ركن الفتاوى
فتاوى العقيدة
إيقاف تغلغل أعداء الإسلام في ديار الإسلام
اختطاف الجن للإنسان
الجن وجزائهم في الآخرة
الحكم بغير ما أنزل الله
الرد على شبهة دفن النبي في المسجد
الفرق والمذاهب
حكم إضاءة مقامات الأولياء والنذر لذلك
حكم استقدام الأيدي العاملة من غير المسلمين
حكم استقدام خادمة غير مسلمة
حكم الإقامة في بلاد الكفار
حكم الاستغاثة بالأولياء
حكم الاعتقاد بوجود الرسول في كل مكان
حكم الاعتقاد في المشائخ بأنهم ينفعون ويضرون
حكم التعلق بالأسباب
حكم التقليد الأعمى للغرب
حكم التنويم المغناطيسي وحكم قول بحق فلان
حكم التهنئة بعيد الكريسميس
حكم التوسل بالنبي
حكم التوسل وأقسامه
حكم التوسل وشرح حديث العباس
حكم الخجل من ملابس المسلمين في بلاد الكفار
حكم الذبح عند الأضرحة
حكم الذبح لغير الله
حكم الذهاب إلى الكنيسة
حكم الرضا بالقدر
حكم السفر إلى بلاد الكفار
حكم السفر خارج الدول الإسلامية
حكم السكن مع عائلات أمريكية
حكم السلام على الكفار
حكم الصلاة في بيوت النصارى
حكم الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم
حكم القول بتناسخ الأرواح
حكم الولاء والبراء
حكم بدء اليهود والنصارى بالسلام
حكم تحية العلم في الجيش
حكم تعظيم السلام أو العلم الوطني
حكم تفضيل الكفار على المسلمين
حكم تكفير اليهود والنصارى
حكم تمكين النصارى من كتب فيها آيات قرآنية
حكم تهنئة الكفار
حكم دخول الكنيسة
حكم دخول غير المسلم المسجد أو المصلى
حكم دعاء غير الله
حكم زيارة النصارى وأكل طعامهم
حكم سب الدهر
حكم طلب المدد من الأموات
حكم عبادة القبور بالطواف ودعاء أصحابها
حكم قول أخي أو صديقي أو الضحك لغير المسلمين لطلب المودة
حكم مخالطة الكفار ومعاملتهم باللين طمعاً في إسلامهم
حكم مرتكب الكبيرة
حكم من يتسخط إذا نزلت به مصيبة
حكم من يدعو الرسول وعبد القادر
حكم من يعتقد ان الرسول ليس ببشر
حكم من يعمل مع الكفار(1/1)
حكم من يقول إن الأولياء والصالحين ينفعون
حكم من يقول إن الله في كل مكان
حكم من يقول لأخيه المسلم يا كافر
حكم من يقول يا محمد يا علي أو يا جيلاني
حكم موالاة الكفار
حكم وصف الكفار بالصدق والأمانة وحسن العمل
كذب من قال أن الغربيين لا يكرهون الإسلام
كيف نستفيد مما عند الكفار دون الوقوع في المحظور
كيفية خلق الإنسان
ماهو الضابط في مسألة التشبه بالكفار
مقياس التشبه بالكفار
من لم يحكم بما انزل الله هل هو مسلم أم كافر
من هو الطاغوت
هل الإنسان مخير أم مسير
هل نستطيع تحديد نوع الجنين
هل هناك تقارب بين الأديان والفرق الضالة
هل يكفي النطق بالشهادتين للإسلام
وجوب والإيمان بالقضاء والقدر(1/2)
اختطاف الجن للإنس
السؤال : لقد سمعت قصصاً كثيرة عن اختطاف الجن للإنس ، وقد قرأت قصة مفادها أن رجلاً من الأنصار رضي الله عنه خرج يصلي العشاء فسبته الجن وفُقد أعواماً . فهل هذا الأمر ممكن أعني اختطاف الجن للإنس ؟
الجواب : يمكن ذلك ، فقد اشتهر أن سعد بن عبادة قتلته الجن لما بال في جحر فيه منزلهم ، فقالوا :
نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عباده ورميناه بسهم فلم نخطئ فؤاده
ووقع في زمن عمر أن رجلاً اختطفته الجن ، وبقي أربع سنين ، ثم جاء وأخبر أن جناً من المشركين اختطفوه ، فبقي عندهم أسيراً ، فغزاهم جن مسلمون فهزموهم ، وردوه إلى أهله ، ذكر ذلك في منار السبيل وغيره .
( ابن جبرين ) .(1/1)
الواجب المفروض على المسلمين لإيقاف تغلغل أعداء الإسلام في ديار الإسلام
السؤال : يحرص أعداء الله تعالى على التغلغل في ديار الإسلام بشتى الطرق فما المجهود الذي ترون بذله للوقوف أمام هذا التيار الذي يهدد المجتمعات الإسلامية ؟
الجواب : هذا ليس بغريب من الدعاة إلى النصرانية أو اليهودية أو غيرهما من ملل الكفر ومذاهب الهدم ، لأن الله سبحانه وبحمده قد أخبرنا عن ذلك بقوله في محكم التنزيل : ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير ) وقوله سبحانه : ( ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ) .(1/1)
ولهذا فإنهم يبذلون كل ما يستطيعون للنفوذ في ديار الإسلام ، ولهم طرقهم المختلفة في هذا ، منها : التشكيك وزعزعة الأفكار ، وهم دائبون على ذلك بدون كلل أو مل ، تحركهم الكنيسة والحقد والبغضاء بالتوجيه والدفع والبذل . والجهود التي يجب أن تبذل هي التوعية والتوجيه لأبناء المسلمين من القادة والعلماء ، ومقابلة جهود أعداء الإسلام بجهود معاكسة . فأمة الإسلام أمة قد حملت أمانة هذا الدين وتبليغه . فإذا حرصنا في المجتمعات الإسلامية على تسليح أبناء وبنات المسلمين بالعلم والمعرفة والتفقه في الدين والتعويد على تطبيق ذلك من الصغر فإننا لن نخشى بإذن الله عليهم شيئاً ما داموا متمسكين بدين الله ، معظمين له ، متبعين شرائعه ، محاربين لما يخالفه . بل العكس سيخافهم الأعداء لأن الله سبحانه وبحمده يقول : ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) . ويقول عز وجل : ( إن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط ) . والآيات في هذا المعنى كثيرة ، فأهم عامل للوقوف أمام هذا التيار هو تهيئة جيل عارف بحقيقة الإسلام ، ويتم هذا بالتوجيه والرعاية في البيت والأسرة والمناهج التعليمية ووسائل الإعلام وتنمية المجتمع .(1/2)
يضاف إلى هذا دور الرعاية والتوجيه من القيادات الإسلامية ، والدأب على العمل النافع ، وتذكير الناس دائماً بما ينفعهم وينمي العقيدة في نفوسهم : ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) . ولا ريب أن الغفلة من أسباب نفاذ أعداء الإسلام إلى ديار الإسلام بالثقافة والعلوم التي تباعد المسلمين عن دينهم شيئاً فشيئاً ، وبذلك يكثر الشر بينهم ، ويتأثرون بأفكار أعدائهم ، والله سبحانه وتعالى يأمر الفئة المؤمنة بالصبر والمصابرة والمجاهدة في سبيله بكل وسيلة ، في قوله جل وعلا : ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ) . وقوله سبحانه : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) . وأسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا ، أن يصلح أحوال المسلمين ويفقههم في الدين وأن يجمع كلمة قادتهم على الحق ويصلح لهم البطانة إنه جواد كريم وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسبلم تسليماً كثيراً .
( ابن باز ) .(1/3)
حكم إضاءة مقامات الأولياء والنذر لذلك
السؤال : ما حكم إضاءة مقامات الأولياء والنذر لذلك ؟
الجواب : إضاءة مقامات الأولياء والأنبياء والتي يريد بها السائل قبورهم هذه الإضاءة محرمة ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعليها ، فلا يجوز أن تضاء هذه القبور ، وفاعل ذلك ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم . فعلى هذا إذا نذر الإنسان إضاءة هذا القبر فإن نذره محرم . وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( من نذر أن يعصي الله فلا يعصه ) . رواه البخاري . فلا يجوز له أن يفي بهذا النذر ، ولكن هل يجب عليه أن يكفر كفارة يمين لعدم وفائه بنذره أو لا يجب ؟ هذا محل خلاف بين أهل العلم . والاحتياط أن يكفر كفارة يمين عن عدم وفائه بهذا النذر . والله أعلم .
( ابن عثيمين ) .(1/1)
حكم استقدام الأيدي العاملة من غير المسلمين
السؤال : يقول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( لا يجتمع في جزيرة العرب دينان ) لكننا نجد في معظم بلدان الجزيرة العربية وجوداً كثيفاً للعمالة غير الإسلامية وصل بها الأمر إلى حد بناء دور عبادة لها سواء النصارى أم الهندوس أم السيخ . ما الموقف الواجب على حكومات هذه البلدان اتخاذه حيال هذه الظاهرة المؤلمة ذات الخطر الداهم ؟
الجواب : لقد صح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يجتمع في الجزيرة العربية دينان ) رواه مالك . وصح عنه أيضاً : أنه أمر بإخراج اليهود والنصارى من الجزيرة ، وأمر أن لا يبقى فيها إلا مسلم ، وأوصى عند موته عليه السلام بإخراج المشركين من الجزيرة ، فهذا أمر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس فيه شك ، والواجب على الحكام أن ينفذوا هذه الوصية كما نفذها خليفة المسلمين عمر رضي الله عنه بإخراج اليهود من خيبر وإجلائهم ، فعلى الحكام – في السعودية وفي الخليج وفي جميع أجزاء الجزيرة – عليهم جميعاً أن يجتهدوا كثيراً في إخراج النصارى والبوذيين والوثنيين والهندوس وغيرهم من الكفرة ، وألا يستقدموا إلا المسلمين . هذا هو الواجب وهو مبين بياناً جلياً في قواعد الشرع الحنيف ، فالمقصود والواجب إخراج الكفار من الجزيرة ، وأن لايستعمل فيها إلا المسلمين من بلاد الله ، ثم إن عليهم أيضاً أن يختاروا من المسلمين ، فالمسلمون فيهم من هو مسلم بالادعاء لا بالحقيقة ، وعنده من الشر ماعنده ، فيجب على من يحتاج إلى مسلمين يستأجرهم أن يسأل أهل المعرفة حتى لا يستقدم إلا المسلمين الطيبين المعروفين بالمحافظة على الصلاة
والاستقامة . أما الكفار فلا يستخدمهم أبداً إلا عند الضرورة الشرعية ، أي التي يقدرها ولاة الأمر وفق شرع الإسلام وحده .
( ابن باز ) .
السؤال : هل يجوز استقدام الأيدي العاملة من غير المسلمين ؟(1/1)
الجواب : لا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج المشركين من جزيرة العرب ، وأمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب وقال : ( لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلماً ) . رواه مسلم .
وهذه الأحاديث تدل على أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن تبقى جزيرة العرب ليس فيها إلا مسلم ، لما في وجود النصارى وغيرهم من الكفار في الجزيرة من الخطر . وهذه الجزيرة منها بدأ الإسلام وانتشر في أرجاء العالم ، وإليها يعود كما ثبت في الصحيح : من أن الإيمان يأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها . وإذا كان كذلك فإن استقدام غير المسلمين إلى هذه الجزيرة فيه خطر عظيم ، ولو لم يكن من خطره ومضرته إلا أن المستقدِم لهم يألفهم ويركن إليهم ، وربما يقع في قلبه محبة لهم وتودد إليهم ، وقد قال الله تعالى : ( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ) ، وربما يشتبه عليه الحق بالباطل ، فيظن أنهم إخوة لنا ، يطلق عليهم إخوة ، ويدعي بما يوحي به الشيطان أنهم إخوة لنا في الإنسانية ، وهذا ليس بصحيح ، فإن الأخوة الإيمانية هي الأخوة الحقيقية ، ومع اختلاف الدين لا أخوة حتى أن الله عز وجل لما قال نوح : ( رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين ) قال : ( يانوح إنه ليس من أهلك ) وقد قطع النبي صلى الله عليه وسلم الصلة بين المؤمنين والكافرين حتى في الميراث بعد الموت ، فقال : ( لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ) . رواه البخاري ومسلم .(1/2)
وإذا كان الأمر هكذا فإن الاحتكاك بغير المسلمين واستقدامهم ومشاركتهم في الأعمال ، وفي الأكل والشرب ، والذهاب والمجيء ، كل هذا ربما يميت الغيرة في قلوب المسلمين حتى يألفوا من قال الله تعالى فيهم : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق ) .
( ابن عثيمين ) .(1/3)
حكم استقدام خادمة غير مسلمة
السؤال : بعثت أطلب خادمة لإعانة زوجتي في المنزل ، فأفادوا بالمراسلة أنه لا يوجد مسلمة في البلد الذي أريد الخادمة منه ، فهل يجوز ان أستقدم خادمة غير مسلمة ؟
الجواب : لا يجوز استقدام خادمة غير مسلمة ، ولا خادم غير مسلم ، ولا سائق غير مسلم ، ولا عامل غير مسلم إلى الجزيرة العربية ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج اليهود والنصارى منها ، وأمر ألا يبقى فيها إلا مسلم ، وأوصى عند وفاته عليه الصلاة والسلام بإخراج جميع المشركين من هذه الجزيرة .
ولأن في استقدام الكفرة من الرجال والنساء خطراً على المسلمين في عقائدهم ، وأخلاقهم ، وتربية أولادهم ، فوجب منع ذلك طاعة لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وحسماً لمادة الشرك والفساد ، والله ولي التوفيق .
( ابن باز ) .(1/1)
حكم الإقامة في بلاد الكفار
السؤال : ماحكم الإقامة في بلاد الكفار ؟
الجواب : الإقامة في بلاد الكفار خطر عظيم على دين المسلم وأخلاقه وسلوكه وآدابه . وقد شاهدنا – وغيرنا – انحراف كثير ممن أقاموا هناك فرجعوا بغير ما ذهبوا به ، ورجعوا فساقاً وبعضهم رجع مرتداً عن دينه وكافراً به وبسائر الأديان – والعياذ بالله – حتى صاروا إلى الجحود المطلق والاستهزاء بالدين وأهله السابقين منهم واللا حقين ، ولهذا كان ينبغي بل يتعين التحفظ من ذلك ووضع الشروط التي تمنع من الهوى في تلك المهالك ، فالإقامة في بلاد الكفر لا بد فيها من شرطين أساسيين :
الشرط الأول : أمن المقيم على دينه ، بحيث يكون عنده من العلم والإيمان وقوة العزيمة ما يطمئنه على الثبات على دينه والحذر من الانحراف والزيغ ، وأن يكون مضمراً لعداوة الكافرين وبغضهم ، مبتعداً عن موالاتهم ومحبتهم مما ينافي الإيمان . قال الله تعالى : ( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهمأو إخوانهم أو عشيرتهم ) . وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لايهدي القوم الظالمين فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة ، فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ) . وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أن من أحب قوماً فهو منهم وأن ( المرء مع من أحب ) رواه البخاري ومسلم .
ومحبة أعداء الله من أعظم ما يكون خطراً على المسلم ، لأن محبتهم تستلزم موافقتهم واتباعهم ، أو على الأقل عدم الإنكار عليهم ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ما معناه : ( من أحب قوماً فهو منهم ) .(1/1)
الشرط الثاني : أن يتمكن من إظهار دينه ، بحيث يقوم بشعائر الإسلام بدون ممانع ، فلا يمنع من إقامة الصلاة والجمعة والجماعات إن كان معه من يصلي جماعة ومن يقيم الجمعة . ولا يمنع من الزكاة والصيام والحج وغيرها من شعائر الدين . فإن كان لا يتمكن من ذلك لم تجز الإقامة لوجوب الهجرة حينئذٍ .
قال في المغني ص 457 ج 8 في الكلام على أقسام الناس في الهجرة :
أحدها : من تجب عليه وهو من يقدر عليها ولا يمكنه إظهار دينه ، ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار ، فهذا تجب عليه الهجرة لقوله تعالى : ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا : ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً ) . وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه ، والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته ، وما لايتم الواجب إلا به فهو واجب .
وبعد تمام هذين الشرطين الأساسيين تنقسم الإقامة في دار الكفر إلى أقسام :
القسم الأول : أن يقيم للدعوة إلى الإسلام والترغيب فيه ، فهذا نوع من الجهاد ، فهي فرض كفاية على من قدر عليها بشرط أن تتحقق الدعوة ، وأن لا يوجد من يمنع منها أو من الاستجابة إليها ، لأن الدعوة إلى الإسلام من واجبات الدين وهي طريقة المرسلين ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبليغ عنه في كل زمان ومكان فقال صلى الله عليه وسلم : ( بلغوا عني ولو آية ) . رواه البخاري .
القسم الثاني : أن يقيم لدر راسة أحوال الكافرين والتعرف على ماهم عليه من فساد العقيدة وبطلان التعبد وانحلال الأخلاق وفوضوية السلوك ليحذر الناس من الاعتزاز بهم ، ويبين لمعجبين بهم حقيقة حالهم ، وهذه الإقامة نوع من الجهاد أيضاً لما يترتب عليها من التحذير من الكفر وأهله المتضمن للترغيب في الإسلام .
( ابن عثيمين ) .(1/2)
حكم الاستغاثة بالأولياء
السؤال : ما حكم الله فيمن يستغيث بالأولياء عند نزول حادث به ؟
الجواب : من استغاث بالأولياء بعد موتهم أو في حال غيبتهم عنه فهو مشرك شركاً أكبر لقوله تعالى : ( ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم ) . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
( اللجنة الدائمة ) .(1/1)
حكم الاعتقاد بوجود الرسول في كل مكان
السؤال :هل يوجد الرسول عليه الصلاة والسلام – في كل مكان ؟ وهل كان يعلم الغيب ؟
الجواب : قد علم من الدين بالضرورة ، وبالأدلة الشرعية ، أن رسول اله صلى الله عليه وسلم لا يوجد في كل مكان ، وإنما يوجد جسمه في قبره فقط في المدينة المنورة أما روحه ففي الرفيق الأعلى في الجنة ، وقد دل على ذلك ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال عند الموت ( اللهم في الرفيق الأعلى ) . رواه البخاري ومسلم . ثلاثاً ثم توفي . وقد أجمع علماء الإسلام من الصحابة ومن بعدهم أنه – عليه الصلاة والسلام – دفن في بيت عائشة – رضي الله عنها – المجاور لمسجده الشريف ، والمرسلين وأرواح المؤمنين فكلها في الجنة ، لكنها على منازل في نعيمها ودرجاتها ، حسب ما خص الله به الجميع من العلم والإيمان والصبر على حمل المشاق في سبيل الدعوة إلى الحق .(1/1)
أما الغيب فلا إلا الله وحده ، وإنما يعلم الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره من الخلق من الغيب ما أطلعهم الله عليه مما ورد في القرآن الكريم والسنة المطهرة من بيانه لأمور الجنة والنار وأحوال القيامة وغير ذلك ، مما دل عليه القرآن والأحاديث الصحيحة ، كأخبار الدجال ، طلوع الشمس ، من مغربها ، وخروج الدابة ، ونزول المسيح عيسى ابن مريم في آخر الزمان ، وأشباه ذلك لقول الله عز وجل في سورة النمل : ( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون ) . وقوله سبحانه : ( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ) . وقوله سبحانه في سورة الأعراف : ( قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون ) . والآيات في هذا المعنى كثيرة . وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث ما يدل على أنه لا يعلم الغيب ، منها ما ثبت في جوابه لجبريل لما سأله عن الساعة قال : ( ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ) .
ثم قال في خمس لا يعلمهن إلا الله وتلا قوله تعالى : ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ) ومنها أنه عليه الصلاة والسلام لما رمى أهل الإفك عائشة – رضي الله عنها – بالفاحشة لم يعلم ببراءتها إلا بنزول الوحي كما في سورة النور ، ومنها أنه لما ضاع عقد عائشة في بعض الغزوات لم يعلم صلى الله عليه وسلم مكانه ، وبعث جماعة في طلبه فلم يجدوه ، فلما قام بعيرها وجدوه تحته . وهذا قليل من كثير من الأحاديث الواردة في هذا المعنى .(1/2)
أما ما يظنه بعض الصوفية من علمه بالغيب وحضوره صلى الله عليه وسلم لديهم في أوقات احتفالهم بالمولد وغيره فهو شيء باطل لا أساس له . وإنما قادهم إليه جهلهم بالقرآن وما كان عليه السلف الصالح . فنسأل الله لنا ولجميع المسلمين العافية مما ابتلاهم به ، كما نسأله سبحانه أن يهدينا وإياهم جميعاً صراطه المستقيم إنه سميع مجيب .
( ابن باز ) .(1/3)
حكم الاعتقاد في المشائخ بأنهم ينفعون ويضرون
السؤال : من سوداني مقيم في الأنبار يقول : في بلدنا طوائف متفرقة كل طائفة تتبع شيخاً يرشدها ويعلمها أشياء ، ويعتقدون أنهم يشفعون لهم عند الله يوم القيامة ، ومن لم يتبع هؤلاء المشايخ يعتبر ضائعاً في الدنيا والآخرة ، عند اتباع هؤلاء أم نخالفهم ؟ أفيدونا بارك الله فيكم ؟
الجواب : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعد :(1/1)
فيذكر السائل أن لديهم مشايخ يتبعونهم ، وأن من ليس له شيخ فهو ضائع في الدنيا والآخرة إذا لم يطع هذا الشيخ . والجواب عن هذا : أن هذا غلط ومنكر لا يجوز اتخاذه ولا اعتقاده ، وهذا واقع فيه كثير من الصوفية ، يرون أن مشايخهم هم القادة ، وأن الواجب اتباعهم مطلقاً ، وهذا غلط عظيم وجهل كبير ، وليس في الدنيا أحد يجب اتباعه والأخذ بقوله سوى رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فهو المتبع عليه الصلاة والسلام . أما العلماء فكل واحد يخطئ ويصيب ، فلا يجوز اتباع قول أحد من الناس كائناً من كان إلا إذا وافق شريعة الله ، وإن كان عالماً كبيراً ، فقوله لا يجب اتباعه إلا إذا كان موافقاً لشرع الله الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام ، لا الصوفية ولا غير الصوفية ، واعتقاد الصوفية في هؤلاء المشايخ أمر باطل وغلط ، فالواجب عليهم التوبة إلى الله من ذلك ، وأن يتبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من الهدى . قال تعالى : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ) المعنى : قل يا أيها الرسول للناس : إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ... والمراد هو محمد صلى الله عليه وسلم والمعنى قل يا محمد لهؤلاء الناس المدعين لمحبة الله : إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله . وقال تعالى : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ، وقال سبحانه : ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون ) .(1/2)
فالطاعة الواجبة هي طاعة الله ورسوله ، ولا يجوز طاعة أحد من الناس بعد الرسول صلى الله عليه وسلم إلا إذا وافق قوله شريعة الله ، فكل واحد يخطئ ويصيب ماعدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن الله عصمه وحفظه فيما يبلغه للناس من شرع الله عز وجل . قال تعالى : ( والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى ) ، فعلينا جميعاً أن تبع ما جاء به عليه الصلاة والسلام ، وأن نعتصم بدين الله ونحافظ عليه ، وأن لا نغتر بقول الرجال ، وأن لا نأخذ بأخطائهم ، بل يجب أن تعرض أقوال الناس وآراؤهم على كتاب الله وسنة رسوله ، فيما وافق الكتاب والسنة أو أحدهما قبل وإلا فلا . قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي المر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً ) وقال تعالى : ( وما اختلفتم في شيء فحكمه إلى الله ) وقال عز وجل : ( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ) ، فتقليد المشايخ واتباع آرائهم بغير علم وبصيرة ذلك أمر لا يجوز عند جميع العلماء ، بل منكر بإجماع أهل السنة والجماعة ، لكن ما وافق الحق من أقوال العلماء أخذ به ، لأنه وافق الحق ، لا لأنه قول فلان ، وما خالف الحق من أقوال العلماء أو مشايخ الصوفية أو غيرهم وجب رده ، وعدم الأخذ به ، لكونه خالف الحق لا لكونه قول فلان أو فلان .
( ابن باز ) .(1/3)
حكم التعلق بالأسباب
السؤال : ما حكم التعلق بالأسباب ؟
الجواب :فأجاب حفظه الله بقوله : التعلق بالأسباب أقسام :
القسم الأول : ما ينافي التوحيد في أصله ، وهو أن يتعلق الإنسان بشيء لا يمكن أن يكون له تأثير ويعتمد عليه اعتماداً كاملاً معرضاً عن الله مثل تعلق عبَّاد القبور بمن فيها عند حلول المصائب . وهذا شرك أكبر مخرج عن الملة . وحكم الفاعل ما ذكره الله تعالى بقوله : ( إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ) .
القسم الثاني : أن يعتمد على سبب شرعي صحيح مع غفلته عن المسبب وهو الله تعالى ، فهذا نوع من الشرك ، ولكن لا يخرج من الملة ، لأنه اعتمد على السبب ونسي المسبب وهو الله تعالى .
القسم الثالث : أن يتعلق بالسبب تعلقاً مجرداً لكونه سبباً فقط مع اعتماده الأصلي على الله ، فيعتقد أن هذا السبب من الله ، وأن الله لو شاء قطعه ولو شاء لأبقاه وأنه لا أثر للسبب في مشيئة الله عز وجل ، فهذا لا ينافي التوحيد لا أصلاً و لا كمالاً .
ومع وجود الأسباب الشرعية الصحيحة ينبغي للإنسان أن لا يعلق نفسه بالسبب بل يعلقها بالله ، فالموظف الذي يتعلق قلبه بمرتبه تعلقاً كاملاً مع الغفلة عن المسبب وهو الله فهذا نوع من الشرك ، أما إذا اعتقد أن المرتب سبب والمسبب هو الله سبحانه وتعالى فهذا لا ينافي التوكل . والرسول صلى الله عليه وسلم كان يأخذ بالأسباب مع اعتماده على المسبب وهو الله عز وجل .
( ابن عثيمين ) .(1/1)
حكم التنويم المغناطيسي وحكم قول : بحق فلان
السؤال : ما حكم الإسلام في التنويم المغناطيسي وبه تقوى قدرة المنوم على الإيحاء وبالتالي السيطرة عليه وجعله يترك محرماً أو يشفى من مرض عصبي أو يقوم بالعمل الذي يطلب المنوم ؟
وما حكم الإسلام في قول فلان ( بحق فلان ) أهو حلف أم لا أفيدونا ؟
الجواب : وقد أجابت اللجنة بما يلي :
أولاً : علم المغيبات من اختصاص الله تعالى فلا يعلمها أحد من خلقه لا جني ولا غيره إلا ما أوحى الله به إلى من يشاء من ملائكته أو رسله قال الله تعالى : ( قل لايعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ) . وقال تعالى في شأن نبيه سليمان عليه السلام ومن سخره له من الجن : ( فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ) وقال تعالى : ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً ) .
وثبت عن النواس بن سمعان رضي الله عنه أنه قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي أخذت السماوات منه رجفة – أو قال رعدة شديدة – خوفاً من الله عز وجل ، فإذا سمع ذلك أهل السماوات صعقوا وخروا لله سجداً ، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل ، فيكلمه الله من وحيه بما أراد ، ثم يمر جبريل بالملائكة كلما مر بسماء قال ملائكتها : ماذا قال ربنا ياجبريل ؟ فيقول جبريل : قال الحق وهو العلي الكبير فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل ، فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله عز وجل ) . رواه ابن أبي عاصم والبيهقي .(1/1)
وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك ، حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا : ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الحق وهو العلي الكبير . فيسمعها مسترق السمع ، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض – وصفه سفيان بكفه فحرفها وبدد بين أصابعه – فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن ، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها ، وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة فيقال : أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء ) . رواه البخاري .
وعلى هذا لا يجوز الاستعانة بالجن وغيرهم من المخلوقات في معرفة المغيبات لا بدعائهم والتزلف إليهم ولا بضرب مندل أو غيره بل ذلك شرك لأنه نوع من العبادة وقد أعلم الله عباده أن يخصوه بها فيقولوا ( إياك نعبد وإياك نستعين ) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لابن عباس : ( إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله .. الحديث ) . رواه الإمام أحمد والترمذي .(1/2)
ثانياً : التنويم المغناطيسي ضرب من ضروب الكهانة باستخدام جني حتى يسلطه على المنوِّم على المنوَّم فيتكلم بلسانه ويكسبه قوة على بعض الأعمال بالسيطرة عليه إن صدق مع المنوِّم وكان طوعاً له مقابل ما يتقرب به المنوِّم إليه ، ويجعل ذلك الجني المنوَّم طوع إرادة المنوِّم بما يطلبه من الأعمال أو الأخبار بمساعدة الجني له إن صدق ذلك الجني مع المنوِّم ، وعلى ذلك يكون استغلال التنويم المغناطيسي واتخاذه طريقاً أو وسيلةً لدلالة على مكان سرقة أو ضالة أو علاج مريض أو القيام بأي عمل آخر بواسطة المنوِّم غير جائز بل هو شرك لما تقدم ، ولأنه إلتجاء إلى غير الله فيما هو من وراء الأسباب العادية التي جعلها سبحانه إلى المخلوقات وأباحها لهم .
ثالثاً : قول الإنسان : ( بحق فلان ) يحتمل أن يكون قسماً – حلفاً – بمعنى أقسم عليك بحق فلان ، فالباء باء القسم . ويحتمل أن يكون من باب التوسل والاستعانة بذات فلان أو بجاهه ، فالباء للاستعانة . وعلى كلا الحالتين لا يجوز هذا القول ، أما الأول فلأن القسم بالمخلوق على المخلوق لا يجوز فالإقسام به على الله تعالى أشد منعاً ، بل حكم النبي صلى الله عليه وسلم بأن الإقسام بغير الله شرك فقال : من حلف بغير الله فقد أشرك ) . رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم صححه .(1/3)
وأما الثاني فلأن الصحابة رضي الله عنهم لم يتوسلوا بذات النبي صلى الله عليه وسلم ولا بجاهه لا في حياته ولا في مماته وهم أعلم الناس بمقامه عند الله وبجاهه عنده وأعرفهم بالشريعة ، وقد نزلت بهم الشدائد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته فلجأوا إلى الله ودعوه لكشفها ، ولو كان التوسل بذاته أو بجاهه صلى الله عليه وسلم مشروعاً لعلمهم إياه صلى الله عليه وسلم لأنه لم يترك أمراً يقرب إلى الله إلا أمر به وأرشد إليه ، ولعملوا به رضوان الله عليهم حرصاً على العمل بما شرع لهم وخاصة وقت الشدة ، فعدم ثبوت الإذن فيه منه صلى الله عليه سولم والإرشاد إليه وعدم العمل به دليل على أنه لا يجوز .
والذي ثبت عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يتوسلون إلى الله بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم ربه استجابة لطلبهم ، وذلك في حياته كما في الاستسقاء وغيره فما مات صلى الله عليه وسلم قال عمر رضي الله عنه ، لما خرج للاستسقاء : ( اللهم ربنا إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فأسقنا ، فيسقون ) . رواه البخاري . يريد بدعاء العباس ربه وسؤاله إياه ، وليس المراد التوسل بجاه العباس ، لأن جاه النبي صلى الله عليه وسلم أعظم منه وأعلى وهو ثابت له بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بدلاً من توسلهم بالعباس لكنهم لم بفعلوا .
ثم إن التوسل بجاه الأنبياء وسائر الصالحين وسيلة من وسائل الشرك القريبة كما أرشد إلى ذلك الواقع والتجارب ، فكان ذلك ممنوعاً سداً للذريعة وحماية لجناب التوحيد . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
( اللجنة الدائمة ) .(1/4)
التقليد الأعمى للغرب
السؤال : نسأل فضيلتكم عن ظاهرة أخذت في الازدياد داخل المستشفيات ، وهي دخيلة على المجتمع المسلم ، حيث انتقلت إلينا من المجتمعات الغربية الكافرة ، ألا وهي إهداء الزهور للمرضى وقد تشترى بأثمان باهظة ، فما هو رأيكم في هذه العادة ؟
الجواب : لا شك أن هذه الزهور لا فائدة فيها ، ولا أهمية لها ، فلا هي تشفي المريض ، ولا تخفف الألم ، ولا تجلب صحة ، ولا تدفع الأمراض حيث هي مجرد صور مصنوعة على شكل نبات له زهور ، عملته الأيدي ، أو الماكينات ، وبيع بثمن رفيع ، ربح فيه الصانعون ، وخسر فيه المشترون ، فليس فيه سوى تقليد الغرب تقليداً أعمى ، بدون أدنى تفكير ، فإن هذه الزهور تشترى برفيع الثمن ، وتبقى عند المريض ساعة أو ساعتين ، أو يوماً أو يومين ، ثم يرمى بها في النفايات بدون استفادة ، وكان الأولى الإحتفاظ بثمنها ، وصرفه في شيء نافع من أمور الدنيا أو الدين ، فعلى من رأى أحداً يشتريها أو يبيعها تنبيه من يفعل ذلك ، رجاء أن يتوب ويترك هذا الشراء الذي هو خسران مبين .
( ابن جبرين ) .(1/1)
حكم التهنئة بعيد الكريسماس
سئل فضيلة الشيخ : عن حكم تهنئة الكفار بعيد الكريسماس ؟ وكيف نرد عليهم إذا هنئونا بها ؟ وهل يجوز الذهاب إلى أماكن الحفلات التي يقيمونها بهذه المناسبة ، وهل يأثم الإنسان إذا فعل شيئاً مما ذكر بغير قصد ؟ وإنما فعله إما مجاملة أو حياء أو إحراجاً أو غير ذلك من الأسباب ؟ وهل يجوز التشبه بهم في ذلك ؟
فأجاب فضيلته بقوله : فأجاب فضيلته بقوله : تهنئة الكفار بعيد الكريسماس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالإتفاق ، كما نقل ذلك ابن القيم – رحمه الله – في كتابه ( أحكام أهل الذمة ) ، حيث قال : ( وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالإتفاق ، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم ، فيقول : عيد مبارك عليك ، أو : تهنأ بهذا العيد ونحوه ، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات ، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب ، بل ذلك أعظم إثماً عند الله ، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس ، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه ، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ، ولا يدري قبح ما فعل ، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه ) . انتهى كلامه رحمه الله _ .
... وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حراماً وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم ، لأن فيها إقراراً لما هم عليه من شعائر الكفر ورضىً به لهم ، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه ، لكن يحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنىء بها غيره ، لأن الله – تعالى – لا يرضى بذلك ، كما قال الله تعالى - : ( إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم وقال تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً وتهنئتهم بذلك حرام سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا .(1/1)
وإذا هنئونا بأعيادهم فإننا لا نجيبهم على ذلك ، لأنها ليست بأعياد لنا ، ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى ،لأنها إما مبتدعة في دينهم ، وإما مشروعة ، لكن نسخت بدين الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم ، إلى جميع الخلق ، وقال فيه : ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) .
وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام ، لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها لما في ذلك من مشاركتهم فيها .
وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة ، أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى ، أو أطباق الطعام أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من تشبه بقوم فهو منهم ) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه : ( اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ) : ( مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل ، وربما أطمعهم ذلك انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء ) انتهى كلامه رحمه الله .
ومن فعل شيئاً من ذلك فهو آثم سواء فعله مجاملة أو تودداً أو حياء أو لغير ذلك من الأسباب ، لأنه من المداهنة في دين الله ، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم .(1/2)
حكم التوسل بالنبي
السؤال : ما حكم التوسل بسيد الأنبياء ، وهل هناك أدلة على تحريمه ؟
الجواب : التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم فيه تفصيل ، فإن كان ذلك باتباعه ومحبته وطاعة أوامره وترك نواهيه والإخلاص لله في العبادة ، فهذا هو الإسلام ، وهو دين الله الذي بعث به أنبياءه ، وهو الواجب على كل مكلف .. وهو الوسيلة للسعادة في الدنيا والآخرة ، أما التوسل بدعائه والاستغاثة به وطلبه النصر على الأعداء والشفاء للمرضى – فهذا هو الشرك الأكبر ، وهو دين أبي جهل وأشباهه من عبدة الأوثان ، وهكذا فعل ذلك مع غيره من الأنبياء والأولياء أو الجن أو الملائكة أو الأشجار أو الأحجار أو الأصنام .
وهناك نوع ثالث يسمى التوسل وهو التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم أو بحقه أو بذاته مثل أن يقول الإنسان : أسألك يا الله بنبيك ، أو جاه نبيك ، أو حق نبيك ، أو جاه الأنبياء ، أو حق الأنبياء ، أو جاه الأولياء والصالحين وأمثال ذلك ، فهذا بدعة ومن وسائل الشرك ، ولا يجوز فعله معه صلى الله عليه وسلم ولا مع غيره ، لأن الله سبحانه وتعالى لم يشرع ذلك ، والعبادات توقيفية لا يجوز منها إلا مادل عليه الشرع المطهر .(1/1)
وأما توسل الأعمى به في حياته صلى الله عليه وسلم فهو توسل به صلى الله عليه وسلم ليدعو له ويشفع له إلى الله في إعادة بصره إليه ، وليس توسلاً بالذات أو الجاه أو الحق كما يعلم ذلك من سياق الحديث ، وكما أوضح ذلك علماء السنة في شرح الحديث . وقد بسط الكلام في ذلك شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله في كتبه الكثيرة المفيدة ، ومنها كتابه المسمى ( القاعدة الجلية في التوسل والوسيلة ) وهو كتاب مفيد جدير بالإطلاع عليه والاستفادة منه . وهذا الحكم جائز مع غيره صلى الله عليه وسلم من الأحياء كأن تقول لأخيك أو أبيك أو من تظن فيهم الخير : ادع الله لي أن يشفيني من مرضي أو يرد علي بصري أو يرزقني الذرية الصالحة أو نحو ذلك بإجماع أهل العلم . والله ولي التوفيق
( ابن باز ).
السؤال : ما حكم التوسل بالنبي عليه الصلاة والسلام ؟
الجواب : التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أقسام :
أولاً : أن يتوسل بالإيمان به ، فهذا التوسل صحيح مثل أن يقول : اللهم إني آمنت بك وبرسولك فاغفر لي . وهذا لا بأس به . وقد ذكره الله تعالى في القرآن الكريم في قوله : ( ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا . ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ) ، ولأن الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وسيلة شرعية لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات ، فهو قد توسل بوسيلة ثابتة شرعاً .
ثانياً : أن يتوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم أي أن يدعو للمشفوع له ، وهذا أيضاً جائز وثابت لكنه لا يمكن أن يكون إلا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم . وقد ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه قال : ( اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ) . رواه البخاري . وأمر العباس أن يقوم فيدعو الله سبحانه وتعالى بالسقيا . فالتوسل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بدعائه جائز ولا بأس به .(1/2)
ثالثاً : أن يتوسل بجاه الرسول صلى الله عليه وسلم سواء في حياته أو بعد مماته – فهذا توسل بدعي لا يجوز ، وذلك لأن جاه الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينتفع به إلا الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يقول : اللهم إني أسألك بجاه نبيك أن تغفر لي أو ترزقني الشيء الفلاني . لأن الوسيلة لا بد أن تكون وسيلة ، والوسيلة مأخوذة من الوسل بمعنى الوصول إلى الشيء ، فلا بد أن تكون هذه الوسيلة موصلة إلى الشيء وإذا لم تكن موصلة إليه فإن التوسل بها غير مجد ولا نافع .
وعلى هذا فنقول التوسل بالرسول عليه الصلاة والسلام ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أن يتوسل بالإيمان به واتباعه ، وهذا جائز في حياته وبعد مماته .
القسم الثاني : أن يتوسل بدعائه أي بأن يطلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعو له ، فهذا جائز في حياته لا بعد مماته لأنه بعد مماته متعذر .
القسم الثالث : أن يتوسل بجاهه ومنزلته عند الله ، فهذا لا يجوز لا في حياته ولا بعد مماته ، لأنه ليس وسيلة ، إذ أنه لا يوصل الإنسان إلى مقصوده لأنه ليس من عمله .
فإذا قال قائل : جئت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام عند قبره وسألته أن يستغفر لي أو أن يشفع لي عند الله فهل يجوز ذلك أو لا ؟(1/3)
قلنا : لا يجوز ، فإذا قال أليس الله يقول : ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً ) . قلنا له : بلى إن الله يقول ذلك ، ولكن يقول : ( ولو أنهم إذ ظلموا ) ( وإذ ) هذه ظرف لما مضى وليست ظرفاً للمستقبل لم يقل الله : ( ولو أنهم إذا ظلموا ) بل قال : ( إذ ظلموا ) فالآية تتحدث عن أمر وقع في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، واستغفار الرسول صلى الله عليه وسلم بعد مماته أمر متعذر لأنه إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له ) . رواه مسلم . فلا يمكن لإنسان بعد موته أن يستغفر لأحد ، بل ولا يستغفر لنفسه أيضاً لأن العمل انقطع .
( ابن عثيمين ) .(1/4)
حكم التوسل وأقسامه
السؤال : ما حكم التوسل وما أقسامه ؟
الجواب : التوسل اتخاذ الوسيلة . والوسيلة كل ما يوصل إلى المقصود فهي من الوصل لأن الصاد والسين يتناوبان ، كما يقال : صراط وسراط ، وبصطة وبسطة .
والتوسل في دعاء الله تعالى أن يقرن الداعي بدعائه ما يكون سبباً في قبول دعائه ، ولا بد من دليل على كون هذا الشيء سبباً للقبول ، ولا يعلم ذلك إلا من طريق الشرع ، فمن جعل شيئاً من الأمور وسيلة له في قبول دعائه بدون دليل من الشرع فقد قال على الله ما لا يعلم ، إذ كيف يدري ما جعله وسيلة مما يرضاه اله تعالى ويكون سبباً في قبول دعائه ؟ والدعاء من العبادة ، والعبادة موقوفة على مجيء الشرع بها . وقد أنكر الله تعالى على من اتبع شرعاً بدون إذنه وجعله من الشرك فقال تعالى : ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) وقال تعالى : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا الله إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ) .
والتوسل في دعاء الله تعالى قسمان :
القسم الأول : أن يكون بوسيلة جاءت بها الشريعة ، وهو أنواع :
الأول : التوسل بأسماء الله تعالى وصفاته وأفعاله ، فيتوسل إلى الله تعالى بالاسم المقتضي لمطلوبه أو بالصفة المقتصية له أو بالفعل المقتضي . قال الله تعالى : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) فيقول : اللهم يا رحيم ارحمني ، ويا غفور اغفر لي ، ونحو ذلك ، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخالق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي ) . رواه النسائي . وعلم أمته أن يقولوا في الصلاة عليه : ( اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى إبراهيم ) . رواه البخاري ومسلم .(1/1)
الثاني : التوسل إلى الله تعالى بالإيمان به وطاعته كقوله عن أولي الألباب : ( ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمونا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا ) . وقوله : ( إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا ) . وقوله عن الحواريين : ( ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ) .
الثالث : أن يتوسل إلى الله بذكر حال الداعي المبينة لاضطراره وحاجته كقول موسى عليه الصلاة والسلام : ( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) .
الرابع : أن يتوسل إلى الله بدعاء من ترجى إجابته ، كطلب الصحابة رضي الله عنهم من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لهم ، مثل قول الرجل الذي دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال : ادع الله أن يغيثنا ، رواه البخاري ومسلم . وقول عكاشة بن محصن للنبي صلى الله عليه وسلم : ادع الله أن يجعلني منهم . رواه البخاري ومسلم .(1/2)
وهذا إنما يكون في حياة الداعي أما بعد موته فلا يجوز ، لأنه لا عمل له فقد انتقل إلى دار الجزاء ، ولذلك لما أجدب الناس في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يستسقي لهم ، بل استسقى عمر بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له : قم فاستسق ، فقام العباس فدعا . وأما ما يروى عن العتبي أن أعرابياً جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليك يا رسول الله ، سمعت الله يقول : ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما ً ) ، وقد جئتك مستغفراً من ذنوبي مستشفعاً بك إلى ربي .. وذكر تمام القصة فهذه كذب لا تصح ، والآية ليس فيها دليل لذلك ، لأن الله يقول : ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم ) . ولم يقل : إذا ظلموا أنفسهم . و( إذا ) لما مضى لا للمستقبل ، والآية في قوم تحاكموا أو أرادوا التحاكم إلى غير الله ورسوله كما يدل على ذلك سياقها السابق واللاحق .
القسم الثاني : أن يكون التوسل بوسيلة لم يأت بها الشرع وهي نوعان :
أحدهما : أن يكون بوسيلة أبطلها الشرع كتوسل المشركين بآلهتهم ، وبطلان هذا ظاهر .
الثاني : أن يكون بوسيلة سكت عنها الشرع وهذا محرم ، وهو نوع من الشرك ، مثل أن يتوسل بجاه شخص ذي جاه عند الله فيقول : أسألك بجاه نبيك . فلا يجوز ذلك لأنه إثبات لسبب لم يعتبره الشرع ، ولأن جاه ذي الجاه ليس له أثر في قبول الدعاء ، لأنه لا يتعلق بالداعي ولا بالمدعو ، وإنما هو من شأن ذي الجاه وحده ، فليس بنافع لك في حصول مطلوبك أو دفع مكروبك ، ووسيلة الشيء ما كان موصلاً إليه ، والتوسل بالشيء إلى ما لا يوصل إليه نوع من العبث ، فلا يليق أن تتخذه فيما بينك وبين ربك . والله الموفق .
( ابن عثيمين ) .(1/3)
حكم التوسل وشرح حديث العباس
السؤال : هل هذا الحديث صحيح ، وهل يدل على جواز التوسل بجاه الأولياء ؟ الحديث هو : عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب وقال : ( اللهم إنا كنا نستسقي إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ، فيسقون ) ؟
الجواب : هذا الحديث الذي أشار إليه السائل حديث صحيح رواه البخاري ، لكن من تأمله وجد إنه دليل على عدم التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره ، وذلك أن التوسل هو اتخاذ وسيلة ، والوسيلة هي الشيء الموصل إلى المقصود ، والوسيلة المذكورة في هذا الحديث : ( نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ) المراد بها التوسل إلى الله تعالى بدعاء النبي صلى الله عليه وشسلم ، كما قال الرجل : ( يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا ) . ولأن عمر قال للعباس : قم يا عباس فادع الله ، فدعا ، ولو كان هذا من باب التوسل بالجاه لكان عمر رضي الله عنه يتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتوسل بالعباس ، لأن جاه النبي صلى الله عليه وسلم عند الله أعظم من جاه العباس وغيره ، فلو كان هذا الحديث من باب التوسل بالجاه لكان الأجدر بأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أن يتوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم دون جاه العباس بن عبد المطلب .
والحاصل أن التوسل إلى الله تعالى بدعاء من ترجى فيه إجابة الدعاء لصلاحه لا بأس به ، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتوسلون إلى الله تعالى بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم وكذلك عمر رضي الله عنه توسل بدعاء العباس ابن عبد المطلب رضي الله عنه .(1/1)
فلا بأس إذا رأيت رجلاً صالحاً حرياً بالإجابة لكون طعامه وشرابه وملبسه ومسكنه حلالاً ، وكونه معروفاً بالعبادة والتقوى لا بأس أن تسأله أن يدعو الله لك بما تحب ، بشرط أن لا يحصل في ذلك غرور لهذا الشخص الذي طلب منه الدعاء ، فإن حصل منه غرور بذلك فإنه لا يحل لك أن تقتله وتهلكه بهذا الطلب منه لأن ذلك يضره .
كما أنني أيضاً أقول : إن هذا جائز ولكنني لا أحبذه ، وأرى أن الإنسان يسأل الله تعالى بنفسه دون أن يجعل له واسطة بينه وبين الله ، وأن ذلك أقوى في الرجاء وأقرب إلى الخشية ، كما أنني أيضاً أرغب من أن الإنسان إذا طلب من أخيه الذي ترجى إجابة دعائه أن يدعو له أن ينوي بذلك الإحسان إليه أي إلى هذا الداعي دون دفع حاجة هذا المدعو له لأنه إذا طلبه من أجل دفع حاجته صار كسؤال المال وشبهه المذموم ، أما إذا قصد بذلك نفع أخيه بالإحسان إليه ، والإحسان إلى المسلم يثاب عليه المرء كما هو معروف – كان هذا أولى وأحسن والله ولي التوفيق . ( ابن عثيمين ) .(1/2)
حكم الخجل من ملابس المسلمين في بلاد الكفار
السؤال : البعض يجد في نفسه عند السفر إلى الخارج حرجاً وخجلاً إذا لبس الذي يدل على إسلامه فما هو توجيهكم ؟ .
الجواب : صحيح ما قاله السائل وللأسف الشديد ، فعلى الرغم من أننا نحن الأعلون نجد فينا ضعف الشخصية ، ونشعر أننا أذناب لغيرنا في الواقع وأتباع لهم ، تجد الإنسان منا إذا رأى شيئاً مفيداً لا يعزوه إلى نفسه ، ولا إلى غيره من المسلمين ، إنما يقول : هذا من الحضارة الغربية أو الشرقية ، وتجده لا يعتز بشخصيته أمام تيار الفساد لهؤلاء ، وإذا كان هؤلاء يأتون إلينا في بلادنا بلباسهم الفاضح العاري الخليع حتى إن نساءهم في بلاد المسلمين تأتي ونصف فخذها عار ونحرها عار ، ورقبتها عارية وتمشي تدق الأرض بقدميها ، حتى تكاد تنهدم الأرض من تححتها ، ولا تبالي وهي امرأة ، فكيف بنا الرجال المسلمين ؟ كيف نخجل إذا كنا نمشي بلباسنا الساتر الإسلامي في بلادهم ؟ أفليس هذا أكبر دليل على ضعف الشخصية ؟
الجواب : بلى إذا عاملناهم بالمثل فقد عاملناهم بالعدل ، إذا كانوا هم يأتون إلى بلادنا بلباسهم غير مبالين بشعورنا ، فلماذا لا نأت نحن بلباسنا حين نسافر إليهم ولا نبالي بشعورهم .
على أنه حدثني من أثق به – وهو الآن رهين في قبره – يقول : إنه سافر إلى عاصمة بلد غربية وكان بلباسه الإسلامي الوطني – مشلح وقميص وعقال وغترة – فوجدت منهم الإكرام الكثير ، حتى إنهم يبادرون لفتح باب السيارة إذا أردت الركوب .(1/1)
انظر الإنسان إذا اعتز بالله عز وجل أعزه الله ، لكن أن نتخاذل أمامهم ، فإن هذا ليس من شأن المسلم ، ولو أننا راجعنا التاريخ وإلى معاملة المجاهدين المسلمين لأعدائهم في الحروب لوجدت كيف كانت العزة من هؤلاء المسلمين مع أعدائهم ، ثم إن الذي ينبغي للإنسان المسلم أن يحافظ على كرامته بحيث لا يعتقد أن مدنيتهم الزائفة هي الحضارة ، بل الصواب أن تبدل الضاد بالقاف فتكون ( الحقارة ) ، لا ، الحضارة التي تؤدي إلى هدم الأخلاق ، وإلى التفسخ ، بل وإلى الكفر بالله عز وجل ، والله لا يصح أن نسميها حضارة مهما كان الأمر ، الحضارة الحقيقية وهي التقدم النافع إنما هي التمسك بدين الإسلام وأخلاقه ، فلماذا نعطي هؤلاء الثمن رخيصاً ؟ لنقول أنتم أهل الحضارة ونحن أهل التأخر ، مع أن الواجب أن نتقدم نحن بإسلامنا عقيدة وعملا ومنهاجاً لتكون الحضارة منا إليهم .
( الصدق ) أليس من الحضارة ؟ الجواب : نعم . وهو يوجد في الإسلام ، والإسلام يحث عليه : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( عليكم بالصدق ، فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتنى يكتب عند الله صديقاً ، وإياكم والكذب ، فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ) .
لكن من الأسف أن كثيراً من المسلمين قد فقد منهم الصدق ، إذن فنحن لم نمثل الإسلام في هذا الجانب الكبير العظيم .(1/2)
النصح والبيان في المعاملة جاء به الإسلام ، يقول عليه الصلاة والسلام : ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما ) فهل هذا النصح والبيان موجود في معاملة كل المسلمين ؟ الجواب : لا بل هو مفقود في المعاملة من بعض المسلمين ، بعض المسلمين لا يصدق ولا يبين ، بل يأتي إليك ويقول : هذه السلعة قيمتها مائة ريال ، والحقيقة أن قيمتها خمسون ريالاً أليس هذا كذباً وغشاً ؟ ! والإسلام ينهى عن ذلك ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من غشنا فليس منا ) فيتبرأ منه النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك فبعض المسلمين يغش – والعياذ بالله – وإذا تأملت أحوالنا نحن المسلمين وجدت أمراً مخجلاً ، وجدت أن التعاليم الإسلامية التي تأمر بالصدق ، والبيان ، واللين ، واللطف مفقودة من بيننا ، والعكس هو الموجود في كثير منا ، ولذلك يمكن أن نقول : أن بعض المسلمين ينفر عن الإسلام بسلوكه المخالف للإسلام .
( ابن عثيمين ) .(1/3)
حكم الذبح عند الأضرحة ودعاء أهلها
السؤال : ما حكم التقرب بذبح الذبائح عند أضرحة الأولياء الصالحين وقول : ( بحق وليك الصالح فلان اشفنا أو أبعد عنا الكرب الفلاني )؟ .
الجواب : من المعلوم بالأدلة من الكتاب والسنة أن التقرب بالذبح لغير الله من الأولياء أو الجن أو الأصنام أو غير ذلك من المخلوقات شرك بالله ومن أعمال الجاهلية والمشركين ، قال الله عز وجل : ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) والنسك هو ( الذبح ) بين سبحانه في هذه الآية أن الذبح لغير الله شرك بالله كالصلاة لغير الله ... قال تعالى : ( إنا أعطيناك الكوثر ، فصل لربك وانحر ) ، أمر الله سبحانه نبيه في هذه السورة الكريمة أن يصلي لربه وينحر له خلافاً لأهل الشرك الذين يسجدون لغير الله ويذبحون لغيره ، قال تعالى : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) وقال سبحانه : ( وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ) والآيات في هذا المعنى كثيرة ، والذبح من العبادة فيجب إخلاصه لله وحده ، وفي صحيح مسلم عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله من ذبح لغير الله ) .(1/1)
وأما قول القائل : أسأل الله بحق أوليائه ، أو بجاه أوليائه ، أو بحق النبي ، أو بجاه النبي فهذا ليس من الشرك ، ولكنه بدعة عند جمهور أهل العلم ، ومن وسائل الشرك ، لأن الدعاء عبادة وكيفيته من الأمور التوقيفية ، ولم يثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم ما يدل على شرعية أو إباحة التوسل بحق أو جاه أحد من الخلق ، فلا يجوز للمسلم أن يحدث توسلاً لم يشرعه الله سبحانه ، لقوله تعالى : ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) ، وفي رواية لمسلم وعلقها البخاري في صحيحه جازماً بها ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) ومعنى قوله : ( فهو رد ) أي مردود على صاحبه لا يقبل ، فالواجب على أهل الإسلام التقيد بما شرعه الله ، والحذر مما أحدثه الناس من البدع .
أما التوسل المشروع فهو التوسل بأسماء الله وصفاته ، وبتوحيده وبالأعمال الصالحات ، ومنها الإيمان بالله ورسوله ، ومحبة الله ورسوله ، ونحو ذلك من أعمال البر والخير ، والأدلة على ذلك كثيرة منها قوله سبحانه : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) ومنها أنه سمع رجلاً يقول : ( اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ) فقال صلى الله عليه وسلم : ( لقد سأل الله باسمه الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب ) ، ومنها حديث أصحاب الغار الذين توسلوا إلى الله سبحانه وتعالى بأعمالهم الصالحة ، فإن الأول منهم توسل إلى الله سبحانه وتعالى ببره بوالديه ، والثاني توسل إلى الله بعفته عن الزنا بعد قدرته عليه ، والثالث توسل إلى الله سبحانه بكونه نمى أجرة الأجير ثم سلمها له ، ففرج الله كربتهم وقبل دعاءهم وأزال عنهم الصخرة التي سدت عليهم باب الغار والحديث متفق على صحته ، والله ولي التوفيق .
( ابن باز )(1/2)
حكم الذبح لغير الله
السؤال : سئل الشيخ : عن حكم الذبح لغير الله ؟
فأجاب بقوله : تقدم لنا في غير هذا الموضع أن توحيد العبادة هو إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة بأن لا يتعبد أحد لغير الله تعالى بشيء من أنواع العبادة ، ومن المعلوم أن الذبح قربة يتقرب بها الإنسان إلى ربه ، لأن الله تعالى أمر به في قوله : ( فصل لربك وانحر ) ، وكل قربة فهي عبادة ، فإذا ذبح الإنسان شيئاً لغير الله تعظيماً له وتذللاً وتقرباً إليه كما يتقرب بذلك ويعظم ربه عز وجل ، فإنه يكون مشركاً . وإذا كان مشركاً فإن الله تعالى قد بين أنه حرم على المشرك الجنة ومأواه النار .
وبناء على ذلك نقول : إن ما يفعله بعض الناس من الذبح للقبور – قبور الذين يزعمون بأنهم أولياء – شرك مخرج عن الملة ، ونصيحتنا لهؤلاء أن يتوبوا إلى الله عز وجل مما صنعوا ، وإذا تابوا إلى الله وجعلوا الذبح لله وحده كما يجعلون الصلاة والصيام لله وحده ، فإنه يغفر لهم ما سبق كما قال الله تعالى : ( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ) ، بل إن الله تعالى يعطيهم فوق ذلك فيبدل الله سيئاتهم حسنات كما قال الله تعالى : ( والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً ) .
فنصيحتي لهؤلاء الذين يتقربون إلى أصحاب القبور بالذبح لهم : أن يتوبوا إلى الله من ذلك ، وأن يرجعوا إليه ، وأن يخلصوا دينهم له سبحانه ، وليبشروا إذا تابوا بالتوبة من الكريم المنان ، فإن الله سبحانه وتعالى يفرح بتوبة التائبين وعودة المنيبين .
( ابن عثيمين ) .(1/1)
حكم الذهاب إلى الكنيسة
السؤال : :طلبوا مني أن أذهب معهم إلى الكنيسة فرفضت حتى أسأل عن حكم هذا ، فهل يجوز الذهاب معهم لأثبت سماحة الدين الإسلامي ، وأنه دين اجتماعي ، ولكي يتسع المجال لدعوتهم إلى الإسلام ، هذا ولا يخفى عليك أن ديانتهم نصرانية ومذهبهم بروتستنت ، وكما يقولون لا يوجد في صلاتهم سجود ولا ركوع ، علماً بأنه يستحيل أن أعتنق المسيحية بإذن الله تعالى .
الجواب : إذا كان ذهابك معهم إلى الكنيسة لمجرد إظهار التسامح والتساهل فلا يجوز ، وإن كان ذلك تمهيداً لدعوتهم إلى الإسلام وتوسيع مجالها وكنت لا تشاركهم في عبادتهم ولا تخشى أن تتأثر بعقائدهم ولا عاداتهم وتقاليدهم فذلك جائز. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
( فتاوى اللجنة الدائمة ) .(1/1)
حكم السف خارج الدول الإسلامية
السؤال : كثير من الناس ابتلي بالأسفار خارج الدول الإسلامية التي لا تبالي بارتكاب المعصية فيها ،ولا سيما أولئك الذين يسافرون من أجل ما يسمونه شهر العسل . أرجو من سماحة الشيخ أن يتفضل بنصيحة إلى أبنائه وإخوانه المسلمين وإلى ولاة الأمر كيما يتنبهوا إلى هذا الموضوع ؟
الجواب : الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه ، أما بعد :(1/1)
فلا ريب أن السفر إلى بلاد الكفر فيه خطر عظيم ليس فقط في وقت الزواج وما يسمى بشهر العسل وفي غيره من الأوقات ، فالواجب على المؤمن أن يتقي الله ويحذر أسباب الخطر ، فالسفر إلى بلاد المشركين وإلى البلاد التي فيها الحرية وعدم إنكار المنكر فيه خطر عظيم على دينه وأخلاقه ، وعلى دين زوجته أيضاً إذا كانت معه ، فالواجب على جميع شبابنا وعلى جميع إخواننا ترك هذا السفر ، وصرف النظر عنه ، والبقاء في بلادهم وقت الزواج وفي غيره ، لعل الله – جل وعلا – يكفيهم شر نزعات الشيطان ، أما السفر إلى تلك البلاد التي فيها الكفر والضلال والحرية وانتشار الفساد من الزنى وشرب الخمر وأنواع الكفر والضلال – ففيه خطر عظيم على الرجل والمرأة ، وكم من صالح سافر ورجع فاسداً ، وكم من مسلم رجع كافراً ، فخطر هذا السفر عظيم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنا بريء من كل مسلم يقيم بين المشركين ) . رواه أبو داود والترمذي والنسائي . وقال صلى الله عليه وسلم : ( لايقبل الله من مشرك عملاً بعدما أسلم أو يفارق المشركين ) . رواه النسائي وابن ماجه وأحمد .(1/2)
والمعنى : حتى يفارق المشركين ، فالواجب الحذر من السفر إلى بلادهم لا في شهر العسل ولا في غيره ، وقد صرح أهل العلم بالنهي عن ذلك والتحذير منه ، اللهم إلا رجل عنده علم وبصيرة فيذهب إلى هناك للدعوة إلى الله ، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور ، وشرح محاسن الإسلام لهم ، وتعليم المسلمين هناك أحكام دينهم ، مع تبصيرهم وتوجيههم إلى أنواع الخير ، فهذا وأمثاله يرجى له الأجر الكبير والخير العظيم ، وهو في الغالب لاخطر عليه لما عنده من العلم والتقوى والبصيرة ، فإن خاف على دينه الفتنة فليس له السفر إلى بلاد المشركين حفاظاً على دينه وطلباً للسلامة من أسباب الفتنة والردة ، أما الذهاب من أجل الشهوات وقضاء الأوطار الدنيوية في بلاد الكفر في أوروبا أو غيرها فهذا لا يجوز ، لما فيه من الخطر الكبير والعواقب الوخيمة والمخالفة للأحاديث الصحيحة التي أسلفنا بعضها ، نسأل الله السلامة والعافية ، وهكذا السفر إلى بلاد الشرك من أجل السياحة أو التجارة أو زيارة بعض الناس أوما أشبه ذلك كله فلا يجوز لما فيه من الخطر العظيم والمخالفة لسنة الرسول صلى الله ليه وسلم ، الناهية عن ذلك ، فنصيحتي لكل مسلم هو الحذر من السفر إلى بلاد الكفر وإلى كل بلاد فيها الحرية الظاهرة والفساد الظاهر وعدم إنكار المنكر ، وأن يبقى في بلاده التي فيها السلامة ، وفيها قلة المنكرات ، فإنه خير له وأسلم وأحفظ لدينه .
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
( ابن باز ) .(1/3)
حكم السفر إلى بلاد الكفار
السؤال : ماحكم السفر إلى بلاد الكفار ؟ وحكم السفر للسياحة ؟
الجواب : السفر إلى بلاد الكفار لا يجوز إلا بثلاثة شروط :
الشرط الأول : أن يكون عند الإنسان علم يدفع به الشبهات .
الشرط الثاني : أن يكون عنده دين يمنعه من الشهوات .
الشرط الثالث : أن يكون محتاجاً إلى ذلك .
فإن لم تتم هذه الشروط فإنه لا يجوز السفر إلى بلاد الكفار ، لما في ذلك من الفتنة أو خوف الفتنة ، وفيه إضاعة المال ، لأن الإنسان ينفق أموالاً كثيرة في هذه الأسفار وفيه أيضاً تنمية لاقتصاد الكفار ، أما إذا دعت الحاجة إلى ذلك لعلاج أو تلقي علم لا يوجد في بلده وكان عنده علم ودين على ماوصفنا فهذا لا بأس به .
وأما السفر للسياحة في بلاد الكفار فهذا ليس بحاجة ، وبإمكانه أن يذهب إلى بلاد إسلامية يحافظ أهلها على شعائر الإسلام ، وبلادنا الآن والحمدلله أصبحت بلاداً سياحية في بعض المناطق ،وبإمكانه أن يذهب إليها ويقضي زمن إجازته فيها .
( ابن عثيمين ) .(1/1)
الجن وجزاؤهم في الآخرة
السؤال : هل مؤمنو الجن سيدخلون الجنة ؟ وإذا كانت الجن مخلوقة من النار فكيف يعذب كافرهم بالنار ؟
الجواب :لا شك أن مؤمني الجن يثابون في الآخرة بما يناسبهم ، وأن كفارهم يعاقبون ، كما قال تعالى حكاية عن الجن : ( وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشداً وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً ) وكونهم مخلوقين من النار ، لا يمنع تعذيبهم بالنار فإن نار الآخرة أحر من نار الدنيا بسبعين ضعفاً ، ويمكن أن لهم ناراً خاصة يعذبون فيها ، فأمر الآخرة مخالف لأمر الدنيا .
( ابن جبرين ) .(1/1)
حكم السلام على الكفار
السؤال : في هذه الأيام ونتيجة للاحتكاك مع الغرب والشرق وغالبهم من الكفار على اختلاف مللهم يرددون تحية الإسلام علينا حينما نقابلهم في أي مكان ، فماذا يجب علينا تجاههم ؟
الجواب : ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ( لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام ، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه ) . رواه مسلم . وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم ) رواه البخاري ومسلم . وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى . وحكم بقية الكفار حكم اليهود والنصارى في هذا الأمر ، لعدم الدليل على الفرق فيما نعلم .
فلا يبدأ الكافر بالسلام مطلقاً ، ومتى بدأ هو بالسلام وجب الرد عليه بقولنا : وعليكم ، امتثالاً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا مانع من أن يقال له بعد ذلك : كيف حالك ؟ وكيف أولادك ؟ كما أجاز ذلك بعض أهل العلم ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – ولا سيما إذا اقتضت المصلحة الإسلامية ذلك كترغيبه في الإسلام وإيناسه بذلك ، ليقبل الدعوة ، ويصغي لها لقول الله – عز وجل - : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) . وقوله سبحانه : ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم ) .
( ابن باز ) .
السؤال : سئل فضيلة الشيخ أعلى الله درجته في دار كرامته : هل يجوز لنا أن نبدأ الكفار بالسلام ؟ وكيف نرد عليهم إذا سلموا علينا .(1/1)
فأجاب بقوله : إن هؤلاء الذين يأتوننا من الشرق ومن الغرب ممن ليسوا مسلمين لا يحل لنا أن نبدأهم بالسلام ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام ) . رواه مسلم . وإذا سلموا علينا فإننا نرد عليهم بمثل ماسلموا علينا به لقوله تعالى : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) . وسلامهم علينا بالتحية الإسلامية ( السلام عليكم ) لا يخلو من حالين :
الحال الأولى : أن يفصحوا باللام فيقولوا ( السلام عليكم ) فلنا أن نقول : عليكم السلام ، ولنا أن نقول : وعليكم .
الحال الثانية : إذا لم يفصحوا باللام مثل أن يقولوا : ( السام عليكم ) فإننا نقول : ( وعليكم ) فقط ، وذلك لأن اليهود كانوا يأتون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلمون عليه بقولهم : ( السام عليكم ) غير مفصحين باللام ، والسام هو الموت ، يريدون الدعاء على النبي صلى الله عليه وسلم ، بالموت ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نقول لهم : ( وعليكم ) رواه البخاري ومسلم . فإذا كانوا قالوا : ( السام عليكم ) فإننا نقول : ( وعليكم ) يعني : أنتم أيضاً عليكم السام . هذا ما دلت عليه السنة .
وأما أن نبدأهم نحن بالسلام فإن هذا قد نهانا عنه نبينا صلى الله عليه وسلم .
( ابن عثيمين ) .(1/2)
حكم القول بتناسخ الأرواح
السؤال : لقد قال لنا أستاذ الفلسفة : إن الروح تنتقل من إنسان إلى آخر فهل هذا صحيح ، وإن كان صحيحاً فكيف أن الروح هي التي تعذب وتحاسب وإن انتقلت فيحاسب الإنسان الآخر ؟
الجواب : ما ذكره لكم أستاذ الفلسفة من أن الروح تنتقل من إنسان إلى آخر ليس بصحيح ، والأصل في ذلك قوله تعالى : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ) ، وجاء تفسير هذه الآية فيما رواه مالك في موطئه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سئل عن هذه الآية : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ) فقال عمر رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسأل عنها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية ، فقال : خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال : خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون ) . رواه احمد ومالك وأبو داود والترمذي .
قال ابن عبد البر : معنى هذا الحديث قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه ثابتة كثيرة من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود وعلي بن أبي طالب وأبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين وغيرهم . وقد أجمع أهل السنة والجماعة على ذلك وذكروا أن القول بانتقال الروح من جسم إلى آخر هو قول أهل التناسخ ، وهم من أكفر الناس ، وقولهم هذا من أبطل الباطل .
( ابن باز ) .(1/1)
حكم الولاء والبراء
السؤال : الرجاء من فضيلتكم توضيح الولاء والبراء لمن يكون وهل يجوز موالاة الكفار ؟ .
الجواب : الولاء والبراء معناه محبة المؤمنين وموالاتهم وبغض الكافرين ومعاداتهم والبراءة منهم ومن دينهم ، هذا هو الولاء والبراءكما قال الله سبحانه في سورة الممتحنة : ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءآؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدأ حتى تؤمنوا بالله وحده ) وليس معنى بغضهم وعداوتهم أن تظلمهم أو تتعدى عليهم إذا لم يكونوا محاربين ، وإنما معناه أن تبغضهم في قلبك وتعاديهم بقلبك ولا يكونوا أصحاباً لك ، لكن لا تؤذيهم ولا تضرهم ولا تظلمهم ، فإذا سلموا ترد عليهم السلام وتنصحهم وتوجههم إلى الخير كما قال الله عز وجل : ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم ) وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى وهكذا غيرهم من الكفار الذين لهم أمان أو عهد أو ذمة لكن من ظلم منهم يجازي على ظلمه ، وإلا فالمشروع للمؤمن الجدال بالتي هي أحسن مع المسلمين والكفار مع بغضهم في الله للآية الكريمة السابقة ولقوله سبحانه : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) فلا يتعدى عليهم ولا يظلمهم مع بغضهم ومعاداتهم في الله ويشرع له أن يدعوهم إلى الله ويعلمهم ويرشدهم إلى الحق لعل الله يهديهم بأسبابه إلى طريق الصواب ، ولا مانع من الصدقة عليهم والإحسان إليهم لقول الله عز وجل : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) ولما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن تصل أمها وهي كافرة في حال الهدنة التي وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة على الحديبية . ( ابن باز ) .(1/1)
السؤال : نرجو توضيح الولاء والبراء ؟
الجواب : البراء والولاء لله سبحانه أن يتبرأ الإنسان من كل ما تبرأ الله منه كما قال سبحانه وتعالى : ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءآؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً ) وهذا مع القوم المشركين كما قال سبحانه : ( وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله ) فيجب على كل مؤمن أن يتبرأ من كل مشرك وكافر ، فهذا في الأشخاص .
وكذلك يجب على المسلم أن يتبرأ من كل عمل لا يرضي الله ورسوله وإن لم يكن كفراً ، كالفسوق والعصيان ، كما قال سبحانه : ( ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون )
وإذا كان مؤمن عنده إيمان وعنده معصية ، فنواليه على إيمانه ، ونكرهه على معصيته ، وهذا يجري في حياتنا ، فقد تأخذ الدواء كريه الطعم وأنت كاره لطعمه ، وأنت مع ذلك راغب فيه لأن فيه شفاء من المرض .
وبعض الناس يكره المؤمن العاصي أكثر مما يكره الكافر ، وهذا من العجب ، وهو قلب للحقائق ، فالكافر عدو لله ولرسوله وللمؤمنين ويجب علينا أن نكرهه من كل قلوبنا ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ) ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ، فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن ياتي بالفتح أو أمر من عنده .. ) وهؤلاء الكفار لن يرضوا منك إلا اتباع ملتهم وبيع دينك ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) ( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً ) وهذا في كل أنواع الكفر : الجحود والإنكار والتكذيب والشرك والإلحاد ...(1/2)
أما الأعمال فنتبرأ من كل عمل محرم ، ولا يجوز لنا أن نألف الأعمال المحرمة ولا أن نأخذ بها ، والمؤمن العاصي نتبرأ من عمله بالمعصية ، ولكننا نواليه ونحبه على ما معه من الإيمان .( ابن عثيمين ) .(1/3)
حكم بدء اليهود والنصارى بالإسلام
السؤال : ورد في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تبدؤا اليهود ولا النصارى بالسلام ، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى اضيقه ) أليس في العمل بهذا تنفير عن الدخول في الإسلام ؟
الجواب : يجب أن نعلم أن أسد الدعاة في الدعوة إلى الله هو النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن أحسن المرشدين إلى الله هو النبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا علمنا ذلك فإن أي فهم نفهمه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم يكون مجانباً للحكمة يجب علينا أن نتهم هذا الفهم ، وأن نعلم أن فهمنا لكلام النبي صلى الله عليه وسلم خطأ ، لكن ليس معنى ذلك أن نقيس أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بما ندركه من عقولنا ، وأفهامنا ، لأن عقولنا وأفهامنا قاصرة ، لكن هناك قواعد عامة في الشريعة يرجع إليها في المسائل الخاصة الفردية .
فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول : ( لا تبدؤا اليهود ولا النصارى بالسلام ، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه ) والمعنى : لا تتوسعوا لهم إذا قابلوكم حتى يكون لهم السعة ويكون الضيق عليكم ، بل استمروا في اتجاهكم وسيركم ، واجعلوا الضيق إن كان هناك ضيق على هؤلاء ، ومن المعلوم أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم ليس إذا رأى الكافر ذهب يزحمه إلى الجدار حتى يرصه على الجدار ، ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل هذا باليهود في المدينة ولا أصحابه يفعلونه بعد فتوح الأمصار .
فالمعنى أنكم كما لا تبدءونهم بالسلام لا تفسحوا لهم ، فإذا لقوكم فلا تتفرقوا حتى يعبروا ، بل استمروا على ما أنتم عليه ، واجعلوا الضيق عليهم إن كان في الطريق ضيق ، وليس في الحديث تنفير عن الإسلام ، بل فيه إظهار لعزة المسلم ، وأنه لا يذل لأحد إلا لربه عز وجل .
( ابن عثيمين ) .(1/1)
حكم تحية العلم في الجيش
السؤال : ما حكم تحية العلم في الجيش وتعظيم الضابط وحلق اللحية فيه ؟
الجواب : لا تجوز تحية العلم بل هي بدعة محدثة ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) . رواه البخاري ومسلم . وأما تعظيم الضباط باحترامهم وإنزالهم منازلهم فجائز ، أما الغلو في ذلك فممنوع سواء كانوا ضباطاً أم غير ضباط . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم . ( اللجنة الدائمة ) .
السؤال : أفيدوني عن حكم من يعمل بالجيش المصري وهذا مصدر رزقه وتفرض عليه نظم الجيش وقوانينه أن يعظم بعضنا بعضاً كما تفعله الأعاجم ، وأن نلقي التحية بكيفية ليست بالتي أمرنا بها الله ورسوله ، وأن نعظم علم الدولة ونحكم ونحتكم فيما بيننا بشريعة غير شريعة الله – قوانين عسكرية ؟
الجواب : لا يجوز تحية العلم ، ويجب الحكم بشريعة الإسلام والتحاكم إليها ، ولا يجوز للمسلم أن يحي الزعماء أو الرؤساء تحية الأعاجم لما ورد من النهي عن التشبه بهم ولما في ذلك من الغلو في تعظيمهم . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
( اللجنة الدائمة ) .(1/1)
حكم تعظيم السلام أو العلم الوطني
السؤال : هل يجوز الوقوف تعظيماً لأي سلام وطني أو علم وطني ؟
الجواب : لا يجوز للمسلم القيام إعظاماً لأي علم وطني أو سلام وطني بل هو من البدع المنكرة التي لم تكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في عهد خلفائه الراشدين رضي الله عنهم ، وهي منافية لكمال التوحيد الواجب وإخلاص التعظيم لله وحده ، وذريعة إلى الشرك ، وفيها مشابهة للكفار وتقليد لهم في عاداتهم القبيحة ، ومجاراة لهم في غلوهم في رؤسائهم ومراسيمهم وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن مشابهتهم أو التشبه بهم . وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
( اللجنة الدائمة ) .(1/1)
حكم تفضيل الكفار على المسلمين
السؤال : ماحكم مودة الكفار وتفضيلهم على المسلمين ؟
الفتوى : لا شك أن الذي يواد الكفار أكثر من المسلمين قد فعل محرماً عظيماً ، فإنه يجب أن يحب المسلمين ، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه . أما أن يود أعداء الله أكثر من المسلمين فهذا خطر عظيم وحرام عليه . بل لا يجوز أن يودهم ولو أقل من المسلمين لقوله تعالى : ( لاتجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ) . وقوله : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق ) . وكذلك أيضاً من أثنى عليهم ومدحهم ، وفضلهم على المسلمين في العمل وغيره فإنه قد فعل إثماً ، وأساء الظن بإخوانه المسلمين ، وأحسن بمن ليسوا أهلاً لإحسان الظن . والواجب على المؤمن أن يقدم المسلمين على غيرهم في جميع الشئون في الأعمال وغيرها ، وإذا حصل من المسلمين تقصير فالواجب عليه أن ينصحهم ، وأن يحذرهم ، وأن يبين لهم مغبة الظلم ، لعل الله أن يهديهم على يده .
( ابن عثيمين ) .(1/1)
حكم تكفير اليهود والنصارى
السؤال: سئل فضيلة الشيخ : عما زعمه أحد الوعاظ من مسجد من مساجد أوربا من أنه لا يجوز تكفير اليهود والنصارى ؟ .
الجواب : إن هذا القول الصادر عن هذا الرجل ضلال ، وقد يكون كفراً ، وذلك لأن اليهود والنصارى كفرهم الله – عز وجل – في كتابه ، قال الله تعالى : ( وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون ، اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أُمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ) .فدل ذلك على أنهم مشركون ، وبين الله تعالى في آيات أخرى ما هو صريح بكفرهم :
- ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ) .
- ( لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ) .
- ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ) .
- ( إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم ) .
والآيات في هذه المسألة كثيرة ، والأحاديث ، فمن أنكر كفر اليهود والنصارى الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وكذبوه ، فقد كذب الله – عز وجل – وتكذيب الله كفر ، ومن شك في كفرهم فلا شك في كفره هو .
ويا سبحان الله كيف يرضى هذا الرجل أن يقول : إنه لا يجوز إطلاق الكفر على هؤلاء وهم يقولون : عن الله ثالث ثلاثة ؟ وقد كفرهم خالقهم – عز وجل – وكيف لا يرضى أن يكفر هؤلاء وهم يقولون إن المسيح ابن الله ، ويقولون : يد الله مغلولة ، ويقولون إن الله فقير ونحن أغنياء ؟ !
كيف لا يرضى أن يكفر هؤلاء وأن يطلق كلمة الكفر عليهم ، وهم يصفون ربهم بهذه الأوصاف السيئة التي كلها عيب وشتم وسب ؟ ! .(1/1)
وإني أدعو هذا الرجل ، أدعوه أن يتوب إلى الله – عز وجل- وأن يقرأ قوله تعالى ( ودوا لو تدهن فيدهنون ) وألا يدهن هؤلاء في كفرهم ، وأن يبين لكل أحد أن هؤلاء كفار ، وأنهم من أصحاب النار ، قال النبي صلى الله عليه وسلم ( والذي نفسي بيده ، لا يسمع بي يهودي ولا نصراني من هذه الأمة – أي أمة الدعوة – ثم لا يتبع ما جئت به ، أو قال : لا يؤمن بما جئت به إلا كان من أصحاب النار ) .
وليأخذوا من الأجر بنصيبين ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ثلاثة لهم أجران : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم .. ) الحديث
ثم إني اطلعت بعد هذا على كلام لصاحب الإقناع في باب حكم المرتد قال فيه – بعد كلام سبق – ( ... أو لم يكفر من دان بغير الإسلام كالنصارى ، أو شك في كفرهم ، أو صحح مذهبهم فهو كافر ) .
ونقل عن شيخ الإسلام قوله :
( من اعتقد أن الكنائس بيوت الله ، وأن الله يعبد فيها ، وأن ما يفعله اليهود والنصارى عبادة لله وطاعة له ولرسوله ، أو أنه يحب ذلك أو يرضاه أو أعانهم على فتحها وإقامة دينهم ، وأن ذلك قربة أو طاعة فهوكافر) .
وقال أيضاً في موضع آخر : ( من اعتقد أن زيارة أهل الذمة في كنائسهم قربة إلى الله فهو مرتد ) .
فعلى هذا القائل أن يتوب إلى ربه من هذا القول العظيم الفرية ، وأن يعلن إعلاناً صريحاً بأن هؤلاء كفرة ، وأنهم من أصحاب النار ، وأن الواجب عليهم أن يتبعوا النبي الأمي محمداً صلى الله عليه وسلم فإنه مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل ( يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ) .
وهو بشارة عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام .(1/2)
فقد قال عيسى ابن مريم ما حكاه ربه عنه : ( يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين ) .
لما جاءهم من ... ؟ من الذي جاءهم .. ؟ المبشر به أحمد ، لما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين ، وبهذ نرد دعوى أولئك النصارى الذين قالوا : الذي بشر به عيسى هو أحمد لا محمد ، فنقول : إن الله قال : ( فلما جاءهم بالبينات ) ولم يأتكم بعد عيسى إلا محمد صلى الله عليه وسلم ومحمد هو أحمد ، لكن الله ألهم عيسى أن يسمي محمدا بأحمد لأن أحمد اسم تفضيل من الحمد ، فهو أحمد الناس لله وهو أحمد الخلق في الأوصاف كاملة ، فهو عليه الصلاة والسلام أحمد الناس لله ، جعلاً لصيغة التفضيل من باب اسم الفاعل وهو أحمد الناس ، بمعنى أحق الناس أن يحمد جعلاً لصيغة التفضيل من باب اسم المفعول ، فهو حامد ومحمود على أكمل صيغة الحمد الدال عليها أحمد .
وإني أقول : إن كل من زعم أن في الأرض ديناً يقبله الله سوى دين الإسلام فإنه كافر لا شك في كفره ، لأن الله عز وجل يقول في كتابه : ( ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) ويقول عز وجل : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) .
وعلى هذا – وأكررها مرة ثالثة – على هذا القائل أن يتوب إلى الله – عز وجل – وأن يبين للناس جميعاً أن هؤلاء اليهود والنصارى كفار ، لأن الحجة قد قامت عليهم وبلغتهم الرسالة ولكنهم كفروا عناداً .(1/3)
ولقد كان اليهود يوصفون بأنهم مغضوب عليهم لأنهم علموا الحق وخالفوه ، وكان النصارى يوصفون بأنهم ضالون لأنهم أرادوا الحق فضلوا عنه ، أما الآن فقد علم الجميع الحق وعرفوه ، ولكنهم خالفوه ، وبذلك استحقوا جميعاً أن يكونوا مغضوباً عليهم ، وإني أدعوا هؤلاء اليهود والنصارى إلى أن يؤمنوا بالله ورسله جميعاً وأن يتبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم لأن هذا هو الذي أُمروا به في كتبهم كما قال الله تعالى : ( ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون ، الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ) .
وقال تعالى : ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون ) وهذا يؤيد ما ذكرناه في صدر الجواب ، وهذا أمر لا إشكال فيه . والله المستعان .
( ابن عثيمين ) .(1/4)
حكم تمكين النصارى من كتب فيها آيات قرآنية
السؤال : هل يجوز لي أن أضع بين أيديهم كتب تشمل على آيات كريمة تثبت وحدانية الله تعالى مكتوبة بالعربية ومترجمة معانيها إلى اللغة الإنجليزي ؟
الجواب : نعم يجوز أن تضع بين أيديهم كتباً تشتمل على آيات من القرآن الكريم للاستدلال بها على الأحكام ، التوحيد وغيره ، سواء كانت باللغة العربية أم مترجماً معناها ، بل تشكر على ذلك لأن وضعها أمامهم أو إعارتها لهم ليطلعوا عليها نوع من أنواع البلاغ والدعوة إلى الله وفاعله مأجور إذا أخلص في ذلك .
( اللجنة الدائمة ) .(1/1)
حكم تهنئة الكفار
السؤال : فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : هل يجوز أن أذهب إلى قس لأهنئه بسلامة الوصول والعودة ؟
الجواب : لا يجوز الذهاب إلى أحد من الكفار عند قدومه للتهنئة بوصوله والسلام عليه ، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ( لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام ) . رواه مسلم . وأما ذهاب النبي صلى الله عليه وسلم ، لليهودي الذي كان مريضاً فإن هذا اليهودي كان غلاماً يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما مرض عاده النبي صلى الله عليه وسلم ، ليعرض عليه الإسلام فعرضه عليه فأسلم ، فأين هذا الذي يعوده ليعرض عليه الإسلام من شخص زار قساً ليهنئه بسلامة الوصول ويرفع معنويته ؟ لا يمكن أن يقيس هذا على ذاك إلا جاهل أو صاحب هوى .
( ابن عثيمين ) .(1/1)
الحكم بغير ما انزل الله
السؤال : ما حكم من حكم بغير ما أنزل الله ؟ .
الجواب : إن الحكم بما أنزل الله تعالى من توحيد الربوبية، لأنه تنفيذ لحكم الله الذي هو مقتضي ربوبيته وكمال ملكه وتصرفه ، لهذا سمى الله تعالى المتبوعين في غير ما أنزل الله تعالى أرباباً لمتبعيهم فقال سبحانه : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ) فسمى الله تعالى المتبوعين أرباباً حيث جعلوا مشرعين مع الله تعالى ، وسمى المتبعين عباداً حيث إنهم ذلوا لهم وأطاعوهم في مخالفة حكم الله سبحانه وتعالى .
وقد قال عدي بن حاتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنهم لم يعبدوهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( بلى إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم ، فذلك عبادتهم إياهم ) . إذا فهمت ذلك فاعلم أن من لم يحكم بما أنزل الله وأراد أن يكون التحاكم إلى غير الله ورسوله وردت فيه آيات بنفي الإيمان عنه وآيات بكفره وظلمه وفسقه .
أما القسم الأول :
فمثل قوله تعالى : ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً ، وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً ، فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً ، أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً ، وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً ، فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً ) .(1/1)
فوصف الله تعالى هؤلاء المدعين للإيمان وهم منافقون بصفات :
الأولى : أنهم يريدون أن يكون التحاكم إلى الطاغوت ، وهو كل ما خالف حكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لأن ما خالف حكم الله ورسوله فهو طغيان واعتداء على حكم من له الحكم وإليه يرجع الأمر كله ، وهو الله ، قال الله تعالى : ( ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ) .
الثانية أنهم إذا دعوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول صدوا وأعرضوا .
الثالثة : أنهم إذا أصيبوا بمصيبة بما قدمت أيديهم ، ومنها أن يعثر على صنيعهم جاءوا يحلفون أنهم ما أرادوا إلا الإحسان والتوفيق كحال من يرفض اليوم أحكام الإسلام ويحكم بالقوانين المخالفة لها زعماً منه أن ذلك هو الإحسان والموافق لأحوال العصر .
ثم حذر سبحانه هؤلاء المدعين للإيمان المتصفين بتلك الصفات بأنه سبحانه يعلم ما في قلوبهم وما يكنونه من أمور تخالف ما يقولون ، وأمر نبيه أن يعظهم ويقول لهم في أنفسهم قولاً بليغاً . ثم بين أن الحكمة من إرسال الرسول أن يكون هو المطاع المتبوع لا غيره من الناس مهما قويت أفكارهم واتسعت مداركهم ، ثم أقسم تعالى بربوبيته لرسوله التي هي أخص أنواع الربوبية والتي تتضمن الإشارة إلى صحة رسالته صلى الله عليه ولم أقسم بها قسماً مؤكداً أنه لا يصلح الإيمان إلا بثلاثة أمور :
الأول : أن يكون التحاكم في كل نزاع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الثاني : أن تنشرح الصدور بحكمه ، ولا يكون في النفوس حرج وضيق منه .
الثالث : أن يحصل التسليم التام بقبول ما حكم به وتنفيذه بدون توان أو انحراف .
وأما القسم الثاني : فمثل قوله تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) .
((1/2)
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) وهل هذه الأوصاف الثلاثة تتنزل على موصوف واحد؟ بمعنى أن كل من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر ظالم فاسق لأن الله تعالى وصف الكافرين بالظلم والفسق فقال تعالى : ( والكافرون هم الظالمون ) وقال تعالى : ( إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ) فكل كافر ظالم فاسق ، أو هذه الأوصاف تتنزل على موصفين بحسب الحامل لهم على عدم الحكم بما أنزل الله ؟ هذا هو الأقرب عندي والله أعلم .
فنقول : من لم يحكم بما أنزل الله استخفافاً به أو احتقاراً له أو اعتقاداً أن غيره أصلح منه وأنفع فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة ، ومن هؤلاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجاً يسير الناس عليه ، فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق ، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه .
ومن لم يحكم بما أنزل الله وهو لم يستخف به ولم يحتقره ولم يعتقد أن غيره أصلح منه وأنفع للخلق إنما حكم بغيره تسلطاً على المحكوم انتقاماً منه لنفسه أو نحو ذلك ، فهذا ظالم وليس بكافر ، وتختلف مراتب ظلمه بحسب المحكوم به ووسائل الحكم .
ومن لم يحكم بما أنزل الله لا استخفافاً بحكم الله ولا احتقاراً ولا اعتقاداً أن غيره أصلح وأنفع للخلق وإنما حكم بغيره محاباة للمحكوم له أو مراعاة لرشوة أو غيرها من عرض الدنيا فهذا فاسق وليس بكافر وتختلف مراتب فسقه بحسب المحكوم به ووسائل الحكم . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيمن اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله أنهم على وجهين :(1/3)
أحدهما أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله فيتبعونهم على التبديل ، ويعتقدون تحليل ما حرم وتحريم ما أحل الله اتباعاً لرؤسائهم مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل ، فهذا كفر ، وقد جعله الله ورسوله شركاً . الثاني : أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحليل الحرام وتحريم الحلال -كذا العبارة المنقولة عنه – ثابتاً لكنهم أطاعوهم في معصية الله كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاصي ، فهؤلاء هم حكم أمثالهم من أهل الذنوب .
( ابن عثيمين ) .
السؤال : إلى فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن آل جبرين حفظه الله :
ذكر الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله في رسالته تحكيم القوانين أن الحالات التي يكون فيها الحكم بغير ما أنزل الله تعالى كفراً أكبر قوله : ( وهو أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع ومكابرة لأحكامه ، ومشاقة لله ورسوله ، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية إعداداً وإمداداً وإرصاداً وتأصيلاً وتفريعاً وتشكيلاً وتنويعاً وحكماً وإلزاماً ومراجع ومستندات .
فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع ومستندات مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فلهذه المحاكم مراجع هي القانون الملفق من شرائع شتى ، وقوانين كثيرة كالقانون الفرنسي ، والقانون الأمريكي ، والقانون البريطاني ، وغيرها من القوانين ، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك .
فهذه المحاكم الآن في كثير من أمصار الإسلام مهيأة مكملة ، مفتوحة الأبواب ، والناس إليها أسراب إثر أسراب ، يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب ، من أحكام ذلك القانون وتلزمهم بها ، وتقرهم عليه ، وتحتمه عليهم ، فأي كفر فوق هذا الكفر ؟ .(1/4)
وقال رحمه الله في جواب آخر : ( وأما الذي قيل فيه كفر دون كفر ، إذا حاكم إلى غير الله مع اعتقاد أنه عاص وأن حكم الله هو الحق ، فهذا الذي يصدر منه المرة ونحوها ، أما الذي جعل قوانين بترتيب وتخضيع فهو كفر ، وإن قالوا أخطأنا وحكم الشرع أعدل ) .
والسؤال يا فضيلة الشيخ : أليس كلام الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم صحيحاً متسقاً ومنضبطاً مع قواعد أهل السنة ؟ وهل للشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى كلام آخر يخالف ما سبق إيراده ؟ فقد ذكر أحد إخواننا المصريين وهو خالد العنبري في كتابه ( الحكم بغير ما أنزل الله وأصول التكفير ) أن للشيخ محمد بن إبراهيم كلاماً آخر ونسب ذلك إليكم فقال في كتابه سالف الذكر ما نصه : ( وقد حدثني فضيلة الشيخ / عبد الله بن عبد الرحمن آل جبرين – حفظه الله – أن له – أي الشيخ محمد بن إبراهيم كلاما آخر .. الخ ) ص 131 . فنأمل منكم بسط الجواب في هذه المسائل وجزاكم الله خيراً .
الجواب : الحمد لله وحده ، وبعد فإن شيخنا ووالدنا سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ كان شديداً قوياً في إنكار المحدثات والبدع ، وكلامه المذكور من أسهل ما كان يقول في القوانين الوضعية ، وقد سمعناه في التقرير يشنع ويشدد على أهل البدع وما يتبعون فيه من مخالفة للشرع ومن وضعهم أحكاماً وسنناً يضاهئون بها حكم الله تعالى ، ويبرأ من أفعالهم ويحكم بردتهم وخروجهم من الإسلام ، حيث طعنوا في الشرع وعطلوا حدوده واعتقدوها وحشية كالقصاص في القتلى والقطع في السرقة ورجم الزاني وفي إباحتهم للزنا إذا كان برضى الطرفين ونحو ذلك ، وكثيراً ما يتعرض لذلك في دروس الفقه والعقيدة والتوحيد .(1/5)
ولا أذكر أنه تراجع عن ذلك ولا أن له كلاماً يبرر فيه الحكم بغير ما أنزل الله تعالى أو يسهل فيه في التحاكم إلى الطواغيت الذين يحكمون بغير ما أنزل الله . وقد عدهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله من رؤوس الطواغيت فمن نقل عني أنه رجع رحمه الله عن كلامه المذكور فقد أخطأ في النقل ، والمرجع في مثل هذا إلى النصوص الشرعية من الكتاب والسنة وكلام أجلة العلماء عليها كما في كتاب التوحيد باب قول الله تعالى : ( ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك ) الآية وشروحه لأئمة الدعوة رحمهم الله تعالى وغيره من المؤلفات الصريحة والله أعلم ، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
( ابن جبرين ) .
السؤال : هل يعتبر الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله كفاراً ؟ وإذا قلنا : إنهم مسلمون فماذا نقول عن قوله تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) ؟ .
الجواب : الحكام بغير ما أنزل الله أقسام ، تختلف أحكامهم بحسب اعتقادهم وأعمالهم ، فمن حكم بغير ما أنزل الله يرى أن ذلك أحسن من شرع الله فهو كافر عند جميع المسلمين ، وهكذا من يحكم القوانين الوضعية بدلاً من شرع الله ، ويرى أن ذلك جائز ، ولو قال : إن تحكيم الشريعة أفضل فهو كافر لكونه استحل ما حرم الله .. أما من حكم بغير ما أنزل الله اتباعاً للهوى ، أو لرشوة أو لعداوة بينه وبين المحكوم عليه ، أو لأسباب أخرى ، وهو يعلم أنه عاص لله بذلك ، وأن الواجب عليه تحكيم شرع الله ، فهذا يعتبر من أهل المعاصي والكبائر ، ويعتبر قد أتى كفراً أصغر وظلماً أصغر وفسقاً أصغر كما جاء هذا المعنى عن ابن عباس – رضي الله عنهما – وعن طاووس وجماعة من السلف الصالح وهو المعروف عند أهل العلم والله ولي التوفيق .
( ابن باز ) .(1/6)
حكم دخول الكنيسة
السؤال : ما حكم دخول المسلم إلى الكنيسة سواء لحضور صلاتهم أو الإستماع إلى محاضرة .
الجواب : لا يجوز للمسلم الدخول على الكفار في معابدهم ، لما فيه من تكثير سوادهم ، لما روى البيهقي بإسناد صحيح عن عمر رضي الله عنه قال : ( ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم ومعابدهم فإن السخطة تتنزل عليهم ) لكن إذا كان لمصلحة شرعية أو لدعوتهم إلى الله ونحو ذلك فلا بأس . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
( فتاوى اللجنة الدائمة ) .(1/1)
حكم دعاء غير الله
السؤال : أرجو أن تفتونا في جماعة يتحلقون في المسجد ويذكرون الله ويذكرون رسوله ويأتون في أذكارهم ببعض الأشياء المنافية للتوحيد مثل قولهم : بصوت واحد : وخذ بيدي يا رسول الله . يرددون ذلك ويقودهم أحدهم قائلاً : يا مفتاحاً لكنوز الله – يا كعبة لتجلي الله – أيا عرشاً لاستواء الله – يا كرسيا لتدلي الله . فاغننا يا رسول الله أنت المقصود يا حبيب الله – أنت أنت يا رسول الله . إلى غير ذلك من هذا النوع المملوء بالشركيات ؟
الجواب : أولاً : إن ذكر الله جماعة بصوت واحد على طريقة الصوفية بدعة ، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من أحدث في امرنا هذا ليس منه فهو رد ) . رواه البخاري ومسلم .
ثانياً : أن دعاء غير الله والاستغاثة به لتفريج كربة أو كشف غمة شرك أكبر لا يجوز فعله ، لأن الدعاء والاستغاثة عبادة وقربة لله وحده فصرفها لغيره شرك أكبر يخرج من الإسلام والعياذ بالله ، قال تعالى : ( ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم ) ، وقال تعالى : ( وأن المساجد لله فلا تدع مع الله أحداً ) ، وقال تعالى : ( ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون ) ، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على وجوب صرف العبادة لله وحده ، وثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ) . رواه أحمد والترمذي ) .الحديث ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( الدعاء هو العبادة ) . رواه أحمد وأبو داود والترمذي . والله الموفق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
( اللجنة الدائمة ) .(1/1)
حكم زيارة النصارى وأكل طعامهم
السؤال : يدعوني بعض زملائي في الدراسة من النصارى إلى بيته لتناول الأطعمة فهل يجوز لي أن آكل منها إذا ثبت أنها حلال في نفسها شرعاً؟
الجواب : نعم يجوز أن تأكل مما يقدمه لك زميلك النصراني من الطعام سواء كان ذلك في بيته أو غيره إذا ثبت لديك أن هذا الطعام ليس بمحرم في نفسه أو جهل حاله ، لأن الأصل في ذلك الجواز حتى يدل دليل على المنع ، وكونه نصرانياً لا يمنع ذلك ، لأن الله تعالى أباح لنا طعام أهل الكتاب .
( فتاوى اللجنة الدائمة ) .(1/1)
حكم سب الدهر
السؤال : سئل فضيلة الشيخ : عن حكم سب الدهر ؟
الجواب : سب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أن يقصد الخبر المحض دون اللوم ، فهذا جائز مثل أن يقول : تعبنا من شدة حر هذا اليوم ، أو برده ، وما أشبه ذلك ، لأن الأعمال بالنيات ، واللفظ صالح لمجرد الخبر .
القسم الثاني : أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل ، كأن يقصد بسبه الدهر أن الدهر هو الذي يقلب الأمور إلى الخير أو الشر ، فهذا شرك أكبر ، لأنه اعتقد أن مع الله خالقاً حيث نسب الحوادث إلى غير الله .
القسم الثالث : أن يسب الدهر وهو يعتقد أن الفاعل هو الله ، ولكن يسبه لأنه محل هذه الأمور لا المكروهة ، فهذا محرم ، لأنه مناف للصبر الواجب ، وليس بكفر ، لأنه ما سب الله مباشرة ، ولو سب الله مباشرة لكان كافراً .
( ابن عثيمين ) .(1/1)
حكم طلب المدد من الأموات
السؤال : ما حكم طلب المدد من شخص ميت بأن يقول : مدد يا فلان ؟ وما الحكم في طلبه أيضاً من الأحياء غير الحاضرين لذلك الشخص الطالب للمدد ؟
الجواب : أولا : طالب المدد من شخص ميت بأن يقول : مدد يا فلان يجب نصحه وتنبيهه بأن هذا أمر محرم ، بل هو شرك ، فإن أصر على ذلك فهو مشرك كافر لأنه طلب من غير الله ما لا يقدر عليه إلا الله ، فقد صرف حق الله إلى المخلوق قال تعالى : ( إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار ) .
ثانياً : طلب المدد من الحي الذي ليس بحاضر لا يجوز ، لأنه دعاء غير الله وطلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى وهو شرك أيضاً ، قال تعالى : (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ) ودعاء الحي الغائب نوع من العبادة فمن فعل ذلك نصح ، فإن لم يقبل فهو مشرك شركاً يخرج من الملة . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
( اللجنة الدائمة ) .(1/1)
حكم عبادة القبور بالطواف ودعاء أصحابها
السؤال : سئل فضيلة الشيخ : عمن يعبد القبور بالطواف حولها ودعاء أصحابها والنذر لهم إلى غير ذلك من أنواع العبادة ؟
الجواب : هذا سؤال عظيم ، وجوابه يحتاج إلى بسط بعون الله – عز وجل – فنقول : إن أصحاب القبور ينقسمون إلى قسمين :
القسم الأول : قسم توفي على الإسلام ويثني الناس عليه خيراً ، فهذا يرجى له الخير ، ولكنه مفتقر إلى إخوانه المسلمين يدعون الله له بالمغفرة والرحمة ، وهو داخل في عموم قوله – تعالى – : ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم ) وهو بنفسه لا ينفع أحداً إذ أنه ميت جثة لا يستطيع أن يدفع عن نفسه الضر ولا عن غيره ، ولا أن يجلب لنفسه النفع ولا لغيره فهو محتاج إلى نفع إخوانه غير نافع لهم .
القسم الثاني من أصحاب القبور : من أفعاله تؤدي إلى فسقه الفسق المخرج من الملة كأولئك الذين يدعون أنهم أولياء ، ويعلمون الغيب ، ويشفون من المرض ، ويجلبون الخير والنفع بأسباب غير معلومة حساً ولا شرعاً ، فهؤلاء الذين ماتوا على الكفر ، لا يجوز الدعاء لهم ، ولا الترحم عليهم ، لقول الله تعالى : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ، وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم ) وهم لا ينفعون أحداً ولا يضرونه ، ولا يجوز لأحد أن يتعلق بهم ، وإن قدر أن أحداً رأى كرامات لهم مثل أن يتراءى له أن في قبورهم نوراً ، أو أنه يخرج منها رائحة طيبة أو ما أشبه ذلك ، وهم معروفون بأنهم ماتوا على الكفر ، فإن هذا من خداع إبليس وغروره ليفتن هؤلاء بأصحاب هذه القبور .(1/1)
وإنني أحذر إخواني المسلمين من أن يتعلقوا بأحد سوى الله عز وجل فإنه – سبحانه وتعالى – هو الذي بيده ملكوت السموات والأرض وإليه يرجع المر كله ، ولا يجيب دعوة المضطر إلا الله ، ولا يكشف السوء إلا الله ، قال – تعالى - : ( وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ) ونصيحتي لهم أيضاً أن لا يقلدوا في دينهم ولا يتبعوا أحداً إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ) ولقوله تعالى : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) ويجب على جميع المسلمين أن يزنوا أعمال من يدعي الولاية بما جاء في الكتاب والسنة ، فإن وافق الكتاب والسنة فإنه يرجى أن يكون من أولياء الله ، وإن خالف الكتاب والسنة فليس من أولياء الله ، وقد ذكر الله في كتابه ميزاناً قسطاً عدلاً في معرفة أولياء الله حيث قال : ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، الذين آمنوا وكانوا يتقون ) فمن كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً ، ومن لم يكن كذلك فليس بولي لله ، ومن كان معه بعض الإيمان والتقوى كان فيه شيء من الولاية ، ومع ذلك فإننا لا نجزم لشخص بعينه بشيء ، ولكننا نقول على سبيل العموم : كل من كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً .(1/2)
وليعلم أن الله – عز وجل – قد يفتن الإنسان بشيء من مثل هذه الأمور فقد يتعلق الإنسان بالقبر فيدعو صاحبه أو يأخذ من ترابه يتبرك به فيحصل مطلوبه ويكون ذلك فتنة من الله – عز وجل – لهذا الرجل ، لأننا نعلم أن هذا القبر لا يجيب الدعاء ، وأن هذا التراب لا يكون سبباً لزوال ضرر أو جلب نفع نعلم ذلك لقول الله تعالى : ( ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون ، وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين ) وقال تعالى : ( والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون ، أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون ) والآيات في هذا المعنى كثيرة تدل على أن كل من دعي من دون الله فلن يستجيب الدعاء ولن ينفع الداعي ، ولكن قد يحصل المطلوب المدعو به عند دعاء غير الله فتنة وامتحاناً .(1/3)
ونقول : إن حصل هذا الشيء عند الدعاء – أي عند دعاء هذا الذي دعي من دون الله – لا بدعائه ، وفرق بين حصول الشيء بالشيء ، وبين حصول الشيء عند الشيء ، فإننا نعلم علم اليقين أن دعاء غير الله ليس سبباً لجلب النفع أو دفع الضر بالآيات الكثيرة التي ذكرها الله – عز وجل – في كتابه ، ولكن قد يحصل الشيء عند هذا الدعاء فتنة وامتحاناً ، والله تعالى قد يبتلي الإنسان بأسباب المعصية ليعلم – سبحانه وتعالى – من كان عبداً لله ومن كان عبداً لهواه ، ألا ترى إلى أصحاب السبت من اليهود حيث حرم الله عليهم أن يصطادوا الحيتان في يوم السبت فابتلاهم الله – عز وجل – فكانت الحيتان تأتي يوم السبت بكثرة عظيمة وفي غير يوم السبت تختفي فطال عليهم الأمد ، وقالوا: كيف نحرم أنفسنا هذه الحيتان ؟ ثم فكروا وقدروا ونظروا فقالوا : نجعل شبكة ونضعها يوم الجمعة ونأخذ الحيتان منها يوم الأحد ، فأقدموا على هذا الفعل الذي هو حيلة على محارم الله ، فقلبهم الله قردة خاسئين ، قال الله – تعالى - : ( واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون وقال – عز وجل - : ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردةً خاسئين ، فجعلناها نكالاً لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين ) فانظر كيف يسر الله لهم الحيتان في اليوم الذي منعوا من صيدها فيه ، ولكنهم – والعياذ بالله – لم يصبروا ، فقاموا بهذه الحيلة على محارم الله .(1/4)
ثم انظر إلى ما حصل لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حيث ابتلاهم الله تعالى وهم محرمون بالصيود المحرمة على المحرم فكانت في متناول أيديهم ولكنهم رضي الله عنهم لم يجرؤوا على شيء منها ، قال الله – تعالى - : ( يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ) . كانت الصيود في متناول أيديهم يمسكون الصيد العادي باليد وينالون الصيد الطائر بالرماح فيسهل عليهم جداً ، ولكنهم رضي الله عنهم خافوا الله – عز وجل – فلم يقدموا على أخذ شيء من الصيود .
وهكذا يجب على المرء إذا هيئت له أسباب الفعل المحرم أن يتقي الله - عز وجل – وأن لا يقدم على فعل هذا المحرم ، وأن يعلم أن تيسير أسبابه من باب الإبتلاء والامتحان ، فليحجم وليصبر فإن العاقبة للمتقي .
( ابن عثيمين ) .(1/5)
حكم قول أخي أو صديقي أو الضحك لغير المسلمين لطلب المودة
السؤال : سئل الشيخ : عن حكم قول : ( أخي ) لغير المسلم ؟ وكذلك قول صديق ورفيق ؟ وحكم الضحك إلى الكفار لطلب المودة ؟ .
الجواب : فأجاب بقوله : أما قول : ( يا أخي ) لغير المسلم فهذا حرام ، ولا يجوز إلا أن يكون أخاً له من النسب أو الرضاع وذلك لأنه إذا انتفت أخوة النسب والرضاع لم يبق إلا أخوة الدين ، والكافر ليس أخاً للمؤمن في دينه ، وتذكر قول نبي الله تعالى نوح : ( رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين ، قال يا نوح إنه ليس من أهلك ) .
وأما قول : ( صديق ورفيق ) ونحوهما فإن كانت كلمة عابرة يقصد بها نداء من جهل اسمه منهم فهذا لا بأس به ، وإن قصد بها معناها تودداً وتقرباً منهم فقد قال الله تعالى : ( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا ءاباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ) فكل كلمات التلطف التي يقصد بها الموادة لا يجوز للمؤمن أن يخاطب بها أحداً من الكفار .
وكذلك الضحك إليهم لطلب الموادة بينهم كما علمت من الآية الكريمة .
( ابن عثيمين )(1/1)
حكم مخالطة الكفار ومعاملتهم باللين طمعاً في إسلامهم
السؤال : ما حكم مخالطة الكفار ومعاملتهم بالرفق واللين طمعاً في إسلامهم ؟ .
الجواب : لا شك أن المسلم يجب عليه أن يبغض أعداء الله ويتبرأ منهم ، لأن هذه هي طريقة الرسل وأتباعهم ، قال الله تعالى : ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده ) وقال تعالى : ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ) وعلى هذا لا يحل لمسلم أن يقع في قلبه محبة ومودة لأعداءؤ الله الذين هم أعداء له في الواقع ، وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق ) أما كون المسلم يعاملهم بالرفق واللين طمعاً في إسلامهم وإيمانهم فهذا لا بأس به ، لأنه من باب التأليف على الإسلام ولكن إذا يئس منهم عاملهم بما يستحقون أن يعاملهم به ، وهذا مفصل في كتب أهل العلم ولا سيما كتاب : ( أحكام أهل الذمة ) لابن القيم رحمه الله .
( ابن عثيمين ) .(1/1)
حكم مرتكب الكبيرة
السؤال : ما حكم مرتكب الكبيرة عند أهل السنة والجماعة ؟
الجواب : هو عند أهل السنة فاسق أو ناقص الإيمان ، وذلك لإقدامه على اقتراف الكبائر وإصراره عليها وتهاونه بخطرها ، فلذلك نخاف عليه من العذاب بل نخاف عليه من الكفر والردة ، لأن المعاصي بريد الكفر ، فهي تنشأ وتتمكن في القلب ، فيضعف الإيمان وتقوى الدوافع نحو المحرمات من زنا ، ومسكر ، وغناء ،وكبرياء ،واعتداء على المسلمين بقتل أو سلب أو نهب أو سرقة أو قذف ونحو ذلك .
فهده الذنوب مع الإستمرار تضعف سير القلب والجوارح نحو الطاعات فتثقل الصلوات والصدقات وسائر العبادات ، ولا شك ان ذلك منذر بخروج عن الدين ، ولعل ذلك هو السر في إطلاق الكفر في الأحاديث على بعض الكبائر أو نفي الإيمان عن أهلها كقوله صلى الله عليه وسلم : سباب المسلم فسق ، وقتاله كفر ) وقوله : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) ألخ .
فنحن نقول إنه ناقص الإيمان ، أو مؤمن بتصديقه بالله واليوم الآخر والكتب والرسل ، لكنه فاسق باقتراف الذنوب ، وتهاونه بها ، وقد تشدد الخوارج ، فكفروا بالذنوب ، وأخرجه المعتزلة من الإيمان ولم يدخلوه في الكفر ، لكنه عندهم مخلد في النار ، وأما المرجئة فجعلوه كامل الإيمان وقالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب ، كما لا ينفعه مع الكفر عمل ، وتوسط أهل السنة فجعلوه فاسقاً ، وقالوا : هو في الآخرة تحت المشيئة ، فإن أدخل النار بسبب كبيرته فلا بد أن يخرج منها بعد التمحيص بشفاعة الشافعين أو برحمة أرحم الراحمين . ( ابن جبرين ) .(1/1)
السؤال : قال تعالى : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد نهما مائة جلدة ) وقال تعالى : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ، فاجلدوهم ثمانين جلدة ) وقال تعالى : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم ) فهؤلاء الذين يرتكبون مثل هذه الكبائر ولا يوجد من يطبق عليهم الحكم وماتوا وهم غير تائبين فما حكم الله فيهم يوم القيامة ؟
الجواب : عقيدة أهل السنة والجماعة أن من مات من المسلمين مصراً على كبيرة من كبائر الذنوب كالزنى والقذف والسرقة يكون تحت مشيئة الله سبحانه إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه على الكبيرة التي مات مصراً عليها ومآله إلى الجنة لقوله سبحانه وتعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) وللأحاديث الصحيحة المتواترة الدالة على إخراج عصاة الموحدين من النار ، وبحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( أتبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئاً ولا تزنوا ولا تسرقوا ، وقرأ آية النساء ) يعني الآية المذكورة – وأكثر لفظ سفيان قرأ الآية : ( فمن وفى منكم فأجره على الله .ومن أصاب في ذلك شيئاً فعوقب فهو كفارة له ومن أصاب منها شيئاً من ذلك فستره الله فهو إلى الله إن شاء عذبه وغن شاء غفر له )
( اللجنة الدائمة ) .(1/2)
حكم من يتسخط إذا نزلت به مصيبة
السؤال : سئل فضيلة الشيخ : عمن يتسخط إذا نزلت به مصيبة ؟
الجواب :الناس حال المصيبة على مراتب أربع : المرتبة الأولى : التسخط وهو على أنواع :
النوع الأول : أن يكون بالقلب ، كان يسخط على ربه ويغتاظ مما قدره الله عليه فهذا حرام ، وقد يؤدي إلى الكفر ، قال تعالى : ( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ) .
النوع الثاني : أن يكون باللسان ، كالدعاء بالويل والثبور وما أشبه ذلك ، وهذا حرام .
النوع الثالث : أن يكون بالجوارح ، كلطم الخدود ، وشق الجيوب ، ونتف الشعور وما أشبه ذلك ، وكل هذا حرام مناف للصبر الواجب .
المرتبة الثانية : الصبر ، وهو كما قال الشاعر :
والصبر مثل اسمه مر مذاقته لكن عواقبه أحلى من العسل
فيرى أن هذا الشيء ثقيل عليه لكنه يتحمله ، وهو يكره وقوعه ولكن يحميه إيمانه من السخط ، فليس وقوعه وعدمه سواء عنده ، وهذا واجب لأن الله تعالى أمر بالصبر فقال : ( واصبروا إن الله مع الصابرين ) .
المرتبة الثالثة : الرضا ، بأن يرضى الإنسان بالمصيبة بحيث يكون وجودها وعدمها سواء فلا يشق عليه وجودها ، ولا يتحمل لها حملاً ثقيلاً ، وهذه مستحبة وليست بواجبة ، على القول الراجح ، والفرق بينها وبين المرتبة التي قبلها ظاهر ، لأن المصيبة وعدمها سواء في الرضا عند هذا ، أما التي قبلها فالمصيبة صعبة عليه لكن صبر عليه .
المرتبة الرابعة : الشكر ، وهو أعلى المراتب ، وذلك بأن يشكر الله على ما أصابه من مصيبة ، حيث عرف أن هذه المصيبة سبب لتكفير سيئاته ، وربما لزيادة حسناته . قال صلى الله عليه وسلم : ( ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها ) .
( ابن عثيمين ) .(1/1)
الرد على شبهة دفن النبي في المسجد
السؤال :كيف نجيب عباد القبور الذين يحتجون بدفن النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي ؟
الجواب عن ذلك من وجوه :
الوجه الأول : أن المسجد لم يبن على القبر بل بني في حياة النبي صلى الله عليه وسلم .
الوجه الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يدفن في المسجد حتى يقال إن هذا من دفن الصالحين في المسجد ، بل دفن صلى الله عليه وسلم في بيته .
الوجه الثالث : أن إدخال بيوت الرسول صلى الله عليه وسلم ومنها بيت عائشة مع المسجد ليس باتفاق الصحابة ، بل بعد أن انقرض أكثرهم ، وذلك في عام أربعة وتسعين هجرية تقريباً ، فليس مما أجازه الصحابة ، بل إن بعضهم خالف في ذلك ، وممن خالف أيضاً سعيد بن المسيب من التابعين .
الوجه الرابع : أن القبر ليس في المسجد حتى بعد إدخاله ، لأنه في حجرة مستقلة عن المسجد فليس المسجد مبنياً عليه ، ولهذا جعل هذا المكان محفوظاً ومحوطاً بثلاثة جدران ، وجعل الجدار في زاوية منحرفة عن القبلة أي أنه مثلث ، والركن في الزاوية الشمالية حيث لايستقبله الإنسان إذا صلى لأنه منحرف ، وبهذا يبطل احتجاج أهل القبور بهذه الشبهة .
( ابن عثيمين ) .(1/1)
حكم من يدعو الرسول وعبد القادر
السؤال : سئل شيخ : عن رجل محافظ على الصلاة والصيام ، وظاهر حاله الاستقامة ، إلا أن له حلقات يدعو فيها الرسول صلى الله عليه وسلم وعبد القادر ، فما حكم عمله هذا ؟
الجواب : ما ذكره السائل يحزن القلب ، فإن هذا الرجل الذي وصفه بأنه يحافظ على الصلاة ، والصيام ، وأن ظاهر حاله الاستقامة قد لعب به الشيطان وجعله يخرج من الإسلام بالشرك وهو يعلم أو لا يعلم ، فدعاؤه غير الله عز وجل شرك أكبر مخرج عن الملة ، سواء دعا الرسول عليه الصلاة والسلام أو دعا غيره ، وغيره أقل منه شأناً وأقل منه وجاهة عند الله عز وجل ، فإذا كان دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم شركاً فدعاء غيره أقبح وأقبح من عبد القادر أو غير عبد القادر ، والرسول عليه الصلاة والسلام نفسه لا يملك لأحد نفعاً ولا ضراً قال الله تعالى آمراً له : ( قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً ) وقال آمراً له : ( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن اتبع إلا ما يوحى إلي ) وقال تعالى آمراً له : ( قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون ) . بل قال الله تعالى آمراً له : ( قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحداً ) ، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه لا يجيره أحد من الله فكيف بغيره ؟ فدعاء غير الله شرك مخرج عن الملة ، والشرك لا يغفره الله عز وجل إلا بتوبة من العبد لقوله تعالى : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) ، وصاحبه في النار لقوله تعالى : ( إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ) .(1/1)
ونصيحتي لهذا الرجل أن يتوب إلى الله من هذا الأمر المحبط للعمل ، فإن الشرك يحبط العمل قال الله تعالى : ( ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ) ، فليتب إلى الله من هذا ، وليتعبد الله بما شرع من الأذكار والعبادات ، ولا يتجاوز ذلك إلى هذه الأمور الشركية وليتفكر دائماً في قوله تعالى : ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبدتي سيدخلون جهنم داخرين ) .
( ابن عثيمين ) .(1/2)
حكم من يعتقد أن الرسول ليس ببشر
السؤال: إذا مات الشخص وهو يعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس ببشر وأنه يعلم الغيب وأن التوسل بالأولياء والأموات والأحياء قربة إلى الله عز وجل فهل يدخل النار ويعتبر مشركاً ؟ علماً أنه لا يعلم غير هذا الاعتقاد وأنه عاش في منطقة علماؤها وأهلها كلهم يقرون بذلك ، فما حكمه ، وما حكم التصدق عنه والإحسان إليه بعد موته ؟
الجواب : من مات على هذا الاعتقاد بأن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس ببشر أي ليس من بني آدم أو أنه يعتقد أنه يعلم الغيب فهذا اعتقاد كفري يعتبر صاحبه كافراً كفراً أكبر ، وهكذا إذا كان يدعوه ويستغيث به أو ينذر له أو لغيره من الأنبياء والصالحين أو الجن أو الملائكة أو الأصنام ، لأن هذا من جنس عمل المشركين الأولين كأبي جهل وأشباهه ، وهو شرك أكبر ويسمي بعض الناس هذا النوع من الشرك توسلاً ، وهو غير الشرك الأكبر ، وهنا نوع ثانٍ من التوسل ليس من الشرك بل هو من البدع ووسائل الشرك وهو التوسل بجاه الأنبياء والصالحين أو بحق الأنبياء والصالحين أو بذواتهم ، فالواجب الحذر من النوعين جميعاً ، ومن مات على النوع الأول لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ، ولا يدعى له ، ولا يتصدق عنه ، لقول الله عز وجل : ( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) .
وأما التوسل بأسماء الله وصفاته وتوحيده والإيمان به فهو توسل مشروع ومن أسباب الإجابة ، لقول الله عز وجل : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع من يدعو ويقول : ( اللهم إني أسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ) ، فقال : ( لقد سأل الله باسمه الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب ) .(1/1)
وهكذا التوسل بالأعمال الصالحة من بر الوالدين وأداء الأمانة والعفة عما حرم الله ونحو ذلك ، كما ورد ذلك في حديث أصحاب الغار المخرج في الصحيحين ، وهم ثلاثة ، آواهم المبيت والمطر إلى غار فلما دخلوا فيه انحدرت عليهم صخرة من أعلى الجبل فسدت الغار عليهم فلم يستطيعوا الخروج ، فقالوا فيما بينهم : إنه لن ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تسألوا الله بصالح أعمالكم ، فتوجهوا إلى الله سبحانه فسألوه ببعض أعمالهم الطيبة فقال أحدهم : اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً وإني ذات ليلة نأى بي طلب الشجر فلما رحت عليهما بغبوقهما وجدتهما نائمين فلم أوقظهما وكرهت أن أسقي قبلهما أهلاً ومالاً ، فلم أزل على ذلك حتى طلع الفجر فاستيقظا وشربا غبوقهما ، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة شيئاً لا يستطيعون الخروج منه ، أما الثاني فتوسل بعفته عن الزنا حيث كانت له ابنة عم يحبها كثيراً وأرادها في نفسها فأبت عليه ، ثم ألمت بها حاجة شديدة فجاءت إليه تطلب منه المساعدة فأبى عليها إلا أن تمكنه من نفسها ، فوافقت على هذا من أجل حاجتها ، فأعطاها مائة دينار وعشرين ديناراً فلما جلس بين رجليها قالت له : يا عبد الله اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه ، فخاف من الله حينئذ ، وقام عنها وترك لها الذهب خوفاً من الله عز وجل ، فقال اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة شيئاً لا يستطيعون الخروج منه ، ثم قال الثالث اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيت كل واحد أجرته إلا واحداً ترك أجرته فنميتها له حتى بلغت إبلاً وبقراً وغنماً ورقيقاً فجاء يطلب أجرته ، فقلت له : كل هذا من أجرتك ، يعني الإبل والبقر والغنم والرقيق ، فقال يا عبد الله اتق الله ولا تستهزئ بي ، فقلت له : إني لا أستهزئ بك ، إنه كله مالك ، فساقه كله ، اللهم إن(1/2)
كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة فخرجوا جميعاً يمشون .
وهذا يدل على أن التوسل بالأعمال الصالحة الطيبة أمر مشروع ، وأن الله جل وعلا يفرج به الكربات كما جرى لهؤلاء الثلاثة، أما التوسل بجاه فلان وبحق فلان أو بذات فلان فهذا غير مشروع ، بل هو من البدع كما تقدم والله ولي التوفيق .
(ابن باز)(1/3)
حكم من يعمل مع الكفار
السؤال : سئل الشيخ : شخص يعمل مع الكفار فبماذا تنصحونه ؟
الجواب : فأجاب بقوله : ننصح هذا الأخ الذي يعمل مع الكفار ، أن يطلب عملاً ليس فيه أحد من أعداء الله ورسوله ممن يدينون بغير الإسلام ، فإذا تيسر فهذا هو الذي ينبغي ، وإن لم يتيسر فلا حرج عليه ، لأنه في عمله وهم في عملهم ، لكن بشرط أن لا يكون في قلبه مودة لهم ومحبة وموالاة ، وأن يلتزم ما جاء به الشرع فيما يتعلق بالسلام عليهم ورد السلام ونحو هذا ، وكذلك أيضاً لا يشيع جنائزهم ولا يحضرها ، ولا يشهد أعيادهم ، ولا يهنئهم بها .
( ابن عثيمين ) .(1/1)
حكم من يقول : يا محمد أو يا علي أو يا جيلاني
السؤال : سئل الشيخ : يقول بعض الناس : ( يا محمد ، أو يا علي أو يا جيلاني ) عند الشدة فما الحكم ؟
الجواب : فأجاب بقوله : إذا كان يريد دعاء هؤلاء والاستعانة بهم فهو مشرك شركاً أكبر مخرجاً عن الملة ، فعليه أن يتوب إلى الله – عز وجل – وأن يدعو الله وحده ، كما قال تعالى : ( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله ) ، وهو مع كونه مشركاً سفيه مضيع لنفسه ، قال الله تعالى : ( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ) . وقال : ( ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهو عن دعائهم غافلون ) .
( ابن عثيمين ) .(1/1)
حكم من يقول إن الأولياء والصالحين ينفعون
السؤال : عندما استمعت لهذا البرنامج – أعني نور على الدرب – استفدت الكثير ، وخاصة عندما عرفت أن الأولياء والموتى لا يفيدون الإنسان ، وعندما أخبرت أهلي بذلك اتهموني بأني كافرة ، وأن الأولياء سيضرونني ، وأنهم يرونني في المنام بأن هؤلاء الصالحين يلومونني . فبماذا تنصحون مثل هؤلاء الذين تشبعت عقولهم بالخرافات والبدع التي تكاد تنتشر في البلاد العربية ؟(1/1)
الجواب : ننصح الجميع بأن يتقوا الله عز وجل ويعلموا أن السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة في عبادة الله وحده واتباع النبي صلى الله عليه وسلم والسير على منهاجه فهو سيد الأولياء وأفضل الأولياء . فالرسل والأنبياء هم أفضل الناس وهم أفضل الأولياء والصالحين ، ثم يليهم بعد ذلك في الفضل أصحاب الأنبياء رضي الله عنهم ومن بعدهم ، وأفضل هذه الأمة أصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم من بعدهم سائر المؤمنين على اختلاف درجاتهم ومراتبهم في التقوى . فالأولياء هم أهل الصلاح والاستقامة على طاعة الله ورسوله ، وعلى رأس الأنبياء نبينا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام ، ثم أصحابه رضي الله عنهم ، ثم الأمثل فالأمثل في التقوى والإيمان كما تقدم .(1/2)
وحبهم في الله والتأسي بهم في الخير وعمل الصالحات أمر مطلوب ولكن لا يجوز التعلق بعم وعبادتهم من دون الله ، ولا دعاؤهم مع الله ، ولا أن يستعان بهم او يطلب منهم المدد ، كأن يقول : يا رسول الله أغثني ، أو يا علي أغثني ، أو يا الحسن أغثني أو انصرني ، أو يا سيدي الحسن ، أو يا شيخ عبد القادر أو غيرهم ، كل ذلك لا يجوز ، لأن العبادة حق الله وحده ، كما قال عز وجل : ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ) وقال تعالى : (أدعوني أستجب لكم ) وقال تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ) ، وقال سبحانه : ( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ) ، وقال عز وجل : ( ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون ) ، فسماهم كفرة بدعائهم غير الله وقال سبحانه : ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً ) ، وقال تعالى : ( ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ، إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ) فبين سبحانه أن مدعويهم من دون الله من الرسل أو الأولياء أو غيرهم لا يسمعون ، لأنهم ما بين ميت أو مشغول بطاعة ربه كالملائكة أو غائب لا يسمع دعاءهم أو جماد لا يسمع ولا يعي ، ثم أخبر سبحانه أنهم لو سمعوا لم يستجيبوا لدعائهم ، وأنهم يوم القيامة يكفرون بشركهم ، فعلم بذلك أن الله عز وجل هو الذي يسمع الدعاء ويجيب الداعي إذا شاء . وهو النافع الضار المالك لكل شيء والقادر على كل شيء . فالواجب الحذر من عبادة غيره والتعلق بغيره من الأموات والغائبين والجماد وغيرهم من المخلوقات التي لا تسمع الداعي ولا تستطيع نفعه أو ضره .(1/3)
أما الحي الحاضر القادر فلا بأس أن يستعان به فيما يقدر عليه كما قال عز وجل في قصة موسى : ( فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه ) ، وكما يستعين المسلم في الجهاد وقتال الأعداء بإخوانه المجاهدين .. والله ولي التوفيق .
( ابن باز ) .(1/4)
حكم من يقول إن الله في كل مكان
السؤال : سئل فضيلة الشيخ : عن قول بعض الناس إذا سئل : ( أين الله ) ؟ قال : ( الله في كل مكان ) . أو ( موجود ) . فهل هذه الإجابة صحيحة على إطلاقها ؟
الجواب : هذه إجابة باطلة لا على إطلاقها ولا تقييدها ، فإذا سئل : أين الله ؟ فليقل : ( في السماء ) ، كما أجابت بذلك المرأة التي سألها النبي صلى الله عليه وسلم ( أين الله ؟ ) قالت : في السماء .
وأما من قال : ( موجود ) فقط . فهذا حَيْدة عن الجواب ومراوغة منه . وأما من قال : ( إن الله في كل مكان ) وأراد بذاته ، فهذا كفر ، لأنه تكذيب لما دلت عليه النصوص ، بل الأدلة السمعية ، والعقلية ، والفطرية من أن الله – تعالى – علي على كل شيء ، وأنه فوق السماوات مستو على عرشه .
( ابن عثيمين ) .
السؤال : ذكرت قصة في إحدى الإذاعات تقول : إن ولداً سأل أباه عن الله فأجاب الأب بان الله موجود في كل مكان .. السؤال : ما الحكم الشرعي في مثل هذا الجواب ؟
الجواب : هذا الجواب باطل ، وهو من كلام أهل البدع من الجهمية والمعتزلة ومن سار في ركابهما ، والصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة أن الله سبحانه في السماء فوق العرش فوق جميع خلقه وعلمه في كل مكان كما دلت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وإجماع سلف ، كما قال عز وجل : ( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ) ، وكرر ذلك سبحانه في ست آيات أخرى من كتابه العظيم .(1/1)
ومعنى الاستواء عن أ هل السنة هو العلو والارتفاع فوق العرش على الوجه الذي يليق بجلال الله سبحانه لا يعلم كيفيته سواه كما قال مالك رحمه الله لما سئل عن ذلك : ( الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ) ومراده رحمه الله السؤال عن كيفيته . وهذا المعنى جاء عن شيخه ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، وهو مروي عن أم سلمة رضي الله عنها ، وهو قول جميع أهل السنة من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من أئمة الإسلام . وقد أخبر الله سبحانه في آيات أخر أنه في السماء ، وأنه في العلو قال سبحانه : ( فالحكم لله العلي الكبير ) وقال عز وجل : ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) وقال سبحانه : ( ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم ) ، وقال عز وجل :
( ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور ، أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير ) . ففي آيات كثيرة من كتاب الله الكريم صرح سبحانه أنه في السماء ، وأنه في العلو ، وذلك موافق لما دلت عليه آيات الاستواء . وبذلك يعلم أن قول أهل البدع بأن الله سبحانه موجود في كل مكان من أبطل الباطل ، وهو مذهب الحلولية المبتدعة الضالة ، بل هو كفر وضلال وتكذيب لله سبحانه ، وتكذيب لرسوله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه من كون ربه في السماء مثل قوله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه من كون ربه في السماء مثل قوله صلى الله : ( ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء ) . رواه البخاري ومسلم . وكما جاء في أحاديث الإسراء والمعراج وغيرها ..
( ابن باز ) .(1/2)
حكم من يقول لأخيه المسلم : ياكافر
السؤال : تشاجرت أنا وأخي في مسألة ما في حالة غضب فقلت له : ابعد عني ياكافر .. على أساس أنه كان لا يصلي إلا في مناسبات كحضور الأقارب وغيرهم فما الحكم في ذلك ؟ وهل صحيح أنه كذلك ؟
الجواب : قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ( بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة ) .. رواه مسلم . وخرج الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد جيد عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) . والأحاديث الدالة على هذا المعنى كثيرة ، لكن ينبغي لك في مثل هذا ألا تبادره بمثل هذا اللفظ ، وأن تنصحه أولاً ، وتخبره أن ترك الصلاة كفر وضلال ، وأن الواجب عليه التوبة إلى الله سبحانه لعله يستفيد منك ويقبل النصيحة .. نسأل الله للجميع التوفيق للتوبة النصوح من جميع الذنوب .
( ابن باز ) .(1/1)
حكم موالاة الكفار
السؤال : ما حكم موالاة الكفار ؟
الجواب : موالاة الكفار بالمودة والمناصرة واتخاذهم بطانة حرام منهي عنها بنص القرآن الكريم . قال تعالى : ( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ) . وقال تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين ) . وقال تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) . وقال تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لايألونكم خبالاً ) . وأخبر أنه إذا لم يكن المؤمنون بعضهم أولياء بعض والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ، ويتميز هؤلاء عن هؤلاء ، فإنها تكون فتنة في الأرض وفساد كبير . ولا ينبغي أبداً أن يثق المؤمن بغير المؤمن مهما أظهر من المودة ، وأبدى من النصح ، فإن الله تعالى يقول عنهم : ( ودوا لوتكفرون كما كفروا فتكونون سواء ) . ويقول سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) . والواجب على المؤمن أن يعتمد على الله في تنفيذ شرعه ، وألا تأخذه فيه لومة لائم ، وألا يخاف من أعدائه ، فقد قال الله تعالى : ( إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ) . وقال تعالى : ( فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو امر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ) وقال سبحانه : ( يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم ) .
( ابن عثيمين ) .(1/1)
حكم وصف الكفار بالصدق والأمانة
السؤال : سئل فضيلة الشيخ : عن وصف الكفار بالصدق والأمانة وحسن العمل ؟ .
الجواب : هذه الأخلاق إن صحت – مع أن فيهم الكذب والغدر والخيانة والسطو أكثر مما يوجد في بعض البلاد الإسلامية وهذا معلوم لكن إذا صحت هذه فإنها أخلاق يدعو إليها الإسلام ، والمسلمون إولى أن يقوموا بها ليكسبوا بذلك حسن الأخلاق مع الأجر والثواب ، أما الكفار فإنهم لا يقصدون بها إلا أمراً مادياً فيصدقون في المعاملة لجلب الناس إليهم .
لكن المسلم إذا تخلق بمثل هذه الأمور فهو يريد بالإضافة إلى الأمر المادي أمراً شرعياً وهو تحقيق الإيمان والثواب من الله - عز وجل – وهذا هو الفارق بين المسلم والكافر .
أما ما زعم من الصدق في دول الكفر شرقية كانت أم غربية فهذا إن فإنما هو نزر قليل من الخير في جانب كثير من الشر ، ولو لم يكن من ذلك إلا انهم انكروا حق من حقه أعظم الحقوق ، وهو الله - عز وجل - : ( إن الشرك لظلم عظيم ) فهؤلاء مهما عملوا من الخير فإنه نزر قليل مغمور في جانب سيئاتهم ، وكفرهم ، وظلمهم فلا خير فيهم .
( ابن عثيمين )(1/1)
دخول غير المسلم المسجد أو المصلى
السؤال : ما حكم دخول غير المسلم مسجداً أو مصلى للمسلمين سواء لحضور الصلاة أو للإستماع إلى محاضرة .
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد :
الجواب : سبق أن صدر منا جواب بالفتوى رقم ( 2922 ) هذا نصها ( يحرم على المسلمين أن يمكنوا أي كافر من دخول المسجد الحرام وما هو من الحرم لقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا .. ) الآية أما غيره من المساجد فقال بعض الفقهاء يجوز لعدم وجود ما يدل على منعه ، وقال بعضهم : لا يجوز قياساً على المسجد الحرام ، والصواب جوازه لمصلحة شرعية ولحاجة تدعو إلى ذلك كسماع ما قد يدعوه للدخول في الإسلام أو حاجتة إلى الشرب من ماء المسجد .
( فتاوى اللجنة الدائمة ) .(1/1)
السكن مع عائلات أميركية
السؤال : هل يجوز السكن مع عائلات أميركية للاستفادة منهم في اللغة ؟
الجواب : خير للمسلم أن يسكن مع المسلمين ، فإن الإختلاط بالكفار يخشى منه الفتنة ، وتبلد النفس في النواحي الدينية والفتور أو الكسل عن أداء الواجب الإسلامي ونوافل الخير ، فتحري المسلم العزلة عنهم ما استطاع إلى ذلك سبيلا أحفظ لدينه وأسلم لأخلاقه ، فإن اضطر أن يسكن مع عائلات فليكن مع عائلات إسلامية ، وليحذر من الخلوة بنساء أجنبيات منه ، ولا يجوز أن يسكن مع عائلات كافرة فيها رجال ونساء ، فإن المعروف فيهم عري النساء وعدم المحافظة على الأعراض ، وفي ذلك فتنة عظيمة وذريعة إلى الفاحشة وفساد الأخلاق .
وليست حاجته إلى الإستفادة في اللغة من العائلات الكافرة أميركية أو غيرها بمبرر له أن يختلط بهذه العائلات ، فإن لديه مندوحة للاستفادة في اللغة من الدراسة الخاصة والمحادثة مع الزملاء بها دون السكنى مع العائلات الكافرة ... وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم .
( فتاوى اللجنة ) .(1/1)
فرق ومذاهب
فتوى شرعية في حكم الإنتماء للحركة الماسونية ، قرار الجمع الفقهي :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه . أما بعد :
نظر المجمع الفقهي في دورته المنعقدة بمكة المكرمة في العاشر من شعبان 1398ه . الموافق 15/7/1987م ، في قضية الماسونية والمنتسبين إليها وحكم الشريعة الإسلامية في ذلك ؟
وقد قام أعضاء المجمع بدراسة وافيه عن هذه المنظمة الخطيرة ، وطالع ما كتب عنها من قديم وجديد ، وما نشر من وثائقها نفسها فيما كتبه ونشره أعضاؤها ، وبعض أقطابها ، من مؤلفات ، ومن مقالات ، في المجلات التي تنطق باسمها .
وقد تبين للمجمع بصورة لا تقبل الريب من مجموع ما اطلع عليه من كتابات ونصوص ما يلي :
1 – إن الماسونية منظمة سرية تخفي تنظيمها تارة ، وتعلنه تارة ، بحسب ظروف الزمان والمكان ، ولكن مبادئها الحقيقية التي تقوم عليها ، هي سرية في جميع الأحوال محجوب عملها حتى على أعضائها ، إلا خواص الخواص الذين يصلون بالتجارب العديدة إلى مراتب عليا فيها .
2 – إنها تبني صلة أعضائها بعضهم ببعض في جميع بقاع الأرض ، على أساس ظاهري للتمويه على المغفلين ، وهو الإخاء الإنساني المزعوم بين جميع الداخلين في تنظيمها دون تمييز بين مختلف العقائد والنحل والمذاهب .
3 – إنها تجذب الأشخاص إليها ممن يهمها ضمهم إلى تنظيمها بطريق الإغراء بالمنفعة الشخصية ، على أساس أن كل أخ ماسوني مجند في عون كل أخ ماسوني آخر في أي بقعة من بقاع الأرض يعينه في حاجاته ، وأهدافه ، ومشكلاته ، ويؤيده في الأهداف إن كان من ذوي الطموح السياسي ، ويعينه إذا وقع في مأزق من المآزق أياً كان على أساس معونته في الحق والباطل ظالماً أو مظلوماً ، وإن كانت تستر ذلك ظاهرياً بأنها تعينه على الباطل . وهذا أعظم إغراء تصطاد به الناس من مختلف المراكز الاجتماعية وتأخذ منهم اشتراكات مالية ذات بال .(1/1)
4 – إن الدخول فيها يقوم على أساس احتفال بانتساب عضو جديد تحت مراسم رمزية إرهابية لإرهاب العضو إذا خالف تعليماتها ، والأوامر التي تصدر بطريق التسلسل في الرتبة .
5 – إن الأعضاء المغفلين يتركون أحراراً في ممارسة عباداتهم الدينية وتستفيد من تكليفهم في الحدود التي يصلحون لها ويبقون في مراتب دنيا . أما الملاحدة او المستعدون للإلحاد فترتقي مراتبهم تدريجياً ، في ضوء التجارب والامتحانات المتكررة على حسب استعدادهم لخدمة مخططاتها ومبادئها الخطيرة .
6 – إنها ذات أهداف سياسية ، ولها في معظم الانقلابات السياسية والعسكرية والتغييرات الخطيرة ضلع وأصابع ظاهرة أو خفية .
7 – إنها في أصلها وأساس تنظيمها يهودية الجذور ، ويهودية الإدارة العليا صهيونية النشاط .
8 – إنها في أهدافها الحقيقية السرية ضد الأديان جميعاً ، لتهديمها بصورة عامة وتهدم الإسلام في نفوس أبنائه بصورة خاصة .
9 – إنها تحرص على اختيار المنسبين إليها من ذوي المكانة المالية أو السياسية أو الاجتماعية ، أو العلمية ، أو أية مكانة يمكن أن تستغل نفوذاً لأصحابها في مجتمعاتهم ولا يهمها انتساب من ليس لهم مكانة يمكن استغلاها ، ولذلك تحرص كل الحرص على ضم الرؤساء والوزراء وكبار موظفي الدولة ونحوهم .
10 – إنها ذات فروع تأخذ أسماء أخرى تمويهاً وتحويلاً للأنظار ، لكي تستطيع ممارسة نشاطاتها تحت مختلف الأسماء إذا لقيت مقاومة لاسم الماسونية في محيط ما ، وتلك الفروع المستورة بأسماء مختلفة ، من أبرزها : منظمة الأسود ، والورتاري ، والليونز ، إلى غير ذلك من المبادئ والنشاطات الخبيثة التي تتنافى كلياً مع قواعد الإسلام وتناقضه كلية .(1/2)
قد تبين للمجمع بصورة واضحة العلاقة الوثيقة للماسونية باليهودية الصهيونية . وبذلك استطاعت أن تسيطر على نشاطات كثير من المسؤولين في البلاد العربية في موضوع قضية فلسطين . وتحول بينهم وبين كثير من واجباتهم في هذه القضية الإسلامية العظمى ، لمصلحة اليهود والصهيونية العالمية .
لذلك ، ولكثير من المعلومات الأخرى التفصيلية عن نشاط الماسونية وخطورتها العظمى ، وتلبيساتها الخبيثة ، وأهدافها الماكرة ، يقرر المجمع الفقهي اعتبار الماسونية من أخطر المنظمات الهدامة على الإسلام والمسلمين ، وأن من ينتسب إليها على علم بحقيقتها وأهدافها فهو كافر بالإسلام مجانب لأهله . والله ولي التوفيق ... ( مجموعة من العلماء ) .
الرئيس : عبدالله بن حميد . رئيس مجلس القضاء الأعلى في المملكة العربية السعودية .
نائب الرئيس : محمد علي الحركان . الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي .
الأعضاء : عبد العزيز بن عبدالله بن باز . الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية .
محمد محمود الصواف .
( فتاوى إسلاميةلمجموعة من العلماء ) .(1/3)
كذب من قال أن الغربيين لا يكرهون الإسلام
السؤال : فضيلة الشيخ ما رأيك فيمن يعتقد أن الغربيين لا يكرهون الإسلام وأهله وإنما يسيرون حسب مصالحهم فإن وافقت مصالحهم مصالحنا كانوا معنا ، وإن خالفت مصالحهم مصالحناأصبحوا علينا ؟
الاجابة : الذي أرى إن هذه نظرة خاطئة ، ودليل ذلك أن الغربيين يساعدون الرجال الذين يخرجون في البلاد الإسلامية لينشروا دين النصارى ، ولو كانوا لا يكرهون الإسلام ما ساعدوا هؤلاء على نشر دعوتهم الباطلة . ولا شك أيضاً أن كثيراً منهم ولا سيما الزعماء مادّيّون ، يعني لا تهمهم الأديان إنما تهمهم المصالح ، فهم يتبعون مصالحهم المادية فقط ، لكن مع ذلك لا نرى أنهم يحبون الإسلام ، بل نرى إنهم يكرهون الإسلام بدليل تمكينهم لدعاة النصرانية من السعي في أراضي المسلمين ومساعدتهم في هذا .
( ابن عثيمين ) .(1/1)
كيف نستفيد مما عند الكفار دون الوقوع في المحظور
السؤال : كيف نستفيد مما عند الكفار دون الوقوع في المحظور ؟ وهل للمصالح المرسلة دخل في ذلك ؟
الجواب : الذي يفعله أعداء الله وأعداؤنا وهم الكفار ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : عبادات .
القسم الثاني : عادات .
القسم الثالث : صناعات وأعمال .
أما العبادات : فمن المعلوم أنه لا يجوز لأي مسلم أن يتشبه بهم في عبادتهم ، ومن تشبه بهم في عبادتهم فإنه على خطر عظيم ، فقد يكون ذلك مؤدياً إلى كفره وخروجه من الإسلام .
وأما العادات : كاللباس وغيره فإنه يحرم أن يتشبه بهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) . وأما الصناعات والحرف : التي فيها مصالح عامة فلا حرج أن نتعلم مما صنعوه ونستفيد منه ، وليس هذا من باب التشبه ، ولكنه من باب المشاركة في الأعمال النافعة التي لا يعد من قام بها متشبهاً بهم .
وأما قول السائل : وهل للمصالح المرسلة دخل في ذلك ؟
فنقول : إن المصالح المرسلة لا ينبغي أن تجعل دليلاً مستقلاً ، بل نقول : هذه المصالح المرسلة إن تحققنا أنها مصلحة فقد شهد لها الشرع بالصحة والقبول وتكون من الشرع ، وإن شهد لها بالبطلان فإنها ليست مصالح مرسلة ولو زعم فاعلها أنها مصالح مرسلة . وإن كان لا هذا ولا هذا فإنها ترجع إلى الأصل ، إن كانت من العبادات فالأصل في العبادات الحظر ، وإن كانت من غير العبادات فالأصل فيها الحل ، وبذا يتبين أن المصالح المرسلة ليست دليلاً مستقلاً .
( ابن عثيمين ) .(1/1)
كيفية خلق الإنسان
السؤال : هل نفهم منه نفخ الروح في الجنين بعد أربعة أشهر أن الحيوان المنوي المتحد ببويضة المرأة والذي يتكون الجنين منه لا روح فيه أو ماذا ؟
الجواب : لكل من الحيوان المنوي وبويضة المرأة حياة تناسبه إذا سلم من الآفات ، تهيئ كلا منهما بإذن الله وتقديره للاتحاد بالآخر ، وعند ذلك يتكون الجنين إن شاء الله ذلك ويكون حياً أيضاً حياة تناسبه حياة النمو والتنقل في الأطوار المعروفة ، فإذا نفخ فيه الروح سرت فيه حياة أخرى بإذن الله اللطيف الخبير ، ومهما بذل الإنسان وسعه ولو كان طبيباً ماهراً فلن يحيط علماً بأسرار الحمل وأسبابه وأطواره ، إنما يعرف عنه بما أوتي من علم وفحص وتجارب وبعض الأعراض والأحوال ، قال الله تعالى : ( الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ) وقال : ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام ) ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
( اللجنة الدائمة ) .(1/1)
ما حكم الرضا بالقدر
السؤال : ما حكم الرضا بالقدر ؟ نفع الله بكم وبعلومكم ؟
الجواب : الرضا بالقدر واجب لأنه من تمام الرضا بربوبية الله ، فيجب على كل مؤمن أن يرضى بقضاء الله ، ولكن المقضي هو الذي فيه تفصيل ، فالمقضي غير القضاء لأن القضاء فعل الله ، والمقضي مفعول الله ، فالقضاء الذي هو فعل الله يجب أن نرضى به ، ولا يجوز أبداً أن نسخطه بأي حال من الأحوال .
وأما المقضي فعلى أقسام :
القسم الأول : ما يجب الرضا به .
القسم الثاني : ما يحرم الرضا به .
القسم الثالث : ما يستحب الرضا به .
فمثلاً المعاصي من مقضيات الله ، ويحرم الرضا بالمعاصي وإن كانت واقعة بقضاء الله ، فمن نظر إلى المعاصي من حيث القضاء الذي هو فعل الله يجب أن يرضى وأن يقول : إن الله تعالى حكيم ، ولولا أن حكمته اقتضت هذا ما وقع ، وأما من حيث المقضي – وهو معصية الله – فيجبألا ترضى به ، والواجبأن تسعى لإزالة هذه المعصية منك أو من غيرك ، وقسم من المقضي يجب الرضا به مثل الواجب شرعاً لأن الله حكم به كوناً وحكم به شرعاً ، فيجب الرضا به من حيث القضاء ومن حيث المقضي .
وقسم ثالث يستحب الرضا به ويجب الصبر عليه ، وهو ما يقع من المصائب ، فما يقع من المصائب ( يستحب) الرضا به عند أكثر أهل العلم ولا يجب ، لكن يجب الصبر عليه ، والفرق بين الصبر والرضا : أن الصبر يكون الإنسان فيه كارهاً للواقع لكنه لا يأتي بما يخالف الشرع وينافي الصبر ، والراضي لا يكون كارهاً للواقع فيكون ما وقع وما لم يقع عنده سواء ، فهذا هو الفرق بين الرضا والصبر ، ولهذا قال الجمهور : عن الصبر واجب ، والرضا مستحب .
( ابن عثيمين ) .(1/1)
ما هو الضابط في مسألة التشبه بالكفار
السؤال : ما هو الضابط في مسألة التشبه بالكفار ؟
الجواب : التشبه بالكفار يكون في المظهر واللباس والمأكل وغير ذلك لأنها كلمة عامة ، ومعناها أن يقوم الإنسان بشيء يختص به الكفار بحيث يدل من رآه أنه من الكفار . وهذا هو الضابط ، أما إذا كان الشيء قد شاع بين المسلمين وصار عاماً بين المسلمين والكفار فإن التشبه يجوز ، وإن كان أصله مأخوذاً من الكفار ما لم يكن محرماً لعينه كلباس الحرير .
( ابن عثيمين ) .(1/1)
مقياس التشبه بالكفار
السؤال : عن مقياس التشبه بالكفار ماهو ؟
الجواب : مقياس التشبه أن يفعل المتشبه ما يختص به المتشبه به ، فالتشبه بالكفار أن يفعل المسلم شيئاً من خصائصهم ، أما ما انتشر بين المسلمين وصار لا يتميز به الكفار فإنه لا يكون تشبهاً ، فلا يكون حراماً من اجل أنه تشبه ، إلا أن يكون محرماً من جهة أخرى . وهذا الذي قلناه هو مقتضى مدلول هذه الكلمة . وقد صرح بمثله صاحب الفتح حيث قال ص 272 ج 10 : ( وقد كره بعض السلف لبس البرنس لأنه كان من لباس الرهبان ، وقد سئل مالك عنه فقال : لا بأس به . قيل : فإنه من لبوس النصارى ، قال : كان يُلبس ها هنا ) . أ.ه . قلت : لو استدل مالك بقول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل ما يلبس المحرم ، فقال : ( لا يلبس القميص ، ولا السراويل ، ولا البرانس ) . رواه البخاري ومسلم . الحديث لكان اولى .
وفي الفتح أيضاً ص307ج1 : ( وإن قلنا النهي عنها ( أي عن المياثر الأرجوان ) من أجل التشبه بالأعاجم فهو لمصلحة دينية ، لكن كان ذلك شعارهم حينئذٍ وهم كفار ، ثم لم يصر الآن يختص بشعارهم زال ذلك المعنى ، فتزول الكراهة ) . والله أعلم . أ.ه .
( ابن عثيمين ) .(1/1)
من لم يحكم بما انزل الله هل هو مسلم أم كافر ...
السؤال : من لم يحكم بما انزل الله هل هو مسلم أم كافر كفراً أكبر وتقبل منه أعماله .
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد :
الجواب : قال تعالى : ( ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون ) وقال تعالى : ( ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الظالمون ) وقال تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ) لكن إن استحل ذلك واعتقده جائزاً فهو كفر اكبر وظلم أكبر وفسق أكبر يخرج من الملة ، أما إن فعل ذلك من أجل الرشوة أو مقصد ىخر وهو يعتقد تحريم ذلك فإنه آثم يعتبر كافراً كفراً أصغر وظالماً ظلماً أصغر وفاسقاً فسقاً أصغر لا يخرجه من الملة كما أوضح أهل العلم في تفسير الآيات المذكورة . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
( اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ) .(1/1)
من هو الطاغوت
السؤال : متى نفرد شخصاً باسمه وعينه على أنه طاغوت ؟
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد :
الجواب : إذا دعا إلى الشرك أو لعبادة نفسه أو ادعى شيئاً من علم الغيب أو حكم بغير ما أنزل الله متعمداً ونحو ذلك ، وقد قال ابن القيم رحمه الله : الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
( اللجنة الدائمة ) .(1/1)
هل الإنسان مخير أم مسير
السؤال : هل الإنسان مخير أم مسير ؟
الجواب : نقول : الإنسان مسير ومخير ، وذلك أن الله تعالى قدر عليه ما يقع منه وما يفعله ، وهو مع ذلك أعطاه قدرة واستطاعة بها يزاول الأعمال ويختار ما يفعله مما يثاب عليه أو يعاقب ، والله تعالى قادر على أن يرده إلى الهدى ، ودليل ذلك قوله تعالى : ( ومن يضلل الله فما له من هاد ومن يهد الله فما له من مضل ) ، وفي الحديث : ( اعملوا فكل ميسر لما خلق له ) . رواه البخاري ومسلم . وقرأ قوله تعالى : ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ) ، فأثبت له عملاً وهو العطاء والتقوى والتصديق ، وأخبر بأن الله تعالى هو الذي يسره أي أعانه وقواه ، فلو شاء لأضله وسلط عليه من يصرفه عن الحق ، فهو الذي يهدي من يشاء ، ويضل من يشاء .
ومذهب أهل السنة أن ما يقع من المعاصي والمخالفات كلها بإرادة الله تعالى ، الإرادة الكونية القدرية بمعنى أن الله خلقها وأوجدها مع أنه يكرهها ، ولا يحب أهلها بل يعاقبهم عليها ، فتنسب إلى العبد الذي عملها وباشرها ، ويوصف بأنه مذنب وكافر وفاجر وفاسق ، ومع هذا فإن الله تعالى هو الذي قدرها وكونها ، فلو شاء لهدى الناس جميعاً ، فلله الحكمة في خلقه وأمره ، فلا يكون في ملكه إلا ما يريد .
وقد ذهب المعتزلة إلى إنكار قدرة الله تعالى على أفعال العباد ، بل عندهم العبد هو الذي يضل ويهتدي ، فقدرته أقوى من قدرة الرب .
وخالفهم الجبرية ، فبالغوا في إثبات قدرة الرب ، وسلبوا العبد قدرته واختياره وجعلوه مقسوراً لا حركة له ولا اختيار .
وتوسط أهل السنة ، فقالوا : إن للعباد قدرة على أعمالهم ، ولهم إرادة تمكنهم من فعلها ، والله تعالى خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم حتى لا تبطل شريعة الله ، وأمره ونهيه ، ولا ينفى فعله وعموم قدرته لكل شيء . والله أعلم .
( ابن جبرين ) .(1/1)
الصلاة في بيوت النصارى
السؤال : أحياناً يحين وقت الصلاة وأنا في بيت أحدهم فآخذ سجادتي الخاصة وأصلي أمامهم فهل صلاتي صحيحة ، لكونها في بيت من بيوتهم ؟
الجواب : نعم تصح صلاتك – زادك الله حرصاً على طاعته – وخاصة أداء الصلوات الخمس في أوقاتها ، والواجب أن تحرص على أدائها في جماعة وتعمر بها المساجد ما استطعت إلى ذلك سبيلاً .
( فتاوى اللجنة الدائمة ) .(1/1)
هل نستطيع تحديد نوع الجنين
السؤال : ( في عدد العربي – 205 ص 15 – التاريخ ديسمبر 1975 م في سؤال وجواب : ثبت أن الرجل هو الذي يحدد نوع الجنين ) فما موقف الدين من هذا ، وهل يعلم الغيب أحد غير الله ؟
الجواب : أولاً : إن الله سبحانه وتعالى هو وحده الذي يصور الحمل في الأرحام كيف يشاء . فيجعله ذكراً أو أنثى ، كاملاً أو ناقصاً ، إلى غير ذلك من أحوال الجنين ، وليس ذلك إلى أحد سوى الله سبحانه ، قال تعالى : ( ( هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم ) وقال تعالى : ( لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء ويهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير ) فأخبر سبحانه أنه وحده الذي له ملك السماوات والأرض ، وأنه الذي يخلق ما يشاء ، فيصور الحمل في الأرحام ، كيف يشاء ، من ذكور أو أنوثة ، وعلى أي حال شاء : من نقصان ، أو تمام ، ومن حسن وجمال ، أو قبح ودمامة ، إلى غير ذلك من أحوال الجنين ، ليس ذلك إلى غيره ولا إلى شريك معه .
ودعوى أن زوجاً أو دكتوراً أو فيلسوفاً يقوى على أن يحدد نوع الجنين دعوى كاذبة ، وليس الزوج ومن في حكمه أكثر من أن يتحرى بجماعه زمن الإخصاب رجاء الحمل ، وقد يتم له ما أراد بتقدير الله ، وقد يتخلف ما أراد ، إما لنقص في السبب ، أو لوجود مانع من صديد أو عقم أو ابتلاء من الله لعبده . وذلك أن الأسباب لا تؤثر بنفسها ، وإنما تؤثر بتقدير الله أن يرتب عليها مسبباتها ، والتلقيح أمر كوني ، ليس إلى المكلف منه ، أكثر من فعله بإذن الله . وأما تصريفه وتكييفه وتسخيره وتدبيره ، بترتيب المسببات عليه ، فهو إلى الله وحده لا شريك له .(1/1)
ومن تدبر أحوال الناس وأقوالهم ، تبين له منهم المبالغة في الدعاوى والكذب والافتراء في الأقوال والأفعال جهلاً منهم وغلواً في اعتبار العلوم الحديثة وتجاوزاً للحد في الاعتداد بالأسباب ، ومن قدر الأمور قدرها ، ميز بين ما هو من اختصاص الله منها ، وما جعله الله إلى المخلوق بتقدير منه لذلك سبحانه .
( مجموعة من العلماء ).(1/2)
هل هناك تقارب بين الأديان والفرق الضالة
السؤال : هل الدعوة للتقارب بين الأديان ( الإسلام – المسيحية – اليهودية ) دعوة شرعية ، وهل يجوز للمسلم المؤمن حقاً أن يدعو لها ويعمل على تقويتها ، سمعت أن هناك مثل ذلك يقوم به علماء في الأزهر وغيره في المؤسسات الإسلامية ، وكذلك هل الدعوة للتقارب بين أهل السنة والجماعة والطوائف الشيعية والدرزية والإسماعيلية والنصيرية وغيرها فيه فائدة للمسلمين ، وهل ممكن هذا اللقاء وأكثر بل كل هذه الطوائف تحمل في معتقداتها الشرك بالله والإساءة لرسوله والحقد على الإسلام وأهل السنة والجماعة ، وهل يجوز هذا اللقاء والتقارب شرعاً ؟ .
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد :
الجواب : أصول الإيمان التي أنزل الله بها كتبه على رسله التوراة والإنجيل والزبور والقرآن والتي دعت إليها رسله عليهم الصلاة والسلام إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء والمرسلين ، كلها واحدة بشر سابقهم بلاحقهم وصدق لاحقهم سابقهم وأيده ونوه بشأنه وإن اختلفت الفروع في الجملة حسب مقتضيات الأحوال والأزمان ومصلحة العباد حكمة من الله وعدلاً ورحمة منه سبحانه وفضلاً .(1/1)
قال الله تعالى : ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ) وقال تعالى : ( والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفوراً رحيماً ) وقال تعالى : ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ، فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ، أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون ) وقال تعالى : ( قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ، ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ) وقال تعالى بعد ذكره دعوة خليله إبراهيم إلى التوحيد وذكر من معه من المرسلين ( أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين ، أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجراً إن هو إلا ذكرى للعالمين ) وقال تعالى : ( إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ) وقال تعالى : ( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين ) وقال : ( وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ) وقال تعالى : ( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يده من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ) وثبت عن النبي صلى(1/2)
الله عليه وسلم أنه قال : ( أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة ،الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد ) .
ثانياً : حرف اليهود والنصارى الكلم عن مواضعه وبدلوا قولاً غير الذي قيل فغيروا بذلك أصول دينهم وشرائع ربهم ، من ذلك قول اليهود : عزير ابن الله وزعمهم أن الله مسه لغوب وأصابه تعب من خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام فاستراح يوم السبت ، وزعمهم أنهم صلبوا عيسى عليه السلام وقتلوه ، ومن ذلك أنهم أحلوا الصيد يوم السبت بحيلة وقد حرمه الله عليهم ، وأنهم ألغوا حد الزنا في حق المحصن ، ومن ذلك قولهم : إن الله فقير ونحن أغنياء ، وقولهم : ( يد الله مغلولة ) إلى غير ذلك من التحريف والتبديل القولي والعملي عن علم اتباعاً للهوى ، ومن ذلك زعم النصارى أن المسيح عيسى عليه السلام ابن الله ، وأنه إله مع الله ، وتصديقهم اليهود في زعمهم أنهم صلبوا عيسى عليه السلام وقتلوه ، وزعم كل من الفريقين أنهم أبناء الله وأحباؤه ، وكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به ، وحقدهم عليه وحسدهم إياه من عند أنفسهم وقد أخذ عليهم العهد والميثاق أن يؤمنوا به ويصدقوه وينصروه وأقروا على أنفسهم بذلك إلى غير ذلك من فضائح الفريقين وتناقضهم .(1/3)
وقد حكى الله الكثير من كذبهم وافترائهم وتحريفهم وتبديلهم ما أنزل إليهم من العقائد والشرائع وفضحهم ورد عليهم في محكم كتابه قال الله تعالى : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ، وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون ) وقال تعالى : ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) . وقال تعالى : ( وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين ، قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ) وقال تعالى : ( وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ) وقال تعالى : ( فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلاً ، وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيما، وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً ، بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً ) وقال تعالى : ( وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق ..(1/4)
) وقال تعالى : ( وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون ، اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم ) وقال : ( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ) إلى غير ذلك مما لا ينقضي منه العجب من افترائهم وتناقضهم ومخازيهم وفضائحهم ، والقصد ذكر نماذج من أحوالهم ليبنى عليها الجواب فيما يأتي .
ثالثاً : مما تقدم يتبين أن أصل الديانات التي شرعها الله لعباده واحد لا يحتاج إلى تقريب ، كما يتبين أن اليهود والنصارى قد حرفوا وبدلوا ما نزل إليهم من ربهم حتى صارت دياناتهم زوراً وبهتاناً وكفراً وضلالاً ، ومن أجل ذلك أرسل إليهم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ولغيرهم من الأمم عامة ليبين ما كانوا يخفون من الحق ويكشف لهم عما كتموه ، ويصحح لهم ما أفسدوا من العقائد والأحكام ، ويهديهم وغيرهم إلى سواء السبيل .
قال الله تعالى: ( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم ) وقال : ( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير ) .(1/5)
لكنهم صدوا وأعرضوا عنه بغياً وحسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين الحق قال الله تعالى : ( ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق ) وقال : ( ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) وقال : ( ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ) وقال : ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة ، رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة ) .
فكيف يرجو عاقل يعرف إصرارهم على الباطل وتماديهم في غيهم عن بينة وعلم حسداً من عند أنفسهم واتباعاً للهوى – التقارب بينهم وبين المسلمين الصادقين . قال الله تعالى : ( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ) وقال : ( إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ، لن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير ) وقال سبحانه : ( كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين )
بل هم إن لم يكونوا اشد من إخوانهم المشركين كفراً وعداوة لله ورسوله والمؤمنين فهم مثلهم ، وقد قال الله تعالى لرسوله في المشركين : ( فلا تطع المكذبين ودوا لو تدهن فيدهنون ) وقال له : ( قل يا أيها الكافرون ، لا أعبد ما تعبدون ، ولا أنتم عابدون ما أعبد ، ولا أنا عابد ما عبدتم ، ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين ) .(1/6)
إن من يحدث نفسه بالجمع أو التقريب بين الإسلام واليهودية والنصرانية كمن يجهد نفسه في الجمع بين النقيضين بين الحق والباطل بين الكفر والإيمان ، وما مثله إلا كما قيل :
أيها المنكح الثريا سهيلا عمرك الله كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت وسهيل إذا استقل يمان
رابعاً : لو قال قائل : هل يمكن الهدنة بين هؤلاء أو يكون بينهم عقد صلح حقناً للدماء واتقاء لويلات الحروب وتمكيناً للناس من الضرب في الأرض والكد في الحياة لكسب الرزق وعمارة الدنيا والدعوة إلى الحق إقامة للعدل بين العاملين .
لو قيل ذلك لكان قولاً متجهاً ن وكان السعي في تحقيقه سعياً ناجحاً . والقصد إليه قصداً نبيلاً له مكانه ، وعظيم أثره ، لكن مع المحافظة على إحقاق الحق ونصره ، فلا يكون ذلك على سبيل مداهنة المسلمين للمشركين ، وتنازلهم عن شيء من حكم الله أو شيء من كرامتهم وهوانهم على أنفسهم ، بل مع الإبقاء على عزتهم والإعتصام بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم عملاً بهدي القرآن ، واقتداء بالرسول الكريم عليه الصلاة والسلام .
قال الله تعالى : ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم ) وقال تعالى : ( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وانتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم ) .
وقد فسر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم عملياً وحققه بصلحه مع قريش عام الحديبية ومع اليهود في المدينة قبل الخندق وفي غزوة خيبر ومع نصارى الروم في غزوة تبوك ، فكان لذلك الأثر العظيم والنتائج الباهرة من الأمن وسلامة النفوس ونصرة الحق ، والتمكين له في الأرض ، ودخول الناس في دين الله أفواجاً ، واتجاه الجميع في الحياة لدينهم ودنياهم ، فكان الرخاء والإزدهار وقوة السلطان وانتشار الإسلام والسلام .(1/7)
وفي التاريخ وواقع الحياة أقوى دليل وأصدق شهيد على ذلك لمن أنصف نفسه أو ألقى سمعه واعتدل مزاجه وتفكيره وبرئ من العصبية والمراء ، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، والله الهادي إلى سواء السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل .
خامساً : إن الدروز والنصيرية والإسماعيلية ومن حذا حذوهم من البابية والبهائية قد تلاعبوا بنصوص الدين ، وشرعوا لأنفسهم ما لم يأذن به الله وسلكوا مسلك اليهود والنصارى في التحريف والتبديل اتباعاً للهوى وتقليداً لزعيم الفتنة الأول : عبد الله بن سبأ الحميري رأس الإبتداع والإضلال والإيقاع بين جماعة المسلمين ، وقد عم شره وبلاؤه وافتتن به جماعات كثيرة فكفروا بعد إسلام ، وتمكنت بسببه الفرقة بين المسلمين .
فكانت الدعوة إلى التقارب بين هذه الطوائف وجماعة المسلمين الصادقين دعوة غير مفيدة ، وكان السعي في تحقيق اللقاء بينهم وبين الصادقين من المسلمين سعياً فاشلاً ، لأنهم واليهود والنصارى تشابهت قلوبهم في الزيغ والإلحاد والكفر والضلال والحقد على المسلمين والكيد لهم ، وأن تنوعت منازعهم ومشاربهم واختلفت مقاصدهم وأهواؤهم ، فكان مثلهم في ذلك مثل اليهود والنصارى مع المسلمين .
ولأمر ما سعى جماعة من علماء الأزهر المصريين مع القمي الإيراني الرافضي في أعقاب الحرب العالمية الثانية وجدوا في التقارب المزعوم ، وانخدع بذلك قلة من كبار العلماء الصادقين ممن طهرت قلوبهم ولم تعركهم الحياة وأصدروا مجلة سموها مجلة ( التقريب ) وسرعان ما انكشف أمرهم لمن خدع بهم فباء أمر جماعة التقريب بالفشل ، ولا عجب فالقلوب متباينة والأفكار متضاربه والعقائد متناقضة وهيهات هيهات أن يجتمع النقيضان أو يتفق الضدان . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
( فتاوى اللجنة الدائمة ) .(1/8)