سلسلة بحوث وتحقيقات مختارة من مجلة الحكمة(33)
المؤلف
المحقق
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعهمه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
ففي نقلنا في مقالنا المنشور في العدد (12) من مجلتنا (فه زين) تحت عنوان "لماذا لا نقتدي بأئمتنا أئمة الهدى" (ص 140 - 145) مقدمه كتاب الإبانة لأبي الحسن الأشعري رحمه الله تعالى.
والآن اطعلنا على رسالة صغيرة الحجم إلا أنها كثيرة الفائدة لعلم من أعلام شعبنا الكردي ذبّ فيها عن الإمام أبي الحسن الأشعري وكتابه "الإبانة عن أصول الديانة"، وقد رأينا أن ننشرها لكثرة فائدتها.
وكانت الرسالة قد طبعت باسم "رسالة في الذب عن الأشعري" بمجلس دائرة المعارف النظامية بحيدر آباد، ثم طبعت بتحقيق الأستاذ الدكتور علي ناصر الفقيهي في نهاية كتاب "الأربعين في دلائل التوحيد" لأبي إسماعيل الهروي سنة 1404 هـ بعد حصوله على لمخطوطة للرسالة المذكورة.
ثم اطلعت على نسخة أخرى مصورة على فيلم تحت رقم (225) في مكتبة الحرم المدني في مسجد رسول الله ? بالمدينة النبوية.
وبعد قراءتها وتدبرها رأيت أنها نسبت إلى غير مؤلفها في المطبوعتين والمخطوطتين، حيث نسبت إلى صدر الدين أبي القاسم عبد الملك بن عيسى بن درباس الكردي الماراني (576 - 659 هـ).
وهذا خطأ واضح، لأن المؤلف يقول في روايته لقول البيهقي: أخبرنا به الإمام شيخ الإسلام بقية السلف الصالح صدر الدين قاضي القضاة عمي أبو القاسم عبد الملك بن عيسى بن درباس قدس الله روحه بقراءتي عليه... إلخ.(1/1)
إذًا فالرسالة من تأليف ابن أخ عبد الملك بن عيسى بن درباس، وليست لعبد الملك، فرحنا نبحث عن ابن أخ عبد الملك هذا، فرأينا أنه أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن عيسى بن درباس. ودليلنا أن الرسالة له أننا رأينا أن ابن المستوفي ترجم له في تاريخ إربل (2/ 215) وقال: إلا أنه على ما قيل عنه: يطعن على أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري رضي الله عنه ويقع فيه، وقالوا كذبًا وزورًا أنه يطعن على أبي الحسن ويقع فيه.
ثم العجب من ابن المستوفي الذي اجتمهع بالمؤلف ولقيه وروي عنه شعره كيف لم يسأله هو عن رأيه في أب الحسن الأشعري وكتابه الإبانة؟ إنه من العجب حقًا. ثم ينقل ما سمعه من بعض الحاقدين على أبي الحسن في عقيدته التي أثبتها في كتابه الإبانة. إن هذا من الظلم الكبير، غفر الله له، كيف يسأله عن مولده ولا يسأله عن هذه المسألة الخطيرة ؟
فلذلك قررنا أن الرسالة لإبراهيم هذا.
ترجمة المؤلف
ترجم له كثيرون من المؤرخين، ولكنا سننقل ترجمته من عند معاصرين له ومن عند مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي.
قال المنذري في التكملة لوفيات النقلة (3/ 165 - 166): وفي هذه السنة (622 هـ) توفي الشيخ الفقيه إبراهيم ابن الفقيه الإمام أبي عمرو عثمان بن عيسى بن درباس بن فير بن جهم بن عبدوس الماراني الشافعي المنعوت بالجلال، فيما بين الهند واليمن.(1/2)
تفقه على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه على والده، وسمع بمصر من أم عبد الكريم فاطمة بنت سعد الخير بن محمد الأنصاري، وأبي عبد الله محمد بن حمد بن حامد الأرتاخي، وأبي محمد عبد الله بن محمد بن المجلي، وجماعة من أهل البلد والقادمين عليها، ورحل إلى دمشق فسمع بها من جماعة من شيوخنا، منهم أبو حفص عمر بن محمد بن أبي الفضل الأنصاري، وأبو اليمن زيد بن الحسن الكندي وغيرهما، وكنا رفيقين بها مدة، ثم رحل فسمع بالعراق وأصبهان وخراسان من جماعة كثيرة، وكانت له إجازة من الحافظ أبي طاهر أحمد بن محمد الأصبهاني، وكتب كثيرًا، وله شعر، وحدَّث، وسمعت منه بمنى والصفراء والقاهرة، وسئل عن مولده، فقال: في شوال سنة اثنين وسبعين وخمس مئة.
وكان مائلاً إلى طريق الآخرة متقللاً من الدنيا جدًا. انتهى.
وقال ابن المستوفي في تاريخ إربل (2 215): هو أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن عيسى بن درباس الماراني المصري المولد والمنشأ، من أهل الحديث الذين رحلوا في طلبه، وكتب الكثير، وسمع الكثير، شافعي المذهب، إلا أنه على ما قيل عنه، يطعن على أبي الحسن علي بن إسماعيل بن أبي الحسن الأشعري رضي الله عنه، ويقع فيه، سمعته من غير واحد.
له من أبي طاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد السلفي إجازة معينة باسمه في شهر ربيع الآخر من سنة أربع وسبعين وخمس مئة، كتبها له بخطه، حدثني بذلك.
ورد إربل غير مرة، وأقام بها، سألته عن مولده، فقال: في شوال سنة اثنتين وسبعين وخمس مئة بالقاهرة، ونشأ بمصر، وكان فيما بلغني عمه قاضيها.
أنشدني لنفسه في حادي عشر جمادي الآخر سنة أربع عشرة وست مئة، ورحل في اليوم التالي إلى خراسان، قال: وكتبتها إلى صديق لي بدمياط من حمص [البسيط]:
حكمت يا دهر أمري بإفراط
إني وقد طرحت أيدي النوى حنقًا
وما عدلت إلى عدل وإقساط
جسمي بحمص وروحي ثغر دمياط(1/3)
وقال الذهبي في وفيات سنة 622 هـ من تاريخ الإسلام: ولد في سنة 751 هـ [وهو خطأ كما تقدّم أنه هو قال: ولدت سنة 572 هـ] قال: وأجاز له السلفي وتفقه على مذهب الشافعي، ثم أحبّ الحديث، وسمع من فاطمة بنت سعد الخير والأرتاحي وطبقتهما، ثم أحبّ الحديث، وسمع من فاطمة بنت سعد الخير والأرتاحي وطبقتهما، ورحل بنيسابور من المؤيد وزينب الشعرية، وبهراة من أبي الروح، وكتب الكثير، وله شعر حسن، روي عنه الزكي المنذري وغيره، وتوفي في هذه السنة فيما بين الهند واليمن، وكان مائلاً إلى الآخرة، متقللاً من الدنيا جدًا، صالحًا زاهدًا رحمه الله، وكان أبوه من كبار الشافعية، وعمه كان قاضي ديار مصر. انتهى.
ولم يذكر أحد مؤلفات المصنف، ولكني أملك الآن صورة تجريد كتاب الموضوعات لابن الجوزي له، وهي في مكتبتي وهي منقولة من نسخة بخط أخيه عيسى بن عثمان بن عيسى المكتوبة في 15 جمادي الأولى سنة 608.
حمدي عبد المجيد السلفي
بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبو القاسم عبد الملك بن عيسى بن درباس [هذا من خطأ الناسخ كما تقدّم]:
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وخصّ نبينا وآله من الله [منه] بالنصيب الأوفى.(1/4)
أما بعد.. فاعملوا معشر الإخوان وفقنا الله وإياكم للدين القويم وهدانا أجمعين الصراط المستقيم أن كتاب الإبانة عن أصول الديانة الذي ألفه الإمام أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري هو الذي استقر عليه أمره فيما كان يعتقده وبما كان يدين الله سبحانه وتعالى بعد رجوعه من الاعتزال بمنَّ الله ولطفه، وكل مقالة تنسب إليه الآن مما يخالف ما فيه فقد رجع عنها وتبرأ إلى الله سبحانه منها، كيف وقد نص فيه على أنه ديانته التي يدين الله سبحانه بها، وروي وأثبتت ديانة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث الماضين وقول أحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين، وأنه ما دلّ عليه كتاب الله وسنّة رسوله فهل يسوغ أن يقال: إنه رجع عنه إلى غيره؟ فإلى ماذا رجع إلى كتاب الله وسنّة نبي الله وخلاف ما كان عليه الصحابة والتابعون وأئمة الحديث المرضيون، وقد علم أنه مذهبهم ورواه عنهم، هذا الذي [لعمري] ما لا يليق نسبته إلى عوام المسلمين كيف بأئمة الدين؟ أو هل يقال: إنه جهل الأمر فيما نقله عن السلف الماضين مع إفنائه جل عمره في استقراء المذاهب وتعرف الديانات؟ وهذا ما لا يتوهمه منصف ولا يزعمه إلا مكابر بسرف ويكفيه معرفته بنفسه أنه على غير شيء.
وقد ذكر الكتاب واعتمد عليه وأثبته عن الإمام أبي الحسن رحمه الله عليه وأثنى عليه بما ذكره فيه وبرأه من كل بدعة نسبت إليه، ونقل منه إلى تصنيفه جماعة من الأئمة الأعلام من فقهاء الإسلام وأئمة القراء وحفاظ الحديث وغيرهم.(1/5)
منهم الإمام الفقيه الحافظ أبو بكر البيهقي صاحب التصانيف المشهورة والفضائل المنثورة، اعتمد عليه في كتاب الاعتقاد له، وحكى عنه في موضع منه، ولم يذكر من تواليفه سواه، فقال في (باب القول في القرآن) ما أخبرنا به الإمام شيخ الإسلام بقية السلف الصالح صدر الدين قاضي القضاة عمي أبو القاسم عبد الملك بن عيسى بن درباس قدس الله روحه بقراءتي عليه، قال: أنبأنا الإمام الحافظ أبو القاسم علي بن حسن الشافعي المعروف بابن عساكر بقراءتي عليه، قال: أنبأنا أبو عبد الله محمد بن الفضل بن أحمد الفراوي الصاعدي بقراءتي عليه: أنبأنا الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي وحكم عن الشافعي رحمه الله ما دلّ على أن ما نتلوه بألسنتنا ونسمعه بآذاننا ونكتبه في مصاحفنا كلام الله.
قال: وبمعناه ذكره أيضًا علي بن إسماعيل - يعني أبا الحسن - الأشعري رحمة الله عليه في كتاب الإبانة (1).
ثم قال: وقال أبو الحسن علي بن إسماعيل رحمة الله عليه في كتابه:
فإن قال قائل: حدثونا أتقولون: إن كلام الله في اللوح المحفوظ؟
قيل له: نقول ذلك، لأن الله قال: ? بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ? فالقرآن في اللوح المحفوظ، وهو في صدور الذين أوتوا العلم.
قال الله: ? بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ? وهو متلو بالألسنة، قال الله تعالى: ? لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ ? فالقرآن مكتوب في الحقيقة، محفوظ في صدورنا في الحقيقة، متلو بألسنتنا في الحقيقة، مسموع لنا في الحقيقة كما قال تعالى: ? فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ?(2).
هذا آخر ما حكاه البيهقي عن كتاب الإبانة.
وقال البيهقي أيضًا في أول هذا الباب بعد احتجاجه بآيات وغيرها مما هو مذكور في كتاب الإبانة فقال:
وقد احتج علي بن إسماعيل بهذه الفصول (3).(1/6)
ومنهم الإمام الحافظ أبو العباس أحمد بن ثابت الطرقي (4)، فإنه قال في بيان مسألة الاستواء من تواليفه [من تأليفه]:
ما أخبرنا به الإمام الحافظ أبو العباس أحمد بن ثابت قال: رأيت هؤلاء الجهمية ينتمون في نفي العرش وتأويل الاستواء إلى أبي الحسن الأشعري.
وما هذا بأول باطل ادَّعوه وكذب تعاطوه، فقد قرأت في كتابه المرسوم بـ (الإبانة عن أصول الديانة) أدلة من جملة ما ذكرته في إثبات الاستواء.
وقال في [جملة] ذلك: ومن دعاء أهل الإسلام جميعًا إذا هم رغبوا إلى الله تعالى في الأمر النازل [هم] يقولون: يا ساكن العرش.
ثم قال: ومن حَلِفِهِمء جميعًا [قولهم:] لا والذي احتجب بسبع سماوات.
هذا آخر ما حكاه، وهو في الإبانة كما ذكره [(ص 115)].
ومنهم الإمام الأستاذ [الحافظ] أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد الصابوني، فإنه قال: ما أنبأني به الشيخ الجليل أبو محمد القاسم ابن الإمام الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن [بن عساكر] الشافعي ببيت المقدس حرسه الله سنة ست وسبعين وخمس مئة، قال: أنبأني أبي، قال: سمعت الشيخ أبا بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل بن محمد بن بشار البوشنجي الخرجردي الفقيه الزاهد، أُراه يحكي عن بعض شيوخه: أن الإمام أبا عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد الصابوني النيسابوري قلما كان يخرج إلى مجلس درسه إلا وبيده كتاب (الإبانة) لأبي الحسن الأشعري، ويظهر الإعجاب به، ويقول: ما الذي ينكر على من هذا الكتاب شرح مذهبه؟
قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر عقب هذه الحكاية: فهذا قول الإمام أبي عثمان، وهو من أعيان أهل الأثر بخراسان (5).
ومنهم إمام القراء أبو علي الحسن بن علي بن إبراهيم الفارسي، فإنه قال:(1/7)
ما أنبأني به الإمام الحافظ أبو طاهر السلفي، عن أبي الحسن المبارك بن عبد الجبار بن أبي علي الصيرفي، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن إبراهيم، وفاطمة بنت الحافظ سعد الخير بن محمد بن سهل الأنصاريان، قالا: أنبأنا الإمام أبو علي الحسن بن علي بن إبراهيم المقرئ - وذكر الإمام أبا الحسن الأشعري رحمة الله عليه - فقال: وله كتاب في السنة سماه (كتاب الإبانة) صنفه ببغداد لما دخلها، قال: [و] له مسألة في الإيمان أنه غير مخلوق.
قلت أنا: وهذه المسألة قد ذكرها الحافظ أبو القاسم بن عساكر وأثبتها عنه (6)، وهي عندنا من رواية الإمام الحافظ أبي طاهر السلفي، ولم يقع لي شيء من تواليف أبي الحسن بالرواية المتصلة إليه سواه.
ومنهم الإمام الفقيه أبو الفتح نصر المقدسي رحمه الله، فإني وجدت (كتاب الإبانة) في كتبه ببيت المقدس حرسه الله، ورأيت في بعض تواليفه في الأصول فصولاً منها بخطه.
ومنهم الإمام الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي، فإنه قال في كتاب (تبيين كذب المفتري على أبي الحسن الأشعري) ردًا على من زعم أن أبا الحسن لم يكن يدين الله تعالى بما ذكره في (كتاب الإبانة) فقال:
ما أنبأني به [ابنه] الشيخ الجليل أبو محمد بن أبي القاسم، قال: أنبأني أبي رحمه الله قال: وما ذكره - يعني ما تقدم في معنى (كتاب الإبانة) - فقول بعيد من قول أهل الديانة، كيف يصنف في العلم كتابًا يخلده، وهو لا يقول بصحة ما فيه ولا يعتقده، بل هم - يعني المحققين من الأشعرية - يعتقدون ما فيها أشد اعتقاد، ويعتمدون عليها أشد اعتماد، فإنهم بحمد الله ليسوا معتزلة ولا نفاة لصفات الله معطلة، لكنهم يثبتون له سبحانه ما أثبته لنفسه من الصفات، ويصفونه بما اتصف به في محكم الآيات، وما وصفه به نبيه ? في صحيح الروايات.
قال: ولم يزل (كتاب الإبانة) مستصوبًا عند أهل الديانة.
ثم حكى ما حكيناه عن الأستاذ أبي عثمان الصابوني (7).(1/8)
وقال في موضع آخر من كتابه هذا: فإذا كان أبو الحسن كما ذكرنا عنه من حسن الاعتقاد مستصوب المذهب عند أهل المعرفة بالعلم والانتقاد، يوافقه تفي أكثر ما يذهب إليه أكابر العباد، ولا يقدح في معتقده غير أهل الجهل والعناد، فلا بد أن نحكي عنه معتقده على وجه الأمانة [وجهه بالامانة]، ونجتنب أن نزيد فيه أو ننقص منه تركًا للخيانة، ليتعلم حقيقة حاله في صحة عقيدته في أصول الديانة.
فاسمع ما ذكره في أول كتابه الذي سماه بـ (الإبانة) فإنه قال:
الحمد لله - ثم استمر الحافظ أبو القاسم رحمه الله في إيراد الكلام على نصه وفصه من أوله إلى باب الكلام في إثبات الرؤية لله عز وجل بالإبصار في الآخرة حرفًا حرفًا كما شرط.
ثم قال عقيب ذلك: فتأملوا رحمكم الله هذا الاعتقاد ما أصحه [أوضحه] وأبينه، واعترفوا بفضل هذا الإمام العادل الذي شرحه وبيّنه، وانظروا سهولة لفظه فما أفصحه وأحسنه، وكونوا ممن قال الله فيهم: ?الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ?، وبينوا فضل أبي الحسن، واعرفوا إنصافه، واسمعوا وصفه لأحمد بالفضل واعترافه، لتعلموا أنهما كانا في الاعتقاد متفقين، وفي أصول الدين ومذهب السنة غير مفترقين، ولم تزل الحنابلة في بغداد في قديم الدهر على ممر الأوقات، يعتقدون [تعتضد] بالأشعرية [على أصحاب البدع إلى أن قال:] حتى حدث الاختلاف في زمن أبي نصر بن القشيري بوزارة [ووزره] النظام، ووقع بينهم الانحراف من بعضهم عن بعض لانحلال النظام (8).
ومنهم الفقيه أبو المعالي مجلي صاحب (كتاب الذخائر) في الفقه.(1/9)
فقد أنبأني غير واحد عن الحافظ أبي محمد المبارك بن علي البغدادي ونقلت [له] أنا من خطه في آخر (كتاب الإبانة): نقلت هذا الكتاب جميعه من نسخة كانت مع الشيخ الفقيه مجلي الشافعي أخرجها إلي في مجلد، فنقلتها وعارضت بها، وكان رحمه الله يعتمد عليها وعلى ما ذكرناه فيها، ويقول: لله من صنفه، ويناظر على ذلك لمن ينظره، وذكر ذلك لي وشافهني به.
وقال: هذا مذهبي وإليه أذهب، فرحمنا الله وإياه.
نقلت ذلك في سنة أربعين وخمس مئة بمكة حرسها الله.
هذا آخر ما نقلته من خط ابن الطباخ رحمه الله.
ومنهم الحافظ أبو محمد بن علي البغدادي نزيل مكة حرسها الله، فإني شاهدت نسخة لكتاب (الإبانة) بخطه من أوله إلى آخره، وفي آخره بخطه ما تقدّم ذكره آنفًا، وهي بيد شيخنا الإمام رئيس العلماء الفقيه الحافظ العلامة أبي الحسن علي بن المفضل المقدسي، ونسخت منها نسخة وقابلتها عليها بعد أن كنت كتبت نسخة أخرى مما وجدته في كتاب الإمام نصر المقدسي ببيت المقدس حرسه الله، ولقد عرضها بعض أصحابنا على عظيم من عظماء الجهمية المنتمين افتراءً إلى أبي الحسن الأشعري ببيت المقدس، فأنكرها وجحدها، وقال: ما سمعنا بها قط، ولاهي من تصنيفه، واجتهد آخرًا في إعمال روايته ليزيل الشبهة فطنته، فقال بعد التحريك - تحريك لحيته -: لعله ألفها لما كان حشويًا، فما دريت من أي أمريه أعجب؟ أمن جهله بالكتاب مع شهرته وكثرة من ذكره في التصانيف مع العلماء، أو من جهله لحال شيخه الذي يفتري عليه بانتمائه إليه واشتهاره قبل توبته بالاعتزال بين الأمة عالمها وجاهلها؟ وشبهت لعزة [أمره] في ذلك بحكاية:
أنبأناها الإمام أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي الحافظ رحمه الله قال:(1/10)
فإذا كانوا بحال من ينتمون إليه بهذه المثابة يكونون بحال السلف الماضي وأئمة الدين من الصحابة والتابعين وأعلام الفقهاء والمحدثين، وهم لا يلوون على كتبهم ولا ينظرون في آثارهم، وهم والله بذلك أجهل وأجهل، كيف لا [و] قد قنع أحدهم بكتاب ألفه الجهمية بعض من ينتمي إلى أبي الحسن بمجرد دعواه، وهو في الحقيقة مخالفة لمقالة أبي الحسن التي رجع إليها واعتمد في تدينه عليها، قد ذهب صاحب [ذلك] التأليف إلى المقالة الأولى وكان خلال ذلك أحرى به وأولى، لتستمر القاعدة وتصير الكلمة واحدة.
والحمد لله رب العالمين وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
(1) الاعتقاد، للبيهقي، ص 108.
(2) الاعتقاد للبيهقي، ص 109.
(3) الاعتقاد، للبيهقي، ص 96.
(4) له ترجمة في الأنساب (8/ 235 - 236)، وتاريخ الإسلام في وفيات سنة 521 هـ للذهبي، وسير أعلام النبلاء (19/ 528 - 529) والميزان (1/ 86 - 87)، وهما له أيضًا، والوافي بالوفيات (6/ 282) للصفدي، ولسان الميزان لابن حجر، واللباب (2/ 280) لابن الأثير.
(5) تبيين كذب المفتري، لابن عساكر، ص 389.
(6) تبيين كذب المفتري، لابن عساكر، ص 393 - 394.
(7) تبيين كذب المفتري، لابن عساكر، ص 388 - 389.
(8) تبيين كذب المفتري، لابن عساكر، ص 152 - 163.
??
??
??
??
رسالةٌ في الذبِّ عن أَبِيْ الحَسَنِ الأشعري وكتابُه الإبِانة عن أُصولِ الدِّيانَةِ
55
155(1/11)