من مجلة التوحيد:
1-5-2002 العدد 5:
«قصة حجل الصحابة»
إعداد: علي حشيش
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة الناس واتخذها المتصوفة دليلاً يلبسون به البدعة ثوب الشرعية، تلك البدعة هي بدعة التمايل والتواجد والرقص في حلقات تسمى حلقات الذكر، فقد جاء في كتاب «منهاج الصوفية» مؤلفه حسن كامل الملطاوي، وقد أصدره المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمصر، العدد (61) تحت عنوان «الرد على اعتراضات المعترضين» (ص91) قال: «يعيب بعض الناس على الطرق الصوفية أمورًا كثيرة، وسأضعها تحت نظر القارئ العزيز مع الرد عليها واحدة واحدة». قلت: ثم ذكر المؤلف من الأمور التي هي موضع الاعتراض (ص95): «التمايل والتواجد»، حيث قال: «ما بقي ما يعترض به على التمايل والتواجد، وقد كانا في صدر الإسلام... أما التواجد فقد روى الإمام أحمد عن الإمام علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنهما، أن سادتنا عليًا وجعفرًا وزيدًا قدموا على مولانا رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) . فقال عليه الصلاة والسلام لزيد: «أنت مولاي» فحجل. وقال لجعفر: «أشبهت خلقي وخُلقي» فحجل. وقال لي: «أنت مني» فحجلت. انتهى الحديث. ثم قال المؤلف: «والحجل أن يمشي على رجل واحدة، فهؤلاء الكرام تواجدوا وحجلوا بين يديه (صلى الله عليه وسلم ) بلا إرادة من النشوة التي حصلت لهم». اهـ. قلت: انظر أيها القارئ الكريم كيف اتخذ المؤلف من هذه القصة دليلاً لمشروعية التمايل والتواجد والرقص الذي تفعله المتصوفة ويتخذها حجة للدفاع عن منهاج الصوفية، ويرد بها على من يعترض عليهم، وسأبين للقارئ الكريم أن حجته داحضة من غير أن أمس شخص المؤلف سواء كان حيًا أو ميتًا بشيء؛ لأن المؤلف إن كان استخدم هذه القصة لتكون حجة للمبتدعين فقد استخدمها من قبل ابن منظور في «لسان العرب» لتكون حجة للغويين. حيث قال في «اللسان» (11/144):(1/1)
«وفي الحديث: أن النبي (صلى الله عليه وسلم ) قال لزيد: «أنت مولانا» فحجل». ثم قال: الحَجْل: أن يرفع رِجْلاً ويقفز على الأخرى من الفرح». اهـ
. وإلى القارئ الكريم تخريج هذه القصة:
أولاً التخريج:
الحديث الذي جاءت به هذه القصة أخرجه الإمام أحمد في «المسند» (1/108) (ح857) قال: حدثنا أسود- يعني بن عامر- أنبأنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ، عن علي رضي اللَّه عنه قال: أتيت النبي (صلى الله عليه وسلم ) ، وجعفر، وزيد، قال: فقال لزيد: «أنت مولاي». فحجل، قال: وقال لجعفر: «أنت اشبهت خلقي وخلقي». قال: فحجل وراء زيد، قال: وقال لي: «أنت مني وأنا منك»، فحجلت وراء جعفر. اهـ.
ثانيًا التحقيق:
قصة ليست صحيحة، وسندها الذي جاءت به واهٍ بعلتين:
الأولى: جهالة هانئ بن هانئ. أورده الإمام المزي في «تهذيب الكمال» (19/222/7124) قال: هانئ بن هانئ الهمداني الكوفي: روى عن: علي بن أبي طالب، روى عنه: أبو إسحاق السبيعي، ولم يرو عنه غيره. قال الحافظ ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (11/22): «ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من أهل الكوفة، قال: وكان يتشيع، وقال ابن المديني مجهول، وقال حرملة عن الشافعي: هانئ بن هانئ: لا يعرف». قلت: وذكره الذهبي في «الميزان» (4/291/9199)، ونقل قول ابن المديني: مجهول وأقره.
الثانية: تدليس أبي إسحاق السبيعي. فقد أورده الحافظ ابن حجر في «طبقات المدلسين» في المرتبة الثالثة برقم (25) قال: «عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي مشهور بالتدليس». قلت: وهذه المرتبة الثالثة بين حكمها الحافظ في مقدمة «طبقات المدلسين»، حيث قال: «الثالثة: من أكثر من التدليس فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع..».(1/2)
قلت: وبتطبيق هذه القاعدة على الحديث الذي جاءت به هذه القصة نجد أن أبا إسحاق السبيعي لم يصرح بالسماع، فبطل الاحتجاج بهذا الحديث. قلت: وفي «تهذيب التهذيب» (8/59) قال الحافظ ابن حجر في ترجمة أبي إسحاق السبيعي: «ذكره في المدلسين: حسين الكرابيسي، وأبو جعفر الطبري». قلت: وبهذا التحقيق تصبح قصة حجل الصحابة قصة واهية بالجهالة والتدليس، وعند علماء الفن يصبح السند مردودًا ينطبق عليه السببان الرئيسيان للرد معًا وهما: أ- سقط من الإسناد. ب- طعن في الراوي. أما عن نوع السقط فهو سقط خفي، وهذا لا يدركه إلا الأئمة الحذاق المطلعون على طرق الحديث وعلل الإسناد وله تسميتان وهما:
1- المُدلّس.
2- المرسل الخفي.
وهذا متحقق في التدليس الذي بيناه بالتفصيل آنفًا. أما عن الطعن في الراوي فلأسباب : منها ما يتعلق بالعدالة، ومنها ما يتعلق بالضبط، وبتطبيق أسباب الطعن في الراوي على الحديث وجدنا الجهالة، والجهالة تجعل الطعن متعلقًا بالعدالة. فاحتجاج المتصوفة بهذه القصة الواهية على مشروعية الرقص والتمايل والتواجد فيما يسمونه حلقات الذكر لا يصح؛ لأن حجتهم داحضة.
ثالثًا: البديل الصحيح للقصة من غير فرية الحجل:(1/3)
إن الصحابة الثلاثة: عليًا، وزيدًا، وجعفرًا، رضي اللَّه عنهم، لم يثبت أنهم حجلوا وراء بعضهم والنبي (صلى الله عليه وسلم ) جالس، وأثبتنا أن هذا الحجل افتراءً عليهم، ولقد جاءت السنة الصحيحة المطهرة تثبت لهؤلاء الصحابة مناقبهم من غير فرية الحجل. وإلى القارئ الكريم هذه القصة الصحيحة التي تبيّن ذلك: فقد أخرج الإمام البخاري في «صحيحه» (7/570- فتح) (ح4251) من حديث البراء رضي اللَّه عنه قال: لما اعتمر النبي (صلى الله عليه وسلم ) في ذي القعدة فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام، فلما كتبوا الكتاب كتبوا: هذا ما قضى عليه محمد رسول الله، قالوا: لا نقر لك بهذا، لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئًا، ولكن أنت محمد بن عبد الله. فقال: «أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله». ثم قال لعلي: «امح رسول الله». قال علي: «لا والله لا أمحوك أبدًا». [فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) : «أرني مكانها»، فأراه مكانها، فمحاها](1). فكتب: هذا ما قاضى محمد بن عبدالله لا يدخل مكة السلاح إلا السيف في القِراب، وأن لا يخرج من أهلها بأحدٍ إن أراد أن يتبعه، وأن لا يمنع من أصحابه أحدًا إن أراد أن يقيم بها، فلما دخلها ومضى الأجل أتوا عليًا فقالوا: قل لصاحبك: اخرج عنا فقد مضى الأجل، فخرج النبي (صلى الله عليه وسلم ) فتبعته ابنة حمزة تنادي: يا عمّ، يا عمّ، فتناولها عليٌّ فأخذ بيدها وقال لفاطمة عليها السلام: دونك ابنة عمك فحملتها، فاختصم فيها علي، وزيد، وجعفر، فقال علي: أنا أخذتها وهي بنت عمي، وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها تحتي، وقال زيد: ابنة أخي، فقضى بها النبي (صلى الله عليه وسلم ) لخالتها، وقال: «الخالة بمنزلة الأم». وقال لعلي: «أنت مني وأنا منك». وقال لجعفر: «أشبهت خَلقي وخُلقي». وقال لزيد: «أنت أخونا ومولانا». وقال عليّ: «ألا تتزوَج بنت حمزة؟» قال: إنها ابنة أخي من الرضاعة. قلت:(1/4)
هذه هي القصة الصحيحة، وهذه ألفاظها التي تبين مناقب الصحابة الثلاثة: علي، وجعفر، وزيد رضي اللَّه عنهم، وبراءتهم من الحجل الذي فيه رفع رِجْل وقفز على الأخرى، هذا الوضع الذي لا يليق بإنسان عنده رزانة، فضلاً عن أنهم صحابة خاصة بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) .
رابعًا: حال الصحابة كما في الكتاب والسنة:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2]. قال الإمام القرطبي في تفسيره «الجامع لأحكام القرآن» (4/2891): «ونظيره هذه الآية: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ. الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحج: 34، 35]، وقال: {وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ} [الرعد: 28]. فهذا يرجع إلى كمال المعرفة وثقة القلب، والوَجَل: الفزع من عذاب الله، فلا تناقض، وقد جمع الله بين المعنيين في قوله: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 23]. أي: تسكن نفوسهم من حيث اليقين إلى الله وإن كانوا يخافون الله. فهذه حالة العارفين باللَّه، الخائفين من سطوته وعقوبته، لا كما يفعله جهال العوام، والمبتدعة الطغام من الزعيق والزئير ومن النهاق الذي يشبه نهاق الحمير(2)، فيقال لمن تعاطى ذلك وزعم أن ذلك وجد وخشوع: لم تبلغ أن تساوى حال الرسول ولا حال أصحابه في المعرفة باللَّه. والخوف منه والتعظيم لجلاله، ومع ذلك فكانت حالهم عند المواعظ الفهم عن الله والبكاء خوفًا من الله فمن كان مستنًا فليستنّ، ومن تعاطى أحوال المجانين والجنون فهو من أحسنهم حالاً، والجنون فنون. روى مسلم عن أنس بن مالك أن الناس سألوا(1/5)
النبي (صلى الله عليه وسلم ) حتى أحْفَوْه في المسألة، فخرج ذات يوم فصعد المنبر فقال: «سلوني لا تسألوني عن شيء إلا بينته لكم ما دمت في مقامي هذا». فلما سمع ذلك القوم أَرَمّوا ورهبوا أن يكون بين يدي أمر قد حضر. قال أنس: فجعلت ألتفت يمينًا وشمالاً فإذا كل إنسان لافٌ رأسه في ثوبه يبكي، وذكر الحديث، وروى الترمذي وصححه عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب. الحديث. ولم يقل: زعقنا ولا رقصنا ولا زفَنَّا ولا قمنا. انتهى كلام القرطبي. والزفن هو الرقص.
خامسًا: تعليقات واهية:
قلت: وللإمام القرطبي في «تفسيره» (5/4096) للآية (14/ الكهف) في قوله تعالى: {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} رد على الصوفية عندما اتخذوها حجة لهم في التمايل والوجد، حيث قال الإمام القرطبي: قال ابن عطية: تعلقت الصوفية في القيام والقول بقوله: {إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}. قال الإمام القرطبي: «وهذا تعلق غير صحيح، هؤلاء قاموا فذكروا الله على هدايته وشكروا لما أولاهم من نعمه ونعمته، ثم هاموا على وجوههم منقطعين إلى ربهم خائفين من قومهم، وهذه سنة الله في الرسل والأنبياء والفضلاء الأولياء. أين هذا من ضرب الأرض بالأقدام والرقص بالأكمام، وخاصة في هذه الأزمان عند سماع الأصوات الحسان من المُرْد والنسوان؛ هيهات بينهما، والله ما بين الأرض والسماء ثم هذا حرام عند جماعة العلماء». اهـ.(1/6)
سادسًا: تعلق غير صحيح بحديث صحيح:
تعلقت الصوفية في التمايل والتواجد بحديث: «المؤمن كخامة الزرع»، حيث قال الملطاوي في «منهاج الصوفية» (ص95): «بقي ما يعترض به على التمايل والتواجد، وقد كانا في صدر الإسلام، فقد ورد أن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) كانوا يتمايلون يمنة ويسرة كما ورد في الحديث أن المؤمن كخامة الزرع تفيئها الريح هاهنا وهاهنا». قلت: وهذا تعلق غير صحيح، فمتن الحديث: «مثل المؤمن كالخامة من الزرع تفيئها الريح مرة وتعدلها مرة، ومثل المنافق كالأَرْزَة لا تزال حتى يكون انجعافها مرة واحدة».
1- الحديث أخرجه البخاري في «الفتح» (10/107) (ح5643)، ومسلم (ح2810)، وأحمد (3/545) (ح15807) من حديث كعب بن مالك.
2- غريب ألفاظ الحديث. أ- الخامة: وهي الطاقة والقصبة اللينة من الزرع. ب- تفيئها: أي تميلها وزنه ومعناهُ. جـ- الأرزه: بفتح الهمزة وسكون الراء بعدها زاي، كذا للأكثر: هو شجر معتدل صلب لا يحركه هبوب الريح، ويقال له الأرزن يكون بالشام وبلاد الأرمن، أورده الإمام النووي والحافظ في «الفتح» في شرحهما للحديث، وفي «لسان العرب» (5/306). قلت: وشجرة الأزرة غير نبات الأرز ذي السنابل التي تؤكل. د- انجعافها: بجيم ومهملة، ثم فاء: أي انقلاعها.(1/7)
3- فقه الحديث كما هو فهم السلف. أورد الحافظ ابن حجر في «الفتح» (10/111) معنى الحديث فقال: «قال المهلب: معنى الحديث أن المؤمن حيث جاءه أمر الله انطاع له، فإن وقع له خير فرح به وشكر، وإن وقع مكروه صبر ورجا فيه الخير والأجر، فإذا اندفع عنه اعتدل شاكرًا، والكافر لا يتفقده الله باختباره بل يحصل له التيسير في الدنيا ليتعسر عليه الحال في المعاد، حتى إذا أراد الله إهلاكه قصمه فيكون موته أشد عذابًا عليه وأكثر ألمًا في خروج نفسه». اهـ. قلت: وهذا الوعيد إذا تدبرت كتاب الله تجده في قوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ. فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 44، 45]، فقوله تعالى: {أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً} يفسرها قوله (صلى الله عليه وسلم ) : «انجعافها مرة واحدة»، أما المسلم فكما أخرج البخاري (ح5640) من حديث عائشة رضي اللَّه عنها قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) : «ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها». قلت: وهذا ما نقله الإمام النووي لفهمه لهذا الحديث عن السلف الصالح من أئمة الدين رحمهم الله، حيث قال: «قال العلماء: معنى الحديث أن المؤمن كثير الآلام في بدنه أو أهله، أو ماله، وذلك مكفر لسيئاته، ورافع لدرجاته، أما الكافر فقليلها، وإن وقع به شيء، لم يكفر شيئًا من سيئاته، بل يأتي بها يوم القيامة كاملة». اهـ. قلت: ويكون كالأرزة انجعافها مرة واحدة يؤخذ بغتة ويقطع دابره.
هذا هو فهم السلف للحديث. فأين هذا من ضرب الأرض بالأقدام والرقص بالأكمام والتمايل والتواجد في بدعة يسمونها الصوفية الذكر، ونقول كما قال القرطبي رحمه الله: «هيهات بينهما والله ما بين الأرض والسماء».(1/8)
قلت: نستخلص من هذا البحث العلمي الحديثي أن القصة واهية، وتعلق الصوفية في التمايل والتواجد بها لا يصح، والقصة الصحيحة ليس بها حجل، وبيّنا حال أهل السنة والجماعة عند سماع القرآن والمواعظ، وحال أهل البدعة، وأبطلنا تعلق الصوفية ببعض آيات القرآن والأحاديث الصحيحة في التمايل والتواجد، وبيّنا فهم هذه الآيات والأحاديث بمنهج أهل السنة والجماعة. حفظنا الله من أهل البدعة والفرقة والضلالة. هذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد.
الهوامش (1) ما بين المعكوفين لفظ مسلم (ح1783) كتاب الجهاد (ح92).
(2) هذه عبارة الإمام القرطبي في «تفسيره» انقلها للأمانة العملية من غير حذف أو إضافة أو تغيير.
انتهى
1-6-2002 العدد 6:
تحذيرالداعية من
القصص الواهية
قصة اختراق الحجاب ليلة الإسراء والمعراج
إعداد : علي حشيش
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت، وكان لاشتهارها وانتشارها أسباب منها:
1- أن هذه القصة أُذيعت على مستوى العالم ضمن حلقات الإسراء والمعراج في برنامج "نور على نور" لأحد الشيوخ، من غير أن نتناول اسمه ولا شخصه؛ لأن الغاية الوقوف على حقيقة ما نُسِب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الحلقة الثانية المذاعة يوم الجمعة 2 شعبان 1393ه الموافق 31 أغسطس 1973م، وسجلت هذه الحلقات وتذاع كل عام بمناسبة الإسراء والمعراج، بل وطبعت في كتاب انتشر بين الوعاظ والقصاص بعنوان "الإسراء والمعراج" تحت الحلقة الثانية (ص72)، حيث جاء فيه:(1/9)
"ثم بعد ذلك نجد أنه بعد أن انتقل إلى مرحلة يكون فيها ملائكيًا كالملائكة يراهم ويتكلم معهم ويخاطبهم ويفهم، يأتي بعد ذلك في منطقة أخرى بعد سدرة المنتهى فينتهي حد جبريل، ثم بعد ذلك يزج برسول الله في سبحات النور ولم يكن جبريل معه، وهذا دليل على أن محمدًا عليه الصلاة والسلام قد ارتقى ارتقاءًا آخر، ونقل من ملائكية لا قدرة لها على ما وراء سدرة المنتهى إلى شيء من الممكن يتحمل إلى ما وراء سدرة المنتهى، دون مصاحبة جبريل عليه السلام، إذًا فمحمد كان بشرًا في الأرض مع جبريل، وبعد ذلك كانت له ملائكية مع الرسل ومع جبريل في السماء، وبعد ذلك كان له وضع آخر ارتقى به عن الملكية حتى أن جبريل نفسه يقول: "أنا لو تقدمت لاحترقت.. وأنت لو تقدمت لاخترقت".
فذاتية محمد حصل فيها شيء من التغيير، التغيير الذي يناسب ذلك الملأ الأعلى، فجبريل بملائكيته لا يستطيع أن يخترق وإلا احترق، أما هو فيستطيع أن يخترق". اه.
2- وتأثر بقصة اختراق الحجاب أحد الوعاظ من غير ذكر لاسمه أيضًا. يقول في شريط كاسيت قد انتشر واشتهر: "جبريل عند سدرة المنتهى يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : السير من هنا قد انتهى، والنبي يقول لجبريل: أفهذا الموضع يترك الخليل خليله، وجبريل يقول: لكل منا مقام معلوم، فوالذي بعثك بالحق لو تقدمت قدر أنملة لاحترقت بأنوار الكمال، ولو تقدمت يا ابن عبد الله لاخترقت أنوار الجلال، تقدم إلى ربك الكبير المتعال، تقدم إلى الله، وهنا يحس النبي برعدة شديدة ويتساءل: أين أنا يا رب؟ فالله يقول: أنت على بساط أنس الله يا محمد".
3- وقصة اختراق الحجاب ليلة الإسراء والمعراج جاءت في كتاب منسوب إلى الصحابي الجليل ابن عباس رضي الله عنهما ويسمى "الإسراء والمعراج للإمام ابن عباس رضي الله عنهما".
قلت: وهو مليء بالكذب والأباطيل، وابن عباس بريء من هذا الكتاب الذي اشتهر وانتشر لصغر حجمه، حيث يحتوي على ست وأربعين صفحة ورخص ثمنه(1/10)
واحتوائه على عجائب منكرة يستميل بها القصاص والوعاظ قلوب العوام.
ففي (ص26): جاءت قصة اختراق الحجاب، حيث نُسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ثم تقدمت أمامي فلم أر أخي جبريل معي، فقلت: يا أخي يا جبريل، أفي مثل هذا المكان يفارق الخليل خليله والأخ أخاه، فَلِمَ تركتني وتخلفت عني؟ فنادى: يَعِزُّ عليَّ أن أتخلف عنك، والذي بعثك بالحق نبيًا ما منا إلا له مقام معلوم، ولو أن أحدًا منا تجاوز مقامه لاحترق بالنور، قال صلى الله عليه وسلم : فلما قال لي هذا المقال وضعت يدي على وجهي وأخذتني الرَّعدة والخوف، فضمني جبريل إلى صدره بجناحه، وقال لي: لا تخف ولا تحزن إنما عرج بك ربك ليحييك ويكرمك ويصطفيك ويعطيك، فلما قال لي هذا المقال خفَّ عني كل ما أجده، وإذ بالنداء من قبل الله تعالى: زُجوا حبيبي محمدًا في النور، فأتتني الملائكة برفرف أخضر كمثل المقعد يحمله أربعة من الملائكة فوضعوه بين يدي وقالوا لي: ارق يا محمد، فاستويت على الرفرف فسار بي كالسهم يخرج من القوس، وبينما أنا أتفكر وقد أخذتني الهيبة مما رأيت من الجلال والكمال والبهاء والعظمة وهيبة الله، نوديت: يا أحمد، أمامك أمامك، أدن مني، فخطوت خطوة مسيرة خمسمائة عام، فقيل لي: يا أحمد لا تخف ولا تحزن، فسكن قلبي مما كنت أجده، وأخذ ذلك الرفرف يعلو بي حتى قربني من حضرة سيدي ومولاي، فأبصرت أمرًا عظيمًا لا تناله الأوهام ولا تبلغه الخواطر، سبحانه وتعالى مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فدنوت من ربي حتى صرت منه كقاب قوسين أو أدنى فوضع سبحانه يده بين كتفي ولم تكن يدًا محسوسة كيد المخلوقين، بل يد قدرة وإرادة، فوجدت بردها على كبدي، فذهب عني كل ما كنت أجده وأورثني علم الأولين والآخرين وملئت فرحًا وسرورًا فأخذني عند ذلك الثبات والسكون، فظننت أن من في السماوات والأرض قد ماتوا إلا أنا لا أسمع هناك لا حسًا ولا حركة، ثم رجع إليَّ عقلي(1/11)
وتفكرت فيما أنا فيه من الشرف العظيم، فنوديت: يا أحمد، ادن مني، فقلت: إلهي وسيدي ومولاي، أنت السلام ومنك السلام، فناداني ثانيًا: ادن مني، فدنوت منه، فقال: وعليك السلام...".
4- وقصة الرفرف الأخضر، واختراق الحجاب وتأخر جبريل: ليلة الإسراء أوردها الإمام ابن عراق في "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة" (1-155: 169) في حديث ابن عباس الطويل، حيث بلغ خمسة وسبعين وثلاثمائة سطر، وفيه بعض الزيادات التي نسبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:
أ- فلما أسرى بي إلى العرش وحاذيت به ودلي لي رفرف أخضر لا أطيق وصفه لكم، فأهوى بي جبريل فأقعدني عليه ثم قصر دوني ورد يديه على عينيه مخافة على بصره أن يلتمع من تلألؤ نور العرش، وأنشأ يبكي بصوت رفيع ويسبح الله تعالى ويحمده ويثني عليه، فرفعني ذلك الرفرف بإذن الله ورحمته إياي وتمام نعمته عليَّ إلى قرب سيد العرش، إلى أمر عظيم لا تناله الألسن ولا تبلغه الأوهام.
ب- فنظرت إليه فإذا هو حين كشف عنه حجبه مستو على عرشه في وقاره وعزه ومجده وعلوه.
ج- فمال إليَّ من وقاره بعض الميل فأدناني منه، فذلك قوله في كتابه يخبركم فعاله بي وإكرامه إياي: ذو مرة فاستوى. وهو بالأفق الأعلى. ثم دنا فتدلى. فكان قاب قوسين أو أدنى، حيث مال إليَّ فقربني منه قدر ما بين طرفي القوسين.
د- فلما مال إليَّ من وقاره سبحانه وتعالى وضع إحدى يديه بين كتفي، فلقد وجدت برد أنامله على فؤادي حينًا، ووجدت عند ذلك حلاوته وأطيب ريحه وبرد لذاذته وكرامة رؤيته، وظننت أن من في الأرض والسماوات ماتوا كلهم.
التخريج والتحقيق للقصة:
الحديث الذي جاءت به هذه القصة: أخرجه ابن مردويه في "التفسير" من حديث ابن عباس من طريق ميسرة ابن عبد ربه، كذا في "تنزيه الشريعة" (1-169)، وأخرجه ابن حبان في "المجروحين" (3-11) قال: أخبرنا محمد بَدْوست النسوي: قال: حدثنا حميد بن زِنْجوَيه قال: حدثنا محمد بن أبي(1/12)
خِداش الموصلي قال: حدثنا علي بن قتيبة عن ميسرة بن عبد ربه قال: حدثنا عمر بن سليمان الدمشقي عن الضّحاك بن مزاحم عن ابن عباس مرفوعًا.
1- قال ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (1-169): أخرج ابن حبان قطعة منه.
قلت: وهذا إجمال ما قد فصلنا حيث بيَّنا أنه أخرجه في كتابه "المجروحين" لا في "صحيحه" هذا بالنسبة لمصنفات ابن حبان.
أما قول ابن عراق: "أخرج ابن حبان قطعة منه"، فهو إجمال بالنسبة للمتن، فابن حبان يعرف متن الحديث بطوله، فبعد أن ذكر هذه القطعة من حديث ابن عباس من طريق ميسرة بن عبد ربه عن عمر بن سليمان قال: "فذكره بطوله أكره ذكره لشهرته عند من كتب الحديث وطلبه". اه.
قلت: ثم بيّن الإمام ابن حبان في "المجروحين" (3-11) علة الحديث فقال: "ميسرة بن عبد ربه الفارسي من أهل دَوْرق كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات ويضع المعضلات عن الثقات في الحث على الخير والزجر عن الشر، لا يحل كتابة حديثه إلا على سبيل الاعتبار.
قلت: ثم أخرج ابن حبان هذا الحديث دليلاً على أن ميسرة بن عبد ربه يروي الموضوعات، وذكر قطعة منه، ثم قال: "فذكر- أي ميسرة بن عبد ربه- حديثًا طويلاً في قصة المعراج شبيهًا بعشرين ورقة". وعلل ابن حبان عدم ذكره للحديث بطوله حيث قال: "أكره ذكره لشهرته عند من كتب الحديث وطلبه". اه.
2- أورده الإمام البخاري في كتابه "الضعفاء الصغير" ترجمة (355)، ثم قال: "ميسرة بن عبد ربه: يُرْمى بالكذب".
3- أورده الإمام النسائي في كتابه "الضعفاء والمتروكين" ترجمة (580)، ثم قال: "ميسرة بن عبد ربه: متروك الحديث".
فائدة:
قلت: هذا المصطلح عند النسائي له معناه، حيث قال الحافظ ابن حجر في "شرح النخبة" (ص69): "مذهب النسائي أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه".
4- أورده الدارقطني في كتابه "الضعفاء والمتروكين" ترجمة (510)، ثم قال: "ميسرة بن عبد ربه، بغدادي عن زيد بن أسلم كتاب "العقل" لداود بن المُحبَّر تصنيفه". اه.(1/13)
فائدة:
يتوهم من لا دراية له بهذا الفن أن عبارة الدارقطني هذه لا تدل على الجرح، ولا يدري أن مجرد ذكر اسم الراوي فقط يدل على أنه متروك، يدل على ذلك قول الإمام البرقاني: "طالت محاورتي مع ابن خمكان لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني عفا الله عني وعنهما في المتروكين من أصحاب الحديث، فتقرر بيننا وبينه على ترك من أثبته على حروف المعجم في هذه الورقات".
5- أقر الإمام الذهبي هذه الأقوال في "الميزان" (4-230-8958).
6- ثم ذكر الإمام الذهبي في "الميزان" (3-202-6129) علة أخرى لحديث القصة، فقال: "عمر بن سليمان عن الضحاك، فذكر حديث الإسراء بلفظ موضوع".
وأقره الحافظ ابن حجر في "اللسان" (4-356) (1731-6082)، وبهذا التحقيق حكم الحافظان الذهبي وابن حجر على حديث القصة في ليلة الإسراء بأنه موضوع.
فائدة:
الموضوع: "هو الكذب المختلق المصنوع وهو شر الضعيف وأقبحه وتحرم روايته مع العلم بوضعه في أي معنى كان سواء الأحكام والقصص والترغيب وغيرها إلا مبينًا أي مقرونًا ببيان وضعه". قاله السيوطي في "التدريب" 01-274).
ولقد تأثر بهذه القصة الواهية "قصة اختراق الحجاب" ليلة الإسراء والمعراج كثير من الكتاب والوعاظ والقُصاص، هذا التأثر أدى إلى الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى نسبوا إليه أن الله مال إليه بعض الميل فأدناه منه، وذلك قوله تعالى: ثم دنا فتدلى. فكان قاب قوسين أو أدنى {النجم: 8، 9}.
والقارئ الكريم يرى هذا التأثير في الكتاب الذي أوردناه آنفًا والذي يتضمن ثلاث حلقات مذاعة في برنامج "نور على نور" حول الإسراء والمعراج، حيث قال الشيخ في "الكتاب" (ص80): "أنا شخصيًا لست مع المفسرين حين يفسرون: "دنا" المدنو والداني جبريل؛ لأن جبريل معه، وما دام جبريل معه، فماذا دنا؟ فكان قاب قوسين أو أدنى، ذلك ملحظ آخر يعطينا أن الدنو: ثم دنا فتدلى.. لشيء آخر، من ربه، أو ربه منه". اه.(1/14)
الرد على هذه الشبهة:
1- قول الشيخ - عفا الله عنا وعنه - أنا شخصيًا لست مع المفسرين حين يفسرون "دنا" الداني جبريل من النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال: "الدنو لشيء آخر: من ربه أو ربه منه".
2- ثم بيّن السبب الذي جعله يخالف هؤلاء المفسرين الذين قالوا: أن الدنو هو دنو جبريل.
قلت: هذا السبب فيه نظر؛ لأن الشيخ ظن أن جبريل مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل الدنو وأثناء الدنو وبعد الدنو على صورة واحدة، ولكن جبريل كان في حالة الدنو على صورته التي خلقه الله عليها، هذه الصورة التي هي من آيات الله الكبرى، وهي من أعظم معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث أعطاه الله سبحانه القدرة في بصره فيرى جبريل منهبطًا من السماء سادًا عظم خلقه ما بين السماء والأرض، وأما صورته التي كان فيها معه قبل ذلك فكان يأتيه في صورة الرجال.
هكذا فسره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من حديث عائشة رضي الله عنها، هذا الحديث الذي أورده الإمام المزي في "تحفة الأشراف" (12-309) (ح17613) من طريق عامر بن شراحيل الشعبي عن مسروق(1) بن الأجدع أبي عائشة الهمداني، عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وبعد أن بيّن طريق مسلم في كتاب "الإيمان" من صحيحه قال: "وهو أتم الروايات".
قلت: فقد أخرجه مسلم في "الصحيح" (ح287) من حديث مسروق قال: كنت متكئًا عند عائشة فقالت: يا أبا عائشة، ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية. قلت: ما هن؟ قالت: من زعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية.
وكنت متكئًا فجلست، فقلت: يا أم المؤمنين أنظريني ولا تعجليني، ألم يقل الله عز وجل: ولقد رآه بالأفق المبين، ولقد رآه نزلة أخرى، فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خُلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطًا من السماء(1/15)
سادًا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض، فقالت: أو لم تسمع أن الله يقول: لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، أو لم تسمع أن الله يقول: وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم.
قالت: ومن زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئًا من كتاب الله فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فمابلغت رسالته. قالت: ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد، فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله". اه.
قلت: انظر أيها القارئ الكريم إلى الجزء المرفوع من الحديث وهو موضوع بحثنا في الرد على الشيخ في قوله: أنا شخصيا لست مع المفسرين حين يفسرون (دنا) بأن الداني جبريل هذا الجزء المرفوع الذي قالت فيه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
"أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنما هو جبريل.." قلت: والشيخ إن لم يكن مع المفسرين فليكن مع النبي صلى الله عليه وسلم ولكني أرى أن الشيخ "عفا الله عنا وعنه" لم يقف على هذا الحديث المتفق عليه.
بل ولم يقف على الحديث المتفق عليه الذي أخرجه الإمام البخاري (361-6- فتح) ح (3235) والإمام مسلم ح (290) من طريق الشَّعْبي عن مسروق قال: قلت لعائشة: فأين قوله: "ثم دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى".
قالت: إنما ذاك جبريل كان يأتيه في صورة الرجال وإنه أتاه في هذه المرة في صورته التي هي صورته فسد أفق السماء" واللفظ لمسلم.
قلت: والحديث موقوف لفظا مرفوع حكما.
فائدة:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "شرح النخبة" (ص141):
"ومثال المرفوع من القول حكما لا تصريحا: أن يقول الصحابي- الذي لم يأخذ عن الإسرائيليات مالا مجال للاجتهاد فيه، ولا له تعلق ببيان لغة، أو شرح غريب.
1- كالإخبار عن الأمور الماضية(1/16)
من بدء الخلق وأخبار الأنبياء.
2- أو الآتية كالملاحم والفتن وأحوال يوم القيامة.
3- وكذا الإخبار عمَّا يحصل بفعله ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص
وإنما كان له حكم الرفع؛ لأن إخباره بذلك يقتضي مخبرا له، وما لا مجال للاجتهاد فيه يقتضي مُوقِفًا للقائل به، ولا موقِّف للصحابي: إلا النبي صلى الله عليه وسلم أو بعض من يخبر عن الكتب القديمة، فلهذا وقع الاحتراز عن القسم الثاني وإذا كان كذلك فله حكم ما لو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مرفوع" أه.
قلت: وبتطبيق هذه القاعدة الهامة جدًا التي تدل على دقيق حفظ السنة من الإسرائيليات على حديث عائشة رضي الله عنها نجد أن الحديث مرفوع حكما:
1- أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لم تأخذ عن الإسرائيليات كما هو مقرر عند أهل الحديث.
2- الحديث لا مجال للاجتهاد فيه حيث إنه من أحاديث بدء الخلق ولذلك أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه" كتاب رقم (59) "كتاب بدء الخلق" باب (7).
3- يشهد لرفعه الحديث السابق الذي فيه قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: "إنما هو جبريل".
بل ولم يقف على الحديث المتفق عليه الذي أخرجه الإمام البخاري في "الصحيح" (476-8- فتح) والإمام مسلم في "الصحيح" ح (280) عن سليمان الشيباني قال: سألت زِرَّ بن حُبَيْش عن قول الله عز وجل: "فكان قاب قوسين أو أدنى" قال:
أخبرني ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له سِتمائة جناح"
قلت: وحسبك ما أخرجه البخاري في "صحيحه" (662-8 فتح) ح (5002) ومسلم في "صحيحه" ح (2463) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "والله الذي لا إله غيره ما من كتاب الله سورة إلا أنا أعلم حيث نزلت وما من آية إلا أنا أعلم فيما أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لرَكِبت إليه".
فائدة هامة:
ولقد رَدَّ الإمام ابن القيم في "مدارج السالكين (319-3) على أبي إسماعيل عبد الله بن محمد الهروي(1/17)
صاحب "منازل السائرين" عندما قال الهروي في "باب الاتصال" قال الله تعالى "ثم دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدني" آيس العقول فقطع البحث بقوله "أو أدنى".
فرد عليه الإمام ابن القيم قال: "كأن الشيخ فهم من الآية أن الذي دنا فتدلى فكان- من محمد صلى الله عليه وسلم قاب قوسين أو أدنى: هو الله عز وجل.
والصحيح: أن ذلك هو جبريل عليه الصلاة والسلام فهو الموصوف بما ذكر من أول السورة إلى قوله: ولقد رآه نزلة أخرى. عند سدرة المنتهى.
هكذا فسره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح. قالت عائشة رضي الله عنها: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية؟ فقال: جبريل، لم أره في صورته التي خلق عليها إلا مرتين". اه.
قلت: بهذا قد تبيَّن للقارئ الكريم أن قصة اختراق الحجاب ليلة الإسراء قصة مكذوبة وتبين أيضا من الأحاديث الصحيحة أن الذي دنا فتدلى فكان- من محمد صلى الله عليه وسلم - قاب قوسين أو أدنى: هو جبريل.
وسبحان ربي كيف يخرق الحجاب أو يكشف وقد ثبت في صحيح مسلم ح (179-293) "وسنن ابن ماجه" ح (195) و"سند أحمد" (405-4) ح (19649) من حديث عبد الله بن قيس أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حجابه النور لو كشفه لأَحْرَقت سُبْحَاتٌ وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".
قلت: ومن المناسبة أن أختم هذا التحقيق بالحديث الذي ختم به الإمام النووي كتابه "رياض الصالحين" هذا الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في "الصحيح" ح (181) والترمذي ح (2255)، وابن ماجه ح (187) وأحمد (332-4) وابن أبي عاصم ح (472) والآجُرَّى ح (295) من حديث صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أَزِيدكم؟ فيقولون: ألم تُبَيِّض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتُنَجِّنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب فما أُعطوا شيئا أحبَّ إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل".
فائدة هامة:
لئلا يعتقد من لا دراية له بهذا(1/18)
الفن في هذا الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم في صحيحه ما لا يليق بالإمام مسلم متعلقا بقول الإمام الترمذي في "السنن" (593-4):
"هذا حديث إنما أسنده حماد بن سلمة ورفعه، وروى سليمان بن المغيرة وحماد بن زيد هذا الحديث عن ثابت البُناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قوله" أه.
قلت: فيطعن في صحيح مسلم بما أعله به الترمذي وهو ليس بعله ولقد بيَّن ذلك الإمام النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (26-10) فقال: "قال أبو عيسى الترمذي وأبو مسعود الدمشقي وغيرهما: لم يروه هكذا مرفوعا عن ثابت غير حماد بن سلمة، ورواه سليمان بن المغيرة، وحماد بن زيد، وحماد بن واقد عن ثابت عن ابن أبي ليلى من قوله ليس فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ولا ذكر صهيب، وهذا الذي قاله هؤلاء ليس بقادح في صحة الحديث فقد قدمنا في الفصول أن المذهب الصحيح المختار الذي ذهب إليه الفقهاء وأصحاب الأصول والمحققون من المحدثين وصححه الخطيب البغدادي: أن الحديث إذا رواه بعض الثقات متصلا وبعضهم مرسلا، أو بعضهم مرفوعا وبعضهم موقوفا حكم بالمتصل وبالمرفوع لأنهما زيادة ثقة مقبولة عند الجماهير من كل الطوائف والله أعلم" أه.
قلت: أضف إلى ذلك أقوال أئمة هذا الفن في رواية حماد بن سلمة عن ثابت البناني كما في "تهذيب التهذيب" (11-3).
1- قال الدوري عن ابن معين: "من خالف حماد بن سلمة في ثابت فالقول قول حماد".
2- قال ابن المديني: "لم يكن في أصحاب ثابت أثبت من حماد بن سلمة".
3- قال أحمد بن حنبل: "أثبتهم في ثابت حماد بن سلمة".
قلت: وبأقوال هؤلاء الأئمة أخذ الشيخ الألباني رحمه الله في "ظلال الجنة" ح (472) حيث قال: حماد بن سلمة ثقة حافظ، ولا سيما في روايته عن ثابت فزيادته حجة وصحح الحديث في "الظلال" ح (472) وصححه في "صحيح الجامع" ح (523) وصححه في "رياض الصالحين" ح (1905) وقال: "يكشف الله تبارك وتعالى الحجاب وهو حجاب منه للعباد، أن يروه فيرفعه عنهم فيروه جل جلاله(1/19)
نسأل الله تعالى أن يتفضل علينا بالنظر إلى وجهه الكريم والحمد لله رب العالمين" أه.
قلت: فما أفضل وما أجمل ما ختم به النووي بهذا الحديث العظيم الذي نسأل الله عز وجل أن يمن علينا وعلى القراء الكرام برؤية وجهه الكريم وبهذا الختام أراد الإمام النووي رحمه الله أن يظهر عقيدة أهل السنة والجماعة برؤية رب العالمين في الآخرة خلافا للمعتزلة وغيرها".
هذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد.
هامش:
(1) قال الشعبي: "ما رأيت أطلب للعلم من مسروق". كذا في "تهذيب التهذيب" (10-100).
انتهى(1/20)
1-8-2002 العدد 8:
قصة عائشة رضي الله عنها ليلة النصف من شعبان
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم؛ حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة الخطباء والوعاظ والقصاص بمناسبة ليلة النصف من شعبان.
تحليل طرق القصة
- الطريق الأول: عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها:
وهذا الطريق يتفرع منه ثلاثة طرق:
1- حديث الحجاج بن أطاة عن يحيى بن أبي كثير، عن عروة، عن عائشة قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً فخرجت، فإذا هو بالبقيع، فقال: "أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله؟" قلت: يا رسول الله، إني ظننت أنك أتيت بعض نسائك. فقال: "إن الله عز وجل ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب". اه.
التخريج:
أخرج هذا الحديث الذي جاءت به هذه القصة: أحمد (6-238) (ح26060)، وابن أبي شيبة (6-108)، والترمذي (3-116- شاكر) (ح739)، وابن ماجه (ح1389)، والبيهقي في "الشعب" (3-380) (ح3826) من طريق الحجاج بن أرطاة به.
التحقيق
الحديث "ليس صحيحًا"، قال الترمذي في "السنن" (3-117): "حديث عائشة لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث الحجاج، وسمعت محمدًا(1) يضعف هذا الحديث. وقال: يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة، والحجاج بن أرطاة لم يسمع من يحيى بن أبي كثير".
قلت: وأخرج ابن الجوزي هذه القصة في "العلل المتناهية" (2-556) (ح915)، ونقل قول الإمام الترمذي ثم نقل عن الإمام الدارقطني أنه قال: "قد روى من وجوه وإسناده مضطرب غير ثابت".
قلت: ولا يغتر أحد بأن الحجاج بن أرطاة روى له مسلم ويقول هو من رجال مسلم وغاب عنه أنه قد يكون في السند رجل من رجال مسلم، ولكن لم يحتج به وإنما أخرج له استشهادًا أو مقرونًا بغيره لضعفه.
والحجاج أورده الإمام الذهبي في "الميزان" (1-458) وقال: "خرج له مسلم مقرونًا بآخر". اه.
قلت: بهذا يتبين أن الإمام مسلم لم يحتج به لضعفه.
وأورده الإمام ابن حبان في "المجروحين" (1-225) وقال: تركه ابن المبارك ويحيى(1/21)
القطان، وابن المهدي، ويحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وسُئل يحيى بن معين عن الحجاج بن أرطاة فقال: ضعيف، ضعيف. وقال أبو حاتم: كان الحجاج مدلسًا عمن رآه وعمن لم يره. اه.
قلت: وفي "التهذيب" (2-174) قال يعقوب بن شيبة: الحجاج واهي الحديث في حديثه اضطراب. اه.
فالحديث به ثلاث علل: طعن في الراوي، وإرسال خفي في موضعين.
2- حديث سليمان بن أبي كريمة: عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كانت ليلة النصف من شعبان ليلتي وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي، فلما كان في جوف الليل فقدته، فأخذني ما يأخذ النساء من الغيرة، فتلفعت بمرطي، أما والله ما كان خزًا، ولا قزًا، ولا حريرًا، ولا ديباجًا، ولا قطنًا، ولا كتانًا، قيل: وما كان قالت: كان سداه شعرًا، ولحمته من أوبار الإبل، وطلبته في حجر نسائه فلم أجده، فانصرفت إلى حجرتي، فإذا به كالثوب الساقط على وجه الأرض ساجدًا، وهو يقول في سجوده: "سجد لله سوداي وخيالي، وآمن لك فؤادي، هذه يدي وما جنيته بها على نفسي، يا عظيم يرجى لكل عظيم، اِغْفِرِ الذنب العظيم، أقول كما قال داود عليه السلام: أُعَفِّر وجهي في التراب لسيدي وحق له أن يسجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره، ثم رفع رأسه، فقال: اللهم ارزقني قلبًا نقيًا من الشرك لا كافرًا ولا شقيًا". ثم سجد وقال: أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بعفوك من معاقبتك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، قالت: ثم انصرف ودخل معي في الخميلة وبي نفس عال، فقال: ما هذا النفس يا حميراء؟
قالت: فأخبرته، فطفق يمسح بيده على ركبتي ويقول: ويس هاتين الركبتين ما لقيتا في هذه الليلة، ليلة النصف من شعبان ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا فيغفر لعباده إلا لمشرك أو مشاحن". اه.
التخريج
هذا الحديث الذي جاءت به القصة بهذا اللفظ أخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2-577) (ح917)، والدارقطني في "النزول" (ح92).
التحقيق
قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، قال(1/22)
ابن عدي: أحاديث سليمان بن أبي كريمة مناكير.
قلت: ضعفه أبو حاتم في "الجرح والتعديل" (4-138). وأورد له ابن عدي في "الكامل" (3-262) (8-740) حديثين من مناكيره بنفس طريق القصة، ثم قال: ولسليمان بن أبي كريمة غير ما ذكرت وليس بالكثير وعامة أحاديثه مناكير. اه.
وقال العقيلي في "الضعفاء الكبير" (2-138) ترجمة (627): يحدث بمناكير ولا يتابع على كثير من أحاديثه.
قلت: وأقر ذلك الحافظ ابن حجر في "اللسان" (3-121) (342-3925).
من هذا التحقيق يتبين أن حديث سليمان بن أبي كريمة يزيد حديث الحجاج بن أرطاة ضعفًا على ضعفه، وفوق ذلك اضطراب المتن كما هو ظاهر من لفظ الحديث، فحديث الحجاج بن أرطاة فيه: أن عائشة رضي الله عنها تبعته إلى البقيع، وحديث سليمان بن أبي كريمة فيه: أنها رأته وهو ساجد وليس فيه ذكر البقيع، ومثل هذا يعد اضطرابًا في المتن.
3- حديث النضر بن كثير عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عروة عن عائشة: أورده الإمام الذهبي في "الميزان" (4-262-9081) من منكرات النضر بن كثير بهذا الطريق عن عائشة قالت: لما كانت ليلة النصف من شعبان انسلَّ النبي صلى الله عليه وسلم من مرْطِي فخشيت أن يكون أتى بعض نسائه، فقمت ألتمسه فيقع قدمي على قدمه وهو ساجد... الحديث.
قلت: والحديث أخرجه البيهقي في "فضائل الأوقات" (ح26) من هذا الطريق بلفظ حديث سليمان بن أبي كريمة، وزاد فيه: هل تدرين ما في هذه الليلة؟ قالت: ما فيها يا رسول الله؟ فقال: "فيها يكتب كل مولود من بني آدم في هذه السنة، وفيها أن يكتب كل هالك من بني آدم في هذه السنة، وفيها ترفع أعمالهم، وفيها تنزل أرزاقهم"، فقالت: يا رسول الله، ما أحد يدخل الجنة إلا برحمة الله؟ فقال: "ما من أحد يدخل الجنة إلا برحمة الله". قلت: ولا أنت يا رسول الله؟ فوضع يده على هامته، فقال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله منه برحمة" يكررها ثلاثًا.
التحقيق
قلت: حديث النضر بن كثير الذي جاءت به القصة حديث لا يصح. قال(1/23)
ابن حبان في "المجروحين" (3-49): "النضر بن كثير كان ممن يروي الموضوعات عن الثقات على قلة روايته، حتى إذا سمعها مَنِ الحديثُ صِنَاعَتُه شهد أنها موضوعة لا يجوز الاحتجاج به بحال". اه.
قلت: وقال أبو حاتم: "فيه نظر"، وقال البخاري: "عنده مناكير"، كذا في "الميزان" (4-262)، وبهذا يتبين أن حديث النضر بن كثير يزيد القصة وهنًا على وهن ولا يصلح للمتابعات.
الطريق الثاني: أنس بن مالك عن عائشة رضي الله عنها:
من حديث سعيد بن عبد الكريم عن أبي النعمان السعدي، عن أبي رجاء العطادري عن أنس رضي الله عنه عن عائشة رضي الله عنها: أخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2-558) (ح918) عن أنس بن مالك قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى عائشة، فقلت لها: أسرعي، فإني تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث بحديث ليلة النصف من شعبان، فقالت: يا أنيس، اجلس حتى أحدثك عن ليلة النصف من شعبان، كانت ليلتي، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخل معي في اللحاف، قالت: فانتهيت من الليل فلم أجده، فطفت في حجرات نسائه فلم أجده، قالت: قلت: ذهب إلى جاريته مارية القبطية، قالت: فخرجت فمررت في المسجد فوقعت رجلي عليه وهو ساجد وهو يقول: سجد لك خيالي وسوادي وآمن بك فؤادي... الحديث.
التحقيق
قال ابن الجوزي: "وهذا الطريق لا يصح، قال أبو الفتح الأزدي: سعيد بن عبد الكريم متروك".
وأقره الإمام الذهبي في "الميزان" (2-149-3232)، وأورد هذا الحديث الذي جاءت به القصة من مناكيره.
قلت: بهذا يتبين أن هذا الطريق يزيد القصة أيضًا وهنًا على وهن.
وفي هذا الحديث الواهي جاءت زيادة في هذه القصة الواهية، وفي هذه الزيادة يزعمون أن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، وما بال شعر غنم كلب؟ قال: "لم يكن في العرب قبيلة قوم أكثر غنمًا منهم، لا أقول فيهم ستة نفر: مدمن خمر، وعاق لوالديه، ولا مصر على الزنى، ولا مصادم، ولا مصور ولا قتات". اه.
الطريق الثالث
حديث العلاء بن الحارث: أخرج البيهقي في "الشعب"(1/24)
(3-382) (ح3835) قال: أخبرنا أبو نصر بن قتادة، أنا أبو منصور محمد بن أحمد الهروي، نا الحسين بن إدريس، نا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب، نا عمي نا معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث أن عائشة قالت: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل يصلي فأطال السجود حتى ظننت أنه قد قبض، فلما رأيت ذلك قمت حتى حركت إبهامه فتحرك، فرجعت، فلما رفع رأسه من السجود وفرغ من صلاته قال: "يا عائشة، أو يا حميراء، أظننت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حاف بك". قلت: لا والله يا رسول الله، ولكني ظننت أنك قبضت لطول سجودك. فقال: "أتدرين أي ليلة هذه؟" قلت: الله ورسوله أعلم قال: "هذه ليلة النصف من شعبان، إن الله عز وجل يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر للمستغفرين، ويرحم المسترحمين، ويؤخر أهل الحقد كما هم".
التحقيق
القصة من هذا الطريق واهية أيضًا، وإلى القارئ الكريم التحقيق:
1- العلاء بن الحارث بن عبد الوارث: أورده الحافظ في "التقريب" (2-91): "قد اختلط من الخامسة، مات سنة ست وثلاثين وهو ابن سبعين سنة". وكذا في "التهذيب" (8-158) ناقلاً عن ابن سعد وغير واحد أنه مات سنة ست وثلاثين ومائة، زاد بعضهم: وهو ابن سبعين سنة.
قلت: قد يتوهم من لا دراية له بهذا الفن أن "التقريب" اختلف عن "التهذيب" في تحديد سنة الوفاة للعلاء، ولكن هيهات، فالتقريب يذكر سنة الوفاة مع الطبقة، ووضع قاعدة، قال فيها الحافظ ابن حجر في "مقدمة التقريب": "وذكرت وفاة من عرفت سنة وفاته منهم، فإن كان من الأولى والثانية فهم قبل المائة، وإن كان من الثالثة إلى آخر الثامنة فهم بعد المائة، وإن كان من التاسعة إلى آخر الطبقات فهم بعد المائتين، ومن ندر عن ذلك بنيته".
قلت: فقول الحافظ ابن حجر: "من الخامسة، مات سنة ست وثلاثين"، يعني: بعد المائة. وبما أنه مات وهو ابن سبعين سنة، إذن فسنة ميلاده هي سنة ست وستين.
2- عائشة بنت أبي بكر الصديق، أم المؤمنين:
قال الحافظ ابن حجر في "التقريب"(1/25)
(2-606): "أفقه النساء مطلقًا، ماتت سنة سبع وخمسين على الصحيح". اه.
قلت: بمقارنة التاريخ للعلاء بن الحارث الذي روى عن أم المؤمنين عائشة: يتبين أن العلاء بن الحارث ولد بعد وفاة أم المؤمنين عائشة بعدة سنوات، فكيف يروي عنها؟!
ولذلك قال النووي في "التقريب" النوع (60) "التواريخ والوفيات: هو فن مهم، به يعرف اتصال الحديث وانقطاعه، وقد ادعى قوم الرواية عن قوم، فنظر في التاريخ فظهر أنهم زعموا الرواية عنهم بعد وفاتهم بسنين".
ولذلك نقل السيوطي في "التدريب" (2-350) قول سفيان الثوري: "لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ".
قلت: والعلاء اختلط وتغير عقله كما في "التهذيب" (8-158)، و"الميزان" (3-98).
3- وفي السند أيضًا: "عن العلاء بن الحارث أن عائشة قالت:...".
قلت: فالحديث من نوع "المؤنن"، والمؤنن اصطلاحًا: هو قول الراوي: حدثنا فلان أن فلانًا قال: ومن شروط قبول المؤنن: اللقاء، وبهذا يتبين أن الحديث الذي جاءت به القصة مردود منقطع.
4- وفي السند أيضًا: أبو عبيد الله بن أخي ابن وهب عن عمه:
قال ابن حبان في "المجروحين" (1-149): "أحمد بن عبد الرحمن بن وهب: أبو عبيد الله بن أخي ابن وهب من أهل مصر، يروي عن عمه حدثنا عنه شيوخنا ابن خزيمة وغيره، وكان يحدث بالأشياء المستقيمة قديمًا حيث كتب عنه ابن خزيمة وذووه، ثم جعل يأتي عن عمه بما لا أصل له، كأن الأرض أخرجت له أفلاذ كبدها".
قلت: وبهذا يتبين أن هذا الطريق يزيد القصة أيضًا وهنًا على وهن.
الطريق الرابع
حديث سعد بن مالك أبو سعد الخدري رضي الله عنه عن عائشة رضي الله عنها:
أخرجه البيهقي في "الشعب" (3-383) (ح3837) قال: "أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ومحمد بن موسى قالا: نا أبو العباس محمد بن يعقوب نا محمد بن عيسى بن حبان المدائني نا سلام بن سليمان أنا سلام الطويل عن وهيب المكي عن أبي رهم أن أبا سعيد الخدري دخل على عائشة، فقالت له عائشة: يا أبا سعيد،(1/26)
حدثني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدثك بما رأيته يصنع، قال أبو سعيد: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى صلاة الصبح قال: "اللهم املأ سمعي نورًا وبصري نورًا ومن بين يدي نورًا، ومن خلفي نورًا، وعن يميني نورًا، وعن شمالي نورًا، ومن فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا، وعظم لي النور برحمتك". وفي رواية محمد: "وأعظم لي نورًا". قالت عائشة: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع عنه ثوبيه ثم لم يستتم أن قام فلبسهما فأخذتني غيرة شديدة فظننت أنه يأتي بعض صويحباتي فخرجت اتبعه..." الحديث.
التحقيق
هذه القصة بهذا الطريق واهية أيضًا، وعلتها: سلام الطويل.
قال الذهبي في "الميزان" (2-175-3343): "سلام بن سلم (ق) ويقال ابن سليم التميمي السعدي الخراساني ثم المدائني الطويل. روى عن: زيد العمي، ومنصور بن زاذان، وحميد، والبصريين، قال البخاري: سلام بن سلم السعدي الطويل عن يزيد العمي: تركوه.
وقال أحمد بن مريم: سألت ابن معين عن سلام بن سلم التميمي فقال: ضعيف، لا يكتب حديثه. وروى ابن الدورقي عن يحيى: سلام الطويل ليس بشيء. وروى عباس عن يحيى: سلام بن سلم التميمي ليس بشيء. وقال أحمد: سلام بن سلم الطويل منكر الحديث. وقال النسائي: سلام بن سلم متروك)). اه.
قال البخاري في "الضعفاء الصغير" (152): "سلام الطويل: تركوه".
وقال النسائي في "الضعفاء والمتروكين" (237): "متروك الحديث".
قلت: قال الحافظ ابن حجر في "شرح النخبة" (ص69): "مذهب النسائي أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه".
قلت: وقال ابن حبان في "المجروحين" (1-135): "سلام الطويل يروي عن الثقات الموضوعات كأنه كان المعتمد لها".
قلت: وعلة أخرى: سلام بن سليمان بن سوّار المدائني.
أورده المزي في "تهذيب الكمال" (8-226-2639)، وبيّن أنه روي عن: سلام الطويل، وروى عنه: عيسى بن حبان المدائني.
ونقل الذهبي في "الميزان" (2-178-3346) قول ابن عدي: منكر الحديث، وقول العقيلي: في حديثه(1/27)
مناكير.
قلت: كذلك قال العقيلي في "الضعفاء الكبير" (2-161-668).
قلت: وبهذا يتبين أن هذا الطريق يزيد القصة وهنًا على وهن.
الطريق الخامس
حديث عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة:
أخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2-559) (ح919) قال: أنبأنا الحريري قال: أنبأ العشارى قال: نا الدارقطني، قال: نا عبدالله بن سليمان، قال: نا إسحاق بن إبراهيم، قال: نا سعيد بن الصلت عن عطاء بن عجلان عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة قالت: "استيقظت ليلة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس في البيت، فأخذني ما تقدم وما تأخر، فخرجت أطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فظننت أنما خرج إلى بعض ما ظننت، فبينما أنا كذلك إذا برسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقبل، فكرهت أن يراني، فرجعت إلى البيت وأنا أسعى، فانتهى إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد علا نفسي، فقال: مالك؟ فكرهت أن أخبره بالذي كان مني حتى أقسم عليّ، فحدثته، فقال: كلا والله، هذه ليلة يعتق الله فيها من النار أكثر من عدد شعر غنم كلب، ويطلع الله فيها إلى أهل الأرض فيغفر فيها لمن يشاء إلا أنه لا يغفر لمشرك ولا لمشاحن، وتلك ليلة النصف من شعبان".
التحقيق
قال ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2-559) (ح919): "تفرد به عطاء بن عجلان، قال يحيى: ليس بشيء كذاب كان يوضع له الحديث فيحدث به، وقال الرازي: متروك الحديث، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات، لا يحل كتب حديثه إلا على جهة الاعتبار".
قلت: هذه هي جميع طرق القصة تزيد القصة وهنًا على وهن.
لذلك قال الإمام ابن الصلاح في "علوم الحديث" (ص107): "لعل الباحث الفَهِم يقول: إنا نجد أحاديث محكومًا بضعفها مع كونها قد رُويت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة.
وجواب ذلك أن ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل يتفاوت. ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف، وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته، وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهمًا بالكذب أو كون الحديث شاذًا. وهذه جملة؛ تفاصيلها(1/28)
تدرك بالمباشرة والبحث، فاعلم ذلك فإنه من النفائس العزيزة، والله أعلم". اه.
1- البديل الصحيح لهذه القصة
قلت: إن البديل الصحيح لهذه القصة لم يذكر فيه ليلة النصف من شعبان؛ فقد أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" (ح974) كتاب "الجنائز" (ح103) باب: "خروجه صلى الله عليه وسلم ليلاً إلى أحد المقابر والدعاء لأهلها" حيث قال: "حدثني هارون بن سعيد الأيلي، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرنا ابن جريج عن عبد الله بن كثير بن المطلب أنه سمع محمد بن قيس يقول: سمعت عائشة تحدث فقالت: ألا أحدثكم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعني، قلنا: بلى ح وحدثني من سمع حجامًا الأعور واللفظ له قال: حدثنا حجاج بن محمد، حدثنا ابن جريج، أخبرني عبد الله رجل من قريش عن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب أنه قال يومًا: ألا أحدثكم عني وعن أمي. قال: فظننا أنه يريد أمه التي ولدته. قال: قالت عائشة: ألا أحدثكم عني وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قلنا: بلى. قالت: لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها عندي، انقلب فوضع رداءه وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع فلم يلبث إلا ريثما ظن أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدًا، وانتقل رويدًا، وفتح الباب، وخرج ثم أجافه رويدًا، فجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري، ثم انطلقت على إثره حتى جاء البقيع فقام فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف فانحرفت، فأسرع فأسرعت، فهرول فهرولت، فأحضرت فسبقته فدخلت، فليس إلا أن اضطجعت، فدخل فقال: ما لك عائشة، حشيا رابية. قالت: قلت: لا شيء، قال: لتخبرني، أو ليخبرني اللطيف الخبير. قالت: قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، فأخبرته، قال: فأنت السواد الذي رأيت أمامي. قلت: نعم، فلهدني في صدري لهدة أوجعتني، ثم قال: أظننتِ أن يحيف الله عليك ورسوله، قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله، نعم. قال: فإن جبريل أتاني حين رأيت فناداني، فأخفاه منك فأجبته فأخفيته منك ولم يكن يدخل عليكِ وقد وضعت ثيابك وظننت أن(1/29)
قد رقدت، فكرهت أن أوقظك وخشيت أن تستوحشي، فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم. قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون".
والحديث أخرجه كذلك النسائي (4-91) كتاب: الجنائز، باب الأمر بالاستغفار للمؤمنين، وأحمد (6-221) (ح25897).
2- بديل صحيح آخر في دعائه { في السجود ولم يقيد بليلة النصف من شعبان
أخرج مسلم (ح486) من حديث أبي هريرة عن عائشة قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش، فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان، وهو يقول: "اللهم أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك".
3- بديل صحيح آخر في صفة النزول لله تبارك وتعالى
صفة النزول لله تبارك وتعالى لم تقيد بليلة النصف من شعبان، كما في القصة الواهية، بل هي مطلقة في كل الليالي كما ثبت في صحيح السنة.
فقد أخرج البخاري في كتاب "التهجد" (19) باب: "الدعاء والصلاة في آخر الليل" (14)، ومسلم (ح758) كتاب: "صلاة المسافرين" (ح168) باب: "الترغيب في الدعاء والذكر آخر الليل" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له".
قلت: هذا ما وفقني الله إليه، وهو وحده من وراء القصد.
هامش
(1) يعني محمد بن إسماعيل البخاري.
انتهى(1/30)
1-9-2002 العدد9:
تحذيرالداعية من القصص الواهية
الحلقة السادسة والعشرون
قصة
الراوي الذي صام سنة
ليتحمل قصة الحديث الذي جمع فأوعى
هذه القصة التي اشتهرت بين الناس، وانتشرت انتشارًا واسعًا، نتيجة طبع هذه القصة في أنحاء البلاد، وتوزيعها على الناس، بأعداد كثيرة، وصور مختلفة.
وفي هذه القصة يأتي أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويسأله أربعة وعشرين سؤالا، هذا بالنسبة للمتن.
وبالبحث عن القصة التي جاء بها هذا المتن، وجدنا أن للسند أيضًا قصة عجيبة وغريبة سنبينها للقارئ الكريم عند تحقيق هذه القصة.
والتي يقولون فيها:
إن خالد بن الوليد رضي الله عنه قال:
جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله جئت أسألك عما يغنيني في الدنيا والآخرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "سل عما بدالك".
قال: أريد أن أكون أعلم الناس.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اتق الله تكن أعلم الناس".
قال: أريد أن أكون أغنى الناس.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كن قانعًا تكن أغنى الناس".
قال: أحب أن أكون أعدل الناس.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أحب للناس ما تحب لنفسك تكن أعدل الناس".
قال: أحب أن أكون خير الناس.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كن نافعًا للناس تكن خير الناس".
قال: أحب أن أكون أخص الناس إلى الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أكثر ذكر الله تكن أخص الناس إلى الله".
قال: أحب أن يكمل إيماني.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "حسن خلقك يكمل إيمانك".
قال: أحب أن أكون من المحسنين.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اعبد الله كأنك تراه وإن لم تكن تراه فإنه يراك تكن من المحسنين.
قال: أحب أن أكون من المطيعين.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أدِّ فرائض الله تكن من المطيعين".
قال: أحب أن ألقى الله نقيًا من الذنوب.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اغتسل من الجنابة متطهرًا تلق الله نقيًا من الذنوب".
قال: أحب أن أحشر يوم القيامة في النور.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تظلم أحدًا تحشر يوم القيامة في النور".
قال: أحب أن يرحمني ربي يوم القيامة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ارحم نفسك وارحم عباده يرحمك ربك يوم(1/31)
القيامة".
قال: أحب أن تَقِل ذنوبي.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أكثر من الاستغفار تقل ذنوبك".
قال: أحب أن أكون أكرم الناس.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تشكُ من أمرك شيئًا إلى الخلق تكن أكرم الناس".
قال: أحب أن أكون أقوى الناس.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "توكل على الله تكن أقوى الناس".
قال: أحب أن يوسع الله عليّ في الرزق.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "دم على الطهارة يوسع الله عليك في الرزق".
قال: أحب أن أكون من أحباب الله ورسوله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أحب ما أحبه الله ورسوله تكن من أحبابهما".
قال: أحب أن أكون آمنًا من سخط الله يوم القيامة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : : "لا تغضب على أحد من خلق الله تكن آمنًا من سخط الله يوم القيامة".
قال: أحب أن تستجاب دعوتي.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اجتنب أكل الحرام تستجب دعوتك".
قال: أحب أن يسترني ربي يوم القيامة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "استر عيوب إخوانك يسترك الله يوم القيامة".
قال: ما الذي ينجي من الذنوب؟ أو قال: من الخطايا؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الدموع والخضوع والأمراض".
وقال: أي حسنة أعظم عند الله تعالى؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "حسن الخلق والتواضع والصبر على البلاء".
وقال: أي سيئة أعظم عند الله تعالى؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "سوء الخلق والشح المطاع".
قال: ما الذي يسكن غضب الرب في الدنيا والآخرة؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الصدقة الخفية وصلة الرحم".
قال: ما الذي يطفئ نار جهنم يوم القيامة؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الصبر في الدنيا على البلاء والمصائب".
ثم يذكرون في نهاية هذه الأسئلة:
أن الإمام المستغفري قال: "ما رأيت حديثًا أعظم وأشمل لمحاسن الدين وأنفع من هذا الحديث. جمع فأوعى".
ثم يذكرون تخريج هذه القصة فيقولون: "رواه الإمام أحمد بن حنبل".
أولا: التخريج وقصة أخرى بالسند
بالبحث في مصنفات الإمام أحمد رحمه الله تعالى لم أجد الحديث الذي جاءت به هذه القصة ذات الأربعة والعشرين سؤالا، وإن تعجب فعجب قولهم: "رواه الإمام أحمد" تلك(1/32)
العبارة التي يختمون بها هذه القصة، وهذا افتراء على الإمام رحمه الله تعالى.
وبالبحث وجدنا أن هذه القصة بهذه الأسئلة العديدة أوردها الإمام على بن حسان الدين عبد الملك بن قاضي خان الشهير بالمتقي الهندي البرهان فوري المتوفي سنة خمس وسبعين وتسعمائة في كتابه "كنز العمال" (127/16،129) ح (44154): مع قصة السند.
قال الشيخ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى:
وجدت بخط الشيخ شمس الدين بن القماح في مجموع له عن أبي العباس المستغفري قال قصدت مصر أريد طلب العلم من الإمام أبي حامد المصري والتمست منه حديث خالد بن الوليد، فأمرني بصوم سنة (!)، ثم عاودته في ذلك، فأخبرني بإسناده عن مشايخه إلى خالد بن الوليد قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني سائلك عمَّا في الدنيا والآخرة، فقال له سل عما بدا لك، قال يا نبي الله أحب أن أكون أعلم الناس..." الحديث.
ثانيا "التحقيق"
هذه القصة واهية والحديث الذي جاءت به منكر جدًا وهو مرويّ وجادة وسنبين للقارئ الكريم معنى هذا المصطلح "الوِجادة".
فهو طريقة من طرق تحمل الحديث ومجامعها ثمانية أقسام، قال الإمام النووي في "التقريب" (60/2 تدريب):
"القسم الثامن: الوِجادَةُ، وهي مصدر لِوَجَدَ مُوَلَّدٌ غير مسموع من العرب وهي أن يقف على أحاديث بخط راويها لا يرويها الواحد عنه بسماع ولا إجازة فله أن يقول: وجدت أو قرأت بخط فلان أو في كتابه بخطه حدثنا فلان ويسوق الإسناد والمتن، أو قرأت بخط فلان عن فلان، هذا الذي استمر عليه العمل قديما وحديثا وهو من باب المنقطع" أه.
قلت:
1 من هذا يتبين أن الرواية بالوِجادة حكمها: أنها من باب المنقطع.
2 السند الذي رواه السيوطي وجادة من ابن القماح إلى خالد بن الوليد يدل على أنه سند تالف.
3 قوله وجدت بخط ابن القماح عن الحافظ المستغفري يدل على أن الحديث مردود بالسقط في الإسناد وهو سقط ليس بالهين لوجود إعضال بين ابن القماح هذا والحافظ المستغفري المتوفي سنة(1/33)
اثنتين وثلاثين وأربعمائة.
والمعضل اصطلاحا: "ما سقط من إسناده اثنان أو أكثر على التوالي".
4 وأبو حامد المصري مجهول.
5 رحلة الإمام المستغفري إلى مصر لطلب العلم من أبي حامد المصري وأنه التمس هذا الحديث من أبي حامد المصري فأمره بصوم سنة فلينظر القارئ الكريم إلى هذه البدعة "طلب حديث بصوم سنة".
6 وإن تعجب فعجب قول المستغفري التمست من أبي حامد حديث خالد بن الوليد فأمرني بصوم سنة ثم عاودته في ذلك فأخبرني بإسناده من مشايخه إلى خالد بن الوليد.
من هذا يتبين أن سائر الإسناد مجهول فلا يعرف أبو حامد المصري هذا ولا من هم رجاله إلى خالد بن الوليد.
7 لذلك قال الإمام الكتاني في "الرسالة المستطرقة" ص (39)!
أبو العباس جعفر بن محمد بن المعتز بن محمد بن المستغفر (المستغفري) نسبة إلى المستغفر وهو جده المذكور يروي الموضوعات من غير تبيين.
8 قلت: وهذا الحديث ظاهرة عليه علامات الوضع في السند من قصة مكذوبة منكرة وفي المتن الملفق من أحاديث كثيرة فيها الثابت والواهي.
9 قولهم في نهاية الحديث رواه الإمام أحمد عن خالد بن الوليد.
أ وهذا افتراء على الإمام أحمد رحمه الله وانظر مسند أحمد (88/4) لم يوجد به على سعته إلا ثلاثة أحاديث لخالد بن الوليد ح (16858)، (16859)، (16860) الأول والثاني حول حكم أكل لحم الضب والثالث "من عادى عمارا...".
ب ويظهر هذا الافتراء أيضا من البحث في الكتب الستة في مسند خالد بن الوليد الذي أورده الإمام المزي في "تحفة الأشراف" (111/3) رقم (123) حيث لم يوجد في الكتب الستة من سند خالد إلا سبعة أحاديث ح (3504)، (3505)، (3056)، (3507)، (3508)، (3509)، (3510) ولم يوجد بها هذا الحديث المنكر بما يحمله من قصص منكرة.
ج وكذلك بالبحث في مسند أبي يعلى من حديث خالد بن الوليد (138/13 149) فلم نجد إلا عشرة أحاديث من ح (7183) حتى (7192) ولا يوجد بها هذا الحديث.
د وكذلك بالبحث في معجم "الطبراني الكبير"(1/34)
من حديث خالد بن الوليد (103/4 115) فوجدنا به ثلاثة وأربعين حديثا من ح (3798) حتى ح (3840) ولا يوجد بها هذا الحديث.
ه ثم تتبعنا باقي السنن والمسانيد فلم نجد قصة الأعرابي الذي جاء يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم أربعة وعشرين سؤالا، ولا قصة طلب حديث بصوم سنة.
10 بهذا يتبيَّن أن هذا الحديث بما فيه من قصة سنده، وبما فيه من قصة الأعرابي الذي يسأل والرسول صلى الله عليه وسلم يجيب، لا يصح.
والحديث مكذوب مختلق ليس هو في شيء من كتب السنة المعتمدة لا الصحيحين ولا السنن ولا المسانيد، ومن علم أنه كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يحل له أن يرويه عنه أو يكتبه.
11 وعليه فإن الذين يقومون بطبع هذا الحديث وتصويره وتوزيعه على الغافلين الذين لا دراية لهم بالحديث ويصدقون كل أحد قد بيَّنا لهم حقيقة هذا الحديث لعلهم عن طبعه وتصويره يرجعون، حيث أنهم كانوا يظنون أنهم بفعلهم هذا إلى الله يتقربون فهم فيما مضى معذورون، والآن بعد إقامة الحجة عليهم ببطلان الحديث. ليس أمامهم إلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث رقم (109) في "صحيح البخاري" من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من يقل عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار".
12 فالذي كذبه واختلقه جمعه من أحاديث بعضها كذب وبعضها ملفق المعنى والحديث في مجموعه حديث منكر جدا كما بيَّنا.
"بدعة صيام سنة لطلب حديث"
قول الإمام المستغفري: "قصدت مصر أريد العلم من الإمام أبي حامد المصري والتمست منه حديث خالد بن الوليد فأمرني بصوم سنة...".
وإن تعجب فعجب كيف يطلب المستغفري الحديث من رجل فيأمره هذا الرجل أن يفعل ما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم :
1 فقد ثبت في "صحيح البخاري" ح (1969) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت:
"ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان".
2 وثبت في "صحيح البخاري" ح (5063) ومسلم ح (1401) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "جاء ثلاثة رهط إلى بيوت(1/35)
أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أُخبروا بها كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فأنا أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأنقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني" أه.
قال الحافظ في "الفتح" (719):
"قوله (فمن رغب عن سنتي فليس مني): المراد بالسنة الطريقة، والرغبة عن الشيء: الإعراض عنه إلى غيره". أه.
بديل صحيح لصيام الدهر
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كله".
الحديث "صحيح" أخرجه مسلم ح (1162) من حديث أبي قتادة الأنصاري.
"بدائل صحيحة لما جاء في القصة من أسئلة"
1 من الواهيات بالقصة:
قال أحب أن أحشر يوم القيامة في النور.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تظلم أحدا تحشر يوم القيامة في النور"
البديل الصحيح:
"اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة..."
الحديث "صحيح" أخرجه أحمد ومسلم من حديث جابر.
2 من الواهيات بالقصة:
قال أحب أن يرحمني ربي يوم القيامة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ارحم نفسك وارحم عباده يرحمك ربك يوم القيامة".
البديل الصحيح:
"الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى: ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".
الحديث "صحيح" أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو وقال الترمذي (285/4) شاكر): "هذا حديث حسن صحيح".
3 من الواهيات بالقصة:
قال: أحب أن أكون من المحسنين.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اعبد الله كأنك تراه وإن لم تكن تراه فإنه يراك تكن من المحسنين".
البديل الصحيح:
سؤال جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أخبرني عن الإحسان؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم : "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
الحديث "صحيح"(1/36)
أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" ح(1)
4 من الواهيات بالقصة:
قال أحب أن يسترني ربي يوم القيامة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "استر عيوب إخوانك يسترك الله يوم القيامة".
البديل الصحيح:
"المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلمُه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة".
الحديث (صحيح) أخرجه البخاري ح (2442)، ح (6951) واللفظ له ومسلم ح (2580).
5 من الواهيات بالقصة:
قال أحب أن يكمل إيماني.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "حسن خلقك يكمل إيمانك".
البديل الصحيح:
"أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا".
الحديث: أخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان والحاكم من حديث أبي هريرة.
وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.
قلت: محمد بن عمرو لم يرو له مسلم احتجاجا ولكن روى له متابعة فالحديث حسن فقط قال الذهبي في "الميزان" (8015/673/3) محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني شيخ مشهور حسن الحديث مكثر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قد أخرج له الشيخان متابعة" إه قلت وللحديث متابعة أخرجها ابن حبان (1311) ومتابعة أخرى عند أحمد (527/2) والحاكم (3/1) ويرتقى بهذه المتابعات إلى درجة الصحيح لغيره.
انظر تحقيقنا لحديث محمد بن عمرو في كتابنا "علم مصطلح الحديث التطبيقي" (ص257) وبحثنا في المتابعات والشواهد حتى ص (262، 263، 264).
هذا ما وفقني الله إليه وهو حده من وراء القصد.
انتهى(1/37)
1-10-2002 العدد 10:
قصة موت الصحابي عمرو بن العاص رضي الله
الحلقة السابعة والعشرون
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة الخطباء والوعاظ والقصاص وكثير من الكتاب الذين يكتبون عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومما زاد القصة اشتهارًا وانتشارًا أن أحد الخطباء أوردها في كتاب "أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ".
أولاً: متن القصة:
قال عمرو بن العاص: عجبًا لمن نزل به الموت وعقله معه، كيف لا يصفه؟ فلما نزل به الموت، قال له ابنه عبد الله بن عمرو: يا أبتِ، إنك كنت تقول: عجبًا لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه فصف لنا الموت وعقلك معك، فقال: يا بني، الموت أجلّ من أن يوصف، ولكني سأصف لك منه شيئًا؛ أجدني كأن على عنقي جبال رضْوَى وأجدني كأن في جوفي شوك السُّلاءِ، وأجدني كأن نفسي يخرج من ثقب إبرةٍ. اه.
ثانيًا: أسباب البحث في هذه القصة:
1- المقارنة بين أحوال الناس عند احتضارهم وبين حالة الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه عند احتضاره.
قال تعالى في كتابه العزيز في ختام سورة الواقعة: فأما إن كان من المقربين (88) فروح وريحان وجنة نعيم (89) وأما إن كان من أصحاب اليمين (90) فسلام لك من أصحاب اليمين (91) وأما إن كان من المكذبين الضالين (92) فنزل من حميم (93) وتصلية جحيم (94) إن هذا لهو حق اليقين (95) فسبح باسم ربك العظيم.
2- قال الإمام الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (4-300): هذه الأحوال الثلاثة هي أحوال الناس عند احتضارهم:
أ- إما أن يكون من المقربين.
ب- أو يكون ممن دونهم من أصحاب اليمين.
ج- وإما أن يكون من المكذبين بالحق، الضالين عن الهدى، الجاهلين بأمر الله، ولهذا قال تعالى: فأما إن كان أي: المحتضر من المقربين وهم الذين فعلوا الواجبات والمستحبات وتركوا المحرمات وبعض المباحات فروح وريحان وجنة نعيم أي: فلهم روح وريحان وتبشرهم الملائكة بذلك عند الموت- كما تقدم في حديث البراء. اه.
3- قلت:(1/38)
وحديث البراء بين حالة العبد المؤمن عند الاحتضار، وحالة العبد الكافر أو الفاجر عند الاحتضار.
أ- حالة العبد المؤمن عند الاحتضار "حالة المقربين وأصحاب اليمين".
قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة. (وفي رواية: المطمئنة) اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط فذلك قوله تعالى: توفته رسلنا وهم لا يفرطون {الأنعام: 61} ". اه.
ب- حالة العبد الكافر أو الفاجر عند الاحتضار.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : "وإن العبد الكافر (وفي رواية: الفاجر) إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة {غلاظ شداد}، سود الوجوه معهم المسوح {من النار} فيجعلون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده فينتزعها كما يتنزع السَّفود {الكثير الشعب} من الصوف المبلول {فتقطع معها العروق والعصب} فيأخذها فإذا أخذها لم يدعها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح". اه.
قلت: حديث البراء مرفوعًا أخرجه أحمد (4-287، 288، 295، 296) (ح18557)، (18636) والسياق له، وأخرجه الآجُرّي في "الشريعة" (2-190) (ح919)، وأخرجه أبو داود (ح4753، 4754)، والحديث صححه الإمام ابن القيم ونقل تصحيح أبي نعيم والحاكم له في "تهذيب السنن" (7-140)، وأخرجه الحاكم (1-37- 40)، وقال: "صحيح على شرط الشيخين".
4- بتطبيق القول المنسوب إلى الصحابي الجليل وهو يصف حالة(1/39)
احتضاره، حيث قال: "أجدني كأن في جوفي شوك السُّلاَّء". والسلاء: شوك النخل الواحدة سلاءة، نجده ينطبق تمام الانطباق على قوله صلى الله عليه وسلم : "فيتنزعها كما ينتزع السَّفود الكثير الشعب من الصوف المبلول". وهذه الحالة هي حالة العبد الكافر أو الفاجر.
5- قلت: كيف تكون هذه حالة الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه. وقد ثبت في مسند أحمد (2-354-327، 353)، والحاكم (3-452) من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ابنا العاص مؤمنان".
قلت: وله شاهد بالإيمان أخرجه أحمد والروياني في مسنده والترمذي من حديث عقبة بن عامر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أسلم الناس وآمن عمرو".
قلت: وأورد هذا الشاهد الألباني رحمه الله في "الصحيحة" (1-238) (ح155)، وحسنه وأورد حديث أبي هريرة (ح156) وصححه، ثم قال في "الصحيحة" (1-239): "وفي الحديث منقبة عظيمة لعمرو بن العاص رضي الله عنه؛ إذ شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مؤمن، فإن هذا يستلزم الشهادة له بالجنة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المشهور: "لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة" متفق عليه.
وعلى هذا فلا يجوز الطعن في عمرو رضي الله عنه كما يفعل بعض الكتاب المعاصرين، وغيرهم من المخالفين، بسبب ما وقع له من الخلاف. اه.
6- قلت: وعلى هذا فالصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مؤمن، والحالة التي جاءت في القصة هي حالة الكافر والفاجر والمنافق.
7- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (35-62):
أ- "ومعاوية وعمرو وأمثالهم من المؤمنين لم يتهمهم أحد من السلف بنفاق، بل قد ثبت في الصحيح أن عمرو بن العاص لما بايع النبي صلى الله عليه وسلم قال: "على أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي"، فقال صلى الله عليه وسلم : "يا عمرو، أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله". ومعلوم أن(1/40)
الإسلام الهادم هو إسلام المؤمنين لا إسلام المنافقين".
ب- "وأيضًا فعمرو بن العاص وأمثاله ممن قدم مهاجرًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد الحديبية هاجر إليه من بلاده طوعًا لا كرهًا والمهاجرون لم يكن فيهم نفاق، وإنما كان النفاق في بعض من دخل من الأنصار يظهرون الإسلام نفاقًا لعز الإسلام وظهوره في قومهم.
ج - وعمرو بن العاص قد أمَّره النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات السلاسل والنبي صلى الله عليه وسلم لم يول على المسلمين منافقًا. اه.
8- قال الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" (8-393) سنة ثلاث وأربعين:
أ- "وممن توفي فيها عمرو بن العاص على المشهور، وكان أحد أمراء المسلمين، وهو أمير ذات السلاسل وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدد عليهم أبو عبيدة ومعه الصديق وعمر الفارق، واستعمله رسول صلى الله عليه وسلم على عمان فلم يزل عليها مدة حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقره عليها الصديق".
ب- ثم إن الصديق بعثه في جملة من بعث من أمراء الجيش إلى الشام، فكان ممن شهد تلك الحروب وكانت له الآراء السديدة والمواقف الحميدة والأحوال السعيدة.
ج- ثم بعثه عمر إلى مصر فافتتحها واستنابه عليها.
الاستنتاج:
من هذا البحث يتبين:
1- أن الصحابي عمرو بن العاص من المؤمنين ولم يتهمه أحد من السلف بنفاق.
2- قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع فتاويه" (35-66): "وإذا كانوا مؤمنين محبين لله ورسوله فمن لعنهم فقد عصى الله ورسوله".
3- وتبين من الأدلة الثابتة المنقبة العظيمة لعمرو بن العاص رضي الله عنه؛ إذ شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مؤمن.
4- من هذا يتبين التناقض الشديد بين هذه المنقبة العظيمة، وبين ما نسب إليه في القصة وهو يصف حالة احتضاره تلك الحالة التي بينت السنة الثابتة أنها حالة الكافر أو الفاجر أو المنافق بل أشد، كما بيَّنا آنفًا.
ثالثًا التخريج
1- القصة أخرجها ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(1/41)
(4-448): "الصحابة الذين أسلموا قبل فتح مكة" رقم (443) حيث قال: أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن عوانة بن الحكم قال: عمرو بن العاص يقول: "عجبًا لمن نزل به الموت وعقله معه كيف لا يصفه". فذكر القصة.
رابعًا التحقيق
القصة واهية: والخبر الذي جاءت به القصة "موضوع" فهو كذب مختلق مصنوع وهو مسلسل بالعلل:
1- العلة الأولى: هشام بن محمد بن السائب الكلبي.
أ- قال الإمام الحافظ ابن حبان في "المجروحين" (3-91): "هشام بن محمد بن السائب أبو المنذر الكلبي من أهل الكوفة يروي عن العراقيين العجائب والأخبار التي لا أصول لها، وكان غاليًا في التشيع، أخباره في الأغلوطات أشهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفها". اه.
قلت: انظر كيف وصل به الغلو إلى أن يأتي بخبر لا أصل له يجعل حالة احتضار الصحابي عمرو بن العاص كحالة احتضار الكفار والفجار.
ب- قال الإمام الحافظ أبو جعفر العقيلي في "الضعفاء الكبير" (4-339-1945): "حدثنا عبدالله بن أحمد، قال: سمعت أبي يقول: هشام بن محمد بن السائب الكلبي مَن يحدث عنه؟ إنما هو صاحب سمر ونسب وما ظننت أن أحدًا يحدث عنه". اه.
ج- قال الإمام الحافظ ابن عدي في "الكامل" (7-110- 9-2026): سمعت ابن حماد يقول: حدثني عبد الله سمعت أبي يقول: هشام بن الكلبي فذكر ما أخرجه العقيلي.
د- أورده الدارقطني في كتابه "الضعفاء والمتروكين" برقم (563) مما يدل على أن هشام بن الكلبي اتفق الأئمة البرقاني، وابن حبان والدارقطني على تركه.
ه- أورده الذهبي في "الميزان" (4-304-9237): حيث أقر قول الإمام أحمد بن حنبل، ونقل عن الدارقطني وغيره: أنه متروك. وقال ابن عساكر: رافضي ليس بثقة.
و- وأقر الحافظ ابن حجر في "اللسان" (6-237- 81-8937) قول أحمد في هشام بن الكلبي: "ما ظننت أن أحدًا يحدث عنه". وقول الدارقطني وغيره: إنه متروك وقول ابن عساكر: "إنه رافضي، ليس بثقة".
الرافضة وأثرهم السيئ في الحديث
قلت: بهذا يتبين(1/42)
أسباب وضع هذه القصة من هذه العلة التي كشفت عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي، حيث تبين أنه كان غاليًا في التشيع، حتى قال ابن عساكر: إنه رافضي، فنجد الإمام ابن الجوزي في "الموضوعات" (1-38) وهو يبين دواعي الوضع وأصناف الوضاعين قال: "القسم الثالث: قوم كانوا يقصدون وضع الحديث نصرة لمذهبهم".
قلت: بيَّن ذلك السخاوي في "فتح المغيث" (1-300)، ثم ذكر الرافضة، ثم قال: "الرافضة فرق متنوعة من الشيعة وانتسبوا كذلك لأنهم بايعوا زيد بن علي، ثم قالوا له: تبرأ من الشيخين، فأبى، وقال: كانا وزيري جدي صلى الله عليه وسلم ، فتركوه ورفضوه". اه.
العلة الأخرى: عوانة بن الحكم
وهو عوانة بن الحكم بن عوانة بن عياض الإخباري الكوفي الذي نقل عنه هشام بن الكلبي هذه القصة.
أ- أورده ابن عراق في "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة" من بين أسماء الوضاعين والكذابين في الفصل الأول الذي ابتدأ به كتابه هذا مرتبًا على حروف المعجم تحت حرف العين المهملة رقم (370)، ثم قال: "عوانة بن الحكم قيل: كان عثمانيًّا وكان يضع الأخبار لبني أمية".
قلت: وقدّم لهذا الفصل في "تنزيه الشريعة" (1-17) فقال: "فصل في سرد أسماء الوضاعين والكذابين ومن كان يسرق الأحاديث ويقلب الأخبار ومن اتهم بالكذب والوضع من رواة الأخبار ملخصًا من الميزان والمغني وذيله للحافظ الذهبي ولسان الميزان للحافظ ابن حجر مع زوائد من موضوعات ابن الجوزي مرتبًا على حروف المعجم". اه.
قلت: بالرجوع إلى "لسان الميزان" (4-446- 2024-6375).
قال الحافظ ابن حجر: "عوانة بن الحكم كان أبوه عبدًا خياطًا وأمه أمة وهو كثير الرواية عن التابعين، قلّ أن روى حديثًا مسندًا، كان عثمانيًا فكان يضع الأخبار لبني أمية، مات سنة ثمان وخمسين ومائة". اه.
من هذا التحقيق يتبين أن سند هذا الخبر تالف.
علة ثالثة: وهي السقط في السند. تظهر من قول هشام بن الكلبي عن عوانة بن الحكم قال: "عمرو(1/43)
بن العاص يقول...".
قلت: فصيغة الأداء تدل على السقط في الإسناد، فلم يقل عوانة بن الحكم: "سمعت عَمْرًا"، وهي طريقة التحمل للسماع ولم يقل: "أخبرني" للقراءة ولم يقل: "أنبأني" للإجازة، وأنى له أن يشهد احتضار عمرو رضي الله عنه، بل وقد لا يدرك ذلك، حيث قال الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" (8-392): "ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين.. وممن توفي فيها عمرو بن العاص... على المشهور".
قلت: ثم انظر إلى قول الحافظ ابن حجر أن عوانة بن الحكم مات سنة ثمان وخمسين ومائة بفارق بين الوفاتين (115) سنة، فكيف يحدث عنه هذا الوضاع إلا إذا كان عمره أكبر من ذلك الفارق بكثير.
"وكانت وفاته ليلة عيد الفطر سنة ثلاث وأربعين للهجرة، فدفن بجوار المقطم".
انظر "تاريخ مصر" لابن عبد الحكم (ص310)، فأين عوانة الكوفي الوضاع وقد بَعُد الزمان والمكان فسقط الإسناد، فالخبر تالف، والمتن مصنوع، وهذا ما صنعته الفتنة في وضع الأخبار. وفي وسط هذه الفتن التي كقطع الليل المظلم ظهر علم الإسناد الذي محى الله به ظلمات الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصار خصيصة لهذه الأمة.
فقد أخرج مسلم في "مقدمة الصحيح" باب "بيان أن الإسناد من الدين" (1-8) حيث قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن الصباح، حدثنا إسماعيل بن زكريا عن عاصم الأحول عن ابن سيرين قال: "لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم". اه.
القصة الصحيحة في موت الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه
فقد ثبت في "صحيح مسلم" (ح192)- كتاب الإيمان- باب "الإسلام يهدم ما قبله وكذا الحج والهجرة" من حديث ابن شماسة المَهْري قال: "حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت، فبكى طويلاً وحول وجهه إلى الجدار فجعل ابنُه يقول: يا أبتاه، أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، أما بشرك رسول الله صلى الله عليه(1/44)
وسلم بكذا؟ قال: فأقبل بوجهه فقال: إن أفضل ما نُعِد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، إني قد كنت على أطباق ثلاثٍ: لقد رأيتني وما أحدٌ أشدّ بغضًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولا أحب إليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته فلو مُت على تلك الحال لكنت من أهل النار.
فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك، فبسط يمينه قال: فقبضت يدي، قال: "ما لك يا عمرو؟" قال: قلت: أردتُ أن أشترط. قال: "تشترط بماذا؟" قلت: أن يُغْفَر لي. قال: "أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله". وما كان أحد أحبّ إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجلَّ في عيني منه، وما كنت أُطيق أن أملأَ عيني منه إجلالاً له، ولو سُئلت أن أصفه ما أطَقْتُ لأني لم أكن أملأ عيني منه، ولو مُت على تلك الحال لرجوت أن أكون من أهل الجنة، ثم وَلِينَا أشياءَ ما أدري ما حالي فيها، فإذا أنا مُت فلا تَصْحَبْني نائحةٌ، ولا نارٌ، فإذا دفنتموني فشنوا عليَّ التراب شنًا، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تُنحر جزور ويُقسم لَحْمُها حتى أسْتَأْنِسَ بكم، وأنظر ماذا أراجع رسلَ ربي". اه.
قلت: هذا ما صح في قصة احتضار الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه والذي شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه مؤمن.
من هذا البحث يتبين افتراء الرافضة على الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه، ولقد بيَّنا من قبل الافتراء عليه أيضًا في "قصة ابن الأكرمين" سلسلة تحذير الداعية رقم {13}، ولا زال الافتراء عليه بالقصص الواهية التي هي من صناعة الرافضة، تلك القصص التي سنبين للقارئ في بحوث علمية بأنها كذب مختلق مصنوع، خاصة قصة التحكيم التي اشتهرت وانتشرت والتي هي من وضع الرافضة، وتصف الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه بالغدر والخداع، وإن تعجب فعجب أن هذه القصة تُدرس هذا(1/45)
العام في كتاب "الدراسات الاجتماعية" "معالم التاريخ الإسلامي" (ص89) المقرر على الصف الثاني الإعدادي في التعليم العام والمعاهد الأزهرية هذا العام (2002- 2003)، وذكرت فيه القصة ومن جملها الجملة الآتية: "إن عمرو بن العاص خدع الحاضرين وقال: أنا أخلع صاحبه كما خلعه وأثبت صاحبي معاوية فاحتج "أبو موسى" على هذا الغدر والمكيدة". اه.
وتحت هذه السلسلة: سلسلة "تحذير الداعية من القصص الواهية" سنقوم إن شاء الله بالرد، والله وحده من وراء القصد.
انتهى(1/46)
1-1-2003 العدد 11:
قصة بلال وشد الرحال إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم
"الحلقة الثامنة والعشرون"
في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم، حتي يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة الخطباء والوعاظ والقصاص حيث يتخذون منها دليلا على شد الرحال إلى القبور والتوسل بالموتى وتمريغ الوجه على قبورهم. ونحن لا نذكر أسماء هؤلاء الخطباء ولا الوعاظ ولا القصاص لأننا نقدم نموذجا صالحا للنقد العلمي النزيه القائم على البحث والالتزام بالقواعد العلمية الصحيحة الذي به نبين للناس حقيقة هذه القصة فالأشخاص زائلون والقصة تذكر كل حين.
أولا: متن القصة:
عن أبي الدرداء قال: لما دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه لفتح بيت المقدس وصار إلى الجابية سأله بلال أن يقره بالشام ففعل ذلك، فقال: وأخي أبو رويحة الذي آخى بيني وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل دارنا في خولان فأقبل هو وأخوه إلى قوم من خولان فقال لهم: قد أتيناكم خاطبين، وقد كنا كافرين فهدانا الله، ومملوكين فأعتقنا الله وفقيرين فأغنانا الله فإن تزوجونا فالحمد لله وإن تردونا فلا حول ولا قوة إلا بالله فزوجوهما.
ثم أن بلالا رأى في منامه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول له: "ما هذه الجفوة يا بلال أما آن لك أن تزورني يا بلال فانتبه حزينا وجلا خائفا فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يبكي عنده ويمرغ وجهه عليه، فأقبل الحسن والحسين فجعل يضمهما ويقبلهما، فقالا له: يا بلال نشتهي نسمع أذانك الذي كنت تؤذن به لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ففعل، فَعَلا سطح المسجد فوقف موقفه الذي كان يقف فيه، فلما أن قال: الله أكبر ارتجت المدينة فلما أن قال: أشهد أن لا إله إلا الله ازدادت رجتها، فلما أن قال أشهد أن محمدا رسول الله خرجت العواتق من خدورهن؛ وقالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رؤى يومٌ أكثر باكيا ولا باكية بالمدينة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك اليوم" إه.
ثانيا: التخريج:
أخرج هذه القصة الحافظ ابن عساكر في "تاريخ دمشق" في ترجمة بلال وأيضا في ترجمة:(1/47)
إبراهيم بن محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء الأنصاري بإسناده عنه قال: قال حدثني أبي محمد بن سليمان، عن أبيه سليمان بن بلال، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال: "فذكر قصة قدوم بلال إلى الشام في عهد عمر ثم قدومه لقبر النبي صلى الله عليه وسلم كذا في "الصارم المنكي" ص (228) لابن عبد الهادي رحمه الله.
ثالثا: التحقيق:
قلت: وهذا إسناد واه قال فيه الحافظ ابن عبد الهادي في "الصارم" ص (230) "هو أثر غريب منكر وإسناده مجهول وفيه انقطاع" أه.
قلت: وإلى القارئ الكريم البيان:
1 إبراهيم بن محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء:
قال الحافظ ابن عبد الهادي: "هذا شيخ لم يعرف بثقة وأمانة ولا ضبط وعدالة، بل هو مجهول غير معروف بالنقل ولا مشهور بالرواية ولم يرو عنه غير محمد بن الفيض روى عنه هذا الأثر المنكر" أه.
قلت: وأورده الذهبي في "الميزان" (64/1) ترجمه (205) وقال: "فيه جهالة حدث عنه محمد بن الفيض الغساني" أه.
قلت: وأورده الحافظ ابن حجر في "اللسان" (107/1) ترجمه (321) وقال: "إبراهيم بن محمد بن سليمان بن أبي الدرداء: فيه جهالة حدث عنه محمد بن الفيض الغساني".
قلت: وبذلك وافق الحافظ ابن حجر في "اللسان" الذهبي في "الميزان".
ثم قال الحافظ ابن حجر في "اللسان" (107/1): "ترجم له ابن عساكر، ثم ساق من روايته عن أبيه، عن جده عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، في قصة "رحيل بلال إلى الشام" وفي قصة "مجيئه إلى المدينة وأذانه بها، وارتجاج المدينة بالبكاء لأجل ذلك، وهي قصة بيِّنة الوضع" أه.
2 سليمان بن بلال: هو مجهول العين: ومجهول العين هو من ذكر اسمه ولكن لم يرو عنه إلا راو واحد، وحكم روايته عدم القبول إلا إذا وثق.
قلت: لكنه لم يوثقه أحد من أهل الجرح والتعديل حيث قال الحافظ ابن عبد الهادي في "الصارم" ص (232).
قلت: وقول الحافظ ابن حجر في "اللسان" (107/1): "هي قصة بينة الوضع" تؤيده القرائن التي في القصة.
رابعا: القرائن التي تبين(1/48)
أن القصة واهية:
القرينة الأولى:
قوله: "فأتى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يبكي عنده".
وهذا باطل لأن أصحابه صلي الله عليه وسلم دفنوه في حجرة عائشة رضي الله عنها التي كانت تجاور المسجد وكان حرص الصحابة شديدا على أن يظل قبره عليه الصلاة والسلام خارج المسجد في كل توسعة تمت بمسجده الشريف... حدث هذا في عصر عمر رضي الله عنه فلقد حرص حينما وسع المسجد في عام 17ه على أن تكون توسعة المسجد من جميع الجهات إلا من الجهة الشرقية التي يقع فيها قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وبيته فلم يمسها حتى لا يدخل القبر داخل المسجد الشريف.
ونفس هذا الحرص تم أيضا في عهد عثمان رضي الله عنه حينما وسع المسجد في عام 24ه وسنوضح هذا بالتفصيل في موضعه.
وهذه القصة المنكرة يدعي واضعها أنها حدثت لبلال في عهد عمر وكأن القبر ظاهر كسائر القبور يمكن لكل أحد أن يأتيه.
ألم يعلم أن القبر في عهد عمر كان في حجرة عائشة رضي الله عنها وبيتها الذي لا يجوز لأحد أن يدخله إلا بإذن منها؟.
وليرجع هؤلاء القصاص والوعاظ إلى ما أخرجه الحاكم في "المستدرك" (93/3): فقد ثبت أنه لما طعن عمر رضي الله عنه أمر ابنه عبد الله رضي الله عنه أن يذهب إلى عائشة رضي الله عنها ويقول لها:
"إن عمر يقول لك: إن كان لا يضرك ولا يضيق عليك فإني أحب أن أدفن مع صاحبيَّ فقالت: إن ذلك لا يضرني ولا يضيق عليَّ، قال: فادفنوني معهما" أه.
قلت: وبالبحث في "التواريخ والوفيات" بالنسبة للصحابي الجليل بلال بن رباح:
1 فقد ذكره الحافظ المزي في "تهذيب الكمال" (769/186/3) قال: "بلال بن رباح القرضي التيمي أبو عبد الله ويقال أبو عبد الرحمن ويقال أبو عبد الكريم ويقال أبو عمرو المؤذن مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وهو ابن حمامة وهي أمه وكانت مولاة لبعض بني جُمْع قديم الإسلام والهجرة شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكن دمشق قال البخاري مات بالشام: زمن عمر.
وقال أبو زُرْعَة الدمشقي: قبره(1/49)
بدمشق.
قال الذُّهلي عن يحىى بن بكير: مات بدمشق في طاعون عمواس سنة سبع عشرة أو ثماني عشرة.
وقال الواقدي وعمرو بن علي: مات بدمشق سنة عشرين وهو ابن بضع وستين سنة" أه.
قلت: لذلك قال الحافظ ابن حجر في "التقريب" (110/1):
"مات بالشام سنة سبع عشرة أو ثمان عشرة، وقيل سنة عشرين وله بضع وستون سنة" أه.
2 قلت: وهذه الأقوال في تاريخ وفاة بلال لا تخرج عن قول الإمام البخاري: "مات بالشام: زمن عمر".
3 تاريخ وفاة عمر رضي الله عنه:
قال الحافظ ابن حجر في "التقريب" (54/2):
عمر بن الخطاب بن نُفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قُرْط بن رزاح بن عدي بن كعب القرشي العدوي أمير المؤمنين مشهور جمّ المناقب استشهد في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وولى الخلافة عشر سنين ونصفا" أه.
قلت: نستنتج من ذلك أن وفاة عمر رضي الله عنه سنة ثلاث وعشرين وبالمقارنة بين الأقوال في تاريخ وفاة بلال رضي الله عنه وبين تاريخ وفاة عمر رضي الله عنه يتبين حقيقة ما قاله أمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري: "مات بالشام زمن عمر".
والقبر في عهد عمر كان في حجرة عائشة رضي الله عنها وبيتها الذي لا يجوز لأحد أن يدخله إلا بإذن منها" كما بينا آنفا.
وإن تعجب فعجب فعلهم، كيف سولت لهؤلاء الوضاعين أنفسهم بأن جعلوا قبر النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه خارج حجرة عائشة رضي الله عنها وخارج بيتها يأتيه من قصد القبر من الصحابة كبلال الصحابي الجليل ليبكي عنده ويمرغ وجهه عليه.
القرينة الثانية:
قوله "ويمرغ وجهه عليه" فليتق الله هؤلاء الوضاعون فإن بلالا رضي الله عنه لم يكن من أولئك الجهلة الذين لا يقفون عند حدود الشرع إذا رأوا القبور فيفعلون عندها ما لا يجوز من الشركيات والوثنيات كتلمس القبر والتمسح به والتمرغ عليه.
القرينة الثالثة:
قوله: "خرجت العواتق من خدورهن" فما علاقة ذلك بسماع الشهادة الأخرى؟
من أجل ذلك جزم الحافظ ابن حجر بأن القصة موضوعة، والحافظ ابن عبد الهادي(1/50)
أنه أثر غريب منكر، والحافظ المزي في "تهذيب الكمال" في تر جمة بلال أشار إلى ضعفها وكذلك الحافظ ابن كثير في "البداية" (102/2).
فائدة هامة: "حديث شد الرحال ودرء الشبهات"
"لا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى".
الحديث متفق عليه أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة.
هناك شبهة يتعلق بها القبوريون لشد الرحال إلى القبور.
ولقد انتشرت هذه الشبهة واشتهرت حتى نشرت جريدة اللواء الإسلامي في عددها (278) في الصفحة (7) تحت عنوان "أنت تسأل والإسلام يجيب" لأحد الدكاترة قال:
"أما حديث "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد..." إلخ ذلك وارد في خصوص المساجد والمساجد غير المشاهد وقبر الرسول يعتبر مشهدًا وهو غير المسجد".
كذلك أخذ بهذه الشبهة بعض المؤلفين في كتابه "هل من الشرك التوسل بالأنبياء والأولياء" ص (67) الفصل الخامس "حكم السفر لزيارة الصالحين والأولياء" قال: "أما المانعون الذين يحرمون السفر لزيارة الأولياء والصالحين فقالوا أن ذلك ممنوع بنص الحديث واستدلوا بما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى".
قلت ثم ردَّ على هذا المنع فقال:
"وهذا استثناء مفرغ ومعناه أي لا تشد الرحال إلى مسجد إلا إلى هذه المساجد الثلاثة... ثم يقول وهذا أولى لكون المستثنى من جنس المستثنى منه.
ولقد نبَّه الشيخ الألباني رحمه الله على هذه الشبهة الناتجة عن التأويل الباطل لهذا الحديث الصحيح فقال في "الضعيفة" (64/1).
تنبيه:
يظن كثير من الناس أن شيخ الإسلام ابن تيمية ومن نحا نحوه من السلفيين يمنع من زيارة قبره صلى الله عليه وسلم ، وهذا كذب وافتراء وليست أول فرية على ابن تيمية رحمه الله تعالى وعليهم وكل من له اطلاع على كتب ابن تيمية يعلم أنه يقول بمشروعية زيارة قبره صلى الله عليه وسلم واستحبابها إذا لم يقترن بها شيء من المخالفات والبدع مثل شد(1/51)
الرحال والسفر إليها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد".
والمستثنى منه في هذا الحديث ليس هو المساجد فقط كما يظن كثيرون بل هو كل مكان يقصد للتقرب إلى الله فيه سواء كان مسجدا أو قبرا أو غير ذلك بدليل ما رواه أبو هريرة قال (في حديث له): "فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري فقال من أين أقبلت؟ فقلت من الطور، فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد" الحديث أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح.
فهذا دليل صريح على أن الصحابة فهموا الحديث على عمومه، ويؤيده أنه لم ينقل عن أحد منهم أنه شد الرحل لزيارة قبر ما، فهم سلف ابن تيمية في هذه المسألة، فمن طعن فيه فإنما يطعن في السلف الصالح رضي الله عنهم ورحم الله من قال:
وكل خير في اتباع من سلف
وكل شر في ابتداع من خلف
قلت: وهذا الفهم الصحيح للحديث وتفسير المستثنى منه في الحديث بحديث آخر يبين فهم الصحابة للحديث ذكره الحافظ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي الفقيه الحنبلي المقرئ المحدث الناقد النحوي الجبل الراسخ في "الصارم المنكي في الرد على السبكي" ص(24) وهو من تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية يدافع فيه عن شيخه حيث اتهمه السبكي بتحريم زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث فرق بين الزيارة الشرعية التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين البدعية التي لم يشرعها".
هذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد.
انتهى(1/52)
1-3-2003 العدد 13:
قصة لطم أبي جهل لأسماء بنت أبي بكر في الهجرة
"الحلقة التاسعة والعشرون"
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت وانتشرت على ألسنة الخطباء والوعاظ والقصاص واغتر الكثيرون بوجودها في كتب السيرة .
أولاً : القصة :
قال ابن إسحاق : فَحُدِّثْتُ عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت : لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه أتانا نفر من قريش فيهم أبو جهل بن هشام ، فوقفوا على باب أبي بكر فخرجت إليهم ، فقالوا : أين أبوك يا بنت أبي بكر ؟ قالت : قلت : لا أدري والله أين أبي ، قالت: فرفع أبو جهل لعنه الله يده ، وكان فاحشًا خبيثًا ، فلطم خدي لطمة ، فطرح منها قرطي، قالت : ثم انصرف فمكثنا ثلاث ليال وما ندري أين وجه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بأبيات من شعر غناء العرب ، وإن الناس ليتبعونه يسمعون صوته وما يرونه، حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول :
جزى الله رب الناس خير جزائه
رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالبر ثم تروَّحا
فأفلح من أمسي رفيق محمد
ليهن بني كعب مكان فتاتهم
ومقعدها للمؤمنين بمرصد
ثانيًا : التحقيق :
القصة ليست صحيحة . رواها ابن إسحاق كما في "السيرة" (2-109) لابن هشام . حيث أوردها في "سيرة النبي" (2-109) (ح513) فذكر أن ابن إسحاق قال: "فَحُدِّثْتُ عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: لما خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ..." القصة.
قلت : فسند القصة منقطع ، يشهد لذلك صيغة الرواية في قول ابن إسحاق : "فَحُدّثتُ" التي جاءت بصيغة المبني للمجهول ، التي تدل على أن هناك سقطًا في الإسناد .
ويشهد لانقطاع السند أيضًا قول الحافظ ابن حجر في "التقريب" (2-144) : "محمد بن إسحاق بن يسار ، أبو بكر ، المطلبي ، مولاهم المدني ، نزيل العراق ، إمام المغازي صدوق يدلس".
قلت : ورواية السند بصيغة المبني للمجهول فيها إسقاط في السند ، وهذا أشد من تدليس الشيوخ ، حيث يتسبب في تضييع المروي عنه،(1/53)
وتوعير طريق معرفته على السامع .
قال الإمام الذهبي في "الميزان" (3-468-7197) ، "محمد بن إسحاق بن يسار ، أبو بكر ، المخرمي ، مولاهم المدني. ما له عندي ذنب إلا قد حشا في السيرة من الأشياء المنكرة المنقطعة والأشعار المكذوبة".
قلت : وذكر الإمام المزي في "تهذيب الكمال" (16-78-5644) : أن يعقوب بن شيبة قال: سمعت محمد بن عبد الله بن نمير ، وذكُر ابن إسحاق فقال : إذا حدث عن من سمع منه من المعروفين فهو حسن الحديث صدوق ، وإنما أُتي من أنه يحدّث عن المجهولين أحاديث باطلة.
قلت : وبهذا التحيقيق تصبح هذه القصة باطلة؛ حيث يُحدّث فيها ابن إسحاق عن المجهولين .
طريق آخر للقصة
هذا الطريق ذُكر فيه الرجل من الجن الذي أقبل من أسفل مكة يتغنى بأبيات من شعر غناء العرب، ولم يُذكر فيه لطم أبي جهل لأسماء بنت أبي بكر .
والقصة من هذا الطريق جاءت من حديث زيد بن أرقم وأنس بن مالك والمغيرة بن شعبة يتحدثون أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الغار أمر الله شجرة فنبتت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فسترته ، وأمر الله العنكبوت فنسجت على وجهه فسترته ، وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار ، وأقبل فتيان قريش، من كل بطن رجل ، بأسيافهم وعصيهم وهراواتهم حتى إذا كانوا من النبي صلى الله عليه وسلم قدر أربعين ذراعًا ، نظر أولهم فرأى الحمامتين فرجع فقال له أصحابه : ما لك لم تنظر في الغار ؟ قال : رأيت حمامتين وحشيتين بفم الغار فعرفت أن ليس فيه أحد . قال : فسمع النبي صلى الله عليه وسلم قوله، فعرف أن الله قد درأ عنه بهما ، ...... قالوا: وكانت لأبي بكر منيحة غنم يرعاها عامر بن فهيرة، وكان يأتيهم بها ليلاً فيحتلبون، فإذا كان سَحَر سرح مع الناس ، قالت عائشة: وجهزناهما أحب الجهاز ، وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فأوكت به الجراب ، وقطعت أخرى فصيرته عصامًا لفم القربة ، فبذلك سميت ذات النطاقين، ومكث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر في الغار ثلاث ليال(1/54)
يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر ، واستأجر أبو بكر رجلاً من بني الديل هاديًا خريتًا يقال له عبد الله بن أريقط، وهو على دين الكفر ، ولكنهما أمناه فارتحلا ومعهما عامر بن فهيرة ، فأخذ بهم ابن أريقط يرتجز ، فما شعرت قريش أين وجّه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، حتى سمعوا صوتًا من جني من أسفل مكة ولا يرى شخصه يقول :
جزى الله رب الناس خير جزائه
رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالبر ثم تروَّحا
فأفلح من أمسى رفيق محمد
التخريج
القصة من هذا الطريق وبهذا اللفظ ، أخرجها ابن سعد في "الطبقات" (1-110) ، حيث قال: "أخبرنا مسلم بن إبراهيم ، أخبرنا عون بن عمرو القيسي أخو رياح القيسي ، أخبرنا أبو مصعب المكي قال : أدركت زيد بن أرقم ، وأنس بن مالك ، والمغيرة بن شعبة فسمعتهم يتحدثون أن النبي صلى الله عليه وسلم ..." فذكر القصة .
التحقيق
القصة من هذا الطريق ليست صحيحة ، وسندها لا يصلح للمتابعات والشواهد ، وفي السند علتان :
الأولى : عون بن عمرو القيسي .
أورده الذهبي في "الميزان" (3-306-6535) حيث قال : "عون بن عمرو، أخو رياح بن عمرو ، بصري ، قال ابن معين: لا شيء ، وقال البخاري : عون بن عمرو القيسي جليس لمعتمر ، منكر الحديث مجهول".
قلت : 1- من أشد صيغ الجرح عند البخاري قوله : "فلان منكر الحديث".
يظهر ذلك من قول السيوطي في "التدريب" (1-349) : "البخاري يطلق (فيه نظر)، و(سكتوا عنه) فيمن تركوا حديثه ، ويطلق (منكر الحديث) على من لا تحل الرواية عنه".
2- قول ابن معين : (لا شيء ) ، فسره الإمام ابن أبي حاتم في كتابه "الجرح والتعديل" (3-321) حيث قال : "معنى قول ابن معين: "لا شيء": ليس بثقة".
قلت : ولقد أورد الإمام الذهبي في "الميزان" (3-307) هذه القصة وبهذا الطريق وجعلها من مناكير عون بن عمرو ، حيث قال : "مسلم بن إبراهيم ، حدثنا عون بن عمرو ، سمعت أبا مصعب المكي يقول : أدركت زيد بن أرقم وأنسًا والمغيرة بن شعبة وسمعتهم يتحدثون أن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة(1/55)
الغار قال : أمر الله شجرة نبتت في وجه النبي صلى الله عليه وسلم فسترته ، وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا بفم الغار..." الحديث .
وأبو مصعب لا يعرف .
قلت : وهذه هي العلة الثانية . فمتن القصة يدور حول ثلاث جمل :
الأولى : لطم أبي جهل لأسماء ، وقد أثبتنا أن هذه الجملة "واهية" كما بيّنا في التحقيق آنفًا.
الثانية : عدم دراية بنت أبي بكر بمكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وقد أثبتنا أن هذه الجملة غير صحيحة ، ومنكرة ، كما هو مبيّن في التحقيق ، وسنبين البديل الصحيح دراية بنت أبي بكر بمكان الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقيامهم بالإمداد والتمويه والإخبار .
الثالثة : إقبال رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بأبيات من الشعر من غناء العرب.
وهذه الجملة أثبتنا أنها باطلة، وأن الطريق الآخر الذي جاءت فيه باطل، لا يصلح للمتابعات والشواهد، لما فيه من متروكين ومجهولين.
قلت : وهناك روايات أخرى يذكر فيها هذا الشعر دون ذكر لجملة لطم أبي جهل لأسماء، ودون ذكر للرجل من الجن أقبل والناس يتبعونه، كما في الرواية التي أخرجها الطبراني في "الكبير" (4-48) (ح3605).
وهذه أيضًا رواية (غير صحيحة) ، حيث أوردها الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5-58) وقال: "وفي إسناده جماعة لم أعرفهم".
بدائل صحيحة
سنذكر البدائل الصحيحة التي تبيّن دراية بيت أبي بكر بمكان الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن هذا البيت العظيم قام بأعظم جهاد في الهجرة، منذ خروج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من مكة حتى وصوله إلى المدينة .
فقد ثبت في "صحيح الإمام البخاري" (ح3905) من حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : فبينما نحن يومًا جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة ، قال قائل لأبي بكر : هذا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مُتَقَنِّعًا - في ساعة لم يكن يأتينا فيها - فقال أبو بكر : فداء له أبي وأمي ، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر ، قالت : فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له ، فدخل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : أخرج من عندك ، فقال أبو بكر : إنما هم أهلك بأبي(1/56)
أنت يا رسول الله ، قال : فإني قد أُذن لي في الخروج ، فقال أبو بكر : الصحابة بأبي أنت يا رسول الله ، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "نعم". قال أبو بكر : فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "بالثمن". قالت عائشة : فجهزناهما أحث الجهاز ، وصنعنا لهما سفرة في جراب ، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب ، فبذلك سميت ذات النطاق ، قالت: ثم لحق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور ، فكمنا فيه ثلاث ليال، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف لقن ، فيدلج من عندهما بسحر، فيصبح مع قريش بمكة كبائت .
فلا يسمع أمرًا يكتادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليهما حين تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل - وهو لبن منحتهما ورضيفهما - حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث ، واستأجر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلاً من بني الديل ، وهو من بني عبد بن عدي هاديًا خريتًا - والخريت الماهر بالهداية- قد غمس حلفًا في آل العاص بن وائل السهمي ، وهو على دين كفار قريش ، فأمناه ، فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث ، وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم طريق السواحل".
قلت : وهذه الرواية تبيّن الهمة العالية لبيت أبي بكر ، والرسول وصاحبه في الغار . ولقد بوّب البخاري بابًا في كتاب "الجهاد والسير" من "صحيحه" : "باب حمل الزاد في الغزو"، وافتتحه بحديث أسماء بنت ابي بكر رضي الله عنها (ح2979) قالت : "صنعت سفرة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في بيت أبي بكر حين أراد أن يهاجر إلى المدينة . قالت : فلم نجد لسفرته ولا لسقائه ما نربطهما به، فقلت لأبي بكر: والله ما أجد شيئًا أربط به إلا نطاقي ، قال: فشقيه باثنين فاربطيه ، بواحد السقاء ،(1/57)
وبالآخر السفرة ، ففعلت ، فذلك سميت ذات النطاقين".
قلت : وأصبحت هذه منقبة لأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ، لا يجحدها إلا حاقد حاسد.
فقد أخرج البخاري (ح5388) عن هشام بن عروة عن أبيه وعن وهب بن كيسان قال : كان أهل الشام يعيّرون ابن الزبير يقولون : يا ابن ذات النطاقين ، فقالت له أسماء : يا بني ، إنهم يعيّرونك بالنطاقين ، وهل تدري ما كان النطاقان؟ إنما كان نطاقي شققته نصفين، فأوكيت قربة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأحدهما، وجعلت في سفرته آخر . قال : فكان أهل الشام إذا عيّروه بالنطاقين يقول : إيهًا والإله "تلك شكاة ظاهر عنك عارها".
قلت : هذا ما صح لأسماء بنت أبي بكر في الهجرة .
ولقد توفيت أسماء رضي الله عنها بمكة في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين بعد قتل ابنها عبد الله بن الزبير بيسير ، وكانت قد ذهب بصرها ، وقال هشام بن عروة عن أبيه : كانت أسماء قد بلغت مائة سنة لم يسقط لها سن ولم ينكر لها عقل. كذا في "تهذيب الكمال" (22-291-8369).
هذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد..
انتهى(1/58)
1-4-2003 العدد 14:
قصة نبي الله داود عليه السلام والنعجة الواحدة
" الحلقة الواحدة والثلاثون "
بقلم - علي حشيش
نواصل
في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت وانتشرت على ألسنة الخطباء والوعاظ والقصاص واغتر الكثير بوجودها في بعض التفاسير، وكذلك في قصص الأنبياء، حتى نشرت جريدة "اللواء الإسلامي" في عددها (305) في الصفحة الثامنة تحت عنوان "أنت تسأل والإسلام يجيب" إجابة عن السؤال: ما تفسير قوله تعالى: وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب (21) إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط (22) إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب {ص: 21- 23}.
وأجاب الشيخ: إجابة هذا نصها: "إن نبي الله داود عليه السلام من أنبياء الله ابتلاه الله سبحانه بامرأة جميلة هي زوجة لجندي من جنوده يسمى أوريا، وكان لداود تسع وتسعون زوجة فامر زوجها بالنزول له عنها، فبعث الله له ملكين في صورة بشر، قال له أحدهما: إن هذا صاحبي له تسع وتسعون نعجة أي امرأة ولي نعجة واحدة وطلب مني أن أتنازل له عنها ليتزوجها ويكفلها وغلبني في الكلام، فقال داود: لقد ظلمك بسؤال امرأتك إلى امرأته... إلى أن قال الشيخ: فأنكر الله على داود أن يتشاغل بالدنيا ويستزيد من شهواتها". ثم يقول الشيخ: "والقصة طويلة ونوردها هنا بإيجاز وعلى السائل إذا أراد المزيد الرجوع إلى كتب التفسير". اه.
قلت: ما كنت أودّ أن يذكر الشيخ قصة وينسبها إلى نبي الله داود بغير تخريج ولا تحقيق خاصة وقد جاءت إجابته تحت عنوان: "أنت تسأل والإسلام يجيب"، لم تكن هذه هي إجابة الإسلام التي ظن الشيخ أنها تفسير للآيات (21- 23 سورة ص)، بل هي إسرائيليات مدسوسة تطعن في عصمة الأنبياء ويرجع إلى تفسير ابن كثير (4-31) حيث قال: "قد ذكر المفسرون هاهنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات ولم(1/59)
يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه".
قلت: وإن تعجب فعجب أن يخرج الخطباء والقصاص عن ظاهر الآيات ويجعلوا من النعجة امرأة، ومن الخصم ملكًا، والنبي المعصوم مخطئًا، وليرجع هؤلاء إلى كتاب "الفصل في الملل والأهواء والنحل" (4-14) لابن حزم ولينظروا إلى قوله: "إنما كان ذلك الخصم قومًا من بني آدم بلا شك مختصمين في نعاج من الغنم على الحقيقة بينهم بغى أحدهما على الآخر على نص الآية.
ومن قال: إنهم ملائكة معرِّضين بأمر النساء فقد كذب على الله عز وجل وقوَّله ما لم يقل، وزاد في القرآن ما ليس فيه، وكذَّب الله عز وجل، وأقر على نفسه الخبيثة أنه كذَّب الملائكة؛ لأن الله تعالى يقول: وهل أتاك نبأ الخصم، فقال هو: لم يكونوا قط خصمين، ولا بغى بعضهم على بعض، ولا كان قط لأحدهما تسع وتسعون نعجة، ولا كان للآخر نعجة واحدة ولا قال له: أكفلنيها، فاعجبوا لما يقحم فيه أهل الباطل أنفسهم، ونعوذ بالله من الخذلان، ثم كل ذلك بلا دليل بل الدعوى المجردة". اه.
قلت: ومن العجب قوله: "والقصة طويلة وأنه أوردها بإيجاز".
ألم يعلم بأنها تحمل في طياتها سموم الطعن في عصمة الأنبياء؟ فقد جعلت نبي الله داود عليه السلام يترك صلاته ويجري وراء حمامة حتى دخلت بستانًا وجد به هذه المرأة عارية تغتسل وحانت منها التفاتة فأبصرت ظل داود فنشرت شعرها فغطى بدنها كله، فزاد بذلك إعجابه، وعرض زوجها (أوريا) للقتل عمدًا ليتزوجها".
قلت: وإن تعجب فعجب قوله: "وعلى السائل إذا أراد المزيد أن يرجع إلى كتب التفسير". ولو رجعوا لتبين لهم بطلان القصة:
1- نقل القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" (15-176) عن ابن العربي المالكي أنه قال عن هذا الخبر: "باطل قطعًا".
2- قال الخازن في تفسيره "لباب التأويل في معاني التنزيل" (6-49): "فصل في تنزيه داود عليه السلام عما لا يليق به وما ينسب إليه": اعلم أن من خصَّه الله تعالى بنبوته وأكرمه برسالته وشرفه على كثير من(1/60)
خلقه وائتمنه على وحيه لا يليق أن ينسب إليه ما لو نسب إلى آحاد الناس لاستنكف أن يحدَّث به عنه. فكيف يجوز أن ينسب إلى بعض أعلام الأنبياء والصفوة الأمناء. اه.
قلت: ذكره الخازن بعد أن أورد القصة، لعله أراد أن يبين بطلانها.
3- قال الفخر الرازي في "التفسير الكبير" (26-194): إذا قلنا الخصمان كانا ملكين، ولما كانا من الملائكة وما كان بينهما مخاصمة وما بغى أحدهما على الآخر، كان قولهما: خصمان بغى بعضنا على بعض كذبًا، فهذه الرواية لا تتم إلا بشيئين: أحدهما إسناد الكذب إلى الملائكة، والثاني أن يتوسل بإسناد الكذب إلى الملائكة إلى إسناد أفحش القبائح إلى رجل كبير من أكابر الأنبياء.
4- قال ابن الحسن الطبرسي في تفسيره "جمع البيان في تفسير القرآن" (8-736) بعد أن ذكر القصة: "فإن ذلك مما يقدح في العدالة، فكيف يجوز أن يكون أنبياء الله الذين هم أمناؤه على وحيه بصفة من لا تقبل شهادته وعلى حالة تنفر عن الاستماع إليه والقبول منه، جل أنبياء الله عن ذلك؟!".
5- ذكر ابن جرير الطبري في تفسيره "جامع البيان عن تأويل القرآن" (10-627) (ح29859) القصة مكتفيًا بذكر أسانيدها على طريقة أهل الحديث الذين قرروا أن من أسند فقد أحال إليك ذكر الوسيلة إلى معرفة درجة الحديث.
قلت: وهذه القاعدة توهم الكثيرين الذين لا يعرفون من أمر الأسانيد شيئًا أن القصة صحيحة لوجودها في تفسير الطبري وسكوته عن ذكر درجة الحديث.
قلت: وإلى الشيخ تخريج وتحقيق الحديث الذي روي حول هذه القصة:
الحديث "باطل".
أخرجه الحكيم الترمذي في "نوادرالأصول"، وابن جرير، وابن أبي حاتم كما في "الدر المنثور" (7-156).
قال ابن كثير في تفسيره (4-31): "رواه ابن أبي حاتم، ولا يصح سنده؛ لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس".
قال القرطبي في تفسيره: رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" عن يزيد الرقاشي عن أنس.
قلت: والحديث عندهم جميعًا من طريق يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعًا(1/61)
والرقاشي أورده ابن حجر في "التقريب" (4-538): وهو يزيد بن أبان، قال النسائي في كتابه "الضعفاء والمتروكين" رقم (642): الرقاشي: متروك.
قلت: وقد اشتهر عن النسائي أنه قال: "لا يترك الرجل عندي حتى يجتمع الجميع على تركه"، وأورده الدارقطني في كتابه "الضعفاء والمتروكين" برقم (593)، وأورده الذهبي في "الميزان" (4-418):
قال أحمد: كان يزيد منكر الحديث. وأورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (9-251). قال أحمد بن حنبل: "منكر الحديث"، وأورده البخاري في "التاريخ الكبير" (8-320)، وقال: كان شعبة يتكلم فيه.
قلت: ووصل الحد في جرحه وتحريم الرواية عنه حتى أورد الذهبي في "الميزان" (4-418)، وابن حجر في "تهذيب التهذيب" (11-309): أن يزيد بن هارون قال: سمعت شعبة يقول: لأن أزني أحب إليَّ من أن أُحدث عن يزيد الرقاشي".
قلت: هكذا حفظ اللَّه تعالى بالإسناد لأمة محمد صلى الله عليه وسلم دينها من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
قال ابن حزم: "نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم مع الاتصال خص الله به المسلمين دون سائر الملل". اه.
وبتلك الخاصية حفظ اللَّه العقيدة السلفية من مثل هذه القصص الواهية التي تطعن في الأنبياء الذين ينبغي الاعتقاد بأن اللَّه عز وجل قد حلاهم بالأخلاق العظيمة.
قلت: هذه عقيدة أهل السنة والجماعة في الأنبياء.
أما عقيدة اليهود- عليهم لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين- فهي الطعن في الأنبياء، فقد جعلوا داود عليه السلام زانيًا، فقد جاء في "العهد القديم"- صموئيل الثاني- الإصحاح "الحادي عشر" (ص498): "وأما داود فأقام في أورشليم، وكان وقت المساء أن داود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك فرأى من على السطح امرأة تستحم، وكانت المرأة جميلة المنظر جدًا، فأرسل داود وسأل عن المرأة، فقال واحد: أليست هذه بَثْشَبَعَ بنت أَلبِعَام امرأة أُوريا الحثي، فأرسل داود رسلاً(1/62)
وأخذها، فدخلت إليه فاضطجع معها وهي مُطهرة من طمثها، ثم رجعت إلى بيتها وحبلت المرأة فأرسلت وأخبرت داود وقالت: إني حبلى". اه.
قلت: هذا كتابهم المقدس: يجعل داود عليه السلام ينظر إلى امرأة عارية وهي تستحم- ويعشقها ثم يزني بها حتى تحمل منه.
يقول: "فأرسل داود إلى يواب يقول: أرسل إليَّ أوريا الحثي، فأرسل يواب أوريا إلى داود فأتى أوريا إليه فيسأل داود عن سلامة يواب وسلامة الشعب ونجاح الحرب، وقال داود لأوريا: انزل إلى بيتك واغسل رجليك. فخرج أوريا من بيت الملك وخرجت وراءه حصة من عند الملك، ونام أوريا على باب بيت الملك مع جميع عبيد سيده ولم ينزل إلى بيته، فأخبروا داود قائلين لم ينزل أوريا إلى بيته، فقال داود لأوريا: أما جئت من السفر، فلماذا لم تنزل إلى بيتك، فقال أوريا لداود: إن التابوت وإسرائيل ويهوذا ساكنون في الخيام وسيدي يواب وعبيد سيدي نازلون على وجه الصحراء وأنا آتي إلى بيتي لآكل وأشرب واضطجع مع امرأتي! وحياتك وحياة نفسي لا أفعل هذا الأمر، فقال داود لأوريا: أقم هنا اليوم أيضًا وغدًا، فأقام أوريا في أورشليم ذلك اليوم وغده... وفي الصباح كتب داود مكتوبًا إلى يواب وأرسله بيد أوريا، وكتب في المكتوب يقول: اجعلوا أوريا في وجه الحرب الشديدة وأرجعوا من وراءه فيضرب ويموت، وكان في محاصرة يواب المدينة: أنه جعل أوريا في الموضع الذي علم أن رجال البائس فيه، فخرج رجال المدينة وحاربوا يواب فسقط بعض الشعب من عبيد داود ومات أوريا الحثي أيضًا".
إلى أن يقول كتابهم المقدس- لعنهم الله- في صموئيل الثاني آخر الإصحاح (11): "فلما سمعت امرأة أوريا أنه قد مات أوريا رجلها ندبت بعلها، ولما مضت المناحة أرسل داود وضمها إلى بيته وصارت له امرأة وولدت له ابنًا، وأما الأمر الذي فعله داود فَقَبح في عيني الرب". اه.
قلت: وقد دست هذه الإسرائيليات في الكتب ك "قصص الأنبياء" للثعلبي المتوفى سنة 427ه، حيث جاءت هذه القصة(1/63)
في كتابه (من ص304، 312).
قلت: والقصة طويلة مذكورة في تسع صفحات لتحريف الآيات التي أنزلها الله في سورة "ص": (21، 22، 23، 24، 25) تحت اسم الأحاديث والآثار.
الصحيح الذي جاء في تفسير الآيات
قال الإمام ابن حزم رحمه الله في "الملل والنحل" (4-14) باب الكلام في "داود عليه السلام": "وذكروا أيضًا في قول الله تعالى حاكيًا عن داود عليه السلام: وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب × إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان... إلى قوله: فغفرنا له ذلك".
قال: "وهذا قول صادق صحيح لا يدل على شيء ممَّا قاله المستهزئون الكاذبون المتعلقون بخرافات ولدها اليهود، وإنما كان ذلك الخصم قومًا من بني آدم بلا شك... كما بيَّنا آنفًا". ثم يقسم الإمام ابن حزم رحمه اللَّه قائلاً: "تاللَّه إن كل امرئ منا ليصون نفسه وجاره المستور عن أن يتعشق امرأة جاره ثم يعرض زوجها للقتل عمدًا ليتزوجها، وعن أن يترك صلاته لطائر يراه، هذه أفعال السفهاء المتهوكين الفساق المتمردين، لا أفعال أهل البر والتقوى، فكيف برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أوحى إليه كتابه، وأجرى على لسانه كلامه، لقد نزهه الله عز وجل عن أن يمر مثل هذا الفحش بباله، فكيف أن يضاف إلى أفعاله". اه.
استغفار داود
ثم يقول ابن حزم رحمه الله: "وأما استغفاره، وخروره ساجدًا ومغفرة الله له: فالأنبياء عليهم السلام أولى الناس بهذه الأفعال الكريمة، والاستغفار: فعل خير لا ينكر من ملك، ولا من نبي، ولا من مذنب، ولا من غير مذنب، فالنبي يستغفر الله لمذنبي أهل الأرض والملائكة، كما قال الله تعالى: ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم {غافر: 7}". اه.
فتنة داود
ثم يقول ابن حزم رحمه الله: "وأما عن قوله تعالى عن داود عليه السلام: وظن داود أنما فتناه، وقوله تعالى: فغفرنا له ذلك: فقد ظن داود عليه السلام: أن يكون ما(1/64)
آتاه الله عز وجل من سعة الملك العظيم فتنة فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الله أن يثبت قلبه على دينه، فاستغفر الله تعالى من هذا الظن فغفر الله تعالى له هذا الظن إذ لم يكن ما آتاه اللَّه تعالى من ذلك فتنة". اه.
قلت: وسياق هذه الآيات يدل على تنزيه داود عليه السلام عن هذه القصة الواهية، حيث ذكره الله سبحانه في مقام العبودية، فقال سبحانه: واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب {ص: 17}، هذا المقام الذي حفظه اللَّه تعالى من الشيطان بقوله: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا {الإسراء: 65}.
هذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد.(1/65)
1-5-2003 العدد 15:
"قصة السفياني والرئيس العراقي"
في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت وانتشرت واغتر بها كثير من الناس حيث أوردها أحد الكُتَّاب في كتابه "البيان النبوي بانتصار العراقيين على الروم (أمريكا وبريطانيا) والترك وتدمير إسرائيل وتحرير الأقصى" وكتب تحت اسمه: الحائز على جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية، وطبعته الأولى رمضان 1418ه- يناير 1998م وتأثر به صاحب كتاب "هرمجدون آخر بيان يا أمة الإسلام" حتى بوّب بابا بعنوان "صدام حسين السفياني ....." ص(45) بل صرح باستناده عليه في ص(52) هذا الكتاب طبعة شعبان 1422ه- اكتوبر 2001م ويحاول الدكتور في كتابه "البيان النبوي" تنزيل أحاديث الفتن على الزمان والمكان والأشخاص دون تحقيق لهذه الأحاديث والآثار التي حاولوا تنزيلها على العراق وعلى الواقع، وجاءت فتنة العدوان الأمريكي البريطاني على العراق وكانت المصيبة أليمة والفتنة تموج كموج البحر وكشفت الفتنة عن عدم صحة تنزيل أحاديث الفتن على الزمان والمكان والأشخاص خاصة "قصة السفياني الواهية التي يلبسون صدام حسين ثوبها زورا" مما كان له أثره السيئ في تشكيك الناس في السنَّة وسنبين للقارئ الكريم عدم صحة هذه الآثار التي عنون لها بعنوان "البيان النبوي"
وبهذا يتبين أن هناك حالتين لعدم صحة التنزيل على الزمان والمكان والأشخاص:
الأولى: النص ليس صحيحا فيكون تنزيله على الزمان والمكان والأشخاص غير صحيح.
الثانية: النص صحيح ولكن تنزيله على الزمان والمكان والأشخاص غير صحيح وهناك حالة لصحة التنزيل على الزمان والمكان والأشخاص وفيها:
النص يكون صحيحا ويكون تنزيله على الزمان والمكان والأشخاص صحيحا ومثال هذه الحالة الأخيرة:
ما أخرجه مسلم ح (2916) كتاب الفتن ح(73) من حديث أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "تقتل عمارا الفئة الباغية".
قال الإمام النووي رحمه الله: وفيه معجزة(1/66)
ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أوجه: منها أن عمارًا يموت قتيلا، وأنه يقتله مسلمون، وأنهم بغاة، وأن الصحابة يقتتلون، وأنهم يكونون فرقتين؛ باغية وغيرها، وكل هذا قد وقع مثل فلق الصبح.
صلى الله وسلم على رسوله الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
"قصة السفياني"
قال الدكتور في كتابه "البيان النبوي" ص(20):
للسفياني في السُّنة عهدان:
الأول عهد ما قبل خروجه وظهوره ويحدث فيه الحصار على بلاده التي يحكمها... كما يحدث في هذا العهد قتاله للروم في عمق الجزيرة أربعين يوما يخرج كل طرف منهما ولم يأخذ من الآخر شيئا وقد تم هذا عام 1991 ولا زال الحصار مستمرا.
العهد الثاني: هو عهد خروجه من وادي اليابس، وهو يقاتل الروم (أوربا وأمريكا) والترك ويهزمهم شر هزيمة كما يقاتل على أبواب دمشق وما حولها لا يضره من خذ له".
ثم تجتاح جيوشه إسرائيل ويقاتل وحده على أبواب القدس وما حولها حتى يدخلها لا يضره الذين خذلوه من الأشقاء.
فهو من أعظم شخصيات التاريخ الإسلامي، إذ يأتي في زمن ضعف الأمة وذلها فيعزها الله تعالى على يديه بتحرير الأقصى وتطهيره من رجس اليهود، ومن ثم جاء وصفه بأنه الجابر الذي يجبر الله تعالى على يديه قلوب أمة الإسلام المنكسرة كما جاء وصفه أيضا بأنه الأزهر لعلو نجمه إذ يصدق عليه وعلى جيشه الوصف بأنهم أولوا البأس الشديد الذين سيبعثهم الله على بني إسرائيل "ليسوؤا وجوههم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علو تتبيرا".
وهذا كله ينطبق على الرئيس العراقي صدام حسين وهو السفياني لأنه من نسل خالد بن يزيد بن أبي سفيان فهو من سلالة الخلفاء والملوك الأمويين الأمجاد الذين أعز الله تعالى بهم الإسلام وانتشر شرقا وغربا وجنوبا فلا غرابة أن يعز به الأمة في زمن ذلها وينهض بها من كبوتها ويسترد لها القدس بعد أن لم يمتنعوا عن أي ذل ينزل بهم كما تقول النصوص التي تتحدث عن عصرنا الراهن بكل دقة وهو(1/67)
أيضا الصخري لأن اسم أبي سفيان صخر بن حرب هذا في السنة الشريفة" انتهى كلام الدكتور.
التحقيق
تخريج وتحقيق النصوص التي اعتمد عليها الدكتور في هذه القصة يكشف عن القاعدة التي اعتمد عليها حيث قال في كتابه "البيان النبوي" ص(21) "السفياني وهو من نسل أبي سفيان، يوسع ملكه، فيحكم العراق والشام وفلسطين وأجزاء من الجزيرة وجاءت عنه مرويات كثيرة حتى أن الحافظ نعيم ابن حماد المتوفي سنة 288هجرية وهو أحد شيوخ البخاري رحمهما الله قد خصص في كتابه "الفتن" أثني عشر بابا للسفياني وعشرة أبواب للمهدي أي أن الأحاديث عن السفياني كثيرة جدا ومتواترة المعنى تواترًا يقوي ضعفها" اه.
الرد
هذا الكلام الذي أورده الدكتور في كتابه فيه نظر:
1 قال: "الحافظ نعيم بن حماد المتوفي سنة 288 هجرية".
قلت: هذا، قول غير صحيح .
قال الحافظ ابن حجر في "التهذيب" (10-412): "مات سنة ثمان وعشرين ومائتين" وكذا في "التقريب" (2-305) حيث قال: "من العاشرة مات سنة ثمان وعشرين على الصحيح".
فائدة: قال الحافظ: "إن كان من التاسعة إلى آخر الطبقات فهم بعد المائتين".
2 قوله: "وهو أحد شيوخ البخاري".
قلت: هذا قول فيه نظر ولا يعرف ذلك إلا من له دراية بعلم الجرح والتعديل فالرواة عند البخاري نوعان: سواء من روى عنه أو من روى له.
أ نوع روى له البخاري احتجاجًا.
ب نوع لم يحتج به البخاري ولكن روى له استشهادًا (مقرونا).
والإمام البخاري لم يحتج بنعيم بن حماد، لذلك تجد أن أهل الفن يعبرون عن ذلك تعبيرا دقيقا حيث قال الحافظ ابن حجر في "التهذيب" (10-409) "روى عنه البخاري مقرونا".
وكذلك الإمام الذهبي في "الميزان" (4-267-9102) قال: "نُعَيم بن حماد الخزاعي {خ مقرونا، د، ت، ق}.
ثم أورد الإمام الذهبي قول الأئمة فيه:
قال النسائي: ضعيف... قد كثر تفرده عن الأئمة فصار في حد من لا يحتج به.
قال الأزدي: "كان نعيم ممن يضع الحديث في تقوية السنة وحكايات مزورة في ثلب(1/68)
النعمان كلها كذب".
لذلك قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (10-596): "لا يجوز لأحد أن يحتج به" وقد تتبع الذهبي كثيرا من أوهامه في "السير".
قلت: فالقول نعيم بن حماد شيخ البخاري من غير هذا التقييد الذي بيناه عن علماء هذا الفن لا يصح لأن فيه تلبيسًا على الناس.
وهذا ما حدث بالفعل حيث أن صاحب كتاب هرمجدون أكثر من قوله: "هذه الرواية رواها نعيم بن حماد شيخ البخاري".
فعندما يرى القارئ كلمة "شيخ البخاري" فيتوهم الصحة في الرواية ولكن هيهات كما سنبين للقارئ الكريم.
وسئل عنه يحىى بن معين فقال: "ليس في الحديث بشيء" كذا في "التهذيب" (10-411) ونقل الحافظ ابن حجر "أن عنده مناكير كثيرة لا يتابع عليها" قال النسائي فى "الضعفاء والمتروكين" رقم (589): "ضعيف". ونقل في "التهذيب" (10-411) عنه أنه قال في موضع آخر: "ليس بثقة".
3 قوله " في كتابه الفتن".
قلت: الدكتور لم يبين للقارئ حقيقة كتاب "الفتن لنُعَيم بن حماد خاصة وأن الدكتور قرنه بصفة شيخ البخاري كما هو ظاهر من قوله: "الحافظ نعيم بن حماد... أحد شيوخ البخاري قد خصص في كتابه "الفتن".
وقد اغتر به أيضا صاحب كتاب "هرمجدون آخر بيان يا أمة الإسلام" فقال في ص(86): "فقد روى نعيم بن حماد في السفر الجليل "الفتن << وكل هذا تلبيس على القارئ.
حقيقة كتاب "الفتن" لنعيم بن حماد
أ قال الحافظ الإمام الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (10-609):
"لا يجوز لأحد أن يحتج به وقد صنف كتاب "الفتن" فأتى فيه بعجائب ومناكير".
ب نقل الحافظ في "التهذيب" (10-412) عن مسلمة بن قاسم أنه قال في نعيم بن حماد: "كان صدوقا وهو كثير الخطأ وله أحاديث منكرة في الملاحم انفرد بها".
قلت: وفي "تهذيب الكمال" (19-134) قال صالح بن محمد الأسدي: "عنده مناكير كثيرة لا يتابع عليها".
قلت: ومن كثر الخطأ في حديثه وكثرت مناكيره تنطبق عليه القاعدة التي قال فيها الحافظ العراقي في "فتح المغيث" ص(7): "من كثر(1/69)
الخطأ في حديثه وفحش استحق الترك وإن كان عدلا".
(دعوى التواتر)
4 قوله: الحافظ. نعيم بن حماد.. في كتابه "الفتن" إثنى عشر بابا للسفياني وعشرة أبواب للمهدي أي أن الأحاديث عن السفياني كثيرة جدا ومتواترة المعنى...".
قلت: وإن تعجب فعجب قول الدكتور: "إن الأحاديث عن السفياني كثيرة جدا ومتواترة المعنى" وبين أن السبب: وجود اثني عشر بابا للسفياني في كتاب "الفتن". لنعيم بن حماد.
قلت: بالبحث في هذه الأبواب الاثني عشر وجدتها تبدأ بالباب (29) "صفة السفياني واسمه ونسبه" تبدأ بالخبر (767) ط دار الكتب العلمية وتنتهي بالباب (40) "بعثهُ الجيوش إلى المدينة وما يصنع فيها من القتل" ثم ينتهي الباب بالخبر (886).
هذه الأخبار عددها (120) خبرًا (767:686).
هذه الأخبار كلها آثار إلا سبعة أحاديث.
وهذه الأحاديث السبعة لا يوجد بها إلا حديثان صُرِّح فيهما باسم السفياني والحديثان شديدا الضعف كما سنبين وهما برقم (795)، ورقم (842).
تحقيق الحديثين اللذين صرح فيهما
باسم السفياني
قال نعيم بن حماد في كتابه (الفتن) ح(795):
حدثنا رشدين عن بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "خروج السفياني بعد تسع وثلاثين".
قلت: الحديث (ضعيف جدا) وهو مسلسل بالعلل:
أ رشدين بن سعد قال فيه النسائي: متروك وقال ابن معين ليس بشيء وقال الجوزجاني: عنده مناكير كثيرة كذا في "الميزان" (2-49-2780).
ب ابن لهيعة ضعيف ومدلس أورده ابن حجر في "طبقات المدلسين" المرتبة الخامسة رقم (12) وقد عنعن.
ج يزيد بن أبي حبيب قال الحافظ في "التقريب" (2-363) كان يرسل من الخامسة قلت والخامسة هي الطبقة الصغرى من التابعين فالسند ما بعد التابعي سقط والحديث مرسل فالحديث واه بالسقط في الإسناد والطعن الشديد في الرواة.
الحديث الثاني:
قال نعيم بن حماد في كتابه "الفتن" رقم (842): حدثنا أبو عمر عن ابن لهيعة عن عبد الوهاب بن حسين عن محمد بن(1/70)
ثابت عن أبيه عن الحارث عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا عبر السفياني الفرات وبلغ موضعا يقال له عاقر قوقا محا الله تعالى الإيمان من قلبه فيقتل بها إلى نهر يقال له الدجيل سبعين ألفًا متقلدين سيوفا محلاه...".
قلت: هذا حديث واهٍ وسند تالف مسلسل بالضعفاء والمتروكين والمجهولين، محمد بن ثابت قال البخاري فيه نظر، وقال ابن معين ليس بشيء كذا في "الميزان" (3-495-7294) والحارث بن عبد الله الأعور: قال ابن المديني كذاب، وقال ابن حبان: كان واهيا في الحديث كذا في "الميزان" (1-435-1627) وابن لهيعة ضعيف كما بيَّنا، وأبو عمر مجهول.
قلت: هذان هما الحديثان اللذان صرح فيهما باسم السفياني في الأبواب الاثني عشر وتبين أن الحديثين واهيان كل منهما يزيد الآخر وهنا على وهن أما عن الآثار الباقية فمعظمها واهية.
حديث ثالث:
قلت: وهناك حديث ثالث صرح فيه باسم السفياني ولكن خارج الأبواب الاثني عشر أخرجه نعيم بن حماد في كتابه "الفتن" باب رقم(2) "تسمية الفتن التي هي كائنة وعددها من من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة".
قال نعيم بن حماد في كتابه "الفتن" رقم (85) حدثنا يحىى بن سعيد العطار حدثنا حجاج رجل منا عن الوليد بن عياش قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أحذركم سبع فتن تكون بعدي: فتنة تقبل من المدينة، وفتنة بمكة، وفتنة تقبل من اليمن، وفتنة تقبل من الشام، وفتنة تقبل من المشرق، وفتنة من قلب المغرب وفتنة من بطن الشام وهي فتنة السفياني".
قال ابن مسعود: منكم من يدرك أولها، ومن هذه الأمة من يدرك آخرها. قال الوليد بن عياش فكانت فتنة المدينة من قبل طلحة والزبير، وفتنة مكة فتنة ابن الزبير، وفتنة اليمن من قبل نجدة (الحرورية) وفتنة الشام من قبل بني أمية، وفتنة المشرق من قبل هؤلاء" والحديث أخرجه الحاكم (4-468) من طريق نعيم بن(1/71)
حماد.
قال الذهبي في "التلخيص": "هذا من أوابد نعيم" اه.
قال أبو الوفا الطرابلسي في "الكشف الحثيث" معلقا على قول الإمام الذهبي: "فهذا يقتضي أنه من وضعه" اه.
قلت: من هذا يتبين أن قول الدكتور "قد خصص نعيم بن حماد في كتابه "الفتن" اثني عشر بابا للسفياني أي أن الأحاديث عن السفياني كثيرة جدا ومتواترة المعنى تواترًا يقوي ضعفها" قول لا أساس له من الصحة كما بيَّنا آنفا فما هما إلا حديثان واهيان وجئت بثالث هو من أوابد نعيم أي من غرائبه وعجائبه، فكما بينا فنعيم كثير الخطأ وله أحاديث في الملاحم انفرد بها.
وتصبح دعوي التواتر باطلة ولا يصح القول بأن الأحاديث عن السفياني كثيرة جدا ومتواترة، بل هي قليلة جدًا وواهية فلا تغتر بالآثار التالفة.
ولذلك نجد أن الكتاني في كتابه "نظم المتناثر من الحديث المتواتر" لم يذكر السفياني.
"دعوى أخرى حول قصة السفياني"
قال الدكتور في كتابه "البيان النبوي" ص(27).
مطابقة أخبار السفياني في السُّنَّة... وجميع هذه النصوص متطابقة على أخبار وأحوال رئيس العراقيين المعاصرين".
التطابق الأول:
قال الدكتور في كتابه ص(30): "ما ورد عن صفات السفياني مطابق أيضا:
أ يميل لونه للصفرة مع بياض
ب ضخم الهامة.
ج جعد الشعر.
د دقيق الساعدين والساقين.
ه بوجهه آثار جدري.
ز بعينه نكتة بيضاء.
ح طويل العنق.
ط به أثر العبادة" اه.
قلت: ولقد اغتر به صاحب كتاب "هرمجدون آخر بيان يا أمة الإسلام" فقلده حيث قال في كتابه ص(53) تحت عنوان: "صفات السفياني الخلقية في صدام" فمن الصفات الواردة في الآثار والمشتركة بين "السفياني" و"صدام" أنه:
أ ضخم الهامة (كبير الرأس وهو كذلك فعلا).
ب بوجهه آثار جدري (نكت أو ندوب في وجهه).
ج بعينه نكتة بيضاء وكسل قليل.
د يميل لونه إلى البياض مع الصفرة.
ه جعد الشعر.
و دقيق الساعدين والساقين وأخبرني من رآه أن ساعديه دقيقان مفتولان" اه.
"تحقيق الآثار حول صفة السفياني"
قال نعيم(1/72)
بن حماد في كتابه "الفتن" ح(780):
حدثنا أبو عمر عن ابن لهيعة عن عبد الوهاب بن حسين عن محمد بن ثابت عن أبيه عن الحارث عن عبد الله قال يخرج رجل من ولد أبي سفيان في الوادي اليابس في رايات حمر، دقيق الساعدين والساقين، طويل العنق، شديد الصفرة به أثر العبادة" اه.
قلت: هذا الأثر أوردته بسنده لأن الترقيم يختلف باختلاف الطبعات فهو في طبعة دار الكتب العلمية برقم (780)، والدكتور في كتابه "البيان النبوي" ص(30) قال: "انظر حديث رقم (815) في الفتن للحافظ نعيم" وأورده مقلدا صاحب كتاب "هرمجدون آخر بيان يا أمة الإسلام" رقم(815) في صفحة (54).
قلت: ومهما اختلفت الطبعات فالمهم السند والمتن.
وإن تعجب فعجب كيف يبني الدكتور كلامه في أمور ليست هينة على أخبار بغير تحقيق ثم ينزلها على شخص بعينه وقلده في ذلك صاحب كتاب "هرمجدون".
التحقيق
هذا الخبر باطل واهٍ قال عنه الدكتور إنه حديث حيث قال: انظر حديث رقم (815) وهو ليس بحديث كما هو ثابت عند علماء أصول الحديث حيث إنه ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعا ولا من قول صحابي فيكون موقوفا بل هو من قول تابعي فيكون مقطوعا.
وفوق أنه مقطوع فالحارث الأعور كذّاب، كذبه شيخ البخاري الإمام على بن المديني كما بينا آنفا، ومحمد بن ثابت ليس بشيء متروك، وابن لهيعة ضعيف، وأبو عمر مجهول كما بينا آنفا.
قلت: والذي يقارن بين هذا الأثر أثر وصف السفياني وبين حديث عبور السفياني الفرات والذي حققناه آنفا في الحديث الثاني يجد العجب حيث يتفقان في السند إلا أن الأثر مقطوع والحديث مرفوع والسند في الحالتين تالف.
ولقد جاء الدكتور بخبر أخرجه نعيم بن حماد وفيه نسب السفياني وبقية صفاته وأخذ يطبقها على الرئيس العراقي في كتابه "البيان النبوي بانتصار العراقيين على الروم (أمريكا وبريطانيا والترك وتدمير إسرائيل وتحرير الأقصى" ص(30،31) وسأبين في العدد القادم إن شاء الله عدم صحة قصة نسب(1/73)
السفياني وتطبيقها على الرئيس العراقي.
ففي هذا العدد وفقنا الله وحده بالبحوث العلمية الحديثية إلى دحض دعوى التواتر بل ودحض دعوى الصحة للأحاديث التي صرحت باسم السفياني في الأبواب الاثنى عشر وأدحضت الأثر الذي جاءت به صفات السفياني وتطبيقها على الرئيس العراقي وبينت حقيقة نعيم بن حماد ورتبته بالنسبة لشيوخ البخاري حتى لا يغتر القارئ بما يكتبه المؤلف: "نعيم بن حماد شيخ البخاري"، وبينت حقيقة كتابه "الفتن" كل هذا حتى يتبين للقارئ الكريم حقيقة قصة السفياني الهازم للروم (أمريكا وبريطانيا) المدمر لإسرائيل المحرر للأقصى ثم تطبيق صفات ونسب السفياني على شخص بعينه وهذا أمر خطير جدًا يجعل علو الأمة متعلق بشخص معين فإذا هلك وهذه حقيقة كما في قوله تعالى: كل شيء هالك إلا وجهه {القصص:88}، ترى الذين غرتهم قصة السفياني في هزيمة نفسية أورثتهم الوهن والحزن ولكن الله سبحانه وتعالى جعل علو الأمة في إيمانها حيث قال سبحانه: ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين {آل عمران:139}.
من أجل هذا سنبين حقيقة قصة السفياني وسنواصل إن شاء الله ذلك والله وحده من وراء القصد.(1/74)
1-6-2003 العدد 16:
( تابع ) "قصة السفياني والرئيس العراقي"
" الحلقة الثانية والثلاثون "
بقلم - علي حشيش
في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة القصة التي اشتهرت وانتشرت واغتر بها الكثير نتيجة تنزيل الأخبار التي جاءت في السفياني على الرئيس العراقي بل وصل الحد وطف الكيل عندما قال صاحب الكتاب إن أحاديث قصة السفياني متواترة ليجعل من هذا التواتر عقيدة لأهل السنة حيث كتب هذا في كتابه "البيان النبوي بانتصار العراقيين على الروم (أمريكا وبريطانيا والترك) وتدمير إسرائيل وتحرير الأقصى" الحائز على جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية.
اغتر الناس بالكتاب وتأثر به صاحب كتاب "هرمجدون آخر بيان يا أمة الإسلام" كما اغتر الناس أيضا بعنوان الكتاب "البيان النبوي" وظنوا أنه بيان النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتوهموا أن البيان متواتر فأدحضنا بفضل الله وحده دعوى التواتر في أحاديث السفياني، وبرهنا بالقواعد العلمية الحديثية على عدم صحتها في الحلقة السابقة ونواصل تحقيق الأخبار حول قصة السفياني، ففي هذا العدد نقدم للقارئ الكريم "قصة نسب السفياني والرئيس العراقي حيث إن الكاتب في كتابه "البيان النبوي" ص (20) ذكر في التطابق (12) مطابقة أخبار السفياني في السنة على أخبار وأحوال رئيس العراقيين المعاصرين.
قال: السفياني من نسل خالد بن يزيد بن أبي سفيان، فهو أموي وأمه كلبية، وأخواله من قبيلة كلب، وقد سكنت قبيلة كلب شمال دجلة، والمعلوم أن مدينة تكريت تقع بشمال دجلة وهي مدينة قريبة من مدينة أشور الأثرية. إذ تبين أن أكثر قبيلة كلب سكنت تكريت وشمال دجلة بعد فتح المسلمين العراق، وأكثر أتباع السفياني وقواده الذين يطمئن إليهم من قبيلة كلب أي من أهل تكريت" اه.
قلت: ولما كان الكتاب "البيان النبوي" مطبوعًا بتاريخ رمضان 1418ه يناير-1998م كما بيَّنا آنفا وصاحب كتاب "هرمجدون" مطبوع بتاريخ شعبان-1422ه يناير-2001م فقد قلد الدكتورَ في قصة نسب(1/75)
السفياني. ويتبين ذلك من قوله في كتابه ص(49): "والسفياني هو الذي يمتد نسبه إلى خالد بن يزيد بن أبي سفيان فهو أموي وأمه كلبية، فأخواله من قبيلة كلب وقد سكنت قبيلة كلب بشمال دجلة والمعروف أن "صدّام" من محافظة "تكريت" بشمال دجلة" اه.
قلت: ومن يقارن هذا النص بقول الدكتور في قصة نسب السفياني، يتبين له التقليد.
الأخبار التي استند إليها الدكتور في قصة نسب السفياني
بيّن الدكتور النصوص التي اعتمد عليها في ذكره لقصة نسب السفياني فقال: "حديث رقم (812) كتاب "الفتن" لنعيم بن حماد وكذا رقم (815)، (818)" اه.
قلت: وعزو الدكتور قصة نسب السفياني لنعيم بن حماد في كتابه "الفتن" دون بيان لمرتبة هذه الروايات من الصحة أو الضعف أمر بعيد كل البعد عن البحث العلمي الذي تقتضيه أصول علم الحديث دراية، حيث إننا أمام أدلة تبنى عليها الأمور الآتية من الملاحم والفتن، وهي من الأمور التي لا مجال للاجتهاد فيها، فكان لابد من التحقيق الذي تقتضيه قواعد البحث العلمي الدقيق للوقوف على مدى صحة الأدلة التي اعتمد عليها الدكتور في قصة نسب السفياني، حيث إنّ عامة القراء لا يفرقون بين التخريج والتحقيق.
فالتخريج: هو عزو الحديث إلى كتب السنة الأصلية. والتحقيق: هو بيان مرتبة الحديث من الصحة والضعف.
والدكتور اكتفى فقط بالعزو لكتاب "الفتن" لنعيم بن حماد. فيتوهم القارئ من هذا العزو الصحة خاصة وأن الدكتور قال: إنه أحد شيوخ البخاري ولقد بيّنا في الحلقة السابقة أن هذا القول في حاجة إلى تحقيق، وبيّنا حقيقة نعيم بن حماد.
التحقيق
وإلى القارئ الكريم التحقيق لهذه الأدلة التي اعتمد عليها الدكتور في قصة نسب السفياني.
الدليل الأول
قال الدكتور: "حديث رقم (812) كتاب "الفتن" لنعيم بن حماد" قلت وسأذكر الخبر بسنده لاختلاف الطبعات في الترقيم.
قال نُعيم: حدثنا عبد القدوس وغيره، عن ابن عياش، عمّن حدثه، عن محمد بن جعفر ابن علي قال: "السفياني من(1/76)
ولد خالد بن يزيد بن أبي سفيان، رجل ضخم الهامة، بوجهه آثار جدري، وبعينه نكتة بيضاء، يخرج من ناحية مدينة دمشق في وادٍ يقال له وادي اليابس، يخرج في سبعة نفر، مع رجل منهم لواء معقود، يعرفون في لوائه النصر، يسيرون بين يديه على ثلاثين ميلا، لا يرى ذلك العلم أحدٌ يريده إلا انهزم".
قلت: هذا الخبر باطل ولا يصح وقد سماه الدكتور حديثا وما هو بحديث كما هو معروف عند أهل الفن فلا هو بقول النبي صلى الله عليه وسلم ليكون مرفوعا ولا بقول صحابي ليكون موقوفا.
فهذا خبر مقطوع لم يكن من قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفوق ذلك أنه مسلسل بالعلل:
الأولى: فيه راو لم يسم يظهر ذلك في السند مِن عبارة: (عمَّن حدثه) وعند علماء الفن لا تُقبل روايته، وسبب رد روايته جهالة عينه لأن من أبهم اسمه جهلت عينه وجهلت عدالته من باب أولى، فلا تقبل روايته وهذا الأثر من نوع (المبهم).
الثانية: (محمد بن جعفر بن علي) هذا الاسم الثلاثي كما في طبعة دار الكتب العلمية، (189) قال الحافظ ابن حجر في "اللسان" (5-119) (351-7136): محمد بن جعفر بن علي روى عنه أبو الحجنا محمد بن الحسين بن علي عشرة أجزاء كلها مناكير موضوعات بأسانيد صحيحة أفحش القول فيه علي بن محمد الميداني الحافظ وقال: كان يضع الحديث، ويركّب على الأئمة.
الثالثة: أنه من أوابد نعيم بن حماد.
قلت: من هذا التحليل العلمي للسند، ونسبة المتن إلى قائله يتبين أن هذا الأثر باطل لا يصلح دليلا ولا تقوم به حجة خاصة في هذا الباب؛ لأنه من الأمور الغيبية التي لا تعرف إلا بالوحي الثابت.
يتبين أيضا عدم صحة الصفات وهي:
أ ضخم الهامة (كبير الرأس)
ب بوجهه آثار جدري (نكت أو ندوب في وجهه).
ج بعينه نكتة بيضاء وكسل قليل.
هذه الصفات للسفياني جعلها الدكتور في كتابه "البيان النبوي" (ص30). مطابقة لصفات الرئيس العراقي وقلده صاحب كتاب "هرمجدون" ص(53). وجعلها من الصفات الواردة في الآثار وقال: "والمشتركة بين "السفياني" و"صدام" ومع أن(1/77)
الأثر باطل لم يكن السفياني فيه من جهة العراق ولكن يخرج من ناحية مدينة دمشق.
لقد سقط الأثر فبطل الاستدلال به على النسب وبطلت المشاركة في الصفات. وهذا الأثر الباطل أورده أيضا صاحب كتاب "هرمجدون" ص(54).
أسباب الوضع في خبر السفياني
إن خبر السفياني الذي نسب إلى خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان زورًا وبهتانا بأحاديث موضوعه وآثار ساقطة نسجت منها قصص واهية للسفياني.
ولقد بيَّن الإمام الحافظ المزي في "تهذيب الكمال" (5-430-1647) أسباب الوضع لأحاديث السفياني وما تبعها من آثار حيث قال: "خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان القرشي الأموي أبو هاشم الدمشقي، أخو عبد الرحمن بن يزيد ومعاوية بن يزيد، وأمه أم هاشم بنت أبي هاشم بن عُتبة ابن ربيعة بن شمس هو من الطبقة الثالثة من تابعي أهل الشام..
ثم ذكر الإمام المزي أن الزبير بن بكّار قال: كان أي خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان يوصف بالعلم وبقول الشعر، قال عمِّي مصعب بن عبد الله: "زعموا أنه هو الذي وضع ذكر السفياني وكثّره، وأراد أن يكون للناس فيهم مطمع حين غلبه مروان بن الحكم على الملك وتزوج أمه أم هاشم وقد كانت أمه تكني به".
الدليل الثاني
أورد الدكتور في كتابه "البيان النبوي" ص(30) لإثبات قصة النسب السفياني أثرًا عزاه أيضا لنعيم بن حماد في "الفتن" رقم (815).
قال نعيم بن حماد حدثنا أبو عمر عن ابن لهيعة عن عبد الوهاب بن حسين عن محمد ابن ثابت عن أبيه عن الحارث ابن عبد الله قال: يخرج رجل من ولد سفيان في الوادي اليابس في رايات حمر، دقيق الساعدين...".
قلت: هذا الأثر سبق تحقيقه عند دحض دعوى مطابقة أوصاف السفياني على صدام وأثبتنا أن هذا أثر وليس بحديث وهو خبر تالف ومسلسل بالعلل حيث أثبتنا أن الحارث الأعور كذاب، ومحمد بن ثابت ليس بشيء متروك، وابن لهيعة: ضعيف وأبو عمر مجهول كما بيّنا.
وبهذا يتبين أن الخبر تالف لا تقوم به حجة.
ولقد أورده صاحب كتاب(1/78)
"هرمجدون" ص(54) ولم يحققه ولم يدر أنه أثر تالف هالك.
الدليل الثالث
أورد الدكتور في كتابه "البيان النبوي" ص(30) لإثبات قصة النسب السفياني وتطبيقه على الرئيس العراقي حديثًا عزاه أيضًا لنعيم بن حماد في "الفتن" ح(818).
قال نعيم بن حماد حدثنا بقية بن الوليد، عن الوليد بن محمد بن زيد، سمع محمد بن زيد سمع محمد بن علي يقول: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليفتقن رجل من ولد أبي سفيان في الإسلام فتقا لا يسده شيء" اه.
قلت: هذا خبر باطل للتدليس والانقطاع.
أ التدليس: بقية مدلس وقد عنعن وتدليسه من شر أنواع التدليس لأنه تدليس تسوية.
ب الانقطاع لأن محمد بن علي روى الحديث بلاغًا وقال: بلغني.
ج وهو من أوابد ... نعيم بن حماد.
والوليد بن محمد بن زيد لا يدري من هو لعله من مشايخ بقية شبه لا شيء.
بعد هذا التحليل العلمي قد تبيَّن أن قصة نسب السفياني باطلة ومحاولة تطبيقها على الرئيس العراقي باطلة أيضا.
هذا ما وفقني الله إليه، وسنواصل الرد، والله من وراء القصد.(1/79)
1-7-2003 العدد 17:
(تابع )"قصة السفياني والرئيس العراقي"
" الحلقة الرابعة والثلاثون "
بقلم - علي حشيش
في هذه الحلقة الأخيرة من قصة السفياني والرئيس العراقي دحض باقي حججهم حول دعوى مطابقة أخبار السفياني في السُّنَّة على أخبار وأحوال رئيس العراقيين المعاصرين".
أولا: دعوى الربط بين السفياني والحصار العراقي
قال الدكتور صاحب كتاب "البيان النبوي" ص27 تحت مطابقة أخبار السفياني في السُّنَّة مع أخبار وأحوال الرئيس العراقي : "في السُّنَّة يظهر أمر السفياني أول ما يظهر بالحصار العالمي على العراق فهو يحدث في عصره وهو الكائن منذ عام 1990 حتى الآن".
قلت: ثم جاء بحجة قال فيها في الحاشية: "وعن ربط الحصار بالسفياني انظر حديث رقم (708) من كتاب الفتن للحافظ نعيم بن حماد المتوفى 288ه وهو من شيوخ الإمام البخاري".
وقلده في هذا صاحب كتاب "هرمجدون" ص51 حيث قال: "فهذه قرينة أخرى على أن حاكم العراق "صدَّام" هو السفياني المذكور فمن هذه الأمور التي ذُكرت في السفياني فتحققت في صدام: "الربط بين السفياني والحصار".
ثم جاء بنفس الخبر الذي احتج به صاحب كتاب "البيان النبوي" فقال: "قال نعيم بن حماد (شيخ البخاري) وساق بسنده إلى علي بن أبي طالب صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ظهر أمر السفياني لم ينج من ذلك البلاء إلا من صبر على الحصار".
قلت: ثم عزاه في الحاشيه لنعيم بن حماد حيث قال: "كتاب الفتن (ص144) حديث رقم (708).
ثم قلّد صاحب كتاب "البيان النبوي" شبرا بشبر إن لم يكن ناقلا عنه بتصرف حيث قال: "فإذا كان الحصار العالمي للعراق وقع سنة 1990م في زمن صدام حسين والأثر المذكور يربط بين الحصار والسفياني فلا أجد غضاضة... أن أقول: إن "صدام" العراق هو "السفياني" أه.
قلت: فلينظر القارئ الكريم ويقارن ليجد كيف نقل صاحب كتاب "هرمجدون" من صاحب كتاب "البيان النبوي".
تحقيق قصة السفياني والحصار العراقي
هذه القصة أخرجها نعيم بن حماد في كتابه "الفتن" برقم (708) قال حدثنا الوليد ورشدين عن ابن لهيعة عن(1/80)
أبي قبيل عن أبي رومان عن علي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ظهر أمر السفياني لم ينج من ذلك البلاء إلا من صبر على الحصار".
قلت: هذا أثر تالف تصبح به قصة ربط الحصار بالسفياني واهية والأثر ضعيف جدّا لأنه مسلسل بالعلل.
الأولى: الوليد بن مسلم: أورده الحافظ ابن حجر في "طبقات المدلسين" المرتبة الرابعة رقم (11) وقال: "الوليد بن مسلم الدمشقي موصوف بالتدليس الشديد" أه.
قلت: وقد عنعن فلا يقبل حديثه كما هو مبيَّن في مقدمة الطبقات.
ولقد بيَّن الإمام السخاوي في "فتح المغيث" (1-227) أن الوليد بن مسلم كان يدلس تدليس التسوية وهو شر أنواع التدليس.
العلة الثانية: رشدين بن سعد أورده الإمام النسائي في "الضعفاء والمتروكين" رقم (203) وقال: "رشدين بن سعد متروك الحديث".
وقال ابن معين: "ليس بشيء" وقال الجُوزجاني: "عنده مناكير كثيرة" كذا في "الميزان" (2-49-2780).
العلة الثالثة: ابن لهيعة وهو: عبد الله بن لهيعة ضعيف ومدلس، أورده ابن حجر في "طبقات المدلسين" المرتبة الخامسة رقم (12) وقد عنعن، وقال الإمام ابن حبان في "المجروحين" (2-12): "قد سبرت أخبار ابن لهيعة من رواية المتقدمين والمتأخرين عنه فرأيت التخليط في رواية المتأخرين عنه موجودا، وما لا أصل له من رواية المتقدمين كثيرا، فرجعت إلى الاعتبار فرأيته كان يدلس عن أقوام ضعفاء عن أقوام رآهم ابن لهيعة ثقات فالتزقت تلك الموضوعات بهم".
العلة الرابعة: أنه من أوابد نعيم بن حماد.
والعلة الخامسة: أبو رومان لم أجد له ترجمه.
قلت: فإن تعجب فعجب قول صاحب كتاب "البيان النبوي": "في السُّنَّة يظهر أمر السفياني أول ما يظهر بالحصار العالمي.. وعن ربط الحصار بالسفياني انظر حديث رقم (708) من كتاب الفتن لنعيم بن حماد وهو من شيوخ البخاري".
وقد تبين للقارئ الكريم أن هذا ليس بالبيان النبوي وليس من السنة ولا يصح حتى موقوفا على الإمام عليٍّ رضي الله عنه، بل هو أثر واه مسلسل بالمدلسين والمتروكين(1/81)
والضعفاء، وأبو رومان لا يُعرف.
ثم انظر إلى الأعجب من ذلك قوله: "وساق أي نعيم بن حماد بسنده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه".
فهلا حقق هذا السند ليقف على حقيقته، فالسند مملوء بالعلل من متروكين ومدلسين وضعفاء، وهو موقوف واهٍ ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم .
فقصة الحصار باطلة سندا ومتنا فربط الحصار بالسفياني ربط واهٍ كما بيَّنا آنفا، وربط السفياني بالعراق أيضا ربط واه قد بيَّناه في "تحذير الداعية من القصص الواهية" في الحلقة السابقة رقم (33) وبيَّنا أن الأثر باطل، ومع بطلانه لم يكن السفياني المزعوم ليخرج من جهة العراق ولكن جاء فيه أنه يخرج من ناحية مدينة دمشق في وادٍ يقال له "وادي اليابس".
قلت: ولقد بينت هناك الأسباب السياسية التي أدت إلى وضع هذه الأخبار الباطلة تحت ما يسمى بقصة السفياني.
ثانيا "قصة السفياني وقوات التحالف"
يزعم صاحب كتاب "البيان النبوي" أن السفياني في السُّنَّة يقاتل قوات التحالف مرتين ويهزمهم شر هزيمة حيث قال في كتابه هذا ص20: "يحدث في هذا العهد قتاله للروم في عمق الجزيرة أربعين يوما يخرج كل طرف منهما ولم يأخذ من الآخر شيئًا، وقد تم هذا عام 1991م ولا زال الحصار مستمرا (ثم يأتي) العهد الثاني، هو عهد خروجه من وادي اليابس وهو يقاتل الروم (أوربا وأمريكا) والترك ويهزمهم شر هزيمة" اه. ثم يجزم بأن السفياني هو الرئيس العراقي صدام حسين.
قلت: ويفصل ذلك تفصيلا في كتابه "البيان النبوي" ص (32) حيث قال: "سيحارب السفياني الروم (أمريكا وانجلترا وفرنسا وغيرهم من الأوربيين) والترك، ويقتل من الروم ما تشبع الطيور والسباع من لحومهم، ويأسر منهم مائة ألف في موضعين: قُرقْيساء وهي عند مصب نهر الخابور في نهر الفرات وتقع الآن بين بلدتي دير الزور والميادين في شرق سوريا، والموضع الثاني: بعاقر قوف وهي اسم قرية أصبحت الآن في بغداد، وينزل بالتر ك ذبح الله الأعظم ويساعده الله عز وجل إما بالثلج أو(1/82)
بالطاعون، وتجمع الآثار الواردة الترك مع الروم في هذه الموقعة وهو ما تم أخيرا بالتحالف بين أمريكا وتركيا وإسرائيل والأردن ودول الخليج ضد العراق" اه.
قلت: هذا ما قال صاحب كتاب "البيان النبوي" في كتابه عام 1998م وأخذ عنه هذه المزاعم صاحب كتاب "هرمجدون" عام 2001م حيث قال في كتابه ص (54): "روى نعيم بن حماد بسنده عن خالد بن معدان قال: "يهزم السفياني الجماعة مرتين ثم يهلك" (أثر رقم 858).
قلت: وبغير تحقيق لهذا الخبر ينزِّل هذا الخبر بالجزم على قوات التحالف حيث قال ص(55): "إذن فالمراد بالجماعة التي يهزمها السفياني قطعا هم جماعة قوات التحالف العالمي التي اجتمعت لضرب العراق وقائدها "صدَّام" السفياني سنة 1990م ويؤيد ذلك الآثار..." اه.
قلت: ثم يتسائل قائلا: "فهل انتصر صدام السفياني في هذه الحرب" ثم يجيب على نفسه فيقول: "الجواب: أجل.. لأن قوات التحالف (الجماعة) والتي جمعت له الدنيا كلها (37) دولة لم تحقق هدفها في إسقاط نظام العراق وقتل حاكمه وتركيع شعبه فانتهت الحرب والنظام باق، وشعبية (صدام) قد بلغت الآفاق، والشعب هناك وإن سقط منهم قتلى ما زال يردد: "بالروح بالدم نفديك يا صدام..."، فإن كانت (الجماعة) لم تحقق أهدافها وصمد صدام أمامها أليس هذا يعتبر نصرًا؟!
لقد هزم (السفياني) الجماعة مرة، والأثر يبين أن الجماعة ستضربه مرة أخرى، وهذا ما صرح به الأمريكان أكثر من مرة بحجة ضرب الإرهاب، ولن يفلحوا في تحقيق أهدافهم هذه المرة أيضا كما فشلوا أول مرة" اه.
فهذا الأثر واه كما سنبين، فعرش هذا الأثر أوهن من بيت العنكبوت، كيف تنقش عليه نصرًا لصدام، وأنه هزم قوات التحالف مرة وسيهزمهم مرة أخرى، وأن نظام صدام لم يسقط والنظام باق وشعبية صدام قد بلغت الآفاق؟!! وبدلا من أن يحقق الآثار راح ينقش بهتاف شعب مغلوب على أمره "بالروح بالدم نفديك يا صدام" ليوهم الناس بإنزال هذه الآثار الواهية على السفياني صدام وأنه(1/83)
انتصر مرة وهزم قوات التحالف وسيهزمهم مرة أخرى.
أهكذا يكون تحقيق الأحاديث والآثار؟ والشاهد والمتابع هو هتافات شعب مغلوب على أمره؟!!
والواقع قد كذَّب هذا الكاتب وأمثاله؛ فالشعب الذي يدعي أنه قال "بالروح بالدم نفديك يا صدام" هو الشعب الذي ضرب تمثاله بالنعال يوم هزيمة النظام وسقوطه ليداس بالأقدام.
ألم يأن لهؤلاء الكُتَّاب أن يحققوا هذه الآثار قبل إنزالها على الواقع فيأتي الواقع على عكس ما قال هؤلاء فيكذب الناس السنة؟!
"تحقيق الآثار"
الأثر: أخرجه نعيم بن حماد في كتاب "الفتن" رقم (858) قال: حدثنا عبد القدوس عن أرطأة عن سنان بن قيس عن خالد بن معدان قال: "يهزم السفياني الجماعة مرتين ثم يهلك".
وإلى القارئ الكريم تحقيق هذا الأثر:
1 هذا الكلام لم يكن من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فلا يصح أن نقول عنه البيان النبوي كما يزعم صاحب كتاب "البيان النبوي" ولا نقول عنه إنه: من السُّنَّة.
وبالتحقيق لم يكن كلام صحابي فلا يصح أن يكون مرفوعا أو موقوفا؛ بل هو مقطوع حيث إنه من قول خالد بن معدان قال الحافظ في "التقريب" (1-218): "خالد بن مَعْدان الشامي يرسل كثيرا، من الثالثة مات سنة ثلاث ومائة".
قلت: والثالثة هي الطبقة الوسطى من التابعين كما بيَّن ذلك الحافظ في مقدمة "التقريب" إذن هذا الخبر مقطوع.
2 سنان بن قيس أورده ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (4-253) برقم (1095) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
3 والأثر مع أنه مقطوع انفرد به نعيم بن حماد فهو من أوابده كما بين ذلك الإمام الذهبي في "التلخيص" (4-469) وهو متهم بالكذب فالأثر ضعيف جدا.
4 ومع أن الخبر لم يثبت ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابي فالادعاء بأن الجماعة التي يهزمهم السفياني مرتين هم قوات التحالف الروم (أمريكا وبريطانيا) والترك إدعاء باطل حيث إن هذا الأثر الباطل جعله نعيم بن حماد في كتابه "الفتن" تحت باب رقم (33) وعَنْوَنه بقوله: "ما يكون بين بني العباس وأهل(1/84)
المشرق والسفياني والمروانيين في أرض الشام وخارج منها إلى العراق".
"السفياني صدام حسين ومعركة قرقيسياء"
قال الدكتور صاحب كتاب "البيان النبوي": "سيحارب السفياني الروم (أمريكا وانجلترا وفرنسا وغيرهم من الأوربيين) والترك ويقتل من الروم ما تشبع الطيور والسباع من لحومهم ويأسر منهم مائة ألف قرقيسياء...".
قلت: إلى القارئ الكريم الخبر الذي اعتمد عليه صاحب كتاب "البيان النبوي".
أخرج نعيم بن حماد في كتاب "الفتن" باب (34) برقم (12) قال: حدثنا الوليد ورشدين عن ابن لهيعة عن أبي قبيل عن أبي رومان عن علي رضي الله عنه قال: "يظهر السفياني على الشام ثم يكون بينهم وقعة بقرقيسياء، حتى يشبع طير السماء وسباع الأرض من جيفهم، ثم يفتق عليهم فتق من خلفهم، فتقبل طائفة منهم حتى يدخلوا أرض خراسان، وتقبل خيل السفياني في طلب أهل خراسان، فيقتلون شيعة آل محمد بالكوفة" اه.
قلت: هذا خبر باطل مسلسل بالمدلسين والمتروكين والضعفاء، وسند معركة قرقيسياء هذه سند باطل منسوب كذبا إلى الإمام علي رضي الله عنه وهو نفسُه سند قصة السفياني والحصار العراقي والذي حققناه آنفا وبيَّنا علله.
وفوق هذه المصائب التي في السند تأتي قرينة أخرى في المتن تدل على بطلانه، حيث تجعل معركة قرقيسياء بين قوات التحالف والسفياني "صدام" معركة خيل حيث قال في المتن "تقبل خيل السفياني". فهل المعركة كانت معركة خيل؟ أم كانت معركة طائرات ودبابات ومدافع بأحدث ما وصلت إليه علوم العصر؟!
وهذه القرينة تدل على وضع هذه الآثار وأنها ليست من السنة وقد ظهرت علامات الوضع التي بيَّنها الإمام ابن القيم في "المنار المنيف" على خبر السفياني كما في فصل (7)، وفصل (13).
بالبحث وجدت أن معارك السفياني الذي زعموا أنه صدام معارك خيل:
1 ففي كتاب "الفتن" باب (34) "ما يكون من أهل الشام... وما يكون من السفياني".
جاء في الأثر رقم (13) بهذا الباب: "وتقبل خيل السفياني كالليل(1/85)
والسيل فلا تمر بشيء إلا أهلكته وهدمته".
قلت: وهذا أثر تالف مسلسل بالضعفاء والمتروكين والمدلسين: الوليد ورشدين وابن لهيعة.
2 وكذلك في الباب (36) "دخول السفياني وأصحابه الكوفه" الأثر رقم (2) في هذا الباب جاء فيه: "ودخوله الكوفه بعد ما يقاتل الترك والروم بقرقيسياء ثم ينفتق عليهم من خلفهم فتق فترجع طائفة منهم إلى خراسان فتقبل خيل السفياني ويهدم الحصون...".
وهذا خبر تالف مقطوع من أوابد نعيم طبيعة المعركة فيه مع الروم (أمريكا وانجلترا) والترك معركة خيل أيضا وقد بيَّنا آنفا تلف الموقوف المنسوب للإمام علي رضي الله عنه.
3 وكذلك في معركة السفياني الأخيرة في الباب (44) "اجتماع الناس بمكة...". الأثر رقم (8) في هذا الباب جاء فيه: حدثنا الوليد ورشدين عن ابن لهيعة عن أبي قبيل عن أبي رومان عن علي رضي الله عنه قال: "إذا هزمت الرايات السود خيل السفياني التي فيها شعيب بن صالح، تمنى الناس المهدي فيطلبونه فيخرج من مكة ومعه راية النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي ركعتين بعد أن يئس الناس من خروجه لما طال عليهم من البلاء فإذا فرغ من صلاته انصرف فقال: أيها الناس ألح البلاء بأمة محمد صلى الله عليه وسلم وبأهل بيته خاصة، قُهرنا وبُغي علينا".
قلت: هذا أثر باطل منسوبْ إلى الإمام علي رضي الله عنه وعلامات الوضع ظاهرة عليه، وهو من وضع الشيعة لذلك أوردته بتمامه، وهو مسلسل بالمدلسين والمتروكين والضعفاء والمجهولين كما بينا آنفا.
معركة عاقرقوف
قال صاحب كتاب "البيان النبوي" ص (32) "إن صدامًا وهو السفياني سيحارب الروم (أمريكا وانجلترا وفرنسا وغيرهم من الأوربيين) والترك ويقتل من الروم ما تشبع الطيور والسباع من لحومهم ويأسر منهم مائة ألف في موضعين: قرقيسياء... والموضع الثاني بعاقرقوف وهي اسم قرية أصبحت الآن في بغداد...".
قلت: ولقد قمت بتخريج وتحقيق الآثار في معركة قرقيسياء وبينت آنفا أنها آثار واهية باطلة.
أما معركة عاقرقوف فقد أخرج نعيم بن حماد في(1/86)
"الفتن" باب (35) "ما يكون من السفياني في جوف بغداد..." حديث رقم (2) من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا عبر السفياني الفرات وبلغ موضعا يقال له "عاقرقوف" محا الله تعالى الإيمان من قلبه، فيقتل بها إلى نهر يقال له الدجيل سبعين ألفا...".
قلت: هذا حديث موضوع سبق أن بينت علله في الحلقة (32) من متروكين وكذابين ومدلسين ومن هذه الحلقات الثلاث يتبين أنه لا يصح في أحاديث السفياني حديث وأن محاولة إنزالها على الرئيس العراقي وقوات التحالف ضلال مبين سببه الجهل بصناعة الحديث فأضلوا كثيرًا من الناس.
وهذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد.(1/87)
1-8-2003 العدد18:
" الحلقة الخامسة والثلاثون "
"قصة المُغسِّلة والإمام مالك"
في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت وانتشرت على ألْسِنَة القصاص والخطباء والوعاظ، ومما ساعد على انتشارها انتشارًا واسعًا بين الناس أن أحد الخطباء المشهورين عفا الله عنا وعنه أورد هذه القصة في خطبة له بعنوان "الإمام مالك بن أنس" برقم (172)، وزاد عليها أن جعل هذه القصة سببا في قولهم "لا يفتى ومالك في المدينة" وهذه القصة وصلت بالأسلوب الخطابي إلى أكثر من مائة سطر، عند تحويلها من المسموع إلى المقروء في كتاب "الخطب المنبرية" الجزء الثاني عشر ص(7، 8، 9، 10، 11).
وإلى القارئ الكريم القصة كما جاءت في كتاب "الخطب المنبرية" ص(7) ولكن أجردها من الأشعار والأخبار التي ليست أصلا في القصة والتي استخدمت للوعظ من خلال القصة مثل "البر لا يبلى.. والذنب لا ينسى.. والديان لا يموت.."، وهو أيضا خبر لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وهذه هي القصة: قال: "ولد مالك عام 95 هجرية، ومات عام 179 هجرية، وسماه الناس تسمية لم ينلها غيره.. لا يفتى ومالك في المدينة.. ما دام مالك في المدينة.. فلا فتوى ومالك في المدينة أتدرون لماذا أيها السادة الأعزاء؟ أتدرون لماذا لا يفتى ومالك في المدينة؟
اسمعوا هذا الحادث ثم بعد ذلك تأملوا في ملك الله.
"إن امرأة من نساء المدينة المنورة ماتت، ولما ماتت جيء لها بالمغسِّلة لتغسلها، ولما وضع الجثمان ليغسل، وجاءت المغسلة تصب الماء على جسد الميتة، وبينما هي تصب الماء على فرجها إذ ذكرتها بسوء وقالت: كثيرا ما زنى هذا الفرج. فماذا حدث؟ هل يترك الأمر هكذا وإن كان المقذوف بالزنا ميتا؟! فماذا حدث؟ لقد التصقت يد المغسلة بجسم الميتة، التصقت كأن مغناطيسًا شديد الجذب جذبها، بحيث أصبحت لا تقوى على تحريك يدها، وأغلقت الباب حتى لا يراها أحد على هذه الحال، وأهل الميتة في خارج الحجرة، ينتظرون تكفين الجثة؛ أنحضر الكفن؟ فتقول(1/88)
المغسلة مهلا. أنحضر الكفن؟ فتقول: مهلا. ودخلت إحداهن فوجدت الموقف هكذا، وظل الموقف على ما هو عليه، وأخذوا رأي العلماء في يد المغسلة والميتة قال أحد العلماء: "نقطع يد المغسِّلة لتدفن الميتة.. فإن دفن الميت أمر واجب"، وقال بعضهم: "بل نقطع قطعة من جسد الميتة لنخلِّص المغسلة فإن الحي أولى من الميت".
واحتدم الخلاف، ووقف علماء المدينة حائرين أيقطعون يد المغسلة، أم يقطعون قطعة من جسد الميتة وأخيرا اهتدوا إلى أن يسألوا الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه، قالوا: كيف نختلف وبيننا الإمام مالك؟ ذهبوا إلى الإمام مالك وسألوه، وإذا بالإمام مالك يأتي على جناح السرعة، وسألها من وراء حجاب، وقال لها ماذا قلت في حق الميتة؟ قالت: يا إمام لقد رميتها بالزنا. قال الإمام مالك: تدخل بعض النسوة على المغسلة وتجلدها ثمانين جلدة.. مصداقا لقول الله جلّ في علاه: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون {النور:4}.
ودخلت النساء وجلدن المرأة المغسلة القاذفة، وبعد تمام الجلدة الثمانين رفعت يدها عن جسد الميتة، من هنا قيل لا يفتى ومالك في المدينة" اه.
قلت: هذه هي القصة التي قالها الخطيب عفا الله عنا وعنه وأوردها في كتابه "الخطب المنبرية" في أكثر من مائة سطر، اختصرتها في ستة وعشرين سطرا، محافظا للأمانة العلمية على ما خرج من لسانه حول هذه القصة".
التحقيق
وإلى القارئ الكريم تحقيق هذه القصة التي اشتهرت وانتشرت في كل مكان، فلقد أورد الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (6-372)-(254-9328) هذه القصة التي ذكرها الخطيب بتصرف، وقد أورد الحافظ بسندها حيث قال: "قرأت بخط الحافظ قطب الدين الحلبي ما نصه: "... وسيدي أبي عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن سعيد، وجدت بخط عمي بكر بن محمد بن سعيد، حدثنا يعقوب بن إسحاق بن حجر العسقلاني إملاء قال: حدثنا إبراهيم بن عقبة،(1/89)
حدثني المسيب بن عبد الكريم الخثعمي، حدثتني أمة العزيز امرأة أيوب بن صالح صاحب مالك قالت: "غسلْنا امرأة بالمدينة، فضربت امرأة يدها على عجيزتها فقالت: ما علمتك إلا زانية، أو مأبونة، فالتزقت يدها بعجيزتها، فأخبروا مالكا فقال: "هذه المرأة تطلب حدَّها، فاجتمع الناس، فأمر مالك أن تضرب الحدّ، فضربت تسعة وسبعين سوطا، ولم تنزع اليدُ، فلما ضربت تمام الثمانين، انتزعت اليد، وصلى على المرأة ودفنت" أه.
قلت: (المأبون) من يتعاطى اللواط كذا في "تكملة المعاجم العربية" (1-68) والحافظ رحمه الله عندما أورد القصة في "لسان الميزان" لم يسلك مسلك الخطباء والوعاظ والقصاص، ولكنه سلك مسلك حذاق المحدثين؛ هذا المسلك يبين في أمرين:
الأول: أورد القصة بسندها فساعدنا بكشف عوارها، وهذا طريق أهل الحديث الذين قرروا أن من أسند فقد أحال، ومن أسند فقد برئت عهدته؛ لأنه ذكر الوسيلة إلى معرفة درجة الحديث.
ولقد عجبت من خطيب في بلدنا قلد ذلك الخطيب فنقل القصة بحروفها وعباراتها وزوائدها التي تجاوزت ثمانين سطرا، وعجز عن حفظ السند الذي لم يتجاوز أربعة أسطر بها يتبين المحذور.
الثاني: الحافظ ابن حجر لم يكتف بذكر السند لهذه القصة بل أشار إلى أن هذه القصة واهية، وعلتها يعقوب بن إسحاق العسقلاني حيث أورد هذه القصة في ترجمته وقال: "وقد وجدت له حكاية يشبه أن تكون من وضعه" ثم ذكر القصة.
قلت: فالقصة كما أشار الحافظ ابن حجر: موضوعة.
وعلتها يعقوب بن إسحاق العسقلاني قال الإمام الذهبي في "الميزان" (4-449-9804): "يعقوب بن إسحاق العسقلاني: كذاب".
وأورده الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (6-372) (254-9328).
أ ثم ذكر له أحاديث وقال: "هذا من أباطيل يعقوب".
ب ثم بيَّن اسمه بالتفصيل فقال: "هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد بن حجر بن محمد العسقلاني المعروف بابن حجر" أه.
ج بيَّن التاريخ فقال: "ولد سنة أربع وعشرين ومائتين، ومات بعد العشرين(1/90)
وثلاثمائة".
فائدة: فابن حجر العسقلاني الحافظ يترجم لابن حجر العسقلاني الكذاب.
وهذا النوع يسمى في علوم الحديث "المتفق والمفترق".
وهو أن تتَفق أسماء الرواه وأسماء آبائهم فصاعدا خطّا ولفظًا، وتختلف أشخاصهم، ومن ذلك أن تتفق أسماؤهم وكناهم أو أسماؤهم ونِسْبَتهم ونحو ذلك، وهذا النوع مهمٌّ جدًا فقد زلق بسبب الجهل به غيرُ واحد من أكابر العلماء، لذلك قال الحافظ في "شرح النخبة" ص(176): "وفائدة معرفته: خشية أن يُظنَّ أن الشخصية شخص واحد".
تطبيق على "المتفق والمقترن"
وعلة أخرى في سند القصة: المسيب بن عبد الكريم.
قال الذهبي في "الميزان" (4-116-8546): المسيَّب بن عبد الكريم اتهمه الدارقطني" ووافقه ابن حجر في "لسان الميزان" (6-47) (1608-8393) وأورد له حديثاً وقال: "هذا حديث باطل عن مالك عن نافع عن ابن عمر، والمتهم بوضعه المسيِّب بن عبد الكريم" أه.
قلت: أورد ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (1-17) أسماء المجروحين فقال: "سرد أسماء الوضّاعين، والكذابين، ومن كان يسرق الأحاديث، ويقلب الأخبار".
ثم ذكر في هذه الأسماء: المسيب بن عبد الكريم في حرف الميم رقم (336) (1-117).
وعلة ثالثة: إبراهيم بن عقبة مجهول انظر "لسان الميزان" (1-77-239) وبيان المتفق والمفترق في اسم إبراهيم بن عقبة.
بهذا يتبين أن هذه القصة واهية مكذوبة مفتراة على الإمام مالك رحمه الله، وإن تعجب فعجب أن هذه القصة المفتراة على الإمام مالك خطبها ذلك الخطيب بصيغ الجزم مثل قال الإمام مالك، أمر الإمام مالك أن تضرب الحّد، بل بدأ القصة بالتأكيد بإنّ، حيث قال: إنّ امرأة من نساء المدينة ماتت..." وفي أثناء القصة (بقد) حيث قال: "لقد التصقت يد المغسلة بجسم الميتة...".
"إخلال وتساهل"
قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب للشيرازي" (1-104):
"قال العلماء المحققون من أهل الحديث وغيرهم: إذا كان الحديث ضعيفا لا يقال فيه قال رسول الله صلى الله عليه(1/91)
وسلم أو فعل أو أمر أو نهى أو حكم وما أشبه ذلك من صيغ الجزم، وكذا لا يقال فيه رَوَى أبو هريرةَ، أو قال، أو ذَكَرَ، أو أخبر، أو حدث، أو نقل، أو أفتى، وما أشبهه، وكذلك لا يقال ذلك في التابعين ومن بعدهم فيما كان ضعيفا، فلا يقال في شيء من ذلك بصيغة الجزم.
وإنما يقال في هذا كله: رُوِيَ عنه، أو حُكِيَ أو جاء عنه، أو بلغنا عنه، أو يُقَال، أو يُذكر، أو يُحكَى، أو يُرْوى، أو يُرْفَع أو يُعْزَى وما أشبه ذلك من صيغ التمريض، وليست من صيغ الجزم.
قالوا فصيغ الجزم موضوعة للصحيح أو الحسن، وصيغ التمريض لما سواهما، وذلك أن صيغة الجزم تقتضي صحته عن المضاف إليه، فلا ينبغي أن يطلق إلا فيما صح وإلا فيكون الإنسان في معنى الكاذب عليه، وهذا الأدب أخلَّ به المصنِّف وجماهير الفقهاء من أصحابنا وغيرهم، بل جماهير أصحاب العلوم مطلقا، ما عدا حذاق المحدثين.
وذلك تساهل قبيح، فإنهم يقولون كثيرا في الصحيح: رُوِيَ عنه، وفي الضعيف: قال، ورَوَى فلان، وهذا حيدٌ عن الصواب" اه.
قلت: انظر إلى أقوال العلماء المحققين في أصول الرواية، ثم احذر الذين يتقوّلون بعض الأقاويل على الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ويبيحون لأنفسهم هذا الصنيع.
ثم انظر إلى ما نقله عنهم الإمام النووي من قولهم: "وكذلك لا يقال ذلك في التابعين ومن بعدهم فيما كان ضعيفا".
قلت: فما بالكم بما كان واهيا وموضوعا وقد بيَّنا حكم روايته آنفا.
(إرداف غير صحيح)
وهذه القصة المكذوبة المفتراة على الإمام مالك بن أنس أردفها الخطيب بحديث لا يصح عن الإمام مالك، والأمر خطير، حيث إن الحديث متعلق بأمر غيبي، وإن تعجب فعجب أن ذلك الخطيب أورده بلا تخريج ولا تحقيق، والأعجب أنه قدم له بصيغة الجزم في أربعة أسطر مما يوهم القارئ والمستمع من العبارات الخطابية أن الحديث ثابت وفي أعلى درجات الصحة، ولكن هيهات هيهات، فتلك السطور خالية من الصناعة الحديثية يشهد على ذلك قوله: "إن الرسول(1/92)
العظيم تنبأ لمالك. ومالك لم ير النبي.. ولم يره النبي.. فإن النبي لحق بالرفيق الأعلى في العام الحادي عشر من الهجرة. بينما مالك وُلِدَ بعد ذلك في العام الخامس والتسعين من الهجرة، ولكن الرسول نظر من وراء الحجب، ورأى في الأفق الساطع أن هناك عالما سيكون مكانه في المدينة، وهذا العالم سَيَشُد الناس الرحال إليه.. قال النبي صلى الله عليه وسلم "يوشك الناس أن يضربوا أكباد الإبل، يطلبون العلم فلا يجدون أحدا أفضل من عالم المدينة" اه.
قلت: انظر أربعة أسطر بصيغة الجزم مقدمة لحديث غير صحيح، في أمر غيبي والحديث متنه سطر.
التخريج
الحديث أخرجه الترمذي (5-46 شاكر) ح(2680)، والنسائي في "السنن الكبرى" (2-489) ح(4291)، والحاكم (1-91)، وأحمد (2-299) ح(7997).
وقال الترمذي "هو حديث ابن عيينة".
قلت: فكلهم رووه من طريق ابن عيينة عن ابن جريج عن أبي الزبير عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعًا.
التحقيق
قلت: هذا الحديث غريب غرابة مطلقة؛ فلم يرو هذا الحديث إلا أبو هريرة، ولم يروه عن أبي هريرة إلا أبو صالح، ولم يروه عن أبي صالح إلا أبو الزبير، ولم يروه عن أبي الزبير إلا ابن جريج تفرد به ابن عيينة.
ولم يخرج البخاري ولا مسلم من هذا الطريق حديثا واحدا، بل وأصحاب السنن لم يخرج أحد منهم من هذا الطريق إلا الترمذي والنسائي هذا الحديث فقط وانظر "تحفة الأشراف" (9-445) ح(12877).
قلت: وفي الحديث علتان:
الأولى: ابن جريج: أورده الحافظ ابن حجر في "طبقات المدلسين" المرتبة الثالثة رقم (17) قال: "عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، وصفه النسائي وغيره بالتدليس، قال الدارقطنيُّ: شرُّ التدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح" اه.
حكم روايته عدم القبول لأنه عنعن.
الثانية: أبو الزبير: أورده الحافظ في "طبقات المدلسين" المرتبة الثالثة رقم (35) قال "محمد بن مسلم بن تدرس المكي أبو الزبير، من التابعين، مشهور(1/93)
بالتدليس، وقد وصفه النسائي وغيره بالتدليس" أه.
قلت: حكم روايته عدم القبول لأنه عنعن.
وبهذا يكون الحديث غير صحيح، والسند واه لما فيه من تدليس شديد ومركب.
"إرداف آخر غير صحيح"
وهذا الحديث غير الصحيح الذي أنزله ذلك الخطيب على مالك رحمه الله أردفه بحديث آخر واهٍ أنزله على الشافعي بصيغة الجزم، بلا تخريج ولا تحقيق؛ حيث قال هذا الخطيب في خطبته المسموعه والمقروءة:
"قال الإمام الشافعي؛ وهو تلميذ الإمام مالك. إذا ذكر العلماء فإن النجم مالك. الشافعي الذي تنبّأ له الرسول وقال: "عالم قريش يملأ طباق الأرض علما".
التحقيق
هذا الحديث أورده الإمام الشوكاني في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" ص(420) باب "المناقب" ح(186) وقال:
حديث: "عالم قريش يملأ الأرض علما، يعني: الشافعي"، هو موضوع. قاله الصغاني.
قلت: وأقرّه الشوكاني، وأقرّه أيضا عبد الرحمن بن يحىى المعلمي اليماني رحمه الله وقال في تحقيقه للفوائد حول هذا الحديث:
"تفرد به مروان بن سالم عن الأحوص بن حكيم عن خالد بن معدان هذا هو الصواب، ومروان هالك رمى بالوضع".
قلت: ومروان بن سالم هو الجزري، حتى لا يخلط بينه وبين مروان بن سالم المقفع، وهذا أيضا من أهمية علم المتفِق والمفترِق الذي بيَّناه آنفا.
ومروان بن سالم الجزري الذي تفرد بهذا الحديث أورده الإمام الذهبي في "الميزان" (4-90-8425) قال أبو عروبة الحراني: يضع الحديث، وقال الدارقطنيُّ: متروك، وقال البخاري ومسلم وأبو حاتم: منكر الحديث، وقال النسائي: متروك.
وبنفس طريق هذا الحديث الذي بيّنه المعلمي اليماني أورد الإمام الذهبي حديثا تالفا لمروان بن سالم، وهو: "يكون في أمتي رجل يقال له وهب يهب الله له الحكمة، ورجل يقال له غيلان هو أضر على أمتي من إبليس".
قلت: فهذه طريقته في وضع أحاديث للرجال.
والشافعي رحمه الله لا يرضى لنفسه هذا الذي لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، كيف والشافعي يقول: "إذا(1/94)
صح الحديث فهو مذهبي".
أورده النووي في "المجموع (1-63)، والشيخ صالح الفلاني في "إيقاظ الهمم" ص(107).
قلت: فليتأس دعاة السنة بما أورده الإمام الذهبي في "الميزان" (4-97) في ترجمة مسروح أبي شهاب، نقلا عن ابن أبي حاتم قال: "سألت أبي عن مسروح، وعرضت عليه بعض حديثه فقال: "يحتاج إلى التوبة من حديث باطل رواه عن الثوري".
قال الذهبي "إي والله هذا هو الحق، إن كل من روى حديثا يعلم أنه غير صحيح فعليه التوبة أو يهتكه" اه.
قلت: هذه هي القصة المكذوبة المفتراة على الإمام مالك، التي أوردها هذا الخطيب في خطبته وكتابه، وهذه هي الأحاديث التي أردف القصة بها وهي غير صحيحة، وحاول هذا الخطيب إنزالها على الإمامين مالك والشافعي، قدمناها في بحوث علمية حديثية، سائلين الله عز وجل التوفيق لتحقيق الغاية من سلسلة "تحذير الداعية من القصص الواهية".
هذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد.
انتهى(1/95)
1-9-2003 العدد 19:
قصة كلام النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه ليلة الإسراء
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم، حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة كثير من الوعاظ والقصاص، وهي قصة "كلام النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه ليلة الإسراء" حول عطائه للأنبياء جاءت في كتاب منسوب إلى الصحابي الجليل ابن عباس رضي الله عنهما ويسمى "الإسراء والمعراج للإمام ابن عباس رضي الله عنهما".
قلت: وهو مليء بالكذب والأباطيل، وابن عباس بريء من هذا الكتاب الذي اشتهر وانتشر لصغر حجمه حيث يحتوي على ست وأربعين صفحة، ورخص ثمنه واحتوائه على عجائب منكرة يستميل بها القصاص والوعاظ قلوب العوام.
ففي (ص35، 36، 37) جاءت قصة كلام النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه حول عطائه للأنبياء، حيث نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليلة الإسراء والمعراج رُفِع له الحجاب وكلَّم ربه فقال: "إلهي وسيدي، إني أسألك شيئًا. قال الله تعالى: وعزتي وجلالي لقد آليت على نفسي من قبل أن أخلق آدم بألفي عام أن لا تسألني شيئًا إلا أعطيتك. فقلت: إلهي وسيدي ومولاي، خلقت آدم بيدك ونفخت فيه من رُوحك وأسجدت له ملائكتك، واتخذت إبراهيم خليلاً، وكلمت موسى تكليمًا، ورفعت إدريس مكانًا عليّا، وأعطيت داود زَبُورًا، وغفرت له ذنبًا عظيمًا، وأعطيت سليمان ملكًا عظيمًا، وسخرت له الإنس والجن، والطير والوحش والريح، وخلقت عيسى بكلمتك فبمَ فضَّلتني كما فضلت هؤلاء؟ قال الله تعالى: يا محمد، إن كنت خلقت آدم بيدي، فقد خلقته من طين، وخلقتك من نور وجهي، وإن كنت اتخذت إبراهيم خليلاً فقد اتخذتك حبيبًا، والحبيب أفضل من الخليل، وإن كنت كلمت موسى تكليمًا، فقد كلمته من وراء حجاب على طور سيناء، وكلمتك على بساط القُرب بغير حجاب، وإن كنت رفعت إدريس مكانًا عليّا، فإنما رفعته إلى السماء الرابعة، ورفعتك إلى مكان لم يصل إليه غيرك، وإن كنت أعطيت سليمان ملكًا عظيمًا، فقد جعلت لك الأرض مسجدًا والتراب طهورًا، وإن كنت أعطيت داود زبورًا، فقد أعطيتك سبعًا من المثاني(1/96)
والقرآن العظيم، وفيه سورة الفاتحة وسورة البقرة وسورة آل عمران، ما قرأها أحد من أمتك إلا غفرت له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر وعدد الرمل، وإن كنت خلقت عيسى بكلمتي فقد شققت لك اسمًا من أسمائي، وجعلت اسمك مع اسمي لا يقول عبد: لا إله إلا الله إلا يقول: محمد رسول الله. ومَنْ لم يقر برسالتك فلا أقبل منه عمله وهو في الآخرة من الخاسرين...". اه.
وقصة كلام النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه حول عطائه للأنبياء ليلة الإسراء والمعراج أوردها الإمام ابن عراق في "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة" (1-155- 169) في حديث ابن عباس الطويل، حيث بلغ خمسة وسبعين وثلاثمائة سطر، وفيه بعض الزيادات التي نسبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما سمعت شيئًا قط ألذ ولا أحلى من نغمة كلام الله فاستأنست إليه من لذاذة نغمته حتى كلمته بحاجتي؛ فقلت: يا رب، إنك اتخذت إبراهيم خليلاً، وكلمت موسى تكليمًا، ورفعت إدريس مكانًا عليّا، وآتيت سليمان ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، وآتيت داود زبورًا فما لي يا رب..." القصة.
قلت: ولقد جاء في القصة التي أوردها ابن عراق في ختامها ما نُسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم "ثم أفضى إليَّ من بعد هذا بأمور لم يأذن لي أن أحدثكم بها، فلما عهد إلى عهده وتركني ما شاء الله ثم استوى على عرشه سبحانه بجلاله ووقاره وعزِّه نظرت فإذا قد حيل بيني وبينه..." اه.
وفي أول القصة قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم وجد ربه حين كشف حجبه مستوٍ على عرشه في وقاره وعزِّه ومجده وعلوه.. اه.
التخريج والتحقيق للقصة
الحديث الذي جاءت به هذه القصة: أخرجه ابن مردويه في "التفسير" من حديث ابن عباس من طريق ميسرة بن عبد ربه، كذا في "تنزيه الشريعة" (1-169)، وأخرجه ابن حبان في "المجروحين" (3-11) قال: "أخبرنا محمد بن بشردوت النّسَوي، قال: حدثنا حميد بن زنجويه قال: حدثنا محمد بن خراش الموصلي قال: حدثنا علي بن قتيبة عن ميسرة عن عبد ربه قال: حدثنا عمر بن سليمان الدمشقي عن(1/97)
الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس مرفوعًا.
1- قال ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (1-169): "أخرج ابن حبان قطعة منه".
قلت: "وهذا إجمال ما قد فصلنا، حيث بيّنا أنه أخرجه في كتابه "المجروحين" لا في "صحيحه" هذا بالنسبة لمصنفات ابن حبان".
أما قول ابن عراق: "أخرج ابن حبان قطعة منه" فهو إجمال بالنسبة للمتن؛ فابن حبان يعرف متن الحديث بطوله، والدليل على هذا: أنه بعد أن ذكر هذه القطعة من حديث ابن عباس من طريق ميسرة بن عبد ربه عن عمر بن سليمان قال: "فذكره بطوله أكره ذكره لشهرته عند من كتب الحديث وطلبه". اه.
قلت: ثم بيّن الإمام ابن حبان في "المجروحين" (3-11) علة الحديث، فقال: ميسرة بن عبد ربه الفارسي من أهل دَورق، كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، ويضع المعضلات على الثقات في الحث على الخير، والزجر عن الشر لا يحل كتابة حديثه إلا على سبيل الاعتبار". اه.
قلت: ثم أخرج ابن حبان هذا الحديث دليلاً على أن ميسرة بن عبد ربه يروي الموضوعات وذكر قطعة منه ثم قال: "فذكر- أي ميسرة بن عبد ربه- حديثًا طويلاً في قصة المعراج شبيهًا بعشرين ورقة".
وعلل ابن حبان عدم ذكره للحديث بطوله حيث قال: "أكره ذكره لشهرته عند من كتب الحديث وطلبه". اه.
2- أورده الإمام البخاري في كتابه "الضعفاء الصغير" ترجمة (355) ثم قال: "ميسرة بن عبد ربه يُرْمى بالكذب". اه.
3- أورده الإمام النسائي في كتابه "الضعفاء والمتروكين" ترجمة (580) ثم قال: "ميسرة بن عبد ربه متروك". اه.
"فائدة"
قلت: هذا المصطلح عند النسائي له معناه، حيث قال الحافظ ابن حجر في "شرح النخبة" (ص69): "مذهب النسائي أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه". اه.
4- أورده الدارقطني في كتابه "الضعفاء والمتروكين" ترجمة (510)، ثم قال: "ميسرة بن عبد ربه بغدادي عن زيد بن أسلم، كتاب "العقل" لداود بن المخُبر تصنيفه". اه.
فائدة
يتوهم من لا دراية له بهذا الفن أن عبارة الدارقطني هذه(1/98)
لا تدل على الجرح، ولا يدري أن مجرد ذكر اسم الراوي فقط يدل على أنه متروك، يدل على ذلك قول الإمام البرقاني: "طالت محاورتي مع ابن حَمَكان وأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني عفا الله عني وعنهما في المتروكين من أصحاب الحديث فتقرر بيننا على ترك من أثبته على حروف المعجم في هذه الورقات".
5- ثم ذكر الإمام الذهبي في الميزان (3-202-6129) علة أخرى لحديث القصة فقال: "عمر بن سليمان عن الضحاك، فذكر حديث الإسراء بلفظ موضوع". اه.
وأقره الحافظ ابن حجر في "اللسان" (4-356) (1731، 6082)، وبهذا التحقيق حكم الحافظان الذهبي وابن حجر على حديث القصة في ليلة الإسراء بأنه: موضوع.
فائدة
الموضوع: هو الكذب المختلق المصنوع، وهو شر الضعيف وأقبحه، وتحرم روايته مع العلم بوضعه في أي معنى كان؛ سواء الأحكام والقصص والترغيب وغيرها، إلا مبينًا أي مقرونًا ببيان وضعه. قاله السيوطي في "التدريب" (1-274).
طريق آخر للقصة
رُوِيَ عن أبي سعيد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "لما انتهي بي إلى السماء ما سمعت صوتًا هو أحلى من كلام ربي عزَّ وجلَّ فقلت: يا رب، اتخذت إبراهيم خليلا، وكلمت موسى تكليمًا، ورفعت إدريس مكانًا عليّا، وآتيت داود زبورًا، وأعطيت سليمان ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، فماذا لي يا رب؟ فقال: يا محمد، اتخذتك خليلاً كما اتخذت إبراهيم خليلاً، وكلمتك كما كلمت موسى تكليمًا، وأعطيتك فاتحة الكتاب وخاتمة سورة البقرة، ولم أعطها أحدًا قبلك، وأرسلتك إلى أسود الناس وأحمرهم، وإنسهم وجنِّهم، ولم أرسل إلى جماعتهم نبيّا قبلك، وجعلت الأرض لك ولأمتك مسجدًا وطهورًا، وأطعمت أمتك الفيء ولم أحله لأمة قبلها، ونصرتك بالرعب حتى أن عدوك ليرعب منك، وأنزلت عليك سيد الكتب كلها ومهيمنًاعليها، قرآنًا عربيّا مبينًا، ورفعت لك ذكرك حتى لا أذكر إلا ذكرت معي". اه.
قلت: هذه هي القصة التي جاءت في حديث أبي سعيد، وهذا هو لفظها وهو قريب من لفظ القصة في حديث ابن(1/99)
عباس الذي أورده ابن عراق في "تنزيه الشريعة عن الأخبار الشنيعة".
التخريج والتحقيق للقصة
من حديث أبي سعيد
القصة أخرج حديثها الإمام ابن الجوزي في "العلل المتناهية في الأحاديث الواهية" (1-183) (ح283) باب "ذكر أشياء رآها ليلة المعراج" حيث قال: أنبأنا الحريري، قال: أنبأنا العشاري، قال: أخبرنا الدارقطني قال: حدثنا عبد الله بن عبد الصمد بن المعتدي، قال: حدثني روح بن مسافر عن أيوب عن سليمان بن عبد الله بن صالح، حدثنا الربيع بن بدر، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد مرفوعًا.
قال ابن الجوزي في "العلل" (1-183): "هذا حديث لا يصح".
قلت: وهذا الحديث الذي جاءت فيه القصة مسلسل بالعلل:
العلة الأولى: أبو هارون العبدي وهو عُمارة بن جوين:
1- أورده الذهبي في "الميزان" (3-173-6018) وقال: "كذّبه حماد بن زيد. وقال شعبة: لئن أُقدَّم فتضرب عنقي أحبُّ إليَّ من أن أحدث عن أبي هارون. وقال أحمد: ليس بشيء. قال السليماني: سمعت أبا بكر بن حامد يقول: سمعت صالح بن محمد أبا علي- وسئل عن أبي هارون العَبْدي- فقال: أكذب مِن فرعون". اه.
2- قلت: وأورده الإمام النسائي في "الضعفاء والمتروكين" رقم (476) وقال: "عمارة بن جوين أبو هارون العبدي، متروك الحديث بصري". اه.
وهذا المصطلح "متروك" عند النسائي بيَّنا معناه آنفًا.
3- وأورده الإمام البخاري في كتابه "الضعفاء الصغير" رقم (282) وقال: "عمارة بن جوين، أبو هارون العبدي، عن أبي سعيد: تركه يحيى القطان". اه.
4- وأورده ابن حبان في "المجروحين" (2-177) وقال: "عمارة بن جوين: أبو هارون العبدي: يروى عن أبي سعيد الخدري، كان رافضيّا يروي عن أبي سعيد ما ليس من حديثه، لا يحل كتابة حديثه إلا على وجه التعجب". اه.
قلت: وهذه القصة من روايته عن أبي سعيد.
العلة الثانية: الربيع بن بدر الذي روى القصة عن أبي هارون العبدي:
1- أورده الإمام النسائي في "الضعفاء والمتروكين" رقم (200) وقال: "ربيع(1/100)
بن بدر، ويقال: له عُلَيلَة بن بدر: متروك الحديث بصري". اه.
قلت: وهذا المصطلح له معناه كما بيناه آنفًا، وعُلَيْلَة لقبه كما في "تاريخ الخطيب" (8-415).
2- وأورده الحافظ ابن حجر في "التهذيب" (3-207)، وقال: "الربيع بن بدر بن عمرو بن جراد التميمي السعدي الأعرجي، ويقال العرجي أبو العلاء البصري المعروف بعليلة وهو لقب، قال ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو داود: ضعيف. وقال مرة لا يكتب حديثه. وقال يعقوب بن سفيان وابن خراش متروك الحديث. وقال الجوزجاني: واهي الحديث". اه.
3- وأورده ابن حبان في "المجروحين" (1-293) وقال: "الربيع بن بدر التميمي السعدي مولى طلحة بن عبد الله بن عوف الذي يقال له عليلة وكان أعرج من أهل البصرة، كان ممن يقلب الأسانيد يروي عن الثقات الموضوعات، وعن الضعفاء الموضوعات".
العلة الثالثة: روح بن مسافر:
1- أورده الإمام البخاري في "الضعفاء الصغير" ترجمة (120) وقال: "روح بن مسافر، أبو بشر تركه ابن المبارك وغيره".
2- وأورده الإمام النسائي في "الضعفاء والمتروكين" ترجمة (192) وقال: "روح بن مسافر متروك الحديث بصري".
3- وأورده الدارقطني في "الضعفاء والمتروكين" ترجمة (225) ولم يذكر شيئًا عنه مما يدل على أنه متروك كما هو مبين في القاعدة التي أوردناها آنفًا.
الاستنتاج
من هذا التحقيق يتبين: أن القصة واهية أيضًا من حديث أبي سعيد، وبهذا يتبين أن قصة كلام النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه ليلة الإسراء حول عطائه للأنبياء لا تصح، ولم يصح أنه سأل ربه عن عطائه لأنبيائه، كذلك لم يصح أنه سأل ربه وقال له بِمَ فضلتني كما فضلت هؤلاء؟ ولم يصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه ذكر لربه عطاء الأنبياء ثم سأل ربه قائلاً: فماذا لي يا رب؟ كذلك لم يصح أن الله عز وجل خاطب النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء، فقال: "نصرتك بالرعب، وجعلت لك الأرض مسجدًا وطهورًا، وأطعمت أمتك الفيء، وأرسلتك إلى أسود الناس وأحمرهم...". بل ولم يصح كذلك في حديث قدسي.
هذا ما وفقني(1/101)
الله إليه وهو وحده من وراء القصد.
1-10-2003 العدد 20:
تحذير الداعية من القصص الواهية
إعداد
علي حشيش
" الحلقة السابعة والثلاثون "
قصة عليّ مع النبي صلى الله عليه وسلم وصلاة ليلة النصف من شعبان
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اتخذها المبتدعة أصلا من الأصول في الاستدلال على مشروعية صلاة ليلة النصف من شعبان التي اشتهرت عند العوام وروجها المتصوفة في البلاد فراجت بمصر والشام وغيرها.
أولا متن القصة:
"قال عليّ رضي الله عنه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة النصف من شعبان قام فصلى أربع عشرة ركعة، ثم جلس بعد الفراغ، فقرأ بأم الكتاب أربع عشرة مرة، و"قل هو الله أحد" أربع عشرة مرة، و"قل أعوذ برب الفلق" أربع عشر مرة، و"قل أعوذ برب الناس" أربع عشرة مرة، وآية الكرسي مرة، و"لقد جاءكم رسول من أنفسكم" الآية، فلما فرغ من صلاته سألته عمّا رأيته من صنيعه، قال: "من صنع مثل الذي رأيت، كان له كعشرين حجة مبرورة، وصيام عشرين سَنَة مقبولة، فإن أصبح في ذلك اليوم صائما كان كصيام سنتين: سنة ماضية وسنة مستقبلة".
ثانيا التحقيق:
أخرج هذه القصة البيهقي في "الشُّعب" (3-386) ح(3841) من حديث علي رضي الله عنه حيث قال الإمام البيهقي: أخبرنا عبد الخالق بن علي المؤذن، أخبرنا أبو جعفر محمد بن بسطام القرشي بقرية داية حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن جابر؛ حدثني أحمد بن عبد الكريم، حدثنا خالد الحمصي، عن عثمان بن سعيد بن كثير، عن محمد بن المهاجر، عن الحكم بن عتيبة، عن إبراهيم قال: قال عليُّ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة النصف من شعبان...." فذكر القصة والقصة أخرجها أيضا الإمام ابن الجوزي في "الموضوعات" (2-129) قال: أنبأنا إبراهيم بن محمد الأزجي، قال أنبأنا الحسين بن إبراهيم، أنبأنا أبو الحسين علي بن الحسن بن محمد الكرجي، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن علي بن محمد الخطيب، أنبأنا الحاكم أبو(1/102)
القاسم عبد الله بن أحمد الحسكاني، حدثني أبو القاسم عبد الخالق بن علي المؤذن به.
قلت: أي بنفس سند الإمام البيهقي حيث يلتقي معه في شيخه (عبد الخالق بن علي المؤذن) والقصة واهية وإسنادها تالف وقد بيّن ذلك الإمام ابن الجوزي في "الموضوعات" (2-130) حيث قال: "هذا موضوع وإسناده مظلم وكان واضعه يكتب من الأسماء ما وقع له ويذكر قوما ما يعرفون، وفي الإسناد محمد بن مهاجر قال ابن حنبل: يضع الحديث".
قلت: وأورد ابن عراق هذه القصة في "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة" (2-94) كتاب الصلاة الفصل الأول وإيراد القصة في الفصل الأول من كتاب الصلاة من تنزيه الشريعة له قاعدة أوردها ابن عراق في المقدمة وذكرها له أهمية كبيرة جدا في التحقيق حيث قال ابن عراق: "وجعلت كل ترجمة غير كتاب المناقب في ثلاثة فصول:
الأول: فيما حكم ابن الجوزي بوضعه ولم يخالف فيه.
والثاني: فيما حكم بوضعه وتعقب فيه.
والثالث: فيما زاد الأسيوطي عن ابن الجوزي.
قلت: يتبين من هذه القاعدة وإيراد القصة في الفصل الأول من كتاب الصلاة أن القصة كما قال الإمام ابن الجوزي موضوعة ولم يخالف ابن الجوزي في هذا الحكم.
ونقل ابن عراق تحقيق ابن الجوزي مختصرا حيث قال: "وإسناده مظلم وفيه محمد بن مهاجر".
قلت: نعم إسناد القصة مظلم والقصة موضوعة ولكن في قول الإمام ابن الجوزي "وفي الإسناد محمد بن مهاجر، قال أحمد بن حنبل: يضع الحديث" وموافقة ابن عراق عليه حيث قال: "وفيه محمد بن مهاجر".
قلت: هذا قول فيه نظر وإلى طالب هذا الفن بيان ذلك:
ثالثا "المتفق والمفترق"
وهو أن تتفق أسماء الرواة وأسماء آبائهم فصاعدا خطا ولفظا وتختلف أشخاصهم كذا في "مقدمة ابن الصلاح" النوع (54).
وفائدته: معرفة هذا النوع مهم جدا فقد زلق بسبب الجهل به غير واحد من أكابر العلماء" كذا في "التدريب" (2-316).
قلت: وتظهر أهميته في التمييز بين المشتركين في الاسم فربما يكون أحدهما(1/103)
ثقة والآخر ضعيفا فيضعف ما هو صحيح أو العكس، وهذا ما حدث من الإمامين ابن الجوزي وابن عراق رحمهما الله وهما من أكابر علماء الصنعة وبيان ذلك:
1 محمد بن مهاجر الذي في سند هذه القصة شيخ عثمان بن سعيد بن كثير كما هو مبين في السند الذي أوردناه آنفا وعثمان هذا أورده الحافظ في "التقريب" (2-9) وقال: "عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار القرشي مولاهم أبو عمرو الحمصي ثقة عابد من التاسعة مات سنة تسع ومائتين" اه.
أما شيخه محمد بن مهاجر فقد بيَّن الإمام المزي في "تهذيب الكمال" (12-407-4399) أنه هو محمد بن مهاجر الأنصاري ثم قال في "تهذيب الكمال" (17-270-2625): "محمد بن مهاجر الأنصاري الأشهبي الشامي أخو عمرو بن مهاجر روى عنه عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي... قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: وعثمان بن سعيد الدارمي عن يحيى بن معين، وعن دحيم، وأبو زرعة الدمشقي وأبو داود ويعقوب بن سفيان "ثقة".
قلت: لذا أورده الحافظ ابن حجر في "التقريب" (2-211): "ثقة من السابعة مات سنة سبعين ومائة" قلت: "وبهذا يتبين عدم صحة قول الإمام ابن الجوزي رحمه الله: "وفي الإسناد محمد بن مهاجر قال ابن حنبل: يضع الحديث" وقد تبين بالتحقيق أن محمد بن مهاجر هو الأنصاري وتبين قول أحمد بن حنبل فيه أنه ثقة ويتبين أيضا عدم صحة قول ابن عراق.
2 محمد بن مهاجر الذي يتفق مع الأنصاري في اسمه واسم أبيه.
هو محمد بن مهاجر الطالقاني أخو حنيف هذا هو الوضاع الذي تشابه على الإمام ابن الجوزي رحمه الله اسمه، قال الإمام الذهبي في "الميزان" (4-49): "محمد بن مهاجر شيخ متأخر وضَّاع. هو الطالقاني يعرف بأخي حنيف يروي عن أبي معاوية وغيره كذّبه صالح جزَرة وغيره" اه.
وأقره الحافظ ابن حجر في "اللسان" (5-448) (1288-8073) في كل ما قاله الإمام الذهبي إلا أنه تعقبه في التأخر حيث قال: "ووصف المؤلف له بأنه متأخر مخالف لقاعدته، فإن الحد الفاصل عنده بين(1/104)
المتقدم والمتأخر، رأس الثلاثمائة، وهذا كان في حدود الستين ومائتين فهو متقدم، وقد روى أيضا عن ابن عيينة" اه
قلت: 1 فالحافظ ابن حجر لم يتعقب الإمام الذهبي في قوله: محمد بن مهاجر الطالقاني وضَّاع بل أقره وزاد ما يؤكد الوضع حيث نقل عن الجوزجاني قوله: "يضع الحديث" وعن ابن عقدة قال: "ليس بشيء، ضعيف ذاهب".
2 التعصب من الحافظ حول قول الذهبي: محمد بن مهاجر الطالقاني متأخر وقال "أنه في حدود الستين ومائتين" فهو متقدم، وقوله "متأخر" مخالف لِقاعدته فإن الحد الفاصل عنده بين المتقدم والمتأخر رأس الثلاثمائة.
قلت: كلام الحافظ صحيح إذا وضع محمد بن مهاجر الطالقاني أمام قاعدة الذهبي المطلقة.
ولكن الإمام الذهبي رحمه الله أورده في "الميزان" (4-49) الطالقاني بعد الأنصاري مباشرة للمقارنة فقال: 8217 محمد بن مهاجر الأنصاري فشامي وثقة مشهور يروي عن التابعين.
8218 محمد بن مهاجر شيخ متأخر وضاع هو الطالقاني.
قلت: فهذا تأخر نسبي أي أن الطالقاني الوضاع متأخر عن الأنصاري الثقة، فالأنصاري كما قال الذهبي يروي عن التابعين، والطالقاني كما قال الحافظ نفسه روى عن ابن عيينه من اتباع التابعين فذكر التقدم والتأخر في وسط المتفق المفترق يدل على التأخر النسبي للتفريق وبهذا يسلم الإمام الذهبي من التعقب بالمخالفة والقرينة التي تؤيد ذلك قوله عن الأنصاري في آخر ترجمته "يروي عن التابعين ثم ذكر الطالقاني مباشرة بأنه متأخر أي أنه يروي عن اتباع التابعين كما بينا آنفا وهذا تحقيق مهم حيث يجعل الباحث يبحث عن منطقة العلل في السند بعد أن تبين له أن عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي ثقة وشيخه محمد بن مهاجر الأنصاري ثقة أيضا وهذا ما تبين للإمام البيهقي في "الشعب" (3-387) ح(3841) حيث قال عن الحديث الذي جاءت به القصة: "يشبه أن يكون هذا الحديث موضوعا وهو منكر وفي رواته قبل عثمان بن سعيد مجهولون".
رابعا: علل أخرى في سند القصة
1 خالد الحمصي(1/105)
الذي روى عن عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي الثقة هو خالد بن عمرو أورده ابن عدي في "الكامل" (3-33) (24-594) وقال: "خالد بن عمرو بن خالد أبو الأخيل السُّلفي الحمصي: روى أحاديث منكرة عن ثقات الناس" وروى عن ابنه أحمد بن أبي الأخيل أنه مات سنة ست وثلاثين ومائتين" اه.
وقال الذهبي في "الميزان" (1-636-2448):
"كذبه جعفر الفريابي، ووهاه ابن عدي وغيره".
قلت: انظر إلى دقيق تحقيق ابن عدي في حكمه على خالد الحمصي بقوله: "روى أحاديث منكرة عن ثقات الناس" ثم انظر إلى تطبيق هذا القول على هذه القصة المنكرة التي رواها خالد الحمصي عن عثمان بن سعيد الحمصي الثقة.
وخالد الحمصي روى عن محمد بن حرب الحمصي الثقة وهو من طبقه عثمان بن سعيد الحمصي انظر "التقريب" (2-153)، (2-9).
2 وعلة أخرى في السند: رواية إبراهيم عن علي رضي الله عنه؛ قال ابن أبي حاتم في "المراسيل" (ص10) رقم (23): "قال أبو زرعة: إبراهيم النخعفي عن علي مرسل" اه
وقال ابن أبي حاتم في رقم (21):
"سمعت أبي يقول: لم يلق إبراهيم النخعي أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا عائشة ولم يسمع منها شيئا فإنه دخل عليها وهو صغير وأدرك أنسا ولم يسمع منه".
قلت: بهذا التحقيق يتبين أن السند تالف والقصة واهية.
قصة أخرى لعليّ مع النبي صلى الله عليه وسلم
وصلاة ليلة النصف من شعبان
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا علي، من صلى مائة ركعة ليلة النصف من شعبان، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب، وقل هو الله أحد عشر مرات" قال النبي صلى الله عليه وسلم : "يا علي ما من عبد يصلي هذه الصلوات إلا قضى الله عز وجل له كل حاجه طلبها تلك الليلة". قيل يا رسول الله وإن كان الله جعله شقيا أيجعله سعيدًا؟ قال: "والذي بعثني بالحق نبيا يا عليّ إنه مكتوب في اللوح أن فلان بن فلان خلق شقيا، يمحوه الله عز وجل، ويجعله سعيدا، ويبعث الله إليه سبعين ألف ملك يكتبون له الحسنات، ويمحون عنه السيئات، ويرفعون له الدرجات إلى رأس السنة ويبعث الله في جنات عدن(1/106)
سبعين ألف ملك أو سبعمائة ألف ملك يبنون له المدائن والقصور ويغرسون له الأشجار مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب المخلوقين... والذي بعثني بالحق إن الله يبعث في كل ساعة من ساعات الليل والنهار وهي أربع وعشرون ساعة سبعين ألف ملك يسلمون عليه ويصافحونه ويدعون له إلى أن ينفخ في الصور ويحشر يوم القيامة مع الكرام البررة...".
التخريج والتحقيق
1 الحديث الذي جاءت به هذه القصة أخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات" (2-127) ثم أخرج طريقين آخرين لهذه الصلاة الألفية أي التي يقرأ فيها ألف "قل هو الله أحد" في مائة ركعة ثم قال: "هذا حديث لا نشك أنه موضوع، وجمهور رواته في الطرق الثلاثة مجاهيل وفيهم ضعفاء بمرة، والحديث محال قطعا، وقد رأينا كثيرا ممّن يصلي عدة الصلاة يفوتهم صلاة الفجر ويصبحون كسالى، وقد جعلها جهلة أئمة المساجد مع صلاة الرغائب ونحوها من الصلوات، شبكة لمجمع العوام وطلبا لرياسة التقدم، وملأ بذكرها القصاص مجالسهم، وكل ذلك عن الحق بمعزل" اه.
2 الحديث أورده ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (2-93) وقال: جمهور رواته مجاهيل، وفيه ضعفاء، قال الذهبي: "إنه من وضع علي بن الحسن علي الثوري".
3 الحديث الذي جاء به هذه القصة أورده الإمام الشوكاني في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" ص(50) ثم قال: "هو موضوع، وفي ألفاظه المصرحة بما يناله فاعلها من الثواب مالا يمتري إنسان له تمييز في وضعه، ورجاله مجهولون".
وقد روي من طريق ثانية وثالثة كلها موضوعة، ورواتها مجاهيل.
قلت: الطريق الثانية لصلاة النصف من شعبان هي من طريق ابن عمر، زخرجها ابن الجوزي في "الموضوعات" (2-128)، والطريق الثالثة من طريق أبي جعفر الباقر وأخرجها أيضا ابن الجوزي في "الموضوعات" (2-128) وقد حكم بالوضع على الطرق الثلاث كما بيّنا آنفا.
الإحياء للغزالي وصلاة ليلة النصف من شعبان
من أسباب انتشار واشتهار هذه الصلاة ليلة النصف من شعبان في(1/107)
القرى والنجوع وعند المتصوفة أن الغزالي أوردها في "الإحياء" (1-203) حيث قال: "وأما صلاة شعبان: فليلة الخامس عشر منه يصلي مائة ركعة كل ركعتين بتسليمة يقرأ كل ركعة بعد الفاتحة قل هو الله أحد إحدى عشرة مرة وإن شاء صلى عشر ركعات يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة مائة مرة قل هو الله أحد، فهذا أيضا مروي في جملة الصلوات كان السلف يصلون هذه الصلاة ويسمونها صلاة الخير، ويجتمعون فيها، وربما صلوها جماعة، روى عن الحسن أنه قال: حدثني ثلاثون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه من صلى هذه الصلاة في هذه الليلة نظر الله إليه سبعين نظرة وقضى له بكل نظرة سبعين حاجة أدناها المغفرة" اه.
تحقيق ما أورده الغزالي في الإحياء
قال الحافظ العراقي في "المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من أخبار" (1-204):
"حديث صلاة ليلة نصف شعبان باطل" اه.
قلت: ولقد بين ذلك الإمام الشوكاني في "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" ص(51) حيث قال: "وقد اغتر بهذا الحديث جماعة من الفقهاء، كصاحب الإحياء وغيره وكذا من المفسرين وقد رويت صلاة هذه الليلة، أعني ليلة النصف من شعبان على أنحاء مختلفة كلها باطلة موضوعة" اه.
قلت: وإن تعجب فعجب بعد أن تبين أن صلاة ليلة النصف من شعبان باطلة موضوعة ووقعتها المنسوبة للإمام علي رضي الله عنه واهية، كيف يذكر صاحب الإحياء أن ثلاثين صحابيا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: "إنه من صلى هذه الصلاة في هذه الليلة نظر الله إليه نظرة وقضى له بكل نظرة سبعين حاجة أدناها المغفرة"؟
"بيان منشأ صلاة ليلة النصف من شعبان"
قال الإمام أبو شامة المقدسي رحمه الله في "الباعث على إنكار البدع والحوادث" ص(52): "وأصلها ما حكاه الطرطوشي في كتابه. وأخبرني به أبو محمد المقدسي، قال: لم يكن عندنا ببيت المقدس قط صلاة الرغائب هذه التي تصلى في رجب وشعبان، وأول ما حدثت عندنا في سنة ثمان وأربعين وأربع مائة، قدم علينا في بيت المقدس رجل(1/108)
من نابلس يعرف بابن أبي الحمراء، وكان حسن التلاوة، فقام يصلي في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان، فأحرم خلفه رجل، ثم انضاف إليهما ثالث ورابع فما ختمها إلا وهم جماعة كثيرة، ثم جاء في العام القابل فصلى معه خلق كثير وشاعت في المسجد، وانتشرت الصلاة في المسجد الأقصى، وبيوت الناس ومنازلهم ثم استقرت كأنها سنة إلى يومنا هذا" اه.
حديث موضوع
رَوِيَ عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول: ألا من مستغفر لي فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى فأعافيه ألا كذا ألا كذا حتى الفجر".
1 التخريج:
الحديث أخرجه ابن ماجه (1-444) ح(1388) ومن طريقه أخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية في الأحاديث الواهية" (2-561 562) ح(923) والبيهقي في "شعب الإيمان" (3-378) ح(3822) قال ابن ماجه: حدثنا الحسن بن علي الخلال حدثنا عبد الرزاق أنبأنا ابن أبي سبرة عن إبراهيم بن محمد عن معاوية بن عبد الله بن جعفر عن أبيه عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره.
2 التحقيق
الحديث "موضوع" وعلته ابن أبي سَبْرَة قال الذهبي في "الميزان" (4-503) ت(10024) أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة ضعفه البخاري وغيره وروى عبد الله وصالح ابنا أحمد عن أبيهما قال: كان يضع الحديث، وقال النسائي: متروك وقال ابن معين ليس حديثه بشيء" اه.
ثم أورد له الإمام الذهبي هذا الحديث وجعله من مناكيره، وضعف هذا الحديث المنذري في "الترغيب" (2-119) والإمام العراقي في "المغني" (1-204 أحياء).
وقال ابن حبان في "المجروحين" ابن أبي سبرة: "كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات لا يحل كتابة حديثه ولا الاحتجاج به بحال، كان أحمد بن حنبل يكذبه" اه.
قلت: لذلك قال الشيخ ابن باز في "التحذير من البدع" ص(11): "ومن البدع التي أحدثها بعض الناس بدعة الاحتفال بليلة النصف(1/109)
من شعبان وتخصيص يومها بالصيام وليس على ذلك دليل يجوز الاعتماد عليه، أما ما ورد في فضل الصلاة فيها فكله موضوع" اه.
هذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد.
انتهى
1-11-2003 العدد21:
قصة أبي الدرداء والذكر الجنوني
إعداد علي حشيش
" الحلقة الثامنة والثلاثون "
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي وجدت في بعض التفاسير، واتخذها أصحاب الذكر البدعي دليلا لذكر أسماء الله الحسنى بالوقوف والتمايل والرقص.
في الشهر الماضي شهر شعبان قام صاحب الذكر البدعي وتابعوه بمحاولة لإيهام القراء في المجلة التي هو مدير تحريرها بصحة الحديث المنكر "حديث الجنون" ورمانا بالخيانة العلمية لأننا لم نوافقه على هذا الحديث المنكر، ولكن كما عوَّدنا القارئ الكريم أن نقدم بحوثا علمية حديثية منها يتبين للقارئ من المتمتع بالخيانة العلمية؟
في تلك المحاولة من صاحب الذكر البدعي وتابعيه في الشهر الماضي؛ لتقوية حديث الجنون المنكر؛ جاءوا بقصة منسوبة للصحابي الجليل أبي الدرداء تجعله من أصحاب ذكر الجنون، ويُرْمى بالجنون.
القصة كما أوردها صاحب الذكر البدعي وتابعوه
قال : "معنى الجنون في الذكر كيف يكون"؟
فأجاب على هذا السؤال الذي سأله لنفسه حول ذكر الجنون قائلا: "ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره (5-159) قال: "أخرج عبد الرزاق أخبرنا معمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأخذ عودًا يابسا فحط ورقه، ثم قال: إن قول لا(1) إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله تحط الخطايا كما تحط ورق هذه الشجرة الريحُ، خذهن يا أبا الدرداء، قبل أن يحال بينك وبينهن، هن الباقيات الصالحات وهن من كنوز الجنة، قال أبو سلمة: فكان أبو الدرداء إذا ذكر هذا الحديث قال: "لأهللن الله، ولأكبرن الله ولأحمدن(1/110)
الله حتى إذا رآني الجاهل حسب أني مجنون" اه.
ثم قال صاحب الذكر البدعي في تعليقه على هذه القصة:
"في كلام ابن كثير على الإسناد فائدة فلا تفوتك هناك".
قلت: هذا كل ما قاله صاحب الذكر البدعي حول القصة التي انتهت بالجنون وهو يبين معنى الجنون في الذكر كيف يكون؟
وسأذكر للقارئ الكريم كلام الحافظ ابن كثير على الإسناد ثم أبين بعد ذلك عدم دراية صاحب الذكر البدعي وتابعيه بهذا العلم:
أولا: "كلام الحافظ ابن كثير على إسناد القصة"
قال الحافظ ابن كثير في "التفسير" (4-135) عند تفسير الآية {76-مريم}:
"وهذا ظاهره أنه مرسل ولكن قد يكون من رواية أبي سلمة عن أبي الدرداء والله أعلم وهكذا وقع في سنن ابن ماجه من حديث أبي معاوية عن عمر بن راشد، عن يحىى، عن أبي سلمة، عن أبي الدرداء فذكر نحوه" اه.
ثانيا : أوهام
1 توهم صاحب الذكر البدعي وتابعوه أن علة القصة الإرسال لأن أبا سلمة بن عبد الرحمن تابعي وقال: "جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم " وهو لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم .
2 وتوهم أن هذا الإرسال عالجه الإمام ابن كثير بالوصل عندما قال: "وهذا ظاهره مرسل، ولكن قد يكون من رواية أبي سلمة عن أبي الدرداء والله أعلم وهكذا وقع في سنن ابن ماجه...." اه.
3 وهذا يبين أن صاحب الذكر البدعي وتابعيه مجرد نقلة فهل حققوا سند حديث ابن ماجه؟ وإن كان موصولا فهو أوهن من بيت العنكبوت كما سنبين وليس فيه "معنى الجنون في الذكر كيف يكون"؟
وهذا هو الحديث في "سنن ابن ماجه" (2-1253) ح(3813):
حدثنا علي بن محمد، ثنا أبو معاوية، عن عمر بن راشد، عن يحىى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عليك ب (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) فإنها يعني، يحططن الخطايا كما تحط الشجرة ورقها" اه.
4 من الأوهام الشديدة التي وقع فيها صاحب الذكر البدعي وتابعوه: أن مجرد ذكر ابن كثير للقصة وكذلك غيره يكون دليلا على صحة القصة عند(1/111)
السكوت عن درجة الحديث وغاب عنهم:
أ أن ابن كثير درج على طريق أهل الحديث الذين قرروا أن من أسند فقد أحال ومن أسند ذكر الوسيلة إلى معرفة درجة الحديث.
ب وأن ابن كثير يصرح بدرجة الحديث تارة، ويسكت عن ذلك تارة، فلا يغتر صاحب الذكر البدعي وتابعوه بذكر ابن كثير للقصة في تفسيره والسكوت عن درجتها وليرجع إلى هذه الأصول ليعرف منهج الإمام الحافظ ابن كثير في تخريج أحاديث تفسيره.
ثالثا: (نقل بغير تخريج ولا تحقيق)
1 لقد نقل صاحب الذكر البدعي القصة من تفسير ابن كثير حيث قال: "ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره (5-159) قال: أخرج عبد الرزاق أخبرنا معمر بن راشد، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ...." القصة.
2 هل رجع صاحب الذكر البدعي إلى تصانيف عبد الرزاق ليقف على هذا السند في أصوله خوفًا من حدوث تصحيف في رجال سند عبد الرزاق، خاصة وهو في مقام الدفاع عن ذكره البدعي في بيانه "لمعنى الجنون في الذكر كيف يكون" ويتهم الصحابي الجليل بذكر الجنون؟
رابعا : التصحيف
قال السيوطي في "التدريب" (2-193) النوع الخامس والثلاثون: معرفة المصحَّف: "هو فن جليل مهم وإنما يحققه الحذَّاق من الحفاظ".
قلت: ولقد قسَّم العلماء المصَحَّف إلى ثلاثة أقسام:
الأول: باعتبار موقعه: ينقسم المصَحَّف باعتبار موقعه إلى قسمين هما:
1 تصحيف في الإسناد.
2 تصحيف في المتن.
الثاني: باعتبار منشئه: ينقسم إلى قسمين:
1 تصحيف بصر: (وهو الأكثر) أي يشتبه الخط على بصر القارئ إما لرداءة الخط أو عدم نقطه.
2 تصحيف السمع: أي تصحيف منشؤه رداءة السمع.
الثالث: باعتبار لفظه أو معناه ينقسم إلى قسمين:
1 تصحيف لفظ وهو الأكثر.
2 تصحيف في المعنى: أي يبقى الراوي المصَحّف اللفظ على حاله لكن يفسره تفسيرا يدل على أنه فهم معناه فهما غير مراد.
خامسا: تطبيق التصحيف على سند القصة
مما أوردناه في أقسام التصحيف؛ وعند تطبيقه على سند القصة(1/112)
المذكور في تفسير ابن كثير سيكون التصحيف بالنسبة للاعتبارات التي أوردناها: (تصحيف سند، وبصر، ولفظ) كما سنبين.
التخريج
لم أكتف بالتخريج بالواسطة فهذا يجعل التخريج بعيدا عن مصدره الأصلي، وهذا الصنيع له أثره السيء حيث قد يحدث تصحيف في السند أو المتن وهو لا يدري.
وهذا ما فعله صاحب الذكر البدعي وتابعوه في تخريج هذه القصة حيث قال: "ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره (5-195) قال: "أخرج عبد الرزاق أخبرنا معمر بن راشد، عن يحىى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ...." القصة.
قلت: هذا تخريج غير مباشر للقصة عند عبد الرزاق بواسطة "تفسير ابن كثير" من غير بحث عند عبد الرزاق في تصانيفه.
"البحث عن سند القصة في تصانيف عبد الرزاق"
1 بالبحث عن القصة في تصانيف عبد الرزاق لم نجدها في مصنف عبد الرزاق ولكن وجدناها في "تفسير عبد الرزاق" (2-12) طبعة مكتبة الرشد بالرياض ووجدنا تصحيفا خطيرا حيث وجدنا السند:
عبد الرزاق قال: أخبرنا: عمير بن راشد، عن يحىى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن به.
2 بالرجوع إلى النسخة (م) للمخطوط لتفسير عبد الرزاق وجدنا أن شيخ عبد الرزاق هو (عمر بن راشد) كذا ذكره محقق تفسير عبد الرزاق في هامشه لسند هذه القصة.
3 بالمقارنة بين سند القصة في الأصول عند عبد الرزاق، وبين السند المنقول في تفسير ابن كثير:
أ وجدنا أن شيخ عبد الرزاق في تفسير ابن كثير هو (معمر بن راشد).
ب الأصول بيّنت أن شيخ عبد الرزاق في سند القصة لم يكن هو (معمر بن راشد) ولكنه في الأصل المطبوع (عمير بن راشد) وفي الأصل المخطوط (عمر بن راشد).
ج إذن الأصول أخرجت (معمر بن راشد) من سند القصة وتبين أن الإسم حدث فيه تصحيف.
د من هذا التحقيق في التخريج المقارن بين الأصل والنقل تبين أن شيخ عبد الرزاق في سند القصة إمَّا (عمير بن راشد) أو (عمر بن راشد) وهذا تصحيف آخر لابد من البحث العلمي الدقيق حتى يتبيّن(1/113)
لنا شيخ عبد الرزاق في سند هذه القصة.
البحث في الراوي (عمير بن راشد)
1 إن من أسباب التدقيق في هذا البحث أنه بالبحث في اسطوانة التفاسير على (الكومبيوتر) وجدت أن سند القصة في "تفسير عبد الرزاق" جعل شيخ عبد الرزاق هو (عمير بن راشد).
2 وبالبحث في كتب الجرح والتعديل باب (من روي عنه العلم ممن يسمى عميرا وابتداء اسم أبيه على الراء).
أ في كتاب "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (6-376) لم أجد ما يسمى عمير بن راشد.
ب في كتاب "الكامل" لابن عدي (5-69) باب (ما يسمى عميرا) لم أجده.
ج في كتاب "التاريخ الكبير" للبخاري (3-2-530) باب (ما يسمى عميرا) لم أجده.
ء في كتاب "تهذيب الكمال" للمزي (14-108) باب (ما يسمى عميرا) لم أجده.
ه في كتاب "الضعفاء الكبير" للعقيلي (3-317) باب (ما يسمى عميرا) لم أجده.
و في كتاب "الميزان" للذهبي (3-296) باب (ما يسمى عميرا) لم أجده.
قلت: وتتبعت بقية الكتب في "الجرح والتعديل" لم أجد ما يسمى عمير بن راشد.
"الاستنتاج"
1 لم أجد راويًا ممن رُوي عنه العلم يسمى (عمير بن راشد).
2 إذن عمير بن راشد لم يكن من شيوخ عبد الرزاق.
3 إذن شيخ عبد الرزاق في سند هذه القصة هو (عمر بن راشد) كما في النسخة (م) للمخطوط لتفسير عبد الرزاق.
الجزم بأنه (عمر بن راشد)
بعد هذا البحث الدقيق وفقني الله سبحانه لتخريج آخر للقصة من طريق عبد الرزاق فوجدت والحمد لله على ما أنعم أن شيخ عبد الرزاق في هذه القصة هو (عمر بن راشد).
فقد أخرج هذه القصة الإمام الطبري في "تفسيره" (8-413 ط دار الغد) ح(23898) حيث قال الطبري حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزاق، قال: أخبرنا عمر بن راشد، عن يحىى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: جلس النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم...." القصة(2).
قلت: بهذا يتبين ضرر النقل بغير تحقيق ولقد تبين أن الراوي (معمر بن راشد) لم يكن في سند القصة عند الرجوع إلى الأصول وثبت بالتحقيق العلمي(1/114)
الدقيق أن الراوي هو (عمر بن راشد) وهذا بحث ليس بالهين ولا يستهين به إلا الجاهل بهذا العلم حيث أن هناك فرقًا كبيرًا بين الراويين:
1 معمر بن راشد قال فيه الحافظ ابن حجر في "التقريب" (2-266): "ثقة ثبت".
2 أما عمر بن راشد فقال فيه الإمام النسائي في "الضعفاء والمتروكين" رقم (474): "ليس بثقة".
التحقيق
القصة واهية والعلة عمر بن راشد، وهذه أقوال علماء الجرح والتعديل فيه:
1 أورده الإمام الدارقطني في كتابه "الضعفاء والمتروكين" رقم (379) وقال: "عمر بن راشد اليمامي عن يحىى بن أبي كثير" اه.
قلت: بهذا يتبين أن عمر بن راشد متروك بمجرد ذكره في "المتروكين" للدارقطني وإن لم يذكر بجواره "متروك" وذلك طبقا للقاعدة المذكورة في مقدمة الكتاب:
قال البرقاني طالت محاورتي مع ابن حمكان لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني في المتروكين من أصحاب الحديث فتقرر بيننا وبينه على ترك من أثبته على حروف المعجم في هذه الورقات" اه.
2 قال الإمام ابن حبان في "المجروحين" (2-83):
"عمر بن راشد اليمامي يروي عن يحىى بن أبي كثير، كان ممن يروي الأشياء الموضوعات عن ثقات الأئمة لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه ولا كتابة حديثه إلا على جهة التعجب" اه قلت: وفي "التهذيب" (7-391):
3 قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: "حديثه ضعيف ليس بمستقيم حدث عن يحىى بن أبي كثير بأحاديث مناكير".
4 وقال الجوزجاني عن أحمد: "لا يسوى حديثه شيئا".
5 وقال البخاري حديثه عن يحىى بن أبي كثير مضطرب ليس بالقائم.
قلت: وأخرج ابن حبان في "المجروحين" (2-83) بسنده عن يحىى بن معين قال: "عمر بن راشد ليس بشيء" اه.
فائدة 1: فهذا عمر بن راشد صاحب قصة الذكر الجنوني.
وهو أيضا صاحب حديث الاستهتار الذي ظن صاحب الذكر البدعي أن له متابعات وأوهم القارئ بذلك وعند تطبيق القواعد الأصولية لم تكن متابعات للراوي عمر بن راشد ولكن لتلاميذ عمر بن راشد فهي لا تسمن ولا تغني من جوع(1/115)
لأنها خارج منطقة المتابعات حيث تكون:
أ المتابعة التامة للراوي نفسه.
ب المتابعة القاصرة لشيخه فما فوقه.
فلا تغرنك كثرة الروايات التي ذكرها صاحب البدعي ومنطقة عمر بن راشد خاوية على عروشها وما ذكره صاحب الذكر البدعي ما هو إلا روايات لإثبات أن حديث عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير مضطرب ليس بالقائم كما قال أمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري.
فائدة 2: لئلا يتقول علينا صاحب الذكر البدعي وتابعوه لعدم درايتهم بهذا العلم، ويدلسون على الناس في المجلة قائلين: "من الخيانة العلمية أن يخفي الباحث في حال الراوي من الرواة ويظهر جرح من جرحه فقط ولقد وقع في هذه السقطة أحد كتاب مجلة التوحيد..." اه.
"قاعدة"
وإلى القارئ الكريم بيان بهذه القاعدة التي يحاول صاحب الذكر البدعي وتابعوه هدمها حتى يعيشوا مع الأحاديث المنكرة والقصص الواهية ولكن هيهات فهي أصول ثابتة ثبوت الجبال وهذه هي القاعدة:
قال محدث وادي النيل الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في "الباعث الحثيث شرح اختصار ابن كثير" ص(80): "إذا اجتمع في الراوي جرح مبيّن السبب وتعديل، فالجرح مقدم، وإن كثر عدد المعدلين لأن مع الجارح زيادة علم لم يطلع عليها المعدل، ولأنه مصدق للمعدل فيما أخبر به عن ظاهر حاله، إلا أنه يخبر عن أمر باطن خفي عنه" اه.
قلت: هذه هي القاعدة عند التحقيق لأهل الصنعة انظر "الفوائد" للشوكاني، و"تنزيه الشريعة" لابن عراق، و"العلل" لابن الجوزي، بل و"المجمع للهيثمي" كما بينا قوله في سلسلة "صحح أحاديثك" العدد السابق حول حديث الجنون.
فلا يفرح صاحب الذكر البدعي وتابعوه بأقوال المتساهلين كالعجلي وابن شاهين أمام هؤلاء الجبال من أئمة الجرح والتعديل.
بهذا يتبين للقارئ الكريم أن القصة واهية وأن الصحابي الجليل أبا الدرداء بريء من هذه القصة قصة الذكر الجنوني لأبي الدرداء التي اتخذها صاحب الذكر البدعي وتابعوه شاهدًا لحديث الجنون المنكر، ولبيان معنى(1/116)
الجنون في الذكر كيف يكون؟
لقد تبين للقارئ الكريم من هذا البحث أن صاحب الذكر البدعي وتابعيه لا دراية لهم بأصول التخريج وقواعده، ولا دراية لهم بقواعد التحقيق مما كان سببًا في ضياع الأمانة العلمية لهذا السند الموجود في مخطوط تفسير عبد الرزاق، لولا أن وفقنا الله تعالى لكشف تصحيفه، وكشف علته، فسقطت القصة، وكشفت الأستار، عن بدعة الجنون في الأذكار.
فهذه هي أمانة البحوث العلمية الحديثية، فلينظر القارئ من أين أتت الخيانة العلمية ومن الذين يعبثون بالأحاديث؟
هذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد.
هوامش:
(1) نُقلت كما جاءت في المجلة للأمانة العلمية.
(2) بعد الانتهاء من إعداد هذا "التحذير" وفقنا الله لطبعة أخرى لتفسير عبد الرزاق طبعة دار الكتب العلمية تحقيق دكتور محمود محمد عبده كلية الدعوة جامعة الأزهر "التفسير" (2-364) ح(1785) حصلنا على السند بالجزم بأن شيخ عبد الرزاق في "القصة" هو (عمر بن راشد) والسند: عند عبد الرزاق قال: أخبرنا عمر بن راشد عن يحىى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: "جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ......" القصة. فلله الحمد والمنه.(1/117)
1-12-2003 العدد 23:
قصة مفتراة على نبي الله يوسف عليه السلام
" الحلقة التاسعة والثلاثون "
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
لقد انتهى شهر رمضان، وأكثر المسلمون فيه من قراءة القرآن، ابتغاء الشفاعة، حيث ثبت في "صحيح مسلم" (ح804)، "كتاب صلاة المسافرين" (ح252) من حديث أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه...".
ويحاول البعض أن يعرف معاني الآيات التي قرأها فيقع وهو لا يدري في قصص واهية وأحاديث منكرة وضعت في بعض التفاسير وتناقلها الوعاظ والقصاص.
من أجل ذلك قال الإمام ابن الجوزي في "الموضوعات" (1-31): "إن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم مأثورة ينقلها خلف عن سلف، ولم يكن هذا لأحد من الأمم قبلها، ولما لم يمكن أحد أن يدخل في القرآن شيئًا ليس منه، أخذ أقوام يزيدون في حديث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وينقصون ويبدلون ويضعون عليه ما لم يقل، فأنشأ الله عز وجل علماء يذبون عن النقل، ويوضحون الصحيح، ويفضحون القبيح، وما يخلي الله عز وجل منهم عصرًا من العصور، غير أن هذا النسل قد قل في هذا الزمان فصار أعز من عنقاء مغرب". اه.
قلت: فإذا كان الأمر كذلك في عهد ابن الجوزي المتوفى سنة (597ه)، فكم يكون عدد العلماء الذابين عن الحديث في هذا العصر؟ لا شك أنهم أقل من القليل، مما يؤكد علينا وجوب الاستمرار في نشر هذه السلسلة "تحذير الداعية من القصص الواهية"، وتحذيرًا للناس منها، وقيامًا بواجب بيان العلم.
- القصة المفتراة على نبي الله يوسف عليه السلام، وهي "قصة ابتغاء يوسف عليه السلام الفرج من عند غير الله".
القصة حول تفسير الآية (42- يوسف) في قوله تعالى: وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين.
القصة: قال يوسف للذي علم أنه ناج من صاحبيه اللذَيْن استعبراه الرؤيا: اذكرني عند ربك وهو الملك وأخبره بمظلمتي،(1/118)
وأني محبوس بغير جرم، هذا خبر من الله جل ثناؤه عن غفلة عرضت ليوسف من قبل الشيطان نسى لها ذكر ربه الذي لو به استغاث لأسرع بما هو فيه خلاصه، ولكنه زلّ بها فأطال من أجلها في السجن حبسه وأوجع لها عقوبته.
قلت: هذه القصة التي أخبر فيها الإمام الطبري- عفا الله عنا وعنه- عن غفلة يوسف ونسيانه لذكر الله، وأنه لم يستغث بالله، فأطال من أجل ذلك في السجن حبسه.
ولقد بنى قوله هذا في القصة على حديث مرفوع أخرجه في تفسيره (7-244) (ح19322) حيث قال: كما حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن إبراهيم بن يزيد، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لو لم يقل يوسف- يعني الكلمة التي قالها- ما لبث في السجن طول ما لبث حيث يبتغي الفرج من عند غير الله".
التحقيق
قلت: في السند علتان تجعلان هذه القصة واهية.
الأولى: إبراهيم بن يزيد، أورده الإمام المزي في "تهذيب الكمال" (1-452- 263) وقال: يعرف بالخوزي روى عن عمرو بن دينار، سكن شِعْب الخوز بمكة فنسب إليه.
1- قال صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه: متروك.
2- وقال أبو بشر الدولابي عن البخاري: "سكتوا عنه". قال الدولابي: يعني: تركوه. اه.
3- قلت: وأورده الإمام البخاري في "الضعفاء الصغير" رقم (12) وقال: "إبراهيم بن يزيد، أبو إسماعيل الخوزي مكي سكتوا عنه، يروي عن محمد بن عباد بن جعفر، وعمرو بن دينار".
4- أورده الإمام النسائي في كتاب "الضعفاء والمتروكين" ترجمة (14) وقال: "إبراهيم بن يزيد الخوزي: متروك".
فائدة
أ- مصطلح البخاري: "سكتوا عنه": قال السيوطي في "التدريب" (1-439): "البخاري يطلق: فيه نظر، وسكتوا عنه فيمن تركوا حديثه، ويطلق منكر الحديث: على من لا تحل الرواية عنه".
ب- مصطلح النسائي: متروك.
قال الحافظ ابن حجر في "شرح النخبة" (ص69): "مذهب النسائي أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه".
5- وأورده الدارقطني في(1/119)
"المتروكين" رقم (13) كما في سؤالات البرقاني.
6- وأورده ابن حبان في "المجروحين" (1-100) وقال: "روى عن عمرو بن دينار، وأبي الزبير، ومحمد بن عباد بن جعفر مناكير كثيرة وأوهامًا غليظة حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها".
الثانية: سفيان بن وكيع بن الجراح:
أ- أورده الإمام الذهبي في "الميزان" (2-173- 3334).
أ- قال البخاري: يتكلمون فيه لأشياء لقنوه إياها.
ب- وقال أبو زرعة: يتهم بالكذب.
2- قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (4-231): "سألت أبا زرعة عنه فقال: لا يشتغل به، قيل له كان يكذب، قال: كان أبوه رجلاً صالحًا، قيل له: كان يتهم بالكذب؟ قال: نعم".
3- أورده ابن حبان في "المجروحين" (1-355): وقال: "ابتلي بورّاق سوء كان يدخل عليه- أي أدخل عليه ما ليس من روايته، ونصحه العلماء أن يدعه، فلم يرجعه، فمن أجل إصراره على ما قيل له استحق الترك". اه.
4- قال النسائي في "الضعفاء والمتروكين" رقم (289): "سفيان بن وكيع بن الجراح: ليس بشيء".
الاستنتاج
نستنتج من هذا التحقيق أن السند ضعيف جدّا وأن القصة واهية.
الضمير في قوله: فأنساه الشيطان ذكر ربه.
قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (4-172):
1- "ولما ظن يوسف عليه السلام أن الساقي ناج قال له يوسف خفية عن الآخر- والله أعلم- لئلا يشعره أنه المصلوب- قال له: اذكرني عند ربك، يقول: اذكر قصتي عند ربك وهو الملك فنسي ذلك الموصَى أن يذَكِّر مولاه الملك بذلك، وكان من جملة مكايد الشيطان لئلا يطلع نبي الله من السجن هذا هو الصواب أن الضمير في قوله: فأنساه الشيطان ذكر ربه عائد على الناجي كما قال مجاهد، ومحمد بن إسحاق، وغير واحد".
2- ويقال أن الضمير عائد على يوسف عليه السلام، رواه ابن جرير عن ابن عباس، ومجاهد أيضًا وعكرمة وغيرهم، وأسند ابن جرير ههنا حديثًا فقال: حدثنا ابن وكيع حدثنا عمرو بن محمد عن إبراهيم بن يزيد عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعًا قال: قال(1/120)
النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديث القصة الذي حققناه آنفًا.
3- ثم قال الإمام ابن كثير: "هذا الحديث ضعيف جدّا لأن سفيان بن وكيع ضعيف، وإبراهيم بن يزيد هو الخوزي أضعف منه ايضًا، وقد روى عن الحسن وقتادة مرسلاً عن كل منهما وهذه المرسلات ههنا لا تقبل لو قبل المرسل حيث هو في غير هذا الموطن والله أعلم". اه.
إقرار علامة الشام القاسمي للإمام ابن كثير
لقد أقر علامة الشام محمد جمال الدين القاسمي في تفسيره "محاسن التأويل" (4-367) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، حيث قال: "وأما ما رواه ابن جرير عن ابن عباس مرفوعًا: "لو لم يقل- يعني يوسف- الكلمة التي قال، ما لبث في السجن طول ما لبث حيث يبتغي الفرج من عند غير الله تعالى". فقال الحافظ ابن كثير: حديث ضعيف جدّا وذكر من رجاله الضعفاء روايتين سماهما. ثم قال: وروي أيضًا مرسلاً عن الحسن وقتادة، قال: وهذه المرسلات ههنا لا تقبل لو قبل المرسل من حيث هو في غير هذا الموطن والله أعلم".
ولقد أجاد وأفاد عليه الرحمة. اه.
قلت: من تعقيب علامة الشام القاسمي على تحقيق الإمام ابن كثير يتبين إقراره لابن كثير رحمه الله، وبيان الصواب في قوله: فأنساه الشيطان ذكر ربه، وبراءة يوسف عليه السلام مما نسب إليه في هذه القصة من نسيان ذكر الله وابتغائه الفرج من عند غير الله وعقوبته على ذلك بطول الحبس، ولقد تبين للقارئ الكريم أن هذا الخبر منكر وقصة واهية.
السنة الصحيحة تثبت ما قلناه
أولاً: من الأوهام التي وقعت في هذه القصة الواهية أن يوسف عليه السلام قال للناجي: "اذكرني عند ربك" جزعًا واستعجالاً للخروج من السجن، والسنة الصحيحة المطهرة ترد هذه الشبهة وتبين صبر يوسف عليه السلام، فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "نحن أحق بالشك من إبراهيم؛ إذ قال: رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي، ويرحم الله(1/121)
لوطًا لقد كان يأوى إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي".
قلت: الحديث متفق عليه، أخرجه البخاري (ح3375، 3387، 4537، 4694، 6992)، ومسلم (ح151)، قال الإمام النووي رحمه الله في شرح هذا الحديث: "وأما قوله صلى الله عليه وسلم : "ولو لبثت في السجن طول لبث يوسف لأجبت الداعي":
1- فهو ثناء على يوسف عليه الصلاة والسلام، وبيان لصبره، وتأنيه.
2- والمراد بالداعي رسول الملك الذي أخبر الله سبحانه وتعالى أنه قال: ائتوني به فلما جاءه الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة الاتي قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم {يوسف: 50}.
3- فلم يخرج يوسف عليه السلام مبادرًا إلى الراحة، ومفارقة السجن الطويل، بل ثبت، وتوقر، وأرسل إلى الملك في كشف أمره الذي سجن بسببه، ولتظهر براءته عند الملك وغيره فيلاقيه الملك وهو يعتقد براءته مما نسب إليه.
4- فبين نبينا صلى الله عليه وسلم فضيلة يوسف في هذا، وقوة نفسه في الخير، وكمال صبره، وحسن نظره.
5- وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه ما قاله، تواضعًا، وإيثارًا للإبلاغ في بيان كمال فضيلة يوسف عليه السلام.
قلت: ولقد أجاد وأفاد الإمام النووي رحمه الله في تفسيره لهذا الحديث والذي به ترد الشبهات التي جاءت في القصص الواهية، وترد فرية نسيان يوسف عليه السلام ذكر الله، وهو الذي دعاهما في السجن إلى توحيد الله كما في الآيات (38، 39، 40 سورة يوسف) عندما استعبراه الرؤيا.
ثانيًا: ومن الأوهام التي نشأت عن هذه القصة الواهية: أن يوسف عليه السلام عندما جزع في السجن، ونسي ذكر الله وابتغى الفرج من عند غير الله عوقب بطول السجن.
ولقد أخرج ابن أبي حاتم في "تفسيره" (7-2159) (ح11642) حديثًا قدسيا يحتج به أصحاب هذه الشبهة، ولكي نرد هذه الشبهة يجب دحض هذه الحجة.
ولقد أخرج ابن أبي حاتم الحديث تحت قوله تعالى: فلبث في السجن بضع سنين، حيث قال: حدثنا أبي وأبو زرعة قالا:(1/122)
حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، حدثنا سلام بن أبي الصهباء، حدثنا ثابت، عن أنس قال: أوحى الله إلى يوسف، يا يوسف من استنقذك من الجب إذْ ألقوك فيه؟ قال: أنت يا رب. قال: من استنقذك من القتل إذ هم إخوتك أن يقتلوك؟ قال: أنت يا رب، قال: فما لك نسيتني وذكرت آدميًا؟ قال: جزعًا بذنبي، وكلمة تكلم بها لساني. قال: وعزتي لأخلدنك السجن بضع سنين. اه.
قلت: وإلى القارئ الكريم تحقيق هذه القصة: "قصة معاتبة الله ليوسف عليه السلام على نسيانه وجزعه ثم عقوبته".
فالقصة واهية والحديث منكر، وعلته: "سلام بن أبي الصهباء".
1- قال فيه أمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري في كتابه "التاريخ الكبير" (4-135) ترجمة (2234): سلام بن أبي الصهباء، حدثنا ثابت عن أنس: سلام منكر الحديث. اه.
قلت: ولقد بينت آنفًا معنى مصطلح البخاري "منكر الحديث"، وأن البخاري يطلقه على من لا تحل الرواية عنه.
2- أورده الإمام الذهبي في "الميزان" (2-180-3350) وقال: "سلام بن أبي الصهباء أبو المنذر البصري الفزاري عن ثابت وقتادة ضعفه يحيى".
3- قال ابن حبان في "المجروحين" (1-336): "سلام بن أبي الصهباء الفزاري من أهل البصرة يروي عن ثابت البناني وقتادة روى عنه معلى بن أسد والبصريون، ممن فحش خطؤه وكثر وهمه، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد".
قلت: وقول ابن حبان: "فحش خطؤه وكثر وهمه"، هذه العبارة تجعل الراوي يخرج أيضًا عن منطقة المتابعات، حيث قال الإمام العراقي في "فتح المغيث" (ص7): "من كثر الخطأ في حديثه وفحش استحق الترك وإن كان عدلاً".
4- قلت: وهذا ما بيّنه الإمام العقيلي في "الضعفاء الكبير" (2-159-1665) فبعد أن أخرج عن الإمام البخاري أنه "منكر الحديث" قال: "ولا يتابع عليه عن ثابت". اه.
قلت: بهذا التحقيق يتبين أن قصة نسيان يوسف عليه السلام ذكر الله وابتغائه الفرج من عند غير الله قصة واهية وحديثها منكر، وكذلك قصة معاتبة الله ليوسف عليه السلام(1/123)
وجزعه وعقوبته قصة واهية أيضًا وحديثها منكر كما بيَّنا في علتها وقول أمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري.
وأختم هذا البحث بقول مسك الختام للنبيين محمد صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري (ح3390): "الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام".
هذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد.
انتهى(1/124)
1-1-2004 العدد 23:
قصة رسالة إلى عابد الحرمين في موسم حج "179ه"
بقلم علي حشيش
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم، حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة الخطباء والوعاظ والقصاص واتخذها البعض دليلاً على التقليل من شأن العبادة والعلم بدعوى أن لهم غاية تصبح أمامها هذه الأمور لعبًا وعبثًا.
أولاً: القصة سندًا ومتنًا
أخرج عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي في كتابه "طبقات الشافعية الكبرى" (1-201) قال: أخبرنا أبو العباس الأشعري بقراءتي عليه، أخبرنا سليمان بن حمزة القاضي، والحسن بن علي بن ميمون النرسي الحافظ بالكوفة، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن العلوي، أخبرنا أبو المفضل محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني قال: أملى علينا أبو محمد عبد الله بن سعيد بن يحيى الجزري القاضي بنصيبين، حفظا، في سنة سبع عشرة وثلاثمائة، قال: أملى عليَّ محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة البهراني من كتابه بحلب سنة ست وثلاثين ومائتين، قال: أملى عليَّ عبد الله بن المبارك هذه الأبيات بطرسوس، وودعته بالخروج للحج، وأنفذها معي إلى الفضيل- يعني ابن عياض- وذلك سنة تسع وسبعين ومائة:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا
لعملت أنك في العبادة تلعبُ
من كان يخضب جيدَه بدموعه
فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يُتْعِبُ خيله في باطل
فخيولنا يوم الكريهة تتعبُ
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا
رهجع السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا عن مقال نبينا
قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي وغبار خيل الله في
أنف امرئ ودخان نار تلهب
هذا كتاب الله ينطق بَيننا
ليس الشهيد بميت لا يكذب
ثانيًا: التحقيق:
قلت: هذه القصّة واهية وسندها تالف، وعلته أبو المفضل محمد بن عبد الله الشيباني، أورده الخطيب في "تاريخ بغداد" (5-466)... (3010) وقال: أبو المفضل الشيباني الكوفي: نزل بغداد وحدث بها عن البغوي وابن جرير وعن خلق كثير من المصريين، والشاميين، والجزريين وأهل الثغور معروفين ومجهوللين، ثم(1/125)
قال:
وحدثني عبد الملك بن عبد القهار قال: أبو المفضل محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله البهلول بن همام بن المطلب بن همام بن مطر بن بحر بن مرة بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان سمعت الأزهري ذكر أبا المفضل فأساء ذكره، وقال: كان أبو المفضل دجالاً كذابًا.
ثم قال: أخبرنا أحمد بن محمد العتيقي قال: سنة سبع وثماثنين وثلاثمائة فيها توفي أبو المفضل الشيباني ببغداد في التاسع والعشرين من شهر ربيع الآخر وكان كثير التخليط". اه.
قلت: وأورده الإمام الذهبي في "الميزان" (3-607-7802)، ونقل قول الخطيب في أبي المفضل: "كتبوا عنه بانتخاب الدارقطني ثم بان كذبه فمزقوا حديثه وأبطلوا روايته وكان يضع الأحاديث للرافضة". اه. وأقره.
قلت: وأورده الحافظ ابن حجر في "اللسان" (5-261) (811-7596)، وأقر قول الأزهري والدارقطني والعتيقي: ثم نقل عن حمزة بن محمد بن طاهر قوله: "كان يضع الحديث". اه.
قلت: وأورده ابن عراق في "تنزيه الشريعة" (1-107) في سرد أسماء الوضاعين والكذابين ومن كان يسرق الحديث ويقلب الأخبار ومن اتهم بالكذب والوضع من رواة الأخبار حيث أورده في حرف الميم (166) وقال: "محمد بن عبد الله بن المطلب أبو المفضل الشيباني الكوفي عن البغوي وابن جرير: دجال يضع الحديث". اه.
قلت: بهذا التحقيق يتبين أن القصة واهية مكذوبة، فلا تعجب فقد وضعت أحاديث مكذوبة وقصص واهية على خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم .
ثالثًا: قرائن تدل على نكارة القصة
القرينة الأولى: ما كان لعبد الله بن المبارك رحمه الله أن يحتقر عبادة شيخه الفضيل بن عياض ويقول له:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا
لعلمت أنك في العبادة تلعب
وقد ذكر الإمام المزي في "تهذيب الكمال" (15-105-5349) أن عبد الصمد بن يزيد الصائغ قال: قال لي عبد الله بن المبارك: "إن الفضيل بن عياض صدق الله فأجرى الحكمة على لسانه فالفضيل ممَّن نفعه علمه". اه.
قلت: هذا قول ابن المبارك في بيان صدق(1/126)
الفضيل بن عياض.
1- والذي يتفق مع قول إبراهيم بن شماس:
"رأيت أفقه الناس، وأورع الناس، وأحفظ الناس: فأما أحفظ الناس فابن المبارك، وأما أورع الناس فالفضيل بن عياض، وأما أفقه الناس فوكيع بن الجراح". اه. كذا في "تهذيب الكمال" (15-109).
2- ويتفق مع قول هارون الرشيد:
"ما رأيت في العلماء أهيب من مالك بن أنس ولا أورع من الفضيل بن عياض".
3- ويتفق مع قول إسماعيل بن يزيد عن إبراهيم بن الأشعث:
"ما رأيت أحدًا كان الله في صدره أعظم من الفضيل بن عياض، كان إذا ذُكر الله أو ذكر عنده أو سمع القرآن ظهر به الخوف والحزن وفاضت عيناه، وبكى حتى يرحمه من بحضرته، وكان دائم الحزن، شديد الفكرة، ما رأيت رجلاً يريد الله بعلمه وعمله وأخذه وعطائه ومنعه وبذله وبغضه وحبه وخصاله كلها غيره". اه.
قلت: ولذلك جمع فيه الحافظ ابن حجر القول في "التقريب" (2-113) فقال: الفضيل بن عياض بن مسعود التيمي أبو علي، الزاهد المشهور أصله من خراسان وسكن مكة، ثقة عابد إمام من الثامنة، مات سنة سبع وثمانين ومائة.
قلت: من هذه القرينة يتبين للقارئ الكريم حقيقة عبادة الإمام الفضيل بن عياض، والذي ترجم له الإمام المزي قائلاً: "أبو علي الزاهد أحد صلحاء الدنيا وعبادها"، ولقد تبين من قول ابن المبارك الذي أوردناه آنفًا: "أنه صدق الله" مما يدل على أن هذه القصة الواهية قصة مكذوبة على ابن المبارك الذي يعرف قدر شيخه الفضيل بن عياض، كما بينا آنفًا، فما كان له أن يصفه بالعبث واللعب في العبادة.
"حج الخليفة"
القرينة الثانية
الذي يتأمل في القصة والأبيات التي كتبها ابن المبارك بطرسوس وأرسلها مع ابن أبي سكينة البهراني إلى الفضيل بن عياض وودعه بالخروج للحج سنة تسع وسبعين ومائة، يدل على أن الأمة في هذا الوقت كانت في حرب، وأن ابن المبارك كان في معركة والفضيل يلعب في العبادة بمكة.
قلت: بالبحث في كتاب "البداية والنهاية" (10-533) للإمام ابن كثير لسنة تسع(1/127)
وسبعين ومائة نجد أن موسم الحج كان موسم أمن وأمان، ولا توجد فيه حرب، ولذلك خرج الخليفة هارون الرشيد في هذه السنة للحج، حيث قال الإمام ابن كثير:
"وفيها خرج الرشيد معتمرًا من بغداد شكرًا لله عز وجل، فلما قضى عمرته أقام بالمدينة حتى حج بالناس في هذه السنة، فمشى من مكة إلى منى ثم إلى عرفات وشهد المشاهد والمشاعر كلها ماشيًا، ثم انصرف إلى بغداد على طريق البصرة". اه.
قلت: ولقد ذكرنا هاتين القرينتين للاستئناس على نكارة القصة ومن تحقيق القصة الذي أوردناه آنفًا يتبين أن القصة واهية من غير هذه القرائن، وأن ابن المبارك رحمه الله بريء من احتقاره لعبادة الفضيل رحمه الله، بل هو الذي شهد للفضيل بأنه صدق الله فأجرى الحكمة على لسانه: ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا {البقرة: 269}.
وإن تعجب فعجب كيف ينسب لابن المبارك احتقاره لعبادة الفضيل وجعلها لعبًا وعبثًا وقد ترجم الإمام المزي للفضيل أنه: "الزاهد أحد صلحاء الدنيا وعبادها" كما بيّنا آنفًا، ولا يخفى على ابن المبارك مكانة الصالحين في النصر.
1- فلقد بوّب الإمام البخاري في "صحيحه" كتاب الجهاد بابًا بعنوان: "من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب" باب (76).
قلت: ثم أخرج الإمام البخاري تحت هذه الترجمة: (ح2896) قال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا محمد بن طلحة عن طلحة عن مصعب بن سعد قال: رأى سعدٌ رضي الله عنه أن له فضلاً على من دونه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "هل تنصرون إلا بضعفائكم".
2- قلت: ولقد بوب الإمام النسائي في السنن الكبرى والصغرى في كتاب "الجهاد" بابًا بعنوان: "الاستنصار بالضعيف".
قلت: ثم أخرج الإمام النسائي تحت هذه الترجمة في "السنن الكبرى" (3-30) (ح4387) قال: أنبأنا محمد بن إدريس قال: حدثنا عمر وهو ابن حفص بن غياث عن أبيه عن مسعر عن طلحة عن مصعب بن سعد عن أبيه أنه: ظنّ أن له فضلاً على من دونه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (1/128)
فقال نبي الله: "إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم".
قلت: وهذا الحديث أخرجه النسائي أيضًا في "الصغرى" (2-65)، وأبو نعيم في "الحلية" (5-26) من طريق طلحة بن مصرف عن مصعب بن مسعد عن أبيه، وهو حديث صحيح.
3- قلت: وقد أخرج أبو داود (ح2594)، والنسائي (2-65)، وفي الكبرى (3-30) (ح4388)، والترمذي (4-179- شاكر) (ح1702)، وابن حبان (ح1620)، والحاكم (2-106، 145) من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني زيد بن أرطاة عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "ابغوني الضعفاء؛ فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم".
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، فالحديث صحيح وهو كما قالا.
قلت: ثم نقل الحافظ في "الفتح" (6-105) أقوال الأئمة حول الحديث:
1- قال ابن بطال: "تأويل الحديث أن الضعفاء أشد إخلاصًا في الدعاء وأكثر خشوعًا في العبادة لخلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا". اه.
2- وقال المهلب: أراد صلى الله عليه وسلم بذلك حَض سعد على التواضع ونفي الزهو على غيره وترك احتقار المسلم في كل حالة. اه.
"الاستفتاح بالصالحين"
أخرج الإمام البخاري (ح2897) قال: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا سفيان عن عمرو سمع جابرًا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يأتي زمان يغزو فئام من الناس فيقال: فيكم من صَحِب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فيقال: نعم، فيفتح عليه، ثم يأتي زمان فيقال: فيكم من صَحِب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فيقال: نعم، فيفتح، ثم يأتي زمان فيقال: فيكم من صحب أصحاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فيقال: نعم، فيفتح". اه.
قلت: فما أحوجنا إلى العودة إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة الذين كتب الله لهم الفتح، في الوقت الذي أعدوا لعدوهم ما استطاعوا من قوة.
بهذا يتبين للقارئ الكريم عدم صحة هذه القصة من خلال التخريج والتحقيق وكيف صححنا المفاهيم من خلال السنة الصحيحة المطهرة.
هذا ما وفقني الله إليه، وهو وحده من وراء القصد.
انتهى(1/129)
1-2-2004 العدد 24:
قصة مجيء الأعرابي إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم طالبًا الاستغفار
الحلقة :
"الحادية والأربعون "
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم ، حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة الخطباء والوعاظ والقصاص واتخذتها المتصوفة دليلاً على مشروعية طلب الدعاء والشفاعة من الأموات.
أولاً : متن القصة :
1- روي عن أبي حرب الهلالي قال : حج أعرابي فلما جاء إلى باب مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أناخ راحلته فعقلها ثم دخل المسجد حتى أتى القبر ووقف بحذاء وجه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا رسول الله، ثم سلم على أبي بكر وعمر ثم أقبل على رسول الله ، فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، جئتك مثقلاً بالذنوب والخطايا مستشفعًا بك على ربك لأنه قال في محكم كتابه: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما {النساء : 64} . وقد جئت بأبي أنت وأمي مثقلاً بالذنوب والخطايا أستشفع بك على ربك أن يغفر لي ذنوبي وأن تشفع فيَّ ثم أقبل في عرض الناس وهو يقول :
يا خيرَ مَنْ دُفِنَتْ في الأرضِ أَعْظُمُهُ
فطابَ مِن طِيبِهِ القَاعُ والأَكَمُ
نفسي الفداءُ لقبرٍ أنتَ ساكِنُهُ
فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرمُ
قلت : أخرج هذه الرواية بهذا اللفظ البيهقي في "شعب الإيمان" (3-495) (ح4178) قال: أخبرنا أبو علي الرودباري ، حدثنا عمرو بن محمد بن عمرو بن الحسين بن بقية إملاءً ، حدثنا سكر الهروي ، حدثنا أبو يزيد الرقاشي عن محمد بن روح بن يزيد البصري ، حدثني أبو حرب الهلالي قال : فذكر القصة .
القصة بلفظ آخر وطريق آخر
2- رُوي عن محمد بن حرب الهلالي قال: "دخلت المدينة فأتيت قبر النبي صلى الله عليه(1/130)
وسلم ، فزرته وجلست حذاءه ، فجاء أعرابي فزاره ثم قال : يا خير الرسل إن الله أنزل عليك كتابًا صادقًا ، قال فيه : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما {النساء: 64}، وقد جئتك مستغفرًا من ذنبي مستشفعًا بك إلى ربي ثم بكى وأنشأ يقول :
يا خيرَ مَنْ دُفِنَتْ بالقاعِ أَعْظُمُهُ
فطابَ مِن طِيبِهِنَ القَاعُ والأَكَمُ
نفسي الفداءُ لقبرٍ أنتَ ساكِنُهُ
فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرمُ
ثم استغفر وانصرف ، فرقدت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في نومي وهو يقول : إلحق الرجل فبشره أن الله قد غفر له بشفاعتي ، فاستيقظت فخرجت أطلبه فلم أجده". اه .
قلت : هذه الرواية عزاها السبكي إلى ابن عساكر في تاريخه وابن الجوزي في مثير العزم الساكن ، وسنبين للقارئ الكريم الرد على هذه الرواية والرواية السابقة لها .
القصة أيضًا بلفظ آخر وطريق آخر :
3- رُوي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قدم علينا أعرابي بعدما تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيام فرمى بنفسه إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وحثى على رأسه من ترابه، وقال : يا رسول الله ، قلت فسمعنا قولك ، ووعيت عن الله عز وجل فوعينا عنك، وكان فيما أنزل الله عز وجل عليك : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما {النساء : 64} .
وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي ، فنودي من القبر أنه قد غفر لك. اه .
قلت : هذا الطريق رواه أبو الحسن علي بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد الرحمن الكرخي عن علي بن محمد بن علي ، حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم الطائي ، قال : حدثني أبي عن سلمة بن كهيل ، عن أبي صادق عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : فذكر كذا في "الصارم المنكى (ص323) ، وأوردها القرطبي في "تفسيره" (2-1929) .
القصة أيضًا بلفظ آخر وطريق آخر :
4- رُوي عن العُتْبي قال : كنت(1/131)
جالسًا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال : السلام عليك يا رسول الله ، سمعت الله يقول: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما {النساء : 64} ، وقد جئتك مستغفرًا لذنبي مستشفعًا بك إلى ربي ، ثم أنشأ يقول :
يا خيرَ مَنْ دُفِنَتْ بالقاعِ أَعْظُمُهُ
فطابَ مِن طِيبِهِنَ القَاعُ والأَكَمُ
نفسي الفداءُ لقبرٍ أنتَ ساكِنُهُ
فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرمُ
ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ، فقال : يا عُتْبي ، إلحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له. اه.
قلت : هذه الحكاية أوردها ابن كثير في "تفسيره" (1-520) وقال : "وقد ذكر جماعة منهم: الشيخ أبو نصر الصباغ في كتابه "الشامل" الحكاية المشهورة عن العتبي قلت: كنت جالسًا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ..." القصة. اه
التحقيق للقصة
فائدة : لقد اغتر كثير من الخطباء والوعاظ والقصاص بوجود مثل هذه القصص في التفاسير متوهمين صحتها ويذكرون أمام العوام ومن لا دراية له بهذا الفن أن القرطبي أوردها في تفسيره، أو أن ابن كثير أوردها في تفسيره فيتوهم الناس صحتها وتنتشر القصة.
ولقد أورد هذه القصة الإمام ابن كثير وسكت عنها مبينًا مصدرها ، كما أورد قصة ثعلبة بن حاطب وسكت عنها واغتر بسكوت ابن كثير مُخْتصر تفسيره الشيخ الصابوني فأورد القصة مشيرًا إلى صحتها لأنه زعم في مقدمة مختصره (ص9) أنه اقتصر على الأحاديث الصحيحة.
يجب على طالب العلم أن يعلم:
أولاً: أن ابن كثير درج على طريق أهل الحديث الذين قرروا أن من أسند فقد أحال، ومن أسند فقد برئت عهدته لأنه ذكر الوسيلة إلى معرفة درجة الحديث .
ثانيًا : بالنسبة لمنهج ابن كثير في تخريج أحاديث "تفسيره" له طريقان في غير ما رواه الشيخان في صحيحيهما .
1- أن يذكر الحديث بإسناد مخرجه من المصنفين.
2- أن يذكر الحديث ويخرجه بعزوه(1/132)
للمصنفين دون أن يسوق الإسناد وهو في كلتا الحالتين يصرح بدرجة الحديث تارة ويسكت عن ذلك تارة أخرى فيتوهم من لا دراية له بهذا الفن من السكوت الصحة كما في مثل هذه الحكاية.
التحقيق
أولاً : هذه القصة منكرة ، ولقد بين نكارتها الحافظ ابن عبد الهادي وهو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي الفقيه الحنبلي المقرئ المحدث الناقد النحوي المتقن الجبل الراسخ.
ولقد بين نكارة هذه القصة رحمه الله في كتابه "الصارم المنكى في الرد على السبكي" ، وهو من تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية يدافع في كتابه هذا عن شيخه حيث اتهمه السبكي بتحريم زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، هذه التهمة نفسها بعد سبعة قرون قام أحد القبوريين الذي لا يهمنا ذكر اسمه أو رسمه في جريدة تصدر في مصر لا يهمنا أيضًا ذكر اسمها لأننا أمام بحوث علمية حديثية، وذلك في يوم 25-8-2003م بإشعال نار فتنتها مجددًا هذه التهمة في مقال بعنوان : "جماعة أنصار السنة: زيارة قبر الرسول حرام".
هذا القبوري ذكر في مقاله هذه القصة المنكرة التي ذكرها السبكي من قبل وقام ابن عبد الهادي رحمه الله في كتابه "الصارم المنكى في الرد على السبكي" بتحقيق المسائل المتعلقة بزيارة القبور ، وبين ما كان فيها من حق وزور وأظهر جهل السبكي بعلم الحديث وعدم فهمه لمقاصد الشريعة .
قال ص246 : "هذه الحكاية التي ذكرها بعضهم :
1- يرويها عن العتبي بلا إسناد .
2- وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب الهلالي.
3- وبعضهم يرويها عن محمد بن حرب عن أبي الحسن الزعفراني عن الأعرابي.
4- وقد ذكرها البيهقي في كتاب شعب الإيمان بإسناد مظلم عن محمد بن روح بن يزيد البصري، حدثني أبو حرب الهلالي قال: حج أعرابي فلما جاء إلى باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ راحلته فعقلها ثم دخل حتى أتى القبر ، ثم ذكر نحو ما تقدم .
5- وقد وضع لها بعض الكذابين إسنادًا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه. اه.
قلت : بعد(1/133)
أن بين هذه الطرق للقصة وألفاظها قال (ص247) : "وفي الجملة : ليست هذه الحكاية المنكورة عن الأعرابي مما يقوم به حجة وإسنادها مظلم مختلف ولفظها مختلف فيه ولا يصلح الاحتجاج بمثل هذه الحكاية، ولا الاعتماد على مثلها عند أهل العلم وبالله التوفيق". اه.
وقال في (ص323) : "وأما حكاية العتبي التي أشار إليها فإنها حكاية ذكرها بعض الفقهاء والمحدثين وليست بصحيحة ولا ثابتة إلى العتبي وقد رويت عن غيره بإسناد مظلم كما بينا ذلك فيما تقدم وهي في الجملة حكاية لا يثبت بها حكم شرعي في مثل هذا الأمر الذي لو كان مشروعًا أو مندوبًا لكان الصحابة والتابعون أعلم به وأعمل به من غيرهم وبالله التوفيق". اه.
ثم أورد ابن عبد الهادي القصة عن علي بن أبي طالب وبين نكارتها فقال في "الصارم" (ص323): "إن هذا خبر منكر موضوع وأثر مختلق مصنوع لا يصلح الاعتماد عليه ولا يحسن المصير إليه وإسناده ظلمات بعضها فوق بعض". اه.
قلت : ثم ذكر علة هذا الخبر في خمسة عشر سطرًا بين مجهول ومتروك.
قلت : وفوق هذا الطعن في الرواة هناك الانقطاع في السند ، فأبو صادق أورده الإمام الذهبي في "الميزان" (4-538-10300) وقال: أبو صادق الأزدي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال محمد بن سعد يتكلمون فيه ، وقال آخر لم يسمع من علي. اه.
قلت : ولذلك قال الحافظ المزي في "تهذيب الكمال" (21-299-8027) :إذا روى عن علي بن أبي طالب يقال : مرسل . اه . وأقره الحافظ ابن حجر في "التهذيب" (12-143) قائلاً : أبو صادق أرسل عن علي بن أبي طالب. اه.
قلت : والخبر الذي جاءت به القصة مضطرب روي من أوجه مختلفة اختلافًا لا يمكن الجمع بينها وطرقها واهية مظلمة لا يمكن ترجيح رواية على أخرى فمنهم من رواها عن العتبي بلا إسناد والعتبي هو محمد بن عبيد الله بن عمرو بن معاوية بن عمرو بن عتبة بن أبي سفيان بن حرب بن أمية أبو عبد الرحمن العتبي من أهل البصرة أورده الخطيب في تاريخ بغداد(1/134)
(3-324) وقال: "كان صاحب أخبار ورواية للآداب بلغني أن العتبي مات سنة ثمان وعشرين ومائتين". اه.
قلت : ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً فهو مجهول الحال وتجد الاضطراب واضحًا حيث إن العتبي من طبقة ما بعد الثامنة ، حيث قال الحافظ في "مقدمة التقريب" : "وذكرت وفاة من عرفت سنة وفاته منهم :
1- فإن كان من الأولى والثانية فهم قبل المائة .
2- وإن كان من الثالثة إلى آخر الثامنة فهم بعد المائة.
3- وإن كان من التاسعة إلى آخر الطبقات فهم بعد المائتين". اه.
وبتطبيق هذه القاعدة على العتبي وسنة وفاته فهو من طبقة ما بعد الثامنة أي من الطبقة الصغرى من أتباع التابعين فمن دونهم.
فتجد حكاية الأعرابي تروى عن علي بن أبي طالب وهو من الطبقة الأولى طبقة الصحابة ومنهم من رواها عن العتبي وهو من الطبقة الصغرى من أتباع التابعين ، ومنهم من رواها عن محمد بن حرب الهلالي ، ومنهم من رواها عنه عن الزعفراني ، ومنهم من رواها عن أبي حرب الهلالي، هذا الاضطراب في السند مع أسانيد واهية مظلمة بل هناك طرق لا أصل لها مثل الرواية عن العتبي بلا إسناد كما بينا آنفًا، وكذلك الاضطراب في المتن كما هو ظاهر من اختلاف ألفاظه .
ثانيًا : تحقيق شيخ الإسلام ابن تيمية للقصة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (1-241) : "وأيضًا فإن طلب شفاعته ودعائه واستغفاره بعد موته وعند قبره ليس مشروعًا عند أحد من أئمة المسلمين ، ولا ذكر هذا أحد من الأئمة الأربعة وأصحابهم القدماء، وإنما ذكر هذا بعض المتأخرين: ذكروا حكاية عن العتبي أنه رأى أعرابيّا أتى قبره وقرأ هذه الآية: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما {النساء: 64} ، وأنه رأى في المنام أن الله قد غفر له، وهذا لم يذكره أحد من المجتهدين من أهل المذاهب المتبوعين، الذين يفتي الناس بأقوالهم، ومن ذكرها لم يذكر عليها دليلاً شرعيًا ، ومعلوم(1/135)
أنه لو كان طلبُ دعائه وشفاعته واستغفاره عند قبره مشروعًا لكان الصحابة والتابعون لهم بإحسان أعلم بذلك وأسبق إليه من غيرهم ، ولكان أئمة المسلمين يذكرون ذلك ، وما أحسن ما قال مالك: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها". قال : "ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك ، فمثل هذا الإمام - يقصد العتبي- كيف يشرع دينًا لم ينقل عن أحد من السلف ، ويأمر الأمة أن يطلبوا الدعاء والشفاعة والاستغفار - بعد موت الأنبياء والصالحين- منهم عند قبورهم وهو أمر لم يفعله أحد من سلف الأمة ؟ اه.
ثالثًا : التفسير الصحيح يدل على نكارة القصة:
إنَّ العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في تفسيره "تيسير الكريم الرحمن" (ص185) لقوله تعالى: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما {النساء: 64}، قال: "هذا المجيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مختص بحياته؛ لأن السياق يدل على ذلك لكَوْن الاستغفار من الرسول لا يكون إلا في حياته، وأما بعد موته فإنه لا يطلب منه شيء، بل ذلك شرك". اه.
قلت : وهذا هو الحق ؛ لأن إتيانه صلى الله عليه وسلم بعد مماته غير متحقق، وإنما المتحقق إتيان قبره ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ قبره عيدًا ، ودعا الله أن لا يجعل قبره من بعده وثنًا يعبد ، حيث قال صلى الله عليه وسلم : "لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ولا تجعلوا قبري عيدًا ، وصلوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم".
صححه النووي في "الأذكار" (ص93) ، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (ح7226) وقال الحافظ ابن عبد الهادي : هو حديث حسن جيد الإسناد، وله شواهد كثيرة يرتقي بها إلى درجة الصحة كما عند الجهضمي في "فضل الصلاة على النبي" (ح20) وعبد الرزاق في "مصنفه" (3-577-6694).
رابعًا : الرد على تهمة تحريم زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم :
هذه التهمة التي اتهم بها شيخ(1/136)
الإسلام ابن تيمية ومن بعده أنصار السنة المحمدية .
قلت : وهذا كذب وافتراء عظيم من هذا الدعي على شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ، فكتبه وفتاويه طافحة مصرحة بمشروعية زيارة قبور المسلمين عامة وزيارة قبره عليه الصلاة والسلام خاصة كما يعلم ذلك كل من اطلع على شيء من كتب الشيخ ودرسها ، ومن ذلك كتابه "الرد على الأخنائي" ، وانظر "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (27-214- 313) ثم كتابه "الجواب الباهر في زوار المقابر" ، وهو أيضًا في "مجموع الفتاوى" (27-314- 444)، وفيه قال شيخ الإسلام "مجموع الفتاوى" (27-329) :
1- "قد ذكرت فيما كتبته من المناسك أن السفر إلى مسجده وزيارة قبره - كما يذكره أئمة المسلمين في مناسك الحج - عمل صالح مستحب ، وقد ذكرت في عدة "مناسك الحج" السنة في ذلك وكيف يسلم عليه وهل يستقبل الحجرة، أم القبلة على قولين". اه.
2- ثم قال في "مجموع الفتاوى" (27-330): "ولا نهى أحدًا عن السفر إلى مسجده صلى الله عليه وسلم ، وإن كان المسافر إلى مسجده يزور قبره صلى الله عليه وسلم بل هذا من أفضل الأعمال الصالحة ، ولا في شيء من كلامي وكلام غيري نهي عن ذلك، ولا نهي عن المشروع في زيارة قبور الأنبياء والصالحين، ولا عن المشروع في زيارة سائر القبور، بل قد ذكرت في غير موضع استحباب زيارة القبور كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور أهل البقيع وشهداء أحد ، ويعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول قائلهم : "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين ، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم"، وإذا كانت زيارة قبور عموم المؤمنين مشروعة فزيارة قبور الأنبياء والصالحين أولى". اه.
قلت : هذه هي السنة بفهم سلف الأمة والتي اتبعها شيخ الإسلام ابن تيمية وأنصار السنة المحمدية الذين يقولون(1/137)
بمشروعية السفر إلى مسجده صلى الله عليه وسلم اتباعًا للحديث الذي أوردناه آنفًا ولتحقيق الأفضلية في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام"، ثم المسافر إلى مسجده يزور قبره صلى الله عليه وسلم ، وهذا كما بيَّنا عمل صالح مستحب ، وكذلك استحباب زيارة القبور كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور أهل البقيع وشهداء أحد دون خلط بين السفر وبين الزيارة.
وهذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد.
انتهى(1/138)
1-3-2004 العدد 25:
قصة أبي طالب في الهجرة ووصيته للنبي صلى الله عليه وسلم
بقلم : علي حشيش
الحلقة
"الثانية والأربعون "
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت وانتشرت في كتب التفاسير بل وجعلت هذه القصة من أسباب نزول الآية (30: الأنفال) في حدث الهجرة، وهذه القصة تضاف إلى سلسلة القصص الواهية حول الهجرة والتي سبق تقديم البحوث العلمية الحديثية حولها:
1- قصة "ثعبان الغار" عدد جمادى الأولى 1421ه رقم (1).
2- قصة "عنكبوت الغار والحمامتين" عدد محرم 1422ه رقم (6).
3- قصة "غناء بنات النجار" عدد محرم 1423ه رقم (18).
4- قصة "لطم أبي جهل لأسماء بنت أبي بكر في الهجرة" عدد محرم 1424ه رقم (29).
وإلى القارئ الكريم هذه القصة الواهية قصة أبي طالب في الهجرة ووصيته النبي صلى الله عليه وسلم .
أولاً: متن القصة
قال أبو طالب للنبي صلى الله عليه وسلم : ما يأتمر به قومك؟
قال: يريدون أن يسجنوني ويقتلوني ويخرجوني فقال من أخبرك بهذا؟
قال ربي - قال نعم الرب ربك - فاستوص به خيرًا- فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنا أستوصي به؟ بل هو يستوصي بي خيرًا- فنزلت: وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك {الأنفال: 30}.
قلت: هذا لفظ رواية شيخ المفسرين ابن جرير الطبري واستيفاءً لمتن هذه القصة نبين للقارئ متن القصة بلفظ رواية ابن أبي حاتم حيث جاء فيه: أن أبا طالب قال للنبي صلى الله عليه وسلم : هل تدري ما ائتمر فيه قومك؟ قال: نعم ائتمروا أن يسجنوني أو يقتلوني أو يخرجوني، قال: من أخبرك هذا ؟ قال: ربي، قال: نعم الرب ربك فاستوصِ به خيرًا. قال: أنا أستوصي به أو يستوصي بي؟
ثانيًا: التخريج
القصة أخرجها شيخ المفسرين ابن جرير الطبري في "تفسيره" المسمى "جامع البيان في تأويل القرآن" (6-251 ط دار الغد) (ح15977) (ح15978)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (5-1688) (ح8998).
فائدة:
حتى لا يتقول علينا متقول ويتوهم الصحة من إخراج شيخ المفسرين(1/139)
ابن جرير للقصة وابن أبي حاتم وسكوتهما عنها، ولكن هيهات، فالقاعدة: "من أسند فقد أحال"، وبالتحقيق يستبين لك الحال.
ثالثًا: التحقيق
القصة واهية، والحديث منكر، ومعلل متنًا وسندًا، يظهر ذلك بجمع طرق الحديث الذي جاءت به هذه القصة.
1- قال ابن جرير الطبري (ح15977): حدثني محمد بن إسماعيل البصري المعروف بالوساوسي قال: حدثنا عبد المجيد بن أبي رواد عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن المطلب بن أبي وداعة أن أبا طالب قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما يأتمر به قومك.. القصة".
2- وقال ابن جرير (ح15978): حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج قال: قال ابن جريج قال عطاء سمعت عبيد بن عمير يقول: لما ائتمروا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليقتلوه أو يثبتوه أو يخرجوه قال له أبو طالب هل تدري ما ائتمروا بك؟.. القصة.
تحقيق الطريقين
1- قلت: الطريق الأول سنده تالف فيه عبدالمجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد قال فيه ابن حبان في "المجروحين" (2-160): "منكر الحديث جدّا، يقلب الأخبار ويروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك".
وعلة أخرى: تدليس ابن جريج حيث أورده الحافظ ابن حجر في "طبقات المدلسين"، وهذه الطبقة قال فيها الحافظ: "الثالثة: من أكثر من التدليس فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع ومنهم من رد حديثهم مطلقًا".
ولذلك قال الحافظ ابن حجر: "ابن جريج وصفه النسائي وغيره بالتدليس، قال الدارقطني: شر التدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح". اه.
2- قلت: فإن قيل في الطريق الثاني متابعة لعبد المجيد في روايته عن ابن جريج حيث تابعه حجاج فهي متابعة أوهن من بيت العنكبوت، للعلل الآتية:
أ- أورد الحافظ ابن حجر في "التهذيب" (6-359) عن جعفر بن عبد الواحد عن يحيى بن سعيد، إذا قال ابن جريج: حدثني فهو سماع وإذا قال: أخبرني فهو قراءة، وإذا قال: قال فهو شبه الريح". اه.
قلت:(1/140)
وفي هذا الطريق (قال ابن جريج: قال عطاء) إذن فهو شبه الريح.
ب- والحديث من هذا الطريق مرسل عن عبيد بن عمير ولم يوجد الصحابي المطلب بن أبي وداعة.
ج- وهناك انقطاع في السند "حجاج، قال ابن جريج".
3- وفي رواية ابن أبي حاتم متابعة أخرى لعبد المجيد في روايته عن ابن جريج حيث تابعه هشام بن يوسف فهي متابعة واهية وإن صرح بالتحديث لابن جريج حيث إن الحديث مرسل من هذا الطريق أيضًا: (عن عبيد بن عمير أن أبا طالب قال للنبي صلى الله عليه وسلم .
ولذلك ترجم ابن أبي حاتم للمطلب بن أبي وداعة في "الجرح والتعديل" (4-1-358) ترجمة (1641) قال: "المطلب بن أبي وداعة له صحبة". ولم يذكر لعبيد بن عمير رواية عنه.
قلت: كذلك الإمام المزِّي في "تهذيب الكمال" (18-152-6600) ترجم له ولم يذكر لعبيد بن عمير رواية عنه.
فالحديث معلل والقصة واهية، ولقد بيَّنا الطريق إلى معرفتها بجمع طرق القصة والنظر في اختلاف الرواة، ولكن لا يمكن الموازنة بين ضبطهم وإتقانهم للحكم على الرواية المعلولة، حيث لا ضبط ولا إتقان في جميع الروايات؛ لأن هناك علة في "المتن" في جميع الروايات.
رابعًا: علة المتن
قال الإمام ابن القيم في "المنار المنيف" (ص111): "ونحن ننبه على أمور كلية يعرف بها كون الحديث موضوعًا"، فمنها (19): "ما يقترن بالحديث من القرائن التي يُعلم بها أنه باطل".
قلت: بتطبيق هذه القاعدة على هذه القصة نجد أن هناك قرينة تدل على أن القصة باطلة، ولقد أورد هذه القصة الإمام ابن كثير في "تفسيره" (2-302) عند تفسير الآية (30: الأنفال) من رواية ابن جريج ثم بيَّن الحافظ ابن كثير علة القصة متنًا فقال: "وذِكر أبي طالب في هذا غريب جدّا بل منكر ؛ لأن هذه الآية مدنية، ثم إن هذه القصة واجتماع قريش على هذا الائتمار والمشاورة على الإثبات أو النفي أو القتل إنما كان ليلة الهجرة سواء، وكان ذلك بعد موت أبي طالب بنحو ثلاث سنين، لمّا تمكنوا منه واجترؤا(1/141)
عليه بسبب موت عمه أبي طالب الذي كان يحوطه وينصره ويقوم بأعبائه".
خامسًا: التصحيف
فائدة: عند البحث في "تفسير ابن كثير" وجدنا أن الإمام ابن كثير عزا القصة إلى تفسير ابن جرير وبالاطلاع على سند ابن جرير في أكثر طبعات ابن كثير مثل طبعة دار إحياء الكتب العربية (البابي الحلبي) وطبعة دار والي المكتوب عليها طبعة جديدة - مضبوطة، محققة- معتنى بإخراجها أصح الطبعات وأكثرها شمولاً. اه. وجدت بالاطلاع أن السند فيه تصحيف يؤدي إلى فساد البحث في رجاله.
وإلى القارئ الكريم هذا السند في الطبعات التي يزعم أصحابها أنها أصح الطبعات وأنها مضبوطة ومحققة:
وقال أبو جعفر بن جرير: حدثني محمد بن إسماعيل المصري المعروف بالوساوسي، أخبرنا عبد الحميد بن أبي داود عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن المطلب بن أبي وداعة أن أبا طالب قال (فذكر القصة).
قلت: بالمقارنة بين هذا السند الذي في طبعات ابن كثير لرواية ابن جرير وبين الأصل وهو تفسير ابن جرير نجد:
1- أن شيخ ابن جرير وهو محمد بن إسماعيل البصري الوساوسي صُحِّف إلى محمد بن إسماعيل المصري المعروف بالوساوسي.
2- وشيخ ابن جريج وهو عبد المجيد بن أبي رواد حدث له تصحيف إلى عبد الحميد بن أبي داود.
قلت: وهذا أمر خطير يجب أن يتنبه إليه من يريد البحث فلا يعتمد على التخريج بالواسطة، بل يجب عليه الرجوع إلى الأصل كما بينا في عدد رمضان في هذا العام وبراءة أبي الدرداء من الذكر البدعي وكان ظاهر السند الصحة في تفسير ابن كثير ولكنه في الحقيقة به تصحيف بكشفه تبين أن القصة واهية وأقصد بقولي "الرجوع إلى الأصل" أي: الأصول التي عزا إليها ابن كثير الأحاديث، ففي هذه القصة: قصة أبي طالب في الهجرة عزاها إلى ابن جريج في "تفسيره" وفي رمضان قصة أبي الدرداء عزاها إلى عبد الرزاق في تفسيره، وأسال الله أن يوفقنا لتحقيق أسانيد تفسير ابن كثير بالمقارنة بالأصول، ثم الحكم على المسند، ثم الحكم على(1/142)
الحديث بعد الاعتبار لمعرفة المتابعات والشواهد وكشف العلل.
سادسًا: بدائل صحيحة للهجرة:
لقد بوّب الإمام البخاري في "الصحيح" في كتاب المناقب بابًا بعنوان: باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة وهو باب رقم (45).
1- فذكر قصة الهجرة من حديث عائشة حديث رقم (3905).
3- ثم قصة الهجرة من حديث سُراقة بن جُعْشم وهو حديث رقم (3906).
4- ثم قصة الهجرة من حديث البراء بن مالك عن أبي بكر (ح3908)، (3917) (5607)، ومسلم في صحيحه (3214)، وأحمد في مسنده الحديث رقم (3).
5- ثم قصة مَقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة (ح3924، 3925) من صحيح البخاري، وكذلك (ح3929).
هذه من البدائل الصحيحة التي يجب أن يرجع إليها الداعية، بعد تحذيره من القصص الواهية.
وأختم هذا التحذير بما أخرجه الإمام البخاري في "صحيحه" (ح109) من حديث سلمة بن الأكوع: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من يقل عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار".
هذا ما وفقني الله وهو وحده من وراء القصد.
انتهى(1/143)
1-4-2004 العدد 26:
قصة المظاهرة التي قادها حمزة وعمر رضي الله عنهما
بقلم : علي حشيش
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت واتخذها أصحاب المظاهرات دليلاً على مشروعيتها.
أولاً: متن القصة
رُوِي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "شرح الله صدري للإسلام، فقلت: الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى، فما في الأرض نسمة أحب إليَّ من نسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت: أين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ؟ قالت أختي: هو في دار الأرقم بن أبي الأرقم عند الصفا، فأتيت الدار وحمزة في أصحابه جلوس في الدار، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت، فضربت الباب فاستجمع القوم جلوسًا في الدار، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت، فضربت الباب فاستجمع القوم فقال لهم حمزة: ما لكم؟ قالوا: عمر، قال: فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخذ بمجامع ثيابه ثم نثره نثرة فما تمالك أن وقع على ركبته، فقال: "ما أنت بمنته يا عمر؟".
فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد. فقلت: يا رسول الله، ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟ قال: "بلى، والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم وإن حييتم". فقلت: ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لنخرجن فأخرجنا في صفين حمزة في أحدهما وأنا في الآخر لنا كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد، فنظرتْ إليَّ قريش وإلى حمزة فأصابتهم كأبة لم يصبهم مثلها.
ثانيًا: التخريج
القصة أخرجها أبو نعيم في "الحلية" (1-40) قال: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا عبد الحميد بن صالح، حدثنا محمد بن أبان عن إسحاق بن عبد الله عن أبان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب به.
قلت: وبهذا السند أخرجها أبو نعيم في "الدلائل" (194).
ثالثًا: التحقيق:(1/144)
هذه القصة واهية وعلتها: "إسحاق بن عبد الله".
1- أوردها الإمام المزي في "تهذيب الكمال" (2-57-362) وقال: "إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة روى عن أبان بن صالح". اه.
2- قال الإمام النسائي في "الضعفاء والمتروكين" ترجمة (50): "متروك الحديث".
قلت: وهذا المصطلح له معناه حيث قال الحافظ ابن حجر في "شرح النخبة" (ص69): "مذهب النسائي أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه". اه.
3- قال الإمام البخاري في "الضعفاء الكبير" ترجمة (20): "إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة: تركوه".
4- قال الإمام الدارقطني في "الضعفاء والمتروكين" رقم (94): "متروك". اه.
5- وقال علي بن الحسن الهسنجاني، عن يحيى: كذاب. كذا في "تهذيب الكمال" (2-61).
6- وقال ابن حبان في "المجروحين" (1-131): "كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل وكان أحمد بن حنبل ينهى عن حديثه".
7- قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2-228) رقم (792): "سمعت أبي يقول: إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة: متروك الحديث".
ثم أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن يحيى بن معين قال: "إسحاق بن أبي فروة كذاب". وبسند آخر عن يحيى أنه قال: "إسحاق بن أبي فروة لا شيء كذاب".
ثم قال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زُرْعة يقول: "إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ذاهب الحديث متروك الحديث".
ثم أخرج ابن أبي حاتم بسنده إلى عمرو بن علي الصيرفي أنه حدثه "بأن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة متروك الحديث".
8- قلت: ولقد بين هذا الترك ابن عدي في "الكامل" (1-326) (154-154) في ترجمة بلغت أكثر من ثمانين سطرًا ختمها قائلاً: "وإسحاق بن أبي فروة هذا ما ذكرت هاهنا من أخباره بالأسانيد التي ذكرت فلا يتابعه أحد على أسانيده، ولا على متونه، وسائر أحاديثه مما لم أذكره تشبه هذه الأخبار التي ذكرتها وهو بيّن الأمر في الضعفاء". اه.
قلت: بهذا التحقيق يتبين الآتي:
1- أن مذهب النسائي لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على(1/145)
تركه.
2- تبين حقيقة أخبار إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة فلا يتابعه أحد على أسانيده ولا على متونه.
3- وعلى هذا تكون القصة واهية وسندها تالف والخبر موضوع.
رابعًا: "قرائن تدل على عدم صحة القصة":
1- لقد بوَّب الإمام البخاري في "صحيحه" في كتاب "مناقب الأنصار" بابًا برقم (35): "إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه" وتحت هذه الترجمة أخرج حديث (3865) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "لما أسلم عمر، اجتمع الناس عند داره وقالوا: صبأ عمر- وأنا غلام فوق ظهر بيتي- فجاء رجل عليه قباء من ديباج، فقال: قد صبأ عمر، فما ذاك فأنا له جار؟. قال: فرأيت الناس تصدعوا عنه، فقلت: من هذا؟ فقالوا: العاص بن وائل".
2- وأورده الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (3-81) في إسلام عمر بن الخطاب: قال ابن إسحاق: وحدثني نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر قال: لما أسلم عمر قال: أي قريش أنقل للحديث؟ فقيل له: جميل بن معمر الجمحي. فغدا عليه. قال عبد الله: وغدوت أتبع أثره، وأنظر ما يفعل وأنا غلام أعقل كل ما رأيت، حتى جاءه فقال له: أعلمت يا جميل أني أسلمت ودخلت في دين محمد صلى الله عليه وسلم ؟
قال: فوالله، ما راجعه حتى قام يجر رداءه، واتبعه عمر، واتبعته أنا، حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، وهم في أنديتهم حول الكعبة، ألا إن ابن الخطاب قد صبأ.
قال: يقول عمر من خلفه: كذب، ولكني قد أسلمت، وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وثاروا إليه فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم. قال: وطَلَح فقعد، وقاموا على رأسه وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم، فأحلف بالله أن لو قد كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم، أو تركتموها لنا.
قال: فبينما هم على ذلك؛ إذ أقبل شيخ من قريش عليه حلة حبرة وقميص موشى، حتى وقف عليهم، فقال: ما شأنكم؟
فقالوا: صبأ عمر. قال: فمه؛ رجل اختار لنفسه أمرًا، فماذا تريدون؟(1/146)
أترون بني عدي يسلمون لكم صاحبكم هكذا؟ خلوا عن الرجل.
قال: فوالله، لكأنما كانوا ثوبًا كُشِطَ عنه.
قال: فقلت لأبي بعد أن هاجر إلى المدينة: يا أبت، من الرجل الذي زَجَرَ القوم عنك بمكة يوم أسلمت وهم يقاتلونك؟
قال: ذاك أي بني، العاص بن وائل السهمي.
وهذا إسناد جيد قوي، وهو يدل على تأخر إسلام عمر؛ لأن ابن عمر عرض يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة، وكانت أُحد في سنة ثلاث من الهجرة، وقد كان مميزًا يوم أسلم أبوه، فيكون إسلامه قبل الهجرة بنحو من أربع سنين، وذلك بعد البعثة بنحو تسع سنين. والله أعلم.
قلت: وأورد هذه القصة أيضًا الحافظ ابن كثير في كتاب "السيرة النبوية" نقلاً عن ابن إسحاق ثم ذكر هذا التحقيق، وكذا ابن هشام في "السيرة النبوية" (1-437) (ح334) نقلاً أيضًا عن ابن إسحاق، وكذا ابن الأثير في "أسد الغابة" (4-150) نقلاً عن ابن إسحاق، وأخرجه الحاكم (3/85) من طريق ابن إسحاق، وقال: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي وكما بينا آنفًا قال ابن كثير: "وهذا إسناد جيد قوي".
قلت: ويزداد قوة بأن البخاري أخرجه (ح3864) من طريق أخرى عن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: "بينما هو- يعني عمر في الدار خائفًا..." الحديث بلفظه كما بينا آنفًا.
خامسًا: "الصبر والثبات في الشدة- لا المظاهرات":(1/147)
أخرج البخاري في "صحيحه" (ح3852) من حديث خباب بن الأرت قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة وهو في ظل الكعبة- وقد لقينا من المشركين شدة- فقلت: يا رسول الله، ألا تدعو الله لنا؟ فقعد وهو محمر وجهه، فقال: لقد كان من قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين، ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله".
قلت: وأخرج هذا الحديث أيضًا الإمام البخاري (ح3612) من حديث خباب وفيه قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "والله ليَتِمَّن هذا الأمُر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون". وفي الحديث (6943) "و" بدلاً من "أو".
قلت: هذا الحديث يبين لنا تربية النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة في الشدائد على الصبر، والثبات واليقين في وعد الله وعدم الاستعجال عملاً بقول الله تعالى: فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون {الروم: 60}. فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم {الأحقاف: 35}.
سادسًا: "الدعاء عند الشدائد لا المظاهرات":
1- أخرج الإمام البخاري في "صحيحه" (ح3854) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "بينا النبي صلى الله عليه وسلم ساجدًا وحوله ناس من قريش، جاء عقبة بن أبي معيط بسلى جزور فقذفه على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرفع رأسه، فجاءت فاطمة عليها السلام فأخذته من ظهره ودعت على من صنع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم عليك الملأ من قريش، أبا جهل بن هشام، وعتبة بن أبي ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأمية بن خلف، فرأيتهم قتلى يوم أحد فألقوا في بئر غير أمية بن خلف تقطعت أوصاله فلم يلقى فى البئر".
رعل وذَكوان ولِحْيان وعُصية عصت الله. قال أنس: أنزل الله في الذين قتلوا ببئر(1/148)
معونة قرآنًا قرأناه حتى نُسِخَ بعد أن بلَّغوا قوْمنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه. اه.
سابعًا: النفير لا المظاهرات
أخرج البخاري في "صحيحه" (ح3077) ومسلم (ح1353) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا.
وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل {التوبة: 38}.
وقال: إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير {التوبة: 39}.
قلت: هذه هي السنة عند الشدائد: الصبر والثبات واليقين وعدم الاستعجال، خاصة في حالة الاستضعاف، ثم النفير في حالة تجميع الأمة وإعداد ما استطاعت من قوة والدعاء في الحالين.
أما المظاهرت فما هي إلا جعجعة. قال صاحب "مختار الصحاح" (ص105): "الجعجعة صوت الرحى، وفي المثل أسمع جعجعة ولا أرى طِحْنا بكسر الطاء أي دقيقًا". اه.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم .
هذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد
انتهى(1/149)
1-6-2004 العدد 28:
قصة صنم بوانة وما حدث فيه للنبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة
إعداد - علي حشيش
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة الوعاظ والخطباء والقصاص .
وقبل الشروع في سرد القصة الواهية لهذا العدد ، نحب أن نشير إلى أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كان محفوظًا في صغره بحفظ الله تعالى محميًا مصونًا عن القبائح وأخلاق الجاهلية ، وقد وردت الأحاديث الصحاح بذلك ، وسنوردها في نهاية المقال ففيها كفاية عما يسوقه القصاص والوعاظ من القصص الواهية ، كالقصة التي بين أيدينا وهي :
أولاً : متن القصة :
رُوي عن ابن عباس قال : حدثتني أم أيمن قالت : كان ببوانة صنم تحضره قريش تعظمه ، تنسك له النسائك ، ويحلقون رؤوسهم عنده ، ويعكفون عنده يومًا إلى الليل ، وذلك يومًا في السنة ، وكان أبو طالب يحضره مع قومه ، وكان يكلم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يحضر ذلك العيد مع قومه فيأبى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذلك ، حتى رأيت أبا طالب غضب عليه ، ورأيت عماته غضبن عليه يومئذ أشد الغضب ، وجعلن يقلن : إنا لنخاف عليك فما تصنع من اجتناب آلهتنا ، وجعلن يقلن : ما تريد يا محمد أن تحضر لقومك عيدًا ولا تكثِّر لهم جمعًا ، قالت : فلم يزالوا به حتى ذهب فغاب عنهم ما شاء الله ، ثم رجع إلينا مرعوبًا فزعًا ، فقالت له عمّاته : ما دهاك ؟ قال : إني أخشى أن يكون بي لمم ، فقلن : ما كان الله ليبتليك بالشيطان وفيك من خصال الخير ما فيك ؟ فما الذي رأيت : قال : إني كلما دنوت من صنم منها تمثل لي رجل أبيض طويل يصيح بي وراءك يا محمد لا تمسه ، قالت : فما عاد لعيد لهم حتى تنبأ". اه.
ثانيًا : التخريج :
الحديث الذي جاءت به هذه القصة أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (1-75) ، وأبو نعيم في "دلائل النبوة" (ص58) من طريق أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة ، عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس ، عن عكرمة عن ابن عباس به". اه.
ثالثًا : التحقيق :(1/150)
القصة : موضوعة ، فهي واهية باطلة ، وإلى القارئ الكريم بيان ما بها من علل :
الأولى : حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس :
1- أورده الحافظ المزي في "تهذيب الكمال" (4-469-1297) ، وذكر الذين روى عنهم ومنهم : عكرمة مولى ابن عباس ، ثم ذكر الذين رووا عنه ، ومنهم : أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة .
2- أورده الإمام النسائي في "الضعفاء والمجروحين" رقم (145) وقال: "متروك الحديث". اه.
وهذا المصطلح له معناه عند الإمام النسائي ، يبيّن ذلك الحافظ ابن حجر في "شرح النخبة" (ص69) حيث قال: "مذهب النسائي أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه". اه .
3- وأورده الإمام البخاري في كتابه "التاريخ الكبير" (2-388-2872) وقال: "حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس الهاشمي عن كريب وعكرمة ، قال عليّ : تركت حديثه". اه .
كذلك قال في كتابه "الضعفاء الصغير" برقم (78) .
4- وأورده ابن عدي في كتابه "الكامل" (2-349) (111-480) ، وأخرج قول علي بن المديني بأنه ترك حديثه وأخرج أيضًا قول النسائي : "متروك الحديث".
5- وأورده الإمام العقيلي في "الضعفاء الكبير" (1-245-293) ، وأخرج أيضًا قول الإمام علي بن المديني شيخ البخاري ، ثم ختم الترجمة قائلاً : "وله غير حديث لا يتابع عليه من حديث ابن عباس" . اه.
6- وقال ابن حبان في "المجروحين" (1-242) : "يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل". اه .
7- ونقل الحافظ ابن حجر في "التهذيب" (2-296) عن البخاري قوله : "يقال أنه كان يتهم بالزندقة" . اه .
8- وما نقله الحافظ ابن حجر نقله أيضًا الإمام الذهبي في "الميزان" (1-537-2012) .
العلة الثانية :(1/151)
أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة .
1- أورده الحافظ المزي في "تهذيب الكمال" (21-75-3834) قال : أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة بن أبي رهم بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب القرشي العامري السبري المدني .
قلت : لقد ذكرت الترجمة كاملة حتى أقف على حقيقة الراوي لأن الإمام أبا نعيم أورده في "الدلائل" (ص58) بالكنية والنسب فقط ، حيث قال: حدثنا عمرو بن محمد بن جعفر ، قال : حدثنا إبراهيم بن علي قال : حدثنا النضر بن سلمة ، قال: حدثنا عبد الجبار بن سعيد أبو معاوية المساحقي ، عن أبي بكر العامري ، عن حسين بن عبد الله به .
في الوقت الذي أورده ابن سعد في "الطبقات" (1-75) بالكنية دون النسب العامري حيث لم يصل باسم الراوي إليه حيث قال : أخبرنا محمد ابن عمر قال : حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس به .
قلت : ثم ذكر الذين روى عنهم ومنهم : حسين ابن عبد الله بن عبيد الله بن عباس ، ثم ذكر الذين رووا عنه ومنهم : محمد بن عمر الواقدي". اه .
وإلى القارئ الكريم أقوال علماء الجرح والتعديل فيه بعد هذا التثبت :
2- قال الإمام ابن حبان في كتابه "المجروحين" (3-147) : "أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة السبري من أهل المدينة ، كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات لا يحل كتابة حديثه ولا الاحتجاج به بحال، كان أحمد بن حنبل يكذبه". اه .
3- قال النسائي في كتابه "الضعفاء والمتروكين" رقم (666) : "أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة : متروك الحديث".
4- أورده الإمام الذهبي في "الميزان" (4-305-10024) وقال : "روى عبد الله وصالح ابنا أحمد عن أبيهما قال : كان يضع الحديث" . ثم نقل عن ابن معين قوله : "ليس حديثه بشيء".
5- أورده الإمام الحافظ ابن عدي في كتابه "الكامل" (7-295) (12-2200) حيث أخرج بسنده عن عبد الله بن أحمد بن حنبل(1/152)
قال : قال أبي : "ليس بشيء كان يضع الحديث ويكذب".
وقال ابن عدي : حدثنا الجنيدي قال : حدثنا البخاري قال : أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة المدني : منكر الحديث". اه .
وهذا المصطلح بالنسبة للإمام البخاري له معناه ، حيث قال الإمام السيوطي في "التدريب" (1-349) : "البخاري يطلق : فيه نظر وسكتوا عن: فيمن تركوا حديثه ، ويطلق منكر الحديث على من لا تحل الرواية عنه". اه .
ثم ختم ابن عدي الترجمة قائلاً:
"ولأبي بكر بن أبي سبرة غير ما ذكرت من الحديث وعامة ما يرويه غير محفوظ ، وهو في جملة من يضع الحديث". اه .
العلة الثالثة :
محمد بن عمر الواقدي : وهو الراوي لهذه القصة عن أبي بكر بن أبي سبرة عند ابن سعد كما بينا آنفًا .
1- أورده الإمام الذهبي في "الميزان" (3-662-7993) .
ونقل عن الإمام أحمد بن حنبل قوله : "هو كذاب يقلب الأحاديث".
ونقل عن الإمام ابن معين قوله : "ليس بشيء".
ونقل عن الإمام ابن راهويه قوله : "هو عندي ممن يضع الحديث".
ثم ختم ترجمته بقوله : "واستقر الإجماع على وهن الواقدي". اه .
2- وقال الإمام البخاري في "الضعفاء الصغير" رقم (334) : "متروك الحديث".
3- وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (8-20) : "سألت أبي عن محمد بن عمر الواقدي فقال : متروك الحديث". اه .
العلة الرابعة :
عبد الجبار بن سعيد أبو معاوية المساحقي:
وهو الراوي لهذه القصة عن أبي بكر بن سبرة عند أبي نعيم كما بينا آنفًا .
أورده الإمام العقيلي في الضعفاء الكبير (3-86-1056) وقال : "عبد الجبار بن سعيد المساحقي مديني في حديثه مناكير وما لا يتابع عليه" .
وأقره على ذلك الإمام الذهبي في "الميزان" (2-533-4740) ، والحافظ ابن حجر في "اللسان" (3-474) (555-4906) .
قلت : يتبين من هذا التحقيق ما في سند القصة من الوضاعين والكذابين والمتروكين والذي به تصبح هذه القصة واهية موضوعة.
البدائل الصحيحة(1/153)
ومن البدائل الصحيحة التي تدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان مصونا عما يستقبح قبل البعثة وبعدها بما فيه غنى عن مثل هذه القصص الواهية. ما أخرجه البخاري في صحيحه ح(364)، (1582)، ح(3829) ومسلم في صحيحه ح(340)، وأحمد في مسنده (3-380)، ح(15110) والبيهقي في السنن (2-227) من حديث جابر بن عبد الله قال: لما بُنيتْ الكعبة ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وعباس ينقلان حجارة فقال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم : اجعل إزارك على عاتقك من الحجارة، ففعل فخرَّ إلى الأرض، وطمحت عيناه إلى السماء ثم قام فقال: إزاري إزاري فشد عليه إزاره". وهذا اللفظ متفق عليه عند مسلم والبخاري ح(1582) وزاد البخاري في ح(364)، فما رأي بعد ذلك عريانا صلى الله عليه وسلم قال النووي في شرح مسلم: "وفي هذا الحديث بيان بعض ما أكرم الله سبحانه وتعالى به رسوله صلى الله عليه وسلم وأنه كان مصونا محميًا في صغره عن القبائح وأخلاق الجاهلية.
والله من وراء القصد .
انتهى
1-7-2004 العدد 29:
قصة خلق العالم من نور النبي صلى الله عليه وسلم
إعداد- علي حشيش
الحلقة السادسة والأربعون
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة كثير من الوعاظ والخطباء والقصاص، وأصبحت قصة "خلق العالم من نور النبي صلى الله عليه وسلم . معتقدًا للمتصوفة واتخذ البوصيري من هذه القصة الواهية أصلاً لميميَّته حيث قال:
ولن يضيق رسول الله جاهك بي
إذا الكريم تجلى باسم منتقم
فإن من جودك الدنيا وضرتها
ومن علومك علم اللوح والقلم
وقال غيره ممن هو على شاكلته:
لولاه ما خلقت شمس ولا قمر
ولا نجوم ولا لوح ولا قلم
إلى غير ذلك من قريض قد اشتهر، فتولد عنه معتقد فاسد وانتشر، وهذا يوجب علينا أن نبين حقيقة هذا الخبر الذي جاءت به هذه القصة.
أولاً: المتن:(1/154)
رُوِيَ عن جابر بن عبد الله قال: قلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أخبرني عن أول شيء خلقه الله قبل الأشياء؟
قال: يا جابر، إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره، فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله، ولم يكن في ذلك الوقت لوح، ولا قلم، ولا جنة، ولا نار، ولا ملك، ولا سماء، ولا أرض، ولا شمس، ولا قمر، ولا جني، ولا إنسي، فلما أراد الله أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء: فخلق من الجزء الأول: القلم، ومن الثاني: اللوح، ومن الثالث: العرش، ثم قسم الجزء الرابع: أربعة أجزاء، فخلق من الجزء الأول حملة العرش، ومن الثاني: الكرسي، ومن الثالث: باقي الملائكة، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء:
فخلق من الأول: السماوات، ومن الثاني: الأرضين، ومن الثالث: الجنة والنار، ثم قسم الرابع أربعة أجزاء.
فخلق من الأول: نور أبصار المؤمنين، ومن الثاني: نور قلوبهم وهي المعرفة بالله، ومن الثالث نور أنسهم وهو التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله، ومن الرابع باقي الخلق... الحديث.
ثانيًا: التفصيل البياني لهذه القصة الواهية(1/155)
"قصة خلق العالم من النور المحمدي":
"أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر": نور النبي مخلوق من نور الله، ثم قسم إلى أربعة أجزاء:
الجزء الأول: النور المحمدي الأول خلق منه "القلم".
الجزء الثاني: النور المحمدي الثاني منه خلق "اللوح".
الجزء الثالث: النور المحمدي الثالث خلق منه العرش.
وقد قسم الربع الرابع إلى أربعة أجزاء:
الأول: من النور المحمدي الأول خلق منه: "حملة العرش".
الثاني: من النور المحمدي الثاني: خلق منه "الكرسي".
الثالث: من النور المحمدي الثالث خلق منه: "باقي الملائكة".
وقسم الرابع أيضًا إلى أربعة أجزاء:
الأول: من النور المحمدي الأول. خلق منه السموات.
والثاني: من النور المحمدي الثاني خلق منه: "الأراضين".
الثالث: من النور المحمدي الثالث خلق منه: "الجنة والنار".
وهذا الأخير من النور المحمدي الرابع قسم إلى أربعة أجزاء:
الأول: من النور المحمدي الأول خلق منه: "نور أبصار المؤمنين".
والثاني: من النور المحمدي الثاني خلق منه "نور قلوبهم".
والثالث: من النور المحمدي الثالث: خلق منه "التوحيد".
الرابع: من النور المحمدي الرابع خلق منه: باقي الخلق.(1/156)
ثالثًا: التخريج والتحقيق:
هذه القصة الواهية: قصة خلق العالم من نور النبي صلى الله عليه وسلم أوردها العجلوني في "كشف الخفاء" (1-311) (ح827) وعزى الخبر الذي جاءت به القصة إلى مصنف عبد الرزاق ولم يذكر أي تحقيق حول القصة، وبالرجوع إلى مصنف عبد الرزاق تبين أن هذا الخبر الباطل لا يوجد في مصنف عبد الرزاق.
ولذلك عندما سُئل عنه الحافظ السيوطي في "الحاوي في الفتاوي" (1-500) فأجاب: "بأنه لا سند له يثبت البتة".
رابعًا: قرائن تدل على بطلان خبر هذه القصة:
1- ثبت في "صحيح مسلم" (ح2996) وفي "التوحيد لابن منده" (ح482)، وفي "مسند أحمد" (6-168) (ح25393)، (6-135) (ح25235) من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم". قلت: وهنا فائدة أوردها الألباني رحمه الله تحت هذا الحديث في "الصحيحة" (1-741) (ح458) قال: "وفيه إشارة إلا بطلان الحديث المشهور على ألسنة الناس: "أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر" ونحوه من الأحاديث التي تقول بأنه صلى الله عليه وسلم خلق من نور، فإن هذا الحديث دليل واضح على أن الملائكة فقط هم الذين خلقوا من نور، دون آدم فتنبه ولا تكن من الغافلين". اه.
2- ثبت في "مسند أبي يعلى" (4-217) (ح2329) وفي "سنن اليبهقي" (9-3) كتاب: السير- باب: مبتدأ الخلق، وفي "الأوائل للطبراني" (ح51) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "إن أول شيء خلقه الله القلم وأمره فكتب كل شيء يكون".
وهنا فائدة أيضًا أوردها الألباني رحمه الله تحت هذا الحديث في "الصحيحة" (1-207) قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "إن أول شيء خلقه الله القلم وأمره فكتب كل شيء يكون".
وهنا فائدة أيضًا أوردها الألباني رحمه الله تحت هذا الحديث في "الصحيحة" (1-207) (ح133) قال: "وفي الحديث إشارة إلى ما يتناقله الناس(1/157)
حتى صار ذلك عقيدة راسخة في قلوب كثير منهم وهو أن النور المحمدي هو أول ما خلق الله تبارك وتعالى، وليس لذلك أساس من الصحة، وحديث عبد الرزاق غير معروف إسناده". اه.
3- وقال أحمد الصديق الغماري في مقدمة كتابه "المغير على ما في الجامع الصغير": "إنه موضوع لا يشك طالب علم في وضعه واختلاقه".
4- قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله في تقديمه لكتاب "تنبيه الحذاق على بطلان ما شاع بين الأنام من حديث النور المنسوب لمصنف عبد الرزاق" للعلامة الشنقيطي: "وكل من تأمل الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة علم يقينًا أن هذا الخبر من جملة الأباطيل التي لا أساس لها من الصحة وقد أغنى الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا بما أقام من الدلائل القاطعة، والبراهين الساطعة، والمعجزات الباهرة على صحة نبوته ورسالته عليه الصلاة والسلام، كما أغناه عن هذا الخبر المكذوب وأشباهه بما وهبه من الشمائل العظيمة والصفات الكريمة، والأخلاق الرفيعة، التي لا يشاركه فيها أحد ممن قبله ولا ممن بعده، فهو سيد ولد آدم، وخاتم المرسلين، ورسول الله إلى جميع الثقلين، وصاحب الشفاعة العظمى، والمقام المحمود يوم القيامة، إلى غير ذلك من خصائصه، وشمائله، وفضائله الكثيرة صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه ومن سلك سبيله، ونصر دينه وذبَّ عن شريعته وحارب من خالفها". اه.
من هذه القرائن التي أوردناها يتبين للقارئ الكريم أن الخبر الذي جاءت به القصة خبر باطل كما هو ظاهر من أقوال الأئمة، فضلاً على أنه لا سند له يثبت ألبتة.
والله من وراء القصد.(1/158)
1-8-2004 العدد 30:
قصة بدء الأذان ليلة الإسراء والمعراج
الحلقة السابعة والأربعون
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة كثير من الوعاظ والخطباء والقصّاص.
أولاً: متن القصة:
رُوي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: لما أراد الله تبارك وتعالى أن يعلم رسوله الأذان أتاه جبريل بدابة يقال لها: البراق، فذهب يركبها، فاستصعبت، فقال لها جبريل: اسكني، فوالله ما ركبك عبد أكرم على الله من محمد صلى الله عليه وسلم .
قال: فركبها حتى انتهى إلى الحجاب الذي يلي الرحمن تبارك وتعالى.
قال: فبينما هو كذلك؛ إذ خرج ملك من الحجاب، فقال رسول اللَّه: "يا جبريل، من هذا؟" فقال: والذي بعثك بالحق، إني لأقرب الخلق مكانًا، وإن هذا الملك ما رأيته منذ خُلِقَتُ قبل ساعتي هذه.
فقال الملك: الله أكبر، الله أكبر.
قال: فقيل له من وراء الحجاب: صدق عبدي أنا أكبر، أنا أكبر.
ثم قال الملك: أشهد أن لا إله إلا الله.
قال: فقيل له من وراء الحجاب: صدق عبدي لا إله إلا أنا.
قال: فقال الملك: أشهد أن محمدًا رسول الله.
قال: فقيل من وراء الحجاب: صدق عبدي أنا أرسلت محمدًا.
فقال الملك: حي على الصلاة حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، ثم قال: الله أكبر، الله أكبر.
قال: فقيل له من وراء الحجاب: صدق عبدي أنا أكبر أنا أكبر.
ثم قال: لا إله إلا الله، قال: فقيل من وراء الحجاب: صدق عبدي: لا إله إلا أنا. قال: ثم أخذ الملك بيد محمد صلى الله عليه وسلم فقدمه، فأمّ أهل السماء؛ فيهم آدم ونوح.
قال أبو جعفر محمد بن علي: فيومئذ أكمل الله لمحمد صلى الله عليه وسلم الشرف على أهل السماوات والأرض.(1/159)
ثانيًا: التخريج:
أخرجه البزار في "كشف الأستار" (1-178) (ح352) وقال: حدثنا محمد بن عثمان بن مخلد الواسطي ثنا أبي عن زياد بن المنذر عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عن علي. فذكر القصة.
ثالثًا: التحقيق:
قال البزار بعد أن أخرج حديث القصة: لا نعلمه يُروى عن علي بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد، وزياد بن المنذر شيعي روى عنه مروان بن معاوية وغيره.
ولقد بيّن الإمام المزِّي في "تهذيب الكمال" (6-408) أن محمدًا بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ممن روى عن زياد بن المنذر.
والقصة واهية وعلتها زياد بن المنذر.
أورده الإمام الذهبي في "الميزان" (2-93-2965) قال: قال ابن معين: كذّاب.
ثم أروده الإمام النسائي في كتابه "الضعفاء والمتروكين" (225) قال: زياد بن المنذر أبو الجارود متروك الحديث.
وأورده الإمام الدارقطني في كتابه "الضعفاء والمتروكين" ترجمة (234) وقال: زياد بن المنذر أبو الجارود كوفي عن أبي الطفيل والسبيعي وأبي جعفر محمد بن علي.
وقد يظن من يقرأ عبارة الدارقطني هذه أنه لم يذكر في زياد بن المنذر جرحًا ولا تعديلاً، وهذا لعدم درايته بشرط الكتاب الموضوع في المقدمة، وإلى القارئ الكريم بيان هذا الشرط.
قال أبو بكر أحمد بن محمد بن غالب الخوارزمي البرقاني: طالت محاورتي مع أبي منصور إبراهيم بن الحسين بن حَمَكَان لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني عفا الله عني وعنهما في المتروكين من أصحاب الحديث فتقرر بيننا وبينه على ترك من أثبته على حروف المعجم في هذه الورقات.
وبهذا يتبين أن كل من ذكر اسمه في كتاب "الضعفاء والمتروكين" للدارقطني فقد أجمع على تركه الأئمة الثلاثة البرقاني وابن حَمَكان والدارقطني.
ولقد أورده الإمام ابن حبان في كتابه "المجروحين" (1-302) وقال: زياد بن المنذر أبو الجارود الثقفي كان رافضيًا يضع الحديث في مثالب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويروي في فضائل أهل البيت أشياء ما لها أصول، لا تحل كتابة حديثه، قال يحيى: زياد بن المنذر أبو الجارود كذّاب عدوٌ لله ليس يساوي فلسًا.
قلت: وأخرج هذا القول بسنده الإمام الحافظ ابن عدي في كتابه "الكامل" (3-189) ترجمة (5-690).
وبهذا يتبين للقارئ الكريم أن(1/160)
هذه القصة واهية.
رابعًا: ما صحّ في قصة بدء الأذان:
القصة الأولى: لقد بوب البخاري بابًا في كتاب "الأذان" قال فيه: "باب بدء الأذان"، ثم ذكر فيه حديث ابن عمر (ح604) كان يقول: "كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة ليس ينادي لها، فتكلموا يومًا في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل بوقًا مثل قرن اليهود. فقال عمر: أولا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : يا بلال قم فناد بالصلاة".
قلت: والحديث أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" (ح377) وذلك في كتاب الصلاة باب "بدء الأذان" من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
فائدة:
قول ابن عمر رضي الله عنهما: "كان المسلمون حيث قدموا المدينة وفي الوقت نفسه يدل على كذب القصة التي أشرنا إليها "قصة بدء الأذان ليلة الإسراء والمعراج".
القصة الثانية:(1/161)
أوردها الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار" (2-99) باب "صفة الأذان" من حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال: لما أجمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يضرب بالناقوس وهو له كاره لموافقته النصارى طاف بي من الليل طائف وأنا نائم رجل عليه ثوبان أخضران وفي يده ناقوس يحمله، قال: فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قال: قلت: ندعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على خير من ذلك؟ فقلت: بلى، قال: تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. قال: ثم استأخر غير بعيد قال: ثم تقول: إذا أقمت الصلاة: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. قال: فلما أصبحت أتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "إن هذه الرؤيا حق إن شاء الله"، ثم أمر بالتأذين، فكان بلال مولى أبي بكر يؤذن بذلك ويدعو رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة، قال: فجاءه فدعاه ذات غداة إلى الفجر، فقيل له: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نائم، فصرخ بلال بأعلى صوته: الصلاة خير من النوم. قال سعيد بن المسيب فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر. رواه أحمد وأبو داود من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه وفيه: "فلما أصبحت أتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت، فقال: إنها لرؤيا حق- إن شاء الله- فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فإنه أندى صوتًا منك، قال: فقمت مع(1/162)
بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في بيته فخرج يجر رداءه يقول: والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : فلله الحمد". وروى الترمذي هذا الطرف منه بهذه الطريق وقال: حديث عبد الله بن زيد حديث حسن صحيح.
قال الإمام الشوكاني: وأخرجه أيضًا ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والبيهقي وابن ماجه، قال محمد بن يحيى الذهلي: ليس في أخبار عبد الله بن زيد أصح من حديث محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم، يعني هذا لأن محمد قد سمع من أبيه عبد الله بن زيد.
وقال ابن خزيمة في صحيحه: هذا حديث صحيح ثابت من جهة النقل؛ لأن محمد سمع من أبيه، وابن إسحاق سمع من التيمي وليس هذا مما دلَّسه.
وقد صحح هذه الطريق البخاري فيما حكاه الترمذي في العلل عنه.
قلت: وهذا الكلام الذي ذكره الشوكاني من تصحيح الأئمة لهذا الحديث وإقراره له ذكره بنصه الحافظ ابن حجر في "تلخيص الحبير" (1-196) (ح291) وأقره.
قلت: ولقد أقر تصحيح هؤلاء الأئمة محدث وادي النيل الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تخريجه لسنن الترمذي فعندما قال الترمذي عن حديث عبد الله بن زيد: حديث حسن صحيح. قال: وقد روى هذا الحديث إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق أتم من هذا الحديث وأطول، وذكر فيه قصة الأذان مثنى مثنى والإقامة مرة مرة.
قلت: فقام محدث وادي النيل بتخريج ما ذكره الترمذي في تخريج سنن الترمذي (1-360- شاكر ) حيث قال:
"ورواية إبراهيم بن سعد التي أشار إليها رواها أحمد في المسند (4-43) عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن ابن إسحاق، ورواها أبو داود (1-187- 189) عن محمد بن منصور الطوسي عن يعقوب، والحديث رواه أيضًا ابن ماجه (1-124) ، عن عبيد محمد بن عبيد بن ميمون عن محمد بن سلمة الحراني عن ابن إسحاق، وفي كل هذه الروايات صرح ابن إسحاق بسماعه من محمد بن إبراهيم ورواه أيضًا البيهقي في السنن الكبرى
(1-390- 391) بأسانيد من طريق إبراهيم بن سعد ثم روى عن محمد بن عبد الله بن زيد لأن محمدًا سمع من أبيه، وابن أبى ليلى لم يسمع من عبد الله بن زيد".
ثم نقل عن كتاب "العلل الكبير" للترمذي قال: سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث؟ فقال: هو عندي حديث صحيح.
قلت: وكفى بتصحيح أمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري لحديث قصة عبد الله بن زيد في الأذان.
وبهاتين القصتين الثابتتين يتبين أن قصة "بدء الأذان ليلة الإسراء والمعراج قصة واهية".
وهذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد.(1/163)
-9-2004 العدد 31:
قصة حريق بيت أبي الدرداء رضي الله عنه
إعداد- علي حشيش
الحلقة الثامنة والأربعون
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة الخطباء والوعاظ والقصاص، وتناقلتها بعض الكتب المصنفة في الأدعية المأثورة.
وإلى القارئ الكريم تحقيق هذه القصة وتخريجها:
أولاً: متن القصة
روى عن طلق بن حبيب قال: جاء رجل إلى أبي الدرداء رضي الله عنه فقال: يا أبا الدرداء قد احترق بيتك. قال: ما احترق. قد علمت أن الله عز وجل لم يكن ليفعل ذلك لكلمات سمعتهن من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من قالهن أول نهاره لم تصبه مصيبة حتى يمسي، ومن قالهن آخر النهار لم تصبه مصيبة حتى يصبح: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أعلم أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علمًا، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم.(1/164)
ثانيًا: التخريج
الخبر الذي جاءت به هذه القصة أخرجه ابن السني في كتابه "عمل اليوم والليلة" (ص25) (ح57)، والطبراني في "الدعاء" (2-954)، والخرائطي في "مكارم الأخلاق" (2-401) من طريق هُدْبَة بن خالد حدثنا الأغلب بن تميم حدثنا الحجاج بن فُرَافِصَة عن طلق بن حبيب به.
ثالثًا: التحقيق
هذه القصة واهية وسندها تالف وعلته: الأغلب بن تميم.
1- أورده الإمام البخاري في كتابه "التاريخ الكبير" (2-70-1720) وقال: "أغلب بن تميم منكر الحديث". اه.
قلت: وهذا المصطلح عند البخاري يدل على شدة الضعف حيث قال الإمام السيوطي في "التدريب" (1-349): البخاري يطلق: فيه نظر، وسكتوا عنه فيمن تُركوا حديثه، ويطلق منكر الحديث على من لا تحل الرواية عنه". اه.
2- أورده ابن حبان في "المجروحين" (1-175) وقال: "أغلب بن تميم منكر الحديث يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم حتى خرج عن حدِّ الاحتجاج به لكثرة خطئه". اه.
3- أورده الإمام الذهبي في "الميزان" (1-273-1021) وأقر قول الإمام البخاري، كذلك وأقر قول الإمام ابن حبان ثم نقل قول الإمام ابن معين في أغلب بن تميم بأنه ليس بشيء.
4- أورده الإمام العقيلي في "الضعفاء الكبير" (1-117-140) وقال: "حدثنا محمد قال: حدثنا عباس قال: سمعت يحيى يقول: أغلب بن تميم المسعودي بصري: سمعت منه، وليس بشيء"، ثم قال: "وليس يتابع". اه.
رابعًا: طريق آخر للقصة لا يصلح للمتابعات أو الشواهد
روى عن الحسن قال: كنا جلوسًا مع رجل من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فَأُتِيَ فقيل له أدرك دارك فقد احترقت فقال: ما احترقت داري، فذهب ثم جاء فقيل: أدرك دارك فقد احترقت، فقال: لا والله ما احترقت داري، فقيل له: احترقت دارك وتحلف بالله ما احترقت، فقال إني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "من قال حين يصبح ربي الله الذي لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا(1/165)
بالله العلي العظيم، أشهد أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علمًا، أعوذ بالله الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه من شر كل دابة ربي آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم لم يصبه في نفسه ولا أهله ولا ماله شيء يكرهه وقد قلتها اليوم، ثم قال: انهضوا بنا، فقام وقاموا معه فانتهوا إلى داره وقد احترق ما حولها ولم يصبها شيء".
خامسًا: تخريج هذا الطريق
هذا الطريق أخرجه الحارث في "مسنده" (2-953) (ح1052) قال: "حدثنا يزيد بن هارون، ثنا معاذ أبو عبد الله قال: حدثني رجل عن الحسن به".
وأخرجه ابن السُّني في "عمل اليوم والليلة" (ص25) (ح58) قال: "أخبرني عبد الرحمن بن حمدان حدثنا الحارث بن أبي أمامة بن محمد حدثنا يزيد بن هارون به".
سادسًا: تحقيق هذا الطريق(1/166)
1- القصة أيضًا من هذا الطريق واهية والسند مظلم لجهالة الراوي حيث قال: حدثني رجل عن الحسن "فالرجل هنا لم يسم، وهذا عند علماء الحديث يسمي "المبهم" حيث قال البيقوني في "منظومته" "ومبهم ما فيه راوٍ لم يسم" فالحديث مردود وسبب رد روايته جهالة عينه. لأن من أُبهم اسمه جهلت عينه وجهلت عدالته من باب أولى فلا تقبل روايته".
لذلك قال الحافظ ابن حجر في "شرح النخبة" (ص135): ولا يقبل حديث المبهم ما لم يسم لأن شرط قبول الخبر عدالة راويه ومن أبهم اسمه لا تعرف عينه فكيف تعرف عدالته؟".
قلت: وهذا الطريق يزيد القصة وهنًا على وهن كما هو مقرر في علم المصطلح كذا قال ابن الصلاح في "علوم الحديث" (ص107)، وابن كثير في "مختصره" (ص33)، والسخاوي في "فتح المغيث" (1-242).
2- قول الحسن: كنا جلوسًا مع رجل من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأتي فقيل له أدرك دارك فقد احترقت...".
قلت: فالمبهم هنا ليس هو أبا الدرداء لأن الحسن لم يجالس أبا الدرداء والشاهد على ذلك قول الإمام ابن أبي حاتم في كتابه "المراسيل" (ص44) رقم 148: قال أبو زرعة: الحسن عن أبي الدرداء مرسل". اه.
قلت: وأقره الحافظ ابن حجر في "التهذيب" (2-234).
فائدة هامة(1/167)
1- بهذا يتبين أن الراوي المبهم في السند جعل الصحابي أيضًا مبهمًا، وإن تعجب فعجب كيف يجلس الحسن مع رجل من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو لا يعرف اسمه في مثل هذا الأمر الخطير وهو خبر حريق بيته.
وإبهام الصحابي ومجالسته للحسن يحتم أنه لم يكن هو أبا الدرداء لما بيّنا آنفًا بعدم سماع الحسن من أبي الدرداء، وعلى هذا تصبح هذه قصة أخرى لحريق بيت صحابي آخر اشتركت مع قصة حريق بيت أبي الدرداء في المعنى.
وهذا ما يسمى في المصطلح بالشاهد.
قلت: ولكنه شاهد لا يعتبر به حيث إن طريقه مظلم والراوي مبهم وكم تحت الإبهام من أمور عظام كشفت عن كذابين ومتروكين، كذلك والمشهود له هو قصة أبي الدرداء الواهية والتي لا يصلح لها شواهد لشدة الضعف التي بيناها آنفًا فكلا الطريقين لا يؤثر كونه شاهدًا أو مشهودًا، وعدم التأثير يدل على أن الشاهد ظاهري لا حقيقي.
2- حاول البعض أن يجعل الصحابي المبهم في الطريق الآخر هو أبو الدرداء لتكون قصة الحريق لصحابي واحد.
وبهذا الصنيع يصبح الطريق الآخر مشاركًا للطريق الأول في المعنى مع الاتحاد في الصحابي وهذا ما يسمى عند الجمهور من أهل الفن "المتابع".
وهم بهذا الصنيع زادوا القصة وهنًا على وهن لأن هذا ليس متابعًا حقيقة لأنه لا يعتبر به حيث إن:
1- السند مظلم والراوي مبهم كما بينا آنفًا.
2- الإرسال الخفي لأن الحسن لم يسمع من أبي الدرداء كما بينا أيضًا.
وبهذا يصبح طريق المتابع ظلمات بعضها فوق بعض، بين سقط خفي وإبهام ولا يصح مع السقط والإبهام متابعات تامة أو قاصرة، هذا بالنسبة للطريق الثاني.
3- والطريق الأول لا يصلح أن يكون تابعًا أو متبوعًا لشدة الضعف التي بيناها آنفًا.
بهذا التحقيق تصبح قصة حريق بيت أبي الدرداء قصة واهية.
هذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد.(1/168)
1-10-2004 العدد 32:
قصة الترخيص في السحور حتي مطلع الشمس
إعداد / علي حشيش
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي وجدت في بعض الكتب واشتهرت على ألسنة الخطباء والوعاظ والقصاص.
وإلى القارئ الكريم تخريج هذه القصة وتحقيقها.
أولا: متن القصة
رُوِيَ عن علي بن أبي طالب قال: دخل علقمة بن علاثة على النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له برأس، وجعل يأكل معه، فجاءه بلال فدعاه إلى الصلاة فلم يجب فرجع فمكث في المسجد ما شاء الله ثم رجع، فقال: يا رسول الله، قد والله أصبحت، فقال: رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "رحم الله بلالاً، لولا بلال لرجونا أن يُرَخص لنا ما بيننا وبين طلوع الشمس". فقال علي رضي الله عنه: لولا أن بلالاً حلف لأكل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى يقول له جبريل: ارفع يديك.
ثانيًا: التخريج
الخبر الذي جاءت به هذه القصة أخرجه الإمام البزار في "مسنده" (1-465- كشف الأستار ) (ح980) باب "وقت السحور" قال: حدثنا خلاد بن أسلم، حدثنا حنيفة بن مرزوق، عن سوار بن مصعب عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن علي بن أبي طالب به.
ثالثًا: التحقيق(1/169)
هذه القصة واهية وسندها تالف وعلته: سوار بن مصعب.
1- قال البزار بعد أن أخرج هذا الخبر الذي جاءت به القصة: "تفرد به سوار". اه.
ولم يُقيد هذا التفرد فالخبر فرد مطلق، وهذا أمر له أهميته في التحقيق.
2- قال الهيثمي في "المجمع" (3-152): "رواه البزار وفيه سوار بن مصعب وهو ضعيف".
وإلى القارئ الكريم بيان درجة هذا الضعف المجمل الذي اعتدناه من الإمام الهيثمي رحمه الله:
3- قال الإمام البخاري في "الضعفاء الصغير" رقم (155): سَوَّار بن مُصْعب الهَمْدَاني: منكر الحديث.
وهذا المصطلح له معناه عند الإمام البخاري، حيث قال الحافظ ابن حجر في "هدي الساري" (ص504): "للبخاري في كلامه على الرجال تَوَقٍّ زائد وتحرّ بليغ يظهر لمن تأمل كلامه في الجرح والتعديل فإن أكثر ما يقول: سكتوا عنه، فيه نظر، تركوه ونحو هذا وقل أن يقول كذاب أو وضاع، وإنما يقول كذبه فلان رماه فلان يعني بالكذب". اه.
لذلك تجد الإمام السيوطي في "التدريب" (1-349) يقول: "البخاري يطلق: منكر الحديث على من لا تحل الرواية عنه". اه.
4- قال الإمام النسائي في "الضعفاء والمتروكين" رقم (258): "سَوَّار بن مُصعب: متروك الحديث. كوفي". اه.
وهذا المصطلح أيضًا له معناه عند الإمام النسائي حيث قال الإمام الحافظ ابن حجر في "شرح النخبة" (ص73): "مذهب النسائي أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه".
5- أورده الإمام الدارقطني في "الضعفاء والمتروكين" برقم (279) قال: "سَوَّار بن مُصعب متروك الحديث كوفي". اه.
قلت: ولم يكتب شيئًا سوى ذكر اسمه فقد يظن من لا دراية له أن الدارقطني لم يبين حاله، ولم يدر أنه بمجرد ذكر الاسم في كتابه يعني أنه "متروك".
وهذا يتبين من مقدمة كتاب الدارقطني في "الضعفاء والمتروكين" حيث قال الإمام البرقاني: طالت محاورتي مع ابن حَمَكان لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني عفا الله عني وعنهما في المتروكين من أصحاب الحديث، فتقرر بيننا(1/170)
وبينه على ترك من أثبته على حروف المعجم في هذه الورقات. اه.
وبهذا يتبين أن سوار بن مصعب متروك عند الأئمة الثلاثة: البرقاني، وابن حَمَكان، والدارقطني.
6- قال الإمام ابن حبان في "المجروحين" (1-352): "سوَّار بن مصعب الهمداني وهو الذي يقال له سوَّار المؤذن، ويقال له سوار الأعمى من أهل الكوفة: كان ممن يأتي بالمناكير عن المشاهير حتى يسبق إلى القلب أنه كان المعتمد لها".
7- قال الإمام ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (4-272-1175).
أ- أخبرنا محمد بن حمويه بن الحسن قال: سمعت أبا طالب قال: قال أحمد بن حنبل: سوار بن مصعب الأعور: متروك الحديث.
ب- ثم قال: قرئ على العباس بن محمد الدوري قال سُئل يحيى بن معين عن سوار بن مصعب فقال: هو سوار الأعمى المؤذن ضعيف ليس بشيء.
ج- ثم قال: سألت أبي عنه، فقال: متروك الحديث لا يكتب حديثه ذاهب الحديث". اه.
من أقوال أئمة الجرح والتعديل يتبين أن الخبر الذي جاءت به هذه القصة خبر منكر باطل والقصة واهية غريبة.
رابعًا: ما صح في وقت السحور(1/171)
1- قصة عَدِي بن حاتم رضي الله عنه قال: "لما نزلت حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود عَمَدْتُ إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتي فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي، فَغَدَوت على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك، فقال: "إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار".
2- حديث سهل بن سعد رضي الله عنه في "أسباب النزول" قال: "لمَّا نزلت هذه الآية: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود قال: فكان الرجل إذا أراد الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأسود والخيط الأبيض فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعد ذلك: من الفجر، فعلموا أنما يعني بذلك الليل والنهار".
أخرجه البخاري (ح1917)، (ح4511)، وكذلك مسلم (ح1091)، واللفظ لمسلم كتاب الصيام (ح35) باب "الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر".
3- ولقد بوَّب البخاري بابًا بعنوان: "باب قدر كم بين السحور وصلاة الفجر" في كتاب الصوم باب رقم (19) أخرج تحته حديث (1921) من حديث أنس عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قام إلى الصلاة. قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية".
وأخرجه الإمام مسلم (ح1097-47).
وبهذا البيان لهذه القصة الواهية في وقت السحور، ثم بيان القصة الصحيحة وأسباب النزول حول السحور، يستطيع القارئ الكريم أن يميز الطيب عن الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث.
هذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد.(1/172)
1-11-2004 العدد 33:
قصة توبة ثعلبة بن عبدالرحمن رضي الله عنه
إعداد : علي حشيش
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة الوعاظ والخطباء والقصاص، ولقد اشتهرت هذه القصة على لسان واعظ اشتهر اسمه ووعظ ببغداد والشام ومصر كما سنبين للقارئ الكريم مما أدى إلى ذيوع قصة توبة ثعلبة بن عبد الرحمن واشتهارها، كذيوع واشتهار قصة ثعلبة بن حاطب التي حذرنا منها في سلسلة تحذير الداعية من القصص الواهية في الحلقة (15)، وإلى القارئ الكريم تخريج هذه القصة وتحقيقها:
أولاً: متن القصة: رُوِي عن جابر بن عبد الله: أن فتى من الأنصار يقال له: ثعلبة بن عبد الرحمن أسلم فكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ، بعثه في حاجة فمر بباب رجل من الأنصار، فرأى امرأة الأنصاري تغتسل، فكرر النظر إليها، وخاف أن ينزل الوحي على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فخرج هاربًا على وجهه، فأتى جبالاً بين مكة والمدينة فولجها، ففقده رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أربعين يومًا، وهي الأيام التي قالوا ودعه ربه وقلى. ثم إن جبريل عليه السلام نزل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا محمد إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول: إن الهارب من بين هذه الجبال يتعوذ بي من ناري. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : يا عمر ويا سلمان انطلقا فأتياني بثعلبة بن عبد الرحمن، فخرجا في أنقاب المدينة فلقيهما راع من رعاء المدينة يقال له "ذفافة"، فقال له عمر: يا ذفافة: هل لك علم بشاب بين هذه الجبال؟ فقال له "ذفافة": لعلك تريد الهارب من جهنم. فقال له عمر: وما علمك أنه هارب من جهنم؟ قال: لأنه إذا كان جوف الليل خرج علينا من هذه الجبال واضعًا يده على رأسه وهو يقول: يا ليتك قبضت روحي في الأرواح وجسدي في الأجساد، ولم تجردني في فصل القضاء. قال عمر: إياه نريد، قال: فانطلق بهما ذفافة فلما كان في جوف الليل، خرج عليهم من بين تلك الجبال واضعًا يده على أم رأسه وهو يقول: يا(1/173)
ليتك قبضت روحي في الأرواح وجسدي في الأجساد ولم تجردني لفصل القضاء. قال فعدا عليه عمر فاحتضنه فقال: الأمان الخلاص من النار. فقال له عمر: أنا عمر بن الخطاب، فقال: يا عمر: هل علم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بذنبي؟ قال: لا علم لي إلا أنه ذكرك بالأمس، فبكى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فأرسلني أنا وسلمان في طلبك. فقال: يا عمر لا تدخلني عليه إلا وهو يصلي وبلال يقول: قد قامت الصلاة قال: أفعل. فأقبلا به إلى المدينة، فوافقوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو في صلاة الغداة، فبدر عمر وسلمان الصف فلما سمع قراءة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خر مغشيًا عليه، فلما سلم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: يا عمر، ويا سلمان، ما فعل ثعلبة بن عبد الرحمن؟ قالا: هو ذا يا رسول الله. فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: ثعلبة؟ قال: لبيك يا رسول الله، فنظر إليه فقال: ما غيبك عني؟ قال: ذنبي يا رسول الله، قال: أفلا أدلك على آية تكفر الذنوب والخطايا؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: قل اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. قال: ذنبي أعظم يا رسول الله، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "بل كلام الله أعظم" ثم أمره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالانصراف إلى منزله، فمرض ثمانية أيام، فجاء سلمان إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله، هل لك في ثعلبة نأته لما به، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : قوموا بنا إليه، فلما دخل عليه أخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رأسه فوضعه في حجره فأزال رأسه من حجر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : لِمَ أَزَلْتَ رأسك عن حجري؟ قال: إنه من الذنوب ملآن، قال: ما تجد؟ قال: أجد مثل دبيب النمل بين جلدي وعظمي. قال: فما تشتهي؟ قال: مغفرة ربي. قال: فنزل جبريل عليه السلام على رسول اللَّه صلى(1/174)
الله عليه وسلم ، فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول: لو أن عبدي هذا لقيني بقراب الأرض خطيئة لقيته بقرابها مغفرة، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "أفلا أعلمه ذلك؟" قال: بلى، فأعلمه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بذلك فصاح صيحة فمات، فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بغسله وكفنه، وصلى عليه، فجعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يمشي على أطراف أنامله، فقالوا: يا رسول الله، رأيناك تمشي على أطراف أناملك؟ قال: والذي بعثني بالحق نبيًا ما قدرت أن أضع رجلي على الأرض من كثرة أجنحة من نزل لتشييعه من الملائكة.
ثانيًا: التخريج: هذه القصة أخرجها أبو نعيم في "الحلية" (9-329)، وابن قدامة في كتاب "التوابين" (ص72) من طريق سليم بن منصور بن عمار قال: حدثني أبي عن المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر بن عبد الله الأنصاري به.
ثالثًا: التحقيق:
لقد أورد هذه القصة الإمام ابن حجر في "الإصابة" (1-405-925) ثم قال: قال ابن منده بعد أن رواه مختصرًا: "تفرد به منصور".
ثم قال الحافظ ابن حجر: قلت: وفيه ضعف وشيخه أضعف منه، وفي السياق ما يدل على وهن الخبر لأن نزول "ما ودعك ربك وما قلى" كان قبل الهجرة بلا خلاف. اه.
قلت: يتبين من قول ابن منده أن هذه القصة غريبة لتفرد منصور بها.
ويتبين كذلك من قول الحافظ ابن حجر أن في القصة ثلاث علل: اثنتين منها في السند والثالثة في المتن.
فالأولى:(1/175)
منصور بن عمار:
1- قال الإمام الذهبي في "الميزان" (4-187-8790): "منصور بن عمار الواعظ أبو السري، خرساني ويقال بصري، زاهد شهير، وإليه كان المنتهى في بلاغة الوعظ وترقيق القلوب، وتحريك الهمم وعظ ببغداد والشام ومصر، وبَعُد صيته واشتهر اسمه".
ثم نقل عن الدارقطني قوله: "يروي عن ضعفاء أحاديث لا يتابع عليها". اه.
2- قال الإمام الحافظ ابن عدي في "الكامل" (6-393) (260-1881): منصور بن عمار أبو السرِّي منكر الحديث.
3- قال ابن أبي حاتم في كتابه "الجرح والتعديل" (8-176-777): منصور بن عمار صاحب المواعظ، سُئل أبي عن منصور بن عمار فقال ليس بالقوي صاحب مواعظ.
4- قال الحافظ العقيلي في كتابه "الضعفاء الكبير" (4-193-1771): منصور بن عمار القاصّ لا يقيم الحديث وكان فيه تجهم من مذهب جهم. اه.
ثم قال: حدثنا عبد الله بن أحمد، ومحمد بن زكريا قالا: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، وحدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثنا أبو بكر أيضًا قالا: كنا عند ابن عيينة فجاءه منصور بن عمار فسأله عن القرآن فزبره(1) وأشار عليه بالعكاز وانتهره، فقيل له: يا أبا محمد إنه رجل عابد ناسك، فقال: ما أراه إلا شيطانًا. اه.
العلة الثانية:(1/176)
المنكدر بن محمد بن المنكدر:
1- قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8-406-1865): قرئ على العباس بن محمد الدوري قال: سألت يحيى بن معين عن المنكدر بن محمد بن المنكدر فقال: ليس بشيء.
ثم قال: سألت أبي عن المنكدر بن محمد بن المنكدر فقال: كان رجلاً صالحًا لا يقيم الحديث كان كثير الخطأ، لم يكن بالحافظ لحديث أبيه.
ثم قال: سئل أبو زرعة عن المنكدر بن محمد فقال: ليس بالقوي.
2- قال النسائي في كتابه الضعفاء والمتروكين رقم (579): منكدر بن محمد بن المنكدر ليسس بالقوي.
ونقل عنه الذهبي في "الميزان" (4-191-8803) أن النسائي قال: ضعيف.
3- قال ابن حبان في "المجروحين" (3-24): المنكدر بن محمد بن المنكدر قطعته العبادة عن مراعاة الحفظ والتعاهد في الإتقان فكان يأتي بالشيء الذي لا أصل له عن أبيه توهمًا فلما ظهر ذلك في روايته بطل الاحتجاج بأخباره. اه.
العلة الثالثة:
قال الإمام ابن القيم في المنار المنيف فصل (6): "ونحن ننبه على أمور كلية يعرف بها كون الحديث موضوعًا فقال في فصل (22): ومنها ما يقترن بالحديث من القرائن التي يعلم بها أنه باطل".
قلت: وهكذا يتبين من قول الحافظ ابن حجر في الإصابة (1-405-945): "وفي السياق ما يدل على وهن الخبر لأن نزول "ما ودعك ربك وما قلى" كان قبل الهجرة بلا خلاف". اه.
قلت: بهذه العلل يتبين أن القصة واهية.
وهذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد.
(1) زبره يزبره- بالضم- عن الأمر نهاه وانتهره. لسان العرب (4-315).
انتهى(1/177)
1-12-2004 العدد 34:
قصة مفتاح الكعبة ونزول آية الأمانات
إعداد - علي حشيش
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة كثير من الوعاظ والخطباء والقصاص، وقد ذكرت هذه القصة في كتب التفسير على أنها سبب في نزول الآية: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها
{النساء: 58}
أولاً: متن القصة:
لما فتح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مكة دعا عثمان بن طلحة، فلما أتاه قال: "أرني المفتاح". فأتاه به، فلما بسط يده إليه، قام العباس فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي اجمعه لي مع السقاية، فكف عثمان يده، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "هات المفتاح يا عثمان".
فقال: هاك أمانة الله، فقام ففتح الكعبة، ثم خرج فطاف بالبيت، ثم نزل عليه جبريل بردّ المفتاح، فدعا عثمان بن طلحة فأعطاه المفتاح، ثم قال: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها حتى فرغ من الآية.
ثانيًا: "التخريج":
القصة أخرجها ابن مردويه كما في "لباب النقول في أسباب النزول" (ص71) للإمام السيوطي، وكذا في "الدر المنثور في التفسير بالمأثور" (2-174) وفي "تفسير ابن كثير" (2-207).
من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قول الله عز وجل: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، قال: لما فتح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مكة... القصة.
ثالثًا: التحقيق:(1/178)
القصة: واهية والخبر الذي جاءت به القصة "موضوع".
وبه علتان:
الأولى: الكلبي.
1- والكلبي أورده الإمام الحافظ ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (7-207) (3-2-1478) وقال:
محمد بن السائب الكلبي أبو النَّضْر، وهو ابن السائب بن بشر بن عيدود، روى عن أبي صالح باذام، وروى عنه ابن جريج".
2- ثم أخرج بسنده عن سفيان الثوري قال: "قال لنا الكلبي: ما حُدِّثْتَ عني، عن أبي صالح عن ابن عباس فهو كذب فلا تَرْوِهِ". اه.
وسند هذه القصة كما هو مبين آنفًا من طريق: الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس.
بالمقارنة بين التخريجين: تخريج القصة وبيان طريقها، وتخريج قول سفيان الثوري في هذا الطريق في "الجرح والتعديل".
نستنتج أن القصة مكذوبة.
3- ثم أخرج عن مروان بن محمد قال: "تفسير الكلبي باطل".
4- وأخرج عن يحيى بن معين قال: "الكلبي ليس بشيء".
5- ثم قال: "سألت أبي عن محمد بن السائب الكلبي فقال: الناس مجتمعون على ترك حديثه لا يشتغل به هو ذاهب الحديث". اه.
ومما يدل على الإجماع على ترك حديث الكلبي:
1- قال الإمام النسائي في كتاب: "الضعفاء والمتروكين" ترجمة (514): "محمد بن السائب أبو النضر الكلبي: متروك الحديث. كوفي".
وهذا المصطلح عند النسائي له معناه يتبين ذلك من قول الحافظ ابن حجر في "شرح النخبة" (ص69):
"كان مذهب النسائي أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه". اه.
2- وأورده الإمام الدارقطني في كتاب "الضعفاء والمتروكين" ترجمة (468) وقال: "محمد بن السائب الكلبي".
ولم يذكر شيئًا سوى ذكر الاسم فقد يتوهم واهم ممن لا دراية له بهذا الفن أن الإمام الدارقطني سكت عنه.
وإلى القارئ الكريم بيان القاعدة التي بنى عليها كتاب "الضعفاء والمتروكين" للإمام الدارقطني:
قال الإمام البرقاني في مقدمة كتاب "الضعفاء والمتروكين" للدارقطني: "طالت محاورتي مع أبي منصور إبراهيم بن الحسين بن حمكان، لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني- عفا(1/179)
الله عني وعنهما- في المتروكين من أصحاب الحديث، فتقرّر بيننا وبينه على ترك من أثبته على حروف المعجم في هذه الورقات". اه.
ولقد أثبت محمد بن السائب الكلبي كما بينا آنفًا فهو ممن تقرر عند الأئمة الثلاثة تركه بمجرد إثبات اسمه في الكتاب.
3- وأورده ابن عدي في "الكامل" (6-114) (5-1626) وقال: "سمعت محمد بن سعيد الحراني يقول: سمعت عبد الحميد بن هشام يقول: سمعت عبد الجبار بن محمد الخطابي يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: سمعت سفيان الثوري يقول: قال الكلبي: "كل شيء أحدث عن أبي صالح فهو كذب".
4- وأورده الإمام العقيلي في "الضعفاء الكبير" (4-78-1632) وقال: حدثنا محمد بن أيوب، حدثنا عمرو بن الحصين، حدثنا معمر بن سليمان، عن ليث، قال: "بالكوفة كذابان: الكلبي، والسدي". اه.
ثم قال العقيلي: حدثني آدم، قال: سمعت البخاري، يقول: محمد بن السائب الكلبي كوفي تركه يحيى بن سعيد، وابن مهدي.
5- وبالرجوع إلى البخاري في كتاب "التاريخ الكبير" (1-1-101) قال: "محمد بن السائب أبو النضر الكلبي تركه يحيى بن سعيد وابن مهدي".
6- أورده الإمام الذهبي في "الميزان" (3-556-7574) وقال: "محمد بن السائب الكلبي أبو النضر الكوفي المفسر النسابة الأخباري ثم نقل عنه أنه حفظ القرآن في سبعة أيام.
ثم نقل عن أحمد بن زهير: أنه قال للإمام أحمد بن حنبل: يحل النظر في تفسير الكلبي؟ قال: لا".
ثم قال الذهبي: "وقال الجوزجاني وغيره: كذاب". اه.
هذا وليفرق القارئ الكريم بين الحفظ، والتفسير، والتحديث.
وفيما ذكرناه بيان للعلة الأولى، وتفصيل للإجماع الذي ذكره ابن أبي حاتم عن أبيه في ترك الكلبي.
العلة الثانية:(1/180)
أبو صالح
1- قلت: ولتحديد الراوي صاحب هذه الكنية رجعنا إلى كتاب "الكنى والأسماء" للإمام مسلم بن الحجاج (1-434) حرف الصاد باب أبو صالح فوجدنا هذه الكنية خمسة وثلاثين راويا من (1635) إلى (1669) ولما كان سند القصة من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس كان تحديد الراوي الذي كنيته "أبو صالح" مرتبطًا بمن روى عنه أبو صالح وبمن روى عن أبي صالح.
فأبو صالح في هذه القصة روى عن ابن عباس، والكلبي روى عن أبي صالح، وبتطبيق هذا على الرواة الخمسة والثلاثين أصحاب هذه الكنية نجد ذلك ينطبق على الراوي (1642) حيث قال الإمام مسلم: "أبو صالح باذام مولى أم هانئ عن علي وابن عباس وأم هانئ، روى عنه السدي وابن أبي خالد والكلبي". اه.
2- قال الحافظ ابن حجر في "التقريب" (1-93): "باذام أبو صالح مولى أم هانئ ضعيف مدلس من الثالثة". اه.
3- أورده الإمام الذهبي في "الميزان" (1-296-1121): ونقل عن إسماعيل بن أبي خالد قوله: كان أبو صالح يكذب.
ونقل عن ابن معين قوله: إذا روى عنه الكلبي فليس بشيء، وقال عبد الحق في أحكامه: ضعيف جدا.
4- وأورده الإمام ابن حبان في كتابه "المجروحين" (2-255) في ترجمة الكلبي حيث قال: "الكلبي هذا مذهبه في الدين ووضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه، يروي عن أبي صالح عن ابن عباس في التفسير، وأبو صالح لم ير ابن عباس ولا سمع منه شيئًا، ولا سمع الكلبي من أبي صالح إلا الحرف بعد الحرف فجعل لما احتيج إليه تخرج له الأرض أفلاذ أكبادها لا يحل ذكره في الكتب فكيف الاحتجاج به". اه.
وهذا الذي ذكره ابن حبان، نقله الذهبي في "الميزان" وأقره وبهذه العلة تزداد القصة وهنًا على وهن.
رابعًا: طريق آخر للقصة:(1/181)
أخرجه الإمام الطبري في "تفسيره" (4-162- ط دار الغد ) (ح9851) قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها قال: نزلت في عثمان بن طلحة بن أبي طلحة قبض منه النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة، ودخل به البيت يوم الفتح، فخرج وهو يتلو هذه الآية، فدعا عثمان فدفع إليه المفتاح قال: وقال عمر بن الخطاب لما خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو يتلو هذه الآية، فداه أبي وأمي ما سمعت يتلوها قبل ذلك. اه.
التحقيق
هذا طريق ضعيف جدا يزيد القصة وهنًا على وهن.
1- ابن جريج؛ قال الحافظ في "التقريب" (2-499): "هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج". ثم حدد طبقته في "التقريب" (1-520) قال: "كان يدلس ويرسل من السادسة". ثم بين الطبقة السادسة في "المقدمة" قال: "السادسة: طبقة عاصروا الخامسة لكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة".
قال المناوي: "ومتى لم يلاقوا الصحابة لا يكونون من التابعين والأليق بهم أن يكونوا من طبقة أتباع التابعين". اه.
2- قلت: من هذا يتبين أن سند هذه القصة من هذا الطريق تالف سقطت منه طبقتان: طبقة التابعين وطبقة الصحابة فالسقط هنا باثنين على الأقل مع التوالي فهو معضل كذا في "شرح النخبة" (ص38).
انظر إلى القصة تجد ابن جريج قال قبض النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة من عثمان بن طلحة وابن جريج لم يكن صحابيّا ليسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن تابعيّا ليسمع من الصحابي عثمان بن طلحة.
وهذا يتبين من قول الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (4-450-5444): "مات عثمان بن طلحة بالمدينة سنة اثنتين وأربعين". وقول الحافظ في "التهذيب" (6-359).
"قال ابن سعد: وُلِدَ ابن جريج سنة ثمانين". اه.
قلت: فابن جريج ولد بعد موت الصحابي عثمان بن طلحة بأكثر من ثلاثين عامًا، لذلك قال الإمام النووي في "التقريب" (2-349- تدريب ): "التواريخ(1/182)
والوفيات: هو فن مهم به يعرف اتصال السند وانقطاعه، وقد ادعى قوم الرواية عن قوم فنظر في التاريخ فظهر أنهم زعموا الرواية عنهم بعد وفاتهم بسنين". اه.
قال سفيان الثوري: "لما استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ". كذا في "التدريب" (2-350).
3- ولقد نقل الحافظ ابن حجر في "التهذيب" (6-359) عن الدارقطني أنه قال: "تجنب تدليس ابن جريج فإنه قبيح التدليس لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح".
ولقد بينت آنفًا أن ابن جريج روى عن محمد بن السائب الكلبي الكذاب المتروك، وبيّن هذا أيضًا الإمام المزي في "تهذيب الكمال" (16-295-5823) ولما كانت القصة في الطريق الأول عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس فقد يكون ابن جريج سمع القصة من الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، ولقد بينت أن سفيان الثوري قال: "قال لنا الكلبي: ما حدثت عني، عن أبي صالح عن ابن عباس فهو كذب فلا تروه". اه.
فقام ابن جريج بحذف السند لشدة ضعفه وبيان كذبه حتى ذكر السند معضلاً خاصة وأنه معروف بالتدليس القبيح والإرسال.
والمرسل عند المحدثين: ما سقط من آخر إسناده من بعد التابعي.
وعند الفقهاء والأصوليين أعم من ذلك فعندهم أن كل منقطع مرسل على أي وجه كان انقطاعه، وهذا مذهب الخطيب أيضًا.
وبهذا يتبين للقارئ أن هذا الطريق تالف لما به من سقط في الإسناد أسقطه ابن جريج حتى لا يظهر المجروحين وهو مشهور بالتدليس والإرسال.
ملاحظة هامة:(1/183)
نقل الإمام القرطبي في "تفسيره" (2-1919) عن ابن جريج قوله: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها قال: "ذلك خطاب للنبي خاصة في أمر مفتاح الكعبة حين أخذه من عثمان بن طلحة، وكان كافرًا وقت فتح مكة فطلبه العباس بن عبد المطلب لتنضاف له السدانة إلى السقاية". القصة.
لقد بينت أن القصة واهية ولا تصح سببًا في نزول الآية ولكن هناك مسألتان:
الأولى: أن عثمان بن طلحة كان كافرًا وقت فتح مكة ولذلك طلبه العباس: وهذه الفرية أوردها الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (4-450-5444) حيث قال: "وقد وقع في تفسير الثعلبي، بغير سند في قوله تعالى: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها- أن عثمان المذكور إنما أسلم يوم الفتح بعد أن دفع له النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح البيت، وهذا منكر. والمعروف أنه أسلم وهاجر مع عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد وبذلك جزم أهل العلم". اه.
قلت: نظرًا لأهمية هذه المسألة قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (2-207): "عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، واسم أبي طلحة: عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب القرشي العبدري حاجب الكعبة المعظمة وهو ابن عم شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، الذي صارت الحجابة في نسله إلى اليوم، أسلم عثمان هذا في الهدنة بين صلح الحديبية وفتح مكة، هو وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص، وأمّا عمه عثمان بن أبي طلحة، فكان معه لواء المشركين يوم أحد، وقتل يومئذ كافرًا، وإنما نبهنا على هذا النسب؛ لأن كثيرًا من المفسرين قد يشتبه عليهم هذا بهذا". اه.
المسألة الثانية: قوله ذلك خطاب للنبي خاصة في أمر مفتاح الكعبة.
قلت: لقد أثبتنا عدم صحة هذا الأمر، وأن القصة واهية من الطريقين، فالآية عامة وليست خاصة.
لذلك قال الإمام القرطبي في "تفسيره" (2-1920) معقبًا: الأظهر في الآية أنها عامة في جميع الناس فهي:
1- تتناول الولاة فيما لديهم من الأمانات في قسمة الأموال، ورد(1/184)
الظلامات والعدل في الحكومات وهذا اختيار الطبري.
2- وتتناول من دونهم من الناس في حفظ الودائع والتحرز في الشهادات وغير ذلك كالرجل يحكم في نازلة ما ونحوه، والصلاة والزكاة وسائر العبادات أمانة الله تعالى.
3- وممن قال إن الآية عامة في الجميع: البراء بن عازب، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي بن كعب قالوا: "الأمانة في كل شيء في الوضوء والصلاة والزكاة والجنابة والصوم والكيل والوزن والودائع". اه.
بهذا يتبين للقارئ الكريم أن آية الأمانات عامة وليست خاصة، وقصة نزولها في مفتاح الكعبة واهية.
هذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد.
انتهى(1/185)
1-1-2005 العدد 35:
فرية السفور والاختلاط في بيت أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه
إعداد - علي حشيش
الحلقة الثانية والخمسون
نواصل في هذا التحذير الثالث والخمسين تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي اشتهرت على ألسنة دعاة سفور المرأة واختلاطها بالأجانب واتخذوا منها دليلاً لترويج هذه الفتنة التي كشرت عن أنيابها في هذه الأيام :
أولاً : متن القصة :
القصة تتحدث عن قائد من قواد عمر اسمه سلمة بن قيس أرسل رجلاً من قومه برسالة إلى أمير المؤمنين ، قال الرجل: "فاتبعته (أي عمر) فدخل دارًا ثم دخل حجرة فاستأذنت وسلمت فأذن لي فدخلت عليه فإذا هو جالس على مسح (بساط) متكئ على وسادتين من أدم محشوتين ليفًا ، فنبذ إليَّ بإحداهما فجلست عليها ، وإذا بَهْوٌ في صُفة فيها بيت عليه سُتير ، فقال : يا أم كلثوم؛ غداءنا ، فأخرجت إليه خبزة بزيت في عُرْضها ملح لم يُدَق فقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب : يا أم كلثوم ألا تخرجين إلينا تأكلين معنا من هذا ؟
قالت : إني أسمع عندك حس رجل قال : نعم ولا أراه من أهل البلد .
قالت : لو أردتَّ أن أخرج إلى الرجال لكسوتني كما كسا ابن جعفر امرأته ، وكما كسا الزبير امرأته ، وكما كسا طلحة امرأته، قال : أو ما يكفيك أن يقال : أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ، وامرأة أمير المؤمنين عمر؟ فقال : كُلّ فلو كانت راضية لأطعمتك أطيب من هذا". اه .
ثانيًا : التخريج :
القصة أخرجها ابن جرير الطبري في كتابه "تاريخ الأمم والملوك" (2-557، 558) وقال : حدثني عبد الله بن كثير العبدي ، قال : حدثنا جعفر بن عون ، قال : أخبرنا أبو جناب ، قال : حدثنا أبو المحجَّل الرِّديني عن مخلد البكري وعلقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة أن أمير المؤمنين .. القصة.(1/186)
ثالثًا : التحقيق :
إسناد القصة مسلسل بالعلل :
الأولى : في سند القصة أبو جناب الكلبي .
1- أورده الإمام ابن عدي في "الكامل في ضعفاء الرجال" (7-212، 59-2112) وقال : يحيى بن أبي حيَّة أبو جناب الكلبي كوفي ، واسم أبي حية حي ... وهو من جملة المتشيعين بالكوفة .
ثم نقل عن عمرو بن علي أنه قال : "أبو جناب الكوفي واسمه يحيى بن أبي حية : متروك الحديث".
2- أورده الإمام ابن حبان في كتاب "المجروحين" (3-111- 112) وقال :
أ- "يحيى بن أبي حية أبو جناب الكلبي: من أهل الكوفة ، وكان ممن يدلس على الثقات ما سمع من الضعفاء فالتزق به المناكير التي يرويها عن المشاهير ، فوهّاه يحيى بن سعيد القطان ، وحمل عليه أحمد بن حنبل حملاً شديدًا".
ب- ثم قال : أخبرنا مكحول قال : سمعت جعفر بن أبان قال : قلت ليحيى بن معين : أبو جناب ؟ قال : ليس بشيء .
3- وأورده الإمام البخاري في كتابه "الضعفاء الصغير" ترجمة (295) وقال: "يحيى بن أبي حية أبو جناب الكلبي ، قال أبو نعيم: مات سنة خمسين ومائة ، وكان يحيى القطان يضعفه".
4- وأورده الإمام النسائي في كتابه "الضعفاء والمتروكين" ترجمة (640) وقال: "يحيى بن أبي حية ، أبو جناب الكلبي ، ضعيف ، كوفي" .
5- قال ابن أبي حاتم في كتابه "الجرح والتعديل" (9-138-587) : سألت أبي عن أبي جناب الكلبي فقلت : هو أحب إليك أو يحيى البكاء ؟ فقال : لا هذا ولا هذا . قلت : فإذا لم يكن في الباب غيرهما أيهما أكتب ؟ قال : لا تكتب منه شيئًا ، ليس بالقوي.
قلت : هذه هي العلة الأولى .
الثانية في سند القصة أيضًا أبو المحجل الرديني لا يعرف .
الثالثة : وفي سند القصة أيضًا سليمان بن بُريدة لا تحتمل سنه الرواية عن عمر رضي الله عنه فإنه قد وُلد لثلاث سنين خلت من خلافة عمر ولم يذكر من حدثه بهذه القصة .
لذلك قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (9-139) .
قال يزيد بن هارون : كان أبو جناب يحدثنا عن عطاء والضحاك وابن بريدة فإذا وقفنا(1/187)
نقول : سمعت من فلان هذا الحديث ؟ فيقول : لم أسمعه منه إنما أخذت من أصحابنا.
قلت : بهذه العلل تصبح القصة واهية لما في سندها من متروكين ومجهولين والانقطاع.
فائدة : "إن دعاة السفور والاختلاط إذا وجدوا هذه القصة في "تاريخ الطبري" فرحوا بها ويجادلون بعزوها لابن جرير الطبري وهم يحسبون أن في العزو ثبوتًا للقصة ولكن هيهات ففرق بين التخريج والتحقيق كما بينا آنفًا .
والطبري رحمه الله بين ذلك فقد صرح في مقدمة "التاريخ" (1-13) بأنه مجرد ناقل لما يسمعه من أخبار وحكايات يسندها إلى قائليها حيث قال : "فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين ، مما يستنكره قائله أو يستشنعه سامعه من أجل أنه لم يعرف له وجهًا في الصحة ، ولا معنى في الحقيقة ، فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قِبلنا ، وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا، وأنَّا إنما أدينا ذلك على نحو ما أُدِّي إلينا".
رابعًا : قول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله حول هذه القصة :
قال الشيخ رحمه الله في كتابه "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (4-204- 205) : "الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ، أما بعد :
فقد اطلعت على القصة المنقولة من "تاريخ ابن جرير الطبري" - رحمه الله - عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال ما نصه: "فاتبعته فدخل دارًا ثم دخل حجرة ..." القصة. وهذه القصة باطلة رواية ودراية :
أما الرواية : فلأن مدارها على جماعة من الضعفاء وبعضهم متهم بالكذب وتنتهي القصة إلى مبهم لا يعرف من هو ولا تعرف حاله وهو الذي رواها عن عمر ، وبذلك يعلم بطلانها من حيث الرواية .
أما من حيث الدراية فمن وجوه :
1- شذوذها ومخالفتها لما هو معلوم من سيرة عمر رضي الله عنه وشدته في الحجاب وغيرته العظيمة وحرصه على أن يحجب النبي صلى الله عليه وسلم نساءه حتى أنزل الله آية الحجاب .
2- مخالفتها لأحكام الإسلام(1/188)
التي لا تخفى على عمر ، ولا غيره من أهل العلم ، وقد دل القرآن والسنة النبوية على وجوب الاحتجاب وتحريم الاختلاط بين الرجال والنساء على وجه يسبب الفتنة ودواعيها .
3- ما في متنها من النكارة الشديدة التي تتضح لكل من تأملها ، وبكل حال فالقصة موضوعة على عمر بلا شك للتشويه على سمعته أو للدعوة إلى الفساد بسفور النساء للرجال الأجانب واختلاطهن بهم أو لمقاصد أخرى سيئة ، نسأل الله العافية .
وللمشاركة في بيان الحق وإبطال الباطل رأيت تحرير هذه الكلمة الموجزة ليزداد القراء علمًا ببطلان هذه القصة ، وأنها في غاية السقوط للوجوه السالف ذكرها وغيرها ، والله المسئول أن يهدينا جميعًا إلى سواء السبيل وأن يعيذنا وسائر إخواننا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا إنه سميع قريب وصلى الله وسلم على نبينا محمد" . اه.
خامسًا : هجوم على الحجاب الشرعي بالقصص الواهية وبأحاديث الإحرام :(1/189)
قلت: هذه القصة الواهية من القصص التي اتخذها دعاة سفور المرأة واختلاطها بالأجانب دليلاً يهاجمون به المؤمنات في حجابهن الذي هو حجاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته ونساء المؤمنين واشتد الهجوم في هذه الأيام من بعض القنوات الفضائية والصحف القومية بنشر الأحاديث المكذوبة وتأويل الأحاديث الصحيحة .
وإن تعجب فعجب أن تنشر جريدة الوطن العربي في عددها (172) في الصفحة (16) بعنوان : "النقاب جريمة في حق الإسلام" ثم بعد ذلك تنشر تحت هذا العنوان فرية تدعى فيها أن هناك اثنا عشر دليلاً من القرآن والسنة على حرمة النقاب ثم تذكر في مقدمة هذه الأدلة حديثًا للنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه : "لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين" وتدعى قائلة : "وفي هذا الحديث نص قاطع على تحريم النقاب" .
ونشرت جريدة الأخبار بتاريخ 4-10-2002 مقالاً للدكتور فلان بعنوان : "النقاب عادة وليس عبادة" ، حيث قال : "النقاب كان معروفًا لدى البدو في الجاهلية فلما جاء الإسلام وأراد أن يحرر المرأة من هذا القيد ، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين" .
ثم يقول : "وبناءًا على هذا الأمر فقد أجمعت جميع المذاهب أن المرأة إذا غطت وجهها أثناء الحج أو العمرة يبطل حجها وإذا فعلت ذلك عن طريق السهو أو غير علم فعليها كفارة" .
ثم يقول : "وبديهي أن الهدف من هذا الأمر النبوي الكريم هو إظهار أن النقاب أمر مكروه في الدين فلا يحل للمرأة المسلمة أن تلبسه في هذه الأماكن المقدسة وهذه المناسبة الدينية العظيمة ، ولو كان النقاب مستحبًا كما يدعي البعض لكان الأمر بالعكس ولفرضه في هذا الموقف الجليل أكثر من غيره". اه.
قلت : انظر كيف أدى عدم العلم بفقه الحديث وأصوله إلى تمزيق شرعية الحجاب الشرعي للمؤمنات ، وطف الكيل حتى جعلوا الحجاب الشرعي جريمة في حق الإسلام وأن المؤمنات الطاهرات العفيفات أصبحن مجرمات يفعلن(1/190)
الحرام كما في قوله : "هذا الحديث نص قاطع على تحريم النقاب" .
وإن تعجب فعجب قوله عندما ضاع فقه الحديث من الدكتور ، جعل التي تغطي وجهها وهي محرمة حجها باطل .
وما لهم بذلك من علم، فهؤلاء هن الصحابيات والتابعيات في أفضل القرون وخير الناس علمًا وعملاً كن يغطين وجوههن وهن محرمات .
فقد أخرج الإمام مالك في "الموطأ" (1-240- تنوير ) كتاب الحج - باب "تخمير المحرم وجهه ، عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت :
"كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر الصديق" .
وهذا الحديث جمع شروط الصحة عند الشيخين بل هو على شرطهما .
وهذا الحديث العظيم حديث فاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام وهي زوج هشام بن عروة بن الزبير بن العوام روت عن جدتها أسماء بنت أبي بكر ، وعنها زوجها هشام بن عروة كما في "التهذيب" (12-471).
فسند حديث فاطمة بنت المنذر في متن "تخمير وجوه المحرمات من الصحابيات والتابعيات" هو مالك عن هشام بن عروة عن امرأته فاطمة بنت المنذر، عن أسماء فهذا السند بنسق رواية الشيخين وهو في مواضع وليس في موضع واحد.
وهذا هو البرهان :
فقد أورد الإمام المزي في "تحفة الأشراف" (11-253) : في "مسند أسماء بنت أبي بكر الصديق" مسند (860): (13) فاطمة بن المنذر عن جدتها أسماء (2) هشام بن عروة عن امرأته فاطمة عن أسماء فالحديث في موطأ مالك بنسق هذه الرواية عند الشيخين كما في "تحفة الأشراف" (ح15743، 15744، 15745، 15746، 15747، 15748، 15750) .
وبهذا التحقيق يتبين أن حديث فاطمة بنت المنذر وجدتها أسماء بنت أبي بكر في تخمير وجوه المحرمات سقناه بسند صحيح على شرط الشيخين بنسق رواية الشيخين في سبعة مواضع في صحيحهما .
ولقد دقَّقْنا في بحثنا هذا لأن حديث فاطمة بنت المنذر يدرأ الشبهات عن الحجاب الشرعي للمؤمنات ويبطل هذه الإفتراءات التي تبطل حج من تغطي وجهها في الإحرام.
وما أوصل دعاة السفور والاختلاط إلى هذا(1/191)
الحد من الإفتراءات إلا عدم الدراية بعلم أصول الحديث خاصة "علم مختلف الحديث".
ولقد قمت بفضل الله وحده بالتوفيق بين: حديث: "لا تنتقب المحرمة ..". وحديث : "كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق" .
وقد قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (3-475) عن ابن المنذر :
"الإجماع على أن المحرمة تسدل على وجهها الثوب سدلاً خفيفًا تستتر به عن نظر الرجال" ، وليعلم الملبسون على الناس أن النهي للمحرمة عن لبس النقاب في الحج فيه إثبات ضمني للنقاب في غير الحج، لأن محظورات الإحرام تحل بعد الإحرام، كما أن وهو المهم أن منع لبس النقاب في الحج على صفة النقاب لم يمنع الإسدال لشيء من الثياب على الوجه ليس على صفة النقاب وهيئته، إذن فهناك فرق بين لبس النقاب على الوجه؛ وإسدال شيء على الوجه لستره عن الأجانب.
وإلى القارئ فقه الأئمة الأربعة في ستر المحرمة وجهها بالإسدال.
فقه المذاهب الأربعة:
في كتاب "الفقه على المذاهب الأربعة" (1-626 ط وزارة الأوقاف ) كتاب الحج - باب ما ينهى عن المحرم بعد الدخول في الإحرام .
الحنفية والشافعية قالوا : تستر المرأة وجهها عن الأجانب بإسدال شيء عليه بحيث لا يمسه . والحنابلة قالوا : للمرأة أن تستر وجهها لحاجة كمرور الأجانب بقربها ولا يضر التصاق الساتر بوجهها .
والمالكية قالوا : إذا قصدت المرأة بستر يديها أو وجهها التستر عن أعين الناس فلها ذلك وهي محرمة بشرط أن يكون الساتر لا غرز فيه ولا ربط .
فهذا هو فقه الحجاب الشرعي للصحابيات والتابعيات حتى وهُنَّ محرمات لتعلم أن قصة السفور والاختلاط في بيت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من المفتريات والمنكرات.
وأن الافتراء على الأئمة الأربعة أنهم منعوا أن تستر المرأة المحرمة وجهها حتى لا يبطل حجها، لن يثبت حجتهم أو يقوي فريتهم، فإذا كانوا يكذبون على أئمة المذاهب الأربعة ولا يأخذون بعلمهم ولا فقههم فإلى أي مذهب ينتمون، لا أرى إلا(1/192)
أنه مذهب الكيد والحقد والكذب والافتراء والحسد لأهل الإسلام، وأبشرهم أنهم يكيدون كيدا والله يكيد كيدا فمن سيكون شرًا مكانا وأضعف جندا؟، وأبشرهم أيضا أن كيدهم لا يزيد الناس إلا معرفة بالنقاب وارتداءً له وصدق القائل:
وإذا أراد الله نَشْرَ فضيلةٍ طُوِيَتْ
في الناسِ فيض لها لِسانَ حسود
هذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد .
انتهى
1-2-2005 العدد 36:
قصة اللجوء إلي الغار عند الشدائد
إعداد : علي حشيش
الحلقة الرابعة والخمسون
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة لكيلا تكون هذه القصة سببًا في شد الرحال إلى الغار وهذه القصة تضاف إلى سلسلة القصص الواهية حول الهجرة والغار والتي سبق تقديم البحوث العلمية الحديثية حولها:
1- قصة "ثعبان الغار" عدد جمادى الأولى 1421ه رقم (1).
2- قصة "عنكبوت الغار والحمامتين" عدد المحرم 1422ه رقم (6).
3- قصة "غناء بنات النجار" عدد المحرم 1423ه رقم (18).
4- قصة "لطم أبي جهل لأسماء بنت أبي بكر في الهجرة" عدد المحرم 1424ه رقم (30).
5- قصة أبي طالب في الهجرة ووصيته للنبي صلى الله عليه وسلم عدد المحرم 1425ه رقم (42).
وإلى القارئ الكريم هذه القصة الواهية قصة "اللجوء إلى الغار عند الشدائد".
أولاً: المتن
القصة تحكي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال لابنه: "يا بني إن حدث في الناس حدث، فأت الغار الذي رأيتني اختبأت فيه أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكن فيه، فإنه سيأتيك فيه رزقك غدوة وعشية".
وهذه القصة يذكرها القصاص والوعاظ بإسهاب وهي تدور حول هذا المتن.
ثانيًا: التخريج(1/193)
الخبر الذي جاءت به هذه القصة أخرجه البزار (ح1178) كذا في "كشف الأستار" (2-49)، وابن عدي في "الكامل" (6-338) (196-1817) من طريق: خلف بن تميم، عن موسى بن مطير، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن أبي بكر الصديق به.
ثالثًا: التحقيق
هذا الخبر الذي جاءت به هذه القصة باطل والقصة واهية.
1- فالخبر غريب حيث قال البزار: "لا نعلم رواه إلا خلف".
2- علة هذا الخبر موسى بن مطير.
أ- أخرج العقيلي في "الضعفاء الكبير" (4-163-1734) عن يحيى بن معين قال: "موسى بن مطير كذاب".
ب- أورده النسائي في "الضعفاء والمتروكين" برقم (555) وقال: "موسى بن مطير: منكر الحديث".
ح- أورده الدارقطني في "الضعفاء والمتروكين" برقم (513) وقال: "موسى بن مطير، كوفي عن أبيه... ومطير أبوه لا يعرف إلا به".
قلت: وقد يتوهم من لا دراية له بعلم الجرح والتعديل أن الدارقطني سكت عنه ولا يدرى أنه بمجرد ذكر اسم موسى بن مطير في كتاب "الضعفاء والمتروكين" للدارقطني يجعل موسى بن مطير من المتروكين، حيث قال البرقاني: طالت محاورتي مع ابن حمكان للدارقطني عفا الله عني وعنهما في المتروكين من أصحاب الحديث فتقرر بيننا وبينه على ترك من أثبته على حروف المعجم في هذه الورقات. كذا في مقدمة الضعفاء والمتروكين للدارقطني.
د- أورده الإمام ابن أبي حاتم في كتاب "الجرح والتعديل" (8-162-717) وقال: "موسى بن مطير روى عن أبيه عن أبي هريرة روى عنه خلف بن تميم، سألت أبي عن موسى بن مطير فقال: متروك الحديث ذاهب الحديث".
ه- وأورده ابن حبان في "المجروحين" (2-242) وقال: "موسى بن مطير كان صاحب عجائب ومناكير لا يشك المستمع لها أنها موضوعة إذْ كان هذا الشأن صناعته".
قلت: لذلك أورد هذه القصة الإمام الذهبي في "الميزان" (4-223-8928) وجعلها من مناكير موسى بن مطير.
ووافقه الحافظ ابن حجر في "اللسان" (6-154) (1903-8688). ونقل عن أحمد أن الناس تركوا حديثه.
ونقل عن أبي نعيم: أن موسى(1/194)
بن مطير روى عن أبيه عن أبي هريرة أحاديث منكرة.
علة أخرى
3- وعلة أخرى: مطير بن أبي خالد.
أورده الإمام ابن أبي حاتم في كتابه: "الجرح والتعديل" (8-394-1805) وقال: "مطير بن أبي خالد روى عن أبي هريرة، وروى عنه ابنه موسى بن مطير، سألت أبي عنه فقال: متروك الحديث".
وأقره الذهبي في "الميزان" (4-129-8597).
وبهذا التحقيق تكون القصة باطلة واهية لما بها من كذابين ومتروكين، فموسى بن مطير كذاب وأبوه متروك.
رابعًا: الأثر السيئ للقصص الواهية على العقيدة
فاللجوء إلى الغار عند الشدائد وأن الأرزاق تأتي لمن لجأ إليه غدوة وعشيًا لم يفعله أحدٌ من الصحابة ولا التابعين، ومثل هذه القصص الواهية لها أثرها السيئ في شدِّ الرحال إلى هذه الأماكن والتعلق بها، ولقد حذَّر السلف الصالح من هذا، فقد أخرج الإمام أحمد في "المسند" (7-6) (ح23901) قال: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا شيبان، عن عبد الملك، عن عمر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام أنه قال: لقي أبو بصرة الغفاري أبا هريرة وهو جاءٍ من الطور فقال: من أين أقبلت؟ قال: من الطور صليت فيه، قال: أما لو أدركتك قبل أن ترحل إليه ما رحلت، إني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى"، والحديث أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح.
خامسًا: اللجوء إلى الدعاء عند الكرب
فقد أخرج البخاري (ح6346) في كتاب الدعوات باب "الدعاء عند الكرب"، ومسلم (ح2730) كتاب الذكر والدعاء- "باب استحباب الدعاء" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات، ورب الأرض ورب العرش الكريم".
سادسًا: اليقين والتوكل عند الشدائد(1/195)
فقد أخرج البخاري (ح4563) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "حَسْبُنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ".
سابعًا: الأرزاق لا تأتي غدوة وعشية
باللجوء إلى الغار
الأرزاق تأتي بالأخذ بالأسباب، لأن محو الأسباب نقص في العقل والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع، لأن الشرع أمر بالأخذ بالأسباب في قوله تعالى: فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور {الملك: 15}.
وفي أثناء الأخذ بالأسباب نتذكر أن خالق هذه الأسباب هو الله كما في قوله تعالى: ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض {الأعراف: 96}.
وهذا ما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (8-169).
حيث قال: "ومما ينبغي أن يعلم: ما قاله طائفة من العلماء. قالوا: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ومحو الأسباب أن تكون أسبابًا نقص في العقل والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع".
وقد أخرج الترمذي في "السنن" (ح2344) في كتاب الزهد، باب التوكل على الله، وابن ماجه (ح4164) في كتاب الزهد باب التوكل واليقين، وابن حبان (ح548- موارد )، والحاكم (4-318)، وأحمد في "المسند" (1-52) من حديث عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا". وصححه الحاكم وأقره الذهبي.
وفي الحديث: التوكل على الله حق توكله، ومن حقوق التوكل الأخذ بالأسباب، ومن حق التوكل عدم الالتفات إلى الأسباب؛ لأن الالتفات إلى السبب هو اعتماد القلب عليه ورجاؤه والاستناد إليه، وليس في المخلوقات ما يستحق هذا؛ لأنه ليس مستقلا ولا بد له من شركاء وأضداد، ومع هذا كله فإن لم يسخره مُسَبِّب الأسباب(1/196)
لم يسخر.
فليحذر القارئ الكريم من القصص الواهية التي تهدم التوحيد حتى قال قائلهم: "عند الشدائد عليك باللجوء إلى مقابر الصالحين فهناك تتنزل الرحمات والبركات"، واتخذوا من القصص الواهية ما بنوا عليه باطلهم: أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها {محمد: 24}، أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون {النمل: 62}.
هذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد.
انتهى(1/197)
1-3-2005 العدد 37:
قصة ضرب النبي صلى الله عليه وسلم للمجنون
الحلقة الخامسة والخمسون
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذه القصة التي صارت أصلاً لمخالفة عصرية جديدة ألا وهي: "التعامل مع الجان بضرب المجنون".
ولقد بينت من قبل في هذه السلسلة "تحذير الداعية من القصص الواهية" في الحلقة "الرابعة" فرية "إحضار الجان"، وبطلان ما نسبوه إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من أن النبي صلى الله عليه وسلم حدّد آيات عند قراءتها في أذن المجنون يحضر الجان، وبينت أن القصة واهية.
وسأواصل إن شاء الله بيان هذه الأصول الواهية التي بها احترفت مهنة التعامل مع الجان، وانتشرت من جديد العرافة والكهانة بصورة جديدة، وكانت هذه المرة وراء ادعاء العلاج بالقرآن الكريم حتى يظلوا يمارسون هذا التعامل في حماية اسم القرآن الكريم، وكي تزداد قوة تأثيرهم في عامة الناس، والعامة لا يفرقون بين الرقى الشرعية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وبين هذه المخالفة العصرية: مخالفة التعامل مع الجان، والتي يدّعي فيها صاحب المخالفة أنه يعتمد على السنة في إحضار الجان والتعامل معه.
فليفرق القارئ الكريم بين هذه المخالفة التي أصبح لها متخصصون في كل مكان يلجأ ضحايا هذه المخالفة إليهم، وتتعلق قلوبهم بهم، وبين الرقى الشرعية الثابتة بالكتاب والسنة، وفيها يلجأ الناس إلى الله يوجهون وجوههم لله لا يلتفتون إلى أشخاص فيحقق الله لهم وعده في قوله تعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون {البقرة: 186}.
وقوله تعالى: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم {غافر: 60}.(1/198)
أولاً: متن قصة ضرب النبي صلى الله عليه وسلم للمجنون
رُوِي عن أُم أبان بنت الوازع عن أبيها أنَّ جدها الزارع انطلق إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فانطلق معه بابن له مجنون أو ابن أخت له، قال جدي: فلما قدمنا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة قلت: يا رسول الله، إنَّ معي ابنًا لي أو ابن أخت لي مجنون أتيتك به تدعو الله عز وجل له، فقال: "ائتني به". فانطلقت به إليه، وهو في الركاب، فأطلقت عنه وألقيت عنه ثياب السفر وألبسته ثوبين حسنين، وأخذت بيده حتى انتهيت به إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال: "ادْنُهُ مِني اجْعَلْ ظَهْرَهُ مِمَّا يَليني". قال: فأخذ بمجامع ثوبه من أعلاه وأسفله، فجعل يضرب ظَهْرَهُ حتّى رأيت بياض إبطيه وهو يقول: "اخرج عدو الله". فأقبل ينظر نظر الصحيح ليس بنظره الأول، ثم أقعده رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين يديه، فدعا له بماء، فمسح وجهه ودعا له، فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يفضل عليه". اه.
ثانيًا: التخريج
الخبر الذي جاءت به هذه القصة أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (5-275) (ح5314) قال: حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا مطر بن عبد الرحمن الأعنق، حدثتني أم أبان بنت الوازع عن أبيها أن جدها الزارع انطلق فذكر القصة.(1/199)
ثالثًا: التحقيق
هذه القصة واهية والخبر الذي جاءت به لا يصح وهو غريب لا يروى عن الزارع إلا بهذا الإسناد.
وعلة هذا الخبر أم أبان بنت الوازع بن زارع:
1- أوردها الإمام الذهبي في "الميزان" (4-611-1104) قال: "أم أبان بنت الوازع عن جدها زارع، تفرد عنها مطر الأعنق".
2- وأوردها الإمام المزي في "تهذيب الكمال" (22-445-8536) وقال:
أ- أم أبان بنت الوازع بن زارع حديثها في أهل البصرة.
ب- روت عن جدها زارع بن عامر العبدي، وقيل عن أبيها عن جدها.
ج- روى عنها: مطير بن عبد الرحمن الأعنق.
3- وأوردها الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (12-485) وأقر كلام الإمام المزي ممَّا أوردناه يتبين:
1- أن أم أبان انفرد راو واحد بالرواية عنها وهو مطير بن عبد الرحمن الأعنق، وهذا واضح بتصريح الإمام الذهبي بالانفراد، وبيان الإمام المزي والحافظ ابن حجر فيمن روى عنها فلم يذكر سوى مطير.
لذلك بعد أن أورد الإمام الهيثمي الخبر الذي جاءت به هذه القصة في "مجمع الزوائد" (9-3) قال: "رواه الطبراني وأم أبان لم يرو عنها غير مطر".
2- قلت: وهذا التحقيق الذي نثبت به أن أم أبان انفرد راو واحد بالرواية عنها فلم يرو عنها إلا مطير له أهميته عند علماء أصول الحديث يتبين ذلك من قول الحافظ ابن حجر في "شرح النخبة" النوع (40): "فإن سمى الراوي وانفرد راو واحد بالرواية عنه فهو مجهول العين".
3- بالتحقيق نجد أن أم أبان لم يوثقها أحد من علماء الجرح والتعديل.
4- بهذا يتبين أن أم أبان:
أ- مجهولة العين
ب- لم يوثقها أحد.
قلت: فهذا الخبر الذي جاءت به القصة حكمه: عدم القبول كما هو مبين في "شرح النخبة".
وكذا في ألفية العراقي أنه حكمه أنه خبر مردود:
مجهول عين: من له راو فقط
ورده الأكثر والقسم الوسط
مجهول حال باطن وظاهر
وحكمه الرد لدى الجماهير
قال السخاوي في "فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي" (2-43): "مجهول عين" وهو كما قاله غير واحد ( من له راو ) واحد فقط، (و)(1/200)
لكن قد (رده) أي مجهول العين (الأكثر) من العلماء مطلقًا".
قلت: فهذا الخبر الذي جاءت به القصة غريب مردود فالقصة واهية.
الأثر السيئ لهذه القصة الواهية
استنبط بعضهم من هذه القصة الواهية دليلاً واهيًا على ضرب المرضى والمجانين.
وهذا الاستنباط كان له أثره السيئ، حيث تمادى المعالجون ومنهم جهلة قاصرون فاعتبروا كل الأمراض تَلَبُّسًا من الجان، واعتبروا أنفع الوسائل هي الضرب المبرح أو الخنق أو إيذاء المريض بحجة أنه يؤذي الجن المتلبس، وقد حدثت مآسٍ بل حالات قتل ما لها اسم سوى القتل وسوى إزهاق النفس التي حرم الله بغير حق، فيا ويل هؤلاء القتلة من إثم هذا القتل.
ولقد بينت عدم صحة هذه القصة المستخدمة في إحضار الجان وأنها باطلة ومنكرة ولم يعمل بها أحد من الصحابة وهي من الأمور المحدثة، وفي ذلك يقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "شر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة". كذا في مسلم (ح867) من حديث جابر بن عبد الله.
من أجل هذا عندما سُئل الشيخ الألباني رحمه الله في فتاويه المسجلة عن التعامل مع الجن وسؤال الجن هل أنت مسلم؟... هل أنت نصراني؟
أجاب قائلاً: "التعامل مع الجن ضلالة عصرية ولا يجوز لمسلم أن يزيد على الرقية الشرعية كما هي ثابتة في الكتاب والسنة وأدعية الرسول صلى الله عليه وسلم .. اه.
وما فعل الشيطان بهؤلاء إلا لإعراضهم عن ذكر الله إعراض تلاوة أو إعراض عمل أو هما معًا قال تعالى: ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين {الزخرف: 36}.
وإن تعجب فعجب أن يلجأ هؤلاء إلى الذين يدعون التعامل مع الجان بغير علم ولا هدى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ففيه حرز من الشيطان.
فقد أخرج أحمد في "مسنده" والبخاري ومسلم في "الصحيحين" والترمذي في "السنن" وابن ماجه في "السنن" من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو(1/201)
على كل شيء قدير في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا أحد عمل عملاً أكثر من ذلك".
وبدلاً من أن يذهب هؤلاء المساكين، إلى الذين اتخذوا هذه المخالفة مهنة، ويتركون بيوتهم للشياطين من ورائهم، كان الأولى أن يتمسكوا بالسنة المطهرة ليطهروا بيوتهم من الشياطين، فقد أخرج أحمد في "مسنده"، ومسلم في "صحيحه"، والترمذي في "السنن" من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة". اه.
قلت: بل وفي خارج بيوتنا فقد بينت السنة كيف يحصن المسلم نفسه فقد أخرج مسلم في "صحيحه" (ح2708) من حديث سعد بن أبي وقاص عن خولة بنت حكيم السلمية أنها سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا نزل أحدكم منزلاً فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فإنه لا يضره شيء حتى يرتحل".
والحمد لله رب العالمين
انتهى
1-5-2005 العدد 39:
قصة اسم الصدر (أه)
إعداد / الشيخ علي حشيش
نواصل في هذا التحذير تقديم البحوث العلمية الحديثية للقارئ الكريم حتى يقف على حقيقة هذا الاسم الذي جعلته المتصوفة اسمًا من أسماء الله الحسنى يدعون الله به ويذكرونه به، متخذين من هذه القصة الواهية دليلاً على ذكرهم باسم الصدر (اه).
أولاً: متن القصة:
رُوي عن عائشة أنها قالت: دخل علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعندنا عليل يئن، فقلنا له: اسكت فقد جاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم : "دعوه يئن فإن الأنين اسم من أسماء الله يستريح إليه العليل".
ثانيًا: التخريج:(1/202)
هذه القصة أخرجها الرافعي في "التدوين في أخبار قزوين" (4-272) من طريق إسماعيل بن عياش عن ليث بن أبي سليم عن بهية عن عائشة به، وأوردها السيوطي في "الجامع الكبير" (ح14049) وعزاها للرافعي عن عائشة.
ثالثًا: التحقيق:
هذه القصة واهية وإسنادها مسلسل بالعلل:
الأولى: إسماعيل بن عياش.
1- أورده الإمام المزي في "تهذيب الكمال" (2-207-466) وقال: "إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي أبو عتبة الحمصي".
2- أورده الإمام الذهبي في "الميزان" (1-241-923) ونقل قول الإمام البخاري فيه: "إذا حدث عن أهل بلده فصحيح وإذا حدث عن غيرهم ففيه نظر".
قلت: ولقد قال الحافظ ابن حجر في "هدي الساري" (ص504): "وللبخاري في كلامه على الرجال توق زائد وتحرّ بليغ يظهر لمن تأمل كلامه في الجرح والتعديل فإن أكثر ما يقول سكتوا عنه فيه نظر تركوه ونحو هذا". وقول الإمام البخاري في إسماعيل بن عياش: "إذا حدث عن غيرهم ففيه نظر". يفسره السيوطي في "التدريب" (1-348) حيث قال في "التنبيهان": "البخاري يطلق: فيه نظر وسكتوا عنه فيمن تركوا حديثه".
3- وأورده الإمام ابن حبان في "المجروحين" (1-125) وقال: "إسماعيل بن عياش أبو عتبة الحمصي العنسي من أهل الشام لما كبر تغير حفظه، فما حفظ في صباه وحداثته أتى به على جهته، وما حفظ على الكبر من حديث الغرباء خلط فيه وأدخل الإسناد في الإسناد وألزق المتن بالمتن، وهو لا يعلم ومن كان هذا نعته حتى صار الخطأ في حديثه يكثر، خرج عن الاحتجاج به فيما لم يخلط فيه".
4- أخرج ابن عدي في "الكامل" (1-291) (127-127) عن أحمد بن حنبل قال: "إسماعيل بن عياش ما روى عن الشاميين فهو صحيح، وما روى عن أهل المدينة وأهل العراق ففيه ضعف، يغلط".
5- ونقل الذهبي في "الميزان" (1-243) عن مضرس بن محمد الأسدي قال: سألت يحيى بن معين عن إسماعيل بن عياش فقال: عن الشاميين حديثه صحيح، وإذا حدث عن العراقيين والمدينيين خلط ما شئت.
قلت: وهذه(1/203)
القصة من رواية إسماعيل بن عياش عن غير الشاميين فهي غير صحيحة ومتروكة وقد غلط وخلط.
والدليل على أن القصة من روايته عن غير الشاميين أن ليث بن أبي سلم أورده الإمام المزي في "تهذيب الكمال" (15-449-5603) وقال: "ليث بن أبي سُليم بن زُنَيْم القرشي أبو بكر الكوفي". فهو كوفي عراقي.
العلة الثانية: ليث بن أبي سليم:
1- قال الإمام ابن حبان في "المجروحين" (2-231):
"لَيْثُ بن أبي سليم بن زنيم الليثي: أصله من أبناء فارس، واسم أبي سليم أنس، كان مولده بالكوفة، وكان معلمًا بها، وكان من العباد ولكن اختلط في آخر عمره حتى كان لا يدري ما يحدِّث به، فكان يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل ويأتي عن الثقات بما ليس من أحاديثهم، كل ذلك كان منه في اختلاطه، تركه يحيى القطان وابن مهدي وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين". اه.
2- لذلك قال الحافظ ابن حجر في "التقريب" (1-138): "اختلط أخيرًا ولم يتميز حديثه فترك". اه.
3- "لم يرو له مسلم احتجاجًا ولذلك ترجم له الإمام الذهبي في "الميزان" (3-420-6997) قائلاً: "الليث بن أبي سُليم (عو، م- مقرونًا)".
قلت: (عو) يظهر معناها من هذه القاعدة التي أوردها الإمام الذهبي في "مقدمة الميزان" حيث قال فيها:
"فقد استخرت الله عز وجل في عمل هذا المصنف، ورتبته على حروف المعجم حتى في الآباء، ليقرب تناوله، ورمزت على اسم الرجل مَن أخرج له في كتابه من الأئمة الستة: "البخاري، ومسلم، وأبي داود، والنسائي والترمذي وابن ماجه برموزهم السائرة، فإن اجتمعوا على إخراج رجل فالرمز (ع) وإن اتفق عليه أرباب السنن الأربعة فالرمز (عو) اه.
قلت: من هذا يتبين أن الإمام مسلم لم يرو له احتجاجًا بل مقرونًا لأن الأئمة تركوا الاحتجاج به يظهر ذلك مما رمز له الذهبي (عو، م- مقرونًا).
وفي "التهذيب" (8-419) نقل الحافظ ابن حجر عن الحاكم إلى عبد الله أنه قال: "الليث بن أبي سليم، مجمع على سوء حفظه".
وقال الجوزجاني: يضعف(1/204)
حديثه.
وقال ابن معين: منكر الحديث.
وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي وأبا زرعة يقولان: ليث لا يشتغل به هو مضطرب الحديث.
وقال أبو زرعة: ليث بن أبي سليم لين الحديث لا يقوم به الحجة عند أهل العلم بالحديث.
وقال مؤمل بن الفضل: قلنا لعيسى بن يونس لمَ لمْ تسمع من ليث قال: "قد رأيته وكان قد اختلط وكان يصعد المنارة ارتفاع النهار فيؤذن".
العلة الثالثة: بُهيَّة:
أوردها الإمام الذهبي في "الميزان" (1-356-1331) وقال: "بُهيَّة، عن عائشة وعنها أبو عقيل قال الأزدي: لا يقوم حديثها وقال الجوزجاني، سألت عنها كي أعرفها فأعياني". اه.
قلت: ولذلك قال الحافظ ابن حجر في "التقريب" (2-591): "بُهيَّة بالتصغير لا تعرف". اه.
من هذا يتبين أن سند القصة مسلسل بالعلل من اختلاط وجهالة وترك ونكارة فالقصة واهية ولا تصح.
رابعًا: قال المناوي: "معنى "دعوه يئن" أي دعوا المريض يستريح بالأنين أي يقول: آه ولا تنهوه عنه: "فإن الأنين اسم من أسماء الله تعالى" أي لفظ من أسمائه، لكن هذا لم يرد في صحيح ولا حسن، وأسماؤه تعالى توقيفية". اه.
قلت: هكذا بيَّن المناوي في تعليقه على هذا الحديث الذي جاءت به القصة أن اسم (اه) لم يرد في صحيح ولا حسن. ثم إن أسماء الله توقيفية.
خامسًا: القاعدة التوقيفية في الأسماء الحسنى:
قال الإمام ابن القيم في "بدائع الفوائد" (1-167) في القاعدة السابعة: "إن ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي".
ولقد بين ذلك الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى" (ص13) القاعدة الخامسة حيث قال:
"أسماء الله توقيفية لا مجال للعقل فيها، وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة فلا يزاد فيها ولا ينقص؛ لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء فوجب الوقوف في ذلك على النص لقوله: ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا {الإسراء:(1/205)
36}.
وقوله: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون {الأعراف: 33}.
ولأن تسميته تعالى بما لم يسم به نفسَه أو إنكار ما سمى به نفسه جناية في حقه تعالى فوجب سلوك الأدب في ذلك والاقتصار على ما جاء به النص. اه.
سادسًا: خروج المتصوفة على القاعدة التوقيفية:
اسم الصدر (اه) لم يأت في الكتاب ولا السنة الصحيحة المطهرة، ولقد استدل أهل البدع بهذه القصة على اسم الصدر (اه) ولقد بينا أنها قصة باطلة لا تصح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (4-195): "فمن ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله، أو أوجبه بقوله أو فعله، من غير أن يشرعه الله، فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، ومن اتبعه في ذلك فقد اتخذ شريكًا لله شرع في الدين ما لم يأذن به الله، قال الله تعالى: أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله" {الشورى: 21}.
سابعًا: حقيقة الإلحاد في أسماء الله:
قال تعالى: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون {الأعراف: 180}.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله في "مدارج السالكين" (1-30- تحقيق الفقي): "وحقيقة الإلحاد فيها: العدول بها عن الصواب فيها، وإدخال ما ليس من معانيها فيها، وإخراج حقائق معانيها عنها، هذا حقيقة الإلحاد، ومن فعل ذلك فقد كذب على الله، ففسر ابن عباس الإلحاد بالكذب، أو هو غاية الملحد في أسمائه تعالى، فإنه إذا أدخل في معانيها ما ليس منها، وخرج بها عن حقائقها أو بعضها فقد عدل عن الصواب والحق، وهو حقيقة الإلحاد". اه.
هذا ما وفقني الله إليه، وهو وحده من وراء القصد.
انتهى
ومن مجلة التوحيد أيضا:(1/206)
( سلسلة صحح حديثك )
1-5-2002 العدد 5:
الحلقة الثامنة
صحح حديثك
بقلم / علي حشيش
أقدم لك عزيزي القارئ الحلقة الثامنة من سلسلة «صحح حديثك» حول صفة إبليس وجنوده.
أولا: يدعي ابن عربي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لإبليس: «لولا أتيتني بتصديق كل قول بآية من كتاب الله تعالى ما صدقتك. قال إبليس: يا محمد سألت الله تعالى أن أرى بني آدم وهم لا يروني فأجراني على عروقهم مجرى الدم أجول بنفسي كيف شئت وإن شئت في ساعة واحدة فقال الله تعالى لك ما سألت وأنا أفتخر بذلك إلى يوم القيامة». الحكم: الحديث ليس صحيحا بل هو حديث مكذوب مختلق لا أصل له في كتب السنة ü
«البديل الصحيح» حول جري الشيطان من الإنسان.
عن صفية بنت حُييّ قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا، فحدثته ثم قمت لأنقلب فقام معي لِيَقْلِبَني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رَأَيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «على رِسْلِكُمَا إنها صفية بنت حيي» فقالا: سبحان الله يا رسول الله قال: «إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خَشِيتْ أن يقذف في قلوبكما شرًا أو قال شيئا». الحكم: الحديث صحيح متفق عليه أخرجه البخاري ح (2035)، (2038)، (2039)، (3101)، (3281)، (6219)، (7171)، ومسلم ح (2175) وغيرهما كما في «تحفة الأشراف» ح(15901) و«جري الشيطان» من قول النبي صلى الله عليه وسلم وليس من اعترافات إبليس.
ثانيًا: يدعي ابن عربي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لإبليس ـ عندما جاءه عيانا ـ كم سألت ربك من حاجة؟ قال إبليس: عشرة أشياء. قال النبي فما هي يا لعين؟ ذكر منها إبليس سألته أن يجعل لي مسجدًا فكان الأسواق» الحكم: الحديث ليس صحيحا بل هو حدث مكذوب مختلق لا أصل له كما بينا من مجموع فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية (81/053). ü(1/207)
«البديل الصحيح» حول علاقة الشيطان بالأسواق
عن سلمان الفارسي: «لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها فإنها معركة الشيطان». الحكم الحديث صحيح أخرجه مسلم (61/8) ح (2451). قلت: هذا الحديث موقوف لفظا مرفوع حكما حيث بين الحافظ في «شرح النخبة» الأحوال التي يكون فيها الحديث مرفوعا حكما لا تصْريحا فقال: أولا: ومثال المرفوع من القول حكما لا تصريحا:
1 ـ «أن يقول الصحابي ـ الذي لم يأخذ عن الإسرائيليات ـ ما لا مجال للاجتهاد فيه، ولا له تَعلق ببيان لغة أو شرح غريب كالإخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وأخبار الأنبياء.
2 ـ أو الآتية كالملاحم والفتن وأهوال يوم القيامة.
3 ـ وكذا الإخبار عما يحصل بفعله ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص وإنما كان له حكم الرفع لأن إخباره بذلك يقتضي مخبرا له، وما لا مجال للاجتهاد فيه يقتضي مُوَقِّفًا للقائل به ـ ولا موقف للصحابة إلا النبي صلى الله عليه وسلم أو بعض من يخبر عن الكتب الماضية. فلهذا وقع الاحتراز عن القسم الثاني» اهـ.
قلت: وبالتطبيق نجد أن هذا الخبر ينطبق على الإخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق لذلك بوَّب البخاري رحمه الله بابا بعنوان: «صفة إبليس وجنوده» جعله رقم (11) تحت كتاب «بدء الخلق». قلت: وانظر «تحفة الأشراف» (4/23) ح(4501) وكذا الحاشية.
وهذان مثالان من البدائل الصحيحة لحديث ابن عربي المفتري على النبي صلى الله عليه وسلم والذي يدعي فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل وإبليس يجيب، هذه البدائل التي لا تتسع مساحة المجلة (حفظها الله) لذكرها حيث أن الأسئلة التي نسبها ابن عربي إلى النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة. ثالثا: يدعي ابن عربي أن النبي سأل إبليس فقال: «ما تقول في عمر بن الخطاب؟» فقال إبليس: «والله ما لقيته إلا وهربت منه».
ـ الحكم: الحديث ليس صحيحا بل هو كذب مختَلَق مصنوع كما بيَّنا آنفا وأنه لا أصل له. ü البديل الصحيح حول(1/208)
هروب الشيطان من عمر رضي الله عنه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب: «والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجًا إلا سلك فجًّا غير فجِّك». الحكم: الحديث صحيح متفق عليه أخرجه البخاري (6/93 ـ فتح)، مسلم (51/561 ـ شرح النووي). قلت: من هذا يتبين أن هروب الشيطان من عمر رضي الله عنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم وليس من اعترافات إبليس اللعين للرسول صلى الله عليه وسلم كما يدعي ابن عربي. فائدة هامة: ثبت من مجموع ما سبق أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما سأل إبليس عن شيء مما ادعاه ابن عربي، ولا إبليس أجاب عن ذلك من شيء. بل الثابت الصحيح في تعليم الصحابة دينهم، ما رواه عمر وغيره رضي الله عنهم في الصحيحين من حديث جبريل الذي جاء فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأماراتها، ورغم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر إلى أن جبريل جاء يعلم الصحابة دينهم، فإن هذا التعليم كله كان على لسان النبي محمد صلى الله عليه وسلم من خلال إجاباته على أسئلة جبريل عليه السلام. هذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد.
انتهى(1/209)
1-3-2003 العدد 13:
صحح أحاديثك
بخصوص عاشوراء
أقدم لك عزيزي القارئ الحلقة التاسعة من سلسلة "صحح أحاديثك" حول
"يوم عاشوراء".
1 - حديث "من وسع على نفسه، وأهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته".
الحكم: الحديث (ليس صحيحا) أخرجه البيهقي في "الشعب" (3791/365/3) من حديث جابر بن عبد الله مرفوعا وفيه محمد بن يونس بن موسى أبو العباس الكدسمي البصري قال فيه ابن عدي في "الكامل" (292/6) تراجم (1780) أتهم بوضع الحديث وسرقته وقال ابن حبان في "المجروحين" (313/2): كان يضع على الثقات الحديث وضعا ولعله قد وضع أكثر من ألف حديث وأورده الشيخ سيد سابق رحمه الله في كتابه "فقه السنة" (519/1) تحت عنوان "التوسعة يوم عاشوراء" وقال: للحديث طرق أخرى كلها ضعيفة، ولكن إذا ضم بعضها إلى بعض ازدادت قوة".
قلت: لقد بينت في بحث دقيق في كتابنا "علم مصطلح الحديث التطبيقي" (ص280) أن هذه الطرق يوهن بعضها بعضا لشدة ضعفها.
2 - حديث "يوم عاشوراء هو اليوم الذي تاب الله فيه على آدم، وهو اليوم الذي رفع الله فيه إدريس مكانا عليا، وهو اليوم الذي نجى فيه إبراهيم من النار، وهو اليوم الذي أخرج فيه نوحا من السفينة، وهو اليوم الذي أنزل الله فيه التوراة على موسى، وفيه فدى الله إسماعيل من الذبح، وهو اليوم الذي أخرج الله يوسف من السجن، وهو اليوم الذي رد الله على يعقوب بصره، وهو اليوم الذي كشف الله فيه عن أيوب البلاء وهو اليوم الذي أخرج الله فيه يونس من بطن الحوت، وهو اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل، وهو اليوم الذي غفر الله لمحمد ذنبه ما تقدم وما تأخر، وفي هذا اليوم عبر موسى البحر، وفي هذا اليوم أنزل الله التوبة على قدم يونس فمن صام هذا اليوم كانت له كفارة أربعين سنة وأول يوم خلقه من الدنيا يوم عاشوراء...".
الحكم: الحديث (ليس صحيحا) وهو جزء من حديث طويل أخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات" (199/2،200،201) ثم قال: "هذا حديث لا يشك عاقل في وضعه، ولقد أبدع من(1/210)
وضعه وكشف القناع ولم يستحيْ، وأتى فيه بالمستحيل" أه.
3 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود وصوموا قبله يوما أو بعده يوما".
الحكم: الحديث (ليس صحيحا) أخرجه أحمد (241/1) ح(2154) والبيهقي (287/4) عن طريق داود بن على عن أبيه عن جده.
قال الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار" (5-328): "رواية أحمد هذه ضعيفة منكرة من طريق داود بن على عن أبيه عن جده رواه عنه ابن أبي ليلى".
قلت: وهذا الحديث أورده الإمام الذهبي في "الميزان" (13/2) من منكرات داود بن علي مراتب صوم عاشوراء.
"البدائل الصحيحة في عاشوراء"
1 عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدِمَ المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرَّق فرعون وقومه فصامه موسى شكرا فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فنحن أحق وأولى بموسى منكم فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر بصيامه" أه.
الحكم: الحديث (صحيح) أخرجه البخاري ح(2004) ومسلم ح(128/1130) واللفظ له فالحديث "متفق عليه" وأخرجه البخاري أيضا ح(3397)، (3943)، (4680)، (4737).
2 عن أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله، وصيام يوم عرفه أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله".
الحكم: الحديث (صحيح) أخرجه أحمد (296/5،297) ومسلم ح(196/1162) وأبو داود ح(3435) والترمذي مختصرا ح(749) وابن خزيمة ح(2087).
3 عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن أهل الجاهلية كانوا يصومون عاشوراء، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صامه والمسلمون قبل أن يفترض رمضان فلما افترض رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن عاشوراء يوم من أيام الله فمن شاء صامه ومن شاء تركه".
الحكم: الحديث (صحيح) أخرجه مسلم(1/211)
ح(117/1126) وأبو داود (3443) وابن خزيمة ح(2082) وأحمد (57/2) وله شاهد من حديث عائشة أخرجه البخاري ح(1893).
4 عن جابر بن سَمُرَةَ رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بصيام يوم عاشوراء ويحثنا عليه ويتعاهدنا عنده فلما فرض رمضان لم يأمرنا ولم ينهنا ولم يتعاهدنا عنده".
الحكم: الحديث (صحيح) أخرجه مسلم ح(125/1128) وابن خزيمة ح(2083) وأحمد (965).
5 عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه فلما فرض رمضان تُرِك، وكان عبد الله لا يصومه إلا أن يوافق صومه".
الحكم: الحديث (صحيح) أخرجه البخاري ح (1892)،2000،4501).
6 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان".
الحكم: الحديث (صحيح) أخرجه البخاري ح(2006) ومسلم ح(131/1132).
7 عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع". قال: فلم يأت المقبل حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
الحكم: الحديث (صحيح). أخرجه مسلم ح(133/1134)، أبو داود ح(2445) وابن ماجه ح(1736) وأحمد (236/1).
قلت: لقد بينا آنفا في الحديث الثاني حديث أبي قتادة فضل صيام يوم عاشوراء وفي الحديث السابع حديث ابن عباس استحباب صوم يوم التاسع. وفي الحديث الثالث من الأحاديث الضعيفة حديث ابن عباس في صوم يوم الحادي عشر هي رواية ضعيفة منكرة كما بيَّنا آنفا.
وعليه فأكمل المراتب: أن يصام التاسع والعاشر.
لذلك قال الإمام النووي رحمه الله في "شرح صحيح مسلم" للحديث (1134): "قال الشافعي وأصحابه وأحمد وأسحاق وآخرون: يستحب صوم التاسع والعاشر جميعا لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر ونوى صيام التاسع" ثم قال الإمام النووي: قال العلماء: "ولعل السبب في صوم التاسع(1/212)
مع العاشر أن لا يتشبه باليهود في إفراد العاشر. وفي الحديث إشارة إلى هذا وقيل للاحتياط في تحصيل عاشوراء، والأول أولى" أه.
قلت: قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (2884):
قوله صلى الله عليه وسلم : "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع فمات قبل ذلك" فإنه ظاهر في أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم العاشر، وهمّ بصوم التاسع فمات قبل ذلك ثم ما همّ به من صوم التاسع يحتمل معناه أنه لا يقتصر عليه بل يضيفه إلى اليوم العاشر إما احتياطا له، وإما مخالفة لليهود والنصارى وهو الأرجح" أه.
هذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد.
انتهى(1/213)
1-8-2003 العدد18:
صحح أحاديثك
"الأذكار بين الجنون والاستهتار"
لقد نشرت مجلة الأزهر الشريف في الجزء الرابع السنة (76) في الصفحة الحادية والثلاثين من بعد المائة السادسة في عدد شهر ربيع الآخر 1424ه- يونيو 2003م لأحد المشايخ تحت عنوان "حلقات الذكر مناقشات وحوارات" ما نصه:
"والذي أحب أن أركز عليه أن أنبه المنكرين لمجالس الذكر المعهودة المعروفة عند جماعات الصوفية بذكر اسم من أسمائه تعالى يؤدونه بصوت وهم وقوف يتمايلون... قد يطول المجلس وقد يتهتك الذاكرون".
قلت: ونحن لا يهمنا اسم الشيخ- عفا الله عنا وعنه- ولكن يهمنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث جاء بدليل على هذه العبادة نسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حديث لأبي سعيد قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "أكثر من ذكر الله حتى يقولوا: مجنون".
وعزاه إلى أحمد (3-68)، وابن حبان (3-99)، والحاكم (1-77).
قلت: وهذا عند علماء الصنعة الحديثية يُعْرَف بالتخريج يستطيع طالب العلم المبتدئ أن يفعله عن طريق الفهارس التي انتشرت، وهو ما يسمى التخريج بمطلع الحديث بفهارس أحمد وابن حبان والحاكم.
ولكن أين التحقيق للوقوف على درجة الحديث من حيث القبول والرد؟! وهو ثمرة علم المصطلح، كما بيَّن ذلك السيوطي في "ألفيته".
علم الحديث ذو قوانين تحد
يُدْرَى بها أحوال متن وسند
فذانك الموضوع والمقصود
أن يُعْرف المقبول والمردود
قلت: وسنبين درجة الحديث "حديث الجنون" الذي استخدمه الشيخ لتفسير حديث آخر منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ألا وهو حديث "الاستهتار"، وهو حديث أخرجه الترمذي (5-539) (ح129) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "سبق المفردون". قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: "المستهترون في ذكر الله، يضع الذكر عنهم أثقالهم، فيأتون يوم القيامة خفافًا". قلت: وركَّز الشيخ في الحديث الذي أخرجه الترمذي على شطر "الاستهتار"، حيث قال:
وفي الترمذي ولفظه: يا رسول الله، وما(1/214)
المفردون؟ قال: المُسْتَهْتَرُون بذكر الله يضع الذكر عنهم أثقالهم، يأتون يوم القيامة كذلك". اه
قلت: ثم يفسر الشيخ حديث "الاستهتار" بحديث "الجنون"، يظهر ذلك من قوله: "ولا تزعجك كلمة المستهترين، فالذي أفهمه منها في ضوء الحديث قبله: "حتى يقولوا: مجنون" إنها تعني الذي لا يبالي بهيئة رضى الناس عنها أم سخطوا. قال صاحبي: جزاك الله خيرًا، ما كنت أحسب الأمر كذلك".
قلت: فيردُّ الشيخ على صاحبه هذا قائلا: "لا عليك، لكن الذي يفزعني أن أناسًا يلوون عنق النصوص لتوافق هواهم، أو هوى من يتبعونهم".
قلت: وإن تعجب فعجب قولهم: "إن أناسًا يَلْؤون عنق النصوص".
أيُّ نصوص؟! هل الأحاديث المنكرة نصوص؟!
أولاً: التحقيق لحديث "الجنون"!!
أولاً: حديث: "أكثِرْ من ذكر الله حتى يقولوا: مجنون".
أخرجه الحاكم (1-499)، وأحمد (3-68) عن دراج أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري.
وعلته: دراج أبو السمح. أورده الإمام الذهبي في "ميزان الاعتدال" (2-24-2667) قال: دراج أبو السمح المصري صاحب أبي الهيثم العُتْواري.
1- قال أحمد: أحاديثه مناكير.
2- وقال ابن يونس: كان يقص بمصر.
3- وقال الرازي: ما هو ثقة ولا كرامة.
4- وقال الدارقطني: ضعيف. وقال مرة: متروك.
5- وقال النسائي: منكر الحديث.
قلت: وأورد له الإمام الذهبي هذا الحديث وجعله من مناكيره.
ثانيًا: التحقيق لحديث الاستهتار:
الحديث أخرجه الترمذي- كما بيَّنا آنفًا- (ح3596) من طريق عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا.
قلت: والحديث غريب عن يحيى بن أبي كثير، انفرد بهذا اللفظ عنه عمر بن راشد، أورده أيضًا الإمام الذهبي في "ميزان الاعتدال" (3-193-6101) وقال: عمر بن راشد اليمامي عن يحيى بن أبي كثير: ضعفوه.
1- روى عباس عن يحيى: ضعيف، وقال مرة: ليس بشيء.
2- وقال أحمد: أحاديثه عن يحيى مناكير.
3- وقال الجوزجاني: سألت أحمد عن عمر بن راشد، فقال: لا يساوي(1/215)
حديثه شيئًا.
4- وقال النسائي: ليس بثقة.
5- وقال البخاري: مضطرب ليس بالقائم.
6- وقال الدولابي: عمر بن راشد يمامي ليس بثقة. اه.
قلت: ثم أورد له الذهبي هذا الحديث وجعله من مناكيره.
أورده الإمام ابن حبان في "المجروحين" (2-83) وقال: "عمر بن راشد اليمامي، يروي عن يحيى بن أبي كثير... كان ممن يروي الموضوعات عن ثقات أئمة. لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه، ولا كتابة حديثه إلا على جهة التعجب ".
ثم أخرج ابن حبان عن يحيى بن معين قال عمر بن راشد: ليس بشيء". اه.
وعلة أخرى في السند: يحيى بن أبي كثير مدلس، وقد عنعن.
والحديث منكر كما قال أحمد والذهبي، حيث قال أحمد: أحاديث عمر بن راشد مناكير. وأورد له الذهبي هذا الحديث من مناكيره.
والمنكر عند علماء الصنعة الحديثية: "ما رواه الضعيف مخالفًا لما رواه الثقة".
كذا قال الحافظ في "شرح النخبة" النوع (13) (ص98).
ثالثًا: مخالفة الضعيف لما رواه الثقة
أ- "الضعيف" ما أخرجه الترمذي من طريق: عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا.
"سبق المفردون" قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: "المستهترون في ذكر الله...".
الصحيح
ب- "الثقة".
أخرج الإمام مسلم في "صحيحه" (ح2676) كتاب "الذكر والدعاء" (ح4) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "سبق المفردون". قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: "الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات". اه.
قلت: انظر إلى الصحيح في مطلق الذكر لتعريف المفردون، وانظر إلى الحديث المنكر في تعريف المفردون بأنهم المستهترون، أي: الذي يستهتر بهم الناس لكثرة ذكرهم لله تعالى، ويفسر المستهترين بحديث الجنون المنكر هذا الذكر الذي يفسرونه بالأحاديث المنكرة. حديث منكر يفسر به حديث منكر، هذا هو المنكر المركب الذي جعل الأذكار بين الجنون والاستهتار، وأصبحت البدعة سنة لعدم الدراية بالصناعة الحديثية.
قلت:(1/216)
وبعد أن أعددت هذا الردّ ترددت في نشره في سلسلة "صحح أحاديثك" التي تنشرها مجلة التوحيد الغرّاء، وقلت: لعل الكاتب يرجع يومًا ويعلم أن هذه الأحاديث التي بنى عليها بدعة التمايل عند ذكر الأسماء الحسنى أحاديث منكرة واحتفظت بهذا البحث لنفسي.
ولكن وجدت أمرًا عجيبًا وغريبًا؛ وهو أن الكاتب عاد في الشهر التالي شهر جمادى الأولى 1424ه ليدافع بنفس الأحاديث عن بدعة التمايل في الذكر بمجلة الأزهر التي لها منّا كل احترام وتقدير، وذلك في الجزء (5) السنة (76) (ص705) تحت عنوان: "عناد المنكرين وإنكار المعاندين" حيث قال: "وأخيرًا لماذا يعميك التعصب فلا ترى الحق؟ كيف ترفض حديثًا ذكرته في المقال السابق "أكثروا من ذكر الله حتى يقولوا: مجنون"، وحديث قوله صلى الله عليه وسلم : "سبق المفردون"، ولما سئل عنهم في لفظ الترمذي: وما المفردون؟ قال: "المستهترون بالذكر يضع الذكر عنهم أثقالهم" ذلك ذكرته لك سابقًا، فكيف بالله عليك ترفض أحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم صحيحة مذكورة بسندها؟!".
قلت: وإن تعجب فعجب أن يعتقد الكاتب أن مجرد ذكر السند يلزمه الصحة، والسند عند علماء الصنعة الحديثية: سلسلة الرجال الموصلة للمتن، وبالبحث في الإسناد يعرف المقبول من المردود- كما بينا آنفًا- وأثبتنا أن حديث "الذكر والجنون" وحديث "الذكر والاستهتار" حديثان منكران، فكيف يعتقد الصحة في أحاديث منكرة بيّنا عللها كما هو ثابت عند علماء الصنعة؟!
"البدائل الصحيحة"
ولقد بيَّن الإمام القرطبي رحمه الله في هذه البدعة- بدعة التمايل- في ذكر أسماء الله الحسنى، ثم أتى ببدائل صحيحة تبين حال العارفين بالله، حيث قال في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" (4-2891- ط دار الغد) عند تفسير قوله تعالى: إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون {الأنفال: 2}، وفيه ثلاث مسائل... ثم قال الثانية:- وصف الله-(1/217)
تعالى- المؤمنين في هذه الآية بالخوف والوجل عند ذكره، وذلك لقوة إيمانهم ومراعاتهم لربهم وكأنهم بين يديه، فهذه حال العارفين بالله، الخائفين من سطوته وعقوبته، لا كما يفعله جهال العوام والمبتدعة الطغام من الزعيق والزئير ومن النهاق الذي يشبه نهاق الحمير، فيقال لمن تعاطى ذلك وزعم أن ذلك وَجْد وخشوع: لم تبلغ أن تساوي حال الرسول صلى الله عليه وسلم ولا حال أصحابه في المعرفة بالله، والخوف منه، والتعظيم لجلاله، ومع ذلك فكانت حالهم عند المواعظ الفهم عن الله والبكاء خوفًا من الله.
فهذا وصف حالهم، وحكاية مقالهم، ومن لم يكن كذلك فليس على هديهم ولا على طريقتهم، فمن كان مستنّا فليستنّ، ومن تعاطى أحوال المجانين والجنون فهو من أخسِّهم حالاً، والجنون فنون.
روى مسلم عن أنس بن مالك أن الناس سألوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى أَحْفَوْه في المسألة، فخرج ذات يوم فصعد المنبر، فقال: "سلوني، لا تسألوني عن شيء إلا بينته لكم مادمت في مقامي هذا".
فلما سمع ذلك القوم أَرَمُّوا ورهبوا أن يكون بين يدي أمر قد حضر. قال أنس: فجعلت ألتفت يمينًا وشمالاً، فإذا كل إنسان لافُّ رأسه في ثوبه يبكي. وذكر الحديث.
وروى الترمذي وصححه عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب.... الحديث. ولم يقل نعقنا ولا رفسنا ولا نَفَنَّا ولا قمنا. انتهى كلام القرطبي.
فيا أخي كاتب المقال، لماذا تتعجل وترمي مخالفك بالعمى وتقول له: "لماذا يعميك التعصب فلا ترى الحق؟ كيف ترفض حديثًا ذكرته لك سابقًا "أكثروا من ذكر الله حتى يقولوا: مجنون"، هل تقول إن القرطبي أعماه التعصب ولا يرى الحق؟ وقد قال القرطبي: "ومن تعاطى أحوال المجانين والجنون فهو من أخسهم حالا". وبيَّن لك أنك لست كأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولست في حال النبي صلى الله عليه وسلم وحال أصحابه في المعرفة بالله، ولم
يكونوا يتمايلون ولا يصنعون من الجنون أو التمايل شيئًا، فكيف تقول في كلام القرطبي ردًا على أحاديثك التي ثبت بالتحقيق أنها أحاديث مناكير؟!
انتهى(1/218)
1-9-2003 العدد 19:
صحح أحاديثك
أقدم لك عزيزي القارئ هذه الحلقة من سلسلة صحح أحاديثك حول ما ورد في شهر رجب:
أولاً: حديث "رجبُ شهرُ الله، وشعبانُ شهري، ورمضانُ شهر أمتي".
الحكم: الحديث ليس صحيحا، أخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات" (2-124)، وقال: هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد اتهموا به ابن جهيم ونسبوه إلى الكذب، وسمعت شيخنا عبد الوهاب الحافظ يقول: "رجاله مجهولون وقد فتشت عليهم جميع الكتب فما وجدتهم". اه.
فائدة: قال الإمام ابن القيم في "المنار المنيف" (ص167): "وكذلك أحاديث صلاة الرغائب ليلة أول جمعة من رجب، كلها كذب مختلق على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أورد الحديث وفيه: "لا تغفلوا عن ليلة أول جمعة من رجب فإنها ليلة تسميها الملائكة الرغائب". ثم قال: الحديث مكذوب بطوله.
وأورده الإمام الشوكاني في "الفوائد" (ص48، 49)، وقال: "هو موضوع ورجاله مجهولون".
ثانيا: حديث صلاة ليلة النصف من رجب.
الحكم: الحديث ليس صحيحا، أخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات" (2-126) من حديث أنس مرفوعا، وقال: "هذا موضوع ورواته مجهولون ولا يخفى تركيب إسناده، وجهالة رجاله، والظاهر أنه من عمل الحسين بن إبراهيم"، وأقره الشوكاني في "الفوائد" (ص50).
ثالثا: حديث: "من صام من رجب كذا وكذا فله من الأجر كذا...".
الحكم: الحديث ليس صحيحا، أخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات" (2-205) من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا، وهو حديث طويل فيه: من صام من رجب يومين، ومن صام ثلاثة أيام، وأربعة، وخمسة، إلى أن وصل إلى "من صام من رجب خمسة عشر يوما يوقفه الله يوم القيامة موقف الآمنين".
قال ابن الجوزي: هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم والكسائي(1/219)
لا يعرف والنقاش متهم. اه.
وقال ابن القيم في "المنار المنيف" (ح172) الجميع كذب مختلق.
رابعا: حديث "من فرج عن مؤمن كربة في رجب أعطاه الله تعالى في الفردوس قصرا مد البصر، أكرموا رجبا يكرمكم الله بألف كرامة".
الحكم: الحديث ليس صحيحا. قال الحافظ ابن حجر في "تبيين العجب" (ص47): "هو متن لا أصل له، بل اختلقه أبو البركات هبة الله بن المبارك السقطي- لا بارك الله فيه- ووضع له إسنادا رجاله ثقات، فقال: أخبرنا أبو غانم محمد بن الحسن، أخبرنا علي بن وصيف، حدثنا البغوي، أنبأنا خلف بن هشام، حدثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن عطاء، عن عبد الله بن الزبير به مرفوعا ".
خامسا: حديث: "إن شهر رجب شهر عظيم، من صام منه يوما كتب الله له صوم ألف سنة... ".
الحكم: الحديث ليس صحيحا. أخرجه الإمام ابن الجوزي في "الموضوعات" (2-207) وقال: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ابن حبان: "لا يجوز الاحتجاج بهارون بن عنترة يروي المناكير الكثيرة حتى تسبق إلى قلب المستمع لها أنه المعتمد لها".
قلت: وأورده الشوكاني في "الفوائد" (ص101) وقال: رواه ابن شاهين عن علي مرفوعا، قال في اللآلئ: لا يصح وهارون بن عنترة يروي المناكير". اه.
قاعدة هامة:
قال الحافظ ابن حجر في "تبيين العجب" (ص23): "لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه- معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه- حديث صحيح يصلح للحجة، وقد سبقني إلى الجزم بذلك الإمام أبو إسماعيل الهروي الحافظ، رويناه عنه بإسناد صحيح وكذلك رويناه عن غيره ". اه
قلت: ثم بين الحافظ ابن حجر مذهبه: وهو عدم العمل مطلقا بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ولا غيرها، حيث قال: "ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام أو في الفضائل؛ إذ الكل شرع".
قال الإمام ابن القيم في "المنار المنيف" (ص151): "وكل حديث في ذكر صوم رجب، وصلاة بعض الليالي فيه فهو كذب مفترى".
بدائل صحيحة يذكر فيها(1/220)
لفظ "شهر رجب" من غير ذكر صوم مخصوص برجب، أو صلاة في بعض الليالي:
1- عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الزمان استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا: منها أربعة حرم: ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان". الحديث.
الحكم: الحديث صحيح متفق عليه، رواه البخاري في "صحيحه" (ح5550)، ورواه مسلم في صحيحه (ح1679).
2- عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا فرع ولا عتيرة".
والفرع أول النتاج، كانوا يذبحونه لطواغيتهم، والعتيرة في رجب. اه.
الحكم: الحديث متفق عليه، أخرجه البخاري (ح5473)، ومسلم (1976).
سادسا: أحاديث تعيين ليلة الإسراء والمعراج:
حديث: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يريه الجنة والنار فلما كان ليلة السبت لسبع عشرة خلت من شهر رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نائم في بيته ظهرا أتاه جبريل وميكائيل فقال: انطلق..." وذكر حديث الإسراء.
الحكم: الحديث ليس صحيحا، أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (1-142، 143) قال: أخبرنا محمد بن عمر عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة وغيره من رجاله قالوا. فذكر الحديث.
قلت: هذا حديث ضعيف جدا وعلته محمد بن عمر وهو الواقدي متروك وعلة أخرى ابن أبي سبرة قال عنه الإمام أحمد: يضع الحديث، وقال النسائي: متروك، وقال ابن معين: ليس حديثه بشيء. كذا في "الميزان" (4-503، 504).
فائدة هامة:
1- نقل الإمام ابن القيم في "زاد المعاد" (1-57) عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه سئل عن ليلة الإسراء، فقال: "لم يقم دليل معلوم لا على شهرها، ولا على عشرها، ولا على عينها، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة، ليس فيها ما يقطع به ولا شرع للمسلمين تخصيص الليلة التي يظن أنها ليلة الإسراء بقيام ولا غيره بخلاف ليلة القدر".
2- قال أبو شامة في "الباعث" (ص171): "وذكر بعض(1/221)
القصاص أن الإسراء كان في رجب وذلك عند أهل التعديل والجرح عين الكذب". اه.
3- وقال ابن رجب في "لطائف المعارف" (ص168): "وقد روى أنه كان في شهر رجب حوادث عظيمة ولم يصح شيء من ذلك، فروى أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد في أول ليلة منه، وأنه بعث في السابع والعشرين منه، وقيل في الخامس والعشرين ولا يصح شيء من ذلك". اه.
4- لذلك قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في "التحذير من البدع" (ص9): وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج، لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث".
5- ولئلا يتقول علينا متقول بما لم نقله، يجب أن يفرق بين أحاديث "تعيين ليلة الإسراء والمعراج"، وبين أحاديث "حدث الإسراء والمعراج".
فأحاديث "تعيين ليلة الإسراء والمعراج" لا يصح فيها شيء كما بينا آنفا، أما أحاديث "حدث الإسراء والمعراج" وافتتاح أبواب السماوات السبع للنبي صلى الله عليه وسلم فهي ثابتة في أعلى درجات الصحة بل متواترة أوردها الكتاني في "نظم المتناثر في الحديث المتواتر". هذا ما وفقني الله إليه وهو وحده من وراء القصد.
انتهى(1/222)
1-10-2003 العدد 20:
صحح أحاديثك
بقلم : علي حشيش
يدافع بعض الناس عن الذكر البدعي؛ ذكر أسماء الله الحسنى بالوقوف والتمايل والرقص باستخدام أحاديث منكرة مثل:
"أكثر من ذكر الله حتى يقولوا مجنون"، و: "سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: المستهتَرون في ذكر الله...".
ولقد بينا بالتفصيل في "سلسلة صحح أحاديثك" عدد جمادى الآخرة تحت عنوان "الأذكار بين الجنون والاستهتار" بالقواعد الأصولية لأهل الحديث: أن هذين الحديثين منكران، وجئنا بالبدائل الصحيحة التي تبين حال السلف الصالح عند ذكر الله في السنة التقريرية، والتي قال عنها الإمام القرطبي في تفسيره (4-2891): "فهذا وصف حالهم وحكاية مقالهم ومن لم يكن كذلك فليس على هديهم ولا على طريقتهم، فمن كان مستنًا فليسْتن، ومن تعاطى أحوال المجانين والجنون، فهو من أخسهم حالاً والجنون فنون". اه.
1- والألباني رحمه الله لما بيَّن أن حديث الجنون حديث منكر في "الضعيفة" (ح517)، وكذلك في "ضعيف الجامع" (ح1206)، وكذلك في "الترغيب" (2-230).
راح الذي يدافع عن الذكر البدعي، يشتم محدث عصره الشيخ الألباني قائلاً: "لترى كيف عبث الألباني وتابعوه بالحديث". اه.
قلت: أهذا هو منهج البحث العلمي الحديثي؟
2- لم يكتف الذي يدافع عن الذكر البدعي بهذا الشتم، فراح يرمي الشيخ الألباني رحمه الله بأسوأ الافتراءات لأنه لم يوافقه على الذكر البدعي ذكر الجنون بأحاديث الجنون والاستهتار، تلك الأحاديث المنكرة ويجعله مع الطاعنين في السنة. حتى قال: "هل بعد هذا أسمع أن يقال ضعفه الألباني؟".
3- قال هذا الذي يدافع عن الذكر البدعي: "إن دعوات تهوين الأحاديث وتضعيفها والطعن في الرواة عمل دأب عليه ناس كثيرون".
4- ثم انظر مرة أخرى إليه وهو يشتم العلماء الذين يحذرون من الأحاديث المنكرة؛ يقول: "هذا صنف نعرفه من الطاعنين في السنة، الموهنين من شأن الرواة والأحاديث".
قلت: وما فعله من طعن في أهل السنة، وشتم لأعلام الأمة، إلا لعدم درايته(1/223)
بأصول علوم الحديث، فبدلاً من أن يقدم بحوثًا علمية حديثية قدم الشتم والطعن والهمز واللمز ليواري عجزه.
"تصحيح المفاهيم حول أصول الحديث"
1- يقول هذا الذي يدافع عن الذكر البدعي: "سوف أنقل لك صورة ضوئية من كتاب "فيض القدير"، لترى كيف عبث الألباني وتابعوه بالحديث". ثم نقل نقلاً مبتورًا حول تعليق مكتبة نزار الباز على حديث الجنون، حيث قال في نقله: "أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده، وأبو يعلى في مسنده، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في شعب الإيمان، وقال الحاكم: هذه صحيفة المصريين صحيحة الإسناد، وأبو الهيثم سليمان بن عتبة من ثقات أهل مصر، ووافقه الذهبي"، ثم بعد هذا النقل الذي بتر عنه أماكن تضعيف الألباني للحديث قال: "فهل بعد هذا أسمع أن يقال: ضعفه الألباني". اه.
وإلى القارئ الكريم البحث العلمي الدقيق لإثبات نكارة حديث الجنون وبراءة العلامة الإمام الألباني رحمه الله مما رمي به من طعن وشتم.
"التحقيق العلمي لحديث الجنون"
أولاً: صاحب الذكر البدعي لم يفرق بين التخريج والتحقيق.
فقد توهم الصحة من نقله: "أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده، وأبو يعلى في مسنده، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، والبيهقي في شعب الإيمان"؛ ولا تلازم بينهما دائمًا بالنسبة لهذه المصادر كما هو معلوم عند أهل الحديث.
ثانياً: صاحب الذكر البدعي لم يعرف الإسناد ولا علم الجرح والتعديل، فاغتر بقول الحاكم: "وأبو الهيثم سليمان بن عتبة من ثقات أهل مصر".
قلت: صاحب الذكر البدعي ينقل، فهل حقق قول الحاكم: "أبو الهيثم سليمان بن عتبة من ثقات مصر"؟ فالبحث العلمي الدقيق لم يوجد في الرواة من يسمى سليمان بن عتبة وكنيته أبو الهيثم. ولم يوجد من الرواة من يسمى سليمان بن عنبة وهو مصري. ولم يوجد من الرواة من يسمى سليمان بن عتبة وروى عن أبي سعيد الخدري. ولم يوجد من الرواة من يسمى سليمان بن عتبة وروى عنه دراج أبو السمح.
فليرجع(1/224)
صاحب الذكر البدعي إلى "تهذيب الكمال" (8-85-2531) يجد أن "سليمان بن عتبة" كنيته: أبو الربيع، وهو دمشقي وليس بمصري، ولم يرو عن أبي سعيد الخدري، ولم يرو عنه دراج وهو من الطبقة السابعة، كذا في "التقريب" (1-328).
"صحح الرجال"
أما الراوي الذي كنيته ( أبو الهيثم ) ومصري ويروي عن أبي سعيد ويروى عنه درَّاج كما في سند حديث الجنون: هو "سليمان بن عمرو" كذا في "تهذيب الكمال" (8-93-2537)، وليس هو سليمان بن عمرو بن الأحوص الجشمي، ولكن هو سليمان بن عمرو بن عبد، أبو الهيثم المصري من الرابعة وهي من طبقة التابعين، فتأمل لتعرف من الذي يعبث؟
ثالثًا: "العلة الحقيقية في الإسناد"
ومع أن الكاتب ينقل بغير علم وبغير تحقيق، فقد غفل عن العلة الحقيقية.
فالحديث: جاء من طريق دراج أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري والعلة الحقيقية ليست أبا الهيثم، ولكن العلة التي غفل عنها الكاتب: هو دراج أبو السمح المصري صاحب أبي الهيثم.
وإلى القارئ الكريم أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه والتي أوردها الإمام الذهبي في "الميزان" (2-24-2667) قال: ودراج أبو السمح المصري:
1- قال أحمد: أحاديثه مناكير. 2- وقال ابن يونس: كان يقص بمصر. 3- وقال الرازي: ما هو ثقة ولا كرامة. 4- وقال الدارقطني: ضعيف، وقال: مرة متروك. 5- وقال النسائي: متروك الحديث.
قلت: وأورده الإمام أبو أحمد عبد الله بن عدي في "الكامل" (3-112) (25-647) وقال: "سمعت ابن حماد يقول: دراج أبو السمح منكر الحديث. ثم قال الإمام ابن عدي: وما ينكر من أحاديثه بعض ما ذكرت هو قوله: "أصدق الرؤيا الأسحار، و"الشتاء ربيع المؤمن"، و"السباع حرام"، "وأكثرْ مِن ذِكْر الله حتى يقال مجنون".
ولقد أشار إلى علة حديث الجنون الإمام الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10-76) حيث قال: "رواه أحمد وأبو يعلى وفيه درَّاج وقد ضعفه جماعة وضعفه غير واحد".
وإن تعجب فعجب أن ينقل المناوي في "فيض القدير" قول(1/225)
الهيثمي في "المجمع" ويغفل عنه صاحب الذكر البدعي.
رابعًا: "التدليس على الإمام الذهبي":
نقل صاحب الذكر البدعي قول الحاكم: "هذه صحيفة المصريين صحيحة الإسناد، وأبو الهيثم سليمان بن عتبة من ثقات أهل مصر، وافقه الذهبي".
قلت: 1- أيوافق الذهبي على أن سليمان بن عتبة هو أبو الهيثم؟ فقد بيَّنا آنفًا عدم صحة ذلك وهذا لا يخفى على ذهبي الرجال.
2- إن الإمام الذهبي أثبت أن حديث الجنون حديث منكر في كتابه "الميزان" (2-24-2667)، وبين أنه من مناكير دراج.
خامسًا: يقول صاحب الذكر البدعي: "الخلط والتدليس حول حديث الاستهتار": وانظر كذلك الصفحة التي بها حديث "سبق المفردون"، أخرجه مسلم والترمذي، وقال: حسن غريب، والحاكم في المستدرك، وقال الحاكم: على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، فهل يعد هذا من رأي فيقال رأي الألباني فيرمي الحديث بالضعف، هل بعد هذا أسمع أن يقال ضعفه الألباني؟
قلت: وإلى القارئ الكريم بيان هذا الخلط، أما عن شتمه فنقول له: "سلامًا"، فقد اختلط على صاحب الذكر البدعي حديث مسلم وحديث الترمذي فجعلهما حديثًا واحدًا، وقال: أخرجه مسلم والترمذي.
1- فحديث مسلم (ح 2676) كتاب الذكر والدعاء (ح4) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "سبق المفردون". قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: "الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات". اه.
2- أما حديث الترمذي (ح3596) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : "سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: المستهتَرون في ذكر الله، يضع الذكر عنهم أثقالهم فيأتون يوم القيامة خفافًا".
قلت: انظر إلى الحديث الصحيح في مطلق الذكر في بيان من هم المفردون؟ الذي أخرجه مسلم، وانظر إلى الحديث المنكر الذي أخرجه الترمذي بأنهم المستهترون، أي الذين يستهتر بهم الناس لكثرة ذكرهم لله تعالى، ولقد فسر صاحب الذكر البدعي المستهتَرين بقوله: "ولا تزعجك كلمة "المستهترين"، فالذي أفهمه(1/226)
منها في ضوء الحديث قبله: حتى يقولوا مجنون".
قلت: هذا هو الذكر الذي يفسرونه بالأحاديث المنكرة، ولقد بينا قبل أن حديث الاستهتار حديث منكر، وحديث الجنون حديث منكر، وصاحب الذكر البدعي يفسر حديثًا منكرًا بحديث منكر، هذا هو المنكر المركب الذي جعل الأذكار بين الجنون والاستهتار.
والعجيب أن ينقل صاحب الذكر البدعي من التعليق "أخرجه مسلم والترمذي" بغير تحقيق، كيف يستويان؟ حديث مسلم الصحيح في مطلق الذكر، مع حديث الترمذي المنكر في الاستهتار.
ولذلك نجد الإسنادين مختلفين عن أبي هريرة:
1- سند حديث مسلم من طريق العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا، انظر "تحفة الأشراف" (10-227) (ح14017).
2- أما سند حديث الترمذي من طريق عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا، انظر تحفة الأشراف (11-77) (ح15411).
قلت: وهو سند واهٍ علته عمر بن راشد، قال فيه ابن حبان في "المجروحين" (2-83): عمر بن راشد اليمامي يروي عن يحيى بن أبي كثير، كان ممن يروي الموضوعات عن الثقات لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه ولا كتابة حديثه إلا على جهة التعجب.
وقال يحيى بن معين: ليس بشيء، وقال أحمد: أحاديثه عن يحيى مناكير.
نقل صاحب الذكر البدعي: "قال الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي".
قلت: وهذا كلام مردود، فعمر بن راشد لم يرو له البخاري ولا مسلم، والإمام الذهبي لم يوافق على صحته، بل جعله حديثًا منكرًا من مناكير عمر بن راشد، وذلك في "الميزان" (3-193-6101). بهذا يتبين أن حديث الاستهتار منكر، ولقد نقل الإمام القاسمي في "قواعد التحديث" (ص49) عن الإمام الشافعي قال: "لولا أهل المحابر لخطبت الزنادقة على المنابر". فمن الذي يعبث بالحديث؟
والله من وراء القصد.
انتهى
ومن الموقع الرئيسي للمجلة :
http://www.elsonna.com/
جاء فيه:(1/227)
حول بعض الأحاديث
س: نرجو من فضيلتكم إفادتنا عن مدى صحة الأحاديث النبوية الآتية التي تدور على الألسنة:
1. (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين)
2. (ما وسعني أرضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن)
3. (ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن هو ما وقر في القلب وصدقه العمل)
4. (ليس الخبر كالعيان)
5. (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر: جهاد النفس)
6. (المؤمن مرآة أخيه)
7. (لوتوكلتم على الله حق التوكل لرزقكم كما ترزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا)(1/228)
ج: 1. (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) حديث صحيح مرفوع متفق عليه، رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة، ورواه أحمد وابن ماجه عن ابن عمر.
2. (ما وسعني أرضي ولا سمائي، ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن) ذكره الغزالي في الإحياء بلفظ: قال الله: (لم يسعني سمائي ولا أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن اللين الوادع) وقال الحافظ العراقي في تخريجه: لم أر له أصلا. ووافقه السيوطي في الدرر تبعا للزركشي، وكذا قال ابن حجر. وقال ابن تيمية: هو مذكور في الإسرائيليات، وليس له إسناد معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال السخاوي في "المقاصد الحسنة": وكأنه أشار بما في الإسرائيليات إلى ما أخرجه أحمد في "الزهد" عن وهب بن منبه قال: "إن الله فتح السموات لحذقيل حتى نظر إلى العرش، فقال: سبحانك، ما أعظمك يا رب! فقال الله: إن السموات والأرض ضعفن عن أن يسعنني ووسعني قلب عبدي المؤمن الوادع اللين". وذكر الزركشي أنه من وضع الملاحدة.(أنظر كشف الخفا والالباس للعجلوني حديث رقم 2256 ج2 ص195،196 والاسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة ل"ملا علي القارئ".حديث 423،310،311) وإذا ثبت بطلان الحديث فلا معنى لتأويله، ولا حاجة إليه، لأن التأويل فرع عن الثبوت، وهو معدوم. فمن قال من العلماء: إن معناه: وسع قلبه الإيمان بي ومحبتي ومعرفتي، لا مسوغ له، وبخاصة أن المنحرفين يتخذون من هذه الأحاديث الباطلة سندا لهم في كفرياتهم التي أربت على ما يقوله النصارى.
3. (ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن هو ما وقر في القلب وصدقه العمل). لم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة، أو المسانيد المشهورة، وإنما رواه ابن النجار والديلمي في الفردوس، وقال العلائي: حديث منكر، تفرد به عبد السلام بن صالح العابد. قال النسائي: متروك. وقال ابن عدي: مجمع على ضعفه، وقد روي معناه بسند جيد عن الحسن البصري من قوله. وهو الصحيح.ا هـ (فيض القدير ج5 ص356)
4. (ليس(1/229)
الخبر كالعيان). حديث صحيح مرفوع، رواه ثلاثة من الصحابة: أنس وأبو هريرة وابن عباس، بلفظ: (ليس الخبر كالمعاينة) فرواه الطبراني في الأوسط عن أنس، والخطيب في تاريخه عن أبي هريرة، ورمز السيوطي لحسنه في الجامع الصغير، وقال شارحه المناوي: وهو كما قال أو أعلى. فقد قال الهيثمي: رجاله ثقات، ورواه أيضا ابن منيع والعسكري، وعد من جوامع الكلم والحكم. قال الزركشي: ظن أكثر الشراح أنه ليس بحديث وهو حديث حسن، خرجه أحمد وابن حبان والحاكم من طرق، ورواه الطبراني.. وقال في موضع آخر: رواه الحاكم وابن حبان وإسناده صحيح. وأما حديث ابن عباس، فرواه أحمد والطبراني في الأوسط والحاكم، وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح، وصححه ابن حبان، وتمام حديث ابن عباس: (إن الله تعالى أخبر موسى بما صنع قومه في العجل، فلم يلق الألواح، فلما عاين ما صنعوا ألقى الألواح فانكسرت)(المصدر السابق).
5. (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، جهاد النفس). قال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: رواه البيهقي بسند ضعيف عن جابر، ورواه الخطيب في تاريخه عن جابر، بلفظ: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم من غزاة، فقال صلى الله عليه وسلم : قدمتم خير مقدم، وقدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر: قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال: هو مجاهدة العبد هواه). وقال الحافظ بن حجر في تسديد القوس: هو مشهور على الألسنة، وهو من كلام إبراهيم ابن عيلة.أهـ (أنظر: كشف الخفا والألباس ص424،425)
6. (المؤمن مرآة أخيه). رواه الطبراني في الأوسط والضياء في المختار عن أنس بإسناد حسن كما قال المناوي بلفظ: (المؤمن مرآة المؤمن) ورواه أيضا أحمد وأبو داود عن أبي هريرة، وتمامه عندهما: المؤمن أخو المؤمن، يكفي عليه صنيعته (أي يجمع عليه معيشته)، ويحوطه من ورائه (أي يحفظ ويذب عنه في غيبته) وإسناده حسن. كذا في التيسير شرح الجامع الصغير للمناوي. ومعنى أن المؤمن مرآة المؤمن(1/230)
أنه ينصح له، ويريه عيب نفسه، بغير تحريف ولا تزييف، كما تريه المرآة عيب وجهه كذلك.
7. (لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما ترزق الطير، تغدو خماصا، وتروح بطانا). الحديث صحيح. رواه أحمد والترمذي والنسائي، وابن ماجه والحاكم عن عمر بن الخطاب، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي. وقال الشيخ شاكر: إسناده صحيح (أنظر الأحاديث: 205،270،273من المسند)، وقبل ذلك: صححه المناوي في شرح الجامع الصغير. وليس في الحديث ما يدل لأهل التبطل والتعطل، بدعوى التجرد والتوكل، كما ظن بعض المتصوفة، بل فيه ما يرد إلى أن حق التوكل، لا بد فيه من التوصل بنوع من السبب، لأن الطير إنما ترزق بعد الطلب والسعي والغدو. ولهذا قال الإمام أحمد: ليس في الحديث ما يدل على ترك الكسب، بل فيه ما يدل على طلب الرزق
وكذلك من الموقع الرئيسي للمجلة :
http://www.elsonna.com/
جاء فيه:
الأخوة الكرام .... هذه الرسالة التي لا غنى لكل مسلم عن قراءتها لأنها تحتوي على حوالي 200 حديث ضعيف وكلنا يردد هذه الأحاديث على أنها صحيحة 100 % ولكن أرجو من الله تعالى أن ينفعنا بها
200 من الأحاديث المشتهرة على الألسنة
1- ((من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم يزدد من الله إلا بعداً)). وفي لفظ: ((من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر ، فلا صلاة له)). قال الذهبي : قال ابن الجنيد: كذب وزور. قال الحافظ العراقي: حديث إسناده لين، قال الألباني : باطل لا يصح من قبل إسناده ولا من جهة متنه. "ميزان الاعتدال" (3/293) . "نخريج الإحياء" (1/143) . "السلسلة الضعيفة" (2 ، 985).(1/231)
2- ((الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل البهائم الحشيش)). وفي لفظ : ((الحديث في المسجد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)). قال الحافظ العراقي: لم أقف له على أصل، قال عبد الوهاب ابن تقي الدين السبكي : لم أجد له إسناداً ، قال الألباني : لا أصل له. "تخريج الإحياء" (1/136) . "طبقات الشافعية" للسبكي (4/145) . "الضعيفة" (4) .
3- ((اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً)). قال الألباني: لا يصح مرفوعاً أي: ليس صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم . "الضعيفة" (8) .
4- ((أنا جدُّ كل تقي)) قال السيوطي: لا أعرفه. قال الألباني : لا أصل له. "الحاوي" للسيوطي (2/89) . "الضعيفة" (9) .
5- ((إنما بعثتُ مُعَلِّماً)) قال العراقي: سنده ضعيف، قال الألباني : ضعيف. "تخريج الإحياء" (1/11) . "الضعيفة" (11) .
6 - ((أوحى الله إلى الدنيا أن اخدمي من خدمني وأتعبي من خدمك)) قال الألباني : موضوع. "تنزيه الشريعة" للكناني (2/303) . "الفوائد المجموعة" للشوكاني (712) . "الضعيفة" (12) .
7- ((إياكم وخضراءُ الدِّمن فقيل: ما خضراء الدِّمن؟ قال المرأةُ الحسناء في المنبت السوء)). قال العراقي: ضعيف وضعفه ابن الملقن . قال الألباني: ضعيف جداً. "تخريج الإحياء" (2/42) . "الضعيفة" (14) .
8- ((صنفان من أمتي إذا صلحا، صلح الناس: الأمراء والفقهاء)). وفي لفظ ((صنفان من أمتي إذا صلحا، صلح الناس: الأمراء والعلماء)). قال الإمام أحمد : في أحد رواته كذاب يضع الحديث ، قال ابن معين والدارقطني مثله، قال الألباني: موضوع. "تخريج الإحياء" (1/6) . "الضعيفة" (16) .
9- ((توسلوا بجاهي ، فإن جاهي عند الله عظيم)). قال ابن تيمية والألباني : لا أصل له."اقتضاء الصراط المستقيم" لابن تيمية (2/415) . "الضعيفة" (22) .(1/232)
10- ((من خرج من بيته إلى الصلاة فقال : اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وأسألك بحق ممشاي هذا ……… أقبل الله عليه بوجهه واستغفر له ألفُ ملكٍ)). ضعفه المنذري، قال البوصيري: سنده مسلسل بالضعفاء. قال الألباني : ضعيف. "الترغيب والترهيب" للمنذري (3/272) . "سنن ابن ماجه" (1/256) .
******************************
11- ((الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة)). قال ابن حجر : لا أعرفه . "المقاصد الحسنة" للسخاوي (ص 208). وهو في "تذكرة الموضوعات" للفتني (68) . وفي "الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة" للقاري (ص 195).
12- ((من نام بعد العصر ، فاختُلس عقله، فلا يلومنَّ إلا نفسه)). أورده ابن الجوزي في "الموضوعات" (3/69) . والسيوطي في "اللآلئ المصنوعة" (2/279) . والذهبي في "ترتيب الموضوعات" (839) .
13- ((من أحدث ولم يتوضأ فقد جفاني ……)). قال الصغاني : موضوع . "الموضوعات" (53) . والألباني : موضوع."الضعيفة" (44) .
14- ((من حج البيت ولم يزرني . فقد جفاني)). موضوع. قاله الذهبي في "ترتيب الموضوعات" (600) . والصغاني في "الموضوعات" (52) . والشوكاني في "الفوائد المجموعة" (326) .
15- ((من حج، فزار قبري بعد موتي، كان كمن زارني في حياتي)). قال ابن تيمية: ضعيف . "قاعدة جليلة" (57) . قال الألباني: موضوع. "الضعيفة" (47) . وانظر "ذخيرة الحفاظ" لابن القيسراني (4/5250).
16- ((اختلاف أمتي رحمة)). موضوع. "الأسرار المرفوعة" (506) . "تنزيه الشريعة" (2/402) . وقال الألباني: لا أصل له. "الضعيفة" (11) .
17- ((أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)). وفي لفظ: ((إنما أصحابي مثل النجوم فأيهم أخذتم بقوله اهتديتم)). قال ابن حزم : خبر مكذوب موضوع باطل لم يصح قط. "الإحكام في أصول الأحكام" (5/64) و (6/82) . وقال الألباني : موضوع. "الضعيفة" (66) . وانظر "جامع بيان العلم وفضله" لابن عبد البر (2/91).(1/233)
18- ((من عَرَفَ نفسهُ فقد عرف ربَّه)). موضوع. "الأسرار المرفوعة" (506) . و "تنزيه الشريعة" (2/402) . "تذكرة الموضوعات" (11) .
19- ((أدَّبني ربي. فأحسن تأديبي)). قال ابن تيمية: لا يعرف له إسناد ثابت . "أحاديث القصاص" (78) . وأورده الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (1020) . والفتني في "تذكرة الموضوعات" (87) .
20- ((الناس كلهم موتى. إلا العالمون، والعالمون كلهم هلكى إلا العاملون والعاملون كلهم غرقى إلا المخلصون. والمخلصون على خطر عظيم)). قال الصغاني : هذا الحديث مفترى ملحون والصواب في الإعراب: العالمين والعالمين . "الموضوعات" (200) . وأورده الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (771) . والفتني في "تذكرة الموضوعات" (200) .
******************************
21- ((سؤر المؤمن شفاء)) . لا أصل له . "الأسرار المرفوعة" (217) . "كشف الخفاء" (1/1500) . "الضعيفة" (78) .
2- ((إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قبل خراسان، فأتوها ولو حبواً فإن فيها خليفة الله المهدي)). ضعيف . "المنار المنيف" لابن القيم (340) . "الموضوعات" لابن الجوزي (2/39) . "تذكرة الموضوعات" (233) .
23- ((التائب حبيبُ الله)). لا أصل له . "الأحاديث التي لا أصل لها في الإحياء" للسبكي (356) . "الضعيفة" (95) .
24- ((أما إني لا أنسى ، ولكن أُنَسَّ لأُشَرِّع)) . لا أصل له . "الأحاديث التي لا أصل لها في الإحياء" (357) . "الضعيفة" (101) .
25- ((الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا)). لا أصل له . "الأسرار المرفوعة" (555) . "الفوائد المجموعة" (766) . "تذكرة الموضوعات"
(200).
26- ((من حدث حديثاً، فعطس عنده ، فهو حق)). موضوع . "تنزيه الشريعة" (483) . "اللآلئ المصنوعة" (2/286) . "الفوائد المجموعة" (669) .
27- ((تزوجوا ولا تطلقوا، فإن الطلاق يهتز له العرش)). موضوع . "ترتيب الموضوعات" (694) . "الموضوعات" للصغاني (97) . "تنزيه الشريعة" (2/202) .(1/234)
28- ((تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم)). موضوع . "ضعاف الدار قطني" للغساني (353) . "الأسرار المرفوعة" (138) . "الموضوعات" لابن الجوزي (2/76) .
29- ((السخي قريب من الله، قريب من الجنة. قريب من الناس، بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله، بعيد من الجنة، بعيد من الناس ، قريب من النار وجاهل سخي أحب إلى الله من عابد بخيل)). ضعيف جدّاً . "المنار المنيف"(284) . "ترتيب الموضوعات" (564) . "اللآلئ المصنوعة" (2/91) .
30- ((أنا عربي والقرآن عربي ولسان أهل الجنة عربي)) . "تذكرة الموضوعات" (112) . "المقاصد الحسنة" (31) . "تنزيه الشريعة" (2/30) .
******************************
31- ((إن لكل شيء قلباً، وإن قلب القرآن (يس) من قرأها، فكأنما قرأ القرآن عشر مرات)). موضوع . "العلل" لابن أبي حاتم (2/55) . "الضعيفة" (169) .
32- ((فكرة ساعة خير من عبادة ستين سنة)) . موضوع . "تنزيه الشريعة" (2/305) . "الفوائد المجموعة" (723) . "ترتيب الموضوعات" (964) .
33- ((لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)) . ضعيف . "ضعاف الدارقطني" (362) . "اللآلئ المصنوعة" (2/16) . "العلل المتناهية" (1/693).
34- ((الحجر الأسود يمين الله في الأرض يصافح بها عباده)). موضوع . "تاريخ بغداد" للخطيب (6/328) . "العلل المتناهية" (2/944) . "الضعيفة" (223) .
35- ((صوموا تصحوا)) . ضعيف . "تخريج الإحياء" (3/87) . "تذكرة الموضوعات" (70) . "الموضوعات" للصغاني (72) .
36- ((أوصاني جبرائيل عليه السلام بالجار إلى أربعين داراً. عشرة من ها هنا، وعشرة من ها هنا ، وعشرة من ها هنا ، وعشرة من ها هنا)) . ضعيف . "كشف الخفاء" (1/1054) . "تخريج الإحياء" (2/232) . "المقاصد الحسنة" للسخاوي (170) .
37- ((لولاك ما خلقت الدنيا)) . موضوع . "اللؤلؤ المرصوع" للمشيشي (454) . "ترتيب الموضوعات" (196) . "الضعيفة" (282).(1/235)
38- ((من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبداً)). ضعيف. "العلل المتناهية" (1/151) . "تنزيه الشريعة" (1/301) . "الفوائد المجموعة" (972) .
39- ((من أصبح وهمه غير الله عز وجل ، فليس من الله في شيء ومن لم يهتم للمسلمين فليس منهم)) . موضوع . "الفوائد المجموعة" (233) . "تذكرة الموضوعات" (69) . "الضعيفة" (309-312) .
40-- ((كما تكونوا يولي عليكم)) . ضعيف . "كشف الخفاء" (2/1997) . "الفوائد المجموعة" (624) . "تذكرة الموضوعات" (182).
******************************
41- ((كما تكونوا يولي عليكم)) . ضعيف . "الفوائد المجموعة" (624) . "تذكرة الموضوعات" (182) . "كشف الخفاء" (2/1997).
42- ((من ولد له مولود. فأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى لم تضره أم الصبيان)) . موضوع . "الميزان" للذهبي (4/397) . "مجمع الزوائد" للهيثمي . "تخريج الإحياء" (2/61) .
43- ((من تمسك بسنتي عند فساد أمتي ، فله أجر مئة شهيد)) . ضعيف جدا . "ذخيرة الحفاظ" (4/5174) . "الضعيفة" (326) .
44- ((المتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر شهيد)) . ضعيف ."الضعيفة" (327) .
45- ((أنا ابن الذبيحين)) . لا أصل له . "رسالة لطيفة" لابن قدامة (23) . "اللؤلؤ المرصوع" (81) . "النخبة البهية" للسنباوي (43) .
46- ((النظر في المصحف عبادةٌ، ونظر الولد إلى الوالدين عبادةٌ، والنظر إلى علي بن أبي طالب عبادةٌ)) . موضوع . ""الضعيفة" (356) .
47- ((من صلى في مسجدي أربعين صلاة لا يفوته صلاة كتبت له براءة من النار ونجاة من العذاب، وبرئ من النفاق)) . ضعيف . "الضعيفة" (364) .
48- ((الأقربون أولى بالمعروف)) . لا أصل له . "الأسرار المرفوعة" (51) . "اللؤلؤ المرصوع" (55) . "المقاصد الحسنة" للسخاوي (141) .
تعليق المستخدم :45 - حديث أنا ابن الذبيحين.
الحاكم وابن جرير من حديث معاوية: أن أعرابيا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يابن الذبيحين، فتبسم ولم ينكره عليه.( الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة )(1/236)
49- ((آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة ، يقال له: جهينة ، فيسأله أهل الجنة: هل بقي أحد يعذب؟ فيقول: لا فيقولون: عند جهينة الخبر اليقين)). موضوع . "الكشف الالهي" للطرابلسي (1/161) . "تنزيه الشريعة" (2/391) . "الفوائد المجموعة" (1429) .
50- ((خير الأسماء ما عبِّد وما حمِّد)) . موضوع . "الأسرار المرفوعة" (192) . "اللؤلؤ المرصوع" (189) . "النخبة" (117) .
******************************
51 - ((اطلبوا العلم ولو بالصين)) . موضوع . "الموضوعات" لابن الجوزي (1/215) . "ترتيب الموضوعات" للذهبي (111) . "الفوائد المجموعة" (852) .
52- ((شاوروهن - يعني: النساء - وخالفوهن)) . لا أصل له . "اللؤلؤ المرصوع" (264) . "تذكرة الموضوعات" (128) . "الأسرار المرفوعة" (240).
53- ((يدعى الناس يوم القيامة بأمهاتهم ستراً من الله عز وجل عليهم)) . موضوع . "اللآلئ المصنوعة" للسيوطي (2/449) . "الموضوعات" لابن الجوزي (3/248) . "ترتيب الموضوعات" (1123) .
54- ((السلطان ظل الله في أرضه، من نصحه هدي ، ومن غشه ضل)). موضوع . "تذكرة الموضوعات" للفتني (182) . "الفوائد المجموعة" للشوكاني (623) . "الضعيفة" (475) .
55- ((من خاف الله خوف الله منه كل شيء ، ومن لم يخف الله خوفه الله من كل شيء)) . ضعيف . "تخريج الإحياء" للعراقي (2/145) . "تذكرة الموضوعات" (20) . "الضعيفة" (485) .
56- ((قال الله تبارك وتعالى : من لم يرض بقضائي ويصبر على بلائي، فليتمس رباً سوائي)) . ضعيف . "الكشف الإلهي" للطرابلسي (1/625) . "تذكرة الموضوعات" (189) . "الفوائد المجموعة" (746) .
57- ((ليس لفاسق غيبة)) . موضوع . "الأسرار المرفوعة" للهروي (390) . "المنار المنيف" لابن القيم (301) . "الكشف الإلهي" (1/764) .(1/237)
58- ((إذا مات الرجل منكم فدفنتموه فليقم أحدكم عند رأسه. فليقل: يا فلان بن فلانة! فإنه سيسمع ، فليقل : يا فلان بن فلانة! فإنه سيستوي قاعداً …. اذكر ما خرجت عليه من دار الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له … الخ)) . ضعيف . "تخريج الإحياء" (4/420) . "زاد المعاد" لابن القيم (1/206) . "الضعيفة" (599) .
59- ((ما خاب من استخار ، ولا ندم من استشار ولا عال من اقتصد)). موضوع . "الكشف الإلهي" (1/775) . "الضعيفة" (611) .
60- ((كان إذا أخذ من شعره أو قلم أظفاره ، أو احتجم بعث به إلى البقيع فدفن)) . موضوع . "العلل" لابن أبي حاتم (2/337) . "الضعيفة" (713) .
******************************
61- ((المؤمن كيِّس فطِن حذر)) . موضوع . "كشف الخفاء" للعجلوني (2/2684) . "الكشف الإلهي" للطرابلسي (1/859) . " الضعيفة" (760) .
62- ((يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم ، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليلة تطوعاً..الخ)). ضعيف . "العلل" لابن أبي حاتم (1/249) . "الضعيفة" (871) .
63- ((يا جبريل صف لي النار، وانعت لي جهنم: فقال جبريل: إن الله تبارك وتعالى أمر بجهنم فأوقد عليها ألف عام حتى ابيضت، ثم أمر بها فأوقد عليها ألف عام حتى احمرت، ثم أمر فأوقد عليها ألف عام حتى اسودت فهي سوداء مظلمة..الخ)) . موضوع . "الهيثمي" (10/387) . "الضعيفة" (910) .
64- ((لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي)). ضعيف. "الضعيفة" (920) .
65- ((إذا انتهى أحدكم إلى الصف وقد تم فليجبذ إليه رجلاً يقيمه إلى جنبه)) ضعيف . "التلخيص الحبير" لابن حجر (2/37) . "الضعيفة" (921) .(1/238)
66- ((الأبدال في هذه الأمة ثلاثون. مثل إبراهيم خليل الرحمن عز وجل كلما مات رجل أبدل الله تبارك وتعالى مكانه رجلاً)) . موضوع . "الأسرار المرفوعة" لعلي القاري (470) . "تمييز الطيب من الخبيث" لابن الديبع (7) . "المنار المنيف" لابن القيم (308) .
67- ((ما فضلكم أبو بكر بكثرة صيام ولا صلاة ، ولكن بشيء وقر في صدره)). لا أصل له . "الأسرار المرفوعة" لعلي القاري (452) . "الأحاديث التي لا أصل لها في الإحياء" للسبكي (288) . "المنار المنيف" (246).
68- ((تحية البيت الطواف)) . لا أصل له . "الأسرار المرفوعة" (130) . "اللؤلؤ المرصوع" (143) . "الموضوعات الصغرى" للقاري (88) .
69- ((إن العبد إذا قام في الصلاة فإنه بين عيني الرحمن فإذا التفت قال له الرب: يا ابن آدم إلى من تلتفت؟ إلى من هو خير لك مني؟ ابن آدم أقبل على صلاتك فأنا خير لك ممن تلتفت إليه)) . ضعيف جداً . "الأحاديث القدسية الضعيفة والموضوعة" للعيسوي (46) . "الضعيفة" (1024) .
******************************
70- ((وقع في نفس موسى: هل ينام الله تعالى ذكره؟ فأرسل الله إليه ملكاً. فأرقه ثلاثاً، ثم أعطاه قارورتين في كل يد قارورة … ثم نام نومة فاصطفقت يداه وانكسرت القارورتان قال: ضرب الله له مثلاً أن الله لو كان ينام لم تستمسك السماوات والأرض)). ضعيف . "العلل المتناهية" لابن الجوزي . "الضعيفة" (1034) .
71- ((النظرة سهم من سهام إبليس من تركها خوفاً من الله آتاه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه)) . ضعيف جداً. "الترغيب والترهيب" للمنذري (4/106) . "مجمع الزوائد" للهيثمي (8/ 63) . "تلخيص المستدرك" للذهبي (4/314) .
72- ((يعاد الوضوء من الرعاف السائل)) . موضوع. "ذخيرة الحفاظ" لابن طاهر (5/6526) . "الضعيفة" (1071) .(1/239)
73- ((ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه الفعل… الخ)). موضوع. "ذخيرة الحفاظ" لابن طاهر (4/4656) . "الضعيفة" (1098) . "تيببض الصحيفة" لمحمد عمرو (33) .
74- ((تخرج الدابة، ومعها عصى موسى عليه السلام، وخاتم سليمان عليه السلام ..فيقول هذا: يا مؤمن ، ويقول هذا : يا كافر)). منكر. "الضعيفة" (1108) .
75- ((انطلق النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار، فدخلا فيه فجاءت العنكبوت فنسجت على باب الغار…الخ)) . ضعيف . "الضعيفة" (1129) . "التحديث بما قيل لا يصح فيه حديث" لبكر أبي زيد (214) .
76- ((وجد النبي صلى الله عليه وسلم ريحاً فقال: ليقم صاحب هذا الريح فليتوضأ. فاستحيا الرجل أن يقوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليقم صاحب هذا الريح فليتوضأ فإن الله لا يستحي من الحق، فقال العباس: يا رسول الله أفلا نقوم كلنا نتوضأ؟ فقال: قوموا كلكم فتوضؤوا)) . باطل . "الضعيفة" (1132) .
77- ((إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء: إذا كان المغنم دولاً والأمانة مغنماً والزكاة مغرماً ……..الخ)) . ضعيف . "سنن الترمذي" (2/33) . "العلل المتناهية" (2/1421) . "الكشف الإلهي" (1/33) .
78- ((حب الدنيا رأس كل خطيئة)) . موضوع ."أحاديث القصاص" لابن تيمية (7) . "الأسرار المرفوعة" (1/163) . "تذكرة الموضوعات" (173) .
79- ((طلب الحلال جهاد، وإن الله يحب المؤمن المحترف)) . ضعيف ."النخبة البهية" للسنباوي (57) . "الكشف الإلهي" (1/518) . "الضعيفة" (1301) .
80- ((لكل شيء عروس وعروس القرآن الرحمن)) . منكر. "الضعيفة" (1350) .
******************************
81- ((سيد القوم خادمهم)) . ضعيف. "المقاصد الحسنة" للسخاوي (579) . "الضعيفة" (1502) .
82- ((عليكم بالشفائين: العسل والقرآن)) . ضعيف. "أحاديث معلَّة ظاهرها الصحة" للوادعي (247) . "الضعيفة" (1514) .(1/240)
83- ((آمن شعر أمية بن أبي الصلت وكفر قلبه)) . ضعيف. "كشف الخفاء" (1/19) . "الضعيفة" (1546) .
84- ((البر لا يبلى والإثم لا ينسى والديان لا ينام فكن كما شئت كما تدين تدان)). ضعيف. "الكشف الإلهي" للطرابلسي (681) . "اللؤلؤ المرصوع" للمشيشي (414) .
85- ((لمعالجة ملك الموت أشد من ألف ضربة بالسيف)) . ضعيف جداً. "ترتيب الموضوعات" للذهبي (1071) . "الموضوعات" لابن الجوزي (3/220) .
86- ((بادروا بالأعمال سبعاً، هل تنتظرون إلا مرضاً مفسداً وهرماً مفنداً أو غنى مطغياً أو فقراً منسياً أو موتاً مجهزاً أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة والساعة أدهى وأمر)). ضعيف. "ذخيرة الحفاظ" لابن طاهر (2/2313) . "الضعيفة" (1666) .
87 - ((أجرؤكم عل الفتيا أجرئكم على النار)). ضعيف. "الضعيفة" (1814) .
88- ((اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله)) . ضعيف. "تنزيه الشريعة" للكناني (2/305) . "الموضوعات" للصغاني (74) .
89- ((الدنيا دار من لا دار له ومال من لا مال له ولها يجمع من لا عقل له)). ضعيف جدّاً. "الأحاديث التي لا أصل لها في الإحياء" للسبكي (344) . "تذكرة الموضوعات" للفتني (174) .
******************************
90- ((لا تجعلوا آخر طعامكم ماءً)) . لا أصل له . "الضعيفة" (2096) .
91- ((إن للقلوب صدأ كصدأ الحديد وجلاؤها الاستغفار)). موضوع."ذخيرة الحفاظ" (2/1978) . "الضعيفة" (2242) .
92- ((رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الأكبر)). لا أصل له. "الأسرار المرفوعة" (211) . "تذكرة الموضوعات" للفتني (191) .
93- ((من أفطر يوماً من رمضان في غير رخصة رخصها الله له، لم يقض عنه صيام الدهر كله، وإن صامه)). ضعيف. "تنزيه الشريعة" (2/148) . "الترغيب والترهيب" (2/74).
94- ((إن عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبواً)) . موضوع. "المنار المنيف" لابن القيم (306) . "الفوائد المجموعة" للشوكاني (1184).(1/241)
95- ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق)). ضعيف. "العلل المتناهية" لابن الجوزي (2/1056) . "الذخيرة" (1/23) .
96- ((لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة جعل النساء والصبيان والولائد يقولون :
طلع البدر علينا وجب الشكر علينا
أيها المبعوث فينا من ثنيات الوداع
ما دعا لله داع جئت بالأمر المطاع
ضعيف. "أحاديث القصاص" لابن تيمية (17) . "تذكرة الموضوعات" (196).
97- ((إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب)). ضعيف. "التاريخ الكبير" (1/272) . "مختصر سنن أبي داود" للمنذري(7/226).
98- ((إن الله عز وجل يقول: أنا الله لا إله إلا أنا مالك الملوك وملك الملوك قلوب الملوك في يدي وإن العباد إذا أطاعوني حولت قلوبهم عليهم بالسخط والنقمة فساموهم سوء العذاب، فلا تشغلوا أنفسكم بالدعاء على الملوك…..الخ)). ضعيف جداً. "الأحاديث القدسية" للعيسوي (43) . "الضعيفة" (602).
99- الأذان والإقامة في أذن المولود. ضعيف جداً. "بيان الوهم" لابن القطان (4/594) . "المجروحين" لابن حبان (2/ 128) ."الضعيفة" (1/494).
100- ((الحكمة ضالة كل حكيم ، فإذا وجدها فهو أحق بها)). ضعيف. "المتناهية" لابن الجوزي (1/96) . "سنن الترمذي" (5/51).
******************************(1/242)
101 - ( الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضى رسولَ الله ) منكر ( 881 ) .
102 - ( مصر كنانة الله في أرضه ، ما طلبها عدو إلا أهلكه الله ) ! لا أصل له (888) .
103 - ( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله والصلاة علىّ فهو أقطع أبتر ، مسحوق من كل بركة) موضوع ( 902 ) .
104 - ( ياعم ! والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري ، على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته ) ضعيف ( 909 ) . أما ما ورد بسند حسن فهو بلفظ : " ما أنا بأقدر على أن أدع لكم ذلك ، على أن تستشعلوا لي منها شعلة ، يعنى الشمس " راجع ( الصحيحة ) ( 92 ) .
105 - ( اللهم اجعلني صبوراً ، اللهم اجعلني شكوراً ، اللهم اجعلني في عيني صغيراً ، وفي أعين الناس كبيراً ) منكر ( 911 ) .
106 - ( أخروهن من حيث أخرهن الله . يعنى النساء ) لا أصل له مرفوعا ( 918 ) .
107 - ( إن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها الصلاة ولا الصيام ولا الحج ولا العمرة قال : فما يكفرها يا رسول الله ؟ قال الهموم في طلب المعيشة ) موضوع ( 924 ) .
108 - ( كان يصلى بعد العصر ، وينهى عنها ويواصل وينهى عن الوصال ) منكر ( 945 ) .
109 - ( ما فضلكم أبو بكر بكثرة صيام ولا صلاة ، ولكن بشيء وقر في صدره ) لا أصل له مرفوعاً ( 962 ) بل رواة الترمذي الحكيم في ( النوادر ) من قول بكر بن عبد الله المزني
110 - ( إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح . قالوا : فهل لذلك إمارة يعرف بها ؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود ، والتنحي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل الموت ) ضعيف ( 965 ) .
******************************(1/243)
111 - ( يوم من إمام عادل أفضل من عبادة ستبن سنة ، وحد يقام في الأرض أزكى فيها من مطر أربعين يوما ) ضعيف ( 989 ) .
112 - ( إذا دخلت على مريض فمره أن يدعو لك ، فإن دعاءه كدعاء الملائكة ) ضعيف جداً ( 1004 ) .
113 - ( تحية البيت الطواف ) لا أعلم له أصلا ( 1012 ) .
114 - ( تفرغوا من هموم الدنيا ما استطعتم ، فإنه من كانت الدنيا أكبر همه ، أفشى الله عليه ضيعته ، وجعل فقره بين عينيه ، ومن كانت الآخرة أكبر همه جمع الله له أموره، وجعل غناه في قلبه ، وما أقبل عبد بقلبه إلى الله تعالى إلا جعل الله عز وجل قلوب المؤمنين تفد عليه بالود والرحمة ، وكان الله إليه بكل خير أسرع ) موضوع ( 1018 ) .
115 - ( أيما امرأة خرجت من غير أمر زوجها كانت في سخط الله حتى ترجع إلى بيتها أو يرضى عنها ) موضوع ( 1020 ) .
116 - ( إن العبد إذا قام في الصلاة فإنه بين عيني الرحمن ، فإذا التفت قال له الرب : يا ابن آدم إلى من تلتفت ؟ ! إلى من [ هو ] خير لك منى ؟ ! ابن آدم أقبل على صلاتك فأنا خير لك ممن تلتفت إليه ) ضعيف جداً ( 1024 ) .
117 - ( بل أئتمروا بالمعروف ، وتناهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيت شُحا مطاعاً ، وهوى متبعاً ، ودنيا مؤثرة ، وإعجابَ كلّ ذي رأي برأيه ، فعليك بنفسك ودع عنك العوام ، فإن من ورائكم أيام الصبر ، الصبر فيهن مثل قبض على الجمر ، للعامل فيهن مثل أجرِ خمسين رجلاً يعملون مثل عمله ) ضعيف ( 1025 ) .
118 - ( أما إنها لا تزيدك – آي الحلقة آلتي من صُفر – إلا وهنا ، انبذها عنك ، فإنك لو مِت وهى عليك ما أفلحت أبداً ) ضعيف ( 1029 ) .
119 - ( التوبة تجبُّ ما قبلها ) لا أصل له ( 1039 ) .
120 - ( من قال حين يصبح أو يمسي : اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك ، وجميع خلقك أنك أنت الله لا إله إلا أنت ، وأن محمداً عبدك ورسولك أعتق الله ربعه من النار ، فمن قالها مرتين اعتق الله نصفه ،(1/244)
ومن قالها ثلاثا اعتق الله ثلاثة أرباعه ، فإن قالها أربعاً أعتقه الله من النار ) ضعيف ( 1041 )
******************************
121 - ( الأضحية لصاحبها بكل شعرة حسنة ) موضوع ( 1050 ) .
122 - ( من تزوج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذُلا ، ومن تزوجها لمالها لم يزده الله إلا فقراً ، ومن تزوجها لحسنها لم يزده الله إلا دناءة ، ومن تزوج امرأة لم يتزوجها إلا ليغض بصره أو ليحصن فرجه أو يصل رحمه بارك الله له فيها ، وبارك لها فيه ) ضعيف جداً ( 1055 ) .
123 - ( لا تزوجوا النساء لحسنهن ، فعسى حسنهن أن يرديهن ، ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ، ولكن تزوجوهن على الدين ، ولأمة خرماء سوداء ذات دين أفضل ) ضعيف ( 1060 ) .
124 - ( النظرة سهم من سهام إبليس من تركها خوفاً من الله آتاه الله إيمانا يجد حلاوته في قلبه ) ضعيف جداً ( 1065 ) .
125 - ( إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب ) ضعيف ( 1094 ) .
126 - ( آني لأجد نفسَ الرحمن من قِبل اليمن ) ضعيف ( 1097 ) . والنفس بمعنى التنفيس
127 - ( أعظم النساء بركةً أيسرهن مؤنة ) ضعيف ( 1117 ) .
128 - ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ) ضعيف ( 1163 ) .
129 - ( أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك ) موضوع ( 1164 ) .
130 - ( من مات فقد قامت قيامته ) ضعيف ( 1166 ) .
******************************(1/245)
131 - ( حببوا الله إلى الناس يحببكم الله ) ضعيف ( 1218 ) .
132 - ( عند كل ختمة للقرآن دعوةُ مستجابة ) موضوع ( 1224 ) .
133 - ( حب الدنيا رأس كل خطيئة ) موضوع ( 1226 ) .
134 - ( من دخل المقابر فقرأ سورة ( يّس ) خفف عنهم يومئذ ، وكان له بعدد من فيها حسنات ) موضوع ( 1246 ) .
135 - ( أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت ، فهي سوداء مظلمة ) ضعيف ( 1305 ) .
136 - ( قل : اللهم غارت النجوم ، وهدأت العيون ، وأنت حي قيوم ، يا حي يا قيوم أنم عيني ، وأهدئ ليلي ) ضعيف جداً ( 1328 )
137 - ( لكل شئ عروس ، وعروس القرآن [ الرحمن ] ) منكر ( 1350 ) .
138 - ( كل كلام ابن آدم عليه لا له ، إلا أمر بمعروف ، أو نهى عن منكر ، أو ذكر الله ) ضعيف ( 1366 ) .
139 - ( للسائل حق ، وإن جاء على فرس ) ضعيف ( 1378 ) .
140 - ( اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس ، فإن الأمور تجرى بالمقادير ) ضعيف ( 1390 ) .
******************************(1/246)
141 - ( للمرأة ستران : القبر والزوج . قيل : وأيهما أفضل ؟ قال القبر ) موضوع
( 1396 ) .
142 - ( من أخذ على القرآن أجرا ، فذاك حظه من القرآن ) موضوع ( 1421 ) .
143 - ( من سأل في المسجد فاحرموه ) لا أصل له ( 1457 ) .
144 - ( أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته ) منكر ( 1492 ) .
145 - ( لا يقبل الله لصاحب بدعة صوما ولا صلاة ، ولا صدقة ، ولا حجا ولا عمرة ، ولا جهاداً ، ولا صرفا ولا عدلاً ، يخرج من الإسلام كما تخرج الشعيرة من العجين ) موضوع ( 1493 ) .
146 - ( سيد القوم خادمهم ) ضعيف ( 1502 ) .
147 - ( عليكم بالشفاءين : العسل ، والقرآن ) ضعيف ( 1514 ) .
148 - ( إذا اغتاب أحدكم آخاه فليستغفر الله له ، فإن ذلك كفارة له ) موضوع ( 1518 ) .
149 - ( الخير كثير ، وقليل فاعله ) ضعيف ( 1536 ) .
150 - ( الرضاع يغير الطباع ) منكر جداً ( 1561 ) .
******************************(1/247)
151 - ( من أدى زكاة ماله ، فقد أدى الحق الذي عليه ، ومن زاد فهو أفضل ) ضعيف جداً ( 1568 ) .
152 - ( أول شهر رمضان رحمة ، وأوسطه مغفرة ، وأخره عتق من النار ) منكر ( 1569 ) .
153 - ( انتظار الفرج بالصبر عبادة ) موضوع ( 1572 ) .
154 - ( البر لا يبلى ، والإثم لا يُنسى ، والديان لا ينام ، فكن كما شئت ، كما تدين تدان ) ضعيف ( 1576 ) .
155 - ( ما من ذنبٍ بعد الشرك ، أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحمٍ لا يحل له ) ضعيف ( 1580 ) .
156 - ( فضل العالم على غيره ، كفضل النبي على أمته ) موضوع ( 1596 ) .
157 - ( لمعالجة ملك الموت أشدُ من ألف ضربة بالسيف ) ضعيف جداً ( 1604 ) .
158 - ( ويحك يا ثعلبة ! قليل تؤدى شكره ، خير من كثير لا تطيقه ، أما ترضى أن تكون مثل نبي الله ، فوالذي نفس بيده لو شئت أن تسيل معي الجبالُ فضةً وذهباً لسالت ) ضعيف جداً ( 1607 ) .
159 - ( إذا خطب أحدكم المرأة ، فليسأل عن شعرها ، كما يسأل عن جمالها ، فإن الشعر أحد الجمالين ) موضوع ( 1611 ) . قلت: وهذا نفس المعنى الذي نتداوله في بلادنا : الشعر نصف الجمال .
160 - ( إذا خفيت الخطيئة لم يُضر إلا صاحبها ، فإذا ظهرت فلم تغير ضرت العامة ) موضوع ( 1612 ) .
******************************(1/248)
161 - ( إذا صليت الصبح ، فقل قبل أن تكلم أحداً : اللهم أجرني من النار سبع مرات ، فإنك إن مت من يومك ، كتب الله لك جواراً من النار ، وإذا صليت المغرب فقل مثل ذلك ، فإنك إن مت من ليلتك ، كتب الله لك جواراً من النار ) ضعيف ( 1624 ) .
162 - ( أحب البيوت إلى الله ، بيتُ فيه يتيم مكرَّم ) ضعيف جداً ( 1636 ) .
163 - ( الصلاة نور المؤمن ) ضعيف ( 1660 ) .
164 - ( بادروا بالأعمال سبعا ، هل تنتظرون إلا مرضا مفسدا ، وهرما مفنَّدا ، أو غنى مطغيا ، أو فقراً منسيا ، أو موتا مجهزاً ، أو الدجال ، فشر منتظر ، أو الساعة ، والساعة أدهى وأمر ) ضعيف ( 1666 ) .
165 - ( لا قطع في زمن مجاعة ) ضعيف ( 1673 ) .
166 - ( إن عُمَّار بيوتِ الله هم أهلُ الله عز وجل ) ضعيف . ( 1682 ) .
167 - ( إذا كان أحدكم على وضوء فأكل طعاماً فلا يتوضأ ، إلا أن يكون لبن الإبل ، إذا شربتموه فتمضمضوا بالماء ) ضعيف ( 1703 ) .
168 - ( خمس تفطر الصائم وتنقض الوضوء : الكذب ، والغيبة ، والنميمة ، والنظر بالشهوة ، واليمين الفاجرة ) موضوع ( 1708 ) .
169 - ( السلام قبل الكلام ، ولا تدعوا أحداً إلى الطعام حتى يسلم ) موضوع ( 1736 ) .
170 - ( تُضاعف الحسنات يوم الجمعة ) موضوع ( 1765 ) .
******************************(1/249)
171 - ( رحم الله من حفظ لسانه ، وعرف زمانه ، واستقامت طريقته ) موضوع ( 1771 )
172 - ( اتقوا البول ، فإنه أول ما يُحاسب به العبد في القبر ) موضوع ( 1782 ) .
173 - ( لن تقوم الساعة حتى يسودَ كلَ قبيلةٍ منا فقوها ) ضعيف جداً ( 1791 ) .
174 - ( ما أكل العبد طعاماً أحبَّ إلى الله من كدَّ يده ، ومن بات كالاً من عمله بات مغفوراً له ) منكر ( 1794 ) .
175 - ( لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة ، لخرج عمله للناس كائناً ما كان ) ضعيف ( 1807 ) .
176 - ( يا سعد أطب مطعمك ، تكن مستجاب الدعوة ، والذي نفس محمد بيده ، إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يُتقبل منه عمل أربعين يوما ) ضعيف جداً ( 1812 ) .
177 - ( أجرؤكم على الفُتيا أجرؤكم على النار ) ضعيف ( 1814 ) .
178 - ( اتقوا فراسة المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله ) ضعيف ( 1821 ) .
179 - ( إذا كذب العبد ، تباعد عنه الملك ميلا من نتن ما جاء به ) منكر ( 1828 ) .
180 - ( أحب العباد إلى الله تعالى الأتقياء الأخفياء ، الذين إذا غابوا لم يفتقدوا ، وإن شهدوا لم يُعرفوا ، أولئك هم أئمة الهدى ، ومصابيح العلم ) ضعيف ( 1850 ) .
******************************(1/250)
181 - ( حبك الشيء يُعمى ويصمُّ ) ضعيف ( 1868 ) .
182 - ( من رابط فُواق ناقه حرمه الله على النار ) ضعيف جداً ( 1890 ) .
183 - ( أنزلوا الناس منازلهم ) ضعيف ( 1894 ) .
184 - ( الخلق كلهم عيال الله ، فأحب خلقه إليه ، أنفعهم لعياله ) ضعيف ( 1900 ) .
185 - ( كادت النميمة أن تكون سحراً ، وكاد ا لفقر أن يكون كفرا ) موضوع ( 1905 ) .
186 - ( الدنيا دار من لا دار له ، [ ومال من لا مال له ] ولها يجمع من لا عقل له ) ضعيف ( 1933 ) .
187 - ( الختان سنة للرجال ، مكرمة للنساء ) ضعيف ( 1935 ) .
188 - ( من أعان ظالما سلطه الله عليه ) موضوع ( 1937 ) .
189 - ( ما أنعم الله تعالى على عبد من نعمة ، فقال : الحمد لله ؟ إلا وقد أدى شكرها ، فإن قالها الثانية ؟ جدد الله له ثوابها ، فإن قالها الثالثة ، غفر الله له ذنوبه ) موضوع
( 2010 ) .
190 - ( من قلم أظافره يوم الجمعة قبل الصلاة ، أخرج الله منه كل داء ، وأدخل مكانه الشفاء والرحمة ) ضعيف جداً ( 2021 ) .
191 - ( من خرج في طلب العلم ، فهو في سبيل الله حتى يرجع ) ضعيف ( 2037 ) .
192 - ( بروا آباءكم تبركم أبناؤكم ، وعفوا ، تعف نساؤكم ، ومن انتُصل إليه فلم يقبل ، لم يرد على الحوض يوم القيامة ) ضعيف ( 2039 ) .
193 - ( من دخل في هذا الدين ، فهو عربي ) ضعيف جداً ( 2052 ) .
194 - ( كل مؤدب يحب أن تؤتى مأدبته ، ومأدبة الله القرآن ، فلا تهجروه ) موضوع
( 2058 ) .
195 - ( من زوج كريمته من فاسق ، فقد قطع رحمها ) موضوع ( 2062 ) .
196 - ( من مات ولم يعرف إمام زمانه ، مات ميتة جاهلية ) لا أصل له بهذا اللفظ ( 269 ) إلا أن له أصلاً بلفظ : " من مات وليس في عنقه بيعة ، مات ميتة جاهلية ) رواه مسلم وغيره . وهو مخرج في " الصحيحة " ( 984 ) .
197 - ( لا تجعلوا آخر طعامكم ماءً ) لا أصل له ( 2096 ) .
198 - ( اجتنبوا(1/251)
الكبر ، فإن العبد لا يزال يتكبر حتى يقول الله : اكتبوا عبدي هذا من الجبارين ) ضعيف جداً ( 2101 ) .
199 - ( من اعتز بالعبيد أذله الله ) ضعيف ( 2120 ) .
200 - ( ما من عبد يخطب خطبة إلا الله عز وجل سائله عنها : ما أراد بها ) ضعيف
( 2122 )
وجاء أيضا بالموقع الرئيسي للمجلة:
http://www.elsonna.com/
ما يلي:
حديث "أبغض الحلال إلى الله الطلاق"
س: يعتمد الكتاب الإسلاميون المعاصرون في حديثهم عن الطلاق، وموقف الإسلام منه، على الحديث المشهور (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) ولكني قرأت لبعض العلماء المشتغلين بعلم الحديث، ما يفيد تضعيف الحديث المذكور. فهل لديكم أسانيد أخرى لتنفير الإسلام من الطلاق، وخصوصا أنكم استندتم في بعض كتبكم إلى هذا الحديث أيضا؟(1/252)
ج: عما أثاره الأخ السائل يتضمن عدة نقاط:
1. تصحيح الحديث المذكور ثبوتا ودلالة.
2. بيان ما يعضده من أدلة أخرى من الكتاب والسنة تنفر من الطلاق.
3. بيان ما يؤيده من قواعد الشرع.
أولا: حديث (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)
رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم من حديث محارب بن دثار عن ابن عمر مرفوعا.
ورواه أبو داود والبيهقي مرسلا -ليس فيه ابن عمر- ورجح أبو حاتم والدارقطني في العلل والبيهقي المرسل.
وأورده ابن الجوزي في "العلل المتناهية" بإسناد ابن ماجه، وضعفه بعبيد الله بن الوليد الوصافي وهو ضعيف.
قال الحافظ ابن حجر في التلخيص: ولكنه لم ينفرد به، فقد تابعه معروف بن واصل، إلا أن المنفرد عنه بوصله محمد بن خالد الوهبي.أهـ
أقول: ومحمد بن خالد: قال الآجري عن أبي داود لا بأس به، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الدارقطني: ثقة. كذا في تهذيب التهذيب جـ9، ص143.
وأخرجه الحاكم من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة موصولا بلفظ: (ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطلاق) ثم قال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وزاد بأنه على شرط مسلم (المستدرك وتلخيصه جـ2، ص196).
قال ابن التركماني: فهذا يقتضي ترجيح الوصل، لأنه زيادة، وقد جاء من وجوه (ولهذا رمز السيوطي في الجامع الصغير إلى الحديث بالصحة، واعترضه المناوي في "الفيض" بما ذكره ابن حجر) (الجوهر النقي مع السنن الكبرى جـ7، ص222، 223).
ولكن إن نزل الحديث عن درجة الصحة، فلن ينزل عن درجة الحسن.
ومن الناس من ضعف هذا الحديث من جهة معناه، فقد قال: كيف يكون حلالا ومبغوضا عند الله؟ فهذا تناقض يدل على ضعف الحديث.
وأجاب بعضهم: بأن الحديث يدل على أن الحلال ينقسم إلى ما هو محبوب ومبغوض بحسب ما يعرض له، فليس كل حلال محبوبا.
وقال الخطابي في معالم السنن: معنى الكراهية فيه ينصرف إلى السبب الجالب للطلاق، وهو سوء العشرة، وقلة الموافقة الداعية إلى الطلاق، لا إلى نفس الطلاق.
وقد يقال:(1/253)
الطلاق حلال لذاته، والأبغضية لما يترتب عليه من انجرار إلى المعصية.
ثانيا: إن القرآن الكريم رغب في إمساك الزوجة المكروهة من زوجها، والصبر عليها، إبقاء على الأسرة، وحرصا على استمرارها. قال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف، فإن كرهتموهن، فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا).النساء:19
فأما الزوجة المطيعة الموافقة، فلا وجه لإيذائها بالفرقة، وإيحاشها بالطلاق، مع عدم الحاجة إليه، إلا أن يكون ضربا من البغي عليها، ولا سيما إذا كانت ذات أولاد منه. وقد قال تعالى في شأن الناشزات من الزوجات: (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا)النساء:34.
فإذا كان البغي منهيا عنه، ولو على المرأة الناشز مادامت قد عادت إلى حظيرة الطاعة والموافقة، فكيف بالنساء الصالحات القانتات الحافظات للغيب بما حفظ الله؟!
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
إن الأصل في الطلاق الحظر، وإنما أبيح منه قدر الحاجة كما ثبت في الصحيح عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم : (إن إبليس ينصب عرشه على البحر، ويبعث سراياه، فأقربهم إليه منزلة أعظمهم فتنة، فيأتيه الشيطان فيقول: مازلت به حتى فرقت بينه وبين امرأته، فيدنيه منه، ويقول: أنت أنت! ويلتزمه!).
وقد قال تعالى في ذم السحر: (فيتعلمون منها ما يفرقون به بين المرء وزوجه)البقرة:102.
وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المختلعات هن المنافقات).
وفي السنن أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة).
ولهذا لم يبح إلا ثلاث مرات، وحرمت عليه المرأة بعد الثالثة، حتى تنكح زوجا غيره.
"إذا كان إنما أبيح للحاجة، فالحاجة تندفع بواحدة، فما زاد فهو باق على الحظر"(مجموع فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج33 ص81).
ثالثا: ومن ناحية الأصول والقواعد الشرعية:
1. نجد أن الطلاق، كما قال صاحب "الهداية" من الحنفية: قاطع للنكاح(1/254)
الذي تعلقت به المصالح الدينية والدنيوية(أنظر: رد المختار ج2 ص572 ط.استانبول.).
2. وأنه -كما نقل صاحب "المغنى" من الحنابلة- ضرر بالزوج وبالزوجة، وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما، من غير حاجة إليه، فكان حراما كإتلاف المال، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا ضرر ولا ضرار)(المغني لابن قدامة ج7 ص77 والحديث رواه ابن ماجة والدارقطني، وهو صحيح بمجموع طرقه.).
3. إنه كما ذكر ابن عابدين من متأخري الحنفية -إذا كان بلا سبب أصلا، لم يكن فيه حاجة إلى الخلاص، بل يكون حمقا وسفاهة رأي، ومجرد كفران بالنعمة، وإخلاص الإيذاء بها (بالمرأة) وبأهلها وأولادها… فحيث تجرد عن الحاجة المبيحة له شرعا، يبقى على أصله من الحظر. ولهذا قال تعالى: (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا) أي لا تطلبوا الفراق(رد المختار السابق).
وبهذا يتضح لنا: أن الحديث صالح للاستدلال به، تعضده الأدلة من القرآن والسنة، كما تؤيده أصول الشرع وقواعده. والله أعلم
وجاء فيه أيضا:
أثر الأحاديث الضعيفة والموضوعة
---
**********************************************************************
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وبعد:
فالمقصود بالعقيدة هنا أصول الدين، ومسائل الاعتقاد وقضايا التوحيد.
1 ـ العقيدة أساس الدين:(1/255)
ومعلوم أن العقيدة بالنسبة إلى مجمل الدين، كالأساس والدعامات بالنسبة للبناء، فمن أرسى بناءه على أساس راسخ، ودعام ثابت استقام بناؤه وقام، ومن ألقى بناءه على غير أساس، أو على أساس باطل مغشوش انهار البناء، كما قال الله سبحانه وتعالى في أعمال الكفار "وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا" أي عمل ظنوه صالحا من صدقة وعتاقة، وبر، وصلاة وصيام وحج ولكن لما كانوا مشركين بالله، ظانين به ظن السوء، مكذبين ببعض رسله جاحدين لبعض صفاته، فإن الله أهدر عملهم ولم يلق له بالا كما جاء في حديث الصحيحين "من مات يشرك بالله شيئا دخل النار".
وما رواه مسلم في صحيحه عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالى "أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك معي غيري، تركته وشركه".
ومعلوم أن الله أبطل عمل النصارى لقولهم الذي قاتلوه لعيسى، وحكم تبارك وتعالى بكفرهم وضلالهم في ذلك قال تعالى "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة "، وكفر اليهود أيضا لمعتقدهم السيئ في ربهم كما قال تعالى"وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا "وقال أيضا "وقالت اليهود عزير بن الله وقالت النصارى المسيح بن الله " الآية، ورد الله عبادة مشركي العرب من صلاة وصيام وحج وعتاقة وتقديس للبيت لما كان اعتقادهم في الله سيئا حيث ظنوا أنه لا يستطيع إعادتهم بعد أن يكونوا رميما، وحيث أشركوا معه في العبادة الملائكة وبعض الصالحين وأوثانا وأصناما.(1/256)
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعة ؟ قال "لا ينفعه أنه لم يقل يوما: رب أغفر لي خطيئتي يوم الدين "فبين صلى الله علية وسلم أن إنكار عبد الله ابن جدعان للبعث أحبط عمله "الصالح" وكان رجلا جوادا كريما في الجاهلية يطعم الحجاج ويصل الرحم وينصر المظلوم، وأصرح من هذا ما رواه مسلم أيضا عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه قال: قلت يا رسول الله إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك فهل نفعه ذلك ؟قال " نعم وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح "، ومعلوم أن نصرة النبي والقيام معه من أجل الأعمال الصالحات ولكن لما كان ذلك مع البقاء على الشرك، ومعتقد الجاهلية كان هذا محبطا العمل العظيم.
والخلاصة أنه لا ينفع مع الشرك بالله، وفساد العقيدة عمل صالح مطلقا، وهذا يعني أنه يجب على كل عامل أن يصلح عقيدته أولا، وأن يحافظ أبدا على معتقد سليم حتى يلقى الله وهو على ذلك .
2- الضلال في العقيدة قريب وموجود في كل أمة ووقت(1/257)
والأمر الثاني الذي يجب التفطن إلية أن الضلال في العقيدة أمر قريب وواقع وموجود، فاليهود قد كانوا أمة عظيمة في زمن موسى وهارون أثنى الله عليها بقوله "يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين "ومع أنهم شاهدوا من آيات الله ما لم تشاهده أمة غيرهم، كعصا موسى ويده وانفلاق البحر، وغير ذلك من آيات عظيمة باهرة إلا أنهم اشتاقوا لعبادة الأصنام وظنوها شيئا نافعا بمجرد خروجهم من البحر ونجاتهم من عدوهم، قال تعالى "وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى أجعل لنا إلها كما لهم آله " بل إنهم عبدوا العجل فعلا، اعتقدوه ربهم لما تركهم رسولهم أربعين يوما فقط، علما أن نبيهم هارون كان في وسطهم، كما قال تعالى "واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسد له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا " ولاشك أن ضلالهم بعد موسى وهارون كان أعظم من هذا بكثير.
وهؤلاء النصارى ما كاد الله يرفع رسولهم عيسى إلى السماء حتى جعلوه الله أو ابنا لله أو تجسيدا لكلمة الله، وعقدوا المؤتمرات تلو المؤتمرات لكبار رجال دينهم والتي انتهت إلى جعل هذا الشرك دينا رسميا وعقيدة عامة.
وبالرغم من أن أصحاب محمد صلى الله علية وسلم أفضل أصحاب الأنبياء وأبعدهم عن الشرك وضلال العقيدة إلا أنه كان منهم من قال يا رسول الله أجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، "فقال رسول الله ردا على ذلك: الله أكبر أنها السنن، قلتم والذي محمد بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ".
وكذلك كان منهم من قال "ما شاء الله وشاء محمد " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قولوا ما شاء الله وحده. "(1/258)
ولا شك أن هذا شيء يسير جدا إذا قورن بما وقع في الأمتين السابقتين اليهود والنصارى ولكن ما كاد الجيل الأول من هذه الأمة يذهب جيل جديد حتى بدأ الفساد الحقيقي في العقيدة، وبدأ التحول، فمنكرو القدر ظهروا وكثير من الصحابة ما زال حيا بل جاء من قال لعلي بن أبي طالب: أنت الله !!! بل قال عبد الله بن سبأ لمن أ‘خبر بمقتل على بن أبي طالب رضي الله عنه "والله لو جئتم لنا برأسه ألف مرة ما صدقنا موته ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا. "
يقول الشهرستاني: السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ الذي قال لعلي أنت أنت يعني أنت الإله فنفاه إلى المدائن وزعموا أنه كان يهوديا فأسلم، وكان في اليهودية يقول يوشع بن نون فتى موسى مثل ما قال في على – عليه السلام- وهو أول من قال بالفرض بإمامة علي، ومنه انشعبت أصناف الغلاة، وزعموا أن عليا حي لم يقتل وفية جزء إلهي ولا يجوز أن يستولي عليه، وهو الذي يجيء في السحاب والرعد صوته، والبرق سوطه، وأنه سينزل بعد ذلك فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، وأظهر ابن سبأ هذا المقال بعد انتقال علي عليه السلام "الملل والنحل ج 2 ص 11 ".(1/259)
وكذلك ظهر مبكرا أيضا من الضلال في العقيدة تكفير المسلم بالمعصية، واستحلال دمه بغير الشرك والردة، وإنكار بعض سور القرآن من الخوارج والطعن في الصحابة ثم بدأت البدع العقائدية والانحراف عن أصول الدين السليمة يجر بعضه بعضا فظهر إنكار الصفات؛ صفات الله وتحريف آيات القرآن وأحاديث الرسول، ولم يكد ينتهي القرن الثالث الهجري حتى ظهر مالا يخطر على البال من عقائد الشرك والوثنية والزندقة وكل ذلك تحت مظلة الإسلام ومن يدعون أنهم من أهل الإله إلا الله، ونظرة في كتب الملل والنحل وكتب التواريخ تريك إلى أي حد ظهر الضلال العقائدي في هذه الأمة من القول بحلول الله في مخلوقاته وفنان المخلوق بالخالق ذاتا و صفاتا والقول بوحدة الوجود التي هي في حقيقتها إنكار للخالق المتفرد البائن من خلقه المستوي على العرش إلى إنكار لصفات الله، أو تشبيه له بخلقه، إلى الغلو في الرسول والصالحين وعبادتهم من دون الله إلى تكفير الصحابة والطعن في القرآن إلى طغيان الخرافة على الدين الصحيح، إلى أمور يطول شرحها وبيانها من ضلال في المعتقد وأصول الدين لم تبلغه أمه من الأمم.
وهذا يعود إلى أسباب كثيرة من أهمها أن هذه الأمة الإسلامية قد جمعت شعوبا شتى وأهل ملل مختلفة وجاهليات عديدة وقد حطم الإسلام دولا عظمى وداس مقدسات شعوب كانت تعتز بتراثها الجاهلي فحقد من حقد منهم، وأعملوا في الإسلام تشويها ونشرا للكفر تحت ستار الإسلام، وعلى كل حال كان هذا مصداقا لقول صلى الله عليه وسلم "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاثة وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ". السلسلة الضعيفة 3/1492(1/260)
ولعل الفارق الأساسي بين الأمة الإسلامية وبين الأمم السابقة أن هذه الأمة بقيت منها طائفة عظيمة وفرقة كبرى وسوادا أعظم على الدين الصحيح والعقيدة النقية بما حفظ الله القرآن وبيان الرسول صلى الله علية وسلم، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم "لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ".
وأن هذا العطب والفساد قد يبدأ قليلا بكلمة تافهة من شخص مغمور ولكنها إن لم تجد ردا فأنها سرعان ما تنتقل من شخص إلى شخص ومن جيل إلى جيل حتى تصبح عقيدة راسخة ودينا متبعا، وهنا نعلم لولا الحراسة الدائمة والقيام الدائب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لدس الحق واختفى النور وعمت الظلمات.
3-أسباب الضلال في العقيدة وطرائق المضلين:
ولا شك أن الظلال في العقيدة قد أتخذ طرائق شتى وأساليب كثيرة فهنالك الزنادقة والمنافقون الذين أرادوا أن يلبسوا على الناس دينهم فعمدوا إلى تأويل القرآن على غير وجهه، وإلباس عقائد الكفر والشرك لباس الإسلام فاستشهدوا بآيات القرآن وأحاديث سيد الأنام، على الشرك والكفر والباطل وألحدوا في أسماء الله وصفاته وتبعهم في ذلك عوام الناس و سقطهم وأهل الضلال منهم من لا يميز بين حق وباطل وشرك وتوحيد وصحة وفساد، وهناك أهل الهوى والعصبية ممن أعماهم هواهم وعصبيتهم فردوا بعض الحق انتصروا لبعض الباطل، وهنالك المتنطعون المتشددون الذين تطرفوا في أمر من أمور الدين فأعماهم عن مقابلة، كما تطرف من أرادوا تنزيه الله فوقعوا في نفي صفاته، وتطرف أهل الإثبات فشبهوا الله بخلقة، وتطرف من يثبت كرامة الله لبعض عباده فأعطوا صفات الله للمخلوق وتطرف أهل الغيرة على صفات الله وأسمائه فنفوا بعض إكرامه لبعض عباده، وهكذا يحول الشخص من ضد إلى ضد.
4-انتحال الحديث أعظم أبواب الضلال والشرك: -(1/261)
ولاشك أن من أكبر أساليب الكيد والمكر للإسلام وأهله، وأكبر أبواب الضلال والشر انتحل حديث النبي واختلاقه وخاصة إذا كان موضوع هذا الانتحال هو في مسائل العقيدة وأصول الدين، وذلك أن قول النبي تشريع وما يخبر به عقيدة يجب الإيمان بها، ولذا قال صلى الله عليه وسلم "إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" رواه مسلم عن المغيرة بن شعبة وهو حديث متواتر جاء عن أكثر من ستين صحابيا، فقول الرسول عقيدة وشريعة وتصديقه واجب والعمل به فرض لازم كما قال تعالى" وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" وقال تعالى" أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لمن وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما" والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا.
والمهم هنا هو التنبيه أن انتحال الأحاديث ونسبتها إلى الرسول يعني بالضرورة إدخال ما ليس من الدين في الدين وقد عمد كل خبيث إلى هذه الطريقة المدمرة للدين بعد أن يئس من إدخال شيء في القرآن الذي شاء الله سبحانه وتعالى أن يحفظه، ولا يخلط بكلمة غيره، فقد حفظه الصحابة وكتبه كتبة الوحي وسهر عليه الرسول حتى بلغه، ثم كتب في سفر واحد ونشر في الأمصار فكان إدخال ما ليس منه مستحيلا تماما كما قال تعالى "أنا نحن نزلنا الذكر وأنا له لحافظون " وأما السنة فقد تأخر جمعها وتدوينها في سفر واحد حتى ظهر الكذابون والوضاعون وهم أصحاب أهواء وغايات مختلفة، فنشروا أباطيلهم وأعملوا كيدهم واستفحل خطرهم وشرهم ومما يزيدك بيانا في هذا معرفة أسباب الوضع والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
5- أسباب الوضع والكذب على رسول الله:(1/262)
أ- فقد كان أول هؤلاء هم الزنادقة الملحدون الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر ووضعوا الأحاديث استخفافا بالدين وتلبيسا على المسلمين، قال حماد بن زيد بن درهم الأزدي: وضعت الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر ألف حديث، وقال ابن عدي: لما أخذ عبد الكريم بن أبي العوجاء وأتي به محمد بن سليمان بن علي فأمر بضرب عنقه قال: والله لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث.
وقد كان لهؤلاء الزنادقة أساليب خبيثة لدس أكاذيبهم، قال ابن الجوزي: وقد كان من هؤلاء من يتغفل الشيخ فيدس في كتابة ما ليس من حديثه فيرويه ذلك الشيخ ظنا منه أنه من حديثه.
ب- والصنف الثاني من هؤلاء أصحاب الأهواء والعصبيات المختلفة فمنهم أصحاب الفرق العقائدية، كالروافض والخوارج ومنكري الصفات وكل هؤلاء كان منهم من يستحل الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولنصرة مذهبه وترويج اعتقاده، بل ظهر هذا الكذب أيضا في طوائف من المقلدين والمتفقهة من أتباع المذاهب الفقهية المعروفة فوضعوا الأحاديث نصرة لمذهبهم وطعنا في أئمة غيرهم، وكذلك كان الوضع بين كل متعصب لبلد أو قوم أو شخص نصرة لعصبية .
ج- وصنف ثالث من أهل الزهد والتدين الجاهل وضعوا الأحاديث ترغيبا في فضائل الأعمال بزعمهم وترهيبا من النار وكلما استحسنوا قولا لقائل نسبوه إلى الرسول ظنا أن هذا يفيد الدين ويرغب الناس فيه ويزيدهم تمسكا به، ولاشك أن هذا كان أعظم الكذب و أخبثه لأن أمر هؤلاء كان أكثر خفاء، لأنه لا يظن بهم السوء، وقال ابن الصلاح: وأشد هذه ضررا أهل الزهد لأنهم للثقة بهم، وتوسم الخير فيهم يقبل.
موضوعاتهم كثير ممن هو على نمطهم في الجهل ورقة الدين، وقال الحافظ بن حجر: ويلحق بالزهاد في ذلك المتفقهة الذين استجازوا نسبة ما دل عليه القياس إلى النبي.(1/263)
د- وأما الصنف الرابع فهو قوم لم يتعمدوا الكذب وإنما وقع الموضوع في حديثهم غلطا كمن يضيف إلى النبي كلام بعض أصحابه، وكمن أبتلى بمن يدس في كتبه ما ليس منها، كما وقع لحماد بن سلمة وهو ثقة عابد مع ربيبة الكذاب عبد الكريم بن أبي العوجاء فقد دس في كتبة، وكما وقع لسفيان بن وكيع بن الجراح قال ابن حجر في التقريب: كان صدوقا إلا أنه ابتلى بوراقه فأدخل عليه ما ليس بحديثه أ. هـ. وكمن تدخل عليه آفة في حفظه أو بصره أو يختلط بآخر عمره. ولا شك أن هذا الصنف الرابع من أخفى الأصناف ومن أشدها ضررا.
قال ابن حجر: وهذا الصنف أخفى الأصناف لأنهم لم يتعمدوا الكذب مع وصفه بالصدق ومع ذلك فالضرر بهم شديد لدقة استخراج ذلك إلا من الأئمة النقاد، وأما باقي الأصناف فالأمر فيهم أسهل لأن كون تلك الأحاديث كذبا لا يخفى إلا على الأغبياء أ. هـ.(1/264)
ولما تعددت أصناف الوضاع والكذابين والمنتحلين والمخطئين على هذا النحو فإن البلوى بوضع الحديث عمت وطمت وانتشر الحديث الموضوع في كل ناحية وفن من فنون العلم: انتشر في الوعظ على ألسنة القصاص والوعاظ وعلى ألسنة العامة تبعا لذلك وانتشر في كتب الفقه والعقائد والتفسير والتاريخ والسير والمغازي والوعظ وقد كان كثير ممن ألف في ذلك ليس من أهل التمييز بين الروايات الصحيحة والضعيفة، بل إن بعض المحققين جاء في كتبهم ومؤلفاتهم شيء من هذا الحديث المكذوب تسهلا منهم وإن كانوا أحيانا وإن كانوا أحيانا يبينون كذبه، كما وقع لابن جرير في تفسيره، وابن كثير، فكيف بما يوجد في الخازن والكشاف وغير ذلك، بل دخل بعض الموضوع أيضا في كتب السنن والمسانيد وهي كتب وضعت لجمع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وبيان سننه وهكذا لم يسلم باب من أبواب العلم الشرعي إلا ودخل فيه شيء من الضعيف والموضوع ففي أسماء الله وصفاته وأفعاله وخلقه وتكوينه وفي الرسالات وفي الملائكة والجنة والنار والكتب وفي جميع أبواب الفقه من عبادات ومعاملات وأخلاق وحدود وهكذا لا يكاد يخلوا كتاب واحد من كتب التراث إلا ودخل فيه شيء من الضعيف والواهي من الأحاديث بل من المكذوب والموضوع والمختلق اللهم إلا كتبا يسيرة محصت تمحيصا دقيقا وأجمعت الأمة على أن ما فيها صحيح سليم ثابت كصحيح البخاري ومسلم.
6- حفظ الله لحديث رسوله:
وبالرغم من أن البلوى كانت على هذا النحو عظيمة فإن الله الرحمن الرحيم بهذه الأمة المحمدية كما حفظ عليها قرآنها كذلك حفظ عليها سنة نبيها وذلك أن السنة مبينة القرآن وشارحته "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم"، ولذلك لما قيل للإمام عبد الله بن المبارك" هذه الأحاديث المصنوعة" قال: يعيش لها جهابذة " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".(1/265)
وقال الإمام ابن الجوزي: لما لم يمكن أحد أن يدخل في القرآن ما ليس منه أخذ أقوام يزيدون في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويضعون عليه ما لم يقل فأنشأ الله علماء يذبون عن النقل، ويوضحون الصحيح ويفضحون القبيح وما أخلى الله منهم عصرا من الأعصار غير أن هذا الضرب قد قل في هذا الزمان فصار أعز من عنقاء مغرب، وبالفعل فقد كان حملة الحديث هم حماة الدين حقا وجهابذة الأمة صدقا، قال سفيان الثوري: الملائكة حراس السماء وأصحاب الحديث حراس الأرض، وذكر الحافظ الذهبي في طبقات الحفاظ أن هارون الرشيد أخذ زنديقا ليقتله فقال الزنديق: أين أنت من ألف حديث وضعتها، فقال الرشيد: أين أنت يا عدو الله من أبى إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك ينخلانها فيخرجانها حرفا حرفا، نعم لقد نشأ في الأمة الإسلامية علماء الحديث الذين كانوا جبالا في الحفظ وأوعية عظيمة للعلم لم تعرف أمة قط مثلهم حفظا وتدقيقا ونقدا وتمييزا للأخبار وتفتيشا وراء كل كلمة حتى يعرف مخرجها والناطق بها، وهذا من خصوصيات هذه الأمة المرحومة.
ومن أجل ذلك عمد المحققون من المحدثين في كل عصر إلى تخليص حديث النبي مما انتحله الوضاعون وافتراه الكذابون أو أخطأ فيه المغفلون الجاهلون وقد كان عملهم في هذا الصدد موجها في السبل الآتية:
7- الخطوات التي اتبعها علماء الحديث من أجل حفظ السنة:
أ- وضع القواعد وتنظيم أعظم علم عرفته البشرية في نقد الأخبار وتمحيصها وتحقيقها وهو ما يعرف بعلم مصطلح الحديث.
ب- جمع ما صح من أحاديث النبي صلى الله علبه وسلم في كتب مستقلة كما فعل مالك بن أنس في الموطأ والبخاري ومسلم في صحيحيهما.(1/266)
ج- تعقب المؤلفين المشهورين الذين تساهلوا في النقل الأحاديث وأوردوها في مؤلفاتهم سواء كانت مؤلفاتهم في التفسير أو الفقه أو المواعظ والحكم أو الحديث كما فعل ابن حجر في كتاب الكشاف للزمخشري وهو تفسير مشهور فجاء ابن حجر فخرج أحاديثه، وكما فعل الحافظ العراقي في إحياء علوم الدين حيث خرج الأحاديث الواردة فيه وبين درجة كل حديث في كتابه المسمى "المغني عن حمل الأسفار في الأسفار"، وكما فعل ابن حجر العسقلاني في كتابه" تلخيص الحبير بتخريج أحاديث الرافعي الكبير " وكما فعل الحافظ الزيلعي في كتابه "نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية ". والهداية كتاب في الفقه الحنفي، وكما فعل شيخنا ناصر الدين في كتاب تخريج فقه السنة لسيد سابق، وفقه السيرة لمحمد الغزالي وغير ذلك من الكتب المشهورة.
د- تصنيف معاجم مستقلة للضعفاء والمتروكين والكذابين للتحذير منهم وبيان مرتباتهم وما أخطئوا فيه، ومن أشهر ما ألف في ذلك كتاب "الضعفاء" للبخاري، و"الضعفاء والمتروكون " للنسائي، و"الضعفاء والمتروكون " لابن السكن، وكذلك للحافظ البرقي ولأبي حاتم البستي والعقيلي، وكتاب الكامل لابن عدي و"الضعفاء والمتروكون " لابن الجوزي، و"ميزان الاعتدال في نقد الرجال "للذهبي، وكذلك كتب العلل التي تتبعت الأحاديث التي ظاهرها الصحة وباطنها المرض والضعف وقد ألف في ذلك البخاري ومسلم والترمذي وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني وأبو بكر بن الأثرم، والدارقطني وكثيرون آخرون.
هـ كتب ومصنفات أفردت الأحاديث الموضوعة بالتأليف:(1/267)
وهذه كثيرة جدا ومن أشهرها: الأباطيل لأبي عبد الله الحسين بن إبراهيم الهمداني الجوزي المتوفى سنة 543 هجرية، والموضوعات الكبرى لابن الجوزي المتوفى سنة 597 هجرية، واللالي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي، والفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة لمحمد بن يوسف الدمشقي المتوفى سنة 942 هجرية، وهذا العنوان نفسه للشوكاني المتوفى سنة 1250 هـ، والأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة لابن عراق المتوفى سنة 963 هـ، والأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة لشيخنا وأستاذنا محمد ناصر الدين الألباني أمد الله في عمره .
8- الوضاعون والكذابون يجتمعون على هدف واحد:
ذكرنا آنفا أن الوضاعون والكذابين كانوا فرقا شتى متباينة وكانت لهم أهداف مختلفة ولذلك شملت الأحاديث الواهية كل نواحي العقيدة والتشريع تقريبا، فوضع الشيء ونقيضه ومدح الشيء وضده.
وبالرغم من كل ذلك فإن هذا كله قد أفضى في النهاية إلى هدف واحد وغاية واحدة وهو تشويه الدين وتخريب العقائد، وجعل البدعة سنة، وجعل السنة بدعة، والإساءة إلى رسول رب العالمين بنسبة التناقض والركاكة إليه، وتعليق الأقوال الساقطة أو المنكرة بشخصه الشريف، وجعل الدين مجموعه من الخرافات والخزعبلات ولبس الحق بالباطل، وتفسير كتاب الله بما يجعله عند عامة الناس خرافة وأساطير، وكأن هؤلاء الوضاعين والكذابين قد اتفقوا حول هذه الغاية الواحدة والهدف الواحد، وفي النهاية ظهر الإسلام بمظهر مشوه غريب، لا تمييز فيه بين شرك وتوحيد ولا بين بدعة وسنة، ولا بين حقيقة وخرافة، بل ولا بين معقول ولا معقول.
نماذج من أثر الحديث الضعيف والموضوع في تخريب العقائد:
أولا: في أسماء الله وصفاته وتوحيده: -(1/268)
ففي مجال أسماء الله وصفاته افترى الوضاعون والكذابون أحاديث كثيرة نسبوها إلى الرسول كحديث "قيل يا رسول الله مم ربنا قال "من ماء ممرور لا من أرض ولا من سماء خلق خيلا فأجرها فعرقت فخلق فسنه من هذا العرق"" ابن الجوزي في الموضوعات 1/105، ابن عراق في تنزيه الشريعة 1/134
وحديث نزول الله على جمل يوم عرفه، وعروج الله إلى السماء من صخرة بيت المقدس ونصه "لما أسري بي إلى بيت المقدس مر بي جبريل بقبر أبي إبراهيم فقال يا محمد انزل فصل ههنا ركعتين ثم مر بي ببيت لحم فقال يا محمد انزل فصل ههنا ركعتين فإن ههنا ولد أخوك عيسى، ثم أتى بي إلى الصخرة فقال يا محمد من هنا عرج ربك إلى السماء !!" قال ابن الجوزي: وذكر كلاما طويلا أكره ذكره أي من شناعته على الله سبحانه وتعالى، وأحاديث كثيرة في الحجب التي بين الله وعباده ذكرتْها كتب الموضوعات كلها اتهم فيها عبد المنعم بن إدريس عن أبيه عن جده وهب بن منبه، قال الدراقطني: عبد المنعم وأبوه متروكان، وحديث "كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني " قال شيخ الإسلام ابن تيميه: موضوع ليس من كلام النبي ولا يعرف له سند صحيح ولا ضعيف وتبعه الزركشي، والحافظ ابن حجر في اللآلئ والسيوطي وغيرهم وقال الشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني "وهو واقع كثيرا في كلام الصوفية وبنوا عليه أصولا لهم " كشف الخفا2 /132 قلت: هذا الحديث وحديث "من عرف نفسه عرف ربه "وهو حديث موضوع كذلك ذكره السيوطي في ذيل الموضوعات وقال فيه الإمام النووي ليس بثابت وشيخ الإسلام ابن تيميه قال موضوع، وذكره شيخنا محمد ناصر الدين الألباني في سلسة الأحاديث الضعيفة برقم 66 وقال: لا أصل له، أقول هذان الحديثان هما عمدة المتصوفة من أهل وحدة الوجود القائلين بأنه لا يوجد في الكون إلا الله وما المخلوقات إلا مظاهره، فالإنسان مظهر ومجلى لله على حد تعبيرهم، ومعنى "من عرف نفسه عرف ربه "عندهم أي يعنون من علاف نفسه(1/269)
عرف أنه الله أي صورة من صوره لأنه في عقيدتهم الباطلة يتجلى في هذه الموجودات المتعددة ولذلك قال قائلهم "سبحاني " "وما في الجبة إلا الله " وقال:
أنا هو هو أنا ونحن روحان حلا بدنا
وقال فريد العطار:
وما الكلب إلا ألهنا وما الله إلا راهب في كنيسة
وهذه عقيدة كفرية مظلمة لم يبلغها اليهود والنصارى بل كفروا بشيء يسير جدا مما فيه فاليهود نسبوا عزيرا وحده الله، والنصارى كذلك نسبوا عيسى وحده لله أو قالوا ثالث ثلاثة، وأما هؤلاء فقد أنكروا الله جملة وتفصيلا وجعلوه هو عين مخلوقاته تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا وقد استدلوا كذلك بما كذبوه على الرسول "ما وسعني أرضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن "ذكره الغزالي في الإحياء، وقال الحافظ العراقي لم أر له أصلا، وقال شيخ الإسلام ابن تيميه هو مذكور في الإسرائيليات وليس له إسناد معروف، قلت: وقد أولّه ملاحدة الصوفية أن الله لم يعرفه على الحقيقة إلا من عرف أنه لا وجود إلا هو، وهذا هو المؤمن عندهم والعارف الذي اكتشف الحقيقة !! وقد فصلنا هذه العقيدة الخبيثة ونقلنا عبارات المتصوفة أنفسهم في شرحها وبيانها في كتاب" الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة "وقد استندوا في عقيدتهم الباطلة هذه وأيدوها بهذه الأحاديث المكذوبة التي لا يعرف لها إسناد وإنما كتبوها في كتبهم وجرت بعد ذلك على ألسنة العامة، ومازال كثير من الكتاب والخطباء يذكرون هذه الأحاديث دون فهم لمقاصد الذين افتروها دون علم بما تنطوي عليه، ومن الأحاديث التي أثرت تأثيرا سيئا في العقائد حديث"يوشك الكفر أن يدخل من دار إلى دار ومن ربع إلى ربع ومن بلد إلى بلد ومن مدينة إلى مدينة فقيل كيف ذلك يا رسول الله ؟قوم يحدون الله حدا، فيصفونه بذلك الحد " ذكره صاحب تنزيه الشريعة ونسبة إلى الديلمي وقال وسنده ظلمات، وفية ضعفاء وكذابون أهـ(1/270)
وقد أدى هذا إلى ترك تعلم صفات الله بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله وذلك تجهيلا للأمة بصفة الله سبحانه وتعالى وتوحيده ليعم بعد ذلك الكفر والجهل به سبحانه وتعالى، وقد جرى على الألسنة حديث مكذوب آخر في هذا الصدد هو "عليكم بدين العجائز" ذكره الشيخ علي القارئ في الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة وقال بعده: قال السخاوي: لا أصل له بهذا اللفظ، وقال الزركشي: رواه الديلمي عن ابن عمر بلفظ "إذا كان آخر الزمان واختلف الأهواء فعليكم بدين البادية ""النساء" وسنده واه بل قال الصنعاني موضوع وهذا الحديث والذي قبله احتج بهما من رأى التفويض في أسماء الله وصفاته، زاعما أن الرسول أمر بذلك وأن هذا مسلك السلف الصالح وأهل السنة والجماعة، والحال أن هذه أحاديث لا أصل لها، ولما بلغ هؤلاء توهين الإيمان بالله على هذا النحو جعلوا الاعتقاد في أي شيء نافعا ورووا في ذلك حديث "لو اعتقد أحدكم بحجر لنفعه" قال ابن تيميه: موضوع، وقال الشيخ على القاري قال ابن القيم: " هو من كلام عباد الأصنام الذين يحسنون ظنهم بالأحجار" وقال ابن حجر العسقلاني: لا أصل له ونحو"من بلغه عن الله شيء فيه فضيلة فأخذ به إيمانا به ورجاء ثوابه أعطاه الله ذلك وإن لم يكن كذلك" انظر تعليق ناصر الدين السلسلة ص 67 ج 1
قال ناصر الدين: موضوع وذكره في السلسلة الضعيفة تحت رقم 451:(1/271)
ولا يخفى أن هذا الحديث والذي قبله يفتح باب الشرك على مصراعيه لأنه يجعل ميزان الاعتقاد هو النفع بل الاعتقاد نفسه، فكل من أعتقد في شيء وظنه نافعا حتى لو كان حجرا جعله الله كذلك، وكل من أتاه نفع من عقيدة ما كان هذا اعتقادا صحيحا، ومازالت هذه حجة عبدة القبور والمشاهد أنهم يجدون في ذلك نفعا كما قال بعضهم: " قبر أبي العباس المرسي ترياق مجرب !!" وقالوا زرنا قبر فلان ودعوناه وشفي مريضنا وانقضت حاجتنا، والحديث يقول كذا، وكذا . وهكذا أصبحت هذه الأحاديث الباطلة التي لا أصل لها سندا ومتكئا لشرك الألوهية الذي ما جاءت الرسل إلا للتحذير منه، ولا شك أن تتبع هذا شيء يطول جدا والمقصود ههنا هو التمثيل والتدليل فقط وبيان جنس المنهج الذي انتهجه من أراد هدم العقيدة الإسلامية .
ثانيا: في حقيقة النبي:
وأما بالنسبة للنبي فإن الوضاعين والكذابين قد ألفوا من الأحاديث ما حرف العقيدة الخالصة في الرسول فقد زعموا أنه أول خلق الله ظهورا في الوجود وأنه مخلوق من نور الله وأن ما خلق سماء ولا أرضا ولا جنة ولا نارا إلا من أجله .
وجعلوه داعيا للناس إلى دعائه والتوسل به إلى الله، وأن من حج ولم يزر قبره فقد صلى الله عليه وسلم فقد جفاه، بل جعلوه هو الله المستوي فوق العرش وأنه الذي أنزل القرآن !!وقسم آخر من الوضاعين افتروا عليه أحاديث في الطعم والشراب والجماع والطب أرادوا بذلك عيب النبي وشينه وتحقيره أمره وبالتالي إسقاط رسالته و وحيه وإليك بعضا مما فعل هؤلاء وهؤلاء:
"خلقني الله من نوره، وخلق أبا بكر من نوري، وخلق عمر من نور أبي بكر، وخلق أمتي من عمر وعمر سراج أهل الجنة "، تنزيه الشريعة 1/337 وعزاه لأبي نعيم وقال فيه أبو نعيم هذا باطل، وقال الذهبي في الميزان هذا كذب وتلآفة عندي من أحمد بن يوسف المسيحي .(1/272)
الحديث المنسوب إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قال قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أخبرني عن أول شيء خلقه الله قبل الأنبياء، قال: يا جابر أن الله تعالى خلق قبل الأنبياء نور نبيك من نوره، فجعل هذا النور يدور بالقدرة حيث يشاء الله تعالى ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار، ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر، فخلق من الجزء الأول القلم ومن الجزء الثاني اللوح ومن الثالث العرش ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء فخلق من الجزء الأول حملة العرش، ومن الجزء الثاني الكرسي، ومن الثالث باقي الملائكة ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء، فخلق من الجزء الأول السموات ومن الجزء الثاني الأراضين، ومن الجزء الثالث الجنة والنار، وقسم الجزء الرابع أربعة أجزاء، فخلق من الجزء الأول نور أبصار المؤمنين، ومن الثاني نور قلوبهم وهي المعرفة بالله ومن الثالث نور أنسهم وهو التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم نظر إليه فترشح النور عرقا فتقطرت منه مائتا ألف قطرة وعشرين ألفا وأربعة الآلف قطرة فخلق الله من كل قطرة روح نبي ورسول، ثم تنفست روح أرواح الأنبياء فخلق الله من أنفاسهم أرواح الأولياء والسعداء والشهداء والمطيعين من المؤمنين إلى يوم القيامة، فالعرش من نوري والعقل والعلم والتوفيق من نوري، والكروبيون من نوري والعقل والعلم والتوفيق من نوري، وأرواح الأنبياء والرسل من نوري، والسعداء والصالحون من نائح نوري ثم خلق الله آدم من الأرض وركب فيه النور وهو الجزء الرابع ثم أنتقل منه شيث وكان ينتقل من طاهر إلى طيب إلى أن وصل إلى صلب عبد الله بن عبد المطلب ومنه إلى وجه أمي آمنة ثم أخرجني إلى الدنيا فجعلني سيد المرسلين، وخاتم النبيين وقائد الغر المحجلين . أ. هـ(1/273)
وقد نقلناه بتمامه لنبين مدى الكذب والكفر والهذيان وهذا الحديث هو عمدة الصوفية فيما زعموه واعتقدوه ونشروه أن الرسول هو قبة الكون، وهو أول الوجود، وأنه جزء من نور الله تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وأن كل المخلوقات خلقت بأجزاء منه، بل قال ابن العربي أن الرسول هو الذي استوى على عرش الله حيث يقول بالنص "بدء الخلق الهباء وأول موجود فيه الحقيقة المحمدية الرحمانية الموصوفة بالاستواء على العرش الرحماني وهو العرش الإلهي "-الفتوحات المكية ج1 ص152، وقد شرح هذه العبارات القاشاني شارح فصوص الحكم وحديث جابر المكذوب هذا هو الذي جاء متأخروا المتصوفة وبنوا عليه أن القرآن أنزله الرسول من فوق سبع سماوات وأن محمدا هو الذي أعطاه جبريل في السماء واستلمه في الأرض !!يقول محمد عثمان عبده البرهاني في كتابه تبرئة الذمة في نصح الأمة: ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم استغراب سيدنا جبريل عليه السلام مما قاله لجابر "أن أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر "سأل الرسول جبريل قائلا: يا جبريل كم عَمّرت من السنين ؟فقال جبريل: يا رسول الله لست أعلم غبر أنه في الحجاب الرابع نجم يطلع في كل سبعين ألف سنة مرة ورأيته سبعين ألف مرة، فقال صلى الله عليه وسلم : وعزة ربي أنا ذلك الكوكب . . ثم سأل الرسول جبريل عن المكان الذي يأتي منه الوحي؟ فقال: حينما أكون في أقطار السموات والأرض أسمع صلصلة جرس فأسرع‘ إلى البيت المعمور فأتلقى الوحي فأحمله إلى الرسول أو النبي فقال الرسول له: اذهب إلى البيت المعمور الآن واتل نسبي "فذهب جبريل مسرعا إلى البيت المعمور وتلا نسب النبي قائلا "محمد بن عبد الله بن عبد المطلب …فانفتح البيت المعمور ولم يسبق أن فتح من قبل ذلك فرأى جبريل النبي بداخله !!فتعجب فعاد مسرعا إلى الأرض فوجد الرسول في مكانه كما تركه مع جابر فعاد بسرعة خارقة إلى البيت المعمور فوجده صلى الله عليه وسلم هنالك، ثم عاد مسرعا إلى(1/274)
الأرض فوجده مازال جالسا مع جابر فسأل جبريل عليه السلام جابرا قائلا: هل ترك رسول الله مجلسه هذا؟فقال جابر: كلا يا أخا العرب فإننا لم ننته بعد من الحديث الذي تركتنا فيه !!فقال جبريل للنبي: إذا كان الأمر منك وإليك فلماذا تَعَبِي ؟فرد عليه صلى الله عليه وسلم قائلا: للتشريع يا أخي جبريل، وتلا قوله تعالى "ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما "وأضاف "كل هذه الأدلة توضح أن القرآن وهو أكبر معجزة للنبي كان عند النبي قبل البيت المعمور وقبل جبريل وهو والخلق جزء من كل أ. هـ. تبرئة الذمة ص 100 –101"، قلت: وليس بعد هذا الكفر والزندقة كفر ولا زندقة، بل ولا هذيان وكل هذا الذي جعلوه أحاديث ما هو إلا افتراءات لا أصل لها ولا توجد في ديوان معلوم من دواوين السنة بل كتبها المتصوفة ونقلوها ودونوها وزعموا أنهم ينصحون بها الأمة والعجب أن هذا الكتاب ظهر في مصر منذ عشر سنوات، وقد أفتى العلماء بكفر من يعتقد ما فيه ووجوب منع نشره ولكن العجب أنه طبع طبعات أخرى ومازال يوزع في كل مكان !!
ومن جملة الأحاديث الواهية التي أستند إليها من يؤمن بهذه العقيدة الباطلة "كنت أول النبيين في الخلق وأخرهم في البعث فبدأ بي قبلهم "السلسلة الضعيفة برقم 661، وحديث "كنت نبيا وآدم بين الماء والطين "ذكره صاحب تنزيه الشريعة وقال بعده: قال ابن تيميه موضوع، أنظر السلسلة الضعيفة 302، 303، وكذلك حديث أن عبد الله بن مسعود قال: بينما أنا عند رسول الله أقرأ عليه حتى بلغت "عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا "قال: يجلسني على العرش، قال ناصر الدين: باطل ذكره الذهبي في العلو من طريقين عن أحمد بن يونس عن سلمة الأحمر عن الأشعث بن طليق عن عبد الله بن مسعود وقال الذهبي: هذا حديث منكر لا يفرح به، وسلمة هذا متروك وأشعث لم يلحق ابن مسعود "السلسلة الضعيفة رقم 865 ".(1/275)
وقسم آخر من أهل الشرك والخرافة جعلوا النبي حيا في قبره يطلب من الناس زيارته والتوسل به إلى الله، ودعائه من دونه سبحانه وتعالى . . . وافتروا في ذلك أحاديث منها "توسلوا بجاهي فجاهي عند الله عظيم" وهو حديث لا أصل له قط في كتب من كتب السنة، كما قال شيخ الإسلام بن تيميه، وكذلك حديث "من زار قبري وجبت له شفاعتي "وحديث "من زار قبري كنت له شفيعا، ومن زارني وزار أبي إبراهيم في عام واحد دخل الجنة "ذكرها جميعا الشوكاني في الفوائد المجموعة، وقال عقب الحديث الأخير: قال ابن تيميه والنووي أنه موضوع لا أصل له . وقال السيوطي في الذيل: وكذا ما روي بلفظ "من لم يزرني فقد جفاني "، قال الصنعاني: هو موضوع وكذا بلفظ "من حج ولم يزرني فقد جفاني "أ. هـ. الفوائد 117-118، وهذه الأحاديث الواهية هي عمدة من يرى مشروعية واستحباب شد الرحال إلى قبر النبي ومن يراها فريضة كفريضة الحج وأنه يطلب من النبي عند قبره كما يطلب من الله وتركوا لذلك العمل بحديث الصحيحين "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى " ولم يفقهوا أن نية زيارة المدينة يجب أن تتوجه لمن يشد الرحال للصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم وليس لزيارة قبره .
ب- من أرادوا شين النبي صلى الله عليه وسلم :(1/276)
وأما الوضاعون الذين أرادوا شْين النبي فإنهم وضعوا عليه أحاديث في الأطعمة والأشربة يناقضون بها ما صح عن الرسول في ذلك ويعيبون بها النبي كحديث "ربيع أمتي العنب والبطيخ "، "ومن أكل فوله بقشرها أخرج الله منه من الداء مثلها "، "الباذنجان شفاء من كل داء"، "الباذنجان لما أكل له "، "أكل السمك يذهب الجسد "وحديث "إن الله خلق آدم من طين فحرم أكل الطين على ذريته "وحديث "عليكم بالعدس فإنه مبارك، وإنه يرق القلب، ويكثر الدمعة، وأنه قد بارك فيه سبعون نبيا "وحديث "بئست البقلة الجرجير "وحديث "لو كان الأرز رجلا لكان حكيما ",حديث " الأرز مني وأنا من الأرز "_أنظر تنزيه الشريعة 235-267_ ونحو هذا من السخافات والهذيانات التي وضعها الوضاعون وألصقوها بسيد المرسلين ومن بعثه الله رحمة للعالمين وهاديا للخلق أجمعين، وهذه الأحاديث التي استغلها من يريد الطعن بالرسالة المحمدية قديما وحديثا، كما أخبرني بعض الطلاب ممن درس في جامعات تبشيرية أن القس الذي كان يدرس لهم كان يقول لهم: رسولكم كان يقول لو كان الأرز رجلا لكان حكيما . وهذا لا يصدر من نبي !!
ولما كان الطلاب لا يعرفون أن هناك حديثا صحيحا وآخر مكذوبا ما كانوا يستطيعون جوابا، وترك هذا في أنفسهم ما ترك، ولو رحنا نتتبع الخرافات والخزعبلات التي ألصقت بالرسول لا تسع الأمر جدا، وحسبك الوقوف على بعض الكتب التي ألفت في الموضوعات لتعلم أي البلاء حل بعقيدة الأمة من جراء المكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثالثا: في العصبيات والأهواء:
وأما في باب العصبيات والأهواء والكيد لأهل الإسلام، فإن الوضاعين قد ملئوا الأرض بكذبهم في هذا المجال، قال أبو الحسن علي بن محمد بن عراق صاحب تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة المرفوعة: قال الجليل في الإرشاد قال بعض الحفاظ: تأملت ما وضعه أهل الكوفة في فضائل علي وأهل البيت فزاد على ثلاثمائة ألف أ. هـ.(1/277)
ومن هذا الموضوع ما رواه الخطيب في تاريخ "10/356-358" بإسناده إلى بن مالك مرفوعا "أنا خاتم الأنبياء وأنت يا علي خاتم الأولياء "وقال بعده: هذا الحديث موضوع من القصاص. وضعه عمر بن واصل أو وضع عليه أ. هـ.
وحديث "خلقت أنا وعلي من نور، وكنا على يمين العرش قبل أن يخلق آدم بألف عام "ثم خلق الله آدم فانقلبنا في أصلاب الرجال ثم جعلنا صلب عبد المطلب، ثم شق أسماؤنا من اسمه فالله محمود وأنا محمد والله الأعلى وعلي علي، قال الإمام الشوكاني: بعد أن أوردوه وهو موضوع وضعفه جعفر بن أحمد بن علي بن بيان وكان رافضيا وضاع، وحديث "من لم يقل علي خير الناس فقد الكفر "قال الشوكاني رواه الخطيب والمتهم به محمد بن كثير الكوفي، وحديث "أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب "-الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ص 348 – وحديث أن الرسول أمر الشمس أن تعود لعلي لما فاتته صلاة العصر-الفوائد 350 -، وحديث "النظر إلي علي عبادة "وحديث "اسمي في القرآن والشمس وضحاها، واسم علي والقمر إذا تلاها، واسم الحسن والحسين والنهار إذا جلاها واسم بني أمية والليل إذا يغشاها "-الفوائد ص 359 -قال الشوكاني: رواه الخطيب في السابق واللاحق عن ابن عباس مرفوعا وهو موضوع وقال الذهبي في الميزان: هذا خبر كذب، وحديث "لما عرج إلى السماء رأيت مكتوبا على ساق العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله، أيدته بعلي، نصرته بعلي "قال في الذيل: هذا باطل اختلاق بين، وقوله لعلي "غسلت النبي فشربت من ماء محاجر عينيه فورثت علم الأولين والآخرين –الفوائد 983، وحديث ابن عباس "سألت الرسول عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه قال: سأل بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي فتاب عل" –تنزيه الشريعة ج1 ص 395 – وهذا مثله كثير جدا لا تسعه هذه العجالة وإنما المقصود التذكير بأن هذا ومثله كان السبب في نشأة الفرق العقائدية، وتمزيق الأمة(1/278)
المحمدية، وإكفار بعضها بعضا وكل هذه مسائل أصولية وليست فرعيات عبادية وعملية ولا شك أن انتحال الأحاديث ووصفها كان الدعامة التي عمد إلية أهل الأهواء لتأصيل ما أصلوا، ولاعتقاد ما اعتقدوه .
رابعا: الأحاديث الموضوعة والخرافة:
عمد الوضاعون إلى تصوير عالم من نسيج خيالهم، وبنات أفكارهم المريضة، ونفثات صدورهم الخبيثة المليئة بالحقد على الإسلام وأهله، وذلك صرفا للناس عن دين ربهم وتشويها لجمال الإسلام، وتخليطا، واكتسابا للمال الحرام من العامة وشرح هذا أمر يطول وإنما نذكر بعض ما دونته أيديهم الآثمة في ذلك، فمن ذلك زعمهم أن الله خلق ملائكة السماء الأولى على صورة بقرة، الثانية على صورة العقبان، والثالثة على صورة الناس والرابعة على صورة الحور العين، والخامسة على صورة الطيور، والسادسة على صورة الخيل المسومة، والسابعة حملة العرش الكروبيون . ذكره صاحب تنزيه الشريعة 213 وعزاه لأبي الشيخ في العظمة . وزعموا أن هاروت وماروت كانا ملكين ألقى الله عليهما الشبق وأن امرأة من أهل الأرض فتنتهم فوقعوا بها فمسخ الله كوكبا في السماء فهي الزهرة المعروفة ,أن هذين الملكين اختارا عذاب الدنيا . المرجع السابق 209 . وافتروا على الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن لله تعالى ديكا براثنه في الأرض السفلي وعرفه تحت العرش ويصرخ عند مواقيت الصلاة، وتصرخ له ديك السماء وديكه الأرض سبوح قدوس رب الملائكة والروح . تنزيه الشريعة189 وجعلوا المجرة لعاب حية تحت العرش فرووا عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا معاذ أني مرسلك إلى قوم أهل كتاب فإذا سئلت عن المجرة التي في السماء فقل لهم هي لعاب حية تحت العرش . ونسبوا كذلك له صلى الله عليه وسلم أنه قال: وكل بالشمس تسعة ملائكة يرمونها بالثلج كل يوم ولولا ذلك ما أتت على شيء إلا أحرقته . السلسة 293 وأن الأرض على الماء، والماء على صخرة، والصخرة على ظهر حوت يلتقي طرفاه بالعرش،(1/279)
والحوت على كاهل ملك قدماه في الهواء وأن العنكبوت مسخ . تنزيه الشريعة 210 وأن سهيل النجم المعروف كان عشارا يسم‘ الناس في الأرض بالظلم فمسخه الله وأن النخلة من فضل طينة آدم وأن الله خلق جبلا يقال له "قاف " محيط بالعالم وعروقه إلى الصخرة التي عليها الأرض فإذا أراد الله أن يزلزل قرية أمر ذلك الجبل فحرك العرق الذي يلي القرية فيزلزلها ويحركها ثم تتحرك القرية دون القرية وأن الأرض على صخرة، والصخرة على قرن ثور فإذا حرك الثور رأسه تحركت الأرض، والموضوع في هذا الباب لا يكاد يحصى كثرة وكلها تصب عند مصب واحد وهو تخريب العقائد وتشويه الإسلام، وشين رسول الأنام .
خامسا: الأحاديث الموضوعة في القرآن:(1/280)
لعل أخطر ما دمرته الأحاديث الواهية من العقائد هو تشويه القرآن، وهو ما رامه وابتغاه أهل الأهواء من صرف الناس عن كتاب الله وتفسيره بالخرافات والخزعبلات والأهواء، وجعل القرآن كتابا فقط للتعاويذ والتطبيب من أمراض الأجسام وتصوير القرآن أنه كتاب خرافات وأساطير وليس كتابا منزلا من الحكيم الحميد سبحانه، وإليك بعضا من افتراء هؤلاء الوضاعون على القرآن، وللأسف أن يعتمد أهل التفسير حتى لا يكاد يخلو تفسير واحد أن يناله شيء من ذلك، ناهيك بتفاسير لم تعتمد إلا كل خرافة وجهالة تفسر بها كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفة، فمن ذلك على سبيل المثال: ما ذكره بعض المفسرين عمن سماه عوج بن عنق الطويل وفي هذا الحديث "أن طوله كان ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثين ذراع "وأن نوحا لما خوفه الغرق قال له أتحملني في قصعتك هذه، وأن الطوفان لم يصل إلى ركبته، وانه خاض البحر فوصل إلى حجزته فقط، وأنه كان يأخذ الحوت من عمق البحر فيشويه في عين الشمس، وأنه قلع صخرة عظيمة على قدر عسكر موسى، وأراد أن يرضخهم بها فقورها الله في عنقه مثل الطوق . قال ابن القيم الجوزية: ولا ريب أن هذا وأمثاله من وضع الزنادقة أهل الكتاب الذين قصدوا السخرية والاستهزاء بالرسل وأتباعهم أ. هـ. الأسرار المرفوعة 484 . وكذلك في تفسيرهم لقوله تعالى "قالوا يا موسى أن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها "أنهم العماليق وأن سبعين رجلا من قوم موسى استظلوا في قحف رجل واحد منهم، وأن موسى لما نزل قريبا من أريحا في فلسطين بعث أثني عشر رجلا من بني إسرائيل ليتعرف خبرهم فهالهم ما رأوه من هيئتهم وجسمهم وأنهم دخلوا في بستان أحد العماليق فجاء فتتبع أثارهم ثم حملهم في كمه مع الفاكهة وذهب إلى ملكهم ونثرهم مع الفاكهة أمامه . وللأسف أن يذكر ابن جرير مثل هذا الهراء في تفسيره، فإذا كان العماليق على ذلك النحو من العظم والكبر فهل كانت(1/281)
حبة البرتقال في ذلك الوقت في حجم رجل من قوم موسى ؟! ومن ذلك نسبتهم الشرك إلى آدم وحواء في تفسير قوله تعالى "فجلا له شركاء فبما آتاهما فتعالى الله عما يشركون "وقد مضى بك تفسيرهم لقوله تعالى "عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا "قال يجلسه على العرش.
ومن أسخف خرافاتهم في هذا ما رووه أن سفينة نوح قد طافت بالبيت سبعا وصلت خلف المقام ركعتين وآفة هذا الحديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال الحاكم: وأبو نعيم روى عن أبيه أحاديث موضوعة .
وتفسيرهم قوله تعالى "وحملناه على ذات ألواح ودسر "قالوا الدسر خمس مسامير، مسمار باسم الرسول، والثاني باسم علي والثالث باسم فاطمة ورابع باسم الحسن وخامس باسم الحسين، وأن الرسول قال: الألواح خشب السفينة ونحن الدسر لولانا ما سارت السفينة بأهلها . "تنزيه الشريعة 1/250"
وأن إبراهيم لما و‘ضع في النار لم يسأل الله وقال: علمه بحالي يغني عن سؤالي . وتفسيرهم قوله تعالى "أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو"أن الرسول ذكر إبليس فقال: رأيته الساعة أدخل ذنبه في دبره فأخرج سبع بيضات فأولدها سبع أولاد: فولد موكل بالفقهاء ينسهم الذكر ويغريهم بكثرة الوضوء والثاني موكل بالنعاس في المساجد والثالث بالأسواق . . قال الحافظ بن حجر ظاهر الوضع . وأن النملة التي كلمت سليمان كانت في حجم الذئب، ولم يع هؤلاء الأغبياء أن الله سبحانه وتعالى قد قال عن تلك النملة "لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون "فكيف لا يشعر سليمان وجنوده أنهم يقتلون نملا في حجم الذئاب !!
إلى خرافات وخزعبلات يضيق بها المقام عمن سموه هامة بن الهيم بن لاقيس بن إبليس الذي كان مفسدا في الأرض ثم تاب وكان مع نوح ثم هود ثم صالح ثم موسى ثم عيسى ثم محمد صلى الله عليه وسلم ثم مات الرسول ولم يمت "تنزيه الشريعة 1/250 ".(1/282)
إلى خرافات في الإسراء والمعراج في تفسير ابن مردوية ، مكذوبة على ابن عباس في صفة السموات سماء سماء وأن الأولى من دخان والثانية من حديد والثالثة من نحاس والرابعة من فضة . . الخ
إلى تلاعب عجيب بالقرآن وفي تفسير قصة آدم بأبجد هوز حطي كلمن . . الخ، حيث يروون حديث "لكل شيء سبب وليس أحد يفطن له، وأن لأبي جاد حديثا عجيبا . أما أبجد فأبى الطاعة وجد في أكل الشجرة، وأما هوز فهوى من السماء إلى الأرض، وأما حطي فحطت عنه الخطايا، وأما كلمن فأكل من الشجرة ومن عليه بالتوبة . . الخ، قال الإمام الشوكاني بعد إيراد طرف من هذا الحديث المفترى في كتابه الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة: أخرجه ابن جرير في تفسيره واستطرد قائلا: وهذا ما الكذب الذي لا يصدر عن أجهل الجاهلين وأقبح المفترين، وحاشا ابن عباس وأهل طبقته ومن بعدهم أن يتكلموا بمثل هذا، فمن رواه في مؤلفه مغترا به غير عالم ببطلانه فهو أجهل من واضعه أ. هـ. "الفوائد المجموعة 463 " ولا شك أن الشوكاني قد أغلظ هنا القول جدا وابن جرير لم يسكت عن هذا وكان يروي مثل هذا للتحذير منه، ولكن لا شك أن الأولى والأحرى أنه لا يجوز أن يلتفت إلى مثل هذه الروايات الساقطة خاصة وأن هناك من يغتر بها ممن يظن أن كل سواد في بياض يعد علما وأن كل ما سمي حديثا فهو حديث، وأن مثل هذا قد يتبعه من يحبون غرائب القصص والخرافات ليوهموا العامة أنهم من أهل العلم والجمع، والحاصل أن كتب التفسير قد شحنت بالأحاديث الضعيفة والموضوعة والروايات الواهية، بل قيل في بعض التفاسير فيه كل شيء إلا التفسير !! ولا شك أن هذه الروايات الواهية قد أعدمت نفع القرآن وهدايته عند من يحسن الظن بها، بل جعلت القرآن كتاب خرافة بدلا من أن يكون كتاب هداية وتبصير، بل زادوا على ذلك بأن جعلوا القرآن لكل شيء إلا الهداية فزعموا أن الرسول قال: خذوا من القرآن ما شئتم لما شئتم . وهو حديث لا أصل له مطلقا "سلسلة(1/283)
الأحاديث الضعيفة 557 ". ولذلك عمد المتصوفة ومن على دربهم لجعل كل آية من القرآن لشفاء مرض من الأمراض فلوجع الرأس يقرأ "وله ما سكن في الليل والنهار "وللأورام يقرأ "ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا "وللحبلى المتعسرة في ولادتها يقرأ" وتضع كل ذات حمل حملها "ونحو هذا من الهذيان يجعل في كتب ويقال أن هذا أمر مجرب والرسول يقول "خذوا من القرآن ما شئتم لما شئتم "أ. هـ.
ولا شك أن ارتباط الآيات القرآنية الحكيمة بمثل هذه الأمور يصرفها عن معانيها التي أنزلت من أجلها ويحول القرآن من كتاب هداية وتربية وتبصير إلى كتاب عبث ولعب واستهزاء وأكل لأموال الناس بالباطل، ولا شك أن كل ذلك تشويه للمعتقد .
خاتمة:
العقيدة بمعناها الواسع:
بعد فأرجو أن أكون بهذا البيان قد ألقيت أضواء على خطورة الأحاديث الضعيفة والمكذوبة على عقيدة الأمة، ولعل هذا الباب من أبواب الشر، أعني الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان ومازال هو أعظم أبواب الشر التي فتحت على الأمة، ولا شك أن أول ضرر عقائدي من الحديث الموضوع المكذوب هو استحلال الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا شك أن مستحل الكذب كافر، وكذلك من كان هدفه من الكذب إفساد الدين وصد الناس عن رسول رب العالمين، وأدنى من ذلك ما كان من أجل أهداف دنيوية أو لعصبية جاهلية، وقد نص العلماء على أن هذا كبيرة من الكبائر .
ولقد رأينا أن الحديث الضعيف والموضوع قد كان ومازال المستند لمعظم الانحرافات العقائدية، هذا إذا نظرنا إلى ما وضع في العقائد فقط، فكيف إذا نظرنا لعقيدة بمعناها الواسع الشامل، وهو النظر إلى الجانب في كل أمر ونهي تشريعي، فإننا سنجد أن دائرة الشر التي سببتها الأحاديث الضعيفة والواهية متسعة جدا ولنضرب على ذلك بعض الأمثلة:(1/284)
فالذكر مثل الصلاة والطهارة وعمل الخير كل ذلك من فروع الدين ومسائلة العملية والأحاديث الواهية والمكذوبة فيه قد يتساهل بعض الناس فيها على أنها تحث على الخير ولذلك يؤخذ بها في فضائل الأعمال، ولكنهم ينسون أحيانا الجانب العقائدي في هذه الأحاديث وهو ما يقترن بها عادة من الثواب والعقاب ممن قرأ حديث "من أغتسل من الجنابة حلالا أعطاه الله عز وجل مائة قصر من درة بيضاء وكتب له بكل قطرة ثواب ألف شهيد " الموضوعات 2/84، وحديث يا علي غسل الموتى فإن من غسل ميتا غفر له سبعون مغفرة لو قسمت منها على الخلائق لوسعتهم " نفس المرجع السابق، وحديث "إن شهر رجب عظيم، من صام منه يوما كتب الله له صوم ألف سنة ومن صام يومين كتب له صيام ألفي سنة، ومن صام ثلاثة أيام كتب له صيام ثلاثة آلاف سنة، ومن صام من رجب سبعة أيام أغلقت عنه أبواب جهنم، ومن صام ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ومن صام منه خمسة عشر يوما بدلت سيئاته حسنات ونادى مناد من السماء قد غفر لك فاستأنف العمل ومن زاد زاده الله عز وجل "الموضوعات 2/84، 85 .
وحديث "من عطس فقال: الحمد لله على كل حال ما كان من حال وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته أخرج الله من منخره الأيسر طائرا يقول اللهم اغفر لقائلها " .
وحديث "من صلى علي صلاة تعظيما لحقي جعل الله عز وجل من تلك الكلمة ملكا له جناحَ في المشرق وجناحَ له في المغرب ورجلاه في تخوم الأرض وعنقه ملوي تحت العرش يقول الله عز وجل: صلي على عبدي كما صلى على نبيي فيصلي عليه إلى يوم القيامة ". تنزيه الشريعة 331 .(1/285)
ونحو هذا آلاف كثيرة كلها على هذا المنوال الساذج من ترتيب ثواب عظيم جدا على عمل قليل ولا شك أن هذا مفسد للاعتقاد لأنه يؤدي في النهاية إلى توهين العمل بالشريعة ونفي الحكمة عن الخالق، بل قد أدت هذه الأحاديث فعلا إلى القول بسقوط التكاليف عند من رأى نفسه قد بلغ من الله مثل هذا الثواب الذي لا ثواب بعده على مثل هذه الأعمال اليسيرة .
2" ولا شك أن ما في كثير من هذه الأحاديث الضعيفة من ركاكة اللفظ وسخافة السياق ومخالفة المعقول ومعارضة القرآن والتناقض والاختلاف نظرا لتباين وتناقض أهداف الوضاعين، فالذين ألفوا في مدح العرب غير الذين جعلوا معاوية خير الناس وهكذا، والذين جعلوا أبا حنيفة سراج الأمة قد جعلوا الشافعي وهو مجمع على إمامته أضر على أمة محمد من إبليس، وهكذا قد أدت هذه الأحاديث الضعيفة الواهية وهي في فروع الدين وليست في أصوله إلى الطعن في الرسول ونَسَبتْ إليه التناقض وركاكة العبارة وكل ذلك طعن في العقيدة وتشويه للإسلام، وهذه جميعها في النهاية صوارف عن التمسك بالدين والالتزام بالحق والعزوف عن الإسلام .
كلمة أخيرة:
هكذا كان الحديث الضعيف بلاء كله سواء منه ما كان في العقيدة، أو ما كان في الفضائل والعمل وأن المحصلة النهائية أن كل حديث ضعيف وموضوع يلثم ثلما في الإسلام، ويضع نقطة سوداء على ثوب أبيض، ويدخل جاسوسا غريبا بين جند مخلصين ويقيم بدعة تنافس سنة وتزيحها، ولذلك كان علماء الحديث هم حراس الدين وقادة الأمة كما قال سفيان الثوري: الملائكة حراس السماء وأصحاب الحديث حراس الأرض . أ. ه، وهم كذلك أصحاب الرسول في كل وقت وحين كما قال قائلهم:
أصحاب الحديث هم أصحاب النبي وإن ******************** لم يصحبوه أنفاسه صحبوا
وجاء أيضا:(1/286)
الحديث الآخر: (خذوا شطر دينكم عن الحميراء) قال فيه الحافظ بن حجر: لا أعرف له إسنادا ولا رأيته في شيء من كتب الحديث إلا في النهاية لابن الأثير، ولم يذكر من خرجه، وذكر الحافظ عماد الدين بن كثير أنه سئل المزي والذهبي عنه فلم يعرفاه.
وجاء أيضا:
"حول حديث الذباب"
س: ما قولكم في حديث الذباب -أعني الحديث الشريف النبوي الذي يقول: "إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء".
هل هذا الحديث صحيح متفق على صحته؟ وما حكم من أنكره أو تشكك في صحة نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هل يخرجه هذا من الدين؟ فإن بعض الأطباء في عصرنا أثاروا غبارا حول صحة هذا الحديث إلى حد السخرية بمن صدق بمضمونه وذلك لما هو معروف في -علم الطب الوقائي والعلاجي- من أن الذباب أحد الأدوات الناشرة للأمراض، لما يحمل من الجراثيم الضارة، ولم يعرف أن أحدا استخدمه للعلاج فكيف يقول الحديث: إن في أحد جناحيه شفاء؟
نرجو الإيضاح. فقد كثرت المجادلات حول هذا الحديث، حتى اتخذه بعض من لا دين لهم، تكئة للتنديد بالدين، والاستخفاف بالمتدينين.(1/287)
ج: أما الجواب عن سؤال صاحب السؤال، وما تضمنه من استفسارات فألخصه في النقاط التالية:
أولا: إن الحديث صحيح رواه الإمام البخاري في جامعه الصحيح، ولكنه لا يعد من "المتفق عليه" في اصطلاح علماء الحديث، لأن المتفق عليه عندهم هو ما اتفق على روايته الشيخان -البخاري ومسلم- في صحيحهما. وهذا الحديث مما انفرد به البخاري، ولم يخرجه مسلم، رحمهما الله.
ومعلوم أن أحاديث صحيح البخاري متلقاة بالقبول لدى جماهير الأمة في مختلف العصور، وخصوصا فيما سلم فيها من النقد والاعتراض من جهابذة علماء الأمة من المحدثين والفقهاء الراسخين.
ولا أعلم أحدا من العلماء السابقين أثار إشكالا حول هذا الحديث أو تحدث عن علة قادحة في سنده أو متنه.
ثانيا: إن هذا الحديث لا يتعلق ببيان أصل من أصول الدين، من الإلهيات أو النبوات أو السمعيات، ولا ببيان فريضة من فرائضه الظاهرة أو الباطنة، الشخصية أو الاجتماعية… ولا ببيان أمر من أمور الحلال والحرام في حياة الفرد أو الجماعة، ولا ببيان تشريع من تشريعات الإسلام المنظمة لحياة الأسرة والمجتمع والدولة والعلاقات الدولية، ولا ببيان خلق من أخلاق الإسلام التي بعث الرسول ليتمم مكارمها.
ولو أن مسلما عاش عمره دون أن يقرأ هذا الحديث أو يسمع به، لم يكن ذلك خدشا في دينه، ولا أثر ذلك في عقيدته أو عبادته، أو سلوكه العام.
فلو سلمنا -جدلا- بكل ما أثاره المتشككون حول الحديث، وحذفناه من صحيح البخاري أصلا، ما ضر ذلك دين الله شيئا.
فلا مجال لأولئك الذين يتخذون من الشبهات المثارة حول الحديث، سبيلا للطعن في الدين كله، فالدين -أعني الإسلام- أرسخ قدما، وأثبت أصولا، وأعمق جذورا من أن ينال منه بسبب هذه الشبهات الواهية.
ثالثا: إن هذا الحديث -وإن كان صحيحا لدى علماء الأمة- هو من أحاديث الآحاد، وليس من المتواتر الذي يفيد اليقين.
وأحاديث الآحاد إذا رواها الشيخان أو أحدهما قد اختلف فيها العلماء: هل تفيد العلم(1/288)
أي اليقين أم تفيد مجرد الظن الراجح؟ أم يفيد بعضها العلم بشروط خاصة؟
وهذا الخلاف يكفي للقول بأن من أنكر حديثا من أحاديث الآحاد، قامت شبهة في نفسه حول ثبوته ونسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم . لا يخرج بذلك من الدين لأن الذي يخرج منه إنكار ما كان منه بيقين لا ريب فيه، ولا خلاف معه، أي القطعي الذي يسميه العلماء "المعلوم من الدين بالضرورة".
إنما يخرج من الدين حقا من اتخذ من الغبار المثار حول هذا الحديث وسيلة للطعن في الدين والاستهزاء به، فإن هذا كفر صريح.
رابعا: أما مضمون الحديث وعلاقته بالعلم والطب الحديث، فقد دافع عنه كثير من كبار الأطباء ورجال العلم، مستشهدين ببحوث ودراسات لعلماء غربيين مرموقين. ونشر ذلك كثير من المجلات الإسلامية في مناسبات شتى.
وحسبي هنا أن أنقل أحدث رد علمي طبي حول هذا الموضوع، نشرته مجلة "التوحيد" المصرية في عددها الخامس لسنة 1397-1977 وهو للأستاذ الدكتور أمين رضا أستاذ جراحة العظام والتقويم بجامعة الإسكندرية، إثر مقال نشرته بعض الصحف لطبيب آخر تشكك في الحديث المذكور.
يقول الدكتور أمين رضا:
" في جريدة الجمعة يوم 18/3/1977 رفض أحد الأطباء الزملاء حديث الذبابة على أساس التحليل العلمي العقلي لمتنه لا على أساس سنده. وامتدادا للمناقشة الهادئة التي بدأتها هذه الجريدة أرى أن أعارض الزميل الفاضل بما يأتي:
1. ليس من حقه أن يرفض هذا الحديث أو أي حديث نبوي آخر لمجرد عدم موافقته للعلم الحالي. فالعلم يتطور ويتغير. بل ويتقلب كذلك. فمن النظريات العلمية ما تصف شيئا اليوم بأنه صحيح، ثم تصفه بعد زمن قريب أو بعيد بأنه خطأ. فإذا كان هذا هو حال العلم فكيف يمكننا أن نصف حديثا بأنه خطأ قياسا على نظرية علمية حالية. ثم نرجع فنصححه إذا تغيرت هذه النظرية العلمية مستقبلا؟
2. ليس من حقه رفض هذا الحديث أو أي حديث آخر لأنه "اصطدم بعقله اصطداما" على حد تعبيره. فالعيب الذي سبب هذا(1/289)
الاصطدام ليس من الحديث بل من العقل، فكل المهتمين بالعلوم الحديثة يحترمون عقولهم احتراما عظيما. ومن احترام العقل أن نقارن العلم بالجهل. العلم يتكون من أكداس المعرفة التي تراكمت لدى الإنسانية جمعاء بتضافر جهودها جيلا بعد جيل لسبر أغوار المجهول. أما الجهل فهو كل ما نجهله، أي ما لم يدخل بعد في نطاق العلم. وبالنظرة المتعقلة تجد أن العلم لم يكتمل بعد. وإلا لتوقف تقدم الإنسانية. وأن الجهل لا حدود له. والدليل على ذلك تقدم العلم وتوالي الاكتشافات يوما بعد يوم من غير أن يظهر للجهل نهاية. إن العالم العاقل المنصف يدرك أن العلم ضخم ولكن حجم الجهل أضخم. ولذلك لا يجب أن يغرقنا العلم الذي بين أيدينا في الغرور بأنفسنا. ولا يجب أن يعمينا علمنا عن الجهل الذي نسبح فيه. فإننا إذا قلنا أن علم اليوم هو كل شيء، وإنه آخر ما يمكن الوصول إليه أدى ذلك بنا إلى الغرور بأنفسنا، وإلى التوقف عن التقدم، وإلى البلبلة في التفكير. وكل هذا يفسد حكمنا على الأشياء، ويعمينا عن الحق حتى لو كان أمام عيوننا. ويجعلنا نرى الحق خطأ، والخطأ حقا، فتكون النتيجة أننا نقابل أمورا تصطدم بعقولنا اصطداما.. وما كان لها أن تصطدم لو استعملنا عقولنا استعمالا فطريا سليما يحدوه التواضع والإحساس بضخامة الجهل أكثر من التأثر ببريق العلم والزهو به.
3. ليس صحيحا أنه لم يرد في الطب شيء عن علاج الأمراض بالذباب، فعندي من المراجع القديمة ما يوصف وصفات طبية لأمراض مختلفة باستعمال الذباب. أما في العصر الحديث فجميع الجراحين الذي عاشوا في السنوات التي سبقت اكتشاف مركبات السلفا -أي في السنوات العشر الثالثة من القرن الحالي- رأوا بأعينهم علاج الكسور المضاعفة والقرحات المزمنة بالذباب. وكان الذباب يربى لذلك خصيصا. وكان هذا العلاج مبنيا على اكتشاف فيروس البكتريوفاج القاتل للجراثيم. على أساس أن الذباب يحمل في آن واحد الجراثيم التي تسبب المرض، وكذلك(1/290)
البكتريوفاج الذي يهاجم هذه الجراثيم. وكلمة بكتريوفاج هذه معناها "آكلة الجراثيم". وجدير بالذكر أن توقف الأبحاث عن علاج القرحات بالذباب لم يكن سببه فشل هذه الطريقة العلاجية. وإنما كان ذلك بسبب اكتشاف مركبات السلفا التي جذبت أنظار العلماء جذبا شديدا. وكل هذا مفصل تفصيلا دقيقا في الجزء التاريخي من رسالة الدكتوراة التي أعدها الزميل الدكتور أبو الفتوح مصطفى عيد تحت إشرافي عن التهابات العظام والمقدمة لجامعة الإسكندرية من حوالي سبع سنوات.
4. في هذا الحديث إعلام بالغيب عن وجود سم في الذباب. وهذا شيء لم يكشفه العلم الحديث بصفة قاطعة إلا في القرنين الأخيرين. وقبل ذلك كان يمكن للعلماء أن يكذبوا الحديث النبوي لعدم ثبوت وجود شيء ضار على الذباب. ثم بعد اكتشاف الجراثيم يعودون فيصححون الحديث.
5. إن كان ما نأخذه على الذباب هو الجراثيم التي يحملها فيجب مراعاة ما نعلمه عن ذلك:
( أ ) ليس صحيحا أن جميع الجراثيم التي يحملها الذباب جراثيم ضارة أو تسبب أمراضا.
(ب) ليس صحيحا أن عدد الجراثيم التي تحملها الذبابة أو الذبابتان كاف لإحداث مرض فيمن يتناول هذه الجراثيم.
(جـ) ليس صحيحا أن عزل جسم الإنسان عزلا تاما عن الجراثيم الضارة ممكن. وإن كان ممكنا فهذا أكبر ضرر له. لأن جسم الإنسان إذا تناول كميات يسيرة متكررة من الجراثيم الضارة تكونت عنده مناعة ضد هذه الجراثيم تدريجيا.
6. في هذا الحديث إعلام بالغيب عن وجود شيء على الذباب يضاد السموم التي تحملها. والعلم الحديث يعلمنا أن الأحياء الدقيقة من بكتريا وفيروسات وفطريات تشن الواحدة منها على الأخرى حربا لا هوادة فيها. فالواحدة منها تقتل الأخرى بإفراز مواد سامة. ومن هذه المواد السامة بعض الأنواع التي يمكن استعمالها في العلاج. وهي ما نسميه "المضادات الحيوية" مثل البنسلين والكلوروميستين وغيرهما.
7. إن ما لا يعلمه وما لم يكشفه المتخصصون في علم الجراثيم حتى الآن لا(1/291)
يمكن التكهن به. ولكن يمكن أن يكون فيه الكثير مما يوضح الأمور توضيحا أكمل. ولذلك يجب علينا أن نتريث قليلا قبل أن نقطع بعدم صحة هذا الحديث بغير سند من علم الحديث، ولا سند من العلم الحديث.
8. هذا الحديث النبوي لم يدع أحدا إلى صيد الذباب ووضعه عنوة في الإناء، ولم يشجع على ترك الآنية مكشوفة، ولم يشجع على الإهمال في نظافة البيوت والشوارع وفي حماية المنازل من دخول الذباب إليها.
9. إن من يقع الذباب في إنائه ويشمئز من ذلك ولا يمكنه تناول ما فيه فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها.
10. هذا الحديث النبوي لا يمنع أحدا من الأطباء والقائمين على صحة الشعب من التصدي للذباب في مواطنه ومحاربته وإعدامه وإبادته، ولا يمكن أن يتبادر إلى ذهن أحد علماء الدين أن هذا الحديث يدعو الناس إلى إقامة مزارع أو مفارخ للذباب. أو أنه يدعو إلى التهاون في محاربته. ومن صنع ذلك أو اعتقد فيه فقد وقع في خطأ كبير ".
هذا ما قاله الطبيب العالم الأستاذ الدكتور أمين رضا بلسان العلم والطب المعاصر وفيه كفاية وغنية جزاه الله خيرا.
انتهى(1/292)