلعلنا نحن أمرناهم بذلك » ، ثم نهاني أن أذكره لكم ، فانطلق عيينة حتى لقي أبا سفيان بن حرب ، فأخبره بما أخبره نعيم عن رسول الله ، فقال : إنما أنتم في مكر من بني قريظة . قال أبو سفيان : فنرسل إليهم نسألهم الرهن ، فإن دفعوا إلينا رهنا منهم فصدقوا ، وإن أبوا فنحن منهم في مكر . فجاءهم رسول أبي سفيان يسألهم الرهن ، فقال : إنكم أرسلتم إلينا تأمرون بالمكث ، وتزعمون أنكم ستخالفون محمدا ، ومن معه ، فإن كنتم صادقين فأرهنونا بذلك من أبنائكم ، وصبحوهم غدا . قالت بنو قريظة : قد دخلت علينا ليلة السبت ، ولسنا نقضي في ليلة السبت ولا في يومها أمرا ، فأمهلوا حتى يذهب السبت . فرجع الرسول إلى أبي سفيان بذلك ، فقال أبو سفيان : ورءوس الأحزاب معه : هذا مكر من بني قريظة ، فارتحلوا . فبعث الله تبارك وتعالى عليهم الريح حتى ما كاد رجل منهم يهدي إلى رحله ، فكانت تلك هزيمتهم « فبذلك يرخص الناس الخديعة في الحرب 1472 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عطاء ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق : « قالوا كذا ، وفعلوا كذا ، صنعوا كذا » فذهب العين فأخبرهم ، فهزموا ، ولم يكذب ، ولكن قال : أفعلوا كذا ، أصنعوا كذا ؟ استفهام . قال : فذكرته لمغيرة فأعجبه « قالوا : فالذي رخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم من الخديعة في الحرب ، نحو الذي روي عنه أنه فعله فيها من القول الذي يقول القائل فيها مما يحتمل معاني ، موهما بذلك من سمعه ما فيه الوهن على العدو ، كايدهم بذلك من قيله ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنعيم بن مسعود إذ أخبره برسالة اليهود إلى أبي سفيان : » فلعلنا نحن أمرناهم بذلك « ، فقال قولا محتملا ظاهره أن يكون معناه أن اليهود فعلوا ما فعلوا ، من إرسالهم الرسل فيه إلى أبي سفيان بما أرسلوا به ، إما عن أمره ، أو عن غير أمره . وذلك ، لا شك ، أنه كما قال صلى الله عليه وسلم من أن القوم لم يفعلوا إلا عن أحد ذينك الوجهين ، إما عن أمره ، وإما عن غير أمره ، وذلك هو الصدق الذي لا مرية فيه . وإنما كان يكون ذلك كذبا لو قال : » إنما أرسلت اليهود إلى أبي سفيان بما أرسلت به إليه ، بأمرنا إياهم بذلك « ، فأما قوله : » فلعلنا نحن أمرناهم بذلك « ، فمن الكذب بمعزل قالوا : ومن الخديعة التي أذن صلى الله عليه وسلم فيها في الحرب ما روي عن كعب بن مالك أنه كان إذا أراد غزو قوم ورى بغيرهم . قالوا : وكالذي روي عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك ، كان يفعل أهل الدين والفضل في مغازيهم ، قالوا : ومن ذلك ما 1473 - حدثني به يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا سعيد بن أبي أيوب ، أن تميم بن سحيم ، شيخا من أهل مصر حدثهم قال : غزوت مع مالك بن عبد الله الخثعمي وعقد له على الصائفة مقتل عبد الله بن الزبير فسمعته يقوم في الناس كلما أراد أن يرتحل ، فيحمد الله ويثني عليه ، ثم يقول : إني دارب بالغداة ، إن شاء الله ، درب كذا وكذا . فتفرق عنه الجواسيس بذلك ، فإذا أصبح توجه إلى غيره . قال : وكان شيخا كبيرا ، فسمته الروم : الثعلب
1474 - وحدثنا مجاهد بن موسى ، قال : حدثنا يزيد ، قال : أخبرنا عبد الله بن عون ، قال : قيل عند محمد : إنه يصلح الكذب في الحرب ، فأنكر ذلك وقال : ما أعلم الكذب إلا حراما . قال ابن عون : فغزوت ، فخطبنا معاوية بن هشام فقال : اللهم انصرنا على عمورية وهو يريد غيرها ، فلما قدمت ذكرت ذلك لمحمد فقال : أما هذا فلا بأس وقال : ليس كل العلم أوتي محمد قالوا : وهذا النوع من الكلام جائز استعماله في الحرب وغيرها . قالوا : وقد استعمل مثل ذلك في غير الحرب أئمة من سلف الأمة(1/106)
224-7881 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُسُ قَالَ : قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : " لَمْ أَسْمَعْ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ . . . . . نَحْوَهُ " يُونُسُ أََثْبَتُ فِي الزُّهْرِيِّ(1)
__________
(1) - صحيح(1/107)
الرُّخْصَةُ فِي أَنْ يُحَدِّثَ الرَّجُلُ بِمَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ
225-7882 أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيُّ ، وَذَكَرَ آخَرُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، أَخْبَرَتْنِي أُمُّ كُلْثُومٍ ، عَنْ عَائِشَةَ ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يُجَامِعُ أَهْلَهُ ، ثُمَّ يُكْسِلُ ، هَلْ عَلَيْهِ مِنْ غُسْلٍ ؟ وَعَائِشَةُ جَالِسَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنِّي لَأَفْعَلُ ذَلِكَ أَنَا وَهَذِهِ ، ثُمَّ نَغْتَسِلُ "(1)
--------------
(1) - أخرجه مسلم برقم(813) والبيهقي في السنن برقم( 798 )
شرح النووي على مسلم - (ج 2 / ص 65)
527 - قَوْله : ( عَنْ جَابِر بْن عَبْد اللَّه عَنْ أُمّ كُلْثُوم عَنْ عَائِشَة )
أُمّ كُلْثُوم هَذِهِ تَابِعِيَّة وَهِيَ بِنْت أَبِي بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ، وَهَذَا مِنْ رِوَايَة الْأَكَابِر عَنْ الْأَصَاغِر . فَإِنَّ جَابِرًا رَضِيَ اللَّه عَنْهُ صَحَابِيّ ، وَهُوَ أَكْبَر مِنْ أُمّ كُلْثُوم سِنًّا وَمَرْتَبَة وَفَضْلًا رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنِّي لَأَفْعَل ذَلِكَ أَنَا وَهَذِهِ ثُمَّ نَغْتَسِل )
فِيهِ جَوَاز ذِكْر مِثْل هَذَا بِحَضْرَةِ الزَّوْجَة إِذَا تَرَتَّبَتْ عَلَيْهِ مَصْلَحَة وَلَمْ يَحْصُل بِهِ أَذًى ، وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْعِبَارَة لِيَكُونَ أَوْقَع فِي نَفْسه ، وَفِيهِ أَنَّ فِعْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْوُجُوبِ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَحْصُل جَوَاب السَّائِل .
فتح الباري لابن رجب - (ج 2 / ص 63)
28-باب
إذا التقى الختانان
291 -حدثنا معاذ بنِ فضالة : ثنا هشام .
وحدثنا أبو نعيم ، عَن هشام ، عَن قتادة ، عَن الحسن ، عَن أبي رافع ، عَن أبي هريرة ، عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قالَ : (( إذا جلس بين شعبها الأربع ، ثُمَّ جهدها ، فَقد وجب الغسل )) .
تابعه : عمرو ، عَن شعبة -مثله .
وقال موسى : نا أبان : نا قتادة : أنا الحسن -مثله .
(( هشام )) : الراوي عَن قتادة ، هوَ الدستوائي .
وقد خرجه مسلم مِن حديثه -أيضاً .
وخرجه -أيضاً- مِن طريق شعبة ، عَن قتادة بهِ ، وفي حديثه : (( ثُمَّ اجتهد )) .
وخرج النسائي مِن حديث خالد ، عَن شعبة ، عَن قتادة ، قالَ : سمعت الحسن يحدث -فذكره .
وهذه الرواية فيها تصريح قتادة بسماع الحديث مِن الحسن ، كالرواية التي ذكرها البخاري -تعليقاً - عَن موسى - وَهوَ : ابن إسماعيل - ، عَن أبان .
ومراده بذلك : أنَّهُ أمن بذلك تدليس وقتادة ، وثبت سماعه لهذا الحديث مِن الحسن .
وخرجه مسلم مِن طريق مطر الوراق ، عَن الحسن ، وزاد فيهِ : (( وإن لَم
ينْزل )) .
وخرجه الإمام أحمد ، عَن عفان ، عَن همام وأبان ، عَن قتادة ، ولفظ حديثه :
(( إذا جلس بين شعبها الأربع ، فأجهد نفسه ، فَقد وجب الغسل ، أنزل أو لم ينزل )) .
وخرجه البيهقي مِن طريق سعيد بنِ أبي عروبة ، عَن قتادة ، ولفظ حديثه : (( إذا التقى الختانان وجب الغسل ، أنزل أو لَم ينزل )) .
وذكر الدارقطني في (( العلل )) الاختلاف على الحسن في إسناده هَذا الحديث ، في ذكر (( أبي رافع )) وإسقاطه منهُ ، ورواية الحسن لَهُ عَن أبي هريرة بغير واسطة ، وفي وقفه على أبي هريرة ورفعه ، ثُمَّ قالَ : الصحيح : حديث الحسن ، عَن أبي رافع ، عَن أبي هريرة عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ذكر عَن موسى بنِ هارون ، أنَّهُ قالَ : سمع الحسن مِن أبي هريرة ، إلا أنَّهُ لَم يسمع منهُ عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( إذا قعد بين شعبها الأربع )) ، بينهما أبو رافع . انتهى .
وما ذكره مِن سماع الحسن مِن أبي هريرة ، مختلف فيهِ . وقد صح روايته لهذا الحديث عَن أبي رافع ، عَن أبي هريرة .
ولم يخرج البخاري حديث عائشة في هَذا الباب ، وقد خرجه مسلم مِن رواية هشام بنِ حسان ، عَن حميد بنِ هلال ، عَن أبي بردة ، عَن أبي موسى ، أنَّهُ سأل عائشة : عما يوجب الغسل ؟ فقالت : على الخبير سقطت ، قالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إذا جلس بين شعبها الأربع ، ومس الختان الختان ، فَقد وجب الغسل )) .
كذا خرجه مِن طريق الأنصاري ، عَن هشام . وخرجه مِن طريق عبد الأعلى ، عَن هشام ، عَن حميد ، قالَ : ولا أعلمه إلا عَن أبي بردة ، عَن أبي موسى ، فتردد في وصل إسناده .
وقد عجب أحمد مِن هَذا الحديث ، وأن يكون حميد بنِ هلال حدث بهِ بهذا الإسناد .
وقال الدارقطني : صحيح غريب ، تفرد بهِ : هشام بنِ حسان ، عَن حميد .
وخرج الإمام أحمد والترمذي مِن حديث علي بنِ زيد بنِ جدعان ، عَن سعيد بنِ المسيب ، عَن عائشة ، قالت : قالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل )) .
وعلي بنِ زيد ، فيهِ مقالَ مشهور ، وقد اختلف عليهِ في رفعه ووقفه .
ورواه يحيى بنِ سعيد الأنصاري ، عَن سعيد بنِ المسيب ، أن أبا موسى دخل على عائشة ، فحدثته بذلك ، ولم ترفعه .
وخرج مسلم مِن طريق ابن وهب عَن عياض بنِ عبد الله ، عَن أبي الزبير ، عَن جابر بنِ عبد الله ، عَن أم كلثوم ، عَن عائشة ، أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عَن الرجل يجامع ثُمَّ يكسل ، هل عليهما الغسل ؟ - وعائشة جالسة- فقالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إني لأفعل ذَلِكَ أنا وهذه ، ثُمَّ نغتسل )) .
وأم كلثوم ، هي بنت الصديق أخت عائشة -رضي الله عَنهُم .
قالَ الدارقطني : لَم يختلف عَن أبي الزبير في رفع هَذا الحديث .
قلت : رواه عَنهُ عياض بنِ عبد الله وابن لهيعة وأشعث ، وكلهم رفعوه .
وخرجه الإمام أحمد مِن حديث أشعث وابن لهيعة كذلك .
قالَ الدارقطني : وكذلك رواه قتادة ، عَن أم كلثوم ، عَن عائشة .
وحديث قتادة ، خرجه بقي بنِ مخلد ، ولفظ حديثه : عَن عائشة ، أنها ونبي الله - صلى الله عليه وسلم - فعلا ذَلِكَ ، فلم ينزل الماء ، فاغتسل ، وأمرها أن تغتسل .
ولكن في سماع قتادة مِن أم كلثوم نظر ؛ ولأجله ترك مسلم تخريج الحديث مِن طريقه . والله أعلم .
وعند قتادة فيهِ إسناد آخر : رواه عَن عبد الله بنِ رباح ، عَن عائشة ، مع الاختلاف عليهِ في رفعه ووقفه . وقيل : عَن قتادة ، قالَ : ذكر لنا أن عبد الله ابن رباح سأل عائشة ، فدل على أنَّهُ لَم يسمعه منهُ .
ورواه ثابت البناني ، عَن عبد الله بن رباح . وقيل : عَنهُ ، عَن عبد الرحمن ابن رباح ، عَن عبد العزيز بنِ النعمان ، عَن عائشة ، معَ الاختلاف عليهِ في رفعه ووقفه.
وأنكر أحمد رفعه ، وقال : عبد العزيز بنِ النعمان لا يعرف . وقال البخاري : لا أعلم لَهُ سماعاً مِن عائشة . وذكر ابن معين : أن رواية ثابت بإدخال (( عبد العزيز بنِ النعمان )) في إسناده أصح مِن رواية قتادة بإسقاطه .
وخرج الإمام أحمد ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن حبان في (( صحيحه )) مِن حديث الأوزاعي ، عَن عبد الرحمن بنِ القاسم ، عَن أبيه ، عَن عائشة ، قالت : إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل ، فعلته أنا ورسول اله - صلى الله عليه وسلم - ، فاغتسلنا .
وقال الترمذي : حسن صحيح .
وصححه غير واحد مِن الحفاظ .
وقال البخاري : هوَ خطأ ، وإنما يرويه الأوزاعي ، عَن عبد الرحمن بنِ القاسم - مرسلاً .
ورد قولُهُ بكثرة مِن رواه عَن الأوزاعي مِن أصحابه موصولاً .
وأعله الإمام أحمد : بأنَّهُ روي عَن الأوزاعي موقوفاً ، قالَ أحمد :
والمرفوع في آخر الحديث إنما كانَ الأوزاعي يرويه عَن يحيى بنِ أبي كثير ، أنَّهُ بلغه عَن عائشة ، وكذا رواه أيوب ، عَن عبد الرحمن بنِ القاسم ، عَن أبيه ، عَن عائشة موقوفاً ، لَم يرفعه .
وذكر أبو زرعة الدمشقي هَذا عَن أحمد ، ثُمَّ قالَ أبو زرعة : رأيت أبا مسهر
[ على ] هَذا الحديث على يحيى بنِ معين ، فقبله يحيى ، ولم ينكره . وقد روي عَن عائشة مِن طرق أخرى متعددة مرفوعاً .
وخرجه البزار مِن طريق ابن أبي فديك : نا الضحاك بنِ عثمان ، عَن عبد الله ابن عبيد بنِ عمير ، عَن أبيه ، عَن عائشة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ : (( إذا التقى
الختانان وجب الغسل )) .
وإسناده كلهم ثقات مشهورون .
وقد صح ذَلِكَ عَن عائشة مِن قولها غير مرفوع مِن طرق كثيرة جداً ، وفي بعضها اختلاف في رفعه ووقفه .
ولعل عائشة كانت تارة تفتي بذلك ، وتارة تذكر دليله ، وَهوَ ما عندها عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهِ ، كم أن المفتي أحياناً يذكر الحكم مِن غير دليل وأحيانا يذكره مع دليله ، والله أعلم .
والجلوس بين شعبها الأربع قيل : المراد يدي المرأة ورجليها ، وقيل غير ذَلِكَ مما يرغب عَن ذكره .
و(( جهدها )) : هوَ عبارة عَن الاجتهاد في إيلاج الحشفة في الفرج ، وَهوَ المراد
- أيضاً- مِن التقاء الختانين .
قالَ الشَافِعي : معنى التقاء الختانين : أن تغيب الحشفة في الفرج يصير الختان الذِي خلف الحشفة حذو ختان المرأة .
وقال أحمد : التقاء الختانين : المدورة -يعني : الحشفة - ، فإذا غابت فالختان بعدها .
وخرج الإمام أحمد وابن ماجه مِن رواية حجاج بنِ أرطأة ، عَن عمرو بنِ
شعيب ، عَن أبيه ، عَن جده ، عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قالَ : (( إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فَقد وجب الغسل )) .
وحجاج ، مدلس . وقيل : أن أكثر رواياته عَن عمرو بنِ شعيب سمعها مِن العرزمي ودلسها .
والعرزمي ، ضعيف .
وقد روي -أيضاً - هَذا الحديث عَن العرزمي ، عَن عمرو .
وروي مِن وجه ضعيف ، عَن أبي حنيفة ، عَن عمرو ، بهِ ، وزاد في روايته : (( أنزل أو لَم ينزل )) .
خرجه الطبراني .
وقوله : (( إذا التقى الختانان )) استند بهِ الإمام أحمد على أن المرأة تختتن
كالرجل .
وختان المرأة مشروع بغير خلاف ، وفي وجوبه عَن أحمد روايتان ، على قولُهُ بوجبه على الرجال .
نيل الأوطار - (ج 2 / ص 75)
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ نَحْوَهُ .
وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ مِنْ النَّسْخِ ، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ .
291 - ( وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّجُلِ يُجَامِعُ أَهْلَهُ ثُمَّ يُكْسِلُ وَعَائِشَةُ جَالِسَةٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنِّي لَأَفْعَلُ ذَلِكَ أَنَا وَهَذِهِ ثُمَّ نَغْتَسِلُ } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ ) .
قَوْلُهُ : ( ثُمَّ يُكْسِلُ ) قَالَ النَّوَوِيُّ : ضَبَطْنَاهُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا ، وَيُقَالُ : أَكْسَلَ الرَّجُلُ فِي جِمَاعِهِ إذَا ضَعُفَ عَنْ الْإِنْزَالِ ، وَكَسِلَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ السِّينِ ، وَالْأُولَى أَفْصَحُ ، وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ ، وَقَدْ سَلَفَ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِيهِ .
292 - ( وَعَنْ { رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ : نَادَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عَلَى بَطْنِ امْرَأَتِي ، فَقُمْت وَلَمْ أُنْزِلْ فَاغْتَسَلْت وَخَرَجْت فَأَخْبَرْتُهُ ، فَقَالَ : لَا عَلَيْك .
الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ ، قَالَ رَافِعٌ : ثُمَّ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْغُسْلِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ ) .
الْحَدِيثُ حَسَّنَهُ الْحَازِمِيُّ وَفِي تَحْسِينِهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ فِي إسْنَادِهِ رِشْدِينُ وَلَيْسَ مِنْ رِجَالِ الْحَسَنِ .
وَفِيهِ أَيْضًا مَجْهُولٌ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ : عَنْ بَعْضِ وَلَدِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَلْيُنْظَرْ ، فَالظَّاهِرُ ضَعْفُ الْحَدِيثِ لَا حُسْنُهُ ، وَهُوَ مِنْ أَدِلَّةِ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ .
وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرِ وَطَلْحَةَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ .
الروضة الندية - (ج 1 / ص 65)
باب الغسل
وأصله تعميم البدن بالغسل يجب يخروج المني بشهوة ولو بتفكر وقد دلت على ذلك الأدلة الصحيحة كأحاديث الماء من الماء وأحاديث في المني الغسل وصدق اسم الجنابة على من كان كذلك ، وقد قال الله تعالى : وإن كنتم جنباً فاطهروا والاطهار استيعاب جميع البدن ، فالغسل كذا في المسوى ، ولا اعلم في ذلك خلافاً ، وانما وقع الخلاف المشهور بين الصحابة رضي الله تعالى عنهم وكذلك بين من بعدهم هل يجب الغسل بالتقاء الختانين من دون خروج مني أم لا يجب إلا بخروج المني ؟ والحق الأول لحديث اذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب عليه الغسل أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما رحمهم الله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأخرج نحوه مسلم وأحمد والترمذي رحمهم الله تعالى وصححه من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فهذان الحديثان وما ورد في معناهما ناسخان لما كان في أول الإسلام من أن الغسل إنما يجب بخروج المني . ويدل على ذلك حديث أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه قال : أن الفتيا التي كانوا يقولون الماء من الماء رخصة كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم رخص بها في أول الاسلام ثم أمرنا بالإغتسال بعدها وأخرج مسلم رح تعالى من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل وعائشة رضي الله تعالى عنها جالسة فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل . وقال في الحجة البالغة : اختلف أهل الرواية هل يحمل الإكسال أي الجماع من غير إنزال على الجماع الكامل في معنى قضاء الشهوة أعني ما يكون معه الإنزال ، والذي صح رواية وعليه جمهور الفقهاء هو أن من جهد فقد وجب عليهما الغسل وإن لم ينزل . واختلفوا في كيفية الجمع بين هذا الحديث وحديث إنما الماء من الماء فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنه : للاحتلام وفيه ما فيه لأنه يأباه سبب ورود الحديث كما أخرجه مسلم ، وقال أبي رضي الله تعالى عنه كانت رخصة في أول الإسلام ثم نهى عنها وقد روي عن عثمان وعلي وطلحة والزبير وأبي ابن كعب وأبي أيوب رضي الله تعالى عنهم فيمن جامع امرأته ولم يمن قالوا : يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره ورفع ذلك إلى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، ولا يبعد عندي أن يحمل ذلك على المباشرة الفاحشة ، فانه قد يطلق الجماع عليها . قلت : على هذا أكثر أهل العلم أن غسل الجنابة يجب بأحد الأمرين : إما بإدخال الحشفة في الفرج ، أو بخروج الماء الدافق من الرجل أو المرأة .
بالتقاء الختانين وعلى هذا أكثر أهل العلم أن من جامع امرأته فغيب الحشفة وجب الغسل عليهما وان لم ينزل . والختان موضع القطع من ذكر الغلام ونواة الجارية .
الموسوعة الفقهية1-45 كاملة - (ج 2 / ص 1827)
«النّوع الأوّل : ما أمر الشّرع بكتمانه»
6 - من الأمور ما يحظر الشّرع إفشاءه لمصلحةٍ دينيّةٍ أو دنيويّةٍ حسب ما يترتّب على إفشائه من ضررٍ.
فممّا لا يجوز إفشاؤه :
ما يجري بين الزّوجين حال الوقاع ، فإنّ إفشاء ما يقع بين الرّجل وزوجته حال الجماع أو ما يتّصل بذلك حرامٌ منهيٌّ عنه ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم « إنّ من شرّ النّاس عند اللّه منزلةً يوم القيامة الرّجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ، ثمّ ينشر سرّها » والمراد من نشر السّرّ ، ذكر ما يقع بين الرّجل وامرأته من أمور الوقاع ووصف تفاصيل ذلك ، وما يجري من المرأة من قولٍ أو فعلٍ ونحو ذلك.
أمّا مجرّد ذكر الوقاع فإذا لم يكن لحاجةٍ ، فذكره مكروهٌ ، لأنّه ينافي المروءة ، فقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت » .
فإن دعت إلى ذكره حاجةٌ ، وترتّبت عليه فائدةٌ فهو مباحٌ.
كما لو ادّعت الزّوجة على زوجها أنّه عنّينٌ ، أو معرضٌ عنها ، أو تدّعي عليه العجز ، فإن لم يكن ما ادّعته صحيحاً فلا كراهة في الذّكر ، فقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « إنّي لأفعل ذلك ، أنا وهذه ، ثمّ نغتسل » وقال لأبي طلحة : « أعرّستم اللّيلة » ؟ والمرأة كالرّجل في عدم جواز إفشاء ما يجري من الرّجال حال الوقاع.
وإفشاء السّرّ منهيٌّ عنه لما فيه من الإيذاء والتّهاون بحقّ أصحاب السّرّ من الجيران والأصدقاء ونحوهم.
فقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « إذا حدّث الرّجل الحديث ثمّ التفت فهي أمانةٌ » وقال : « الحديث بينكم أمانةٌ » .
وقال الحسن « إنّ من الخيانة أن تحدّث بسرّ أخيك » .(1/107)
الرُّخْصَةُ فِي أَنْ تُحَدِّثَ الْمَرْأَةُ بِمَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا
226-7883 أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ : سَمِعْتُ الْأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ : حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ : حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانُ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ ، فَعَلْتُهُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاغْتَسَلْنَا "(1)
__________
(1) - أخرجه مالك برقم(104و105و107) والترمذي برقم(108و109) والمسند الجامع برقم(16032) وهو صحيح
تحفة الأحوذي - (ج 1 / ص 127)
101 - قَوْلُهُ : ( عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ )
بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ جَلِيلٌ ، قَالَ اِبْنُ عُيَيْنَةَ كَانَ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ عَنْ أَبِيهِ وَأَسْلَمَ الْعَدَوِيُّ وَعَنْهُ شُعْبَةُ وَمَالِكٌ وَخَلْقٌ وَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ سَعْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ مَاتَ سَنَةَ 126 سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ
( عَنْ أَبِيهِ )
أَيْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ثِقَةٌ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ بِالْمَدِينَةِ ، قَالَ أَيُّوبُ مَا رَأَيْت أَفْضَلَ مِنْهُ مِنْ الثَّالِثَةِ مَاتَ سَنَةَ 106 سِتٍّ وَمِائَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ ، قُلْت هُوَ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ بِالْمَدِينَةِ ، رَوَى عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَطَائِفَةٍ ، وَعَنْهُ الشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَخَلْقٌ ، قَالَ اِبْنُ سَعْدٍ كَانَ ثِقَةً عَالِمًا فَقِيهًا إِمَامًا كَثِيرَ الْحَدِيثِ .
قَوْلُهُمْ :
( إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ )
الْأَوَّلُ بِالرَّفْعِ وَالثَّانِي بِالنَّصْبِ ، وَالْخِتَانُ هُوَ مَوْضِعُ الْقَطْعِ مِنْ فَرْجِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَخْتُونًا أَمْ لَا وَالْمُرَادُ بِمُجَاوَزَةِ الْخِتَانِ الْخِتَانَ الْجِمَاعُ وَهُوَ غَيْبُوبَةُ الْحَشَفَةِ ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ الْعَاصِ إِذَا اِلْتَقَى الْخِتَانَانِ وَتَوَارَتْ الْحَشَفَةُ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ ، أَخْرَجَهُ اِبْنُ مَاجَهْ
( وَجَبَ الْغُسْلُ )
بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ اِسْمٌ لِلِاغْتِسَالِ
( فَعَلْته )
الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى مَصْدَرِ جَاوَزَ
( أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
بِالرَّفْعِ أَوْ النَّصْبِ
( فَاغْتَسَلْنَا )
ظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَعْنِي بِغَيْرِ إِنْزَالٍ وَأَنَّهُ نَاسِخٌ لِمَفْهُومِ حَدِيثِ إِنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ .
قَوْلُهُمْ :
( وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ )
أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَلَفْظُهُ إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ ، وَلِمُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ اِبْنُ مَاجَهْ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ ، وَأَمَّا حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ وَلَفْظُهُ قَالَ : نَادَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عَلَى بَطْنِ اِمْرَأَتِي فَقُمْت وَلَمْ أُنْزِلْ فَاغْتَسَلْت وَخَرَجْت إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ ، وَفِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا عَلَيْك الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ ، قَالَ رَافِعٌ ثُمَّ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْغُسْلِ ، قَالَ الْحَازِمِيُّ بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ ، قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ فِي تَحْسِينِهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ رِشْدِينَ وَلَيْسَ مِنْ رِجَالِ الْحَسَنِ ، وَفِيهِ أَيْضًا مَجْهُولٌ اِنْتَهَى . قُلْت : الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ .
تحفة الأحوذي - (ج 1 / ص 128)
102 - قَوْلُهُ : ( عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ )
بْنِ جُدْعَانَ التَّيْمِيِّ الْبَصْرِيِّ أَصْلُهُ حِجَازِيٌّ ضَعِيفٌ رَوَى عَنْ اِبْنِ الْمُسَيَّبِ وَعَنْهُ قَتَادَةُ وَالسُّفْيَانَانِ وَالْحَمَّادَانِ وَخَلْقٌ ، قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو زُرْعَةَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ اِبْنُ خُزَيْمَةَ سَيِّئَ الْحِفْظِ وَقَالَ شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِطَ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ ثِقَةٌ ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يَرْفَعُ الشَّيْءَ الَّذِي يُوقِفُهُ غَيْرُهُ .
قَوْلُهُ : ( إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ )
قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ : أَيْ حَاذَى أَحَدُهُمَا الْآخَرَ سَوَاءٌ تَلَامَسَا أَوْ لَا كَمَا إِذَا لَفَّ الذَّكَرَ بِالثَّوْبِ وَأَدْخَلَ اِنْتَهَى ، قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَرَدَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ الْمُحَاذَاةِ وَبِلَفْظِ الْمُلَاقَاةِ وَبِلَفْظِ الْمُلَامَسَةِ وَبِلَفْظِ الْإِلْصَاقِ ، وَالْمُرَادُ بِالْمُلَاقَاةِ الْمُحَاذَاةُ ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إِذَا غَابَتْ الْحَشَفَةُ فِي الْفَرْجِ فَقَدْ وَقَعَتْ الْمُلَاقَاةُ قَالَ اِبْنُ سَيِّدِ النَّاسِ وَهَكَذَا مَعْنَى مَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ أَيْ قَارَبَهُ وَدَانَاهُ ، وَمَعْنَى إِلْزَاقِ الْخِتَانِ بِالْخِتَانِ إِلْصَاقُهُ بِهِ ، وَمَعْنَى الْمُجَاوَزَةِ ظَاهِرٌ قَالَ اِبْنُ سَيِّدِ النَّاسِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ حَاكِيًا عَنْ اِبْنِ الْعَرَبِيِّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ اللَّمْسِ وَلَا حَقِيقَةَ الْمُلَاقَاةِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْمَجَازِ وَالْكِنَايَةِ عَنْ الشَّيْءِ بِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُلَابَسَةٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَذَلِكَ أَنَّ خِتَانَ الْمَرْأَةِ فِي أَعْلَى الْفَرْجِ وَلَا يَمَسُّهُ الذَّكَرُ فِي الْجِمَاعِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ ذَكَرَهُ عَلَى خِتَانِهَا وَلَمْ يُولِجْهُ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ قَدْرٍ زَائِدٍ عَلَى الْمُلَاقَاةِ وَهُوَ مَا وَقَعَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ الْعَاصِ بِلَفْظِ إِذَا اِلْتَقَى الْخِتَانَانِ وَتَوَارَتْ الْحَشَفَةُ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ أَخْرَجَهُ اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ اِنْتَهَى ، قُلْت وَأَخْرَجَهُ اِبْنُ مَاجَهْ أَيْضًا .
قَوْلُهُ : ( حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ )
وَالْحَدِيثُ صَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّانَ وَابْنُ الْقَطَّانِ وَأَعَلَّهُ الْبُخَارِيُّ بِأَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ أَخْطَأَ فِيهِ ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ مُرْسَلًا ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ أَبَا الزِّنَادِ قَالَ سَأَلْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ سَمِعْت فِي هَذَا الْبَابِ شَيْئًا فَقَالَ لَا ، وَأَجَابَ مَنْ صَحَّحَهُ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْقَاسِمُ كَانَ نَسِيَهُ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَحَدَّثَ بِهِ اِبْنَهُ أَوْ كَانَ حَدَّثَ بِهِ ثُمَّ نَسِيَ ، وَلَا يَخْلُو الْجَوَابُ عَنْ نَظَرٍ ، قَالَ الْحَافِظُ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ بِلَفْظِ إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلُهُ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ فِيهِ تَغَيُّرٌ ، وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ اِبْنَ الصَّلَاحِ .
قَوْلُهُ : ( وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ )
قَالَ النَّوَوِيُّ : اِعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْتَمِعَةٌ الْآنَ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْجِمَاعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِنْزَالٌ ، وَكَانَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ إِلَّا بِالْإِنْزَالِ ثُمَّ رَجَعَ بَعْضُهُمْ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بَعْدَ الْآخَرِينَ اِنْتَهَى ، وَقَالَ اِبْنُ الْعَرَبِيِّ : إِيجَابُ الْغُسْلِ أَطْبَقَ عَلَيْهِ . الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ، وَمَا خَالَفَ فِيهِ إِلَّا دَاوُدُ وَلَا عِبْرَةَ بِخِلَافِهِ ، قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ : وَأَمَّا نَفْيُ اِبْنِ الْعَرَبِيِّ الْخِلَافَ فَمُعْتَرَضٌ ، فَإِنَّهُ مَشْهُورٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ ثَبَتَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ ، لَكِنْ اِدَّعَى اِبْنُ الْقَصَّارِ أَنَّ الْخِلَافَ اِرْتَفَعَ بَيْنَ التَّابِعِينَ ، وَهُوَ مُعْتَرَضٌ أَيْضًا ، فَقَدْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ : إِنَّهُ قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَسَمَّى بَعْضَهُمْ ، قَالَ وَمِنْ التَّابِعِينَ الْأَعْمَشُ ، وَتَبِعَهُ عِيَاضٌ لَكِنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ بَعْدَ الصَّحَابَةِ غَيْرُهُ ، وَهُوَ مُعْتَرَضٌ أَيْضًا ، فَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ اِبْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ، وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي اِخْتِلَافِ الْحَدِيثِ : حَدِيثُ الْمَاءِ مِنْ الْمَاءِ ثَابِتٌ لَكِنَّهُ مَنْسُوخٌ ، إِلَى أَنْ قَالَ فَخَالَفَنَا بَعْضُ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا يَعْنِي مِنْ الْحِجَازِيِّينَ فَقَالُوا لَا يَجِبُ الْغُسْلُ حَتَّى يُنْزِلَ ا ه فَعُرِفَ بِهَذَا أَنَّ الْخِلَافَ كَانَ مَشْهُورًا بَيْنَ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ، لَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى إِيجَابِ الْغُسْلِ وَهُوَ الصَّوَابُ اِنْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ . قُلْت : لَا شَكَّ فِي أَنَّ مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ هُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ . وَأَمَّا حَدِيثُ الْمَاءِ مِنْ الْمَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فَهُوَ مَنْسُوخٌ ، وَيَأْتِي بَيَانُ النَّسْخِ فِي الْبَابِ الْآتِي :
المنتقى - شرح الموطأ - (ج 1 / ص 107)
94 - ( ش ) : قَوْلُهُ لَقَدْ شَقَّ عَلَيَّ اخْتِلَافُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرٍ إنِّي لَأُعْظِمُ أَنْ أَسْتَقْبِلَكِ بِهِ يُرِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ شَقَّ عَلَيْهِ وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِ إِلَّا لِقُوَّتِهِ وَلِقُوَّةِ مُوجِبِهِ وَالْأَخْبَارُ الصِّحَاحُ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْفَرِيقَانِ فَيَشُقُّ عَلَيْهِ تَرْكُ بَعْضِهَا وَالتَّعَلُّقُ بِسَائِرِهَا وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَأَعْظَمَ أَنْ يَسْتَقْبِلَهَا بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّصْرِيحِ بِمُجَامَعَةِ النِّسَاءِ فَنَبَّهَتْهُ عَلَى أَنَّ حُرْمَتَهَا مُؤَبَّدَةٌ وَأَنَّهَا فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ وَأَنَّ كُلَّ مَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهِ أُمَّهُ إِذَا رَجَا عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْمًا فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهِ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ .
( فَصْلٌ ) وَقَوْلُهُ الرَّجُلُ يُصِيبُ أَهْلَهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْجِمَاعَ وَقَوْلُهُ ثُمَّ يُكْسِلُ وَلَا يُنْزِلُ يُقَالُ أَكْسَلَ الرَّجُلُ إِذَا فَتَرَ عَنْ الْجِمَاعِ فَقَالَتْ إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ فَأَجَابَتْهُ بِعِلْمِهَا فِي ذَلِكَ وَمَا تُوُفِّيَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ كَانَتْ أَعْلَمَ النَّاسِ بِذَلِكَ وَبِمَا تَقَدَّمَ مِنْهُ وَمَا تَأَخَّرَ لِمَكَانِهَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِذَلِكَ قَالَ لَهَا أَبُو مُوسَى لَا أَسْأَلُ عَنْ هَذَا أَحَدًا بَعْدَك يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ أَخَذَ بِقَوْلِهَا فِي ذَلِكَ وَوَثِقَ بِعِلْمِهَا
95 - ( ش ) : سُؤَالُ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَنْ هَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّ الْأَنْصَارَ كَانَتْ تَقُولُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ إِلَّا بِالْإِنْزَالِ وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَقُولُونَ يَجِبُ الْغُسْلُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ فَأَرْسَلُوا أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ إِلَى عَائِشَةَ رَضْيَ اللَّهُ عَنْهَا لِيَعْلَمُوا مَا تَوَفَّى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَخْبَرَتْهُمْ بِمُوجِبِ الْغُسْلِ نَزَعَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ كَانَ يَنْفِي الْغُسْلَ إِلَى قَوْلِ عَائِشَةَ وَعَلِمُوا أَنَّ مَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْ نَفْيِهِ مَنْسُوخٌ أَوْ مَخْصُوصٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدِ السَّاعِدِيِّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا جَعَلَ ذَلِكَ رُخْصَةً لِلنَّاسِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لِقِلَّةِ الثَّبَاتِ ثُمَّ أُمِرْنَا بِالْغُسْلِ وَنُهِينَا عَنْ ذَلِكَ يَعْنِي الْمَاءَ مِنْ الْمَاءِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا ذَلِكَ فِي الِاحْتِلَامِ
96 - ( ش ) : قَوْلُهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ يَدُلُّ عَلَى تَكَرُّرِ هَذَا الْقَوْلِ عَنْهُ وَاعْتِقَادِهِ لَهُ وَأَخْذِهِ بِهِ وَهَذَا حُكْمُ الْوَاطِئِ فِي الْفَرْجِ فَأَمَّا فِي غَيْرِ الْفَرْجِ فَلَا غُسْلَ عَلَى الْوَاطِئِ إِلَّا أَنْ يُنْزِلَ فَيَجِبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ بِالْإِنْزَالِ وَلَا غُسْلَ عَلَى الْمَرْأَةِ إِلَّا أَنْ تُنْزِلَ فَإِنْ وَصَلَ شَيْءٌ مِنْ مَائِهِ إِلَى فَرْجِهَا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْتَذَّتْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُرِيدُ أَنْزَلَتْ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَقَدْ قِيلَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ وَإِنْ لَمْ تُنْزِلْ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ احْتِيَاطًا وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ إنَّمَا يَجِبُ بِالْتِقَاءِ خِتَانَيْنِ أَوْ انزال وَقَدْ عُدِمَا فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهَا وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ إِذَا وَصَلَ مَاءُ الرَّجُلِ قُبُلَهَا وَالْتُذَّتْ أَشْكَلَ عَلَيْهَا أَمْرُهَا فَلَمْ تَدْرِ أَنْزَلَتْ أَمْ لَا وَلَمَّا كَانَ غَالِبُ حَالِهَا الْإِنْزَالَ عِنْدَ وُجُودِهَا اللَّذَّةَ حُمِلَ أَمْرُهَا عَلَى الْغَالِبِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ رَضْيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ عِنْدِي مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ
فتح الباري لابن رجب - (ج 2 / ص 66)
29-باب
غسل ما يصيب مِن فرج المرأة
292-حدثنا أبو معمر : نا عبد الوارث ، عَن الحسين المعلم : قالَ يحيى : وأخبرني أبو سلمة ، أن عطاء بنِ يسار أخبره ، أن زيد بنِ خالد الجهني أخبره ، أنَّهُ سأل عثمان بنِ عفان ، فقالَ : أرأيت إذا جامع الرجل امرأته فلم يمن ؟ فقالَ : عثمان : يتوضأ كَما يتوضأ للصلاة ، ويغسل ذكره . وقال عثمان : سمعته مِن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فسألت عَن ذَلِكَ علي بنِ أبي طالب ، والزبير بنِ العوام ، وطلحة بنِ عبيد الله ، وأبي بنِ كعب ، فأمروه بذلك .
وأخبرني أبو سلمة ، أن عروة بنِ الزبير أخبره : أن أبا أيوب أخبره ، أنَّهُ سمع ذَلِكَ مِن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
293- حدثنا مسدد : نا يحيى ، عَن هشام بنِ عروة ، قالَ : أخبرني أبي ، قالَ : أخبرني أبو أيوب ، قالَ : أخبرني أبي بنِ كعب ، أنَّهُ قالَ : يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جامع الرجل [ المرأة ] فلم ينزل ؟ قالَ : (( يغسل ما مس المرأة منهُ ، ثُمَّ يتوضأ
ويصلي )) .
قالَ أبو عبد الله : الغسل أحوط ، وذلك الأخير ، إنما بينا لاختلافهم .
الذِي وقع في الرواية الأولى عَن أبي سلمة ، عَن عروة ، أن أبا أيوب أخبره ، أنَّهُ سمع ذَلِكَ مِن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهم ، نبه عليهِ الدارقطني وغيره ، تدل عليهِ الرواية الثانية ، عَن هشام بن عروة ، عَن أبيه : أخبرني أبو أيوب ، قالَ : أخبرني أبي بنِ كعب ، عَن النبي
- صلى الله عليه وسلم - .
وقد روى عبد الرحمن بنِ سعاد ، عَن أبي أيوب ، عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قالَ :
(( الماء مِن الماء )) .
خرجه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه ، وليس فيهِ تصريح أبي أيوب بسماعه مِن
النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقد خرج البخاري فيما تقدم في ذكر نواقض الوضوء : حديث ذكوان أبي
صالح ، عَن أبي سعيد ، عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قالَ : (( إذا أعجلت -أو أقحطت - فلا غسل عليك )) .
وخرج -أيضاً - : حديث يحيى بنِ أبي كثير الذِي خرجه هنا مِن طريق شيبان ، عَن يحيى ، إلى قولُهُ في آخر الحديث : (( وأبي بنِ كعب ، فأمروه بذلك )) ، ولم يذكر ما بعده ، ولعله تركه لما وقع فيهِ مِن الوهم الذِي ذكرناه .
وعند البخاري في كلتا الروايتين : أن علياً والزبير وطلحة وأبي بنِ كعب أفتوا بذلك ، ولم يرفعوه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقد وقع في رواية غيره : أنهم رفعوه -أيضاً- إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقد قالَ علي بنِ المديني في هَذا الحديث : إنه شاذ .
وقال ابن عبد البر : هوَ منكر ؛ لَم يتابع عليهِ يحيى بن أبي كثير .
وقد صح عَن أكثر مِن ذكر عَنهُ مِن الصحابة : أنَّهُ لا غسل بدون الإنزال- خلاف ذَلِكَ .
قالَ علي بنِ المديني : قَد روي عَن علي وعثمان وأبي بنِ كعب بأسانيد جياد أنهم أفتوا بخلاف ما في هَذا الحديث .
قالَ الدارقطني : رواه زيد بنِ أسلم ، عَن عطاء بنِ يسار ، عَن زيد بنِ خالد : أنَّهُ سأل خمسة أو أربعة مِن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأمروه بذلك ، ولم يرفعه .
يشير إلى أن زيد بنِ أسلم يخالف أبا سلمة في رفعه ، ولم يرفع منهُ شيئاً .
وقد كانَ قوم مِن الأنصار قديماً يقولون : (( إن الماء مِن الماء )) ، ثُمَّ استقر الأمر على أنَّهُ إذا التقى الختانان وجب الغسل ، ورجع أكثر مِن كان يخالف في ذَلِكَ عَنهُ .
وأما المهاجرون ، فَقد صح عَنهُم أنهم قالوا : (( إذا التقى الختانان وجب
الغسل )) ، مِنهُم : عمر ، وعثمان ، وعلي ، فدل على أن عثمان وعلياً علموا أن (( الماء مِن الماء )) نسخ ، وإلا فكيف يروي عثمان أو غيره عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئاً ، ثُمَّ يرجع عَن القول بهِ ؟
وفي ((صحيح مسلم )) عَن أبي موسى ، قالَ : اختلف في ذَلِكَ رهط مِن المهاجرين والأنصار ، فقالَ الأنصاريون : لا يجب الغسل إلا مِن الدفق أو مِن الماء ،
فقالَ المهاجرون : بل إذا خالط فَقد وجب الغسل . قالَ : قالَ أبو موسى : فأنا أشفيكم مِن ذَلِكَ ، وذكر قيامه إلى عائشة وما روته لهُ عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كَما سبق ذكره .
وروى وكيع ، عَن القاسم بنِ الفضل ، عَن أبي جعفر محمد بنِ علي ، قالَ :
قالَ المهاجرون : إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل ، وقال الأنصار : الماء مِن الماء .
وروى ابن أبي شيبة ، عَن حفص بنِ غياث ، عَن حجاج ، عَن أبي جعفر ، قالَ :
أجمع المهاجرون : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أن ما أوجب الحدين :
الجلد والرجم ، أوجب الغسل .
وروى إبراهيم بنِ مسلم الخوارزمي في (( كِتابِ الطهور )) عَن ابن نمير ، عَن يحيى بنِ سعيد ، عَن سعيد بنِ الميسب ، قالَ : كانَ أبو بكر وعمر يأمران بالغسل -يعني : مِن الإكسال .
وروى مالك عَن ابن شهاب ، عَن سعيد بنِ المسيب ، قالَ : إن عمر وعثمان وعائشة كانوا يقولون : إذا مس الختان الختان فَقد وجب الغسل .
وروى عبد الرزاق عَن معمر ، عَن الزهري ، عَن سعيد بنِ المسيب ، قالَ : كانَ عمر وعثمان وعائشة والمهاجرون الأولون يقولون : إذا مس الختان الختان فَقد وجب الغسل .
وروى وكيع ، عَن محمد بنِ قيس الأسدي ، عَن علي بنِ ربيعة ، عَن علي ، قالَ : إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل .
وروى ابن أبي شيبة والأثرم بإسنادهما ، عَن عاصم ، عَن زر ، عَن علي ، قالَ : إذا التقى الختانان وجب الغسل .
وقد روي ، عَن علي مِن وجوه متعددة .
فهؤلاء الخلفاء الراشدون -رضي الله عَنهُم- قَد أجمعوا على ذَلِكَ ، معَ أن بعضهم
روى عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه ، فلولا أنهم علموا أن ما خالف ذَلِكَ منسوخ لما خالفوا ما سمعوا مِن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ووافقهم على ذَلِكَ أكابر الصحابة ، مِنهُم :
ابنِ مسعود ، وابن عمر ، وأبو ذر ، وأبو هريرة ، ومعاذ بنِ جبل فقيه الأنصار ، وأبو هريرة ، وعائشة أم المؤمنين ، وهي أعلم الناس بهذا ، وإليها مرجع الناس كلهم .
وقد صح عنها ، أنها افتت بذلك ، وأمرت بهِ ، وأن الصحابة الذين سمعوا منها رجعوا إلى قولها في ذَلِكَ ؛ فإنها لا تقول مثل هَذا إلا عَن علم عندها فيهِ عَن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لا سيما وقد علمت اختلاف الصحابة في ذَلِكَ .
وجمع عمر الناس كلهم على قولها ، فلو كانَ قولها رأياً مجرداً عَن رواية لما استجازت رد روايات غيرها مِن الصحابة برأيها .
وقد روي عنها مِن وجوه كثيرة ، وبعضها صحيح ، كَما تقدم ، أنها روته عَن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولاً أو فعلاً .
فما بقي بعد ذَلِكَ سوى العناد والتعنت ، ونعوذ بالله مِن مخالفة ما أجمع عليهِ الخلفاء الراشدون ، وجمع عليهِ عمر كلمة المسلمين ، وأفتت بهِ عائشة أم المؤمنين ، أفقه نساء هَذهِ الأمة ، وهي أعلم بمستند هَذهِ المسألة مِن الخلق أجمعين .
فروى مالك عَن يحيى بنِ سعيد ، عَن سعيد بنِ المسيب ، أن أبا موسى الأشعري أتى عائشة أم المؤمنين ، فقالَ لها : فقالَ لها : لقد شق علي اختلاف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمر إني لأعظم أن استقبلك بهِ ، قالت : ما هو ؟ ما كنت سائلاً عَنهُ أمك
فسلني عَنهُ .
قالَ لها : الرجل يصيب أهله ثُمَّ يكسل ولا ينزل ؟ فقالت : إذا جاوز الختان الختان فَقد وجب الغسل . فقالَ أبو موسى : لا أسأل عَن هَذا أحداً بعدك .
ورواه حماد بنِ زيد وعبد الوهاب الثقفي وغيرهما ، عَن يحيى بنِ سعيد ، بنحوه .
وسمى عبد الوهاب في روايته مِن قالَ : لا يجب الغسل بذلك : أبي ابن كعب ، وأبا أيوب ، وزيد بنِ ثابت ، وسمى مِمن يأمر بالغسل : عمر وعثمان .
وروى ابن إسحاق ، عَن يزيد بنِ أبي حبيب ، عَن معمر عبد الله بنِ أبي حيية ، عَن عبيد بنِ رفاعة بنِ رافع ، عَن أبيه رفاعة ، قالَ : كنت عند عمر ، فقيل لَهُ : إن زيد
بنِ ثابت يفتي برأيه في الذِي يجامع ولا ينزل ، فدعاه ، فقالَ : أي عدو نفسه ، قَد بلغت أن تفتي الناس في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برأيك ! قالَ : ما فعلت ، ولكن حدثني
عمومتي ، عَن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قالَ : أي عمومتك ؟ قالَ : أبي بنِ كعب ، وأبو أيوب ، ورفاعة بنِ رافع . قالَ : فالتفت عمر إلي ، فقلت : كنا نفعله على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قالَ : فسألتم عَنهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قالَ : كنا نفعله على عهده ، قالَ : فجمع الناس ، وأصفق الناس على أن الماء لا يكون إلا مِن الماء ، إلا رجلين : علي بن أبي طالب ، ومعاذ بن جبل ، قالا : إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل .
فقالَ علي : يا أمير المؤمنين ، إن أعلم الناس بهذا أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأرسل إلى حفصة ، فقالت : لا علم لي ، فأرسل إلى عائشة ، فقالت : إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل . قالَ : فتحطم عمر -يعني : تغيظ - ، ثُمَّ قالَ : لا يبلغني أن أحداً فعله ولم يغتسل إلا انهكته عقوبة .
خرجه الإمام أحمد وبقي بن مخلد في (( مسنديهما )) ، ومسلم في (( كِتابِ التفصيل )) وَهوَ (( كِتابِ الناسخ والمنسوخ )) لَهُ .
ثُمَّ خرجه مِن طريق عبد الله بنِ صالح ، عَن الليث : حدثني يزيد بنِ أبي حبيب ، عَن معمر بنِ أبي حيية ، عَن عبيد بنِ رفاعة ، أن زيد بنِ ثابت كانَ يقول - فذكره بنحوه ، ولم يقل : (( عَن أبيه )) .
ومعمر بنِ أبي حيية ، ويقال : ابن أبي حبيبة ، وثقه ابن معين وغيره .
وعبيد بنِ رفاعة ، ذكره ابن حبان في (( ثقاته )) .
وهذه الرواية يستفاد منها أمور :
منها : أن كثيراً مِن الأنصار كانَ يقلد بعضهم بعضاً في هَذهِ المسألة ، ولم يسمع ذَلِكَ مِن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا قليل مِنهُم .
ومنها : أنَّهُ لَم يظهر في ذَلِكَ المجلس شيء مِن روايات الأنصار الصريحة عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما ظهر التمسك بفعل كانوا يفعلونه على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فسأله عمر : هل علم بهِ النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ فلم يكن لَهُم جواب ، وهذا مما يدل على أن تلك الروايات التصريحية
حصل الوهم في نقلها مِن بعض الرواة .
ومنها : أن المهاجرين الذين روي أنهم كانوا يخالفون في ذَلِكَ ويروون عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلافه كعثمان رجعوا عما سمعوه منهُ ، وكذلك الأنصار -أيضاً - ، ورأسهم : أبي بنِ كعب رجع ، وأخبر أن ما سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذَلِكَ كانَ رخصة في أول الأمر ثُمَّ نسخ وزال ، وهذا يدل على أنَّهُ تبين لَهُم نسخ ما كانوا سمعوه بياناً شافياً ، بحيث لَم يبق فيهِ لبس ولا شك .
وقد ذكر الشَافِعي : أنَّهُ اتفق هوَ ومن ناظره في هَذهِ المسألة على أن هَذا أقوى مما يستدل بهِ عليها .
ويدل على رجوع أبي وغيره مِن الأنصار : ما روى الزهري ، عَن سهل بنِ
سعد ، عَن أبي بنِ كعب ، قالَ : إنما كانَ الماء مِن الماء رخصة في أول الإسلام ، ثُمَّ نهي عنها .
خرجه الترمذي ، وقال : حسن صحيح ، وخرجه ابن ماجه مختصراً .
وخرجه الإمام أحمد ولفظه : إن الفتيا التي كانوا يقولون : الماء مِن الماء ، رخصة كانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص بها في أول الإسلام ، ثُمَّ أمرنا بالغسل بعد .
وخرجه ابن خزيمة في (( صحيحه )) مِن طريق معمر ، عَن الزهري ، قالَ :
أخبرني سهل بنِ سعد ، قالَ : إنما كانَ قول الأنصار : الماء مِن الماء رخصة في أول الإسلام ، ثُمَّ أمرنا بالغسل .
ولم يذكر في إسناده : (( أبياً )) ، وصرح فيهِ بسماع الزهري .
وقيل : إنه وهم في ذَلِكَ ؛ فإن الزهري لَم يسمعه مِن سهل ، فَقد خرجه أبو داود وابن خزيمة -أيضاً - مِن طريق عمرو بن الحارث ، عَن الزهري ، قالَ : حدثني بعض مِن أرضى ، عَن سهل ، عَن أبي - فذكره .
ورجح هَذهِ الرواية : الإمام أحمد والدارقطني وغيرهما .
ورجح آخرون : سماع الزهري لهُ من سهل ، مِنهُم : ابن حبان .
ووقع في بعض نسخ (( سنن أبي داود )) ما يدل عليهِ ؛ فإنه لم يذكر أحد مِن أصحاب الزهري بين الزهري وسهل رجلاً [ غير ] عمرو بنِ الحارث ، فلا يقضي لَهُ على سائر أصحاب الزهري .
وقد خرجه ابن شاهين مِن طريق ابن المبارك ، عَن يونس ، عَن الزهري ، قالَ : حدثني سهل بنِ سعد ، عَن أبي بنِ كعب - فذكره ، بهِ .
وبتقدير أن يكون ذَلِكَ محفوظاً ؛ فَقد اخبر الزهري أن هَذا الذِي حدثه يرضاه ، وتوثيق الزهري كاف في قبول خبره .
وقد قيل : أنَّهُ أبو حازم الزاهد ، وَهوَ ثقة جليل ، فقد خرج أبو داود وابن خزيمة مِن رواية أبي غسان محمد بنِ مطرف ، عَن أبي حازم ، عَن سهل بنِ سعد ، قالَ : حدثني أبي بن كعب - فذكره .
قالَ البيهقي : هَذا إسناد صحيح موصول .
وقد ذكر ابن أبي حاتم ، عَن أبيه ، أن بعضهم ذكر أنه لا يعرف لَهُ أصلاً .
وفي ذَلِكَ نظر .
وقد روي عَن أبي بنِ كعب مِن وجوه أخر :
روى شعبة ، عَن سيف بنِ وهب ، عَن أبي حرب بنِ أبي الأسود ، عَن عميرة بنِ يثربي ، عَن أبي كعب ، قالَ إذا التقى ملتقاهما فَقد وجب الغسل .
خرجه ابن أبي شيبة والبخاري في (( تاريخه)) .
وروى مالك ، عَن يحيى بنِ سعيد ، عَن عبد الله بنِ كعب مولى عثمان ، أن محمود بنِ لبيد سأل زيد بنِ ثابت عَن الرجل يصيب أهله ثُمَّ يكسل ولا ينزل ؟ فقالَ : زيد يغتسل ، فقالَ لَهُ محمود بن لبيد : إن أبي بن كعب - كانَ لا يرى الغسل ؟ فقالَ لَهُ زيد : إن أبياً نزع عَن ذَلِكَ قبل أن يموت .
وقال الشَافِعي : أنا إبراهيم بن محمد ، عَن خارجة بن زيد ، عَن أبيه ، عَن أبي بن كعب ، أنَّهُ كانَ يقول : ليسَ على مِن لَم ينزل غسل ، ثُمَّ نزع عَن ذَلِكَ أبي قبل أن يموت .
وقد روي ، عَن عائشة ما يدل على النسخ : مِن رواية الحسين بنِ عمران : حدثني الزهري ، قالَ : سألت عروة عَن الذِي يجامع ولا ينزل ؟ قالَ : نول الناس أن يأخذوا بالآخر مِن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حدثتني عائشة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ يفعل ذَلِكَ ولا يغتسل ، وذلك قبل فتح مكة ، ثُمَّ اغتسل بعد ذَلِكَ ، وأمر الناس بالغسل .
خرجه ابن حبان في (( صحيحه )) و الدارقطني .
والحسين بنِ عمران ، ذكره ابن حبان في (( ثقاته )) ، وقال الدارقطني : لا بأس بهِ ، وقال البخاري : لا يتابع على حديثه .
وقال العقيلي بعد تخريجه لهذا الحديث : الحديث ثابت عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغسل لالتقاء الختانين ، ولا يحفظ هذا اللفظ إلا في هَذا الحديث .
والقول بأن (( الماء مِن الماء )) نسخ بالأمر بالغسل مِن التقاء الختانين هوَ المشهور عند العلماء مِن الفقهاء والمحدثين ، وقد قرره الشافعي ، وأحمد ، ومسلم بنِ الحجاج ، والترمذي ، وأبو حاتم الرازي وغيرهم مِن الأئمة .
وقد روي معنى ذَلِكَ عَن سعيد بنِ المسيب وغيره مِن السلف .
وقد قيل : إن (( الماء مِن الماء )) إنما كانَ في الاحتلام .
وقد روي عَن ابن عباس هَذا التأويل .
خرجه الترمذي مِن وجه فيهِ مقال .
وروي -أيضاً- عَن عكرمة ، وذهب إليه طائفة .
وهذا التأويل إن احتمل في قولُهُ : (( الماء مِن الماء )) فلا يحتمل في قولُهُ : (( إذا أعجلت -أو أقحطت- فلا غسل عليك )) ، وفي قولُهُ : (( يغسل ما مس المرأة منهُ ، ويتوضأ ، ويصلي )) .
وقال طائفة مِن العلماء : لما اختلفت الأحاديث في هَذا وجب الأخذ بأحاديث الغسل مِن التقاء الختانين ، لما فيها مِن الزيادة التي لَم يثبت لها معارض ، ولم تبرأ الذمة بدون الاغتسال ؛ لأنه قَد تحقق أن التقاء الختانين موجب لطهارة، ووقع التردد : هل يكفي الوضوء أو لا يكفي دونَ غسل البدن كله ؟ فوجب الأخذ بالغسل ؛ لأنه لا يتيقن براءة الذمة بدونه .
وهذا معنى قول البخاري : الغسل أحوط .
ولذلك قالَ أحمد -في رواية ابن القاسم - : الأمر عندي في الجماع أن آخذ بالاحتياط فيهِ ، ولا أقول : الماء مِن الماء .
وسلك بعضهم مسلكاً أخر ، وَهوَ : أن المجماع وإن لَم ينزل يسمى جنباً ومجامعاً وواطئاً ، ويترتب جميع أحكام الوطء عليهِ ، والغسل مِن جملة الأحكام .
وهذا معنى قول مِن قالَ مِن السلف : أنوجب المهر والحد ولا نوجب الغسل ؟
وهذا القول هوَ الذِي استقر عليهِ عمل المسلمين .
وقد خالف فيهِ شرذمة مِن المتقدمين ، مِنهُم : أبو سلمة ، وعروة ، وهشام ابن عروة ، والأعمش ، وابن عيينة ،وحكي عَن الزهري وداود .
وقال ابن عبد البر : اختلف أصحاب داود في هَذهِ المسألة .
وقال ابن المنذر : لا أعلم اليوم بين أهل العلم في ذَلِكَ اختلافاً .
وذهب إليه طائفة مِن أهل الحديث ، مِنهُم : بقي بنِ مخلد الأندلسي ، وقد نسبه بعضهم إلى البخاري وليس في كلامه ما يصرح بهِ ، وحكاه الشَافِعي عَن بعض أهل الحديث مِن أهل ناحيتهم وغيرهم ، وذكر مناظرته لَهُم .
وقد كانَ بعض الناس قي زمن الإمام أحمد ينسب ذَلِكَ إليه ، فكان أحمد ينكر ذَلِكَ ، ويقول : ما أحفظ أني قلت بهِ قط ، وقيل لَهُ : بلغنا أنك تقوله ؟ فقالَ : الله المستعان ، وقال -أيضاً - : مِن يكذب علي في هَذا أكثر مِن ذاك .
وأحمد مِن أبعد الناس عَن هَذهِ المقالة ، فظاهر كلامه يدل على أن الخلاف فيها غير سائغ ، فإنه نص على أنَّهُ لو فعل ذَلِكَ مرة أنَّهُ يعيد الصلاة التي صلاها بغير غسل مِن التقاء الختانين ، ونص على أنَّهُ لا يصلى خلف مِن يقول : (( الماء مِن الماء )) ، معَ قولُهُ : إنه يصلي خلف مِن يحتجم ولا يتوضأ ، ومن يمس ذكره ولا يتوضأ متأولاً ، فدل على أن القول بأن ((الماء مِن الماء )) لا مساغ للخلاف فيهِ .
وكذلك ذكر ابن أبي موسى وغيره مِن الأصحاب .
وحمل أبو بكر عبد العزيز كلام أحمد على أنه لَم يكن متأولاً ، وهذا لا يصح ؛ لأن القول بأن (( الماء مِن الماء )) لا يكون بغير تأويل . والله أعلم .
وقد سبق عَن عمر ، أنَّهُ قالَ : لا أوتى بأحد فعله إلا أنهكته عقوبة .
وقد روي عَنهُ مِن وجه آخر ، رواه ابن أبي شيبة ، عَن ابن إدريس ، عَن
الشيباني ، عَن بكير بنِ الأخنس ، عَن سعيد بنِ المسيب ، قالَ : قالَ عمر : لا أوتي برجل فعله -يعني : جامع ولم يغتسل ؛ يعني : وَهوَ لَم ينزل- إلا أنهكته عقوبة .
وخرجه إبراهيم بن مسلم الخوارزمي في (( كِتابِ الطهور )) عَن أسباط بن
محمد ، عَن الشيباني ، بهِ .
وفي رواية أن سعيد بنِ المسيب قالَ : سمعت عمر بنِ الخطاب على المنبر يقول : لا أجد أحداً جامع امرأته ولم يغتسل ، أنزل أو لَم ينْزل ، إلا عاقبته .
وقد قالَ عمر هَذا بمحضر مِن المهاجرين والأنصار ، ولم يخالف فيهِ أحد .
والظاهر : أن جميع مِن كانَ يخالف فيهِ مِن الأنصار رجع عَنهُ ، ورأسهم : أبي بنِ كعب ، وزيد بنِ ثابت ، ومِن المهاجرين عثمان بنِ عفان .
وفي رجوع أبي بنِ كعب وعثمان بنِ عفان معَ سماعها مِن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف ذَلِكَ : دليل على أنَّهُ ظهر لهما أن ما سمعاه زال حكمه ، واستقر العمل على غيره .
وعامة مِن روي عَنهُ : (( إن الماء مِن الماء )) روي عَنهُ خلاف ذَلِكَ ، والغسل مِن التقاء الختانين ، مِنهُم : عثمان ، وعلي ، سعد بنِ أبي وقاص ، وابن مسعود ، وابن
عباس ، وزيد بنِ ثابت ، وأبي بنِ كعب ، ورافع بنِ خديج .
وهذا يدل على رجوعهم عما قالوه في ذَلِكَ ؛ فإن القول بنسخ (( الماء مِن الماء )) مشهور بين العلماء ، ولم يقل أحد مِنهُم بالعكس .
وقد روت عائشة وأبو هريرة عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - الغسل بالتقاء الختانين .
وقد روى ذَلِكَ -أيضاً- مِن رواية عبد الله بنِ عمرو ، ورافع بنِ خديج ، ومعاذ بنِ جبل ، وابن عمر ، وأبي أمامة وغيرهم ، إلا أن في أسانيدها ضعفاً .
وفي حديث رافع التصريح بنسخ الرخصة -أيضاً .
أعلم ؛ أن هَذا الضعف إنما هوَ في الطرق التي وصلت إلينا منها هَذهِ الأخبار ، فأما المجمع الذِي جمع عمر فيهِ المهاجرين والأنصار ، ورجع فيهِ أعيان مِن كانَ سمع مِن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - الرخصة ، فأنهم لَم يرجعوا إلا لأمرٍ ظهر لَهُم في ذَلِكَ الجمع وبعده ، وعلموه
وتيقنوه ، وإن كانت تفاصيله لَم تنقل إلينا ، واستقر مِن حينئذ العمل على الغسل مِن التقاء الختانين ، ولم يصح عَن أحد مِن الصحابة بعد ذَلِكَ إظهار الفتيا بخلافه ، فوجب اتباع سبيل المؤمنين ، والأخذ بما جمع عليهِ الأمة أمير المؤمنين ، والرجوع إلى مِن رجعت إليه الصحابة في العلم بهذه المسألة ،وهي أم المؤمنين .
والمخالف يشغب بذكر الأحاديث التي رجع عنها رواتها ، ويقول : هي صحيحة
الأسانيد ، وربما يقول : هي أصح إسناداً مِن الأحاديث المخالفة لها .
ومن هنا : كره طوائف مِن العلماء ذكر مثل هَذهِ الأحاديث والتحديث بها ؛ لأنها تورث الشبهة في نفوس كثير مِن الناس .
وخرج الإسماعيلي في (( صحيحه )) مِن حديث زيد بنِ أخزم ، قالَ : سمعت يحيى -يعني : القطان- وسئل عَن حديث هشام بنِ عروة : حديث أبي أيوب : (( الماء مِن
الماء )) ؟ - فقالَ : نهاني عَنهُ عبد الرحمن - يعني : ابن مهدي .
ولهذا المعنى - والله أعلم- لَم يخرج مالك في (( الموطإ )) شيئأً مِن هَذهِ
الأحاديث ، وهي أسانيد حجازية على شرطه .
والمقصود بهذا : أن المسائل التي اجتمعت كلمة المسلمين عليها مِن زمن الصحابة ، وقل المخالف فيها وندر ، ولم يجسر على إظهارها لإنكار المسلمين عليهِ ، [ كلها ] يجب على المؤمن الأخذ بما اتفق المسلمون على العمل بهِ ظاهراً ؛ فإن هَذهِ الأمة لا يظهر أهل باطلها على أهل حقها ، كَما أنها لا تجتمع على ضلالة ، كَما روي ذَلِكَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
خرجه أبو داود وغيره .
فهذه المسائل قَد كفى المسلم أمرها ، ولم يبق فيها إلا اتباع ما جمع عليهِ الخلفاء الراشدون أولي العلم والعدل والكمال ، دونَ الاشتغال فيها بالبحث والجدال وكثرة القيل والقال ؛ فإن هَذا كله لَم يكن يخفى عمن سلف ، ولا يظن ذَلِكَ بهم سوى أهل الجهل والضلال .
والله المسئول العصمة والتوفيق .
شرح ابن بطال - (ج 1 / ص 437)
/39 - فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: تمت إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأرْبَعِ، ثُمَّ جَهَدَهَا، فَقَدْ وَجَبَ الْغَسْلُ - .
ذهب جماعة فقهاء الأمصار إلى وجوب الغسل إذا التقى الختانان، وإن لم ينزلا، على ما ثبت فى هذا الحديث، وقد روى مالك فى الموطأ عن عائشة أنها قالت: إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل، وهى أعلم بهذا، لأنها شاهدت تطهر رسول الله حياته وعاينته عملا، فقولها أولى ممن لم يشاهد ذلك، وروى عن على بن أبى طالب خلافه.
قال ابن القصار: وأجمع التابعون ومن بعدهم على القول بهذا الحديث.
وإذا كان فى المسألة قولان بعد انقراض الصحابة، ثم أجمع العصر الثانى بعدهم على أحد القولين، كان ذلك مسقطًا للخلاف قبله ويصير ذلك إجماعًا، وإجماع الأعصار عندنا حجة كإجماع الصحابة، وسنتقصى الكلام فى هذه المسألة فى الباب الذى بعد هذا إن شاء الله.
وقوله: تمت جهدها - أى بلغ مشقتها، قال صاحب الأفعال: يقال: جهدته جهدًا، وأجهدته بلغت مشقته، هذا قول الأصمعى، وقال الأعمش:
جهدن لها مع إجهادها به
وجهده المرض وأجهده، وجهد فى الأمر، وأجهد: بلغ فيه الجهد، وجهدت الفرس، وأجهدته: استخرجت جهده.
وقال الحسن، رحمه الله: إن الحق جهد الناس ولن يصبر عليه إلا من رجا ثوابه عز وجل.
شرح ابن بطال - (ج 1 / ص 439)
قال المؤلف: قال الأثرم: سألت أحمد بن حنبل عن حديث عطاء بن يسار، عن زيد بن خالد، قال: سألت خمسة من أصحاب النبى - صلى الله عليه وسلم -: عثمان، وعلى، وطلحة، والزبير، وأُبَىّ بن كعب، فقالوا: الماء من الماء، فيه علة؟ قال: نعم، ما يروى من خلافه عنهم.
وقال يعقوب بن شيبة: سمعت على بن المدينى وسئل عن هذا الحديث، فقال: إسناد حسن، ولكنه حديث شاذ، فإن على بن زيد قد روى عن عثمان، وعلى، وأُبَىّ بأسانيد حسان أنهم أفتوا بخلافه. قال يعقوب: وهو حديث منسوخ، كانت هذه الفتيا فى أول الإسلام، ثم جاءت السنة بعد ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تمت إذا جاوز الختان الختان، فقد وجب الغسل -
وروى ابن وهب عن عمرو بن الحارث، عن ابن شهاب، قال: حدثنى بعض من أرضى، عن سهل بن سعد، عن أُبَىّ بن كعب أخبره، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل الماء من الماء رخصة فى أول الإسلام، ثم نهى عن ذلك، وأمر بالغسل بعد ذلك.
وقال موسى بن هارون: رواه أبو حازم، عن سهل بن سعد، وأظن ابن شهاب سمعه منه، فهذا أُبَىّ يخبر أن هذا من الناسخ لقوله: تمت الماء من الماء - .
وروى يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن كعب، عن محمود بن لبيد أنه سأل زيد بن ثابت عن الرجل يصيب أهله ثم يكسل ولا ينزل؟ فقال زيد: يغتسل، فقلت: إن أُبَىّ بن كعب كان لا يرى الغسل، قال: إن أُبَىّ نزع عن ذلك قبل أن يموت.
فهذا أُبَىّ قد قال هذا، وقد روى عن النبى - صلى الله عليه وسلم - خلافه، فلا يجوز أن يقول هذا إلا وقد ثبت عنده نسخ ذلك، وأما رجوع عثمان، فرواه مالك، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أن عمر وعثمان وعائشة كانوا يقولون: إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل، فلا يجوز أن يقول هذا عثمان إلا وقد ثبت عنده النسخ.
وأما رجوع على، فرواه معمر، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن على، قال: كما يجب الحد يجب الغسل، ورواه الثورى عن أبى جعفر، عن على، ثم قد كشف عن ذلك عمر بن الخطاب بحضرة أصحاب رسول الله من المهاجرين والأنصار فلم يثبت عنده إلا الغسل، فحمل الناس عليه، فسلموا لأمره، فدل ذلك على رجوعهم إلى قوله.
روى الليث، عن يزيد بن أبى حبيب، عن معمر بن أبى حيية، عن عبيد الله بن عدى بن الخيار قال: تذاكر أصحاب رسول الله عند عمر بن الخطاب الغسل من الجنابة، فقال بعضهم: إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل، وقال بعضهم: الماء من الماء. فقال عمر: قد اختلفتم وأنتم أهل بدر الأخيار، فكيف بالناس بعدكم؟ فقال على: يا أمير المؤمنين، إن أردت أن تعلم ذلك، فأرسل إلى أزواج النبى، - صلى الله عليه وسلم -، فاسألهن عن ذلك، فأرسل إلى عائشة، فقالت: إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل، فقال عمر عند ذلك: لا أسمع أحدًا يقول: الما من الماء إلا جعلته نكالا، فحمل الناس عليه ولم ينكره عليه منكر.
موطأ محمد بشرح اللكنوي - (ج 1 / ص 42)
77 - أخبرنا مالك ، أخبرنا أبو النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن أبي سلمة بنِ عبد الرحمن: أنه سأل عائشةَ ما يوجب الغسل؟ فقالت : أتدري ما مَثَلُكَ يا أبا سلمة ؟ مَثَلُ الفَرّوجِ يسمع الدِّيَكَة تصرخ فيصرخ معها إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل.
* * *
سالم بن أبي أمية.
قوله: أبي سلمة، ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري، قيل اسمه عبد الله، وقيل إسماعيل، وقيل اسمه كنيته، وثَّقه ابن سعد وغيره، مات بالمدينة سنة 94 هـ، كذا في "الإِسعاف".
تلاطفه وتعاتبه.
قوله: ما مثلك...إلخ، فيه دليل على أن أبا سلمة كان عندها ممن لا يقول بذلك، وأنه قلَّد فيه من لا علم له به، فعاتَبَتْه بذلك، لأنها كانت أعلم الناس بذلك المعنى، وقد تقدَّم عن أبي سلمة روايته، عن عطاء بن يسار، وعن أبي سعيد الخدري مرفوعاً: "الماء من الماء"، وأن أبا سلمة كان يفعل ذلك، فلذلك نفرته عنه، قاله ابن عبد البر.
وكأنه قال: لا، فقالت: مَثَل...
قوله: مثل الفروج، قال الباجي: يحتمل معنيين، أحدهما أنه كان صبياً قبل البلوغ، فسأل عن مسائل الجماع الذي لا يعرفه ولم يبلغ حده، والثاني أنه لم يبلغ مبلغ الكلام في العلم.
قال المجد: كتنّور ويضم كسُبّوح فرخ الدجاج.
بوزن عِنَبَة جمع ديك، ويَجمع أيضاً على ديوك ذَكَرَ الدجاج.
تصيح.
بيَّنت الحكم بعد ما زجرته.
78 - أخبرنا مالك ، أخبرنا يحيى بن سعيد ، عن عبد الله بن كعب مولى عثمانَ بنِ عفّان: أنّ محمودَ بن لَبيد : سأل زيدَ بنَ ثابت عن الرجلِ يُصيبُ أهلَه ثم يُكْسِل ؟ فقال زيدُ بنُ ثابت: يغتسلُ ، فقال له محمودُ بنُ لبيد: فإنَّ أُبيَّ بنَ كعب لا يَرى الغُسْل، فقال زيدُ بنُ ثابت: نَزَعَ قبل أن يموت .
قال محمد: وبهذا نأخذ إذا التقى الخِتانان و توارَتْ الحشفة وجب الغُسْلُ أَنْزَلَ أو لم يُنْزِل، وهو قول أبي حنيفة.
* * *
ابن قيس الأنصاري. ولِقَيس صحبة.
الحميري المدني صدوق، روى له مسلم والنسائي، قاله الزرقاني.
قوله: أن محمود بن لبيد، الأنصاري الأشهلي من بني عبد الأشهل، وُلد على عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وحدَّث عن النبي صلى الله عليه وسلم بأحاديث، وذكره مسلم في الطبقة الثانية من التابعين، فلم يصنع شيئاً ولا علم منه ما علم غيره، مات سنة ست وتسعين، كذا في "الاستيعاب".
بفتح اللام وكسر الموحَّدة، ابن عقبة بن رافع.
النجاري المدني أبو سعيد، وقيل: أبو خارجة، كاتب الوحي أحد من جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مات سنة 45 هـ وقيل: سنة 48 هـ، وقيل: سنة 51 هـ، كذا في "الإِسعاف".
أكسل الرجل، إذا جامع ثم أدركه فتور فلم ينزل.
قوله: يغتسل، روى ابن أبي شيبة والطبراني بإسناد حسن، عن رفاعة بن رافع، قال: كنت عند عمر، فقيل له: إن زيد بن ثابت يفتي الناس في المسجد بأنه لا غُسل على من يجامع ولم ينزل، فقال عمر: عَلَيَّ به، فأتي به، فقال: يا عدوَّ نفسه، أوَبَلَغَ من أمرك أن تفتي برأيك؟ قال: ما فعلت، وإنما حدَّثني عمومتي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: أيّ عمومتك؟ قال: أُبيّ بن كعب وأبو أيوب ورفاعة، فالتفت عمر إليّ، قلت: كنّا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجمع عمر الناس فاتَّفقوا على أن الماء لا يكون إلاَّ من الماء إلاَّ عليَّ ومعاذ فقالا: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل، فقال عمر: قد اختلفتم وأنتم أهل بدر، فقال عليّ لعمر: سل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فأرسل إلى حفصة، فقالت: لا أعلم، فأرسل إلى عائشة، فقالت: إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل. فتحطَّم عمر - أي: تغيَّظ - وقال: لا أُوتى بأحد فعله ولم يغتسل إلاَّ أنْهَكْتُهُ عقوبة، فلعل إفتاء زيد لمحمود بن لبيد، كان بعد هذه القصة، كذا في شرح الزرقاني.
أي: أقلع ورجع عنه.
في رجوعه دليل على أنه قد صح في الأصل: "صح"، والظاهر: "قد صحّ" عنده أنه منسوخ.
عطف بياني للالتقاء.
أي غابت.
رأس الذكر المختون.
قوله: وهو قول أبي حنيفة، وبه قال مالك والشافعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور والطبري وأبو عبيد وغيرهم من علماء الأمصار، وإليه ذهب جمهور أصحاب داود، وبعضهم قالوا: لا غسل ما لم يُنزل، تمسُّكاً بحديث "الماء من الماء" وغيره. واختلف الصحابة فيه، فذهب جمع كثير إلى وجوب الغسل وإن لم يُنزل. وبعضهم قالوا بالوضوء عند عدم الإِنزال، ومنهم من رجع عنه، فممن قال بوجوب الغسل عائشة وعمر وعثمان وعلي وزيد كما ذكره مالك. وابن عباس وابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة عنهما. وأبو بكر أخرجه عبد الرزاق، والنعمان بن بشير وسهل بن سعد وعامة الصحابة والتابعين ذكره ابن عبد البر، ولم يُختلف في ذلك عن أبي بكر وعمر، واختُلف فيه عن عليّ وعثمان وزيد، وقد صحَّ عن أبيّ بن كعب أنه قال: كان ذلك - أي وجوب الوضوء فقط بالإِكسال - رخصة في بَدْء الإِسلام ثم نُسخ، ولذلك رجع عنه أبيّ بعد ما أفتى به، وروى عائشة وأبو هريرة وعمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، وغيرهم مرفوعاً: "إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل" انظر نصب الراية 1/84 أيضاً.
قد اتفق الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب على وجوب الغسل بغيبوبة الحشفة وإن لم ينزل، وكان فيه خلاف في الصدر الأول، فقد رُوي عن جماعة من الصحابة ومن الأنصار أنهم لم يروا غسلاً إلاّ من الإِنزال، ثم رُوي أنهم رجعوا عن ذلك، وصحَّ عن عمر أنه قال: من خالف في ذلك جعلته نكالاً، فانعقد الإِجماع في عهده، وخالف فيه داود الظاهري ولا عبرة بخلافه عند المحقِّقين، كما تجد تحقيقه في "شرح التقريب" للسبكي. وقد وقعت عبارة البخاري في صحيحه موهمة للخلاف حيث قال: قال أبو عبد الله: الغسل أحوط. فأوهم أنه يقول باستحباب الغسل دون الوجوب، وهذا مخالف لما أجمع عليه جمهور الأئمة، ويحتمل قول البخاري: "الغسل أحوط"، يعني في الدين من حديثين تعارضا، فقدَّم الذي يقتضي الاحتياط في الدين، وهو باب مشهور في أصول الدين، وهو الأشبه، لا أنه ذهب إلى الاستحباب والندب. هذا ملخَّص ما قاله القاضي في "العارضة". فهكذا وجه القاضي في "العارضة" وقال: والعجيب من البخاري أن يساوي بين حديث عائشة في إيجاب الغسل...وبين حديث عثمان وأُبَيّ في نفي الغسل...إلخ، ثم علَّل عدم صحة التعلّق بحديثهما. وراجع "عمدة القاري" 2/77.
والذي اختاره ابن حجر في "فتح الباري" 1/275 أن الخلاف كان مشهوراً بين التابعين ومن بعدهم، لكن الجمهور على إيجاب الغسل وهو الصواب، والله أعلم. انتهى كلامه. ولكنه يقول في "التلخيص" ص 49: لكن انعقد الإِجماع أخيراً على إيجاب الغسل قاله القاضي وغيره. اهـ، فكأنه هنا غير ما اختاره في "الفتح"، وانظر "عمدة القاري" من 2/69، 2/72، و 76 و 77، ذكر كل ذلك مع زيادات نفيسة ابن عبد البر في "التمهيد" و"الاستذكار"، وقد بسط الكلام فيه الطحاويُّ في "شرح معاني الآثار"، وأثبت وجوب الغسل بالالتقاء بالأخبار المرفوعة والآثار الموقوفة، فليُراجع.
استخدام الواقي هل يدرأ حد الزنى
المجيب هاني بن عبدالله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام
التاريخ 25/7/1423هـ
السؤال
هذا سؤال وسوس لي به أحدهم، وقد احترت فيه: ما هو ضابط الزنا الذي فيه الحد، هل هو الإيلاج أم اللمس، بمعنى هل إذا زنى أحدهم مستعملا عازلا طبيا يكون زناه غير موجب للحد؟ بما أن عضوه لم يلمس المرأة حقيقة، أم أنه يستوجب الحد بما أنه أدخل عضوه ؟ هب أني أناقش فقيها أصوليا، كيف أقنعه بالجواب مدعوما بالدليل النقلي الصحيح ؟ وقد عثرت على فتوى للشيخ ابن عثيمين رحمه الله في كتاب " لقاءات الباب المفتوح " يسأل فيها عن وجوب الغسل لمن جامع بالعازل الطبي ولم ينزل، فأجاب " أن الأحوط أن يغتسل، وأن بعض العلماء قالوا إنه لا غسل عليه، لأن الختانين لم يلتقيا ". فلست أدري إن كان هذا يجيب عن هذا!
الجواب
الحمد لله وحده وبعد:
فقد اتفق أهل العلم على أن الزنى يحصل بإيلاج الذكر في الفرج ولو لم يمس الذكر جدار الفرج، ولو كان هناك حائل بين الذكر والفرج، ما دام الحائل لا يمنع اللذة والإحساس.
وهذا بحمد الله لا إشكال فيه ومما يمكن الاستدلال به حديث عائشة مرفوعاً (إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل) رواه أحمد (22046) والترمذي (108) وصححه الألباني (إرواء الغليل 1/121)، فجعل مجرد مجاوزة الختان موجباً للغسل، وفي حديث ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمن أقر بالزنا: "دخل ذلك منك في ذلك منها"؟ قال نعم، قال "كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر"؟ قال: نعم صحيح البخاري (6824) وله روايات فسؤاله عن ذلك دليل على اعتباره مناطاً لإقامة حد الزنا وذلك هو الإيلاج في الفرج. ثم بالنظر المجرد أن العازل المعروف لا يمنع لذة ولا إحساساً فلا فرق بينه وبين الاتصال بدونه، والشرع لا يفرق بين المتماثلات.
أما الغسل فالخلاف في العازل الذي يمنع اللذة والإحساس بحرارة الفرج، فهذا عند جملة من أهل العلم لا يوجب الغسل، وهذا مراد الشيخ محمد - رحمه الله - بفتواه، وأما العازل المعروف فلا يمنع شيئاً من ذلك.
وأنصح السائل أن لا يشرب قلبه شبهة، وأن يحرص على طلب العلم والتزود منه. وفقه الله وزاده من فضله.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 15 / ص 274)
من أتى أهله في ليلة من رمضان ولم يغتسل حتى أصبح رقم الفتوى:25378تاريخ الفتوى:16 رمضان 1423السؤال : بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد:
رجل متزوج جامع زوجته في ليلة شهر رمضان المعظم هل عليه أن يتطهر أم لا ؟ الإجابة بتفصيل وشكراً..
الفتوى : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالواجب على الرجل المسؤول عنه أن يغتسل من الجنابة إذا لم يكن عنده مانع يمنعه من الطهارة من مرضٍ ونحوه، لقول الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6]. ولقوله صلى الله عليه وسلم: إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل. رواه البخاري.
ولما روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل، فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا.
قال صاحب تحفة الأحوذي: والمراد بمجاوزة الختان الختان الجماع، وهو غيبوبة الحشفة.
ولا خلاف أن المرأة والرجل في هذا الحكم سواء .
ولكن يجوز له أن يؤخر الطهارة إلى طلوع الفجر، فقد صحَّ أنه صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً من جماع لا من حلم، ثم لا يفطر ولا يقضي. رواه مسلم.
والله أعلم.
فتاوى الشبكة الإسلامية - (ج 23 / ص 120)
الجنب لا يكفيه الوضوء رقم الفتوى:34808تاريخ الفتوى:13 جمادي الأولى 1424السؤال: عندما أكون جنبا هل تجوز الصلاة بذلك الوضوء أم لا؟ أريد جوابا مستدلا بشيء وشكرا.
الفتوى: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الجنب لا يكفيه الوضوء، بل الواجب في حقه الاغتسال، ولا خلاف بين الأمة في ذلك. قال تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا[المائدة:6]. وروى الشيخان والنسائي وابن ماجه والدارمي وأحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب عليه الغسل. وفي رواية إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل. فهذه أدلة تكفي لبيان وجوب الغسل من الجنابة.
والله أعلم.
إعلام الموقعين عن رب العالمين - (ج 1 / ص 69)
[ الْوَعِيدُ عَلَى الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ ] .
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ : مَنْ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى رَأْيٍ رَآهُ وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ فِيهِ بَعْدُ فَلَيْسَ مَذْمُومًا ، بَلْ هُوَ مَعْذُورٌ ، خَالِفًا كَانَ أَوْ سَالِفًا ، وَمَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ فَعَانَدَ وَتَمَادَى عَلَى الْفُتْيَا بِرَأْيِ إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ فَهُوَ الَّذِي يَلْحَقُهُ الْوَعِيدُ ؛ وَقَدْ رَوَيْنَا فِي مُسْنَدِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } فَصْلٌ .
فِيمَا رُوِيَ عَنْ صِدِّيقِ الْأُمَّةِ وَأَعْلَمِهَا مِنْ إنْكَارِ الرَّأْيِ .
[ ذَمُّ أَبِي بَكْرٍ الْقَوْلَ بِالرَّأْيِ ] رَوَيْنَا عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ ثنا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عُمَرَ الْجُمَحِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي وَأَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي إنْ قُلْت فِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ بِرَأْيِي ، أَوْ بِمَا وَلَا أَعْلَمُ .
وَذَكَرَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَلْوَانِيُّ حَدَّثَنَا عَارِمٌ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي صَدَقَةَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ : لَمْ يَكُنْ أَحَدُ أَهْيَبَ بِمَا لَا يَعْلَمُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ أَهْيَبَ بِمَا لَا يَعْلَمُ مِنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ نَزَلَتْ بِهِ قَضِيَّةٌ فَلَمْ يَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْهَا أَصْلًا وَلَا فِي السُّنَّةِ أَثَرًا فَاجْتَهَدَ بِرَأْيِهِ ثُمَّ قَالَ : هَذَا رَأْيِي ، فَإِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ ، وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنِّي وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ .
فَصْلٌ .فِي الْمَنْقُولِ مِنْ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
[ ذَمُّ عُمَرَ الْقَوْلَ بِالرَّأْيِ ] قَالَ ابْنُ وَهْبٍ : ثنا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ الرَّأْيَ إنَّمَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصِيبًا ، إنَّ اللَّهَ كَانَ يُرِيهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَّا الظَّنُّ وَالتَّكَلُّفُ .
قُلْت : مُرَادُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْله تَعَالَى : { إنَّا أَنْزَلْنَا إلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاك اللَّهُ } فَلَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ غَيْرَ مَا أَرَاهُ اللَّهُ إيَّاهُ ، وَأَمَّا مَا رَأَى غَيْرُهُ فَظَنٌّ وَتَكَلُّفٌ .
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : ثنا أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ : كَتَبَ كَاتِبٌ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ " هَذَا مَا رَأَى اللَّهُ وَرَأَى عُمَرُ " فَقَالَ : بِئْسَ مَا قُلْت ، قُلْ : هَذَا مَا رَأَى عُمَرُ ، فَإِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ ، وَإِنْ يَكُنْ خَطَأً فَمِنْ عُمَرَ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ : أَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : السُّنَّةُ مَا سَنَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَا تَجْعَلُوا خَطَأَ الرَّأْيِ سُنَّةً لِلْأُمَّةِ .
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ : وَأَخْبَرَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أَصْبَحَ أَهْلُ الرَّأْيِ أَعْدَاءَ السُّنَنِ ، أَعْيَتْهُمْ أَنْ يَعُوهَا وَتَفَلَّتَتْ مِنْهُمْ أَنْ يَرْوُوهَا ، فَاسْتَبَقُوهَا بِالرَّأْيِ .
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ : وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ : اتَّقُوا الرَّأْيَ فِي دِينِكُمْ .
وَذَكَرَ ابْنُ عَجْلَانَ عَنْ صَدَقَةِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ : أَصْحَابُ الرَّأْيِ أَعْدَاءُ السُّنَنِ ، أَعْيَتْهُمْ الْأَحَادِيثُ أَنْ يَحْفَظُوهَا وَتَفَلَّتَتْ مِنْهُمْ أَنْ يَعُوهَا ، وَاسْتَحْيَوْا حِينَ سُئِلُوا أَنْ يَقُولُوا لَا نَعْلَمُ ، فَعَارَضُوا السُّنَنَ بِرَأْيِهِمْ ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ .
وَذَكَرَ ابْنُ الْهَادِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : إيَّاكُمْ وَالرَّأْيَ ؛ فَإِنَّ أَصْحَابَ الرَّأْيِ أَعْدَاءُ السُّنَنِ ، أَعْيَتْهُمْ الْأَحَادِيثُ أَنْ يَعُوهَا وَتَفَلَّتَتْ مِنْهُمْ أَنْ يَحْفَظُوهَا ، فَقَالُوا فِي الدِّينِ بِرَأْيِهِمْ .
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ : عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إيَّاكُمْ وَأَصْحَابَ الرَّأْيِ فَإِنَّهُمْ أَعْدَاءُ السُّنَنِ ، أَعْيَتْهُمْ الْأَحَادِيثُ أَنْ يَحْفَظُوهَا ، فَقَالُوا بِالرَّأْيِ ، فَضُلُّوا وَأَضَلُّوا ، وَأَسَانِيدُ هَذِهِ الْآثَارِ عَنْ عُمَرَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ : ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ الْعُمَرِيُّ ثنا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ، اتَّهَمُوا الرَّأْيَ فِي الدِّينِ ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنِّي لَأَرُدُّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْيِي فَأَجْتَهِدُ وَلَا آلُو ، وَذَلِكَ يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ وَالْكِتَابُ يُكْتَبُ وَقَالَ : اُكْتُبُوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، فَقَالَ : يُكْتَبُ بِاسْمِك اللَّهُمَّ ، فَرَضِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَيْت ، فَقَالَ : يَا عُمَرُ تَرَانِي قَدْ رَضِيتَ وَتَأْبَى ؟ } .
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ مَوْلَى بِنْتِ صَفْوَانَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ قَالَ : بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يُفْتِي النَّاسَ فِي الْمَسْجِدِ بِرَأْيِهِ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ ، فَقَالَ عُمَرُ : عَلَيَّ بِهِ ، فَجَاءَ زَيْدٌ ، فَلَمَّا رَآهُ عُمَرُ فَقَالَ عُمَرُ : أَيْ عَدُوَّ نَفْسِهِ قَدْ بَلَغْتَ أَنْ تُفْتِيَ النَّاسَ بِرَأْيِك ؟ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَاَللَّهِ مَا فَعَلْت ، وَلَكِنْ سَمِعْت مِنْ أَعْمَامِي حَدِيثًا فَحَدَّثْت بِهِ مِنْ أَبِي أَيُّوبَ ، وَمِنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ، وَمِنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ ، فَقَالَ عُمَرُ : عَلَيَّ بِرِفَاعَةِ بْنِ رَافِعٍ ، فَقَالَ : قَدْ كُنْتُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ إذَا أَصَابَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَأَكْسَلَ أَنْ يَغْتَسِلَ ، قَالَ : قَدْ كُنَّا نَفْعَلُ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْتِنَا فِيهِ عَنْ اللَّهِ تَحْرِيمٌ ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ ، فَقَالَ عُمَرُ : وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْلَمُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : مَا أَدْرِي ، فَأَمَرَ عُمَرُ بِجَمْعِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، فَجُمِعُوا ، فَشَاوَرَهُمْ فَشَارَ النَّاسَ أَنْ لَا غُسْلَ ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ مُعَاذٍ وَعَلِيٍّ فَإِنَّهُمَا قَالَا : إذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ وَجَبَ الْغُسْلُ ، فَقَالَ عُمَرُ : هَذَا وَأَنْتُمْ أَصْحَابُ بَدْرٍ قَدْ اخْتَلَفْتُمْ ، فَمَنْ بَعْدَكُمْ أَشَدُّ اخْتِلَافًا ، فَقَالَ عَلِيٌّ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِهَذَا مِنْ شَأْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَزْوَاجِهِ ، فَأَرْسَلَ إلَى حَفْصَةَ فَقَالَتْ : لَا عِلْمَ لِي ، فَأَرْسَلَ إلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ : إذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ ، فَقَالَ : لَا أَسْمَعُ بِرَجُلٍ فَعَلَ ذَلِكَ إلَّا أَوْجَعْتُهُ ضَرْبًا .(1/108)
227-7884 أَخْبَرَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الْأَسْوَدِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَتَّزِرَ وَأنا حَائِضٌ وَيُبَاشِرُنِي "(1)
228-7885 أَخْبَرَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ ، عَنِ الْأَشْجَعِيِّ ، عَنِ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ، عَنِ الْأَسْوَدِ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَاشِرُنِي وَهُوَ صَائِمٌ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ " (2)
__________
(1) - صحيح
(2) - أخرجه مسلم برقم(2635)
فتح الباري لابن حجر - (ج 6 / ص 177)
1792 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ
وَقَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ
{ مَآرِبُ }
حَاجَةٌ قَالَ طَاوُسٌ
{ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ }
الْأَحْمَقُ لَا حَاجَةَ لَهُ فِي النِّسَاءِ
1792 - قَوْله : ( حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن حَرْب عَنْ شُعْبَة )
كَذَا لِلْأَكْثَرِ ، وَوَقَعَ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ عَنْ سَعِيدٍ بِمُهْمَلَةٍ وَآخِرَهُ دَال ، وَهُوَ غَلَط فَاحِش فَلَيْسَ فِي شُيُوخ سُلَيْمَان بْن حَرْب أَحَدٌ اِسْمه سَعِيد حَدَّثَهُ عَنْ الْحَكَم ، الْحَكَم الْمَذْكُور هُوَ اِبْن عُتَيْبَةَ ، وَإِبْرَاهِيم هُوَ النَّخَعِيُّ . وَقَدْ وَقَعَ عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيِّ عَنْ يُوسُف الْقَاضِي عَنْ سُلَيْمَان بْن حَرْب عَنْ شُعْبَة عَلَى الصَّوَاب ، لَكِنْ وَقَعَ عِنْده عَنْ إِبْرَاهِيم " أَنَّ عَلْقَمَةَ وَشُرَيْح بْن أَرْطَاة رَجُلَانِ مِنْ النَّخَع كَانَا عِنْد عَائِشَة ، فَقَالَ أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ سَلْهَا عَنْ الْقُبْلَة لِلصَّائِمِ ، قَالَ : مَا كُنْت لِأَرْفُثَ عِنْد أُمّ الْمُؤْمِنِينَ . فَقَالَتْ " كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِم وَيُبَاشِر وَهُوَ صَائِم ، وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ " قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ : رَوَاهُ غُنْدَر وَابْن أَبِي عَدِيّ وَغَيْر وَاحِد عَنْ شُعْبَة فَقَالُوا " عَنْ عَلْقَمَة " وَحَدَّثَ بِهِ الْبُخَارِيّ عَنْ سُلَيْمَان بْن حَرْب عَنْ شُعْبَة فَقَالَ " عَنْ الْأَسْوَد " وَفِيهِ نَظَرٌ ، وَصَرَّحَ أَبُو إِسْحَاق بْن حَمْزَة فِيمَا ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي " الْمُسْتَخْرَج " عَنْهُ بِأَنَّهُ خَطَأ . قُلْت : وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الْبُخَارِيّ ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيق مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن مَعْبَد عَنْ سُلَيْمَان بْن حَرْب كَمَا قَالَ الْبُخَارِيّ ، وَكَأَنَّ سُلَيْمَانَ بْن حَرْب حَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ ، فَإِنْ كَانَ حَفِظَهُ عَنْ شُعْبَة فَلَعَلَّ شُعْبَة حَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ ، وَإِلَّا فَأَكْثَر أَصْحَاب شُعْبَة لَمْ يَقُولُوا فِيهِ مِنْ هَذَا الْوَجْه عَنْ الْأَسْوَد ، وَإِنَّمَا اِخْتَلَفُوا : فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ كَرِوَايَةِ يُوسُف الْمُتَقَدِّمَة وَصُورَتهَا الْإِرْسَال ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِطَرِيقِ عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيٍّ عَنْ شُعْبَة . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ عَلْقَمَة وَشُرَيْح ، وَقَدْ تَرْجَمَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنه الِاخْتِلَاف فِيهِ عَلَى إِبْرَاهِيم ، وَالِاخْتِلَاف عَلَى الْحَكَمِ وَعَلَى الْأَعْمَش وَعَلَى مَنْصُور وَعَلَى عَبْد اللَّه بْن عَوْن كُلّهمْ عَنْ إِبْرَاهِيم ، وَأَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيق إِسْرَائِيل عَنْ مَنْصُور عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ عَلْقَمَة قَالَ " خَرَجَ نَفَرٌ مِنْ النَّخَع فِيهِمْ رَجُل يُدْعَى شُرَيْحًا فَحَدَّثَ أَنَّ عَائِشَة قَالَتْ " فَذَكَرَ الْحَدِيث ، قَالَ فَقَالَ لَهُ رَجُل : لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَضْرِب رَأْسَك بِالْقَوْسِ ، فَقَالَ قُولُوا لَهُ فَلْيَكُفَّ عَنِّي حَتَّى نَأْتِيَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ ؛ فَلَمَّا أَتَوْهَا " قَالُوا لِعَلْقَمَةَ : سَلْهَا ، فَقَالَ : مَا كُنْت لِأَرْفُثَ عِنْدهَا الْيَوْم ، فَسَمِعَتْهُ فَقَالَتْ " فَذَكَرَ الْحَدِيث ، ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيق عُبَيْدَةَ عَنْ مَنْصُور فَجَعَلَ شُرَيْحًا هُوَ الْمُنَكَّر وَأَبْهَمَ الَّذِي حَدَّثَ بِذَلِكَ عَنْ عَائِشَة ، ثُمَّ اِسْتَوْعَبَ النَّسَائِيُّ طُرُقَهُ ، وَعُرِفَ مِنْهَا أَنَّ الْحَدِيثَ كَانَ عِنْد إِبْرَاهِيم عَنْ عَلْقَمَة وَالْأَسْوَد وَمَسْرُوق جَمِيعًا فَلَعَلَّهُ كَانَ يُحَدِّث بِهِ تَارَة عَنْ هَذَا وَتَارَة عَنْ هَذَا ، وَتَارَة يَجْمَع وَتَارَة يُفَرِّقُ ، وَقَدْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ بَعْد ذِكْرِ الِاخْتِلَاف فِيهِ عَلَى إِبْرَاهِيم : كُلّهَا صِحَاح وَعُرِفَ مِنْ طَرِيق إِسْرَائِيلِ سَبَبُ تَحْدِيث عَائِشَة بِذَلِكَ وَاسْتِدْرَاكهَا عَلَى مَنْ حَدَّثَ عَنْهَا بِهِ عَلَى الْإِطْلَاق بِقَوْلِهَا " وَلَكِنَّهُ كَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ " فَأَشَارَتْ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْإِبَاحَة لِمَنْ يَكُون مَالِكًا لِنَفْسِهِ دُون مَنْ لَا يَأْمَن مِنْ الْوُقُوع فِيمَا يَحْرُمُ . وَفِي رِوَايَة حَمَّادٍ عِنْد النَّسَائِيِّ " قَالَ الْأَسْوَد قُلْت لِعَائِشَةَ أَيُبَاشِرُ الصَّائِم ؟ قَالَتْ : لَا . قُلْت أَلَيْسَ كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَاشِر وَهُوَ صَائِم ؟ قَالَتْ : إِنَّهُ كَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ " وَظَاهِر هَذَا أَنَّهَا اِعْتَقَدَتْ خُصُوصِيَّة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ ، قَالَهُ الْقُرْطُبِيّ . قَالَ : وَهُوَ اِجْتِهَاد مِنْهَا . وَقَوْل أُمّ سَلَمَة - يَعْنِي الْآتِي ذِكْرُهُ - أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ لِأَنَّهُ نَصٌّ فِي الْوَاقِعَة . قُلْت : قَدْ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَة صَرِيحًا إِبَاحَة ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ ، فَيُجْمَعُ بَيْن هَذَا وَبَيْن قَوْلهَا الْمُتَقَدِّم إِنَّهُ " يَحِلّ لَهُ كُلّ شَيْء إِلَّا الْجِمَاعَ " بِحَمْلِ النَّهْي هُنَا عَلَى كَرَاهَة التَّنْزِيه فَإِنَّهَا لَا تُنَافِي الْإِبَاحَة . وَقَدْ رُوِّينَاهُ فِي كِتَاب الصِّيَام لِيُوسُف الْقَاضِي مِنْ طَرِيق حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ حَمَّاد بِلَفْظِ " سَأَلْت عَائِشَة عَنْ الْمُبَاشَرَة لِلصَّائِمِ فَكَرِهَتْهَا ، وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ السِّرّ فِي تَصْدِير الْبُخَارِيّ بِالْأَثَرِ الْأَوَّل عَنْهَا لِأَنَّهُ يُفَسِّر مُرَادهَا بِالنَّفْيِ الْمَذْكُور فِي طَرِيق حَمَّاد وَغَيْره وَاَللَّه أَعْلَم . وَيَدُلّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَرَى بِتَحْرِيمِهَا وَلَا بِكَوْنِهَا مِنْ الْخَصَائِص مَا رَوَاهُ مَالِك فِي " الْمُوَطَّأ " عَنْ أَبِي النَّضْرِ " أَنَّ عَائِشَة بِنْت طَلْحَة أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْد عَائِشَة فَدَخَلَ عَلَيْهَا زَوْجهَا وَهُوَ عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي بَكْر فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَة : مَا يَمْنَعك أَنْ تَدْنُوَ مِنْ أَهْلك فَتُلَاعِبَهَا وَتُقَبِّلَهَا ؟ قَالَ أُقَبِّلُهَا وَأَنَا صَائِم ؟ قَالَتْ نَعَمْ "
قَوْله : ( كَانَ يُقَبِّل وَيُبَاشِر وَهُوَ صَائِم )
التَّقْبِيل أَخَصُّ مِنْ الْمُبَاشَرَة ، فَهُوَ مِنْ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ ، وَقَدْ رَوَاهُ عَمْرو بْن مَيْمُون عَنْ عَائِشَة بِلَفْظِ " كَانَ يُقَبِّل فِي شَهْر الصَّوْم " أَخْرَجَهُ مُسْلِم وَالنَّسَائِيُّ ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " يُقَبِّلُ فِي رَمَضَان وَهُوَ صَائِم " فَأَشَارَتْ بِذَلِكَ إِلَى عَدَم التَّفْرِقَة بَيْن صَوْم الْفَرْض وَالنَّفْل . وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْقُبْلَة وَالْمُبَاشَرَة لِلصَّائِمِ : فَكَرِهَهَا قَوْمٌ مُطْلَقًا وَهُوَ مَشْهُورٌ عِنْد الْمَالِكِيَّة ، وَرَوَى اِبْن أَبِي شَيْبَة بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ اِبْن عُمَر " أَنَّهُ كَانَ يَكْرَه الْقُبْلَةَ وَالْمُبَاشَرَة " وَنَقَلَ اِبْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْره عَنْ قَوْم تَحْرِيمهَا ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ) الْآيَةَ . فَمَنَعَ الْمُبَاشَرَة فِي هَذِهِ الْآيَة نَهَارًا ، وَالْجَوَاب عَنْ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، هُوَ الْمُبَيِّنُ عَنْ اللَّه تَعَالَى ، وَقَدْ أَبَاحَ الْمُبَاشَرَةَ نَهَارًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْمُبَاشَرَةِ فِي الْآيَةِ الْجِمَاع لَا مَا دُونَهُ مِنْ قُبْلَةٍ وَنَحْوهَا ، وَاَللَّه أَعْلَم . وَمِمَّنْ أَفْتَى بِإِفْطَارِ مَنْ قَبَّلَ وَهُوَ صَائِم عَبْد اللَّه بْن شُبْرُمَةَ أَحَد فُقَهَاء الْكُوفَة ، وَنَقَلَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ قَوْم لَمْ يُسَمِّهِمْ وَأَلْزَمَ اِبْن حَزْم أَهْل الْقِيَاس أَنْ يُلْحِقُوا الصِّيَام بِالْحَجِّ فِي الْمُبَاشَرَة وَمُقَدِّمَات النِّكَاح لِلِاتِّفَاقِ عَلَى إِبْطَالِهِمَا بِالْجِمَاعِ ، وَأَبَاحَ الْقُبْلَة قَوْم مُطْلَقًا وَهُوَ الْمَنْقُول صَحِيحًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَة وَبِهِ قَالَ سَعِيد وَسَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ وَطَائِفَة ، بَلْ بَالَغَ بَعْض أَهْل الظَّاهِر فَاسْتَحَبَّهَا ، وَفَرَّقَ آخَرُونَ بَيْن الشَّابِّ وَالشَّيْخِ فَكَرِهَهَا لِلشَّابِّ وَأَبَاحَهَا لِلشَّيْخِ وَهُوَ مَشْهُور عَنْ اِبْن عَبَّاس أَخْرَجَهُ مَالِك وَسَعِيد بْن مَنْصُور وَغَيْرهمَا ، وَجَاءَ فِيهِ حَدِيثَانِ مَرْفُوعَانِ فِيهِمَا ضَعْف أَخْرَجَ أَحَدَهُمَا أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة وَالْآخَر أَحْمَد مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاصِ ، وَفَرَّقَ آخَرُونَ بَيْن مَنْ يَمْلِك نَفْسه وَمَنْ لَا يَمْلِك كَمَا أَشَارَتْ إِلَيْهِ عَائِشَة وَكَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي مُبَاشَرَة الْحَائِض فِي كِتَاب الْحَيْض . وَقَالَ التِّرْمِذِيّ : وَرَأَى بَعْض أَهْل الْعِلْم أَنَّ لِلصَّائِمِ إِذَا مَلَكَ نَفْسه أَنْ يُقَبِّل وَإِلَّا فَلَا ؛ لِيَسْلَمَ لَهُ صَوْمه ، وَهُوَ قَوْل سُفْيَان وَالشَّافِعِيّ ، وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِم مِنْ طَرِيق عُمَر بْن أَبِي سَلَمَة وَهُوَ رَبِيب النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ " سَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُقَبِّلُ الصَّائِم ؟ فَقَالَ : سَلْ هَذِهِ - لِأُمِّ سَلَمَة - فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَع ذَلِكَ . فَقَالَ : يَا رَسُول اللَّه قَدْ غَفَرَ لَك اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبك وَمَا تَأَخَّرَ . فَقَالَ : أَمَا وَاَللَّه إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ " فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الشَّابَّ وَالشَّيْخَ سَوَاءٌ ، لِأَنَّ عُمَرَ حِينَئِذٍ كَانَ شَابًّا ، وَلَعَلَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَا بَلَغَ وَفِيهِ دَلَالَة عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْخَصَائِص ، وَرَوَى عَبْد الرَّزَّاق بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَطَاء بْن يَسَار " عَنْ رَجُل مِنْ الْأَنْصَار أَنَّهُ قَبَّلَ اِمْرَأَته وَهُوَ صَائِم ، فَأَمَرَ اِمْرَأَته أَنْ تَسْأَل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ ، فَسَأَلَتْهُ فَقَالَ إِنِّي أَفْعَل ذَلِكَ ، فَقَالَ زَوْجهَا : يُرَخِّصُ اللَّه لِنَبِيِّهِ فِيمَا يَشَاء . فَرَجَعَتْ فَقَالَ : أَنَا أَعْلَمكُمْ بِحُدُودِ اللَّه وَأَتْقَاكُمْ " وَأَخْرَجَهُ مَالِك ، لَكِنَّهُ أَرْسَلَهُ قَالَ " عَنْ عَطَاء أَنَّ رَجُلًا " فَذَكَرَ نَحْوَهُ مُطَوَّلًا . وَاخْتُلِفَ فِيمَا إِذَا بَاشَرَ أَوْ قَبَّلَ أَوْ نَظَرَ فَأَنْزَلَ أَوْ أَمَذَى ، فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيّ : يَقْضِي إِذَا أَنْزَلَ فِي غَيْر النَّظَر ، وَلَا قَضَاء فِي الْإِمْذَاء . وَقَالَ مَالِك وَإِسْحَاق : يَقْضِي فِي كُلّ ذَلِكَ وَيُكَفِّر ، إِلَّا فِي الْإِمْذَاء فَيَقْضِي فَقَطْ . وَاحْتُجَّ لَهُ بِأَنَّ الْإِنْزَال أَقْصَى مَا يُطْلَبُ بِالْجِمَاعِ مِنْ الِالْتِذَاذ فِي كُلّ ذَلِكَ . وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْأَحْكَام عُلِّقَتْ بِالْجِمَاعِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِنْزَال فَافْتَرَقَا . وَرَوَى عِيسَى بْن دِينَار عَنْ اِبْن الْقَاسِم عَنْ مَالِك وُجُوب الْقَضَاء فِيمَنْ بَاشَرَ أَوْ قَبَّلَ فَأَنْعَظَ وَلَمْ يُمْذِ وَلَا أَنْزَلَ ، وَأَنْكَرَهُ غَيْرُهُ عَنْ مَالِك . وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَى عَبْد الرَّزَّاق عَنْ حُذَيْفَة " مَنْ تَأَمَّلَ خَلْقَ اِمْرَأَته وَهُوَ صَائِم بَطَلَ صَوْمه " لَكِنَّ إِسْنَاده ضَعِيف . وَقَالَ اِبْن قُدَامَةَ : إِنْ قَبَّلَ فَأَنْزَلَ أَفْطَرَ بِلَا خِلَاف . كَذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ ، فَقَدْ حَكَى اِبْن حَزْمٍ أَنَّهُ لَا يُفْطِر وَلَوْ أَنْزَلَ ، وَقَوَّى ذَلِكَ وَذَهَبَ إِلَيْهِ . وَسَأَذْكُرُ فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيه زِيَادَة فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .
قَوْله : ( لِأَرَبِهِ ) )
بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ أَيْ حَاجَته ، وَيُرْوَى بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَسُكُون الرَّاء أَيْ عُضْوه ، وَالْأَوَّل أَشْهَرُ ، وَإِلَى تَرْجِيحه أَشَارَ الْبُخَارِيّ بِمَا أَوْرَدَهُ مِنْ التَّفْسِير .
قَوْله : ( وَقَالَ اِبْن عَبَّاس . مَأْرَب حَاجَة )
مَأْرَب بِسُكُونِ الْهَمْزَة وَفَتْح الرَّاء ، وَهَذَا وَصَلَهُ اِبْن أَبِي حَاتِم مِنْ طَرِيق عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله : ( وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى ) قَالَ : حَاجَة أُخْرَى ، كَذَا فِيهِ ، وَهُوَ تَفْسِيرُ الْجَمْعِ بِالْوَاحِدِ ، فَلَعَلَّهُ كَانَ فِيهَا حَاجَات أَوْ حَوَائِج فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيق عِكْرِمَةَ عَنْهُ بِلَفْظِ " مَآرِبُ أُخْرَى " قَالَ " حَوَائِج أُخْرَى " .
قَوْله : ( وَقَالَ طَاوُسٌ ( غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ ) )
الْأَحْمَقُ لَا حَاجَة لَهُ فِي النِّسَاء ) وَصَلَهُ عَبْد الرَّزَّاق فِي تَفْسِيره عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ اِبْن طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْله : ( غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ ) قَالَ : هُوَ الْأَحْمَقُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي النِّسَاءِ حَاجَة . وَقَدْ وَقَعَ لَنَا هَذَا الْأَثَر بِعُلُوٍّ فِي " جُزْء مُحَمَّد بْن يَحْيَى الذُّهْلِيِّ " الْمَرْوِيِّ مِنْ طَرِيق السِّلَفِيِّ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَيْض بَيَان الِاخْتِلَاف فِي قَوْله " لِأَرَبِهِ " وَرَأَيْت بِخَطِّ مُغَلْطَايَ فِي شَرْحِهِ هُنَا قَالَ : وَقَالَ اِبْن عَبَّاس - أَيْ فِي تَفْسِير أُولِي الْإِرْبَةِ - الْمُقْعَدُ ، وَقَالَ اِبْن جُبَيْرٍ الْمَعْتُوهُ ، وَقَالَ عِكْرِمَة الْعِنِّينُ ، وَلَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي شَيْء مِنْ نُسَخِ الْبُخَارِيّ . وَإِنَّمَا أَوْقَعَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْقُطْبَ لَمَّا أَخْرَجَ أَثَر طَاوُسٍ قَالَ بَعْده " وَعَنْ اِبْن عَبَّاس الْمُقْعَد إِلَخْ " وَلَمْ يُرِدْ الْقُطْب أَنَّ الْبُخَارِيَّ ذَكَرَ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ الْقُطْبُ مِنْ قِبَلِ نَفْسه مِنْ كَلَام أَهْل التَّفْسِير .
سبل السلام - (ج 3 / ص 321)
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ وَيُبَاشِرُ } الْمُبَاشَرَةُ الْمُلَامَسَةُ وَقَدْ تَرِدُ بِمَعْنَى الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ هُنَا ( وَهُوَ صَائِمٌ وَلَكِنَّهُ أَمْلَكُكُمْ لِإِرْبِهِ ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ فَمُوَحَّدَةٍ وَهُوَ حَاجَةُ النَّفْسِ وَوَطَرُهَا ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّلْخِيصِ مَعْنَاهُ لِعُضْوِهِ ( مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ وَزَادَ ) أَيْ مُسْلِمٌ ( فِي رِوَايَةٍ فِي رَمَضَانَ ) قَالَ الْعُلَمَاءُ : مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لَكُمْ الِاحْتِرَازُ مِنْ الْقُبْلَةِ وَلَا تَتَوَهَّمُوا أَنَّكُمْ مِثْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اسْتِبَاحَتِهَا ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَيَأْمَنُ مِنْ وُقُوعِ الْقُبْلَةِ أَنْ يَتَوَلَّدَ عَنْهَا إنْزَالٌ أَوْ شَهْوَةٌ أَوْ هَيَجَانُ نَفْسٍ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَأَنْتُمْ لَا تَأْمَنُونَ ذَلِكَ فَطَرِيقُكُمْ كَفُّ النَّفْسِ عَنْ ذَلِكَ .
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ { قُلْت لِعَائِشَةَ : أَيُبَاشِرُ الصَّائِمُ ؟ قَالَتْ : لَا ، قُلْت : أَلَيْسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ ؟ قَالَتْ : إنَّهُ كَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ } وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهَا اعْتَقَدَتْ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ : وَهُوَ اجْتِهَادٌ مِنْهَا وَقِيلَ : الظَّاهِرُ أَنَّهَا تَرَى كَرَاهَةَ الْقُبْلَةِ لِغَيْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ كَمَا يَدُلُّ لَهُ قَوْلُهَا : " أَمْلَكُكُمْ لِإِرْبِهِ " وَفِي كِتَابِ الصِّيَامِ ؛ لِأَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ " سُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ فَكَرِهَتْهَا " وَظَاهِرُ حَدِيثِ الْبَابِ جَوَازُ الْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ لِدَلِيلِ التَّأَسِّي بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهَا ذَكَرَتْ عَائِشَةُ الْحَدِيثَ جَوَابًا عَمَّنْ سَأَلَ عَنْ الْقُبْلَةِ وَهُوَ صَائِمٌ وَجَوَابُهَا قَاضٍ بِالْإِبَاحَةِ مُسْتَدِلَّةً بِمَا كَانَ يَفْعَلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ : الْأَوَّلُ - لِلْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا .
الثَّانِي - أَنَّهُ مُحَرَّمٌ مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ } فَإِنَّهُ مَنَعَ الْمُبَاشَرَةَ فِي النَّهَارِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا فِي الْآيَةِ الْجِمَاعُ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أَفَادَهُ حَدِيثُ الْبَابِ .
وَقَالَ قَوْمٌ : إنَّهَا تُحَرِّمُ الْقُبْلَةَ ، وَقَالُوا : إنَّ مَنْ قَبَّلَ بَطَلَ صَوْمُهُ .
الثَّالِثُ - أَنَّهُ مُبَاحٌ وَبَالَغَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ فَقَالَ : إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ .
الرَّابِعُ - التَّفْصِيلُ فَقَالُوا : يُكْرَهُ لِلشَّابِّ وَيُبَاحُ لِلشَّيْخِ ، وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَدَلِيلُهُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد { أَنَّهُ أَتَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ فَرَخَّصَ لَهُ وَأَتَاهُ آخَرُ فَسَأَلَهُ فَنَهَاهُ فَإِذَا الَّذِي رُخِّصَ لَهُ شَيْخٌ وَاَلَّذِي نَهَاهُ شَابٌّ } .
( الْخَامِسُ ) أَنَّ مَنْ مَلَكَ نَفْسَهُ جَازَ لَهُ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِحَدِيثِ { عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ لَمَّا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ أُمُّهُ أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِك وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ : إنِّي أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ } فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّابِّ وَالشَّيْخِ وَإِلَّا لَبَيَّنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ لَا سِيَّمَا وَعُمَرُ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ تَكْلِيفِهِ وَقَدْ ظَهَرَ مِمَّا عَرَفْت أَنَّ الْإِبَاحَةَ أَقْوَى الْأَقْوَالِ وَيَدُلُّ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ { عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : هَشِشْت يَوْمًا فَقَبَّلْت وَأَنَا صَائِمٌ ، فَأَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْت : صَنَعْت الْيَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا فَقَبَّلْت وَأَنَا صَائِمٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرَأَيْت لَوْ تَمَضْمَضْت بِمَاءٍ وَأَنْتَ صَائِمٌ ؟ قُلْت : لَا بَأْسَ بِذَلِكَ ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِيمَ } .
انْتَهَى .
قَوْلُهُ هَشِشْت بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا شِينٌ مُعْجَمَةٌ سَاكِنَةٌ مَعْنَاهُ ارْتَحْت وَخَفَّفْت .
وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِيمَا إذَا قَبَّلَ أَوْ نَظَرَ أَوْ بَاشَرَ فَأَنْزَلَ أَوْ أَمْذَى فَعَنْ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَقْضِي إذَا أَنْزَلَ فِي غَيْرِ النَّظَرِ وَلَا قَضَاءَ فِي الْإِمْذَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ يَقْضِي فِي كُلِّ ذَلِكَ وَيُكَفِّرُ إلَّا فِي الْإِمْذَاءِ فَيَقْضِي فَقَطْ وَثَمَّةُ خِلَافَاتٌ أُخَرُ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ وَلَا كَفَّارَةَ إلَّا عَلَى مَنْ جَامَعَ وَإِلْحَاقُ غَيْرِ الْمُجَامِعِ بِهِ بَعِيدٌ .
( تَنْبِيهٌ ) قَوْلُهَا : " وَهُوَ صَائِمٌ " لَا يَدُلُّ أَنَّهُ قَبَّلَهَا وَهِيَ صَائِمَةٌ ، وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ { كَانَ يُقَبِّلُ بَعْضَ نِسَائِهِ فِي الْفَرِيضَةِ وَالتَّطَوُّعِ } ثُمَّ سَاقَ بِإِسْنَادِهِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَمَسُّ وَجْهَهَا وَهِيَ صَائِمَةٌ } وَقَالَ : لَيْسَ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ تَضَادٌّ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَمْلِكُ إرْبَهُ وَنُبِّهَ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ هَذَا الْفِعْلِ لِمَنْ هُوَ بِمِثْلِ حَالِهِ وَتَرْكِ اسْتِعْمَالِهِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ صَائِمَةً عِلْمًا مِنْهُ بِمَا رُكِّبَ فِي النِّسَاءِ مِنْ الضَّعْفِ عِنْدَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَرِدُ عَلَيْهِنَّ .انْتَهَى .
نيل الأوطار - (ج 7 / ص 67)
بَابُ الرُّخْصَةِ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ إلَّا لِمَنْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ 1656 - ( عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ : { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ) .
1657 - ( وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ ، وَلَكِنَّهُ كَانَ أَمْلَكَكُمْ لَإِرْبِهِ } .
رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ .
وَفِي لَفْظٍ : { كَانَ يُقَبِّلُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ ) .
وَعَنْ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ : أَنَّهُ { سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ ؟ فَقَالَ لَهُ : سَلْ هَذِهِ لِأُمِّ سَلَمَةَ ، فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ، فَقَالَ لَهُ : أَمَا وَاَللَّهِ إنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَفِيهِ أَنَّ أَفْعَالَهُ حُجَّةٌ ) .
1659 - ( وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : { أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ ، فَرَخَّصَ لَهُ ، وَأَتَاهُ آخَرُ فَنَهَاهُ عَنْهَا ، فَإِذَا الَّذِي رَخَّصَ لَهُ شَيْخٌ ، وَإِذَا الَّذِي نَهَاهُ شَابٌّ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ) .
الشَّرْحُ
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيُّ وَالْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ ، وَفِي إسْنَادِهِ أَبُو الْعَنْبَسِ الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ سَكَتُوا عَنْهُ .
وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ : مَقْبُولٌ ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِرَفْعِهِ ، وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا .
وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو .
قَوْلُهُ : ( كَانَ يُقَبِّلُهَا ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّقْبِيلُ لِلصَّائِمِ وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ .
قَالَ النَّوَوِيُّ : وَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تُبْطِلُ الصَّوْمَ إلَّا إنْ أَنْزَلَ بِهَا وَلَكِنَّهُ مُتَعَقَّبٌ بِأَنَّ ابْنَ شُبْرُمَةَ أَفْتَى بِإِفْطَارِ مَنْ قَبَّلَ .
وَنَقَلَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ قَوْمٍ وَلَمْ يُسَمِّهِمْ ، وَقَدْ قَالَ بِكَرَاهَةِ التَّقْبِيلِ وَالْمُبَاشَرَةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ قَوْمٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ .
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَه الْقُبْلَةَ وَالْمُبَاشَرَةَ .
وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ قَوْمٍ تَحْرِيمَهُمَا ، وَأَبَاحَ الْقُبْلَةَ مُطْلَقًا قَوْمٌ .
قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ صَحِيحًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَعِيدٌ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَطَائِفَةٌ وَبَالَغَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ فَقَالَ : إنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ .
وَفَرَّقَ آخَرُونَ بَيْنَ الشَّابِّ وَالشَّيْخِ ، فَأَبَاحُوهَا لِلشَّيْخِ دُونَ الشَّابِّ تَمَسُّكًا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرِهِمَا ، وَفَرَّقَ آخَرُونَ بَيْنَ مَنْ يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَمَنْ لَا يَمْلِكُ .
وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ وَالشَّافِعِيُّ ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ إلَّا قَوْلٌ لِعَائِشَةَ ، نَعَمْ نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلشَّابِّ وَإِذْنُهُ لِلشَّيْخِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّقْبِيلُ لِمَنْ خَشِيَ أَنْ تَغْلِبَهُ الشَّهْوَةُ وَظَنَّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ التَّقْبِيلِ ، وَلِذَلِكَ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى تَحْرِيمِ التَّقْبِيلِ عَلَى مَنْ كَانَ تَتَحَرَّكُ بِهِ شَهْوَتُهُ ، وَالشَّابُّ مَظِنَّةٌ لِذَلِكَ .
وَيُعَارِضُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : { أَهْوَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُقَبِّلَنِي ، فَقُلْتُ : إنِّي صَائِمَةٌ ، فَقَالَ : وَأَنَا صَائِمٌ فَقَبَّلَنِي } وَعَائِشَةُ كَانَتْ شَابَّةٌ حِينَئِذٍ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُخْتَصًّا بِالرِّجَالِ وَلَكِنَّهُ بَعِيدٌ ؛ لِأَنَّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْحُكْمِ .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ مِنْ حَالِ عَائِشَةَ أَنَّهَا لَا تَتَحَرَّكُ شَهْوَتُهَا بِالتَّقْبِيلِ .
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَمَسُّ شَيْئًا مِنْ وَجْهِهَا وَهِيَ صَائِمَةٌ } فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُجَنِّبُهَا ذَلِكَ إذَا صَامَتْ تَنْزِيهًا مِنْهُ لَهَا عَنْ تَحَرُّكِ الشَّهْوَةِ لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ بِمِثْلِهِ .
وَقَدْ دَلَّ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَذْكُورُ عَلَى جَوَازِ التَّقْبِيلِ لِلصَّائِمِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الشَّابِّ وَغَيْرِهِ .
وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخَصُّ مِنْهُ فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ .
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِتَحْرِيمِ التَّقْبِيلِ وَالْمُبَاشَرَةِ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ } قَالُوا : فَمَنَعَ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ نَهَارًا .
وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُبِينُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى ، وَقَدْ أَبَاحَ الْمُبَاشَرَةَ نَهَارًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُبَاشَرَةِ فِي الْآيَةِ : الْجِمَاعُ لَا مَا دُونَهُ مِنْ قُبْلَةٍ وَنَحْوِهَا ، وَغَايَةُ مَا فِي الْآيَةِ أَنْ تَكُونَ عَامَّةً فِي كُلِّ مُبَاشَرَةٍ مُخَصَّصَةٍ بِمَا وَقَعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أُذِنَ بِهِ ، وَالْمُرَادُ بِالْمُبَاشَرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ التَّقْبِيلِ مَا لَمْ يَبْلُغْ إلَى حَدِّ الْجِمَاعِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ : " كَانَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ " مِنْ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ ، لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ فِي الْأَصْلِ الْتِقَاءُ الْبَشَرَتَيْنِ .
وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا بَاشَرَ الصَّائِمُ أَوْ قَبَّلَ أَوْ نَظَرَ فَأَنْزَلَ أَوْ أَمْذَى ، فَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ : يَقْضِي إذَا أَنْزَلَ فِي غَيْرِ النَّظَرِ ، وَلَا قَضَاءَ فِي الْإِمْذَاءِ .
وَقَالَ مَالِكٌ وَإِسْحَاقُ : يَقْضِي فِي كُلِّ ذَلِكَ وَيُكَفِّرُ إلَّا فِي الْإِمْذَاءِ فَيَقْضِي فَقَطْ ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّ الْإِنْزَالَ أَقْصَى مَا يُطْلَبُ فِي الْجِمَاعِ مِنْ الِالْتِذَاذِ فِي كُلِّ ذَلِكَ .
وَتَعَقَّبَ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ عُلِّقَتْ بِالْجِمَاعِ فَقَطْ .
وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى مَنْ بَاشَرَ أَوْ قَبَّلَ فَأَنْعَظَ ، أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ ، أَمْذَى أَمْ لَمْ يُمْذِ ، وَأَنْكَرَهُ غَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ .
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ مَنْ تَأَمَّلَ خَلْقَ امْرَأَةٍ وَهُوَ صَائِمٌ بَطَلَ صَوْمُهُ .
قَالَ فِي الْفَتْحِ : وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ .
قَالَ : وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ ، إنْ قَبَّلَ فَأَنْزَلَ أَفْطَرَ بِلَا خِلَافٍ ، كَذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ ، فَقَدْ حَكَى ابْنُ حَزْمٍ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَلَوْ أَنْزَلَ وَقَوَّى ذَلِكَ وَذَهَبَ إلَيْهِ .
قَوْلُهُ : ( لِأَرَبِهِ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ : أَيْ حَاجَتِهِ ، وَيُرْوَى بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ : أَيْ عُضْوِهِ .
قَالَ فِي الْفَتْحِ : وَالْأَوَّلُ أَشْهُرُ ، وَإِلَى تَرْجِيحِهِ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ بِمَا أَوْرَدَهُ مِنْ التَّفْسِيرِ انْتَهَى .
وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُهَا وَيَمُصُّ لِسَانَهَا } قَالَ الْحَافِظُ : وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ ، وَلَوْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْتَلِعْ رِيقَهُ الَّذِي خَالَطَهُ رِيقُهَا .
وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ { أَنَّهُ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ ، فَأَمَرَ امْرَأَتَهُ فَسَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : إنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ ، فَقَالَ زَوْجُهَا : رَخَّصَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ أَشْيَاءَ ، فَرَجَعَتْ فَقَالَ : أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِ اللَّهِ وَأَتْقَاكُمْ } وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ لَكِنَّهُ أَرْسَلَهُ .
المحلى لابن حزم - (ج 2 / ص 444)
753 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَنْقُضُ الصَّوْمَ حِجَامَةٌ ، وَلاَ احْتِلاَمٌ , وَلاَ اسْتِمْنَاءٌ , وَلاَ مُبَاشَرَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ الْمُبَاحَةَ لَهُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ , تَعَمَّدَ الإِمْنَاءَ أَمْ لَمْ يُمْنِ , أَمْذَى أَمْ لَمْ يُمْذِ ، وَلاَ قُبْلَةٌ كَذَلِكَ فِيهِمَا , وَلاَ قَيْءٌ غَالِبٌ , وَلاَ قَلْسٌ خَارِجٌ مِنْ الْحَلْقِ , مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ رَدَّهُ بَعْدَ حُصُولِهِ فِي فَمِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى رَمْيِهِ , وَلاَ دَمٌ خَارِجٌ مِنْ الأَسْنَانِ أَوْ الْجَوْفِ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ بَلْعَهُ , وَلاَ حُقْنَةٌ ، وَلاَ سَعُوطٌ ، وَلاَ تَقْطِيرٌ فِي أُذُنٍ , أَوْ فِي إحْلِيلٍ , أَوْ فِي أَنْفٍ ، وَلاَ اسْتِنْشَاقٌ وَإِنْ بَلَغَ الْحَلْقَ , وَلاَ مَضْمَضَةٌ دَخَلَتْ الْحَلْقَ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ , وَلاَ كُحْلٌ أَوْ إنْ بَلَغَ إلَى الْحَلْقِ نَهَارًا أَوْ لَيْلاً بِعَقَاقِيرَ أَوْ بِغَيْرِهَا , وَلاَ غُبَارُ طَحْنٍ , أَوْ غَرْبَلَةُ دَقِيقٍ , أَوْ حِنَّاءٍ , أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ , أَوْ عِطْرٌ , أَوْ حَنْظَلٌ , أَوْ أَيُّ شَيْءٍ كَانَ , وَلاَ ذُبَابٌ دَخَلَ الْحَلْقَ بِغَلَبَةٍ , وَلاَ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ فَوَقَعَ فِي حَلْقِهِ نُقْطَةُ مَاءٍ بِغَيْرِ تَعَمُّدٍ لِذَلِكَ مِنْهُ ; ، وَلاَ مَضْغُ زِفْتٍ أَوْ مُصْطَكَى أَوْ عِلْكٍ ; ، وَلاَ مَنْ تَعَمَّدَ أَنْ يُصْبِحَ جُنُبًا , مَا لَمْ يَتْرُكْ الصَّلاَةَ , وَلاَ مَنْ تَسَحَّرَ أَوْ وَطِئَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَيْلٌ فَإِذَا بِالْفَجْرِ كَانَ قَدْ طَلَعَ ، وَلاَ مَنْ أَفْطَرَ بِأَكْلٍ أَوْ وَطْءٍ , وَيَظُنُّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ فَإِذَا بِهَا لَمْ تَغْرُبْ , وَلاَ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ وَطِئَ نَاسِيًا ; لاَِنَّهُ صَائِمٌ ,
وَكَذَلِكَ مَنْ عَصَى نَاسِيًا لِصَوْمِهِ , وَلاَ سِوَاكٌ بِرَطْبٍ أَوْ يَابِسٍ , وَلاَ مَضْغُ طَعَامٍ أَوْ ذَوْقُهُ , مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ بَلْعَهُ , وَلاَ مُدَاوَاةُ جَائِفَةٍ أَوْ مَأْمُومَةٍ بِمَا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ , وَلاَ طَعَامٌ وُجِدَ بَيْنَ الأَسْنَانِ : أَيَّ وَقْتٍ مِنْ النَّهَارِ وُجِدَ , إذَا رُمِيَ , وَلاَ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى مَا يَنْقُضُ الصَّوْمَ , وَلاَ دُخُولُ حَمَّامٍ , وَلاَ تَغْطِيسٌ فِي مَاءٍ , وَلاَ دَهْنُ شَارِبٍ أَمَّا الْحِجَامَةُ قال أبو محمد رحمه الله : صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَرِيقِ ثَوْبَانَ , وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ : وَمَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ , وَأَبِي هُرَيْرَةَ , وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَغَيْرِهِمْ : ، أَنَّهُ قَالَ : أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ , فَوَجَبَ الأَخْذُ بِهِ , إلاَّ أَنْ يَصِحَّ نَسْخُهُ. وَقَدْ ظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ الرِّوَايَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَاسِخَةٌ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ , وَظَنُّهُمْ فِي ذَلِكَ بَاطِلٌ ; لاَِنَّهُ قَدْ يَحْتَجِمُ عليه السلام وَهُوَ مُسَافِرٌ فَيُفْطِرُ , وَذَلِكَ مُبَاحٌ , أَوْ فِي صِيَامِ تَطَوُّعٍ فَيُفْطِرُ , وَذَلِكَ مُبَاحٌ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ يَقُولُ فِي الْخَبَرِ الثَّابِتِ أَنَّهُ عليه السلام " مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ " : لَعَلَّهُ كَانَ مَرِيضًا ثُمَّ لاَ يَقُولُ هَاهُنَا : لَعَلَّهُ كَانَ مَرِيضًا
وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ إخْبَارِهِ عليه السلام أَنَّهُ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ ، وَلاَ يُتْرَكُ حُكْمٌ مُتَيَقَّنٌ لِظَنٍّ كَاذِبٍ
وَأَيْضًا : فَلَوْ صَحَّ أَنَّ خَبَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ بَعْدَ خَبَرِ مَنْ ذَكَرْنَا لَمَا كَانَ فِيهِ إلاَّ نَسْخُ إفْطَارِ الْمَحْجُومِ لاَ الْحَاجِمِ ; لاَِنَّهُ قَدْ يَحْجُمُهُ عليه السلام غُلاَمٌ لَمْ يَحْتَلِمْ
قال أبو محمد رحمه الله : لَكِنْ وَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ التَّمِيمِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْعُذْرِيُّ قَالَ التَّمِيمِيُّ : حدثنا مُعَاوِيَةُ الْقُرَشِيُّ الْمَرْوَانِيُّ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْرَقُ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ , وَقَالَ الْعُذْرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ الأَسَدِيُّ الْقُرَشِيُّ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ ، حدثنا مُوسَى بْنُ هَارُونَ ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ حُمَيْدٍ , ثُمَّ اتَّفَقَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ وَحُمَيْدٌ كِلاَهُمَا ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِي ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ زَادَ حُمَيْدٍ فِي رِوَايَتِهِ " وَالْقُبْلَةِ ".
قَالَ عَلِيٌّ : إنَّ أَبَا نَضْرَةَ , وَقَتَادَةَ أَوْقَفَاهُ ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ , وَإِنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ أَوْقَفَهُ ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ ; وَلَكِنْ هَذَا لاَ مَعْنَى لَهُ إذْ أَسْنَدَهُ الثِّقَةُ , وَالْمُسْنَدَانِ لَهُ ، عَنْ خَالِدٍ وَحُمَيْدٍ : ثِقَتَانِ ; فَقَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ , وَلَفْظَةُ " أَرْخَصَ " لاَ تَكُونُ إلاَّ بَعْدَ نَهْيٍ ; فَصَحَّ بِهَذَا الْخَبَرِ نَسْخُ الْخَبَرِ الأَوَّلِ وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّ الْحِجَامَةَ تُفْطِرُ : عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ , وَأَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ , وَغَيْرُهُمْ. وَلَمْ يَرَهَا تُفْطِرُ : ابْنُ عَبَّاسٍ , وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ , وَغَيْرُهُمَا. وَعَهْدُنَا بِالْحَنَفِيِّينَ يَقُولُونَ : إنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لاَ يُقْبَلُ فِيمَا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى , وَهَذَا مِمَّا تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى , وَقَدْ قَبِلُوا فِيهِ خَبَرَ الْوَاحِدِ مُضْطَرِبًا
وَأَمَّا الاِحْتِلاَمُ : فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ لاَ يَنْقُضُ الصَّوْمَ ; إلاَّ مِمَّنْ لاَ يُعْتَدُّ بِهِ وَأَمَّا الاِسْتِمْنَاءُ : فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِأَنَّهُ يَنْقُضُ الصَّوْمَ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ لاَ يَنْقُضُ الصَّوْمَ بِفِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ , وَإِتْيَانِ الْبَهَائِمِ وَقَتْلِ الأَنْفُسِ , وَالسَّعْيِ فِي الأَرْضِ بِالْفَسَادِ , وَتَرْكِ الصَّلاَةِ وَتَقْبِيلِ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَمْدًا إذَا لَمْ يُمْنِ ، وَلاَ أَمْذَى : ثُمَّ يَنْقُضُهُ بِمَسِّ الذَّكَرِ إذَا كَانَ مَعَهُ إمْنَاءٌ وَهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ : أَنَّ مَسَّ الذَّكَرِ لاَ يُبْطِلُ الصَّوْمَ , وَأَنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ دُونَ عَمَلٍ لاَ يَنْقُضُ الصَّوْمَ , ثُمَّ يُنْقَضُ الصَّوْمُ بِاجْتِمَاعِهِمَا , وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ يُنْقِضُ الصَّوْمَ بِالإِنْزَالِ لِلْمَنِيِّ إذَا تَعَمَّدَ اللَّذَّةَ , وَلَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ , وَلاَ إجْمَاعٌ , وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ , وَلاَ قِيَاسٌ : ثُمَّ لاَ يُوجِبُ بِهِ الْغُسْلَ إذَا خَرَجَ بِغَيْرِ لَذَّةٍ , وَالنَّصُّ جَاءَ بِإِيجَابِ الْغُسْلِ مِنْهُ جُمْلَةً.
وَأَمَّا الْقُبْلَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ لِلرَّجُلِ مَعَ امْرَأَتِهِ وَأَمَتِهِ الْمُبَاحَةِ لَهُ فَهُمَا سُنَّةٌ حَسَنَةٌ , نَسْتَحِبُّهَا لِلصَّائِمِ , شَابًّا كَانَ أَوْ كَهْلاً أَوْ شَيْخًا , وَلاَ نُبَالِي أَكَانَ مَعَهَا إنْزَالٌ مَقْصُودٌ إلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى ، حدثنا شَيْبَانُ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ ، عَنْ عَلْقَمَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ? لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ لاَ سِيَّمَا مَنْ كَابَرَ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَهُ صلى الله عليه وسلم فَرْضٌ. وَقَدْ
رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ , وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ , وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ , وَمَسْرُوقٍ , وَالأَسْوَدِ , وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ , كُلُّهُمْ ، عَنْ عَائِشَةَ بِأَسَانِيدَ كَالذَّهَبِ وَرُوِّينَاهُ بِأَسَانِيدَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ ، عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ : أُمِّ سَلَمَةَ , وَأُمِّ حَبِيبَةَ , وَحَفْصَةَ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ , وَغَيْرِهِمْ كُلُّهُمْ : عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . فَادَّعَى قَوْمٌ أَنَّ الْقُبْلَةَ تُبْطِلُ الصَّوْمَ .
وَقَالَ قَوْمٌ : هِيَ مَكْرُوهَةٌ. .
وَقَالَ قَوْمٌ : هِيَ مُبَاحَةٌ لِلشَّيْخِ , مَكْرُوهَةٌ لِلشَّابِّ. .
وَقَالَ قَوْمٌ : هِيَ خُصُوصٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم .
فأما مَنْ ادَّعَى أَنَّهَا خُصُوصٌ لَهُ عليه السلام فَقَدْ قَالَ الْبَاطِلَ , وَمَا يَعْجَزُ ، عَنِ الدَّعْوَى مَنْ لاَ تَقْوَى لَهُ فَإِنْ احْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ , وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَلَكِنَّهُ كَانَ أَمْلَكَكُمْ لاِِرْبِهِ. قلنا : لاَ حُجَّةَ لَكَ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ هَذَا ; لإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا قَالَ : حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ الْخَلِيلِ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ، حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ الشَّيْبَانِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ كَانَتْ إحْدَانَا إذَا كَانَتْ حَائِضًا فَأَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَاشِرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرَهَا , قَالَتْ : وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْلِكُ إرْبَهُ فَإِنْ كَانَ قَوْلُهَا ذَلِكَ فِي قُبْلَةِ الصَّائِمِ يُوجِبُ أَنَّهُ لَهُ خُصُوصٌ فَقَوْلُهَا هَذَا فِي مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ يُوجِبُ أَنَّهَا لَهُ أَيْضًا خُصُوصٌ , أَوْ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ , أَوْ أَنَّهَا لِلشَّيْخِ دُونَ الشَّابِّ ، وَلاَ يُمْكِنُهُمْ هَاهُنَا دَعْوَى الإِجْمَاعِ ; لإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَغَيْرَهُ كَرِهُوا مُبَاشَرَةَ الْحَائِضِ ; جُمْلَةً وَلَعَمْرِي إنَّ مُبَاشَرَةَ الْحَائِضِ لاََشَدُّ غَرَرًا ; لاَِنَّهُ يَبْقَى ، عَنْ جِمَاعِهَا أَيَّامًا وَلَيَالِيَ فَتَشْتَدُّ حَاجَتُهُ ,
وَأَمَّا الصَّائِمُ فَالْبَارِحَةُ وَطِئَهَا , وَاللَّيْلَةَ يَطَؤُهَا , فَهُوَ بِشَمٍّ مِنْ الْوَطْءِ
حدثنا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ , أَنَّهُ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهَا فَسَأَلَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ , فَأَخْبَرَتْهُ امْرَأَتُهُ , فَقَالَ لَهَا : إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رُخِّصَ لَهُ فِي أَشْيَاءَ , فَارْجِعِي إلَيْهِ , فَرَجَعَتْ إلَيْهِ , فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ , فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِ اللَّهِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمٌ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو ، هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ الْحِمْيَرِيِّ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَلْ هَذِهِ , يَعْنِي أُمَّ سَلَمَةَ , فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ ذَلِكَ , فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَا وَاَللَّهِ إنِّي لاََتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ. فَهَذَانِ الْخَبَرَانِ يُكَذِّبَانِ قَوْلَ مَنْ ادَّعَى فِي ذَلِكَ الْخُصُوصَ لَهُ عليه السلام ; لاَِنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ عليه السلام مَنْ اسْتَفْتَاهُ , وَيُكَذِّبُ قَوْلَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ لِلشَّابِّ مُبَاحَةٌ لِلشَّيْخِ لإِنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ كَانَ شَابًّا جِدًّا فِي قُوَّةِ شَبَابِهِ إذْ مَاتَ عليه السلام ، وَ، هُوَ ابْنُ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَزَوَّجَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِنْتَ حَمْزَةَ عَمِّهِ رضي الله عنه .
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ الْقُرَشِيِّ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ أَهْوَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِيُقَبِّلَنِي , فَقُلْتُ : إنِّي صَائِمَةٌ فَقَالَ : وَأَنَا صَائِمٌ , فَقَبَّلَنِي. وَكَانَتْ عَائِشَةُ إذْ مَاتَ عليه السلام بِنْتَ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً فَظَهَرَ بُطْلاَنُ قَوْلِ مَنْ فَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الشَّيْخِ وَالشَّابِّ , وَبُطْلاَنُ قَوْلِ مَنْ قَالَ : إنَّهَا مَكْرُوهَةٌ ; وَصَحَّ أَنَّهَا حَسَنَةٌ مُسْتَحَبَّةٌ , سُنَّةٌ مِنْ السُّنَنِ , وَقُرْبَةٌ مِنْ الْقُرْبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَوُقُوفًا عِنْدَ فُتْيَاهُ بِذَلِكَ
وَأَمَّا مَا تَعَلَّقَ بِهِ مَنْ كَرِهَهَا لِلشَّابِّ فَإِنَّمَا هُمَا حَدِيثَا سَوْءٍ ,
رُوِّينَا أَحَدَهُمَا مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا ابْنُ لَهِيعَةَ , وَهُوَ لاَ شَيْءَ , وَفِيهَا قَيْسٌ مَوْلَى تَجِيبٍ ; وَهُوَ مَجْهُولٌ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ وَالآخَرَ مِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، عَنْ أَبِي الْعَنْبَسِ , وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ ، عَنِ الأَغَرِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , فِي كِلَيْهِمَا , أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ فِي قُبْلَةِ الصَّائِمِ لِلشَّيْخِ وَنَهَى عَنْهَا الشَّابَّ , فَسَقَطَا جَمِيعًا
وَأَمَّا مَنْ أَبْطَلَ الصَّوْمَ بِهَا فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ? فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ فَفِي هَذِهِ الآيَةِ الْمَنْعُ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ
قلنا قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إبَاحَةُ الْمُبَاشَرَةِ , وَهُوَ الْمُبَيِّنُ ، عَنِ اللَّهِ تَعَالَى مُرَادُهُ مِنَّا.فَصَحَّ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ الْمُحَرَّمَةَ فِي الصَّوْمِ إنَّمَا هِيَ الْجِمَاعُ فَقَطْ ; ، وَلاَ حُجَّةَ فِي هَذِهِ الآيَةِ لِحَنَفِيٍّ ، وَلاَ لِمَالِكِيٍّ , فَإِنَّهُمْ يُبِيحُونَ الْمُبَاشَرَةَ , وَلاَ يُبْطِلُونَ الصَّوْمَ بِهَا أَصْلاً وَإِنَّمَا يُبْطِلُونَهُ بِشَيْءٍ يَكُونُ مَعَهَا , مِنْ الْمَنِيِّ أَوْ الْمَذْيِ فَقَطْ , وَإِنَّمَا هِيَ حُجَّةٌ لِمَنْ مَنَعَ الْمُبَاشَرَةَ وَأَبْطَلَ الصَّوْمَ بِهَا. وَهَؤُلاَءِ أَيْضًا قَدْ احْتَجُّوا بِخَبَرَيْنِ :
رُوِّينَا أَحَدَهُمَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ عُمَرُ : رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ , فَرَأَيْتُهُ لاَ يَنْظُرنِي , فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَأْنِي فَقَالَ : أَلَسْتَ الَّذِي تُقَبِّلُ وَأَنْتَ صَائِمٌ قُلْت : فَوَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ أُقَبِّلُ بَعْدَهَا وَأَنَا صَائِمٌ.
قال أبو محمد رحمه الله : الشَّرَائِعُ لاَ تُؤْخَذُ بِالْمَنَامَاتِ لاَ سِيَّمَا وَقَدْ أَفْتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُمَرَ فِي الْيَقِظَةِ حَيًّا بِإِبَاحَةِ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ ; فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُنْسَخَ ذَلِكَ فِي الْمَنَامِ مَيِّتًا نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا. وَيَكْفِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ حَمْزَةَ لاَ شَيْءَ.
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ هُوَ زُغْبَةٌ ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابُ هَشَشْتُ فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ , فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , صَنَعْتُ الْيَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا , قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرَأَيْتَ لَوْ مَضْمَضْتَ مِنْ الْمَاءِ وَأَنْتَ صَائِمٌ قُلْت : لاَ بَأْسَ بِهِ , قَالَ : فَمَهْ ". وَالْخَبَرُ الثَّانِي الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ أَبِي يَزِيدَ الضَّبِّيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ ، عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ عُتْبَةَ مَوْلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَمَّنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا صَائِمَانِ فَقَالَ : قَدْ أَفْطَرَ.
قال أبو محمد رحمه الله : حَتَّى لَوْ صَحَّ هَذَا لَكَانَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ أَنَّهُ عليه السلام أَرْخَصَ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ : نَاسِخًا لَهُ وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ إبْطَالُ الصِّيَامِ بِالْقُبْلَةِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَنْهَى ، عَنِ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ , فَقِيلَ لَهُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ فَقَالَ : وَمَنْ ذَا لَهُ مِنْ الْحِفْظِ وَالْعِصْمَةِ مَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
وَمِنْ طَرِيقِ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ زَاذَانَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ فِي الَّذِي يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ , فَقَالَ : أَلاَ يُقَبِّلُ جَمْرَةً وَعَنْ مُوَرِّقٍ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْهَا
وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ مَا تُرِيدُ إلَى خُلُوفٍ فِيهَا دَعْهَا حَتَّى تُفْطِرَ وَعَنِ الْهَزْهَازِ : أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ سُئِلَ عَمَّنْ قَبَّلَ وَهُوَ صَائِمٌ فَقَالَ : أَفْطَرَ , وَيَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ. وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : مَنْ تَأَمَّلَ خَلْقَ امْرَأَتِهِ وَهُوَ صَائِمٌ بَطَلَ صَوْمُهُ وَعَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ : رَأَيْت أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَوْنَ ، عَنِ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ
وَمِنْ طَرِيقِ شُرَيْحٍ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنْ قُبْلَةِ الصَّائِمِ فَقَالَ : يَتَّقِي اللَّهَ ، وَلاَ يَعُدْ. وَعَنْ أَبِي قِلاَبَةَ أَنَّهُ نَهَى عَنْهَا وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ : إنَّمَا الصَّوْمُ مِنْ الشَّهْوَةِ , وَالْقُبْلَةُ مِنْ الشَّهْوَةِ وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ : لاَ يُقَبِّلُ الصَّائِمُ. وَعَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ : اللَّيْلُ قَرِيبٌ وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ : إنْ قَبَّلَ الصَّائِمُ أَفْطَرَ وَقَضَى يَوْمًا مَكَانَهُ وَمَنْ كَرِهَهَا :
رُوِّينَا ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : الْقُبْلَةُ تُنْقِضُ الصَّوْمَ ، وَلاَ تُفْطِرُ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ كَرِهَهَا وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّهُ كَرِهَهَا وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : ، أَنَّهُ قَالَ : لاَ بَأْسَ بِهَا , وَإِنَّهَا لَبَرِيدُ سُوءٍ وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ : لَمْ أَرَ الْقُبْلَةَ تَدْعُو إلَى خَيْرٍ يَعْنِي لِلصَّائِمِ وَصَحَّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ، أَنَّهُ قَالَ : هِيَ دَلِيلٌ إلَى غَيْرِهَا وَالاِعْتِزَالُ أَكْيَسُ وَكَرِهَهَا مَالِكٌ وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الشَّيْخِ وَالشَّابِّ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مِجْلَزٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ,
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ,
وَمِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ,
وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ ، عَنْ مَكْحُولٍ ,
وَمِنْ طَرِيقِ حُرَيْثٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ رَخَّصُوا فِي قُبْلَةِ الصَّائِمِ لِلشَّيْخِ وَكَرِهُوهَا لِلشَّابِّ وَمَنْ كَرِهَ الْمُبَاشَرَةَ لِلصَّائِمِ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنِ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ فَقَالَ : لاَ بَأْسَ بِهَا , وَسُئِلَ أَيَقْبِضُ عَلَى سَاقِهَا قَالَ لاَ يَقْبِضُ عَلَى سَاقِهَا , أَعِفُّوا الصِّيَامَ
وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى ، عَنِ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ نَهَى ، عَنْ لَمْسِ الصَّائِمِ وَتَجْرِيدِهِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الصَّائِمِ يُبَاشِرُ قَالَ : يَتُوبُ عَشْرَ مِرَارٍ , إنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ صَوْمِهِ الَّذِي يُجَرِّدُ أَوْ يَلْمِسُ , لَكَ أَنْ تَأْخُذَ بِيَدِهَا وَبِأَدْنَى جَسَدِهَا وَتَدَعَ أَقْصَاهُ وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِي الصَّائِمِ يُبَاشِرُ بِالنَّهَارِ قَالَ : لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ ; وَلَكِنْ يُبَدِّلُ يَوْمًا مَكَانَهُ. وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ : لاَ يُبَاشِرُ الصَّائِمُ. وَكَرِهَهَا مَالِكٌ. وَمَنْ أَبَاحَ الْمُبَاشَرَةَ لِلشَّيْخِ وَنَهَى عَنْهَا لِلشَّابِّ :
رُوِّينَا هَذَا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ , وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ.
وَأَمَّا مَنْ أَبَاحَ كُلَّ ذَلِكَ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ عَائِشَةَ بِنْتَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَتْهُ : أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا , وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَهُوَ صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ , فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ : مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَدْنُوَ مِنْ أَهْلِكَ فَتُقَبِّلَهَا وَتُلاَعِبَهَا فَقَالَ : أُقَبِّلُهَا وَأَنَا صَائِمٌ قَالَتْ : نَعَمْ.
وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ : سَأَلْت عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ : مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ صَائِمًا فَقَالَتْ كُلُّ شَيْءٍ إلاَّ الْجِمَاعَ
قال أبو محمد رحمه الله : عَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ كَانَتْ أَجْمَلَ نِسَاءِ أَهْلِ زَمَانِهَا , وَكَانَتْ أَيَّامَ عَائِشَةَ وَهِيَ وَزَوْجُهَا فَتِيَّيْنِ فِي عُنْفُوَانِ الْحَدَاثَةِ وَهَذَانِ الْخَبَرَانِ يُكَذِّبَانِ قَوْلَ مَنْ لاَ يُبَالِي بِالْكَذِبِ أَنَّهَا أَرَادَتْ بِقَوْلِهَا وَأَيُّكُمْ أَمْلَكُ لاِِرْبِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّهْيَ مِنْ الْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ , وَعُبَيْدِ اللَّهِ : ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَتْ تُقَبِّلُهُ امْرَأَتُهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ صَائِمٌ ; فَلاَ يَنْهَاهَا
وَمِنْ طَرِيقِ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : أَنَّ رَجُلاً قَالَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ : إنِّي تَزَوَّجْت ابْنَةَ عَمٍّ لِي جَمِيلَةً , فَبَنَيْتُ بِهَا فِي رَمَضَانَ : فَهَلْ لِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إلَى قُبْلَتِهَا مِنْ سَبِيلٍ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : هَلْ تَمْلِكُ نَفْسَكَ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : قَبِّلْ , قَالَ : فَبِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي : هَلْ إلَى مُبَاشَرَتِهَا مِنْ سَبِيلٍ قَالَ : هَلْ تَمْلِكُ نَفْسَكَ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : فَبَاشِرْهَا , قَالَ : فَهَلْ لِي إلَى أَنْ أَضْرِبَ بِيَدِي عَلَى فَرْجِهَا مِنْ سَبِيلٍ قَالَ : وَهَلْ تَمْلِكُ نَفْسَكَ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : اضْرِبْ وَهَذِهِ أَصَحُّ طَرِيقٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَأَلْت أَبَا هُرَيْرَةَ ، عَنْ دُنُوِّ الرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهُوَ صَائِمٌ فَقَالَ : إنِّي لاََرُفُّ شَفَتَيْهَا وَأَنَا صَائِمٌ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ : قِيلَ لاَِبِي هُرَيْرَةَ : أَتُقَبِّلُ وَأَنْتَ صَائِمٌ قَالَ : نَعَمْ وَأَكْفَحُهَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَفْتَحُ فَاهُ إلَى فِيهَا وَسُئِلَ ، عَنْ تَقْبِيلِ غَيْرِ امْرَأَتِهِ فَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ. وَمِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ سُئِلَ : أَتُقَبِّلُ وَأَنْتَ صَائِمٌ قَالَ : نَعَمْ وَأَقْبِضُ عَلَى مَتَاعِهَا. وَعَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بِالْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا. وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ زَكَرِيَّا ، هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُبَاشِرُ امْرَأَتَهُ نِصْفَ النَّهَارِ وَهُوَ صَائِمٌ وَهَذِهِ أَصَحُّ طَرِيقٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَنْظَلَةَ بْنِ سَبْرَةَ ، عَنِ الْمُسَيِّبِ بْنِ نُجْبَةَ الْفَزَارِيّ ، عَنْ عَمَّتِهِ وَكَانَتْ تَحْتَ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَتْ : كَانَ حُذَيْفَةُ إذَا صَلَّى الْفَجْرَ فِي رَمَضَانَ جَاءَ فَدَخَلَ مَعِي فِي لِحَافِي ثُمَّ يُبَاشِرُنِي. وَعَنْ أَبِي ظَبْيَانَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : لاَ بَأْسَ بِالْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ. وَعَنْ مِسْعَرٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَرْدَانَ بِهِ ، عَنْ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ لَهُ وَقَدْ تَزَوَّجَ فِي رَمَضَانَ : لَوْ دَنَوْت , لَوْ قَبَّلْت وَمِنْ التَّابِعِينَ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ : لاَ بَأْسَ بِالْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ , إنَّمَا هِيَ كَالْكِسْرَةِ يَشْتَمُّهَا. وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ : يُقَبِّلُ الصَّائِمُ , وَيُبَاشِرُ. وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ فِي رَمَضَانَ نَهَارًا وَيُفْتِي بِذَلِكَ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : إبَاحَةُ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ : لاَ بَأْسَ بِالْقُبْلَةِ , وَالْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ. وَعَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنْ تَقْبِيلِ الصَّائِمِ امْرَأَتَهُ فَقَالَ : مَا أُبَالِي أَقَبَّلْتهَا , أَوْ قَبَّلْت يَدِي فَهَؤُلاَءِ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، عَائِشَةُ , وَأُمُّ سَلَمَةَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ , وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ , وَعَلِيٌّ , وَعَاتِكَةُ بِنْتُ زَيْدٍ , وَابْنُ عَبَّاسٍ , وَأَبُو هُرَيْرَةَ , وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ , وَابْنُ مَسْعُودٍ , وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , وَحُذَيْفَةُ , وَمَا نَعْلَمُ مِنْهُمْ أَحَدًا رُوِيَ عَنْهُ كَرَاهَتُهَا إلاَّ وَقَدْ جَاءَ عَنْهُ إبَاحَتُهَا بِأَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ الْكَرَاهَةِ ; إلاَّ ابْنَ عُمَرَ وَحْدَهُ , وَرُوِيَتْ الإِبَاحَةُ جُمْلَةً ، عَنْ سَعْدٍ , وَأَبِي سَعِيدٍ , وَعَائِشَةَ , وَأُمِّ سَلَمَةَ , وَعَاتِكَةَ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَلَقَدْ كَانَ يَجِبُ لِمَنْ غَلَّبَ الْقِيَاسَ عَلَى الأَثَرِ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي الصِّيَامِ بِمَنْزِلَتِهَا فِي الْحَجِّ ; وَيَجْعَلَ فِيهَا صَدَقَةً كَمَا جَعَلَ فِيهَا هُنَالِكَ ; وَلَكِنْ هَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ الْقِيَاسَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَإِذْ قَدْ صَحَّ أَنَّ الْقُبْلَةَ وَالْمُبَاشَرَةَ : مُسْتَحَبَّتَانِ فِي الصَّوْمِ وَأَنَّهُ لَمْ يُنْهَ الصَّائِمُ فِي امْرَأَتِهِ ، عَنْ شَيْءٍ إلاَّ الْجِمَاعَ : فَسَوَاءٌ تَعَمَّدَ الإِمْنَاءَ فِي الْمُبَاشَرَةِ أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ كُلُّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لاَ كَرَاهَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ; إذْ لَمْ يَأْتِ بِكَرَاهِيَتِهِ نَصٌّ ، وَلاَ وَإِجْمَاعٌ , فَكَيْف إبْطَالُ الصَّوْمِ بِهِ , فَكَيْف أَنْ تُشْرَعَ فِيهِ كَفَّارَةٌ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعَ ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ خِلاَفٌ لِلسُّنَّةِ فَسَادَ قَوْلِ مَنْ رَأَى الصَّوْمَ يُنْتَقَضُ بِذَلِكَ ; لأَنَّهُمْ , يَقُولُونَ : خُرُوجُ الْمَنِيِّ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةٍ لاَ يَنْقُضُ الصَّوْمَ ; ، وَأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مَعَهَا مَذْيٌ , وَلاَ مَنِيٌّ , لاَ تَنْقُضُ الصَّوْمَ ; ، وَأَنَّ الإِنْعَاظَ دُونَ مُبَاشَرَةٍ لاَ يَنْقُضُ الصَّوْمَ , فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ عَلَى انْفِرَادِهِ لاَ يَكْدَحُ فِي الصَّوْمِ أَصْلاً ; فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ إذَا اجْتَمَعَتْ أَنْ تَنْقُضَ الصَّوْمَ هَذَا بَاطِلٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ , إلاَّ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ نَصٌّ , وَلاَ سَبِيلَ إلَى وُجُودِهِ أَبَدًا , لاَ مِنْ رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ ، وَلاَ سَقِيمَةٍ ,
وَأَمَّا تَوْلِيدُ الْكَذِبِ وَالدَّعَاوَى بِالْمُكَابَرَةِ , فَمَا يَعْجِزُ عَنْهَا مَنْ لاَ دِينَ لَهُ. وَمَا رُئِيَ قَطُّ حَلاَلٌ وَحَلاَلٌ يَجْتَمِعَانِ فَيَحْرُمَانِ إلاَّ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ نَصٌّ , وَبِهَذَا الدَّلِيلِ نَفْسِهِ خَالَفَ الْحَنَفِيُّونَ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ فِي تَحْرِيمِ نَبِيذِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ يُجْمَعَانِ , ثُمَّ حَكَمُوا بِهِ هَاهُنَا حَيْثُ لاَ يَحِلُّ الْحُكْمُ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهُمْ يَقُولُونَ : إنَّ الْجِمَاعَ دُونَ الْفَرْجِ حَتَّى يُمْنِيَ لاَ يُوجِبُ حَدًّا ، وَلاَ يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ , وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِمَاعِ فِي إبْطَالِ الصَّوْمِ بِهِ , مَعَ أَنَّ نَقْضَ الصَّوْمِ بِتَعَمُّدِ الإِمْنَاءِ خَاصَّةً لاَ نَعْلَمُهُ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ , ثُمَّ اتَّبَعَهُ مَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ
وَأَمَّا الْقَيْءُ الَّذِي لاَ يُتَعَمَّدُ فَقَدْ جَاءَ الأَثَرُ بِذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ , وَلاَ نَعْلَمُ فِي الْقَلْسِ , وَالدَّمِ : الْخَارِجَيْنِ مِنْ الأَسْنَانِ لاَ يَرْجِعَانِ إلَى الْحَلْقِ , خِلاَفًا فِي أَنَّ الصَّوْمَ لاَ يَبْطُلُ بِهِمَا , وَحَتَّى لَوْ جَاءَ فِي ذَلِكَ خِلاَفٌ لَمَا اُلْتُفِتَ إلَيْهِ ; إذْ لَمْ يُوجِبْ بُطْلاَنَ الصَّوْمِ بِذَلِكَ نَصٌّ
وَأَمَّا الْحُقْنَةُ , وَالتَّقْطِيرُ فِي الإِحْلِيلِ , وَالتَّقْطِيرُ فِي الآُذُنِ , وَالسَّعُوطُ , وَالْكُحْلُ , وَمُدَاوَاةُ الْجَائِفَةِ , وَالْمَأْمُومَةُ : فَإِنَّهُمْ قَالُوا : إنَّ مَا وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ وَإِلَى بَاطِنِ الرَّأْسِ لاَِنَّهُ جَوْفٌ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ الصَّوْمَ , قِيَاسًا عَلَى الأَكْلِ ثُمَّ تَنَاقَضُوا , فَلَمْ يَرَ الْحَنَفِيُّونَ , وَالشَّافِعِيُّونَ فِي الْكُحْلِ قَضَاءً , وَإِنْ وَصَلَ إلَى حَلْقِهِ , وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ بِالْفَتَائِلِ تُسْتَدْخَلُ لِدَوَاءٍ بَأْسًا لِلصَّائِمِ , وَلَمْ يَرَ الْكُحْلَ يُفْطِرُ , إلاَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَقَاقِيرُ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ : لاَ تُفْطِرُ الْحُقْنَةُ إنْ كَانَتْ لِدَوَاءٍ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ لاَ بَأْسَ بِالسَّعُوطِ لِلصَّائِمِ
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ. أَنَّ أَبَاهُ , وَمَنْصُورَ بْنَ الْمُعْتَمِرِ , وَابْنَ أَبِي لَيْلَى , وَابْنَ شُبْرُمَةَ كَانُوا يَقُولُونَ : إنْ اكْتَحَلَ الصَّائِمُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ يَوْمًا مَكَانَهُ.
قال أبو محمد رحمه الله : إنَّمَا نَهَانَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الصَّوْمِ ، عَنِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ , وَتَعَمُّدِ الْقَيْءِ , وَالْمَعَاصِي , وَمَا عَلِمْنَا أَكْلاً , وَلاَ شُرْبًا , يَكُونُ عَلَى دُبُرٍ , أَوْ إحْلِيلٍ , أَوْ أُذُنٍ , أَوْ عَيْنٍ , أَوْ أَنْفٍ , أَوْ مِنْ جُرْحٍ فِي الْبَطْنِ , أَوْ الرَّأْسِ وَمَا نُهِينَا قَطُّ ، عَنْ أَنَّ نُوَصِّلُ إلَى الْجَوْفِ بِغَيْرِ الأَكْلِ , وَالشُّرْبِ مَا لَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْنَا إيصَالُهُ وَالْعَجَبُ أَنَّ مَنْ رَأَى مِنْهُمْ الْفِطْرَ بِكُلِّ ذَلِكَ لاَ يَرَى عَلَى مَنْ احْتَقَنَ بِالْخَمْرِ , أَوْ صَبَّهَا فِي أُذُنِهِ حَدًّا فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ شُرْبًا , وَلاَ أَكْلاً ثُمَّ تَنَاقُضُهُمْ فِي الْكُحْلِ عَجَبٌ جِدًّا وَهُوَ أَشَدُّ وُصُولاً إلَى الْحَلْقِ , وَمَجْرَى الطَّعَامِ مِنْ الْقُطُورِ فِي الآُذُنِ
وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ كَغُبَارِ الطَّرِيقِ , وَالطَّحِينِ فَقِيلَ لَهُ : لَيْسَ مِثْلَهُ ; لإِنَّ غُبَارَ الطَّرِيقِ , وَالطَّحِينِ : لَمْ يَتَعَمَّدْ إيصَالَهُ إلَى الْحَلْقِ , وَالْكُحْلُ تَعَمَّدَ إيصَالَهُ
وَأَيْضًا : فَإِنَّ قِيَاسَ السَّعُوطِ عَلَى غُبَارِ الطَّرِيقِ , وَالطَّحِينِ أَوْلَى ; لإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَسْلَكُهُ الأَنْفُ ; وَلَكِنَّهُمْ لاَ يُحْسِنُونَ قِيَاسًا ، وَلاَ يَلْتَزِمُونَ نَصًّا , وَلاَ يَطْرُدُونَ أَصْلاً
وَأَمَّا الْمَضْمَضَةُ , وَالاِسْتِنْشَاقُ فَيَغْلِبُهُ الْمَاءُ فَيَدْخُلُ حَلْقَهُ ، عَنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ. فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ : إنْ كَانَ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ فَقَدْ أَفْطَرَ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ , وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ
وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ.
وقال مالك : عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي كُلِّ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى : لاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ , ذَاكِرًا كَانَ أَوَغَيْرَ ذَاكِرٍ.
وَرُوِّينَا ، عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ وَهُوَ الشَّعْبِيُّ , وَحَمَّادٌ وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ : إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي وُضُوءٍ لِصَلاَةٍ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ , وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ وُضُوءٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ.
قال أبو محمد رحمه الله : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ? وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : رُفِعَ ، عَنْ أُمَّتِي : الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ.
وَرُوِّينَا قَوْلَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ.
وَاحْتَجَّ مَنْ أَفْطَرَ بِذَلِكَ بِالأَثَرِ الثَّابِتِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : وَإِذَا اسْتَنْشَقْتَ فَبَالِغْ , إلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِمًا.
قال أبو محمد رحمه الله : وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ يُفْطِرُ الصَّائِمُ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الاِسْتِنْشَاقِ ; وَإِنَّمَا فِيهِ إيجَابُ الْمُبَالَغَةِ فِي الاِسْتِنْشَاقِ لِغَيْرِ الصَّائِمِ , وَسُقُوطُ وُجُوبِ ذَلِكَ ، عَنِ الصَّائِمِ فَقَطْ ; لاَ نَهْيُهُ ، عَنِ الْمُبَالَغَةِ ; فَالصَّائِمُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُبَالِغَ فِي الاِسْتِنْشَاقِ وَبَيْنَ أَنْ لاَ يُبَالِغَ فِيهِ ,
وَأَمَّا غَيْرُ الصَّائِمِ فَالْمُبَالَغَةُ فِي الاِسْتِنْشَاقِ فَرْضٌ عَلَيْهِ , وَإِلاَّ كَانَ مُخَالِفًا لاَِمْرِهِ عليه السلام : بِالْمُبَالَغَةِ ; وَلَوْ أَنَّ امْرَأً يَقُولُ : إنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي الاِسْتِنْشَاقِ تُفْطِرُ الصَّائِمَ لَكَانَ أَدْخَلَ فِي التَّمْوِيهِ مِنْهُمْ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى الْحَلْقِ أَثَرٌ ، وَلاَ عِثْيَرٌ ، وَلاَ إشَارَةٌ ، وَلاَ دَلِيلٌ ; وَلَكِنَّهُمْ لاَ يَزَالُونَ يَتَكَهَّنُونَ فِي السُّنَنِ مَا يُوَافِقُ آرَاءَهُمْ بِالدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
وَأَمَّا الذُّبَابُ يَدْخُلُ فِي الْحَلْقِ غَلَبَةً , وَمَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ فَتَثَاءَبَ فَوَقَعَ فِي حَلْقِهِ نُقْطَةٌ مِنْ الْمَطَرِ : فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ : يُفْطِرُ ;
وقال أبو حنيفة : لاَ يُفْطِرُ بِالذُّبَابِ. وَقَدْ
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الذُّبَابِ يَدْخُلُ حَلْقَ الصَّائِمِ قَالَ : لاَ يُفْطِرُ وَعَنْ وَكِيعٍ ، عَنِ الرَّبِيعِ ، عَنِ الْحَسَنِ فِي الذُّبَابِ يَدْخُلُ حَلْقَ الصَّائِمِ قَالَ : لاَ يُفْطِرُ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ مِثْلُهُ : وَمَا نَعْلَمُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، إلاَّ تِلْكَ الرِّوَايَةَ الضَّعِيفَةَ عَنْهُ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ : الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ ; وَالْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ وَلَيْسَ مِمَّا دَخَلَ وَكُلُّهُمْ قَدْ خَالَفَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ ; لأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْفِطْرَ بِتَعَمُّدِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ , وَهُوَ خَارِجٌ لاَ دَاخِلٌ , وَيُبْطِلُونَ الْوُضُوءَ بِالإِيلاَجِ , وَهُوَ دَاخِلٌ لاَ خَارِجٌ
قال أبو محمد رحمه الله : قَدْ
قلنا : إنَّ مَا لَيْسَ أَكْلاً , وَلاَ شُرْبًا , وَلاَ جِمَاعًا , وَلاَ مَعْصِيَةً , فَلاَ يُفْطِرُ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ , وَلاَ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم
وَأَمَّا السِّوَاكُ بِالرَّطْبِ , وَالْيَابِسِ , وَمَضْغُ الطَّعَامِ أَوْ ذَوْقُهُ مَا لَمْ يَصِلْ مِنْهُ إلَى الْحَلْقِ أَيُّ شَيْءٍ بِتَعَمُّدٍ : فَكُلُّهُمْ لاَ يَرَوْنَ الصِّيَامَ بِذَلِكَ مُنْتَقَضًا , وَإِنْ كَانَ الشَّافِعِيُّ كَرِهَ السِّوَاكَ فِي آخِرِ النَّهَارِ , وَلَمْ يُبْطِلْ بِذَلِكَ الصَّوْمَ. وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ مَضْغَ الطَّعَامِ وَذَوْقَهُ , وَهَذَا لاَ شَيْءَ ; لإِنَّ كَرَاهَةَ مَا لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ بِكَرَاهَتِهِ خَطَأٌ , وَهُمْ لاَ يَكْرَهُونَ الْمَضْمَضَةَ , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَضْغِ الطَّعَامِ ; بَلْ الْمَاءُ أَخْفَى وُلُوجًا وَأَشَدُّ امْتِزَاجًا بِالرِّيقِ مِنْ الطَّعَامِ ; وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْقِيَاسَ
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ : إنَّ خُلُوفَ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ.
قال أبو محمد رحمه الله : الْخُلُوفُ خَارِجٌ مِنْ الْحَلْقِ , وَلَيْسَ فِي الأَسْنَانِ , وَالْمَضْمَضَةُ تَعْمَلُ فِي ذَلِكَ عَمَلَ السِّوَاكِ , وَهُوَ لاَ يَكْرَهُهَا , وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا هُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ , وَوَكِيعٍ , وَغَيْرِهِمَا. وَقَدْ حَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السِّوَاكِ لِكُلِّ صَلاَةٍ , وَلَمْ يَخُصَّ صَائِمًا مِنْ غَيْرِهِ فَالسِّوَاكُ سُنَّةٌ لِلْعَصْرِ , وَالْمَغْرِبِ , وَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَقَدْ كَرِهَ أَبُو مَيْسَرَةَ الرَّطْبَ مِنْ السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ , وَلَمْ يَكْرَهْهُ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ , وَحَمَّادٍ , وَإِبْرَاهِيمَ أَنَّهُمْ كَانُوا لاَ يَكْرَهُونَ لِلصَّائِمِ أَنْ يَمْضُغَ الطَّعَامَ لِلصَّبِيِّ , وَكَانَ الْحَسَنُ يَفْعَلُهُ
وَأَمَّا مَضْغُ الْعِلْكِ , وَالزِّفْتِ , وَالْمَصْطَكَى : فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقٍ لاَ يَصِحُّ ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ : أَنَّهَا كَرِهَتْ الْعِلْكَ لِلصَّائِمِ
وَرُوِّينَا ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا وَقَدْ
قلنا : إنَّ مَا لَمْ يَكُنْ أَكْلاً , وَلاَ شُرْبًا , وَلاَ جِمَاعًا , وَلاَ مَعْصِيَةً : فَهُوَ مُبَاحٌ فِي الصَّوْمِ ; وَلَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ بِنَهْيِ الصَّائِمِ ، عَنْ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا , وَلَيْسَ أَكْلاً , وَلاَ شُرْبًا , وَلاَ يَنْقُصُ مِنْهُ شَيْءٌ بِطُولِ الْمَضْغِ لَوْ وُزِنَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
وَأَمَّا غُبَارُ مَا يُغَرْبَلُ فَقَدْ ذَكَرْنَا ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لاَ يُفْطِرُ , وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَضَّاحٍ ، عَنْ سَحْنُونَ وَهُوَ لاَ يُسَمَّى أَكْلاً , وَلاَ شُرْبًا , فَلاَ يُفْطِرُ الصَّائِمَ
وَأَمَّا طَعَامٌ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الأَسْنَانِ فِي أَيِّ وَقْتٍ مِنْ النَّهَارِ خَرَجَ فَرَمَى بِهِ : فَهَذَا لَمْ يَأْكُلْ , وَلاَ شَرِبَ ; فَلاَ حَرَج , وَلاَ يُبْطِلُ الصَّوْمَ : وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ ;
وَهُوَ قَوْلُهُمْ كُلُّهُمْ.
وَأَمَّا مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ التَّمَادِي ضُحًى كَذَلِكَ حَتَّى يَتْرُكَ الصَّلاَةَ عَامِدًا ذَاكِرًا لَهَا : فَإِنَّ السَّلَفَ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَبْطُلُ صَوْمُهُ بِتَرْكِ الْغُسْلِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ ; وَالشَّافِعِيُّونَ : صَوْمُهُ تَامٌّ وَإِنْ تَعَمَّدَ أَنْ لاَ يَغْتَسِلَ مِنْ الْجَنَابَةِ شَهْرَ رَمَضَانَ كُلَّهُ
قال أبو محمد رحمه الله : أَمَّا هَذَا الْقَوْلُ فَظَاهِرُ الْفَسَادِ , لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ تَعَمُّدَ الْمَعْصِيَةِ يُبْطِلُ الصَّوْمَ , وَلاَ مَعْصِيَةَ أَعْظَمُ مِنْ تَعَمُّدِ تَرْكِ الصَّلاَةِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ إلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ :
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ : " أَنَّهُ احْتَلَمَ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ ثُمَّ نَامَ فَلَمْ يَنْتَبِهْ حَتَّى أَصْبَحَ , قَالَ : فَلَقِيت أَبَا هُرَيْرَةَ فَاسْتَفْتَيْتُهُ فَقَالَ : أَفْطِرْ , فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُ بِالْفِطْرِ إذَا أَصْبَحَ الرَّجُلُ جُنُبًا قَالَ : فَجِئْت إلَى أَبِي فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا أَفْتَانِي بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ , فَقَالَ : أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَئِنْ أَفْطَرْتَ لاَُوجِعَنَّ مَتْنَكَ , صُمْ , فَإِنْ بَدَا لَكَ أَنْ تَصُومَ يَوْمًا آخَرَ فَافْعَلْ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو الْقَارِئَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : لاَ وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ , مَا أَنَا قُلْتُ : مَنْ أَدْرَكَهُ الصُّبْحُ وَهُوَ جُنُبٌ فَلاَ يَصُمْ , مُحَمَّدٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَهُ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَقَدْ عَابَ مَنْ لاَ دِينَ لَهُ ، وَلاَ عِلْمَ لَهُ هَذَا الْخَبَرَ بِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ رَوَى ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّهُ قَالَ لَهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ : إنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حَدَّثَهُ بِهِ , وَإِنَّ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ بِهِ قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذِهِ قُوَّةٌ زَائِدَةٌ لِلْخَبَرِ , أَنْ يَكُونَ أُسَامَةُ وَالْفَضْلُ رَوَيَاهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَا نَدْرِي إلَى مَا أَشَارَ بِهِ هَذَا الْجَاهِلُ وَمَا يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الاِعْتِرَاضِ إلاَّ نِسْبَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ لِلْكَذِبِ , وَالْمُعْتَرِضُ بِذَلِكَ أَحَقُّ بِالْكَذِبِ مِنْهُ
وَكَذَلِكَ عَارَضَ قَوْمٌ لاَ يُحَصِّلُونَ مَا يَقُولُونَ هَذَا الْخَبَرَ بِأَنَّ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ رَوَتَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلاَمٍ ثُمَّ يَصُومُ ذَلِكَ النَّهَارَ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَلَيْسَ يُعَارِضُ هَذَا الْخَبَرَ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ لإِنَّ رِوَايَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ هِيَ الزَّائِدَةُ. وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَرُدُّ رِوَايَتَهُمَا رضي الله عنهما فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ بِرَأْيِهِ : ثُمَّ يَجْعَلُ رِوَايَتَهُمَا هَاهُنَا حُجَّةً عَلَى السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ لاَ سِيَّمَا مَعَ صِحَّةِ الرِّوَايَةِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، أَنَّهَا قَالَتْ : مَا أَدْرَكَ الْفَجْرُ قَطُّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلاَّ وَهُوَ نَائِمٌ فَهَلاَّ حَمَلُوا هَذَا عَلَى غَلَبَةِ النَّوْمِ , لاَ عَلَى تَعَمُّدِ تَرْكِ الْغُسْلِ
وَاحْتَجَّ أَيْضًا قَوْمٌ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ : رَجَعَ أَبُو هُرَيْرَةَ ، عَنْ فُتْيَاهُ فِي الرَّجُلِ يُصْبِحُ جُنُبًا.
قَالَ عَلِيٌّ : وَلاَ حُجَّةَ فِي رُجُوعِهِ , لاَِنَّهُ رَأْي مِنْهُ ; إنَّمَا الْحُجَّةُ فِي رِوَايَتِهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ اُفْتُرِضَ عَلَيْنَا اتِّبَاعُ رِوَايَتِهِمْ , وَلَمْ نُؤْمَرْ بِاتِّبَاعِ الرَّأْيِ مِمَّنْ رَآهُ مِنْهُمْ. وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِهَذَا مِنْ الْمَالِكِيِّينَ وَهُمْ قَدْ ثَبَتُوا عَلَى مَا رُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه مِنْ تَحْرِيمِ الْمُتَزَوِّجَةِ فِي الْعِدَّةِ عَلَى الَّذِي دَخَلَ بِهَا فِي الأَبَدِ. وَقَدْ صَحَّ رُجُوعُ عُمَرَ ، عَنْ ذَلِكَ إلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ ابْتِدَاءُ زَوَاجِهَا وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا مِنْ السَّلَفِ
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ لَمَّا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ أَبُو هُرَيْرَةَ , وَعَائِشَةُ فِي هَذَا قَالَ عَطَاءٌ : يُبَدِّلُ يَوْمًا وَيُتِمُّ يَوْمَهُ ذَلِكَ.
وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّهُ قَالَ : مَنْ أَدْرَكَهُ الصُّبْحُ جُنُبًا وَهُوَ مُتَعَمِّدٌ أَبْدَلَ الصِّيَامَ ; وَمَنْ أَتَاهُ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ فَلاَ يُبَدِّلُهُ فَهَذَا عُرْوَةُ ابْنُ أُخْتِ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، قَدْ تَرَكَ قَوْلَهَا لِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ قَالَ : سَأَلْت إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ ، عَنِ الرَّجُلِ يُصْبِحُ جُنُبًا فَقَالَ : أَمَّا رَمَضَانُ فَيُتِمُّ صَوْمَهُ وَيَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ ;
وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَلاَ
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ ، حدثنا ابْنُ إِسْحَاقَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ : سَأَلْت سَالِمًا ، عَنْ رَجُلٍ أَصْبَحَ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ قَالَ : يُتِمُّ يَوْمَهُ وَيَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَاسْتَيْقَظَ وَلَمْ يَغْتَسِلْ حَتَّى يُصْبِحَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ ذَلِكَ وَيَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ ; فَإِنْ لَمْ يَسْتَيْقِظْ فَلاَ بَدَلَ عَلَيْهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنِ الرَّبِيعِ ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِيمَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ : يَقْضِيهِ فِي الْفَرْضِ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ عَائِذِ بْنِ حَبِيبٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فِي الَّذِي يُصْبِحُ جُنُبًا فِي رَمَضَانَ قَالَ : عَلَيْهِ الْقَضَاءُ.
قال أبو محمد رحمه الله : لَوْ لَمْ يَكُنْ إلاَّ مَا ذَكَرْنَا لَكَانَ الْوَاجِبُ الْقَوْلَ بِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ , لَكِنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ صِحَّةُ نَسْخِهِ وَ بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ? أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ. حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَسْعُودٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ ، حدثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، حدثنا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانَ أَحَدُهُمْ إذَا نَامَ لَمْ تَحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ , وَلَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ شَيْئًا إلَى الْقَابِلَةَ , وَرَخَّصَ اللَّهُ لَكُمْ.
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي هِلاَلُ بْنُ الْعَلاَءِ بْنِ هِلاَلٍ الرَّقِّيُّ ، حدثنا حُسَيْنُ بْنُ عَيَّاشٍ ثِقَةٌ مِنْ أَهْلِ بَاجَدَّا : حدثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ : أَنَّ أَحَدَهُمْ كَانَ إذَا نَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَعَشَّى لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ شَيْئًا ، وَلاَ يَشْرَبَ لَيْلَتَهُ وَيَوْمَهُ مِنْ الْغَدِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ , حَتَّى نَزَلَتْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ.
قال أبو محمد رحمه الله :
فَصَحَّ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَاسِخَةٌ لِكُلِّ حَالٍ تَقَدَّمَتْ الصَّوْمَ , وَخَبَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُوَافِقٌ لِبَعْضِ الأَحْوَالِ الْمَنْسُوخَةِ , وَإِذْ صَحَّ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَاسِخَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ فَحُكْمُهَا بَاقٍ لاَ يَجُوزُ نَسْخُهُ وَفِيهَا إبَاحَةُ الْوَطْءِ إلَى تَبَيُّنِ الْفَجْرِ ; فَإِذْ هُوَ مُبَاحٌ بِيَقِينٍ , فَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ الْغُسْلَ لاَ يَكُونُ إلاَّ بَعْدَ الْفَجْرِ , وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ الْفَجْرَ يُدْرِكُهُ وَهُوَ جُنُبٌ , فَبِهَذَا وَجَبَ تَرْكُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ , لاَ بِمَا سِوَاهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
وَأَمَّا مَنْ نَسِيَ أَنَّهُ صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ , أَوْ فِي صَوْمِ فَرْضٍ , أَوْ تَطَوُّعٍ : فَأَكَلَ , وَشَرِبَ , وَوَطِئَ , وَعَصَى ; وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَيْلٌ فَفَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا بِهِ قَدْ أَصْبَحَ ; أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ غَابَتْ الشَّمْسُ فَفَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا بِهَا لَمْ تَغْرُبْ : فَإِنَّ صَوْمَ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا تَامٌّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ? وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : رُفِعَ ، عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ. حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ الْعُذْرِيُّ قَالَ ، حدثنا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ قَالَ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الشِّيرَازِيُّ أَخَبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحَسَنِ الرَّيَّانِ الْمَخْزُومِيِّ وَرَّاقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ قُتَيْبَةَ ، حدثنا الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنِ الْمَرَادِيِّ ، حدثنا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي ، عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا عَبْدَانُ أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، حدثنا هِشَامٌ ، هُوَ ابْنُ حَسَّانَ ، حدثنا ابْنُ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : إذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَأَكَلَ , أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ ; فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ.
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، حدثنا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ وَحَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ كِلاَهُمَا ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إنِّي أَكَلْتُ وَشَرِبْتُ نَاسِيًا وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ : اللَّهُ أَطْعَمَكَ وَسَقَاكَ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ , وَخِلاَسٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم .
قال أبو محمد رحمه الله : فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَائِمًا , وَأَمَرَهُ بِإِتْمَامِ صَوْمِهِ ذَلِكَ فَصَحَّ أَنَّهُ صَحِيحُ الصَّوْمِ .
وَبِهِ يَقُولُ جُمْهُورُ السَّلَفِ
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ : اسْتَسْقَى ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ صَائِمٌ , فَقُلْت : أَلَسْتَ صَائِمًا فَقَالَ : أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَسْقِيَنِي فَمَنَعْتَنِي.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ : مَنْ شَرِبَ نَاسِيًا أَوْ أَكَلَ نَاسِيًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ بَأْسٌ , إنَّ اللَّهَ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِثْلُ هَذَا. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا ، عَنْ عَطَاءٍ , وَقَتَادَةَ , وَمُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ , وَسَوَّيَا فِي ذَلِكَ بَيْن الْمُجَامِعِ , وَالآكِلِ , وَعَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ مِثْلُهُ , وَعَنْ أَبِي الأَحْوَصِ , وَعَلْقَمَةَ , وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ , وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ,
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَسُفْيَانَ , وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ , وَغَيْرِهِمْ ; إلاَّ أَنَّ بَعْضَ مَنْ ذَكَرْنَا رَأَى الْجِمَاعَ بِخِلاَفِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ , وَرَأَى فِيهِ الْقَضَاءَ.
وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ , وَسُفْيَانَ :
قال أبو محمد رحمه الله :
وقال مالك : الْقَضَاءُ وَاجِبٌ عَلَى النَّاسِي
قَالَ عَلِيٌّ : وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلاً , إلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا : الأَكْلُ , وَالْجِمَاعُ , وَالشُّرْبُ يُنَافِي الصَّوْمَ فَقِيلَ لَهُمْ : وَعَلَى هَذَا فَالأَكْلُ وَالشُّرْبُ يُنَافِي الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ : إنَّ ذَلِكَ لاَ يُبْطِلُ الصَّلاَةَ إذَا كَانَ بِنِسْيَانٍ فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ فَكَيْفَ وَقَوْلُهُمْ هَذَا خَطَأٌ وَإِنَّمَا الصَّوَابُ أَنَّ تَعَمُّدَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ وَالْقَيْءِ يُنَافِي الصَّوْمَ لاَ الأَكْلُ كَيْفَ كَانَ , وَلاَ الشُّرْبُ كَيْفَ كَانَ , وَلاَ الْجِمَاعُ كَيْفَ كَانَ , وَلاَ الْقَيْءُ كَيْفَ كَانَ , فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ , وَاَلَّذِي جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ.
وَأَمَّا دَعْوَاهُمْ فَبَاطِلٌ , عَارِيَّةٌ مِنْ الدَّلِيلِ جُمْلَةً , لاَ مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ , وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ , وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ , وَلاَ مِنْ قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , بَلْ هَذَا مِمَّا نَقَضُوا فِيهِ وَتَنَاقَضُوا فِيهِ , لأَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلاَفَ قَوْلِ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَهُمْ. وَخَالَفُوا هَاهُنَا طَائِفَةً مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ , وَقَالُوا : الْكَلاَمُ , أَوْ الأَكْلُ , أَوْ الشُّرْبُ فِي الصَّلاَةِ بِنِسْيَانٍ لاَ يُبْطِلُهَا , وَأَبْطَلُوا الصَّوْمَ بِكُلِّ ذَلِكَ بِالنِّسْيَانِ وَهَذَا تَنَاقُضٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَتَنَاقَضَ أَيْضًا , لاَِنَّهُ رَأَى أَنَّ الْكَلاَمَ , أَوْ الأَكْلَ نَاسِيًا , أَوْ الشُّرْبَ نَاسِيًا تَبْطُلُ الصَّلاَةُ بِكُلِّ ذَلِكَ وَيَبْتَدِئُهَا , وَخَالَفَ السُّنَّةَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ , وَرَأَى الْجِمَاعَ يُبْطِلُ الْحَجَّ نَاسِيًا كَانَ أَوْ عَامِدًا وَرَأَى أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لاَ يُبْطِلُ الصَّوْمَ , وَاتَّبَعَ الْخَبَرَ فِي ذَلِكَ , وَرَأَى الْجِمَاعَ نَاسِيًا لاَ يُبْطِلُ الصَّوْمَ , قِيَاسًا عَلَى الأَكْلِ , وَلَمْ يَقِسْ الآكِلَ نَائِمًا عَلَى الآكِلِ نَاسِيًا ; بَلْ رَأَى الأَكْلَ نَائِمًا يُبْطِلُ الصَّوْمَ , وَهُوَ نَاسٍ بِلاَ شَكٍّ , وَهَذَا تَخْلِيطٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ وَادَّعَى مُقَلِّدُوهُ الإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْجِمَاعَ وَالأَكْلَ نَاسِيًا سَوَاءٌ ; وَكَذَبُوا فِي ذَلِكَ ; لاَِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ : قُلْت لِعَطَاءٍ : رَجُلٌ أَصَابَ امْرَأَتَهُ نَاسِيًا فِي رَمَضَانَ فَقَالَ عَطَاءٌ : لاَ يَنْسَى هَذَا كُلَّهُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ ; لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ عُذْرًا , وَإِنْ طَعِمَ نَاسِيًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ ، وَلاَ يَقْضِيهِ , اللَّهُ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ.
وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ. وَرَأَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَلَى مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا الْقَضَاءَ وَعَلَى مَنْ جَامَعَ نَاسِيًا الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ وَتَفَارِيقُ لاَ تَصِحُّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَمَنْ أَكَلَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَيْلٌ أَوْ جَامَعَ كَذَلِكَ أَوْ شَرِبَ كَذَلِكَ فَإِذَا بِهِ نَهَارٌ إمَّا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ
وَأَمَّا بِأَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ : كِلاَهُمَا لَمْ يَتَعَمَّدْ إبْطَالَ صَوْمِهِ , وَكِلاَهُمَا ظَنَّ أَنَّهُ فِي غَيْرِ صِيَامٍ , وَالنَّاسِي ظَنَّ أَنَّهُ فِي غَيْرِ صِيَامٍ ، وَلاَ فَرْقَ , فَهُمَا وَالنَّاسِي سَوَاءٌ ، وَلاَ فَرْقَ. وَلَيْسَ هَذَا قِيَاسًا وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَكُونُ قِيَاسًا لَوْ جَعَلْنَا النَّاسِيَ أَصْلاً ثُمَّ شَبَّهْنَا بِهِ مَنْ أَكَلَ وَشَرِبَ وَجَامَعَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ فِي لَيْلٍ فَإِذَا بِهِ فِي نَهَارٍ , وَلَمْ نَفْعَلْ هَذَا بَلْ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ? لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَفِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لاُِمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ. وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ : حدثنا مَعْمَرٌ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ : أَفْطَرَ النَّاسُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَرَأَيْت عِسَاسًا أُخْرِجَتْ مِنْ بَيْتِ حَفْصَةَ فَشَرِبُوا , ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ مِنْ سَحَابٍ , فَكَأَنَّ ذَلِكَ شَقَّ عَلَى النَّاسِ , فَقَالُوا : نَقْضِي هَذَا الْيَوْمَ فَقَالَ عُمَرُ : لِمَ وَاَللَّهِ مَا تَجَانَفْنَا لاِِثْمٍ
وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الأَعْمَشِ ، عَنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَخِيهِ ، عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَضَاءً وَقَدْ رُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ أَيْضًا الْقَضَاءُ , وَهَذَا تَخَالُفٌ مِنْ قَوْلِهِ , فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرُّجُوعَ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ , مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ , فَوَجَدْنَا مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ , مَعَ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ ، عَنْ عُمَرَ أَوْلَى لإِنَّ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ لَهُ صُحْبَةٌ , وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْهُ الْقَضَاءُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ حَنْظَلَةَ ، عَنْ أَبِيهِ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ قَالَ : سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ عَمَّنْ تَسَحَّرَ نَهَارًا وَهُوَ يَرَى أَنَّ عَلَيْهِ لَيْلاً فَقَالَ : يُتِمُّ صَوْمَهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : مَنْ أَكَلَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَمْ يَطْلُعْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ ، عَنْ عَمْرٍو ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِيمَنْ تَسَحَّرَ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ لَيْلٌ , قَالَ : يُتِمُّ صَوْمَهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ : حدثنا أَبُو دَاوُد هُوَ الطَّيَالِسِيُّ ، عَنْ حَبِيبٍ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ فِيمَنْ أَكَلَ يَرَى أَنَّهُ لَيْلٌ فَإِذَا بِهِ نَهَارٌ , قَالَ : يُتِمُّ صَوْمَهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ , وَمَعْمَرٍ , قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : عَنْ عَطَاءٍ , وَقَالَ مَعْمَرٌ : عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ , ثُمَّ اتَّفَقَ عُرْوَةُ وَعَطَاءٌ فِيمَنْ أَكَلَ فِي الصُّبْحِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ لَيْلٌ : لَمْ يَقْضِهِ ; فَهَؤُلاَءِ : عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابُ , وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ , وَمُجَاهِدٌ ; وَالْحَسَنُ , وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ أَبُو الشَّعْثَاءِ , وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ , وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ.
وَرُوِّينَا ، عَنْ مُعَاوِيَةَ , وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , وَابْنِ سِيرِينَ , وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ , وَعَطَاءٍ , وَزِيَادِ بْنِ النَّضْرِ , وَإِنَّمَا قَالَ هَؤُلاَءِ : بِالْقَضَاءِ فِي الَّذِي يُفْطِرُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ لَيْلٌ ثُمَّ تَطْلُعُ الشَّمْسُ
وَأَمَّا فِي الْفَجْرِ فَلاَ , مِثْلَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلاً.
فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ : أَفْطَرَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ. قَالَ أَبُو أُسَامَةَ : قُلْت لِهِشَامٍ : فَأُمِرُوا بِالْقَضَاءِ فَقَالَ : وَمِنْ ذَلِكَ بُدٌّ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ إلاَّ مِنْ كَلاَمِ هِشَامٍ , وَلَيْسَ مِنْ الْحَدِيثِ , فَلاَ حُجَّةَ فِيهِ. وَقَدْ قَالَ مَعْمَرٌ : سَمِعْت هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ يَقُولُ : لاَ أَدْرِي أَقَضَوْا أَمْ لاَ فَصَحَّ مَا قلنا.
وَأَمَّا مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْفِطْرِ , أَوْ وُطِئَتْ امْرَأَةٌ نَائِمَةً , أَوْ مُكْرَهَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا , أَوْ صُبَّ فِي حَلْقِهِ مَاءٌ وَهُوَ نَائِمٌ : فَصَوْمُ النَّائِمِ , وَالنَّائِمَةِ , وَالْمُكْرَهِ , وَالْمُكْرَهَةِ : تَامٌّ صَحِيحٌ لاَ دَاخِلَةَ فِيهِ , وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِمْ , وَلاَ شَيْءَ عَلَى الْمَجْنُونَةِ. وَالْمُغْمَى عَلَيْهَا , وَلاَ عَلَى الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ ; لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لاُِمَّتِهِ ، عَنِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ. وَالنَّائِمُ وَالنَّائِمَةُ مُكْرَهَانِ بِلاَ شَكٍّ غَيْرُ مُخْتَارَيْنِ لِمَا فُعِلَ بِهِمَا وَقَالَ زُفَرُ : لاَ شَيْءَ عَلَى النَّائِمِ , وَالنَّائِمَةِ ، وَلاَ قَضَاءَ كَمَا قلنا , سَوَاءٌ سَوَاءٌ , وَصَوْمُهُمَا تَامٌّ
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ. وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي النَّائِمِ مِثْلُ قَوْلِ زُفَرَ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيِّ : إذَا جُومِعَتْ الْمَرْأَةُ مُكْرَهَةً فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَصَوْمُهَا تَامٌّ ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهَا
وَهُوَ قَوْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ.
وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ , وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا. وَالْمَجْنُونُ , وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ غَيْرُ مُخَاطَبَيْنِ , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : رُفِعَ الْقَلَمُ ، عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ , وَالنَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ , وَالصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ. وَالْمَشْهُورُ ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى النَّائِمِ وَالنَّائِمَةِ , وَالْمُكْرَهِ وَالْمُكْرَهَةِ , وَالْمَجْنُونِ وَالْمَجْنُونَةِ , وَالْمُغْمَى عَلَيْهِمَا
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَهُوَ قَوْلٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ , وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً مِنْ قُرْآنٍ , وَلاَ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ ، وَلاَ رِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ , وَلاَ قِيَاسٍ , إلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَاسَ ذَلِكَ عَلَى الْمُكْرَهِ عَلَى الْحَدَثِ أَنَّهُ تُنْتَقَضُ طَهَارَتُهُ.
قال علي : وهذا قِيَاسٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا فَكَيْفَ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ لإِنَّ الطَّهَارَةَ تُنْتَقَضُ مِنْ الأَحْدَاثِ بِقِسْمَيْنِ :
أَحَدُهُمَا بِنَقْضِهَا كَيْفَ مَا كَانَ , بِنِسْيَانٍ أَوْ عَمْدٍ أَوْ إكْرَاهٍ : وَالآخَرُ لاَ يَنْقُضُهَا إلاَّ بِالْعَمْدِ عَلَى حَسَبِ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ , وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الرِّيحَ , وَالْبَوْلَ , وَالْغَائِطَ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ : أَنْ يَقِيسُوا النَّاسِيَ فِي الصَّوْمِ عَلَى النَّاسِي فِي الطَّهَارَةِ , وَالْمَغْلُوبَ بِالْقَيْءِ عَلَى الْمَغْلُوبِ بِالْحَدَثِ , وَكُلُّهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا أَصْلاً , فَبَطَلَ قِيَاسُهُمْ الْفَاسِدُ وَكَانَ أَدْخَلَ فِي الْقِيَاسِ لَوْ قَاسُوا الْمُكْرَهَ , وَالْمَغْلُوبَ فِي الصَّوْمِ عَلَى الْمُكْرَهِ , وَالْمَغْلُوبِ فِي الصَّلاَةِ عَلَى تَرْكِ الْقِيَامِ , أَوْ تَرْكِ السُّجُودِ , أَوْ الرُّكُوعِ , فَهَؤُلاَءِ صَلاَتُهُمْ تَامَّةٌ بِإِجْمَاعٍ مِنْهُمْ ; فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ صَوْمُ الْمُكْرَهِ وَالْمَغْلُوبِ ، وَلاَ فَرْقَ ; وَلَكِنَّهُمْ لاَ يُحْسِنُونَ الْقِيَاسَ ، وَلاَ يَتَّبِعُونَ النُّصُوصَ ، وَلاَ يَطْرُدُونَ أُصُولَهُمْ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ
وَأَمَّا دُخُولُ الْحَمَّامِ , وَالتَّغْطِيسُ فِي الْمَاءِ , وَدَهْنُ الشَّارِبِ , فَقَدْ
رُوِّينَا ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه : لاَ يَدْخُلُ الصَّائِمُ الْحَمَّامَ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ الإِفْطَارُ بِدَهْنِ الشَّارِبِ , وَعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِثْلُ ذَلِكَ فِي التَّغْطِيسِ فِي الْمَاءِ , وَلاَ حُجَّةَ إلاَّ فِيمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ نَهْيٌ لِلصَّائِمِ ، عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ; فَكُلُّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لاَ يَكْدَحُ فِي الصَّوْمِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.(1/109)
229-7886 أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ : قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ : أَسَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ ؟ فَسَكَتُّ سَاعَةً " ثُمَّ قَالَ : " نَعَمْ "(1)
__________
(1) - أخرجه البخاري برقم(322) عن أم سلمة ومسلم برقم(2629و2637) وابو داود برقم(2388) والمسند الجامع برقم( 16585 )
شرح النووي على مسلم - (ج 4 / ص 86)
قَالَ الْقَاضِي : قِيلَ : يَحْتَمِل ضَحِكُهَا التَّعَجُّب مِمَّنْ خَالَفَ فِي هَذَا ، وَقِيلَ : التَّعَجُّب مِنْ نَفْسهَا حَيْثُ جَاءَتْ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيث الَّذِي يُسْتَحْيَ مِنْ ذِكْرِهِ ، لَا سِيَّمَا حَدِيث الْمَرْأَة بِهِ عَنْ نَفْسهَا لِلرِّجَالِ ، لَكِنَّهَا اُضْطُرَّتْ إِلَى ذِكْرِهِ لِتَبْلِيغِ الْحَدِيث وَالْعِلْم فَتَتَعَجَّبُ مِنْ ضَرُورَةِ الْحَالِ الْمُضْطَرَّةِ لَهَا إِلَى ذَلِكَ ، وَقِيلَ : ضُحِكَتْ سُرُورًا بِتَذَكُّرِ مَكَانهَا مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَالهَا مَعَهُ وَمُلَاطَفَتِهِ لَهَا . قَالَ الْقَاضِي : وَيَحْتَمِل أَنَّهَا ضَحِكَتْ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهَا صَاحِبَة الْقِصَّة لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الثِّقَة بِحَدِيثِهَا .
الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار - (ج 3 / ص 266)
1 ( 5 - باب ما جاء في الرخصة في القبلة للصائم )
601 - مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رجلا قبل امرأته
وهو صائم في رمضان فوجد من ذلك وجدا شديدا فأرسل امرأته تسأل له عن ذلك فدخلت على أم سلمة زوج النبي فذكرت ذلك لها فأخبرتها أم سلمة أن رسول الله يقبل وهو صائم فرجعت فأخبرت زوجها بذلك فزاده ذلك شرا وقال لسنا مثل رسول الله الله يحل لرسول الله ما شاء ثم رجعت امرأته إلى أم سلمة فوجدت عندها رسول الله فقال رسول الله ما لهذه المرأة فأخبرته أم سلمة فقال رسول الله ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك فقالت قد أخبرتها فذهبت إلى زوجها فأخبرته فزاده ذلك شرا وقال لسنا مثل رسول الله الله يحل لرسوله ما شاء فغضب رسول الله وقال والله إني لأتقاكم لله وأعلمكم بحدوده
قال أبو عمر هذا الحديث مرسل عند جميع رواة الموطأ عن مالك
والمعنى أن رسول الله كان يقبل وهو صائم صحيح من حديث عائشة وحديث أم سلمة وحفصة
602 - وحديث عائشة عند مالك مسند من حديث هشام عن أبيه عن عائشة ومرسل أيضا على ما ذكرنا
وفيه من الفقه أن القبلة للصائم جائزة في رمضان وغيره شابا كان أو شيخا على عموم الحديث وظاهره لأن رسول الله لم يقل للمرأة هل زوجك شيخ أو شاب ولو ورد الشرع بالفرق بينهما لما سكت عنه - عليه السلام - لأنه المنبئ عن الله - عز وجل - مراده من عباده وأظن أن الذي فرق بين الشيخ في القبلة للصائم والشاب ذهب إلى قول عائشة وأيكم أملك لإربه من رسول الله ( 1 ) في حديثها عنه أنه كان يقبلها وهو صائم يعني أملك لنفسه وشهوته
والدليل أن الشيخ والشاب عندها في ذلك سواء وأن قولها إنما خرج على الإشفاق والاحتياط في ذلك ما ذكره
603 - مالك عن يحيى بن سعيد أن عاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نفيل امرأة عمر بن الخطاب كانت تقبل رأس عمر بن الخطاب وهو صائم فلا ينهاها 604 - مالك عن أبي النضر عن عائشة بنت طلحة أنها كانت عند عائشة أم المؤمنين فدخل عليها زوجها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر وهو صائم فقالت عائشة ما يمنعك أن تدنو من أهلك وتقبلها وتلاعبها فقال أقبلها وأنا صائم فقالت نعم
605 - مالك عن زيد بن أسلم أن أبا هريرة وسعد بن أبي وقاص كانا يرخصان في القبلة للصائم
وقد أجمع العلماء على أن من كره القبلة لم يكرهها لنفسها وإنما كرهها خشية ما تحمل إليه من الإنزال وأقل ذلك المذي
لم يختلفوا في أن من قبل وسلم من قليل ذلك وكثيره فلا شيء عليه
وممن قال بإباحة القبلة للصائم عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص وأبو هريرة وبن عباس وعائشة
وبه قال عطاء والشعبي والحسن وهو قول أحمد وإسحاق وداود
وقال أبو حنيفة وأصحابه لا بأس بالقبلة للصائم إذا كان يأمن على نفسه
قالوا وإن قبل وأمنى فعليه القضاء ولا كفارة عليه
وهو قول الثوري والحسن بن حي والشافعي وكلهم يقول من قبل فأمنى فليس عليه غير القضاء
وقال بن علية لا تفسد القبلة الصوم إلا أن ينزل الماء الدافق
---
الاستذكار ج:3 ص:295
قال أبو عمر لا أعلم أحدا رخص في القبلة للصائم إلا وهو يشترط السلامة مما يتولد منها وان من يعلم أنه يتولد عليه منها ما يفسد صومه وجب عليه اجتنابها ولو قبل فأمذى لم يكن عليه شيء عند الشافعي وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي وبن علية
وأما أحمد والشافعي فلا يريان الكفارة إلا على من جامع فأولج أو أنزل ناسيا عند أحمد وعند الشافعي عامدا وسيأتي هذا المعنى في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله
وقال مالك لا أحب للصائم أن يقبل فإن قبل في رمضان فأنزل فعليه القضاء والكفارة وإن قبل فأمذى فعليه القضاء ولا كفارة عليه
والمتأخرون من أصحاب مالك البغداديون يقولون إن القضاء ها هنا استحباب
طرح التثريب - (ج 5 / ص 103)
الْحَدِيثُ السَّابِعُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ أَوْ يُقَبِّلُنِي وَهُوَ صَائِمٌ وَأَيُّكُمْ كَانَ أَمْلَكَ لِإِرْبِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } ( فِيهِ ) فَوَائِدُ : ( الْأُولَى ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لَفْظُ مُسْلِمٍ { يُقَبِّلُنِي } وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ { يُقَبِّلُ } وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ قُلْت لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ ( أَسَمِعْتَ أَبَاك يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ ؟ فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ نَعَمْ ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ كِلَاهُمَا عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ } وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ { إنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ ضُحِكَتْ } وَلَهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ طُرُقٌ أُخْرَى ( الثَّانِيَةُ ) قَوْلُهُ { وَأَيُّكُمْ كَانَ أَمْلَكَ لِإِرْبِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } ضُبِطَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِفَتْحِهِمَا وَاخْتُلِفَ فِي الْأَشْهَرِ مِنْهُمَا فَذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ أَشْهَرُهُمَا وَرِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ ، قَالَ وَكَذَا نَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ وَحَكَى صَاحِبُ النِّهَايَةِ الثَّانِيَ عَنْ رِوَايَةِ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ مَعًا فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ حَاجَةُ النَّفْسِ وَوَطَرُهَا يُقَالُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَرَبٌّ وَإِرْبٌ وَإِرْبَةٌ وَمَأْرَبَةٌ أَيْ حَاجَةٌ وَالْإِرْبُ أَيْضًا الْعُضْوُ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ وَمَعْنَاهُ بِالْكَسْرِ الْوَطَرُ وَالْحَاجَةُ وَكَذَلِكَ بِالْفَتْحِ وَلَكِنَّهُ يُطْلَقُ الْمَفْتُوحُ أَيْضًا عَلَى الْعُضْوِ ( قُلْت ) صَوَابُهُ الْمَكْسُورُ فَلَا نَعْلَمُ الْمَفْتُوحَ يُطْلَقُ عَلَى الْعُضْوِ ، وَذَكَرَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ الْحَاجَةُ وَبِالْكَسْرِ فِيهِ وَجْهَانِ : ( أَحَدُهُمَا ) أَنَّهُ الْحَاجَةُ أَيْضًا ( وَالثَّانِي ) أَنَّهُ الْعُضْوُ وَعَنَتْ بِهِ مِنْ الْأَعْضَاءِ الذَّكَرَ خَاصَّةً ، وَقَالَ فِي الْمَشَارِقِ فِي رِوَايَةِ الْكَسْرِ فَسَّرُوهُ بِحَاجَتِهِ وَقِيلَ لِعَقْلِهِ وَقِيلَ لِعُضْوِهِ ثُمَّ قَالَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْخَطَّابِيُّ : كَذَا يَقُولُهُ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ وَالْأَرَبُ الْعُضْوُ ، وَإِنَّمَا هُوَ لِأَرَبِهِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَلِأُرْبَتِهِ أَيْ لِحَاجَتِهِ قَالُوا الْأَرَبُ أَيْضًا الْحَاجَةُ .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْمُوَطَّإِ رِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ { أَيُّكُمْ أَمْلَكُ لِنَفْسِهِ } انْتَهَى .
وَبِذَلِكَ فَسَّرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ فَقَالَ وَمَعْنَى لِأَرَبِهِ تَعْنِي لِنَفْسِهِ ، وَقَالَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِهِ : وَهُوَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ ؛ لِأَنَّ أَوْلَى مَا فُسِّرَ بِهِ الْغَرِيبُ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ ، وَفِي الْمُوَطَّإِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بَلَاغًا { وَأَيُّكُمْ أُمْلَكُ لِنَفْسِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } انْتَهَى .
وَذَكَرَ ابْنُ سِيدَهْ فِي الْمُحْكَمِ أَنَّ الْأَرَبَ الْحَاجَةَ قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ { كَانَ أَمْلَكَكُمْ لِأَرْبِهِ } أَيْ أَغْلَبَكُمْ لِهَوَاهُ وَحَاجَتِهِ ، وَقَالَ السُّلَمِيُّ الْأَرْبُ الْفَرْجُ هَهُنَا وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ ا هـ وَتَخْصِيصُهُ فِي أَصْلِ الِاسْتِعْمَالِ بِالْفَرْجِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ كَمَا قَالَهُ وَلَكِنَّهُ لِمُطْلَقِ الْعُضْوِ وَأُرِيدَ بِاللَّفْظِ الْعَامِّ هُنَا عُضْوٌ خَاصٌّ وَهُوَ الْفَرْجُ لِقَرِينَةٍ دَالَّةٍ عَلَى ذَلِكَ ، وَقَدْ قَالَ فِي الْمُحْكَمِ بَعْدَ ذَلِكَ الْأَرْبُ الْعُضْوُ الْمُوَفَّرُ الْكَامِلُ الَّذِي لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ الْعُضْوُ وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِأَنْ يَكُونَ مُوَفَّرًا كَامِلًا ( الثَّالِثَةُ ) اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى إبَاحَةِ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهَا وَفِي الْمَسْأَلَةِ مَذَاهِبُ : ( أَحَدُهَا ) هَذَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا الرُّخْصَةَ فِيهَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لَا بَأْسَ بِالْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَا بَأْسَ بِهَا مَا لَمْ يُعِدْ ذَلِكَ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ لَا بَأْسَ بِهَا وَإِنَّهَا لَبَرِيدُ سُوءٍ وَعَنْ مَسْرُوقٍ مَا أُبَالِي قَبَّلْتُهَا أَوْ قَبَّلْت يَدِي وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَرَجَّحَهُ وَاسْتَدَلَّ بِمَا فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ { أَنَّ رَجُلًا قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ فَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ وَجْدًا شَدِيدًا فَأَرْسَلَ امْرَأَتَهُ تَسْأَلُ لَهُ عَنْ ذَلِكَ فَدَخَلَتْ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهَا فَأَخْبَرَتْهَا أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ فَرَجَعَتْ فَأَخْبَرَتْ زَوْجَهَا بِذَلِكَ فَزَادَهُ ذَلِكَ شَرًّا ، وَقَالَ لَسْنَا مِثْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِلُّ اللَّهُ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ ثُمَّ رَجَعَتْ امْرَأَتُهُ إلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَوَجَدَتْ عِنْدهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ ؟ فَأَخْبَرَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَ أَلَا أَخْبَرْتِيهَا أَنِّي أَفْعَلُ ذَلِكَ ، فَقَالَتْ قَدْ أَخْبَرْتُهَا فَذَهَبَتْ إلَى زَوْجِهَا فَأَخْبَرَتْهُ فَزَادَهُ ذَلِكَ شَرًّا ، وَقَالَ لَسْنَا مِثْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ يُحِلُّ لِرَسُولِهِ مَا شَاءَ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ وَاَللَّهِ إنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِهِ } قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمَرْأَةِ هَلْ زَوْجُك شَيْخٌ أَوْ شَابٌّ وَلَوْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لَمَا سَكَتَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ؛ لِأَنَّهُ الْمُبَيِّنُ عَنْ اللَّهِ مُرَادَهُ انْتَهَى .
وَالْقِصَّةُ الْمَذْكُورَةُ رَوَاهَا أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَّ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَ عَطَاءً أَنَّهُ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَاتَّصَلَ بِذَلِكَ وَخَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُرْسَلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَرَجَّحَهُ أَيْضًا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فَقَالَ وَاَلَّذِي يُعَوَّلُ عَلَيْهِ جَوَازُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ مُفْسِدٍ فَلَا يَلُمْ الشَّرِيعَةَ وَلَكِنْ لِيَلُمْ نَفْسَهُ الْأَمَّارَةَ بِالسُّوءِ الْمُسْتَرْسِلَةَ عَلَى الْمَخَاوِفِ .
( الثَّانِي ) كَرَاهَتُهَا لِلصَّائِمِ مُطْلَقًا وَبِهِ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ فَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُطْلَقًا وَأَبِي قِلَابَةَ النَّهْيَ عَنْهَا وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ ( مَا تَصْنَعُ بِخُلُوفِ فِيهَا ) وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صَائِمٍ قَبَّلَ فَقَالَ أَفْطَرَ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَفَلَا يُقَبِّلُ جَمْرَةً ؟ وَعَنْ شُرَيْحٍ الْقَاضِي يَتَّقِي اللَّهَ وَلَا يَعُودُ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ تُنْقِصُ صِيَامَهُ وَلَا يُفْطِرُ لَهَا ، وَعَنْ الشَّعْبِيِّ تَجْرَحُ الصَّوْمَ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ إنَّمَا الصَّوْمُ مِنْ الشَّهْوَةِ وَالْقُبْلَةُ مِنْ الشَّهْوَةِ وَعَنْ مَسْرُوقٍ اللَّيْلُ قَرِيبٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَغَيْرِهِمَا كَرَاهَتُهَا لِلصَّائِمِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ، وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ ( قُلْت ) وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُصَنِّفِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَفْطَرَ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ مَنْ قَبَّلَ فِي رَمَضَانَ قَضَى يَوْمًا مَكَانَهُ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُبْرُمَةَ قَالَ ، وَقَالَ سَائِرُ الْفُقَهَاءِ الْقُبْلَةَ لَا تُبْطِلُ الصَّوْمَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهَا إنْزَالٌ ، وَرَوَى مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَالَ لَمْ أَرَ الْقُبْلَةَ تَدْعُو إلَى خَيْرٍ وَبِالْكَرَاهَةِ يَقُولُ مَالِكٌ مُطْلَقًا فِي حَقِّ الشَّيْخِ وَالشَّابِّ .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ شَأْنُهُ فِي الِاحْتِيَاطِ .
( الْقَوْلُ الثَّالِثُ ) التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الشَّيْخِ وَالشَّابِّ فَتُكْرَهُ لِلشَّابِّ دُونَ الشَّيْخِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مَكْحُولٍ ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَالْمَعْرُوفُ عَنْهُ مَا قَدَّمْته مِنْ الْكَرَاهَةِ مُطْلَقًا .
( الْقَوْلُ الرَّابِعُ ) الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَأْمَنَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقُبْلَةِ الْجِمَاعَ وَالْإِنْزَالَ فَتُبَاحَ ، وَبَيْنَ أَنْ لَا يَأْمَنَ فَتُكْرَهَ ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْقُبْلَةَ مَكْرُوهَةٌ فِي الصَّوْمِ لِمَنْ حَرَّكَتْ شَهْوَتَهُ دُونَ غَيْرِهِ فَلَا تُكْرَهُ لَهُ لَكِنْ الْأَوْلَى تَرْكُهَا لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ الِاقْتِصَارُ فِي ذَلِكَ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذِهِ الْكَرَاهَةِ فَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ ، وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ هِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ ، وَقَدْ جَعَلَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الْقَوْلُ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الشَّيْخِ وَالشَّابِّ وَأَنَّ التَّغَايُرَ بَيْنَهُمَا فِي الْعِبَارَةِ وَالْمَعْنَى هُوَ وَاحِدٌ هُوَ الَّذِي تُفْهِمُهُ عِبَارَةُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَلَهُ وَجْهٌ وَيَكُونُ التَّعْبِيرُ بِالشَّيْخِ وَالشَّابِّ جَرْيٌ عَلَى الْأَغْلَبِ مِنْ أَحْوَالِ الشُّيُوخِ فِي انْكِسَارِ شَهْوَتِهِمْ وَمِنْ أَحْوَالِ الشَّبَابِ فِي قُوَّةِ شَهْوَتِهِمْ فَلَوْ انْعَكَسَ الْأَمْرُ كَشَيْخٍ قَوِيِّ الشَّهْوَةِ وَشَابٍّ ضَعِيفِ الشَّهْوَةِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ وَجَعَلْتهمَا مَذْهَبَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْمُنْذِرِ ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْقَوْلِ الثَّالِثِ اعْتَبَرَ الْمَظِنَّةَ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى نَفْسِ تَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ وَعَدَمِهَا ، وَصَاحِبَ الْقَوْلِ الرَّابِعِ نَظَرَ إلَى وُجُودِ هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى مَظِنَّتِهِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ النَّوَوِيَّ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّيْخِ وَالشَّابِّ فِي ذَلِكَ فَالِاعْتِبَارُ بِتَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ وَخَوْفِ الْإِنْزَالِ فَإِنْ حَرَّكَتْ شَهْوَةَ شَابٍّ أَوْ شَيْخٍ قَوِيٍّ كُرِهَتْ وَإِنْ لَمْ تُحَرِّكْهَا كَشَيْخٍ أَوْ شَابٍّ ضَعِيفٍ لَمْ تُكْرَهْ .
( الْقَوْلُ الْخَامِسُ ) مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُقَبِّلُ ذَا شَهْوَةٍ مُفْرِطَةٍ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إذَا قَبَّلَ أَنْزَلَ ، لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْقُبْلَةُ وَإِنْ كَانَ ذَا شَهْوَةٍ لَكِنَّهُ لَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ كُرِهَ لَهُ التَّقْبِيلُ وَلَا يَحْرُمُ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تُحَرِّكُ الْقُبْلَةُ شَهْوَتَهُ كَالشَّيْخِ الْهَرِمِ فَفِي الْكَرَاهَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ .
( الْقَوْلُ السَّادِسُ ) التَّفْرِقَةُ بَيْنَ صِيَامِ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فَيُكْرَهُ فِي الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ وَهُوَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَيَرُدُّهُ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ يُقَبِّلُ فِي شَهْرِ الصَّوْمِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ { كَانَ يُقَبِّلُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ } فَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ مُطْلَقًا بِهَذَا الْحَدِيثِ ، وَقَالَ الْأَصْلُ اسْتِوَاءُ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْأَحْكَامِ وَأَنَّ أَفْعَالَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ شَرْعٌ يُقْتَدَى بِهِ فِيهَا وَاحْتَجَّ مَنْ كَرِهَ مُطْلَقًا بِأَنَّ غَيْرَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يُسَاوِيهِ فِي حِفْظِ نَفْسِهِ عَنْ الْمُوَاقَعَةِ بَعْدَ مَيْلِهِ إلَيْهَا فَكَانَ ذَلِكَ أَمْرًا خَاصًّا بِهِ ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهَا وَأَيُّكُمْ كَانَ أَمْلَكَ لِإِرْبِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَرُدُّهُ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ { سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلْ هَذِهِ لِأُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا وَاَللَّهِ إنِّي لِأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ } وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَعُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ هَذَا هُوَ الْحِمْيَرِيُّ .
كَذَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَلَيْسَ هُوَ ابْنُ أُمِّ سَلِمَةَ وَاحْتَجَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الشَّيْخِ وَالشَّابِّ أَوْ بَيْنَ مَنْ يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ الْمُوَاقَعَةَ وَبَيْنَ مَنْ لَا يَأْمَنُهَا بِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ آمِنًا مِنْ ذَلِكَ لِشِدَّةِ تَقْوَاهُ وَوَرَعِهِ فَكُلُّ مَنْ أَمِنَ ذَلِكَ كَانَ فِي مَعْنَاهُ فَالْتَحَقَ بِهِ فِي حُكْمِهِ وَمَنْ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ فِي ذَلِكَ فَهُوَ مُغَايِرٌ لَهُ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَهَذَا أَرْجَحُ الْأَقْوَالِ ، وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ { كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ شَابٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ ؟ قَالَ لَا ، فَجَاءَ شَيْخٌ فَقَالَ أُقَبِّلُ وَأَنَا صَائِمٌ قَالَ نَعَمْ .
قَالَ فَنَظَرَ بَعْضُنَا إلَى بَعْضٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَلِمْتُ لِمَ نَظَرَ بَعْضُكُمْ إلَى بَعْضٍ ، إنَّ الشَّيْخَ يَمْلِكُ نَفْسَهُ } فِي إسْنَادِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ وَهُوَ مُخْتَلَفُ الِاحْتِجَاجِ بِهِ ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَلَكِنْ بَدَلُ الْقُبْلَةِ الْمُبَاشَرَةُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مَنْ كَرِهَ الْقُبْلَةَ لَمْ يَكْرَهَا لِنَفْسِهَا وَإِنَّمَا كَرِهَهَا خَشْيَةَ مَا تَؤُولُ إلَيْهِ مِنْ الْإِنْزَالِ وَأَقَلُّ ذَلِكَ الْمَذْيُ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ مَنْ قَبَّلَ وَسَلَّمَ مِنْ قَلِيلِ ذَلِكَ وَكَثِيرِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَرْخَصَ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ إلَّا وَهُوَ يَشْتَرِطُ السَّلَامَةَ مِمَّا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا مِمَّا يُفْسِدُ صَوْمَهُ وَلَوْ قَبَّلَ فَأَمْذَى لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَابْنُ عُلَيَّةَ ، وَقَالَ مَالِكٌ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ ، وَالْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ الْبَغْدَادِيُّونَ يَقُولُونَ إنَّ الْقَضَاءَ هُنَا اسْتِحْبَابٌ انْتَهَى وَحَكَى ابْنُ قُدَامَةَ الْفِطْرُ فِي صُورَةِ مَا إذَا قَبَّلَ فَأَمْذَى عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ .
( الرَّابِعَةُ ) الْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ الْقُبْلَةِ تَقْبِيلُ الْفَمِ ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ سَوَاءٌ قَبَّلَ الْفَمَ أَوْ الْخَدَّ أَوْ غَيْرَهُمَا .
( الْخَامِسَةُ ) قَوْلُهَا { يُقَبِّلُ أَوْ يُقَبِّلُنِي } الظَّاهِرُ أَنَّهُ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي فِي اللَّفْظِ الَّذِي قَالَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ الْجَزْمُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَرِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْجَزْمُ بِقَوْلِهَا { يُقَبِّلُنِي } أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ وَلَهَا شَوَاهِدُ وَهِيَ أَخَصُّ وَمَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ وَفِيهَا جَوَازُ الْإِخْبَارِ بِمِثْلِ هَذَا مِمَّا يَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْجُمْلَةِ لِلضَّرُورَةِ ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ حَالِ الضَّرُورَةِ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ وَتَصْرِيحُهَا بِذِكْرِ نَفْسِهَا تَأْكِيدٌ لِمَا تُخْبِرُ بِهِ وَإِنَّهَا ضَابِطَةٌ لِذَلِكَ لِكَوْنِهَا صَاحِبَةَ الْوَاقِعَةِ لَمْ تُخْبِرْ بِذَلِكَ عَنْ غَيْرِهَا وَهُوَ أَدْعَى لِقَبُولِ ذَلِكَ وَالْأَخْذِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
المحلى لابن حزم - (ج 2 / ص 446)
وَأَمَّا الْقُبْلَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ لِلرَّجُلِ مَعَ امْرَأَتِهِ وَأَمَتِهِ الْمُبَاحَةِ لَهُ فَهُمَا سُنَّةٌ حَسَنَةٌ , نَسْتَحِبُّهَا لِلصَّائِمِ , شَابًّا كَانَ أَوْ كَهْلاً أَوْ شَيْخًا , وَلاَ نُبَالِي أَكَانَ مَعَهَا إنْزَالٌ مَقْصُودٌ إلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى ، حدثنا شَيْبَانُ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ. وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ : حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ ، حدثنا شُعْبَةُ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ ، عَنْ عَلْقَمَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ? لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ لاَ سِيَّمَا مَنْ كَابَرَ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَهُ صلى الله عليه وسلم فَرْضٌ. وَقَدْ
رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ , وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ , وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ , وَمَسْرُوقٍ , وَالأَسْوَدِ , وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ , كُلُّهُمْ ، عَنْ عَائِشَةَ بِأَسَانِيدَ كَالذَّهَبِ وَرُوِّينَاهُ بِأَسَانِيدَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ ، عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ : أُمِّ سَلَمَةَ , وَأُمِّ حَبِيبَةَ , وَحَفْصَةَ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ , وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ , وَغَيْرِهِمْ كُلُّهُمْ : عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . فَادَّعَى قَوْمٌ أَنَّ الْقُبْلَةَ تُبْطِلُ الصَّوْمَ .
وَقَالَ قَوْمٌ : هِيَ مَكْرُوهَةٌ. .
وَقَالَ قَوْمٌ : هِيَ مُبَاحَةٌ لِلشَّيْخِ , مَكْرُوهَةٌ لِلشَّابِّ. .
وَقَالَ قَوْمٌ : هِيَ خُصُوصٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم .
فأما مَنْ ادَّعَى أَنَّهَا خُصُوصٌ لَهُ عليه السلام فَقَدْ قَالَ الْبَاطِلَ , وَمَا يَعْجَزُ ، عَنِ الدَّعْوَى مَنْ لاَ تَقْوَى لَهُ فَإِنْ احْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ , وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَلَكِنَّهُ كَانَ أَمْلَكَكُمْ لاِِرْبِهِ.
قلنا : لاَ حُجَّةَ لَكَ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ هَذَا ; لإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا قَالَ : حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ الْخَلِيلِ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ ، حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ الشَّيْبَانِيُّ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ كَانَتْ إحْدَانَا إذَا كَانَتْ حَائِضًا فَأَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَاشِرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرَهَا , قَالَتْ : وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْلِكُ إرْبَهُ فَإِنْ كَانَ قَوْلُهَا ذَلِكَ فِي قُبْلَةِ الصَّائِمِ يُوجِبُ أَنَّهُ لَهُ خُصُوصٌ فَقَوْلُهَا هَذَا فِي مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ يُوجِبُ أَنَّهَا لَهُ أَيْضًا خُصُوصٌ , أَوْ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ , أَوْ أَنَّهَا لِلشَّيْخِ دُونَ الشَّابِّ ، وَلاَ يُمْكِنُهُمْ هَاهُنَا دَعْوَى الإِجْمَاعِ ; لإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَغَيْرَهُ كَرِهُوا مُبَاشَرَةَ الْحَائِضِ ; جُمْلَةً وَلَعَمْرِي إنَّ مُبَاشَرَةَ الْحَائِضِ لاََشَدُّ غَرَرًا ; لاَِنَّهُ يَبْقَى ، عَنْ جِمَاعِهَا أَيَّامًا وَلَيَالِيَ فَتَشْتَدُّ حَاجَتُهُ ,
وَأَمَّا الصَّائِمُ فَالْبَارِحَةُ وَطِئَهَا , وَاللَّيْلَةَ يَطَؤُهَا , فَهُوَ بِشَمٍّ مِنْ الْوَطْءِ
حدثنا حمام ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ , أَنَّهُ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهَا فَسَأَلَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ , فَأَخْبَرَتْهُ امْرَأَتُهُ , فَقَالَ لَهَا : إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رُخِّصَ لَهُ فِي أَشْيَاءَ , فَارْجِعِي إلَيْهِ , فَرَجَعَتْ إلَيْهِ , فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ , فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِ اللَّهِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمٌ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو ، هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ الْحِمْيَرِيِّ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَلْ هَذِهِ , يَعْنِي أُمَّ سَلَمَةَ , فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ ذَلِكَ , فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , قَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَا وَاَللَّهِ إنِّي لاََتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ. فَهَذَانِ الْخَبَرَانِ يُكَذِّبَانِ قَوْلَ مَنْ ادَّعَى فِي ذَلِكَ الْخُصُوصَ لَهُ عليه السلام ; لاَِنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ عليه السلام مَنْ اسْتَفْتَاهُ , وَيُكَذِّبُ قَوْلَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ لِلشَّابِّ مُبَاحَةٌ لِلشَّيْخِ لإِنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ كَانَ شَابًّا جِدًّا فِي قُوَّةِ شَبَابِهِ إذْ مَاتَ عليه السلام ، وَ، هُوَ ابْنُ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَزَوَّجَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِنْتَ حَمْزَةَ عَمِّهِ رضي الله عنه .
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ الْقُرَشِيِّ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ أَهْوَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِيُقَبِّلَنِي , فَقُلْتُ : إنِّي صَائِمَةٌ فَقَالَ : وَأَنَا صَائِمٌ , فَقَبَّلَنِي. وَكَانَتْ عَائِشَةُ إذْ مَاتَ عليه السلام بِنْتَ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً فَظَهَرَ بُطْلاَنُ قَوْلِ مَنْ فَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الشَّيْخِ وَالشَّابِّ , وَبُطْلاَنُ قَوْلِ مَنْ قَالَ : إنَّهَا مَكْرُوهَةٌ ; وَصَحَّ أَنَّهَا حَسَنَةٌ مُسْتَحَبَّةٌ , سُنَّةٌ مِنْ السُّنَنِ , وَقُرْبَةٌ مِنْ الْقُرْبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَوُقُوفًا عِنْدَ فُتْيَاهُ بِذَلِكَ
وَأَمَّا مَا تَعَلَّقَ بِهِ مَنْ كَرِهَهَا لِلشَّابِّ فَإِنَّمَا هُمَا حَدِيثَا سَوْءٍ ,
رُوِّينَا أَحَدَهُمَا مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا ابْنُ لَهِيعَةَ , وَهُوَ لاَ شَيْءَ , وَفِيهَا قَيْسٌ مَوْلَى تَجِيبٍ ; وَهُوَ مَجْهُولٌ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ وَالآخَرَ مِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، عَنْ أَبِي الْعَنْبَسِ , وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ ، عَنِ الأَغَرِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , فِي كِلَيْهِمَا , أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ فِي قُبْلَةِ الصَّائِمِ لِلشَّيْخِ وَنَهَى عَنْهَا الشَّابَّ , فَسَقَطَا جَمِيعًا
وَأَمَّا مَنْ أَبْطَلَ الصَّوْمَ بِهَا فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ? فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ فَفِي هَذِهِ الآيَةِ الْمَنْعُ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ
قلنا قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إبَاحَةُ الْمُبَاشَرَةِ , وَهُوَ الْمُبَيِّنُ ، عَنِ اللَّهِ تَعَالَى مُرَادُهُ مِنَّا.فَصَحَّ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ الْمُحَرَّمَةَ فِي الصَّوْمِ إنَّمَا هِيَ الْجِمَاعُ فَقَطْ ; ، وَلاَ حُجَّةَ فِي هَذِهِ الآيَةِ لِحَنَفِيٍّ ، وَلاَ لِمَالِكِيٍّ , فَإِنَّهُمْ يُبِيحُونَ الْمُبَاشَرَةَ , وَلاَ يُبْطِلُونَ الصَّوْمَ بِهَا أَصْلاً وَإِنَّمَا يُبْطِلُونَهُ بِشَيْءٍ يَكُونُ مَعَهَا , مِنْ الْمَنِيِّ أَوْ الْمَذْيِ فَقَطْ , وَإِنَّمَا هِيَ حُجَّةٌ لِمَنْ مَنَعَ الْمُبَاشَرَةَ وَأَبْطَلَ الصَّوْمَ بِهَا. وَهَؤُلاَءِ أَيْضًا قَدْ احْتَجُّوا بِخَبَرَيْنِ :
رُوِّينَا أَحَدَهُمَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ عُمَرُ : رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَامِ , فَرَأَيْتُهُ لاَ يَنْظُرنِي , فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَأْنِي فَقَالَ : أَلَسْتَ الَّذِي تُقَبِّلُ وَأَنْتَ صَائِمٌ قُلْت : فَوَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ أُقَبِّلُ بَعْدَهَا وَأَنَا صَائِمٌ.
قال أبو محمد رحمه الله : الشَّرَائِعُ لاَ تُؤْخَذُ بِالْمَنَامَاتِ لاَ سِيَّمَا وَقَدْ أَفْتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُمَرَ فِي الْيَقِظَةِ حَيًّا بِإِبَاحَةِ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ ; فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُنْسَخَ ذَلِكَ فِي الْمَنَامِ مَيِّتًا نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ هَذَا. وَيَكْفِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ حَمْزَةَ لاَ شَيْءَ.
حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ هُوَ زُغْبَةٌ ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابُ هَشَشْتُ فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ , فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , صَنَعْتُ الْيَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا , قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرَأَيْتَ لَوْ مَضْمَضْتَ مِنْ الْمَاءِ وَأَنْتَ صَائِمٌ قُلْت : لاَ بَأْسَ بِهِ , قَالَ : فَمَهْ ". وَالْخَبَرُ الثَّانِي الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ وَهُوَ ضَعِيفٌ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ أَبِي يَزِيدَ الضَّبِّيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ ، عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ عُتْبَةَ مَوْلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَمَّنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا صَائِمَانِ فَقَالَ : قَدْ أَفْطَرَ.
قال أبو محمد رحمه الله : حَتَّى لَوْ صَحَّ هَذَا لَكَانَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ أَنَّهُ عليه السلام أَرْخَصَ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ : نَاسِخًا لَهُ وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ إبْطَالُ الصِّيَامِ بِالْقُبْلَةِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَنْهَى ، عَنِ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ , فَقِيلَ لَهُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ فَقَالَ : وَمَنْ ذَا لَهُ مِنْ الْحِفْظِ وَالْعِصْمَةِ مَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
وَمِنْ طَرِيقِ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ زَاذَانَ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ فِي الَّذِي يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ , فَقَالَ : أَلاَ يُقَبِّلُ جَمْرَةً وَعَنْ مُوَرِّقٍ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْهَا
وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ مَا تُرِيدُ إلَى خُلُوفٍ فِيهَا دَعْهَا حَتَّى تُفْطِرَ وَعَنِ الْهَزْهَازِ : أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ سُئِلَ عَمَّنْ قَبَّلَ وَهُوَ صَائِمٌ فَقَالَ : أَفْطَرَ , وَيَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ. وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : مَنْ تَأَمَّلَ خَلْقَ امْرَأَتِهِ وَهُوَ صَائِمٌ بَطَلَ صَوْمُهُ وَعَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ : رَأَيْت أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَوْنَ ، عَنِ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ
وَمِنْ طَرِيقِ شُرَيْحٍ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنْ قُبْلَةِ الصَّائِمِ فَقَالَ : يَتَّقِي اللَّهَ ، وَلاَ يَعُدْ. وَعَنْ أَبِي قِلاَبَةَ أَنَّهُ نَهَى عَنْهَا وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ : إنَّمَا الصَّوْمُ مِنْ الشَّهْوَةِ , وَالْقُبْلَةُ مِنْ الشَّهْوَةِ وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ : لاَ يُقَبِّلُ الصَّائِمُ. وَعَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ : اللَّيْلُ قَرِيبٌ وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ : إنْ قَبَّلَ الصَّائِمُ أَفْطَرَ وَقَضَى يَوْمًا مَكَانَهُ وَمَنْ كَرِهَهَا :
رُوِّينَا ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : الْقُبْلَةُ تُنْقِضُ الصَّوْمَ ، وَلاَ تُفْطِرُ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ أَنَّهُ كَرِهَهَا وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّهُ كَرِهَهَا وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : ، أَنَّهُ قَالَ : لاَ بَأْسَ بِهَا , وَإِنَّهَا لَبَرِيدُ سُوءٍ وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ : لَمْ أَرَ الْقُبْلَةَ تَدْعُو إلَى خَيْرٍ يَعْنِي لِلصَّائِمِ وَصَحَّ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : ، أَنَّهُ قَالَ : هِيَ دَلِيلٌ إلَى غَيْرِهَا وَالاِعْتِزَالُ أَكْيَسُ وَكَرِهَهَا مَالِكٌ وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الشَّيْخِ وَالشَّابِّ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مِجْلَزٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ,
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ,
وَمِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ,
وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ ، عَنْ مَكْحُولٍ ,
وَمِنْ طَرِيقِ حُرَيْثٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ رَخَّصُوا فِي قُبْلَةِ الصَّائِمِ لِلشَّيْخِ وَكَرِهُوهَا لِلشَّابِّ وَمَنْ كَرِهَ الْمُبَاشَرَةَ لِلصَّائِمِ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنِ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ فَقَالَ : لاَ بَأْسَ بِهَا , وَسُئِلَ أَيَقْبِضُ عَلَى سَاقِهَا قَالَ لاَ يَقْبِضُ عَلَى سَاقِهَا , أَعِفُّوا الصِّيَامَ وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى ، عَنِ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ نَهَى ، عَنْ لَمْسِ الصَّائِمِ وَتَجْرِيدِهِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الصَّائِمِ يُبَاشِرُ قَالَ : يَتُوبُ عَشْرَ مِرَارٍ , إنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ صَوْمِهِ الَّذِي يُجَرِّدُ أَوْ يَلْمِسُ , لَكَ أَنْ تَأْخُذَ بِيَدِهَا وَبِأَدْنَى جَسَدِهَا وَتَدَعَ أَقْصَاهُ وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فِي الصَّائِمِ يُبَاشِرُ بِالنَّهَارِ قَالَ : لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ ; وَلَكِنْ يُبَدِّلُ يَوْمًا مَكَانَهُ. وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ : لاَ يُبَاشِرُ الصَّائِمُ. وَكَرِهَهَا مَالِكٌ. وَمَنْ أَبَاحَ الْمُبَاشَرَةَ لِلشَّيْخِ وَنَهَى عَنْهَا لِلشَّابِّ :
رُوِّينَا هَذَا ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ , وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ.
وَأَمَّا مَنْ أَبَاحَ كُلَّ ذَلِكَ :
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ عَائِشَةَ بِنْتَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَتْهُ : أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَدَخَلَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا , وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَهُوَ صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ , فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ : مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَدْنُوَ مِنْ أَهْلِكَ فَتُقَبِّلَهَا وَتُلاَعِبَهَا فَقَالَ : أُقَبِّلُهَا وَأَنَا صَائِمٌ قَالَتْ : نَعَمْ.
وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ : سَأَلْت عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ : مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ صَائِمًا فَقَالَتْ كُلُّ شَيْءٍ إلاَّ الْجِمَاعَ
قال أبو محمد رحمه الله : عَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ كَانَتْ أَجْمَلَ نِسَاءِ أَهْلِ زَمَانِهَا , وَكَانَتْ أَيَّامَ عَائِشَةَ وَهِيَ وَزَوْجُهَا فَتِيَّيْنِ فِي عُنْفُوَانِ الْحَدَاثَةِ وَهَذَانِ الْخَبَرَانِ يُكَذِّبَانِ قَوْلَ مَنْ لاَ يُبَالِي بِالْكَذِبِ أَنَّهَا أَرَادَتْ بِقَوْلِهَا وَأَيُّكُمْ أَمْلَكُ لاِِرْبِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّهْيَ مِنْ الْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ , وَعُبَيْدِ اللَّهِ : ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَتْ تُقَبِّلُهُ امْرَأَتُهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ صَائِمٌ ; فَلاَ يَنْهَاهَا
وَمِنْ طَرِيقِ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : أَنَّ رَجُلاً قَالَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ : إنِّي تَزَوَّجْت ابْنَةَ عَمٍّ لِي جَمِيلَةً , فَبَنَيْتُ بِهَا فِي رَمَضَانَ : فَهَلْ لِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إلَى قُبْلَتِهَا مِنْ سَبِيلٍ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : هَلْ تَمْلِكُ نَفْسَكَ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : قَبِّلْ , قَالَ : فَبِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي : هَلْ إلَى مُبَاشَرَتِهَا مِنْ سَبِيلٍ قَالَ : هَلْ تَمْلِكُ نَفْسَكَ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : فَبَاشِرْهَا , قَالَ : فَهَلْ لِي إلَى أَنْ أَضْرِبَ بِيَدِي عَلَى فَرْجِهَا مِنْ سَبِيلٍ قَالَ : وَهَلْ تَمْلِكُ نَفْسَكَ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : اضْرِبْ وَهَذِهِ أَصَحُّ طَرِيقٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ شِهَابٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَأَلْت أَبَا هُرَيْرَةَ ، عَنْ دُنُوِّ الرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهُوَ صَائِمٌ فَقَالَ : إنِّي لاََرُفُّ شَفَتَيْهَا وَأَنَا صَائِمٌ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ : قِيلَ لاَِبِي هُرَيْرَةَ : أَتُقَبِّلُ وَأَنْتَ صَائِمٌ قَالَ : نَعَمْ وَأَكْفَحُهَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَفْتَحُ فَاهُ إلَى فِيهَا وَسُئِلَ ، عَنْ تَقْبِيلِ غَيْرِ امْرَأَتِهِ فَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ. وَمِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ سُئِلَ : أَتُقَبِّلُ وَأَنْتَ صَائِمٌ قَالَ : نَعَمْ وَأَقْبِضُ عَلَى مَتَاعِهَا. وَعَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بِالْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا. وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ ، عَنْ زَكَرِيَّا ، هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُبَاشِرُ امْرَأَتَهُ نِصْفَ النَّهَارِ وَهُوَ صَائِمٌ وَهَذِهِ أَصَحُّ طَرِيقٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَنْظَلَةَ بْنِ سَبْرَةَ ، عَنِ الْمُسَيِّبِ بْنِ نُجْبَةَ الْفَزَارِيّ ، عَنْ عَمَّتِهِ وَكَانَتْ تَحْتَ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَتْ : كَانَ حُذَيْفَةُ إذَا صَلَّى الْفَجْرَ فِي رَمَضَانَ جَاءَ فَدَخَلَ مَعِي فِي لِحَافِي ثُمَّ يُبَاشِرُنِي. وَعَنْ أَبِي ظَبْيَانَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : لاَ بَأْسَ بِالْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ. وَعَنْ مِسْعَرٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَرْدَانَ بِهِ ، عَنْ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ لَهُ وَقَدْ تَزَوَّجَ فِي رَمَضَانَ : لَوْ دَنَوْت , لَوْ قَبَّلْت وَمِنْ التَّابِعِينَ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ : لاَ بَأْسَ بِالْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ , إنَّمَا هِيَ كَالْكِسْرَةِ يَشْتَمُّهَا. وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ : يُقَبِّلُ الصَّائِمُ , وَيُبَاشِرُ. وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ فِي رَمَضَانَ نَهَارًا وَيُفْتِي بِذَلِكَ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : إبَاحَةُ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ : لاَ بَأْسَ بِالْقُبْلَةِ , وَالْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ. وَعَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنْ تَقْبِيلِ الصَّائِمِ امْرَأَتَهُ فَقَالَ : مَا أُبَالِي أَقَبَّلْتهَا , أَوْ قَبَّلْت يَدِي فَهَؤُلاَءِ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، عَائِشَةُ , وَأُمُّ سَلَمَةَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ , وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ , وَعَلِيٌّ , وَعَاتِكَةُ بِنْتُ زَيْدٍ , وَابْنُ عَبَّاسٍ , وَأَبُو هُرَيْرَةَ , وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ , وَابْنُ مَسْعُودٍ , وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , وَحُذَيْفَةُ , وَمَا نَعْلَمُ مِنْهُمْ أَحَدًا رُوِيَ عَنْهُ كَرَاهَتُهَا إلاَّ وَقَدْ جَاءَ عَنْهُ إبَاحَتُهَا بِأَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ الْكَرَاهَةِ ; إلاَّ ابْنَ عُمَرَ وَحْدَهُ , وَرُوِيَتْ الإِبَاحَةُ جُمْلَةً ، عَنْ سَعْدٍ , وَأَبِي سَعِيدٍ , وَعَائِشَةَ , وَأُمِّ سَلَمَةَ , وَعَاتِكَةَ.
قال أبو محمد رحمه الله : وَلَقَدْ كَانَ يَجِبُ لِمَنْ غَلَّبَ الْقِيَاسَ عَلَى الأَثَرِ أَنْ يَجْعَلَهَا فِي الصِّيَامِ بِمَنْزِلَتِهَا فِي الْحَجِّ ; وَيَجْعَلَ فِيهَا صَدَقَةً كَمَا جَعَلَ فِيهَا هُنَالِكَ ; وَلَكِنْ هَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ الْقِيَاسَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَإِذْ قَدْ صَحَّ أَنَّ الْقُبْلَةَ وَالْمُبَاشَرَةَ : مُسْتَحَبَّتَانِ فِي الصَّوْمِ وَأَنَّهُ لَمْ يُنْهَ الصَّائِمُ فِي امْرَأَتِهِ ، عَنْ شَيْءٍ إلاَّ الْجِمَاعَ : فَسَوَاءٌ تَعَمَّدَ الإِمْنَاءَ فِي الْمُبَاشَرَةِ أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ كُلُّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لاَ كَرَاهَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ; إذْ لَمْ يَأْتِ بِكَرَاهِيَتِهِ نَصٌّ ، وَلاَ وَإِجْمَاعٌ , فَكَيْف إبْطَالُ الصَّوْمِ بِهِ , فَكَيْف أَنْ تُشْرَعَ فِيهِ كَفَّارَةٌ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعَ ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ خِلاَفٌ لِلسُّنَّةِ فَسَادَ قَوْلِ مَنْ رَأَى الصَّوْمَ يُنْتَقَضُ بِذَلِكَ ; لأَنَّهُمْ , يَقُولُونَ : خُرُوجُ الْمَنِيِّ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةٍ لاَ يَنْقُضُ الصَّوْمَ ; ، وَأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ إذَا لَمْ يَخْرُجْ مَعَهَا مَذْيٌ , وَلاَ مَنِيٌّ , لاَ تَنْقُضُ الصَّوْمَ ; ، وَأَنَّ الإِنْعَاظَ دُونَ مُبَاشَرَةٍ لاَ يَنْقُضُ الصَّوْمَ , فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ عَلَى انْفِرَادِهِ لاَ يَكْدَحُ فِي الصَّوْمِ أَصْلاً ; فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ إذَا اجْتَمَعَتْ أَنْ تَنْقُضَ الصَّوْمَ هَذَا بَاطِلٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ , إلاَّ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ نَصٌّ , وَلاَ سَبِيلَ إلَى وُجُودِهِ أَبَدًا , لاَ مِنْ رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ ، وَلاَ سَقِيمَةٍ , وَأَمَّا تَوْلِيدُ الْكَذِبِ وَالدَّعَاوَى بِالْمُكَابَرَةِ , فَمَا يَعْجِزُ عَنْهَا مَنْ لاَ دِينَ لَهُ. وَمَا رُئِيَ قَطُّ حَلاَلٌ وَحَلاَلٌ يَجْتَمِعَانِ فَيَحْرُمَانِ إلاَّ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ نَصٌّ , وَبِهَذَا الدَّلِيلِ نَفْسِهِ خَالَفَ الْحَنَفِيُّونَ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ فِي تَحْرِيمِ نَبِيذِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ يُجْمَعَانِ , ثُمَّ حَكَمُوا بِهِ هَاهُنَا حَيْثُ لاَ يَحِلُّ الْحُكْمُ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهُمْ يَقُولُونَ : إنَّ الْجِمَاعَ دُونَ الْفَرْجِ حَتَّى يُمْنِيَ لاَ يُوجِبُ حَدًّا ، وَلاَ يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ , وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِمَاعِ فِي إبْطَالِ الصَّوْمِ بِهِ , مَعَ أَنَّ نَقْضَ الصَّوْمِ بِتَعَمُّدِ الإِمْنَاءِ خَاصَّةً لاَ نَعْلَمُهُ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ , ثُمَّ اتَّبَعَهُ مَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ
زاد المعاد - (ج 2 / ص 54)
فِصَلٌ [ لَا حَرَجَ فِي اغْتِسَالِ الْجُنُبِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَفِي تَقْبِيلِ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ ]
وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُدْرِكَهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ فَيَغْتَسِلُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَيَصُومُ . وَكَانَ يُقَبّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ [ ص 55 ] وَشَبَهُ قُبْلَةُ الصّائِمِ بِالْمَضْمَضَةِ بِالْمَاءِ . وَأَمّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ مِصْدَع بْنِ يَحْيَى عَنْ عَائِشَةَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يُقَبّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ وَيَمُصّ لِسَانَهَا فَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَضَعّفَهُ طَائِفَةٌ بمِصْدَع هَذَا وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَالَ السّعْدِيّ : زَائِغٌ جَائِرٌ عَنْ الطّرِيقِ وَحَسّنَهُ طَائِفَةٌ وَقَالُوا : هُوَ ثِقَةٌ صَدُوقٌ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ " وَفِي إسْنَادِهِ مُحَمّدُ بْنُ دِينَارٍ الطّاحِيّ الْبَصْرِيّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ أَيْضًا قَالَ يَحْيَى : ضَعِيفٌ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَقَالَ غَيْرُهُ صَدُوقٌ وَقَالَ ابْنُ عَدِيّ : قَوْلُهُ وَيَمُصّ لِسَانَهَا لَا يَقُولُهُ إلّا مُحَمّدُ بْنُ دِينَارٍ وَهُوَ الّذِي رَوَاهُ وَفِي إسْنَادِهِ أَيْضًا سَعْدُ بْنُ أَوْسٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ أَيْضًا قَالَ يَحْيَى : بَصْرِيّ ضَعِيفٌ وَقَالَ غَيْرُهُ ثِقَةٌ وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبّانَ فِي الثّقَاتِ . . . وَأَمّا الْحَدِيثُ الّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ مَيْمُونَةَ مُوَلّاةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ " سُئِلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ رَجُلٍ قَبّلَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا صَائِمَانِ فَقَالَ قَدْ أَفْطَرَ " فَلَا يَصِحّ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفِيهِ أَبُو يَزِيدَ الضّنّيّ رَوَاهُ عَنْ مَيْمُونَةَ وَهِيَ بِنْتُ سَعْدٍ قَالَ الدّارَقُطْنِيّ : لَيْسَ بِمَعْرُوفِ وَلَا يَثْبُتُ هَذَا وَقَالَ الْبُخَارِيّ : هَذَا لَا أُحَدّثُ بِهِ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَأَبُو يَزِيدَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ . وَلَا يَصِحّ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ التّفْرِيقُ بَيْنَ الشّابّ وَالشّيْخِ وَلَمْ يَجِئْ مِنْ وَجْهٍ يَثْبُتُ [ ص 56 ] أَبِي دَاوُد عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيّ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الزّبَيْرِيّ : حَدّثَنَا إسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي الْعَنْبَسِ عَنْ الْأَغَرّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَجُلًا سَأَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ لِلصّائِمِ فَرَخّصَ لَهُ وَأَتَاهُ آخَرُ فَسَأَلَهُ فَنَهَاهُ فَإِذَا الّذِي رَخّصَ لَهُ شَيْخٌ وَإِذَا الّذِي نَهَاهُ شَابّ وَإِسْرَائِيلُ وَإِنْ كَانَ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم ٌ قَدْ احْتَجّا بِهِ وَبَقِيّةُ السّتّةِ فَعَلَةُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَغَرّ فِيهِ أَبَا الْعَنْبَسِ الْعَدَوِيّ الْكُوفِيّ وَاسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ سَكَتُوا عَنْهُ(1/110)