[278] فصلٌ: ذكر بعض الصيغ الواردة في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم
2045- روي أنهم سألوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقالوا: كيف نصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: قولوا: صلوات الله البر الرحيم، والملائكة المقربين، والنبيين والصديقين، والشهداء والصالحين، وما سبح لك من شيء يا رب العالمين، على محمد بن عبد الله خاتم النبيين، وسيد المرسلين، وإمام المتقين، ورسول رب العالمين، الشاهد المبشر، الداعي إليك بإذنك السراج المنير.(5/104)
2046- وروى جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أصبح وأمسى وقال:(5/105)
اللهم صل على محمد وآل محمد، واعط محمداً الدرجة الوسيلة في الجنة، اللهم يا رب محمد وآل محمد، صل على محمد وعلى آل محمد، واجز عنا محمداً صلى الله عليه وسلم ما هو أهله، أتعب سبعين كاتباً ألف صباح، ولم يبق لنبيه حق إلا أداه، وغفر له ولوالديه، وحشر مع محمد وآل محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله.(5/106)
2047- وعن بعض الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تصلوا علي الصلاة البتراء، قالوا: وما الصلاة البتراء يا رسول الله؟ قال: لا تقولوا: اللهم صلى على محمد وتمسكوا، بل قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد.(5/107)
[279] فصلٌ: في فضل الإكثار والمكثرين من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم
قال أبو سعد رحمه الله تعالى ورضي عنه: وأكثروا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم آناء الليل والنهار، فإن النبي صلى الله عليه وسلم روي عنه أنه قال:
2048- أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة.(5/108)
2049- وقال صلى الله عليه وسلم : إن أقربكم مني، أكثركم صلاة علي.(5/109)
2050- وقال صلى الله عليه وسلم : أولى الناس بي يوم القيامة، أكثرهم علي صلاة.
2051- وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أحب أن يكتال له بالمكيال الأوفى، فليصل علي رضي الله عنه.(5/110)
2052- وقال رجل: يا رسول الله إني جعلت ثلث دعائي صلاة عليك، قال: إن زدت فهو خير لك، قال: وإن جعلت نصف دعائي صلاة عليك؟ قال: إن زدت فهو خير لك، قال: إن جعلت دعائي صلاة عليك؟ قال: إذاً تكفى همك، ويغفر ذنبك.(5/111)
2053- عن علي بن موسى عليه السلام، عن أبيه، عن جده أنه قال: من قال كل يوم: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد وعلى أهل بيته، مائة مرة، قضي له مائة حاجة منها ثلاثون للدنيا.
2054- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من صلى علي ألف مرة لم يمت حتى يبشر بالجنة.(5/113)
2055- وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أكثروا علي من الصلاة، قال قلت: وهل تبلغك الصلاة بعد أن تفارقنا؟ قال: نعم يا علي، إن الله عز وجل وكل لقبري ملكاً، يقال له: صلصائيل - وهو في صورة الديك متن عفريه تحت عرش الرحمن، ومخالبه في تخوم الأرض السابعة، له ثلاثة أجنحة: جناح إذا نشره بالمشرق، وآخر بالمغرب، وآخر منتشر على قبري، قال: فإذا قال العبد: اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد وارحم محمداً وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، لقطها من فيه كما يلتقط الطير الحب، يرفرف على قبري ويقول: يا محمد يا محمد إن فلان بن فلان صلى عليك وأقرأك السلام فيكتب له ذلك في رق من نور بالمسك الأذفر، وترفع له عشرون ألف حسنة، ويمحى عنه عشرون ألف سيئة، ويغرس له عشرون ألف شجرة طوبى على شاطئ الكوثر، مختوم بالمسك الأذفر الأبيض في قبري عند رأسي، فأول من تنشق عنه الأرض أنا، فيأتيني جبريل عليه السلام بدابة، بين عينيه: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، له سبعون ألف جناح، تحت كل ريشة من أجنحته خلخال من ذهب، جوفه محشو بالمسك الأذفر الأبيض، فيسبح الخلخال بلسان لا يعلم الخلخال الذي بجنبه ما يقول إلا أنه يسبح ويهلل ويحمد رب العالمين فأرفع إلى رضوان(5/114)
خازن الجنة لواء وهو لواء الحمد مكتوب عليه في وسطه لا إله إلا الله محمد رسول الله لو نشرته على جميع ولد آدم لغطاهم عن آخرهم ومن سواهم، جبريل عن يميني وميكائيل عن يساري يسبحان ويهللان ويحمدان مع خلاخل البراق حتى أغرز لوائي عند الميزان، ونصبت الموازين ودعي العباد إلى الحساب، فإذا دعي العبد الذي أكثر الصلاة علي في دار الدنيا وضع في كفة الميزان، فيخف الميزان، فأقول للوزان: ارفق يرحمك الله، فإن له عندي وديعة وصنيعة، والكتاب معي، فيقول الوزان: يا حبيب الله أنت اليوم مطاع، فآمر فيفك كتاب يراه باسمه واسم أبيه وجده وأضعه في كفة الميزان، فأدعو الله أن يرجح ميزانه.(5/115)
[280] فصلٌ: ذكر حكايةٍ متعلقةٍ بفضل الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم
2056- يروى عن الثوري أنه قال: رأيت رجلاً من الحجاج يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت له: هذا موضع ذا؟ فقال: ألا أخبرك؟ مات أبي وكان البيت مظلماً، فدخل رجل كأن وجهه السراج، فمسح وجه أبي فصار كالقمر، فقلت: من أنت؟ فقال: ملكٌ موكل بمن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم أفعل به هكذا.(5/116)
[281]] فصلٌ: في ختم الباب
2057- قال أبو سعد: أنشدت:
صلى الإله على النبي محمد ... والطيبين الطاهرين الرشد
من آله الأبرار أعداد الحصى ... والرمل والقطر، الذي لم يعد(5/118)
[282] باب ما مازح به رسول الله صلى الله عليه وسلم وما قال إلا حقاً
2058- حدثنا أبو محمد: عبد الله بن محمد بن علي بن زياد(5/119)
الدقاق العدل رحمه الله، قال: أخبرنا أبو إسحاق: إبراهيم بن إسحاق الأنماطي، قال: حدثنا لوين: محمد بن سليمان المصيصي، قال:(5/120)
حدثنا شريك، عن عاصم الأحول، عن أنس بن مالك قال: كناني رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الأذنين.(5/121)
2059- روى أنس بن مالك قال: كان لأبي طلحة ابن من أم سليم يقال له: أبو عمير، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضاحكه إذا دخل، وكان له نغير -وهو العصفور- فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دارهم فرأى أبا عمير حزيناً فقال: ما شأن أبي عمير؟ قيل: يا رسول الله مات نغيره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبا عمير ما فعل النغير.
وقيل: إن فيه من الفوائد:
الأول: حبه صلى الله عليه وسلم الأنصار.(5/122)
الثاني: اختصاص أم سليم بالدخول عليها، والانبساط معها.
الثالث: حسن خلقه صلى الله عليه وسلم للقاصي والداني.
الرابع: إباحة الممازحة مع الصبيان.
الخامس: جواز تصغير الاسم كحميد، ونجيد.
السادس: جواز أن يكنى الرجل قبل أن يولد له.
السابع: جواز تصغير اسم الحيوان إذا كان صغير الجسم.
الثامن: جواز إضافة الفعل إليه لأنه صلى الله عليه وسلم قال: ما فعل النغير.
التاسع: تحليل الصيد من الحل.
العاشر: جواز إمساك الصيد في الحرم إذا كانت الإصابة في الحل، لأن المدينة حرم من وجه الخبر، فإنه صلى الله عليه وسلم قال: حرمت ما بين لابتيها، ولا يزول الملك، أو قيل: إن من اصطاد بالمدينة سلبه لمن رآه في حال الصيد، روي في ذلك مسنداً عن النبي صلى الله عليه وسلم .(5/123)
الحادي عشر: من السنة أن تسأل عن الحزين ما أصابه إذا رؤي الأثر فيه، فإنه صلى الله عليه وسلم قال: ما شأنه؟
الثاني عشر: جواز إمساك الطير من غير أرب، لا لفرخ ولا لبيض.
2060- ومنها: أن امرأة من عماته قالت: يا رسول الله، سل الله أن يدخلني الجنة، قال: إن الجنة لا يدخلها العجز، فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها حزينة قال: جعلهن الله أبكاراً.(5/124)
2061- ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : ذو اليدين، وذو الشمالين.(5/126)
2062- ومنها: أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله احملني على جمل، قال: أحملك على ولد ناقة، قالت: يا رسول الله لا يطيقني، فقال صلى الله عليه وسلم : لا أحملك إلا على ولد ناقة، فقالت: يا رسول الله إنه لا يطيقني، فقال لها الناس: وهل الجمل إلا ولد الناقة.(5/127)
2063- وجاءت امرأة أخرى فقالت: يا رسول الله إن زوجي مريض وهو يدعوك، فقال صلى الله عليه وسلم : لعل زوجك الذي في عينيه بياض، فرجعت المرأة وفتحت عين زوجها لتنظر إليها فقال: ما لك؟ قالت: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في عين زوجي بياض، فقال: ويحك! فهل أحد إلا وفي عينيه بياض، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم .
2064- روي أن عائشة رضي الله عنها قالت: سابقت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقني ثم ضرب بين كتفي.(5/128)
2065- وروي أنه صلى الله عليه وسلم سابق أبا هريرة، وكان صلى الله عليه وسلم يقول لأبي هريرة: أبا هر.
2066- وروي عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت مع أصحابه صلى الله عليه وسلم في سفر فثقل عليهم متاعهم فقال لي: ابسط كساك، فبسطت، فوضع أمتعتهم في كسائي ثم قال: أنت سفينة فاحملها، فحملتها، وكان من ذلك اليوم لو حمل علي وقران وثلاثة وأربعة وخمسة وستة وسبعة ما ثقل علي.
2067- ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم مال للحسن أو الحسين فوضع رجله على رجليه، وأخذ بيده:
حزقه حزقه ... ترق عين بقه
اللهم إني أحبه فأحبه ...(5/129)
2068- وروي أن زاهراً كان في السوق إذ أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء ظهره، فوضع يديه على عينيه -وما كان يعرف أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم - حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يشتري العبد؟ فجعل يمسح ظهره برسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: إذاً تجدني كاسداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لكنك عند ربك لست بكاسد.(5/131)
2069- وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها: إني أعرف إذا كنت راضية عني وإذا كنت غضبى، قالت: فسألته عن ذلك؟ فقال: إذا كنت راضية قلت: لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى تقولي: لا ورب إبراهيم، قالت: يا رسول الله لا أهجر إلا اسمك.
2070- وروي أنه صلى الله عليه وسلم كان يمازح بلالاً، فرآه يوماً وقد خرج بطنه فقال: أم حبين -شبهه بها-.(5/132)
2071- ومنها: أنه رأى حسيناً مع صبية في السكة، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام القوم، فطفق الحسين يفر هاهنا وهاهنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضاحكه حتى أخذه، فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والأخرى فوق رأسه، ثم أخذ قفاه فقبله.(5/133)
[283] فصلٌ: ومما موزح به بين يديه صلى الله عليه وسلم فلم يمنعهم
2072- فمن ذلك أن عائشة رضي الله عنها كانت تلعب فقال: إيش الذي تعملين؟ قالت: خيل سليمان.
فلم ينكر عليها صلى الله عليه وسلم .(5/134)
2073- وكان صلى الله عليه وسلم يقول لها: يا حميراء لا تأكلي الطين.
2074- وعن أبي هريرة أنه قال: اشتكيت بطني، واشتد بي، فمر بي في المسجد -وكنت مطروحاً- فقال: شبوذ اشكم درد؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: قم فصل، فإن في الصلاة شفاء.(5/135)
2075- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأمزح، ولا أقول إلا حقاً.
2076- وعن أنس قال: كناني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببقلة كنت اجتنيتها.(5/137)
2077- وعن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد علي بن أبي طالب رضوان الله عليه مضطجعاً في المسجد وقد سقط رداءه عن ظهره وخلص التراب إلى ظهره، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح التراب عن ظهره ويقول: اجلس أبا تراب.
2078- روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي هريرة: زر غباً تزدد حباً، وسببه: أن أبا هريرة تخلف يوماً عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: يا أبا هريرة أين(5/138)
كنت؟ قال: كنت عند أختي لتغسل ثوبي، ثم تخلف يوماً آخر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا هريرة زر غباً تزدد حباً، أي: أقم عندنا، فإنك عزيز عندنا، وزر أقرباءك غباً.(5/139)
2079- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفكه الناس، رواه أنس.(5/146)
2080- وكان صلى الله عليه وسلم يداعب الرجل ليس إلا ليسره، رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
2081- وعن الحسن قال: قلت لجعفر بن محمد: جعلت فداك هل كانت في النبي صلى الله عليه وسلم مداعبة؟ قال: لقد وصفه الله بخلق عظيم في المداعبة، إن الله بعث أنبياءه فكانت فيهم كدارة، وبعث محمد صلى الله عليه وسلم بالرأفة والرحمة، وكان من رأفته ورحمته مداعبته لهم، لكي لا يبلغ بأحد تعظيم حتى لا ينظر إليه، ثم قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده(5/147)
علي بن أبي طالب قال: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسر الرجل من أصحابه إذا كان مغموماً بالمداعبة.
2082- وكان صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله عز وجل يبغض المعبس في وجوه إخوانه.
2083- وعن امرأة من الأنصار يقال لها: أم نبيط قالت: أهدينا جارية لنا من بني النجار إلى زوجها، فكنت مع نسوة من بني النجار ومعي دف أضرب به وأنا أقول:
أتيناكم أتيناكم ... فحيونا نحييكم
ما حللنا بواديكم ... لولا الذهب الأحمر(5/148)
قالت: فوقف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا يا أم نبيط؟ قلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله جارية منا من بني النجار نهديها إلى زوجها، قال عليه الصلاة والسلام: فتقولين ماذا؟ قالت: فأعدت عليه قولي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ولولا الحنطة السمرا ... ما سمنت عذاريكم(5/149)
2084- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: عثر أسامة بن زيد بعتبة الباب فشج في وجهه، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أميطي عنه، قالت: فقذرته، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمصه ويمجه ويقول:
لو كان أسامة جارية لحليناه، ثم لو كان أسامة جارية لكسوناه، لننفقه.(5/150)
2085- وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: دخل علي أبي فقال لي: يا عائشة إذا دخل عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسرور فاسأليه أن يدعو الله لك ليغفر ما تقدم من ذنبك وما تأخر، قالت: فدخل علي ذات يوم وأنا ألعب بلعب لي فقال: ما هذا يا عائشة؟ قلت: خيل سليمان بن داود عليه السلام فضحك، وطلب الباب فابتدرته واعتنقته، فقال: ما لك يا حميراء؟ قلت: بأبي وأمي يا رسول الله، ادع الله أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر، قالت: فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه حتى رأيت بياض إبطيه فقال: اللهم اغفر لعائشة بنت أبي بكر مغفرة ظاهرة وباطنة لا يغادر ذنباً ولا تكسب بعدها خطيئة ولا إثماً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أفرحت يا عائشة؟(5/151)
قلت: إي والذي بعثك بالحق، فقال: أما والذي بعثني بالحق ما خصصتك بها من بين أمتي، وإنها لصلاتي لأمتي في الليل والنهار فيمن مضى منهم ومن بقي ومن هو آت إلى يوم القيامة، وأنا أدعو لهم والملائكة يؤمنون على دعائي.(5/152)
[284] باب ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمثال أو قال كلمةً فصارت مثلاً سائراً
وقال عز وجل: {يأيها الناس ضرب مثلٌ فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب} الآية.
2086- حدثنا أبو عمرو: محمد بن جعفر بن محمد بن مطر رحمه الله، ثنا أبو بكر: أحمد بن داود السمناني، ثنا إسحاق بن سعيد بن أركون، ثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أنس بن مالك، .. ..(5/153)
عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة، ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة، لا ريح لها وطعمها طيب، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنضلة، لا ريح لها وطعمها مر.
2087- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثاً، ولا يملأ جوفه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب.(5/154)
2088- وسئلت عائشة رضي الله عنها: هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يتمثل شعراً قط؟ قالت: كان أحياناً إذا دخل بيته يقول: ويأتيك بالأخبار من لم تزود.
2089- وقال عبد الله بن عمرو: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت.(5/155)
2090- وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يشكر الله من لا يشكر الناس.
2091- وعن أبي سعيد والأشعث بن قيس قالا: قال النبي صلى الله عليه وسلم : من لا يشكر الناس لا يشكر الله.(5/156)
2092- روى نصر بن سيار، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أنعم رجل على آخر نعمة فلم يشكرها له، فدعا الله عليه إلا استجيب له.(5/157)
ثم قال نصر بن سيار: اللهم إني أنعمت على آل بسام فلم يشكروها، اللهم اهرق دماءهم، قال: فما أصبح منهم إلا قليل.
2093- وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وابغض بغيضك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما.(5/158)
2094- وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : السماح رباح، والعسر شؤم.(5/161)
2095- وعن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ينبغ للمؤمن أن يذل نفسه، قيل: يا رسول الله وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق.(5/162)
2096- وعن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رأس العقل بعد الإيمان بالله: مداراة الناس، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، ولن يهلك امرؤ بعد مشورة.(5/163)
2097- وعن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا حليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة.(5/164)
2098- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعظم النساء بركة أقلهن مؤونة.(5/165)
2099- وعن عكرمة، عن ابن عباس قال: دخل عيينة بن حصن على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر وعمر وهم جميعاً جلوس بالأرض، فدعا لعيينة بنمرقة فأجلسه عليها وقال: إذا أتاكم كرم قوم فأكرموه.
2100- وعن جرر بن عبد الله قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما جاء بك يا جرير؟ قال: جئت لأسلم يا رسول الله، قال: فبسط لي رداءه وقال: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه.(5/167)
2101- وعن جعفر بن عمرو بن أمية قال: قال عمرو بن أمية: قلت: يا رسول الله أقيد راحلتي وأتوكل، أو أرسلها وأتوكل؟ قال: قيدها وتوكل.(5/168)
2102- وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن أبي بكر أنهم كانوا في سفر قالوا: يا رسول الله أنرسل رواحلنا ونتوكل؟ قال: اعقلوها وتوكلوا.
2103- وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الناس كإبل مائة، لا تجد فيها راحلة واحدة.(5/169)
2104- وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس شيء خير من ألف مثله إلا المؤمن.
وأنشد لبعض الشعراء في ذلك:
أدب المرء كلحم ودم ... ما حواه رجل إلا صلح
لو وزنتم رجلاً ذا أدب ... بألوف من ذوي الجهل رجح
2105- وروى أبو ذر الغفاري رض الله عنه –وكان جالساً في المسجد محتبياً بكساء صوف- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الوحدة خير من جليس(5/170)
السوء، والجليس الصالح خير من الوحدة، وإملاء الخير خير من السكوت، والسكوت خير من إملاء الشر.
2106- وأن رجلاً من العرب كان يغشى أبا بكر يقال له: عفير، فقال له أبو بكر: يا عفير ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عفير: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الود يتوارث، والبغض يتوارث.(5/171)
2107- وعن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : من رزق من شيء فليلزمه.(5/172)
2108- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : السفر قطعة من العذاب، يدع أحدكم طعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته من سفر فليعجل الرجوع إلى أهله.
2109- عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الناس سواء كأسنان المشط إنما يتفاضلون بالعافية، والمرء كثير بأخيه، يرفده، يكسوه، يحمله، ولا خير في صحبة من لا يرى لك مثل الذي ترى له.(5/173)
وقد أخبر الشاعر بذلك فقال:
وإني لأستحي صديقي أرى له ... علي من الفضل الذي لا يرى ليا(5/174)
2110- وعن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس الخبر كالمعاينة، إن موسى عليه السلام أخبره الله عز وجل عن قومه فلم يكسر الألواح، فلما عاين ذلك منهم كسرها ورمى بها.
2111- وعن سهل بن سعد قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : المرء على دين خليله، ولا خير في صحبة من لا يرى لك مثل الذي ترى له.(5/175)
2112- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: المؤمن مرآة المؤمن حيث لقيه، يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه.
2113- وفي رواية: المؤمن مرآة أخيه، فإذا رأى به شيئاً فليمطه عنه.
2114- وعن النعمان بن بشير، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن في الإنسان مضغة، إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب.
2115- وعن عامر بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة.(5/176)
2116- وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكعب بن مالك: من سيدكم يا بني سلمة؟ قالوا: يا رسول الله سيدنا جد بن قيس، قال: بم سودتموه؟ قالوا: أكثرنا مالاً، وإنا على ذلك لنزنه بالبخل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وأي داء أدوى من البخل، قال: ليس ذلك سيدكم، قالوا: فمن سيدنا؟ قال: سيدكم بشر بن البراء.(5/177)
2117- وعن ابن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو يقول: واقية كواقية الوليد –يعني: الطفل-.
2118- وقال صلى الله عليه وسلم : انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قالوا: يا رسول الله ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟ قال: تكفه عن الظلم فذلك نصرتك إياه.
2119- وقال صلى الله عليه وسلم : القناعة مال لا ينفد.(5/179)
2120- وقال صلى الله عليه وسلم : الخير عادة والشر لجاجة، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين.(5/180)
2121- وعن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك شبهات، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
2122- وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أن عبداً عمل في صخرة لا باب لها ولا كوة، لظهر للناس عمله كائناً ما كان.(5/181)
2123- وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف، فاحرص على ما ينفعك ولا تفجر، فإن غلبك أمر فقل: قدر الله أو: ما شاء، وإياكم واللو، فإن اللو تفتح عمل الشيطان.
2124- وقال صلى الله عليه وسلم : ما عال من اقتصد.(5/182)
2125- وعن أسلم مولى عمر قال: خرجت في سفر فلما رجعت قال لي عمر: من صحبت؟ قلت: صبحت رجلاً من بني بكر، فقال عمر: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أخوك البكري فلا تأمنه.
2126- وقال بعض الصحابة: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد أن يبعثني بمال إلى أبي سفيان يقسمه في قريش بمكة بعد الفتح فقال:(5/183)
التمس صاحباً، فجاءني عمرو بن أمية الضمري قال: بلغني أنك تريد الخروج وتلتمس صاحباً، قلت: أجل، قال: فأنا لك صاحب، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: وجدت صاحباً، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا وجدت صاحباً فآذني، -فقال: من؟ قلت: عمرو بن أمية الضمري، قال: إذا هبطت بلاد قومه فاحذره، فإنه قد قال القائل: أخوك البكري فلا تأمنه، قال: فخرجت حتى جئت الأبواء، قال: إني أريد حاجة إلى قومي فتلبث لي، قلت: امض راشداً، فلما ولى ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فشددت على بعيري، فخرجت أوضعه فسبقته، فلما رآني أن تقدمته جاءني فقال لي: كانت لي حاجة إلى قومي، قلت: أجل، فمضينا حتى قدمنا إلى مكة، فدفعت المال إلى أبي سفيان.
2127- وعن النعمان بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك شبهات، فمن ترك الشبهات فهو للحرام أترك، ومعصية الله حمى، ومن رتع حول الحمى يوشك أن يرتع في الحمى، ألا إن لكل ملك حمى وحمى الله محارمه.
2128- وقال صلى الله عليه وسلم : اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله.(5/184)
2129- وقال صلى الله عليه وسلم : أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود.
2130- وقال صلى الله عليه وسلم : من صمت نجا.(5/186)
2131- وقال صلى الله عليه وسلم : ما قل وكفى خير مما كثر وألهى.(5/187)
2132- وقال صلى الله عليه وسلم : عمل قليل في سنة، خير من عمل كثير في بدعة.(5/188)
2133- وأنه صلى الله عليه وسلم خطب الناس بمنى فقال: ليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع.
2134- وقال صلى الله عليه وسلم : الحرب خدعة.
2135- عن كعب بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها، فأظهر أنه يريد غيرها، وكان يقول: الحرب خدعة.
2136- وقال صلى الله عليه وسلم : التمسوا الجار قبل شراء الدار، والرفيق قبل الطريق.
2137- وقال صلى الله عليه وسلم : يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه، ويدع الجذع في عينيه.(5/189)
2138- وقال صلى الله عليه وسلم : أكرموا أولادكم، وأحسنوا أدبهم.
2139- وقال صلى الله عليه وسلم : الحزم سوء الظن.(5/190)
2140- وقال صلى الله عليه وسلم : اطلبوا الخير عند حسان الوجوه.(5/192)
2141- وعن أبي مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت.
2142- وقال صلى الله عليه وسلم : كل معروف صدقة.
2143- وقال صلى الله عليه وسلم : أخبر تقله.(5/199)
2144- وقال صلى الله عليه وسلم : حبك الشيء يعمي ويصم.(5/200)
2145- وكانت بمكة امرأة صالحة فقدمت المدينة فنزلت على امرأة مثلها، فبلغ ذلك عائشة فقالت: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سمعته يقول: الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.
2146- وقال صلى الله عليه وسلم : المستشار مؤتمن.
2147- وقال صلى الله عليه وسلم : إن من البيان لسحراً، وإن من الشعر لحكمة.(5/204)
2148- وقال صلى الله عليه وسلم : إن طول الصلاة وقصر الخطبة مئنة من فقه الرجل، فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة، وإن من البيان سحراً.
2149- وقال صلى الله عليه وسلم : كل معروف صدقة، وما وقى الرجل به عرضه فهو صدقة، وما أنفق المؤمن من نفقة فإن خلفها على الله ضامن، إلا أن ينفقها في بناء أو معصية، قيل لمحمد: وما يعني بقوله: ما وقى الرجل به عرضه؟ قال: ما يعطي الشاعر وذا اللسان.(5/205)
2150- وقال صلى الله عليه وسلم : أعط السائل ولو جاءك على فرس.(5/206)
2151- وقال صلى الله عليه وسلم : بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمداً فلتبوأ مقعده من النار.
2152- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حدثوا عن بني إسرائيل، فإنه كانت فيهم الأعاجيب.(5/207)
2153- وقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.(5/208)
2154- وعن الشعبي، عن مسروق قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء؟ قالت: نعم، كان إذا دخل منزله قال: لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغي لهما وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب -ويتوب الله على من تاب- وإنما جعل المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة.
2155- وروى واثلة بن الأسقع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: المتعبد بغير فقه كالحمار في الطاحونة.
2156- وقال صلى الله عليه وسلم : لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب، فإن الله يطعمهم ويسقيهم ما داموا في مرضهم.(5/212)
2157- وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: مثل المؤمن ومثل الإيمان كمثل الفرس في آخيته، يجول ثم يرجع إلى آخيته،(5/214)
وإن المؤمن يسهو ثم يرجع إلى الإيمان، فأطعموا طعامكم الأتقياء، وأولوا معروفكم المؤمنين.
2158- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثل الذي يسمع الحكمة ولا يحمل إلا شرها كمثل رجل أتى راعياً فقال: يا راعي أعطني شاة من غنمك، قال: اذهب فخذ بأذن شاة منها، فانطلق فأخذ بأذن الكلب.
2159- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثل أمتي مثل المطر، لا يدرى أوله خير أو آخره.(5/215)
2160- وقال النبي صلى الله عليه وسلم : مثل القلب كمثل ريشة بأرض فلاة، تقلبها الريح ظهراً لبطن.(5/217)
2161- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثل المنافق كمثل الشاة العائرة، عائرة بين غنمين، يعني: إلى هذه مرة وإلى هذه مرة.
2162- وقال النبي صلى الله عليه وسلم : مثل القرآن كمثل الإبل المعقلة، إن تعهدها صاحبها بعقلها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت.
2163- وقال صلى الله عليه وسلم : مثل الصلوات الخمس كمثل رجل على بابه نهر جار، يغتسل منه كل يوم خمس مرات.
2164- وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: مثل المؤمن من أهل الإيمان كمثل الرأس من الجسد، .. ..(5/219)
يألم المؤمن من أهل الإيمان، كما يألم الجسد لما في الرأس.
2165- وقال صلى الله عليه وسلم : مثل المريض إذا برأ وصح، كمثل بردة تقع من السماء في صفائها ولونها.(5/220)
2166- عن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مثل القائم على حدود الله والمداهن في حدود الله كمثل ثلاثة نفر ركبوا سفينة، فجلس أحدهم في صدرها والثاني في وسطها والثالث في أسفلها، فجعل الذي في أسفلها يضربها بفأس معه فقال الذي يليه: لا تضرب فتغرقنا، وقال الآخر: دعه فإنه يغرق نفسه.
2167- وقال أبو سعيد الخدري: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له.(5/221)
2168- وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثل العلماء في الأرض مثل النجوم في السماء، يقتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن يضل الهداة.
2169- وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: ألا أخبركما مثلكما في الملائكة ومثلكما في الأنبياء؟ مثلك يا أبا بكر في الملائكة كمثل ميكائيل، ينزل بالرحمة، ومثلك في الأنبياء كمثل إبراهيم عليه السلام، كذبه قومه وعصوه وهو يقول: {فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفورٌ رحيمٌ}، ومثلك يا عمر(5/224)
كمثل جبريل، ينزل بالبأس والشدة والنقمة على أعدائه، ومثلك في الأنبياء كمثل نوح عليه السلام قال: {وقال نوحٌ رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً}.
2170- لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر غانماً ومعه سبعين أسيراً ثم بات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ببدر، وأمر أن يستوثق كل إنسان منهم من أسيره، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينام، فقال أصحابه: ما لك يا رسول الله لاتنام؟ قال: سمعت صوت العباس في وثاقه، فقالوا: يا رسول الله نخلي سبيله؟ قال: لا ولكن خففوا من وثاقه، فإن عم الرجل صنو أبيه.(5/225)
فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور الناس في الأسارى، فقال له أبو بكر: يا رسول الله هم قومك، تقتلهم يدخلون النار، ولكن فادهم، فيكون الذي تأخذه منهم قوة للمسلمين، ولعل الله يقبل بقلوبهم فيسلموا، فقال عمر: يا رسول الله اقتلهم، فوالله ما أعلم قوماً شراً لنبيهم منهم، لقد كذبوك وأخرجوك وقاتلوك فاقتلهم.
قال: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي أبي بكر، ثم ضرب لهما مثلاً فقال: إن مثلكما مثل نوح وإبراهيم، فمثل أبي بكر مثل إبراهيم حيث قال: {فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفورٌ رحيمٌ}، ومثل عمر مثل نوح حيث قال: { رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً}.
2171- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثل هذه الأمة كمثل أربعة نفر: رجل آتاه الله علماً ومالاً، فهو يعمل بعلمه في ماله ينفقه في حقه، ورجل آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً، فهو يقول: لو كان لي مثل مال فلان عملت فيه مثل الذي يعمل.(5/226)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهما في الأجر سواء.
ورجل آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً، فهو يتخبط في ماله ينفقه في غير حقه، ورجل لم يؤته الله مالاً ولا علماً، فهو يقول: لو كان لي مثل فلان هذا عملت فيه مثل الذي يعمل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فهما في الوزر سواء.(5/227)
2172- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما مثل أصحابي في أمتي كمثل الملح في الطعام، ولا يصلح الطعام إلا بالملح.
قال الحسن: قد ذهب ملحنا فكيف يصلح؟.(5/228)
2173- وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً، وعلى جنبتي الصراط سوران عليهما أبواب متفتحة وستور مرخاة، وعلى رأس الصراط داع يدعو يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط ولا تعوجوا، وداع يدعو فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان فتح شيء من تلك الأبواب قال له: إن تفتحه تلجه فعليك بالصراط، قال: فالصراط: هو الإسلام، والأبواب المفتحة: محارم الله، والداعي على باب الصراط: كتاب الله، والداعي من فوق الصراط: واعظ الله في قلب كل مسلم.(5/229)
2174- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل البخيل والمتصدق، كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من لدن ثديهما إلى تراقيهما، فإذا أراد المتصدق أن يتصدق اتسعت عليه حتى تغشى أنامله وتعفي أثره، وإذا أراد البخيل أن ينفق تقلصت عليه وانضمت يداه إلى تراقيه وانقبضت عليه كل حلقة إلى صاحبتها، فيجتهد أن يوسعها فلا يستطيع.
2175- وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ليأتين على الناس زمان يكونون على شبه أسد وذئب وكلب وثعلب وخنزير وشاة.
فأما الأسد: فملوك الدنيا يغيروا سنتها، ويتعدون حدودها، ويحلون حرامها، ويحرمون حلالها، لا يطمع أحد في فريسته.
وأما الذئب: فالتاجر الفاجر، يذم إذا اشترى، يمدح إذا باع.
وأما الكلب: فالرجل الكذاب.(5/230)
وأما الثعلب: فالرجل القارئ الذي يأكل بدينه.
وأما الخنزير: فالرجل المتشبه بالنساء، لا يظلف نفسه عن شيء.
وأما الشاة: فالرجل المؤمن، يجز صوفها، ويؤكل لحمها، ويحلب لبنها.
فكيف بشاة بين أسد، وذئب، وكلب، وثعلب، وخنزير؟.
2176- وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وفداً إلى اليمن، وأمر عليهم أميراً منهم –هو أصغرهم- فبقي أياماً لم يسر، فلقي النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً منهم فقال: يا فلان ما لك ما انطلقت؟ قال: يا رسول الله، أميرنا يشتكي رجله، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بسم الله، وبالله، أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما فيها -سبع مرات- فبرأ الرجل، فقال له شيخ:؟ يا رسول الله أتؤمره علينا وهو أصغرنا، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم قراءته القرآن، فقال الشيخ: يا رسول الله لولا أني أخاف أن أتوسده فلا أقوم لتعلمته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فتعلمه، وإنما مثل القرآن كجراب ملأته مسكاً ثم ربطت على فيه فإن فتحته فاح عليك ريح المسك وإن تركته كان مسكاً موضوعاً كذلك مثل القرآن إن قرأته أو كان في صدرك.(5/231)
2177- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس.(5/233)
جامع أبواب الفضائل والمناقب(5/235)
[285] باب فضل العرب
وقوله عز وجل: {ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشرٌ لسان الذي يلحدون إليه أعجميٌ وهذا لسانٌ عربيٌ مبينٌ}.
وقوله: {إنا أنزلناه قرءاناً عربياً لعلكم تعقلون}.
وقوله: {وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسانٍ عربيٍ مبينِ}.
وقوله: {وكذلك أنزلناه حكماً عربياً}.
2178- حدثنا أبو الحسن: محمد بن الحسن بن أحمد بن إسماعيل السراج المؤدب: ثنا محمد بن عبد الله بن سليمان(5/237)
الحضرمي قال: حدثنا العلاء بن عمرو الحنفي، قال .. ..(5/238)
حدثنا يحيى بن بريد الأشعري، عن ابن جريح، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحبوا العرب لثلاث: لأني عربي،(5/239)
والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي.(5/240)
2179- وروى عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : احفظوني في العرب.
2180- عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا سلمان لا تبغضني فتفارق دينك، قال: قلت: يا رسول الله كيف أبغضك وبك هدانا الله؟ قال: تبغض العرب فتبغضني.(5/241)
2181- وروي عن سلمان الفارسي أنه قال للعرب: لكم علينا أن لا ننكح نساءكم، ولا نؤمكم؛ بتفضيل الله إياكم.
2182- ويروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: استند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدري فقال: يا علي أوصيك بالعرب خيراً.
2183- وروى ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حب العرب إيمان، وبغضهم نفاق.(5/242)
2184- عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سيكون فتن يصطلم فيها العرب، اللسان فيها أشد وقعاً من السيف، قتلاها جميعاً في النار.
2185- وقال صلى الله عليه وسلم : من غش العرب لم يدخل في شفاعتي، ولم تنله مودتي.(5/243)
2186- وقال صلى الله عليه وسلم : من سب العرب فأولئك هم المشركون.
2187- قال بعضهم: العرب أكرم الناس أخلاقاً، وأطهرهم أعراقاً، لأنهم من نسل إبراهيم الخليل، وزرع إسماعيل الذبيح عليه السلام، حبهم إيمان، وبغضهم نفاق، لأن الوحي فيهم نزل، والنبي صلى الله عليه وسلم منهم أرسل، والجود إليهم نسب، والفضل بهم عصب.
2188- وقيل: إن العرب يد ورجل، والأتراك يد بلا رجل، والديالمة رجل بلا يد، وذلك أن العرب تعمل راكباً وراجلاً، والأتراك هم الفرسان، فإذا صاروا رجالة ذهبت صولتهم، والديالمة قل ما يخرج منهم فارس.
2189- قال وكيع بن الجراح: ما من قوم مضوا في حاجة ومعهم رجل من قريش أو العرب إلا قضيت حاجتهم بالحسنى.(5/244)
[286] فصلٌ: ذكر فراسة أعرابي
2190- عن عبد الله بن الحسن بن علي قال: أخبرني أبي أن عبد الله بن طاهر لما صار إلى المدينة بينا هو راكب ومعه كاتبه إسحاق بن إبراهيم الرافقي، .. ..(5/245)
وإسحاق ابن أبي ربعي وزيره، وأبو السمراء، إذ أقبل أعرابي على قعود له، فلما نظر إليه عبد الله بن طاهر قال: إن الأعراب أفطن قوم، وفيهم الرجز والفأل والفراسة والقيافة، ويشرف أحدهم على الموكب فيسلم بالإمرة وهو لا يعرف الأمير، وإني لأحسب الأعرابي منهم، فإذا سلم فردوا عليه بأجمعكم كي يلبس عليه الأمر.
فلما دنا الأعرابي وسلم بالإمرة ردوا عليه بأجمعهم، فتحير الأعرابي ساعة، ثم نظر إلى إسحاق بن أبي ربعي -وكان كاتبه- فأنشأ يقول:
أظن بلا شك بأنك كاتب ... عليم بأبواب الرشا بصير(5/246)
أديب خدوم للملوك مساعد ... على ما أرادوا للبلاد خبير
ثم نظر إلى إسحاق بن إبراهيم –وهو وزيره- فأنشأ يقول:
ومظهر نسك ما عليه ضمير ... يحب الهدايا بالرجال مكور
أظن به جبناً وبخلاً سمته ... يخبر عنه أنه لوزير
ثم نظر إلى أبي السمراء فأنشأ يقول:
وأنت خليل للأمير ومؤنس ... لكون له بالقرب منك سرور
وأنت أخولب وبالشعر عالم ... وأنت نديم مرة وسمير
ثم نظر إلى عبد الله بن طاهر فقال:
وهذا الأمير المرتجا سيب كفه ... وما أن له في العالمين نظير
عليه رداء من جلال وهيبة ... ووجه بإدراك النجاح يشير(5/247)
كريم له من الكرامات سوابق ... على كل من يزهو بهم ويطير
فما قلت ظناً بل فراسة قائف ... وعلم لكشف الغائبات سفير
قال: فضحك عبد الله بن طاهر واستظرفه، وقال: ويحك! أساحر أنت؟ وأمر له بمائة ألف درهم، واستصحبه.(5/248)
[287] فصلٌ: في فضل قريشٍ
2191- روى عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أهان قريشاً أهانه الله.(5/249)
2192- وروى رفاعة بن رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن قريشاً أهل صبر وأمانة، فمن بغاها العواثر أكبه الله لوجهه يوم القيامة.(5/252)
2193- وفي رواية عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: قريش راية الله في الأرض، فمن بغاها العواثر أكبه الله في النار على وجهه.
2194- وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أذل قريشاً أذله الله.(5/253)
2195- وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: قدموا قريشاً ولا تقدموا، وتعلموا من قريش ولا تعلموها.(5/254)
2196- وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تؤموا قريشاً وائتموا بها، ولا تقدموا على قريش وقدموها، ولا تعلموا قريشاً وتعلموا منها، فإن أمانة الأمين من قريش تدل أمانة أمينين من غيرهم، وإن علم عالم قريش يسع طباق الأرض، ولولا أن تبطر قريش لأخبرتها بمالها عند الله.(5/257)
2197- وعن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أحبوا قريشاً ولا تبغضوها فتهلكوا.(5/258)
2198- وروى عمرو بن دينار، عن سالم، عن عبد الله بن عمر قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله اختار العرب، ثم اختار من العرب قريشاً.
2199- وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن للقرشي قوة الرجلين من غير قريش.(5/259)
2200- وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن عقل الرجل من قريش عقل رجلين من غيرهم.
2201- وعن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلب الرجل قريش، وهل يمشي الرجل من غير صلب.(5/260)
2202- عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمان أهل الأرض من الاختلاف: الموالاة لقريش، قريش أهل الله فإذا خالفتها قبيلة من العرب صاروا في حزب إبليس.(5/261)
2203- عن عتبة بن عبد السلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الخلافة لقريش، والحكم للأنصار.
2204- وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يزال الدين واصباً ما بقي من قريش عشرون رجلاً.(5/262)
2205- وروى أبو سلمة، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لقد هممت أن لا أقبل هبة إلا من قرشي أو ثقفي أو أنصاري.
2206- وروى أبو جمرة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خير أهل المشرق عبد القيس، أسلم الناس كرهاً وأسلموا طائعين.(5/263)
2207- وروى أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خير نساء ركبن الإبل: نساء قريش، أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده.(5/264)
2208- وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الأزد أزد الله، يريد الناس أن يضعوهم، ويأبى الله إلا أن يرفعهم، وليأتين على الناس زمان يقول الرجل: يا ليت أبي كان أزدياً، يا ليت أمي كانت أزدية.
2209- وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عنزة حي من هاهنا مبغي عليهم منصورون.(5/265)
[288] فصلٌ: في إشارته صلى الله عليه وسلم لعالم قريش
2210- روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: عالم قريش يملأ طباق الأرض علماً.(5/267)
[289] بابٌ: في فضائل المهاجرين والأنصار وسائر القبائل
2211- عن صهيب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في المهاجرين الأولين: هم السابقون الشافعون المدلون على ربهم تبارك وتعالى، والذي نفسي بيده، إنهم ليأتون يوم القيامة، وعلى عواتقهم السلاح، فيقرعون باب الجنة، فيقول لهم الخزنة: من أنتم؟ فيقولون: نحن المهاجرون، فيقول لهم الخزنة: هل حوسبتم؟ فيجثون على ركبهم، وينثرونا ما في جعابهم، ويرفعون أيديهم إلى السماء فيقولون: يا رب ألهذا نحاسب وقد خرجنا وتركنا الأهل والمال والولد؟ فتمثل لهم أجنحة من ذهب مخوصة بالزبرجد والياقوت، فيطيرون حتى يدخلون الجنة، فذلك قوله: {وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفورٌ شكورٌ. الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصبٌ ولا يمسنا فيها لغوب}.(5/271)
قال أبو حذيفة: قال حذيفة: قال صيفي: قال صهيب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلهم بمنازلهم في الجنة أعرف منهم بمنازلهم في الدنيا.
2212- وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: أول زمرة تدخل الجنة: فقراء المهاجرين.(5/272)
2213- وروى أبو رهم الغفاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: .. ..(5/273)
إن أعز أهلي علي أن يتخلف عني: المهاجرون والأنصار، وأسلم وغفار.(5/274)
2214- روى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الجنة للأعرابي بعشر، وللمهاجرين بسبع.
2215- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم : آية المنافق بغض الأنصار، وآية المؤمن حب الأنصار.
2216- وقال صلى الله عليه وسلم في الأنصار: لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله.(5/275)
2217- وقال صلى الله عليه وسلم : لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر.
2218- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: افتخر الحيان: الأوس والخزرج، فقالت الأوس: منا غسيل الملائكة: حنظلة بن أبي عامر، ومنا من حمته الدبر: عاصم بن ثابت، ومنا من اهتز له عرش الرحمن:(5/276)
سعد بن معاذ، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين: خزيمة ابن ثابت، فقالت الخزرجيون: منا أربعة جمعوا القرآن لم يجمعه أحد غيرهم: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد.
2219- قال أنس بن مالك: ليس حي من أحياء العرب أكثر شهيداً منا يوم القيامة، أصيب منا سبعون رجلاً يوم أحد، وسبعون رجلاً يوم بئر معونة، وسبعون رجلاً يوم اليمامة.
2220- وروى عبد الله بن الحارث بن جزء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: العلم في قريش، والأمانة في الأنصار.(5/277)
2221- روي عن أبي هريرة أنه قال: قلنا يا رسول الله إذا فتحت الأمصار، وفتحت فارس والروم فهم خير منا يا رسول الله، يذكرون الفتوح؟ قال: بل أنتم خير منهم، وأبناؤكم خر من أبنائهم.(5/278)
2222- روى إسحاق بن عبد الله، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم اغفر للأنصار، ولذراري الأنصار، ولذراري ذراري الأنصار، ولموالي الأنصار.
2223- وعنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال: إن الأنصار كرشي وعيبتي التي آويت إليها، وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم.(5/279)
2224- وقال صلى الله عليه وسلم : لو سلك الناس وادياً -أو: شعاباً- وسلك الأنصار شعباً، لسلكت شعب الأنصار، هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم والممات مماتكم.
2225- وعنه صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الأنصار أحبائي، وفي الدين إخواني، وعلى الأعداء أعواني، وحق على أمتي حفظ جيراني.(5/280)
2226- وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: الأنصار شعار، والناس دثار.
2227- وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: الأنصار أعفة صبر.(5/281)
[290] باب فضل الحسن والحسين وآل البيت رضي الله عنهم
2228- أخبرنا أبي رحمه الله قال: أخبرني أبو علي: محمد بن عبد الوهاب إمام عصره قال: .. ..(5/284)
حدثني إبراهيم بن الهيثم البلدي، ثنا أبو غسان: مالك بن إسماعيل، ثنا إسرائيل قال: .. ..(5/285)
سمعت سالم بن أبي حفصة يقول: سمعت أبا حازم قال: سمعت(5/286)
أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أحب الحسن والحسين فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني.(5/287)
2229- عن عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبي يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما، ووضعهما بين يديه ثم قال: صدق الله: {أنما أموالكم وأولادكم فتنةٌ} الآية، نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما.
2230- وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.(5/288)
2231- وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها غرق.
2232- وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: إني امرؤ مقبوض، وإني تارك فيكم ما إن تمسكتم به(5/289)
لن تضلوا من بعده: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا، هم والقرآن حتى يردا علي الحوض.
2233- وعن بعض الصحابة يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهبت النجوم من السماء أتى أهل السماء ما يوعدون، وإذا ذهب أهل بيتي أتى أهل الأرض ما يوعدون.(5/290)
2234- وفي بعض الأخبار: فإذا انقرضوا صب الله عليهم العذاب صباً.
2235- عن أسامة بن زيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بيد الحسن والحسين ويقول: اللهم إني أحبهما فأحبهما.(5/292)
2236- وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن الحسن ابني أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أسفل من ذلك.
2237- وروى عبد العزيز بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً فأقبل الحسن والحسين فلما رآهما النبي صلى الله عليه وسلم قام لهما واستبطأ بلوغهما إليه، فاستقبلهما وحملهما على كتفه، وقال: نعم المطي مطيكما، ونعم الراكبان أنتما، وأبوكما خير منكما.(5/293)
2238- وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: من حفظني في أهل بيتي فقد اتخذ عند الله عهداً.(5/295)
2239- وعنه صلى الله عليه وسلم قال: أنا وأهل بيتي شجرة في الجنة وأغصانها في الدنيا، فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً.
2240- وعن ميناء بن أبي ميناء مولى عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن عوف قال: خذوا عني قبل أن تشاب الأحاديث بالأباطيل، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنا الشجرة، وفاطمة فرعها، وعلي لقاحها،(5/296)
والحسن والحسين ثمرتها، ومحبونا ورقتها، وأصل الشجرة في جنة عدن، وسائرها سائر الجنان.(5/297)
2241- وعن أمر المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أحبنا أهل البيت أحد فزلت به قدم إلا ثبتته قدم أبداً حتى ينجيه الله يوم القيامة.
2242- وفي بعض الكتب مسنداً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: والله(5/298)
لا تؤمنون حتى تحبوني، والله لا تحبوني حتى أكون عند المؤمن آثر من نفسه، وأهل بيتي آثر عنده من أهل بيته، وولدي أحب إليه من ولده، وأزواجي أحب إليه من أزواجه.
2243- وعنه صلى الله عليه وسلم أنه رأى الحسن والحسين يمشيان، فتهلل لهما ثم التفت إلى أصحابه فقال: أولادنا أكبادنا تمشي على الأرض.
2244- وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تعالى جعل أجري عليكم المودة في أهل بيتي، وإني سائلكم غداً عنهم فمجحف بكم في المسألة.
2245- وبلغنا عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله عز وجل فرض فرائض فوضعها في حال، وخفف في حال، وفرض ولايتنا أهل البيت فلم يضعها في حال من الأحوال.
2246- وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: استوصوا بأهل بيتي خيراً، فإني مخاصمكم عنهم غداً، ومن أكن خصمه أخصمه، ومن أخصمه دخل النار.(5/299)
2247- وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: أهل بيتي فيكم كباب حطة.
2248- خرج علي بن الحسين ذات ليلة ومعه جراب خبز وهو يريد أن يتصدق به، فرآه مولى له فقال: احمله؟ قال: ويحك، أما علمت أن الصدقة تطفئ غضب الرب.(5/300)
2249- ونظر الفرزدق إلى علي بن الحسين وعليه قميص فوق الكعب، وإزار فوق ذلك، وعمامة قد كورها على رأسه كورتين، فأنشأ يقول:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم ... هذا التقي النقي الطاهر العلم
إذا رأته قريش قال قائلهم ... إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم(5/301)
2250- وقال بعض العلوية ليحيى بن معاذ الرازي: ما تقول فينا أهل البيت؟ قال: ما أقول في طينة عجنت بماء النبوة وغرست بماء الرسالة، فهل ينفح منها إلا ريح الهدى وعنبر التقى؟ قال: فأمر به فحشى فمه دراً.(5/303)
2251- وعن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج كان آخر عهده بفاطمة، وإذا رجع كان أول عهده بفاطمة، فلما رجع من غزوة تبوك ومعه علي -وقد اشترت مقنعة وصبغتها بزعفران وأرختها على بابها ستراً، وألقت في بيتها بساطاً- فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك رجع عن بابها، فأتى المسجد فقعد فيه، فلما علمت ذلك أرسلت إلى بلال فقالت: اذهب فانظر ما رده عن بابي، فأتاه فأخبره، فقال صلى الله عليه وسلم : إني رأيتها صنعت ثمة كذا وكذا، فأتاها فأخبرها فهتكت الستر، وكل شيء أحدثته وألقت ما عليها ولبست أطمارها، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فجاء حتى دخل عليها فقال: كذلك فكوني فداك أبي وأمي.
2252- يقال: أن عمرو بن العاص قال لمعاوية: إن الحسن بن علي قد شمخ أنفاً، ورفع رأساً، واشرأبت إليه قلوب الناس بالثقة والمقة، فلو سألته أن يخطب الناس، فإنه امرؤ حديث السن، لم يتعود الخطب، فيجتمع الناس إليه فيحصر، فيكون في ذلك ما يصغره في أعين الناس، فبعث معاوية للحسن وأمره أن يخطب، فلما صعد المنبر وقد جمع له معاوية كهول قريش وشبانها، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد النبي صلى الله عليه وسلم وآله، ثم قال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله ما بين جابلق وجابرس أحد جده نبي غيري، أنا ابن نبي الله، أنا ابن رسول الله، أنا ابن البشير النذير، أنا ابن السراج المنير، أنا ابن(5/304)
بريد السماء، ابن من بعث رحمة للعالمين، أنا ابن من بعث إلى الجن والإنس، أنا ابن من قاتلت معه الملائكة، أنا ابن من جعلت له الأرض مسجداً وطهوراً، أنا ابن من أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
قال: فلما سمع ذلك معاوية أراد أن يسكته ويخلط عليه مخافة أن يبلغ به المنطق بما يكرهه، فقال: يا حسن أنعت لنا الرطب، فقال: يا سبحان الله وأين هذا من هذا؟ الحر ينضجه، والليل يبرده، والريح يلقحه، ثم استفتح كلامه الأول: أنا ابن من كان مستجاب الدعوة، أنا ابن الشفيع المطاع، أنا ابن أول من تنشق عنه الأرض، وأول من يقرع باب الجنة، أنا ابن أول من ينفض رأسه من التراب، أنا ابن من رضاه رضا الرحمن، وسخطه سخط الرحمن، أنا ابن من لا يسامى كرما.
فقال له معاوية: حسبك يا أبا محمد، ما أعرفنا بفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معاوية إنما الخليفة من سار بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ملكه، وليس الخليفة من دان بالجور، وعطل السنن، واتخذ الدنيا أماً وأباً، ولكن ذاك ملك تمنع في ملكه، وكان ذلك قد انقطع وانقطعت لذته وبقيت تبعته، ثم قرأ: {وإن أدرى لعله فتنةٌ لكم ومتاعٌ إلى حين}،ونزل عن المنبر.(5/305)
2253- وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: أوتيت ثلاثاً لم يؤتهن أحد -ولا أنا-: أوتيت صهراً مثلي ولم أوت أنا مثلي، وأوتيت صديقة مثل ابنتي ولم أوت مثلها زوجة، وأوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم أوت من صلبي مثلهما، ولكنكم مني وأنا منكم.
2254- وبلغنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال في وصيته للمسلمين الذين حضروه حين نقل من الضربة في جملة ما قاله: ومن فيكم تحلف من نبيكم صلى الله عليه وسلم إن تمسكتم بهم لن تضلوا؟ هم الدعاة، وهم النجاة، وهم أركان الأرض، وهم النجوم بهم يستضاء، من شجرة طاب فرعها، وزيتونة طاب أصلها، نبتت في حرم، وسقيت من كرم، إلى حين مستودع، من مبارك إلى مباركة، صفت من الأقذار والأدناس، ومن قبيح ما يأتيه شرار الناس، لها فروع طوال، وثمر لا ينال، قصرت عن وصفها وصفاتها الألسن، وقصرت عن بلوغها الأعناق، فهم الدعاة وهم النجاة، وبالناس إليهم الحاجة، فاخلفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم بأحسن الخلافة، فقد خبركم أنهما الثقلان، فهما لن يفترقا هم والقرآن حتى يردا عليه الحوض، فالزموهم تهتدوا وترشدوا، ولا تتفرقوا عنهم فتتركوهم فتفرقوا وتمزقوا.(5/306)
2255- وبلغنا أن رجلاً من ولد الحسن -أو: الحسين- كان متعدياً على نفسه فيما يتخطى إليه كثير من الناس، ووقع بينه وبين رجل من العامة خصومة في حق للعامي عليه، فتخارجا إلى المبارزة، فقال العلوي للعامي: والله لأشكون ذلك إلى أمي فاطمة، فقال له العامي: افعل، وقال قولاً فيه جفاء، وتفرقا، فلما كان مساء ذلك النهار، رأى العامي الصديقة فاطمة في المنام ماشية، فذهب ليسرع إليها وهي تعرض عنه يميناً وشمالاً حتى لحق بها، فلما ذهب ليقبل يدها أو شيئاً من ثيابها تباعدت عنه وصاحت به، وقالت: أنت الذي قال لك ولدي: لأشكونك إلى أمي فاطمة فقلت: افعل؟ فقال: يا سيدة النساء لا أعود إليه أبداً، أنا إلى الله تائب على يدك، وانتبه، ورأى العلوي في هذه الليلة بعينها سيدة النساء على مثل ذلك فذهب ليلحق بها ويسلم عليها فصاحت به، وقالت -لما قال لها: أنا من ولدك-: أنت من ولدي؟ قد فضحتني وفضحت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلت على نفسك معصية! واستيقظ فأخذ بإراقة ما عنده من المسكر، وإخراج ما عنده من الملاهي وأقبل على التوبة، وقد عزم المصير إلى العامي ليوفيه ما بينهما، فإذا بالرجل قد وافاه، فحدث كل واحد منهما صاحبه بما رأى، وحلله العامي فيما كان بينهما.
2256- قال بعضهم: كان عندنا ببغداد رجل من ولد الحسين عليه السلام مشهور، يعرف بصاحب الخاتم، سمي بذلك لأنه كان رأى في يد بعض الناس خاتماً، فسأله إياه فلم يهبه له، فانصرف الرجل فرأى في الليل(5/307)
فاطمة وهي تقول: بخلت على ابن بخاتم في يدك وقد طلبه منك، فاستيقظ الرجل فزعاً، وغسل ذلك الخاتم وطيبه، وأضاف إليه براً آخر وحمله إليه واعتذر من رده مسألته.
2257- وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنما سميت فاطمة لأن الله فطمها وفطم محبيها من النار.(5/308)
2258- عن سلمان رضي الله عنه في قوله عز وجل :{مرج البحرين يلتقيان}، قال: علي وفاطمة.
وفي قوله تعالى:{بينهما برزخٌ لا يبغيان}، قال: النبي صلى الله عليه وسلم .(5/309)
وفي قوله تعالى: {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان}، قال: الحسن والحسين رضي الله عنهما.
2259- وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل بني أنثى ينتمون إلى أبيهم إلا ابني فاطمة فأنا أبوهما وعصبتهما.(5/310)
2260- وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: تحشر ابنتي فاطمة ومعها ثياب مصبوغة، فتتعلق بقائمة من قوائم العرش فتقول: يا عدل يا جبار احكم بيني وبين قاتل ولدي، فيحكم لابنتي ورب الكعبة.
2261- وقال صلى الله عليه وسلم : إن قاتل الحسين في تابوت من نار، عليه نصف عذاب أهل الدنيا، وقد شدت يداه ورجلاه بسلاسل من نار، منكب حتى يقع في قعر جهنم وله ريح يتعوذ أهل النار من شدة نتن ريحه.(5/314)
2262- وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا علي إذا كان يوم القيامة كنت وولديك على خيل بلق، متوجين بالدر والياقوت، فيأمر الله بكم إلى الجنة والناس ينظرون.
2263- وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي بحبي.(5/315)
2264- وقال صلى الله عليه وسلم : يا بني عبد المطلب إني سألت الله لكم ثلاثاً: أن يثبت قائمكم، وأن يهدي ضالكم، وأن يعلم جاهلكم، وأن يجعلكم رحماء نجداء، فلو أن رجلاً صفن قدميه، ثم صام وصلى، ثم لقى الله وهو مبغض لأهل هذا البيت دخل النار.
2265- وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أتروني يا بني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنة مؤثراً عليكم أحداً؟.(5/316)
2266- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى الله عز وجل، فانظروا من توفدون من دينكم.
2267- وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه وصف آخر الزمان فقيل: يا رسول الله فأي العمل أفضل في ذلك في ذلك الزمان؟ قال: فرس تربطه، وسلاح تميل به مع أهل بيتي حيث مالوا.
2268- وعن علي بن الحسين أنه قال لابنه أبي جعفر: حق على قائمنا إذا قام أن يجعل المساجد عريشاً كعريش موسى، وأن يبدأ بالرافضي فيقتله.(5/317)
2269- عن سالم الجعفي قال: قلت لأبي جعفر: جعلت فداك، ادع الله لي، قال: اللهم أحيه محيانا، وأمته مماتنا، واسلك به سبيلنا، قال: فاستشهد مع زيد بن علي.
2270 عن الحسين بن علي قال: تنفس أمير المؤمنين، فقلت له: بأبي وأمي تنفست الصعداء تنفس مغموم، قال: نعم لما أعلم مما تلقون ويلقى بعضكم من بعض من العداوة، وبغي بعضكم على بعض، حتى يبلغ بعضكم من بعض ما لا يبلغه عدوكم منكم، ولولا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما طابت نفسي، قلت: ما سمعته يقول؟ قال سمعته يقول: اللهم إنهم عترة رسولك فهب مسيئهم لمحسنهم، وهبهم لي، قال: ففعل وهو فاعل، قلت: ما فعل وهو فاعل؟ قال: فعله بكم ويفعله بمن بعدكم.
2271- روي أن الحسن بن علي خطب حين قتل علي رضي الله عنه فقال: لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون، ولا يدركه الآخرون غير(5/318)
الأنبياء، وما ترك على ظهر الأرض صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم، فضلت من عطاياه أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله، ثم قال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا ابن النبي، وأنا ابن البشير، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه والسراج المنير، وأنا من أهل البيت الذي كان جبريل عليه السلام ينزل فينا ويصعد من عندنا، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وأنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم، ثم قرأ: {قل لا أسئلكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنةً نزد له فيها حسناً}، فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت.
2272- 2273- وعن أم سلمة وعائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أشتمل بالعباء، قالتا: سمعناه يقول وقد ألصق ظهر علي إلى صدره وظهر فاطمة إلى ظهره والحسن على يمينه والحسين على يساره، ثم عمهم ونفسه بالعباء حتى غطاهم.
قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد لففهم إليه حتى إنه جعل أطرافه تحت قدميه، ثم قال ورفع طرفه إلى السماء وأشار بسبابته وما كاد يبين وجهه: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، فسالم من سالمهم، وحارب(5/319)
من حاربهم، اللهم وال من والاهم، وعاد من عاداهم، وانصر من نصرهم، واخذل من خذلهم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -وجبريل حاضر- فأمن على الدعاء وقال: وأنا معكم يا محمد؟ فقال: نعم.(5/320)
2274- عن قتادة، عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله وعدني في أهل بيتي خاصة، من لقيني منهم بالتوحيد فله الجنة.(5/321)
2275- عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني سألت ربي أن لا يدخل النار أحداً من أهل بيتي، فأعطاني ذلك.
2276- عن زيد بن أسلم، عن أبيه أسلم قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا وفاطمة والحسن والحسين وعلي في حظيرة القدس، في قبة بيضاء، سقفها عرش الرحمن.(5/322)
2277- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أعطي كل نبي سبعة نجباء رفقاء، وأعطيت أنا أربعة عشر: علياً وفاطمة، والحسن والحسين، وأبا بكر، وعمر، ومصعب بن عمير، وحمزة، وجعفراً، وابن مسعود، وبلالاً، وعماراً، وأبا ذر، وسلمان، والمقداد.(5/323)
2278- عن يزيد بن حيان التميمي قال: دخلت على زيد بن أرقم أنا ونفر من التيم فقلنا: يا أبا عبد الله حدثنا بحديث نحفظه، فقال: إن هذا أرسل إلي -يعني الحجاج- قال: أنت الذي تزعم أن لمحمد صلى الله عليه وسلم حوضاً، فلقد قرأت كتاب الله فما سمعت للحوض بذكر، ولكن سمعته يقول: {فيها أنهارٌ من ماءٍ غير آسنٍ وأنهارٌ من لبن لم يتغير طعمه} الآية، قال: فقلت له: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من جهنم، وقد حدثنا أن له حوضاً، قال: فقلنا له: حدثنا بشيء نحفظه عنك، عن نبي الله صلى الله عليه وسلم ، قال: سمعته يقول يوم غدير خم: إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله عز وجل، حبل من استمسك به كان على الهدى، ومن تركه كان على الله الضلالة، وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، ثلاثاً.(5/325)
2279- وقال أبو سعيد الخدري: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله، حبل ممدود من السماء إلى الأرض، سبب بيد الله وسبب بأيديكم، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنها لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما.
2280- عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليه قال: ما سماني الحسن والحسين بيا أبه حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنهما كانا يقولان لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبه يا أبه، وكان الحسن يقول لي: يا أبا حسن، وكان الحسين يقول لي: يا أبا حسين.
2281- قال عثمان بن أبي سويد العدل بالبصرة: حدثنا إسحاق بن سليمان الهاشمي قال: .. ..(5/326)
سمعت أبي يوماً يحدث أنهم كانوا عند الرشيد، فجرى ذكر علي بن أبي طالب، فقال الرشيد: يتوهم العوام أني أبغض علياً وولده، ووالله ما كان ذلك كما يظنون، وإن الله ليعلم شدة حبي لعلي بن أبي طالب(5/327)
والحسن والحسين ومعرفتي لفضلهم رحمة الله ورضوانه عليهم، ولكن طلبنا بثأرهم حتى قاتلنا، وأفضى الله بهذا الأمر إلينا، فقربناهم، وأخلطناهم بنا، فحسدونا، وطلبوا ما في أيدينا، وسعوا في الأرض فساداً وجهراً على قطيعتهم، والله لقد حدثني أمير المؤمنين المهدي، عن أمير المؤمنين المنصور .. ..(5/328)
أنه حدثه عن أبيه، عن جده، عن عبد الله بن عباس أنه قال: كنا ذات يوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت فاطمة صلوات الله عليها تبكي، فقال لها: فداك أبوك، ما يبكيك؟ قالت: إن الحسن والحسين خرجا فما(5/329)
أدري أين باتا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تبكين يا بنية، الذي خلقهما هو ألطف بهما مني ومنك، ثم رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه فقال: اللهم إن كانا أخذا براً أو بحراً فاحفظهما وسلمهما، فهبط جبريل عليه السلام: فقال: يا محمد، لا تغتم ولا تحزن، هما فاضلان في الدنيا، وهما فاضلان في الآخرة، وأبوهما خير منهما، هما في حظيرة بني النجار نائمين،(5/330)
وقد وكل الله تعالى بهما ملكاً يحفظهما، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى إذا أتوا الحظيرة فإذا الحسن معانق الحسين عليهم السلام، وإذا الملك الموكل بهما جعل إحدى جناحيه تحتهما والأخرى فوقهما قد أظلهما، وانكب النبي صلى الله عليه وسلم يقبلهما، حتى انتبها من نومهما، فجعل الحسن على عاتقه اليمنى والحسين على عاتقه اليسرى، وجبريل عليه السلام معه حتى خرجا من الحظيرة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: شرفتكما كما شرفكما الله تعالى، فتلقاه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله ناولني أحد الصبيين حتى أحمله عنك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : نعم المطي مطيكما، ونعم الراكبان أنتما، وأبوكما خير منكما، حتى أتى المسجد، فأمر بلالاً فنادى في الناس، فاجتمع الناس في المسجد، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على قدم وهما على عاتقه فقال: يا معشر المسلمين، ألا أدلكم على خير الناس جداً وجدة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الحسن والحسين جدهما رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين، وجدتهما خديجة بنت خويلد سيد نساء أهل الجنة، ألا أدلكم على خير الناس أباً وأماً؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الحسن والحسين أبوهما علي بن أبي طالب، وأمهما فاطمة بنت خديجة سيدة نساء العالمين، أيها الناس ألا أدلكم على خير الناس عما وعمة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الحسن والحسين عمهما جعفر بن أبي طالب، وعمتهما أم هانئ بنت أبي طالب، ألا أخبركم بخير الناس خالاً وخالة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الحسن والحسين، خالهما القاسم ابن رسول الله، وخالتهما زينب بنت رسول الله، قال: ثم قال: اللهم إنك تعلم أن الحسن والحسين في الجنة، وأمهما في الجنة، وعمهما في الجنة، وعمتهما في الجنة، وخالهما في الجنة، وخالتهما في الجنة، ومن أحبهما في الجنة، ومن أبغضهما في النار.(5/331)
قال سليمان: كان هارون يحدثنا وعيناه تدمعان، وتخنقه العبرة.
2282- وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لا يبغضنا -أهل البيت- أحد إلا أدخله الله النار.
2283- وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لو أن عبداً عبد الله بين الركن والمقام ألف عام، ثم ألف عام، ولم يقل بحبنا أهل البيت لأكبه الله على منخره في النار.(5/332)
2284- وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يحبنا أهل البيت إلا مؤمن تقي، ولا يبغضنا إلا منافق شقي.
2285- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أربعة أنا لهم شفيع ولو أتوا بذنوب أهل الأرض: الضارب بسيفه أمام ذريتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في حوائجهم عندما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه.
2286- عن سلمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحسن والحسين ابني، من أحبهما أحبني، ومن أحبني أحبه الله، ومن(5/333)
أحبه الله أدخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار على وجهه.
2287- وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لكل نبي عصبة ينتمون إليها إلا ولد فاطمة، فأنا وليهم وأنا عصبتهم وهم عترتي، خلقوا من طينتي، ويل للمكذبين بفضلهم، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله.(5/334)
2288- وروى ابن عباس قال: جاء العباس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنك تركت فينا ضغائن منذ صنعت الذي صنعت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يبلغوا الإيمان حتى يحبوكم لله ولقرابتي.
2289- وعن سفيان الثوري، عن أبيه، عن أبي الضحى، عن ابن عباس قال: جاء العباس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كانت بيننا ضغائن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يصنعون الخير حتى يحبوكم لله ولقرابتي، أيرجو بنو سلهب -حي من مراد- شفاعتي، ولا يرجوها بنو عبد المطلب.
2290- وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من آذاني في أهل بيتي فقد آذى الله عز وجل، ومن أعان على أذاهم وركن إلى أعدائهم فقد أذن بحرب من الله، ولا نصيب له غداً في شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم .(5/335)
2291- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حرم الله الجنة على من ظلم أهل بيتي وقاتلهم، ومن سبهم، والمعين عليهم، أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.
2292- وروى علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من لم يعرف حق عترتي والأنصار والعرب فهو لأحد ثلاثة: إما منافق، وإما ولد زنية، وإما امرؤ حملت به أمه على غير طهر.
2293- وقال صلى الله عليه وسلم : أول من أشفع له من أمتي: أهل بيتي، ثم الأقرب فالأقرب، ثم الأنصار، ثم من آمن بي واتبعني من اليمن، ثم سائر العرب، ثم الأعاجم، رواه مجاهد، عن ابن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم .(5/336)
2294- عن عيسى بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، عن علي قال:(5/337)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الولد ريحانة من الله قسمها بين العباد، وإن ريحانتي من الدنيا: الحسن والحسين.
2295- وعن عتبة بن غزوان قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فجاء الحسن والحسين يركبان ظهره، فانصرف، فوضعهما في حجره، فجعل يقبل هذا مرة، ويشم هذا مرة، فقال قوم: أتحبهما يا رسول الله؟ فقال: ما لي لا أحب ريحانتي من الدنيا.(5/338)
2296- وعن جابر بن عبد الله قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يمشي على أربع، والحسن والحسين على ظهره، وهو يقول: نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان أنتما.
2297- وعن أسامة بن زيد قال: طرقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة لبعض الحاجة، فخرج إلي وهو مشتمل على شيء لا أدري ما هو، فلما فرغت من حاجتي قلت: ما هذا الذي أنت مشتمل عليه؟ فكشف فإذا الحسن والحسين على ركبتيه، فقال: هذان ابناي، وابنا ابنتي، اللهم إنك تعلم أني أحبهما فأحبهما، اللهم إنك تعلم أني أحبهما فأحبهما، اللهم إنك تعلم أني أحبهما فأحبهما.(5/339)
2298- وعن زر بن حبيش، عن حذيفة قال: جئت إلى أمي فقالت لي: متى عهدك بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت: ما لي به عهد قال: فنالت مني وقالت لي: ائت النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر لي، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت: يا رسول الله إني جئت إلى أمي فسألتني متى عهدك بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقلت: ما لي به عهد، وقالت: اذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فما سلطان يستغفر لنا فأته فلما رآني قال: غفر الله لك ولأمك، غفر الله لك ولأمك، غفر الله لك ولأمك يا حذيفة، أما رأيت الرجل الذي كان عندي آنفاً، قلت: بلى يا رسول الله، قال: ذاك ملك لم يهبط إلى الدنيا قط، وإنه استأذن الله عز وجل في السلام علي، وبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة.(5/340)
2299- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين: أعوذ بكلمات الله التامات من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة، ويقول: هكذا كان إبراهيم صلوات الله عليه وسلامه يعوذ ابنيه إسماعيل وإسحاق، وكان يقول عليهما.
2300- وعن أنس بن مالك قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين يصطرعان والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: هي حسن، فقلا: يا رسول الله أتعين الكبير على الصغير، فقال: إن جبريل عليه السلام يقول: هي حسين.(5/341)
2301- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل الحسن بن علي رضي الله عنه فقال الأقرع بن حابس: إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحداً منهم، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لا يرحم لا يرحم.
2302- عن جابر بن عبد الله قال: لما ولدت فاطمة الحسن قالت لعلي رضي الله عنه: سمه! فقال: ما كنت لأسبق باسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما كنت لأسبق باسمه ربي عز وجل،(5/342)
فأوحى الله عز وجل إلى جبريل عليه السلام: إنه قد ولد لمحمد ابن فاهبط، فاقره السلام وهنه وقل: إن علياً منك بمنزلة هارون من موسى، فسمه باسم ابن هارون، فهبط جبريل فهنأه من الله عز وجل، ثم قال: إن الله يأمرك أن تسميه باسم ابن هارون، قال: وما كان اسمه؟ قال: شبر، قال: لساني عربي! قال: فسمه الحسن، فسماه الحسن.(5/343)
قال: فلما ولد الحسين أوحى الله عز وجل إلى جبريل عليه السلام: إنه قد ولد لمحمد ابن فاهبط إليه فهنه وقل له: إن علياً منك بمنزلة هارون(5/344)
من موسى فسمه باسم ابن هارون، فهبط جبريل فهنأه من ، ثم قال: إن الله يأمرك أن تسميه باسم ابن هارون، قال: وما كان اسمه؟ قال: شبير، قال: لساني عربي، قال: فسمه الحسين، فسماه الحسين.
2303- روى أبو رافع أن حسناً حين ولد أرادت فاطمة أن تعق عنه بكبشين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تعقي عنه، ولكن احلقي شعر رأسه ثم تصدقي بوزنه من الورق في سبيل الله، ثم ولدت حسيناً بعد ذلك فصنعت مثل ذلك.
2304- وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن الحسن ابني أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أسفل من ذلك.(5/345)
2305- عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: كانت لعائشة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم شرفة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد لقاء جبريل لقيه فيها، قال: فزاره مرة وأمر عائشة أن لا يطلع إليهما أحد، قال: وكان رأس الدرجة في حجرة عائشة، فدخل الحسين بن علي فرقى ولم تعلم به حتى غشيهما، فقال جبريل عليه السلام: من هذا؟ فقال: ابني، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعله على فخذه، فقال جبريل عليه السلام: أتحبه؟ قال: نعم، قال: يقتل، تقتله أمتك، فقال رسول الله: أمتي؟! قال: نعم، إن شئت أخبرتك بالأرض التي يقتل فيها، فأشار جبريل عليه السلام إلى الطف بالعراق، فأخذ تربة حمراء فأراه إياها.(5/346)
2306- وجاءه صلى الله عليه وسلم فتية من بني هاشم فقالوا: استعملنا على الصدقات فنصيب منها ما يصيب الناس، فقال صلى الله عليه وسلم : إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد صلى الله عليه وسلم ولا لآل محمد.
2307- وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم بعد دخوله مكة أن علياً خطب أم جميل بنت أبي جهل فأغضبه ذلك وخطب الناس فقال: لا تجمع بنت حبيب الله وبين ابنة عدو الله، إنما فاطمة شجنة مني يسرني ما يسرها، .. ..(5/349)
ويسوءني ما يسوءها.
2308- وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا فاطمة إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك.(5/350)
2309- وروي أن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله ما لك إذا قبلت فاطمة جعلت لسانك في فيها كأنك تريد أن تلعقها عسلاً؟ فقال: إنه لما أسري بي إلى السماء أدخلني جبريل عليه السلام الجنة، فناولني تفاحة فأكلتها فصارت نطفة في صلبي، فلما نزلت من السماء واقعت خديجة، ففاطمة من تلك النطفة، كلما اشتقت إلى الجنة قبلتها.(5/351)
2310- وعن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: ما بال أقوام يقولون: إن رحمي لا تنفع، بلى والله، إن رحمي موصولة في الدنيا والآخرة، وإني فرط لكم أيها الناس على الحوض، فإذا جئت قام رجال فقال هذا: يا رسول الله أنا فلان، وقال هذا: يا رسول الله أنا فلان، وقال هذا: يا رسول الله، أنا فلان، فأقول: قد عرفتكم، ولكنكم أحدثتم بعدي ورجعتم القهقرى.(5/353)
2311- عن سفيان بن ليل الهمداني قال: أتيت الحسن بن علي، حين بايع معاوية، وانطلق إلى المدينة، فوجدته بعبادان .. .. فذكر الحديث، ثم قال الحسن: ابشر يا سفيان، فإني سمعت علياً رضي الله عنه يقول:(5/356)
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يرد علي الحوض أهل بيتي ومن أحبهم من أمتي كهاتين السبابتين، ولو شئت قلت: كهاتين السبابة والوسطى، أحدهما أفضل من الآخر، ثم أبشر يا سفيان فإن الدنيا تسع البر والفاجر حتى يبعث الله عز وجل إمام الحق من آل محمد صلى الله عليه وسلم .
2312- عن أبي هريرة أن سبيعة بنت أبي لهب جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن الناس يصيحون بي يقولون: إني ابنة حطب(5/357)
النار، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغضب شديد الغضب، فقال: ما بال أقوام يؤذونني في قرابتي، ألا من آذى قرابتي فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تبارك وتعالى.
2313- عن إبراهيم بن شيبة الأنصاري، قال: جلست إلى الأصبغ ابن نباتة، فقال: ألا أقرئك ما أملاه علي علي بن أبي طالب رضي الله عنه؟ قال: فأخرج إلي صحيفة صفراء فإذا فيها مكتوب:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما أوصى به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بيته وأمته، أوصى أهل بيته بتقوى الله ولزوم طاعته، وأوصى أمته بلزوم أهل بيته، فإن أهل بيته(5/358)
آخذون بحجزة نبيهم صلى الله عليه وسلم ، وإن شيعتهم آخذون بحجزهم يوم القيامة من النار، وإنهم لن يدخلوكم باب ضلالة، ولن يخرجوكم من باب هدى.
2314- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن عيبتي التي آوي إليها أهل بيتي، وإن كرشي الأنصار، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزا عن مسيئهم.
2315- وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صنع إلى أحد من أهل بيتي يداً كافأته عنها يوم القيامة.(5/359)
2316- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من اصطنع إلى أحد من أهل بيتي معروفاً يعجز عن مكافأته في الدنيا كنت أنا المكافئ له عنه يوم القيامة.
2317- وعن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من أحد أسدى إلى رجل من أهل بيتي يداً فلم يكافئه عليها إلا كنت أنا مكافئه عليها يوم القيامة.
2318- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعملنا له خزيرة وأهدت لنا أم أيمن قعباً من اللبن وزبد وصحفة من تمر، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكلنا معه، ثم وضأت رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح رأسه ووجهه بيديه، ثم استقبل القبلة فدعا الله عز وجل ما شاء، ثم أكب على الأرض بدموع غزيرة مثل القطر، فهبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسأله، فوثب الحسين فأكب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبه، رأيتك تصنع ما لم تصنع مثله قط، فقال: يا بني إني سررت بكم اليوم سروراً لم أسر به قط، وإن حبيبي جبريل عليه السلام أتاني فأخبرني أنكم قتلى،(5/360)
وأن مصارعكم شتى فأحزنني ذلك فدعوت الله عز وجل لكم بالخيرة، فقال الحسين: فمن يزورنا على تشتتنا ويتعاهد قبورنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : طائفة من أمتي يريدون بذلك بري وصلتي، إذا كان يوم القيامة زرتهم بالموقف فأخذت بأعضادهم فأنجيهم من أهواله وشدائده.
2319- عن مجاهد، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أول من أشفع له من أمتي أهل بيتي، ثم الأقرب، فالأقرب، ثم الأنصار، ثم من آمن بي واتبعني من اليمن، ثم سائر العرب، ثم العجم.
2320- عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي الحسن والحسين فوهبت لهما دينارين وشققت مرطي بينهما، فرديت كل واحد منهما شقة، ثم خرجا فرحين مسرورين يضحكان، فلقيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم كمه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قرتا العين، قرتا العين، من كساكما بردين ووهب لكما دينارين جزاه الله خيراً؟ فقالا: أمنا عائشة، فقال: صدقتما، والله يا بني هي والله أمكما وأم كل مؤمن، فقالت عائشة رضي الله عنها: فوالله ما صنعت ولا سمعت شيئاً كان أحب إلي من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو أحب إلي من الدنيا وما فيها.(5/361)
2321- عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن ابن عباس قال: انطلقت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادى النبي صلى الله عليه وسلم على باب فاطمة ثلاثاً فلم يجبه أحد، فمال إلى حائط فقعد فيه وقعدت إلى جانبه، فبينا هو كذلك إذ خرج الحسن بن علي قد غسل وجهه وعلقت عليه سبحة، قال: فبسط النبي صلى الله عليه وسلم يديه ومدهما ثم ضم الحسن إلى صدره وقبّله، وقال: إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين.
2322- عن أبي ليلى قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه الحسن أو الحسين فبال في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فوثبنا إليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : دعوا ابني لا تزرموه حتى يقضي بوله، ثم اتبعه الماء، ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم بيت تمر الصدقة فأخذ الغلام تمرة فجعلها في فيه، فنزعها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن الصدقة لا تحل لنا.(5/362)
2323- وعن عاصم بن ضمرة، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أول من يدخل الجنة أنا وفاطمة والحسن والحسين، قلت: يا رسول الله فمحبونا؟ قال: من ورائكم.(5/364)
2324- عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله معه، ثم جاء الحسين فأدخله معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها معه، ثم جاء علي فأدخله معه، ثم قال: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت}.
2325- عن نفيع بن الحارث، عن أبي الحمراء -خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيء عند كل صلاة فجر، فيأخذ بعضادة هذا الباب ثم يقول: السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة الله وبركاته، فيردون عليه من البيت فيقولون: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فيقول: الصلاة رحمكم الله، {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً}.
قال: قلت: يا أبا الحمراء، من كان في البيت؟ قال: علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.(5/365)
2326- روى الكلبي، عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى: {تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم} إلى قوله عز وجل: {فنجعل لعنت الله على الكاذبين} الآية، قال: نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي نفسه، {ونساءنا نساءكم} في فاطمة، {أبناءنا وأبناءكم } في الحسن والحسين، والدعاء على الكاذبين نزلت في العاقب والسيد وعبد المسيح وأصحابهم.(5/366)
2327- وعن ابن جريج في قوله تعالى: {إن مثل عيسى عند الله} الآية، قال: بلغنا أن نصارى نجران قدم وفدهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وفيه السيد والعاقب -وأخبرت أن معهما عبد المسيح- وهو يومئذ سيد أهل(5/367)
نجران، فقالوا: يا محمد فيم تشتم صاحبنا؟ قال: ومن صاحبكم؟ قالوا: عيسى ابن مريم، تزعم أنه عبد، قال النبي صلى الله عليه وسلم : أجل هو عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، فغضبوا، وقالوا: إن كنت صادقاً فأرنا عبداً يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه، ولكنه الله، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاءه جبريل عليه السلام فقال: يا محمد {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم} الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا جبريل إنهم سألوني أن أخبرهم بمثل عيسى، قال جبريل: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من ترابٍ} حتى قال: {فمن حاجك فيه} في عيسى يا محمد من بعد هذا فقل: {تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم} إلى قوله: {إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله} الآية، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد علي والحسن والحسين وجعلوا فاطمة قدامهم، ثم قال: هؤلاء أبناؤنا وأنفسنا ونساؤنا فهلموا أنفسكم وأبناءكم ونساءكم فنجعل لعنة الله على الكاذبين، فأبى السيد، وقالوا: نصالحك، فصالحوه على ألفي حلة كل عام، في كل رجب ألف، وفي كل صفر ألف حلة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده ما حال الحول ومنهم بشر إلا أهلك الله الكاذبين.
2328- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان الحسن أو الحسين عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة، وكان يحبه حباً شديداً، فقال: أذهب إلى أمي، فقلت: أذهب معه؟ فقال: لا، فجاءت برقة من السماء فمشى في ضوئها حتى بلغ إلى أمه.(5/368)
2329- عن زينب بنت جحش أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على فاطمة غداة من الغدوات، وهي خبيثة النفس فقال لها: يا ابنتاه ما لي أراك خبيثة النفس؟ قالت: يا أبتاه، قد أصبحنا وليس عندنا شيء والحسن والحسين بين أيدينا نائمان، وعلي جاث، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيقظيهم، فجلسوا، فقال: هات ذلك الطريان، فالتفتت فإذا طريان خلفها، قال: ضعيها، فوضعتها، .. ..(5/369)
ثم قال: كلوا بسم الله، فبينما هم يأكلون إذ جاء سائل فقام على الباب فقال: السلام عليكم أهل البيت، أطعمونا مما رزقكم الله، فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم : يطعمكم الله يا عبد الله، فمكث غير بعيد ثم رجع، فقال مثل ذلك، ثم ذهب ثم رجع، فقالت فاطمة: يا أبتاه سائل، فقال: يا ابنتاه هذا هو الشيطان جاء ليأكل من هذا الطعام ولم يكن الله ليطعمه هذا من طعام الجنة.
2330- عن أبي سعيد التيمي قال: سمعت الحسن بن علي رضي الله عنه يقول: من أحبنا لله نفعه الله بحبنا، ومن أحبنا لغير الله فإن الله يقضي في الأمور ما شاء، أما إن حبنا أهل البيت يساقط عن العبد الذنوب كما يساقط الريح الورق من الشجر.
2331- عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا بني هاشم إنه سيصيبكم بعدي جفوة، فاستعينوا عليها بأرقاء الناس.(5/370)
2332- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال على المنبر: ما بال أقوام يقولون: إن رحمي لا تنفع، بلى والله، إن رحمي موصولة في الدنيا والآخرة، وإني أحب أيها الناس أن أكون فرطاً لكم على الحوض.
2333- وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيد الحسن والحسين فقال: من أحبني، وأحب هذين وأباهما وأمهما، كان معي في درجتي يوم القيامة.(5/371)
2334- وروى الأصمعي، عن أبي عمرو بن العلاء، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي، في قوله تعالى: {وكونوا مع الصادقين} الآية، .. ..(5/372)
قال: محمد وآله.
2335- وعن أبان بن تغلب، .. ..(5/373)
عن أبي جعفر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اشتد غضب الله على اليهود، واشتد غضب الله على النصارى، واشتد غضب الله على من أهراق دماً، واشتد غضب الله على من آذاني في عترتي.
2336- وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الويل لظالمي أهل بيتي، عذابهم مع المنافقين في الدرك الأسفل من النار.
2337- وعن عقبة بن الحارث أن أبا بكر لقي الحسن بن علي رضي الله عنه فضمه إليه وقال:(5/374)
بأبي شبيه بالنبي ... ليس شبيهٌ بعلي
قال: وعلي رضي الله عنه يضحك.
2338- وعن ربيعة بن شيبان قال: قلت للحسن بن علي رضي الله عنهما: ما تحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: أخذت تمرة من تمر الصدقة فألقيتها في فمي فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم بلعابها فألقاها وقال: أما علمت أنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة؟.
2339- وعن موسى بن محمد بن جعفر الصادق، عن أبيه،(5/375)
عن جده قال: أراد الحسن بن علي عليه السلام أن ينقش فص خاتمه، فلم يدر ما ينقش عليه، فرأى في منامه عيسى بن مريم عليه السلام قائماً على بئر يستقي منها ماء وسط روضة خضراء، قال: قلت: يا روح الله وكلمته، أردت أن أنقش فص خاتمي، فما تأمرني أن أنقش عليه؟ فقال: اكتب عليه: لا إله إلا الله الملك الحي المبين، فإنها تذهب الغم والحزن، وهي خاتمة الإنجيل.
2340- وعن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن حين ولدته فاطمة بالصلاة.(5/376)
2341- وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله: من سره أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسن بن علي رضي الله عنه.
2342- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه لقي الحسن بن علي رضي الله عنهما فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بطنك فاكشف الموضع الذي قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبله، قال: فكشف له الحسن فقبله.(5/377)
2343- وعن يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال: ما بلغ أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغ به الحسن بن علي، كان يبسط له على باب داره فإذا خرج وجلس انقطع الطريق، فما يمر أحد من خلق الله عليه إجلالاً له، فإذا علم قام فدخل بيته، فمر الناس، ولقد رأيته في طريق مكة نزل عن راحلته فمشى، فما من خلق الله أحد إلا نزل ومشى، حتى رأيت سعد بن أبي وقاص نزل ومشى إلى جنبه.
2344- وروي عن ابن شهاب قال: كنت مع حذيفة بن اليمان قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه على جبل -أظنه حراء أو غيره- ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنه أجمعين وجماعة من المهاجرين والأنصار إذ أقبل الحسن بن علي رضي الله عنهما يمشي في هدوء(5/378)
ووقار، نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ورمقناه معه، فقال بلال: يا رسول الله أما ترى مأخذه؟ فقال صلى الله عليه وسلم : إن جبريل يهذبه، وميكائيل يسدده، وهو ولدي، والطاهر من نفسي، وضلع من أضلاعي، وسبطي وقرة عيني، بأبي هو.
قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقمنا معه وهو يقول:
أنت تفاحتي، وأنت حبيبي، ومهجة قلبي.
وأخذ بيده فمشى معه، ونحن نمشي حتى جلس وجلسنا حوله ننظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يرفع بصره عنه، ثم قال: سيكون بعدي هادياً مهدياً، هذا هدية من رب العالمين، ينبئ عني، ويحيي سنتي، ويتولى أموري في فعله، ينظر الله إليه برحمة، رحم الله من عرف له ذلك وبرني فيه، وأكرمني فيه، فلما قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامه أقبل إلينا أعرابي يجر هراوة له، فلما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قد جاءكم رجل يكلمكم بكلام غليظ تقشعر منه جلودكم، وإنه يسألكم عن أمور وإن لكلامه جفوة.
قال: فجاء الأعرابي فلم يسلم، فقال: أيكم محمد؟ قلنا: وما تريد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مهلاً، فقال: يا محمد لقد كنت أبغضك، ولم أرك، والآن فقد ازددت لك بغضاً، قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وغضبنا لذلك، وأردنا بالأعرابي إرادة، فأومأ إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اسكتوا.
فقال الأعرابي: يا محمد إنك تزعم أنك نبي، وأنك خير الأنبياء، فقد كذبت، وما معك من التخيير شيء، فقال له صلى الله عليه وسلم : يا أعرابي، وما يدريك؟ قال: فأخبرني ببرهانك، فقال: إن أحببت أخبرتك كيف خرجت من منزلك، وكيف كنت في نادي قومك، وإن أحببت عضواً من(5/379)
أعضائي يخبرك فيكون ذلك أوكد لبرهاني، قال: أو يتكلم؟ قال: نعم، يا حسن، قم، قال: فازدرى الأعرابي نفسه وقال: هو يأبى ويقيم حسناً ليكلمني؟! قال: إنك ستجده عالماً، ثم نزل فابتدره الحسن عليه السلام، وقال: مهلاً يا أعرابي:
وما عياً سألت ولا ابن عي ... فقيهاً عالماً بما جهل الجهول
فإن تك قد جهلت فإن عندي ... شفاء الجهل ما سأل السؤول
لقد بسطت لسانك، وعدوت طورك، وخادعتك نفسك، غير أنك لن تبرح حتى تؤمن إن شاء الله.
قال: فتبسم الأعرابي، وقال: هيه.
فقال له الحسن عليه السلام: نعم، اجتمعتم في نادي قومك، وتذاكرتم ما جرى بينكم على جهل وخرق منكم، فزعمتم أن محمداً مبتور، وأن العرب قاطبة تبغضه، ولا طالب له بثأره، وزعمت أنك قاتله، وكان قومك مؤنثه، فحملت نفسك على ذلك، وقد أخذت قناتك، بيدك تأمه تريد قتله، فعسر عليك مسلكك، وعمي عليك بصرك، وأبيت إلا ذلك، فأتيتنا خوفاً من أن يستهزأ بك، وإنما جئت لخير يراد بك، أنبئك عن سفرك: خرجت في ليلة طخياء، إذ عصفت ريح شديدة،(5/380)
اشتد منها ظلماؤها، وأطبقت سماؤها، وأعصر سحابها، فبقيت متحيراً كالأشقر، إن تقدم نحر، وإن تأخر عقر، لا تسمح لواطئ حسباً، ولا لنافخ نار جرساً، تراكمت عليك غيومها، وتوارت عنك نجومها، فلا تهتدي بنجم طالع، ولا بعلم لامع، تقطع محجة، وتهبط لجة بعد لجة، في ديمومة قفر، بعيدة القفر، مجحفة السفر، إذا علوت صعداً ازددت بعداً، الريح تخطفك، والشوك يخبطك، في ريح عاصف، وبرق خاطف، قد أوحشتك آكامها، وقطعتك ببلامها، فأبصرت ناراً عندنا فقرت عينك، وظهرت نيتك، وذهب خوفك.
قال: من أين قلت يا غلام هذا، كأنك كشفت عن سويداء قلبي، ولقد كنت كأنك شاهدي، وما خفي عليك شيء من أمري، كأنه علم غيب يا غلام، لقني الإسلام.
قال الحسن عليه السلام: الله أكبر، قل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قال: فأسلم الأعرابي، وحسن إسلامه، وسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسر المسلمون، وعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من القرآن، فقال: يا رسول الله أرجع إلى قومي فأعرفهم ذلك؟ فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانصرف ورجع ومعه جماعة من قومه، فدخل في الإسلام، فكان الناس إذا نظروا إلى الحسن قالوا: أعطي ما لم يعط أحد من الناس.(5/381)
2345- وروي أن الحسن بن علي رضي الله عنهما ورث من امرأته شيء فتصدق به على بعض الورثة قبل أن يقسم.
2346- وعن أسامة بن زيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي وللحسن: اللهم ارحمهما فإني أرحمهما.
2347- وعن شهر بن حوشب قال: .. ..(5/382)
سمعت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول حين جاء نعي الحسين بن علي عليه السلام لعنت أهل العراق قالت: قتلوه قتلهم الله، غروه ودلوه لعنهم الله، إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءته فاطمة رضوان الله عليها ببرمة وقد صنعت له فيها عصيدة تحملها في طبق لها، حتى وضعتها بين يديه فقال لها: أين ابن عمك؟ قالت: هو في البيت، قال: قومي فادعيه، وائتيني بابنيه،(5/383)
قال: فجاءت تقود ابنيها كل واحد منهما بيده، وعلي رضي الله عنه يمشي في إثرهما حتى دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسهما في حجره، وجلس علي عن يمينه، وجلست فاطمة على يساره.
قالت أم سلمة: فاجتذب صلى الله عليه وسلم من تحتي كساء كان بساطاً لنا، فلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً، وأخذ بشماله طرفي الكساء، وألوى بيده اليمنى إلى ربه تبارك وتعالى فقال: اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، قالت: قلت يا رسول الله ألست من أهلك؟ قال: بلى، فأدخلني في الكساء، قالت: فدخلت في الكساء بعد ما قضى، دعا لابن عمه علي وابنيه وفاطمة صلوات الله عليهم أجمعين.
2348- وعن علي بن جدعان، عن علي بن الحسين رضوان الله عليهما.
قال: ما نزل الحسين منزلاً حين خرج من مكة إلى الكوفة إلا وهو يحدثنا مقتل يحيى بن زكرياء رضي الله عنه.(5/384)
2349- وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال لي جبريل عليه السلام: إن الله قتل بدم يحيى بن زكرياء سبعين ألفاً، وهو قاتل بدم ابن ابنتك الحسين بن علي رضي الله عنهما سبعين ألفاً وسبعين ألفاً.
2350- وعن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: نيح على الحسين بن علي رضي الله عنهما ثلاث سنين كل يوم، من اليوم الذي قتل فيه.(5/385)
2351- قال: وكان واثلة بن الأسقع ومروان بن الحكم والمسور بن مخرمة وتلك المشيخة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقنعون ثم ينوحون، فيسمعون النوح ويبكون.
2352- ولما قتل الحسين بن علي رضي الله عنه كتب ابن عباس رضي الله عنه إلى يزيد بن معاوية: وإني لأرجو أن لا يمهلك الله بعد قتلك عترة نبيه صلى الله عليه وسلم إلا قليلاً حتى يأخذك الله أخذاً أليماً وخرجك من الدنيا مذموماً أثيماً، فعش لا أبا لك ما استطعت، فكان قتل الحسين سبب زوال دولتهم.
وحكي أن بعضهم كان عند الحسن بن علي العلوي الأطروش بمصر وعند رجل من أولاد الزبير ينازعه فقال له الزبيري: أنتم تستحلون الأموال، وتستبعدون الأحرار، قال: فأنشأ الحسن بن علي وهو يقول:
يقول أناس بأنا نقول ... بأن الأنام عبيد لنا
فلا والذي جعل المصطفى ... أبانا وفاطمة أمنا
ووالد سبطي نبي الهدى ... وسبطي نبي الهدى فخرنا
فما صدقوا في مقالاتهم علينا ... ولكن رأوا فضلنا
وأعزوا بنا ليروا مثلنا ... ولن يدركوا أبداً سعينا
فإن صدقونا كفيناهم ... وإن كذبوا سفهاً قولنا
فبالله ندفع ما لا نطيق ... فما زال سبحانه حسبنا(5/387)
[291] فصلٌ: في المهدي، وأنه من أهل البيت
2353- روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تذهب الدنيا حتى يملكها رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً،(5/388)
كما ملئت جوراً وظلماً.
2354- وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: بنا أهل البيت بدأ الله عز وجل،(5/389)
وبنا يختم الدنيا.(5/390)
[292] باب ما جاء في فضائل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين
[293] فصلٌ: في فضل أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه
وهو أبو بكر: عبد الله بن أبي قحافة، واسم أبي قحافة: عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن تيماً جد أبي بكر، وكلاب بن مرة جد النبي صلى الله عليه وسلم ، وتيم وكلاب أخوان، ابنا مرة بن كعب ابن لؤي بن غالب بن فهر التيمي، القرشي.(5/391)
2355- وقيل: إن اسم أبي بكر: عتيق بن عثمان، وأن اسمه كان عبد الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت عتيق من النار، فسمي عتيقاً.(5/392)
2356- أخبرنا أبو علي: حامد بن محمد بن عبد الله بن محمد الرفا الهروي، ثنا محمد بن المغيرة، ثنا مالك بن مغول(5/393)
قال: سمعت عطية العوفي قال: سمعت أبا سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أهل الدرجات العلى ينظرون إلى من هو أسفل منكم كما تنظرون إلى الكوكب الدري في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر من أولئك وأنعما.(5/394)
2357- وقال صلى الله عليه وسلم : حب أبي بكر وعمر إيمان وبغضهم كفر، وحب الأنصار إيمان وبغضهم كفر، وحب العرب إيمان وبغضهم كفر.(5/395)
2358- وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن في السماء الدنيا ثماني ألف ملك يستغفرون لمن أحب أبا بكر وعمر، وفي السماء الثانية ثمانون ألف ملك يلعنون من أبغض أبا بكر وعمر.(5/396)
2359- وعن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتاني جبريل فقلت: يا جبريل حدثني بفضائل عمر في السماء، فقال: لو حدثتك بفضائل عمر في السماء مثل ما لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ما نفدت فضائل عمر بن الخطاب، وإن عمر حسنة من حسنات أبي بكر.(5/397)
2360- وروى حذيفة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لقد هممت أن أبعث إلى الآفاق رجالاً يعلمون الناس السنن والفرائض كما بعث عيسى ابن مريم عليهما السلام الحواريين فقيل له: فأين أنت عن أبي بكر وعمر؟ قال: لا غنى بي عنهما، إنهما من الدين كالسمع والبصر.(5/398)
2361- وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن لي وزيرين من أهل الأرض، ووزيرين من أهل السماء، فوزيراي من أهل السماء: جبريل وميكائيل، ووزيراي من أهل الأرض: أبو بكر وعمر.(5/399)
2362- وعن سويد بن غفلة قال: مررت بقوم يذكرون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فدخلت على علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقلت: يا أمير المؤمنين مررت بنفر من أصحابك يذكرون أبا بكر وعمر بغير الذي هما من الأمة أهل، فلولا أنهم يرون أنك تضمر لهما مثل الذي أعلنوا ما اجترأوا على ذلك، فقال علي : أعوذ بالله أن أضمر لهما إلا الذي ائتمنني عليه المضمر، لعن الله من أضمر لهما إلا الحسن الجميل، أخوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه، ووزيراه رحمة الله عليهما، ثم نهض دامع العينين يبكي، قابضاً على لحيته وهو ينظر إلى بياضها حتى اجتمع الناس، فتشهد بخطبة بليغة موجزة ثم قال: ما بال أقوام لا يذكرون سيدي قريش وأبوي المسلمين بما أنا عنه متنزه، وعما يقولون منه بريء، وعليه معاقب؟ أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إنه لا يحبهما إلا مؤمن تقي، ولا يبغضهما إلا فاجر خبيث، صحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدق والوفاء، يأمران وينهيان ويقضيان ويعاقبان، فما يجاوزان فيما يقضيان، لا ير رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل رأيهما رأياً، ولا يحب كحبهما حباً، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا وهو عنهما راض، ومضيا والمؤمنون عنهما راضون، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على صلاة المسلمين، فصلى أبو بكر بالمسلمين سبعة أيام في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما قبض الله نبيه واختار له ما عنده صلى الله عليه وسلم ولاه ذلك المؤمنون وفوضوا إليه أمر الزكاة لأنهما مقرونتان، ثم أعطوه البيعة طائعين غير مكرهين، أنا أول من سن له ذلك من بني عبد المطلب -وهو لذلك كاره يود لو أن أحدنا كفاه ذلك- فكان(5/400)
والله خير ما بقي، أرحمهم رحمة، وأرأفهم رأفة، وأورعهم ورعاً، وأقدمهم سناً وإسلاماً، شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم بميكائيل رأفة ورحمة، وبإبراهيم عفواً وحلماً ووقاراً، فسار بيننا بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مضى لسبيله، رحمة الله عليه ورضوانه.
ثم ولي الأمر من بعده عمر، واستأمر المسلمين في ذلك، فمنهم من رضي -وكنت فيمن رضي منهم- ومنهم من كره، فلم يفارق عمر الدنيا حتى رضي به من كان كرهه، فأقام الأمر على منهاج النبي صلى الله عليه وسلم ومنهاج أبي بكر رضي الله عنه، يتبع آثارهما كإتباع الفصيل أثر أمه، وكان والله رحيماً لطيفاً بالضعفاء، ناصراً للمظلوم على الظالم، لا تأخذه في الله لومة لائم، ضرب الله الحق على لسانه، وجعل الصدق من شأنه، حتى إن كنا نرى أن ملكاً ينطق على لسانه، أعز الله الإسلام بإسلامه، وجعل هجرته للدين قواماً، ألقى الله له في قلوب المنافقين الرهبة، وفي قلوب المؤمنين المحبة، شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبريل: فظاً غليظاً على الأعداء، وبنوح حنقاً مغتاظاً على الكفار، ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيده على صدره حين أسلم وهو يقول: اللهم اخرج ما في صدره من غل وأبدله إيماناً -يقول ذلك ثلاثاً- الضراء في طاعة الله آثر عنده من السراء في معصية الله، فمن لنا بمثلهما؟ رحمة الله عليهما، ورزقنا اتباعهما، ولا يبلغ مبلغهما العبد إلا بإتباع آثارهما، والحب لهما.
قال صلى الله عليه وسلم : فمن أحبني فليحبهما، ومن لم يحبهما فقد أبغضني، وأنا منه بريء.(5/401)
2363- ويروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: لا أجد أحداً فضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري.(5/402)
2364- وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعلي رضي الله عنه: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين، لا تخبرهما يا علي.(5/403)
2365- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: ألا أخبركما بمثلكما في الملائكة ومثلكما في الأنبياء؟ مثلك يا أبا بكر في الملائكة مثل ميكائيل ينزل بالرحمة، ومثلك في الأنبياء مثل إبراهيم، كذبه قومه، وصنعوا به ما صنعوا، وقال: {فمن اتبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفورٌ رحيمٌ}.
ومثلك يا عمر في الملائكة مثل جبريل ينزل بالبأس والشدة والقوة على الأعداء، ومثلك في الأنبياء كمثل نوح إذ قال: {رب لا تذر من على الأرض من الكافرين دياراً}.
2366- وعن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح ثم أقبل علينا بوجهه فقال: بينا رجل يسوق بقرة إذا عيا فركبها، فضربها فقالت: إنا لم نخلق لهذا، إنما خلقنا لحراثة الأرض، فقال الناس: بقرة تكلمت! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإني أؤمن به وأبو بكر وعمر، وما هما ثم.
2367- ويروى عن الحسن في قوله تعالى: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} الآية، قال: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.(5/404)
2368- وعن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين} الآية، قال: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
2369- وعن عكرمة في قوله تعالى: {وأولى الأمر منكم} الآية، قال: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
2370- وعن ابن عباس في قوله تعالى: {وشاورهم في الأمر} الآية، قال: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.(5/405)
2371- وعن أبي العالية في قوله تعالى: {أهدنا الصراط المستقيم} الآية، قال: هو النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر.
قال عاصم: فذكرت ذلك للحسن فقال: صدق أبو العالية.
2372- ورأت عائشة رضي الله عنها في المنام كأنه سقط في حجرها ثلاثة أقمار، فذكرت ذلك لأبي بكر فقال لها: إن صدقت رؤياك ليدفنن في بيتك خير أهل الأرض ثلاثة، قال: فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم دفن في بيتها، فقال لها أبو بكر رضي الله عنه: هذا خير أقمارك.(5/406)
2373- وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أنس ائتني بإداوة من ماء، قال: فأتيه فوجدته في مسجد بني سالم، ويده على يد علي رضي الله عنه وهو يقول: يا علي كل نعيم دون الجنة يزول، وكل بلاء دون النار عافية، وكل هم ينقطع إلا هم النار، يا علي ما من أهل بيت كانوا حبرة إلا سيتبعها بعد ذلك عبرة، يا علي إذا قلت فلا تكذب، وعليك بالصدق، فإن ضرك في العاجل كان فرحاً لك في الآجل، قال: فبينا هما على ذلك إذ أقبل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ماشيان من قبل قباء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: أتحبهما؟ قال: إي والله يا رسول الله إني لأحبهما، وقد ازددت لهما حباً، قال: أجل، حبهما، فإن حبهما إيمان وبغضهما نفاق.(5/407)
2374- وعن انس بن مالك قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد جالس وقد أطاف به أصحابه، إذ أقبل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فسلم ووقف ثم نظر مجلساً يشبهه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ينظر في وجوه أصحابه أيهم يوسع له -وكان أبو بكر الصديق جالساً عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم - فتزحزح له عن مجلسه ثم قال: ها هنا يا أبا الحسن، فجلس بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال: أنس: فعرفت السرور في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر إنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذووا الفضل.(5/408)
2375- وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: رآني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أمشي أمام أبي بكر، فقال: أتمشي أمام من هو خير منك، إن أبا بكر خير من طلعت عليه الشمس أو غربت.
قال: فما رؤي أبو الدرداء بعد ذلك يمشي إلا خلف أبي بكر.(5/409)
2376- وفي رواية أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه ذات يوم فتقدم رجل منهم أمام أبي بكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتمشي أمام من هو خير منك؟ والله ما طلعت الشمس على أحد بعد النبيين خير من أبي بكر، والله ما كتب في السماء محمد رسول الله إلا وكتب على إثره: أبو بكر الصديق.
2377- قال كعب الأحبار: إن خلافة الصديق من السماء، ولقد علم خلافته قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم بستة عشر سنة، قيل: كيف؟ قال كعب: رؤيا رآها أبو بكر بمكة، رأى كأن القمر المنير سقط من السماء إلى الكعبة فتقطع قطعاً قطعاً، فلم يبق حجرة بمكة إلا دخلها من القمر قطعة، ووقع في حجر أبي بكر قطعة، فخرج القمر من حجرات مكة واستوى كما كان إلا قطعة أبي بكر فإنه بقي في حجره، فكره علماء مكة رؤياه -وكانوا يهوداً- فخرج أبو بكر في رحلة الشتاء وبها بحيرا الراهب فسأله، فقال بحيرا: يبعث الله عز وجل بمكة نبياً، وتكون أنت وزيره في(5/411)
حياته، وخليفة من بعده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأله أبي بكر عن برهانه على النبوة قال: الرؤيا التي رأيتها.
2378- وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رأيتني البارحة كأن رجلاً ألقمني كتلة تمر فعجمتها فوجدت فيها نواة، فآذتني، فلفظتها، ثم ألقمني كتلة من ذلك، قال أبو بكر: أعبرها يا رسول الله؟ قال: اعبرها، قال: هو الجيش الذي بعثتهم يسلمهم الله ويغنمهم، ثم يلقون رجلاً فينشدهم بذمتك فيدعونه، ثم يلقون آخر فينشدهم بذمتك فيدعونه، فيلقون آخر فينشدهم بذمتك فيدعونه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : كذلك قال الملك يا أبا بكر.
2379- وروت عائشة رضي الله عنها قالت: قال أبو بكر رضي الله عنه: إذا أنا مت فاغسلي ثيابي وكفنيني فيها، ولا تكفنيني بالجديد، فإن الحي أحق بالجديد من الميت، فإذا غسلتموني، وحنطتموني، فاحملوني على(5/412)
أعواد المنايا، وائتوا بي قبر النبي صلى الله عليه وسلم ونادوا ثلاثاً: يا محمد، يا أبا القاسم، يا رسول الله، هذا صاحبك أبو بكر بالباب، فإن انفتح القفل، ووقعت الفراشة فادفنوني حيث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن لم ينفتح القفل فارجعوا بي إلى البقيع.
قالت عائشة رضي الله عنها: فلما توفي فعلنا به ما أمرنا، وقلنا: يا محمد، يا أبا القاسم، يا رسول الله، فما تممنا أن قلنا: صاحبك(5/413)
بالباب حتى انفتح القفل، ووقعت الفراشة، وسمعنا هاتفاً يهتف ويقول من داخل البيت -ولا نرى شخصه-: أدخلوا الحبيب إلى الحبيب، فإن الحبيب إلى الحبيب مشتاق.
2380- وعن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو كنت متخذاً من الناس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، لكن خلة الإسلام أفضل.(5/414)
2381- وفي بعض الروايات: لو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكنه أخي وصاحبي، وقد اتخذ الله صاحبكم خليلاً.
2382- وروى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما نفعني مال قط، ما نفعني مال أبي بكر، فقال: وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟.
2383- وروى أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس فقال: سدوا هذه الأبواب الشارعة في المسجد إلا باب أبي بكر، فإني لا أعلم(5/415)
أحداً أعظم عندي يداً في صحبته وذات يده من أبي بكر.
2384- وروى أبو حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من أطعم منك اليوم مسكيناً؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من اتبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعت هذه الخصال في رجل قط إلا دخل الجنة.(5/416)
2385- وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني لأرجو لأمتي في حبهم أبي بكر وعمر كما أرجو لهم في قول لا إله إلا الله.
2386- وعن أنس بن مالك أن يهودياً أتى أبا بكر فقال: والذي بعث موسى بالحق كليماً إني لأحبك، قال: فلم يرفع أبو بكر رأساً تهاوناً باليهودي، قال: فهبط جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: إن العلي الأعلى يقرئك السلام ويقول: قل لليهودي الذي قال لأبي بكر: إني(5/417)
أحبك، أن الله عز وجل قد أحاد عنك في النار خلتين: لا يوضع الأنكال في قدميك، ولا الغل في عنقك لحبك أبا بكر، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليهودي فأحضره وأخبره الخبر، فرفع اليهودي رأسه إلى السماء وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، والذي بعثك بالنبوة إني ازددت لأبي بكر حباً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هنيئاً هنيئاً، أحاد الله عنك النار بحذافيرها، وأدخلك الجنة بحبك أبي بكر.
2387- وعن عمر بن الخطاب رضوان الله عليه قال: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح بهم.(5/418)
2388- وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كان يوم القيامة، وجمع الله الأولين والآخرين، يؤتى بمنبرين من النور فينصب(5/419)
أحدهما عن يمين العرش والآخر على يساره ويعلوهما شخصان، فينادي الذي عن يمين العرش: معاشر الخلائق من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا رضوان خازن الجنة، أمرني الله أن أسلم مفاتيحها إلى محمد، وأمرني محمد أن أسلم مفاتيحها إلى أبي بكر وعمر، ليدخل محبيهما ومحبي عائشة الجنة، ألا فاشهدوا، ثم ينادي الذي عن يسار العرش: معاشر الخلائق، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا مالك خازن النار، إن الله عز وجل أمرني أن أسلم مفاتيح النار إلى محمد، وأمرني محمد صلى الله عليه وسلم أن أسلم مفاتيحها إلى أبي بكر، ليدخل مبغضه ومبغض عائشة النار، ألا فاشهدوا.
2389- وعن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا كان يوم القيامة يوضع ثلاث كراسي من ذهب: أحمر يتلألأ منها الجميع، فيجلس إبراهيم عليه السلام على واحد منها، وأجلس أنا على آخر، ويبقى واحد منها، فيؤتى بأبي بكر فيجلس عليه ثم ينادي منادياً: يا طوبى لصديق بين حبيب وخليل.(5/420)
2390- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق قال: يا رسول الله لو أن أحدهم رفع قدمه لأبصرنا تحت قدميه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما.
2391- وعن قيس بن أبي حازم قال: ابتاع أبو بكر الصديق بلالاً بخمسة أواق -وهو مائتا درهم- فقالوا له حين ابتاعه: لو أبيت إلا أوقية واحدة لبعناك، قال أبو بكر رضي الله عنه: لو أبيتم إلا مائة أوقية لأخذته.(5/421)
2392- وقال محمد بن سيرين: مر أبو بكر ببلال -وقد جعله مولاه في جلد بقرة، وهم يمرغونه في رمل حار ويقولون: آمن باللات والعزى- وهو يقول: أحد أحد، فقال أبو بكر: أتبيعوني عبدكم هذا؟ فباعوه، فاشتراه منهم، ثم اعتقه، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا بكر الشركة، قال: يا رسول الله قد أعتقته، فدعا له.
2393- وقال الشعبي: سألت ابن عباس رضي الله عنه عن أول من أسلم فقال: أما سمعت قول حسان بن ثابت:
إذا تذكرت شجواً من أخي ثقة ... فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
خير البرية أتقاها وأعدلها ... بعد النبي وأوفاها بما حملا
الثاني التالي المحمود مشهده ... وأول الناس منهم صدق الرسلا
فجعله ثانياً وتالياً وصاحباً(5/422)
2394- وقال بعضهم:
إذا ما ذكرنا من علي فضيلة ... رمينا بزنديق يسب أبا بكر
وهل يشتم الصديق من كان مؤمنا؟ ... ضجيع رسول الله في الغار والقبر(5/423)
2395- وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أفرس الناس ثلاثة: المرأة التي تفرست في موسى عليه السلام فقالت لأبيها: {يا أبت استأجره} الآية، والملك حين تفرس في يوسف الصديق عليه السلام والقوم فيه زاهدون، وأبو بكر حين تفرس في عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاستخلفه.(5/424)
[294] فصلٌ: في فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وهو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي، وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن عدياً جد عمر، ومرة جد النبي صلى الله عليه وسلم ، ومرة وعدي أخوان، ابنا كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك ابن النضر -وهو قريش-.
كنيته صلى الله عليه وسلم : أبو حفص، ولقبه الفاروق.(5/425)
2396- أخبرنا أبو سهل: بشر بن أحمد المهرجاني رحمه الله، أنا عبد الله بن محمد بن ناجية، .. ..(5/426)
ثنا إبراهيم بن موسى المؤدب، ثنا محمد بن حمزة الرقي، عن حمزة بن أبي حمزة النصيبي، .. ..(5/427)
عن زيد بن رفيع، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نزل الحق على لسان عمر وقلبه، ورضيت لأمتي ما رضي لها عمر.(5/428)
2397- وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أبغض عمر فقد أبغضني، ومن أحب عمر فقد أحبني، وإن الله تبارك وتعالى باهى ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة عامة، وإنه باهى ملائكته بعمر بن الخطاب خاصة، وإنه لم يبعث نبي قط إلا كان في أمته من يحدث، وإن يكن في أمتي، فعمر، قيل: يا رسول الله، كيف يحدث؟ قال: تتكلم الملائكة على لسانه.(5/433)
2398- وروي أنه خرجت نار زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من وراء خيبر، تأكل كل شيء مرت عليه، فأراد أن يبعث إليها نفراً يقاتلونها، ثم عرف أنها من قبل الله تعالى، فقال: أطفئوها بالصدقة، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف، فقال عمر: يا عبد الرحمن أتعبت من بعدك، فتصدق الناس، فطفئت.(5/434)
2399- وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بينا أنا نائم إذ أتيت بقدح لبن فشربت منه، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم.
2400- وفي رواية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني رأيت في النوم أني أعطيت عساً مملوءاً لبناً، فشربت منه حتى تملأت، ففضلت فضلة فأعطيتها عمر بن الخطاب، فأولوها، فقالوا: يا نبي هذا علم أعطاكه الله فملأك، ففضلت، فأعطيتها عمر بن الخطاب، فقال: أصبتم.(5/435)
2401- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص، فمنها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: الدين.
2402- وفي رواية عن أبي سعيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون وعليهم قمص، منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ فوق ذلك، وعرض علي عمر وعليه قميص يجره، فقالوا: ما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: الدين.
2403- وعن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عمر أول من يصافحه الحق بعدي ويسلم عليه، ويأخذ بيده حتى يدخله الجنة.(5/436)
2404- وعن عمر بن الخطاب قال: وافقت ربي في ثلاث، قلت: يا رسول الله، لو اتخذت من المقام قبلة، فأنزل الله عز وجل: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} الآية، وقلت: إنه يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب: {وإذا سألتموهن متاعاً فسئلوهن من وراء حجابٍ ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن} الآية، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة، فقلت: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكاراً، فنزلت الآية.
قال أبو سعد رحمه الله: فلو لم يكن لابن الخطاب فضيلة غيرهن لكان كافياً.(5/437)
2405- وعن أبي الخليل قال: لما نزلت هذه الآية: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طين. ثم جعلناه نطفةً في قرار مكينً. ثم خلقنا النطفة علقةً فخلقنا العلقة مضغةً فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر}، وعنده عمر، فقال عمر: {فتبارك الله أحسن الخالقين}، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده إنها ختمت بما تكلمت.(5/440)
2406- ولقي يهودي عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له: إن جبريل عليه السلام الذي يذكره صاحبك هو عدو لنا، فقال له عمر: من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين، فنزلت على لسان عمر رضي الله عنه.
2407- وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنا نرى أن السكينة تنزل على لسان عمر، ونرى أن شيطانه يخافه أن يجره إلى معصية الله.(5/443)
2408- وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دخلت الجنة فرأيت فيها قصراً من ذهب، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لفتى من قريش، فظننت أني أنا هو، فقيل لي: هو لعمر بن الخطاب، فسمعت فيه الأصوات، فذهبت لأدخله، فذكرت غيرتك فرجعت، فقال عمر: أو عليك أغار يا رسول الله!.(5/444)
2409- وقالت عائشة رضي الله عنها: إذا أردتم أن تحسن مجالسكم فعليكم بذكر عمر رضي الله عنه وإن لذكره هشاشة في القلب.(5/445)
2410- وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث جيشاً، وأمر عليهم رجلاً يدعى: سارية، فبينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب الناس يوم الجمعة جعل يصيح وهو على المنبر: يا سارية، الجبل، الجبل، قال: فقدم الجيش سالماً غانماً، فسألهم فقال: يا أمير المؤمنين لقينا العدو يوم الجمعة وقت الزوال، فقاتلناهم، فهزمونا، فسمعنا صياح صائح يقول: يا سارية، الجبل، الجبل، فأسندنا ظهورنا إلى الجبل، فهزمهم الله، فقيل لعمر رضي الله عنه: إنك كنت تصيح بذلك.(5/446)
2411- وروي أن عمر لما وضع على سريره وسجي عليه الثوب، أقبل علي بن أبي طالب ومعه الحسن والحسين حتى قام عند سريره وقال: رحمك الله وجزاك عن الإسلام وأهله خيراً، ما من الناس أحد أحب إلي أن ألقى الله بكتابه بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأخيه الماضي من هذا المسجى.(5/447)
2412- ورؤي على علي رضي الله عنه برد -وكان يكثر لبسه- فقيل: إنك تكثر لبس هذا البرد، فقال: كساني خليلي وصفيي وصديقي وصاحبي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إن عمر ناصح الله فنصحه، ثم بكا.
2413- وقالت أم أيمن لما مات عمر رضي الله عنه: اليوم وهى الإسلام.
2414- وروي أن رسول الروم جاء إليه فقال: أين ملك العرب؟ قالوا: هو نائم في المسجد، فرآه نائماً ودرته تحت رأسه، فقال: عدلت فأمنت فنمت.
2415- وروي أن بعض الصحابة قال لعبد الله بن عمر: إني رأيت عجباً، رأيت أمير المؤمنين في الحمام وعلى ظهره أثر السوط، فقال: سبحان الله ومن يضرب أمير المؤمنين، قال: إنه لا ينام كل ليلة حتى يحاسب نفسه، ثم إن له ليلة في كل أسبوع يخلو فيها بنفسه، فإن كان فضل على نفسه شيء ضربها، فذلك الأثر من ذلك.(5/448)
2416- ورؤي عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً وعلى ظهره قربة ماء، فقيل له: نحن نكفيكها يا أمير المؤمنين، فقال: إنه قد أتاني وفود العرب، وإن نفسي خرجت علي، فأحببت أن أكسرها بهذا.
2417- وعن زيد بن وهب قال: كنا في حلقة من حلق المسجد، فاختلف رجلان في حرف من القرآن، فدخل عبد الله بن مسعود المسجد وقد جاء من جبانة بني فزارة، فقام إليه الرجلان فقرأ عليه أحدهما فقال: من أقرأك؟ قال: معقل بن مقرن أبو عمرة، وقرأ عليه الآخر فقال: من أقرأك؟ قال: عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: فرأيته بكى لما ذكر الرجل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم مسح عينيه بيده، ثم نفضها، فرأيت لدموعه أثراً في الحصى، ثم قال: إن أهل بيت لم يدخل عليهم حزن من قبل عمر لأهل بيت سوء، ولو علمت أن كلباً كان يحب عمر لكان من أحب الكلاب إلي، وقال: كان عمر بن الخطاب حصناً حصيناً يلجأ إليه أهل الإسلام، فلما ذهب عمر انثلم ذلك الحصن ثلمة لا يسدها أحد بعده،(5/449)
وكان عمر رضي الله عنه أقرأنا لكتاب الله، وأعلمنا بالله، وأفقهنا في دين الله، اقرأ كما أقرأك عمر، فوالله لهي أبين من طريق السيلحين، وكان رضي الله عنه إذا سلك طريقاً اتبعناه فيه رحباً وسهلاً، فإذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر رضي الله عنه.
2418- وجاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستحمله فقال: يا أمير المؤمنين إن ناقتي دبرة نقبة، فقال له عمر: ليست كذلك، فذهب الرجل، قال: فسمعه عمر رضي الله عنه وهو يحدو من الليل ويقول:
أقسم بالله أبو حفص عمر ... ما مسه من نقب ولا دبر
فاغفر له اللهم إن كان فجر
فقال له عمر: يا فلان يا فلان هل علمت أني معكم؟ قال: لا، فحمله، ثم قال: اللهم اغفر لي، اللهم اغفر لي.(5/450)
2419- وقال صلى الله عليه وسلم : اللهم أعز الإسلام بعمر.(5/451)
2420- وفي رواية: اللهم أيد الإسلام بعمر.(5/452)
2421- وعن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لو كان بعدي نبي لكان عمر.(5/453)
2422- وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: كان إسلام عمر رضي الله عنه فتحاً، وكانت هجرته نصراً، وكانت إمارته رحمة.(5/454)
2423- وعن ابن مسعود قال: والله ما استطعنا أن نصلي عند الكعبة ظاهرين حتى أسلم عمر.
2424- وعنه رضي الله عنه قال: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر رضي الله عنه.
2425- وعن حذيفة قال: كان الإسلام في زمان عمر كالرجل المقبل، لا يزداد إلا قرباً، فلما قتل عمر صار كالرجل المدبر، لا يزداد إلا بعداً.
2426- وكان عند عمر رجل يريد أن يستعمله، فجاء ولد لعمر رضي الله عنه فقبله عمر، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين إن لي أربعة أو -خمسة- ما قبلت صبياً منهم قط، فقال عمر: أنت بالمسلمين أقل رحمة، لا تلي لي عملاً أبدا.(5/455)
2427- وعن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله قال: إني لأحسب لو وضع علم عمر في كفة ميزان، ووضع علم الناس في الكفة الأخرى لرجح علم عمر، وقال: إني لأظن أن عمر رضي الله عنه قد ذهب بتسعة أعشار العلم.
2428- وجاء ذمي إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: السلام عليك يا ملك العرب، فقال له عمر: أكذاك تجدوني في كتابكم؟ أليس تجدون النبي ثم الخليفة، ثم أمير المؤمنين، ثم الملوك بعد؟ قال: بلى.
2429- وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: دخلت على عمر رضي الله عنه حين أصيب، فقلت: مصر الله بك الأمصار، وفتح بك الفتوح، وفعل بك وفعل، فقال: وددت أني أنجو منها، لا أجر ولا وزر.
2430- وحكي أنه رضي الله عنه مر بسوق الطعام، فرأى رجلاً يعرف بحاطب يبيع الزبيب -وكان السعر غالياً- فقال له: يا حاطب إما أن تدخل زبيبك البيت، وإما أن ترخص في السعر، فإني سمعت بعير مقبلة، فإذا سمعوا سعرك سعروا بمثله، فلما رجع إلى بيته وحاسب نفسه قال: لم فعلت ذلك وهو ماله لا مالك؟ فرجع إليه وقال: إنما أردت به الخير للمسلمين، فكيف شئت فبع، وأين شئت فبع.(5/456)
2431- وروي أنه رضي الله عنه كان يخطب يوماً للاستسقاء، فسمع صوتاً: أبا حفص أتاك الغيث، وأمطروا مطراً مباركاً.
2432- وعن أبي كعب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: جاءني جبريل فذكرني أمر عمر بن الخطاب، فقلت: يا جبريل أخبرني عن فضائل عمر بن الخطاب وما له عند الله، قال لي: يا محمد لو جلست معكم قدر ما لبث نوح في قومه لن أستطيع أن أخبرك عن فضائل عمر وما له عند الله، ثم قال: يا محمد، ليبك الإسلام بعد موتك على موت عمر.(5/457)
2433- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ما رأيت عمر رضي الله عنه إلا وكأن بين عينيه ملكاً يسدده.(5/458)
2434- وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان قبل إسلام عمر تسعة وثلاثون ما بين رجل وامرأة، فأسلم عمر فتموا أربعين، فأنزل الله: {يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين} الآية.
2435- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خلقني الله من نوره، وخلق أبا بكر من نوري، وخلق عمر من نور أبي بكر، وخلق أمتي من نور عمر، .. ..(5/459)
فعمر سراج أهل الجنة.
2436- وقالت عائشة رضي الله عنها: لما طعن عمر رضي الله عنه سمعوا:(5/460)
عليك سلام من أمير وباركت ... يد الله في ذاك الأديم الممزق
قضيت أموراً ثم غادرت بعدها ... بوائق في أكمامها لم تفتق
فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ... ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق
2437- وقال عمر رضي الله عنه لعائشة: أتأذنين أن أقبر في حجرتك هذه وأعوضك؟ ثم قال: إذا مت فاغسلوني وكفنوني واستأذنوا لي على(5/461)
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن أذن فادفنوني معه ففعلوا، ثم أتوا باب الحجرة واستأذنوا فسمعوا صوتاً: أن أدخلوا الحبيب على الحبيب، فإن الحبيب إلى الحبيب مشتاق، فقبر ثم، وانتقلت عائشة رضي الله عنها إلى دار في وجه القبلة، فقيل لها: لم انتقلت يا أم المؤمنين؟ قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم روحي، وإن أبا بكر رضي الله عنه كان أبي، وإني ربما أكشف عن رأسي وعمر رضي الله عنه من الأجانب، لا أحب أن يراني.(5/462)
[295] فصلٌ: في فضائل عثمان بن عفان رضي الله عنه
وهو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن عبد شمس جد عثمان، وهاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهاشم وعبد شمس أخوان، ابنا عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب ابن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر -وهو قريش-.
كنيته رضي الله عنه: أبو عمر، وأبو عبد الله، ولقبه: ذو النورين.(5/463)
2438- أخبرنا أبو سعيد: إسماعيل بن أحمد بن محمد بن عبد العزيز الخلالي، الجرجاني، التاجر رحمه الله، أنا أحمد بن محمد الجرجاني،(5/464)
الملحمي، ثنا أبو مروان العثماني بمكة قال: حدثني أبي، .. ..(5/465)
عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، .. ..(5/466)
عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لكل نبي رفيقاً، ورفيقي في الجنة عثمان بن عفان.(5/467)
2439- وعن عبد الرحمن بن خباب السلمي قال: إني لتحت منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فحض على جيش العسرة، فلم يجبه أحد، فقام عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال: يا رسول الله مائة بعير بأحلاسها وأقتابها عون في هذا الجيش، ثم حضض فلم يجبه أحد فقام عثمان فقال: يا رسول الله مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها عون في هذا الجيش، ثم حضض فلم يجبه أحد فقام عثمان فقال: يا رسول الله ثلثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها عون في هذا الجيش.(5/469)
قال عبد الرحمن بن خباب: فكأني أنظر إلى يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يذهب بها ويجيء وهو يقول: ما على عثمان ما عمل بعد اليوم.
2440- وعن ميمون بن مهران، عن ابن عباس قال: قحط الناس على عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقالوا له: قد قحط الزمان، والسماء لم تمطر، والأرض لم تنبت، والناس في شدة، فقال: انصرفوا فإنكم لن تمسوا حتى يفرج الله عنكم، قال: فما لبثنا إلا قليلاً أن جاء أجراء عثمان بن عفان رضي الله عنه من الشام، وجاءته مائة راحلة براً -أو قال: طعاماً- فجاء التجار إلى باب عثمان، فقرعوا عليه الباب، فخرج عثمان رضي الله عنه(5/470)
في ملأ من الناس فقال: ما شأنكم؟ قالوا: قد قحط الزمان والناس في شدة، وقد بلغنا أن عندك طعاماً فبعناه حتى نوسع على المسلمين، فقال عثمان رضي الله عنه: حباً وكرامة، ادخلوا واشتروا، فدخل التجار، وإذا الطعام موضوع في الدار فقال: معاشر التجار كم تربحوني على شرائي من الشام؟ قالوا: للعشرة اثنين، قال: قد زادوني، قالوا: للعشرة أربعة، قال: قد زادوني، قالوا: للعشرة خمسة، قال: قد زادوني، قال التجار: يا أبا عمرو ما بقي في المدينة تجار غيرنا، فمن الذي زادوك؟ فقال عثمان رضي الله عنه: زادني الله عز وجل، بكل درهم عشراً، أعندكم زيادة؟ قالوا: لا، قال: فإني أشهد الله عز وجل أني قد جعلت هذا الطعام صدقة على فقراء المسلمين.
قال ابن عباس: فرأيت في ليلتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وهو على برذون أبلق، عليه حلة من نور، وفي رجليه نعلان من نور، وبيده قضيب من نور، وهو مستعجل، فقلت: يا رسول الله قد اشتد شوقي إليك، فأين تبادر؟ فقال: يا ابن عباس إن عثمان بن عفان تصدق بصدقة، وإن الله تعالى قد قبلها منه، فزوجه بها عروساً في الجنة، وإنا قد دعينا إلى عرسه.
2441- وروي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مضطجعاً في بيت عائشة رضي الله عنها على الفراش لابساً مرط عائشة كاشفاً عن فخديه -أو ساقيه- فاستأذن أبو بكر، فأذن له وهو كذلك، فتحدث ساعة ثم انصرف، ثم استأذن عمر، فأذن له وهو كذلك، فتحدث ساعة ثم انصرف، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فسوى ثيابه، ثم أذن له، فلما خرج قالت عائشة: يا رسول الله لم أرك عرفت لأبي بكر وعمر(5/471)
مثل ما عرفت لعثمان، قال: إن عثمان رجل حيي، وإني خشيت إن أذنت له وأنا على تلك الحال ألا يبلغ في حاجته.(5/472)
2442- وفي بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم قال: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة.
2443- وجاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنه فقال: أشهد عثمان بيعة رضوان؟ قال: لا، قال: فشهد بدراً؟ قال: لا، قال: فكان الرجل ممن استزله الشيطان؟ قال: نعم، فقام الرجل، فقال له بعض القوم: إن هذا يزعم أنك وقعت في عثمان، فقال: ردوا علي الرجل، فقال: عقلت ما قلت لك؟ قال: نعم، سألتك: هل شهد عثمان بيعة الرضوان؟ قلت: لا، وسألتك: هل شهد بدراً؟ قلت: لا، وسألتك: هل كان ممن استزله الشيطان؟ فقلت: نعم.
قال: أما بيعة الرضوان فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم قام فقال: إن عثمان انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله، وإني أبايع له، فضرب إحدى يديه على الأخرى، وأما يوم بدر فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم قام فقال: إن عثمان انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله، فضرب له بسهم، ولم يضرب(5/473)
لأحد غاب عنها غيره، وأما قوله تعالى: {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفورٌ حليمٌ}.
2444- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة فأبى أن يصلي عليها، فقالوا: يا رسول الله ما رأيناك تركت الصلاة على أحد إلا على هذا؟ قال: إنه كان يبغض عثمان، فأبغضه الله.
2445- وعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يطلع عليكم من هذا الفج رجل من أهل الجنة، فاطلع عثمان بن عفان رضي الله عنه.(5/474)
2446- وقال عثمان رضي الله عنه في بعض حديثه: ولا مسست فرجي بيميني منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
2447- وقال صلى الله عليه وسلم ذات يوم: تهجمون على رجل من أهل الجنة معتجر ببرده، قال: فهجمنا على عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو معتجر ببرد يبايع الناس.
2448- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعثمان: إن الله مقمصك قميصاً، فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني.(5/475)
2449- وعن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والذي بعثني بالحق نبياً، ما من نبي أوحى الله إليه من ولد آدم أمره أن يزوج ابنتيه رجلاً واحداً إلا أنا، أمرني الله فزوجت ابنتي عثمان، وما زوجته إلا بوحي من السماء.(5/476)
فكان عثمان إذا لقيه ابن عمر سلم عليه وقال له: يا ذا النورين.(5/477)
2450- وروي أنه لما ماتت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتم عثمان رضي الله عنه غماً شديداً، فمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه صبيحة ثالثة على عثمان رضي الله عنه فسلم عليه فرد عليه رداً ضعيفاً، فقال: ما يحزنك؟ إنما هي امرأة من النساء، والنساء كثير، هلم أزوجك حفصة، فلم يجب إليه عثمان رضي الله عنه شيئاً، فانطلق عمر رضي الله عنه من وجهه ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أدلك على ختن هو خير لك من عثمان، وأدل عثمان على صهر هو خير له منك، زوجني ابنتك حفصة، وقد زوجته ابنتي أم كلثوم.(5/478)
2451- وعن عبد الله بن ظالم قال: جاء رجل إلى سعيد بن زيد فقال: إني أبغض عثمان بغضاً ما أبغضت شيئاً قط، فقال: بئس ما فعلت، أبغضت رجلاً من أهل الجنة.
2452- وروت نائلة بنت الفرافصة قالت: أغفى عثمان رضي الله عنه إغفاءة ثم استيقظ وهو يقول: ليقتلنني القوم، قالت قلت: كلا، هم رعيتك(5/479)
استعتبوك، قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وقالوا: تفطر عندنا الليلة.(5/480)
2453- 2454- ويروى عن حفصة وعائشة أنهما كانتا جالستين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وددت أن معي بعض أصحابي يتحدث، فقالت عائشة: أرسل إلى أبي بكر يتحدث معك؟ قال: لا، قالت حفصة: أرسل إلى عمر يتحدث معك؟ قال: لا، ولكن أرسلي إلى عثمان، قال: فجاء عثمان ودخل، فقمنا فأرخينا الستر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنك مقتول مستشهد، فاصبر صبرك الله، ولا تخلعن قميصاً قمصك الله ثنتي عشرة سنة وستة أشهر حتى تلقى الله وهو عنك راض، قال عثمان: أستعين بالله، وأسأله الصبر، ادع لي يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم صبره، وأجبه.(5/481)
قال: فخرج عثمان رضي الله عنه، فلما أدبر صرخ به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اصبر، صبرك الله فإنك سوف تستشهد وأنت صائم فتفطر معي.
2455- وعن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل} الآية، قال: الذي يأمر بالعدل: عثمان بن عفان رضي الله عنه.
2456- وقال بعضهم: شهدت أبا هريرة وعثمان رضي الله عنه محصور في الدار فقال أبو هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنها ستكون فتنة واختلاف -أو: اختلاف وفتنة- قال قلنا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: عليكم بالأمين وأصحابه -وأشار إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه-.(5/482)
2457- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: بينما نحن في بيت ابن حشفة في نفر من المهاجرين فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لينهض كل رجل منكم إلى كفئه، ونهض النبي صلى الله عليه وسلم إلى عثمان فاعتنقه، وقال: أنت وليي في الدنيا والآخرة.
2458- وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما أسري بي من سماء إلى سماء، فصرت إلى السماء السابعة سقطت في حجري تفاحة فأخذتها بيدي، فانفلقت، فخرجت منها حوراء تقهقه، فقلت لها: تكلمي، لمن أنت؟ فقالت: أنا للمقتول الشهيد عثمان.(5/483)
2459- ولما جهز عثمان رضي الله عنه جيش العسرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غفر الله لك يا عثمان ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أخفيت وما أبديت، وما هو كائن إلى يوم القيامة.
2460- وروي أن فيه رضي الله عنه نزل قوله تعالى: {يا أيتها النفس المطمئنة. أرجعي إلى ربك راضية ً مرضيةً}.(5/484)
2461- وقال النبي صلى الله عليه وسلم : أنا من عثمان وعثمان مني.
2462- ودخل صلى الله عليه وسلم على رقية فقال لها: كيف تجدين بعلك أبا عمرو؟ قالت: خير بعل يا رسول الله، قال: أكرميه، فإنه أشبه أصحابي بي خلقاً.(5/485)
2463- وروي أنه كان رضي الله عنه يختم القرآن في ليلة واحدة.(5/486)
2464- ويروى أنه كان رضي الله عنه يقرأ بالسبع الطوال في ركعة واحدة خلف المقام، وهو مقنع رأسه بالليل.(5/487)
2465- وكان عثمان رضي الله عنه يقول: لولا أني أخاف أن يكون في الإسلام ثلمة أسدها بهذا المال ما جمعته.
2466- وكان رضي الله عنه لا يزال يقول: اللهم أحيني سعيداً، وأمتني شهيداً.
2467- وقال أبو هريرة رضي الله عنه: اشترى عثمان رضي الله عنه الجنة من النبي صلى الله عليه وسلم مرتين: حيث حفر للنبي صلى الله عليه وسلم بئر رومة، وحيث جهز جيش العسرة.(5/488)
وكان عثمان رضي الله عنه اشترى بئر رومة من صلب ماله، وألقى عليها الدلو، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمن له الجنة، واشترى البقعة التي زاد في المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمن له الجنة لأجلها، لأن المسجد كان قد ضاق بأهله.
2468- روي أن عثمان رضي الله عنه أشرف عليهم وهو محصور فقال: أنشدكم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال: من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه فيها مع المسلمين بخير له منها في الجنة، فاشتريتها من صلب مالي، فجعلت دلوي فيها مع دلاء المسلمين؟ فأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب منها حتى أشرب من ماء البحر، قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله فقال رسول الله: من يشتري(5/489)
بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير منها في الجنة؟ فاشتريتها من صلب مالي، فأنتم اليوم تمنعوني أن أصلي فيها ركعتين، قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم بالله وبالإسلام هل تعلمون أني جهزت جيش العسرة من صلب مالي؟ قالوا: اللهم نعم، قال: أنشدكم بالله والإسلام هل تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا على ثبير مكة وأنا معهم، فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته بالحضيض، فركضه النبي صلى الله عليه وسلم برجله وقال: اسكن، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: فسمعته يقول: الله أكبر، شهدوا لي ورب الكعبة أني شهيد، ثلاثاً.
قال: ثم دخلوا عليه فقتلوه، رضوان الله عليه.
قال أبو سعد رحمه الله:
2469- قال بعض العارفين: خص الله سبحانه عثمان بن عفان رضي الله عنه بالتمكين، وهو من أعلى مراتب المحققين، فإنه يوم قتل لم يبرح من موضعه، ولم يأذن لأحد بالقتال، ولا وضع المصحف من حجره إلى أن قتل، وسال الدم على المصحف، ووقع على هذه الآية: {فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم}.(5/490)
2470- روى الزهري عن أنس رضي الله عنه أن جبريل عليه السلام قال: يا رسول الله من هذا الذي خرج من عندك آنفاً؟ فقال: عثمان بن عفان، قال: أو تعرفونه في السماء يا جبريل؟ قال: والذي بعثك بالحق إن نور عثمان ليضيء لأهل السماء كما تضيء الشمس لأهل الأرض.(5/491)
[296] فصلٌ: في فضائل علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه
وهو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر.
واسم أبي طالب: عبد مناف، واسم عبد المطلب: شيبة، واسم قصي: زيد.(5/492)
2471- 2472- حدثنا أبو محمد: الحسن بن إبراهيم بن الحسين بن الحسن الفقيه الزولاقي، المصري بحرم الله، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، ثنا أحمد بن القاسم بن محمد، .. ..(5/493)
ثنا أبو شعيب: محمد بن يزيد، عن علي بن المديني، عن إبراهيم النخعي، عن مصعب بن سليم، مولى بني زهرة وحرملة بن قيس قالا: .. ..(5/494)
حدثنا رياح بن الحارث النخعي قال: سمعت أبا أيوب وخباب بن الأرت يقولان: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه.(5/495)
2473- وقال عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لعلي ثلاثة أشياء‘ لو كان لي واحدة منها لكان أحب إلي من حمر النعم: أحدها: إعطاؤه الراية إليه يوم خبير، وتزويج فاطمة إياه، وسد الأبواب إلا باب علي.
2474- وسأل الحجاج الحسن فقال: ما تقول في علي؟ قال: ما أقول في علي إلا ما قال الله فيه، قال: وما قال الله فيه؟ قال: قال الله: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرةٌ إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوفٌ رحيمٌ} الآية، قد سماه الله مؤمناً مهدياً، فما أقول فيه؟.
2475- ويروى عن سفيان الثوري رحمه الله قال: كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه كالجبل بين المسلمين والمشركين، أعز الله به المسلمين، وأذل به المشركين، يأتيه رزقه من المدينة في جراب مختوم.
2476- وعن البراء بن عازب قال: لما أقبلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من(5/496)
حجة الوداع، حتى إذا كنا بغدير خم نودي فينا: الصلاة جامعة، وكسح للنبي صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد علي فقال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى، قال: أليس من أزواجي أمهاتهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإن هذا المولى من أنا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.
قال: فلقيه عمر بعد ذلك فقال: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة.(5/497)
2477- وعن أبي البختري، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن لأقضي بينهم، فقلت: إنه لا علم لي بالقضاء، فضرب يده في صدري وقال: اللهم اهد قلبه، قال: فما شككت في قضاء بين اثنين حتى جلست مجلسي هذا.
2478- وعن أنس بن مالك قال: كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأهدي إليه طائر فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك، فجاء علي بن أبي طالب، فاستأذن فأذن له، فأكل معه الطير.(5/498)
قال أبو سعد رحمه الله:
2479- وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر بإبراهيم عليه السلام حلماً ورحمة ووقاراً، وشبه عمر بنوح عليه السلام شدة وغيظاً وصلابة.
2480- وشبه صلى الله عليه وسلم عثمان بموسى عليه السلام عفة وحياء، وشبه علياً بهارون عليه السلام فصاحة وبلاغة وبياناً، فقال صلى الله عليه وسلم : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة لأنه كان أخاه وخليفته.(5/499)
2481- عن سعد بن أبي وقاص قال: لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك خلف علياً بالمدينة فقالوا: قد مله وكره صحبته، فتبع علي بن أبي طالب النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحقه في الطريق فقال: يا رسول الله خلفتني بالمدينة مع الذراري والنساء حتى قالوا: قد مله وكره صحبته، فقال: يا علي إنما خلفتك على أهلي، أما ترضى أن تكون بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي.
2482- وروى زاذان عن علي بن أبي طالب قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما ترضى أن إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام يدعى يوم القيامة فيقام عن يمين العرش فيكسى، ثم أدعى فأكسى، ثم تدعى فتكسى؟.(5/500)
2483- وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا علي معك يوم القيامة عصا من عصي الجنة تذود بها المنافقين عن حوضي.
2484- وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كنا نصير مع علي رضي الله عنه، وكان علي رضي الله عنه يلبس ثياب الشتاء في الصيف، وثياب الصيف في الشتاء، فقلت لأبي: لو سألته، فسأله فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلي وأنا أرمد يوم خبير، فقلت: يا رسول الله إني أرمد، فتفل فيها، وقال:(5/501)
اللهم أذهب عنه الحر والبرد، فما وجدت حراً ولا برداً منذ يومئذ.
2485- ومر ابن عباس رضي الله عنه بقوم من أهل الشام على ضفة زمزم بعد ما كف بصره فسمعهم ينالون من علي بن أبي طالب -وكان سعيد بن جبير معه يقوده- فقال: ردني إلى هؤلاء القوم، ففعل ذلك سعيد، فوقف عليهم فقال: أيكم الساب الله عز وجل؟ قالوا: سبحان الله ما فينا أحد يسب الله عز وجل، قال: فأيكم الساب محمداً صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا: ولا فينا أحد يسب محمداً صلى الله عليه وسلم ، قال: فأيكم الساب علياً؟ قالوا: أما هذا فنعم، قال: فإني أشهد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سب علياً فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله، ومن سب الله أكبه الله على منخريه في نار جهنم.(5/502)
2486- عن أرطأة بن حبيب، عن عبيد بن ذكوان قال: حدثني أبو خالد الواسطي وهو آخذ بشعره، قال: .. ..(5/504)
حدثني زيد بن علي وهو آخذ بشعره، قال: حدثني علي بن الحسين وهو آخذ بشعره، قال: حدثني الحسين بن علي وهو آخذ بشعره، قال: حدثني علي بن أبي طالب وهو آخذ بشعره، قال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بشعره قال: من آذى شعرة منك فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، .. ..(5/505)
ومن آذى الله فعليه لعنة الله.(5/506)
2487- وروى عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي: طوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك.(5/508)
2488- وفي رواية أخرى عن عمار قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا علي إن الله تبارك وتعالى زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب لله منها، وهي زينة الأبرار: الزهد في الدنيا، فلا تنال منها شيئاً، ولا تنال الدنيا منك شيئاً، ووهب لك حب الفقراء، وجعلك ترضى بهم أتباعاً، ويرضون بك إماماً، فطوبى لمن أحبك وصدق فيك، فهم إخوانك في دارك، ورفقاؤك في جنتك، وأما من أبغضك وكذب عليك فحقيق على الله أن يوقفه يوم القيامة موقف الكذابين.(5/509)
2489- وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: أنت سيد في الدنيا والآخرة، من أحبك فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغضك فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله عز وجل.(5/510)
2490- وقال علي بن أبي طالب: والذي خلق الحبة، وبرأ النسمة إنه لعهد إلي النبي الأمي صلى الله عليه وسلم : إنه لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق.
2491- وقال صلى الله عليه وسلم : لو نثرت الدر على المنافق ما أحبك، ولو ضربت خيشوم المؤمن ما أبغضك.(5/511)
2492- وعن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كان يوم القيامة ضربت لي قبة من ياقوتة حمراء على يمين العرش، وضربت لإبراهيم قبة من ياقوتة خضراء على يسار العرش، وضربت فيما بيننا لعلي بن أبي طالب قبة من لؤلؤة بيضاء، فما ظنكم بحبيب بين خليلين.(5/512)
2493- 2494- وروى عمار بن ياسر وأبو أيوب قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حق علي بن أبي طالب على المسلمين كحق الوالد على ولده.(5/513)
2495- ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أجيء يوم القيامة وأبو بكر عن يميني، وعمر عن شمالي، وعثمان من ورائي، وعلي من بين يدي ومعه لواء الحمد، وعليه يومئذ شقتان، شقة من السندس، وشقة من الإستبرق، فقام إليه أعرابي فقال: فداك أبي وأمي يا رسول الله، وعلي يستطيع أن يحمل لواء الحمد؟ قال: كيف لا يستطيع حمله وقد أعطي خصالاً: صبراً كصبري، وحسناً كحسن يوسف، وقوة كقوة جبريل عليه السلام، وإن لواء الحمد بيد علي بن أبي طالب، وإن جميع الخلائق يومئذ تحت لوائي - صلى الله عليه وسلم -.
2496- ولما قدم علي من خبير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى لقلت فيك قولاً لا تمر بملأ إلا أخذوا من تراب رجليك، وفضل طهورك، يستشفون به، ولكن حسبك أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، فإنك تبرئ عني ذمتي، وتقاتل على سنتي، وإنك في الآخرة معي، وإنك على الحوض خليفتي، وإنك أول من يكسى معي، وإنك أول من يدخل الجنة(5/514)
معي من أمتي، وإن محبيك على منابر من نور مبياضة وجوههم، أشفع لهم، ويكونون غداً جيراني، وإن حربك حربي، وسلمك سلمي، وإن سرك سري، وعلانيتك علانيتي، وإنك امرؤ سريرة صدرك كسريرة صدري، وإن ولدك ولدي، تنجز وعدي، وإن الحق معك، وعلى لسانك وفي قلبك، وبين عينيك، وإن الإيمان مخالط لحمك ودمك، كما خالط لحمي ودمي، ليس أحد من الأمة يعدلك، وإنه لن يرد الحوض مبغض لك، ولا يغيب عنه محب لك حتى ترد الحوض معي.
قال: فخر علي ساجداً، ثم قال: الحمد لله الذي أنعم علي بالإسلام، وعلمني القرآن، وحببني إلى خير البرية خاتم النبيين وسيد المرسلين إحساناً منه وتفضلاً.
2497- 2498- وعن أبي ذر وسلمان قالا: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد علي رضي الله عنه فقال: ألا إن هذا أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق الأكبر، وهذا فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظالمين.(5/515)
2499- وعن أبي الحمراء قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل علي بن أبي طالب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سره أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى يحيى بن زكرياء في زهده، وإلى موسى بن عمران في بطشه فلينظر إلى علي بن أبي طالب.(5/517)
2500- ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن علياً لم يشرك بالله ساعة قط، ولم يشرب الخمر، ولم يعبد اللات والعزى قط، ولم ينكث قط.
2501- وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دخلت الجنة فرأيت على باب الجنة مكتوباً: لا إله إلا الله، عليٌ أخو رسول الله.(5/518)
2502- ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: النظر إلى المصحف بغير قراءة عبادة، والنظر إلى الوالدين عبادة، والنظر إلى البحر عبادة، والنظر إلى علي بن أبي طالب عبادة.(5/519)
2503- ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا علي فيك مثل من عيسى، أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه، وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة التي ليس هو بها.(5/521)
2504- وقال علي بن أبي طالب: يهلك في رجلان: محب مطري، ومبغض مفتري، يحمله بغضه أن يبهتني.(5/522)
2505- وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: يخرج في آخر الزمان قوم لهم نبز يقال لهم: الرافضة، ينتحلون شيعتنا وليسوا بشيعتنا، وآية(5/523)
ذلك أنهم يسبون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فإذا رأيتموهم فاقتلوهم فإنهم مشركون.(5/524)
[تابع] جامع أبواب الفضائل والمناقب(6/5)
[297] باب فضائل الأربعة، وسائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين
2506- أخبرنا الإمام أبو بكر: محمد بن علي بن إسماعيل الشاشي القفال رحمه الله قراءة عليه في شهور سنة ست وخمسين وثلثمائة قال: أخبرنا أبو عروبة: .. ..(6/7)
الحسين بن أبي معشر السلمي بحران، ثنا محمد بن معمر، ثنا يعقوب بن محمد الزهري، .. ..(6/8)
ثنا عبد العزيز بن محمد، ثنا عبد الرحمن بن حميد بن عبدالرحمن بن عوف، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(6/9)
أبو بكر في الجنة، عمر في الجنة، عثمان في الجنة، علي في الجنة، عبد الرحمن في الجنة، سعد في الجنة، طلحة في الجنة، الزبير في الجنة، سعيد بن زيد في الجنة، أبو عبيدة بن الجراح في الجنة.
قال عبد العزيز: لا أدري بمن أبدأ.
2507- وروى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرحم أمتي بأمتي: أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء: عثمان، وأقرؤهم لكتاب الله: أبي بن كعب، وأفرضهم: زيد بن ثابت، وأعلمهم بالحلال والحرام: معاذ بن جبل، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة: أبو عبيدة بن الجراح.(6/10)
2508- وفي رواية ابن عباس: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأقواكم في دين الله عمر، وأشدكم حياء عثمان، وأقضاكم علي ابن أبي طالب، ولكل نبي حواري وحواريي طلحة والزبير، وحيث ما دار سعد بن أبي وقاص دار الحق معه، وعبد الرحمن بن عوف من تجار الرحمن، وسعيد بن زيد من أحباء الله في الأرض، وأبو عبيدة بن الجراح أمين الله وأمين رسوله، وطلحة ممن قضى نحبه.
2509- وفي رواية: وأبصركم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضكم زيد بن ثابت، وأقرأكم أبي بن كعب.(6/11)
2510- وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رحم الله أبا بكر، زوجني ابنته عائشة، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالاً من ماله.
رحم الله عمر، يقول الحق وإن كان مراً، تركه الحق وما له من صديق.
رحم الله عثمان، تستحي منه الملائكة.
رحم الله علياً، اللهم أدر الحق معه حيث دار.
2511- وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: .. ..(6/12)
كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -أحسب قال: في حائط- فجاء رجل فسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اذهب، فأذن له وبشره بالجنة، قال: فذهبت، فإذا هو أبو بكر الصديق، فقلت: ادخل وابشر بالجنة، فما زال يحمد الله حتى جلس ثم جاء آخر فسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إيذن له وبشره بالجنة، قال: فذهبت فإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقلت: ادخل وابشر بالجنة، فما زال يحمد الله حتى جلس، ثم جاء آخر فسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اذهب فأذن له وبشره بالجنة بعد بلاء شديد، فانطلقت فإذا هو عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقلت: ادخل وابشر بالجنة على بلوى شديدة، فجعل يقول: اللهم صبراً، حتى جلس.
2512- وعن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في أصحابه إذ قال عمر: يا رسول الله أنبئنا عن أفضل أصحابك نتخذهم علماً، ويكونوا لنا مفزعاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبو بكر وزيري والقائم في أمتي من بعدي، وعمر حبيبي وينطق على لساني، وعلي أخي وصاحب لوائي، وأنا من عثمان وعثمان مني.(6/13)
2513- وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما أسري بي إلى السماء دخلت جنة عدن، فإذا أنا بشجرة خضراء عليها أوراق حمر مكتوب على كل ورقة: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وعلى وجه الأخرى: أبو بكر الصديق، عمر الفاروق، عثمان الشهيد ذو النورين، علي المرتضى.(6/14)
2514- وعن بعضهم قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألا أنبئكم بما على العرش مكتوب؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: على العرش مكتوب: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق، عثمان الشهيد، علي الرضا.
2515- وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب المدينة وهو متكئ، يمينه على أبي بكر، وشماله على عمر، وعثمان(6/16)
آخذ بطرف ثوبه، وعلي من بين يديه فقال: هكذا ندخل الجنة، فمن فرق بيننا فعليه لعنة الله عز وجل.
2516- وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى بكراً من أعرابي بدين إلى نظرة، فأدبر الأعرابي فلقيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال للأعرابي: إن قبض الله رسوله فإلى من حقك؟ فرجع الأعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من لي بحقي إن أتى عليك الموت؟ قال: إلى أبي بكر الصديق، فأدبر الأعرابي فلقيه علي أيضاً، فقال ما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ،(6/17)
فقال علي: فإن أبا بكر يموت؟ قال: فرجع الأعرابي فقال: يا رسول الله إن مات أبو بكر فمن لي بحقي؟ قال: إلى عمر بن الخطاب، فأدبر الأعرابي فلقيه الأخرى، فقال علي: فإن مات عمر فإلى من حقك؟ قال: فرجع الأعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: إن مات عمر فإلى من حقي؟ قال: حقك إلى عثمان، فأدبر الأعرابي حتى لقيه علي فقال له ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له: إن مات عثمان فإلى من حقك؟ فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: إن مات عثمان فإلى من حقي؟ قال: إلى الذي أرسلك.
قال أبو سعد رحمه الله:
2517- في قوله صلى الله عليه وسلم : الخلافة ثلاثون سنة: فقدر لأبي بكر سنتين، ولعمر عشر سنين، ولعثمان اثنتا عشرة سنة، ولعلي ست سنين، رضي الله عنهم أجمعين.
2518- وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لأصحابه:(6/18)
تمنوا، فقال بعضهم: أتمنى لو كانت هذه الديار مملوءة ذهباً أنفقها في سبيل الله، ثم قال: تمنوا، فقال رجل: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤاً وزبرجداً وجوهراً أنفقها في سبيل الله وأتصدق به، ثم قال: تمنوا، فقالوا: ما ندري يا أمير المؤمنين، قال عمر: أنا أتمنى لو أنها مملوءة رجالاً مثل أبي عبيدة، ومعاذ، وسالم مولى أبي حذيفة، وحذيفة بن اليمان.
2519- وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يجتمع حب هؤلاء الأربع إلا في قلب مؤمن: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم.(6/19)
2520- وروى سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سألت ربي عما يختلف فيه أصحابي من بعدي،(6/20)
فأوحى الله إلي: يا محمد إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم بعضها أضوء من بعض، فمن أخذ بشيء مما هم عليه من اختلافهم فهو عندي على هدى.
2521- سئل جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن أبي بكر فقال: كان صلى الله عليه وسلم قد حرق قلبه مشاهدة ربوبيته، فكان لا يشهد مع الله غير الله، فمن أجل ذلك كان أكثر كلامه: لا إله إلا الله.
قال: وعمر رضي الله عنه كان يرى كل ما دون الله صغيراً حقيراً في جنب عظمة الله، وكان لا يرى التعظيم لغير الله، فمن أجل ذلك كان أكثر كلامه: الله أكبر.(6/21)
قال: وعثمان بن عفان رضي الله عنه كان يرى كل ما دون الله معلولاً إذ كان مرجعه إلى الفناء، وكان لا يرى التنزيه إلا لله تعالى، فمن أجل ذلك كان أكثر كلامه: سبحان الله.
قال: وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يرى ظهور الكون من الله، وقيام الكون بالله، ورجوع الكون إلى الله، فمن أجل ذلك كان أكثر كلامه: الحمد لله.
قال: وكان إشارة الصديق رضي الله عنه إلى جلال الألوهية وكمال الألوهية، وإشارة عمر رضي الله عنه كان إلى عظم الكبرياء وحسن الربوبية، وإشارة عثمان رضي الله عنه كان إلى التنزيه والأزلية في أوقات العبودية، وإشارة علي رضي الله عنه إلى البقاء والديمومية واضمحلال من سواه تحت جلال الصمدانية.
قال: فأكرم الله الصديق بصفوة الإيمان، وعمر بحلاوة الإيمان، وعثمان بحياء الإيمان، وعلي بسخاء الإيمان، ولهذا كان للأربعة الخلفاء ثمانية أحوال:
البقاء واللقاء والجهد والوفاء، والصدق والحياء، والمحبة والرضاء.
فالبقاء واللقاء لأبي بكر الصديق رضي الله عنه.
والجهد والوفاء لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.
والصدق والحياء لعثمان بن عفان رضي الله عنه.
والمحبة والرضاء لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه.
قال: وقد دل على هذه الأحوال منهم خبر يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(6/22)
حبب إلي من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء، وجعل قرة عيني في الصلاة.
قال أبو بكر: وحبب إلي ثلاث يا رسول الله، قال: وما ذاك يا أبا بكر؟ قال: النظر إلى وجهك، وجمع المال للإنفاق عليك، والتوسل إليك بقرابتك.
وقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله وحبب إلي ثلاث، قال: وما ذاك يا عمر؟ قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيام بأمر الله.
وقال عثمان: وحبب إلي ثلاث يا رسول الله، قال: وما ذاك يا عثمان؟ قال: إشباع الجائع، وإرواء الظمآن، وإكساء العاري.
وقال علي بن أبي طالب: وحبب إلي ثلاث يا رسول الله، قال: وما ذاك يا علي؟ قال: الصوم في الصيف، وقرى الضيف، والضرب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف.
قال: فقول أبي بكر: النظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، دليل على محبة اللقاء، ومن أحب حبيباً تسلى برؤيته، وقوله: وجمع المال والإنفاق على رسول الله، دليل على محبة البقاء، لأن من أحب البقاء أفنى الفاني.
وقول عمر بن الخطاب: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، دليل على الجهد، لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حقهما أن يقوم المرء بحقوق الله مجتهداً، ثم يأمر بالمعروف، وقوله: القيام بأمر الله، دليل على الوفاء.(6/23)
وقول عثمان: إشباع الجائع وإرواء الظمآن، دليل على الصدق، لأن الإيثار من أسباب الصدق، وقوله: وإكساء العاري من دلائل الحياء، لأن الحيي يحب أن يكسو العاري لاستحيائه لنفسه، وفضل حيائه لغيره.
وقول علي بن أبي طالب: الصوم في الصيف وقرى الضيف، دليل على الرضا، وقوله: والضرب بين يدي رسول الله بالسيف، دليل على المحبة، لأن من أحب حبيباً ناب عن حبيبه وذب عنه، وقاتل أعداءه.
قال: وقول الله تعالى يشير إلى هذه الأحوال وصدقها، فإن الله عز وجل يقول: {محمدٌ رسول الله والذين معه}، يعني: أبا بكر رضي الله عنه، وقال أبو بكر: النظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن أحب رؤية شيء كان معه.
{أشداء على الكفار}، يعني: عمر رضي الله عنه، من غلظ على الكافرين أمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر.
{رحماء بينهم}، يعني: عثمان بن عفان رضي الله عنه، ومن رحم الخلق كساهم وأطعمهم.
{تراهم ركعاً سجداً}، يعني: علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأن من أحب محبوباً طلب قربه، وقرب حبيبه في الصلاة الركوع والسجود قال الله تعالى: {واسجد واقترب}.
2522- وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: لما طعن عمر وأمر بالشورى، دخلت عليه حفصة ابنته فقالت له: يا أبة إن الناس يزعمون أن هؤلاء(6/24)
الستة ليسوا برضا، فقال: أسندوني، أسندوني -مرتين- قال: فلما أن أسند، قال: ما عسى أن يقولوا في علي بن أبي طالب رضي الله عنه؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يدك في يدي يوم القيامة، تدخل معي حيث أدخل.
ما عسى أن يقولوا في عثمان بن عفان رضي الله عنه؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يوم يموت عثمان تصلي عليه ملائكة السماء، فقلت: يا رسول الله لعثمان خاصة أم للناس عامة، فقال: لعثمان خاصة.
ما عسى أن يقولوا في طلحة بن عبيد الله؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة قربه وقد سقط رحله فقال: من يسوي رحلي وله الجنة، فندب طلحة فسواه له حتى ركب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا طلحة هذا جبريل يقرئك السلام ويقول لك: أنا معك يوم القيامة حتى أنجيك من أهوالها.(6/25)
ما عسى أن يقولوا في الزبير وهو يذب عن وجهه حتى استيقظ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا عبد الله لم تزل؟ فقال: لم أزل بأبي أنت وأمي، فقال: هذا جبريل يقرئك السلام ويقول: أنا معك يوم القيامة حتى أذب عن وجهك شرر جهنم.
ما عسى أن يقولوا في سعد بن أبي وقاص؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وقد أوتر قوسه: أربع عشرة مرة فدفعها إليه ويقول: ارم فداك أبي وأمي.
ما عسى أن يقولوا في عبد الرحمن بن عوف؟ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في منزل فاطمة والحسن والحسين يبكيان جوعاً ويتضوران، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من يصلهما بشيء؟ فاطلع عبد الرحمن بصحفة فيها حيس ورغيفان بينهما إهالة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : كفاك الله أمر دنياك، فأما أمر آخرتك فأنا لها ضامن.
2523- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كان يوم القيامة نادى مناد الله، ليقم أهل الله، فيقوم أبو بكر الصديق وعمر الفاروق، وعثمان ذو النورين وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم(6/26)
فيقال لأبي بكر: قم على باب الجنة فأدخل فيها من شئت برحمة الله، وذد عنها من شئت بقدرة الله.
ويقال لعمر: قم على الميزان، فثقل ميزان من شئت برحمة الله، وخفف ميزان من شئت بقدرة الله.(6/27)
ويقال لعثمان: خذ هذه العصا واثبت عند الحوض، فاسق من شئت واطرد من شئت.
ويؤتى بعلي بن أبي طالب فتوضع تفاحة في كفه فيخرج منها حلتان فيقال له: البسهما، فإني إنما خبأتهما لك قبل أن أخلق السماوات والأرض.
2524- وجاء ناس إلى ابن عباس فقالوا: جئنا نسألك، قال: فاسألوا عما شئتم، قالوا: أي رجل كان أبو بكر؟ قال: الخير كله على حدة كانت فيه.
قالوا: فأي رجل كان عمر؟ قال: كالطير الحذر الذي يظن أن له في كل طير شرك يأخذونه.
قالوا: فأي رجل كان عثمان؟ قال: ألهته نومته عن يقظته.
قالوا: فأي رجل كان علي؟ قال: ملئ جوفه حكماً وعلماً وقرابة(6/28)
من رسول الله صلى الله عليه وسلم وبأساً ونجدة، فظن أنه لا يمد يده إلى شيء إلا ناله، قال: فما مد يده إلى شيء فناله.
2525- وروي عن أبي ذر رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ سبع حصيات فوضعهن في كفه فسبحن حتى سمع لها حنين كحنين النحل فوضعهن فخرسن، ثم تناولهن فوضعهن في كف أبي بكر فسبحن حتى سمع لها حنين كحنين النحل، ثم في كف عمر، ثم في كف عثمان، ثم في كف علي ثم قال: هؤلاء الخلفاء من بعدي.
2526- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لحوضي أربعة أركان: فالركن الأول في يد أبي بكر، والثاني(6/29)
في يد عمر، والثالث في يد عثمان، والرابع في يد علي، فمن كان محباً لأبي بكر مبغضاً لهم لم يسقه أبو بكر، ومن كان مبغضاً لأبي بكر محباً لعمر لم يسقه عمر، ومن كان محباً لعثمان مبغضاً لعلي لم يسقه عثمان، فمن أحب أبا بكر فقد أقام الدين، ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحب علياً فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن أحسن القول في أصحابي برئ من النفاق، ومن أساء القول في أصحابي فهو منافق.
2527- وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال:(6/30)
ما لي أراكم تختلفون في أصحابي؟ أما علمتم أن حبي وحب أهل بيتي وحب أصحابي فريضة على أمتي إلى يوم القيامة؟
ثم قال صلى الله عليه وسلم : أين أبو بكر الصديق؟ قال: فوثب إليه أبو بكر وقال: ها أنا ذا يا رسول الله، قال: ادن مني، فدنا منه فضمه إلى صدره وقبل بين عينيه -ورأينا دموع عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم تجري على خديه- ثم أخذ بيده وقال بأعلى صوته: معاشر المسلمين، هذا أبو بكر الصديق، هذا شيخ المهاجرين والأنصار، هذا الذي أمرني الله أن أتخذه والداً في الدنيا وخليلاً في الآخرة، هذا صاحبي، صدقني حين كذبوني، وآواني حين طردوني، وآنسني حين أوحشوني، وواساني بنفسه وماله، وزوجني ابنته عائشة، واشترى لي بلالاً من ماله، فعلى مبغضه لعنة الله ولعنة اللاعنين، والله منه بريء، وأنا منه بريء، فمن أحب أن يتبرأ من الله ومني فليتبرأ من أبي بكر الصديق، وليبلغ الشاهد منكم الغائب، ثم قال له: اجلس أبا بكر، فقد عرف الله ذلك لك.
ثم قال صلى الله عليه وسلم : أين عمر بن الخطاب؟ فوثب إليه عمر وقال: ها أنا ذا يا رسول الله، فقال: ادن مني، فدنا منه فضمه النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره، وقبل بين عينيه، ورأينا دموع عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم تجري على خديه، ثم أخذ بيده وقال بأعلى صوته: معاشر المسلمين، هذا عمر بن الخطاب هذا شيخ المهاجرين والأنصار، هذا الذي أمرني الله أن أتخذه ظهيراً ومشيراً، هو الذي أنزل الله الحق على قلبه ولسانه ويده، وهو الذي تركه الحق ما له من صديق، هو الذي يقول الحق وإن كان مراً، هو الذي لا يخاف في الله لومة لائم، هو الذي يفرق الشيطان من شخصه، هذا سراج أهل الجنة،(6/31)
فعلى مبغضه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، والله منه بريء، وأنا منه بريء.
ثم قال صلى الله عليه وسلم : أين عثمان بن عفان؟ فوثب إليه عثمان وقال: ها أنا ذا يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم : ادن مني، فدنا منه فضمه إلى صدره، وقبل ما بين عينيه، ورأينا دموع عينيه تجري على خديه، ثم أخذ بيده وقال: معاشر المسلمين هذا عثمان بن عفان، هذا شيخ المهاجرين والأنصار، هذا الذي أمرني الله أن أتخذه سنداً وختناً على ابنتي، ولو كان لي ثالثة لزوجتها إياه، هذا الذي استحيت منه ملائكة السماء، فعلى مبغضيه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
ثم قال صلى الله عليه وسلم : أين علي بن أبي طالب؟ فوثب إليه علي وقال: ها أنا ذا يا رسول الله، قال: ادن مني، فدنا منه فضمه إلى صدره، وقبل ما بين عينيه، ورأينا دموع عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم تجري على خديه، ثم أخذ بيده، وقال بأعلى صوته: معاشر المسلمين، هذا علي بن أبي طالب، هذا شيخ المهاجرين والأنصار، هذا أخي وابن عمي وختني، هذا لحمي ودمي وشعري، هذا أبو السبطين الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، هذا مفرج الكرب عني، هذا أسد الله وسيفه في أرضه على أعدائه، فعلى مبغضيه لعنة الله ولعنة اللاعنين، والله منه بريء، وأنا منه بريء، فمن أحب أن يتبرأ من الله ومني فليتبرأ من علي بن أبي طالب، وليبلغ الشاهد منكم الغائب، ثم قال: اجلس يا أبا الحسن فقد عرف الله لك ذلك.
ثم قال صلى الله عليه وسلم بأعلى صوته: معاشر المسلمين، لو عبدتم الله حتى تكونوا كالحنايا، وصمتم حتى تكونوا كالأوتار، وصليتم حتى تجف(6/32)
الركب منكم ثم أبغضتم واحداً من أصحابي العشرة لأكبكم الله في النار على مناخيركم، ثم نزل عن المنبر باكياً حزيناً.(6/33)
[298] فصلٌ: ومن فضائل عبد الله بن عباس
2528- روي أنه صلى الله عليه وسلم ضم عبد الله بن عباس رضي الله عنه إلى نفسه وقال: اللهم علمه الحكمة.
2529- وفي رواية: اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل والتنزيل.
2530- وقال صلى الله عليه وسلم : تلد أم الفضل ولداً تقر به أعيننا.(6/34)
2531- وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقبل على رجل يناجيه، فلما خرجنا من عنده قال العباس: ألم تر إلى ابن عمك كالمعرض عني؟ قال قلت: يا أبة أو ما رأيت الرجل الذي كان معه؟ قال: وكان معه أحداً؟ قال قلت: نعم، ما رأيته؟ قال: فرجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أبي: إن عبد الله أخبرني بكذا وكذا، فهل كان عندك أحد تناجيه؟ قال: نعم، رأيته يا عبد الله؟ قال: نعم، قال: ذاك جبريل عليه السلام هو الذي شغلني عنك.
2532- وعن عبد الله بن بريدة قال: شتم رجل عبد الله بن عباس فقال: أتشتمني وفي ثلاث خلال؟ ما سمعت بحكم عدل قط إلا فرحت به وإن لم أقاض إليه، وما بلغني أن الغيث أصاب ناحية من الأرض إلا فرحت به وإن لم يكن لي فيها سائمة، وما علمت من آية من كتاب الله علماً إلا أحببت أن يعلم الناس منها مثل ما أعلم.(6/36)
2533- وعن أبي جهضم قال: رأى ابن عباس رضي الله عنه جبريل مرتين، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم مرتين.
2534- وقال ابن مسعود رضي الله عنه: لو أدرك ابن عباس أسناننا ما عاشره منا أحد.
2535- وقال ابن مسعود رضي الله عنه: نعم ترجمان القرآن ابن عباس.
2536- وقال صلى الله عليه وسلم : لكل كتاب فارس، وفارس القرآن ابن عباس.(6/37)
[299] فصلٌ: ومن مناقب سعد بن معاذ
2537- روي أن سعد بن معاذ رضي الله عنه: قطع أكحله، فدعا الله فأمسك عليه عرقه.(6/38)
2538- وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لقد اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ.(6/39)
2539- وقال صلى الله عليه وسلم له: لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع سماوات.
2540- وروى جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد وهو يدفن: إن هذا العبد الصالح تحرك له العرش، وفتحت له أبواب السماء.
2541- ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبره فاحتبس، فلما خرج قيل: يا رسول الله ما حبسك؟ قال: ضم سعد في القبر ضمة، فدعوت الله أن يكشف عنه.(6/40)
[300] فصلٌ: ومن فضائل عبد الله بن سلام
2542- كان اليهود يقرون لعبد الله بن سلام رضي الله عنه قبل إسلامه أنه سيدهم وابن سيدهم.
2543- عن سعد بن أبي وقاص قال: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على وجه الأرض أنه من أهل الجنة غير عبد الله بن(6/41)
سلام، وفيه نزلت: {وشهد شاهدٌ من بني إسرائيل على مثله} الآية.
2544- وعن مصعب بن سعد، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بقصعة فيها ثريد، فأكلوا منها وفضلت فضلة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يأكل هذه الفضلة رجل من أهل الجنة -وكنت تركت أخي عميراً في البيت
يتوضأ فرجوت أن يكون هو- فجاء عبد الله بن سلام فأكلها.
2545- وعن قيس بن عباد قال: كنت بالمدينة فدخلت المسجد فقعدت إلى رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: وإنا لقعود فدخل علينا رجل في وجهه أثر الخشوع، فقال بعض القوم، هذا رجل من أهل الجنة، وقال آخرون: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر(6/42)
إلى هذا، قال فصلى إلى سارية من المسجد ركعتين تجوز فيهما، ثم خرج فتبعته، فدخل منزله فمكثت على الباب هنيهة حتى ظننت أنه قد استقر في مجلسه، ثم استأذنت عليه فأذن لي، فقعدت عنده فتحدثنا، فلما استأنس بي في حديثه قلت له: إنك لما دخلت المسجد قالوا: كذا وكذا، قال: سبحان الله، ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم، وسأحدثك عن ذلك أني رأيت رؤيا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه: رأيت كأني في روضة خضراء، وفي وسط الروضة عمود من حديد، أسفله في الأرض وأعلاه في السماء، وفي رأس العمود عروة، فقيل لي: ارق، فقلت: لا أستطيع، فجاءني منصف من خلفي فقال بثيابي من خلفي فرفعه من خلفي فرقيت، حتى إذا كنت في أعلى العمود أخذت العروة بيدي فقيل لي: استمسك، فانتبهت وإن العروة في يدي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما الروضة الخضراء فالإسلام، وأما عمود الحديد فعمود الإسلام، والعروة عروة الإسلام، ولا تزال على الإسلام حتى تموت.
قال: وإذا الرجل عبد الله بن سلام.
2546- ويروى أن معاذ بن جبل لما حضرته الوفاة قالوا: يا أبا عبد الرحمن أوصنا، فقال: أجلسوني، ثم قال: إن العلم والإيمان(6/43)
مكانهما، من التمسهما وجدهما -قال ذلك ثلاث مرات- العلم، العلم، العلم عند أربعة رهط: عند عامر أبي الدرداء، وعند سلمان، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه عاشر عشرة في الجنة.(6/44)
[301] فصلٌ: ومن فضائل سلمان الفارسي
2547- كان سلمان الفارسي رضي الله عنه قد اختصم المهاجرون والأنصار فيه، فقال المهاجرون: هو منا، وقال الأنصار: هو منا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سلمان من أهل البيت، قال: فكان في حيز المهاجرين.
2548- وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي الدرداء عويمر: سلمان أفقه منك.(6/45)
2549- وقال صلى الله عليه وسلم : إن الله ليرضى برضى سلمان، ويسخط بسخطه.
2550- وقال صلى الله عليه وسلم : إن الجنة أشوق إلى سلمان، من سلمان إلى الجنة.(6/46)
[302] فصلٌ: ومن فضائل العباس بن عبد المطلب
2551- قال صلى الله عليه وسلم : العباس بن عبد المطلب عمي.
2552- واستسقى عمر بن الخطاب رضوان الله عليه عام الرمادة(6/48)
بالعباس ابن عبد المطلب فقال: اللهم إنا جئناك نستسقيك ونتشفع إليك بعم نبيك، فما انقضى كلامه والناس ينظرون إليهما حتى نشأت سحابة من قبل القبلة، فلم يلبث أن طبقت الأفق، ثم أرملت عزاليها، فأمرغ الله الجبال، وأخصب البلاد، وفي ذلك يقول الفضل بن العباس:
بعمي سقى الله الحجاز وأرضها ... عشية يستسقي بشيبته عمر
توجه بالعباس في الجدب راغباً ... فما كبر حتى جاد بالديمة المطر(6/49)
[303] فصلٌ: ومن فضائل أبي عبيدة بن الجراح
2553- قدم وفد نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ابعث معنا رجلاً يعلمنا القرآن، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد أبي عبيدة بن الجراح(6/50)
فأرسله معهم، وقال: هذا أمين هذه الأمة.(6/51)
[304] فصلٌ: ومن فضائل بلال بن رباح
2554- يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح يوماً فدعا بلالاً فقال: يا بلال، بم سبقتني إلى الجنة، إني دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك أمامي؟ قال بلال: يا رسول الله ما توضأت قط إلا صليت ركعتين -أو قال: ما أصابني حدث إلا توضأت عنده-.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بهذا.(6/52)
2555- وقال صلى الله عليه وسلم : نعم المرء بلال، إنه سيد المؤذنين، ولا يتبعه إلا مؤمن، والمؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة.(6/53)
2556- وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: يجمع الله الأولين والآخرين، ثم يجيء بلال على ناقة من نوق الجنة، فيتبعه المؤذنون، فيؤمر بالأذان، فيؤذن، فإذا بلغ قوله: أشهد أن محمداً رسول الله، شهد أهل الحشر من الأولين والآخرين.(6/54)
2557- وقال صلى الله عليه وسلم : بلال سابق الحبشة إلى الجنة.(6/55)
2558- وفي رواية: أول من يقرع باب الجنة بلال المؤذن.
2559- وقال أبو بكر الصديق: يا ليت أمي أم بلال وأبي أبو بلال، وأنا مثل بلال.(6/56)
2560- وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا بلال.(6/57)
[305] فصلٌ: ومن فضائل عمار بن ياسر
2561- قال صلى الله عليه وسلم : عمار ملئ إيماناً إلى مشاشه.(6/58)
2562- وقال صلى الله عليه وسلم : يا خالد لا تبغض عماراً فإن من أبغض عماراً أبغضه الله، ولا تسب عماراً فإن من سب عماراً سبه الله.(6/59)
2563- قال: وكان بين عمار وخالد بن الوليد كلاماً، فشكاه عمار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يزل خالد يطلب إليه حتى عفا عنه واستغفر له.
2564- وروى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بياسر وعمار بن ياسر وأم عمار وهم يؤذون في الله ويعذبون فقال: ابشروا آل ياسر فإن موعدكم الجنة.(6/60)
2565- ولما قتل عمار بن ياسر، دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص فقال: قتل عمار، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تقتله الفئة الباغية، فقام عمرو بن العاص فزعاً حتى دخل على معاوية فقال له معاوية: ما شأنك؟ فقال: قتل عمار، فقال معاوية: قتل، فماذا؟ فقال عمرو: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: عمار من أهل الجنة، تقتله الفئة الباغية، فقال له معاوية: إنك لا تزال تدحض في بولك، أو نحن قتلناه؟ إنما قتله علي وأصحابه، جاءوا به حتى ألقوه بين رماحنا وسيوفنا.
2566- وروى أبو سعيد الخدري قال: كان المسجد يبنى، فكنا نحمل لبنة لبنة، وحجراً وحجراً، وكان عمار يحمل لبنتين لبنتين، وحجرين حجرين، فنفض رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب عن رأسه، ومسح بيده على ظهره، وقال: اللهم بارك في عمار، ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية.(6/61)
[306] فصلٌ: ومن فضائل طلحة والزبير
2567- قال صلى الله عليه وسلم : طلحة ممن قضى نحبه.(6/62)
2568- وقال صلى الله عليه وسلم : لكل نبي حواري، وحواريي الزبير.
2569- وفي رواية: لكل نبي حواري، وحواريي طلحة والزبير.(6/63)
2570- وقال صلى الله عليه وسلم : طلحة والزبير جاراي في الجنة.(6/64)
[307] فصلٌ: ومن فضائل عبد الله بن مسعود
2571- يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وسالم مولى أبي حذيفة.(6/65)
2572- وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: رضيت لأمتي ما رضي لهم ابن أم عبد، وكرهت لهم ما كره لهم ابن أم عبد.(6/66)
[308] فصلٌ: ومن فضائل معاذ بن جبلٍ
2573- ذكر عبد الله بن مسعود معاذ بن جبل فقال: إن معاذاً كان أمة قانتاً لله حنيفاً، قال: أتدرون ما الأمة؟ وما القانت؟ الأمة: الذي يعلم الخير، والقانت: المطيع لله ولرسوله.(6/68)
2574- وعن أنس أنه قال: جمع القرآن أربعة: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، كلهم من الأنصار.(6/69)
[309] فصلٌ: ومن فضائل أبي ذر
2575- قال صلى الله عليه وسلم : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر.(6/70)
2576- وقال صلى الله عليه وسلم : من أراد أن ينظر إلى زهد عيسى ابن مريم فلينظر إلى زهد أبي ذر.(6/71)
2577- وروي أن أبا ذر دخل المسجد ومعه عصا له وقد اخضرت مما يضرب بها الشجر لرعية غنمه، فرآه محمد بن مسلمة فقال: أما له من يرعى غنمه؟ فبعث إليه ألف درهم وخادماً، فردها وقال: إنا لنا غنيمة، ولنا محررة أحياناً نرعاها وأحياناً ندع، وأيم الله إني مشفق من فضل ألبانها ألا نؤدي شكرها.(6/72)
[310] فصلٌ: ومن فضائل عبد الله بن حذافة
2578- عن أبي رافع قال: أسر الروم جماعة، فقيل: إن فيهم رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له عبد الله بن حذافة، فدعا به، فقال: هل لك أن ترجع عن دينك وأشركك في ملكي؟ فقال له: لو أعطيتني ملكك وملك كل ملك ملكته العرب والعجم على أن أرجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما فعلت، قال: إذاً أقتلك؟ قال: شأنك، قال:(6/73)
فأمر به فصلب، ثم قال للرماة: ارموا ولا تصيبوا له مقتلاً، ارموه عن يمينه وشماله ومن فوقه ومن تحته، قال: فكانوا يرمونه، فأبى أن يتنصر، فأمر به فأنزل فقال: ألا تتنصر؟ قال: لا، قال: اذهبوا به فاقتلوه، فذهبوا به ليقتل فبكى عبد الله بن حذافة، فأخبر الملك ببكائه، فقال: ردوه، فرد إليه فقال: تتنصر؟ قال: لا، قال: فلم بكيت؟ قال: بكيت لأن لي جسماً واحداً، وددت أن لي بكل شعرة في جسدي روحاً أعذب بها في الله، قال: فتقوم فتقبل رأسي حتى أخلي عنك، قال: أما لنفسي فلا، ولكن أقبل رأسك على أن تخلي هؤلاء الأسرى معي، قال: أفعل، فقام إليه فقبل رأسه وقال: ماذا علي إن قبلت رأسك فتخلص عدة من أسارى المسلمين، فلما رجع إلى المدينة قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطيباً وقال: ألا إن عبد الله بن حذافة فعل كذا وكذا، حق على كل مسلم أن يقبل رأسه، قال: فنزل فقبل رأسه، ثم إن المسلمين قاموا فقبلوا رأسه.(6/74)
[311] فصلٌ: ومن فضائل أبي أمامة الباهلي
2579- قال أبو أمامة الباهلي: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومي فانتهيت إليهم وهم يأكلون الدم، فقالوا: هلم، فقلت: إنما جئتكم لأنهاكم عنه -وكنت بجهد- فاستهزءوا بي، فسمعت بعضهم يقول لبعض: أتاكم رجل من سراة قومكم فما لكم بد من أن تتحفوه ولو مذقة، قال: فوضعت رأسي فنمت، فأتاني آت فناولني إناء فأخذته فشربته، فاستيقظت وقد كظني بطني، فناولوني إناء وقالوا: خذ، قلت: لا حاجة لي فيه، قالوا: قد رأيناك تجهد! قال قلت: إن ربي قد أطعمني وسقاني، فأريتهم بطني، فأسلموا من عند آخرهم.(6/75)
[312] فصلٌ: ومن فضائل أنس بن مالك
2580- ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك فقال: اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيه، فيقال: إنه ولد له ستة وعشرون ومائة.
2581- وقال صلى الله عليه وسلم : لكل نبي خادم، وخادمي أنس بن مالك.(6/77)
[313] فصلٌ: ومن فضائل أبي هريرة
2582- قوله صلى الله عليه وسلم : من أراد أن ينظر إلى حكيم هذه الأمة فلينظر إلى أبي هريرة.
2583- وقال صلى الله عليه وسلم في أبي هريرة: اللهم حبب عبيدك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين.(6/78)
2584- وقال صلى الله عليه وسلم : أبو هريرة وعاء العلم.
2585- وقال زيد بن ثابت: كنا جلوساً فخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس إلينا، فدعوت أنا وصاحبي قبل أبي هريرة، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمن على دعائنا، ثم دعا أبو هريرة فقال: اللهم إني أسألك مثل الذي سألك صاحبي هذا، وأسألك علماً لا ينسى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : آمين، فقلنا: يا رسول الله ونحن نسأل الله علماً لا ينسى، قال: سبقكما به الدوسي.(6/79)
[314] فصلٌ: ومن فضائل عبد الله بن عمر
2586- روى نافع، عن ابن عمر أنه رأى رؤيا: كأن بيده قطعة من إستبرق لا يهوي إلى مكان من الجنة إلا طارت بي إليه، فقصتها حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخاك رجل صالح.(6/80)
2587- وعن جابر بن عبد الله قال: ما منا من أحد أدرك الدنيا إلا وقد مالت به إلا عبد الله بن عمر.
2588- وقال صلى الله عليه وسلم : عبد الله بن عمر من وفد الرحمن، وعمار بن ياسر من السابقين، والمقداد بن الأسود من المجتهدين.(6/81)
[315] فصلٌ: ومن فضائل سعد بن أبي وقاص
2589- وقال صلى الله عليه وسلم : حيث ما دار سعد بن أبي وقاص دار الحق معه.(6/82)
2590- وقال صلى الله عليه وسلم : ارم فداك أبي وأمي.(6/83)
[316] فصلٌ: ومن فضائل أسامة بن زيد
2591- قال صلى الله عليه وسلم : من كان يحب الله ورسوله فليحب أسامة.
2592- قال ابن عمر: لما فرض عمر رضي الله عنه للناس فرض لأسامة بن زيد ثلاثة آلاف، وفرض لي ألفين وخمسمائة، فقلت: والله ما شهد(6/84)
أسامة قط مشهداً غبت عنه، وما شهد أبوه مشهداً غاب عنه أبي، قال: صدقت يا بني، لكن أباه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك، وهو أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فلذلك فضلته عليك.(6/85)
[317] فصلٌ: ومن فضائل حاطب بن أبي بلتعة، وفيه: فضل من شهد بدراً والحديبية
2593- روى جابر بن عبد الله قال: جاء غلام حاطب بن أبي بلتعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا نبي الله، والله لا يدخل حاطب الجنة أبداً، قال -وكان حاطب شديداً على الرقيق- فقال النبي صلى الله عليه وسلم : كذبت، لا يدخل النار من شهد بدراً والحديبية إن شاء الله.(6/86)
2594- وروى أبو سلمة، عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل النار من شهد بدراً.
2595- وفي رواية: لن يلج النار رجل شهد بدراً والحديبية -وهي بيعة الرضوان-.
2596- وقال صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: وما يدريك؟ لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.(6/87)
2597- وروى أبو صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.(6/88)
[318] فصلٌ: ومن فضائل بعض الصحابة مجتمعين
2598- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأقواهم في دين الله عمر، وأشدهم حياء عثمان بن عفان، وأفضلهم علي بن أبي طالب، ولكل نبي حواري وحواريي طلحة والزبير، وحيث ما دار سعد بن أبي وقاص دار الحق معه، وسعيد بن زيد من أحباء الرحمن عز وجل، وعبد الرحمن بن عوف الزهري من تجار الرحمن، وأبو عبيدة بن الجراح أمين الله وأمين رسوله، ولكل نبي صاحب سر وصاحب سري معاوية بن أبي سفيان، فمن أحبهم فقد نجا، ومن أبغضهم فقد هلك.
2599- وقال صلى الله عليه وسلم : أول من يسقى من حوضي صهيب الرومي،(6/89)
وأول من يأكل من ثمار الجنة أبو الدحداح.
2600- وقال صلى الله عليه وسلم : إن الله أعطى أبا موسى الأشعري مزماراً من مزامير آل داود.
2601- وقال صلى الله عليه وسلم : خالد بن الوليد سيف الله وسيف رسوله، وحمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله، وحذيفة بن اليمان من أصفياء الرحمن.
2602- وقال صلى الله عليه وسلم : حسان بن ثابت مؤيد بروح القدس.(6/90)
2603- وقال صلى الله عليه وسلم : جعفر بن أبي طالب يطير مع الملائكة في الجنة حيث شاء.(6/91)
2604- وقال صلى الله عليه وسلم : أبو سفيان بن الحارث خير أهلنا.
2605- وقال صلى الله عليه وسلم : صوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة.(6/93)
[319] فصلٌ: في فضل المصاهرة وحرمة الأصحاب رضي الله عنهم
2606- عن عبد الله بن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : إني دعوت الله فقلت: اللهم من صاهرت إليه أبو صاهر إلي فأدخله الجنة.(6/94)
2607- وقال صلى الله عليه وسلم : أصحابي مثل النجوم، فبأيهم اقتديتم اهتديتم.(6/95)
2608- وقال صلى الله عليه وسلم : من سب أحداً من أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ألا فلا أناله الله شفاعتي يوم القيامة، ألا فلا سقاه الله من حوضي.(6/96)
2609- وقال صلى الله عليه وسلم : من سب نبياً فاقتلوه، ومن سب أصحابي فاجلدوه.
2610- وروى جابر بن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا لعن آخر هذه الأمة أولها، فمن كان عنده علم فليظهره، فإن كاتم العلم يومئذ ككاتم ما أنزل الله على محمد.(6/98)
2611- وفي رواية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا ظهرت البدع في أمتي وشتم أصحابي فليظهر العالم علمه، فإن لم يفعل فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فقيل: وما إظهار العلم؟ قال: السنة.
2612- وقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله اختارني واختار لي أصحاباً، فجعلهم أصهاري وأصحابي، وإنه سيجيء في آخر الزمان قوماً ينتقصونهم، فلا تؤاكلوهم ولا تشاربوهم، ولا تعودوهم إذا مرضوا، ولا تصلوا عليهم إذا ماتوا.(6/99)
2613- ويروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة من شتم الأنبياء، ثم من شتم أصحابي، ثم من شتم المسلمين.
2614- ويروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: مثل أصحابي في أمتي مثل الملح في الطعام، لا يصلح الطعام إلا بالملح.(6/100)
2615- وروى السدي: عن أبي مالك، عن ابن عباس في قوله عز وجل: {قل الحمد لله وسلامٌ على عباده الذين اصطفى}، قال: أصحاب محمد، اصطفاهم الله لنبيه صلى الله عليه وسلم .(6/101)
[320] فصلٌ: في فضل زوجاته صلى الله عليه وسلم
2616- وقال صلى الله عليه وسلم : خير نساء العالمين خمسة: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم -امرأة فرعون-، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم ، وعائشة بنت أبي بكر من أحب النساء إلي.(6/102)
2617- وقال صلى الله عليه وسلم : أزواجي خير نساء أمتي.(6/104)
[321] فصلٌ: ذكر حديث أويسٍ القرني رضي الله عنه
2618- حدثنا أبو يعقوب: إسحاق بن زوران بن قهزاد الفقيه بمكة رحمه الله قال: حدثنا أبو نصر السمرقندي، ثنا هشام،(6/105)
عن علقمة بن مرثد قال: انتهى الزهد إلى ثمانية من التابعين، منهم: أويس القرني، وإن أهله ظنوا أنه مجنون، فبنوا له بيتاً على باب دارهم، فكان يأتي عليه السنة والسنتان لا يرون له وجهاً.
فكان طعامه مما يلتقط من النوى، فإذا أمسى باعه لإفطاره، وإذا أصاب حشفة حبسها لإفطاره.
فلما ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا أيها الناس قوموا بالموسم فقاموا، فقال: ألا اجلسوا إلا من كان من أهل الكوفة، فجلسوا، فقال: ألا اجلسوا إلا من كان من مراد، فجلسوا، فقال: ألا اجلسوا إلا من كان من قرن، فجلسوا إلا رجلاً كان عم أويس بن أنيس، فقال له عمر رضي الله عنه: أقرني أنت؟ قال: نعم، قال: أتعرف أويساً؟ قال: وما سؤالك عنه يا أمير المؤمنين؟ فوالله ما فينا أحمق منه ولا أجوع، فبكى عمر وقال: ويحك! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يدخل بشفاعته الجنة مثل ربيعة ومضر.
قال هرم: فلما بلغني ذلك قدمت الكوفة، ولم يكن لي هم إلا طلبه حتى سقطت عليه جالساً على شاطئ الفرات نصف النهار يتوضأ، فعرفته بالنعت الذي نعت لي، فإذا هو رجل لحيم آدم -شديد الأدمة- أشعث محلوق الرأس، مهيب المنظر -زاد فيه غيره: كان رجلاً أشهب أصهب، عريض ما بين المنكبين، وفي كتفه اليسرى وضح، وضارب بلحيته على صدره- ناصب بعينه موضع السجود، قال: فسلمت عليه فرده علي،(6/106)
ونظر إلي، ومددت إليه يدي فأبى أن يصافحني، فقلت: رحمك الله يا أويس وغفر لك، كيف أنت رحمك الله؟ -ثم خنقتني العبرة من حبي إياه ورقتي عليه لما رأيت من حاله، حتى بكيت وبكى- فقال: وأنت فحياك الله يا هرم بن حيان، كيف أنت يا أخي؟ من دلك علي؟ فقلت: الله، فقال: لا إله إلا الله، سبحان ربنا: {إن كان وعد ربنا لمفعولاً}، قلت له: فمن أين عرفت اسمي واسم أبي وما رأيتك قبل اليوم ولا رأيتني؟ قال: نبأني العليم الخبير، عرفت روحي روحك، حتى كلمت نفسي نفسك، إن الأرواح لها أنفاس كأنفاس الأجناد، وإن المؤمنين ليعرف بعضهم بعضاً، ويتحابون بروح الله، وإن لم يلتقوا ويتعارفوا، وإن نأت بهم الديار، وتغربت بهم المنازل.
قلت: حدثني رحمك الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: إني لم أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن لي معه صحبة بأبي وأمي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكني قد رأيت رجالاً قد رأوه، ولست أحب أن أفتح على نفسي هذا الباب أن أكون محدثاً أو قاصاً أو مفتياً، في نفسي شغل عن الناس.
فقلت: يا أخي اقرأ علي آيات من كتاب الله أسمعها منك، وأوصني بوصية أحفظها عنك فإني أحبك في الله، قال: فأخذ بيدي ثم قال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، قال: أحق القول قول ربي، وأصدق الحديث حديث ربي، ثم قرأ: {وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين. ما خلقناهما إلا بالحق} إلى قوله: {إنه هو العزيز الرحيم}، فشهق شهقة فنظرت إليه وأنا أحسبه قد غشي عليه ثم قال: يا ابن حيان مات أبوك حيان، ويوشك(6/107)
أن تموت أنت، فإما إلى جنة وإما إلى نار، ومات أبوك آدم، وماتت أمك حواء، يا ابن حيان مات نوح، ومات إبراهيم خليل الرحمن، ومات موسى نجي الرحمن، ومات داود خليفة الرحمن، ومات محمد صلى الله عليه وسلم ، ومات أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومات أخي وصديقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقلت له: رحمك الله إن عمر رضوان الله عليه لم يمت، قال: نعم، نعاه إلي ربي، ونعى إلي نفسي، وأنا وأنت في الموتى، ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم ، ودعا بدعوات خفيات ثم قال: هذه وصيتي: اتل كتاب الله، وانعى المرسلين وانعى صالح المؤمنين، وعليك بذكر الموت لا يفارق قلبك طرفة عين ما بقيت، وأنذر قومك إذا رجعت إليهم، وانصح الأمة جميعاً، وإياك أن تفارق الجماعة فتفارق دينك وأنت لا تعلم فتدخل النار، وادع لي ولنفسك، ثم قال: اللهم إن هذا زعم أنه يحبني فيك، وزارني من أجلك فعرفني وجهه في الجنة، وأدخله علي في دارك دار السلام، واحفظه ما دام في الدنيا حياً، وارضه من الدنيا باليسير، واجعله لما أعطيته من نعمك من الشاكرين، واجزه عني خيراً.
ثم قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لا أراك بعد اليوم يرحمك الله، فإني أكره الشهرة، والوحدة أعجب إلي، وإني كثير الغم ما دمت مع هؤلاء الناس حياً، فلا تسأل علي ولا تطلبني، واعلم أنك مني على بال وإن لم أرك وتراني، وادع لي فإني سأدعو لك وأذكرك إن شاء الله، انطلق أنت هاهنا حتى آخذ أنا هاهنا، فحرصت على أن أمشي معه ساعة فأبى علي، ففارقته وأنا أبكي، وبكى، فجعلت أنظر إليه في قفاه حتى دخل بعض السكك، ثم سألت عنه بعد ذلك وطلبته فما وجدت أحداً(6/108)
يخبرني عنه بشيء رحمه الله وغفر له، فما أتت علي جمعة إلا وأنا أراه في منامي مرة أو مرتين.(6/109)
[322] ذكر رواية أخرى في حديث أويس القرني
2619- أخبرنا أبو الحسن: عبد العزيز بن الحسن بن شاه رحمه الله، ثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الفضل رحمه الله قال: حدثنا الحسين بن معاذ الحجري فيما كتب إلينا، ثنا سلمة بن شبيب النيسابوري، ثنا الوليد بن إسماعيل بن أبي النجم، .. ..(6/110)
عن محمد بن إبراهيم، ثنا مخلد بن يزيد، عن الضحاك بن مزاحم، عن أبي هريرة قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلقة من أصحابه إذ قال: ليصلين معكم غداً رجل من أهل الجنة.
قال أبو هريرة: فطمعت أن أكون أنا ذلك الرجل، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فصليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقمت في المسجد حتى انصرف الناس، وبقيت أنا وهو صلى الله عليه وسلم ، فبينما نحن كذلك إذ أقبل رجل أسود متزر بخرقة، مرتد برقعة فجاء حتى وضع يده في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم(6/111)
ثم قال: يا رسول الله ادع لي بالشهادة، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهادة -وإنا لنجد منه ريح المسك الإذفر- فقلت: يا رسول الله أهو هو؟ فقال: نعم، وإنه لمملوك لبني فلان، قال فقلت: أفلا تشتريه فتعتقه يا نبي الله؟ قال: فأنى لي بذلك، إن كان الله يريد أن يجعله من ملوك أهل الجنة وساداتهم، يا أبا هريرة، إن الله عز وجل يحب من خلقه الأصفياء الأتقياء الأخفياء، الشعثة رؤوسهم، المغبرة وجوههم، بطونهم من كسب الحلال خميصة، الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم، وإن خطبوا لم ينكحوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يدعوا، وإن طلعوا لم يفرح بطلعتهم، وإن مرضوا لم يعادوا، وإن ماتوا لم يشهدوا قالوا: يا رسول الله، صف لنا الرجل، قال: ذاك أويس القرني، قالوا: وما أويس القرني؟ قال: أشهل، ذا صهوبة، بعيد ما بين المنكبين، معتدل القامة، آدم شديد الأدمة، ضارب بذقنه إلى صدره، رام ببصره إلى موضع سجوده، واضع يمينه على شماله، يتلو ويبكي على نفسه، ذو طمرين لا يؤبه له، متزر بإزار صوف ورداء صوف، مجهول في الأرض، معروف في أهل السماء، لو أقسم على الله لأبر قسمه، ألا وإن تحت منكبه لمعة بيضاء، ألا وإنه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد: ادخلوا الجنة، ويقال لأويس: قم فاشفع فيشفع في مثل عدد ربيعة ومضر، يا عمر، ويا علي إذا أنتما لقيتماه فاطلبا إليه يستغفر لكما يغفر الله لكما.
قال: فمكثا يطلبانه عشر سنين لا يقدران عليهن، فلما كان في آخر السنة التي هلك فيها عمر رضي الله عنه، صعد على أبي قبيس فنادى بأعلى صوته: يا أهل الحجيج، من أهل اليمن أفيكم أويس -رجل من مراد-؟ فقام شيخ كبير طويل اللحية فقال: إنا لا ندري ما أويس، ولكن ابن أخ(6/112)
لنا يقال له أويس هو أخمل ذكراً، وأقل مالاً، وأهون أمراً، أن نرفعه إليك، وإنه ليرعى إبلنا، حقير بين أظهرنا، فعمى عليه عمر كأنه لا يريده فقال: أين ابن أخيك هذا أبحرمنا هو؟ قال: نعم، قال: وأين يصاب؟ قال: بأراك عرفات، قال: فركب عمر وعلي رضي الله عنهما سراعاً إلى عرفات، فإذا هو قائم يصلي إلى شجرة والإبل حوله ترعى، فشدا حماريهما، ثم أقبلا إليه فقالا له: السلام عليك ورحمة الله، فخفف أويس الصلاة ثم قال: السلام عليكما ورحمة الله وبركاته، قالا: من الرجل؟ قال: راعي إبل وأجير القوم، قالا: لسنا نسألك عن الرعاية ولا عن الإجارة، ما اسمك الذي سمتك أمك؟ قال: يا هذان ما تريدان إلي؟ قالا: وصف لنا محمد صلى الله عليه وسلم أويس القرني، فقد عرفنا الصهوبة، والشهولة، وأخبرنا أن تحت منكبك الأيسر لمعة بيضاء فأوضحها لنا، فإن كانت بك فأنت هو، فأوضح منكبه فإذا اللمعة فابتدراه يقبلانه، فقالا: نشهد أنك أويس القرني فاستغفر الله لنا يغفر الله لك، قال: ما أخص باستغفاري نفسي ولا أحداً من ولد آدم، ولكنه في البر والبحر وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، يا هذان قد أشهر الله لكما أمري، وعرفكما حالي، فمن أنتما؟ قال علي: أما هذا فعمر أمير المؤمنين، وأما أنا فعلي ابن أبي طالب، قال: فاستوى أويس قائماً فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، وأنت يا علي بن أبي طالب فجزاكما الله عن هذه الأمة خيراً، قالا: وأنت فجزاك الله عن نفسك خيراً، قال له عمر: مكانك رحمك الله حتى أدخل مكة فآتيك بنفقة من عطائي وفضل كسوة من ثيابي، هذا المكان ميعاد بيني وبينك، قال: يا أمير المؤمنين لا ميعاد بيني وبينك، ولا أعرفك بعد اليوم ولا تعرفني، ما أصنع بالنفقة؟ ما أصنع بالكسوة؟ أما ترى علي إزار من(6/113)
صوف ورداء من صوف؟ متى تراني أخرقهما؟ أما ترى أن نعلي مخصوفتان، متى تراني أبليهما؟ أما تراني قد أخذت من رعايتي أربعة دراهم، فمتى تراني آكلهما؟ يا أمير المؤمنين إن بين يدي ويديك عقبة كؤوداً لا يقطعها إلا كل مخف مهزول، فاخف يرحمك الله، فلما سمع ذلك عمر من كلامه ضرب بيده الأرض، ثم نادى بأعلى صوته: ألا ليت عمر لم تلده أمه ليتها كانت عقرى لم تعالج حمله، ألا من يأخذها بما فيها ولها؟ قال أويس: من جدع أنفه، ثم قال: يا أمير المؤمنين خذ أنت هاهنا حتى آخذ أنا هاهنا، فولى عمر نحو مكة، وساق أويس إبله، فوافى القوم وإبلهم، فخلى عن الرعاية، وأقبل على العبادة حتى لحق بالله.
فهذه مآثر أويس خير التابعين، رحمة الله ورضوانه عليه.(6/114)
[323] فصلٌ: ذكر زيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل
2620- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن زيد بن عمرو بن نفيل فقالوا: يا رسول الله كان يستقبل القبلة، ويقول: اللهم إلهي إله إبراهيم، وديني دين إبراهيم، ويصلي ويسجد؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يبعث ذلك أمة وحده، يحشر بيني وبين عيسى ابن مريم عليه السلام.(6/115)
فقالوا: يا رسول الله أرأيت ورقة بن نوفل، كان يستقبل القبلة، ويقول: اللهم ديني دين إبراهيم، وإلهي إله زيد، وقد كان يمتدحه ويقول:
رشدت وأنعمت ابن عمرو ... تجنبت تنوراً من النار حاميا
لرب كريم ليس رب كمثله ... وتركك أحجار الجبال كما هيا(6/116)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رأيته يمشي في بطنان الجنة، عليه سندس.
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : عن خديجة رضي الله عنها فقال: رأيتها على نهر من أنهار الجنة في بيت من قصب، لا لغو فيها ولا نصب.
2621- وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: سمعت زيد بن عمرو بن نفيل في الجاهلية وهو مسند ظهره إلى الكعبة وهو يقول: يا معشر قريش، والله الذي لا إله إلا هو، ما أصبح اليوم أحد على ظهر الأرض على دين إبراهيم عليه السلام غيري.(6/117)
2622- عن هشام بن عروة، عن أبيه أن زيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل ذهبا إلى الشام في الجاهلية يلتمسان الدين، فعرضت اليهود عليهما دينهم فكرهاه، وسألا رهبان النصرانية فعرضوا عليهم دينهم، فأتوا راهباً من الرهبان فسألاه فقال: إن هذا الدين الذي تطلبان لم يجيء بعد -وهذا زمانه- وإن هذا الدين يخرج من قبل تيماء.(6/118)
فأما ورقة فقال: إني مقيم على النصرانية حتى يتبين لي الدين المستقيم، وأما زيد فقال: أنا عبد رب هذا البيت حتى يأتيني هذا الدين، فرجع من الشام فكان ربما لقي بلالاً وهو يعذب فيقول: يا بني أحد أحد، فوالذي نفسي بيده لئن قتلوك لا يخزيك ذلك.
ومات زيد، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يبعث يوم القيامة أمة وحده، بيني وبين عيسى عليه السلام.
2623- وعن سعيد بن زيد أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه(6/119)
زيد بن عمرو بن نفيل، فقال: يا رسول الله كان كما رأيت، وكان كما بلغك، ولو أدركك آمن بك، فاستغفر له؟ قال: نعم، أستغفر له، فإنه يجيء يوم القيامة أمة وحده.
2624- وعن عروة بن الزبير قال: كان ورقة بن نوفل قد كره عبادة الأوثان هو وزيد بن عمرو بن نفيل، وكان زيد قد حرم كل شيء حرمه الله من الدم والذبيحة على النصب وكل شيء من أبواب الظلم في الجاهلية، وأخبر بذلك عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتاني وأنا أرعى ومعي لحم مطبوخ فدعوته إليه وأقسمت عليه فقال: يا ابن أخي لو سألت عماتك لأخبرنك أني لا آكل من اللحم ما ذبح لغير الله.(6/120)
وكان انطلق هو وورقة بن نوفل يلتمسان الدين حتى وقعا بالشام، فعرضت عليهما اليهود دينهم فكرهاه، وسألا رهبان النصرانية، فكل قائم أتيا عليهن، فأما ورقة فتنصر، وأما زيد فكره النصرانية، فقال له قائم من الرهبان: إنك تلتمس ديناً ليس يوجد اليوم في الأرض .. .. وذكر الحديث.(6/121)
[324] باب ما جاء في فضل هذه الأمة على سائر الأمم وقوله تعالى: {كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس} الآية
2625- حدثنا عبد الله بن حامد، أنا أبو القاسم: الحسين بن محمد بن الحسين بن الحارث المعروف بالمارستاني، ثنا أحمد بن الليث بن الخليل، ثنا عمر بن محمد قال: حدثني علي بن داود بن يزيد، ثنا عمر بن صالح المدائني، ثنا محمد بن عمرو بن عثمان، ثنا إبراهيم بن موسى قال: حدثني محمد بن عبد الله بن أبي السفر، عن أبيه قال: كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه جارية يقال لها: زائدة، وكانت كثيراً ما تأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتته ذات يوم بكرة فقالت: يا رسول الله أستأنس؟ قال: استأنسي يا زائدة، إنك لموفقة، فقالت: بأبي أنت وأمي، عجنت عجيناً لأهلي، فخرجت من وراء دار آل شيبة أحتطب حطباً، فلما شددت رزمتين سمعت وقع فارس لم أر في ذلك المكان قبل ذلك اليوم، فالتفت، فإذا أنا بفارس لم أر فارساً أحسن منه مركباً،(6/122)
ولا أحسن ثوباً، ولا أطيب منه ريحاً فقال: كيف أنت يا زائدة، وكيف محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قلت: بخير، يحمد الله، وينذر بأيام الله، فقال: إذا أتيت محمداً فاقريه السلام، وقولي له: إن رضوان خازن الجنان يقرئك السلام ويقول لك: يا محمد ما فرح أحد بمبعثك كما فرحت أنا، وإن الله تعالى قسم الجنة ثلاثة أثلاث: ثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حساباً يسيراً، وثلث تشفع فيهم فتشفع.
قالت: ثم مضى، فذهبت لأحمل حطبي فثقل علي وارتعدت، فرأى تعبي، فالتفت فنظر إلي فقال: يا زائدة أثقل عليك حطبك؟ قلت: نعم بأبي أنت وأمي، فأخذ قضيباً أخضر كان في يده، فغمز الحطب فإذا هو بصخرة ناتئة فقال: أيتها الصخرة اقبلي، فأقبلت فقال لها: احملي هذا الحطب مع زائدة إلى باب عمر بن الخطاب، قالت: والله يا رسول الله لو رأيتها تدكدك بين يدي حتى أتت باب عمر رضي الله عنه فألقت الحطب، ثم رجعت.
قالت: فخر رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجداً وهو يبكي ويقول: الحمد لله(6/123)
الذي لم يخرج نفسي من الدنيا حتى بشرني رضوان خازن الجنة بالخير لأمتي، ثم قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا بنا نأتي باب عمر بن الخطاب فننظر إلى آثار الصخرة، إلى ذهابها ومجيئها.(6/124)
[325] باب ما جاء في ذكر الألوية، وصفة لواء الحمد وقوله عزت قدرته: {والله يؤتي ملكه من يشاء} الآية
2626- أخبرنا أبو طاهر: أحمد بن محمد بن إسماعيل السفياني، الهروي، أنا الحسين بن إدريس الأنصاري، ثنا سليمان بن عبد العزيز المديني -من ولد عبد الرحمن الزهري- ثنا عبد الله بن نافع، عن المنكدر بن محمد، عن أبيه، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنا سيد الناس يوم القيامة -والذي نفس محمد بيده- ولا فخر، وأنا والذي نفس أبي القاسم بيده صاحب اللواء يوم القيامة ولا فخر، وأول من يدخل الجنة ولا فخر، وأنا والذي نفس أبي القاسم بيده صاحب الشفاعة يوم القيامة ولا فخر، وأنا والذي نفس أبي القاسم بيده أول من يستفتح الجنة ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض ولا فخر.
2627- وفيما سأل عبد الله بن سلام رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أخبرني عن لواء الحمد، ما صفته؟ قال: طوله مسيرة ألف سنة، وسنانه من ياقوتة حمراء، وقبضته من فضة بيضاء، وزجته من زمردة خضراء، له(6/125)
ثلاث ذوائب من نور، ذؤابة بالمشرق، وذؤابة بالمغرب، وذؤابة وسط الدنيا، مكتوب عليها ثلاثة أسطر:
الأول: بسم الله الرحمن الرحيم.
الثاني: الحمد لله رب العالمين.
الثالث: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
طول كل سطر: مسيرة ألف ألف سنة، وعرض كل سطر: مسير ألف ألف سنة، قال: صدقت يا محمد.
2628- قيل: إذا ضرب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرصات القيامة لم تعمل النار في أحد من أهل النار إلى أن يرفع.
2629- وروى بعض الرواة من الأمناء الثقات قال: يضرب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، فيخفف العذاب عن أهل النار ما دام لواؤه مضروباً، ببركته وجاهه ومنزلته صلى الله عليه وسلم .
2630- قال ابن عباس: فأول من يعقد له محمد صلى الله عليه وسلم النبي، الأمي العربي، خاتم كل نبي.
قال: فينادي المنادي من عند العرش -عرش الرحمن رب العالمين-: أين النبي العربي، القرشي، الأمي، التهامي، الحرمي المكي: محمد بن عبد الله خاتم النبيين وسيد المرسلين؟ قال: فيقوم النبي صلى الله عليه وسلم وعقد له لواء الحمد، فيؤخذ بيده -وآدم عليه السلام وجميع ذريته من النبيين والمرسلين وجميع المؤمنين والصديقين والشهداء والصالحين تحت لواء النبي صلى الله عليه وسلم يتبوأ من الجنة حيث شاء،(6/126)
وهو أول النبيين والمرسلين دخولاً إلى الجنة، وأمته أول الأمم جميعاً دخولاً إلى الجنة، فإذا نودي محمد صلى الله عليه وسلم رفع إليه لواء الحمد، وأبيح له الجنان كلها يتبوأ منها حيث يشاء، ومعه فيها أزواجه من نساء الجنة سوى ما يزوج من الحور العين في الآخرة، ومعه ذريته الذين كانوا في دار الدنيا، وقد وقف جميع أهل الجنة في مجمع واحد.
فعقد لواء الحمد، ونادى المنادي: أين السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان؟ فيعرف أوائل هذه الأمة الذين أقاموا مع نبيهم صلى الله عليه وسلم بالنصيحة والجد والاجتهاد صفتهم، فيقولون: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ فيقول: {رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جناتٍ تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم}.
قال: فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.
قال: وبقيت عصابة أخرى من المهاجرين والأنصار، لم يكونوا في السابقين في المغازي والحروب، يمدون أعينهم إلى المنادي، فعقد لواء آخر ثم ينادي المنادي: أين الذين كانوا مع محمد صلى الله عليه وسلم وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله، والذين آووا ونصروا؟ فيعرف القوم صفتهم، فقاموا فقالوا:(6/127)
لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ فيقول: {أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجاتٌ عند ربهم ومغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ}، يعني: الجنة.
قال: فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.
- قال: وقد كان لله عباد في دار الدنيا من الصديقين، نزهوا أنفسهم وأسماعهم وأبصارهم وجوارحهم عن الذنوب والخطايا صبراً لله وإيماناً به، حتى استوجبوا ولاية الله ومحبته، يكابدون الغموم، ويحتسون المرار صبراً لله عز وجل حتى ماتوا على ذلك، فإذا كان يوم القيامة عقد لهم لواء، ونادى المنادي: أين أولياء الله؟ -ووصفهم- فقاموا وقالوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ فيقول: {ألا إن أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون}، يعني: المعاصي والشبهات حتى ماتوا على ذلك، {لهم البشرى} عند ربهم بالفوز والأمان، وفي الآخرة بالنجاة والرضوان ودار الخلود في جوار الرحمن {لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم}، قال: فيتبع القوم لواءهم، وذلك على رأس ثلاث وستين من سورة يونس.
- قال: ثم عقد لواء آخر لمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر خاصة لهم، فينادي المنادي: أين الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر؟ فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ فيقول: إن الله تعالى يقول: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضٍ} الآية، إلى قوله تعالى: {وذلك هو الفوز العظيم}، وذلك على رأس إحدى وسبعين آية من سورة براءة.
قال: ثم عقد لواء آخر للشهداء خاصة لهم، لمن تعاظم خطرها،(6/128)
وجسم ذكرها، وشرف نعتها، وعز وصفها، وعلا فوق نعت الناعتين، ووصف الواصفين، وفوق وصف ألوية الصديقين، وأصناف المؤمنين، ونادى المنادي: أين الذين باعوا أنفسهم من الله؟ فقيل: أيهم، الذي تريد؟ بين بين، قال: الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله براً وبحراً، قال: فيعرف القوم صفتهم فقالوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ فجاءوا مخترطين سيوفهم، واضعيها على رقابهم، والقوم جاثون على الركب يقولون: ألا اقسموا لنا، ألا اقسموا لنا، فإنا الذين بذلنا دماءنا لله، قال: فيشقون صفوف المؤمنين إلى صفوف المؤمنين، ويجاوزون صفوف المرسلين إلى صفوف الملائكة، ثم يجاوزون صفوف الملائكة إلى صفوف حملة العرش، حتى يكون ما بينهم وبين العرش إلا غلوة، ويتعلق بعضهم بقوائم العرش، قد تجللوا بأستار الكعبة من النور والضياء.
قال: فينادي المنادي: أين الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم؟ فيقول أهل الجمع: أيهم الذين تريدون؟ بين بين، قال: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن}، قال: فعرف القوم صفتهم فقالوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن ربكم يقول: {ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم}.
قال: فيتبع القوم لواءهم.
- قال: ثم عقد لواء آخر، ونادى المنادي: أين الذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا؟ فيعرف القوم(6/129)
صفتهم، فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن ربكم يقول {لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب}.
قال: فيتبع القوم لواءهم -وذلك خاتمة سورة آل عمران- حتى يدخلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.
- قال: ثم عقد لواء آخر لمن جاهد في سبيل الله من التابعين بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، فينادي المنادي: أين الذين فضلهم الله؟ فقيل: ومن هم؟ بين بين، قال: المجاهدون بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، الذين قال الله: {فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجةً وكلاً وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً، درجاتٍ منه ومغفرةً ورحمةً وكان الله غفوراً رحيماً}.
قال: فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.
2631- قيل لابن عباس: كم الدرجات؟ قال: خمسمائة درجة، بين كل درجتين حضر الفرس -أو الجواد- خمسمائة عام.(6/130)
وذلك دون المائة بثلاث آيات من النساء.
- قال: وإذا كان يوم القيامة عقد لواء، ونادى المنادي: أين الذين هاجروا في سبيل الله مع النبي صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله خاتم النبيين فقتلوا أو ماتوا؟ قال: فيقوم الفريقان جميعاً فيقولون: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن الله تعالى يقول: {ليرزقنهم الله رزقاً حسناً وإن الله لهو خير الرازقين ليدخلنهم مدخلاً يرضونه وإن الله لعليمٌ حليمٌ}.
قال: فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.
2632- قال: وقد كانت قصة لقوم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ،(6/131)
هاجروا من مكة وغيرها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فمنهم من مات قبل أن يشهد قتالاً، ومنهم من قتل، فأحبوا أن يعلموا ما منزلة الذين ماتوا ولم يقتلوا في سبيل الله، فأنزل الله تبارك وتعالى: {والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقاً حسناً وإن الله لهو خير الرازقين. ليدخلنهم مدخلاً يرضونه وإن الله لعليمٌ حليمٌ}.
- قال: وكان ناس من المسلمين بمكة فهاجروا إلى المدينة ولحقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا كان يوم القيامة عقد لهم لواء، ونادى المنادي: أين الذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا؟ قال: فيعرف القوم صفتهم، فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن الله عز وجل يقول: {لنبوئنهم في الدنيا حسنةً ولأجر الآخرة أكبر}، يعني: الجنة {الذين صبروا} يعني: على طاعة الله {وعلى ربهم يتوكلون}.
قال: فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.
وذلك على رأس أربعين آية من سورة النحل.
2633- قال: وقد كان بعض من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم في غير المدينة، فسمع به فخرج إليه، فمنهم من مات دونه، فأحبوا أن يعلموا ما منزلة(6/132)
أولئك، فأنزل الله عز وجل: {ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت} الآية، حتى إذا كان يوم القيامة عقد لهم لواء، ونادى المنادي: أين من خرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله، قال: فيعرف القوم صفتهم، فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن الله عز وجل يقول: {فقد وقع أجره على الله}، وأجره الجنة {وكان الله غفوراً رحيماً}.
قال: فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.
وذلك عند خاتمة المائة من سورة النساء.(6/133)
2634- قال: وعقد لواء آخر لرجل واحد يقال له: حبيب النجار، وكان في الزمان الأول، ونادى المنادي: أين الأنطاكي حبيب النجار من أنطاكية؟ إذ بعث الله المرسلين إلى أنطاكية في قوله تعالى: {وجاء من أقصى المدينة رجلٌ يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين}، إلى قوله تعالى: {إني آمنت بربكم فاسمعون} الآية.
وكان قدومه على عاتقه، فعلوه بالقدوم حتى قتلوه.
قال: فيعرف صفته فيقول: لبيك داعي ربنا، ولم دعوتني؟ قال: إن الله تعالى يقول: {ادخل الجنة}.
قال: فيتبع لواءه حتى يدخل منازله التي أعدت له في الجنة، فعندها يقول: {يا ليت قومي يعلمون. بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين}.
2635- قال ابن عباس رضي الله عنهما: وقد كان قوم شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، ثم ماتوا أو قتلوا من يومهم، ولم يصلوا، ولم يسجدوا، ولم يصوموا يوماً واحداً، وأحبوا أن يعلموا ما منزلتهم، فأنزل الله عز وجل:{ للذين أحسنوا}، يقول:(6/134)
وحدوا {الحسنى}، يقول: الجنة.
حتى إذا كان يوم القيامة عقد لواء، ونادى المنادي: أين الذين وحدوا الله ثم ماتوا أو قتلوا قبل أن يصيبوا الذنوب؟ قال: فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن ربكم يقول: {للذين أحسنوا الحسنى} وهي الجنة، {وزيادةٌ} يعني: الرؤية.
قال: فيتبع القوم لواءهم، حتى يدخلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.
قال: فهؤلاء اثنا عشرة زمرة من أوائل السابقين إلى الجنة معاشر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار والشهداء والمجاهدين في سبيل الله.
قال ابن عباس: ثم يستأنف دخول أهل الجنة على تأليف السور من القرآن.(6/135)
[326] فصلٌ: فمن سورة البقرة
قال: ثم عقد لواء آخر، ونادى المنادي: أين المتقون؟ فقيل: أي المتقين تريد؟ بين بين، قال: {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون}.
قال: فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.
وذلك أول آية من سورة البقرة.
قال: ثم عقد لواء آخر، ونادى المنادي: أين الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فيعرف القوم صفتهم، فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن الله تعالى يقول: {وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرةٍ رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل}.
قال: فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا منازلهم التي أعدت لهم.
وذلك على رأس ثلاث وعشرين من سورة البقرة.
2636- قال: وإن أحبار اليهود، ورهبان النصارى قالوا لأهل مكة، لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى، فأنزل الله تكذيباً(6/136)
لقولهم: ورداً عليهم: {تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنت صادقين. بلى من أسلم وجهه لله وهو محسنٌ فله أجره عند ربه ولا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون}.
فإذا كان يوم القيامة عقد لواء، ونادى المنادي: أين من أسلم وجهه لله؟ فعرف القوم صفتهم فقالوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وذلك على رأس مائة وعشر من سورة البقرة.
قال: ثم عقد لواء آخر لمن كان يصنع المعروف في ماله بعد الزكاة المفروضة، ونادى المنادي: أين الذين كانوا ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية، فعرف القوم صفتهم، فقالوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وذلك على مائتي وأربع وسبعين آية من سورة البقرة.(6/137)
[327] فصلٌ: ومن سورة آل عمران
- قال: ثم عقد لواء القوم الذين أسلموا ثم ماتوا أو قتلوا قبل العمل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته، ونادى المنادي: أين الذين اتقوا الشرك وأخلصوا؟ فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ فيقول: إن الله عز وجل يقول: {للذين اتقوا عند ربهم جناتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مطهرةٌ ورضوانٌ من الله والله بصيرٌ بالعباد}.
قال: فيتبع القوم لواءهم، حتى يدخلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.
وذلك على أربع عشرة من سورة آل عمران.
2637- قال: وإن الله عز وجل ميز أصحاب السنة والجماعة من أصحاب الأهواء والبدع، فأما أصحاب السنة والجماعة فابيضت وجوههم، وأما أصحاب الأهواء والبدع فاسودت وجوههم.
فعقد لمن ابيضت وجوههم لواء فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة، وذلك على مائة وخمس آيات من سورة آل عمران.(6/138)
- ثم عقد لواء آخر، ونادى المنادي: أين المسارعون؟ قيل: أي المسارعين تريد؟ بين بين، قال: الذين سارعوا إلى مغفرة من ربهم وجنة عرضها السماوات والأرض قال: فعرف القوم صفتهم، فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن الله تعالى يقول: {أولئك جزاؤهم مغفرةٌ من ربهم وجناتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين}.
قال: فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.
وذلك على مائة وإحدى وثلاثين من سورة آل عمران.
قال: وقد كان الأغنياء ظنوا أن لهم فضلاً في الآخرة على الفقراء مثل ما كانوا في الدنيا، فخاض المنافقون في ذلك، وكان اليهود معهم على فقراء المسلمين فأنزل الله عز وجل: {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد. متاعٌ(6/139)
قليلٌ ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد. لكن الذين اتقوا ربهم}، يقول: في فقرهم وغناهم {لهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار}.
2638- قال: فإذا كان يوم القيامة عقد لواء فقراء أمة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة، ونادى المنادي: أين الفقراء الذين عيرهم المنافقون واليهود واستحضروهم، قال: فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ فيقول: إن الله تعالى يقول لفقراء أمة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة ولمن تقدمهم من الفقراء المتقين: {لكن الذين اتقوا ربهم لهم جناتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلاً من عند الله وما عند الله خيرٌ للأبرار}.
قال: فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا منازلهم التي أعدت لهم.
وذلك خاتمة آل عمران.(6/140)
[328] فصلٌ: ومن سورة النساء
- ثم عقد لواء آخر، ونادى المنادي: أين المجتنبون؟ فقيل: أي المجتنبين تريد؟ بين بين قال: الذين قاربوا وسددوا وكان يجتنبون كبائر ما ينهون عنه، فعرف القوم صفتهم فقالوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن ربكم يقول: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً} الجنة، فاتبع القوم لواءهم حتى دخلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.
وذلك على ثلاثين آية من سورة النساء.
- ثم عقد لواء آخر، ونادى المنادي: أين من عمل مثقال ذرة؟ فيعرف القوم صفتهم، فيقول: {إن الله لا يظلم مثقال ذرةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً}، قال: فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.
وذلك خاتمة الأربعين من سورة النساء.
2639- قال: وقد كان اختصم دون الصراط كفار بني إسرائيل من اليهود والنصارى ومن أسلم منهم، فقالوا لمن أسلم: كنا نحن وأنتم في دين واحد، فما بالكم خير حال منا اليوم؟ فقالوا: إنا آمنا بمحمد صلى الله عليه وسلم ولم تؤمنوا به.
قال: فإذا كان يوم القيامة نادى المنادي: {إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً}، وقد نعت الله عز وجل المؤمنين منهم بقوله تعالى:(6/141)
{والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار} إلى قوله تعالى: {ظلاً ظليلاً}.
- قال: وعقد لهم لواء فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة، وذلك عند خمس وخمسين من سورة النساء.
2640- قال: وقد كان ضعفاء المؤمنين وصعاليك المسلمين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إنك تكون في الدرجات العلى مع النبيين حيث لا يراك أحد، فأنزل الله تعالى: {ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين} الآية.
حتى إذا كان يوم القيامة عقد لواء، ونادى المنادي: أين من أطاع الله والرسول؟ فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن ربكم يقول: {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً}.(6/142)
- وقد كان المؤمنون يتكلمون فيما لا يعنيهم، فأنزل الله عز وجل: {لا خير في كثيرٍ من نجواهم إلا من أمر بصدقةٍ أو معروفٍ أو إصلاحٍ بين الناس} حتى إذا كان يوم القيامة، عقد لواء ونادى المنادي: أين الذين كانوا يمسكون ويكفون عما لا يعنيهم من الكلام؟ فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن ربكم يقول: {ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً}، يعني: الجنة، قال: فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.
وذلك على مائة وثلاثة عشرة آية من سورة النساء.
- ثم عقد لواء آخر ونادى المنادي: أين الذين آمنوا وعملوا الصالحات؟ -يعني: الذين وحدوا الله واجتنبوا محارم الله- فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال فيقول: إن ربكم يقول: {سندخلهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً وعد الله حقاً ومن أصدق من الله قيلاً}، فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.
وذلك على إحدى وعشرين ومائة من سورة النساء.
- وقد كان نافق بشر كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار}، حتى إذا كان يوم القيامة، عقد لواء لمن أناب منهم وأصلح، ونادى المنادي: أين الذين تابوا من النفاق قبل موتهم وأخلصوا دينهم لله؟ فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ فيقول: إن ربكم يقول: {وسوف يؤت الله المؤمنين أجراً عظيماً} يعني: الجنة، قال: فيتبع القوم لواءهم حتى ينزلوا منازلهم من الجنة.
وذلك على مائة وأربع وأربعين من سورة النساء.(6/143)
- ثم عقد لواء آخر، ونادى المنادي: أين الذين آمنوا بالله ورسوله ولم يفرقوا بين الله ورسوله؟ فقال جميع المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين كانوا كذلك: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن ربكم يقول: {سوف يؤتيهم أجورهم} يعني: الجنة، {وكان الله غفوراً رحيماً}، فيتبع القوم لواءهم حتى ينزلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.
وذلك على مائة وخمسين من سورة النساء.
- ثم عقد لواء ونادى المنادي: أين الذين آمنوا بعدما بعث محمد صلى الله عليه وسلم ؟ فقيل: أيهم تريد؟ بين بين، قال: الذين قال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم : {لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر}، قال: فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ فيقول: إن ربكم يقول: {أولئك سنؤتيهم أجراً عظيماً} يعني: الجنة، قال: فيتبع القوم لواءهم حتى ينزلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.
وذلك على إحدى وستين ومائة من سورة النساء.(6/144)
[329] فصلٌ: ومن سورة المائدة
2641- قال ابن عباس رضي الله عنه: ولقد جاء قوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ما حال من كان في الكفر زماناً ثم أسلم اليوم؟ فأنزل الله عز وجل: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ}، يعني: الجنة.
حتى إذا كان يوم القيامة عقد لواء، ونادى المنادي: أين الذين آمنوا من الشرك وعملوا الصالحات في الإسلام؟ فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ فيقول: إن ربكم يقول: {لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ}، قال: فيتبع القوم لواءهم، حتى يدخلوا الجنة.
[330] فصلٌ: ومن سورة الأعراف
- قال: ثم عقد لواء آخر، ونادى المنادي: {أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمةٍ ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون}، قال: فيتبع القوم لواءهم يدخلوا الجنة.
وذلك على رأس خمس وأربعين من الأعراف.(6/145)
[331] فصلٌ: ومن سورة الأنفال
2642- قال ابن عباس رضي الله عنه: ثم عقد لواء ونادى المنادي: أين المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون؟ قال: فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ فيقول: إن ربكم يقول: {أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجاتٌ عند ربهم ومغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ} يعني: الجنة، قال: فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا الجنة.
2643- قال ابن عباس: وإن الناس تنازعوا من المهاجرين والأنصار ومعشر من جاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم من غير المهاجرين، فأنزل الله عز وجل في الخاتمة من الأنفال: {والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله} حتى ختم السورة، حتى إذا كان يوم القيامة عقد لهم لواء، ونادى المنادي بصفتهم، فقاموا فاتبعوا لواءهم حتى يدخلوا الجنة.(6/146)
[332] فصلٌ: ومن سورة براءة
- قال: ثم عقد لواء آخر ونادى المنادي: أين المؤمنون والمؤمنات؟ فقيل: أيهم تريد؟ بين بين، قال فيقول: الذين بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويطيعون الله ورسوله، قال: فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ فيقول: إن ربكم يقول: {وعد الله المؤمنين والمؤمنات جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها} الآية، قال: فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا الجنة.
وذلك على ثلاث وسبعين آية من براءة.
- قال: ثم عقد لواء آخر، ونادى المنادي: أين الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم، قال: فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن ربكم يقول: {لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون. أعد الله لهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار} الآية.(6/148)
[333] فصلٌ: ومن سورة يونس
- قال: ثم عقد لواء آخر لقوم مسهم سفع من النار من أهل الإسلام، فيخرجوا وقد تحيرت أفئدتهم فلم يدروا أين يأخذون وكانوا مؤمنين، قال: فينادي المنادي: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم}، فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا الجنة التي أعدت لهم.
[334] فصلٌ: ومن سورة الرعد
- قال: ثم عقد لواء آخر، ونادى المنادي: أين أولوا الألباب؟ فقيل: أيهم تريد؟ بين بين، قال: {الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق} إلى قوله تعالى: {ويدرءون بالحسنة السيئة}، فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن ربكم يقول: {أولئك لهم عقبى الدار جنات عدنٍ يدخلونها} الآية، فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.
2644- قال ابن عباس رضي الله عنه: ولله عباد لم يكفروا بالله طرفة عين، فينادي المنادي: أين المتقون؟ فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن الله عز وجل يقول: {مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائمٌ وظلها}، فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا منازلهم التي أعدت لهم.
وذلك على ثمان وثلاثين آية من الرعد.(6/149)
[335] فصلٌ: ومن سورة إبراهيم
2645- قال ابن عباس: ينادي المنادي: {ألا إن الظالمين} يعني: المشركين: {لهم عذابٌ أليمٌ}، فسقطوا جميعاً في النار.
قال: {وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلامٌ}، وعقد لهم لواء، فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.
وذلك على اثنين وعشرين آية من سورة إبراهيم.
[336] فصلٌ: ومن سورة الحجر
- قال: ثم إن المؤمنين لما أمر بهم إلى الجنة كان بينهم وبين قوم دعاوى وضغائن وتبعات، فطفقوا ينظر بعضهم إلى بعض كطالب الدين يطالب صاحبه، فمحى الله تلك الضغائن والتبعات والدعاوى من قلوبهم، وعقد لهم لواء، ونادى المنادي: {إن المتقين في جناتٍ وعيونٍ. ادخلوها بسلامٍ آمنين} إلى قوله: {وما هم منها بمخرجين}، قال: فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا منازلهم من الجنة.
وذلك على أربع وأربعين آية من الحجر.(6/150)
[337] فصلٌ: ومن سورة النحل
- قال: ثم عقد لواء آخر، ونادى المنادي: أين الذين أحسنوا في الدنيا من المؤمنين الذين ولدوا في الإسلام ونشؤا على الإيمان والتقوى؟ فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن الله تعالى يقول: {للذين أحسنوا} يقول: اتقوا الشرك {حسنةً} يقول: براءة من النار {ولدار الآخرة خيرٌ ولنعم دار المتقين جنات عدنٍ يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزي الله المتقين}، فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.
وذلك على ثلاثين آية من النحل.
[338] فصلٌ: ومن سورة الكهف
- قال: ثم عقد لواء آخر، ونادى المنادي: أين من كان يصنع المعروف إلى الناس لا يريد منهم محمدة ولا ثناء ولا ثواباً، فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن الله تعالى يقول: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً. أولئك لهم جنات عدنٍ تجري من تحتهم الأنهار} إلى قوله عز ذكره: {وحسنت مرتفقاً}، فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.
وذلك على ثلاثين آية منها.(6/151)
[339] فصلٌ: ومن سورة مريم
- قال: ثم عقد لواء آخر، ونادى المنادي: أين التوابون؟ قيل: أي التوابين تريد؟ بين بين، قال: من تاب وآمن وعمل صالحاً، قال: فعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن ربكم يقول: {فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً} الآية، فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا الجنة.
وذلك على ستين آية من سورة مريم.
2646- قال ابن عباس رضي الله عنه: ولما ورد الناس جميعاً نار جهنم، وكان ذلك قسماً من ربنا عز وجل حتماً مقضياً، خلد فيها أهل الشرك -وهم الظالمون- فأما من اتقى فأقام الصلاة، فبقدر أعمالهم.
قال: ونادى المنادي فيقول: إن الله عز وجل يقول: {ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً}، قال: فيخرجوا منها وقد احترق بعضهم، فينضجوا بماء الحياة حتى تنبت أجسادهم، وترجع إليهم أفئدتهم، واستوت خلقتهم، فعقد لهم لواء، فيتبع القوم لواءهم.
وذلك عند خاتمة السبعين، من سورة مريم.
2647- قال ابن عباس رضي الله عنه: ولما صدر الناس من مواطن(6/152)
المحاسبة، قربت نجائب من در وياقوت وزمرد، عليها رحال من الحرير الأملس، وعليها رحال مقدمه در ومؤخره ياقوت، وحافتاه ذهب وفضة، مكللة بالجوهر، تقرب من المؤمنين فيركبونها مذللة من غير رياضة، فيسيرون وفداً جميعاً.
قال: وعقد لهم لواء، فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.
وذلك على خمس وثمانين آية من سورة مريم.(6/153)
[340] فصلٌ: ومن سورة طه
2648- قال ابن عباس رضي الله عنه: ولله عباد ولدوا في الإسلام، ونشأوا في أعمال البر، لم يخالطوا المعاصي وأهلها حتى ماتوا عليها، حتى إذا كان يوم القيامة نادى المنادي: أين من أتى مخلصاً قد عمل الصالحات بصدق النية ومحض اليقين؟ قال: فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن الله تعالى يقول: {فأولئك لهم الدرجات العلى جنات عدنٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى}.
قال: وعقد لهم لواء، فاتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا الجنة.
وذلك على ست وسبعين آية من سورة طه.
2649- قال ابن عباس رضي الله عنه: ولما وضع الله الموازين ناقش الله أهل الكبائر الحساب، فلم يدع لهم مثقال ذرة إلا أخذهم بها، فإذا رأى ذلك أهل الاقتصاد ومن قد حوسب حساباً يسيراً -وهم أصحاب الأعراف- وخافوا أن يهلكوا، ناداهم المنادي: إن الله عز وجل يقول: {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمنٌ فلا يخاف ظلماً ولا هضماً}، لن يجعل(6/155)
عليه وزراً لم يعمله، أو ينقص من عمله مثقال ذرة.
قال: ثم أدركتهم رحمة الله عز وجل فصاروا من أصحاب اليمين.
قال: ثم عقد لهم لواء، ونودوا بعد ذلك: ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون.
وذلك على مائة واثنى عشر آية من سورة طه.
[341] فصلٌ: ومن سورة الحج
2650- قال ابن عباس رضي الله عنه: فإذا كان يوم القيامة نادى المنادي: أين الذين أدوا الفرائض فلم يزيدوا عليها، واجتنبوا المحارم؟ قال: فيعرف القوم صفتهم، فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن الله عز وجل يقول: {إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناتٍ تجري من تحتها الأنهار} إلى قوله تعالى: {وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد}، ثم عقد لهم لواء فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا الجنة.(6/156)
[342] فصلٌ: ومن سورة المؤمنين
2651- قال ابن عباس رضي الله عنه: ثم عقد لواء، ونادى المنادي: أين المفلحون؟ قيل: أي المفلحين تريد؟ بين بين، قال: {الذين هم في صلاتهم خاشعون. والذين هم عن اللغو معرضون} إلى قوله تعالى: {أولئك هم الوارثون. الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون} الآيات، قال: فيعرف القوم صفتهم، واتبعوا لواءهم حتى يدخلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.
[343] فصلٌ: ومن سورة النور
قال: ثم عقد لواء ونادى المنادي: أين المسبحون؟ قيل: أي المسبحين تريد؟ بين بين، قال: {في بيوتٍ أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال. رجالٌ} الآية، قال: فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن الله تعالى يقول: {ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله} الآية، قال: فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا الجنة.(6/157)
[344] فصلٌ: ومن سورة الفرقان
2652- قال ابن عباس رضي الله عنه: وإن نفراً من المسلمين ونفراً من اليهود والنصارى اجتمعوا ذات يوم، فقالوا للمسلمين: ما لكم تنصبون في الحروب؟ قالوا: نريد الثواب من ربنا وحسن الجزاء في جنة الخلد، فقال اليهود: هذا باطل، فوالله ما من بعث ولا نشور ولا جزاء ولا عقاب، فقال الله سبحانه: {بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيراً} إلى قوله عز وجل: {وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين}، قال: يجعل الرجلان والثلاثة في مثل ضيق {دعوا هنالك ثبوراً}، يقول: ويلاً كثيراً.
ثم قال سبحانه: {قل أذلك خيرٌ أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاءً ومصيراً} إلى قوله تعالى: {لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربك وعداً مسئولاً}.
قال: فعقد لهم لواء فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا الجنة.
- قال: فلا ينتصف النهار من ذلك اليوم حتى يقيل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، ثم قرأ هذه الآية: {أصحاب الجنة يومئذٍ خيرٌ مستقراً وأحسن مقيلاً}.
2653- قال ابن عباس رضي الله عنه: ثم عقد لواء، ونادى المنادي أين {الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً} إلى قوله تعالى: {واجعلنا(6/158)
للمتقين إماماً} الآيات، قال: فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ فيقول: إن ربكم يقول: {أولئك يجزون الغرفة بما صبروا}، يعني بالغرفة: جنات عدن، وهي جنات فوق جنان، ونظيرها في قوله تعالى: {لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرفٌ من فوقها غرفٌ مبنيةٌ} الآية، قال: فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا الجنة.(6/159)
[345] فصلٌ: ومن سورة القصص
2654- قال ابن عباس رضي الله عنه: وقد كان ناس من اليهود والنصارى المؤمنون بالكتاب الذي جاء به موسى عليه السلام، فمنهم متمسكون بالحق غير مشركين، فلما أدركوا محمداً صلى الله عليه وسلم آمنوا به، حتى إذا كان يوم القيامة، عقد لهم لواء، ونادى المنادي: أين الذين آتيناهم الكتاب من قبل أن ينزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال: فيعرف القوم صفتهم، فيتعبون لواءهم، وقيل: {أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا} الآية، فأدخلوا الجنة.
2655- قال ابن عباس رضي الله عنه: ولله عباد من أهل الزهد والتواضع، لا يترافعون في الدنيا، ولا ينافسون أهلها في العز والترف، حتى إذا كان يوم القيامة عقد لواء، ونادى المنادي: أين الذين كانوا لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين، قال: فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا الجنة.
وذلك على رأس اثنين وثمانين آية من القصص.(6/160)
[346] فصلٌ: ومن سورة العنكبوت
2656- قال ابن عباس رضي الله عنه: ثم عقد لواء آخر للصابرين الذين كابدوا العمل، وذهلوا عن رغبة هذا الهشيم الفاني، ونادى المنادي: أين الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون؟ فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا منازلهم.
[347] فصلٌ: ومن سورة السجدة
- قال: ثم عقد لواء آخر: ونادى المنادي: أين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع؟ قال: فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن الله تعالى يقول: {فلا تعلم نفسٌ ما أخفي لهم من قرة أعينٍ جزاءً بما كان يعملون}، قال: فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا الجنة.(6/161)
[348] فصلٌ: ومن سورة الأحزاب
- قال: ثم عقد لواء آخر، ونادى المنادي: أين الذين أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً؟ فقيل: ومن هم؟ قال: {المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات} إلى قوله عز وجل: {والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرةً وأجراً عظيماً}، يعني: الجنة، قال: فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا الجنة.
- قال: ثم عقد لواء، ونادى المنادي: أين الذين يذكرون الله ذكراً كثيراً ويسبحونه بكرة وأصيلاً؟ فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن الله تعالى يقول: {هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيماً} إلى قوله تعالى: {وأعد لهم أجراً كريماً}، يعني: الجنة، فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا الجنة.(6/162)
[349] فصلٌ: ومن سورة فاطر
- قال: ثم عقد لواء آخر، ونادى المنادي: أين الذين كانوا يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور؟ قال: فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن الله تعالى يقول: {ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفورٌ شكورٌ}، فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا الجنة.
- قال: وعقد لواء آخر، ونادى المنادي: أين الذين اصطفاهم الله من عباده؟ فقيل: بين، فقال: إن ربكم يقول: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصدٌ ومنهم سابقٌ بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير. جنات عدنٍ يدخلونها} إلى قوله تعالى: {لا يمسنا فيها نصبٌ ولا يمسنا فيها لغوبٌ}، قال: فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا الجنة.(6/163)
[350] فصلٌ: ومن سورة الصافات
- قال: ثم عقد لواء آخر، ونادى المنادي: أين عباد الله المخلصين الذين قاموا لله أيام حياتهم بالجد واليقين؟ فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: {أولئك لهم رزقٌ معلومٌ. فواكه وهم مكرمون}، فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا الجنة.
2657- قال ابن عباس رضي الله عنه: ثم عقد لواء، ونادى المنادي: أين صاحب القرين؟ فقيل: ومن صاحب القرين؟ بين، قال: المؤمن الذي كان يعمل بطاعة الله عز وجل حتى مات وصار إلى الجنة، وكان له أخ يعمل بمعاصي الله حتى مات وصار إلى النار.
2658- قال ابن عباس رضي الله عنه: وكانا أخوين، ورثا عن أبيهما مالاً كثيراً، فأقبل المؤمن على طاعة الله، وأقبل الآخر على معصية الله.(6/164)
قال: فيعرف صفته، فيقوم فيقول: لبيك داعي ربنا، لم دعوتني؟ قال: إن الله قضى على نفسه للذين آمنوا وعملوا الصالحات: {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً أولئك لهم جنات عدنٍ تجري من تحتهم الأنهار} إلى قوله تعالى: {وحسنت مرتفقاً}، وضرب الله مثلك ومثل أخيك في سورتين من القرآن.
قال: فيتبع لواءه حتى يدخل منازله التي أعد الله له في الجنة، فلما دخلها مكث أخوه الكافر بعده يسيراً ثم مات فدخل النار، فبينا هو في الجنة يذكر فقال: {إن كان لي قرينٌ. يقول أءنك لمن المصدقين}، فذلك قوله عز وجل: {قال تالله إن كدت لتردين. ولولا نعمة ربي} يقول: لولا الإسلام {لكنت} اليوم معك {من المحضرين} في النار.
قال الكافر: {أفما نحن بميتين. إلا موتتنا الأولى} تمنى الموت لما هو فيه من أليم العذاب وشدة العقاب.
قال المؤمن: لا ونحن أيضاً لسنا بمعذبين أبداً.
قال الكافر: {إن هذا لهو الفوز العظيم. لمثل هذا فليعمل العاملون}.(6/165)
[351] فصلٌ: ومن سورة ص
- قال: ثم عقد لواء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، فإن الله عز وجل لما قص فضلهم في {ص} قال على رأس أربعين آية منها: {هذا ذكرٌ وإن للمتقين لحسن مئابٍ}، فناداهم المنادي يوم القيامة بصفة أعمالهم، فيقوموا فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن الله عز وجل يقول: {جنات عدنٍ مفتحةً لهم الأبواب. متكئين فيها يدعون فيها بفاكهةٍ كثيرةٍ وشرابٍ} إلى قوله تعالى: {إن هذا لرزقنا ما له من نفادٍ}، فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا الجنة.(6/168)
[352] فصلٌ: ومن سورة الزمر
2659- قال ابن عباس رضي الله عنه: ولله عباد تعرض لهم شهوات المعاصي فيتنكبون عنها بعون الله عز وجل وخوفاً من عقوبته، فإذا كان يوم القيامة وصفهم المنادي، ثم ناداهم، فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن الله عز وجل يقول: {لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرفٌ من فوقها غرفٌ مبينةٌ تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد}، وعقد لهم لواء، فاتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا الجنة.
- قال: ثم عقد لواء آخر للمؤمنين الذين أصابوا الذنوب والخطايا ثم اتقوا وتابوا منها قبل موتهم، ونادى المنادي: إن الله عز وجل قد عفا عن ذنوبكم وتجاوز لكم عنها، وعقد لهم لواء، ثم سبقوا إلى الله تعالى، فذلك قوله سبحانه: {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً} إلى قوله تعالى: {فادخلوها خالدين}، فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا الجنة.(6/169)
[353] فصلٌ: ومن سورة المؤمن
2660- قال ابن عباس رضي الله عنه في حم المؤمن: إذا كان يوم القيامة ورأى النساء الرجال كيف يساقون إلى الجنان على قدر أعمالهم، قال النساء المؤمنات: أين ثواب أعمالنا؟ فعقد لهم لواء، ونادى المنادي: إن الله عز وجل يقول: {ومن عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حسابٍ}.
قال: فيتبعن لواءهن مع صالح المؤمنين حتى ينزلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة، وزوجن أزواجهن إن كانوا في الجنة، وذلك قوله تعالى: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذريتهم}.
قال ابن عباس رضي الله عنه: فإذا كان الآباء أرفع درجة رفع إليهم الأبناء، وإن كان الأبناء أرفع درجة رفع الآباء إليهم وذلك قوله عز وجل: {آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً} الآية، يقول: أيهم يشفع في الآخر.(6/170)
[354] فصلٌ: ومن سورة الزخرف
- قال: ثم عقد لواء ونادى المنادي: أين الأخلاء الذين تحابوا في الله على غير مال تعاطوه، ولا نسب قريب تواصلوا به؟ قال: فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا لم دعوتنا؟ قال: {الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدوٌ إلا المتقين. يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون} إلى قوله تعالى: {منها تأكلون}، فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا الجنة.
[355] فصلٌ: ومن سورة الدخان
2661- قال ابن عباس رضي الله عنه: وإن المؤمنين لما صدروا من موقف الحساب تلقتهم الملائكة بحلل الجنة -من طرائف حللها وحليها- وعقد لواء، ثم نادى المنادي: {إن المتقين في مقامٍ أمينٍ. في جناتٍ وعيونٍ} إلى قوله تعالى: {ذلك هو الفوز العظيم}.
[356] فصلٌ: ومن سورة ق
- قال: ثم عقد لواء ونادى المنادي: أين كل أواب حفيظ؟ فقيل: أي الأوابين تريد؟ قال: {من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلبٍ منيبٍ. ادخلوها بسلامٍ}، إلى قوله تعالى: {ولدينا مزيدٌ}، فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.(6/171)
[357] فصلٌ: ومن سورة الطور
2662- قال ابن عباس رضي الله عنه: ولله عباد أهل دعاء وتفقه من المتقين، حتى إذا كان يوم القيامة عقد لواء ونادى المنادي بصفة أعمالهم فقالوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: {إن المتقين في جناتٍ ونعيم. فاكهين بما آتاهم ربهم} الآية، إلى قوله سبحانه: {وزوجناهم بحورٍ عينٍ}، قال: فاتبعوا لواءهم حتى يدخلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.
[358] فصلٌ: ومن سورة الرحمن
2663- قال ابن عباس رضي الله عنه: ونادى المنادي: أين من عرضت لهم المعاصي فتنكبوا عنها مخافة من الله عز وجل؟ قال: فعرف القوم صفتهم فقالوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن الله عز وجل يقول: {ولمن خاف مقام ربه جنتان}، فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا منازلهم من الجنة.(6/172)
[359] فصلٌ: ومن سورة الواقعة
2664- قال ابن عباس رضي الله عنه: لكل نبي سلف قبل محمد صلى الله عليه وسلم قد سيقوا إلى أنبيائهم، فقال الله عز وجل: {والسابقون السابقون} السابقون في الدنيا إلى الأنبياء هم السابقون في الآخرة إلى الجنة، حتى إذا كان يوم القيامة عقد لواء ونادى المنادي: أين السابقون من الأمم السالفة إلى أنبيائهم وسابقو أمة محمد صلى الله عليه وسلم ؟ فيعرف القوم صفتهم فقالوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: {أولئك المقربون. في جنات النعيم} إلى قوله تعالى: {على سررٍ موضونةٍ}.
2665- قال يعني: منسوجة بقضبان الدر والياقوت، فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا الجنة.(6/173)
2666- قال ابن عباس رضي الله عنه: ثم عقد لواء آخر لأصحاب اليمين وهم الصديقون والأطفال من أولاد المؤمنين، ونادى المنادي: أين أصحاب اليمين؟ وقد هرم أولئك الأطفال يومئذ كبراً وشيباً من شدائد القيامة وفزعها، فقاموا فقالوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن الله عز وجل يقول: {وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين. في سدرٍ مخضودٍ}.
2667- قال: هو شجر النبق الذي لا شوك فيه.
2668- وفي قوله تعالى: {وطلحٍ منضودٍ}، قال: هو الموز من أعلى الشجر إلى أسفله.(6/174)
2669- وفي قوله تعالى: {وظلٍ ممدودٍ}، قال: لا يتراجع.
2670- وفي قوله تعالى: {وماءٍ مسكوبٍ} قال: من تحت العرش إلى الجنان لا ينقطع.
2671- وفي قوله تعالى: {وفاكهةٍ كثيرةٍ}، قال: من أصناف الثمار الفائقة والغضارة المعجبة.
2672- وفي قوله تعالى: {لا مقطوعةٍ ولا ممنوعةٍ}، قال يقول: إذا اجتنيت الثمرة عاد مكانها مثلها.
2673- وفي قوله تعالى: {إن أنشأناهن إنشاء}، يعني: الحور العين، أنهن خلقن في الجنة، لم يلدهن الأمهات ولم يخرجن من أصلاب الآباء.
2674- وفي قوله تعالى: {فجعلهن أبكاراً}، قال: عذارى عذباً، عواشق لأزواجهن.(6/175)
2675- وفي قوله تعالى: {أتراباً} قال: مستويات الأسنان.
2676- وفي قوله تعالى: {لأصحاب اليمين}، يعني: جميع أهل الجنان، قال: فيتبع القوم لواءهم حتى ينزلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.
[360] فصلٌ: ومن سورة الحديد
2677- قال ابن عباس رضي الله عنه: ثم عقد لواء آخر لأصحاب الصدقة، ونادى المنادي: أين المصدقون والمصدقات، والذين أقرضوا الله قرضاً حسناً؟ فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن الله تعالى يقول: {يضاعف لهم ولهم أجرٌ كريمٌ} يعني: الجنة.(6/176)
[361] فصلٌ: ومن سورة المجادلة
2678- قال ابن عباس رضي الله عنه: وإن لله عز وجل عباداً حاربوا الآباء والأمهات في الله عز وجل، ونابذوهم على سواء، فلم يكن في قلوبهم لهم مودة، فإذا كان يوم القيامة عقد لهم لواء، ونادى المنادي بصفة أعمالهم فقالوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن الله عز وجل يقول: {لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله} إلى قوله تعالى: {أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروحٍ منه ويدخلهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار} إلى آخر السورة، قال: فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا الجنة.(6/177)
[362] فصلٌ: ومن سورة التغابن
2679- قال ابن عباس رضي الله عنه: وإن من أسلم من اليهود والنصارى وسائر الأديان قالوا: كيف لنا بذنوبنا التي أصبناها قبل الإسلام؟ فأنزل الله على رأس الستين من سورة البقرة: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين} الآية، وأنزل عز وجل على ثمان وستين آية من طه: {وإني لغفارٌ لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى .. .. } أدى الفرائض ثم استقام على ذلك، وعلم أن لذلك ثواباً.
- قال: وإذا كان يوم القيامة عقد لواء، ونادى المنادي بصفة أعمالهم، فقالوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن الله تعالى يقول: {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يكفر عنه سيئاته} التي كانت في الشرك، {ويدخله جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم}، قال: فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا الجنة.(6/178)
[363] فصلٌ: ومن سورة الطلاق
- قال: ثم عقد لواء ونادى المنادي: أين أولوا الألباب؟ إلى قوله تعالى: {قد أحسن الله له رزقاً}، قال: فيتبع القوم لواءهم.
[364] فصلٌ: ومن سورة التحريم
2680- قال ابن عباس رضي الله عنه: ثم عقد لواء ونادى المنادي: أين الذين تابوا إلى الله توبة نصوحاً؟ فيعرف القوم صفتهم، قال: {عسى ربكم} وعسى من الله واجب {أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار}، فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.
[365] فصلٌ: ومن سورة الملك
- قال: ثم عقد لواء ونادى المنادي: أين الذين يخشون ربهم بالغيب بصدق النية وخالص اليقين؟ فيعرف القوم صفتهم فقالوا: لبيك، قال: {لهم مغفرةٌ وأجرٌ كبيرٌ}، يعني: الجنة، قال: فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا الجنة.(6/179)
[366] فصلٌ: ومن سورة القلم
2681- قال: ثم عقد لواء ونادى المنادي: {يوم يكشف عن ساقٍ}، أي: عن شدة، ويدعى الناس إلى السجود، فيسجد المؤمنون لله عز وجل لما عاينوا من نور العرش، وبقي المنافقون كأن في ظهورهم سفافيد الحديد فلا يستطيعون السجود، وكانوا يدعون في دار الدنيا إلى طاعة الله عز وجل ويأبون، فقيل: {وامتازوا اليوم أيها المجرمون} فوردوا جهنم، فاتبع القوم لواءهم حتى نزلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.(6/180)
[367] فصلٌ: ومن سورة الحاقة
2682- قال ابن عباس رضي الله عنه: إذا كان يوم القيامة تطايرت الكتب في الأيمان والشمائل، أما المؤمنون فيأخذون كتبهم بأيمانهم وابيضت وجوههم، وأشرقت ألوانهم، وفرحت قلوبهم فيقول أحدهم: {هاؤم اقرءوا كتابيه. إن ظننت أني ملاقٍ حسابيه}، فينادي المنادي: أين من أوتي كتابه بيمينه؟ فيقول: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن الله تعالى يقول: {فهو في عيشةٍ راضيةٍ. في جنةٍ عاليةٍ} إلى قوله تعالى: {بما أسلفتم في الأيام الخالية}، فعقد لهم لواء، فيتبع القوم لواءهم، حتى يدخلوا الجنة.
[368] فصلٌ: ومن سورة المعارج
- قال: ثم عقد لواء آخر، ونادى المنادي: أين المصلون؟ فقيل: ومن المصلون؟ قال: {الذين هم على صلاتهم دائمون} إلى قوله تعالى: {يحافظون}، فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، قال: {أولئك في جناتٍ مكرمون}، قال: فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا الجنة.(6/181)
[369] فصلٌ: ومن سورة الإنسان
- قال: ثم عقد لواء آخر لقوم كانوا يخافون الله في السر والجهر، ويعبدون الله في خلوات الليل ووضح النهار، يسمون الأبرار، ونادى المنادي: {إن الأبرار يشربون من كأسٍ كان مزاجها كافوراً} إلى قوله تعالى: {يفجرونها تفجيراً}، قال: فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا الجنة.
- ثم عقد لواء، ونادى المنادي: أين الموفون والخائفون؟ فقيل: من هم؟ قال: {يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً}، فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، قال: {فوقاهم الله شر ذلك اليوم} إلى قوله تعالى: {منثوراً}، وذلك الخدم بالنظافة كاللؤلؤ المنثور، قال: {إن هذا كان لكم جزاءً} الآية، قال: فيتبع القوم لواءهم حتى يدخلوا الجنة.(6/182)
[370] فصلٌ: ومن سورة النازعات
- ثم عقد لواء آخر، ونادى المنادي: أين من خاف مقام ربه؟ فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن الله تعالى يقول: {فإن الجنة هي المأوى}، قال: فيتبع القوم لواءهم، حتى ينزلوا منازلهم من الجنة.
[371] فصلٌ: ومن سورة المطففين
2683- قال ابن عباس رضي الله عنه: ولله عز وجل عباد عملوا بطاعته، فرفعت كتبهم إلى عليين، حتى إذا كان يوم القيامة، عقد لهم لواء، ونادى المنادي: أين الأبرار الذين كتبهم في عليين، فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن الله تعالى يقول: {وما أدراك ما عليون. كتابٌ مرقومٌ. يشهده المقربون. إن الأبرار لفي نعيمٍ. على الأرائك ينظرون}، قال: فيتبع القوم لواءهم حتى ينزلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.(6/183)
[372] فصلٌ: ومن سورة البينة
2684- قال ابن عباس رضي الله عنه: ثم عقد لواء آخر، ونادى المنادي: أين خير البرية؟ فيعرف القوم صفتهم فيقولوا: لبيك داعي ربنا، لم دعوتنا؟ قال: إن الله تعالى يقول: {جزاؤهم عند ربهم جنات عدنٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم} إلى آخر السورة، فيعرف القوم صفتهم فيتبعوا لواءهم حتى ينزلوا منازلهم التي أعدت لهم في الجنة.
2685- قال ابن عباس رضي الله عنه: فذلك تسعون زمرة، والرجلان من غير التسعين: حبيب النجار صاحب أنطاكية، وصاحب القرين المؤمن أحد الأخوين.
قال ابن عباس رضي الله عنه: فإذا دخلوا الجنة وسكنوها اقتسموا المنازل والدرجات على قدر أعمالهم، ألا تسمع إلى قول الله عز وجل: {انظر كيف فضلنا بعضهم على بعضٍ وللآخرة أكبر درجاتٍ وأكبر تفضيلاً}.(6/184)
[373] باب ما جاء في الشفاعة
2687- حدثنا أبو أحمد: الحسين بن علي التميمي، ثنا أبو بكر: محمد بن إسحاق بن خزيمة، ثنا أحمد بن عبدة، ثنا حماد، ثنا معبد بن هلال الزماني قال: انطلقنا إلى أنس بن مالك رضي الله عنه في زمن الفتنة ومعنا ثابت البناني لهذا الحديث، فاستأذن ثابت فأذن لنا فأدخلنا عليه، فأجلس ثابتاً معه على سريره -أو قال: على فراشه- قال: فقلت لأصحابنا: لا تسألوه عن شيء إلا عن هذا الحديث فإنا خرجنا له، فقال ثابت: يا أبا حمزة إن إخوانك من أهل البصرة جاءوك يسألونك عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشفاعة، وما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال: نعم.
حدثنا محمد بن عبد الله، رسول رب العالمين في ذلك قال: إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض، قال: فيؤتى آدم عليه السلام فيقال: يا آدم اشفع في ذريتك، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بإبراهيم، فإنه خليل الله، فيؤتى إبراهيم عليه السلام فيقول: لست لها، ولكن عليكم بموسى عليه السلام، فإنه كليم الله، فيؤتى موسى عليه السلام فيقول: لست لها، ولكن عليكم بعيسى، فإنه روح الله وكلمته، فيؤتى عيسى عليه السلام فيقول: لست لها، ولكن عليكم(6/185)
بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فيؤتى فيقول: أنا لها، فأنطلق، فأستأذن على ربي تبارك وتعالى فيؤذن لي عليه، فأقوم بين يديه، ويلهمني المحامد -لا أقدر عليه الآن- فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر ساجداً فيقال لي: يا محمد ارفع رأسك، وقل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع.
فأقول: يا رب أمتي أمتي، قال: فيقال لي: انطلق، فمن كان في قلبه ذرة -أو قال: مثال شعيرة- من إيمان فأخرجه منها، فانطلق، ثم أعود وأحمده بتلك المحامد، وأخر ساجداً، قال: فيقال لي: يا محمد ارفع رأسك، وقل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي أمتي، فيقال لي: انطلق، فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من الإيمان فأخرجه من النار -ثلاث مرات-، فأنطلق فأفعل.
قال معبد: فأقبلنا حتى إذا كنا بظهر الجبال قلنا: لو ملنا إلى الحسن وهو مستخف في منزل أبي خليفة؟ قال: فدخلنا عليه، فقلنا: يا أبا سعيد جئنا من عند أخيك أبي حمزة وحدثناه به، حتى إذا فرغنا قال: ما حدثكم إلا بهذا الحديث؟ قلنا: ما زادنا على هذا، قال: فقال الحسن: لقد حدثني بهذا الحديث منذ عشرين سنة، فما أدري أنسي الشيخ أم كره أن يحدثكم؟ قالوا: يا أبا سعيد حدثنا، فضحك وقال: {وخلق الإنسان عجولاً}، إني لم أذكره إلا وأنا أريد أن أحدثكموه كما حدثتكم منذ عشرين سنة، قال: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأقوم الرابعة فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر ساجداً، قال: فيقال لي: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعطه، واشفع تشفع، قال: فأرفع رأسي فأقول: أي رب إيذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله، فيقال: ليس ذلك لك، ولكن وعزتي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله.(6/186)
2688- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا أول شفيع في الجنة، لم يصدق نبي من الأنبياء عليهم السلام ما صدقت، وإن من الأنبياء نبي ما صدقه من أمته إلا رجل واحد.
2689- وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا أول من يشفع في الجنة، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً، وأنا أول من يقرع باب الجنة.
2690- وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد صلى الله عليه وسلم ، فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك.
2691- وقال صلى الله عليه وسلم : لكل نبي دعوة يدعو بها، وأنا أريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة.(6/187)
2692- وقال داود بن أبي هند: يتعلق العبد المذنب من هذه الأمة يوم القيامة بنبينا صلى الله عليه وسلم فيقول: يا نبي الله صلى الله عليه وسلم : أنقذني من عذاب الله عز وجل، فيقول صلى الله عليه وسلم : بلغتك سنتي، وعرفت شريعتي ثم عصيت! فما عذرك؟ فيقول: يا نبي الله غلبت علي شقوتي، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا شقوة على أحد من أمتي، اللهم هبه لي.
قال: فيهبه الله تعالى له.
2693- قال أحمد بن عاصم الأنطاكي: العلم شفيع إذا استعمل،(6/188)
وخصم إذا ضيع.
الخاتمة
كما هو الظن بالرب العظيم فقد أحسنها بجميل فضله وكريم عفوه، إذ أعانني على إتمام تحقيقه وإخراجه للمكتبة الإسلامية بمنه وكرمه، فأسأله سبحانه أن يرزقني قبول ذلك في السماء والأرض بإتمام إحسانه، وأن يجعله عملاً خالصاً لوجهه، وأن يزيد في الآخرة من شرف نبينا صلى الله عليه وسلم وعظيم مقامه.
ثم أوصي إخواني من طلبة العلم وأهله، ومن له تعلق بحبه صلى الله عليه وسلم ، ومن طالع فيه أن يطالعه بعين الرضا -فإنها عن كل عيب كليلة- وأن يدعو لنا بالمغفرة والقبول، فإنه سبحانه من وراء القصد، وهو السميع العليم، والحمد لله رب العالمين.
وبه ينتهي الكتاب وصلى الله على رسوله المبارك الطيب الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكان الفراغ من تبييض شرحه في الثاني من شهر ربيع الأول 1423هـ.(6/189)