رسالة جوابية على مذكرة
أستاذ شيعي إثني عشري
أ.د. أحمد بن سعد حمدان الغامدي
الأستاذ بالدراسات العليا
قسم العقيدة - بجامعة أم القرى
المملكة العربية السعودية
مكة المكرمة العزيزية
ص . ب . ( 7998 )
جوال : 0553544535
تلفاكس : 5591294 /02
Email : asghamdi@uqu.edu.sa
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وبعد:
…ففي شهر رمضان المبارك من عام 1423هـ زارني في منزلي السيد/أبو مهدي الحسيني القزويني "أستاذ في إحدى جامعات إيران" راغبًا في إجراء حوار بيني وبينه في القضايا الخلافية بين أهل السنَّة والشيعة الإمامية فأبديت موافقتي وافتتحت اللقاء بكلمة بين يدي الحوار لا أذكرها بتفاصيلها الآن لأنَّني لم أكن أظن أنَّ الاتصال سيستمر بيني وبينه، وأنا أسجل هذا الكلام بعد مرور سنتين تقريبًا من اللقاء.
…وملخص الكلمة التي ذكرتها بين يدي الحوار ما يلي:
…"ذكرت أنَّ الله ( يبعث الرسل ليقيم بهم الحجة على الخلق كما قال تعالى: (رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) ثمَّ ختمهم بنبينا محمد ( فهو آخر الرسل ولم يعد بعده رسول يأتي ليصحح للناس أو يجدد لهم ما عدا عيسى ( سيأتي في آخر الزمان متبعًا لنبينا محمد (.
…ولهذا فلا بد أن يهيء الله ( لهذا النبي الكريم من أسباب النجاح وإقامة الحجة ما يقطع به عذر الناس إلى قيام الساعة.
…ولا يتم ذلك إلاَّ إذا توافرت عدة أمور منها:
…أولاً: أن يكون كتابه الذي ينزله عليه شاملاً لكل حاجات الناس الدينية.
…ثانيًا: أن يحفظه من كل نقص أو زيادة حتَّى تقوم به الحجة.
…ثالثًا: أن يهيء رجالاً يحفظون هذا الدين ويبلغونه للناس.
…فهل تحققت هذه الأمور في دعوته أم لا؟
…عند السنة: تحققت.
…وعند الشيعة الإمامية: لم تتحقق.(1/1)
…أهل السنَّة يقولون: إنَّ الله ( قد أنزل كتابًا كافيًا عاصمًا للأمَّة يكفيها في معرفة دينها ولا تحتاج معه إلى غيره ، فإنَّ الله تعالى قد بين ذلك وأكده في غير ما آية.
…قال تعالى: (إنَّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) [سورة الإسراء (آية"9")].
…وقال تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن..) [سورة محمد (آية"24")].
…وقال تعالى: (فذكر بالقرآن من يخاف وعيد) [سورة ق (آية"45")].
…وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول..).
…والقرآن قد تعهد الله ( بحفظه، فلا يزاد فيه ولا ينقص منه.
…ثمَّ إنَّ الله ( قد هيَّأ للنبي ( أشراف الناس وأخيارهم فآمنوا به، ونصروه، ثمَّ حملوا الراية من بعده جهادًا ودعوةً وتعليمًا، وها هو الدين يغطي قرابة ربع المعمورة ولا زال غضًا طريًا يهتدي به كل من أراد الحق.
…هذا معتقد أهل السنة.
…أمَّا الشيعة الإمامية فإنَّها تزعم أنَّ القرآن غير كافٍ فلا بد من: "إمام" يبينه للناس وإنَّ هذا الإمام لم يُمكَّن ـ أي إمام مع إيقاف التنفيذ ـ.
…وغالبية علماء الشيعة الإمامية القدماء يزعمون أنَّ القرآن ناقص فانتهت الثقة به لأنَّا لا ندري ما نقص منه وإذا قبل النقص قبل الزيادة.
…وكل الشيعة الإمامية تزعم أنَّ الصحابة الذين يقدر عدد من وردت أسماؤهم في الكتب بعشرة آلاف_كلهم قد ارتدوا وخانوا الرسول ( إلاَّ أربعة أشخاص مع عليّ (_.
…وبهذا فقد حكموا على هذا الدين بالفشل منذ اللحظة الأولى:
…فشل القرآن في التأثير.
…وفشل الرسول في التربية".
…هذا معنى افتتحت به اللقاء.
…ثمَّ جرى حوار لا أذكر بقية تفاصيله.
…لكن الأستاذ أبا مهدي كان مؤدبًا أثناء الحوار ويترضَّى عن الصحابة ويدعي أنَّه لا يسبهم..ونحو ذلك من الكلام.
…ثمَّ جرى حديث عن تصحيح الأحاديث وهل إذا صحح أحد علماء السنة حديثًا يُقبل؟(1/2)
…فقلت: إنَّ علماء الحديث من أهل السنَّة قد وضعوا ضوابط لقبول الحديث أو رده فإذا توافرت في الحديث قُبل، وإذا اختلفت تلك الضوابط حكم على الحديث على ضوئها.
…فإذا خالف أحد العلماء هذه الضوابط فصحح حديثًا رُد العالم إلى تلك الضوابط.
…ولهذا نرى العالم يصحح حديثًا ويرد عليه عالم آخر منبهًا إلى اختلال شروط الصحة في ذلك الحديث.
…وقد يوثق العالم راويًا ويطلع عالم آخر على نقص شروط التوثيق فيه فيرد على العالم الذي وثقه.
…فأهل السنَّة أهل منهج يحكم لهم وعليهم(1).
…وانتهى اللقاء ثمَّ أرسل إليَّ قبل مغادرته مكة المكرمة برسالة مكونة من صفحتين يستفسر فيها عن بعض الأحاديث ومسائل أخرى.
…وقد أجبته إجابات مختصرة ركزت فيها على الجانب العقلي لأنَّ عرض أقوال أهل السنَّة لا تقنع عندهم.
…وبعد سنة وثلاثة أشهر تقريبًا وصلتني رسالة هاتفية خطية ـ فاكس أرفقت صورتها مع البحث ـ يشير فيها إلى أنَّه قد عكف على إجاباتي المختصرة قرابة: "خمسمائة ساعة" لمراجعة ما يتعلق بها من كتب الشيعة وكتب السنَّة، ثمَّ كتب بحثًا يرد فيه على رسالتي تلك.
…وقد وصلني هذا البحث في منتصف شهر ربيع الآخر من عام 1425هـ وعندما وقفت عليه وجدته بحثًا غريبًا.. غريبًا في منهجه، وغريبًا في نتائجه.. غريبًا في أدلته، وغريبًا في مفاهيمه.
…فرأيت أنَّه يلزمني عرض هذا البحث وإظهار ما تضمنه من تلك الغرائب مع نقدها وكشف خطئها.
…فاستقطعت جزءًا من وقتي وكتبت هذا البحث والذي استغرق قرابة الشهرين كان كتابة جلها في مكة المكرمة ثمَّ أكملته خارجها.
…وأعتذر عن عدم ترتيب البحث بالصورة الجيدة وذلك لأنَّه لم يسبق تخطيط وإعداد وإنَّما كان ردًا على بحث اشتمل على مسائل متنوعة قد يتطلب ضرورة البحث أحيانًا إلى التكرار أو الإحالة ونحو ذلك، إضافة إلى رغبتي في أن يعود الجواب إلى الأستاذ أبي مهدي في أقرب وقت مع المعتمرين قبل شهر رمضان.(1/3)
…وقد أوردت كلام الأستاذ أبي مهدي مفرقًا في أكثر من مائة وستين فقرة ثمَّ أعقب عليها بما يتيسر من الجواب.
…وقد أرفقت الرسائل التي جرت بيني وبينه بالبحث وجعلتها بين يديه لتكون مدخلاً إلى البحث.
…كل ذلك رغبةً في أن يحقق هذا البحث إيقاظًا له ولكل شيعي إلى خطورة عقائدهم وهشاشة قواعدهم لاستدراك أنفسهم قبل الرحيل وسميته:
" "
هذا وأسأل الله ( أن يرينا الحق حقًا ويرزقنا اتباعه
ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
أ.د/ أحمد بن سعد حمدان الغامدي
مكة المكرمة
بسبسم الله الرحمن الرحيم
( الأسئلة الأولى التي سألها أبو مهدي من خلال هذه الرسالة التي أرسلها إليّ )
الأخ الفاضل المحقق الأستاذ سماحة الدكتور أحمد سعد حمدان
سلامٌ عليكم
…أقدم شكري الوافر إلى سماحتكم كما أقدم ثنائي العاطر مما شاهدت من أخلاقكم الحسنة وإكرامكم الجميلة.
…ولقد استفدت من جنابكم كثيرًا وأرجوا أن يستمر هذا اللقاء ولا يكون آخر العهد من زيارتكم.
…وفي الختام أقدم إلى سماحتكم بعض الأسئلة ، راجيًا أن أزور ( قلت لعلها أزود ) منكم أجوبة مستدلة! تقنع النفس بها.
…ماذا تقول سماحة الأستاد فيما رواه البخاري وغيره بأن عدة من الأصحاب يدخلون النار يوم القيامة ويقول رسول الله: يارب أصحابي! أصحابي! فيقال ما تدري ما أحدثوا بعدك فإنّهم ارتدّوا بعدك على أعقابهم.
…هل مضمون هذه الروايات لم تكن مخالفة لوثاقة الأصحاب؟
…ماذا تقول ما ورد من سب بعض الأصحاب بعضًا آخر ؟ هل يوجب الفسق في الساب أم لا؟
…أو الاجتهاد والخطأ والوصول إلى أجر واحد ، يختص بالأصحاب أو يعمّ غيرهم من الفقهاء وأصحاب الفتيا؟
…ماذا تقول فيما جرى على بعض الأصحاب أو شرك في قتله؟ هل يحكم فيهم بأنّهم اجتهدوا وأخطؤو ولهم أجر واحد أم لا ؟(1/4)
…ورد في الروايات المتعددة بأنّ النبي ( قال فاطمة بضعة منّي من آذاها فقد آذاني، وورد أيضًا بأنّ فاطمة هجرت أو غضبت على أبي بكر ولم تكلمه حتى ماتت.
…وكما صرحتم في كلامكم بأنّ فاطمة ماتت وهي غضبان على أبي بكر؟
…هذا لا ينافي قوله تعالى إنّ الذين يؤذون الله ورسوله ... .
…وورد في الروايات الكثيرة بأنّ النبي قال عند موته ائتونى اكتب لكم كتابًا لن تضلّوا بعده أبدًا ومنعه عمر وقال إنّ النبي قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ، بحيث أذي رسول الله وقال قوموا عنيّ.
…هل يكون عمر أعلم من النبي بمصالح الأمة ؟ وهل لا يعلم رسول الله بأنّ الكتاب يكفي للناس ؟ وهل هذا لم يكن منافيًا لقوله تعالى " ما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ".
…وسمعت من سماحتكم بأنّ قوله تعالى " الطيبات للطيبين " يدل على أنّ عائشة زوجة كانت طيبة لكون النبي من الطيبين.
…ماذا يقول سماحة الاستاد في توجيه هذه الآية وما في قوله تعالى " ضرب الله مثلاً للذين كفروا إمرأة نوح وإمرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا ... وقيل ادخلا النار مع الداخلين".
…هل نوح النبي لم يكن طيبًا وكذلك لوط؟
…وقد أشرتم في مطاوي كلامكم : بأنّي أعتقد أنّ تسعون بالمائة ما في الكافي عن الصادق كذب.
…وكيف يمكن الوفق بين كلامكم هذا مع ما قال الذهبي : فلو ردّ حديث هؤلاء ( الرواة الشيعة ) لذهب جملة من الآثار النبوية وهذه مفسدة بيّنة . ميزان الاعتدال: 1/56 سير أعلام النبلاء: 1/59 تهذيب الكمال: 2
…نشكركم لو كنت أزور كلامكم هذا مستدلاً بأدلة قاطعة قانعة.
أبو مهدي محمد الحسيني القزويني
( تنبيه: توجد عبارات فيها ركاكة تركتها كما هي).
الإجابة الأولى على أسئلة الأستاذ أبي مهدي
بسم الله الرحمن الرحيم
…حديث البخاري في دخول عدة من الأصحاب النار:
…يحتاج الجواب على ذلك إلى توطيئة وهي بيان فضلهم:(1/5)
…أولاً: قد ثبت بالأدلة القاطعة من القرآن الكريم والسنَّة النبوية فضل الأصحاب وتزكيتهم من رب العالمين ومن نبيه سيد المرسلين( ومن ذلك ما يلي:
أ ) من القرآن الكريم:
1- قال تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا ذلك الفوز العظيم) [سورة التوبة/100/].
أثنى الله ( على جميع المهاجرين وجميع الأنصار بدون قيد لأنَّ (ال) للعموم فيما دخلت عليه وجميع الذين اتبعوهم بإحسان فالمتبعون قيدهم بالإحسان وهذا أصل فلا يخرج أحد من المهاجرين والأنصار إلاَّ بدليل قطعي والآية في غاية الوضوح (كنت أستحضر في ذهني الصحابة الذين هم أساس المجتمع المسلم الأول الذين وصفهم الله ( بـ: "السابقين").
ثمَّ أثنى الله ( على الذين اتبعوهم بإحسان والذين اتبعوهم هم أهل السنَّة وليسوا الشيعة لأنَّ الشيعة ما بين مكفر لهم وذام لهم ـ أعني الشيعة الإمامية المتأخرين بدون استثناء ـ: (أي من أطلق عليهم فيما بعد: الرافضة).
2- وقال تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعًا سجدًا يبتغون فضلاً من الله ورضوانًا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرًا عظيمًا) [سورة الفتح/29/].
ذكر ( أنَّه رباهم ورعاهم كما يرعى النبتة التي تخرج من الأرض حتَّى نضجت واكتملت وأنَّ ذلك سيكون سببًا لغيظ الكفار فمن كرههم أو غاضهم لحقه الوعيد.(1/6)
3- وقال تعالى:(إنَّ الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياءبعض..)إلى أن قال تعالى:(والذين آمنواوهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقًا لهم مغفرة ورزق كريم ( والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم..) [سورة الأنفال/72-75/].
حكم ( للمهاجرين الذين جاهدوا في سبيله ولإخوانهم الأنصار بأنَّهم مؤمنون حقًا ووعدهم مغفرة ورزقًا كريمًا.
…أليس هذا ثناءً من الله ( على المهاجرين والأنصار وتأكيد إيمانهم بما لا يدع مجالاً للشك فيهم، فمن شك فيهم فقد كذب الله ( ولعل الله سبحانه وتعالى عالم الغيب أراد أن يرد على كل من سيأتي بعد فيطعن فيهم.
4- وقال تعالى: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى) [سورة الحديد/10/].
هذه الآية الكريمة تمدح الذين آمنوا من قبل الفتح وأنفقوا في سبيل الله وقاتلوا لإعلاء كلمة الله ( وأنَّ من لحقهم بعد ذلك لا يدرك فضلهم وهذه شهادة عظيمة من الله (.
5- وقال تعالى: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضوانًا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة ممَّا أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوقَ شح نفسه فأولئك هم المفلحون والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنَّك رؤوف رحيم) [سورة الحشر/8-10/].
أرأيت هذا التقسيم العجيب لطوائف المؤمنين..
مهاجرون
أنصار
متبعون يحبونهم ويدعون لهم ولا يكرهونهم.
أين مكان الإمامية هنا؟؟
وأين مكان أهل السنَّة هنا؟(1/7)
…هذه بعض الآيات التي تثني على جيل الصحابة الذين جاهدوا لرفع راية الإسلام وما تراه في العالم الإسلامي من خير فهو بسببهم.
…ثمَّ جاءت أجيال أهل السنَّة لتكمل المسيرة فنقلت الدين وفتحت الأرض وعلمت الناس دينهم.
…فأين الأرض التي فتحها أهل التشيع؟
…إنَّ معتقد أهل التشيع يلزم منه أنَّ الدين لم يطبق لأنَّ الصحابة بعد موت النبي ( خانوه ولم ينفذوا أمره وجاء أئمة أهل التشيع بعد عليّ ( ولم يتمكنوا من إبلاغ الدين لأنَّهم لم يُمكَّنوا إذن الدين الحق لم يظهر، وإنَّما عملت به الشيعة في الخفاء وهذا يخالف القرآن الكريم.....
…قال الله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنًا يعبدونني لا يشركون بي شيئًا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون)[سورة النور/55/].
…ألم يتحقق هذا الوعد فاستخلف الله ( الأمَّة الإسلامية ومكَّن لهم الدين وأمن الناس في عهود الحكومات الإسلامية؟!
ب ) ومن السنَّة:
1- عن أبي سعيد الخدري ( قال: قال رسول الله (: (لا تسبوا أصحابي فلو أنَّ أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) [رواه البخاري/ ح/3673/ ومسلم/ح/2541]..
وهذا قاله ( لخالد عندما سبّ عبدالرحمن بن عوف، وعبدالرحمن من السابقين وخالد ممَّن أسلم بعد.
2- وعن عبدالله بن مسعود ( عن النبي ( قال: (خير الناس قرني ثمَّ الذين يلونهم ثمَّ الذين يلونهم..) [البخاري/ح/2652/ ومسلم/2533].
وفضائل الصحابة بأسمائهم في الصحيحين وغيرها كثير فراجعها إن شئت.
…وأنت تعلم أنَّ المحققين من أهل السنَّة يتثبتون في الرواية ويدققون في الرواة وخاصة البخاري ومسلمًا فلا يوردون إلاَّ ما صح عندهم.
…بعد هذه المقدمة ننظر في الرواية التي وردت في الحديث السابق:(1/8)
هذا الحديث رواه جماعة من الصحابة منهم عبدالله بن عباس وأبو هريرة وأنس وأسماء بنت أبي بكر وكلها في صحيح البخاري.
…وله ألفاظ:
- ففي رواية عبدالله بن عباس: (أنَّه سيجاء برجال من أمتي..).
- وفي رواية لأبي هريرة: (ألا ليذادن رجال عن حوضي..).
وهنا عدة وقفات:
أولاً: هذه الروايات رواها الصحابة أنفسهم ( وهذه لأمانتهم وصدق إيمانهم ولو كانوا قد ارتدوا ما رووها.
…ثانيًا: المعنى: إمَّا أنَّه يُراد به الصحابة أنفسهم جميعهم وهذا مردود للآيات السابقة والأحاديث الصحيحة في فضلهم جميعًا وفي فضائل أفرادهم.
…وإمَّا أن يُراد به بعضهم (أي الصحابة) وهذا يحتاج إلى دليل قطعي وهذا غير موجود.
…وإمَّا أن يُراد به بعض أفراد الأمَّة وسماهم بأصحابه لأنَّ كل أمَّته أصحابه لمشاركته في دينه وفي الجنَّة أي يصاحبونه فيها فعندما يقدم هؤلاء على حوضه وعليهم علامة المسلمين بآثار الوضوء ويمنعون عن الحوض فيقول: أصحابي.. وفي بعضها لا يقول أصحابي وإنَّما يقول: ألا هلم وفي بعضها بالتصغير: أصيحابي والذي يظهر أنَّ هذا هو المراد وهو الذي نعتقده.
? حديث فاطمة: إنَّما فاطمة بضعة منِّي يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها.
…سبب هذا الحديث كما هو معروف أنَّ عليًّا ( أراد أن يتزوج ابنة أبي جهل.
…وهنا وقفات:
1- أنَّ عليًّا ( هو الذي ورد فيه الحديث فهل فعله هذا كان كفرًا حاشاه ( وإنَّما أراد أمرًا مباحًا في الشرع وهو التعدد في الزواج ولم يكن يعلم أنَّ لابنة رسول الله ( خصوصية خاصة فخطب عليها.
وفعله هذا بين أمور ثلاث:
أ) أن يكون كفرًا وهذا لم يقل به أحد ولم يرد أنَّه أسلم من جديد.
ب) وإمَّا أن يكون معصية فتاب منها فقبلت توبته فمحيت معصيته.
ج) أو يكون اجتهادًا خاطئًا ومغفورًا له اجتهاده.
2- هذا الفعل من علي ( يدل أنَّه غير معصوم.(1/9)
3- أنَّ أبا بكر ( لم يفعل فعلاً مباحًا له أن يفعله وأن لا يفعله وإنَّما فعل فعلاً واجبًا روى فيه حديثًا عن نبيه ( وهو لشدة حبه لرسول الله ( وخوفه من ربه ما كان ليعصيه وقد سمعه يقول: (لا نورث ما تركناه صدقة).
4- هذا الحديث رواه أبو بكر وعمر بن الخطاب وقد أشهد عليه عمر من حضره من الصحابة منهم عثمان وعلي والعباس وعبدالرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص فأقروا به كما في الصحيحين أخرجه البخاري في الفرائض/ باب قول النبي (: لا نورث وفي الجهاد والمغازي ورواه مسلم في الجهاد/ باب حكم الفئ..
وقد سلمها عمر (أي أموال بني النضير التي كانت ممَّا أفاء الله ( بها على رسول الله () لعليّ والعباس ليلياها فاختلفا.
5- أنَّ عليًّا ( بعد أن تولى الخلافة لم يغير شيئًا ممَّا كان في عهد الشيخين فلم يقسم ميراثًا ولم يعطِ الحسن والحسين رضي الله عنهما شيئًا منه ممَّا يدل على أنَّه قد تحقق عنده قول أبي بكر (.
6- وفاطمة رضي الله عنها طالبت بميراثها ظنًّا أنَّها ترث كما يرث بقية الناس فلمَّا أُخبرت بالحديث لا نظن بها رضي الله عنها أنَّها استمرت على مطالبتها لأنَّها ما كانت لتخالف أباها عليه الصلاة والسلام ولو خالفت لكان اتباع أمر أبيها وهو المُشرِّع أولى من اتباع قولها.
7- هب أنَّ أبا بكر اجتهد فأخطأ وهذا فرض ممتنع لوجود النص لكن هب ذلك ـ فليس أقل من فعل عليّ ( وما أجبتم به عن عليّ ( كان الجواب به عن أبي بكر (.
? قال الله تعالى: (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرؤون ممَّا يقولون لهم مغفرة ورزق كريم).
وهنا عدة وقفات منها:
1- الآية نزلت لتبرئة عائشة رضي الله عنها ممَّا رميت به وأخبر تعالى أنَّ الخبيثات للخبيثين و...إلخ ليدل على أنَّه ( ما كان ليدع امرأة خبيثة (وحاشاها من ذلك) زوجة لرسول أطيب الطيبين.(1/10)
والمراد هنا بالخبث هو: (الزنا) أمَّا زوجتا نوح ولوط عليهما السلام فقد كانتا كافرتين والزواج من الكافرة في شريعتهم جائز أمَّا في شريعتنا فلا يجوز إلاَّ من الكتابية المحصنة (أي غير زانية).
وأمَّا الزواج من الزانية فلا يجوز في شريعتنا ولو كانت مسلمة لما يؤدي إليه من مفاسد واختلاط الأنساب ونحو ذلك كما قال تعالى: (والزانية لا ينكحها إلاَّ زانٍ أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين).
فالفرق إذن واضح.
2- الآية برأت عائشة رضي الله عنها ووعدتها بمغفرة ورزق كريم فدل هذا على أنَّها تموت على الإيمان لأنَّ حكم الله ( لا يتغير.
حديث ابن عباس رضي الله عنهما هذا فيه عدة أمور منها:
1- إرادة النبي ( أن يكتب كتابًا لئلا يختلف الصحابة (. ولم يذكر القضية التي أراد ( أن يكتبها. ولو كانت أمرًا واجبًا من واجبات الدين لما ترك كتابتها للغطهم بل يخرجهم ويستدعي من يكتب خاصة وقد عاش بعد ذلك أربعة أيام لأنَّ هذا كان يوم الخميس كما في لفظ آخر للبخاري (يوم الخميس وما يوم الخميس) ح/4431/ وتوفي يوم الاثنين.
2- أنَّ الموجودين اختلفوا وليس هذا خاصًا بعمر (.
3- أنَّ عمر ( قد شهد له النبي ( بقوله: (إنَّه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون وإنَّه إن كان في أمتي هذه منهم فإنَّه عمر بن الخطاب) رواه البخاري/ح/3469.
وقوله: (والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكًا فجًا إلاَّ سلك فجًا غير فجك) رواه البخاري /ح/3294/ ومسلم/ح/2396.
…وروى البخاري ومسلم من فضائله ستة عشر حديثًا في أصح الكتب ومنها عن محمد بن الحنفية ( قال قلت لأبي: (أي الناس خير بعد رسول الله (؟ قال: أبو بكر, قلت: ثمَّ من؟ قال: ثمَّ عمر. وخشيت أن يقول: عثمان، قلت: ثمَّ أنت. قال: ما أنا إلاَّ رجل من المسلمين) رواه البخاري/ح/3671/.
…(1/11)
وروى ابن عباس ( قال: وُضِع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع وأنا فيهم فلم يرعني إلاَّ رجل أخذ منكبي فإذا عليّ بن أبي طالب فترحم على عمر، وقال: ما خلفتَّ أحدًا أحب إليَّ أن ألقى الله بمثل عمله منك وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك وحسبت أنِّي كثيرًا أسمع النبي ( يقول: (ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ودخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر) رواه البخاري/ح/3685/ ومسلم/ح/2389.
هذه بعض شهادات الصحابة من آل بيت رسول الله ( ومن غيرهم.
4- أنَّ النبي ( كان يأخذ أحيانًا بقول عمر وينزل القرآن بموافقته ( كما في اتخاذ مقام إبراهيم مصلى والحجاب وغيرهما فلعله هنا مال النبي ( إلى قوله ( ولعل عمر ( قال ذلك لما رأى ما به من الوجع فكان رأفة به ( أو نحو ذلك ولا يتصور أنَّه أراد إيذاءه ( وهو ممَّن شهد له القرآن لأنَّه من المهاجرين ومن السابقين الأولين وفضائله في السنَّة كما تقدم.
هذه هي أهم ما سألت عنه.
وأمَّا البقية فهي قضايا اجتهادية.
نظرات في اتجاهات أهل السنَّة والشيعة ومناهجهم.
المتأمل للعقيدتين يستنتج ما يلي:
1- أنَّ أهل السنَّة يفهم من عقيدتهم أنَّ النبي ( بعث إلى الناس عامة وأنَّه يجب أن يَنقل أتباعه سنته إلى من بعدهم.
والشيعة يفهم من عقيدتهم أنَّ النبي ( بعث إلى عليّ ( وأنَّ الله ( قد أبدى وأعاد في الوصية لعليّ وأنَّ الأمر بالإبلاغ أي إبلاغ الوصية فلا يجوز أخذ العلم إلاَّ منه ( إذن كل الدين المبلغ من غيره ليس دينًا.
2- أنَّ أهل السنَّة يفهم من عقيدتهم أنَّ فهم الدين ممكن لكل إنسان وأنَّ بإمكان الإنسان أن يكون عالمًا ويتحمل الأداء.
وأمَّا أهل الشيعة فتشترط وجود معصوم يرجع إليه وهذا يعني أنَّه لا بد أن يكون في كل بقعة معصوم ليرجع إليه إذ كيف يستطيع من بالمشرق أو بالمغرب أن يعمل فيما يجد من مسائل؟!(1/12)
…فإذا جاز له الاجتهاد (أي البعيد عن الإمام جازبدون بدون إمام) فما الحاجة للمعصوم..
3- أنَّ أهل السنَّة يعظمون الصحابة الذين هم نقلة الدين والمجاهدون في سبيله الذين فتحوا الأرض شرقًا وغربًا وحفظوا القرآن والسنَّة وبلغوها للعالم.
وأمَّا أهل التشيع فهم يطعنون في الصحابة ويتلمسون أخطاءهم ويتجاهلون فضلهم وبلاءهم ويقيدون عمومات القرآن ويقيدونها بناءً على ما رسخ في أذهانهم من معتقدات.
4- يظهر من معتقدات أهل السنَّة أنَّ الدين قد ظهر وعمل به الناس وفتحت عليه البلدان.
وأمَّا أهل التشيع فإنَّ الدين عندهم لم يظهر ولم يعمل به.
5- أنًَّ أهل السنَّة يفهم من معتقدهم أنَّهم يجلون عليًّا ( ويعتقدون أنَّه كان شجاعًا في ذات الله ( ولا يمكن أن يكون وصيًا ويسكت طيلة حياته بعد موت النبي ( وهي قرابة خمس وعشرين سنة.
ولو تكلم في شيء من ذلك لرواه رواة أهل السنَّة كما رأينا طرفًا من رواياتهم فهم يروون كل ما رأوه أو سمعوه. وقد ترد روايات لكنَّها لا تصح ونحن لا ننكر أنَّ كتب أهل السنَّة قد وردت فيها روايات ربَّما لأنَّ الرواية كما هو معروف قد تعرضت لكثير من الكذب.
وأمَّا أهل التشيع فإنَّهم زعموا أنَّهم يجلون عليًا ( وزعموا أنَّه لم يُظهِر أنَّه وصي رسول الله ( خوفًا على نفسه وهذا من أقبح التصورات وإن كانوا قد أوردوا أخبارًا لا يخفى عدم صحتها على المحققين.
6- أنَّ أهل السنَّة يعتقدون أنَّ الإمامة أمر اصطلاحي شوري للأمَّة أن تختار من تراه أهلاً لذلك ليحكمها بالقرآن والسنَّة ولا حرج في الاختلاف في مجالات الفهم.
وأمَّا أهل التشيع فإنَّه يفهم من عقيدتهم أنَّه يجب على الله أن ينصب إمامًا وأنَّ هذا الإمام هو عليّ ( مع أنَّه لم يرد في القرآن ولا في السنَّة أي لفظ في ذكر الإمامة أو الوصاية وإنَّما هي عمومات قابلة للتأويل على أوجه.(1/13)
…وقضية الإمامة قضية كبيرة فلو كانت مطلبًا دينيًا محددًا لنزلت آيات بلفظها ولجاءت أحاديث بلفظها سواء عمل الناس بها أو لم يعملوا، ثمَّ لأبقى الله ( نسل الأئمة إلى قيام الساعة.
…فإنَّ الله ( قد صرَّح بأقل من ذلك في قضية زيد وزوجته وتردد النبي ( في مصارحة زيد بذلك.
…فأي القضيتين أهم يا ترى؟!
7- والذي عمله الشيعة بعد انقطاع النسل هو الذي عمله أهل السنَّة بعد موت النبي ( مع أنَّ أهل التشيع حاولوا المغالطة فبقوا مدة بدون تجمع ثمَّ ابتدعوا (ولاية الفقيه) ألا قالوا بها بعد موت النبي (؟! وأنهوا معاناتهم إلى اليوم؟!
8- يعترف أهل السنَّة بأنَّه قد حدث كذب على رسول الله ( من بعض الرواة من بعد الصحابة ( لأنَّ الصحابة كلهم عدول ولم يجرب عليهم تعمد الكذب وعدم اعتقاد عدالتهم هدم للدين.
وأمَّا أهل التشيع فلا يرون ذلك بل يصفون كثيرًا من الصحابة بالكذب وهذا يشكك في كامل الدين إذ لا دين حق يمكن أن نتعبد الله به من رواة كفرة كذابين.
…وهذا هو الذي شكك في مقاصد الشيعة إذ موقفهم من الصحابة يهدم كامل الدين ويطعن في رب العالمين ( وفي نبيه سيد المرسلين (.
9- يعترف أهل السنَّة بأنَّ أحاديث كثيرة وآثارًا كثيرة قد ظهر لهم بطلانها أدخلها قوم أرادوا هدم الدين أو جهلة لينصروا الدين وقد كشفها أهل العلم.
وإذا كان قد وضع في كتب السنَّة ألف حديث مثلاً فقد وضع في كتب التشيع اثنا عشر ألفًا لأنَّ أكثر الوضع على المعصوم عند أهل السنَّة ولا معصوم إلاَّ رسول الله ( وأمَّا أهل التشيع فعندهم اثنا عشر معصومًا فكم يا ترى سيكون عدد الموضوعات؟ والمطلع على كتب الطائفتين يتضح له صدق ذلك.
10- أنَّ أهل السنَّة يفهم من عقيدتهم أنَّهم لا يقولون بعصمة أحد بعد رسول الله ( ولا أبي بكر وعمر وإن كانوا يرون أنَّ اجتهادهم إذا لم يخالف نصًا فإنَّه مقبول.(1/14)
وأمَّا أهل التشيع فإنَّهم يقولون بعصمة أئمتهم وإذا رأوا أحدهم يخالف قواعد معتقدهم زعموا أنَّ ذلك: (تقية) يا لها من جراءة!!
…والحسن يتخلى عن الإمامة وهو معصوم ويتخلى عن ركن من أركان الإيمان حفاظًا على حياته كما زعموا.
…أيليق بإنسان من بيت النبوة يعتقد أنَّه وصي من الله ( وهي مرتبة نبوية لو صحت ثمَّ يتنازل حفاظًا على حياته ونحن نرى التاريخ مملوءًا بمن ثبت على دينه حتَّى قتل في سبيل الله وهم ليسوا بأنبياء ولا بأوصياء معصومين!!
…فهذا الخميني ثبت على عقيدته وأوذي وأخرج ثمَّ رجع منتصرًا إذن الخميني خير من وصي رسول الله ( معاذ الله...
11- منهج أهل السنَّة في قبول الروايات منهج حازم فإنَّهم قد دونوا تراجم جميع الرواة وحكموا عليهم من خلال مروياتهم فما قبله ميزان الجرح والتعديل قبلوه وما خالفه ردوه وهذه قاعدة من خالفها أعادوه إليها.
…ولا يوجد لدى أهل التشيع مثل ذلك.
…وبإمكانك أن تأخذ عددًا من أول أي كتاب من كتب التراجم لدى أهل السنَّة وعددًا مماثلاً من كتب التراجم عند الشيعة وقارن بين المعلومات المدونة عندهما..
…وأنت (محدث) وابحث: (متجردًا).
…وفيما يلي مقارنة:
أ ) تهذيب الكمال عند أهل السنة:
أحمد بن إبراهيم الموصلي.. كنيته.. بلده.
? أسماء شيوخه أورد أكثر من عشرين راويًا:
أسماء تلاميذه كذلك
ثمَّ درجته
وهكذا كل راوٍ تقريبًا إلاَّ النادر.
ب ) أمَّا في كتاب مجمع الرجال عند الشيعة:
أول راوي فيه:
آدم بن إسحاق بن آدم له كتاب أخبرنا به عدة من أصحابنا
عن...........
فلا شيوخ ولا تلاميذ ولا درجة
والثاني: (آدم بن إسحاق) كذلك وفيه أنَّه ثقة ولم يذكر شيوخه
وفي الحقيقة من يطلع على المنهجين بعين الإنصاف يرى البون شاسعًا.
والله الموفق،،،،،،
نصوص من كتب الخميني(2):(1/15)
1- (لو كانت مسألة الإمامة قد تم تثبيتها في القرآن فإنَّ أولئك الذين لا يعنون بالإسلام والقرآن إلاَّ لأغراض الدنيا والرئاسة كانوا يتخذون من القرآن وسيلة لتنفيذ أغراضهم المشبوهة ويحذفون تلك الآيات من صفحاته ويسقطون القرآن من أنظار العالمين إلى الأبد...)/131.
2- (وواضح أنَّ النبي ( لو كان بلغ بأمر الإمامة طبقًا لما أمر به الله وبذل المساعي في هذا المجال لما نشبت في البلدان الإسلامية كل هذه الاختلافات..) [كشف الأسرار/155/].
3- لقد جاء الأنبياء جميعًا من أجل إرساء قواعد العدالة في العالم لكنَّهم لم ينجحوا حتَّى النبي محمد خاتم الأنبياء الذي جاء لإصلاح البشرية وتنفيذ العدالة وتربية البشر لم ينجح في ذلك،، /نهج خميني/46/
4- (إنَّ النبي أحجم عن التطرق إلى الإمامة في القرآن لخشيته أن يُصاب القرآن من بعده بالتحريف أو أن تشتد الخلافات بين المسلمين فيؤثر ذلك على الإسلام) كشف الأسرار/149/
…أرأيت يا أستاذ محمد كيف تنتهي العقيدة الشيعية...
…اتهام الصحابة بإخفاء آيات... وهل يستطيع بشر أن يخفي شيئًا من كتاب تعهد الخالق ( بحفظه أليس هذا طعنًا في الخالق؟!
…ثمَّ أرأيت أنَّه انتقل من اتهام الصحابة إلى اتهام سيد البشر ( بأنَّه لم يبلغ كما أمره به ربه... وهل يبقى بعد هذا إيمان برسول الله ( الذي يزعم الخميني أنَّه لم ينفذ أمر خالقه.
…ثمَّ أرأيت الحكم: (برسوب) محمد ( وجميع الأنبياء في ميزان الخميني؟!
…هذه ثمرات العقائد الباطلة التي يحدد أصحابها مقصدًا معينًا هم يحاكمون الخالق ( والرسول ( إليه.
…ولو تتبعت كلام الخميني لما وجدته يعظم الله ( فهو يذكره سبحانه بدون تعظيم (الله) في أكثر صفحات كشف الأسرار.
…ولا يعظم رسوله (: (محمد) كما هو مبين في هذه النصوص إلاَّ نادرًا.
…اللهم إنِّي استغفرك يا رب من هذه النصوص.
…وأعتذر إلى رسولك ( عظيم الدنيا وسيد البشر وخليل الرحمن من نقل هذه النصوص.(1/16)
…وأعتذر إلى سادات المؤمنين الخلفاء الراشدين من كتابة هذه النصوص.
والله الهادي إلى سواء السبيل،،،
نهاية الإجابة الأولى
رسالة هاتفية " فاكس " قبل وصول رده على إجابتي السابقة
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة الأخ المفضال سماحة الدكتور أحمد سعد حمدان الغامدي……وفقه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
…بعد الحمد لله والدعاء لكم بالخير في مساعيكم ونشاطاتكم الهادفة إلى تشخيص الحق والصواب، فإنّي أشكركم على ما لقيته منكم من حفاوة وتكريم خلال اجتماعاتنا ومحادثاتنا ولا أكتمكم تأثري بأخلاقكم الكريمة وتجاوبكم في بياناتكم ورسالتكم ممّا حملني على التحدث عنها لطلابي في الجامعة ولطلاب العلوم الدينية في الحوزة العلمية ، ولا شكّ أنّ التسامح واللين في المراجعات والمذاكرات تؤول في النهاية إلى تضييق شقّة الخلاف في كثير من المسائل المطروحة للبحث.
…وقد أوجبت رسالتكم الكريمة أن أسبر في الجوامع الروائية والرجالية والفقهية من الفريقين زهاء خمسمائة ساعة ، زائدًا على مطالعتي طليلة عشرين سنة في كتب الفريقين وقمت بتقرير ومناقشة بعض ما أرسلتم إليّ وتوضيح جملة من المسائل المشتبهة ، وأردت إرسالها إلى جنابكم واتصلت حولها بكم وبالأخ الفاضل جابر ، كثيرًا ولكن من المؤسف إنّي لم أظفر بسماع صوتكم ، فالرجاء من جنابكم لو وصلت هذه الرسالة إليكم، إعلامنا رقم هاتفكم أو الجوال الذي يسمعني كلامكم وإرسال عنوانكم البريدي وفي موقع انتيرنت وايميل بحيث يمكنني استمرار العلاقة بكم والالتقاء معكم والاستفادة من جنابكم.
…فإنّي أعلن مع الفخر والسرور أنّ مراجعاتنا في المسائل الدينية إلى الجوامع الروائية والرجالية والفقهية من مؤلفات علماء الفريقين ستكسبنا معرفة مدراك الحق ومرضاة الله أكثر من ذي قبل وفوائدها تتضاعف يومًا بعد يوم.…
أخوك في الله…
أبو مهدي القزويني
بسم الله الرحمن الرحيم
سعادة الدكتور/ أبو المهدي الحسيني القزويني(1/17)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته……وبعد:
…فقد تسلمت مذكرتكم التي تعقبتم فيها إجابتي على أسئلتكم التي بعثتها إليكم قبل سنة ونصف تقريبًا.
…وقد وصلتني مذكرتكم في منتصف شهر ربيع الثاني لعام 1425هـ تقريبًا، ولمَّا اطلعت عليها عجبت من كثرة استدلالاتكم بالأحاديث الضعيفة والموضوعة على أمر هو من أخطر الأمور وهو أمر الاعتقاد وأنتم متخصصون في: "الحديث ورجاله" حسبما فهمت منكم عند الالتقاء بكم.
…كما أذهلني موقفكم من الصحابة رضي الله عنهم وعدم التفريق بين: "الصحابي" و:"المنافق" ممَّا كان وسيكون له أسوأ الأثر على دين الأمة ويفتح الباب لهدم الإسلام ـ كما سترون بيانه بمشيئة الله تعالى ضمن المبحث المرفق ـ.
…ولحرصي الشديد على علاقتي بكم وكشف ما خفي عليكم من خطورة مذهبكم فقد اقتطعت جزءً كبيرًا من وقتي (من منتصف ربيع الثاني إلى منتصف جمادى الآخرة تقريبًا من هذا العام 1425هـ) للإجابة على ما أوردتموه من تساؤلات والتنبيه على ما في بحثكم من تجاوزات وخاصة على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان ما ينتج عن معتقد الشيعة الإمامية من إلغاء للعقيدة وإبطال للدين.
…والله الهادي إلى سواء السبيل.
حرر في: 18/6/1425هـ
محب الخير لكم
أ.د/ أحمد بن سعد حمدان الغامدي
الأستاذ بجامعة أم القرى
الدراسات العليا
1) ذكرتم في البداية اعتذاركم عن تأخر الإجابة وإشارتكم بأنَّني أرغب في تحليل ما كتبت لكم ثمَّ عنونتم بعنوان (الإنصاف في الكلام حين يتكلم في الخلاف ... إلخ).
أولاً: أشكر لكم اهتمامكم بالإجابة المختصرة التي أجبت فيها على أسئلتكم والتي لم أكن أريد بها إلا إيقاظ التفكر في تلك المسائل لا الاستدلال لأنَّ مصادر الاستدلال غير متَّفق عليها بيننا وبينكم.
ثانيًا: الإنصاف في المناظرة أو في غيرها مبدأ من مبادئ الدين ولو اتبعنا الإنصاف لما وقع الخلاف.(1/18)
الإنصاف مع عظماء الأمَّة، والإنصاف مع أفراد الأمة، ولكن النظرية ما لم تكن سلوكًا عمليًا فإنَّها لا تفيد .
فنسأل الله ( أن يرزقنا وإيَّاكم الإنصاف.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
2) قلتم: (وممَّا يُؤسف له جدًا أنَّنا لم نجد في المكتبات الخاصة والعامة لإخواننا السنَّة شيئًا يعبأ به من كتب الإمامية).
قلت الجواب من عدة أوجه:
أولاً: إنَّ كتبكم على قسمين:
قسم كله روايات وآثار وهذا القسم عندما يطلع عليه السنِّي لا يرى فيه آثارًا علمية تستحق الاهتمام فهي أشبه ما تكون بالأساطير ـ أرجوا المعذرة هذا بيان الحقيقة لا غير ـ ولهذا لم يُعِرها اهتمامًا، إضافةً إلى كثرة الروايات الغريبة والطاعنة التي تسللت إلى هذه الكتب والتي تأباها الفطرة السليمة.
ثانيًا: الكتب المتأخرة المصنَّفة في المسائل المختلف فيها جل ما فيها إنْ لم يكن كل ما فيها أحاديث من كتب السنَّة بصرف النظر عن ضعفها أو نكارتها فلماذا إذن يحرص على مثل هذه الكتب واستدلالاتها أو معظمها من كتب السنَّة؟!
فإذا كان أصحابها أعرضوا عنها واتجهوا إلى كتب أهل السنَّة للاستدلال على عقائدهم فمن باب أولى أن يعرض عنها أهل السنَّة.
ثالثًا: نسبة إمكان صحة عقائد الشيعة عند أهل السنَّة ربَّما تكون صفرًا في المائة فلِمَ يا تُرى يُهتَم بشيء لا يرى أنَّه على حق؟!
فهذا من الأسباب التي يبدو أنَّها صرفت أهل السنَّة عن كتب الشيعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
3) قلتم (والغريب أنَّ بعضهم يتقوَّل على الإمامية وضربتم مثالاً بما في كتاب [لله .. ثم للتاريخ]).
قلت:
أولاً: هذا ليس كتابًا سُنيًا بل هذا كتاب شيعي!!
ثانيًا: لعل الصفحة التي أشرتم إليها في طبعة أخرى، ولا أظن أنَّه يخاطب إخوانه الشيعة ليصحح لهم معتقدهم ثم يكذب عليهم بذكر روايات غير موجودة، لأنَّ ذلك سينكشف وتبطل الفائدة التي قصدها.
وأنا لا أدافع عنه لكن هذا الذي خطر لي عندما قرأت كلامكم.(1/19)
وإنْ فعل ذلك فلا شكَّ أنَّه خيانة علمية مستنكرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
4) قلتم: (كثيرًا ما اتفق لي بعد أن سألت بعض علماء أهل السنة في إيران وخارجها عن بعض الشبهات العقائدية ...) ثم ذكرتم أنَّكم لم تجدوا من يجيبكم.
الجواب من عدة أوجه:
أولاً: إنَّ البحث عن الحقيقة بالطريق المؤدب سِمَة أهل العلم وينبغي على كل عالم أن يجيب على أسئلة واستفسار من يبحث عن الحق.
ثانيًا: أمَّا أهل السنَّة في داخل إيران فنحن نسمع أنَّهم يتعرَّضون للمضايقات فكيف يستطيعون أنْ يحاوروا!
ثالثًا: وأمَّا خارج إيران فالنظرة للشيعة الإمامية غير طيبة، لاعتقادهم بأنَّ الشيعة الإمامية فرقة خارجة على الدين ولهذا يصعب قبول حوارها.
رابعًا: إنَّ الشُّبَه التي أثارها الشيعة لا تكاد توجد شبهة منهالم يتصدَّ لها علماء السنَّة بالبيان، فقد ظهر عشرات المؤلفات وإن كان أسلوب بعضها فيه شدَّة، لكنَّها قابلت إفراطًا واعتداءً من المخالف، ومجازفات في الدعاوى لم يتمالك العلماء أنفسهم أثناء ردودهم عليها.
ومن أوسع ما كُتِب في ذلك كتاب: "منهاج السنة" لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وأظن أنَّكم لو وقفتم عليه وقرأتموه بتأمُّل لانكشفت لكم حقائق كثيرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
5) قلتم: (وقد ذكرت في كتابي الذي بعثته إليكم بأنِّي ألتمس أجوبة تقنع النفس بها ولمَّا أجلت النظر فيما بعثته لي لم أعثر فيها على ضالتي المنشودة).
…قلت: أرجو أن تجد في الإجابة الثانية الضالة المنشودة مع أنَّني قد حرصت على الاختصار.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
6) قلتم: (إنَّ الاستدلال على موضوع خاص بالكتاب والسنَّة إنَّما يتِّم فيما إذا سردت قاطبةً الآيات المتعلقة أو الروايات المتعلقة به، لا أن ننتقي ما يفيدنا في البحث ونغض الطرف عمَّا يضرنا، لأنَّ فيه مجانفة عن روح التحقيق العلمي).
…الجواب من عدة أوجه:(1/20)
…أولاً: هذا كلام جميل وتقعيد علمي دقيق لو اتُّبِع من كل باحث ومن كل طائفة لما حدثت الخلافات ولضاق كثير من الفجوات.
…ثانيًا: هل التزمتم سعادتكم بهذا الكلام الجميل في بحثكم؟!
…أمَّا أنا فلا أبالغ إذا قلت: إنَّني لم أجد في بحثكم أثرًا لهذه القاعدة وإلاَّ لو حكمتموها في بحثكم لكان المسار غير المسار.
…فقد اتجهتم إلى كتب التواريخ ومصادر تعتبر من الدرجة الثالثة والرابعة عند أهل السنَّة وتركتم المصادر المعتمدة وخاصة: "الصحيحين".
…ثمَّ توسعتم في الاستدلال بالأحاديث الضعيفة وأعرضتم عن الأحاديث الصحيحة التي تثني على أصحاب رسول الله (.
…ثمَّ أبطلتم دلالات الآيات التي تثني على الصحابة أو قيدتموها لتتفق مع معتقداتكم.
…ثمَّ أوهمتم القارئ بأنَّ أكثر أصحاب النبي ( منافقون إن لم يكن جميعهم.
…ثمَّ أوهمتم القارئ بأنَّه لا يمكن معرفة المؤمنين من المنافقين على عهد رسول الله ( إلى آخر تلك الاستدلالات الإنتقائية التي لا تتفق مع ما ذكرتموه من المنهج العلمي.
…ثالثًا: نموذج من منهجكم في الانتقاء:
…الواقف على رسالتكم يرى منهجًا غريبًا.
…فقد تركتم المراجع الأصيلة عند أهل السنَّة والأحاديث الصحيحة التي تثني على عظماء الصحابة وتزكيهم وتؤكد قربهم من النبي ( وحبه لهم وتبشيرهم بالجنَّة وكثرة مشاورته لهم واصطحابهم في كل موقع وتجريد سيوفهم لنصرته وهي أحوال عظيمة تؤكد إيمانهم وإخلاصهم.
…ثمَّ عمدتم إلى أحاديث ضعيفة أو موضوعة تزعم وجود وصية خانها هؤلاء وامتنعوا عن تنفيذها إذا وضعت أمام تلك الأحاديث الصحيحة دلت على كذب هذه الأحاديث ولم تلتفتوا لتلك الأحاديث وتزعمون الإنصاف.
…وها هو نموذج واحد من تلك الأحاديث الصحيحة لصحابي واحد لتوازن بين أحاديثك وهذا النموذج لترى مدى الإنصاف وصحة المنهج بعد ذلك:
نماذج من أحاديث فضائل الصدِّيق:(1/21)
1- روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخُدري (: أنَّ رسول الله ( جلس على المِنبر فقال: (إنَّ عبدًا خيَّره الله بين أن يُؤتِيَه من زهرة الدنيا ما شاء، وبين ما عنده، فاختار ما عنده). فبكى أبو بكر وقال: فديناك بآبائنا وأمَّهاتنا. فعجبنا له، وقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ،يُخبِر رسول الله ( عن عبدٍ خيَّره الله بين أن يُؤتِيَه من زهرة الدنيا وبين ما عنده، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمَّهاتنا، فكان رسول الله ( هو المُخيَّر، وكان أبو بكر هو أعلمنا به.
وقال رسول الله (: (إنَّ مِن أَمِنِّ الناس عَلَيَّ في صُحبته وماله أبا بكر، ولو كنت مُتَّخذًا خليلاً من أمَّتي لاتخذت أبا بكر، إلاَّ خُلة الإسلام، لا يبقينَّ في المسجد خوخةُ إلاَّ خوخة أبي بكر)(3).
2- عن أبي الدرداء ( قال: كنت جالسًا عند النبي ( إِذ أقبل أبو بكر آخذًا بطرف ثوبه، حتَّى أبدى عن ركبته، فقال النبي (: (أمَّا صاحبكم فقد غامر). فسلَّم وقال: إنِّي كان بيني وبين ابن الخطَّاب شيءٌ فأسرعتُ إليه ثمَّ ندِمت، فسألته أن يغفر لي فأبى عَلَيَّ، فأقبلت إليك، فقال: (يغفر الله لك يا أبا بكر). ثلاثًا، ثمَّ إنَّ عمر ندم فأتى منزل أبي بكر، فسأل: أَثَمَّ أبو بكر؟ فقالوا: لا، فأتى إلى النبي ( فسلَّم، فجعل وجه النبي ( يتمعَّر، حتَّى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم، مرتين، فقال النبي (: (إنَّ الله بعثني إليكم فقلتم كذبت، وقال أبو بكر صدق. وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي). مرتين، فما أُوذِي بعدها(4).(1/22)
3- عن ابن عباس قال: خرج رسول الله ( في مرضه الذي مات فيه، عاصبًا رأسه بخِرقة، فقعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثمَّ قال: (إنَّه ليس من الناس أحدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قُحافة، ولو كنت مُتِّخذًا من الناس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن خُلَّة الإسلام أفضل، سُدُّوا عنِّي كل خوخةٍ في هذا المسجد، غير خوخة أبي بكر)(5).
……وفي رواية: (ولكن أخي وصاحبي)(6).
4- عن عبدالله بن مسعود عن النبي (؛ أنَّه قال: (لو كنت مُتَّخذًا خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً. ولكنَّه أخي وصاحبي. وقد اتخذ الله ( صاحبكم خليلاً)(7).
5- عن عائشة قالت: قال لي رسول الله (، في مرضه، (ادعي لي أبا بكر، وأخاك، حتَّى أكتب كتابًا. فإنِّي أخاف أن يتمنَّى مُتمَنِّ ويقول قائل: أنا أولى. ويأبى الله والمؤمنون إلاَّ أبا بكر)(8).
6- عن جُبير بن مُطعم قال: أتت امرأة النبي ( فأمرها أن ترجع إليه قالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك؟ كأنَّها تقول: الموت، قال (: (إن لم تجديني فأتي أبا بكر)(9).
……هذه نماذج من روايات الصحيحين، أليست هذه أولى من تلك الروايات التي في كتب التواريخ والأدب ومصادر لا يُعتَمد عليها إلا بعد دراسة أسانيدها.
……ثمَّ وأنت تتصفح كتاب المستدرك الذي اعتمدت عليه في كثير من الأحيان ألم تنتبه إلى عشرات الأثار التي تُثني على أبي بكر وتُؤكد خلافته فقد روى عشرات الأحاديث والأثار ومنها:(1/23)
1- عن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف أنَّ عبدالرحمن بن عوف كان مع عمر بن الخطَّاب ( وأنَّ محمد بن مسلمة كسر سيف الزبير ثمَّ قام أبو بكر فخطب الناس واعتذر إليهم وقال: والله ما كنت حريصًا على الإمارة يومًا ولا ليلة قط ولا كنت فيها راغبًا ولا سألتها الله ( في سر ولا علانية ولكنِّي أشفقت من الفتنة ومالي في الإمارة من راحة، ولكن قلدت أمرًا عظيمًا ما لي به من طاقة ولا يد إلاَّ بتقوية الله ( ولوددت أن أقوى الناس عليها مكاني اليوم فقبل المهاجرون منه ما قال وما اعتذر به. قال علي ( والزبير: ما غضبنا إلاَّ لأنَّا قد أُخرنا عن المشاورة وإنَّا نرى أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله ( إنَّه لصاحب الغار وثاني اثنين وإنَّا لنعلم بشرفه وكبره ولقد أمره رسول الله ( بالصلاة بالناس وهو حي.
……ثمَّ قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرجاه(10).
2- عن عبدالله ( قال: لما قُبِض رسول الله ( قالت الأنصار: منَّا أمير ومنكم أمير. قال: فأتاهم عمر ( فقال: يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أنَّ رسول الله ( قد أمَّر أبا بكر يؤُم الناس فأيُّكم تطيب نفسه أن يتقدَّم أبا بكر (؟ فقالت الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدَّم أبا بكر.
……ثمَّ قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرجاه(11).
3- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: دخل رسول الله ( المسجد وإحدى يديه على أبي بكر والأخرى على عمر فقال: (هكذا نُبعَث يوم القيامة)(12).
4- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (: (أول من تنشق عنه الأرض أنا ثمَّ أبو بكر ثمَّ عمر ثمَّ آتي أهل البقيع فتنشق عنهم فأُبعث بينهم). ثمَّ قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يُخرجاه(13).
5- عن علي ( قال: قال لي النبي ( ولأبي بكر مع أحدكما جبريل ومع الآخر ميكائيل وإسرافيل ملَك عظيم يشهد القتال ويكون في الصف.
……ثمَّ قال: هذا حديث صحيح الإسناد لم يُخرجاه(14).(1/24)
6- عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنَّ رسول الله ( قال: (أُري الليلة رجل صالح أنَّ أبا بكر ( نيط برسول الله ( ونيط عمر بأبي بكر ونيط عثمان بعمر" قال جابر: فلمَّا قمنا من عند النبي ( قلنا الرجل الصالح النبي (، وأمَّا ذِكر من نوط بعضهم بعضًا فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه (.
……ثمَّ قال: ولعاقبة هذا الحديث إسناد صحيح عن أبي هريرة ولم يُخرجاه(15).
……ثمَّ وأنت تتصفح كتاب: "مجمع الزوائد للهيثمي" ألم تقف على عشرات الأحاديث في أبي بكر ـ طبعًا وغيره من الصحابة ولكن هذا نموذج ـ
ومن تلك الأحاديث:
1- عن علي قال: قال لي رسول الله ( يوم بدر ولأبي بكر: (مع أحدكما جبريل ومع الآخر ميكائيل وإسرافيل ملَك عظيم يشهد القتال أو يكون في الصف). رواه أبو يعلى والبزار وأحمد بنحوه ورجال أحمد والبزَّار رجال الصحيح(16). وقد تقدم في المستدرك وقد قال الهيثمي: إنَّ رجاله رجال الصحيح.
2- وعن ابن عمر قال خرج علينا رسول الله ( ذات غداة بعد طلوع الشمس فقال رأيت قُبيل الفجر كأنِّي أُعطيت المقاليد والموازين فأمَّا المقاليد فهذه المفاتيح وأمَّا الموازين فهذه التي يُوزن بها فوُضعت في كفَّة ووُضِعت أمَّتي في كفَّة فوزنت بهم فرجحت ثمَّ جيء بأبي بكر فوزن بهم فوزن ثمَّ جيء بِعُمر فوزن بهم فوزن ثمَّ جيء بعثمان فوزن بهم ثمَّ رُفعت. رواه أحمد والطبراني إلاَّ أنَّه قال فرجَّح بهم في الجميع وقال ثمَّ جيء بعثمان فوُضِع في كفَّة ووُضِعت أمَّتي في كفَّة فرُجِّح بهم ثمَّ رُفِعت. ورجاله ثقات(17).
3- عن سهل بن سعد الساعدي قال: استشار رسول الله ( أبا بكر وعمر فأشاروا عليه فأصاب أبو بكر فقال رسول الله (: (الله يكره أن يُخطئ أبو بكر). رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثِقات(18).(1/25)
4- عن ابن عباس قال: قال رسول الله (: (يدخل الجنَّة رجل لا يبقى في الجنَّة أهل دار ولا غرفة إلاَّ قالوا: مرحبًا مرحبًا إلينا إلينا، فقال أبو بكر يا رسول الله ما ثواب هذا الرجل في ذلك اليوم؟ فقال رسول الله (: أجل أنت هو يا أبا بكر). رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح غير أحمد بن أبي بكر السالمي وهو ثِقة(19).
5- عن أمِّ سَلَمَة أنَّ النبي ( قال: (إنَّ في السماء ملَكين أحدهما يأمر بالشدَّة والآخر يأمر باللين وكلٌ مصيب جبريل وميكائيل، ونبيان أحدهما يأمر بالشدَّة والآخر يأمر باللين وكلٌ مصيب وذكر إبراهيم ونوحًا، ولي صاحبان أحدهما يأمر بالشدَّة والآخر يأمر باللين وكلٌ مصيب وذكر أبا بكر وعمر). رواه الطبراني ورجاله ثِقات(20).
6- عن شقيق قال: قِيل لعليّ ألا تستخلف؟ قال: ما استخلف رسول الله ( فأستخلف عليكم وإن يرد الله تبارك وتعالى بالناس خيرًا فسيجمعهم على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم. رواه البزَّار ورجاله رجال الصحيح غير إسماعيل بن أبي الحارث وهو ثقة(21).
7- عن أبي جُحيفة قال: دخلت على عليّ في بيته فقلت: يا خير الناس بعد رسول الله (. فقال: مهلاً ويحك يا أبا جُحيفة ألا أُخبرك بخير الناس بعد رسول الله ( أبو بكر وعمر. ويحك يا أبا جُحيفة لا يجتمع حبي وبغض أبي بكر وعمر في قلب مؤمن. رواه الطبراني في الأوسط وفيه الفضل بن المختار وهو ضعيف(22).
8- عن عليّ قال: سبق رسول الله ( وصلَّى أبو بكر وثلث عمر ثمَّ خبطتنا فتنة أو أصابتنا فتنة يعفو الله عمَّن يشاء. رواه أحمد وقال ثمَّ خبطتنا فتنة، يريد أنْ يتواضع بذلك. رواه الطبراني في الأوسط ورجال أحمد ثِقات(23).
……رابعًا: ألم تلتفتوا إلى الأحاديث والوقائع الثابتة التي عاش عليها الصحابة ( والتي تُؤكِّد محبة الجميع لبعضهم وتعاونهم فيما بينهم ممَّا لا يظهر معها أي أثر لفكرة الإمامة؟
……وفيما يلي نماذج من ذلك:(1/26)
1- عن محمد ابن الحنفية قال: قلت لأبي: أيُّ الناس خير بعد النبي (؟ قال: "أبو بكر" قلت: ثمَّ من؟ قال: "عمر"(24).
2- عن ابن عباس أن عليًّا ( قال في عمر: (ما خلَّفتَ أحدًا بعدك أُحب أن ألقى الله بمثل عمله منك)(25).
3- عن علي ( قال: (اقضوا كما كنتم تقضون فإنِّي أكره الاختلاف حتَّى يكون للناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي)(26).
4- عن عُقبة بن الحارث قال: صلَّى أبو بكر ( العصر ثمَّ خرج يمشي فرأى الحسن يلعب مع الصبيان فحمله على عاتقه وقال: (بأبي شبيه بالنبي لا شبيه بعليّ وعليّ يضحك)(27).
5- عن أبي بكرة قال: رأيت رسول الله ( على المنبر والحسن بن عليّ إلى جنبه وهو يُقبِل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول: (إنَّ ابني هذا سيد ولعل الله أنْ يُصلِح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)(28).
6- عن ابن عمر سأله رجل عن دم البعوض فقال: "ممَّن أنت؟" فقال: "من العراق" قال: "انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن النبي (، وسمعت النبي ( يقول: (هما ريحانتاي من الدنيا)(29).
7- ألم يبايع عليّ الخلفاء الثلاثة؟
8- ألم يكن يصلِّي خلفهم؟
9- ألم يتزوج من سبيهم؟
10- ألم يُزوِّج عمر من ابنته؟
11- ألم يُسمِّ أبناءه الثلاثة بأسماء الثلاثة ـ أبي بكر وعمر وعثمان ـ؟
……ومن كتبكم:
1- ألم تقرأ في نهج البلاغة قول عَلِيّ (: (أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام على ما دخل فيه من الزيغ والاعوجاج..)(30).
2- وكذلك قوله: (لله "فلان" ـ أُسقط اسمه ولكن الظاهر أنَّه أبو بكر أو عمر ـ لقد قوَّم الأمد، وداوى العمد، وأقام السنَّة، وخَلَفَ الفتنة، وذهب نقيَّ الثوب قليل العيب...)(31).
3- وقوله: (أمَّا بعد فإنَّ بيعتي يا معاوية لزمتك وأنت بالشام فإنَّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه... وإنَّما الشورى للمهاجرين والأنصار...) ولم يحتج بإمامة منصوصة!(32)(1/27)
4- وما أورده الأردبيلي عن أبي جعفر عندما سُئِل عن حلية السيف فقال: (قد حلى بها الصدِّيق).. فقال الراوي: (أتقول هكذا؟) قال: (نعم الصدِّيق نعم الصدِّيق نعم الصدِّيق فمن لم يقل له الصدِّيق فلا صدق الله قوله في الدنيا والآخرة)(33).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
7) قلتم: (وهكذا يلزم للمحقق فيما إذا! ينقل كلامًا عن رجل أو فرقة أن يذكر مصدر كلامه حتَّى يمكن للآخرين ملاحظة المصدر ثمَّ القضاء والتمييز بين ما هو الحق عما هو الباطل).
……قلتُ: هذا أصل يجب على كل باحث ينشد الحق أن يلتزمه، والكلام الذي لا يُعزى إلى صاحبه من خلال المراجع لا يُقبَل.
……لكن هذا يبين مصدر الكلام لا قيمته، فإنَّ قيمة الكلام بحسب مصدره ونحن وإيَّاكم غير متفقين على مصادر! ما عدا القرآن، والقرآن قد قيدتم مطلقه وتأولتم مقيده ـ كما سيأتي بمشيئة الله تعالى بيانه ـ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
8) قلتم: (والمشهود في كتابكم في قضية الصحابة والسيدة عائشة هو ذِكر الآيات التي تدل على المدح مع التأويل والتفسير بما يُخالف السياق كما نشير إليه من دون ذِكر ما ورد في الذم ثمَّ التحليل بينها حتى يمكن للمُخاطب الوصول إلى النتائج المفيدة).
……أولاً: قولكم: (..مع التأويل والتفسير بما يُخالف السياق..) حكم غير دقيق ولكن ما رسخ في ذهنكم من المعاني ظننتم أنَّ ما قلته: "تأويل" أي صرف اللفظ عن ظاهره ولعلَّه يأتي مزيد بيان إن شاء الله.
……ثانيًا: وأمَّا قولكم: (من دون ذِكر ما ورد في الذم) فهو كلام غير سليم، فإنَّ الصحابة ( قد مدحهم الله ( ولم يذمهم، وأمَّهات المؤمنين رضي الله عنهن لم يرد فيهن ذم.
……نعم وردت آيات عتاب لا تنقص من مكانتهم التي ثبتت في عشرات الآيات المادحة وتسمية ذلك ذمًّا من أعجب الكلام.
……فليس كل عتاب في القرآن يكون ذمًّا.(1/28)
……فإنَّ الله ( قد عاتب من هو أفضل من الصحابة ومن أمَّهات المؤمنين وما كان ذلك ذمًّا: فقد عاتب نبينا محمدًا صلوات الله وسلامه عليه في عدة مواطن ولم يكن ذلك ذمًّا: عاتبه في الأعمى، وعاتبه في الأسرى، وعاتبه في موضوع مولاه زيد، وعاتبه في تحريم ما أحل سبحانه، ولم يكن ذلك ذمًّا أو منقصًا من مكانته صلوات الله وسلامه عليه.
……أمَّا آيات النفاق التي تذم فئة معينة قد كشفتها الأحداث، فإنَّها ليست فيمن آمن وهاجر وجاهد وصاحب نبيه صلوات الله وسلامه عليه طوال حياته والذي لا يفرق بين خيار المؤمنين وأهل النفاق كيف يمكنه أن يقرر إيمان الصحابة؟!
……بل كيف يمكن أن يفهم القرآن؟ وكيف يستطيع أن يستدل بالأحاديث؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
9) قلتم: (أيُّها الأخ العزيز: قد ذكرتم في كتابكم هذا تحت عنوان: "نظرات في اتجاهات أهل السنَّة والشيعة ومناهجهم بعض ما يرتبط بعقائد الإمامية دون ذكر قائله... ثمَّ تساءلتم: هل المراد: الشيعة الغلاة..).
……قلت: لا أظن أنَّ المعنى غير واضح من كلامي فإنَّني لم أنسب الكلام إلى أحد من علمائكم ولا إلى كتاب من كتبكم، وإنَّما قلت لكم: (يُفهم من عقيدة الشيعة كذا..) ولم أقل قال: "فلان"، ولعلَّكم لو رجعتم إلى العبارة لتبيَّن لكم المراد.
……وأنا أعني بذلك الإمامية لا الفرق الغالية الآخرى، فإنَّها قد ادَّعت مسألة في الدين وهي: "الإمامة" ثمَّ ضخمت هذه الإمامة حتَّى رفعت أصحابها فوق الأنبياء وفسَّرت القرآن خطابًا للأئمة وشيعتهم، فما كان من خير وإيمان فهو للشيعة، وما كان من كفر وضلال فهو للمُخالف، ثمَّ الجنَّة لهم والنار لأعدائهم .. وهكذا... وهكذا.
……وإذا أردت مزيد بيان ففي ما يلي نماذج من ذلك.
……ويتضح ذلك في الكتب التالية:
1- الكافي.
2- تفسير العسكري.
3- تفسير العياشي.
4- تفسير الصافي.
5- تفسير الفرات.
6- كتاب الاختصاص.
7- بصائر الدرجات.
8- تأويل الآيات الظاهرة.(1/29)
وغيرها من كتب الإمامية.
……بل والله إنَّ المسلم الذي تربَّى على الوحيين ليستحي أن تُنسَب هذه الكتب إلى دينه وخاصة كتاب "بصائر الدرجات".
……وسأذكر نماذج للدلالة على ما قلت:
……فقد ورد في أصح كتاب عند الشيعة وهو "الكافي" وفي عدة تفاسير روايات تُقرِّر أنَّ القرآن نزل في الشيعة ـ مع أئمتهم ـ ومخالفيهم.
1- فهناك رواية عن جعفر الصادق تقول: (نزل القرآن على أربعة أرباع: ربع فينا، وربع في عدوِّنا، وربع سنن وأمثال، وربع فرائض وأحكام)(34).
2- وفي رواية عن جعفر الصادق كذلك: (نزل القرآن أثلاثًا: ثلث فينا وفي عدوِّنا، وثلث سنن وأمثال، وثلث فرائض وأحكام)(35).
ولا ندري أيُّ التقسيمين هو المُعتمَد؟! أرباعًا أو أثلاثًا؟!!
……ويُؤكد هذا المعنى الصافي فيقول: (جل القرآن إنَّما نزل فيهم: "أي الأئمة الاثنى عشر" وفي أوليائهم وأعدائهم)(36).
……وبعد أن أورد العياشي هذه الروايات أورد رواية: (عن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر ع يا محمد: إذا سمعت الله ذكر أحدًا من هذه الأمَّة بخير فنحن، وإذا سمعت الله ذكر بسوء ممَّن مضى فهم عدوّنا)(37).
……سبحان الله!! إلغاء لجميع المدح في المؤمنين السابقين، وإلغاء لجميع الذم في الكفار السابقين!!
……أليست هذه الروايات وغيرها كثير في التفاسير الشيعية تدل على أنَّ القرآن أُنزِل في الشيعة وحدهم مدحًا لهم وذمًّا لأعدائهم_طبعًا أعداؤهم أهل السنة_.
……إذن كيف تُنكر عليَّ عندما قلت: يُفهم أنَّ القرآن نزل في الشيعة وأعدائهم وهذه نصوص ظاهرة المعنى.
……ثمَّ تقول: (وأقسم بالله..أقول بكل ثقة بأنَّكم لو أخذتم رأي الإمامية عن كتبهم المدوَّنة طيلة أربعة عشر قرنًا لكان رأيكم فيهم غير هذا الذي قرأته في جواباتكم).
……وهذه الكتب التي نُقِلت منها هذه النصوص أليست من كتبكم؟!.(1/30)
……والله يا أبا مهدي إنَّني عندما قرأت في كتبكم كأنَّني أقرأ في خرافات عقول لا تعرف صفاء الإسلام ونقاءه، وأحمد الله ( على الهداية وصفاء المعتقد.
……ثمَّ ألا ترى أنَّ قسمكم هذا قد حنثتم فيه؟؟
……وأرجو أن تعذرني فإنَّني أحب أن تعرف مشاعري عندما وقفت على تلك الكتب.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
10) ثمَّ تطلب منِّي أن أُقارن بين كتبكم وكتبنا؛ فلا بأس بالبدء بأصح كتاب عندكم وأصح كتاب عندنا بعد كتاب الله (.
أ) صحيح البخاري: قال:
بدء الوحي:
……باب: "كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ( وقول الله جلَّ ذِكره: (إنَّا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوحٍ والنبيين من بعده)"
……ثمَّ أورد حديثًا بسنده: (إنَّما الأعمال بالنيات وإنَّما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)
وهذا الحديث افتتاح لكتابه.
……ثمَّ أورد حديثًا آخر بسنده وفيه: أنَّ الحارث بن هشام سأل رسول الله (: "كيف يأتيك الوحي.." فأخبره النبي ( بذلك.
وهكذا استمر يذكر نزول الوحي على رسول الله (.
……ثمَّ قال: "كتاب الإيمان" أورد فيه آيات وأثارًا ثمَّ بدأ الأحاديث بإيراد حديث بسنده وفيه: (بُنِي الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلاَّ الله وأنَّ محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان).
انظر كيف تتجلَّى أنوار النبوة في هذا الكتاب العظيم ثم قارن.
ب) الكافي: قال: "كتاب العقل والجهل"
……ثمَّ أورد أثرًا عن أبي جعفر قال فيه: (لمَّا خلق الله العقل استنطقه ثمَّ قال له أقبِل فأقبَل، ثمَّ قال له أدبِر فأدبَر، ثم قال: وعزَّتي وجلالي ما خلقت خلقًا هو أَحب إليَّ منك ولا أكملتك إلاَّ فيمن أُحب، أما إنِّي إيَّاك آمر وإيَّاك أنهى وإيَّاك أُعاقب وإيَّاك أُثيب).(1/31)
……وأورد بعده أثرًا آخر عن علي ( قال: (هبط جبريل على آدم فقال: يا آدم أُمِرت أن أُخيِّرك واحدة من ثلاث فاخترها ودع اثنتين. فقال له آدم: يا جبريل وما الثلاث؟ فقال: العقل والحياء والدين. فقال آدم: إنِّي اخترت العقل. فقال جبريل للحياء والدين انصرفا ودعاه، فقالا إنَّا أُمِرنا أن نكون مع العقل حيث كان. قال: فشأنكما وعرج).
……وهكذا استمر في ذكر روايات عن العقل ثمَّ أورد بعده فضل العلم، وكلها أو جلها ليست عن النبي (، ولم يستفتح لا بالقرآن ولا بكلام رسول الله (، وأظن أنَّ الأئمة نسخوا النبوة!!
المقارنة:
……البخاري بدأ بذِكر بداية الإسلام مستدلاً بكلام الله( وكلام رسوله(.
……والكليني بدأ بذِكر آثار عن غير النبي ( وكان ينبغي أن يبدأ بكلام الله ( أو كلام رسوله (.
……ثمَّ الكافي ذكر أنَّ آدم خُوطِب وخُيِّر بين العقل والحياء والدين.
……قلتُ: فعندما خُوطِب آدم هل كان معه عقل أم لا؟!
……فإن كان معه عقل فكيف يُخيَّر بين شيء هو معه وبين مثيله؟!
……وإن كان ليس معه عقل فكيف يُخاطَب من لا عقل له؟!
……ثمَّ من أخبر أبا جعفر بذلك؟! يأتيه الوحي بالغيب أم كيف عرف ذلك؟! ـ طبعًا إذا صحت الرواية عنه ولا أظنها ـ.
……ثمَّ البخاري أورد قرابة ألفَي حديث مفرَّقة بلغت قرابة سبعة آلاف حديث_بالمكرر_كلها إلاَّ النزر اليسير منها صحيح.
……والكليني أورد أكثر من ستة عشر ألف حديث ضعَّف علماء الشيعة منها ثلثيها أي قرابة تسعة آلاف حديث، ولو طُبِّقت ضوابط أهل السنَّة في الرواية لعلَّه يختفي هذا الكتاب من الوجود أو يصفو منه القليل.
……ومن أبواب البخاري:
? "المسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويده"
? "حب الرسول من الإيمان"
? "الدين يسر"
? "الجهاد من الإيمان"
? "فضل العلم"
? "قول الله تعالى: (عالم الغيب فلا يُظهِر على غيبه أحدًا)"
……ومن أبواب الكافي:
? "باب: أنَّ الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل"(1/32)
? "باب: أنَّ الأئمة إذا شاءوا أن يعلموا علموا"
? "باب: أنَّ الأئمة يعلمون متى يموتون وأنَّهم لا يموتون إلا باختيارهم"
……فقلتُ: إذن لماذا هرب المهدي خوفًا من الموت أليس الأولى أن يبقى يقود الناس ويمتنع عن الموت؟!
? وفيه كذلك: "باب: أنَّ الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنَّه لا يخفى عليهم شيء"
……قلت: يقول الله ( لنبيه صلوات الله وسلامه عليه قل: (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير..)(38).
……وقال تعالى: (عالم الغيب فلا يُظهِر على غيبه أحدًا إلاَّ من ارتضى من رسول..)(39).
……الله ( يقول: يا محمد بلِّغ الناس أنَّك لا تعلم الغيب.
……ويقول تعالى: إنَّه عالم الغيب لا يأذن ببعضه إلا للرسل ولم يذكر من سميتموهم بالأئمة!! إلاَّ إذا استدركتم على الله ( على حسب المنهج الشيعي كما سيأتي!!
……وكتاب الكافي يقول خلاف ذلك؟!! فمن الصادق يا تُرى؟! استغفر الله.
……فأيهما أفضل يا تُرى؟! كتاب مادته الوحي الإلهي (القرآن والسنة الصحيحة) التي تتحدث عن مسائل الإيمان والإسلام والجهاد ونحو ذلك.
……أو كتاب مادته عن أشخاص نُصبوا أئمة وأعطوهم صفات الإله فلا تكاد تجد في غير المسائل الفرعية إلاَّ الحديث عن الإمامة والأئمة...والله المستعان.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
11) قلتم: (فلا يصح الاعتماد في نقل بعض الدواهي ونسبتها إلى الشيعة استنادًا على من تقدَّم من مخالفيهم من دون الرجوع في معرفة أقوال الإمامية إلى علمائهم وأخذ مذهبهم في الأصول والفروع من مؤلفاتهم).
……قلت: نعم نحن نُؤكد على هذا المنهج وها نحن كما ترى لم ولن ننقل عن غير مؤلفات الشيعة!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
12) قلتم: (ومن الغرائب أحمد أمين المصري كتب في كتابه "فجر الإسلام": (أنَّ التشيُّع كان مأوى يلجأ إليه كل من أراد هدم الإسلام) وبعد انتشار كتابه عُوتب فاعتذر بعدم الاطلاع وقلة المصادر) [فجر الإسلام/33].(1/33)
……قلت: إنَّ قول أحمد أمين هذا يقول بمعناه كثير من العلماء قديمًا وحديثًا وذلك لأنَّ منهج تعامل الشيعة مع الإسلام يُؤدي إلى إلغاء الإسلام ويتبيَّن ذلك بما يلي:
أ) طعنت الشيعة في عدالة الصحابة ـ إلاَّ أربعة أشخاص ونحوهم كما سيأتي بمشيئة الله تعالى ـ وهذا الطعن يُشكِّك في أمانة الصحابة ولهذا فكل ما رووه غير موثوق به بناءً على ذلك.
والإسلام: "قرآن" و"سنَّة".
ب) والقرآن قد صرَّح قرابة ثلاثين عالمًا من علماء الشيعة الإمامية بأنَّه مُحرَّف وناقص وذلك يعني أنَّ القرآن غير موثوق به وهذه أسماؤهم:
1- الفضل بن شاذان النيسابوري المتوفي عام "260هـ" قال في كتابه "الإيضاح /112-114/" باب: ذِكر ما ذهب من القرآن.
……وأورد روايات من كتب السنَّة ـ أساء فهمها ـ قرر بها نقصان القرآن وأكَّد النوري الطبرسي أنَّه يقول بتحريف القرآن.
2- فرات بن إبراهيم الكوفي من علماء القرن الثالث فقد روى بسنده في تفسيره أنَّ أبا جعفر يقرأ هذه الآية: (إنَّ الله اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم "وآل محمد" على العالمين) وأورد عدة آيات على هذا المنوال/1/48018/.
3- العياشي من علماء القرن الثالث في تفسيره 1/12و13و47و48/.
4- القمي شيخ الكليني في تفسيره /1/5و9و10/.
5- الكليني في أصول الكافي/1/413/ رويات كثيرة 8و23و25و26و27...
6- أبو القاسم علي بن أحمد الكوفي "ت:352" اتهم أبا بكر بعدم جمعه كل القرآن خوفًا من ظهور ما يفسد عليهم أمرهم ذكر ذلك في كتاب: (الاستغاثة من بدع الثلاثة) /1/51-53/.
7- محمد بن إبراهيم النعماني في القرن الخامس ذكر ذلك في كتاب (الغيبة).
8- أبو عبدالله محمد بن النعمان الملقب بالمفيد (ت:413) قال في كتابه (أوائل المقالات): (أقول: إنَّ الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد ( باختلاف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان...).(1/34)
9- أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي من القرن السادس في كتابه: (الاحتجاج)/1/240و245و249/.
10- أبو الحسن علي بن عيسى الإربلي (ت:692) في كتابه: (كشف الغمة في معرفة الأئمة)/1/319/.
11- الفيض الكاشاني (ت:1091) في تفسيره الصافي /1/24و25و32و33/.
12- محمد بن الحسن الحر العاملي (ت:1104) في كتابه وسائل الشيعة /18/145/.
13- هاشم بن سليمان البحراني (ت:1107) في تفسيره البرهان /4/151-152/.
14- محمد باقر المجلسي (ت:1111هـ) ملأ كتابه "بحار الأنوار" بالروايات التي تُقرِّر النقص وكذلك في كتابه "مرآة العقول" /12/525/.
15- نعمة الله الموسوي الجزائري (ت:1112) في كتابه "الأنوار النعمانية" /2/360_364/.
16- يوسف بن أحمد البحراني (ت:1186) في كتابه "الدرر النجفية" /294-296/.
……هذه بعض أسماء القائلين بنقص القرآن وتحريفه وهناك غيرهم العشرات وقد أورد النوري الطبرسي في مقدمة كتاب "فصل الخطاب" قرابة أربعين اسمًا ممَّن يقول بهذا القول ولم يستثنِ من القدماء إلا أربعة أشخاص/51/.
……أليس هذا الاتجاه في المذهب الإمامي يهدم الإسلام؟؟!!
……نعم هناك تيار آخر يُخالف هذا التيار ـ في القول بتحريف القرآن ـ ولكن هذا التيار أكثره من المتأخرين وقد يُقال إنَّه: تقية لأنَّ التقية عقيدة إمامية من لا يستعملها لا دين له كما صرَّحت بذلك كتبهم، وإنْ كنَّا لا ندَّعي ذلك بل قد يكون عن قناعة لأنَّ تلك الدعوى كفر تضاد القرآن الكريم نفسه الذي يقول فيه تعالى: (إنَّا نحن نزَّلنا الذكر وإنَّا له لحافظون). لكن القصد بيان سبب شدة العلماء على المذهب الشيعي.
……هذا في القرآن.
ج) فأمَّا في السنَّة فإنَّ الشيعة إذا جاء حديث يُخالف معتقدهم طعنوا فيه بل طعنوا في الصحابة الذين نقلوا السنَّة ولم يبقَ منهم أحد لم يُكفَّر أو يُفسَق إلاَّ أربعة أشخاص، أليس هذا بابًا يأوي إليه كل زنديق يُحارب الإسلام؟!(1/35)
ما هو الإسلام؟ أليس هو: الكتاب والسنَّة ورواة لهما وهم الصحابة؟!
فإذا طعن في الرواة وشكك في إيمانهم فكيف يوثق فيما نقلوه؟
ثمَّ ماذا يستطيع الزنادقة أكثر من ذلك؟
ــــــــــــــــــــــــــــــ
13) قلتم إنَّ ابن حزم قال: (ومن الإمامية من يجيز نكاح تسع نسوة) وخطأته في دعواه ثمَّ قلت: (فيقرأ الفاتحة على ورع ابن حزم) [الفصل/4/182].
……قلت: ابن حزم رحمه الله كغيره من علماء السنَّة لا يستبيحون الكذب بل يتحرون في نقلهم وعزوهم وربَّما يقول بهذا القول إحدى فرق الإمامية والتي تبلغ العشرات.
……فإنَّ جميع الطوائف والفرق التي تدَّعي الإمامة في آل البيت يجمعها اسم: "الإمامية" ثمَّ تنفرد الإمامية الاثنا عشرية بهذا الاسم والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
14) قلتم: إنَّ الدكتور عبدالله محمد الغريب قال: (بأنَّ الشيعة تعتقد بأنَّ نكاح الأم هو من البر بالوالدين) [وجاء دور المجوس/222/].
……الجواب من وجوه:
……أولاً: رجعت إلى الصفحة المذكورة وهي (222) فلم أجد فيها هذا الكلام فلعلَّكم اعتمدتم على كتاب آخر.
……ثانيًا: لم يذكر الإمامية على وجه الخصوص وإنَّما ذكر الشيعة وهذا اسم يعم عشرات الفرق ولعلَّه قول لأحد تلك الفرق الغالية.
……ثالثًا: لا يجوز له أن يعمم إن كان ذلك كذلك.
……رابعًا: هذا من المحرمات الظاهرة التي لا يجرؤ مسلم على القول بها ولا أدري هل ذكر مرجعًا لكلامه أم أنَّه أطلقه بدون عزو؟
……خامسًا: هذا شخص غير معروف ولا ندري من هو فالله أعلم بحاله.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
15) قلتم: إنَّ أبا حنيفة يرى أنَّه (لا يجب الحد بوطء من استأجر امرأة ليزني بها) ثمَّ تساءلتم عن جواز نسبة هذا القول (إلى جميع أهل السنَّة).
……قلت:(1/36)
……أولاً: إذا اجتهد العالم فأخطأ في اجتهاده فهو مغفور له خطؤه، مأجور على اجتهاده، فإنَّه ما من عالِم إلاَّ وله خطأ أو أخطاء في اجتهاده، لأنَّ العالم غير معصوم ولكن إخوانه من أهل العلم يصححون له خطأه، فليس هناك فتوى خاطئة إلاَّ وقد ردَّها العلماء.
……فهذه المسألة قد خالف فيها تلميذاه: محمد بن الحسن وأبو يوسف وذهب إليه المحققون من علماء المذهب كما بينه صاحب: "الدر المختار" وابن عابدين في حاشيته: 4/29/ وأفاض في رد هذه الحيل ابن القيم رحمه الله في "إعلام الموقعين" /3/377/.
……وهذه الفتوى الغريبة من أبي حنيفة رحمه الله ليست بأغرب من كثير من الفتاوى الشيعية والتي أطلقها علماء الشيعة قديمًا وحديثًا.
a. فمن الفتاوى القديمة:
1- روى الطوسي عن محمد بن أبي جعفر ع قال قلت: (الرجل يُحل لأخيه فرج جاريته؟ قال: نعم لا بأس به، له ما أحل منها)(40).
2- وروى الكليني والطوسي عن محمد بن مضارب قال: قال لي أبو عبد الله ع: يا محمد! خذ هذه الجارية تخدمك وتصيب منها فإذا خرجت فارددها إلينا)(41).
b. ومن الفتاوى الحديثة:
1- فتوى الخميني قال: (لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين دوامًا كان النكاح أو مقطعًا!!
……وأمَّا سائر الاستمتاعات كاللمس بشهوة والضم والتفخيذ فلا بأس بها حتى في الرضيعة!!!!!)(42).
2- فتوى الخوئي قال: (لا يبطل الصوم إذا قصد التفخيذ فدخل في أحد الفرجين من دون قصد)(43).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
16) قلتم: (وهنا استلطف نظركم السامي إلى آراء بعض علماء الأزهر الشريف حول الشيعة الإمامية التي صدرت بعد قراءة كتبهم بقول الاستاذ عبدالهادي مسعود الأبياري: (ليس من شك في أنَّ المذهب الشيعي هو فرع من أهم فروع المذاهب الإسلامية العامة...)إلخ(1/37)
ونقلتم عن الدكتور أبي الوفاء التفتازاني قوله: (وقع كثير من الباحثين سواء في الشرق أو في الغرب قديمًا وحديثًا في أحكام خاطئة عن الشيعة لا تستند إلى أدلة أو شواهد نقلية جديرة بالثقة وتداول بعض الناس هذه الأحكام فيما بينهم دون أن يسألوا أنفسهم عن صحتها وخطئها.. وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ أي باحث يتصدى للبحث عن تاريخ الشيعة أو عقائدهم أو فقههم لا بد له من الاعتماد أولاً وقبل كل شيء على تراث الشيعة أنفسهم في هذه المجالات.. إلى أن قال: (إنَّ مدى الخلاف الموجود بين السنَّة والشيعة ليس فيما يبدو لنا بأبعد ممَّا هو موجود مثلاً بين مذهبي الإمام مالك وأتباعه من أهل الرأي والقياس) [مع رجال الفكر في القاهرة 1/221/ للأستاذ السيد مرتضى الرضوي].
……قلت الجواب على هذه الأقوال من أوجه:
……الوجه الأول: نحن نحب والله أن لا يكون بيننا وبين الشيعة خلاف ونتمنى أن ينحصر الخلاف فيما بيننا وبينهم ليكون مثل ما بين مالك والأحناف أو أي مذهبين من مذاهب السنَّة.
……الوجه الثاني: يقول التفتازاني المذكور كما تقدَّم: (إنَّ أي باحث يتصدى للبحث عن تاريخ الشيعة أو عقائدهم أو فقههم لا بد له من الاعتماد أولاً وقبل كل شيء على تراث الشيعة أنفسهم في هذه المجالات).
……قلت: هذا منهج واجب الاتباع لكل من يريد أن يقف على عقيدة طائفة أو فقهها أو رأيها ولكن يبدو أنَّ هذا الكاتب لم يقف عليها وإلاَّ لما قال هذا القول.
……والمطلع على كتب الشيعة القديمة يرى أنَّ هناك فرقًا كبيرًا بين الشيعة وأهل السنَّة بل يرى اتجاهين لا يلتقيان أبدًا.(1/38)
……وكتب الشيعة الأصول مملوءة بما يقرر عدة عقائد كل واحدة منها كافية لجعل الشيعة مذهبًا خارجًا في نظر السنَّة عن الإسلام ولم تحظَ هذه الكتب بعناية علماء الشيعة القدماء فيميزون الصحيح من الضعيف ممَّا جعل كل ما في هذه الكتب من صحيح وضعيف وموضوع دليلاً يُستدل به على عقائد الشيعة سواء من أتباع المذهب أو من المُخالفين وخاصة الكتب الأربعة التي تُسمَّى عند الشيعة الإمامية بالأصول وهي:
……"كتاب الكافي"، و"من لا يحضره الفقيه"، و"التهذيب"، و"الاستبصار" فقد أثنى عليها كثير من علماء الشيعة ووصفوها بالصحة ووصفوا مؤلفيها بصفات المجتهدين الموثوقين.
……ومنهم من يجعل الكتب المعتمدة ثمانية.
……وفي مقدمة هذه الكتب كتاب "الكافي".
……ونذكر نموذجًا من رواياته التي تقرر إمامة علي ( وكفر الصحابة بتركها وفيه تقرير ردة الصحابة إلا ثلاثة أو أربعة أو نحوهم.
……فقد عقد بابًا بعنوان: "باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية".
……ثمَّ أورد تحته اثنتين وتسعين رواية تفسيرًا لآيات من القرآن تُقرِّر الولاية.
……أول رواية فيها عن سالم الحناط قال: قلت لأبي جعفر ع أخبرني عن قول الله تبارك وتعالى: (نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين) قال: هي الولاية لأمير المؤمنين ع.
……والثانية في تفسير الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض عن جعفر الصادق أنها: "ولاية أمير المؤمينن ع).
……والثالثة في قول الله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) قال: (بما جاء محمد ( من الولاية ولم يخلطوها بولاية فلان وفلان فهو الملبِّس بالظلم) طبعًا المراد: أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
……واستمر يُفسِّر الآيات بكلام غريب عجيب والأعجب زعمه أن النبي ( داخل في ولاية علي (.(1/39)
……ففي الرواية (24) عن أبي جعفر قال: (أوحى الله إلى نبيه (: (فاستمسك بالذي أوحي إليك إنَّك على صراط مستقيم) قال: إنَّك على ولاية عليّ، وعليّ هو الصراط المستقيم؟؟!!!
……وبعدها رواية (25) عن أبي جعفر قال: (نزل جبريل بهذه الآية على محمد ( هكذا (بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله: "في عليّ" بغيًا).
……وهكذا على هذا النمط من الكذب على الله ( ورسوله.
……فجميع هذه الروايات تُقرِّر ولاية عليّ ( وإمامته وكفر الصحابة بها.
……وهذا نزر يسير من تلك الروايات التي لا يخلو منها أو من مثلها كتاب شيعي.
……وإذا كان الصحابة جميعهم لم يؤمنوا بهذه الولاية ومن سار على منهاجهم من أهل السنَّة فقد كفروا على حسب هذه الروايات.
……ونحن نعتقد اعتقادًا جازمًا أنًَّها روايات كاذبة نُسِبت إلى آل البيت وربَّما يوجد من الشيعة الإمامية من يُكذِّبها.
……لكن ماذا يُصنع وقد نشأت على هذه الروايات أجيال وتقرَّر في أذهانهم أنَّ عليًّا ( إمام من الله وأنَّ الصحابة عصوا أمر الله ( وأمر رسوله ( ولم يُنفِّذوا هذه الوصية، بل وقعوا في الكفر كما في تلك الروايات وعشرات غيرها تُقرر أنَّّ الصحابة ارتدوا إلاَّ عددًا يسيرًا منهم.
……فكيف يُقال بعد هذا إنَّ الفرق بين الشيعة والسنَّة كالفرق بين المذاهب الأربعة الفقهية من أهل السنَّة؟! أليس هذا قولاً باطلاً؟
……ولا أظن أنَّ شيعيًا أو سنيًا يعرف كل منهما مذهبه يوافق على قول هذين الشخصين إلاَّ إذا استعمل أحدهما التقية فلربَّما.
……إنَّ مصادر الشيعة تحتاج إلى جهد صادق من أتباعها لتنقيتها من الموضوعات والمنكرات وتحذير الأتباع من أخذ كل ما ورد فيها ليُعاد تشكيل العقلية الشيعية وفق الآثار الصحيحة.(1/40)
……فإنَّ كثرة ما فيها من التناقضات مع القرآن الكريم ومع بعضها البعض قد تنبَّه له كثير من أتباع المذهب وكان سببًا لهجر المذهب وتركه من بعضهم كما يُقرِّره أحد أعلام المذهب وهو الطوسي المتوفي عام "460هـ".
……فقد قال في مقدمة كتابه: "التهذيب": (ذاكرني بعض الأصدقاء أيده الله ممَّن أوجب حقه علينا بأحاديث أصحابنا أيدهم الله ورحم السلف منهم وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد حتَّى لا يكاد يتفق خبر إلاَّ وبإزائه ما يُضاده ولا يسلم حديث إلاَّ وفي مقابلته ما ينافيه حتَّى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون في مذهبنا.. إلى أن قال: حتَّى دخل على جماعة ممَّن ليس لهم قوة في العلم ولا بصيرة بوجوه النظر ومعاني الألفاظ شبهة وكثير منهم رجع عن اعتقاد الحق لِما اشتبه عليه الوجه في ذلك وعجز عن حل الشبهة فيه.
……سمعت شيخنا أبا عبدالله أيَّده الله يذكر أن أبا الحسين الهاروني العلوي كان يعتقد الحق ويُدين بالإمامة فرجع عنها لَما التبس عليه الأمر وترك المذهب ودان بغيره..)(44).
……نعم إنَّ العاقل ينفعه عقله.. ومن أراد الله به خيرًا وفَّقه.
……هذا اعتراف من أحد أئمة المذهب بأنًَّ الروايات متناقضة، فلا تكاد توجد رواية أو قول إلاَّ ويقابلها ما يناقضها وأنَّ جماعة...بل جماعات وإلى اليوم توفق إلى إدراك الحقيقة فتهتدي.
……وهذا يُؤكد أن الاختلاف بين المذهبين ليس اختلافًا يسيرًا.
……وأنَّ سببه وجود روايات متعارضة متناقضة لا يقبلها القلب السليم.
……وبهذا يتبين بطلان دعوى أنَّ الخلاف بين أهل السنَّة وأهل التشيع كالفرق بين المذاهب الفقهية عند أهل السنَّة.
……وقد تقدم نموذج من أقوالهم في القرآن الكريم ودعوى التحريف ودعوى ردة الصحابة وذلك من كتبهم فكيف يقال بعد هذا إنَّ الخلاف ليس أبعد ممَّا بين مذاهب أهل السنَّة؟!!
……أين في أهل السنَّة من يقول بشيء من هذه الأقوال؟؟؟(1/41)
……الوجه الثالث: يبدو أنَّ هذا الحال الذي عليه المذهب من التناقضات هو سبب: "استحداث عقيدتي التقية والبداء على الله (".
……فإنَّ الدين: "إمَّا أحكام وإمَّا أخبار" فتناقض الأحكام يُحلُّ: "بالتقية"، وتناقض الأخبار يُحلُّ: "بالبداء" وبهاتين العقيدتين لا يمكن أن يقع خطأ في الوجود.
……والواقف على الروايات يرى التناقض واضحًا.
……فقد روى الكليني عن زرارة بن أعين أنَّه سأل أبا جعفر عن مسألة فأجابه ثمَّ جاءه رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابه ثمَّ جاءه رجل ثالث فأجابه بخلاف ما أجاب به الآخرَين فتعجب زرارة وسأله عن هذا التناقض فقال أبو جعفر الصادق: (يازرارة إنَّ هذا خير لنا وأبقى لنا ولكم ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا ولكان أقل لبقائنا وبقائكم..)؟!!
……جعفر: "الصادق" يكذب ويفتي بغير الحق حفاظًا على نفسه.. "تقية" حاشاه من ذلك.
……فهذا التناقض في الفتاوى يُحلُّ بـ: "التقية".
……وأمَّا في الأشخاص فقد أورد الكشي أثارًا متضاربة في أكثر من شخص عن أبي عبدالله منهم:
……"زرارة بن أعين" قال فيه: أبو عبدالله: "جعفر الصادق": (بشر المخبتين بالجنَّة: بريد بن معاوية العجلي، وأبو بصير: ليث بن البختري، ومحمد بن مسلم، وزرارة أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست).
……ورواية بعدها عن أبي عبدالله: (إنَّ أصحاب أبي كانوا زينًا أحياء وأمواتًا أعني: زرارة.. هؤلاء القوامون بالقسط..)(45).
……وفي رواية أخرى قال أبو عبدالله: (لعن الله زرارة، لعن الله زرارة، لعن الله زرارة..)(46).
……وفي أخرى: (لعن الله بريدًا ولعن الله زرارة)(47) ـ بريد أي المتقدم سابقًا بريد بن معاوية العجلي ـ
……فأي هذه الأقوال حق وأيها تقية؟!(1/42)
……والتناقض في الأخبار إذا أخبر الإمام بخبر زعم أنَّه من الله ( ثمَّ لم يَصدُقِ الخبر فالخطأ ليس من الإمام لكنَّه من الله ( ـ استغفر الله ـ لأنَّه قال قولاً ثمَّ بدا له أن يغيره والإمام أخبر بالخبر الأول كما أخبره الله ( ثمَّ فوجئ أنَّ الله ( يغير الخبر...وهذا يُحلُّ بـ: "بالبداء" أي أنَّ الله ( بدا له فألغى الخبر الأول!!!
……ومثال ذلك ما ورد في: "إمامة إسماعيل بن جعفر الصادق" ثمَّ مات قبل أبيه فانتقلت الإمامة إلى أخيه: "موسى" وهذا طعن في علم الله ( إذ أخبر بإمامة شخص لا يعيش ثمَّ غير فجعل الإمامة في أخيه مع أنَّ الشيعة أوردت في كتبها أنَّ الإمامة لا تنتقل إلى الأخ بعد الحسين (.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
17) قلتم:(إذا كان المدعى أمراً غريبًا على العقول فإثباته يحتاج إلى دليل واضح ثم ضربتهم مثالاً ثم قلتم: وما أشبهه بنظرية عدالة الصحابة فإن كل من رأى النبي ( ساعةً أو يومًا أو أسبوعًا أو شهرًا صار عدلاً فالقول بعدالتهم من أولهم إلى آخرهم وأنهم رجال مثاليون من أغرب الغرائب الممكنة التي لا تثبت إلا بدليل يقطع جميع الشبهات حول عدالتهم).
الجواب من وجوه :
أولاً: الخلاف بيننا وبينكم ليس في عدالة جميع الصحابة الذين أُطلق عليهم هذا اللفظ سواء من كان من السابقين الأولين أو كان من المسلمين المتأخرين.
وإنَّما خلافنا معكم في عظماء الصحابة وأفاضلهم من المهاجرين والأنصار وخاصة الخلفاء الراشدين أبا بكر وعمر وعثمان وإخوانهم وأمَّا من أسلم متأخراً هل هو عدل أم لا فالخطب فيه يسير بالنسبة للخلاف السابق.
ولعلماء السنَّة أنفسهم تفصيلات وتفريعات في الصحابي الذي قلّت صحبته للنبي ( ولم يخرجهم هذا التفصيل عن أهل السنَّة .
لكن المحققين من علماء السنَّة يرون أنَّ كل من أسلم وصحِب النبي ( بعد إسلامه فهو عدل حتى يثبت خلاف ذلك.(1/43)
وهذا موقف سليم فإنَّ من أتى إلى النبي ( وترك دينه السابق وأعلن الدخول في الإسلام ورضي به ديناً والإسلام يحرِّم الكذب والفواحش فالأصل أنَّه متبع له لأنَّه قد أعلن التزامه به حتى يثبت خلافه خاصة وقد أشرقت عليه أنوار النبوة ونالته بركة صحبة النبي ( فإن صحبة النبي ( شرف وتزكية وليست كصحبة غيره مهما كان ذلك الغير.
ثم ليس هذا هو خلافنا مع الإمامية.
ثانيًا: إنَّ ادعاء كفر الصحابة أو فسقهم أو خيانتهم عن بكرة أبيهم ما عدا أربعة أشخاص أشد غرابة من القول بعدالتهم.
فإنَّ اعتقاد أنَّ الذين تربوا على مائدة القرآن قرابة ثلاث وعشرين سنة تقريبًا أو عشرين سنة أو عشر سنين أو خمس سنين أو نحوها أسلموا نفاقًا أو طلبًا لمنصب أو رغبة في الدنيا مع عدم وجودها أثناء الدخول في الإسلام.
أو امتنع عن تنفيذ أمر النبي ( في إمامة علي ( من غير سبب ظاهر بأوهام غريبة ثمَّ هم يقاتلون لأجل إقامة الدين ويفتحون الأرض بالإسلام وعلي معهم في كل ذلك.
ثمَّ يعيشون حياة الزهد والعفة وهم خلفاء ويطيعهم آلاف الصحابة ولا ينكر عليهم منكر.
ثمَّ يروون فضائل عليّ ( وينقلون ما يحدث من خلاف حتَّى نقلوا خلاف فاطمة رضي الله عنها مع أبي بكر في أمر دنيوي ولم ينقلوا عنها ولا عن عليّ خلافًا في إمامة...إلى آخر ما هنالك من أحوالهم ثمَّ يزعم أنَّهم مرتدون أو رادون لأمر رسول الله ( أعظم غرابة..
فقارن بين الدعويين بقلب سليم وعقل مستقيم يظهر لك الحق إن شاء الله تعالى.
ولمزيد من البيان نضيف تمهيدًا في الوجه الآتي:
ثالثًا: تمهيد يُحتاج إليه هنا لأن كتب الشيعة الإمامية قد أهملته كما يظهر من أصح كتاب عندهم وهو كتاب الكافي. فإنني لم أجد فيه ذكر أحداث العهد المكي ومعاناة المؤمنين فيه.
هذا التمهيد هو: (التذكير بمعاناة الصحابة في بداية الإسلام) وكيف دخلوا الإسلام وما لاقوه من ابتلاء وأذى في سبيل ذلك.(1/44)
فإنَّ الله ( عندما بعث نبينا محمدًا ( وأمره بأن يعلن الدعوة بالإسلام في مجتمع مشرك عاش على الشرك هو وآباؤه فإن ذلك يعني تغيير عقيدة المجتمع وإبطالها والإقرار بفسادها وهي عقيدة عاش عليها الآباء والأجداد.
…ثمَّ إنَّ الذي يقبل الإسلام ويعترف بتلك الحقيقة يعني أنه يواجه المجتمع: أسرته أولاً ثم قبيلته ثانيًا ثم المجتمع المشتمل على عدة قبائل ثالثًا ثم جميع قبائل العرب رابعًا وهو موقف عظيم لا يقدم عليه إلا من خالط قلبه بشاشة الإيمان.
…وبمراجعة تلك الفترة الزمنية ومعرفة أحداثها نرى أمرًا عجبًا. وفيما يلي إشارة إلى تلك المرحلة بإيجاز.
? الدعوة في مكة:
…عندما بدأ النبي ( دعوته داخل المجتمع المكِّي واجه المجتمع مواجهةً شديدة وآذوه أشد الأذى وآذوا كل من اتبعه.
…وقد تنوع الأذى وتباين ما بين هجر وضرب وقتل.
…وكتب السير والتواريخ مملوءة بأنواع القصص التي تكشف عن مدى ما عانى منه الصحابة من شدَّة وكرب عندما دخلوا في الإسلام.
…قال ابن مسعود: (أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله (، وأبو بكر، وعمار بن ياسر، وأمه سمية، وصهيب، وبلال، والمقداد. فأمَّا رسول الله ( فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأمَّا أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأمَّا سائرهم فما منهم إنسان إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلاَّ بلال! فإنه هانت عليه نفسه في الله وهان على قومه فأعطوه الولدان وأخذوا يطوفون به في شعاب مكة وهو يقول: أحد أحد)(48).
…وكان النبي ( إذا مرَّ على المعذبين يثبتهم ويبشرهم. فقد مرَّ على آل ياسر: ياسر وابنه عمار وأمه فيقول لهم: (ابشروا آل ياسر موعدكم الجنة)(49).
…وفي قصَّة إسلام أبي ذر أنَّه أعلن بإسلامه في المسجد الحرام فقاموا إليه فضربوه حتى أوجعوه فلم يمنعهم منه إلا العباس(50).
وعن سعيد بن زيد قال: (والله لقد رأيتني وإن عمر لموثقي على الإسلام قبل أن يسلم عمر)(51).(1/45)
…وعن عبدالله بن عمرو قال: (رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي ( وهو يصلي فوضع رداءً في عنقه فخنقه به خنقًا شديدًا فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه فقال: (أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم)(52) [سورة غافر (28)].
…وزاد البزار: (فتركوه وأقبلوا على أبي بكر)(53).
…ولشدَّة ما لقيه الصحابة من البلاء والأذى وجَّههم النبي ( إلى الحبشة، فذهب كثير من الصحابة ( إلى الحبشة وتركوا أرضهم وأهليهم فارِّين بدينهم(54).
…وقد هاجر الصحابة إلى الحبشة هجرتين، كان عدد المهاجرين في الثانية أكثر من ثمانين رجلاً وامرأة(55).
…ثمَّ كان من ترتيب الله ( لنبيه ( ولأصحابه أنَّ وفدًا من الخزرج من المدينة ذهبوا إلى مكة يستنصرونهم على الأوس فلقيهم النبي ( فعرض عليهم الإسلام فأعجبهم ما سمعوا، ثمَّ إنَّهم وعدوه بأن يعرضوه على قومهم.
…فعرضوه على قومهم فجاء منهم في الحج من العام القابل اثنا عشر رجلاً فبايعوه على الإسلام(56).
…ثم أرسل النبي معهم مصعب بن عمير يعلمهم الدين ويؤمهم في الصلاة.
وبعد أن وصل إلى المدينة قام بالاتصال بالناس فأسلم على يديه خلقٌ كثير.
…وقد أسلم على يديه زعيمَا بني عبد الأشهل وهما: أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ ولمَّا أسلم سعد بن معاذ ورجع إلى قومه وحرَّم كلامه عليهم إنْ لم يؤمنوا، فأسلموا جميعًا وأخذ مصعب يعلمهم الدين، ما عدا بعض البطون لم تُسلِم إلاَّ بعد الخندق(57).(1/46)
…ثمَّ فشى الإسلام في المدينة، قال جابر بن عبدالله في حديث طويل: (فقلنا حتى متى نترك رسول الله ( يُطرد في جبال مكة ويخاف، فرحلنا إليه سبعون رجلاً منَّا حتى قدموا عليه في الموسم، فواعدناه شعب العقبة فاجتمعنا عندها من رجل ورجلين حتى توافينا. فقلنا: يا رسول الله على مَ نبايعك؟ قال: (تبايعوني على السمع والطاعة في المنشط والكسل، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تقولوا في الله لا تخافوا في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني فتمنعوني ممَّا تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنَّة).
…قال: فقمنا إليه فبايعناه.
…وأخذ بيده أسعد بن زرارة - وهو أصغرهم - فقال: رويدًا يا أهل يثرب: فإنَّا لم نضرب إليه أكباد الإبل إلاَّ ونحن نعلم أنَّه رسول الله وأنَّ إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن تعظكم السيوف إمَّا أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله، وإمَّا أنتم تخافون من أنفسكم جبنة فتبينوا ذلك فهو أعذر لكم عند الله.
…قالوا: أمط عنَّا يا أسعد، فوالله لا ندع هذه البيعة أبدًا ولا نسلبها أبدًا.
فبايعناه فأخذ علينا وشرط ويعطينا على ذلك الجنة)(58).
ولم يَعدْهم بخلافة ولا وزارة ولا دنيا.
…ثم إنَّ النبي ( أذن في الهجرة إلى المدينة.
…قال البراء بن عازب: (أوَّل من قدم علينا من أصحاب النبي (: مصعب بن عمير، وابن أمِّ مكتوم فجعلا يُقرئاننا القرآن ثم جاء عمَّار، وبلال، وسعد، ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين، ثم جاء النبي (...)(59).
وقد همَّ أبو بكر ( بالهجرة مع إخوانه المهاجرين فقال النبي (: (على رِسلك فإنِّي أرجو أن يُْؤذن لي). فقال أبو بكر وهل ترجو ذلك بأبي وأمِّي؟ قال: (نعم)(60).
…فجهَّز أبو بكر ( راحلتين مدة من الزمن، ثم جاءه النبي ( عندما أُذن له في الهجرة وطلب أبو بكر الصحبة فقال: نعم. فخرجا واختفيا في غار ثور ثلاثة أيَّام، وأسرة أبي بكر ( ترعى هذه الهجرة.(1/47)
…عبدالله بن أبي بكر يأتيهما ليلاً بأخبار أهل مكة.
…وأهل أبي بكر يعدون لهما طعامهما يوميًا.
…وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر يأتيهما بغنم أبي بكر يشربان من لبنها(61).
…ثمَّ تمَّت الهجرة العظيمة لسيد البشر مع أفضل النَّاس بعد الأنبياء والرسل لتكون بداية ظهور الإسلام وإعزازه.
…وخلَّف النبي ( عليًّا ( في مكة لينام في فراشه حتَّى لا يلفت أنظار قريش خروج النبي ((62).
? …المرحلة المدنية:
…وقد استقبل أهل المدينة رسول الله ( أعظم استقبال، وأحاطوا به من جوانبه كلٌ يود لو ينزل في داره ليَشرف بذلك النزول، ولكنَّه ( بقي في "دار بني عمرو بن عوف" أربع عشرة ليلة ثمَّ أرسل إلى بني النجَّار فجاءوا متقلدي السيوف ثمَّ سار حتى نزل في بني النجَّار مكان مسجده الشريف وهناك بدأ ببناء المسجد وشاركه المهاجرون والأنصار في بناء المسجد(63).
…ثمَّ إنَّ النبي ( آخى بين المهاجرين والأنصار ليُذهب عن المهاجرين وحشة الغربة ويتأنسوا من مفارقة الأهل والعشيرة.
…ثمَّ بدأ النبي ( بتأسيس المجتمع المسلم من لبنات الإيمان: المهاجرين الذين خرجوا من ديارهم وأموالهم ينصرون الله ورسوله، والأنصار الذين يحبُّون من هاجر إليهم.
…وبدأت مسيرة الجهاد والصحابة ( يعيشون مع رسول الله ( يأتمرون بأمره وينتهون عن نهيه.
…وقد قاد النبي ( بنفسه الشريفة إحدى وعشرين(64) غزوة وقيل تسع عشرة غزوة(65) ورجّح ابن حجر القول الأول(66).
…وأمَّا السرايا التي أمَّر عليها أحدًا من أصحابه فقد بلغت ستًّا وثلاثين وقيل أكثر من ذلك(67).
…كل تلك الغزوات والسرايا لنُصرة دين الله (.
فانتشر الإسلام وذلَّت الجزيرة بكاملها للإسلام.
هؤلاء هم أصحاب رسول الله ( آمنوا به، ونصروه، وواسوه بأنفسهم وأموالهم، وهجروا الديار والأهل فِرارًا بدينهم وإعزازًا لدين الله (.(1/48)
ولم يكن مع رسول الله ( وهو يدعوهم إلى الله ( مالٌ يدفعه إليهم، أو يطمعون في الحصول عليه، وإنَّما كان وعْده لهم: الجنة.
? تربية الصحابة في العهد المكِّي:
كان القرآن الكريم يتنزَّل على رسول الله ( وكان يقرأه عليهم ويلقِّنهم إيَّاه وقد نزل في العهد المكِّي أكثر من ثمانين سورة، وهذا يمثِّل أكثر من ثلثي القرآن الكريم.
وقد كانت هذه السور تُقرِّر العقيدة وخاصة عقيدة اليوم الآخر والبعث والحساب، وتصف الجنَّة والنار وأحوال أهلهما، وصنوف العذاب التي أعدَّها لأهل النار، وأنواع النعيم التي أعدَّها للمؤمنين، كل ذلك يُتلى في مئات الآيات والصحابة يتلقَّون تلك الآيات آناء الليل وآناء النهار والرسول ( يرعى خُطاهم ويوجه مسيرهم.
ولقد عاش الصحابة ( في مكَّة في عناء وشدَّة وعذاب وفتنة ولولا صِدق الإيمان ورعاية الله ( لهم بالتثبيت والتوفيق لما تحمَّلوا تلك المعاناة الشديدة.
أهؤلاء تحمَّلوا هذه المعاناة طمعًا في مال، أو رغبةً في جاه، أو نفاقًا ورياءً؟!
? تربية الصحابة في العهد المدني:
العهد المدني استمرار للعهد المكِّي في تربية الصحابة ( ورعاية إيمانهم والتدرج بهم إلى مراقي الكمال.
فإنَّ الإنسان بدخوله إلى الإسلام لا يعني أنَّه أصبح ملَكًا لا يصدر منه أخطاء ولا يقع منه هفوات.
فالصحابة بشر لهم رغبات ولهم أخطاء وليسوا معصومين.
لكنَّهم مؤمنون يحبُّون الله ورسوله ويتمسكون بدينهم ويدافعون عنه ويجاهدون في سبيل إعزازه ونشره.
وقد كانوا يتحرَّكون تحت سمع الله ( وبصره، وتحت إشراف رسول الله ( لمدة ثلاثة وعشرين عامًا في مدرسة واحدة ينهلون من علومها ويحفظون دروسها ويتربَّون في فصولها.
فنِعْمَت المدرسة ونِعم الدارسون.
هذه المدرسة هي أعظم مدرسة في التاريخ وأنجحها وأبركها.
خرَّجت جيلاً عظيمًا حمل مِشعل الهداية وفتَح الأرض في فترة زمنية لم يعرف التاريخ لها مثيلاً.
? مرحلة ما بعد موت النبي (:(1/49)
توفي النبي ( بعد أن أكمل الله ( به الدين وأتمَّ به النعمة.
ثم إنَّ الناس الذين لم يتربوا على مائدة النبوة ممَّن أسلم من أهل القرى والبوادي البعيدة اهتز إيمان كثير منهم، وجَهِل كثير منهم فرائض الدين، فحدثت رِدَّة عن دين الله ( من بعضهم، وامتناع عن دفع الزكاة من البعض الآخر، ولم يبقَ على الدين سوى ثلاث مدن: "المدينة، ومكَّة، والطائف"، وما عداها فقد أعلنوا عصيانهم.
وكان النبي ( قد عقد لأسامة بن زيد ( الراية ووجهه إلى الشام ثمَّ مات النبي ( قبل أن يغادر أسامة المدينة فانتظر حتَّى دُفِن ( ثمَّ أنفذ الصدِّيق ( جيش أسامة.
قال ابن كثير رحمه الله: (قال سيف بن عمر: عن هشام بن عروة عن أبيه قال: لمَّا بُويع أبو بكر وجمع الأنصار في الأمر الذي افترقوا فيه، قال: ليتم بعث أسامة وقد ارتدَّت العرب إمَّا عامة وإمَّا خاصة، في كل قبيلة، ونجم النفاق واشرأبت اليهودية والنصرانية، والمسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية، لِفقد نبيهم (، وقِلَّتهم وكثرة عدوّهم، فقال له الناس: إنَّ هؤلاء جُلَّ المسلمين والعرب على ما ترى قد انتقصت بك، وليس ينبغي لك أن تفرق عنك جماعة المسلمين، فقال: والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله (، ولو لمْ يبقَ في القرى غيري لأنفذته)(68) وقد روي هذا عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.
ثمَّ إنَّ الصدِّيق ( أخذ يجهِّز الجيوش لحرب المرتدِّين وأخضع الجزيرة بكاملها للإسلام، ثمَّ أرسل الجيوش إلى خارج الجزيرة لدعوة فارس والروم، ففتح الله ( كثيرًا من تلك البلدان، ثمَّ أكمل عمر ( مسيرة الجهاد وفتح البلدان، ثمَّ سار بعدهما عثمان ( فاتسعت دائرة الإسلام، وتوقف الجهاد في عهد علي ( للخلاف الذي وقع بينه وبين معاوية (، ثم عاد الفتح بعد ذلك(69).
وقفات:
هذه نبذة يسيرة عن مراحل الدعوة وظهور جيل الصحابة ( ولنا هنا وقفات:(1/50)
1- الإسلام جاء بإبطال عقائد المشركين وتسفيه عقولهم وتغيير معاملاتهم، ولا شكَّ أنَّ هذا من أشدِّ المواقف وأشقها على النفس. ولا يقبل إنسان تغيير عقيدته والاعتراف بالخطأ إلا إذا تبين له أن العقيدة الجديدة هي الحق.
2- أنَّ الذين تركوا دينهم واعتنقوا الإسلام كانوا عظماء في أنفسهم، عقلاء في قراراتهم لدخولهم في الإسلام رغم ما يترتب عليه من تكاليف شاقة وتضحيات وعداوات لو لم يكن البديل عظيمًا في نظرهم لَمَا أقدموا عليه.
3- لقد ترتَّب على اعتناق الإسلام مقاطعة من أقوامهم، بل والإيذاء الشديد باللسان واليد، بل والقتل أحيانًا.
4- إنَّ كثيرًا ممَّن أسلم هجر وطنه وخرج إلى بلاد الحبشة، بلاد تختلف عن بلادهم عقيدة ولغة وعادات، كل ذلك للحفاظ على دينهم الجديد.
5- ثمَّ إنَّ القرآن كان يتنزَّل على رسول الله ( يرعى مسيرة الإيمان ويغرس عقيدة التوحيد واليوم الآخر، عارضًا نماذج من أحداث اليوم الآخر، وصورًا من أحوال المعذبين في النار، وصورًا من نعيم الجنَّة، ممَّا يُعمق الإيمان ويرسخه في القلوب.
6- واستمر القرآن كذلك في العهد المدني يتنزَّل على رسول الله ( يوجه الأفراد والمجتمع ويرعى خواطرهم وأقوالهم وأعمالهم، فلا تكاد تنزل آية إلا وهي مرتبطة بحادثة مُؤيدة أو مُصححة أو مُحذِّرة، فعاش الصحابة مكشوفي الضمائر والحركات والله ( يرعى ضمائرهم وحركاتهم.
7- وتولَّى رسول الله ( بنفسه تربية أصحابه وتوجيههم وتزكيتهم وتعليمهم الكتاب والحكمة ويتخذ منهم الوزراء والأمراء، ويُزوجهم ويتزوج منهم، ويُثني عليهم، ويمدحهم، ويُبشِّر بعضهم بالجنَّة، وهكذا كان معهم إلى أن لقي الله (.
أليست هذه الأمور مجتمعة كافية لإخراج جيل ربَّاني لا يلحقه جيل ولا يساويه في إيمانه وأخلاقه وعلمه؟
إذا لم تنجح هذه المدرسة الربَّانية بإشراف محمد( في تربية الإنسان فلا خير في الأرض بعد ذلك ولا قبله.(1/51)
وإذا لم ينجح الإسلام في بدايته وقد تهيَّأت له تلك الأسباب والظروف فلا أمل في نجاحه بعد ذلك.
ونحن نشهد أنَّ المدرسة الربَّانية بإشراف محمد ( قد نجحت في تربية الأصحاب، والتاريخ يشهد.
إنَّ القول بردَّة هؤلاء أو خيانتهم رغم كل هذه الأسباب التي لابد أن يكون ثمارها خير الثمار إن مدعي ذلك صاحب قلب مريض.
نسأل الله له الشفاء.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…18) قلتم: (إنَّ الصحابة اختلفت مقدار صُحبتهم للنبي (، فبعضهم صَحِب النبي ( من أول ساعة...) إلخ ما أشرتم إليه من تفاوت في زمن صُحبة النبي (.
…ثمَّ قلتم: (فهل يصح أن يُقال: إنَّ صُحبة ساعات أو أيام قلعت ما في نفوسهم...) إلخ.
…قلت: هل يعني أنَّ الشيعة يُقرون بأنَّ الذين صَحِبوه من أول أمره ( قد: (قُلِعت ما في نفوسهم من جذور غير صالحة وملكات رديئة، وكوَّنت منهم شخصيات ممتازة) أم أنَّهم هم والذين أسلموا آخر البعثة سواء؟!
…وهل أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعبدالرحمن بن عوف، وأبو عبيدة، وسعد بن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وإخوانهم الذين أسلموا في أول البعثة قد تهذبت نفوسهم ـ عندكم ـ أم لا؟!
…فهم قد صَحِبوا النبي ( من أول الإسلام.
…إنَّ المطلع على جميع كتب الشيعة بدون استثناء لا يرى إلاَّ التكفير أو التفسيق لهؤلاء العظماء.
…إذن ما الفائدة في التفريق بين من أسلم قديمًا ومن أسلم بعد ذلك عندكم؟!
…قال الطوسي الإمامي: (ودفع الإمامة وجحدها كدفع النبوة وجحدها سواء)(70).
…والصحابة الأوائل لم يعرفوا الإمامة فضلاً عن أنْ يُقال: إنَّهم دفعوه عنها، والشيعة يعتقدون أنَّهم دفعوه عنها فما حكمهم إذن؟!
…ويقول الشيخ المفيد الإمامي: (أول أئمة المؤمنين وولاة المسلمين وخلفاء بعد رسول الله الصادق الأمين ... أخوه وابن عمه ووزيره على أمره ... عليّ بن أبي طالب...)(71).
…ثمَّ قال كلامًا وادّعى دعاوى في غاية الغرابة ممَّن يُوصف بالعلم والإيمان؟!(1/52)
…وإذا كان عليّ ( لم يحكم إلاَّ بعد ثلاثة خلفاء، وكان هو أول أئمة المؤمنين فماذا كان وصف من سبقه؟! هل كانوا أئمة لغير المؤمنين؟! وهل هؤلاء ممَّن أسلم متأخرًا أم كان من أوائل من أسلم؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…19)قلتم:(فلهذا نرى القرآن يقسِّم الأصحاب إلى أصناف يمدح صنفًا منهم كما يذم الصنف الآخر)
…قلت: هذا الكلام غير دقيق فإنَّ القرآن الكريم لم يقسم الأصحاب المؤمنين من المهاجرين والأنصار، وإنَّما مدحهم جميعًا وأثنى عليهم.
…وأمَّا الذم فهو للمنافقين وليس للمؤمنين.
…فإنَّ تعريف الصحابة هم الذين رأوا النبي ( وهم مؤمنون به وماتوا على ذلك، والمنافقون لم يؤمنوا به أصلاً، فكيف يُقال إنَّه يقسم الأصحاب إلى قسمين؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…20) قلتم: (أمَّا الممدحون فهم كما ذكرتم: فالسابقون من المهاجرين والأنصار والمبايعون تحت الشجرة وأصحاب الفتح... فالناظر المتجرد عن كل رأي مسبق والبريء قلبه من كل مرض يجد في نفسه تكريمًا لهؤلاء الصحابة).
…قلت: هذا القول الذي ذكرته الآن حق ووفاء لهذه العصبة المؤمنة التي كانت سببًا في إسلامي وإسلامك فقد آمنوا وهاجروا وجاهدوا ونشروا الدين وأزالوا الشرك ودخل الناس بسبب جهادهم في دين الله ( أفواجًا فلهم علينا حق أن ندعوا لهم وأن نترضى عنهم فجزاهم الله عن نبيه ودينه وعنَّا أفضل الجزاء.
…ولكن هل يستقيم هذا الاحترام ودعوى: "الوصية" التي تزعم الشيعة أنَّها من الله ( وأمر رسوله ( أن يبلغها للناس ثمَّ إنَّه بلَّغها عند قوم ولم يبلِّغها عند آخرين كما سيأتي بمشيئة الله تعالى، ثمَّ إنَّ الصحابة رفضوها وأخفوها على حد زعمهم؟! لا أظن ذلك!!
…21) ثمَّ تحدَّثتم عن النفاق والمنافقين وأنَّ القرآن الكريم تحدَّث عنهم ثمَّ قلت: (وهذا يدل على كثرة أصحاب النفاق وتأثيرهم يوم ذاك في المجتمع الإسلامي).(1/53)
…قلت: إنَّ النفاق كان موجودًا وكان له ما ذكرت، ولكن لا يعني ذلك أنَّ الصحابة كانوا منافقين، بل هم تيَّار آخر معارض لتيَّار الإيمان، وكان لظهوره أسباب ومراحل نوجزها فيما يلي:
…أولاً: أسبابه:
…عندما هاجر النبي ( وقد سبقه أصحابه المهاجرون ودانت المدينة لحكمه كان هناك رجل اسمه "عبدالله بن أُبي بن سلول" كان ينظَّم له الخرز ليتوجوه على المدينة، فكان قدوم النبي ( سببًا في صرف ذلك عنه، فكان سبب العداء للإسلام والمسلمين(72).
…وكان أول أمره يُظهِر كفره، ولكنه بعد غزوة بدر وهي الغزوة التي أعز الله ( فيها الإسلام على أيدي أصحابه البررة رأى أنَّه لم يعد يستطيع يُظهِر كفره فأظهر الإسلام مع استبطان الكفر وبقي معه على ذلك جماعة غير قليلة من أتباعه.
…فالنفاق إذن كان في الأوس والخزرج حيث من أسلم منهم سُمِّي: "أنصاريًّا" ومن لم يسلم أو تظاهر بالنفاق لا يستحق ذلك الاسم.
…ولم يُعرَف النفاق في المشهورين المعروفين من الأوس والخزرج ولله الحمد، وإنَّما كان في أفراد مغمورين مقهورين قُصارى جهدهم المكر والخديعة.
كما لا يُعرف أصلاً في أحد من المهاجرين لأنَّ المهاجر أصلاً خرج من أرضه وماله باختياره فكيف ينافق؟!
…أمَّا أهل المدينة فإنَّ الشخص إذا لم يسلم في الظاهر فإنَّه يبقى مستهجنًا مستنكرًا ذليلاً، فرأى أنَّ إعلان الإسلام يرفع عنه هذه الوصمة من العار.
…قال تعالى: (يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجنَّ الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون) [سورة المنافقون (8)].
…أخبر الله تعالى أنَّ العزَّة للمؤمنين، وأنَّ المنافقين أذلَّة، والواقف على حال الصحابة يرى أن سادتهم بل جميعهم كانوا أعزة بين المؤمنين وخاصة الخلفاء الراشدين (.
…ثانيًا: مراحل النفاق:(1/54)
…كان النفاق في أول أمره ذا شوكة وعدد، لكن أهله كانوا أقل عددًا من المسلمين بكثير إذ لو كانوا أكثر فما الذي يمنعهم من المواجهة؟!
…ثالثًا: كشف المنافقين:
…القرآن الكريم تولى كشف المنافقين بذكر أعمالهم ومواقفهم حتَّى لكأنَّ النبي ( وأصحابه يرونهم بل ويعرفونهم.
1- قال تعالى: (فإن رجعك الله إلى طائفةٍ منهم فاستئذنوك للخروج...) [سورة التوبة (83)].
2- وقال تعالى: (ولا تُصلِّ على أحدٍ منهم مات أبدًا...) [سورة التوبة (84)].
3- وقال تعالى: (يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبَّأنا الله من أخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله...) [سورة التوبة (94)].
هذه الآيات تدل على أنَّه يعرفهم وإلاَّ فكيف ينفذ أوامر الله ( في من لا يعرفه؟! فكيف لا يأذن لمن لا يعرفه؟ وكيف يمتنع عن الصلاة على من لا يعرفه؟ وكيف يقول لمن لا يعرفه: لن نؤمن لكم؟
4- وقال تعالى: (والذين اتخذوا مسجدًا ضِرارًا...) [سورة التوبة (107)].
5- وقال تعالى: (يحذر المنافقون أن تُنزل عليهم سورةٌ تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزءوا إنَّ الله مُخرجٌ ما تحذرون) [سورة التوبة (64)]
وهذه الآيات في سورة التوبة وهي من أواخر ما نزل من القرآن الكريم فقد توعدهم الله ( بإظهار نفاقهم وأعمالهم التي يخفونها.
6- قال تعالى: (لئن لم ينتهِ المنافقون والذين في قلوبهم مرضٌ والمرجفون في المدينة لنغرينَّك بهم ثمَّ لا يُجاورونك فيها إلاَّ قليلاً ( ملعونين أينما ثُقِفوا أُخِذوا وقُتِّلوا تقتيلاً) [سورة الأحزاب (60-61)].
وهذا تهديد لهم بالانتهاء عن النفاق وإلاَّ فإنَّه سيُغري رسوله ( بهم بإخراجهم أو بقتلهم، فلمَّا لم يغره بذلك دلَّ على انتهائهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…22) قلتم (ص"6"): (إنَّ في القرآن الكريم آيات تدل بوضوح على وجود مجموعات من الصحابة تضاد الأصناف السابقة... كالمنافقين...).(1/55)
…قلت: المنافقون ليسوا من الصحابة، ولكنَّهم معهم وهذا إطلاق خاطئ.
…قال تعالى: (ويحلفون بالله إنَّهم لمنكم وما هم منكم...) [سورة التوبة (56)].
…فالله تعالى يبرِّئ الصحابة من مشاركتهم في نفاقهم، وأنَّهم غيرهم.
…والقرآن الكريم في كل آياته يبيِّن أنَّ المنافقين ليسوا من المؤمنين أي ليسوا ممَّن يُوصفون بالصُحبة فإنَّ الصُحبة الإيمانية لا يُوصف بها إلاَّ المؤمن.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…23) قلتم: (...إن المنافقين كانوا جماعة هائلة في المجتمع الإسلامي...)
…قلت: لا يسلَّم هذا الإدعاء فإنَّهم لو كانوا كثيرين لواجهوا المسلمين، ولكنَّهم كانوا قليلين مغمورين مقهورين.
…وأمَّا كثرة ورود الآيات فيهم فهي لكثرة أذاهم وشرّهم على المسلمين، فإنَّ الإشاعات قد يُطلقها شخص واحد فيكون لها آثارها السيئة بما يعادل جيشًا جرارًا يواجه المسلمين، ولهذا فدعوى الكثرة مردود وليس في القرآن ولا في السنَّة ما يدل على ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…24) قلتم: (...بين معروف عُرِف بِسِمَة النفاق وغير معروف بذلك مقنع بقناع التظاهر بالإيمان والحب للنبي (...).
…قلت: هذه دعوى ينقصها الدليل فأين من المنافقين من زعم أنَّه يحب النبي ( وفي أيّ كتاب وجدت ذلك؟! وأنت تقرر أنَّه لابد من ذكر المصدر!!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…25) قلتم: (بحيث كان كل من حول النبي ( يخاف على نفسه أن تنزل فيه آية تفضحه بمرأى من المسلمين ومسمعهم)؟!
…قلت: عجبًا لهذا الخيال العجيب إنَّ هذا الكلام يُوحي بأنَّهم جميعًا منافقون متستِّرون ويترقَّبون أن ينزل فيهم قرآن يكشف نفاقهم!!
…وهذا خيال عجيب!!
…فلم ينزل ما توهمته فهل يعني ذلك إقرار النفاق أو تغريرًا بالنبي ( بإبقاء المنافقين حوله يخدعونه بالإيمان وهم غير مؤمنين، ثمَّ هذا خداع للأمَّة أن يبقى أشخاص يحيطون بالنبي ( وهم منافقون وتحسبهم الأمَّة مؤمنين فتتلقى عنهم الدين وهم منافقون.(1/56)
إنَّ هذا الكلام يفقد الثقة في كل من حول النبي(أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وغيره من سادات المؤمنين.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…26) أوردتم قولاً عُزي إلى عمر ( وهو: (ما فرغ من تنزيل براءة حتى ظننَّا أن لن يبقى منَّا أحد إلاَّ ينزل فيه شيء) وعزوته إلى زاد المسير 3/306/
إنَّ ذلك ليس معناه أنَّهم منافقون وإنَّما أراد ( أنَّنا جميعًا أصحاب ذنوب وخطايا.
…ولمَّا نزلت السورة تكشف أخطاء المنافقين بصورة مفصلة خشينا أن لا تترك أحدًا له خطأ أو أخطاء إلاَّ كشفته وهل يمكن أن يعترف المنافق بالنفاق؟! إنَّ حساسية القلب المؤمن والاعتراف بالتقصير درجات رفيعة لا تعرفها القلوب المريضة.
…ثمَّ لماذا يُنافق عمر ( وهو الذي آمن باختياره، وهاجر باختياره، وقد تحمَّل في سبيل ذلك أنواع الأذى والابتلاء، وفارق الوطن والعشيرة، أكان يعلم الغيب؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…27) قلتم (ص"7"): (أ: أين ذهب هؤلاء المنافقون...).
…قلت: مرَّ معنا أنَّ الله ( قد هددهم إن لم ينتهوا أنْ يُغري بهم رسوله ( أو أن يُقتلوا، ولمَّا لم يقع هذا الإغراء والتقتيل عرف أنَّهم تابوا أو هلكوا أو ذلوا.
…وقد ورد في صحيح مسلم عن حُذيفة ( أنَّه قال: قال النبي (: (في أصحابي اثنا عشر منافقًا: فيهم ثمانية لا يدخلون الجنَّة ولا يجدون ريحها حتى يلج الجمل في سَمّ الخياط: وثمانية منهم تكفيكموهم الدُّبيلة: سراج من نار يظهر في أكتافهم حتى ينجم من صدورهم)(73).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…28) قلتم: (أين ذهب هؤلاء المنافقون بعد رسول الله (...).
…قلت:
…أولاً: هل هناك دليل أنَّ هؤلاء المنافقين قد بقوا إلى وفاة النبي (؟(1/57)
…ثانيًا: إنَّ الدلائل تدل على أنَّهم إمَّا تابوا وانتهوا من نفاقهم، أو أنَّهم نُقِصوا حتى ضعفوا، إمَّا نُقِصوا بالموت كما تقدَّم في الحديث، وإمَّا أنَّهم دخلوا الإسلام وخاصة عندما مات زعيمهم الذي كانوا يوالونه، ثمَّ بعد أن مات لم يبقَ لهم مطمع في الظفر والنصر.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…29) أوردتم ثلاث صفحات تقريبًا (6-9) تتساءلون فيها عن المنافقين الذين كانوا في المدينة وتشيرون إلى كثرتهم وكيف انتهى الحديث عنهم...إلخ).
…والجواب نذكره إجمالاً وتفصيلاً:
…أولاً: الرد الإجمالي:
الناظر في عرضكم للصحابة والمنافقين يلحظ عدة أمور منها:
1- أنَّكم عند عرضكم للصحابة حاولتم أن تُقلِّلوا من عددهم وأن تحملوا الآيات على أنَّها أرادت بعض من يُسمَّى بالصحابة ممَّا يُوحِي بأنَّ الآيات لا تشير إلاَّ إلى أفراد لأنَّها تُحمل على البعض لا على الكل ولمَّا كان معتقد الشيعة أنَّ جميع الصحابة كفروا أو فسقوا إلاَّ أربعة أشخاص أو نحوهم فلم ييقَ إذن إلاَّ ذلك العدد.
فسيأتي قولكم: (وبما أنَّ لفظة: "من" في: "من المهاجرين" للتبعيض فهو يخرج المتأخرين) [ص"28"].
وقلتم: (يُلاحظ عليه: أنَّه سبحانه لا يُثني لا على عامة المهاجرين ولا على عامة الأنصار بل صنف خاص منهم) [ص"29"].
وإن كان كلامكم فيه استدراكات لكنَّها مشوبة بهذه التشككات وعند التحقيق لا ممدوح عند الشيعة سوى عليّ والأربعة.
مع أنَّ بعض الآيات كما سيأتي ليس فيها التقييد بالبعض.
بل نلمح أنَّ التأثر بالروايات الضعيفة يكاد يحصر الممدوحين في الآيات على أنَّ (المراد من السابقين هو عليّ بن أبي طالب...) [ص"31"] كما سيأتي من قولكم لولا ما استدركتموه بعد ذلك.
لكنكم أنتم ربَّما تمثِّلون بهذا الاستدلال فئة قليلة لا تمثل المذهب وإنَّما لكثرة دراستها وتحقيقاتها توصلت إلى هذه النتيجة وإن كان ذلك قد يحمل على التقية عندما نرى قناعتكم بنظرية"الوصية"كما سيأتي.(1/58)
ثمَّ إذا ذكرتم المنافقين وإذا بكم تضخمونهم وتدَّعون كثرتهم حتَّى ليُخيَّل إلى القارئ أنَّ المنافقين يمثِّلون أكثرية المجتمع فقد قلتم: (فلو كان المنافقون جماعة قليلة غير مؤثرة لما رأيت هذه العناية البالغة في القرآن) إلى أن قلتم: (وهذا يدل على كثرة أصحاب النفاق وتأثيرهم يوم ذاك في المجتمع الإسلامي) إلى أن قلتم: (الدالة على أنَّ المنافقين كانوا جماعة هائلة في المجتمع الإسلامي) [ص"6"].
2- عند عرضكم للمنافقين أوردتم آثارًا تُوحي بأنَّه كل من حول النبي ( لا يسلم من النفاق.
وهذا يدل دلالة واضحة على قوة تأثير الروايات الشيعية التي لا تستثني أحدًا من الصحابة ( غير الأربعة أو نحوهم من العدول عن جادة الصواب مع أنَّ جميع تلك الروايات ممَّا ابتُلي به المذهب الشيعي كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
ثانيًا: نحن نتساءل عدة أسئلة على ضوء عرضكم هذا:
1- كم كان عدد المنافقين في المجتمع المدني؟
2- وهل هذه الحملة عليهم في القرآن تدل على كثرتهم؟
3- وهل بقي أحدٌ منهم بعد موته (؟
4- وهل كانوا يَخفون على الصحابة ( وعلى الرسول ( كذلك؟
هذه التساؤلات نحاول أن نجيب عنها باختصار.
1- أمَّا عدد المنافقين فلا شكَّ أنَّه كان في البداية كثيرًا_لكنهم لم يكونوا أكثر من المؤمنين _ وذلك لأنَّ رئيسهم عبدالله بن أُبي كان يتوق إلى الزعامة لم ييئس منها طوال حياته ولعلَّ من كان معه يحمل نفس الأمل.
…لكن لا نتصور أنْ يستمر التابعون له بنفس العدد وهم يسمعون القرآن يُتلى في أرضهم وبيوتهم وأسواقهم ومساجدهم فلا بد أنْ يتأثَّر بعضهم بما يسمع.
…ثمَّ لا شكَّ أنَّ الطمع في العودة إلى الجاهلية والوصول إلى الزعامة قد انقطع بموت عبدالله بن أُبي بن سلول وأنَّ المنافقين قد ضعُفوا بعد ذلك.(1/59)
…وقد روى البخاري قصة فيها أنَّ النبي ( مرَّ على مجلس فيه عبدالله بن أُبي بن سلول فدعاهم إلى الله ( فقال ابن سلول: (أيها المرء إنَّه لا أحسن ممَّا تقول إنْ كان حقًّا فلا تؤذنا به في مجالسنا، ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه) وكان المجلس فيه خليط من المسلمين واليهود والمشركين فوقع بينهم الخلاف حتى كادوا أن يقتتلوا، فخفضهم النبي ( حتى سكنوا، ثمَّ ركب دابته فسار إلى سعد بن عُبادة يزوره فلمَّا دخل عليه قال: (يا سعد ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب ـ يريد عبدالله بن أُبي ـ قال كذا وكذا.
…قال سعد بن عُبادة: (يا رسول الله اعفُ عنه واصفح عنه فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي أُنزِل عليك ولقد اصطلح أهل هذه البُحيرة_أي البلد_على أن يتوجوه فيعصبونه بالعصابة_يعني يرئسوه عليهم_فلمَّا أبى الله ذلك بالحق الذي أعطاك شرِق_أي غص: كناية عن الحسد_بذلك...)(74).
…وهذه الواقعة كانت قبل أن يتظاهر بالإسلام قبل غزوة بدر.
…ثمَّ بعد غزوة بدر عندما انتصر المسلمون وظهرت قوتهم قرَّر عبدالله بن أُبي أن يدخل في الإسلام.
…ثمَّ تُوفي ابن سلول في عهد النبي ( العام التاسع(75). ولا شكَّ أنَّ هذا سبب كبير لضعف النفاق.
2- أمَّا هذه الحملة على المنافقين فليس لكثرتهم، وإنَّما لكثرة شرهم وما يقومون به من إشاعات وتخذيل في صفوف المؤمنين.
……وإذا رجعنا إلى كتب السير والتواريخ لا نكاد نجد ذِكرًا لأسماء المنافقين غير ابن أُبي وقد تورد أسماء قليلة وبدون أسانيد.
……وقد تقدم عن حُذيفة بن اليمان أنَّ النبي ( قال: (في أصحابي اثنا عشر منافقًا... ثمانية منهم تكفيكم الدُبيلة ـ سراج من النار يظهر في أكتافهم حتى ينجم من صدورهم)(76) فدل هذا الحديث أنَّ عددهم في أواخر أمرهم لم يزد على هذا العدد وأنَّ الله ( تكفَّل بإهلاكهم.
3- وهل بقي أحد منهم بعد موت النبي (؟
……إن بقي أحد فلا يتجاوز عدد أصابع اليد وذلك لعدة أدلة:(1/60)
أ ) ما تقدم من الحديث.
ب) لم يذكر أحد من الصحابة بعد موت النبي ( عنهم شيئًا.
ج) عندما حدثت الردَّة من كثير من الناس لم يسمع لهم خبر ولم يحدث في داخل المدينة أي حادث يدل على وجود أحد منهم، ولو كانوا موجودين لاستغلوا حادثة الردَّة وآذوا المسلمين كعادتهم.
د) إنَّ الله ( لم يهلكهم في حياة النبي ( لأنَّه سيتولى فضح مخططاتهم بنفسه ( ولبيان أحكام من سيأتي في المستقبل ممن هو على شاكلتهم في المجتمع المسلم.
……وأنَّا يجب أنْ نتعامل مع الناس بحسب الظاهر منهم ولو كانوا في الباطن على خلاف ذلك.
هـ) وأخيرًا ما ثبت في صحيح البخاري عن حذيفة ( والذي هو الخبير بالمنافقين أنَّه لم يبقَ من المنافقين إلاَّ أربعة أشخاص.
……فقد أورد البخاري بسنده عند هذه الآية: "فقاتلوا أئمة الكفر إنَّهم لا أيمان لهم" عن زيد بن وهب قال: (كنَّا عند حذيفة فقال: ما بقي من أصحاب هذه الآية إلاَّ ثلاثة ولا من المنافقين إلاَّ أربعة ـ فقال أعرابي: إنَّكم يا أصحاب محمد تخبروننا فلا ندري، فما بال هؤلاء الذين يبقرون بيوتنا ويسرقون؟ ـ قال: أولئك الفساق. أجل لم يبقَ منهم إلاَّ أربعة: أحدهم شيخ كبير لو شرب الماء البارد لما وجد برده)(77).
……وحذيفة هو أعرف الناس بالمنافقين.
4- وهل كانوا يخفون على أصحاب النبي (؟
……إنَّ الصحابة ( كانوا من أذكى الناس وأعظمهم نباهة ولم يكونوا مغفلين تخفى عليهم مثل هذه الشخصيات الخبيثة.
……أمَّا النبي ( فقد عرفهم بالوحي، إمَّا بصفاتهم ولحن قولهم،وإمَّا بخبر الله ( له في أواخر حياته (.
……وأمَّا كثير منهم فقد كانت أعمالهم تكشفهم والقرآن فصَّل فيهم فذكر: منهم ومنهم... إلخ حتى لكأن الصحابة ( يرونهم.
……وبعد هذه الإجابة الإجمالية نعود إلى الإجابة التفصيلية حسب عرضكم للموضوع.
ــــــــــــــــــــــــــــــ(1/61)
…30) قلتم: (قال السيوطي: وأخرج أبو عوانة وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردوية عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أنَّ عمر ( قيل له: سورة التوبة قال: هي إلى العذاب أقرب! ما أقلعت عن الناس حتَّى ما كادت تدع منهم أحدًا) [الدر المنثور/3/208].
……قلت:
……أولاً: هذا القول والذي قبله متقاربان.
……ثانيًا: لم أجد هذا القول في المصادر الموجودة كتفسير الطبري وابن أبي حاتم وهما أصل لجميع كتب التفاسير والكتب المذكورة قد فُقِدت ولهذا لا نستطيع أن نحكم عليه ولكن غالب الظن أنَّه لا يصح لأنَّ عدم وجوده في أقدم موسوعة للتفسير يدل على اختلاقه.
……ثالثًا: هب أنَّه قال فما هو المعنى يا تُرى؟!
……هل المراد أنَّ جميع من حول النبي ( منافق!!! إذن على الأمَّة السلام.
……رابعًا: قد يُراد بالناس: "المنافقون" أي أنَّها كشفت عنهم حتَّى لم يبقَ منهم أحد فإنَّها إنَّما تحدثت عن النفاق وأهله وجميع الأفعال التي أوردتها السورة إنَّما حدثت من المنافقين فأين في السورة إشارة إلى أحد ممَّن حول الرسول ( من الصحابة المشهورين؟؟
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…31) أوردتم (ص"7") عدة أسئلة
……أظن أنَّ الإجابة الإجمالية كافية لبيان جوابها.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…32) أوردتم حديث حُذيفة قال: (إنَّ المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي ( كانوا يومئذٍ يُسرُّون واليوم يجهرون)(78).
…… للحديث أحد معنيين:
……المعنى الأول: أنَّ المنافقين الذين ظهروا في عصر حُذيفة ( جاهروا بنفاقهم على خلاف ما كان المنافقون السابقون.
……قال ابن التين: (أراد أنَّهم أظهروا من الشرّ ما لم يُظهِر أولئك غير أنَّهم لم يُصرِحوا بالكفر وإنَّما هو النفث يلقونه بأفواههم فكانوا يُعرفون به)(79).(1/62)
……فهذا الذي فهم العلماء من هذا النص وهو الراجح لما في لفظ آخر أورده الفريابي بسنده عن حُذيفة أنَّه قال: (المنافقون الذين فيكم اليوم شرٌّ من المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله ( فقلنا: يا أبا عبدالله: وكيف ذاك؟ قال: إنَّ أولئك كانوا يُسرُّون نفاقهم وإنَّ هؤلاء يعلنون)(80) وفي هذا إشارة إلى أنَّ المنافقين في عهد النبي ( قد انتهوا.
……المعنى الثاني: أنَّ المنافقين الذين كانوا على عهد النبي ( جهروا بالنفاق وأعلنوه وهذا المعنى غير واضح فإنَّه لم ينقل لنا أي خبر يدل على أنَّ المراد بهم هم أولئك بأعيانهم ثمَّ لو كان هذا هو المراد لكان يعني أنَّهم انكشفوا وظهر نفاقهم فلم يعد يُخشى منهم أن يزوِّروا حديثًا أو أن ينسبوا إلى الدين ما ليس منه لأنَّهم انكشفوا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…33) ثمَّ أوردتم حديثًا آخر عن حُذيفة: (إنَّما كان النفاق على عهد النبي ( فأمَّا اليوم فإنَّما هو الكفر بعد الإيمان)(81)[صحيح البخاري/8/100 ـ كتاب الفتن].
……قلت: هذا الحديث بنفس المعنى السابق.
……قال ابن التين:(كان المنافقون على عهد رسول الله(آمنوا بألسنتهم ولم تُؤمن قلوبهم، وأمَّا من جاء بعدهم فإنَّه وُلِد في الإسلام وعلى فطرته، فمن كفر منهم فهو مرتد، ولذلك اختلفت أحكام المنافقين والمرتدِّين)(82).
……ونص الحديث واضح فهو يقول: (فأمَّا اليوم فإنَّما هو الكفر بعد الإيمان) أي أنَّ أُناسًا آمنوا ثمَّ غيَّروا وهذا لا يكاد يخلو منه زمن.
……ثمَّ لو كان المراد أن المنافقين الذين كانوا على عهد النبي ( أعلنوا الكفر فذلك خير لأنَّه يكشف عن عقائدهم الكاذبة التي استتروا وراءها في عهد النبي(.
……ولا شكَّ أنَّ أصحاب النبي(غير مقصودين بهذا الخبر لا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا عليّ ولا إخوانهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ(1/63)
…34) قلتم: (ز ـ وبعد ذلك كله ماذا نقول بما ورد بأنَّ عمر بن الخطاب لم يكن يُصلِّي على أحدٍ مات إلاَّ بعد شهادة حُذيفة بأنَّه لم يكن من المنافقين) ثم قلتم: (كما قال ابن كثير: (وذُكر لنا أنَّ عمر بن الخطاب ( كان إذا مات رجل ممَّن يرى أنَّه منهم نظر إلى حُذَيفة فإن صلَّى عليه وإلاَّ تركه) [تفسير ابن كثير/2/399].
……قلت:
……أولاً: هذا القول المنسوب إلى عمر لم يورده ابن كثير بسند أو يعزوه إلى كتاب مُسند وإنَما أورده بصيغة التضعيف له حيث قال: (وذُكِر لنا) وهذه الصيغة تدل على تضعيف الأثر.
……إذن لا حجة في حديث أو أثر لا يصح .
……ثانيًا: هذا إنْ صحَّ يدل على أنَّ حُذَيفة ( يعرف المنافقين وبهذا فلا يستطيع مُنافق أن يقول في الدين شيئًا لأنَّه مكشوف وقد عاش حُذيفة إلى سنة ست وثلاثين للهجرة(83).
……ثالثًا: ثمَّ إن هذا منكم تناقُض ففي السابق تؤكدون أنَّ المنافقين: (كانوا يستترون واليوم ـ أي في عهد حُذَيفة ـ يجهرون).
……وهذا يعني أنَّهم عُرِفوا ثمَّ هناك تزعُم أنَّهم مستترون غير معروفين؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…35) قلتم: (وكيف نجيب الطالب إذا استفسر عن مدلول ما ورد أنَّ أمر النفاق وعدم تغلغل الوعي الإيماني في نفوس الصحابة بلغ بالدرجة التي يشك الخليفة عمر بن الخطاب هل هو منهم أم لا؟ كما ذكر ابن كثير والطبري: (وذُكِر لنا أنَّ عمر قال لحُذَيفة أنشدك الله: أمنهم أنا؟ قال: لا، ولا أومن! منها أحدًا بعدك) [تفسير ابن كثير/2/299/جامع البيان للطبري/11/16].
……قلت: هذا القول كسابقه أورده ابن كثير بصيغة التمريض وهذا إشارة إلى عدم صحته عنده ثمَّ لم يذكر له سندًا أو يعزوه إلى كتاب مسند ليعرف سنده ويحكم عليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…36) قلتم: (هل نقبل بأن يُقال: إنَّ المنافقين كانوا معروفين فلا نخلطهم بالصحابة).(1/64)
……قلت: نعم إنَّ المنافقين لم يكونوا مجهولين كما تقدم بل كانوا معروفين وقد تقدَّم تقرير ذلك وما أوردتموه من الآثار لا تصح.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…37) قلتم: (ثمَّ كيف نبُرِّر ونُؤوِّل ما ورد في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب حين قام وقال: يارسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق "أراد عبدالله بن أُبي" فقال النبي (: دعه لا يتحدَّث الناس أنَّ محمدًا يقتل أصحابه)(84) [صحيح البخاري/6/66/ومسلم(8/19)].
……قلت الجواب من وجوه:
……أولاً: هذا دليل على غيرة الصحابة ( على رسول الله ( واستعدادهم لقتل المنافقين وهذا دليل إيمانهم وإلاَّ لو لم يكونوا كذلك لرضوا بقول المنافقين.
……ثانيًا: يدلنا على قرب عمر ( من النبي ( ووقوفه معه جُنديًا يُنفِّذ ما يأمره به وينتهي عمَّا ينهاه عنه.
……ثالثًا: لو كان عمر ( وحاشاه منافقًا لقال النبي ( له وأنت يا عمر مثله ولم نقتلك أو نحو ذلك إلاَّ إذا قلتم بأنَّ النبي ( يعمل بـ: "التقية"!!
……رابعًا: النبي ( ينسب القول إلى الناس أي غير المسلمين الذين لا يعرفون حقيقة الأمر فلا يُفرِّقون بين مسلم ومنافق ويعتقدون أنَّ كل من مع النبي ( مسلم، فلو قتل واحدًا بحجة عدم الإسلام وقد أعلن الإسلام الذي يلحقه بالنبي ( لأشاع الناس أنَّ محمدًا يقتل أصحابه أي أتباعه حسب الظاهر.
……وليس المقصود أنَّ النبي ( يصفهم بصفة الصُحبة التي هي صفة تكريم.
……ولم يكن أحد من الصحابة ( ولا من التابعين ولا من جميع المسلمين يُطلِق على: "المنافقين" أنَّهم: "صحابة".
……وهكذا كل الأحاديث التي أوردتموها إنَّما أطلق عليهم فيها: "أصحابه"، و: "أصحابي" باعتبار المتحدثين من غير المسلمين ولا يخفى هذا على صاحب قلب سليم!!.
ــــــــــــــــــــــــــــــ(1/65)
…38) قلتم: (وههنا وقفة أخرى: كيف يُطلِق عمر على صحابي رسول الله ( بأنَّه منافق، ويطلب ضرب عنقه وهو جايز لا طعن فيه ولكن من قال فيه بأنَّه صحابي غير عادل فيحكم عليه بالزندقة؟ّ!!!).
……قلت: الرد من وجوه:
……أولاً: عمر هو عمر فاروق الأمَّة الخليفة الراشد الذي أثنى عليه نبينا ( وامتدحه في عدَّة مواقف وينبغي أن يُذكَر بكل احترام وتقدير.
……وهذه بعض أحاديث وردت في فضله ( إضافة إلى ما تقدم:
……روي البخاري أنَّ النبي ( بشره بالجنَّة(85).
……وروى البخاري أنَّ أهل بدر في الجنَّة وعمر من أهل بدر(86).
……وروى البخاري أنَّه أحب الناس إلى النبي ( بعد أبي بكر(87).
……وروى البخاري أنَّ النبي ( رأى رؤيا وأعطى فضله ـ من الشراب ـ لعمر وأنَّه فسره بالعلم(88).
……ثمَّ إنَّ عمر بن الخطاب ليس مُزارعًا في مزرعة أحدنا أو حارسًا لعمارتنا.. عمر هو الذي فتح العالم ونشر الإسلام وأدخل آباءك وأجدادك في الإسلام فحقه عليك أولاً عظيم وينبغي أن تستحضر هذا المعنى وأنت تذكره..
……تستحضر جيوشه وهي تحمل: "الهداية" إلى آبائك وأجدادك ولولا أنَّ الله ( قيَّضه وأعانه لربَّما كانت بلاد فارس اليوم على دينها السابق.
……فتستحضر هذا الأمر في ذهنك وأنت تذكر هذا الإمام العظيم.
……والذي يُكتب مثلُ أعمال هذه البلاد التي فُتِحَت في عهده في صحيفته فكم من مسلم عبد الله ( كان عمر سببًا لإسلامه وإسلام آبائه؟! أليس لعمر مثل عمل هؤلاء؟! ..اللهم ارضَ عنه وأجزه عن دينك وأمَّة نبيك خير ما يُجْزى فاتح عظيم.
……عمر ( الذي لا نستطيع أن نوفيه حقه من الدعاء والثناء.(1/66)
……ثانيًا: عمر ( أطلق هذا الاسم في حضرة سيد البشر نبينا محمد ( فلم يعاتبه لعلمه بحُسن قصده وهو يصف صحابيًا آخر.. أنَّه أطلقه بسبب عمل حدث من ذلك الصحابي وهو كشف خبر رسول الله ( لأعدائه وهو عمل كبير من هذا الصحابي الجليل الذي شفع له حسن قصده وماله من رصيد عظيم. رصيد: "بدر" أول غزوة غزاها نبينا محمد (.. الغزوة التي أعز الله فيها ( الإسلام فكل عمل خاطئ يقع بعدها فهو ذرَّة في جانب ذلك الرصيد العظيم.
……ثالثًا: عمر ( حكم على الصحابي بحسب الظاهر ولم يكن يعلم مكانة أهل بدر ولا يعلم ما يكنّه من حب لله ( ولرسوله ( فردَّ عليه النبي ( وبيَّن له أنَّه صدق في عذره فقال (: (إنَّه صدقكم)(89) عندما ذكر عذره فقد علم ( أنَّه صادق في عذره وأنَّ باطنه وظاهره سواء ثمَّ قال لعمر ما قال وكان قول عمر هذا سببًا لمعرفة مكانة أهل بدر.
……رابعًا: أنَّ غير عمر ممَّن امتلأ قلبه غِلّ على عظماء الأمَّة بسبب روايات كاذبة في حقهم وعقائد باطلة فهؤلاء لا يشاركون عمر ( في سلامة المقصد وصحَّة الخبر الذي يحكمون به على الصحابي الذي يريدون.
……فشتَّان إذن بين الأمرين، وسيأتي مزيد بيان إن شاء الله تعالى.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…39) قلتم (ص"8"): (وإذا كان الأصحاب كلهم عدول لا استثناء فما معنى الحدود الشرعية التي أقامها أبو بكر وعمر وعثمان وعلي( بحق الزُناة والسُّراق وشاربي الخمر من الصحابة).
……قلت الرد من وجوه:
……أولاً: ذكرت عظماء الأمَّة وخلفاءها الراشدين ولم تترضَ عليهم وأفردت عليًّا ( بالسلام مع أنَّك قلت في السابق: (فالناظر المتجرد عن كل رأي مسبق والبريء قلبه من كل مرض يجد في نفسه تكريمًا لهؤلاء الصحابة)!! فأين التكريم؟!(1/67)
……ولا شكَّ أنَّ هذا من آثار عقائد الإمامية التي تعتقد أنَّ هؤلاء إمَّا كُفَّار على قول وإمَّا فُسَّاق ظَلَمَة على قول آخر وحاشاهم وزراء رسول الله ( وأنصاره وآباء زوجاته أمَّهات المؤمنين وفاتحي العالم وناشري الإسلام.
……ثانيًا: لقد مرَّ معنا أنَّ العدالة ليس القصد منها: "العصمة" من الخطأ فإنَّ العصمة من الخطأ ليست لأحد من البشر إلا الأنبياء عليهم السلام فيما يبلِّغون من شرع الله ( ثمَّ لا يُقرُّون على خطأ في غير ذلك.
……وليس من شرط أولياء الله ( أن لا يقع منهم الخطأ.
……وليس القصد من قولنا بعدالتهم أنَّهم لا يُخطئون لكن مُرادنا أنَّهم أُمناء على شرع الله ( ولا يكذبون في حديثهم عن رسول الله (، ولو وقع من أحدهم خطأ فإنَّه يُسارع إلى التوبة إلاَّ حالات شاذة لا تكاد تُذكَر في جانب الآلاف من المؤمنين الصادقين.
……أمَّا الخطأ في الاجتهاد فهو وارد ولكنَّهم مأجورون على صوابهم وعلى خطأهم لكن الأجر في الخطأ أقل.
……قال ابن الأنباري: (وليس المُراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم لاستحالة المعصية منهم وإنَّما المُراد قبول رواياتهم من غير تكلُّف بحث عن أسباب العدالة وطلب التزكية إلاَّ إنْ ثبت ارتكاب قادح ولم يثبت ولله الحمد)(90).
……وقال ابن القيِّم: (قد يُغلط في مُسمَّى العدالة فيُظن أنَّ المُراد بالعدل من لا ذنب له وليس كذلك بل هو عدل مؤتمن على الدين وإن كان منه ممَّا يتوب إلى الله منه فإنَّ هذا لا يُنافي العدالة كما لا يُنافي الإيمان والولاية)(91).
……ثالثًا: كم عدد الذين زنوا في عهد الخلفاء وأقاموا عليهم الحد؟
……وكم منهم يا تُرى شرب الخمر وسرق؟
……إنَّ هذا الكلام يُوحي بأنَّ الزُناة، والسراق، وشاربي الخمر كانوا بالمئات؟!
……وهذا أسلوب لا يليق بباحث محقق!
……هل تستطيع أنْ تُحصي لنا العدد؟! إنَّ العدد لا يتجاوز أصابع اليد.(1/68)
……رابعًا: إنَّ من وقع في معصية ثمَّ تاب منها، تاب الله عليه ولا يُعَيَّر بمعصيته، فإنَّ التوبة تجُّب ما قبلها.
……أمَّا إنْ لم يتب فلا شكَّ أنَّ هذا مجروح العدالة لكن يبقى أسلوب التضخيم أسلوبًا غير مُرضي عند المحققين.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…40) قلتم / ص"8"/: (ما هو المراد من الاجتهاد والتأويل الذي يبرِّر صاحبه فيما يرتكب من المخالفات للكتاب أو السنَّة كما في قضية خالد بن الوليد في قتل مالك بن نويرة وأبي الغادية في قتل عمار..).
…قلت: الجواب من وجوه:
…أولاً: لقد أثنى النبي ( على خالد بن الوليد ووصفه بأنَّه سيف من سيوف الله.
……فقد روى البخاري عن أنس بن مالك ( وهو يروي ما حدث في مؤتة: (أنَّ النبي ( نعى زيدًا وجعفرًا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال: (أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذ جعفر فأصيب ثم أخذ ابن رواحة فأصيب - وعيناه تذرفان - حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم)(92).
هنيئًا لسيف الله.اسم أطلقه أصدق الناس وأعلم الناس بأحوال الناس وأحرص الناس على دين الله (.
…ثانيًا: خالد بن الوليد سيف الله المسلول هو الذي حارب المرتدين حتى أعادهم إلى الإسلام وبعد ذلك انطلق إلى العراق يقود كتائب الإيمان وسيرته من أعجب السير وهو الذي فتح تلك البلدان وأدخلها في الإسلام فرضي الله عنه وأرضاه وجزاه عن الإسلام خير الجزاء.
وإنَّ أي إنسان سليم القلب يقرأ سيرته ليرى قائدًا عظيمًا نفع الله به الإسلام والمسلمين.
…اقرأ قيادته للجيوش وفتوحاته العظيمة لترى أنَّنا أقزام نقف أمام عملاق نستحي أنْ نثير قصة وقعت نعتقد أنَّه أخطأ فيها إن صحت عنه.
…ثالثًا: الروايات التاريخية مختلفة في بيان الحقيقة ولذلك لا ينبغي التعويل على تلك الروايات التي تشنع عليه دون الروايات التي تبرر عمله فقد ورد في الروايات التي تبرر عمله ما يلي:(1/69)
…قال ابن كثير: (ويقال بل استدعى خالد مالك بن نويرة فأنَّبه على ما صدر منه من متابعة سجاح وعلى منعه الزكاة وقال: ألم تعلم أنَّها قرينة الصلاة؟ قال مالك: إنَّ صاحبكم (أي رسول الله () كان يزعم ذلك! فقال: أهو صاحبنا وليس بصاحبك؟! يا ضرار اضرب عنقه فضربت عنقه)(93). فالله أعلم أي ذلك كان.
…رابعًا: خالد بن الوليد قائد أمَّره النبي ( في حياته وقد وقع منه خطأ في عهد النبي ( فتبرأ النبي ( من فعله ولم يعزله وذلك قرينة على أنَّ القائد قد يخطئ ولا يستوجب ذلك عزله إذا كان يحتاجه الجهاد في سبيل الله (.
…روى البخاري بسنده عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبي (: (بعث خالد بن الوليد إلى بني جُذيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا. فجعل خالد يقتل منهم ويأسر ودفع إلى كل رجل منَّا أسيره حتى إذا كان يوم أمر خالد أنْ يقتل كل رجل منَّا أسيره فقلت والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره حتى قدمنا على النبي ( فذكرناه فرفع النبي ( يديه فقال: (اللهم إنِّي أبرأ إليك ممَّا صنع خالد مرتين)(94).
…فخالد هنا قتل قومًا أعلنوا إسلامهم بلفظ غير لفظ الإسلام وعندما علم النبي( لم يرضَ صنيعه وتبرَّأ من عمله ومع ذلك لم يعزله بل كان يوليه بعد ذلك.
…فما هو قولك في عدم عقابه وعدم عزله أتنتقد النبي ( كذلك أم تسكت أم تؤمن بأنَّه ( لم يعاقب خالدًا لأنه اجتهد فأخطأ؟؟
…ثمَّ ما الفرق بين من قتلهم في المرة الأولى ومن قتلهم في المرة الثانية؟ أليس المقتولون في المرة السابقة كانوا كفارًا وفي المرة الثانية كانوا مرتدِّين ثمَّ أعلنوا الإسلام في كلا الحالين؟
…نحمد الله عز وجل على سلامة الصدر لسيف الإسلام الذي حطَّم دول الكفر وأدخل أهلها في الإسلام وغفر الله له ما أخطأ في جانب بحر حسناته.(1/70)
…خامسًا: قد وقع مثل هذا الاجتهاد الخاطئ من ابن حب النبي ( أسامة بن زيد بن حارثة حيث قتل رجلاً بعد أن قال: (لا إله إلا الله) فعاتبه النبي ( على ذلك ولم يعاقبه(95).
…فما رأيك أتعترض على عدم عقاب رسول الله ( له بدعوى أنَّه اجتهاد يخالف الكتاب والسنَّة؟!
…اجمع بين هذه المواقف النبوية واستحضر موقف الصديِّق ( ثمَّ أعد النظر بقلب سليم.
…سادسًا: وقع مثل ذلك لعليّ بن أبي طالب ( فإنَّه لم يقتل قتلة عثمان بن عفان ( خليفة راشد زوج بنتي رسول الله ( وقد قُتِل مظلومًا وهو أعظم وأفضل من مثل الأرض من مالك بن نويرة ولم نُعِب عليه ( لأنَّه كان مجتهدًا كأخيه الصدِّيق (. اللهم سلِّم قلوبنا لأحبابك وأصحاب رسولك ( الذين نصروا دينك وجاهدوا مع رسولك (.
…سابعًا: ألم يحدث هذا الفعل في حياة الصحابة ( ولم يحدث منهم اعتراض إلاَّ ما كان من عمر ( فلم نسمع من عليّ ولا غيره ( أنَّه أنكر ذلك، أتظن أنَّكم أغْيَر على دين الله من جيل القرآن الذي اختاره الله ( لصحبة نبيه ( والجهاد لرفع راية الإسلام ونقل الدين إلى الأمَّة كما أنزله الله (؟!
…إنَّ الروايات التاريخية التي تغُصُّ بها كتب الشيعة بالإزراء على الصحابة وإحداث عقائد جديدة هو السبب في هذا الإزدراء والاتهام لعظماء الأمَّة كما سيأتي بيانه بمشيئة الله تعالى.
…أمَّا (قتل أبي الغادية لعمار) إنْ كان هو أو غيره فإنَّه كان يقاتل مع جيش معاوية وقد قُتل عمار وغيره من الصحابة في كلا الجيشين جيش عليّ ( وجيش معاوية ( وكل من قاتل بتأويل فيرجى له المغفرة، لا ندري عمَّا في نفوسهم، لكنّا نعتقد أنَّهم متأولون ولا شك أنَّ الحق كان مع عليّ ( ويشهد لذلك حديث: "تقتل عمار الفئة الباغية".
…ووصف النبي ( الفئة القاتلة بأنًّها باغية ولم يصفها بأنَّها كافرة فهل يجوز لكم أن تكونوا أكثر غيرة من رسول الله ( وتخطئوه لعدم وصف الطائفة بأنَّها كافرة وتكفرون أبا الغادية؟!(1/71)
…إنَّ البغي من إحدى الطائفتين لا يخرجها من الإسلام كما قال تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي ... )، ثم قال (: (إنَّما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعكلم ترحمون) [الحجرات(9-10)] فالله ( سمَّى المؤمنين المتقاتلين إخوة مع وصفه إحداهما بالبغي وأطلق عليهما إخوَّة الإيمان ولكنَّه حثَّ على قتال الباغي.
…فقاتل المؤمن عن عمد متوعد بالنار إذا كان ليس له في ذلك شبهة وهؤلاء أظهروا المطالبة بدم الخليفة الراشد الذي قُتِل مظلومًا ( فإن كان باطن أمرهم كظاهره فهم متأولون ونحن ليس لنا إلا الظاهر، وإنْ كان غير ذلك فالله يتولى السرائر يوم تُبْلى السرائر.
…قال الكيا الطبري: (وأما ما وقع بينهم من الحروب والفتن فتلك أمور مبنية على الاجتهاد)(96).
…وقال الشوكاني وهو يرد على جماعة من المعتزلة والشيعة الذين زعموا أنَّ الصحابة كلهم عدول إلاَّ من قاتل عليًا: (ويجاب عنه بأنَّ تمسكهم بما تمسكوا به من الشبه يدل على أنَّهم لم يقدموا على ذلك جراءة على الله وتهاونًا بدينه.
…وجناب الصحبة عظيم فمن انتهك أعراض بعضهم فقد وقع في هوة لا ينجو منها سالمًا)(97).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…41) قلتم /ص "8"/ (وهل يصح تبرير عمل الصحابة تحت ظل الاجتهاد في كل ما صدر عنهم من مخالفات الأحكام القطعية؟ وأنَّهم مجازون في ارتكاب كل حرام وترك كل واجب).
…قلت: الرد من وجوه:
…أولاً: عجبًا لهذا الكلام الغريب: (ارتكاب كل حرام وترك كل واجب) هذا التعميم بهذا الأسلوب يوحي بأنَّهم قوم فُجَّار أضاعوا الدين وانتهكوا المحرمات فهل نتأول لهم؟! وهذا ثمرة الروايات الباطلة التي تربى عليها الشيعة وإن لم يفتح الله ( قلوبهم للحق فالله المستعان.(1/72)
…ثانيًا: الصحابة ( قوم أثنى الله ( عليهم في عشرات الآيات واختارهم الله سبحانه لصحبة نبيه ( وهم الذين نصروا الدين وهم الذين رووا لنا الدين وكل خير في الأمَّة لهم مثله إلى قيام الساعة وما قد يحدث منهم من أعمال في ظل الاجتهاد فإنَّه مغفور لهم إن شاء الله.
…وأمَّا الافتراض الخاطئ في حقهم فهو افتراض سببه تلك الروايات التي تكاثرت على مدى قرون حتى أصبحت تصور أفضل جيل بشري في صورة سيئة إمَّا كافرة وإمَّا فاسقة، فليستعد أهل التشيع لمخاصمتهم لهم يوم القيامة.
…أمَّا نحن فإنَّا نترضى عنهم ونُثني عليهم كما أثنى عليهم ربهم (وندعو لهم جزاء حفظهم لديننا ونصرتهم لرسولنا ( ونسأل الله أن يغفر لهم خطأهم (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنَّك رؤوف رحيم).
…ثالثًا: ما هي المخالفات التي خالفوا بها الأحكام القطعية؟!
…إن كانت الأحكام وردت في القرآن الكريم فما هي؟
…وهل هي قطعية المعنى؟! ومن هو الذي حكم بأنَّها قطعية المعنى؟!
…وإن كانت في السنَّة فما هي كذلك؟ ومن الذي حكم بأنَّها قطعية؟!
…رابعًا: قد وردت عشرات الآيات في كتاب الله ( تثني عليهم بلفظ عام وبلفظ خاص وقد أوَّلتموها وأخرجتموها عن معناها بشتَّى التأويلات فما الذي أباح لكم التأويل وحرمه على غيركم؟!
…خامسًا: وإن كان ورد في السنَّة فهم قد رووا السنَّة فهل يروون شيئًا يعتقدون صحته ثمَّ يخالفونه؟
…ثمَّ أنتم هل تؤمنون بالسنَّة التي صحت في كتب المحدثين من أهل السنَّة؟ وأنتم تنتقون منها ما تريدون مما يوافق مذهبكم ولو كان ضعيفًا وتردون ما يخالفه ولو كان صحيحًا!!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…42) قلتم/ ص"8"/: (حتى في الخروج على إمام زمانهم وإزهاق أرواح كثيرة وسفك دماء غزيرة).(1/73)
…تقدم بيان ذلك وأنَّهم لم يخرجوا بقصد الخروج وإنَّما للمطالبة بدم خليفة مقتول فقد أورد ابن كثير أنَّ (أبا الدرداء وأبا أمامة دخلا على معاوية فقالا له: على مَ تقاتل هذا الرجل؟ فوالله إنَّه أقدم منك ومن أبيك إسلامًا وأقرب منك إلى رسول الله ( وأحق بهذا الأمر منك؟ فقال: أقاتله على دم عثمان وأنَّه آوى قتلته فاذهبا إليه فقولا له: فليقدنا من قتلة عثمان ثمَّ أنا أول من بايعه من أهل الشام. فذهبا إلى عليّ ( فقالا له ذلك فقال: هؤلاء الذين تريان فخرج خلق كثير فقالوا: كلنا قتلة عثمان فمن شاء فليرمنا. قال: فرجع أبو الدرداء وأبو أمامة فلم يشهدا حربًا)(98).
…فهذا ظاهرهم وأمَّا سرائرهم فالله يعلم بها.
…فهل هذا كان خروجًا أم كان قتالاً على شبهة؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…43) قلتم/ ص"8"/: (وهل هذا الاجتهاد يختص ببعضهم أو يعمهم ويشمل من يأتي من بعدهم اقتداءً بسيرتهم وعملاً بقول النبي (: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم").
…قلت: الرد من وجوه:
…أولاً: أنت أوردت هذا من باب التهكم لا من باب الاستفسار وهذا من ثمار الروايات التي صاغت هذه المفاهيم عن هذا الجيل القاعدة للأمة.
…ثانيًا: الخطأ من صفات البشر وقد أبان عن تلك الصفات القرآن الكريم والسنَّة النبوية إضافة إلى ما تقدَّم من نصوص.
…قال تعالى وهو يعلِّمنا أن ندعوه أن لا يؤاخذنا بخطئنا: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) وأخبر النبي ( أنَّه تعالى قال: (قد فعلت)(99) فهو علَّمنا أن ندعوه إذا أخطأنا وأن نعتذر وقبل مِنَّا عذرنا فهل يلغي الشيعة صفة الخطأ من البشر؟!
…ثمَّ من قال: إنَّه يُقتَدى بالمخطئ في خطئه؟!
…ثالثًا: أمَّا الحديث الذي ذكرتموه وهو: "أصحابي كالنجوم ... " فقد أوردته على غير عادتك بغير عزو ولا أظن أنَّه يُخفي عليك أنَّه حديث مكذوب وأنت رجل محدث!!(1/74)
…والحديث أورده ابن عبدالبر(100)، وابن حزم(101) من طريق سلام بن سليم _أو ابن سليمان على خلاف_ ثم قال ابن حزم: (هذه رواية ساقطة .. وسليم بن سليمان يروي الأحاديث الموضوعة وهذا منها بلا شك) وقال ابن خراش في: سليم هذا: (كذاب) فهل يصح أن تستشهد به وأنت محدث ولا تذكر مصدرك؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…44) قلتم: (الثالث: الآيات القرآنية في حق مرضى القلوب الذين يتلون المنافقين في الروحيات والملكات.
…قال سبحانه بحقهم: (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلاَّ غرورًا) [الأحزاب(12)]
…فكيف يمكن أن يوصف الذين ينسبون خلف الوعد إلى الله وإلى الرسول ( بالتقوى والعدالة؟
…الرابع: الآيات الواردة في ذوي التشكيك والإثارة للفتنة والسمَّاعين لهم: (إنَّما يستئذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون..) [التوبة(45-47)]
…الخامس: الآيات النازلة في الذين يؤذون الله ورسوله ( ويستحقون بذلك عذابًا أليمًا: (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن...)
…وهل يحكم العقل السليم بعدالة من أوعده الله العذاب ولعنه: (إنَّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابًا أليمًا) [الأحزاب(57)].
…السادس: ...أوردتم قوله تعالى: (وطائفة أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية..) ثمَّ قلتم: هل يمكن أن يعد الذين هم أهل الشك والريب في الله ( من العدول الثقات؟!)
…الجواب من وجوه:
…أولاً: هذه الآيات في طوائف من المنافقين وليست بحمد الله في المؤمنين من المهاجرين والأنصار وقد امتلأت كتب السير بأسماء الصحابة المؤمنين ووردت بعض الأحاديث والآثار فيها أسماء بعض المنافقين ولم تَسمْ أحدًا من الصحابة المؤمنين ( بالنفاق.(1/75)
…ثانيًا: لا ندري من هم هؤلاء الذين وصفوا هؤلاء المنافقين بالتقوى والعدالة ولم تذكر لنا أحدًا من هؤلاء المنافقين أطلق عليه أهل السنَّة بأنَّه أهل عدالة وتقوى؟!
…ثالثًا: نحن لم نعرف إيمان أعيان المهاجرين والأنصار وإخوانهم المؤمنين إلاَّ عن طريق الأحاديث والآثار_الصحيحة_لا الضعيفة والمكذوبة_فلم نعرف إيمان أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وإخوانهم إلاَّ عن طريقهم هم فإن كان إيمانهم ثابتًا استطعنا أن نفرق بين المؤمنين والمنافقين وإن لم يكن إيمانهم ثابتًا لم نستطع أن نثبت إيمانهم.
…رابعًا: لو طلب من الشيعة أن يفرقوا بين المؤمنين من الصحابة والمنافقين الذين يعيشون معهم لم يستطيعوا وهذا هو سبب خلطهم بين صفوة الخلق ورذالة الخلق والذي لا يخفى على طالب حق.
…أمَّا أهل السنَّة فهم يعرفون أعيان المؤمنين من المهاجرين والأنصار وأهل بدر وأهل بيعة الرضوان من خلال ذكر أسمائهم في كتب السير حتَّى يرد دليل ينقض ذلك أو يبطله.
…خامسًا: جميع هذه الآيات ذكر المفسرون لها أسبابًا من أهل النفاق وجميع المفسرين يذكرون أنَّ ذلك من المنافقين ولم يذكر شخص واحد أنَّ ذلك من المؤمنين ولو رجعت إلى أقوالهم لرأيت أنَّ تلك الأقوال والأعمال لم تنسب إلى صحابي واحد ولم يتشكك مفسر في شيء من ذلك وذلك من خلال روايات التفسير.
…ونذكر نموذجًا من ذلك:
روي البيهقي بسنده عن أبي طلحة أنَّه قال: (غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أُحد فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ويسقط وآخذه قال: والطائفة الأخرى: المنافقون ليس لهم هم إلاَّ أنفسهم أجبن قوم وأرعنه وأخذله للحق: (يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية) كذبُهم إيمانهم أهل شك وريبة في الله ()(102) وهذه الرواية أوردها ابن كثير فلِمَ لَمْ تذكرها أو تتذكرها مع أنَّك عزوت إليه؟!(1/76)
…وأورد كذلك حديثًا عن الزبير بن العوام بسند صحيح قال فيه: (لقد رأيتني مع رسول الله ( حين اشتد الخوف علينا أرسل الله علينا النوم فما منَّا من رجل إلا ذقنه في صدره قال: فوالله إنِّي لأسمع قول: مُعتب بن قشير ما أسمع إلا كالحلم: (لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا) فحفظتها منه وفي ذلك أنزل الله تعالى: (يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قُتِلنا ههنا) لقول معتب)(103).
…فهل هؤلاء من الصحابة الذين نقول بعدالتهم؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…45) ثم ختمتم هذا المبحث بقولك: (فحصيلة ما يلاحظ في هذه الآيات أنَّ في الأصحاب عدولاً وثقات من غير شك وريب ومنهم أيضًا غير عدول وضعاف).
…الجواب: من وجوه:
…أولاً: لا زلت مصرًّا على تسمية جميع من في المدينة من المؤمنين والمنافقين بأنَّهم: "أصحاب" وهذا في الحقيقة تَجنِّ على رسول الله ( حيث جعلت المنافقين أصحابًا له ينسبون إليه ويعرف بهم فإن الشخص يوزن بأصحابه فمن كان أصحابه فُضلاء كان فاضلاً ومن كانوا غير ذلك كان غير ذلك.
…والشيعة لم يتورَّعوا أن ينسبوا المنافقين إلى رسول الله ( وهذا نعوذ بالله غاية الخذلان.
…ثانيًا: لم يقل أحد من علماء الأمَّة ولا من جهلتها أنَّ المنافقين أصحاب للنبي ( ولو قلت هذا الكلام عند بعض القوم لربَّما لا تسلم من عقاب فكيف عند علماء الأمَّة وأفاضلها، وقد مرَّ معنا كلام الصحابيَّين الجليلين: أبي طلحة والزبير أنَّ ذلك القول صدر من المنافقين.
…ثالثًا: قولك إنَّ في الأصحاب عدولاً وغير عدول هل تستطيع أن تذكر لنا أسماء العدول منهم وغير العدول؟ وهل هناك عدول غير "الأربعة" عندكم؟! دين ختم الله به الأديان وأنزل من أجله القرآن لم ينتفع به في وقت نزوله إلا أربعة أشخاص؟! يا لها من مهزلة يستحي من ذكرها العقلاء.
…أصحاب النبي ( مُنافقون أو فُساق مرتكبون للحرام !!
…زوجاته كافرات أو فاسقات ـ كما سيأتي ـ!!(1/77)
…جميع آل بيته كُفار أو فُساق إلا عليًّا وبعض ذريته!!
…القرآن مُحرَّف أو ناقص!!
…أيُّ دين هذا أراد الله ( أن يهدي به البشرية فَشِل منذ اللحظة الأولى؟!
…الحمد لله الذي عافانا ممَّا ابتلى به بعض الناس.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…46) قلتم: (4- مقام الصحابة لم يكن أكثر امتيازًا من أزواج النبي ( ولا أرفع من مقامهن)
…قلت: سبحان الله بعد أنْ شككت في عدالة الصحابة انتقلت إلى أمَّهات المؤمنين رضي الله عنهن...لتشكِّك في طهارتهن وإيمانهن...جرأة عجيبة! ثم ما هي الثمرة التي تريد أن تحققها بهذه المطاعن إلا الطعن في ذات النبي ( لعدم نصرة: "وصية" كما تزعمون بناءً على روايات محدثة كما سيأتي بمشيئة الله تعالى بيانه.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…47) قلتم: (إنَّ التشرف بصحبة النبي لم يكن أكثر امتيازًا وتأثيرًا من التشرف بالزواج من النبي وقد قال سبحانه في شأن أزواجه: (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرًا) [سورة الأحزاب/آية(30)].
…الجواب من وجوه:
…أولاً: الأدب مع النبي ( إذا ذُكر أن يُصلَّى عليه تعظيمًا لمكانته عليه الصلاة والسلام.
…ثانيًا: دعواك أن التشرف بصحبة النبي والزواج منه لا قيمة لها ممَّا يجب عليك أن تستغفر الله ( منه.
…فإنَّ مصاحبة النبي ( شرف يرفع من مكانة الصاحب لا يعدله صحبة بشر، ولهذا فإن أصحاب الأخيار يلحقهم من خيرهم وبركتهم وأصحاب الأشرار يلحقهم من شرهم وفسادهم.
…والله ( قد جعل لبعض الأماكن فضلاً ينال من يتعبد فيها من بركاته سبحانه وجعل لبعض الأزمان فضلاً يُضاعَف فيها أجور الأعمال.
…فالمدينة تشرَّفت بنبينا ( وقلوب المؤمنين تُعظِّمها تعظيمًا لمن عاش بها ودُفِن بها.
…ومكَّة تشرَّفت ببيت الله الحرام والصلاة في مسجدَي المدينتين مُضاعَفة الأجور.
…قال تعالى عن كتابه الكريم: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك...) [الانعام (92)].(1/78)
…وقال تعالى: (إنَّ أول بيت وضع للناس للذي ببكَّة مبارك وهدىً للعالمين) [آل عمران(96)]
…قال تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) [الإسراء(1)].
…وقال عيسى عن نفسه (: (وجعلني مباركًا أين ما كنت) [مريم (31)]
…وقال تعالى عن ليلة إنزال القرآن: (إنَّا أنزلناه في ليلةٍ مباركة) [الدخان (3)]
…وأما نبينا محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه فهو إنسان مبارك وكان الصحابة ( يتبركون بوضوئه وبشعره وملابسه وكان صلوات الله وسلامه عليه إذا وضع يده في الماء أو الطعام تبارك وكثر فإذا تبارك الطعام والماء بملامسته له ألا يتبارك من يصاحبه أو يتزوج به ممن لامس جسده الشريف جسده من أمهات المؤمنين؟!
…أرأيت لو وقفت أمام الخميني وقلت له: من يصاحبك ومن يصاحب إبليس سواء، أو من يصاحبك ويصاحب فرعون سواء، فماذا سيكون الرد عليك؟؟
…ولماذا إذن كان بعض الشيعة يفرح باستمتاع الخميني بطفلته الصغيرة يا تُرى أليس لاعتقاد بركته؟!!
…استمع إلى القصة التي يرويها السيد حسين الموسوي وقد كان هو شاهدها:
…أنَّ الخميني لما كان مقيمًا في العراق وجهت إليه دعوة من إحدى مدنها فطلب من الموسوي مرافقته وتمت الرحلة وفي طريق العودة أرادوا أن يرتاحوا من عناء السفر فأمر الخميني بالتوجه إلى منطقة العطيفية حيث يسكن هناك رجل: "إيراني" الأصل اسمه: "سيد صاحب" كانت بينه وبين الإمام معرفة قوية قال الموسوي:
…(فرح سيد صاحب بمجيئنا... وطلب سيد صاحب المبيت عنده تلك الليلة فوافق الإمام... ولما حان وقت النوم... أبصر الخميني صبية بعمر أربع سنوات أو خمس ولكنَّها جميلة جدًا فطلب الإمام من أبيها سيد إحضارها للتمتع بها فوافق أبوها بفرح بالغ، فبات الخميني والصبية في حضنه ونحن نسمع بكاءها وصريخها!!)(104).(1/79)
…فما رأيكم في فرح الأب بمس جسد الخميني لجسد ابنته الصغيرة عن طريق المتعة لظنه أنَّ قرب: "الإمام" شرف ولو بهذه الصورة المزرية.
…نستغفر الله ( من أن نحتقر صحبته صلوات الله وسلامه عليه ثمَّ نحكم عليها بأنَّها غير مفيدة.
…إنَّ صُحبة النبي ( شرف ورفعة يرتفع بها كل من حصل عليها ونحن نعظِّم كل مؤمن صاحبه صلوات الله وسلامه عليه ونغبطه على تلك الصحبة التي كانت قاعدة الإسلام وأساس الخير لهم وللبشرية.
…قال الشوكاني: (وجناب الصحبة أمر عظيم) كما مرَّ معنا.
…وقد تجلَّت بركة صحبته صلوات الله وسلامه عليه في الآثار المباركة التي أشرقت على الأرض.
…ثالثًا: إنَّ الزواج منه صلوات الله وسلامه عليه شرف ورفعة وكل امرأة تزوجت به فقد ارتفعت مكانتها وزاد شرفها فأصبحت لها من المكانة ما ليس لغيرها.
…قال تعالى: (يا نساء النبي من يأتِ منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرًا( ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحًا نؤتها أجرها مرتين واعتدنا لها رزقًا كريمًا( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن ...) إلى أن قال تعالى: (إنَّما يريد الله أن يُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا).
…أرأيت كيف بيَّن سبحانه أنَّهن لسن كأحد من النساء إن اتقين، وكيف وعدهن بمضاعفة الأجر وتوعدهن بمضاعفة العقوبة؟ لماذا يا تُرى ألسن نساءً من حيث الأنوثة كغيرهن وبشرًا من حيث البشرية كغيرهن فما المقصود بقوله تعالى: (لستن كأحد من النساء) أليس بسبب تشرفهن بالزواج من سيد البشر صلوات الله وسلامه عليه؟!
…ثمَّ أليس الله تعالى قد أبان لهن عن إرادته بأنَّه إنَّما يريد بهذه التشريعات أن يُذهب عنهن الرجس ويطهرهن تطهيرًا ونحن نعتقد أنَّ ذلك قد تحقق فيهن.(1/80)
…رابعًا: إنَّ تمثيل حال الصحابة ( بحال امرأتَي نوح ولوط تمثيل خاطئ سببه ما استقر في ذهن الشيعة من اتهام الصحابة ( بالكفر والخيانة كما أنَّ هاتين الزوجتين لما خانتا زوجيهما حكم بكفرهما.
…عجبًا لهذا التمثيل وهل كفر الصحابة ( أو خانوا إذا كفر الصحابة أو خانوا فمن يا ترى سيكون مؤمنًا وأمينًا بعد؟!.
…خامسًا: إنَّ الكفر يحرم الاستفادة من الأنبياء أمَّا الإسلام إذا شابه معصية فلا يحرمه الاستفادة فإنَّ المسلم العاصي يناله بركة متابعته للنبي ( فقد سأل أبو هريرة النبي ( عن أسعد الناس بشفاعته فقال: (أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلاَّ الله خالصًا من قلبه)(105) وأمَّا الخوارج والمعتزلة والشيعة الإمامية فهم محرومون من هذه الشفاعة لإنكارهم لها.
…ويوم القيامة يشفع صلوات الله وسلامه في الموحدين من أمَّته فيخرجهم من النار ويشفع قبل ذلك لأهل الموقف جميعًا وهكذا تنال بركته صلوات الله وسلامه عليه حتى غير المسلمين وهذا معنى قوله تعالى: (عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا).
…سادسًا: كتبكم تجعل كل من انتسب إلى الأئمة فإنَّه مغفور له ولو عصى الله ( وتجعل من لم يوالهم في النار ولو عبد الله ( فهل هم أفضل من رسول الله (؟؟!!
…روى الكليني عن النبي ( أنَّه قال: (..فلو أنَّ الرجل من أمتي عَبَدَ الله ( عمره أيام الدنيا ثمَّ لقي الله ( مبغضًا لأهل بيتي وشيعتي ما فرج الله صدره إلاَّ عن النفاق)(106).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…48) قلتم: (نقرأ معك يا أخي ما ورد عن أكابر علماء السنَّة في تفسير هذه الآية الشريفة: قال ابن الجوزي: قوله (: (فلم يغنيا عنهما من الله شيئًا) أي فلم يدفعا عنهما من عذاب الله شيئًا وهذه الآية تقطع طمع من ركب المعصية ورجا أن ينفعه صلاح غيره ثمَّ أخبر أنَّ معصية الغير لا تضر المطيع بقوله تعالى: (وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون) وهي آسية بنت مزاحم رضي الله عنها.(1/81)
…وقال يحيى بن سلام: ضرب الله المثل الأول يحذر به عائشة وحفصة رضي الله عنهما ثمَّ ضرب لهما هذا المثل يرغبهما في التمسك بالطاعة وكانت آسية قد آمنت بموسى) /زاد المسير/ لابن الجوزي/8/56/
…ثمَّ نقلتم كلام الطبري وهو يؤكد معنى كلام ابن الجوزي.
…الجواب من وجوه:
…أولاً: القرآن الكريم يضرب الأمثال للتربية وقد قال ( هنا: (ضرب الله مثلاً للذين كفروا..) وقال بعدها: (وضرب الله مثلاً للذين آمنوا..) فهما مثلان للكافرين والكافرات وللمؤمنين والمؤمنات يحذر من المعصية ويرغب في الطاعة وليس في المثل ما يصف عائشة وحفصة رضي الله عنهما بالكفر أو يصفهما بالمعصية وإنَّما يحذر ( ويرغب وهذا أسلوب قرآني في التربية.
…ثانيًا: قول ابن الجوزي رحمه الله أنَّ الآية: "تقطع طمع من ركب المعصية ورجا أن ينفعه صلاح غيره.." صحيح وهو استنباط معتمد ونحن نعتمد هذا الفهم منه رحمه الله وأنَّ المسؤولية أمام الله ( فردية وقد أكد ذلك نبينا صلوات الله وسلامه عليه من أول يوم بعث حيث خاطب قومه وعمه العباس وعمته صفية وبنته فاطمة قائلاً: (أنقذوا أنفسكم من النار فإنِّي لا أملك لكم من الله شيئًا..)(107).
…وهذا لا ينافي ما تقرر من شفاعته في عصاة الموحدين لأنَّ عدم الانتفاع سببه: "الكفر" كما تدل عليه الآية لا: "الإيمان" الذي يكون معه معصية فإنَّ ذلك تناله الشفاعة يوم القيامة ببركة متابعته لرسوله ( كما تقدم وفضل الصحبة والزواج أعظم.
…ثالثًا: أمَّهات المؤمنين لا يخرجن عن دائرة البشرية فهن يحتجن إلى تربية وتوجيه ولا يعني أنَّهن بمجرد الزواج منه ( أنَّ طباعهن ومشاعرهن البشرية تتغير بين عشية وضحاها لابد من التربية وذلك لأمرين:
…أولاهما: أنَّ النفس البشرية هكذا خلقها الله ( تحتاج إلى تربية وتوجيه وتذكير.
…ثانيهما: أنَّ حياة النبي ( كلها تشريع فلابد أن يظهر منها ما يكون دروسًا ومنهاجًا لأمته.(1/82)
…وإلاَّ لو كان كل شيء يتم بالخوارق لما تحققت من حياته الأسوة صلوات الله وسلامه عليه.
…ولهذا فإنَّنا نعتقد أنَّ هذا الدرس قد حقق نتائجه وآتى ثماره في حياتهن رضي الله عنهن كما سيأتي من قول الشوكاني رحمه الله.
…رابعًا: أنَّ كلام ابن الجوزي لم ينفِ حصول التشريف بالزواج منه ( وإنَّما يقرر رحمه الله أنَّ الإنسان محاسب على عمله إن خيرًا وإن شرًا ولكن الله ( فضَّلهن على غيرهن من النساء.
…قال رحمه الله في سورة الأحزاب عند آية تخييرهن في الطلاق أو الصبر معه صلوات الله وسلامه عليه وأنَّهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة قال رحمه الله: (قال المفسرون: فلمَّا اخترنه أثابهن الله ( ثلاثة أشياء:
…أحدها: التفضيل على سائر النساء،
…والثاني: أن جعلهن أمهات المؤمنين،
…والثالث: أن حظر عليه طلاقهن..)(108).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…49) ثمَّ قلتم: (قال ابن الجوزي: (ثمَّ في هذه من الأمثال من الأسرار البديعة ما يناسب سياق السورة فإنَّها سيقت في ذكر أزواج النبي ( والتحذير من تظاهرهن وأنَّهن إن لم يطعن الله ورسوله ( ويردن الدار الآخرة لم ينفعهن اتصالهن برسول الله (..ثمَّ أوردت كلام يحيى بن سلام السابق عند ابن الجوزي /الأمثال في القرآن/57/
…ثمَّ قلتم: (وأوضح منه ما أورده الشوكاني بقوله: (وما أحسن من قال: فإن ذكر امرأتَي نبي بعد ذكر قصتهما ومظاهرتهما على رسول الله ( يرشد أتم إرشاد ويلوح أبلغ تلويح إلى أنَّ المراد تخويفهما مع سائر أمَّهات المؤمنين وبيان أنَّهما وإن كانتا تحت عصمة خير خلق الله وخاتم رسله فإنَّ ذلك لا يغني عنهما من الله شيئًا) فتح القدير/5/255/
والجواب من وجوه:(1/83)
…أولاً: لا يخرج هذا الكلام عن مسألة تربية أمَّهات المؤمنين وتحذيرهن من تجاوز الغيرة التي هُنَّ عليها إلى إيذاء الرسول صلوات الله وسلامه عليه وأنَّ الانتساب إلى النبي ( لا يكفي في النجاة من عذاب الآخرة لكن لا يعني ذلك إلغاء فضيلة الزواج منه صلوات الله وسلامه عليه كما تقدم.
…ثانياً: كان في نقلك قصور ويتبين ذلك بإيراد بقية النصوص التي تركتها:
1- فتركت بقية نص ابن القيم فقد قال بعد إيراد كلام يحيى بن سلام وفيه: (وفي ضرب المثل للمؤمنين بمريم أيضًا اعتبار آخر وهو: أنَّها لم يضرها عند الله شيئًا قذف أعداء الله اليهود لها ونسبتهم إياها وابنها إلى ما برأهما الله منه مع كونها الصدِّيقة الكبرى المصطفاة على نساء العالمين فلا يضر الرجل الصالح قدح الفجار والفساق فيه وفي هذا أيضًا تسلية لعائشة أم المؤمنين إن كانت السورة نزلت قبل قصة الإفك وتوطين نفسها على ما قال الكاذبون إن كانت بعدها)(109).
2- نقلت عن الشوكاني نصًا بترته وليس هذا من منهج المنصفين.
فالنص الذي نقلته ينتهي إلى قوله: [... فإن ذلك لا يغني عنهما من الله شيئًا] وبعده مباشرة: [وقد عصمهما الله من ذنب تلك المظاهرة بما وقع منهما من التوبة الصحيحة الخالصة] فلِمَ لم تنقل هذا النص الذي يقرر فيه هذا العالم تزكيتهما مع أنَّ الشوكاني كان شيعيًا زيديًا ثم هداه الله ( إلى الحق وهو يستحضر مذهب الشيعة عندما يفسر الآيات رحمه الله وهو هنا يرد على الإمامية في موقفهم من أمَّهات المؤمنين رضي الله عنهن وأرضاهن.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…50) قلتم: (5- أقوال العلماء في عدالة الصحابة)
…أوردتم بعدها قولي: (والذين اتبعوهم هم أهل السنَّة وليسوا الشيعة لأنَّ الشيعة ما بين مكفر لهم وذام لهم أعني الشيعة الإمامية المتأخرين بدون استثناء)(1/84)
…ثم قلتم: أقول أيها الأخ العزيز لقد كنت عزيزًا عندي إلى الغاية لما شاهدت منكم من الإنصاف... إلى أنْ قلتم: كيف خفي عليك كلام القوم من السنَّة والشيعة في عدالة الصحابة؟)
الجواب من وجوه:
…أولاً: لم يخفَ علي كلام السنَّة ولا كلام الشيعة في هذه المسألة وما قلته لك عليه أكثرية أهل السنَّة بل ذكر المحققون من العلماء أنَّه إجماع وذكروا أنَّه لم يشذ عنه إلا المبتدعة هو ما ذكره ابن حجر رحمه الله حيث قال: (اتفق أهل السنَّة على أنَّ الجميع عدول ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة)(110).
…وقال الألوسي: (اعلم أنَّ أهل السنَّة ـ إلا من شذ ـ أجمعوا على أنَّ جميع الصحابة عدول يجب على الأمَّة تعظيمهم)(111).
…وأمَّا ما أوردتُموه من أقوال قد يُظن منها أنَّها مخالفة لمذهب أهل السنَّة فليس كذلك.
…فابن الحاجب يورد الأقوال المخالفة بصيغة التمريض حيث قال: (وقيل كغيرهم وقيل إلى حين الفتن...) ولم ينسب القول إلى أحد من علماء السنَّة.
…وكذلك رواية صاحب جمع الجوامع قال: (والأكثر ..) لورود أقوال ضعيفة خروجًا من حرج ذكر الإجماع والأقوال الضعيفة لا يعتد بها في الخلاف.
…والقصد من عدالة الصحابة هو قبول رواياتهم من غير بحث عنهم وهذا قد أجمع عليه جميع المحدثين ولم ينقل عن أحد منهم من ردَّ رواية صحابي ثبتت صحابته بدعوى جهالته أو عدم عدالته وكذلك الفقهاء والأصوليون والمفسرون لم يرد عن أحد منهم جميعًا أنَّه ردَّ رواية صحابي أو توقف فيها بشبهة عدم العدالة.
…والمطلع على كتب التراجم يرى ذلك واضحًا جليًا.
…قال الشوكاني: (اعلم أنَّ ما ذكرناه من وجوب تقديم البحث عن عدالة الراوي إنَّما هو في غير الصحابي فأمَّا فيهم فلا، لأنَّ الأصل فيهم العدالة فتُقبل روايتهم من غير بحث عن أحوالهم حكاه ابن الحاجب عن الأكثرية قال القاضي هو قول السلف وجمهور الخلف وقال الجويني بالإجماع...)(112).(1/85)
…قال الجويني: (ولعل السبب في قبولهم من غير بحث عن أحوالهم أنَّهم نَقَلة الشريعة ولو ثبت التوقف في روايتهم لانحصرت الشريعة على عصر الرسول ( ولما استرسلت على سائر الأعصار)(113).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…51) أوردتم قول التفتازاني مختصرًا ومطولاً (ص10و11) وسيأتي ومنه قوله: (إنَّ ما وقع من الصحابة من المحاربات والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ والمذكور على ألسنة الثقات يدل بظاهره على أنَّ بعضهم قد حاد عن طريق الحق وبلغ حد الظلم والفسق وكان الباعث له الحقد والعناد والحسد واللداد وطلب المُلك والرئاسة).
ثم يقول: (ليس كل من لقي النبي بالخير موسومًا إلا أنَّ العلماء لحسن ظنِّهم بأصحاب رسول الله ( ذكروا محامل وتأويلات بها تليق وذهبوا إلاَّ أنهم محدودون عمَّا يوجِب التضليل والتفسيق صونًا لعقائد المسلمين من الزلل والضلالة في حق كبار الصحابة سيما المهاجرين منهم والأنصار والمبشرين بالثواب في دار القرار) [شرح المقاصد/5/310].
…الجواب من وجوه:
…أولاً: التفتازاني قد شذ بهذا القول عن أقوال أهل السنَّة التي تؤكد عدالة جميع الصحابة ولم يشذ عن ذلك إلاَّ أهل البدع ـ كما تقدم من قول ابن حجر والألوسي ـ.
…ثانيًا: التفتازاني لم يرد بكلامه الطعن في الطبقات العليا من الأصحاب بل برَّأهم كما هو واضح في كلامه ولكن أراد ما وقع بينهم من الخلاف والقتال بعد عصر الخلفاء الثلاثة.
…ثالثًا: كلامه في الطعن يشمل الصحابة المتقاتلين في عهد علي ومعاوية رضي الله عنهما ويحتمل كلامه الطعن في كل منهما ونحن نبرئ كلاً منهما عن قوله وإن كنَّا نعتقد أنَّ عليًّا ( هو المحق في هذا القتال وأنَّ معاوية ( مخطئ ولا نتجاوز هذا المقدار.(1/86)
…رابعًا: اعتمد في حكمه على كتب التواريخ ولم يستطع أن يورد كتابًا من كتب الحديث المعتمدة وكتب التواريخ كما هو معروف مملوءة بالروايات الضعيفة والمكذوبة بل بعض الروايات يعارض البعض الآخر.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…52) قلتم: (وهذا أبو حامد الغزالي المتوفي "505" بعد أن قال: (إنَّ عدالتهم معلومة بتعديل الله ( إياهم وثنائه عليهم في كتابه فهو معتقدنا فيهم) قد نقل اختلاف العلماء في حكم الصحابة بقوله: (وقد زعم قوم أنَّ حالهم كحال غيرهم في لزوم البحث وقال قوم: حالهم العدالة في بداية الأمر إلى ظهور الحرب والخصومات ثم تغير الحال وسُفِكت الدماء فلا بد من البحث وقال جماهير المعتزلة: عائشة وطلحة والزبير وجميع أهل العراق والشام فُسَّاق بقتال الإمام الحق.
…وقال قوم من سلف القدرية: يجب رد شهادة علي وطلحة والزبير مجتمعين ومفترقين... إلخ)[المستصفى/130/الباب الثالث في الجرح والتعديل_الفصل الرابع في عدالة الصحابة]
…قلت الرد من وجوه:
…أولاً: الغزالي ذكر مذهب أهل السنَّة الذي عليه علماؤهم والمحققون منهم ثمَّ ذكر أقوالاً لا يُدرى من أصحابها مصدرًا لها بقوله:(وقد زعم قوم..)وهذا يذكر لتضعيف القول ورده وذكر قول المعتزلة وهو قول خارج عن قول أهل السنَّة.
…ثانيًا: هذه الأقوال لم تحض بالقبول لدى جميع المحدثين الناقلين للحديث ولا الفقهاء المستنبطين للأحكام ولا المفسرين لكتاب الله ( وإنَّما هي أقوال تُذكر لتحذير القارئ من أقوال شذَّ أصحابها عن جماهير الأمَّة فأيُّ فائدة في أقوال لا نرى لها أثرًا في التطبيق والعملُ على خلافها؟!
…وهل تعارض أقوال آلاف العلماء بأقوال شاذة مفردة؟!
…ثالثًا: بعض هذه الأقوال تطعن في جميع المتقاتلين وترد شهاداتهم: عليّ وطلحة والزبير فهل يمكن أن نعتبرها أو نحترمها؟!(1/87)
…إنَّ الشذوذ لا تخلو منه طائفة والعبرة بمذهب الطائفة الذي يتوارد عليه علماؤها ومحققوها لا الأقوال الشاذة، فقد مرَّ معنا قول ابن حجر رحمه الله الحافظ الموسوعة الذي يعتبر إمام عصره حيث قال: (اتفق أهل السنَّة على أنَّ الجميع عدول ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المتبدعة)(114). فهذا ملخص المسألة عند أهل السنَّة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…53) قلتم (ص"11"): (فقد صرح جماعة من أكابر علماء أهل السنَّة من المتقدمين والمتأخرين بأنَّ الصحابة غير معصومين وفيهم العدل وغير العدل وإليك نص كلمات بعضهم..ثمَّ ذكرتم الأقوال..)
…أولاً: كلامك يوحي بأنَّ من ذكرتهم يطعنون في عدالة الصحابة وهذا ليس صحيحًا فإنَّ أكثر من أوردت أسماءهم يتحدثون عن عدم عصمتهم وعدم وجوب متابعتهم في فتاواهم فأين هذا من موضوع العدالة؟!.
…وسيأتي بيان ذلك بمشيئة الله تعالى.
…ثانيًا: أوردت أشخاصًا من أذناب المستشرقين ممَّن أساءوا إلى الدين ورددوا أراء أعدائه ووصفتهم بأنَّهم من أكابر علماء السنَّة وهذا فيه تساهل ولا أدري من أخبرك أنَّهم من: (أكابر علماء السنَّة)؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…54) ثم أوردتم كلام ابن حزم (ص"11") وهو: (فمن المحال أن يأمر النبي ( باتِّباع كل قائل من الصحابة ( وفيهم من يحلل الشيء وغيره يحرمه ـ إلى أن قال ـ وقد كان الصحابة يقولون بآرائهم في عصره ( فيبلغه ذلك فيصوب المصيب ويخطئ المخطئ ... إلخ) [الإحكام/6/810].
…الجواب من وجوه:
…أولاً: أين في قول ابن حزم نفي عدالة الصحابة في هذا النص ولا في بقية قوله؟!
…إنَّ ابن حزم يتكلم عن قضية الاتباع فهل نحن مأمورون باتباع الصحابة في كل ما يقولون؟ هذا هو موضوع كلامه رحمه الله وهذه مسألة خلافية فيها للعلماء تفصيلات لا علاقة لها بموضوع العدالة.(1/88)
…ثانيًا: نحن لا ندَّعي العصمة في أحد من الصحابة والصحابي قد يجتهد في الاستنباط أو الاستدلال فيخطئ ويرده أخوه الصحابي وهذا واقع.
…فالعبرة عندنا برواية الصحابي لا برأيه إذا خالف النص لعدم بلوغه إليه أو لأي سبب آخر.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…55) أوردتم قول المازري (ص"11") وهو: (لسنا نعني بقولنا الصحابة عدول كل من رآه ( يومًا ما أو زاره لمامًا أو اجتمع به لغرض وانصرف عن كثب وإنَّما نعني الذين لازموه وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) [الإصابة/1/163].
…الجواب من وجوه:
…أولاً: عندما أورد ابن حجر هذا القول عقَّب عليه بقوله: (وأمَّا كلام المازري فلم يوافق عليه بل اعترضه جماعة من الفضلاء)(115).
…فهو قول ردَّه العلماء.
…ثانيًا: ما ذكره المازري لا يخرج من حيث المضمون عن مذهب الجماعة فإنَّنا كذلك نقول إنَّما الصحابة الذين لازموه وعزروه ونصروا واتبعوا النور الذي أنزل معه.
…فأيُّ صحابي لم يلزمه أو لم ينصره أو لم يتبع النور الذي أنزل معه فليس صحابيًا.
…والخلاف في مدة الملازمة لا في بقية القيود.
…ثالثًا: هذه قضية بين أهل السنَّة وكلهم يعظم عظماء الصحابة ويعترف بفضلهم ولا يتفقون مع الإمامية في معتقدهم في عظماء الصحابة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…56) ثم أوردتم كلام ابن عقيل أنَّه قال بعد نقل كلام المازري: (قال السيد الألوسي: وإلى نحو هذا ذهب ابن العماد في شذرات الذهب) [النصائح الكافية/168].
…قلت فيه وقفات:
…أولاً: هذا الشخص (ابن عقيل) ليس هو ابن عقيل العالم الحنبلي المعروف فذلك عالم قديم وهذا شخص معاصر مجهول غير معروف لدى أهل السنَّة وقد استدللت بكلامه مرتين.(1/89)
…ثانيًا: نقل كلام الألوسي وترك إشارته إلى أنَّه متعقب فقد قال الألوسي رحمه الله: (وتعقبه الشيخ صلاح الدين العلائي ...)(116) فهو قول إذن متعقب ولم يذكرابن عقيل هذه التكملة وهذا يدل على مذهبه كما سيأتي.
…ثالثًا: أمَّا ابن العماد فقد أورد ثلاثة أشخاص هم: مروان والوليد بن عقبة والحكم بن أبي العاص ثم قال: (وإلى هؤلاء المذكورين ونحوهم الإشارة بما ورد في حديث المحشر وفيه ((فأقول يا رب أصحابي فيقال: إنَّك لا تدري ما أحدثوا بعدك)) ولا يرد على ذلك ما ذكره العلماء من الإجماع على عدالة الصحابة وأنَّ المراد به الغالب وعدم الاعتداد بالنادر والذين ساءت أحوالهم ولابسوا الفتن بغير تأويل ولا شبهة)(117).
…قلتُ: فأمَّا مروان فليس صحابيًا.
…وأمَّا الحكم ابن أبي العاص فما ورد في حقه من روايات تاريخية غير موثوقة.
…وأمَّا الوليد بن عقبة فالقرآن الكريم قد حكم فيه حيث نزلت فيه آية: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ...) وقد ثبت فسقه بروايات صحيحة ولا ندري عمَّا لقي الله ( به.
…وابن العماد يقرر أنَّ هذا نادر والنادر لا حكم له فكيف تهدر محاسن الآلاف أو يتوقف في الآلاف لأجل أفراد؟ في الحقيقة ليس هذا منهج المنصفين الذين يريدون الحقيقة.
…رابعًا: ابن العماد يفرق بين من وقع في الخطأ عمدًا وبين من وقع فيه عن تأويل أو شبهة وهذا هو مذهب أهل السنَّة كما أكده غير واحد من العلماء.
…قال ابن خلدون: (ولمَّا وقعت الفتنة بين علي ومعاوية وهي مقتضى العصبية كان طريقهم فيها الحق والاجتهاد ولم يكونوا في محاربتهم لغرض دنيوي أو لإيثار باطل أو لاستشعار حقد كما قد يتوهم متوهم وينزع إليه ملحد وإنَّما اختلف اجتهادهم في الحق وسفه كل واحد نظر صاحبه باجتهاده في الحق فاقتتلوا عليه وإن كان المصيب عليًّا فلم يكن معاوية قائمًا فيها بقصد الباطل، إنَّما قصد الحق وأخطأ والكل كانوا في مقاصدهم على الحق)(118).(1/90)
…فهذا ملخص معتقد أهل السنَّة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…57) أوردتم قول الذهبي: (ولو فتحنا هذا الباب ـ أي الجرح والتعديل ـ على نفوسنا لدخل فيه عدة من الصحابة والتابعين والأئمة فبعض الصحابة كفَّر بعضهم بعضًا بتأويل ما!! والله يرضى عن الكل ويغفر لهم فماهم بمعصومين وما اختلافهم ومحاربتهم بالتي تلينهم عندنا ...) [أضواء على السنة المحمدية/342/عن الذهبي في رسالته: الثقات/3/21].
…هنا وقفات:
…أولاً: الذهبي يقصد أنَّا لو فتحنا باب النقد لكل عمل خاطئ بالتأويل أو بغيره لما سلم أحد من البشر لا من الصحابة ولا من غيرهم وهذا صحيح كما يبينه قوله: (فبعض الصحابة كفَّر بعضهم بعضًا بتأويل) وهذا يحدث بين الناس الأفاضل وغيرهم.
…ألا ترى إلى عمر ( عندما قال لحاطب: (فقد نافق) اجتهادًا منه وحكمًا بظاهر الفعل ولم يعاقبه النبي ( أو يعاتبه.
…ثانيًا: نحن لا ننكر بشرية الصحابة ( ولكنَّا نعترف بسبقهم وصحبتهم وجهادهم لنُصرة الدين وهذه كلها أعمال وأحوال ترفعهم.
…ألا ترى إلى حاطب وقد ارتكب أمرًا كبيرًا شفع له ما سبق له من فضل عظيم في بدر وفي بيعة الرضوان.
…ثالثًا: ختم كلامه بقوله: بأنَّ العمل على عدالتهم وقبول ما نقلوا أي من الروايات وهذا هو ثمرة الخلاف فالأمَّة من الناحية العملية قَبِلَت رواياتهم من غير توقف أو بحث.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…58) قلتم بعد إيراد كلام التفتازاني: (ويؤيده ما ورد عن أبي بكر خطابًا للمهاجرين: (بأنَّكم تريدون الدنيا وستور الحرير ونضائد الديباج وتريدون الرئاسة وكلكم يريدها لنفسه وكلكم ورم أنفه) [مجمع الزوائد/5/202/معجم الطبراني الكبير/1/62..].
…الجواب من وجوه:
…أولاً: قد عقب الهيثمي على الحديث فقال: (رواه الطبراني وفيه علوان بن داود البجلي وهو ضعيف وهذا الأثر ممَّا أنكر عليه) والأمانة العلمية تقتضي أن تذكر تضعيف الحديث بل تقتضي أن لا تستشهد به وهو ضعيف وأنت محدث.(1/91)
…ثانيًا: تصرفت في لفظ الحديث المنقول فلفظه: (... وجعلت لكم عهدًا من بعدي واخترت لكم خيركم في نفسي فكلكم ورم لذلك أنفه رجاء أن يكون الأمر له ورأيت الدنيا أقبلت ولما تقبل وهي خائنة وستجدون بيوتكم بستور الحرير...).
…فلم يقل: (تريدون الدنيا وستور الحرير...) فمن أين أتيت ب:(تريدون)...؟!
…ثالثًا: الحديث في سنده: (علوان بن داود) قال فيه البخاري: (منكر الحديث) وكذلك قال أبو سعيد بن يونس.
…وقال العقيلي: (لا يتابع على حديثه ولا يعرف إلا به)(119).
…رابعًا: الذي يعرف الصدِّيق ( ويقف على خطابه مع الناس من الروايات الصحيحة يدرك أنَّ هذا الحديث ليس من كلامه فإنَّ لفظ الحديث فيه من الخشونة والشدة والاتهام ما لا يعرف مثله عنه ( بل لا يعرف هذا الأسلوب في أقوال فضلاء الصحابة (.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…59) أوردتم كلام ابن خلدون وهو: (إنَّ الصحابة كلهم لم يكونوا أهل فُتْيا ولا كان الدين يُؤخذ عن جميعهم وإنَّما كان ذلك مُختصًا بالحاملين للقرآن العارفين بناسخه ومنسوخه ومتشابهه ومُحكمه...) [تاريخ ابن خلدون/1/446].
…قلت: كلام ابن خلدون ليس في عدالة الصحابة وإنَّما في الفُتْيَا وهذا صحيح فليسوا كلهم علماء يفتون ولم يقل أحد من أهل السنَّة إنَّهم جميعهم فقهاء مفتون ولهذا لم يُذكر من يُفْتي من الصحابة إلا عدد قليل وهذا لا علاقة له بالعدالة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…60) أوردتم كلامًا كثيرًا عن: (طه حسين) أشار فيه إلى ما وقع بينهم من فتن وخلاف ولا يرى تكذيب شيء ممَّا جاء من الأخبار بدعوى أنَّ ذلك يؤثر على بقية رواياتهم في الجوانب التاريخية الأخرى...إلخ) [الفتنة الكبرى/170-173].
…قلت الجواب على هذا من وجوه:
…أولاً: طه حسين رجل ملحد طعن في الدين كله وكذَّب القرآن واتهمه بالاحتيال فكيف يُستدل بقوله بعد ذلك في أي قضية دينية.(1/92)
…وإلحاده يظهر في عدة كتب من كتبه من أشهرها كتابه: (في الشعر الجاهلي) الذي طبع سنة 1926م وقد أثار ضجة كبيرة وحُوكِم أمام النيابة في مصر وجُمِعت نسخه من الأسواق، يقول في هذا الكتاب: (للتوراة أنْ تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضًا ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي فضلاً عن إثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكَّة ونشأت العرب المستعربة فيها ونحن مضطرون إلى أن نرى أنَّ في هذه القصة نوعًا من الحيلة في إثبات الصلة بين العرب واليهود من جهة دين الإسلام واليهودية والقرآن والتوراة من جهة أخرى)(120).
…فهل يمكن أن يكون مسلمًا بله أن يكون عالمًا يستفتى في دين الله (؟!
…وإذا كان هذا كلامه في القرآن فما عسى أن يقول في أتباعه؟!.
…والعجب أنَّ كلام من اتهم في دينه ممن ينتسب إلى الإسلام يناسبكم لأنَّه وافقكم على مذهبكم!!!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…61) قلتم (ص"13"): قال الدكتور أحمد أمين المتوفى سنة 1373هـ: (إنَّا رأينا الصحابة أنفسهم ينقد بعضهم بعضًا بل يلعن بعضهم بعضًا ... إلخ) [ضحى الإسلام/3/75].
…والجواب: لقد قمتم ببتر النص وقطعه بطريقة لا تليق بكم.
فالنص ليس من قول أحمد أمين وإنَّما هو يحكي عن المعتزلة وأول النص_قبل الفقرة التي نقلتموها بخمسة أسطر فقط_قال: (وللمعتزلة بعد ذلك أراء سياسية في الإمامة وفي أحداث التاريخ..إلى أن قال: وفي كلامهم ما يدل دلالة واضحة على أنَّهم وضعوا الصحابة والتابعين موضع الناس ... بل قالوا: (إنَّا رأينا الصحابة أنفسهم ينقد بعضهم بعضًا بل ويلعن بعضهم بعضًا...)(121).(1/93)
…فهو كما ترى ينقل مذهب المعتزلة، والمعتزلة كما تقدم وكما هو معروف من منهجهم مختلفون في الصحابة على مذاهب شتى ما بين الطعن في بعض المتقاتلين والطعن في جميعهم، ومذاهب المعتزلة عند أهل السنَّة مهجورة مغمورة، وإنَّما أراد إحياءها جيل تأثر بالمستشرقين ومنهم أحمد أمين فهو صديق لطه حسين والذي قدم لكتابه فجر الإسلام(122).
…وقد أكد طه حسين أنَّه هو وأحمد أمين وعبدالحميد العبادي شركاء في الفكر والمنهج(123).
وإنْ كان أحمد أمين أخف من طه حسين لأنَّ نزعة أحمد أمين إلى المعتزلة أقرب منها إلى المستشرقين.
…فأحمد أمين إذن لم يَقُل ما نسبته إليه وإنَّما نقله وهو يتحدث عن المعتزلة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…62) نقلتم عن ابن عقيل المتوفى سنة 1350هـ أنه قال: (وأما تعديلهم كل من سمُّوه بذلك الاصطلاح صحابيًا وإن فعل ما فعل من الكبائر ووجوب تأويلها فغير مسلم إذ الصحبة مع الإسلام لا تقتضي العصمة اتفاقًا حتى يثبت التعديل ويجب التأويل على أنهم اختلفوا في ذلك التعديل اختلافًا كثيرًا والجمهور هم القائلون بالعدالة)(124) [النصائح الكافية/166].
الجواب من وجوه:
…أولاً: هذا الشخص غير معروف عند أهل السنة وترجمته تدل على أنه شيعي حيث أورد الزركلي من كتبه كتاب: (النصائح الكافية لمن تولى معاوية) وأهل السنة لا يتبرأون من معاوية ( فهو صحابي وإنَّما يخطئونه فيما فعل مع علي ( وفيما فعل في تولية ابنه للحكم ولكنه متأوِّل والله يتولى السرائر.
…ثانيًا: عبارته كأنَّه يتحدَّث عن طائفة أخرى غير طائفته حيث يذكرهم بضمير الآخر: (تعديلهم .. سمُّوه..) ممَّا يشير إلى أنَّه شيعي يتحدث عن طائفة غير طائفته.(1/94)
…ثالثًا: استنكاره تسمية من ارتكب معصية بأنَّه صحابي غريب فإن الصحبة لا تُلغى بمجرد الذنب، فالصحبة باقية لكن الذنب إذا كان متعمدًا فإنه ينقص من مكانة صاحبه عن مكانة الذي لم يُذنِب، ولهذا فإن الصحابة على مراتب عند أهل السنُّة.
…رابعًا: زعمه أنهم يتأوَّلون ما فعل الصحابي من الكبائر مردود فإن أحدًا من العلماء لم يتأول لأحد ارتكب كبيرة من الذنوب كالزنا وشرب الخمر ونحوهما مع أنهم بحمد الله لا يوجد في الصحابة من فعل ذلك إلا أقل من القليل لا يتجاوز الآحاد.
…فكم عدد الذين ارتكبوا هذه الكبائر؟ ومن هو الذي تأول لهم؟ فإنَّ الدعوى ما لم يؤيدها دليل مردودة.
…أمَّا إن كان القصد بالكبائر القتال الذي وقع بينهم، فهذا وقع بتأويل كل فريق يزعم أنَّه على حق، وليسوا قاصدين لارتكاب المحرَّم حسب ظاهرهم ـ كما مر معنا أكثر مرة ـ.
…خامسًا: زعم أنَّهم_أي أهل السنَّة_اختلفوا في التعديل اختلافًا كثيرًا_غير مسلم فالسلف قاطبة على التعديل وإنَّما خالف بعض المتأخرين من بعد القرن السادس وهم أفراد فكيف يُعارض ما أطبقت عليه جماهير العلماء بأقوال أفراد وعند التأمُّل في المذكورين نجدهم: إمَّا أصحاب كلام لا صلة لهم بالأثار، وإمَّا أشخاص تأثروا بمناهج أهل البدع، وقد مرَّ معنا كلام ابن حجر رحمه الله في ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
63) أوردتم كلام الشيخ محمد ناصر الدين الألباني وهو: (كيف يسوغ لنا أن نتصور أن النبي ( يجيز لنا أن نقتدي بكل رجل من الصحابة مع أن فيهم العالم والمتوسط في العلم ومن هو دون ذلك...) [سلسلة الأحاديث الضعيفة/1/82].
الجواب من وجوه:
…أولاً: الشيخ الألباني رحمه الله يقرر معتقد أهل السنَّة والجماعة فإنَّهم لا يقولون: إنَّه يجوز أن نقتدي بكل صحابي ولا نعرف أحدًا من أهل العلم قال بجواز الاقتداء بكل صحابي.(1/95)
…ثانيًا: عظماء الصحابة كالصدِّيق والفاروق وذي النورين وأبي السبطين ومن كان قريبًا منهم في الفضل والعلم يُقتدى بهم ويُرجع إلى فتاواهم لعلمهم وفضلهم.
…ثالثًا: مسألة العدالة لا علاقة لها بهذا الموضوع فليس معنى: "عدل" أنَّه يُقتدى به وإنَّما العدالة مسألة شخصية تتعلق بالسلوك والمعاملة وليس من شرطه أن يكون عالمًا مفتيًا.
…فليس من قيل فيه إنَّه: "عدل" يعني أنَّه: "قدوة" ولا أدري من أين فهمتم أنَّ العدالة تعني: "الاقتداء" وأمَّا الحديث الذي أوردتموه فقد تبين لكم بطلانه.
…ولم تذكروا لنا أي عالم قال بما قلتم به.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
64) قلتم بعد الكلام السابق: (وقريب من ذلك عن الشوكاني"1255هـ" [إرشاد الفحول/158]، والشيخ محمود أبو رية المتوفى سنة "1370هـ" [أضواء على السنة المحمدية/356]، والشيخ محمد عبده المتوفى سنة "1322هـ" والسيد محمد رشيد رضا المتوفى سنة "1354هـ" [تفسير المنار/10/375]، والرافعي المتوفى سنة "1356هـ" [إعجاز القرآن/141]).
قلت الجواب من وجوه:
…أولاً: جمعت بين المتناقضات بين رجال يدافعون عن السنَّة أو يحرصون على اتباعها وبين رجل حاربها وخرج عليها كما سيأتي ووصفته (بالشيخ) ولا أدري هل تعرف عنه ذلك أم لا؟!
…ثانيًا: أمَّا الشوكاني فالذي ذكره على خلاف ما تذكر فقد قال رحمه الله: (اعلم أن ما ذكرناه من وجوب تقديم البحث عن عدالة الراوي إنَّما هو في غير الصحابة فأمَّا فيهم فلا، لأن الأصل فيهم العدالة فتُقبل رواياتهم من غير بحث، حكاه ابن الحاجب عن الأكثرين قال القاضي: هو قول السلف وجمهور الخلف وقال الجويني بالإجماع...)(125).
…ثم ذكر ثلاثة أقوال أخرى وردها.(1/96)
…ثالثًا: أبو رية ليس من أهل السنَّة بل هو رجل خارج عليهم وقد كتب كتابًا بعنوان: (أضواء على السنة المحمدية) نشر عام 1958م وردَّ عليه العلماء منهم: الدكتور محمد أبو شهبة، ومحمد السماحي، والسباعي، وسليمان الندوي، ومحب الدين الخطيب، وغيرهم رحمهم الله جميعًا.
…ومن أشهر الكتب التي ردَّت عليه: (ظلمات أبي رية أمام أضواء السنة المحمدية) لعبدالرزاق حمزة و(الأنوار الكاشفة لما في أضواء السنَّة من الزلل والتضليل والمجازفة).
…وقد ضمن الدكتور السباعي كتابه: (السنَّة ومكانتها في التشريع الإسلامي) شيئًا من الردود عليه وذكر في مقدمة كتابه مصادر أبي رية في كتابه وأنَّها تنحصر في المصادر الآتية:
1- آراء أئمة الاعتزال.
2- آراء غلاة الشيعة.
3- آراء المستشرقين.
4- حكايات تذكر في بعض كتب الأدب.
5- أهواء دفينة للمؤلف ظلَّت تحرك في صدره سنين طويلة(126).
فهل يصلح مثل هذا أن يستشهد بكلامه؟!
رابعًا: كلام الشيخ محمد عبده ورشيد رضا:
لم أجد في هذا المجلد ما له علاقة بهذا الموضوع لا في هذه الصفحة ولا في غيرها وإنَّما الذي وجدته فيه هو ذم الشيعة وتأكيد عدم سلامة مذهبهم ... إلخ (ص"11و135").
ــــــــــــــــــــــــــــــ
65) قلتم: (وهذا بعينه هو رأي الشيعة الإمامية)
قلت: هذا الكلام الذي ذكرته لا أدري ما المقصود منه؟!
…فهو إحالة على كلام تقدم بعضه من خارجين على الإسلام وبعضه من أئمة الإسلام وهذا جمع بين متناقضات وليتك أوضحت ما تريد لأنَّك أحلت على أقوال متناقضة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ(1/97)
66) قلتم: (ذهب بعض إلى أن من يأتي بعد الصحابة يكون أفضل منهم كما قال القرطبي وذهب ابن عبدالبر المتوفى سنة "463هـ" إلى أنه قد يكون فيمن يأتي بعد الصحابة أفضل ممن كان في جملة الصحابة وإن قوله عليه السلام: (خير الناس قرني...) ليس على عمومه بدليل ما يجمع القرن من الفاضل والمفضول وقد جمع قرنه جماعة من المنافقين المظهرين للإيمان وأهل الكبائر الذين أقام عليهم أو على بعضهم الحدود...)(127) [تفسير القرطبي/4/171].
أولاً: ابن عبدالبر رحمه الله يقسم الصحابة قسمين:
…القسم الأول: السابقون الأولون الذين أسلموا وهاجروا وشهدوا بدرًا والحديبية.
…القسم الثاني: من كان بعدهم.
…ويرى أن القسم الأول لا يلحقون، ولكن القسم الثاني يمكن أن يلحقوا في العمل ـ لا في الصحبة ـ وذلك عندما يفسد الزمان.
…قال رحمه الله بعد إيراده أحاديث في الثناء على من يأتي بعد النبي (: (قد عارض قوم هذه الأحاديث بما جاء عنه (: (خير الناس قرني ثمَّ الذين يلونهم ثمَّ الذين يلونهم) وهو حديث حسن المخرج جيد وليس ذلك عندي بمعارض.
…لأن قوله (: (خير الناس قرني) ليس على عمومه بدليل ما يجمع ... إلخ الكلام السابق ثم ذكر حديث: (لا تسبوا أصحابي) وآية: (كنتم خير أمة ...) وقولاً لعمر ثم قال: (وقال ابن عباس في قوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) هم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة وشهدوا بدرًا والحديبية وهذا يشهد أن خير قرنه فضلاً أصحابه وأن قوله: (خير الناس قرني) أنه لفظ خرج على العموم ومعناه الخصوص)(128).
…أراد رحمه الله أن يبين أن المراد بـ:(قرني) أصحابي وهو لفظ عام والمراد به الخصوص ليخرج المنافقين وغيرهم.
…ولعله يشير كذلك إلى أنَّه عندما يفسد الزمان ويعود الابتلاء على المؤمنين فإنَّهم يضاعف لهم الأجور كما ضوعفت للصحابة في بداية الإسلام ما عدا أهل بدر والحديبية.(1/98)
…فقد قال بعد في أواخر كلامه: (فيستوي حينئذ أول هذه الأمة بآخرها في فضل العمل إلا أهل بدر والحديبية والله أعلم)(129).
…إذن عبارتكم لا تنطبق على كلامه ومذهبه رحمه الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
67) قلتم: (وهكذا نقل النووي عن القاضي عياض عن ابن عبدالبر [شرح مسلم/3/138] والمناوي في فيض القدير والمباركفوري في تحفة الأحوذي وابن حجر في فتح الباري ثم ناقش فيه...) [فيض القدير/4/368 وتحفة الأحوذي/8/337، وفتح الباري/7/6].
…قلت هنا وقفات:
…أولاً: أشار النووي إلى كلام ابن عبدالبر بعد حديث: (وددت أنا قد رأينا إخواننا) قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟! قال: (بل أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد)(130) ولم يورده بنصه وأورد كلام الباجي في تفسير: (بل أنتم أصحابي) فقال: (ليس نفيًا لأُخوَّتهم ولكن ذكر مرتبتهم الزائدة بالصحبة فهؤلاء إخوة صحابة والذين لم يأتوا إخوة وليسوا بصحابة كما قال تعالى: (إنما المؤمنون إخوة).
…ثم أورد كلام القاضي عياض فقال: (قال القاضي عياض: ذهب ابن عبدالبر في هذا الحديث وغيره من الأحاديث في فضل من يأتي آخر الزمان إلى أنه قد يكون فيمن يأتي بعد الصحابة من هو أفضل ممن كان من جملة الصحابة وأن قوله: (خيركم قرني) على الخصوص معناه: خير الناس قرني: أي السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ومن سلك مسلكهم فهؤلاء أفضل الأمَّة وهم المرادون بالحديث.
…وأمَّا من خلَّط في زمنه وإن رآه وصحبه أو لم يكن له سابقة ولا أثر في الدين فقد يكون في القرون التي تأتي بعد القرن الأول من يفضلهم على ما دلَّت عليه الآثار.
…قال القاضي: وقد ذهب إلى هذا أيضًا غيره من المتكلمين على المعاني.(1/99)
…قال: وذهب معظم العلماء إلى خلاف هذا وأنَّ من صحب النبي ( ورآه مرَّةً من عمره وحصلت له مزية الصحبة أفضل من كل من يأتي بعد فإنَّ فضيلة الصحبة لا يعد لها عمل قالوا: (وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) واحتجوا بقوله (: (لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)(131).
…فكلام القاضي كما ترى تفسير لكلام ابن عبدالبر وقد قسم الصحابة إلى طبقتين:
…الأولى: هم: (السابقون.. ومن سلك مسلكهم..) وهؤلاء لا يلحقون.
…الثانية: من خلَّط ولم يكن له سابقة.
…وليس بحمد الله في السابقين من خلط ولم يقل أحد من علماء السنَّة إنَّ أحدًا من السابقين يمكن أن يلحق كما سيأتي في: "رابعًا".
…ثانيًا: لم أجد المناوي نقل شيئًا عن ابن عبدالبر ولا غيره عند حديث: (وددت أني لقيت إخواني)(132) والنسخة التي اعتمدتم عليها غير معروفة لدي.
…والذي ذكره هنا قوله: (وقد دل إثبات الأخوة لهؤلاء على علو مرتبتهم وأنَّهم حازوا فضيلة الأخروية كما حاز المصطفى ( فضيلة الأولية وهم الغرباء...)(133).
…ثالثًا: أما تحفة الأحوذي فلم أجد فيه نقلاً لكلام ابن عبدالبر عند آية: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) ولا في المكان الذي أشرتم إليه.
…وإنَّما وجدته نقل من تفسير ابن كثير لهذه الآية والذي يُقِر فيه فضل القرن الأول(134).
…رابعًا: وأما ابن حجر رحمه الله فقد أشار إلى قول ابن عبدالبر وتعقبه في تضعيفه بعض الأحاديث التي أوردها في التمهيد لتقوية مذهبه ثم قال: (نعم والذي ذهب إليه الجمهور أن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل لمشاهدة رسول الله (.
وأما من اتَّفق له الذب عنه والسبق إليه بالهجرة أو النصرة وضبط الشرع المتلقى عنه وتبليغه لمن بعده فإنه لا يعدله أحد ممَّن يأتي بعده لأنه ما من خصلة من الخصال المذكورة إلا وللذي سبق بها مثل أجر من عمل بها بعده فظهر فضلهم.
…ومُحصِّل النزاع يتمحض فيمن لم يحصل له إلا مجرد المشاهدة كما تقدم).(1/100)
…خامسًا: تبين بما تقدم أن العلماء الذين أوردت أسماءهم لم يوافقوا ابن عبدالبر على قوله.
…سادسًا: كل شخص من المتأخرين للصحابة مثل أجره لأنَّ الصحابة هم السبب في نصرة الإسلام وحفظه ونشره فكيف يمكن أن يلحقهم؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…68) قلتم: (لا شك أن من سبر تاريخ الصحابة بعد رحيل الرسول ( يجد فيه صفحات مليئة بألوان الصراع والنزاع بينهم حافلة بتبادل السب والشتم بل تجاوز الأمر بهم إلى التقاتل وسفك الدماء فكم من بَدريّ وأحديّ انتهكت حرمته أو أُريق دمه بيد صحابي آخر وهذا ممَّا لا يختلف فيه اثنان).
…الجواب من وجوه:
…أولاً: شهادتك على تاريخ الصحابة فيه تجاوز لا يليق بأمثالك.
…فتاريخ الصحابة ليس كما ذكرت.
…فإنَّ للصحابة ( تاريخًا مشرقًا ومضيئًا يعتبر أفضل تاريخ في حياة الأمَّة بل في حياة البشرية لو لم يعكر عليه ما وقع في أواخر عهد الخلفاء الراشدين.
…فقد فتحوا الأرض ودخل الناس في دين الله ( على أيديهم أفواجًا وحفظوا لنا دين الله ( ونقلوه كما أنزل وعاشوا إخوة متحابين طوال خلافة الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما إلى أواخر خلافة عثمان ( جميعًا وذلك إلى عام ثلاثة وثلاثين أو أربع وثلاثين ثم بدأت شرارة الفتنة كما ذكر ابن كثير رحمه الله.
…وقد ذكر ابن كثير رحمه الله سببين لبداية هذه الفتنة:
…الأول: بعض القرَّاء وقد كانوا تسعة أو عشرة في الكوفة وآخرون في البصرة بسبب عزل عثمان ( بعض الصحابة من الولايات وتولية أصحابه ـ هذا في الظاهر ـ وأخذوا يشنعون عليه فسيَّر بعضهم إلى الشام ومصر.(1/101)
…الثاني: قال ابن كثير: (وذكر سيف بن عمر أن سبب تألب الأحزاب على عثمان أن رجلاً يقال له: "عبدالله بن سبأ" كان يهوديًّا فأظهر الإسلام وصار إلى مصر فأوحى إلى طائفة من الناس كلامًا اخترعه من عند نفسه. فذكر منه أن قال: (وقد كان أُوصي إلى عليّ بن أبي طالب فمحمد خاتم الأنبياء وعليّ خاتم الأوصياء ثم يقول: فهو أحق بالإمرة من عثمان، وعثمان معتد في ولايته)(135).
…فاستمال به كثيرًا من الناس فوقعت الفتنة وقُتِل عثمان ( على أيدي هؤلاء الخوارج ومن وقتها بدأت الفتنة في الأمة.
…إذن إطلاق القول بأن تاريخ الصحابة مليء بالصراع بتناسي الفترة المضيئة التي كان من بركتها حفظ الدين وفتح العالم إلى أن وصل الفتح إلى بلاد الهند وشمال الجزيرة وشمال أفريقيا فيه تجاوز.
…أتنسى هذه الفترة المضيئة؟! وتبرز الفترة التي وقعت فيها الفتنة بمكر أعداء الإسلام؟ فإن قتل عثمان ( كان بوابة لكل الشر الذي بعده.
…ثانيًا: ما حدث من الاقتتال كان اقتتال فتنة أذكاها الخوارج على عثمان إلى اجتهاد خاطئ من معاوية ( والله ( قد أبان سبحانه أن المؤمنين قد يقتتلون ولم يحكم بكفرهم ( وأطلق على الظالمة أنها:"باغية" ولم ينف عنها أُخوة الإيمان.
كما قال تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله...) (إنَّما المؤمنون إخوة...)(136).
…ثالثًا: قلت: (حافلة بتبادل السب والشتم...) سبحان الله!!: "حافلة" أليست هذه حالات فردية؟! كم هم الذين سبوا وشتموا؟!
…نعم ما حدث من بعضهم بل من أفراد منهم لا يمثل الأغلبية وهو فعل خاطئ لكن هذا الإطلاق: "حافلة" فيه إجحاف وتجن غير مقبول من باحث وأستاذ جامعي.
…وسيأتي مزيد بيان في الفقرة الآتية ـ إن شاء الله ـ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ(1/102)
…69) قلتم (ص"15"): (فإذا كان الصحابي يعتقد أن خصمه الصحابي الآخر منحرف عن الحق ومجانب شريعة الله ورسوله وأنه باغي يستحق القتل وهو على هذا الأساس يبيح سل السيف عليه وقتله فكيف يجوز أن نحكم بعدالتهم ونزاهتهم جميعًا والحال أن الصحابة أعرف منَّا بنوازع أنفسهم وبنفسيات أبناء جيلهم وهل سمعت ظئرًا أعطف بالطفل من أمه).
…لنا هنا وقفات:
…أولاً: هذا الكلام كسابقه لا يرى إلا جانبًا واحدًا من حياة الصحابة وبالغ في عرض الأمور بتعميم لا يليق بباحث يقدر قيمة الكلام.
…ثانيًا: أين في حياة الصحابة من يرى خصمه خصمًا جهنميًا!! يستحق القتل؟! هل تستطيع أن تذكر أمثلة بالاسم؟! مُدللاً على ذلك من كلامهم؟!
…ثالثًا: أمَّا ما حدث من خلاف أدَّى إلى التقاتل فهو أمر خارج عن إرادتهم ولم يقصدوا القتال وفيما يلي عرض موجز بالحوادث التي وقعت بينهم.
1- بعد قَتل عثمان حُمل قميصه ملطخ بدمه إلى الشام وأصابع زوجته نائلة التي قُطعت وهي تحاجف عنه رضي الله عنهما فوضعه معاوية على المنبر وندب الناس إلى الأخذ بثأره (.
2- ولما استقر الأمر لعلي ( دخل طلحة والزبير على علي ( وطلبوا منه إقامة الحدود والأخذ بدم عثمان فاعتذر إليهم بأن هؤلاء لهم مدد وأعوان وأنه لا يمكنه ذلك يومه هذا.
3- حدث في جميع الأمصار اضطراب بسبب مقتل عثمان وكلهم يطالب بقتل قتلته.
4- كان هناك تبادل نصائح بين علي وابنه الحسن رضي الله عنهما.
5- خرج طلحة والزبير ومعهما عائشة رضي الله عنهم إلى البصرة لتحريض الناس على قتلة عثمان.
6- عند وصولهم إلى البصرة وقع اختلاف بينهم وبين عامل علي ( عليها أدى إلى قتال بين الطرفين.
7- كان علي ( يريد أن يتجه إلى الشام فلما علم بذهاب طلحة والزبير وعائشة إلى الشام غيَّر وجهته واتجه إلى البصرة.
8- تراسل الطرفان علي وطلحة ومن معه واتفقا على الصلح.(1/103)
9- عندما علم قتلة عثمان وكانوا ضمن جيش علي ( وأدركوا أن إمضاء الصلح يعني الأخذ بالثأر منهم فعمدوا إلى حيلة بأن يثيروا الحرب من أواخر الليل ويشيعوا بأنًّ أهل البصرة خدعوهم ففعلوا ووقعت المعركة.
هذا ملخص قتال علي ( مع طلحة ومن معه كما عرضها ابن كثير رحمه الله(137).
فأين في هذه الحادثة استحلال الدماء وهي فتنة لم يقصدها كلا الطرفين؟!
رابعًا: وقعة صفين كانت بعد أن انتهى علي ( من وقعة الجمل فقد أرسل إلى معاوية وطلب منه أن يبايع فامتنع إلا إذا سلَّم له قتلة عثمان فجهَّز عليّ جيشًا واتجه به إلى الشام وجهزمعاوية جيشًا فالتقوا في صفين وبعد مراسلات لم تثمر شيئًا مفيدًا وقع القتال(138).
فأين في هذه الحادثة يا تُرى استحلال الدماء؟!
أليس ظاهر الأمر أنَّ كل طرف يرى أنَّ الحق معه؟! وأنَّ اقتتالهم كان لقضية لا لقتل شخص بعينه؟!
خامسًا: ما يوجد في روايات التاريخ كثير منه لا يصح والذي يريد أن يستبرئ لدينه فلا ينبغي له أن يصغي إلى تلك الروايات لكثرة ما شابها من الأكاذيب.
وبهذا العرض الموجز يتبين أنَّ الإدعاء غير دقيق والله المستعان.
سادسًا: إنَّ الحرص على نقص عدالة الصحابة بمثل هذه الدعاوى له آثاره السيئة التي تفقد الثقة في هذا الجيل وفيما نقله إلينا من دين، بل تجرح رسول الله ( بأنَّه خلَّف جيلاً انتقض على الدين واستباح الحرمات والله المستعان.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
70) ما أوردتموه عن من يسمى بـ: "ابن عقيل" وهو رجل مجهول ومتحامل وكثير من دعاواه كاذبة.
…فمن الكذب: أنَّه زعم أنَّ أهل السنَّة يقولون بعصمتهم أو بحفظهم وهذا كذب.
…أهل السنَّة يقولون بأنَّ الأصل فيهم الخير لكونهم دخلوا الإسلام طائعين مختارين حتى يتبين لنا خلاف ذلك لشرف صحبتهم لرسول الله (.(1/104)
…ثم إنَّه كرر ما أوردتموه سابقًا بنفس النبرة حيث قال: (بل وما تواتر من ارتكاب بعضهم ما يخرم العدالة وينافيها من البغي والكذب والقتل بغير حق وشرب الخمر وغير ذلك مع الإصرار...)
…وقد تقدم المطالبة بذكر عدد وأسماء من وقع في ذلك مع إثبات دعوى الإصرار...؟!
…إنَّ رقة الدين ومرض القلب سببان عظيمان لقول الزور والجراءة عليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
71) قلتم: (ومع هذا كله نرى أنَّ بعضهم يتَّهم من ينتقد الصحابة بالزندقة والخروج من الدين والإلحاد كما قال السرخسي: (من طعن فيهم فهو ملحد مُنابذ للإسلام دواؤه السيف إن لم يتب) [أصول السرخسي/2/124].
وأوردتم رواية الخطيب البغدادي عن أبي زرعة أنَّه قال: ( إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله ( فاعلم أنَّه زنديق. وذلك: أنَّ الرسول ( عندنا حق والقرآن حق وإنَّما أدى إلينا هذا القرآن والسنَّة أصحاب رسول الله ( وإنَّما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنَّة والجرح بهم أولى وهم زنادقة) [الكفاية/67].
…والجواب من وجوه:
…أولاً: لماذا يجرح الشيعة الصحابة ويرفضون عدالتهم؟ ما هو المقصد من ذلك؟ أليس المقصد هو إفقاد الثقة في مروياتهم والتشكيك في إيمانهم وإخلاصهم؟!
…لا نفهم من مواقف الشيعة إلا هذه المقاصد.
…ثانيًا: ماذا يترتب على جرح الصحابة والتشكيك في عدالتهم؟
…يترتب عليه ما يلي:
1- أنَّ الصحابة غير أُمناء على الشريعة لأنَّهم قتلة، شاربوا خمر، زناة، سراق، وخونة لدينهم ـ كما زعمتموه أنتم ومن نقلتم كلامه ـ.
وهذا يؤدي إلى إبطال الشريعة.
لو أراد أعداء الشريعة أن يبطلوا الدين لما وجدوا طريقًا أمضى من هذه الطريق الشيعية.
2- هذا الدين غير صحيح لأنَّه لم يستطع أن يربي الجيل الأول تربية إيمانية سليمة فما إن مات رسول الله ( حتَّى انقضوا على دينهم وارتكبوا كل محرم.(1/105)
3- أنَّ رسول الله ( كان يربي جيلاً مجرمًا قرابة ثلاث وعشرين سنة وهو لا يدري أنَّهم مجرمون ومخادعون كانوا معه على النفاق والخداع فلمَّا مات انكشفت النوايا وظهر المستور.
4- أنَّ الله تعالى كان يعلم عن ذلك الجيل وأنَّه جيل شرير ولم يخبر رسوله ( به ليستبدل به غيره وهذا إقرار للباطل وتغرير بالناس، لأنّ الناس يرون هؤلاء يرافقون رسول الله ( ويحيطون به والرسول يعاشرهم ويستشيرهم ويزوجهم من بناته ويتزوج من بناتهم ويُثني عليهم ويذكر من فضائلهم وهذا اتهام لله ( أولاً بعدم كشفهم لنبيه ( وللأمَّة لئلا ينخدعوا بهم ثانيًا.
بل الله ( أكثر من الثناء عليهم عامًّا وثناءً خاصًا وذلك فيه تغرير للناس بذلك الثناء ـ حسب زعمكم ـ.
…هذه هي نتيجة جرح الشيعة الإمامية للصحابة (.
5- في دعاوى الشيعة الإمامية أنَّ الله ( لم يبين البيان الكافي لمعرفة الأخيار من الأشرار ممَّا يجعل الأمر مختلفًا فإمَّا أن يُزكَّى الأشرار وإمَّا أن يُتَّهم الأخيار لعدم الوضوح والبيان.
…ثمَّ يترتب على ذلك عدم الثقة في مروياتهم لأنَّنا نشك فيهم ونخشى أن يكذبوا علينا.
…أو لا ندري من هو المؤمن فنقبل روايته، ومن هو المنافق فنرد روايته، فإنَّ الأمر مختلط والقرآن لم يُحدَّد والسنَّة نقلها هؤلاء.
…وبهذا نفقد الثقة في القرآن والسنَّة لأنَّ نقلَتها مشكوك فيهم.
…ثالثًا: لو أردنا أن نثبت إيمان الصحابة على هذا المنهج الشيعي لما استطعنا.
…فأين الدليل على إثبات إيمان أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم من الصحابة؟!
أ) القرآن؟ القرآن أورد آيات كثيرة عامة وآيات خاصة وكلها أبطل دلالتها: (العينية) الشيعة ما عدا ما فسروه في علي ـ أي أبطلوا أنَّها تدل على فلان وفلان وقالوا إنَّها عامة لا يمكن تفسيرها في أعيان من الصحابة فإنَّها إمَّا عامة وإمَّا مقيدة ولا ندري من هو الذي توافر فيه القيد الشيعي!!(1/106)
فلو قال قائل: أنا أشك في إيمان هؤلاء الخلفاء الأربعة فإنَّ آيات النفاق كانت فيهم للأدلة الآتية:
قالت الشيعة إنَّ أبا بكر وعمر وعثمان اغتصبوا الخلافة وكان المعيَّن لها هو علي بن أبي طالب ( تعيينًا عينيًا من الله ( ومن رسوله ( وهؤلاء خانوا الوصية وامتنعوا من تنفيذها وعليّ أضاع الوصية حفاظًا على حياته.
قال هذا القائل: وهذا دليل نفاقهم ولهذا فإنِّي أشك في إيمانهم بل كانوا مع رسول الله ( يُخفُون نفاقهم والآن ظهر النفاق فكيف ترد عليهم؟!
ثم استطرد قائلاً:
القرآن الكريم وصف من مع النبي ( بالإيمان ووصفهم في نفس الوقت بالنفاق ولم يخبرنا من هو المؤمن ومن هو المنافق وهذه الأعمال تدل على النفاق؟!
ب) قلنا نحاكمكم إلى السنة:
قالوا: السنَّة رواها هؤلاء الأشخاص الذين نشك في إيمانهم ولهذا فإنَّا لا نقبلها لأنَّهم يشهدون لبعضهم وهذه شهادة مردودة.
ج) ثم قالوا: وعلى هذا فلا القرآن نُصدِّق ولا السنَّة نُصدِّق، الدين باطل.
قلتُ: رحم الله أبا زرعة: (إنَّما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنَّة والجرح بهم أولى وهم زنادقة).
هذا هو السبب الذي أكَّد العلماء أنَّ مذهب الشيعة بوابة هدم الدين ويلتحق به كل من أراد هدم الدين.
…رابعًا: كتب الشيعة الروائية لا يكاد يخلو كتاب من كتب الآثار المروية في العقائد أو التفاسير أو الرجال من تضليل الصحابة أو تكفيرهم إلاَّ أربعة أشخاص.
…ونورد هنا نماذج من كتب الروايات:
أ) من كتاب الكافي:
1- روى بسنده عن أبي جعفر قال: لما نزلت هذه الآية: (يوم ندعوا كل أناس بإمامهم) قال المسلمون يا رسول الله ألست إمام الناس كلهم؟ قال: فقال رسول الله (: أنا رسول الله إلى الناس أجمعين ولكن سيكون من بعدي أئمة على الناس من الله من أهل بيتي يقومون في الناس فيُكذَّبون ويظلمهم أئمة الكفر والضلال وأشياعهم فمن والاهم واتبعهم وصدقهم فهو مني ومعي وسيلقاني...)(139).(1/107)
2- وعن أمير المؤمنين قال: (ما بال أقوام غيَّروا سنَّة رسول الله ( وعدلوا عن وصيه)(140).
3- وروى حديثًا مرفوعًا في تفسير قوله تعالى: (فبأي آلاء ربكما تكذبان) (أبِالنبي أم بالوصي تكذبان...) حتى القرآن أضافوا إليه الوصية!
4- عن أبي عبدالله في تفسير قول الله (: (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرًا) قال عنى بها قريشًا قاطبة الذين عادوا رسول الله ( ونصبوا له الحرب وجحدوا وصيه(141).
وهكذا استمر في إيراد الأحاديث والآثار في تقرير الوصية والإمامة والتي لم يعرفها الصحابة ولم يعملوا بها فضلُّوا... ـ حسب زعمه ـ.
5- وفيه عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: جعلت فداك ما أقلَّنا! لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها؟ فقال: ألا أحدثك بأعجب من ذلك: المهاجرون والأنصار ذهبوا إلاَّ ـ وأشار بيده ـ ثلاثة)(142) أي ارتدوا إلاَّ ثلاثة!!
ب) رجال الكشي:
عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان الناس أهل الردة بعد النبي ( إلاَّ ثلاثة فقلت: ومن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود، وأبو ذر، وسلمان الفارسي...)(143).
…وعن أبي بصير قال: قلت لأبي عبدالله ع: ارتد الناس إلاَّ ثلاثة: أبو ذر، وسلمان، والمقداد. قال: فقال أبو عبدالله ع: فأين أبو ساسان وأبو عمرة الأنصاري؟(144).
ج) تفسير الصافي والقمي:
عن الصادق لمَّا أقام رسول الله ( يوم غدير خم كان بحذائه سبعة من المنافقين: أبو بكر وعمر ـ وعند القمي الأول والثاني ـ وعبدالرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص،وأبو عبيدة،وسالم مولى أبي حذيفة، والمغيرة بن شعبة.
قال عمر: أما ترون عينه كأنَّما عين مجنون ـ يعني النبي ( واستغفر الله من هذا الكذب ـ الساعة يقوم ويقول: قال لي ربي. فلما قام قال: أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: الله ورسوله. قال: اللهم فاشهد. ثم قال: ألا من كنت مولاه فعلِّي مولاه وسلموا عليه بإمرة المسلمين.(1/108)
فنزل جبريل وأُعلم رسول الله بمقالة القوم فدعاهم وسألهم فأنكروا وحلفوا فأنزل الله: (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر)(145).
…ولو ذهبنا نبحث في هذه الكتب لرأينا عشرات ومئات الروايات تطعن في الصحابة وتصفهم بكل وصف سيء وهذا بين أمرين:
…الأول: أن تكون رويات معتمدة عند الشيعة.
…الثاني: أن لا تكون معتمدة.
…فإنْ كانت معتمدة فهذا كافٍ لبيان سوء هذا المعتقد.
…وإنْ كانت غير معتمدة فهي كذلك دليل على أنَّ هذا المذهب استغله الزنادقة للطعن في أصحاب رسول الله ( بل والطعن في القرآن وهذا يدل على قابلية هذا المذهب لدس الزنادقة فيه وبهذا يتبين صحة كلام علماء السنَّة في ذلك.
…خامسًا: ونحن نعتقد أنَّ هذه الآثار كلها مكذوبة على آل البيت فقد حذروا في أكثر من رواية من الكذابين فقد روى الكشي عن أبي عبدالله أنَّه قال: (إنَّا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا ويسقط صدقنا بِكَذِبه علينا عند الناس..) ثمَّ ذكر الكذابين على آل البيت وهم:
1- مسلمة.
2- عبدالله بن سبأ.
3- المختار.
4- الحارث الشامي.
5- بنان.
6- المغيرة بن سعيد.
7- بزيغ.
8- السري.
9- أبو الخطاب.
10- معمر.
11- بشار الشعيري.
12- حمزة البربري.
13- صايد النهدي(146).
…وذكر غيرهم في روايات أخرى وهذا يؤكد أنَّ هذا التناقض سببه هؤلاء الكذابون وإخوانهم الذين أفسدوا عقائد الشيعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…72) أوردتم حديثًا مرفوعًا لفظه: (الله الله في أصحابي...) [الإصابة/1/10].
…ثم ذكرت من ضعفه وأوردت شيئًا من شرحه) [الترمذي/5/358، والألباني في تحقيقه للسنة لابن أبي عاصم/465/...].
…قلت: لا أدري ماذا تقصد من إيراد هذا الحديث وتضعيفه؟!
…فإن كنت تريد أنَّ الحديث الذي ينهى عن إيذاء الصحابة ضعيف فيجوز إيذاؤهم لأنَّه ليس هناك أحاديث أخرى في هذا الباب فإنَّك لم تُصِب.(1/109)
…وإنْ أردت أنْ تعتمد عليه لما ذكرته بعد ذلك في علي ( فنحن لا نحتاج إلى أحاديث ضعيفة في الاستدلال.…
…والعجب أنَّك تورد تضعيف العلماء للحديث ثمَّ تستطرد للاستشهاد به ومناظرة شُرَّاحه فكان الأولى الإعراض عنه لعدم صحته.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…73) قلتم: (فتدل الرواية على وجوب حب كل صحابي يحبه النبي ( وبغض كل صحابي يبغضه النبي ().
…قلت: هذا كلام حق. لكن من هم الذين يحبهم النبي (؟ وكيف تثبت حبه لهم؟
…إنَّ ذلك لا يتم إلا من خلال الأحاديث.
…والأحاديث نقلها الصحابة ( فإنْ كانوا ثقات فقد رووا أحاديث في فضل من كفَّرتموهم أو ضلَّلتموهم بل هم الذين كُفِّروا أو ضُلِّلوا رووا لنا تلك الأحاديث.
…فلا يستقيم لكم الاستدلال بمرويَّاتهم إلا إذا عدلتموهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…74) قلتم: (ولا ريب أنَّ حب جميع الصحابة ولو كان فيهم من يبغضه النبي ( أو أغضبه أو لعن ( إياه فليس من حب النبي ( في شيء).
…كما ورد عن علي بن أبي طالب (: (أصدقاؤك ثلاثة...) [شرح نهج البلاغة/19/200/ ينابيع المودة/2/247].
…قلت الجواب من وجوه:
…أولاً: هذا كلام عام ولم تبين المقصود به!
…ثانيًا: ثبت عندنا أنَّه ( يحب أصحابه جميعًا ولم يثبت عندنا أنَّه يبغضهم، وخاصة أهل بدر وبيعة الرضوان ثبتت فيهم الأدلة القرآنية والنبوية القطعية التي لا نشك في صحتها فمن خالفها عندنا فهو مبتدع معارض لكلام الله ( راد على النبي (.
…ولعلَّه يأتي بمشيئة الله تعالى مزيد بيان.
…ثالثًا: الحديث غير معروف في دواوين الإسلام والله أعلم بواضعه!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…75) عنونتم بعنوان: (أراء الشيعة الإمامية في الصحابة) وأوردتم قول علي ( وبعض آل البيت.(1/110)
…قلت: أمَّا إيرادك لعلي ( تحت هذا العنوان فدعوى مردودة لأنَّ عليًّا ( ليس من الشيعة ولا نعتقد أنَّ له بهم صلة أصلاً بل نعتقد أنَّ أقوالهم فيه قد شانته ولم تزنه بل هم أعداؤه لأنَّهم اتهموه بما لم يقل وبما لم يدَّعِ كما أنَّه يلزم من مذهبهم أن يوصف بالجبن والدياثة والنفاق وإن لم يصرِّحوا بذلك لكن هذا لازم قولهم.
…وفيما يلي بيان ذلك:
…أولاً: ادّعوا أنَّه: "وصي" من الله ( ومن رسوله ( وأنَّ ذلك بنص من القرآن والسنَّة ليخلف النبي ( في أمَّته ثم أنَّه لم يقم بحق الوصاية بدعوى: "التقية" وهذا يعني أنَّه قد: "خان" الوصية وجبن عن القيام بها، مثال ذلك مثال دعوى: "النبوة" من إنسان مع عدم تنفيذ أمر الله ( له بإبلاغ الناس فهل رأيت نبيًّا فعل ذلك؟!
…ولا ندري لماذا لا يقوم بواجب الوصاية؟! أيحافظ على حياته ويخاف من الموت؟! ثم ما فائدة حياته إذا انتقص دين الله ( بسببه؟
…ثمَّ ألم يجد الله ( غير إنسان ضعيف عاجز عن القيام بالإمامة؟
…ثمَّ ما هي الفائدة من إمامة مع التخلِّي عن القيام بها؟! ما هي الفائدة للبشرية من ذلك؟
…ثمَّ ألا ترى أنَّ كثيرين من الأئمة يضحون بأنفسهم لتحيا عقائدهم؟! بل من صغار الأتباع؟!
…أليس هذا: "الغلام" في قصة الأخدود قد رضي أن يموت ليحيا دينه؟!
…أليس هذا الخميني قد جاهد حتى تحقق له إقامة دولة لمذهبه؟!
…أليس هؤلاء نساء في فلسطين والشيشان يقُمْنَ بعمليات استشهاد لنُصرة قضاياهم؟!
…إنَّ هذا يدل على أحد أمرين:
…إمَّا أنْ تكون هذه الدعوى بالوصاية كاذبة وهو الصحيح.
…وإمَّا أنْ يكون عليُّ جبانًا ـ حاشاه من ذلك ـ.(1/111)
…قيل للحسن بن الحسن بن عليّ: ألم يقل الرسول لعليّ: "من كنت مولاه فعليّ مولاه؟" قال: أما والله لو يعني بذلك الإمرة والسلطان لأفصح لكم بذلك كما أفصح لكم بالصلاة والزكاة والصيام والحج... ولو كان الأمر كما تقولون إن كان ـ أي عليّ ـ لأعظم الناس في ذلك خطيئة وجرمًا إذ ترك ما أمره به رسول الله ((147).
…ثانيًا: دعوى أنَّ فاطمة رضي الله عنها قد أُوذيت ومُنِعت حقها وضُربت وهَددها عمر ( بإحراق بيتها.
أليس هذا انتقاصًا لعليّ(أن يرى زوجته رضي الله عنها تُؤذى وتُعذب حتى تُسقط جنينًا لها وهو يشاهد؟!
…أين الشجاعة التي يوصف بها؟! أين الغيرة على زوجته رضي الله عنها؟! بنت رسول الله ( وزوجته تُهان وتُضرب وعلي ( يشاهد؟!
…أَعَلِيٌّ ( لا يغار على زوجته؟!
…حاشاه ( فهو والله أعظم من أن يرضى في أهله ما زعمتم؟!
…لو وقع عليها ما يسوؤها أو يدنس عرضها لما رضي فارس الحروب وشجاع بني هاشم وأول شاب آمن بهذا الدين أن تُهان وتُضرب وهو شاهد يرى ذلك كله والموت خير من حياة رخيصة مثل هذه.
…والعجب أنَّهم قالوا: (ويجب أن يكون الإمام أشجع رعيته)(148) ثم يزعمون أنَّه كان على خلاف ذلك.
…أمَّا قضية: "الميراث" فلو لم يعلم أنَّها قضية اجتهادية منها رضي الله عنها قد عارضها نص من النبي ( لكان أول من يطالب به وقد ولي الأمر فلم يقسم ميراثًا فلو كان يعتقد أنَّ النبي ( يورث لماذا لم يقسم ميراثه عندما أصبح خليفة؟!
…ثمَّ كيف تطالب رضي الله عنها بنصيبها من الميراث وتغضب له وهو أمر دنيوي وينقل ذلك عنها ولا تغضب لأمر ديني أعظم من مال يفنى قد عطل ـ بزعمكم ـ وهو: "الإمامة" ولم تتكلم به مطلقًا حتَّى هي كذلك تقول بـ: "التقية" وتخاف؟! لِمَ لَمْ تخف من مطالبتها بميراثها؟!(1/112)
…ثالثًا: زوَّج علي ( بنته أم كلثوم لعُمَر (، وعمر في نظركم كافر أو فاسق وزعمتم أن هذا كان غصبًا من علي ( ولم يدافع علي ( عن بنته ورضي أنْ يُسْتحلَّ فرجها بغير حقه وهذا من أعظم الذم!!
…ونحن نرى في عالم الحيوانات والطيور أنَّ هناك من يدافع عن أولاده حتى الموت.
…فهذه: "الدجاجة" إذا أراد شخص أنْ يأخذ بعض فراخها تدافع دفاعًا شديدًا. فهل تكون هذه الدجاجة أشجع وأكثر غيرة على أولادها من عليّ (؟!
…إنَّ الرضى بمثل هذا يسمى: "جبنًا" وحاشاه من أنْ يرضى بذلك.
…ولو لم يكن عمر ( مؤمنًا لما زوجها منه.
…رابعًا: لم يكتفِ عليّ ( بكل تلك التنازلات بل أقدم على تسمية أولاده بأسماء الكفار أو الفساق: "تقية" لا حول ولا قوة إلا بالله.
…ألا يكفيه أنْ سكت على إلغاء الوصية، وانتهاك عرض فاطمة وهو يرى، وعجزه عن حماية ابنته من الزواج من غير المؤمنين أو الصالحين حتى يسمي أولاده بأسماء الكفار أو الفساق: أبو بكر، وعمر وعثمان؟!
…ماذا دها هؤلاء القوم؟!
…أهذا إنسان إمام شجاع غيور مخلص أم غير ذلك؟
…إنَّنا نشهد أنَّه كان أتقى لله ( وأنقى من هذه الصورة التي ترتسم في ذهن كل من يطلع على هذه الأثار وهذه العقائد الشيعية الإمامية.
…روى اللالكائي من طريقين عن علي بن الحسين ـ زين العابدين ـ رحمه الله أنَّه قال: (يا أهل العراق أحبونا حب الإسلام فوالله ما زال حبكم حتَّى صار علينا شينًا)(149).
…خامسًا: لماذا يبقى عليّ ( في أرض يُذل فيها ويُهان حتَّى في عرضه ودينه ولم يهاجر ويخرج من هذه الأرض كما قال تعالى: (إنَّ الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنَّا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرًا ( إلاَّ المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً...) [سورة النساء/ آية(97-98)].(1/113)
…فهل عليّ ( من هؤلاء المعذورين؟! ويكون إمامًا موصىً به من رب العالمين وهو يعلم عدم قدرته على تحقيق الوصية؟؟
…وهل رأيت ملكًا يؤمِّر رجلاً عاجزًا عن القيام بالإمارة؟!
…رضي الله عنه وأرضاه فقد أوذي بهذه الدعاوى.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…76) قلتم (ص"17"): (من أراد أن يقف على رأي الشيعة في الصحابة فعليه بما يقوله إمام المسلمين علي ( في حقهم).
…قلت: عليّ ( هو إمام المسلمين في عصر خلافته وليس إمامًا للمسلمين على الإطلاق، وكذلك أبو بكر وعمر وعثمان كل منهم إمام في زمن محدد.
…ولهذا فقد أُطلِق عليهم: "خلفاء"، وإطلاق هذا الاسم فيه أو في غيره بأنَّه إمام المسلمين لا يصح شرعًا ولا واقعًا.
…وإمام المسلمين على الإطلاق هو واحد، هو رسول الله (.
…ويجوز أن يُسمى من يحكم المسلمين منهم إمامًا للمسلمين في عصره.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…77) أوردتم قول عليّ ( في نهج البلاغة وهو: (أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق، أين عمار، وأين ابن التيهان، وأين ذو الشهادتين، وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على المنية وأبرد برؤوسهم الفجرة أوَّه على إخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه وتدبروا الفرض فأقاموه وأحيوا السنة وأماتوا البدعة، دُعوا للجهاد فأجابوا ووثقوا بالقائد فاتبعوه) [نهج البلاغة/182].
…والجواب من وجوه:
…أولاً: كتاب: "نهج البلاغة" كتاب مقطوع الصلة لا سند له ولا أساس كتبه شاعر شيعي في القرن الرابع أي بعد قرابة أربعة قرون ونسبه إلى عليّ ( بكامله فأين السند الذي وصل به هذا الكتاب ـ أعني ما فيه من أقوال ـ.
…لو فتح هذا الباب لقُضي على دين الله (.
…وقبول الشيعة لمثل هذا الكتاب بدون سند هو من أعظم الأدلة على عدم وجود المنهج العلمي عندهم الذي يُؤَسس عليه العلم.(1/114)
…فهل هذا المؤلف: "الشريف الرضى" أو أخوه: "المرتضى" ـ الله أعلم بالمؤلف منهما وهذا لا يهمنا كثيرًا ـ فهل جاءه وحي من السماء بأن عليًّا ( قال هذا الكلام؟!
…لِمَ لَمْ يذكر الأسانيد التي نقل بها أو الكتب التي نقلها منها؟!
…إنَّ أهل السنَّة لو قال أعظم عالم عندهم قال رسول الله ( لقالوا: هات السند ولم يرضوا منه الحديث بدون إسناد.
…وهذا المنهج الشيعي الإثنا عشري يؤدي إلى ضياع الدين ! وذلك لأنَّ الكذب على رسول الله ( قد ظهر من وقت مبكر ووضع الكذابون أحاديث باطلة ولو لم يُقَرَّر منهج لمعرفة صحيح الحديث من ضعيفه لفسد الدين.
…وقد ألَّف الشيعة أنفسهم كتبًا في الرجال ووضعوا الرواة بحسب ما ظهر لهم، فمنهم من وثقوه، ومنهم من كذبوه، فما يدرينا أنَّ هذه الأقوال رواها كذابون؟!
ثانيًا: هذه الخطبة ليس فيها ثناء على أصحاب النبي ( بل فيها ذم لهم فإنَّه لم يذكر من إخوانه إلا عمارًا وشخصين آخرَين وترك عظماء إخوانه: أبا بكر وعمر وعثمان ولم يذكرهم وهذا يعني أنَّه غير راضٍ عنهم وليسوا بإخوانه.
…فقاتل الله من كذب عليه ووضع عليه هذه الخطب المتكلفة الكثيرة السجع الباطلة المعاني.
…وكيف يُمدح الصحابة_على مذهبكم_وهم قد منعوا حقه؟!
…إنْ كانوا أخيارًا ـ وهم كذلك و الله ـ فلِمَ يمنعونه حقًا ثبت ـ حسب زعمكم ـ بالقرآن والسنَّة.
…و إنْ كانوا أشرارًا ـ حاشهم من ذلك ـ فكيف يمدحهم؟!
…إنَّ هذا يكشف عنه شارح نهج البلاغة الشيعي: "هيثم بن علي البحراني المتوفى عام (679هـ)" عندما رأى أنَّ في نهج البلاغة مدحًا لأبي بكر وعمر وهذا لا يتفق مع العقيدة الشيعية ويوجد فيه كذلك ذم لهما فكيف هذا التناقض؟! فقال: (واعلم أنَّ الشيعة قد أوردوا هنا سؤالاً فقالوا: إنَّ هذه الممادح التي ذكرها في حق الرجلين تنافي ما أجمعنا عليه من تخطئتهم وأخذهما لمنصب الخلافة:
…فإمَّا أن لا يكون هذا الكلام من كلامه (.
…وإمَّا أن يكون إجماعنا خطأ!!(1/115)
…ثمَّ ارتضى أن يكون الجواب أنَّه قال ذلك من أجل: (استصلاح من يعتقد صحة خلافة الشيخين واستجلاب قلوبهم بمثل هذا الكلام)!!(150)
…هذه قالها عليّ ( تقية حسب زعمه ـ أي كذبًا ـ ليجمع الناس على خلافته ولو كان بالكذب! ـ حاشاه ( ـ أرأيت الإصرار على الباطل؟!
…فنقول: عندما قال هذا الكلام أليس في أتباعه من يؤمن بأنَّه: "الوصي" المسلوب الحق، وأنَّ الشيخين قد دفعاه عن حقه، وأنَّهما ظالمان له ـ حسب زعم الشيعة ـ فلماذا لم يخرج شخص ويقول: كيف تقول هذا وهما قد ظلماك وخانا الوصية؟؟
…فلمَّا لم يقل أحدٌ من أتباعه هذا الكلام عرف أنَّ دعوى الوصية كاذبة أو أنَّ الخطبة كاذبة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…78) أوردتم دعاء علي بن الحسن من الصحيفة السجادية: (اللهم وأصحاب محمد ( خاصة الذين أحسنوا الصُحبة والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره وكاتفوه وأسرعوا إلى وِفادته..) إلخ ما ذكر من خصائصهم الصحيحة..) [الصحيفة السجادية الدعاء الرابع].
…الجواب من وجوه كما تقدم:
…أولاً: هذه الخطبة جُمِعت من كتب التواريخ كما ذُكر في مصادرها ولا يُدرى عن صحة سندها والله أعلم.
…ثانيًا: لا شكَّ أنَّ هذه الخطبة خطبة جميلة الأسلوب صحيحة المعاني، لكن يُعكِّر عليها كما تقدَّم أنَّ معتقد الشيعة كما قال البحراني لا يتفق معها فإحداهما حق.
…ثالثًا: يمكن أن تفسرها الشيعة على معتقدها، ويمكن أن تفسرها السنَّة على معتقدها فقد ورد فيها قوله: (الذين أحسنوا الصُحبة) وهي تحتمل المذهبين.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…79) أوردتم عن علي بن موسى الرضا عن آبائه عن رسول الله (: (من سبَّ نبيًّا قُتِل، ومن سبَّ صاحبًا جُلِد) [صحيفة الرضا ومسند زيد بن علي/464، بحار الأنوار/76/222...].(1/116)
…قلت: لو طُبِّق هذا الحديث لقُتِل كثير من الشيعة وجُلِد أكثر، فإنَّ عقائد الشيعة تنتهي إلى اتهام النبي ( بأنَّه لم يُبلِّغ البلاغ المبين في ولاية عليّ وليس هناك سب أعظم من هذا.
…قال قائد الثورة الإيرانية روح الله الخميني: (وواضح بأنَّ النبي ( لو كان قد بلغ بأمر الإمامة طبقًا لما أمر به الله وبذل المساعي في هذا المجال لما نشبت في البلدان الإسلامية كل هذه الاختلافات والمشاحنات والمعارك، ولما ظهرت ثمة خلافات في أصول الدين وفروعه)(151).
…فما رأيك بهذا الاتهام لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام؟؟!!
…فالشيعة أحدثوا "عقيدة الوصية" وحشدوا لها عشرات الأدلة التي لا تنص عليها مباشرة ولا يُفهم منها ما يريدون إلا بتكلف وهم قد قرروا أنَّ الإمامة ثبتت بالنص فلمَّا لم يجدوا نصًّا صريحًا اتهموا سيد البشر صلوات الله وسلامه عليه لأنَّه لم يحقق مطلبهم وليس مطلب الله (.
…اتهموه بالتقصير، يا لها من فرية عظيمة لا تتوقف في اتهام رسول الله ( بل تتعداه إلى الله (، إذ كيف يرى رسوله ( ـ وحاشاه ـ لا يبلغ البلاغ المبين ثمَّ لا يعاقبه وقد قصَّر في تبليغ أمره (.
…وقد قال تعالى: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثمّ لقطعنا منه الوتين) [سورة الحاقة (44-45)].
…وقال تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته..) [سورة المائدة (67)].
…ما عسى أن تقول في هذه الفرية هل تستحق العقاب أم لا؟!
…ثمَّ إنَّ عقائد الشيعة كلها تنتهي إلى سبِّه (.
…فزوجاته إمَّا أنَّهن كافرات أو فاسقات، أو أنَّ بعضهن ارتكبت الفاحشة أو حاولت ـ نعوذ بالله ـ فأي سب أعظم من أن يُتَّهم الرجل في عرضه؟!
…ثمَّ إنَّه فشل في تربية الأتباع فما إن مات حتى نقضوا ما أمر به وخانوا وصيته وهذا دليل على عدم سلامة التربية ـ معاذ الله ـ.
…وأمَّا سبَّ الصحابة فقد اعتقدوا فيهم الكفر أو الفسق.(1/117)
…أمَّا الكفر فالكتب الروائية مملوءة بذكره.
…وكتب العقائد لا تكاد تخلو من تصريح أو تلويح.
…أمَّا الطعن في عرضه ( فقد روى المجلسي عن القمي في تفسير قوله تعالى: (ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوحٍ وامرأة لوطٍ كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما) قال: والله ما عنى بقوله: (فخانتاهما) إلا الفاحشة وليقمن الحد على فلانة فيما أتت في طريق البصرة وكان فلان يحبها فلمَّا أرادت أن تخرج إلى البصرة قال لها فلان: لا يحل لك أن تخرجين ـ هكذا ـ من غير محرم فزوجت نفسها من فلان(152).
…قال تعالى: (إنَّ الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم...) إلى أن قال تعالى: (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرَّؤون ممَّا يقولون لهم مغفرةٌ ورزقٌ كريم)(153). فقد وعد عائشة رضي الله عنها بعد تبرئتها وإثبات إيمانها بمغفرة وأجر كريم فهل يَعِدُ الله ( شخصًا بعينه بالأجر الكريم ثمَّ لا يتحقق؟ وهل يجوز لمسلم أن يقيد وعد الله ( فيقول: (إذا لم يحدث منه ما يخالف) يعني أنَّ الله ( لا يدري عن المستقبل!!
…نسأل العافية.
…وأمَّا بقية أمَّهات المؤمنين فإنَّهن لم يقلن بإمامة علي ( كغيرهن من الصحابة وكل من لم يقل بولاية عليّ فهو بين حكمين: إمَّا كافر عند قوم وإمَّا فاسق.
…قال المفيد الإمامي المتوفي (413هـ): (اتفقت الإمامية وكثير من الزيدية على أنَّ المتقدمين على أمير المؤمنين ع ضلال فاسقون وأنهم بتأخيرهم أمير المؤمنين ع عن مقام رسول الله ( عصاة ظالمون وفي النار هم خالدون)(154).
…وقال المفيد كذلك في كتاب آخر: (ظاهر مذهب الإمامة أنَّ الخارج على أمير المؤمنين والمقاتل له كافر بدليل إجماع الفرقة المحقة في ذلك... ودفع الإمامة وجحدها كدفع النبوة وجحدها سواء بدلالة قوله (: (من مات وهو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)(155).(1/118)
قلت: وهذا الحديث ظاهره الكذب ولا يُعرَف في دواوين الإسلام المشهورة؟؟!!
…وقال الخميني: (إنَّنا هنا لا شأن لنا بالشيخين وما قاما به من مخالفات للقرآن ومن تلاعب بأحكام الإله وما حللاه وحرماه من عندهما وما مارساه من ظلم ضد فاطمة ابنة النبي ( وضد أولاده...)(156).
…وقال كذلك: (حتَّى لو كان ذكر الإمام قد ورد في القرآن فمن ذا الذي يضمن عدم نشوب الخلافات بين المسلمين؟.
…إذ إنَّ أولئك الذين ألصقوا أنفسهم بالدين والنبي وأقاموا التكتلات ما كان عند ذلك يلتزمون بأقوال القرآن)(157).
…فهم متلاعبون بأحكام الإله وألصقوا أنفسهم بالدين وليسوا من أهله!!
…هذه عقيدة الإمامية في النبي ( وأزواجه وأصحابه لو طبق الحديث المكذوب السابق لكانوا أول من يستحق هذا الحكم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…80) أوردتم قول العاملي أنَّه ليس في مذهب الشيعة وجوب سبَّ الصحابة إلى أن قال: (إنَّ الشخص لو عاش ألف سنة وهو يتديَّن بمذهب أهل البيت عليهم السلام ويتولاهم ويتبرَّأ من أعدائهم ولم يسب الصحابة قط لم يكن مخطئًا ولا في إيمانه قصور) [المناظرات لمقاتل بن عطية تحقيق الورداني/77].
…قلت: إنَّّ الشيعة يجيدون اللعب بالألفاظ وهم يظنون أنَّ ذلك ينطلي على أهل السنَّة.
…إنَّ اللفظ يقرر أنَّ: أهل البيت لهم أعداء ـ والمراد واضح أي الذين خلفوا النبي ( ولم يولوا عليًّا ( وهؤلاء هم جميع الصحابة ما عدا ـ أربعة كما يزعمون ـ فهؤلاء هم عند الشيعة أعداء آل البيت.
…فالتبرئ منهم كافٍ في إثبات الإيمان. مثال ذلك مثالنا مع الشيطان، وفرعون، وأبي لهب، وأبي جهل فنحن لو عشنا ألف سنة ولم نسب واحدًا منهم فإيماننا كامل لكن لا بدَّ من التبرئ منهم فما الفرق يا تُرى؟؟!!
…إنَّ القضية تعود إلى ما قاله البحراني إمَّا إثبات الإمامة وإمَّا إثبات ولاء آل البيت للصحابة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ(1/119)
…81) ثمَّ أوردتم قول السيد عليخان الشيرازي المتوفى"1130هـ" وهو: (حكم الصحابة عندنا في العدالة حكم غيرهم ولا يتحتَّم الحكم بالإيمان والعدالة بمجرد الصُحبة ولا يحصل بها النجاة من عقاب النار وغضب الجبار إلاَّ أن يكون مع يقين الإيمان وخلوص الجنان، فمن علمنا عدالته وإيمانه وحفظه وصية رسول الله في أهل بيته وأنَّه مات على ذلك كسلمان وأبي ذر واليناه وتقرَّبنا إلى الله تعالى بحبه...) إلخ ما نقلت. [الدرجات الرفيعة/11].
…قلت: هنا يتَّضح المذهب ويبرز وجهه واضحًا (من حفظ الوصية) (كسلمان وأبي ذر...) فقط وأمَّا أبو بكر وعمر وكبار الصحابة فقد عاندوا الحق كما يتَّضح من بقية الكلام.
…هذا هو المعيار الحقيقي عند الشيعة وهو اتهام الصحابة بالردَّة والضلال!!
…فأين في هذا النص ثناء على الصحابة؟؟!!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…82) أوردتم قول المسعودي في "مروج الذهب" وهو: (كان ممَّن شهد صفين مع عليّ ( من أصحاب بدر سبعة وثمانون رجلاً منهم: سبعة من المهاجرين وسبعون من الأنصار. وشهد معه ممَّن بايع تحت الشجرة وهي بيعة الرضوان من المهاجرين والأنصار ومن سائر الصحابة تسعمائة ...إلخ)(158) [الدرجات الرفيعة/39].
…قلت الجواب من وجوه:
أولاً: كتاب: "مروج الذهب" كتاب تاريخ لا يُعتمد عليه في إثبات قضايا متنازع عليها، وإنَّما يُرجع إلى الكتب المسندة.
…ثانيًا: المسعودي قال فيه ابن حجر: (وكتبه طافحة بأنَّه كان شيعيًا معتزليًا..)(159).
…ثالثًا: إن صح هذا الأثر فإنَّه يدل على أنَّ الصحابة لم يكونوا يُعادون عليًّا (، وإنَّما كانوا يوالونه ولو كانوا يعلمون أنَّه: "وصي" لكان لهم صوت مسموع قبل ذلك، ثمَّ لم يُنقَل عن أحدٍ منهم أنَّه كان يُفضِّله على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.(1/120)
…رابعًا: ما أورده المسعودي من أسماء الصحابة الذين يُعدُّون بالآلاف ثمَّ يذكر أربعة وسبعين رجلاً فأين الباقي؟!! ولا ندري من هم الذين ذكرهم وهل هم قائلون بـ: "الوصية" أم مُعارضون لها؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…83) قلتم: (قال السيد محسن الأمين العاملي المتوفي (1371هـ) ما يمثل عقيدة الشيعة: حكم الصحابة في العدالة حكم غيرهم...فمن علمنا عدالته حكمنا بها وقبلنا روايته ولزمنا له من التعظيم والتوقير بسبب شرف الصحبة ونصرة الإسلام والجهاد في سبيل الله ما هو أهله.
…ومن علمنا منه خلاف ذلك لم تُقبل روايته أمثال مروان بن الحكم، والمغيرة بن شعبة، والوليد بن عقبة، وبسر بن أرطأة وبعض بني أمية وأعوانهم.
…ومن جهلنا حاله في العدالة توقفنا في قبول روايته...) إلى آخر كلامه. [أعيان الشيعة/1/113].
…هنا وقفات:
…أولاً: كيف نعرف عدالة الصحابة على مذهب الشيعة؟!
…أليس من خلال الأحاديث التي تشهد لهم بالفضل؟! فقد وردت أحاديث تزكيهم وخاصة الخلفاء الراشدين فهل هؤلاء يعظمون عندكم؟
…ثانيًا: قد مثل العاملي للصنف الذي وصفه بأنَّه علم عدم عدالته بأسماء أشخاص ولم يمثل لمن ثبتت عدالته فلماذا ياتُرى؟! لأنَّه لن يمثل بعظماء الأمَّة وإنَّما سيمثل بسلمان وعمار والمقداد وأبي ذر وهذا يكشف مراده بهذا القول الذي يظن أنَّّه يخدع به أهل السنَّة!!
…ثالثًا: من هم الذين جهل عدالته؟! لم يمثل بأحد!
…رابعًا: لا يمكن أن يجتمع في قلب القول بالوصية وتعظيم الصحابة إلاَّ عن طريق التقية!!
ــــــــــــــــــــــــــــــ(1/121)
…84) علَّقتم على كلام العاملي كلامًا كثيرٌ منه مقبول ولكن آخره غريب وهو: (هذا مع ما شوهد من صدور أمور من بعضهم لا تتفق مع العدالة: كالخروج على أئمة العدل، وشق عصا المسلمين، وقتل الأنفس المحترمة، وسلب الأموال المعصومة، والسب والشتم، وحرب المسلمين وغشهم، وإقام الفتن، والرغبة في الدنيا، والتزاحم على الإمارة والرئاسة، وغير ذلك ممَّا تكفلت به كتب الأثار والتواريخ وملأ الخافقين) ثمَّ أحلت إلى كتاب: "أعيان الشيعة"(160) ولا أدري هل هذا من قولكم أو أنَّه منقول؟!
…وهنا وقفات:
…أولاً: تأكيدًا لما سبق إنَّ تصوير جيل الصحابة بهذه الصورة يُوهم أنَّه جيل تجمَّع فيه كل شر وقد تناسيتم نُصرتهم للإسلام وجهادهم العظيم، وكأنَّ تاريخهم كان تاريخًا سيئًا: (قتل وسلب وشتم وغش ورغبة في الدنيا.. ملأت الخافقين؟؟!!)
…وقد تقدَّم الرد على مثل هذا الكلام.
…ثانيًا: لا أدري ما مرادك بالخروج على أئمة العدل؟!
…وهل ينطبق هذا على الخلفاء الثلاثة أم أنَّ المُراد: "معاوية".
…على كل قد تقدَّم ما يُجاب به على كلا الاحتمالين.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…85) قلتم: (قال السيد شرف الدين العاملي المتوفى (1377هـ) من أكابر علماء الشيعة بلبنان: إنَّ من وقف على رأينا في الصحابة علم أنَّه أوسط الآراء إذ لا نفرّط فيه تفريط الغلاة الذين كفروهم جميعًا ولا أفرطنا إفراط الجمهور الذين وثقوهم أجمعين..
…فالصحابة كغيرهم من الرجال فيهم: العدول وهم: عظماؤهم وعلماؤهم وأولياء..
…وفيهم البغاة
…وفيهم أهل الجرائم من المنافقين
…وفيهم مجهول الحال
…فنحن نحتج بعدولهم ونتولاهم في الدنيا والآخرة.(1/122)
…وأمَّا البغاة على الوصي وأخي النبي وسائر أهل الجرائم والعظائم كابن هند وابن النابغة.. وأمثالهم فلا كرامة ولا وزن لحديثهم..إلى أن قال: وما أشد إنكارهم علينا حين يروننا نرد حديث كثير من الصحابة مصرحين بجرحهم أو بكونهم مجهولي الحال عملاً بالواجب الشرعي في تمحيص الحقائق الدينية والبحث عن الصحيح من الآثار النبوية..)
…ولو ثابت إليهم أحلامهم ورجعوا إلى قواعد العلم لعلموا أنَّ أصالة العدالة في الصحابة مما لا دليل عليه ولو تدبروا القرآن لوجدوه مشحونًا بذكر المنافقين منهم وحسبك من سورة التوبة والأحزاب وإذا جاءك المنافقون ويكفيك من آياته المحكمة: (الأعراب أشد كفرًا ونفاقًا).
…واستمر على هذا الأسلوب في اتهام الصحابة ( والدعاوى إلى أن ذكر أنَّ الأمَّة مستغنية بأهل السوابق والمناقب (وفيهم الأكثرية الساحقة ولا سيما علماؤهم وعظماؤهم..إلى أن قال: على أنَّا نتولى من الصحابة كل من اضطر إلى الحياد ـ في ظاهر الحال ـ عن الوصي أو التجأ إلى مسايرة أهل السلطة...وهم السواد الأعظم من الصحابة...) أجوبة مسائل جارالله/14/
…الجواب: كل فقرة والله تحتاج إلى دحضها وبيان بطلانها…
…ولكننا نختصر الجواب:
…أولاً: دعوى أنَّ مذهبه مذهب وسط هي دعوى تخالف الحقيقة فمذهبه مذهب الشيعة الإمامية والذي يختلف إنَّما هو العبارة فكل من اعتقد عقيدة الشيعة لا يستطيع أن يكون وسطًا لأنَّهم خالفوا عموم المسلمين في دعوى الوصية، وكل من ادعى الوصية فيستحيل أن يتوسط، وسيتَّضح ذلك بما يلي.
…ثانيًا: قال: (فالصحابة كغيرهم من الرجال: فيهم العدول وهم عظماؤهم وعلماؤهم).
…قلت: من هم هؤلاء العظماء؟!
…عليّ، وسلمان، وأبو ذر، والمقداد، وعمار.
…هل هناك غيرهم؟!طبعًا: لا،ولا يستطيع أن يدخل معهم أحدًا من العظماء الذين هم أعظم ممَّن ذُكِر في حقيقة الأمر وعند جميع المسلمين ما عدا مَن شذ.(1/123)
…ثالثًا: ثمَّ فسَّر البغاة بأنَّهم: "البغاة على الوصي وأخي النبي" فها هي العقيدة الشيعية تأبى إلاَّ أن تَظهر، فمن هم الذين بغوا على: "الوصي" حسب زعم الشيعة؟! أليس هم الخلفاء الثلاثة وجميع الصحابة في عهدهم كما يزعمون؟!
…إذن من بقي من الصحابة يستحق أن يُوصف بالعدل على ميزان المعتدلين؟!
…رابعًا: ثمَّ زعم (أنَّ أصالة العدالة في الصحابة ممَّا لا دليل عليه ولو تدبَّروا القرآن الحكيم لوجدوه مشحونًا بذِكر: "المنافقين..".
…عجبًا لهذه الدعوى الباطلة: "عدالة الصحابة" لا دليل عليه لا من القرآن ولا من السنَّة.
…وعشرات الآيات وعشرات أو مئات الأحاديث الصحيحة أليست كافية.. لا؟!
…ما الذي يعرفه عن الصحابة؟
…"القرآن مشحون بذكر المنافقين" وهل يقول مسلم: إنَّ المنافقين هم من الصحابة الذين يعرِّفهم علماء الإسلام بأنَّهم كل من لقي النبي ( مؤمنًا به فهل المنافقون لقوا النبي ( مؤمنين به؟!
…وهل يخفى المنافقون وهم يقولون ويعملون ما يُخالف الإسلام ويراهم المؤمنون إذ لا يظهر النفاق إلا بقول أو عمل وإلاَّ فكيف يُعرف المنافق من غيره؟!
…عجبًا لهذه العقيدة الحاقدة على عظماء الأمَّة؟!
…خامسًا: قال عن المنافقين: (فليتني أدري أين ذهب المنافقون بعد رسول الله ( وقد كانوا جرَّعوه الغصص مدة حياته..)
…إذن كان لهم أعمال وأقوال مكشوفة آذوا بها رسول الله ( فهم إذن مكشوفون!
…إذن كيف يزعم أنَّه لا يُفرَّق بين المؤمنين والمنافقين؟! أليس الذين جرعوه ( الغصص معروفين؟!
…سادسًا: الكلام ينقض بعضه بعضًا:
…ذكر أنَّ أهل العدل هم: (عظماؤهم وعلماؤهم..)
…وقال عن المستقيمين من الصحابة: (هم أهل السوابق والمناقب وفيهم الأكثرية الساحقة ولا سيما علماؤهم وحملة الآثار النبوية)
…وقابل هذا بقوله: (أمَّا البغاة على الوصي وأخي النبي..فلا ولا كرامة ولا وزن لحديثهم).(1/124)
…وقال: (على أنَّا نتولى من الصحابة كل من اضطر إلى الحياد ـ في ظاهر الحال ـ عن الوصي أو التجأ إلى مسايرة أهل السلطة بقصد الاحتياط على الدين والاحتفاظ بشوكة المسلمين وهم السواد الأعظم من الصحابة..)
…قلت: زعم أنَّ أهل السوابق والمناقب: (الأكثرية الساحقة...)
…ثمَّ ذكر هناك من ساير أهل السلطة: (وهم السواد الأعظم)
…فمن هم إذن: العظماء؟ ومن هم أهل الحياد؟ ومن هم أهل السلطة؟
…فعاد الأمر فيهم إلى اتهام الجميع!!
…أهل السلطة: أبو بكر وعمر وعثمان..
…وأهل الحياد: بقية الصحابة ـ ما عدا الأربعة ـ..
…والعظماء والعلماء هم عليّ ( والأربعة..
…وهكذا تطويل وتحايل على العبارات ينتهي إلى نفس عقيدة القوم!!
…سابعًا: زعم أنَّّه رد أحاديث: (كثير من الصحابة..عملاً بالواجب الشرعي في تمحيص الحقائق الدينية والبحث عن الصحيح من الآثار النبوية)!
…قلت: لا أدري ما هو المنهج العلمي الذي يمحص به الحقائق الدينية ويصحح به الآثار وقد اعترف السيد محمد الصدر أنَّ رجال العقيدة والتاريخ الشيعي مجهولون ـ كما سيأتي ـ فكيف يستطيع أن يصل إلى الصحيح؟!
…وأمَّا الروايات التي اعتمد عليها الشيعة في كتب السنَّة فلا يكاد يسلم منها رواية كما مرَّ معنا فأين المنهج العلمي؟؟ الله المستعان.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…86) أوردتم قول سماحة الشيخ السبحاني وهو كسابقه على نفس المشرب.
…ولكنه زاد الدعوى أنَّه اعتمد على: "الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة والتاريخ القطعي والعقل المحايد" [العقيدة الإسلامية/298].
…قلت: أمَّا الاستدلال بالقرآن فهو على الطريقة الشيعية: إخراجه عن مدلوله بأنواع التأويلات.(1/125)
…وأمَّا الاستدلال بالأحاديث الصحيحة فنحن لا نعرف مصدرًا شيعيًّا قديمًا صحيحًا، فهذا الكافي أصح كتاب عندهم مملوء بغرائب الأحاديث التي يُستحى من إضافتها إلى دين الله ( وإن كنَّا نعتقد أنَّها باطلة وكذلك يعتقد كثير من علماء الشيعة أنَّها باطلة.
…لكن يصعب تمييز صحيحها من باطلها لدى كثير من الناس وإن كان في الآونة الأخيرة ظهر تتبع فهذا توجه مفيد إذا أتى ثماره.
…وأمَّا التاريخ المُحايد فلا ندري أين يوجد هذا التاريخ المُحايد؟ وأي كتاب تاريخ يمكن أن يكون حجة؟! والتاريخ قد امتلأ بالقصص الكاذبة والروايات الباطلة؟
…ثمَّ إنَّ روايات العقيدة وروايات التاريخ عند الشيعة تقوم على رجال مجهولين فكيف يمكن أن يتوصل إلى الصحيح منها من خلال رواة مجهولين كما اعترف المحققون منهم:
…قال السيد محمد الصدر في مقدمته لتاريخ الغيبة الصغرى تحت عنوان: "تمهيد" وهو يتحدَّث عن أسباب الغموض في التاريخ الإسلامي ـ أي الشيعي ـ فذكر عدة نقاط قال في الخامسة منها: "الخامسة: نقطة إسناد الروايات حيث إنَّ المصنفين الإمامية جمعوا في كتبهم كل ما وصل إليهم من الروايات عن الأئمة عليهم السلام أو عن أصحابهم بِغضَّ النظر عن صحتها أو ضعفها.
…وعلماء الشيعة الإمامية الذين ألفوا في الرجال اقتصروا في كتبهم على الترجمة لرواة الأحاديث الفقهية التشريعية وأَوْلَوْها العناية الخاصة بصفتها محل الحاجة العملية في حياة الناس.
…لكن هذه الكتب أهملت إهمالاً تامًا ذكر الرجال الذين وُجِدت لهم روايات في حقول أخرى من المعارف الإسلامية كالعقائد والتاريخ والملاحم ممَّا قد يربو على رواة الكتب الفقهية.
…فإذا وفق من حسن الحظ أن روى الراوي في التاريخ والفقه معًا وجدنا له ذكرًا في كتبهم أمَّا إذا لم يرو شيئًا في الفقه فإنَّه يكون مجهولاً)(161).(1/126)
…أرأيت هذا الاعتراف الخطير كيف يكشف عن حقيقة تهدم المذهب من أساسه وتوقظ القلوب الحية الباحثة عن الحق لتعلن كما أعلن العشرات من علماء المذهب فتتخلى عنه إلى عقيدة الحق.
…واستمع إلى آية الله العظمى أبي الفضل البرقعي وهو يتحدث عن نشأة الروايات الشيعية حيث يقول: (ولكن بعد مُضي قرن أو قرنين من الزمان ظهرت أخبار بِاسم الدين ووجد أشخاص بِاسم المحدِّثين أو المفسِّرين الذين جاءوا بأحاديث مسندة عن النبي (..) إلى أن قال: (وضعت كتابي هذا موضحًا فيه أنَّ هذه الخلافات إنَّما نشأت بسبب الأخبار المفتراة الواردة في كتبنا المعتبرة نحن: "الشيعة" إلى أن قال: (وكان الوضاعون من أشباه المتعلمين وأصحاب الخرافات قد أحدثوا أكثر هذه الأخبار في القرن الثاني أو الثالث حيث لم تكن هناك حوزة علمية...) ثمَّ بيَّن أنَّ: (الشيخ الصدوق كان إنسانًا محترفًا يبيع الأرز في قم كتب كرَّاسًا جمع فيه كل ما سمعه عمن رآه حسنًا ونقله ومحمد بن يعقوب الكليني أيضًا كان بقالاً في بغداد وقد جمع ودوَّن طوال عشرين عامًا كل ما سمعه من أهل مذهبه واعتمد عليه لأنَّ تلك الفترة لم يكن فيها رجال دين بالمعنى المعروف..) إلى أن قال: (ليت شعري كيف يكون كتاب الكافي كافيًا لهم حيث استقى مئات الروايات والموضوعات الخرافية من أعداء الدين وأثبتها كما سنفصل ذلك) ... إلى أن قال: (ففي كتاب الكافي عيوب كثيرة سواء من حيث السند ورواته كانت أم من حيث المتن وموضوعاته؛ وأمَّا من حيث السند فمعظم رواته من الضعفاء والمجهولين ومن الناس المهملين وأصحاب العقائد الزائفة وهذا ما يقول به علماء الرجال من الشيعة).
…ثمَّ حدد هدفه من تأليف كتابه: "كسر الصنم" فقال:
(1- لقد دخلت إلى الإسلام خرافات بِاسم الدين...
2- قد أُسِّست معظم طوائف الشيعة التي تبلغ قريبًا من مئة فرقة على هذه الأخبار...(1/127)
3- وقد تلاعبوا بآيات القرآن وحرَّفوها عن وجوهها عن طريق هذه الأخبار... (ليستمع الخميني ليعرف من هم الذين تلاعبوا بالآيات عظماء الصحابة أم شيوخه!!)
4- كما أنَّ هذه الأخبار المختلفة كانت سببًا لسوء ظن جمهور علماء المسلمين وطعنهم بالشيعة)(162)
صدق والله إنَّها سبب اعتقاد علماء المسلمين بأنَّ الذي وضع هذه الأحاديث هم من الزنادقة.
وإن كان كثير من الأتباع لا يضمر الشر للدين وأهله بل يتديَّن عن جهل بما فيها.
وقد أورد البرقعي رحمه الله نموذجًا من هؤلاء فقال: (وفي حوار مع أحد المجتهدين قال: (إنَّ أحاديث الكافي كلها صحيحة ولا يُحتَمل الشك فيها أبدًا وإذا قال أحد غير هذا فهو مغرض.
…فقلت لهذا المجتهد: إذا كنت تقول بصحة جميع أحاديثه فلِم لا تعتقد بثلاثة عشر إمامًا ذلك لأنَّه روى في المجلد الأول من الكافي في باب عدد الأئمة أربع روايات على أنَّ الأئمة ثلاثة عشر إمامًا؟؟!!
…قال: أرني ذلك، فأريته فتعجب وقال: ما رأيت ذلك قبل)(163)
…أرأيت وفقنا الله وإيَّاك كيف تكشَّف لهذا الإمام الصادق في البحث عن الحقيقة فساد هذه الروايات التي فرَّقت الأمَّة؟!!
…نماذج من جهالة الرواة في أحاديث الاعتقاد:
…ولعلَّنا نزيد هذا المعنى الذي هو: (بيان جهالة روايات كتب العقائد والتواريخ) وضوحًا.
…المُعتمَد عند الشيعة أنَّ الإمامة لا تثبت لأحد إلاَّ بنص من الإمام السابق.
…وقد عقد الكليني بابًا لإثبات إمامة الحسن العسكري والد المهدي وأورد فيه ثلاث عشرة رواية(164) لم يصح منها ولا رواية واحدة على ضوء كلام أئمة الجرح من الشيعة أنفسهم وإليك الإشارة إليها بإيجاز.
…الحديث الأول "853" فيه: (يحيى بن يسار القنبري قال في الشافي: "مجهول"(165) ولم يعرف الخوئي هذا الراوي(166).
…الحديث الثاني "854" رواه بسنده عن: (جعفر بن محمد الكوفي عن بشار بن أحمد البصري عن علي بن عمر النوفلي"(1/128)
…قال في الشافي: (جعفر بن محمد الكوفي: لم يعرف حاله إلا بكثرة من روى عنه، وبشار بن أحمد: أُهمِل ولم يُذكر اسمه في كتب المترجمين، وكذلك النوفلي: سوى أن ذُكِر له هذه الرواية)(167).
…الحديث الثالث "855" في سنده: (عبدالله بن محمد الاصفهاني)
…قال في الشافي: (سنده كما سبق ـ أي مجهول ـ عبدالله بن محمد الأصفهاني ليس له ذكر في كتب الرجال إلاَّ بهذه الرواية)
…والسيد الخوئي عندما ترجم له أحال على هذه الرواية ولم يزد ممَّا يُؤكِّد أنَّه مجهول.
…الحديث الرابع "856" في سنده: (موسى بن جعفر بن وهب)
…قال في الشافي: (مجهول)
…الحديث الخامس "857" وفيه: (أحمد بن محمد بن عبدالله بن مروان الأنباري)
…قال في الشافي: (ضعيف إسناده: الأنباري من أصحاب أبي جعفر وأبي الحسن وهو: "مجهول")
…الحديث السادس "858" فيه: (محمد بن أحمد القلانسي) و(علي بن الحسين بن عمرو)
…قال في الشافي: (سنده كسابقه ـ يعني ضعيف ـ القلانسي لم يُذكر له عنوان في كتب الرجال وابن عمرو هو: علي بن الحسين عدَّه الشيخ في: "رجاله" بهذا العنوان وحاله: مجهول)
…الحديث السابع "859" في سنده: (أبو محمد الإسبارقيني)
…قال في الشافي: (كسابقه ـ يعني مجهول ـ والإسبارقيني لم يُدوَّن له اسم في كتب المترجمين)
…الحديث الثامن "860" في سنده: (سعد بن عبدالله عن جماعة من بني هاشم منهم: الحسن بن الحسن الأفطس)
…قال في الشافي: (مجهول كالصحيح: سعد بن عبدالله بن خلف القمي جليل القدر وكان يُعد من شيوخ الطائفة وبعض الأصحاب ضعَّف لقاءه لأبي محمد واختلفوا في وفاته ... والأفطس لم يُذكر في ترجمته سوى هذه الرواية).…قلت: عجبًا: مجهول كالصحيح!! الحمد لله على العافية!!
…الحديث التاسع "861" وفيه: (علي بن محمد وإسحاق بن محمد)
…قال في الشافي: (وهو كسابقه ـ أي مجهول ـ )(1/129)
…وأمَّا الخوئي فقد قال: هو إسحاق بن محمد النخعي ونقل أقوال المترجمين فيه ومنها: هو معدن التخليط له كتب في التخليط كان فاسد المذهب كذَّابًا في الرواية وضَّاعًا للحديث... إلخ)(168).
…الحديث العاشر "862" وفيه: (علي بن محمد عن إسحاق بن محمد)
…قال في الشافي: (سنده كما مضى ـ يعني مجهول ـ ) وقد تقدَّم آنفًا ذكر كِلا الاسمين.
…الحديث الحادي عشر"863" وفيه:(علي بن محمد عن إسحاق بن محمد)
…وقال في الشافي: (سنده كسابقه علَّته إسحاق بن محمد)
…الحديث الثاني عشر "864" وفيه: (علي بن محمد عن إسحاق بن محمد عن شاهويه)
…قال في الشافي: (سنده كسابقه: شاهويه لم يُترجَم سوى أنَّه ذُكِر في هذه الرواية وحاله: مجهول)
…الحديث الثالث عشر "865" وفيه: (علي بن محمد عمَّن ذكره عن محمد بن أحمد العلوي)
…قال في الشافي: (سنده كما مضى محمد بن أحمد العلوي عدَّه الشيخ ممَّن لم يرو عنهم وقال: روى عنه: أحمد بن إدريس وفي البلغة: صحح العلاَّمة الحديث عنه وداود مضى غير مرة).
…وأمَّا السيد الخوئي فقد طوَّل في ترجمته لعلَّه يفك الرموز عنه وأورد احتمالات كثيرة عن هذه الشخصية ثم ختمها بقوله: وكيفما كان لم تثبت وثاقة هذا الرجل ولكنَّه حسن لما ظهر من كلام النجاشي أنَّه من شيوخ أصحابنا)(169).
…فالحديث فيه مجهول هو: "عمَّن ذكره" ويبدو أنَّ هذا المجهول هو شيخ الراوي السابق: "إسحاق بن محمد" الكذاب ولكن الكليني تصرف خجلاً لأنَّه سيقضي على: "إمامه" أو أنَّ الراوي نفسه أراد أن يُنوِّع.
…وعلى كل حال فالراوي: مجهول.
…وهنا وقفات:
…أولاً: رأينا أنَّ جميع الأسانيد فيها رجال: "مجهولون" وهذا يُؤكِّد كلام السيد محمد الصدر بأنَّ كتب التراجم أهملت ذكر رواة: "العقائد والتاريخ" فهم مجهولون.
…كما يؤكد كلام البرقعي بأنَّ رواة الكافي من: "الضعفاء والمجهولين... والمهملين وأصحاب العقائد الزائفة".(1/130)
…إذن أين الثقة في المرويات التي يُبنى عليها أعظم شيء في حياة المسلم: "العقيدة".
…ثانيًا: إذا لم تثبت: "إمامة" أحد ممن يزعم أنَّه: "إمام" ـ وهذه قضية عقدية كبيرة ـ فهذا ينقض المذهب من أساسه.
…ثالثًا: إذا لم تثبت إمامة: "الحادي عشر" فالثاني عشر: "الوهمي" من باب أولى.
…وأمَّا العقل المحايد: فهل عقل الشيعي: "محايد" العقل الذي يسوِّغ كتمان آلاف الناس للوصية طيلة حياة الخلفاء الأربعة ولا يرفع أحد صوته منهم لإعلانها وهم من أوذي في سبيل الدين وفارق الأهل والأوطان وحمل السيف لنُصرة الدين يجبنون عن الصدع بالحق.
…ثمَّ هل يسوِّغ العقل أن يحدث تكاتم للحق من غير اتفاق سبق من آلاف الناس؟!
…ثمَّ هل يسوِّغ العقل أن يكون الإمام المنصوب من الله جبانًا خائرًا وقد كلف بأن يحمل الأمانة؟!
…ثمَّ هل يسوِّغ العقل أن يَكرَه جميعُ الصحابة علي بن أبي طالب ( فلا يرفعون صوتهم لنُصرته؟!
…ثمَّ هل يسوِّغ العقل أن يتنكر الخلفاء لدِينهم ثمَّ يحاربون لنُصرته ويعيشون حياة الزهد والعفة؟!
…ثمَّ هل يسوِّغ العقل أن تُطالِب فاطمة رضي الله عنها بحقها من الميراث وهو حطام دنيا وتسكت عن أعظم من ذلك وهو إبطال الوصية؟!
…... كم من الأمور يُسأَل عنها لا يستطيع العقل أن يسوغ حدوثها؟!
…فأيُّ عقل يا تُرى الذي اعتمد عليه السبحاني ليطعن في عظماء الأمَّة ويتظاهر بأنه: "مُحايد".
…نحمد الله على نعمة الهداية.
…هذه بعض إشارات حول كلامكم قبل تحليل إجابتي على أسئلتكم عن الصحابة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…87) أشرتم إلى حديث الحوض والذي فيه ألا ليذادُنَّ رجال عن حوضي كما يُذاد البعير الضال فأناديهم: ألا هلم فيقال: إنَّهم قد بدَّلوا بعدك فأقول سحقًا سحقًا)(170)
…ثمَّ أوردتم فيه كلامًا كثيرًا انتهيتم فيه إلى أنَّ المقصود بأصحابي في الحديث هم الذين صحبوا النبي (.(1/131)
…وأوردتم أحاديث صحيحة وأخرى ضعيفة أو مكذوبة ولسنا هنا في بيان الأحاديث الضعيفة والمكذوبة ولا أظن أنَّها تخفى عليكم لكنَّكم تستبيحون الاستدلال بكل حديث أو أثر يحقق مقصودكم وهذا في منهجنا الإسلامي مرفوض.
…ولكنني هنا سأقف معكم وقفات عقلية لبيان عدم سلامة منهجكم وأنَّه منهج صالح لهدم الدين لا لنصرته وقد تكرر معنا معنى هذا الكلام أكثر من مرة لكن المقام يتطلب التكرار أحيانًا:
…أولاً: قد ورد في القرآن الكريم عشرات الآيات تؤكد إيمان الصحابة وتقرر مرضاة الله ( عليهم وأنَّه حبب إليهم الإيمان وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان وأنَّهم راشدون وأنَّهم خير أمَّة وأمَّة وسط ـ أي عادلة خيرة ـ وأنَّه سيستخلفهم إن آمنوا وعملوا الصالحات وقد استخلفهم كما وعد فدل على إيمانهم وأنَّه سيقيم رجالاً مؤمنين مجاهدين في حالة حدوث الارتداد إلى آخر ما ورد في هذه النصوص.
…فهل هذه النصوص حق وتحقق موعودها أم لا؟
…ثانيًا: وردت عشرات الأدلة النبوية الصحيحة تثني على عظماء الصحابة وأبي بكر وعمر وعثمان...وتؤكد فضلهم وتقرر إيمانهم ومحبة النبي ( لهم وكلام الرسول ( لا يتناقض.
…فكيف تتنكرون لهذه النصوص القطعية الواضحة العينية والتي تثبت هذه الفضائل للصحابة بأعيانهم ثمَّ تأتون إلى أحاديث بل حديث واحد يمكن أن يحمل على أي شخص ثمَّ تحملونه على من ثبت فضله وإيمانه ومحبة النبي ( له وتجعلون هذا الحديث فيه وفي إخوانه؟!
…والحديث يحتمل من آمن ممن لم يثنِ عليهم الله ( ولا رسوله ( وتتركون هذا الاحتمال الذي هو الراجح لعدم ما يمنع من حمله عليهم؟! أليس هذا دليل الحقد والبغض لعظماء الأمَّة؟!(1/132)
…ثالثًا: لو أراد شخص أن يحمل هذا الحديث على عليّ ( فقال: إنَّ عليًّا هو المقصود بالحديث ولفظه دال عليه وأنتم قد أوردتم النص من الصحيحين وفيه أنَّ النبي ( قال: (إنَّهم منِّي)(171) وهذا اللفظ يدل على أنَّ المقصود من أهل بيتي لأن لفظة: (منِّي) لا تحتمل غير هذا.
…وفي رواية أسماء: (فأقول: يارب: منِّي ومن أمَّتي)(172).
…وهذا دليل على عليّ ( وعلى الذين قاتلوا معه فأراقوا الدماء يغير حق!!
…فهل تستطيع أن ترد على هذه الدعوى بغير الاستدلال بمن اعتقدت أنَّهم ارتدوا؟؟!!
…رابعًا: لو أراد يهودي أو نصراني أن يطعن في هذا الدين وأنَّه دين فاشل وأهله مرتدون وغير أهل لحمل هذا الدين فهل يمكن أن يجد أسلوبًا غير أسلوبك لحرب هذا الدين واستمع إلى نفسك:
…فقد قلتُم: (متن روايات الحوض وغيرها تثبت بأنَّ المراد بالصحابة هم الذين صحبوه/21/) فإنَّ النبي (: (لم يكن مطمئنًا لما ينتهي إليه أمر أصحابه بعده/25/)
…وقلتُم: (ورد في آيات الحوض: أيضًا لا تدري بما أحدثوا إنَّهم ارتدوا على أدبارهم وفي قوله تعالى: (وما محمد إلاَّ رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قُتل انقلبتم على أعقابكم) [سورة آل عمران(آية144)] وكانت هذه الأحاديث واردة مورد التفسير لهذه الآية ومؤكدة لتحقق مضمونها بعد وفاته/25/) أي حصول الردة.
…وأوردتم قولاً للبراء بن عازب يعترف بالتقصير ولا يزكي نفسه ثمَّ قلتم: (يشهد على نفسه وغيره من الصحابة بأنَّهم أحدثوا بعد وفاة النبي ( كي لا يغتر بهم الناس ـ سبحان الله ـ وهو من أكابر الصحابة ومن السابقين الأولين والذين بايعوا النبي ( تحت الشجرة).
…ثمَّ قلتم: (إنَّ صحبته ومبايعته تحت الشجرة لا تمنعان من ضلالة الصحابي وارتداده).(1/133)
…ثمَّ أكدتم أنَّه لا يمكن حمل الردة هنا على من حاربهم الخليفة أبو بكر: (لمنافاته بصراحة رواية أبي هريرة التي صرحت بقولها: (فلا أراه يخلص إلاَّ مثل همل النعم) وهي أبلغ كناية عن القلة ومعنى هذا أنَّها حكمت على أكثرهم بالارتداد ومعلوم أنَّ هؤلاء المرتدين الذين حاربهم الخليفة لا يشكلون إلاَّ أقل القليل وأخيرًا ختمت بأن اقتطعت كلامًا للسندي على سنن النسائي وهو: (إنَّ الإسلام لن ـ لعلها لم ـ يتمكن في قلوبهم) ثمَّ زدت من عندك ـ يعني الصحابةـ) وفوق أنَّ هذه الزيادة اعتداء على النص ليست صحيحة وإنَّما الحديث عن مسلمة الفتح.
…فلو قال هذا اليهودي أو النصراني هذا التقرير الذي أنقله من أستاذ جامعي أفقدني الثقة بكل ما نقله هؤلاء الأصحاب لأنَّني لا أدري من هو الباقي الذي لم يرتد والروايات التي رووها كلها لا أثق فيها لأنَّ من شرط قبول الرواية: (إسلام الراوي وعدالته) وهؤلاء قد شككت فيهم بما نقلته عن هذا الأستاذ الجامعي؟!
…فكيف ترد على هذا الكافر وتقنعه بصحة دينك؟!
…خامسًا: فرق بين أن يحكمك الشرع وبين أن تحكمه.
…والذي يقف على كلامك يرى أنَّك توجه النصوص حسب المعتقد وليس المعتقد هو التابع للشرع ومثال ذلك:
…قلتم في تعريف الأصحاب: (إنَّما الكلام في كلمة: "الأصحاب" الواردة في لسان النبي ( لا الواردة في اللغة أو لسان التابعين بعد مضي سنوات..).
…فهنا تريد أن تقرر أنَّ المقصود بالأصحاب في حديث الردة أنَّهم أصحابه الذين صحبوه لترد على من أورد احتمال أنَّ المراد مطلق الصحبة وذلك يشمل كل أمته.
…ثمَّ عندما أتيت إلى كلمة: "لم يزالوا مرتدين على أدبارهم" أخذت تبحث عن الآراء الشاذة التي تقرر معتقدك فوجدت من يقول إنَّ المراد: "أي متخلفين عن بعض الواجبات ولم يُردْ ردة الكفر" ثمَّ قلت: (فالمراد منها هي ترك وصية النبي ( في عليّ وأهل بيته).(1/134)
…قلتُ: هذا التفسير لا يوجد في الشرع فأين في الشرع أن ترك واجب من واجبات الدين يسمَّى: "ردة"؟!
…جميع الآيات الواردة في كتاب الله ( إنَّما يقصد بها الكفر وترك الدين بإجماع المفسرين.
…قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه...) فأي مفسر فسَّر هذه الكلمة بأنَّه ترك واجب؟!
…وقال تعالى: (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر...) فالآية نص واضح في أنَّ: "الارتداد" هو الكفر.
…وفي السنَّة ورد في بعض أحاديث الفتن: (ويكون عند ذلك ردة).
…وفي صحيح البخاري سؤال هرقل عن النبي ( بقوله: (وهل يرتد أحد سخطة لدينه).
…وفي عشرات الآثار عن الصحابة تسمية ما حدث من ترك الدين بعد موت النبي (: "ردة".
…وكذلك في لسان التابعين وجميع الفقهاء تسمية من خرج من الدين أو فعل فعلاً يناقض الدين سموه: "ردة" وقد عقدوا بابًا في الفقه سموه: "باب الردة" ولم يذكروا فيه ترك الواجبات!!!
…ثمَّ لو اعتمدنا هذا التفسير الغريب في كل من ترك واجبًا وسميناه مرتدًا: لهلك أكثر الناس.
…فمن لم يُعفِ لحيته ترك واجبًا فهل يسمَّى مرتدًا؟!
…ومن لم يَردَّ السلام ترك واجبًا فهل يسمَّى مرتدًا؟!
…وهكذا وهكذا..
…الحمد لله!!
…سادسًا: وهل الإمامة حكمها كحكم إعفاء اللحية واجبة فقط؟!
…وهل نقسم الأمة إلى طائفتين لأجل واجب؟!
…وهل يُذاد الناس يوم القيامة عن الحوض لأجل ترك واجب؟!
…سبحان الله العظيم؟!
…وهل هذه الحملة الشرسة من الشيعة على الصحابة وعظماء الأمَّة بسبب ترك واجب؟!
…أليس المسلمون في جميع الطوائف لا يكاد يخلو منهم أحد من ترك واجب فهل ينقسمون ويتعادون لأجل ترك واجب؟! الحمد لله!!
…سابعًا: أوردتم قولاً للبراء بن عازب أنَّ المسيب قال له: (طوبى لك صحبت النبي ( وبايعته تحت الشجرة! فقال: يا ابن أخي إنَّك لا تدري ما أحدثنا بعده) ثمَّ عقبتم عليه.
…قلتُ: ضع معه هذا النص ثمَّ انظر:(1/135)
…عن قيس الخارفي عن عليّ قال: سبق رسول الله وصلى أبو بكر وثلَّث عمر ثمَّ خبطتنا فتنة يعفو الله عمَّن يشاء) قال أبو عبدالرحمن قال أبي قوله: ثمَّ خبطتنا فتنة: أراد أن يتواضع(173).
…ورواه عمرو بن سفيان عن عليّ(174).
…ورواه عبد خير عن علي(175).
…ورواه سعيد بن قيس الخارفي عن عليّ(176).
…هل عليّ ( يعترف بأنَّه قد حاد وأنَّه قد دخل في أمر هو معصية ويسأل الله أن: "يعفو عنه".
…ثمَّ انظر إلى أهل السنَّة أصحاب القلوب النظيفة التي تحمل كلام العظماء على أحسن المحامل:
…بعد أن أورد الإمام أحمد بن حنبل حديث عليّ السابق عقَّبَ عليه بقوله: (أراد أن يتواضع) يعني أنَّه إنَّما قال ذلك تواضعًا وتذللاً لله ( يمتثل أمر الله (: "ولا تزكوا أنفسكم".
…منهجٌ صحابيٌ واحد لجميع الصحابة تواضع وهظم للنفس.
…ثمَّ قول البراء بن عازب: (يا ابن أخي إنَّك لا تدري ما أحدثنا بعده) هل ما حدث من الخلاف كان سرًا لا يعلمه أحد أم كان مكشوفًا معروفًا؟!
…فكيف يقول: لا تدري وكل الناس يعلمون ما حدث؟!
…لو أراد أن يشير إلى أمر معلن لقال: إنَّك تدري ما حدث منَّا.
…ثمَّ هذه أحاسيس إيمانية لا يتذوقها أصحاب القلوب المريضة الجاهلة بربها.
…ثمَّ أرأيت أنت في خاصة نفسك لو أثنى عليك شخص أكنت تقبل وتزكي نفسك وأنت لا تعلم من نفسك ارتكاب معصية ظاهرة لكنَّك تستشعر التقصير في حق الله ( فترفض التزكية! هذا الظن بك!
…أليس هذا سيد البشر وإمام العظماء نبينا محمد ( يقول: (لن يُنجي أحدًا منكم عمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا، إلاَّ أن يتغمدني الله برحمته..)(177).
…وفي لفظ: (إلاَّ أن يتغمدني منه بمغفرة ورحمة)(178).
…رواه عنه أبو هريرة وأبو سعيد الخدري وجابر بن عبدالله وعائشة كما في الصحاح والسنن والمسانيد.
…أترى يمكن أن تقول: (يشهد على نفسه..كي لا يغتر به الناس..).
…سبحان الله ما أحوجنا إلى مراجعة هذه المواقف الخطيرة!!!(1/136)
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…88) قلتم: (وقد مدح الله سبحانه وتعالى في كتابه طوائف من الصحابة ونحن نذكرها على ترتيب ما جاءت في رسالتكم ثمَّ نقوم بالتحليل.
…الآية الأولى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدَّ لهم جنَّات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا ذلك الفوز العظيم) [سورة التوبة(100)].
…ثمَّ قلتم: (فقد أثنى الله سبحانه في هذه الآية على طوائف ثلاث:
…الأولى: السابقون الأولون من المهاجرين: وهم الذين هاجروا أيام هجرة النبي أو بعدها بقليل وبما أنَّ لفظة: "من" في: "من المهاجرين" للتبعيض فهو يخرج المتأخرين من المهاجرين. فالآية تثني على السابقين من المهاجرين لا على عامة المهاجرين.
…وبعبارة أخرى: إنَّما يصح الاستدلال بشمول الثناء في الآية لجميع المهاجرين والأنصار إذا ثبت بدليل قطعي أن: "من" بيانية لا تبعيضية وأي دليل قطعي على ذلك؟).
…أولاً: قررتم أنَّ الآية: (تثني على السابقين من المهاجرين لا على عامتهم) وقلتم قبل ذلك: (وهم الذين هاجروا أيام هجرة النبي أو بعدها بقليل).
…ونحن هنا نتنزل معكم في الخطاب: فمن هم السابقون من المهاجرين؟ الذين هاجروا أيام هجرة النبي ( أو بعدها بقليل!!
…أبو بكر وعمر وعثمان وسعد بن أبي وقاص والزبير... إلخ العشرة الذين هاجروا قبل هجرة النبي ( بقليل أو معه فهل هم داخلون في هذه الآية أم لا؟
…أم المقصود: عمَّار وأبو ذر والمقداد فقط لأنَّ سلمان من الأنصار؟!
…ثانيًا: الآية الكريمة قد وعدتهم بوعدين:(1/137)
…الأول: (رضي الله عنهم ورضوا عنه) والله ( عالم الغيب سبحانه لا يعد إنسانًا بالرضى عنه إلاَّ إذا علم أنَّه يعيش على الإيمان والتقوى وإلاَّ فإن تجرأنا ـ ونعوذ بالله من ذلك ـ وتعقبنا الله ( وقلنا يارب أنت أطلقت هنا وهؤلاء لا يستحقون الرضوان لأنَّهم سيغيرون الوصية ـ المكذوبة عليك وعلى نبيك ـ ولن ينفذوها فكان ينبغي أن تقيد وأن تقول: (إذا نفذوا وصيتي في عليّ)!!
…أو نقول كما قال أبو المهدي ـ كما سيأتي ـ (غير أنَّ وعد الله سبحانه بالحسنى مشروط بحسن خواتيم العمل)!!!
…الله ( يعد قومًا بأعيانهم برضوانه عليهم وبأنَّهم سيرضون عنه ( فهل يملك بشر أن يقيد ما أطلقه الله ( في حق أشخاص بأعيانهم ؟! نعوذ بالله من الضلال.
…إلاَّ إذا قلنا إنَّ الله ( لا يعلم الغيب وأنَّ علم الغيب قد أعطاه: "للأئمة" فإنَّهم يعلمون ما كان وما سيكون وقد تنازل الله ( لهم قياسًا على تنازله سبحانه لهم عن التشريع للخلق كما يثبته أصح كتاب عند الشيعة ويؤكده زعيم الثورة الإيرانية الخميني:
…قال الكليني في إدارة الكون: عن أبي جعفر الصادق أنَّه قال: (إنَّ الله تعالى لم يزل متفردًا بوحدانيته ثمَّ خلق محمدًا وعليًّا وفاطمة فمكثوا ألف دهر ثمَّ خلق جميع الأشياء فأشهدهم خلقها وأجرى طاعتهم عليها وفوض أمورها إليهم فهم يحلُّون ما يشاءون ويحرمون ما يشاءون ولن يشاءوا إلاَّ أن يشاء الله تبارك وتعالى..)(179).
…أو أنَّ الله ( بدا له أن يغير وعده لهم إذ ذلك معتقد عبدالمطلب الذي لم يَحضَ بالإيمان وقد شرع للشيعة هذه العقيدة.
…فقد أورد الكليني في أصح الكتب الشيعية ـ الكافي ـ عن أبي عبدالله أنَّه قال: (إنَّ عبدالمطلب أول من قال بالبداء يبعث يوم القيامة أمَّة وحده عليه بهاء الملوك وسيماء الأنبياء)(180).(1/138)
…يبدو أنَّ كل آل البيت أصبحوا أئمة ولم يبقَ إلاَّ أبو لهب لولا أنَّه أنزل فيه سورة لربَّما نسبت إليه التقية أو الرجعة حتَّى تكون عقائد الشيعة مأخوذة من آل البيت مؤمنهم وكافرهم!!
…الله ( عالم الغيب ولا يغير وعده وإذا وعد قومًا بأعيانهم بالرضى فلابد أن يتحقق.
…الوعد الثاني: قال تعالى: (وأعد لهم جنَّات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا ذلك الفوز العظيم).
…فأكد سبحانه أنَّه: "أعد لهم" فهل يجرؤ شخص بعد ذلك أن يقول إنَّه لابد من: "القيد" أو: "التخصيص"(181) لأنَّهم لم ينفذوا: "الوصية" التي لا وجود لها إلاَّ في أذهان تقبلت روايات مكذوبة لتؤسس عقيدة تحارب كل من يخالفها بل وتتهمه إن لم يعلنها حتَّى لو كان رسول الله ( كما سبق عن الخميني...
الحمد الله على نعمة الهداية.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…89) قلتم: (الثانية: السابقون من الأنصار وهم الذين سبقوا في نصرة النبي بالإنفاق والإيواء ولا يدخل مطلق الأنصار ولا أبناؤهم وحلفاؤهم وذلك لأنَّ تقرير الآية: (والسابقون الأولون من الأنصار)
…فالآية تثني على السابقين الأولين من الأنصار لا على عامتهم..)
…ثمَّ استطردتم تؤكدون هذا المعنى.
…وهنا وقفات:
…الأولى: من هم هؤلاء السابقون من الأنصار الذين استحقوا هذا التكريم؟!
…لا نجد أحدًا من الأنصار ضمن الصحابة الذين استثنتهم الشيعة من: "الهالكين" الذين هم جميع الصحابة فقد هلكوا: "لم ينصروا الوصي" كما زعموا إلاَّ أربعة ليس منهم أنصاري إلاَّ سلمان، وسلمان ( كان مولى لم يشارك في: "الإيواء" لأنَّه لم يكن يملك شيئًا وعلى ذلك فلم ينجُ أحد من الأنصار الذين آووا النبي ( والمهاجرين الذين وعدهم الله ( بـ: "رضي الله عنهم ورضوا عنه" و: "وأعد لهم جنات" لأنَّ الله ( إمَّا لم يكن يعلم أنَّهم سيخذلون الوصي أو أنَّه بدا له أن: "يتراجع" عن وعده إكرامًا للشيعة!!
استغفر الله استغفر الله استغفر الله.(1/139)
الثانية: هل تشتمل كتب الشيعة على بيان بأسماء هؤلاء السابقين من الأنصار الذين أثنى الله ( عليهم؟!
الثالثة: هل يستطيع الشيعة أن يفرقوا بين من آمن ونصر من الأنصار ومن وصف بالنفاق؟! ومن أي مرجع يمكنهم ذلك؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…90) قلتم: (الذين اتبعوا السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار بإحسان وهذه الطائفة: عبارة عمن أسلم بعد بدر إلى بيعة الرضوان أو إلى فتح مكة فلا تشمل الوافدين من العرب في العام ا لتاسع...هم الذين صلحت سيرتهم وسلوكهم فصاروا بعيدين عن اقتراف الذنوب ومساوئ الأخلاق فاتبعوهم بإحسان).
…قلت هنا وقفات:
…أولاً: من هم هؤلاء الذين اتبعوهم بإحسان؟! وأنتم لم تُعدِّلوا إلاَّ أربعة أشخاص لأنَّ أحدًا من هؤلاء كإخوانهم المهاجرين والأنصار لم_ينصروا الوصي_ بزعمكم بل لم يعلموا هذه الوصية لأنَّه لا يعقل أنَّ المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان لا يعلن واحد أو أكثر منهم نصرة الوصي طوال حياة الثلاثة!!
…ثانيًا: شهدت بأن التابعين ـ أي الصحابة الذين هاجروا بعد ـ للسابقين بإحسان بأنَّهم (صلحت سريرتهم وسلوكهم..) فهل يمكن أن تذكر منهم عشرة أشخاص من كتبكم؟! وكيف عرفتم أنَّه صلحت سريرتهم وسلوكهم؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…91) قلتم: (وأين هذه الآية من تعديل عشرة آلاف صحابي سجلت أسماؤهم في المعاجم أو مائة ألف صحابي صحبوا النبي في مواقف مختلفة ورأوه وعاشروه؟
…هذا هو المفهوم من الآية حسب الفوائد التي تعرفتموها).
…قلت:
…هنا ثلاثة مواقف في تعديل الصحابة:
…الأول: أنَّ جميع الذين صحبوه وآمنوا به عدول لشرف صحبتهم لرسول الله ( ولقبولهم للإسلام ورضاهم به.
…وهذا هو الظاهر لنا من عموم النصوص الشرعية إضافة إلى ما قاموا به من حفظ الدين والجهاد في سبيله كل في مجاله وحسب طاقته.(1/140)
…وهذه آثارهم شريعة محفوظة وبلاد مفتوحة فقد بلغ عدد المسلمين اليوم مليار مسلم وقبلهم آباؤهم وأجدادهم لا يحصون كثرة دخلوا الإسلام بسببهم ثم كل عمل يعملونه في ميزان حسنات أولئك الأصحاب فنحن نشهد لهم بالخير والفضل ونشهد آثارهم وليس عندنا وصية مزعومة خالفوها أو عاندوها.
…والثاني: عكس هذا الموقف وقال إنَّ جميع الصحابة الذين هم (10.000) عشرة آلاف صحابي المدونة أسماؤهم في الكتب و(100.000) مائة ألف الذين عاصروه ورأوه كلهم ـ إلاَّ أربعة ـ ارتدوا أو خانوا الوصية أو لم يرتدوا ولكنَّهم عاندوا ومنعوا تنفيذ "الوصية" ـ الوهمية طبعًا ـ ولهذا فليسوا أهلاً للعدالة فهم إمَّا كفار وإمَّا فاسقون فتكون النتيجة أنَّ عدد الناجحين من مدرسة سيد البشر وعظيم الإنسانية عدد (4) أشخاص من (100.000) مائة ألف والراسبون (99.996) راسبًا على حسب معتقد الشيعة!!
…الثالث: من خص المهاجرين والأنصار بالعدالة وخاصة الأولين منهم إلى بيعة الرضوان أو فتح مكة أو الذين لازموه طوال حياته صلوات الله وسلامه عليه وبعضهم وضع قيودًا أخرى ولكنَّها جميعها لا تخرج عظماء الصحابة المشهورين كالخلفاء وبقية العشرة وأهل بدر وأهل بيعة الرضوان.
…هذه هي الأقوال في عدالة الصحابة:
…الأول: يقول به جمهور أهل السنَّة ويرون أنَّ من يخرج عنه فهو شاذ أو مبتدع.
…والثاني: هو قول الشيعة ـ وخاصة الإمامية ـ وقد تفرق في البحث كلام للشيعة يؤكد هذا الموقف.
…والثالث: لبعض أهل السنَّة وهو قول مرجوح ولا تستطيع الشيعة الإمامية أن تقول به لأنَّه يتعارض مع عقيدة: "الإمامة".
…فأي هذه الأقوال يا ترى هو الصحيح؟
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…92) أوردتم كلامي في تقرير عدالة الصحابة وهو: (أثنى ( على جميع المهاجرين وجميع الأنصار بدون قيد لأنَّ: "ال" للعموم فيما دخلت عليه وجميع الذين اتبعوهم بإحسان.
…فالمتبعون قيدهم بالإحسان.(1/141)
…وهذا أصل فلا يُخرج أحد من المهاجرين والأنصار إلاَّ بدليل قطعي.
…والآية في غاية الوضوح.
…ثمَّ أثنى الله ( على الذين اتبعوهم بإحسان والذين اتبعوهم هم: أهل السنَّة وليسوا الشيعة.
…لأنَّ الشيعة ما بين مكفر لهم وذام لهم أعني الشيعة الإمامية بدون استثناء)
…ثمَّ قلتم بعد إيراد كلامي: (...يلاحظ عليه سبحانه أنَّه يثني لا على عامة المهاجرين ولا على عامة الأنصار بل على صنف خاص منهم وهم: السابقون الأولون فحسب..).
…قلت:
…قولكم إنَّه ( يثني على: "صنف خاص منهم وهم: السابقون الأولون.."
…فمن هم هؤلاء الذين أثنى عليهم وهل منهم: أبو بكر وعمر وعثمان وبقية العشرة أم ليسوا منهم؟!
…فإن قلت منهم فكيف تجمع بين هذا الثناء واعتقاد أنَّهم خانوا الوصية.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…93) أوردتم جزءًا من قولي وهو: (وهذا أصل فلا يخرج أحد من المهاجرين والأنصار إلاَّ بدليل قطعي) ثمَّ قلتم: (نعم هذا أصل لا في عامة المهاجرين والأنصار بل في خصوص السابقين الأولين منهم فلا يعدل عن هذا الأصل إلاَّ بدليل قطعي:
…مثلاً إذا دل دليل على أنَّ صحابيًا من السابقين والأولين عدل عن الحق فيؤخذ بالدليل الثاني.
…فإذا دل الدليل على أنَّ حارث بن سويد من الصحابة البدريين قتل المجذر بن زياد المسلم يوم أحد لثأر جاهلي يحكم بخروجه من الآية. [الإصابة/ترجمة الحارث بن سويد]
…أو دل على أنَّ قدامة بن مظعون البدري شرب الخمر وهكذا دواليك..). [الاستيعاب/3/1276]
…قلت وهنا وقفات:
…أولاً: هل دليل الإمامة قطعي يمكن أن يُبنى عليه إخراج جميع الصحابة من العدالة بسبب عدم تسليمهم الإمامة لعليّ ( أم لا؟
…فإن كان قطعيًا فلم يبقَ أحد ممن دخلت عليه: "ال" عدلاً وإن لم يكن قطعيًا بطلت الإمامة.
…فبأيها تقول؟!(1/142)
…ثانيًا: "المجذر بن زياد" قتله شخص اسمه: "الحارث بن سويد بن الصامت" غيلة يوم أحد ثمَّ ارتد ثمَّ جاء مسلمًا يوم الفتح فقتله النبي ((182) به فأي دليل في هذا؟!
…رجل خان وارتد فهل يشكك في عدالة عظماء الأمَّة وإخوانهم بالآلاف لأجل رجل ارتد وهل قال أحد إنَّ هذا الشخص: "عدل"؟!
…هل ترضون بأن نسقطه من العدالة؟ ـ أسقطناه ـ هل تكتفون بهذا الرجل؟!
…ثالثًا: لم يرد هناك نص صحيح أنَّه هو الذي قتل ولذلك اختلف العلماء في قاتل المجذر فقد قال ابن حجر بعد أن أورد قول ابن الأثير إنَّ أهل النقل اتفقوا على أنَّه هو الذي قتل: "المجذر" قال: (وفي جزمه نظر لأنَّ العدوي وابن الكلبي والقاسم بن سلام جزموا بأنَّ القصة إنَّما وقعت لأخيه: "الجُلاس" لكن المشهور أنَّها للحارث)(183).
…رابعًا: لم يصح في إسلام الحارث بن سويد حديث وأهل السير اختلفوا في إسلامه أصلا.
…فابن إسحاق يرى أنَّه لم يسلم أصلاً وإنَّما أظهر الإسلام.
…قال ابن إسحاق: (وكان الحارث بن سويد بن صامت منافقًا فخرج يوم أحد مع المسلمين فلما التقى الناس عدا على المجذر بن زياد البلوي وقيس بن زيد أحد بني ضُبيعة فقتلهما ثمَّ لحق بمكة بقريش..)(184).
…فهذا هو: "الحارث بن سويد" اختلف في إسلامه ولم يحضر غزوة بدر وقد ذكر البخاري أسماء من شهد بدرًا ممَّن صح عنده فذكر أربعة وأربعين رجلاً(185) ليس هذا منهم.
وأورد الهيثمي أسماءهم على قسمين: قسم قال فيه: "رجاله رجال الصحيح" وقسم فيه: "ابن لهيعة" وقال فيه: (وقد ضُعِّف وحديثه حسن باعتبار الشواهد) وليس في كلا القسمين(186) فمن أين عرفت أنَّه بدري؟! أليس هذا مجازفة لا تليق؟!!(1/143)
…خامسًا: "قدامة بن مظعون" كان زوجًا لأخت عمر بن الخطاب أسلم في مكة وهاجر إلى الحبشة ثمَّ إلى المدينة وشهد بدرًا وجميع المشاهد، استعمله عمر على البحرين فقدم الجارود سيد عبدالقيس إلى عمر فقال له: "إنَّ قدامة" شرب الخمر فقال من يشهد معك فشهد أبو هريرة فاستقدمه عمر، ثمَّ إنَّ الجارود طلب من عمر إقامة الحد فقال عمر: (أخصم أنت أم شهيد؟) فكرر الجارود طلبه إقامة الحد، ممَّا شكك عمر في شهادته فأرسل عمر إلى زوجته فشهدت على زوجها.
…فقال عمر: (إنِّي حادك). فقال: لو شربت كما يقولون ما كان لكم أن تحدوني.
…فقال عمر: لم؟
…قال قدامة: (قال الله (: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات) الآية).
…قال عمر: أخطأت التأويل إنَّك إذا اتقيت الله اجتنبت ما حرم عليك.
…ثمَّ أخَّر عمر عنه الجلد لكونه كان مريضًا ثمَّ خاف أن يموت قبل أن يستوفي منه الحد فجلده.
…ثمَّ إنَّ قدامة هجر عمر ثمَّ رأى عمر رؤيا ثمَّ اصطلحا وعاش قدامة إلى عام ستة وثلاثين.
…قال أيوب السختياني: (لم يحد في الخمر أحد من أهل بدر إلاَّ قدامة بن مظعون)(187).
…هذه قصة: "قدامة" أخطأ في فهمه وشرب الخمر مرة واحدة وقد شارك في نصرة هذا الدين وشهد بدرًا وببيعة الرضوان وقد جاءت الأحاديث في تجاوز الله ( عمن شهد هاتين الوقعتين بشهادة النبي ( وقد حصل ما هو أعظم من شرب الخمر من: "حاطب" فعذره النبي ( لصدقه وشهوده غزوة بدر.
…فهل ترد على رسول الله ( في حاطب وتخرجه من هذا التكريم؟!
…غفر الله لقدامة ورضي الله عنه وإنَّه والله لعدل أخطأ ثمَّ تاب وقد أخطأ آدم ( فتاب وتاب الله ( عليه.
…سادسًا: هذه وقائع مفردة من آحاد الصحابة أقيم الحد على صاحبها والحد يكفر الله ( به الذنب ولا يجوز لمن حُد في معصية أن يُعيَّر.
…ثمَّ ما هي النماذج الأخرى التي ارتكبت المعاصي؟!(1/144)
…ثمَّ هل يعني أنَّ غير قدامة عندكم عدل؟! أم أنَّ بقية الصحابة ارتكبوا الفواحش كذلك؟!
…سابعًا: تعامل الشيعة مع الصحابة تعامل غير منصف فهم لا يرون إلاَّ أخطاءهم مع أنَّ تلك الأخطاء محصورة في أفراد، فلا ينظرون إلى هذا الجيل المؤمن المجاهد الذي نصر الله ( به الدين وحفظ به الشريعة وفتح العالم إلاَّ من خلال: "صحابي" شرب الخمر، أو: "صحابي" زنى، أو: "صحابي" قتل..وهذا ظلم في تقييم الأشخاص لو طبق علينا في الدنيا والآخرة لهلكنا.
…ثامنًا: إنَّ جميع الخير في الأرض لكل صحابي شارك في الدفاع عنه أو في نقله مثله لأنَّهم هو السبب في نشره فكم سيكون من الحسنات جرَّاء ذلك الخير، فإذا وُضعت تلك السيئة في كِفَّة وتلك الأعمال العظيمة في كِفَّة فما عسى أن تفعل تلك السيئة.
…ضع: "مليار" حسنة في كِفَّة و: "سيئةً واحدةً" في كِفَّة وانظر الراجح.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…94) أوردتم قولي: (ثمَّ أثنى الله ( على الذين اتبعوهم بإحسان والذين اتبعوهم هم أهل السنَّة) ثمَّ قلتم: (يلاحظ عليه: أنَّ قوله سبحانه: "والذين اتبعوهم بإحسان" فعل ماض يحكي عن تحقق التبعية بإحسان عند نزول الآية فلابد أن يكون التابعون بإحسان من جملة الصحابة فكيف تفسرونه بأهل السنَّة إلى يوم القيامة ثمَّ تخرجون الشيعة مع أنَّ الطائفتين خارجتين! عن مفاد الجملة وإلاَّ لكان اللازم أن يقول (: (والذين يتبعونهم بإحسان)..إلخ.
…قلت:
…أولاً: لقد ذكر جميع المفسرين أنَّ: "الذين اتبعوهم" يشمل الأمَّة إلى قيام الساعة سواء قلنا إنَّها تشمل من أسلم من غير المهاجرين أو أنَّها خاصة بجيل التابعين ثمَّ من تبعهم.
…ثانيًا: قولكم: (فلابد أن يكون التابعون بإحسان من جملة الصحابة) وإلاَّ: (لكان اللازم أن يقول الله (: "والذين يتبعونهم بإحسان") فهذا قصور في معرفة اللغة العربية وما كان لكم أن تقتحموا حمى القرآن الكريم بمثل هذه الجرأة وسيأتي توضيحه في: "رابعًا".(1/145)
…ثالثًا: جميع المفسرين من أعلام العربية لم يقل أحد منهم مثل قولكم ابتداءً بالصحابة ( وانتهاء بآخر مفسر من علماء الأمَّة فهل جهلوا أمرًا عرفتموه؟!
…ولعلَّ ممَّا أكرم الله به العربية أنَّ جميع موسوعاتها التي حفظتها وكذلك الكتب التي تضبط قواعدها من جهود أهل السنَّة، وأهل التشيع عالة على مصنفاتهم.
…ولو قدر أن ينحاز أهل الشيعة إلى بقعة من الأرض وأهل السنَّة إلى بقعة أخرى ويحمل كل منهما ما حفظه من الدين لعجز الشيعة عن معرفة الدين.
…فالقرآن جمعه أهل السنَّة.
…واللغة العربية هم جامعوا مفرداتها ومقعدوا قواعدها.
…رابعًا: لبيان خطأ فهمكم في أنَّ الفعل الماضي لا يدل على المستقبل نضرب لكم بمثال واحد من كتاب الله (.
…قال تعالى: (أتى أمر الله فلا تستعجلوه) [سورة النحل(1)].
…قال الطبري: (أتى أمر الله فقرب منكم أيها الناس ودنا..)(188).
…وقال القرطبي: (أتى بمعنى يأتي)(189).
…وقال ابن كثير: (يخبر تعالى عن اقتراب الساعة ودنوها بصيغة الماضي الدال على التحقق)(190).
…وهكذا على هذا النهج بقية التفاسير.
…ولهذه الآية نظائرها في كتاب الله ( ومنها:
…قوله تعالى: (ونزعنا ما في صدورهم من غل) أي: وننزع.
…وقوله تعالى: (وقالوا الحمد الله الذي هدانا) أي: يقولون.
…وقوله تعالى: (ونادى أصحاب النار أصحاب الجنَّة).
…وقوله تعالى: (ونادى أصحاب الأعراف رجالاً)(191).
…وغيرها كثير.
…وبهذا يتبين أنَّ قوله تعالى: (والذين اتبعوهم) فعلٌ يدل على المستقبل مطلقًا وأنَّه يشمل كل من جاء بعد السابقين إلى قيام الساعة وأنَّ دعوى الانتهاء لا توجبه اللغة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ(1/146)
…95) أوردتم قولي: (والآية في غاية الوضوح) ثمَّ قلتم: (إنَّ هذا التعبير من سماحتكم في غاية الغرابة. كيف تصفون الآية بغاية الوضوح وقد اختلف المفسرون في تعيين المراد من الآية اختلافًا شديدًا وسوف نذكره ليتبين مدى صحة قضائكم في معنى الآية بأنَّه في غاية الوضوح).
…ثمَّ أوردتم قول ابن الجوزي أنَّ الآية فيها ستة أقوال ثمَّ قلتم في نهاية الأقوال: (وفي الختام نحن لا نصدق هذه الأقوال..) قلتُ: لأنَّها لا تحقق مقصودكم. [زاد المسير/3/333]
…الجواب من أوجه:
…أولاً: الآية في غاية الوضوح في الثناء على: "الصحابة" الذين كفَّرتموهم أو فسَّقتموهم سواءٌ كان ذلك في الثناء على: "طبقة" منهم وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار أو فيهم وفي الذين جاءوا من بعدهم.
…وأهل السنَّة اختلفوا في تعيين: "الطبقة" لا في نفي: "الثناء" عن جميع الصحابة كما هو معتقد الشيعة الإمامية ـ ما عدا أربعة ـ
…وهذا هو خلافنا الأساسي معكم.
…ثانيًا: هذه الأقوال جميعها ليس واحد منها قولاً للشيعة الإمامية فهي كلها في مقابل أقوال الإمامية.
…وجميع المفسرين المذكورة أقوالهم في الآية لم يطعن أحد منهم في عدالة الصحابة الآخرين.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…96) ثمَّ قلتم: (هذا كله بِغضّ النظر عمَّا ذهب عدة من المفسرين والمؤرخين بأنَّ المراد من السابقين: هو: علي بن أبي طالب وأنَّه أول من أسلم كما عن الثعلبي والقرطبي والخطيب وأبي نعيم وغيرهم قال الحاكم النيسابوري لا أعلم خلافًا بين أصحاب التواريخ أنَّ عليًّا أولهم إسلامًا. [تفسير الثعلبي/خ/تفسير القرطبي/8/236/ المستدرك/3/183/...]
…وصرَّح ابن تيمية في رسالة رأس الحسين بقوله: (ثمَّ علي وحمزة وجعفر وعبيدة بن الحارث هم من السابقين الأولين فهم أفضل من الطبقة الثانية من سائر القبائل). [رأس الحسين/23]
…قلت هنا وقفات:(1/147)
…أولاً: عزوك إلى هؤلاء المفسرين أنَّهم قالوا: (المراد من السابقين هو: علي بن أبي طالب..) ليس صحيحًا ولا أظن أنَّك تعمدت هذا الخطأ.
…قال الثعلبي: (واختلف العلماء في السابقين الأولين من هم؟
…فقال أبو موسى الأشعري وسعيد بن المسيب وقتادة وابن سيرين: هم الذين صلُّوا القبلتين.
…وقال عطاء بن أبي رباح: هم الذين شهدوا بدرًا.
…وقال الشعبي: هم الذين شهدوا حجة الرضوان "أي بيعة الرضوان").
…ثمَّ قال: (واختلفوا أيضًا في أول من آمن برسول الله (...فقال بعضهم: علي بن أبي طالب..).
…فأين في تفسير الثعلبي تفسير الآية: بعليّ بن أبي طالب؟!!
…أمَّا القرطبي فقد قال بعد إيراد الآية: (فيه سبع مسائل) أورد في ثلاث منها معنى الآية ولم يذكر فيها علي بن أبي طالب وإنَّما ذكر الأنصار والمهاجرين على حسب ما ذكره المفسرون الآخرون ثمَّ قال: (الرابعة: وأمَّا أولهم إسلامًا فروى مجالد عن الشعبي قال: سألت ابن عباس من أول الناس إسلامًا؟ قال: أبو بكر أو ما سمعت حسانًا..) ثمَّ أورد أبياتًا تدل على سبق أبي بكر. ثمَّ أورد أقوال جماعة من العلماء أكدوا أولية إسلام أبي بكر على غيره ثمَّ قال: (وبه قال إبراهيم النخعي: وقيل أول من أسلم عليّ.. ثمَّ ذكر أقوالاً أخرى فيمن أول من أسلم..)(192).
…فأين فسر القرطبي الآية بعليّ؟!
…ثمَّ ها هو قدَّم أبا بكر فإنَّه ذكر أنَّه أول من أسلم فهل يجوز لنا أن نقول إنَّ الآية تفسر بأبي بكر فقط؟! لا نستجيز هذا المسلك فالآية أعم من ذلك.
…وقول الخطيب وأبي نعيم لا يخرج عن ذكر أول من أسلم والأقوال فيه فهل دعواك إذن من أنَّ العلماء فسروا الآية بعليّ صحيح؟!
…ثانيًا: هذه العقلية الشيعية أن تفسر آيات المدح في كتاب الله ( بـ: "شخص واحد" عقلية عجيبة.
…مئات وآلاف المهاجرين والأنصار توجه الآية ثناءها عليهم تختفي ليكون المخاطب هو: "عليّ (" عليّ هو: "السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار" سبحان الله؟!!(1/148)
…لكن لا غرابة فالذي يطلع على كتب الأحاديث والآثار الشيعية الإمامية يرى أنَّ القرآن كله نزل في الأئمة وأتباعهم وقد أوردتُ في غير هذا الموضع نماذج من ذلك.
…ولا بأس بنموذج آخر هنا من أصح كتب الإمامية.
…روى الكليني بسنده عن أبي عبدالله في حديث طويل: (ما من آية نزلت تقود إلى الجنَّة ولا تذكر أهلها بخير (هكذا) إلاَّ وهي فينا وفي شيعتنا. وما من آية نزلت تذكر أهلها بشرّ ولا تسوق إلاَّ إلى النار (هكذا) إلاَّ وهي في عدونا..)(193). سبحان الله!!
…(وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه) [سورة المائدة (18)].
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…97) ذكرتم الآية التي أوردتُها في إجابتي إليكم وهي قوله تعالى: (محمد رسول الله والذي معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعًا سجدًا يبتغون فضلاً من الله ورضوانًا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرعٍ أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرةً وأجرًا عظيمًا).
…ثمَّ أوردتم قولي: (ذكر ( أنَّه رباهم ورعاهم كما يرعى النبتة التي تخرج من الأرض حتى نضجت واكتملت وأنَّ ذلك سيكون سببًا لغيظ الكفار فمن كرههم أو غاضهم لحقه الوعيد).
…ثمَّ قلتم: (يلاحظ عليه: أنَّ ظاهر كلامكم أنَّه سبحانه وتعالى في هذه الآية يصف جميع الصحابة بأنَّه رباهم ورعاهم كما يرعى النبتة التي تخرج من الأرض ولكنَّه غير تام للوجوه الآتية:
أ) هل المراد من قوله سبحانه: "والذين معه" هو المعية الجسمانية أو أن المراد المعية الروحية فتنطبق على الذين كانوا معه في صلابة الإيمان والعقيدة والعمل والسيرة. وبما أنَّه لا قيمة للمعية في الجسم تختص الآية بالطائفة الثانية ولم يكن كل الصحابة على هذا الخط بدليل الأصناف العشرة التي قدمنا عناوينها وذكرنا موضع الآيات وأرقامها).
…هنا وقفات:…(1/149)
…أولاً: الآية نص على أنَّ: "الذين معه" هذه أوصافهم ونحن نرى في جميع الأحاديث والمواقف أنَّ "الذين معه" أول من يدخل فيها هم: "أبوبكر وعمر وعثمان وعلي" فهم معه في كل المواقف والمشاهد: آمنوا به ونصروه وأحبوه وأحبهم وأثنى عليهم وكان يستشيرهم ويسمع كلامهم ولم يفارقوه سفرًا ولا حضرًا_إلاَّ نادرًا_ وظاهرهم الإيمان وشهد لهم الصحابة وأثنوا عليهم وكان بينهم من الود والحب ما ظهر على حياتهم من التعاون والتزاوج والتسمية بأسماء بعضهم إلى آخر ما هناك من علامات الأخوة الإيمانية.
…فهل هؤلاء تشملهم الآية أم لا؟! لأنَّّ هذا هو مفتاح الخلاف فالصحابة جيش عظيم مقدمته هؤلاء العظماء ونحن عندما نتحدث معكم في الصحابة فإنَّ أول ما يتبادر إلى أذهاننا هؤلاء ثمَّ من ورائهم بقية إخوانهم.
…ثانيًا: هل المراد.. (هو المعية الجسمانية أو أنَّ المراد هو المعية الروحية فتنطبق على الذين معه في صلابة الإيمان والعقيدة والسيرة؟؟!!)
…قلت: من هم هؤلاء الجماعة الذين أشاد بهم القرآن وأنَّهم مع النبي (؟ هل أبو بكر وعمر وعثمان منهم أم هم: "عليّ" فقط على منهجكم؟!!
…القرآن يذكر جماعة فهل هذه الجماعة تتقلص في حسكم وتفكيركم لتصبح رجلاً واحدًا؟! أم أنَّها جماعة؟! وهل هذه الجماعة من ذكرنا أم أنَّها: "أبو ذر وسلمان وعمَّار والمقداد"؟ على حسب الروايات الشيعية؟!
…ثالثًا: أكدتم أنَّ المراد بالآية المعية الروحية!
…قلت: الخطاب واضح الدلالة أنَّ المقصود هم الذين معه بأجسامهم وأرواحهم والذين عاشوا معه واشتهرت معيتهم له بالإيمان والنصرة والمحبة أولهم هم الخلفاء الأربعة الذين أصبحوا عظماء في الأمَّة وارتضت خلافتهم وإمامتهم، نصروا وجاهدوا وفتحوا الأرض ونشروا الإيمان والدين، ولا ينشر الإيمان منافق ولا كافر فهل تستطيع أن تنكر ذلك؟!
…إنَّني على يقين أنَّ تعظيم هؤلاء وحبهم لا يجتمع ودعوى: "الوصية" المكذوبة لأنَّهما عقيدتان متضادتان.(1/150)
…فإمَّا: "تعظيم لهؤلاء" وسلامة صدر واعتراف بالجميل ودعاء بالمغفرة.
…وإمَّا: "دعوى وصية" وكُره لهؤلاء واتهام يتسلسل حتَّى يصل إلى سيد البشر صلوات الله وسلامه عليه ثمَّ إلى رب العالمين.
…رابعًا: قولكم: (ولم يكن كل الصحابة على هذا الخط بدليل الأصناف العشرة..).
…قلت: لا زال هذا الخيال العجيب يتملك مشاعرك وتفكيرك!!
…الأصناف العشرة في المنافقين وليست في المؤمنين وحديثنا عن الصحابة الذين لقوا النبي ( وآمنوا به وأمَّا المنافقون فقد لقوه ولكنَّهم لم يؤمنوا به! نعم ادعوا الإيمان وفرق بين كلمة: "آمن" و:"ادعى".
…وهل يخفى إيمان أبي بكر وعمر وعثمان..وإخوانهم العظماء؟! وهل يزعم مسلم أنَّهم منافقون؟!
…وهل يمدح الله ( الذين معه مطلقًا وفي مقدمتهم هؤلاء فيخدع الناس ويغرر بهم بالثناء على من معه ونحن نرى هؤلاء معه في حله وترحاله وسفره وإقامته وحربه وسلمه وليس لدينا مجهر يكشف ما في القلوب حتَّى نستطيع أن نميز ما في داخلها ويكون هؤلاء منافقين فنخدع بمدحه لهم والثناء عليهم فنعظمهم ونثني عليهم بل قد عظمهم الصحابة قبلنا وأثنوا عليهم ودفنوا العظيمين مع رسول الله ( في مكان واحد فهل هناك أعظم من هذه الأدلة على أنَّهما داخلان في هذا الثناء؟!
…إنَّنا لو فقدنا الثقة في هذه العبارات لا نستطيع أن نصدق أي لفظ آخر في كتاب الله (.
…خامسًا: في الآية قوله تعالى: (ليغيظ بهم الكفار) جعل الله ( هذه التقوية لعلة وهي: "إغاظة الكفار" فهل يغيظ الكفار أربعة أشخاص: "أبو ذر وسلمان وعمَّار والمقداد" أم: "عليّ" فقط أم جموع كثيرة أخافوا الكفر وأهله وكسروا الدول وفتحوا البلاد وهدوا العباد؟!
…هل هؤلاء هم المقصودون أم غيرهم؟!
…تأمل بعين بصيرتك ثمَّ حدد من هم الذين أغاظ الله ( بهم الكفار؟!
…هل هم الصحابة وأتباعهم من السنَّة أم الشيعة؟؟؟ ومتى أغاظ الله ( بالشيعة الكفارَ؟!!
ــــــــــــــــــــــــــــــ(1/151)
…98) قلتم: (إنَّه سبحانه يذكر من سماتهم أنَّهم: "رحماء بينهم" فهل كان الصحابة عامة موصوفين بهذا الوصف؟ أو أنَّهم قاتل بعضهم بعضًا وكم من بدري قُتِل بيد الصحابة هذا هو مقتل الخليفة الثالث وحروب الناكثين والقاسطين والمارقين قتل فيها كثير من الصحابة بيد الصحابة).
…قلت هنا وقفات:
…أولاً: لو أراد شخص: "كافر" أن يطعن في الإسلام ووقف عند هذه الآية وكان قد قرأ المذهب الشيعي فما هو السؤال الذي يمكن أن يطرحه للتشكيك في القرآن أو الإسلام غير هذا السؤال؟!
…سيقول هذا الكافر: القرآن وصف رسولكم ومن معه بقوله: "رحماء بينهم" ونحن نرى أنَّ: (بعضهم قاتل بعضًا وكم من بدري قتل بيد الصحابة) ـ طبعًا هذه عبارتكم ـ فأين الرحمة؟!
…إمَّا أنَّ القرآن غير صادق.
…وإمَّا أنَّ الصحابة الذين وصفهم القرآن غير هؤلاء الذين قرأنا عنهم في كتب الشيعة؟!
…أرأيت كيف تفعل العقائد الضالة بدين الله (؟!
…ثانيًا: ثمَّ لو قال ناصبي: إنَّ القرآن وصف الصحابة بأنَّهم "رحماء بينهم" وقد رأينا هذه الرحمة في عهد الخلفاء الثلاثة أو الخليفتين الأولين ولم نرها في خلافة الرابع فقط رأينا علي بن أبي طالب وطلحة والزبير ومعاوية قد تقاتلوا واستباح بعضهم دماء بعض ولم نرَ الرحمة فيهم ممَّا يشككنا في دخول هؤلاء في المدح؟! وهذا يؤكد لنا أنَّ هؤلاء لم يشملهم معنى الآية!
…أليس معتقد الشيعة في اتهام الصحابة بأنَّه قتل بعضهم البعض الآخر وأنَّه لا ينطبق على جميعهم هذا الوصف؟ هذا هو السبب في مثل هذا السؤال؟! فما هو جوابكم؟!
…ثالثًا: أمَّا نحن أهل السنَّة فلا يرد علينا هذان السؤالان لأنَّنا نخالف هذا الفهم الشيعي ونقول: إنَّ الصحابة ( كما أخبر ( عنهم وأنَّهم رحماء بينهم رضي الله عنهم وأرضاهم وذلك يتضح بالتفصيل الآتي:(1/152)
1- عاش الصحابة مع رسول الله ( في مكة والمدينة قرابة عشرين سنة وهم إخوة متحابون لا نرى بينهم إلاَّ الخير والأخوة الإيمانية وكان ذلك سر انتصارهم على أعدائهم وحصول هذا الثناء الربَّاني الذي صدر من الحكيم الخبير الذي لا تخفى عليه خافية.
ولا يعكر عليه وجود أشخاص ليسوا من المسلمين قد يشاركونهم في السكنى بالمدينة أو في بعض الغزوات لأنَّهم ليسوا من المؤمنين أصلاً، وليسوا المقصودين بالثناء.
2- ثمَّ توفي رسول الله ( وخلفه أفضل البشر وأعظمهم بعد الأنبياء صاحب رسول الله ( منذ بعثته ورفيقه في هجرته وضجيعه في حجرته ( ورفع درجته أبو بكر الصدِّيق فكان الصحابة معه على مثل ما كانوا مع رسول الله ( في نصر الدين والتعاون على البر والتقوى ولم ينتقص من سيرتهم شيء (.
ولا يعني ذلك أن لا يحدث بين شخصين أو أكثر خلاف أو خصومة لكن الحكم للغالبية.
ثمَّ خلف بعد ذلك الفاروق واستمرت الحياة والصحابة على نفس المسيرة ( حتى استشهد ( عام خمسة وعشرين تقريبًا فوفى بذلك مع الصدِّيق خمسة عشر عامًا.
…فإذا أضفنا هذه الفترة إلى فترة الرسول ( أصبحت خمسًا وثلاثين سنة تقريبًا.
…ثمَّ حكم ذو النورين صهر رسول الله ( زوج ابنتيه قرابة ثلاث عشرة سنة وقع آخرها فتنة انتهت باستشهاده (.
…فإذا أضفنا فترة خلافة عثمان ( إلى الفترة السابقة أصبحت ثمانيًا وأربعين سنة كان الصحابة ( خلالها إخوة متحابين، نصر الله ( بهم الدين وفتح الأرض، ولو لم يكونوا متحابين رحماء بينهم لما تمكنوا من غلبة أعدائهم.
…فأين هذه الفترة الذهبية التي تسطر بمداد من نور ألم يكونوا رحماء بينهم؟!
…إنَّ القرآن كلام الله أصدق الكلام وإنَّ الصحابة ( كانوا كما ذكر الله (.
3- في عام خمسة وثلاثين هجرية وقعت الفتنة ونتج عنها مقتل عثمان ( وليس ذلك من الصحابة بل كان بسبب رجل يهودي اسمه: "عبدالله بن سبأ" عمل على إثارة الفتنة كما رواه الطبري رحمه الله وغيره من المؤرخين.(1/153)
فقد روى الطبري بسنده عن يزيد القعسي قال: (كان عبدالله بن سبأ يهوديًا من أهل صنعاء: أمه سوداء فأسلم زمان عثمان ثمَّ تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم.
…فبدأ بالحجاز ثمَّ البصرة ثمَّ الكوفة ثمَّ الشام فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام فأخرجوه حتَّى أتى مصر فاعتمر فيهم.
…فقال لهم فيما يقول: لعجب ممن يزعم أنَّ عيسى يرجع ويكذِّب بأنَّ محمدًا يرجع وقد قال الله (: (إنَّ الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) فمحمد أحق بالرجوع من عيسى قال: فقُبل ذلك عنه ووضع لهم: "الرجعة" فتكلموا فيها.
…ثمَّ قال لهم بعد ذلك إنَّه كان ألف نبي ولكل نبي: "وصي" وكان: "علي وصي محمد" ثمَّ قال: محمد خاتم الأنبياء وعليّ خاتم الأوصياء.
…ثمَّ قال بعد ذلك: من أَظلمُ ممن لم يُجز وصية رسول الله ( ووثب على وصي رسول الله (؟ وتناول أمر الأمَّة!
…ثمَّ قال لهم بعد ذلك: إنَّ عثمان أخذها بغير حق وهذا وصي رسول الله ( فانهضوا في هذا الأمر فحرِّكوه وابدؤوا بالطعن على أمرائكم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس وادعوهم إلى هذا الأمر.
…فبثَّ دعاته وكاتب من كان استفسد في الأمصار وكاتبوه ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم... واستمر على هذا المنهج.
…ثمَّ بلغ عثمان فأرسل رسله إلى الأمصار لاستطلاع الأمر ومنها مصر ورجع كل الرسل إلاَّ رسول مصر وهو: "عمَّار بن ياسر" لم يرجع(194) ـ إن صحت الرواية ـ.
…هذا هو أصل الفتنة وقد نتج عنها مقتل عثمان وظهور عقيدة الرجعة والوصية ولكنها في بدايتها.
4- ثمَّ تولى علي بن أبي طالب ( الخلافة وامتنع معاوية عن البيعة ما لم يقتص من قتلة عثمان.(1/154)
وقد خرجت عائشة والزبير وطلحة ومن معهم من الصحابة قاصدين العراق لمحاربة الذين قتلوا عثمان ثمَّ اتجه عليّ ( إلى العراق لما بلغه الخبر وكان يريد قبل ذلك الشام ولمَّا تلاقى الجيشان اتفقا على الصلح لكن المفسدين الذين كانوا في جيش عليّ أدركوا خطورة الصلح فاتفقوا على إعلان الحرب آخر الليل واتهام جيش عائشة وطلحة والزبير بأنَّهم هم الذين بدؤوا وأنَّهم قد خدعوا عليًا ((195).
…هذا ملخص الفتنة.
…الذين أثاروا الفتنة على عثمان هم الذين أثاروها على عليّ وكانت النتيجة أن وقع القتال.
…فأين في هذه الأحداث تعمد القتل؟! أليس كلا الجيشين قد جُرَّ إلى الفتنة بدون رغبته؟
…هذه كتب التواريخ فهل عندكم روايات أصدق منها وأصح تقول بأنَّ الصحابة تعمدوا القتال؟ واستباحوا دماء بعضهم؟!
…رابعًا: هذا القتال قد شارك عليّ بن أبي طالب ( فيه فهل يُقال إنَّه ليس ممن قال الله ( فيهم: (رحماء بينهم) وأنَّه قد قتل الصحابة؟!
…ما يعتذر به لعليّ ( يعتذر به لإخوانه وإن كنا نعتقد أنَّه ( هو أحق من الآخرين لكنا لا نؤثِّم الآخرين ولا ندعي أنَّهم تعمدوا القتال لما ظهر منهم من حسن الصحبة وفضلها وما ورد فيهم من مدح وثناء وأنَّهم هم مع إخوانهم كانوا قاعدة الإسلام ورواته وأنصاره وما وقع من فتنة لعل الله ( يعفو عنهم ويغفر لهم فإنَّنا لا نعتقد أنَّهم تعمدوا تلك الأحداث.
…خامسًا: أشرت إلى قتال: (الناكثين والقاسطين والمارقين) وكأنَّك تشير إلى حديث عن عليّ ( أنَّه قال: (عهد إلي النبي ( أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين)(196).
…قلت: هذا الحديث كغيره من الأحاديث التي تستدل بها الشيعة التي لا تصح.
…فهذا الحديث رواه أبو يعلى بسند لا يصح فيه "الربيع بن سعيد" مجهول الحال.(1/155)
…ورواه أبو يعلى(197) عن عمار بن ياسر وفيه: "الخليل بن مرة" قال البخاري: منكر الحديث. وقال ابن حبان: (يروي عن جماعة من البصريين والمدنيين من المجاهيل). وقد طول ابن عدي في ترجمته وأورد له مناكير(198).
وأورده الهيثمي وقال: (رجاله رجال الصحيح غير الربيع بن سعيد وثقه ابن حبان)(199) وذكره الهيثمي من عدة طرق وكلها لا تخلو من علة وقول الهيثمي رحمه الله فيه قصور وابن حبان متساهل في التوثيق.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
99) قلتم: (ومن سماتهم أيضًا (سيماهم في وجوههم من أثر السجود)، فهل كان هذا الوصف متوفرًا في عامة الصحابة؟
د: نحن نفترض وجود هذه السمات في عامة الصحابة، ولكن ذيل الآية يشهد على أنَّ الثناء على قسم منهم بقوله سبحانه: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرًا عظيمًا).
قال لفظة: "من" في قوله: "منهم" للتبعيض وما يقال من أن: "من بيانية غير صحيح؛ لأنَّها لا تدخل على الضمير مطلقًا في كلامهم وإنَّما تدخل على الاسم الظاهر كما في قوله: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان).
وهنا وقفات:
أولاً: سؤالكم عن سمات السجود هل هي متوافرة: "في عامة الصحابة"؟
قلت: من هم الصحابة الذين توافرت فيهم عندكم؟!
هل توافرت في أبي بكر وعمر وعثمان والمشهورين معهم؟! أم لم تتوافر إلاَّ في: عليّ أو فيه وفي: الأربعة: أبي ذر وسلمان وعمار والمقداد؟!
ثناء رب العالمين ومدحه لأمَّة مع رسول الله ( يعدون بالآلاف كم منهم توافرت فيه هذه الصفات؟
ثانيًا: قلتم: إنَّ: (لفظة: "من" للتبعيض...)
قلت: نعم هذا الوعد للتبعيض لكن الثناء السابق لم يُقيد بمن فهل يعني أنَّك تقر بعمومها أم أنَّك أخرجتها بتأويل آخر وهو: أنَّ المعية يراد بها المعية الروحية!!
فلابد من التأويل مرة بتقييد اللفظ المطلق وأخرى بصرف المعنى بدعوى التبعيض.
ثالثًا: الآية وعدت بعضهم بالمغفرة والأجر العظيم: فمن هم الذين تعتقد أنَّها تشملهم من الصحابة؟!(1/156)
ــــــــــــــــــــــــــــــ
100) قلتم: (والذين آووا ونصروا)، والمراد هم الأنصار الذين آووا، وهذا يختص بمن نصر وآوى وقد انقطع بترحيل بني النضير عن أراضي يثرب، في السنة الرابعة؛ فإنَّ النبي ( قسَّم أراضيهم بين المهاجرين في تلك السنة، فاستغنوا بذلك عن إيواء الأنصار.
(والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم)، والمراد هم الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بعد السابقين الأولين، فيشير هذا المقطع من الآية إلى ما ورد في الآية الأولى، أعني قوله: (والذين اتبعوهم بإحسان) وبما أنَّ الهجرة قد انقطعت بعد الفتح فالآية لا تثني على الطلقاء، ولا أبناء الطلقاء، ولا الأعراب، ولا الذين آمنوا بعد الفتح. فيتحد مفاده مع قوله سبحانه: (والذين اتبعوهم بإحسان).
فهذه الآيات الثلاث تثبت أنَّ الصحابة كالتابعين، فيهم عادل، وغير عادل، لا كلهم عدول، ولا كلهم فسقة.
قلتم: (أوليس هذا ثناء من الله ( على المهاجرين والأنصار وتأكيد إيمانهم)، كيف يكون ثناء على كل المهاجرين والأنصار؛ بل ثناء على السابقين منهما، والذين اتبعوهم بإحسان، وعندئذٍ لو دل دليل على عدم التبعية أو شككنا في كونه تابعًا بإحسان، فالآية لا تكون دليلاً على العدالة في مورد الشك، فإذا كان قيد الموضوع (بالإحسان) مشكوكًا فيه، لا يحكم بالدخول؛ لأنَّ الحكم لا يثبت موضوعه، كما بيَّن في علم الأصول، نعم إن أحرزت التبعية بإحسان لعمته الآية.
قلت هنا وقفات:(1/157)
أولاً: قلتم: (والمراد هم الأنصار الذين أووا...) هل هؤلاء الأنصار الذين وردت أسماؤهم في كتب الحديث وتراجم الرجال وهم يعدون بالمئات هل تُقر بأنَّهم: "مؤمنون حقًا" فلا فسق فيهم ولا نقص في إيمانهم وهم عدول تقبل شهادتهم ورواياتهم مع إخوانهم المهاجرين الأوائل، أم عندكم نظر في شهادة الله ( فهي تحتاج إلى: "قيد" الإطلاق بأنَّهم: "الذين لم يغيروا" ثمّ نطبق عليهم أنَّهم قد: خانوا ولم ينصروا الإمام فكان ينبغي على الله ( أن يقيد!!
استغفر الله.
ثانيًا: عقبتم على الآية بقولكم: (والمراد هم الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بعد السابقين الأولين) فهل تعترفون بأنَّ أشخاصًا آمنوا وهاجروا وجاهدوا وثبتوا على إيمانهم وأنَّ وعد الله ( متحقق لهم أم أنَّه يحتاج إلى تقييد هذا الإطلاق بأنَّهم الذين لم يغيروا ولم يبدلوا؟!
إنَّ جميع النصوص الشرعية التي وردت في مدح طوائف المؤمنين لا أظنها تسلم من قيد وتأويل في مذهبكم لأنَّ عقيدة الوصية لا تقبل أي ثناء على غير الأربعة...ولهذا فقد زعمتم هنا أنَّها لابد من تقييدها بآية أخرى وكأنَّ الله ( لا يعلم حتَّى يذكِّره الشيعة ـ استغفر الله ـ.
ثالثًا: قلتم: (فالآية لا تثني على الطلقاء ولا أبناء الطلقاء ولا الأعراب ولا الذين آمنوا بعد الفتح)
قلت: والذين آمنوا قبل الفتح وليسوا من الطلقاء فهل تشملهم الآية وتعترفون بأنَّهم عدول؟!
إنَّ الخلاف معكم ليس في الطلقاء وأبناء الطلقاء وإنَّما في العظماء: أبي بكر وعمر وعثمان وبقية العشرة ومن كان معهم من الأخيار وأمَّا من بعدهم فالخطب فيهم أيسر من هؤلاء!
وعند التأمل لا يمكن أن يقبل ـ عند الشيعة ـ أي آية فيها ثناء ومدح فإنَّها كلها مصروفة مقيدة.(1/158)
وإذا كانت شهادات القرآن لا تقبل في الحقيقة وإن تظاهر الشيعة بعبارات غامضة وألفاظ محتملة والسنَّة عندهم مردودة كذلك لا تفيد يقينًا ولو صحت إلاَّ إذا كانت تثبت الوصية ولو كانت مكذوبة فمن أين تعرف الحقيقة؟! فالله المستعان.
فقد أصبحت هذه العقيدة هي الأصل والقاعدة فما وافقها قبل وما خالفها رد أو أول ولو كان كلام الله (.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
101) قلتم: (الآية الثالثة: وقال تعالى: (إنَّ الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض...) إلى أن قال: (والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقًا لهم مغفرة ورزق كريم).
أقول: إنَّ مفاد الآية قريب ممَّا جاء في سورة الحشر التي قدمناها سابقًا، وهي تصف معشرًا من الصحابة وتثني عليهم، لا على جميعهم، وإليك مقاطع من الآية يوضح ما ذكرنا.
(إنَّ الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله) فالمراد هم السابقون الأولون، لا مطلق من هاجر وجاهد، بشهادة ذكر الهجرة في الصنف الثالث كما سيوافيك، وهذه قرينة على أنَّ المراد هم السابقون في الهجرة، لا مطلق من هاجر.
قلت هنا وقفات:
أولاً: الله ( وصف من هاجر وجاهد في سبيل الله (_فقيد الهجرة والجهاد بأن يكونا في سبيله_ بأنَّهم مؤمنون حقًا فمن هم يا ترى الذين تنطبق عليهم هذه الصفات عندكم؟!
ثمَّ ذكر الذين آووا نصروا بدون هذا القيد فهل يمكن لكم أن تقيدوه؟
وهل هناك أحد من المنافقين آوى مهاجرًا؟!
إنَّ الآية أطلقت ولم تقيد ممَّا يؤكد أنَّ جميع من آوى داخل تحت هذا الوصف والوعد.
إلاَّ إذا ذكَّرتم الله ( بأمر نسيه وهو أنَّ هناك منافقين ربَّما أووا فلابد من القيد!! استغفر الله.
ثانيًا: قلتم: (إنَّ المراد هم السابقون في الهجرة لا مطلق من هاجر)
قلت: سبحان الله: أين هنا القيد: بالسابقين؟!(1/159)
الله ( أطلق: أنَّ من آمن وهاجر وجاهد في سبيل الله فهو مؤمن حقًا والله ( أعلم بخلقه وهو صاحب الفضل يعد من يشاء ويتوعد من يشاء لا معقب لحكمه.
فأحيانًا سبحانه: "يقيد" لحكمة وأحيانًا: "يطلق" لحكمة فإذا قيد فلا إطلاق وإذا أطلق فلا قيد وهذا هو الأدب مع الله (.
لا ينبغي أن نستحدث تصورًا نجعله مقياسًا لأحكام الله ( فنفسر كل آياته تحت مظلته فإذا تطلب هذا المقياس أن نقيد قيدنا وإذا تطلب أن نطلق أطلقنا فنجعل القرآن تابعًا لمقاييسنا وعقائدنا (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
102) قلتم: (الآية الرابعة: قال تعالى: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى)).
7- قلتم: هذه الآية الكريمة تمدح الذين آمنوا قبل الفتح، وأنفقوا في سبيل الله، وقاتلوا لإعلاء كلمة الله (، وأنَّ من لحقهم بعد ذلك لا يدرك فضلهم، وهذه شهادة عظيمة من الله (.
يلاحظ عليه: أنَّ الآية تدل على عدم التسوية بين الفريقين، وهذا ممَّا لا ريب فيه، كما يدل على أنَّه سبحانه وعد الكل الحسنى، غير أنَّ وعده سبحانه بالحسنى مشروط بحسن خواتيم العمل، فإنَّه سبحانه وعد لكل من عمل صالحًا بالحسنى ولكن بشرط أن يكون باقيًا على ما كان عليه.
وقد دل الذكر الحكيم على أنَّ رجالاً مؤمنين انقلبوا على أعقابهم بعد فترة، يقول سبحانه: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين).
فالآية تخبر عن مصير من أوتي الآيات، ولكنَّه انسلخ منها، فمن وعده الله سبحانه الحسنى في الآية ليس بأفضل من هذا الرجل الذي بلغ في العلم والعمل بمكان نال آية من الله سبحانه وقد زلت أقدامه في آخر حياته.(1/160)
وقد عقد البخاري في صحيحه بابًا باسم "العمل بالخواتيم"، فطالعوا ما ورد فيه من الرواية رزقنا الله سبحانه حسن العاقبة) [صحيح البخاري/7/212/].
قلت وهنا وقفات:
أولاً: الآية الكريمة خاطبت فئة معينة بذكر صفاتها ووعدت أصحابها بالحسنى: أي الجنَّة.
وهذا الخطاب لأقوام بأعيانهم وفي ذلك بشارة لهم بأنَّهم يعيشون على الإيمان ويموتون عليه.
أمَّا إذا جاءت الآيات مطلقة ولم تخاطب قومًا بأعيانهم فذلك يكون بشرط الاستمرار على الصفة التي وعدوا بالثواب عليها.
فإذا قال الله (: يا أبا بكر وعدتك بالحسنى ثمَّ جاء الشيعي وقال: لا يارب: لابد أن يستمر على الإيمان!!
فكأنَّ الله ( لا يعلم الغيب ولا يدري أنَّ هذا الشخص سيستمر على الاستقامة أم لا فحاله كحالنا فلابد من القيد!!
إنَّ هذه العقلية عقلية قد سجنت في سرداب مظلم لن تدرك حقائق الوجود إلاَّ إذا خرجت منه إلى فسيح الأرض لترى الوجود على حقيقته ومهما قُوِّمت أو جُلِّيت الحقائق فإنَّها لا تراها لبعدها عن نور الحقيقة والتي اكتشفها صادقون من أتباع هذا المذهب صدقوا الله فصدقهم. أمثال البرقعي وإخوانه كما بين في هذا المبحث.
الله ( يخاطب قومًا بأعيانهم ويعدهم بالجنَّة، والشيعة الإمامية نصبوا أنفسهم مستدركين على الله ( يقيدون كل إطلاق ويصححون كل خطاب.
فعندما يخاطب الله ( فئة بعينها فلابد أن يتحقق الموعود لأنَّه صادر من العليم الخبير.
أمَّا إذا وعد الله ( وعدًا مطلقًا فلا شك أنَّه مقيد بتحقق ذلك الوعد.
فمثلاً قوله تعالى: (فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) [سورة البقرة(38)].
قلنا إنَّ هذا الوعد مشروط بالاستمرار على هذه الصفة.
وقوله تعالى: (والذين آمنوا وعملو الصالحات أولئك أصحاب الجنَّة هم فيها خالدون) [سورة البقرة(82)].
قلنا إنَّ هذا وعد مشروط بهذه الصفة..وهكذا.(1/161)
أمَّا إذا قال لقوم: أنتم وعدتكم الجنَّة فلا يليق بالمسلم أن يقول: لابد من قيد الإحسان فإنَّ هذا جرأة على الله (.
وعلى هذا فقولكم: (غير أنَّ وعده سبحانه بالحسنى مشروط بحسن خواتيم العمل) غير لائق بكم أن تستدركوا على الله ( لأنَّه يخاطب أشخاصًا بأعيانهم لا يخاطب أشخاصًا بأوصافهم غير معروفين.
ثانيًا: قولكم: (وقد دل الذكر الحكيم أنَّ رجالاً مؤمنين انقلبوا على أعقابهم..ثمَّ ذكرتم الآية).
إنَّ هذا القول من أفسد الأقوال وأبعدها عن معنى الآية التي نحن بصددها وذلك من عدة أوجه:
1- أنَّ الآية التي في الصحابة ( قد وعدتهم بأعيانهم فإنَّ الصفة التي ذكرها ( تتمثل في أشخاص بأعيانهم وعدوا بجنَّات النعيم.
2- أنَّ الذي انقلب على عقبيه لم يسبق له من الله ( وعد بالجنَّة بشخصه وإلاَّ فلو وعده الله ( بشخصه لتحقق وعد الله سبحانه.
3- لو اتبعنا قاعدتكم هذه في بقية الآيات فأخرجناها عن معناها واعتقدنا أن لا وعد ولا ثناء على أحد من الصحابة وأنَّهم جميعًا معرضون للردة رغم دلالة الآيات على نجاتهم وإيمانهم ومطابقة الأحاديث لمعنى الآيات بالثناء على أهل بدر وأهل بيعة الرضوان لو فعلنا ذلك لشككنا في جميع الصحابة ولأمكن للكفار والمنافقين أن يشككوا في إيمان جميع الصحابة.
وهذا من الأسباب التي جعلت مذهب التشيع بوابة مفتوحة لكل طاعن وزنديق وإن كنَّا لا نصف الشيعة بذلك لكن المذهب قابل لذلك.
ثالثًا: استدلالكم بما في البخاري من قوله: "العمل بالخواتيم" فيمن لم يشهد له القرآن والسنَّة وأمَّا ما شهد له القرآن والسنَّة أو أحدهما فليس داخلاً في ذلك الباب قطعًا.
ولو تأملتم المسألة بعيدًا عن تأثير المذهب لربَّما انكشفت لكم الحقيقة.
تضرعوا إلى الله وادعوه أن يهدينا وإيَّاكم لما اختُلف فيه من الحق فإن من صدق الله ( صدقه.
ــــــــــــــــــــــــــــــ(1/162)
103) الآية الخامسة: (قال سبحانه: (للفقراء المهاجرين الذين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضوانًا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ( والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة ممَّا أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنَّك رؤوف رحيم).
فهذه الآيات الثلاث نظير ما تقدم من الآيات لا تثني على عامة الصحابة، بل على فريق منهم: أمَّا المهاجرون، فتثني على فقرائهم بشرط التمتع بالصفات التالية:
أ) (الذين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم).
ب) (يبتغون فضلاً من الله ورضوانًا).
ج) (وينصرون الله ورسوله).
فمن تمتع بهذه الصفات الثلاث من المهاجرين فقد أثنى القرآن عليه، وبما أنَّ من أبرز صفاتهم، كونهم مشردين من ديارهم وأموالهم، فيكون المقصود هم الذين هاجروا قبل وقعة "بدر".
وأمَّا الأنصار فإنَّما تثني على من تمتع بالصفات التالية:
أ) (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم) أي آمنوا بالله ورسوله، فخرج بذلك من اتهم بالنفاق وكان في الواقع منافقًا.
ب) (يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة ممَّا أوتوا)
ج) (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة).
وبما أنَّ من أبرز صفاتهم، هو إيواء المهاجرين ، وإيثارهم على الأنفس، فيكون المراد من آمنوا بالنبي وآووه وآووا المهاجرين، فينطبق على من آوى وآمن من قبل غزوة بدر؛ لانتفاء الإيواء بعدها.
قلت هنا وقفات:
أولاً: هل وجد من المهاجرين من تمتع بهذه الصفات أم لا؟
وإذا قلنا وجد فمن هم؟ وهل أبو بكر وعمر وعثمان وبقية عظماء الصحابة كسعد بن أبي وقَّاص والزبير وطلحة منهم أم لا؟(1/163)
ثانيًا: إذا كانوا منهم فقد تحقق فيهم قوله تعالى: (أولئك هم الصادقون) وهو وصف ثناء ومدح ثابت لهم إلى أن يلقوا الله ( لأنَّ الله سبحانه لا يثني على من يعلم أنَّه يغير إلاَّ إذا اعتقدتم أنَّه لا يعلم الغيب فرأيتم أنَّه لابد من قيد: "بشرط أن لا يغيروا" فاستدركتم على الله ( ـ استغفر الله ـ.
ثالثًا: قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا لله وكونوا مع الصادقين) [سورة التوبة(119)] وهذا أمر من الله ( للصحابة عمومًا ممن لم يكن منهم أن يكون معهم.
فإنَّه سبحانه قد أخبرهم أنَّ هؤلاء المهاجرين الأولين: "صادقون" فعرفوهم ثمَّ أمرهم أن يكونوا معهم ممَّا يؤكد أنَّهم سيعيشون على الحق والصدق.
وقد كان: "عليّ بن أبي طالب (" منهم وقد عاش معهم ( ولم يخرج عنهم.
رابعًا: الأنصار الذين آووا هل تحقق فيهم حكم الله ( ووعده بأنَّهم: "مفلحون" وهل وجد من توافر فيهم هذه الصفات منهم أم لا؟
فإن قلتم: نعم؛ فمن هم؟ وهل يحتاج الحكم إلى قيد أم لا؟
خامسًا: هل يمكن معرفة الأنصار وتمييزهم عن المنافقين أم لا يمكن؟ أم يمكن تمييز بعضهم ؟وإذا قلنا يمكن تمييز بعضهم فمن هم الذين تستطيع ذكرهم منهم؟
سادسًا: بعد أن توفي النبي ( هل بقي هؤلاء: "صادقين مفلحين" أم تغيروا بسبب: "الوصية"؟!
سابعًا: إذا سددت على نفسك باب الثقة فيهم هل تستطيع أن تعرف الدين؟! القرآن الذين كتبوه والسنَّة التي نقلوها.
ثامنًا: إذا فقدنا الثقة فيهم فهل الدين الذي نشروه وفتحوا به البلاد وهدوا به العباد هل هو دين حق أم دين باطل؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــ(1/164)
104) قلتم: فالاستدلال بهذه الآية على أنَّ القرآن أثنى على الصحابة جميعهم من أولهم إلى آخرهم ـ الذين ربَّما جاوز عددهم المائة ألف ـ غفلة عن مفاد الآيات فأين الدعاء والثناء على لفيف من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم المتمتعين بخصوصيات معينة، من الثناء على الطلقاء والأعراب وأبناء الطلقاء والمتهمين بالنفاق؟!
قلت: هنا وقفات:
أولاً: سورة التوبة ذكرت قسمين: سابقين أولين من المهاجرين والأنصار، وتابعين لهم بإحسان.
وفي سورة الحشر ذكرت ثلاثة أقسام: مهاجرين وأنصارًا وأتباعًا.
وفي سورة الأنفال ذكرت ثلاثة أقسام: مهاجرين وأنصارًا ومهاجرين آخرين.
فآيات التوبة والحشر دلالاتها متقاربة.
وآيات الأنفال قررت أنَّ المهاجرين قسمان: فدل على أنَّ الهجرة قد كانت مرتين.
فإذا كان تعداد الأمَّة قد بلغ أكثر من مليار مسلم ويمثل الشيعة جزءً يسيرًا منهم.
هذا الجزء اليسير اختار تكفير جميع الصحابة أو تضليلهم ما عدا أربعة أشخاص لأنَّ هؤلاء جميعًا لم ينفذوا الوصية الموهومة فاستحقوا عند هذا الجزء اليسير الحكم عليهم بالضلال.
والأمَّة بكاملها اختارت تعظيم جميع الصحابة واعتقاد إيمانهم واستقامتهم ما لم يظهر منهم بالدليل القاطع ما يخالف ذلك وإن كانوا يرون أنَّ الصحابة ليسوا كلهم على درجة واحدة بل درجات متفاوتة. فمن هو الصادق منهم يا ترى؟!
ثانيًا: المفسرون يؤكدون أنَّ آيات سورة الحشر شملت الأمَّة بكاملها إذ لا يخلو المسلم من أن يكون: مهاجرًا أو أنصاريًا أو تابعًا لهم بإحسان وأهل السنَّة يعتقدون أنَّ الآيات تدل على هذه الأقسام الثلاثة وهذا لسلامة قلوبهم للأمَّة أولها وآخرها.
نعم قد يحصر بعض العلماء التابعين بإحسان في فترة زمنية لكن يبقى رأي الأكثرية وفهمها هو الراجح.(1/165)
ثالثًا: خلاف أهل السنَّة مع الشيعة ليس في الطلقاء والأعراب والمتهمين بالنفاق وإنَّما في جميع الأصناف الثلاثة فأين في كتب الشيعة تزكية لأحد هذه الأصناف بأعيانهم فيسمَّى: أبو بكر بعينه وعمر بعينه وعثمان بعينه وإخوانهم الآخرون؟
إنَّ هذا: "الخلاف" الذي أشرت إليه وإن كان يمثل جزءً من الخلاف لكن هذا خلاف يسير بالنسبة للخلاف العظيم الذي جعل أهل التشيع فرقة تضاد الأمة بكاملها.
رابعًا: الطلقاء وأبناء الطلقاء والأعراب إذا حسن إيمانهم واستقامت أخلاقهم فلا يمنع القول بعدالتهم وتأخر إسلامهم لا يحرمهم الفضل إذا أخلصوا النية وأحسنوا العمل.
خامسًا: المتهمون بالنفاق ليسوا من الصحابة ولا يطلق أهل السنَّة عليهم هذا الوصف ولا يخفى المنافق من المؤمن إلاَّ عند جاهل أو سيء النية فأين في دواوين الأمَّة المسلمة وصف منافق واحد بأنَّه مؤمن؟
إنَّ هذه الدعوى: أنَّ الآيات تعدل متهمين بالنفاق من أقبح الدعاوى.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
105) قلتم: (فلنرجع إلى كلامكم ثمَّ أوردتم قولي وهو: (أرأيت هذا التقسيم العجيب لطوائف المؤمنين:
مهاجرون
أنصار
متبعون، يحبونهم ويدعون لهم، ولا يكرهونهم.
أين مكان الإمامية هنا؟؟ وأين مكان أهل السنَّة هنا؟)
ثمَّ قلتم: قولكم: "مهاجرون" والصحيح: "المهاجرون الأولون السابقون" لأنَّه سبحانه يصفهم بقوله: (الذين أُخرجوا من ديارهم) فأين مطلق المهاجرين من هذه الآية؟
قولكم: "أنصار" والصحيح: "السابقون الأولون من الأنصار" لأنَّه سبحانه يصفهم بقوله: (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم) وليس كل أنصاري آوى المهاجرين، بل انقطع الإيواء بعد إجلاء بني النضير، كما مرَّ، فمن آمن من الأنصار من بعده، فهو خارج من مدلول الآية.
قولكم: "متبعون يحبونهم يدعون لهم ولا يكرهونهم"، والصحيح:"والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا...").
هنا وقفات:(1/166)
أولاً: عندما أشرتُ إلى تقسيم الآيات للأمَّة إلى ثلاثة أقسام: مهاجرين وأنصار وأتباع، صححتم هذا التقسيم بتقييد الأوصاف، (المهاجرون السابقون الأولون) و: (السابقون الأولون من الأنصار).
قلت: لا بأس بتصحيحكم فهل يمكن أن تذكر لنا هؤلاء المهاجرين السابقين والأنصار السابقين من هم؟!
في الحقيقة لا يمكن لشيعي أبدًا أن يعرف الفضل لهؤلاء السابقين إلاَّ على سبيل التقية لأنَّ عقيدة الشيعة لا تفسح مجالاً في قلوب أهلها لمعرفة فضل عظماء الأمَّة فلو اعترفوا بفضلهم لاختلت عقيدتهم.
إنَّ: "عقيدة الشيعة" ـ أعني الإمامية ومن نحا نحوهم تضاد: "عقيدة السنَّة" ويستحيل أن يجتمعا.
فالخلاف أساسي وليس فرعيًا كما يحاول بعض الشيعة أو بعض الكُتَّاب الذين لا يعرفون الحقيقة أن يدَّعوه.
ثانيًا: أوردتم قولي: (متبعون يحبونهم ويدعون لهم ولا يكرهونهم) ثمَّ قلتم: والصحيح: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا...).
قلت: عجيب هذا التصحيح وهل يمكن أن يعتقد أخوتهم له ثمَّ يدعو لهم بالمغفرة وهو يكرههم؟ أليس هذا دليلاً على أنَّ قلوب الشيعة قد حرمت من حب عظماء الأمَّة الذين نصروا الدين ونقلوه وفتحوا الأرض لأنَّ "عقيدة الوصية" تلاحقهم عند كل موقف؟!
ألا نحب من نصر الدين وكان السبب في إسلامنا وإسلام أبائنا وحفظ الدين ونقله إلينا؟!
إذا لم نحب هؤلاء فمن يا ترى يستحق أن يُحب من أفراد الأمَّة؟!
أورد القرطبي عن ابن أبي يعلى أثرًا قال في آخره: (كن مهاجريًا فإن قلت: لا أجد فكن أنصاريًا فإن لم تجد فاعمل كأعمالهم فإن لم تستطع فأحبهم واستغفر لهم كما أمرك الله)(200).
وقال السمرقندي: (وفي الآية دليل: أنَّ من ترحم على الصحابة واستغفر لهم ولم يكن في قلبه غل لهم فله حظ في المسلمين وله أجر مثل أجر الصحابة، ومن شتم أو لم يترحم عليهم أو كان في قلبه غل لهم ليس له حظ في المسلمين)(201).
ــــــــــــــــــــــــــــــ(1/167)
106) قلتم: كلمة قارصة: ثمَّ قلتم تعقيبًا على كلامي: (ثمَّ إنَّكم ذكرتم في ذيل كلامكم هاتين الجملتين:
أين مكان الإمامية هنا؟؟
وأين مكان أهل السنَّة هنا؟)
قد تعرفتم أنَّ الطائفتين غير داخلتين في هذه الآية، فالسؤال ساقط بعد الموضوع؛ فإنَّ المقابلة بين الطائفتين يعرب عن أنهما طائفتان متضادتان لا تشاركان في أصل أو أصول، وأنَّهما كمعسكري الشرق والغرب لكلّ "أيدلوجيّة" خاصة وليست الشيعة إلاَّ نفس المسلمين الأوّل الذين بقوا على وصيّة الرسول في حق أهل بيته، وليست السنَّة إلاَّ نفس المسلمين الأول، ولكنَّهم خالفوا وصيّة الرسول ولم ينفذوا وصيته في حق عليّ وأهل بيته، ولو أغمضنا عن ذلك فالطائفتان صنوان على أصل واحد.
قلت: هنا وقفات:
أولاً: دعوى أنَّ "الطائفتين غير داخلتين في الآية مردودة.
قال القرطبي: (قوله تعالى: (والذين جاءوا من بعدهم) يعني من التابعين ومن دخل في الإسلام إلى يوم القيامة)(202).
وقال ابن كثير: (فالتابعون لهم بإحسان هم المتبعون لأثارهم الحسنة وأوصافهم الجميلة الداعون لهم في السر والعلانية) إلى أن قال: (وما أحسن ما استنبط الإمام مالك رحمه الله من هذه الآية الكريمة: أنَّ الرافضي الذي يسب الصحابة ليس له في الفيء نصيب)(203).
وقال الرازي: (واعلم أنَّ هذه الآيات قد استوعبت جميع المؤمنين..)(204).
…وقال الثعالبي: (قال جمهور العلماء: أراد من يجيء من التابعين وغيرهم إلى يوم القيامة)(205).
…وقال البغوي: (يعني التابعين: وهم الذين يجيئون بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة) إلى أن قال: (فكل من كان في قلبه غل على أحد من الصحابة ولم يترحم على جميعهم فإنَّه ليس ممن عناه الله بهذه الآية)(206).
وقد ذكر بعض المفسرين أنَّ المراد بالذين جاءوا من بعدهم في عصر النبوة ولكن الجمهور على خلاف ذلك وهو الذي يظهر لنا صحته.(1/168)
ثانيًا: قولكم: (فإنَّ المقابلة بين الطائفتين يعرب عن أنَّهما طائفتان متضادتان..)
…قلت: نعم يستحيل أن تلتقيا مع تصديق: "خرافة الوصية" التي تستأصل الدين من أساسه ولقد أحكم الذين وضعوا هذه الوصية هذه الخرافة بما بثوه من الأحاديث التي ندين الله ( أنَّها لا تصح بالدليل.
…فأمَّا من كتبنا فجميع أسانيدها لا تصح.
…وأمَّا كتبكم فجميع رواة العقيدة والتاريخ التي أقمتم مذهبكم عليها مجاهيل كما اعترف السيد محمد الصدر.
…وأمَّا من تاريخ الصحابة فإنَّا نرى أنَّ الخلفاء الأربعة عاشوا إخوة متحابين.
…وأمَّا من معرفتنا بِعليّ ( فليس جبانًا ولا خائنًا لرسوله ( ولربه بحيث يجبن عن إعلان الحق وقد جاءت مواقف تتطلب أن يعلن ممَّا يدل على أنَّه لا علم له بهذه الوصية.
…فعلى من أحدثها وفرق الأمَّة من الله ما يستحق.
…ثالثًا: قولكم: (وليست الشيعة إلاَّ نفس المسلمين الأول الذين بقوا على وصية الرسول في حق أهل بيته..) قول غير سليم.
…فلو كانت هناك وصية بمعنى: "الإمامة" فلماذا يا ترى يجمع قرابة عشرة آلاف صحابي على كتمها أو الامتناع عن تنفيذها وقد أعلنوا إسلامهم وتركوا أديانهم إلى دين الإسلام؟!
…ما هو المكسب الديني أو الدنيوي الذي حصلوا عليه مقابل ترك الوصية؟!
…أبو بكر عاش فقيرًا زاهدًا مجاهدًا لنصرة الدين واجتمع الصحابة حوله يطيعونه وينفذون أمره وهو ليس رسولاً ولا صاحب مال ولا صاحب عشيرة أكثر من عليّ فلماذا هو يترك تنفيذ الوصية ويبقى على نصرة الدين؟!
…ثمَّ لماذا يسكت عشرة آلاف صحابي عن الوصية؟ أكلهم أشرار؟ أكلهم جبناء؟ أليس فيهم رجل رشيد؟!
…ثمَّ: "يوصي" أبو بكر إلى عمر وهو ليس رسولاً ثمَّ يطيع الناس أبا بكر وقد عصوا الرسول ( من قبل ـ حسب زعمكم ـ ولا يستنكر مستنكر فيقول كفاك يا أبابكر اغتصابًا للإمامة فلا تغتصبها لغيرك؟!(1/169)
…ثمَّ عمر: "يوصي" إلى ستة ولا يستنكر مستنكر وعمر قد طعن لم يعد يستطيع معاقبة أحد فَلمْ يعلن أحد هذه الوصية؟َ
…وعليّ يقبل أن يدخل في ضمن مرشحين للخلافة ولم يعترض؟!
…أهذه أمَّة مسلمة تؤتمن على دين الله ( وهي تتوارث الباطل بالإجماع؟! معاذ الله.
…أليست هذه فاطمة رضي الله عنها طالبت بنصيب من الدنيا وأعلنت موقفها؟َ أيُظن بها أن تكون الدنيا عندها أعظم من دينها فتغضب لها ولا تغضب على اغتصاب الإمامة لو كان هناك إمامة؟
…ثمَّ هذا عليّ بقي مع الصحابة مؤتمًًا بهم، مستشارًا لهم، مُزوِّجًا منهم، متزوجًا من سبيهم، مسميًا أولاده بهم أيُظن به أن يفعل كل ذلك وهو يرى باطلاً قائمًا؟! متوارثًا؟!
…سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم.
…رابعًا: قولكم: (وليست السنَّة إلاَّ نفس المسلمين الأول ولكنَّهم خالفوا وصية الرسول ولم ينفذوا وصيته في حق عليّ وأهل بيته).
…قلت: إن كان مرادكم من الوصية هي: "الإمامة" فهي وصية عندنا مكذوبة ولا وجود لها في حقيقة الأمر.
…وإن كان مرادكم أنَّهم يكرهون آل البيت ولا يعرفون لهم فضلهم فهذه دعوى باطلة فأهل السنَّة يعظمون أصحاب الرسول ( لأنَّهم آمنوا به وصحبوه وقد أثبتوا لهم درجة عالية بسبب صحبتهم له ( فكيف لا يقدرون أهل بيته؟! فأين وجدت أحدًا من أهل السنَّة يسيء إليهم؟!
…إنَّ أهل السنَّة يتقربون إلى الله ( بحبه وحب رسوله ( وحب الصالحين من آل بيته ويدعون لآل البيت في كل صلاة، وكل صلاة لا يدعى فيها لآل البيت ففي صحتها خلاف ولو وجد فرد أو أفراد يسيئون إليهم فهذه معصية يحمل وزرها من يرتكبها ولا تمثل الآلاف ومئات الآلاف من أهل السنَّة التي تمتلء كتبهم بذكر فضائل آل البيت والدعاء لهم والترضي عنهم في كل كتابٍ "عقيدة" لا تقية.(1/170)
…أمَّا الأحداث التي وقعت في صدر الإسلام فهي فتن لم يتعمدها من شارك فيها من الصحابة ولو لم يكن الشيعة قد تحزَّبوا على عقيدة: "الإمامة" لما كان موقفهم من تلك الأحداث إلاَّ نفس موقف أهل السنَّة.
…وهناك حالات فردية لم يرضَ عنها جمهور الصحابة ولا أهل السنَّة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
107) قلتم: (إلى هنا تبين مفاد الآيات وأنَّ الإمامية لا تخالفها، قيد شعرة لا تبغض الصحابي، والصحابية؛ ولكن لا تعتقد بعدالة الكل وتقول إنَّ وزانهم كوزان التابعين).
قلت: إنَّ هذه دعوى لا يمكن قبولها ما دامت الشيعة تعتقد بخيانة الصحابة ( وأنَّهم خالفوا وصية رسول الله ( الذي كانوا يفدونه بأرواحهم وينصرونه بسيوفهم وأموالهم لا يعصونه في أمر ولا يقدمون عليه أهلاً ولا مالاً ثمَّ إذا بهم ينقلبون على أمره ـ حسب زعمكم ـ ويتنكرون لفضله وقد أنقذهم الله ( به من الكفر وأخرجهم به من الضلال؟!
إنَّ هذا خيال غريب وتصور عجيب لا يقبله ذو حس سليم وقلب مستقيم ولا يمكن أن يجتمع في قلب مع اعتقاد عدالتهم.
ولو اعتقدتم عدالتهم لقبلتم رواياتهم.
ولو قبلتم رواياتهم لانتقضت عقائدكم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
108) الاستدلال بالسنة
قلتم: (عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (: (لا تسبوا أصحابي، فلو أنَّ أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه). [صحيح البخاري/ح/3673/ومسلم/ح/2541]
أقول: إنَّ الحديث أوضح دليل على أنَّ بعض الصحابة يسبّ بعضهم، ولأجل ذلك نهى رسول الله ( خالدًا لسبِّه عبدالرحمن بن عوف، وكلاهما من الصحابة، وهذا أظهر دليل على عدم عدالة الكل بوصف الكلية.
وهذا هو سعد بن عبادة سيد الخزرج يخاطب سعد بن معاذ بقوله: كذبت لعمر الله، وهذا هو أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ، يخاطب سعد بن عبادة بقوله: لعمر الله لنقتلنَّه فإنَّك منافق. [صحيح البخاري/تفسير سورة النور](1/171)
غير أنَّ المهم هو التفريق بين سبّ الصحابة ونقد حياتهم، فأسلوب السب والشتم غير أسلوب النقد، فالأول: وليد العصبية ونتاج الغيظ والحقد والهوى، وأمَّا الثاني: فهو قائم على أسس صحيحة وموازين سليمة، وهو قبلة الطالبين للحقيقة.
قلت: هنا وقفات:
أولاً: الصحابة ( لم يتجردوا من بشريتهم ولم يصبحوا بدخولهم الإسلام ملائكة فإنَّ البشرية لا تنفك عن الأنبياء فما بالك بغيرهم.
فهذا موسى ( قال عنه (: (ولمًَّا بلغ أشده واستوى آتيناه حكمًا وعلمًا وكذلك نجزي المحسنين ( ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوِّه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنَّه عدوٌ مضلٌ مبين) [سورة القصص(14_15)]
والصحابة ( قد يقع منهم الخطأ ثمَّ يصحح لهم من الله ( أو من رسوله(.
وأمَّا دعوى أنَّ ذلك دليل عدم عدالة الكل فغير مسلم فكما أنَّ موسى ( لم ينقص من مكانته ما أخطأ به واعترف أنَّه من عمل الشيطان فكذلك الصحابي فإنَّه لم يقل أحد إنَّ الصحابي لا يقع منه الخطأ إذ ذلك يسمَّى: "عصمة" وأهل السنَّة لا يدَّعون العصمة فيهم (.
وهكذا كل عمل نُقل عن بعضهم وهو قليل في جانب حسناتهم وفضلهم.
ثانيًا: قولكم:(أنَّ المهم هو التفريق بين سب الصحابة ونقد حياتهم..) كلام نظري لا رصيد له من الواقع.
فإنَّ دعوى: "خيانة الوصية" والامتناع عن تنفيذها وتآمر جميع الصحابة ـ ما عدا أربعة أشخاص ـ على إخفائها أعظم من كل سب.
فإنَّك لو سببت شخصًا ما لكان فعلاً شخصيًا لا يترتب عليه كبير ضرر.
أمَّا إذا اتهمت إنسانًا بخيانة دين وعصيان رسول فإنَّ ذلك أشد أنواع السباب.
وهذه العبارات التي أوردتموها لا تغير الحقيقة.
فإنَّ موقف الشيعة من الصحابة يترتب عليه نقض الدين بكامله.
لأنَّه: "وليد العصبية ونتاج الغيظ والحقد والهوى" كما ذكرتموه عن أسباب السب والشتم.(1/172)
ــــــــــــــــــــــــــــــ
109) قلتم: عن عبدالله بن مسعود (، عن النبي ( قال: (خير الناس قرني ثمَّ الذين يلونهم ثمَّ الذين يلونهم...). [صحيح البخاري/ح/2653/ومسلم/ح/2533]
إنَّ هذا الحديث مهما صح سنده وإن رواه الإمام البخاري يخالف الواقع الملموس من تاريخ الصحابة والتابعين، ونحن نعرض النظر عن تاريخ الصحابة ونعطف النظر إلى قوله: (ثمَّ الذين يلونهم، فالمراد منهم التابعون، وفيهم الأمويون، فهل يمكن أن نعد عصر الأمويين خير القرون؟! وقد لونوا وجه الأرض بدماء الأبرياء، وقتلوا سبط النبي ( في كربلاء عطشانًا، وذبحوا أولاده وأصحابه، وهتكوا حرمة الكعبة.
هنا وقفات:
أولاً: الحديث رواه ستة من أصحاب النبي ( وهم: عبدالله بن مسعود(207) والنعمان بن بشير(208) وعمران بن حصين(209) وعمرو بن شراحيل(210) وجعدة بن هبيرة(211) وعائشة(212).
فالحديث لم يتفرد بروايته صحابي واحد ولا محدث واحد.
ولو لم يروه إلاَّ صحابي واحد أو محدث واحد وصح السند لكان كافيًا في قبوله فكيف وقد رواه جماعة من الصحابة وخرجه أصحاب الصحاح؟!
ثانيًا: هذا الموقف واضح الدلالة على أنَّ المنهج الذي يحتكم إليه المخالفون لأهل الحق إنَّما هو الهوى لا المنهج العلمي الذي يقوم على أسس علمية وإنَّما هو أوهام عارضت حقائق فلتلغَ الحقائق متابعة للأوهام فبينما نراهم يستدلون بأحاديث ضعيفة لإثبات عقائد باطلة يردون أحاديث صحيحة لسوء فهمها أو لمخالفتها لمعتقداتهم.
ثالثًا: إنَّ المتأمل لمعنى الحديث بعيدًا عن الموروثات العقدية يتضح صدقه بل لو لم يرد الحديث لكان حال الأمَّة كما ورد فيه.
فالقرون الثلاثة ـ بصرف النظر عن مدة القرن ـ هي أساس هذا الخير الذي نعيش فيه.
فقد ظهر الإسلام غريبًا محاربًا فاتبعه طائفة من الناس ضحوا بأنفسهم وأموالهم وأرضهم فداءً لهذا الدين.
ثمَّ جاهدوا في سبيله ونصروا رسوله ( وحملوا شريعته ونشروا دينه وانطلقوا مجاهدين ففتحوا الأرض.(1/173)
هذا هو الجيل الأول جيل الصحابة والذي استمر إلى نهاية القرن الأول.
فظهر العلماء والعباد والقادة والشهداء والصالحون وجيوش الحق تفتح البلدان وتبلغ الدين وتعلم الشرع فكانت المساجد عامرة بالمؤمنين والحلقات العلمية التي يتدارس أهل العلم فيها العلوم الشرعية منتشرة وهذا حال الشعب المسلم.
نعم ظهرت فتن في الجانب السياسي عكرت صفو هذا الخير وأنقصت منه لكنَّها لم تقضِ عليه، فكل خير في الأمَّة بعد ذلك فإنَّما وصلنا عن هذه القرون فلهم مثل أجور من عمل بالخير الذي حفظوه ورووه ولهم مثل أجور من أدخلوه الإسلام.
هذه القرون الثلاثة هي أساس الأمَّة.
فكان القرن الأول أنفعها وأبركها ثمَّ تناقص الخير بعد ذلك.
الأمويون جزء من الأمَّة لا كل الأمَّة، والأمَّة أكبر وأوسع من المفهوم الذي ذكرتموه.
وأمَّا الأحداث التي وقعت فلا شك أنَّها شر لكن لا ينكر الخير العظيم الذي في الأمَّة بسبب بعض الشر.
قال السندي: (قلت لابد من تخصيص الكلام بالمؤمنين والمراد أنَّ مؤمني زمانه ( خير من الذين بعدهم، ثمَّ خيرية قرن الصحابة لا تقتضي خيرية كل واحد من الآحاد بل يكفي خيرية الغالب وإلاَّ لكان كل من كان في وقت التابعين خيرًا ممن بعده مع أنَّ في وقتهم الحجَّاج الظالم ولعلَّه لا يوجد له نظير في بابه)(213).
إذن ليس المراد أنَّ كل واحد من أهل كل قرن خير من كل واحد بعده وإنَّما المراد عموم أهل القرن ولا يعني انتفاء الشر كذلك.
رابعًا: منهج الشيعة منهج غريب:
فالأخطاء التي وقعت في عهد الصحابة والتي لا تساوي ذرة في بحر حسناتهم جرحتهم وألغت عدالتهم إلاَّ عددًا يسيرًا.
والأخطاء التي وقعت من بعض أمَّهات المؤمنين جرحتهن وأنقصت من فضلهن.
والأخطاء التي وقعت من طائفة من الأمَّة أفسدت كل خير في الأمَّة.
فمنظارهم لا يكتشف إلاَّ المعايب؛ فسبحان من نوَّع الخلق وفاضل بين عقولهم.(1/174)
أرأيت النحل فإنَّه لا يقع إلاَّ على الزهر مع أنَّ هناك ما لا يليق، لكنَّه نظيف شريف فليتنا نكون: "نحلاً".
خامسًا: قد وقعت فتن قبل قتل سبط النبي (، وقُتِل من أصحاب الفضل قبل الحسين الكثير ولم يحكم بأنَّه شر القرون.
فقد قُتِل في عهد النبي ( عمه: "حمزة" ولم يكن عصره شر العصور.
وقد قُتِل: "عمر" ولم يكن شر العصور.
وقد قُتِل: "عثمان" ولم يكن شر العصور.
وقد قُتِل: "عليّ" ولم يكن شر العصور.
إنَّ قتل هؤلاء عظيم وحادث جلل لكن ما في الأمَّة من الخير أعظم من الأشخاص.
فالخير في الأمَّة كله يرجع إلى هذه العصور فكيف يتناسى الخير ويُضخم الشر؟!
وبهذا يتبين أنَّ فهمكم غير سليم وحكمكم غير مستقيم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
110) قلتم: (وهذا هو الحجَّاج صنيعة أيديهم اقترف من الجرائم البشعة ما يندى لها جبين الإنسانية، ولا أطيل الكلام في ذلك والتاريخ خير شاهد على كذب هذه الرواية ووضعها من قبل سماسرة الحديث، لتطهير الجهاز الحاكم الأموي ممَّا ارتكبه.
ويكفي في ذلك ما علَّقه أبو المعالي الجويني على هذا الحديث قائلاً:
وممَّا يدل على بطلانه، أنَّ القرن الذي جاء من بعده بخمسين سنة شر قرون الدنيا، هو أحد القرون التي ذكرها في النص، وكان ذلك القرن هو القرن الذين قُتِل فيه الحسين، وأوقع بالمدينة، وحوصرت مكة، ونقضت الكعبة، وشربت خلفاؤه والقائمون مقامه المنصَّبون في منصب النبوة الخمور، وارتكبوا الفجور، كما جرى ليزيد بن معاوية، ويزيد بن عاتكة، ووليد بن يزيد، وأُريقت الدماء الحرام، وقُتِل المسلمون وسُبي الحريم، واستُعبِد أبناء المهاجرين والأنصار، ونُقشت على أيديهم كما ينقش أيدي الروم، وذلك في خلافة عبدالملك وإمرة الحجَّاج).
قلت هنا وقفات:
أولاً: زعمتم أنَّ التاريخ خير شاهد على كذب الرواية ولعلَّ الصحيح هو العكس كما مر.(1/175)
ثانيًا: اتهامكم لعلماء الأمَّة وثقاتها بأنَّهم يصنعون الأحاديث لتطهير الجهاز الحاكم دعوى مردودة عارية عن الدليل والمنهج العلمي يردها ولا يليق بمسلم أن يسلك هذا المسلك الخطير بإطلاق الاتهامات بدون دليل.
ولو فتح هذا الباب لرد كل شخص ما لا يتفق مع عقله أو معتقده بمجرد المخالفة ونحن نلتزم ونلزم في كل مسألة خلافية أن نخضعها للمنهج العلمي في كل باب بحسبه فباب الرواية نخضعها لدراسة رواتها قبل إطلاق الأحكام.
ورواة هذا الحديث ثقات أعلام والطرق متعددة فأنَّى يصح هذا الحكم الذي أطلقتموه في حديث توارد على روايته أصح الكتب بعد كتاب الله ( من خلال رواة كلهم ثقات حفاظ لمجرد نظرة غير دقيقة.
فقد ورد هذا الحديث عن قرابة عشرة من الصحابة خرج البخاري ومسلم حديث اثنين منهم والأخرى وردت في المسانيد والسنن نكتفي بالإشارة إلى روايات الصحيحين:
الأولى: عن عبدالله بن مسعود مدارها على إبراهيم بن يزيد النخعي والذي أثنى عليه العلماء قال العجلي: (كان رجلاً صالحًا فقيهًا متوقيًا قليل التكلف ومات وهو مختف من الحجاج)(214) فالذي يعادي الحجاج وهو أحد ولاة بني أمية سيكذب لهم؟!
وشيخه الذي رواه عنه هو (عَبيدة السلماني) وهو من الرواة عن علي بن أبي طالب ( حتى قال ابن المديني والفلاس: (أصح الأسانيد: محمد بن سيرين عن عَبيدة عن علي)(215).
هذا الحديث رواه عن إبراهيم بن يزيد النخعي أربعة من الثقات من رجال الصحيحين: شيبان والأعمش ومنصور وابن عون(216) أهؤلاء يكذبون؟!
الثانية: عن عمران بن حصين رواها عنه شخصان: زَهدَمُ بن مضرِّب وهلال بن يساف ثم رواه عنهما: أبو جمرة والأعمش ثمَّ رواه عنهما شعبة بن الحجاج(217)..أهؤلاء يكذبون على رسول الله ( وهم أعلام المحدثين؟! سبحانك هذا بهتان عظيم!!(1/176)
ثالثًا: إذا خَفي على الجويني فهْم مراد الحديث ولم يتَّسع نظره لفهْم الحقيقة فقد فهمها أعلام الأمَّة من محدثين وشراح بالعشرات إن لم يكونوا بالمئات ومخالفة شخص لجمهور العلماء يعتبر شذوذًا لا يغير الحقيقة.
وإلاَّ فلو رجح كل رأي شاذ لما بقي للأمَّة شيء من دينها.
والشيعة يتركون أقوال جهابذة علماء الأمَّة إلى الأقوال الشاذة بصرف النظر عن صحة المنهج الذي اتبعه ذلك المخالف أو ضعفه وهذا منهج ضعيف.
رابعًا: وأمَّا ما ورد في كلام الجويني من مزاعم كلها أخبار تاريخية لا تثبت عند التمحيص ولو ثبت بعضها فلا يلغي الخير العظيم الذي في الأمَّة لفساد شخص أو انحرافه.
خامسًا: حدوث بعض الشر لا يجوز أن يلغي الخير العظيم من الأمَّة كما مر: روايات للدين وفتوحات للبلدان وجهاد في سبيل الله وعُبَّاد وشهداء وصالحون هم أضعاف أضعاف أعداد الأشرار. أيُلغى هؤلاء لشر وقع من أفراد؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
111) قلتم: (وإذا تأملت كتب التواريخ وجدت الخمسين الثانية شرًا كلها، لا خير فيها، ولا في رؤسائها وأمرائها، والناس برؤسائهم وأمرائهم أشبه، والقرن خمسون سنة، فكيف يصح هذا الخبر). [شرح ابن أبي الحديد/20/3-12/]
قلت:
أولاً: المتأمل لكتب التواريخ يرى تلك الأحداث ويرى بجانبها أعمالاً فاضلة خيرة:
علماء وعباد ومجاهدون في سبيل الله.
وفيه بقية الصحابة وبقية من آل البيت.
هذه الفترة لو كانت شرًا لا خير فيها فكيف وصل إلينا هذا الدين الذي حفظه أهل هذه الفترة فتعلموه وعلَّموه وحمله عنهم أهل القرن الذين بعدهم فكيف يُقال: لا خير فيه: إنَّ هذا حكم متعجل!
إنَّ الحركة العلمية والدينية غير الحركة السياسية فقد تفسد السياسة ويبقى الخير في الأمَّة، فلا ينبغي أن يحكم على الأمَّة بكاملها من خلال الطبقة السياسية.(1/177)
بل وحتَّى الطبقة السياسية فيها شر وخير فقد استمر الجهاد في تلك العصور رغم ما حدث فيهم من فساد وينبغي أن يحكم بالقسط والعدل.
قال تعالى: (وإذا قلتم فاعدلوا)، وقال تعالى: (ولا يجرِمنَّكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا).
وقد تقدم مزيد بيان لهذا الجانب.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
112) إضافة بعض الآيات في فضل الصحابة للإيقاظ:
ويحسن أن نضيف بعض الآيات الدالة على عدالة الصحابة وخاصة عظماءهم وقادتهم معتمدين في ذلك على الفهم المباشر الذي يتبادر إلى ذهن كل عالم أو طالب علم خالي الذهن من كل ما يفسده.
1) قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمَّة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا..) [سورة البقرة(آية"143")].
قال الطبري: (وأمَّا الوسط في كلام العرب: الخيار...وقال زهير بن أبي سلمى في الوسط:
هم وسط يرضى الأنام بحكمهم………إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم..)(218)
وقال الثعالبي: (وجعلناكم أمَّة وسطًا: أي عدولاً، روي ذلك عن رسول الله ( وتظاهرت به عبارات المفسرين والوسط الخيار والأعلى من الشيء...)(219).
وقال السمرقندي: (والوسط: هو العدل...والعرب تقول: فلان أوسط قومه أي: خيارهم وأعدلهم..)(220).
وقد أجمع المفسرون على هذا المعنى أنَّهم فسَّروا: "الوسط" بالخيار والعدل.
وقد استطرد الرازي في تقرير هذين المعنيين(221).
قلت: هذا الثناء من الله ( بأنَّه جعل: "هذه الأمَّة أمَّة خيارًا عدولاً" والخطاب كان موجهًا لجيل الصحابة ( هل يدخل فيه: "هذا الجيل المؤمن أم لا؟": وخاصة خيارهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ وسعد بن أبي وقَّاص والزبير بن العوام..إلخ أفاضل الصحابة أم لا؟
فإن قلتم إنَّهم داخلون فيهم فقد وافقتم بقية الأمَّة وإن قلتم: لا. فما هو الدليل؟!
فإن قلتم: الدليل إنَّهم قد غيروا وبدلوا ومنعوا عليًّا حقه.
قلنا: ما هو الدليل أنَّ عليًّا له حق منعوه إيَّاه؟!
فإن قلتم: الإمامة.
قلنا: من روى هذا الحق؟(1/178)
فإن قلتم: الصحابة أنفسهم!
قلنا: هم قد رووا أنَّه لم يُوصَ إليه بشيء.
فإن قلتم: عليّ ( روى ذلك الحق.
قلنا: وعليّ ( قد روى أنَّه لا حق له وأنَّه لا فرق بينه وبين إخوانه بقية الصحابة.
والروايات التي رويت في إبطال الوصية أصح سندًا من تلك الروايات التي تزعم إمامته.
ثمَّ إنَّ الحال الذي عاش عليه الصحابة لا يدل على وجود شيء من هذه المزاعم وقد تقدم ما يقرر ذلك في عدة مواطن_وسيأتي كذلك بمشيئة الله تعالى_.
ثمَّ كيف يثني ( على هذه الأمة بأنَّها: "خيار عدول" ويكون أولها فاسقين ظلمة؟!
وهم الذين عايشوا التنزيل وعانوا في سبيل إيمانهم أنواع البلاء وقد استمرت حياتهم على الزهد في الدنيا والجهاد في سبيل الله وقد قتل آلاف منهم في أقطار الأرض بعيدين عن أرضهم وديارهم فأي دنيا كانوا يريدون بذلك الجهاد؟؟!!
أيُعقل أن لا يكون لهذه الكثرة التي هي بالآلاف نصيب في هذا المدح والثناء من الله (؟!
أليس هذا اتهامًا لله ( بأنَّه أثنى بلفظ الكثرة الذي لا ينطبق إلاَّ على: أربعة أشخاص؟! فينخدع الناس بهم ويعظمونهم ويعدلونهم ويقبلون رواياتهم وهم على خلاف ذلك حسب زعمكم؟!
2) قال تعالى: (كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياته ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون) [سورة البقرة (آية"151")].
هذه الآية تقرر عدة أمور:
الأول: امتنان الله ( على الأمَّة وفي مقدمة الأمَّة الجيل الأول الذي وجه إليه الخطاب: (رسولاً منكم..عليكم..يزكيكم ويعلمكم...).
ولا أظن أنَّ عاقلاً يزعم أنَّ: "المخاطبين" غير داخلين في هذا الامتنان.
ثانيًا: من أنواع الامتنان التي امتن الله ( بها عليهم: أنَّ رسوله صلوات الله وسلامه عليه: "يزكيهم" أي يطهرهم فهل تحققت هذه النعمة فزكاهم أم لا؟!
قال ابن كثير: (ويزكيهم: أي يطهرهم من رذائل الأخلاق ودنس النفوس وأفعال الجاهلية...)(222).
قد يقال: وهل زكى كل من معه حتى المنافقين؟(1/179)
قلنا: الخطاب للمؤمنين الذين معه واشتهروا في الأمة وعرفوا بصحبتهم لرسول الله ( فهم أول من يدخل في الخطاب.
3) قال تعالى: (كنتم خير أمَّة أُخرجت للناس...) [سورة آل عمران (آية"110")].
اختلف المفسرون في المراد بهذه الآية:
…فمنهم من قال: إنَّهم: (الذين هاجروا مع رسول الله ( من مكة إلى المدينة...)(223).
…ومنهم من قال: إنَّ ذلك جميع هذه الأمَّة(224).
…وهذان المعينان لا تكاد تخرج عنهما أقوال المفسرين.
…فالله ( أثنى إمَّا على الصحابة المهاجرين، وإمَّا على كامل الأمَّة.
…والظاهر أنَّ الجيل الأول كان له النصيب الأوفر فهم أنصار الدين ورواته، وقد توافر لهم من أسباب الصلاح والتقوى ما لم يتوافر لغيرهم.
…والله ( قد أطلق الثناء بضمير الخطاب فهل يُعقل أن يثني ( على الأمَّة مخاطبًا أولها بقوله: "كنتم" ولا يشمل الخطاب إلاَّ: "أربعة أشخاص"؟! والبقية إمَّا كفار مرتدون، وإمَّا ظلمة فُسَّاق!!
4) قال تعالى: (ولا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير) [سورة الحديد (آية"10")]
قال الرازي: (واعلم أنَّ الآية دلت على أنَّ من صدر عنه الإنفاق في سبيل الله والقتال مع أعداء الله قبل الفتح يكون أعظم حالاً ممن صدر عنه هذان الأمران بعد الفتح).
…إلى أن قال: (وكل واحد من الفريقين: (وعد الله الحسنى) أي المثوبة وهي الجنَّة مع تفاوت الدرجات)(225).
…قلت: فالآية نصت على فضل من قاتل من الصحابة ( وأنفق من ماله لنصرة دينه قبل فتح مكة_أو حادثة الحديبية على قول_وعلى من فعل ذلك بعد ذلك مع وعد كل منهما بالحسنى وهي الجنَّة.
…هل هذا الوعد لجماعة كبيرة أم لأربعة أشخاص؟!
…وهل يدخل فيها أبو بكر وعمر وعثمان ( أم لا؟
…فإن قيل: نعم يدخلون فهذا مفهوم الآية.(1/180)
…وإن قيل "لا": فما هو الدليل؟ ثمَّ لو قال شخص إنَّهم غير داخلين لا هم ولا عليّ ( فما هو الجواب؟
…فإن قيل: الدليل من السنَّة أنَّ عليًّا منهم.
…قيل: وكذلك السنَّة تدل على أنَّ هؤلاء منهم.
5) قال تعالى: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحًا قريبًا) [سورة الفتح (آية"18")].
وردت هذه البيعة في أغلب كتب السنن والتفاسير.
وقد ورد عددهم في صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله أنَّه قال: "كنَّا يوم الحديبية ألفًا وأربعمائة فبايعناه"(226).
…قال ابن كثير: (يخبر تعالى عن رضاه عن المؤمنين الذين بايعوا رسول الله ( تحت الشجرة)(227).
وهذا خبر من الله ( بأنَّه رضي عن هؤلاء المؤمنين وذلك يقتضي تقرير إيمانهم ورضاه عنهم وإذا رضي الله ( عن شخص أو قوم فإنَّه لا يسخط عليهم لأنَّ رضاه ( دليل على استمرارهم على الإيمان.
…فهل هؤلاء الذين بايعوا كلهم مؤمنون؟ أم أكثرهم؟! أم أقلهم؟ وما هو الدليل؟
…وكيف سبحانه يخاطبهم بهذه الألفاظ التي تقرر رضاه عن الجميع ويكون المراد: أربعة أشخاص؟!
6) قال تعالى: (واعلموا أنَّ فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون ( فضلاً من الله ونعمة والله عليم حكيم) [سورة الحجرات (آية"7")].
يمتن الله ( على الصحابة أنفسهم بأنَّه حبب إليهم: "الإيمان" و: "وزينه في قلوبهم" ..إلخ هذه النعم!
فهل تحقق ذلك لجيل الصحابة أم لا؟
فإن تحقق فهل يجوز أن يُتهموا في عدالتهم ودينهم ويُعتقد أنَّهم سيغيرون ويبدلون ويعصون رسول الله صلوات الله وسلامه عليه؟!
أيمتن الله ( بما لا حقيقة له؟!
أو يمتن بما يعلم أنَّهم سيتخلون عنه؟!(1/181)
إنَّنا نشهد أنَّه ( قد أنعم عليهم وقد تحققت نعمته وأنَّهم عاشوا عليها وماتوا عليها وأنَّهم أزكياء أبرار ( وألحقنا بهم في دار كرامته.
7) قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) [سورة المائدة (آية"54")].
أولاً: في الآية جملة شرطية وجوابها يعني أنَّه إذا وُجد فعل الشرط وُجد جوابه لا محالة.
وقد حدثت ردة بعد موت النبي ( من كثير من العرب ثمَّ إن الله ( أقام أبا بكر ( لهذه الردة ومعه إخوانه من عظماء الصحابة فقاتلوا المرتدين حتَّى أعادوهم إلى الدين.
فإن قال الشيعة: إنَّ الردة قد وقعت وهي هذه وأقروا بالحقيقة فقد اعترفوا بفضل الصدِّيق (.
وإن أنكروا فلا يستحقون المناظرة لأنَّ إنكار البديهيات يسقط أهلية المخالف للحوار.
وإن قالوا: إنَّ أبا بكر وإخوانه ارتدوا.
قلنا: قد وعد الله ( وشرط أنَّه إن وقعت ردة فإنَّه لابد أن يأتي بمن يجاهد أهلها فأين من قاتل الصدِّيق؟!
ثانيًا: إنَّ المتأمل في سيرة الصدِّيق ( وأخلاقه يرى هذه الصفات متوافرة فيه (.
فقد كان سهلاً لينًا على إخوانه المؤمنين، مهابًا تخافه الدول، وقد سيَّر الجيوش تجاهد في سبيل الله ولم يتوانَ عن حرب الردة رغم قلة المسلمين آنذاك.
ثالثًا: إنَّ هذه الأوصاف إنَّما تحققت في جيش الصدِّيق وجيش عمر وجيش عثمان (، وقد كان علي ( معهم وبعض من قاتل معه بعد ذلك.
وقد كانت هذه الأخلاق متوافرة في عهود الثلاثة ( ثمَّ توقف بعضها في خلافة عليّ ( إن لم تتوقف بكاملها.
وذلك أنَّ الآية قيدت مجيء هؤلاء الأقوام بالردة ولم يحدث في عهده ( ردة وإنَّما وقعت فتنة بدون اختياره (.
فالشاهد أنَّ هذا الوعد تحقق وتمت نعمة الله ( على الصدِّيق وإخوانه ممَّا يؤكد فضلهم وإيمانهم وعدالتهم.(1/182)
رابعًا: كثير من الشيعة الإمامية يزعمون أنَّ الصحابة ارتدوا، ثمَّ زعموا أنَّ عليًّا ترك قتالهم تقية وحرصًا على وحدة المسلمين؟!!!! فلِمَ قاتل الصدِّيق المرتدين ولم يقاتل عليّ؟! لأنَّه لا ردة.
الحمد لله على العافية.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
8) قال تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنَّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنَّهم من بعد خوفهم أمنًا يعبدونني لا يشركون بين شيئًا) [سورة النور (آية"55")].
أولاً: وعد الله ( من آمن من الصحابة وعمل الصالحات أن يستخلفهم ويمكن لهم .. إلخ الموعود.
وقد قيد تحقق تلك الوعود بالإيمان والعمل الصالح فهل تحقق ذلك الموعود؟
وذلك يعني: أنَّه إذا وُجِد الإيمان والعمل الصالح وُجِدت تلك الوعود، وإن وُجِدت تلك الوعود يعني: تحقق الإيمان والعمل الصالح.
…ثانيًا: هل تحقق هذا الوعد؟
…لا شك أنَّه قد استخلف الله ( الصحابة ومكَّن لهم الدين وعاشوا في حياة الخلفاء الراشدين آمنين وفتح بهم الأرض.
…وهذا دليل تحقق الإيمان والعمل الصالح لأنَّ المخاطبين بهذا الوعد إن كان للأمَّة فالصحابة إليهم وجِّه الخطاب أولاً وإن كان لهم خاصة كما هو ظاهر النص فهم الموعودون.
…ثالثًا: تحقق الموعود على أيديهم شهادة لهم بالإيمان (، وإيمانهم لا شك فيه عند الأمَّة إلاَّ من ضل وابتدع وما كان لنا أن ندافع عن إيمانهم لولا ما ابتُليت به الأمَّة من مرضى القلوب وفاسدي العقائد والله المستعان.
…رابعًا: هذه الآية من دلائل الإعجاز في أخبار القرآن الكريم حيث أخبر ( بتمكين هذه الأمَّة فتحقق كما أخبر وهذا من أخبار الغيب.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…113) قلتم: (إنَّ عليًّا ( هو وصي النبي ( والقائم مقامه من بعده وأنَّه يدل على ذلك الأخبار النبوية الصحيحة والآثار الثابتة عن الصحابة) ثمَّ أوردتم أحاديث من كتب السنَّة.
…وهنا وقفات:(1/183)
…أولاً: كيف تستدل بروايات الصحابة الضالين الفساق الذين إمَّا أنَّهم ارتدوا بعد النبي ( أو فسقوا وأنتم لا تستدلون بروايات الفساق ولا الكفار؟!
…ثانيًا: كيف نحصل على روايات صحيحة من كتبكم وقد عرفتم أنَّها عن مجاهيل وضعفاء.
…ثالثًا: رويتم من كتب لا يُعتَمد عليها عند أهل السنَّة لكثرة ما فيها من الضعيف والموضوع وزعمتم بأنَّها "أخبار نبوية صحيحة".
…فقد رويتم من معجم الطبراني وتاريخ ابن عساكر وفضائل الصحابة وهذه الكتب يأتي بعضها في المرتبة: "الثالثة" وبعضها في المرتبة: "الرابعة" وترك الكتب المعتمدة التي تأتي في الدرجة الأولى أو الثانية إلى كتب الدرجة الثالثة أو الرابعة ممَّا عابه العلماء.
…ذكر المحدث ولي الله الدهلوي أنَّ: (كتب الحديث على طبقات مختلفة ومنازل متباينة فوجب الاعتناء بمعرفة طبقات كتب الحديث).
…ثمَّ قال: (وهي باعتبار الصحة والشهرة على أربع طبقات..).
…إلى أن قال: (الطبقة الأولى: منحصرة في ثلاثة كتب: الموطأ، وصحيح البخاري، وصحيح مسلم..).
…الطبقة الثانية: ..(سنن أبي داود، وجامع الترمذي، ومجتبى النسائي.. وكاد مسند أحمد أن يكون من جملة هذه الطبقة..) أي لم يلحقها.
…الطبقة الثالثة: مسانيد وجوامع ومصنفات صنفت ـ قبل البخاري ومسلم وفي زمانهما وبعدهما ـ جمعت بين الصحيح والحسن والضعيف والمعروف والشاذ والمنكر والخطأ والصواب والثابت والمقلوب..).
…والطبقة الرابعة: (..وكتب الخطيب وأبي نعيم.. وابن عساكر).
…والطبقة الخامسة: ......).(1/184)
…ثمَّ قال ولي الله الدهلوي بعد أن ذكر طبقات كتب السنَّة: (وأمَّا الثالثة: فلا يباشرها للعمل عليها والقول بها إلاَّ النحارير..إلى أن قال: (نعم ربمَّا يؤخذ منها المتابعات والشواهد) أي لا يعتمد عليها في الاستدلال ثمَّ قال: (وأمَّا الرابعة: فالاشتغال بجمعها أو الاستنباط منها نوع تعمق من المتأخرين وإن شئت الحق فطوائف المبتدعين من الرافضة والمعتزلة وغيرهم يتمكنون بأدنى عناية أن يلخصوا منها شواهد مذاهبهم فالانتصار بها غير صحيح في معارك العلماء بالحديث)(228).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…114) أوردتم هنا خمسة أحاديث في الوصية نذكرها تباعًا مع الكلام عليها:
…الحديث الأول: حديث: سلمان،قلتم: (روى الطبراني بإسناده عن سلمان قال: قلت: يا رسول الله: إنَّ لكل نبي وصيًا فمن وصيك ـ إلى أن قال ـ فإنَّ وصيي وموضع سري وخير من أترك بعدي وينجز عدتي ويقضي ديني: علي بن أبي طالب(229))(230).
…وهنا وقفات:
…أولاً: أنَّ الطبراني قال بعد إيراده للحديث: (وقال وصيي أنَّه أوصاه بأهله لا بالخلافة وقوله: خير من أترك بعدي: من أهل بيته () أي لم يرد الخيرية المطلقة.
…ثانيًا: ذكر قول الطبراني كذلك الهيثمي- وأنت لم تذكرها لا من رواية الطبراني ولا من تعقيب الهيثمي-.
…ثالثًا: قال الهيثمي: (وفي إسناده: ناصح بن عبدالله: متروك) ولم تذكره وأنت تعرف معنى: "متروك" ثمَّ قلت: (تدل عليه الأخبار النبوية الصحيحة)؟؟!!
…رابعًا: أقوال العلماء في راوي الحديث: (ناصح بن عبدالله)
…قال البخاري: (منكر الحديث)، وقال الفلاس: (متروك)، وقال ابن معين: (ليس بشيء)(231) فكيف تقول: صحيح وهذا حال أحد رواته؟!
…خامسًا: قال الذهبي في الحديث: (هذا خبر منكر)(232).
…إذن الحديث باطل ولا يصح ولا يجوز لمسلم أن يحتج بمثله على شيء من دينه ودنياه.(1/185)
…الحديث الثاني: عن أنس بن مالك. قلتم: (وروى أحمد بن حنبل عن أنس بن مالك عن رسول الله ( قال: (وصيي ووارثي يقضي ديني وينجز موعدي: علي بن أبي طالب)(233).
…قلت هنا وقفات:
…أولاً: لم أجد هذا الحديث عند الإمام أحمد في "الفضائل" كما ذكرتم وإنَّما الذي فيه هو نفس الحديث السابق فإنَّ لفظه كلفظه فليسا حديثين كما أوردتم.
…روى الإمام أحمد بسنده عن أنس بن مالك قال: قلت لسلمان: سل النبي ( عن وصيه فقال له سلمان: يا رسول الله من وصيك؟ قال: (يا سلمان من كان وصي موسى؟ قال: يوشع. قال: فإن وصيي ...إلخ).
…ولا يُعقَل أن يسأله عن وصيه فيخبره ثمَّ يعود مرة أخرى فيسأله لو صح الحديث.
…ثانيًا: الحديث من رواية: (مطر بن ميمون الإسكاف)، قال البخاري والنسائي وأبو حاتم والساجي: (منكر الحديث)(234).
…وقال ابن حبان: (كان ممَّن يروي الموضوعات عن الأثبات يروي عن أنس ما ليس من حديثه في فضل عليّ وغيره: لا تحل الرواية عنه)(235).
…ثالثًا: الحديث حكم عليه العلماء بالوضع فقد رواه ابن الجوزي في الموضوعات (374:1) وقال الذهبي بعد أن أورد حديثين لمطر المذكور هذا أحدهما: (كلاهما موضوعان)(236).
…رابعًا: بعد معرفة سند الحديث وقد وقفت أنت عليه في فضائل الصحابة المحقق أيحسن أن تقول: (أخبار نبوية صحيحة) وتستدل بها على "عقيدة" تؤدي إلى الطعن في الصحابة وتفرِّق الأمَّة؟!
…الحديث الثالث: قلتم: (روى ابن عساكر عن بُرَيدة عن النبي (: (لكل نبي وصي ووارث وإنَّ عليًّا وصيي ووارثي)(237).
…أولاً: هل كتب التواريخ صالحة لأن تكون مرجعًا لتأصيل العقائد؟!
…ثانيًا: أمَّا مؤلف كتاب "المناقب" فقد قال بعد إيراده هذا الحديث: (إن صح هذا الحديث فالتوريث محمول على ما رواه معاذ ( قال: قال عليّ: يا رسول الله: ما أرث منك؟ قال: (ما يرث النبيون بعضهم من بعض: كتاب الله وسنَّة نبيه))(238).(1/186)
…ثمَّ أورد أحاديث أخرى تفسر الوصية ثمَّ قال: (ويعضد هذا التأويل بما ورد من الأحاديث الصحيحة في نفي التوريث والإيصاء وأنَّه لم يعهد إليهم عهدًا غير ما في كتاب الله وما في صحيفة فيها شيء من أسنان الإبل ومن العقل...)(239).
…وهذا الذي أشار إليه قد ثبت في كتب الصحاح أنَّ عليًّا ( قال: ـ إمَّا ابتداءً وإمَّا جوابًا على سؤال قال فيه السائل: هل عندكم شيء من الوحي إلاَّ ما في كتاب الله؟ـ.
…فقال: (لا والله الذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أعلمه إلاَّ فهما يعطيه الله رجلاً في القرآن وما في هذه الصحيفة).
…قلت: وما في هذه الصحيفة؟
…قال: (العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر).
…رواه عنه: أبو جحيفة(240) وإبراهيم بن يزيد التيمي عن أبيه عنه(241) وأبو الطفيل(242) وطارق بن شهاب(243) والحارث بن سويد(244) وأبو حسان(245).
…وألفاظها جميعًا تقرر المعنى الوارد في اللفظ المثبت.
…فهذا الحديث الثابت يكذب كل دعوى وردت في بعض الروايات الباطلة والعجب ممَّن ترك هذه الصحاح إلى روايات مظلمة إمَّا مكذوبة وإمَّا ضعيفة!!!
…ثالثًا: هذا الحديث الذي ذكرتموه أورده ابن الجوزي في الموضوعات.(246)
…الحديث الرابع: قلتم:(روى الطبراني عن الحسن بن علي عليه السلام قال:(خطب الحسن بن علي بن أبي طالب فحمد الله وأثنى عليه وذكر أمير المؤمنين عليًّا ( خاتم الأوصياء ووصي خاتم الأنبياء)(247) رواه الهيثمي وتعقبه: ورواه أحمد باختصار كثير وإسناد أحمد وبعض طرق البزَّار والطبراني حسان (248) روى قريبًا منه أبو نُعيم عن أنس(249).
…وهنا وقفات:
…أولاً: هذا اللفظ تفرَّد به الطبراني في الأوسط ولم يروه غيره بلفظه وكل المصادر التي ذكرتموها أوردت الأثر بدون ذكر لفظ (خاتم الأوصياء ووصي خاتم الأنبياء) فالطرق إذن المذكورة لا تصلح لتقوية هذه الرواية.(1/187)
…ثانيًا: لا تخلو الروايات الأخرى من علة، فرواية لأحمد(250) فيها شريك بن عبدالله، وشريك بن عبدالله قال ابنه: (كان عند أبي عشرة آلاف مسألة عن جابر الجعفي وعشرة آلاف غرائب).
…وقال ابن المبارك: (ليس حديث شريك بشيء) وللعلماء فيه كلام كثير(251) ورواية أخرى(252) فيها: (عمرو بن حبشي) مجهول الحال(253).
…ثالثًا: هذه الرواية في سندها: (سلام بن أبي عمرة) قال ابن معين: (ليس حديثه بشيء)، وقال ابن حبان: (لا يجوز الاحتجاج بخبره)(254)، وقال ابن الجوزي: (واهي الحديث)(255).
…رابعًا: فالحديث بعد هذا لا يصح ولا يجوز الاحتجاج بمثله في قضايا الدين.
…الحديث الخامس: قلتم: (وروى الطبراني عن علي بن علي الهلالي عن أبيه قول رسول الله ( لفاطمة عليها السلام: (ووصيي خير الأوصياء وأحبهم إلى الله بعلك)(256).
…قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه: (الهيثم بن حبيب) قال أبو حاتم: (منكر الحديث) وهو متهم بهذا الحديث(257).
…وقال في حديث آخر فيه الهيثم: وأمَّا "الهيثم بن حبيب" فلم أرَ من تكلم فيه غير الذهبي اتهمه بخبر رواه وقد وثقه ابن حبان(258).
…فيقع التعارض بين جرح أبي حاتم ـ وتبعه الذهبي ـ وتوثيق ابن حبان لأنَّ الذهبي قال في أبي حاتم: وإذا لين رجلاً أو قال فيه: لا يُحتج به، فتوقف حتى ترى من قال غيره فيه فإن وثقه فلا تبنِ على تجريح أبي حاتم فإنَّه متعنت في الرجال)(259).
…وهنا وقفات عدة:
…أولاً: "علي بن علي" المذكور في الحديث لا يوجد في كتب التراجم.
…ثانيًا: شيخ الطبراني: "محمد بن زريق بن جامع" لا يوجد كذلك في كتب التراجم.
…ثالثًا: "علي بن هلال" لم تثبت صُحبته، فإنَّه لم يصح ما يبين أنَّه صحابي إلاَّ هذا الحديث وهذا الحديث كما سيأتي: "لا يصح".
…رابعًا: الحديث رواه الطبراني بسنده عن: "الهيثم بن حبيب" ثنا سفيان بن عيينة عن علي بن علي الهلالي..إلخ(1/188)
…هذا الراوي عن ابن عيينة قال فيه الذهبي: (الهيثم بن حبيب عن سفيان بن عيينة بخبر باطل في المهدي هو المتهم به).
ثمَّ قال الذهبي:(أمَّا الهيثم بن حبيب عن عكرمة والحكم بن عتبة وعنه شعبة وأبو عوانة وجماعة فوثقه أبو حاتم)(260).
…وأكَّد ابن حجر قول الذهبي وتفريقه بين الرجلين بذِكر شيوخيهما.
…خامسًا: قال الهيثمي بعد إيراده حديث ابن عباس "من صام يوم عرفة كان له كفارة سنتين ...إلخ" رواه الطبراني في الصغير وفيه: (الهيثم بن حبيب عن سلام الطويل وسلام ضعيف وأمَّا: "الهيثم بن حبيب" فلم أرَ من تكلم فيه غير الذهبي اتهمه بخبر رواه وقد وثقه ابن حبان).
…قلت: هذا وهم من الهيثمي رحمه الله فإنَّ: "الهيثم" هذا في هذا الحديث هو متأخر عن الهيثم السابق.
…فالهيثم السابق يروي عن سفيان بن عيينة عن علي بن علي الهلالي عن أبيه عن النبي ( فليس بينه وبين النبي ( إلاَّ ثلاثة أشخاص فهو متقدم على: "الهيثم بن حبيب" الذي روى حديث الصيام وكلام الذهبي على الأول وليس على الثاني.
…ولهذا فإنَّه عندما ترجم لهما فرَّق بينهما كما تقدم.
…وابن حبان لم يذكر الهيثم السابق في كتابه وإنَّما ذكر الهيثم الثاني(261).
…سادسًا: الهيثم بن حبيب الذي ذكره ابن حبان في كتابه لم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً وهذا يُسمَّى عند العلماء: "مجهول الحال" وابن حبان يذكر في كتابه كل من لم يجرحه أحد ولكنَّه إذا سكت عليه فلا يعني أنَّه ثقة ولكنَّه غير الشخص الذي في حديثنا المذكور.
…فأمَّا منهج ابن حبان فإنَّه لا يعني إيراده لراوٍ في كتابه: "الثقات" أنَّه: "ثقة" ما لم يوثقه بلفظه فإنَّه رحمه الله قد يورد الراوي في كتابه الثقات ويسكت عليه ولا يكون ثقة عنده وفيما يلي نورد نماذج من ذلك:
1- إسحاق بن أبي يحيى الكعبي: سكت عليه في الثقات وقال في المجروحين: لا يحل الاحتجاج به ولا الرواية عنه إلاَّ على سبيل الاعتبار.(1/189)
2- إسماعيل بن محمد بن جحادة اليمامي: سكت عليه في الثقات وقال في المجروحين: خرج عن حد الاحتجاج به إذا انفرد.
وهكذا جماعة من الرواة ولهذا فلا يصح الاعتماد على سكوته بل حتَّى إذا انفرد بالتوثيق فلا بد من البحث والتنقيب لتساهله رحمه الله في التوثيق.
…سابعًا: قولكم: (فيقع التعارض... إلخ) تبين لكم أنَّه لا تعارض هنا، وأنَّ الهيثمي رحمه الله وهِمَ حيث ظن أنَّ "الهيثم بن حبيب" اسم لشخص واحد مع أنَّ الذهبي وتبِعه ابن حجر قد ذكرا أنَّهما شخصان، وأمَّا ابن حبان فلم يذكر في كتابه إلاَّ: "الهيثم بن حبيب" الثقة ويُفرَّق بينهما بشيوخيهما.
…وبهذا يتبين أنَّه ليس هناك تعارض لأنَّ الشخص الموثق غير الشخص المجرح.
…وأخيرًا: أرأيتم هذه الأحاديث التي لا تصح ولا نستجيز لمسلم أن يستدل بها في أمور الدين لو أنَّا أردنا أن نستدل بمثلها من الروايات التي توجد في كتبنا في أبي بكر ( أو في غيره من الخلفاء ألا تظن أنَّنا نستطيع أن نجد؟ بلى.
…وإن كانت رواياتنا التي في كتبنا لا تُساوي معشار ما في كتبكم من التهويلات والمبالغات.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…115) قلتم: (إنَّ التضعيف الذي لم يذكر له مستند فغير مقبول كما قال النووي: ولا يقبل الجرح إلاَّ مفسرًا وهو أن يذكر السبب الذي به جرح ولأنَّ الناس يختلفون فيما يفسق به الإنسان، ولعلَّ من شهد بفسقه شهد على اعتقاده(262) قريب منه عن ابن قُدامة قال ابن حجر بعد تضعيف الدارقطني: يزيد بن أبي مريم هذا جرح غير مفسر فهو مردود(263) قال الخطيب: سمعت القاضي أبا الطيب يقول: لا يقبل الجرح إلاَّ مفسرًا... قلت: وهذا القول الصواب عندنا وإليه ذهب الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده من ... البخاري ومسلم...)(264).
…قلت هنا وقفات:
…الأولى: أنَّ كلام الأوائل اختلف بسبب النظر في أحد أمرين:(1/190)
…الأول: الراوي المجروح فهو إمَّا أنَّه قد ثبتت عدالته كرواة الصحيحين ونحوهم، وإمَّا أنَّه لم تثبت عدالته.
…فالذي ثبتت عدالته فلا يقبل الجرح فيه إلا مفسرًا وهذا مقصود ابن حجر فيما أوردتم فإنَّه قال: (ينبغي أن يعلم أنَّ تخريج صاحب الصحيح لأي راوٍ كان مقتضٍ لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته.. وحينئذٍ إذا وجدنا لغيره في احدٍ منهم طعنًا فذلك الطعن مقابل لتعديل هذا الإمام فلا يُقبل إلاَّ مبين السبب مفسرًا بقادح يقدح في عدالة الراوي..)(265).
…وأمَّا إن كان الراوي مجهولاً ولم تثبت عدالته فهذا يقبل الجرح فيه مطلقًا قال ابن حجر: (فإنْ خلا المجروح عن تعديل قُبل الجرح فيه مجملاً غير مبين السبب إذا صدر من عارف على المختار)(266).
…السبب الثاني: العالِمُ المجرِّح فإن كان بصيرًا عارفًا بهذا الشأن قبل جرحه مجملاً وإلاَّ فلا بدَّ من التفسير.
…وقد مرَّ معنا قول ابن حجر رحمه الله.
…وسبقه ابن كثير في تقرير هذه المسألة فقال: (أمَّا كلام الأئمة المنتصبين لهذا الشأن فينبغي أن يُؤخذ مسلمًا من غير ذكر الأسباب وذلك للعلم بمعرفتهم واطلاعهم واضطلاعهم في هذا الشأن واتصافهم بالإنصاف والديانة والخبرة والنصح..)(267).
…وقرَّره قبله ابن الأثير فقال: (فمن حصلت الثقة ببصيرته وضبطه يُكتفى بإطلاقه..)(268).
…وقرَّره قبلهم ابن الطيب ونقله عن الجمهور فقال: (الجمهور من أهل العلم إذا جَرَّح من لا يعرف الجرح يجب الكشف عن ذلك ولم يوجبوا ذلك على أهل العلم بهذا الشأن).
…وارتضاه الخطيب البغدادي فقال: (والذي يُقوِّي عندنا ترك الكشف عن ذلك إذا كان الجارح عالمًا)(269).
…قلت: وعلى هذا أُلَّفت كتب الرجال والتراجم فقد قبلوا الجرح من العلماء المختصين بدون ذكر للسبب.
…هذا هو مذهب المحققين من علماء الحديث.(1/191)
…الثانية: قول ابن حجر الذي أوردتموه قد حذفتم جزءً من الكلام الذي يفسره فقد قال: (يزيد بن أبي مريم الدمشقي وثقة الأئمة وابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم قال الدارقطني: ليس بذلك: قلت: هذا جرح غير مفسر فهو مردود وليس له في البخاري إلاَّ حديث واحد..)(270).
…وبهذا يتَّضح أنَّ الراوي المذكور من رواة الصحيح وقد وثَّقه أئمة، فمثل هذا لا يقبل إلاَّ مفسرًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…116) قلتم (ص"38"): (وقد تواتر عن الصحابة واللغويين إطلاق: "الوصي" على علي بن أبي طالب عليه السلام كما مرَّ رواية الطبراني وغيره عن سلمان الفارسي(271) وهكذا عن أبي أيوب(272) الأنصاري وعلي المكي الهلالي(273)).
…قلت الجواب من أوجه:
…أولاً: قد مرَّ معنا حديث سلمان وعلي الهلالي وتبيَّن لنا عدم صحتها، وعلي المكي الهلالي هو: علي الهلالي المتقدم المجهول!!
…ثانيًا: ما الفائدة في التكثر من أحاديث لا تصح؟!
…ثالثًا: حديث أبي أيوب رواه الطبراني وهو حديث مسلسل بالضعفاء وغلاة الشيعة قال: (حدثنا أحمد بن محمد بن العباس القنطري ثنا حرب بن الحسن الطحان ثنا حسين بن الحسن الأشقر ثنا قيس بن الربيع عن الأعمش عن عباية بن ربعي عن أبي أيوب الأنصاري...إلخ).
…رواة الحديث:
شيخ الطبراني "أحمد بن محمد القنطري" ليس له ترجمة في كتاب الرجال فهو مجهول العين والحال!!
…وحرب بن الحسن الطحان: قال الأزدي: (ليس حديثه بذاك)(274).
…والحسين بن الحسن الأشقر: قال البخاري: (فيه نظر)، وقال أبو زرعة: (منكر الحديث).
…وقال أبو معمر الهذلي: (كذاب)(275).
…وفيه: "قيس بن الربيع" اختلف فيه النقَّاد والكثرة على تضعيفه، وقد اتفق أحمد والبخاري وابن حبان وعفان وابن نُمير أنَّ له ابنًا كان يلقِّنه ويضع في حديثه ما ليس منه(276).
…وفيه: "عباية بن ربعي" قال الذهبي: (من غلاة الشيعة)(277).
…وهكذا الحديث مُسلسَل بالضعفاء.(1/192)
…فأيُّ فائدة في مثل هذه الأحاديث؟! أيُبنى عليه دين يُتقرَّب به إلى الله (؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…117) قلتم: (وروى الخوارزمي عن علي عليه السلام قال لعدَّة أرسلهم معاوية إلى علي عليه السلام: (معاشر الناس: أنا أخو رسول الله ( ووصيه)(278) وهكذا في كتابه إلى أهل مصر عليه السلام(279)، وفي احتجاجه على الخوارج(280)، وفي خطبته بعد انصرافه من صفين(281)).
…قلت: الجواب من عدة أوجه:
…الأول: اعتمدتم على مرجعين كررتموهما وكأنَّهما أربعة مراجع، فهذه الروايات في مرجعين "نهج البلاغة" و"تاريخ اليعقوبي".
…ثانيًا: "تاريخ اليعقوبي" مصدر ليس أحسن حالاً من تاريخ دمشق ولا تاريخ الطبري قبله وهو لا يرقى إلى مصافهما في الوثاقة بل مملوء بالأباطيل والأكاذيب، ولا يجوز الاعتماد عليه في التاريخ فما بالك بقضايا عقدية.
…ثالثًا: "نهج البلاغة" لا يصلح كتابًا تاريخيًا بل ولا أدبيًا لأنَّه كتاب مقطوع السند بل عندنا مختلق، كاتبه شاعر وعبارته واضحة التكلف لا يليق كثير منها بفصاحة وبلاغة عليّ بن أبي طالب ( التي كانت على منهاج العرب القدماء فكيف يُعتمَد عليه في قضايا عقدية.
…قال الأستاذ عبدالسلام هارون مقدم طبعة عام "1406": (وكنَّا إلى الأمس القريب في ريبتين اثنتين منه: أولاهما: من هو صانع الكتاب؟ أهو الشريف "الرضى" أم أخوه "المرتضى"؟ .. إلى أن قال: (وإنَّ السجع والصناعة اللفظية تظهر في كثير من جوانبه على خلاف المعهود في نتاج هذا العصر النبوي.
…قالوا: إنَّ فيه من دقة الوصف وغرابة التصوير ما لم يكن معروفًا في آثار الصدر الأول الإسلامي، كما أنَّه يطوي في جنباته كثيرًا من المصطلحات التي لم يتداولها الناس إلاَّ [بعد] أن شاعت علوم الحكمة كالأين والكيف..إلى أن قال: (وأمر آخر يريب: وهو أنَّ جامع هذه النصوص لم يسجِّل في صدر كتابه أو أثنائه شيئًا من مصادر التوثيق والرواية).(1/193)
…وقال محقق الكتاب الدكتور "صبري إبراهيم السيد" بعد دراسة الكتاب ونصوصه: إنَّ الكتاب اشتمل على خمسة أقسام من النصوص:
1- نصوص ثبتت نسبتها إلى عَلِيّ.
2- نصوص رواها الشيعة وحدهم.
3- نصوص لم يروها أحد.
4- نصوص مشكوك في صحة نسبتها لأسباب خاصة.
5- نصوص ثبتت نسبتها لآخرين.)
والمحقق رغم كل ذلك لم يستطع أن يوثِّقها إلاَّ من كتب الأدب والتواريخ، وهي كتب لا ترقي إلى الاعتماد أصلاً.
ثمَّ إنَّه أجرى مقارنة بين النصوص التي في "نهج البلاغة" وبين نفس النصوص التي في كتب الأدب والتواريخ فرأى أمرًا عجيبًا.
النصوص في تلك الكتب لا يتعدَّى بعضها خمسة أسطر، وإذا بها تصبح في كتابنا هذا خمسين ومئة سطرٍ!
فأثبت أنَّ: الخطبة الأولى من أولها إلى قوله: (ولا وقت معدود) ومرجعه: "العقد الفريد" لابن عبد ربه وهي هنا خمسة أسطر فقط وفي الأصل ـ أي في نهج البلاغة ـ أكثر من خمسين ومئة سطر) ثمَّ استطرد يبيِّن الفوارق بين النصوص الموجودة في تلك الكتب وهذا الكتاب)(282).
هذا هو "نهج البلاغة" فهل يصلح عمدة في دين؟! بل في تاريخ أو أدب؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…118) قلتم: (وروى الحاكم والهيثمي عن الإمام الحسن عليه السلام(283) وابن الأثير والطبري عن الإمام الحسين عليه السلام(284).
…وروى ابن عساكر بن بُرَيدة بن الحصيب بن عبدالله(285) والخوارزمي عن ابن مردوية عن أم سلمة(286) والكنجي الشافعي عن أبي سعيد الخدري(287) وأبي نُعَيم عن أنس بن مالك(288) واليعقوبي عن مالك بن الحارث الأشتر(289) والخوارزمي عن عمرو بن العاص(290) والقندوزي عن عمر بن الخطاب(291) والمسعودي عن ابن عباس(292)).
…والجواب من وجوه:
…أولاً: جميع هذه المراجع تاريخية ـ ما عدا الأول منها ـ لا يجوز لمسلم أن يعتمد عليها في دينه ولا أظن أنَّك تجهل ذلك.
…والاستكثار من الباطل لا يقلبه إلى حق.
…والذي يريد الحق ينبغي أن يعيد النظر في مثل هذا المنهج.(1/194)
…فإنَّ كتب التواريخ مملوءة بالأباطيل، ولو أردنا أن نقابل صنيعك هذا بمثله لفعلنا، لكنَّا لا نستجيز أن نستدل بالتواريخ وكتب الأدب ولا بالأحاديث الضعيفة في ديننا، فإنَّ ديننا عندنا أعز من ذلك.
…ثمَّ إنَّنا أصحاب منهج ما صحَّ من الدليل قبلناه ولو خالف الهوى، والضعيف لا نستدل به ولو وافق الهوى.
…ولهذا فإنَّ الأحاديث والآثار والقصص التي وردت في غير كتب السنَّة لا يُلتفَت إليها، فإنَّ كتب السنن والآثار قد استوعبت كل الأحاديث.
…ولذلك فإنَّني سأصرف النظر عن تلك الروايات التاريخية لضياع الوقت في قراءتها والرد عليها، ولو أردت أن تراجع أي كتاب من كتبنا المؤلفة في إثبات القضايا العقدية لما رأيت تلك الكتب ضمن المراجع المعتمدة.
…ثمَّ لِمَ لا تعمد إلى أي كتاب من كتب السنَّة المعتمدة لتستدل بها كالصحيحين مثلاً، وهما كتابان قد اعتمدهما أهل السنَّة ورضوا عن رواياتهما واهتموا بدراستهما وشرحهما ثمَّ تذهب إلى كتب مملوءة بالقصص الكاذبة والروايات الباطلة.
…أهذا نهج المحققين؟!
…ثانيًا: أمَّا حديث الحسن والحسين فقد ورد في غير هذا الموضع وبُيِّن عدم صحته.
…ثالثًا: أمَّا الأحاديث التي تنسبها إلى مراجع الحديث فإنَّنا نبين درجاتها حسب المنهج العلمي المعتمد عند أهل السنَّة وأمَّا روايات التواريخ فليست صالحة للاستدلال على مسائل الاعتقاد لعدم الوثوق بحفظ هذه المصادر ولا بتلك الروايات.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…119) قلتم: ( وهكذا روى الذهبي وابن حجر عن جابر الجعفي(293)
…والعجب من المزي حيث روى عن سعيد بن منصور قال قال ابن عيينة: سمعت من جابر ستين حديثًا ما أستحل أن أروي عنه شيئًا: يقول: حدثني وصي الأوصياء ... إلى أن قال: أقل ما في أمره أن يكون حديثه لا يحتج به إلا أن يروي حديثًا يشاركه فيه الثقات(294).(1/195)
…أقول ما هو مراده من مشاركة الثقات إياه هل مراده أمثال: "حريز بن عثمان الحمصي "من رجال البخاري والأربعة(295) الذي يروي المزي عن أحمد بن حنبل بأنه: ثقة ثقة ثقة وليس بالشام أثبت من حريز وهكذا نقل وثاقته عن يحيى بن معين والمدني والعجلي(296).
…مع أنه يلعن علي بن أبي طالب صباحًا ومساءً كما قال ابن حبان فيه: يلعن عليًا بالغداة سبعين مرة وبالعشي سبعين مرة فقيل له في ذلك؟ فقال: هو القاطع رؤوس أبائي وأجدادي)(297).
…قلت وهنا وقفات:
…أولاً: جابر الجعفي كان أول أمره مستقيمًا ثمَّ إنَّه طرأ عليه ما غيَّره إمَّا اختلاط وإمَّا جنون ولذلك كذَّبه العلماء منهم: أبو حنيفة وسفيان وليث بن سليم وزائدة ويحيى بن معين الجوزجاني.
…قال ابن حبان: (كان سبيئًا من أصحاب عبدالله بن سبأ كان يقول إنَّ عليًا يرجع إلى الدنيا)(298).
…وأورد له القهباني الشيعي الإمامي في كتابه مجمع الرجال قصصًا فيها دعوى الغيب وقال: (كان جُنَّ في نفسه مختلطًا وكان شيخنا أبو عبدالله محمد بن محمد بن النعمان رحمه الله ينشد أشعارًا كثيرة في معناه تدل على الاختلاط ليس هذا موضعًا لذكرها).
…وأورد له عدة كتب ثم قال في نهايتها:(وذلك موضوع).
…وروى قصة عن عروة بن موسى قال كنت جالسًا مع أبي مريم وجابر عنده جالس فقام أبو مريم فجاء بدورق من ماء بئر مبارك بن عكرمة.
…فقال له جابر: ويحك يا أبا مريم كأنِّي بك قد استغنيت عن هذه البئر واغترفت من ههنا من ماء الفرات.
…فقال له أبو مريم: ما ألوم الناس أن يسمونا كذابين).
…وذكر أول الترجمة عن عبدالحميد بن أبي العلاء قال:دخلت المسجد حين قُتِل الوليد فإذا الناس مجتمعون قال:فأتيتهم فإذا جابر الجعفي عليه عمامة خز وإذا هو يقول:حدثني وصي الأوصياء وارث علم الأنبياء محمد بن علي عليه السلام قال:فقال الناس: جنَّ جابر،جنَّ جابر(299).(1/196)
فهذه الترجمة له في كتب الشيعة وصفته بما وصفته به كتب السنة بأنَّه كذاب مختلط مجنون فأي عتب على أهل السنَّة إذا تركوه ؟!
…ثانيًا: إنَّ أهل السنَّة إذا ثبت لهم أنَّ الراوي المخالف لهم في المذهب صادق مطلقًا أو صادق في تلك الرواية رووا عنه وتركهم لجابر الجعفي لأنَّه ثبت عندهم أنَّه يكذب.
…ولكنهم رووا عن عشرات الأشخاص ممَّن وُصِفوا بالتشيع لأنَّ الشيعة القدماء لم يكونوا يسبون الشيخين ولا أحدًا من الصحابة وإنَّما كان مذهبهم تقديم علي ( على عثمان ( ولم ويُعرَف عنهم الكذب.
…وأمَّا الطائفة التي أطلق عليها: " الرافضة" فيما بعد بسبب رفضهم لزيد بن علي رحمه الله فإنَّهم يُعادون عظماء الأمة ويتهمونهم بالردة أو بالفسق ثم هم يستحلون الكذب لأنَّ معتقدهم يقوم على: "التقية" ولهذا فقلَّ أن يرووا عن شخص منهم إلاَّ بعد التوثُّق.
وقد روى الشيخان عن أكثر من ستين شخصًا وُصِفوا بأنَّهم شيعة وعن جماعة كثيرة وُصِفوا بأنَّهم رافضة منهم:
1- أبان بن تغلب الربعي [42].
قال الذهبي: (شيعي جَلَد، لكنَّه صدوق فلنا صدقه وعليه بدعته)(300).
2- أحمد بن المفضل القرشي [م د س].
قال أبو حاتم: (وكان من رؤساء الشيعة صدوق)(301).
3- جعفر بن سليمان الضبعي [م4].
قال ابن معين: ثقة وروى الذهبي عنه أنَّه كان يكره أبا بكر وعمر رضي الله عنهما(302).
4- خالد بن مخلد القطواني [خ م ت س ق]
قال ابن سعد: كان متشيعًا منكر الحديث في التشيع مفرطًا، وكتبوا عنه للضرورة(303) أي لوجود أحاديث عنده ليست عند غيره أو لعلو السند.
5- عبدالملك بن أعين الكوفي [ع]
قال أبو حاتم: من أعتى الشيعة محله الصدق.
قال سفيان: "رافضي".
وقال العجلي: "ثقة"(304).
6- محمد بن فُضَيل بن غزوان [ع]
قال ابن معين: (ثقة). وقال أبو داود: (كان شيعيًا محترقًًا)(305).(1/197)
هؤلاء عدة من الرواة الشيعة وُصِفوا بالتشيع والغلو والرفض خرَّج أحاديثهم صاحبا الصحيحين أو أحدهما ولم يمنعهم من ذلك سوء المعتقد إذا ثبت صدقهم.
…فإذا رووا عن بعض النواصب فلأنَّه ثبت عندهم صدقهم مثلهم مثل من قيل فيهم إنَّهم شيعة أو روافض وكانت لهم مذاهب رديئة.
…والرواية عن هؤلاء وهؤلاء ليس إقرارًا لمعتقدهم كما سيأتي عن الإمامية كذلك.
…ثالثًا: حريز بن عثمان ورد في ترجمته ثلاثة أنواع من الكلام فيما يخص عليَّ بن أبي طالب (:
1- نوع فيه أنَّه يحمل على عليّ (.
2- ونوع يتبرَّأ من ذلك ويبرئه غيره.
3- ونوع أنَّه تاب.
ونحن نميل إلى أنَّ الرجل بريء من ذلك أو أنَّه تاب.
…قال أبو حاتم: (حسن الحديث ولم يصح عندي ما يُقال في رأيه).
…وقال علي بن عياش: (سمعت حريز بن عثمان يقول لرجل: ويحك أما خفت الله حكيت عنّي أنِّي أسب عليًّا والله ما أسبه وما سببته).
…وقال البخاري وهو الذي روى عنه وقال أبو اليمان: (كان حريز يتناول من رجل ثمَّ ترك _ يعني عليًّا ( ـ)(306).
…رابعًا: ما أوردتموه من لعن علي ( صباحًا ومساءً أوردها ابن حبان بدون سند ومثل هذا لا بدَّ له من أساس(307) حتى يُبنى عليه حكم أو علم.
…خامسًا: ومثل هذا: محمد بن فُضيل بن غزوان [ع] روى له أصحاب الكتب الستة.
…قال الدارقطني: (كان ثبتًا في الحديث إلاَّ أنَّه كان منحرفًا عن عثمان)(308) ومع ذلك روى عنه الشيخان وعثمان وعلي رضي الله عنهما خليفتان راشدان.
…فهل رواية الشيخين عن هذين الراويين إقرار لهما؟
…معاذ الله.
…ولكن المحدثين إذا كان الشخص صادقًا لا يكذب حسب الظاهر رووا عنه وليس في ذلك إقرار لمذاهبهم فإذا وجدت أحاديث عند شخص ليست عند غيره أو كان ما لديه يقوي طرقًا أخرى لا يجوز صرف النظر عن ما عنده وتضييع الحق لأجل خطأ صاحبه وذلك بعد التثبت من صدقه.(1/198)
…سادسًا: نحن أصحاب منهج فإذا ثبت لدينا صدق الراوي نقلنا عنه: ولو كان خارجيًا أو ناصبيًا أو شيعيًا محترقًًا.
…فما هو منهج الشيعة الإمامية؟ قال صاحب مقياس الهداية في علم الدراية الشيعي الإمامي: (إنَّ الحديث الصحيح ما اتصل سنده إلى المعصوم بنقل العدل الإمامي عن مثله في جميع الطبقات حيث تكون متعددة)(309).
…فأين الإنصاف؟! ـ بصرف النظر عن مدى تحقق هذا الشرط في أحاديث الإمامية ـ من عدمه ـ.
…سابعًا: قد قرر علاَّمتكم: "ابن المطهر": (أنَّ الطعن في دين الرجل لا يوجب الطعن في حديثه)(310) فَلِمَ يجوز لكم ما لا يجوز لغيركم؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…120) قلتم: (أو المراد من الثقات هو مثل: إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني من أئمة الجرح والتعديل عند أهل السنَّة ومن رجال أبي داود والترمذي والنسائي... ثمَّ ذكرتم إكرام أحمد بن حنبل له وتوثيق العلماء له وقول ابن حبان أنَّه كان فيه انحراف عن عليّ (... إلخ).
…قلت:
…أولاً: هذا الراوي ليس من رواة الشيخين، وما أوردته من كلام ليس في كتاب تهذيب الكمال الأصل.
…وأمَّا ابن حبان فقد رواه بدون سند ولا يعتد بكلام غير موثَّق.
…ثانيًا: قد ورد مثله من رواة شيعة روينا عنهم لما صَدَقوا ومنهم من يسب عثمان ويكره الشيخين _إن صحَّ عنهم_ لأنَّه لم يُعرف عنهم كذب ولهم عشرات المشايخ والتلاميذ وبدعتهم عليهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…121) أوردتم عن أبي الفرج الأصفهاني أنَّه قال: (إنَّ خالد القسري أحد ولاة بني أميَّة طلب من أحدهم أن يكتب السيرة، فقال الكاتب: فإنَّه يمر بي الشيء من سيرة علي بن أبي طالب أفأذكره؟ فقال خالد: لا، إلاَّ أن تراه في قعر جهنم وذكرتم قول ابن خلكان أنَّه كان متهمًا في دينه وقد بنى لأمِّه كنيسة في داره)(311).
…هنا وقفات:(1/199)
…أولاً: لولا أنَّني أحب أن أزيل عنكم ما علق بذهنكم من شبهات لأعرضت عن مثل هذا الكلام فإنَّه لا يليق بكم اصطياد الروايات التاريخية التي لا سند لها ولا زمام لتستدل بها على أعراض الناس وعقائدهم فهذا منهج أعيذ نفسي وأعيذك منه.
…كتاب الأغاني؟!! هل يليق بكم وأنتم أستاذ جامعي يُعلِّم المنهج ويقود جيلاً أن تنزل إلى هذا المستوى، إنَّني والله أحزن على مثل هذا الاتجاه.
…فإذا كانت كتب الروايات المنسوبة إلى النبي ( أو الأئمة عندكم التي اهتم العلماء بها وأفردوا لها مؤلفات وأوردوها بأسانيد قد حدث فيها الكذب والتحريف فما بالك بقصص التاريخ؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…122) قلتم: (إنَّ عمران بن حطان من رجال البخاري وأبي داود والنسائي، قال العجلي: "بصري ثقة". وقال أبو داود: "ليس في أهل الأهواء أصح حديثًا من الخوارج) ثمَّ ذكر عمران هذا وغيره... مع أنَّ العقيلي صرَّح بأنَّ عمران بن حطان كان من الخوارج وهو المادح لابن ملجم..).
…قلت: الجواب تابع لما قبله من وجوه:
…أولاً: مذهب أهل السنَّة أن لا يُترك الحق ولو كان من كافر أو فاسق، وهذا الذي قرَّره القرآن الكريم.
…قال تعالى إنَّ بلقيس اليمن قالت: (إنَّ الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة) وهذه كلمة حق من امرأة كافرة. قال تعالى: (وكذلك يفعلون) قاله ابن عباس رضي الله عنهما(312).
…وقال تعالى في الفاسق: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) فأمر ( بالتثبت ولم يأمر بترك خبره.
…ثانيًا: قد ثبت للعلماء صدق الخوارج في الحديث فإنَّهم يُكفِّرون مرتكب الكبيرة وهذا يعني أنَّ الكذب منهم غير وارد ولهذا رووا عنهم ورووا عمَّن سمَّموهم: "روافض" وهؤلاء يتديَّنون بالكذب الذي هو: "التقية" حتى رووا عن جعفر الصادق أنَّه قال: (إنَّ تسعة أعشار الدين في التقية ولا دين لمن لا تقية له).(1/200)
…وعنه عن أبيه: (لا والله ما على وجه الأرض من شيء أحب إليَّ من التقية)(313).
…فكيف يُوثَّق من يعتقد أنَّ تسعة أعشار الدين كذب ومن لا يكذب لا دين له؟ ولا يوثَّق من يعتقد أنَّ الكذب: "كفر" أو مخرج من: "الإيمان".
…أمَّا الرواية عن عمران بن حطان فقد قال فيه قتادة: (كان عمران بن حطان لا يتهم في الحديث)(314).
…وابن كثير قال فيه: (كان أحد العباد) وصف لحاله وليس ثناءً عليه.
…ثالثًا: قولكم: (هؤلاء قسم من ثقات أهل السنَّة ورواة الصحاح الستَّة وكم لهم من نظير).
…قلت الجواب من وجوه:
…أولاً: أهل السنَّة يروون الحديث عن كل من: (ثبت عندهم صدقه) ولو كان مبتدعًا كما مر.
…ثانيًا: رواة الصحيح هم من أوثق الرواة من حيث صدق الرواية وخاصة الرواية التي تذكر في الصحاح.
…ثالثًا: رواة السنن لا تُقبل رواياتهم إلاَّ إذا كانوا ثقات وليس كل رواية تَرِدُ عنهم تُقبل والعلماء قد ترجموا لهم وذكروا أحوالهم لينظر فيمن تُقبل رواياتهم ممَّن تُرد.
…رابعًا: رواة السنَّة عندنا معروفون مترجم لهم لكن ماذا عن رواة السنن عند الإمامية؟ هل هم معروفون؟ ثمَّ هل هم أتقياء بررة. اسمع إلى كلام الألوسي رحمه الله وهو يحدِّثنا عن الكتب الأربعة الصحاح عند الإمامية قال: (زعموا أنَّ أصح كتبهم أربعة: الكافي، وفقه من لا يحضره الفقيه، والتهذيب، والاستبصار.. وما زعموه من صحتها باطل لأنَّ في إسناد الأخبار المروية من هو من المجسمة كالهشامين وصاحب الطاق.
…ومنهم من أثبت الجهل لله في الأزل كزُرارة بن أعين، وبكير بن أعين والأحولين وسليمان الجعفري ومحمد بن مسلم وغيرهم.
…ومنهم فاسد المذهب كابن مهران، وابن بكير، وجماعة أخرى.
…ومنهم الوضَّاع كجعفر القزاز، وابن عياش.
…ومنهم الكذَّاب كمحمد بن عيسى.
…ومنهم الضعفاء كثيرون.
…ومنهم المجاهيل وهم أكثر)(315)(1/201)
…ثمَّ استطرد رحمه الله يبين تكذيب بعضهم البعض في الرواية وهذا تأكيد لكلام السيد محمد الصدر في أنَّ رواة العقائد والتاريخ عند الشيعة مجهولون كما ذكر في ذكر مكان آخر من هذا البحث.
…وقد تقدم تكذيب جعفر الصادق لجماعة من تلاميذه.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…123) قلتم (ص"41"): (كيف يمكن توثيق من لعن علي بن أبي طالب والرواية عنه في الصحاح التي هي الملاك في سنَّة الرسول ( والمدار في استنباط الأحكام)
…قلت: الجواب من وجوه:
…أولاً: لعن علي بن أبي طالب ( كبيرة من الكبائر، ولعن أبي بكر أو عمر أو عثمان أو أي أحد ممَّن شهد لهم النبي ( بالخير والفضل والجنَّة كذلك.
…ثانيًا: تكفيرهم أو تكفير أحد منهم أشد من لعنهم، فأمَّا تكفير المجموع إلاَّ أفرادًا فهذا كفر لأنَّه يؤدي إلى إبطال الإسلام كما تقدم.
…ثالثًا: تقدم أكثر من مرة أنَّ العلماء يروون عن الشخص الفاسق أو المبتدع إذا كان لم يُعرف بالكذب إذ أنَّه لو تركت الرواية عن كل من فُسِّق أو ضُلل أو اُتهم ببدعة رغم صدقه فإنَّ هذا يحرم الناس وصول كثير من السنن.
…رابعًا: ليس كل من نسب إليه السب صحَّ عنه ذلك الفعل، وقد تقدَّم ما قيل عن: "حريز بن عثمان" وكيف أنَّه نقل عنه التبرؤ من ذلك وقيل إنَّه تاب.
…خامسًا: رأيتم أنَّ العلماء رووا عمَّن نسب إليه السب لعثمان والكره لأبي بكر وعمر ولم يمنعهم من الرواية عنهم ما داموا صادقين وقلنا إنَّ القرآن الكريم قرَّر ذلك.
…سادسًا: الرواية عنهم لا تعني الرضى عن فعلهم.
…سابعًا: هذا اجتهاد في موضوع الرواية وعلماء السنَّة مختلفون في مثل هؤلاء: منهم من يرد رواياتهم ويُضعِّفهم ومنهم من يقبلها إذا ضمن الصدق فيها.
…ثامنًا: هذا رجل واحد وقع منه السب وربَّما لو عدوا في رواة السنَّة لكانوا عددًا قليلاً فكم في علمائكم وعبَّادكم ورُواتكم من يلعن أبا بكر وعمر وعثمان وعظماء الصحابة ويسمُّون الشيخين بصنمي قريش؟!(1/202)
…أهذا يجوز يا تُرى؟!
…فهذا المامقاني أورد هذا الدعاء: (اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، والعن صنمَي قريش وطاغوتيهما وابنتيهما)(316).
…وقد نقل الدكتور على السالوس عن العالم الشيعي المعاصر السيد الحسن الموسوي يقول: (هذا دعاء منصوص عليه في الكتب المعتبرة وكان الإمام الخميني يقوله بعد صلاة صبح كل يوم)(317).
…فهل يجوز أن تأخذوا العلم عن مثل هذا؟! وقد تقدم اتهامه للنبي ( بعدم التبليغ كما ينبغي!! وأيهما أعظم جرمًا يا تُرى!
…تاسعًا: هل رأيت أحدًا من علماء السنَّة وعوامهم يفرح بمقتل علي (، وهل اتخذوا له عيدًا.
…أليس في كتبكم روايات تثني على قاتل عمر ( وعندكم من يتَّخذ ذلك عيدًا؟
…إنَّ هذا التعاطف مع بعض الصحابة ( حبَّذا لو عُمِّم وعظِّم كل الصحابة فإنَّنا نحترم جميعهم ولا نفرِّق بين أحد منهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…124) أوردتم حديثًا عن النبي (: (من سبَّ عليًّا فقد سبَّني) وعزوته إلى أحمد والمستدرك(318).
…قلت:
أولاً:سب علي(أو أي أحد من الصحابة العظماء كبيرة ما لم يتعد إلى جميعهم أو إلى غالبهم فيكون كفرًا.
…ثانيًا: الحديث في سنده: (أبو عبدالله الجدلي) قال ابن سعد : (ويُستضعَف حديثه وكان شديد التشيع).
وقال الذهبي: (شيعي بغيض كان صاحب راية المختار(319) وقد وثقه أحمد(320)).
…وفيه: "أبو إسحاق السبيعي" عمرو بن عبدالله وهو ثقة لكنَّه مدلس وهو هنا عنعن الرواية فقال: (عن أبي عبدالله) قال ابن حبان: (كان مدلسًا)(321) وأكده الطبري.
…وقال الجوزجاني: (وكان قوم من أهل الكوفة لا يحمد الناس مذاهبهم... احتملهم الناس على صدق ألسنتهم في الحديث ووقفوا عندما أرسلوا لما خافوا ألا تكون مخارجها صحيحة، فأمَّا أبو إسحاق فروى عن قوم لا يعرفون ولم ينتشر عنهم عند أهل العلم إلاَّ ما حكى أبو إسحاق عنهم...) ثمَّ رأى أنَّ الأخبار إذا لم تعرف يتوقف فيها(322).(1/203)
…125) قلتم: (وما رواه الطبراني عنها قالت: أيُسب رسول الله (...) فيكم على رؤوس الأشهاد؟ فقلت: سبحان الله وأنَّى يُسب رسول الله (؟ فقالت: أليس يُسب على بن أبي طالب ومن يحبه فأشهد أنَّ رسول الله ( كان يحبه)(323).
…الجواب من وجوه:
…أولاً: هذا الحديث هو نفس الحديث السابق غير أنَّ لفظ هذا الحديث مختلف إذ فيه أنَّه: (يسب علي بن أبي طالب ومن يحبه) ولا شكَّ أنَّ النبي ( كان يحبه فمن سبَّه بهذا اللفظ فإن كان يعلم أنَّ النبي ( كان يحبه فهو كافر وإن كان لا يعلم فهو على شفا جرف.
…ثانيًا: في سند الطبراني: (السدي عن أبي عبدالله الجدلي).
…والسدي شخصان: كبير اسمه: إسماعيل بن عبدالرحمن من رواة مسلم(324)، وصغير وهو: محمد بن مروان.
…قال البخاري: (لا يكتب حديثه). وقال أبو حاتم: (ذاهب الحديث متروك الحديث). وقال صالح بن محمد البغدادي الحافظ: (وكان يضع الحديث)(325).
…وكثيرًا ما يدلس بعض الرواة بذكر اسم يحتمل هذا وهذا ولو أراد الثقة لصرَّح عادة والله أعلم.
…ثالثًا: أمَّا حب علي ( فقد ورد في روايات صحيحة تغني عن مثل هذه الرواية كما سيأتي قريبًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…126) قلتم: (وما ذكره ابن عبد ربه عن أم سلمة...)(326)
…قلت: هو نفس الحديث ثمَّ كتب الأدب ليست مراجع للدين.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…127) قلتم: (وبعد ذلك كله فانظر ما قيمة كلام ابن كثير قائلاً: أسانيدها كلها ضعيفة لا يُحتج بها) هل هي إلاَّ جرح غير مفسر مردود ويا ليت كان يعين أين من الرواة ! كانت ضعيفة فصارت الرواية بسببه ضعيفة؟!
…الجواب:
…أولاً: قد تبين ممَّا أوردته في السابق صحة كلام ابن كثير رحمه الله.(1/204)
…ثانيًا: هذه الصورة ليست ممَّا يُقال: "جرح مفسر أو غيره" وإنَّما يُقال: من هو الراوي الضعيف الذي ضُعِّف الحديث بسببه؟ أمَّا الجرح فهذا مرحلة ثانية بعد التضعيف بأن يُقال علة الحديث: "فلان" فيُقال: ما هو عيبه؟ فيُقال: ضعيف أو متروك أو كذاب أو نحو ذلك.
…ثالثًا: قد أورد ابن كثير بعد ذلك حديثًا صحيحًا في مسلم عن علي ( أنَّه قال: (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنَّه لعهد النبي ( إليَّ أنَّه لا يحبك إلاَّ مؤمن ولا يبغضك إلاَّ منافق) ثمَّ قال: (وهذا الذي أوردناه هو الصحيح من ذلك).
…وهذا منهج أهل السنَّة يثبتون الفضائل الصحيحة ويردون الأحاديث التي لم تصح، فلا حاجة للصحابة ( إلى دعوى فضائل لا تصح فما صح ففيه غنية.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…128) قلتم: (ما الفرق بين علي بن أبي طالب وأبي بكر وعمر؟ حيث إنَّهم وثقوا من سب عليًّا عليه السلام ولكن حكموا بكفر من سب أبا بكر وعمر وأفتوا بقتلهم كما عن الفاريابي: (من شتم أبا بكر فهو كافر لا أُصلِّي عليه. قيل: فكيف تصنع به وهو يقول: لا إله إلا الله؟ قال: لا تمسوه بأيديكم ، ارفعوه بالخشب حتى تواروه في حفرته).
…الجواب من أوجه:
…أولاً: أسأل الله ( أن يفتح قلبك للحق وأن يُنير بصيرتك وأن يرينا وإيَّاك الحق وأن يرزقنا اتباعه.
…ثانيًا: تذكرت وأنا أعيش مع كلامك مثالاً كنت أذكره لطلابي في شبهات غير المسلمين التي يثيرونها على الإسلام وكيف يُرد عليهم.. مع الفارق طبعًا هنا.
…فقلت: قبل الجواب على السؤال أضرب مثالاً بين يديه لتقريب الجواب:
…رجل قرَّر أن يمشي على يديه رافعًا رجليه إلى السماء أحبَّ ان يزور صديقًا له في بعض البلدان فاستقبله صديقه في المطار وإذا بصديقه ينزل سائرًا على يديه.(1/205)
…فأول ما نزل من الطائرة قال هذا الصديق السائر على يديه: يا أخي لماذا أراك مقلوبًا؟ ثمَّ جاء ليركب في الحافلة فقال: لماذا الحافلة مقلوبة؟ ثمَّ عندما ركب في الحافلة قال: لماذا الناس مقلوبون؟ ولمَّا رأى أشجار المطار قال: لماذا الأشجار مقلوبة؟! وهكذا.. وهكذا..
…فصديقه هذا إن أخذ يحاول أن يجيب على كل سؤال فإنَّ الأسئلة لا تنتهي لأنَّ كل شيء بالنسبة له مقلوب.
…فما هو الحل؟ الحل أن يُقنِعَ صديقَه هذا أنَّ كل ما رآه مستقيم وأنَّه هو المقلوب وأنَّ الحل أن يقف على قدميه ليرى كل شيء مستقيمًا.
…ثالثًا: إنَّ كلامك يُوهم أنَّ أهل السنَّة لا يعظمون عليًّا ( وأنَّهم إذا رووا عمن يسبه فهم لا يحبونه بسبب روايتهم عمَّن نسب إليه أنَّه كان يسبه.
…وقد تقدَّم الكلام على هذا.
…كيف لا نحبه وهو من آل بيت النبي ( ونحن نعتقد أنَّ صلاتنا لا تكمل إلاَّ بالدعاء له مع آل بيت النبي ( من أمَّهات المؤمنين وذريته ( وآل العباس وآل عقيل وآل حمزة وآل علي فإن كنت تعتقد أنَّنا لا نحبه فهذا اعتقاد خاطئ وفهم لا يقوم على دليل وإنَّما على شبهات.
…أمَّا ما ذكر من سب بعض بني أميَّة لعلي ( فلا يمثل أهل السنَّة فنحن نبرأ ممَّا فعلوه عقيدة لا تقية.
…رابعًا: أنت نقلت نصوصًا مختلفة عن أشخاص عدة لكل شخص قول قاله في حكم من سب الصحابة وجعلت الكلام خرج مخرجًا واحدًا وكأنَّه من شخص واحد وهذا لا يصلح في البحث العلمي.
…وذلك لاختلاف العلماء في الحكم على من سب الصحابة: فمنهم من يُكفِّره سواء سبَّ أبا بكر أو عليًّا، ومنهم من يفسقه سواء سبَّ أبا بكر أو عليًّا.
…لكن لا يليق أن تأتي إلى إنسان يكفر من سبَّ أبا بكر وإلى إنسان آخر يفسق من سبَّ أبا بكر وسبَّ عليًّا وتقارن بين كلامه في التفسيق لساب عليّ وكلام من كفر من سب أبا بكر.
…والإنصاف أن تورد كلام نفس الشخص في كلا الصحابيَّين وبهذا يمكن أن تكون المقارنة منصفة.(1/206)
…خامسًا: حكم سب الصحابة من القضايا التي اختلفت فيها الأنظار.
…فمن العلماء من يرى أنَّ الساب لأحد من الصحابة لا يُكفَّر إذا كان الساب لآحاد الصحابة كأن يسب أبا بكر ( أو يسب عليًّا ( وإنَّما يفسق ويُجلد ولا يُقتَل ويرون أنَّ السب كبيرة من الكبائر.
…ومنهم من يرى أنَّه يُكفَّر أو يُقتَل عقابًا.
…وفيما يلي عرض ذلك بإيجاز.
…أ) من قال: إنَّ السَّاب لا يُكفَّر وإنَّما يُؤدَّب:
1- روى اللالكائي بسنده أنَّ الإمام أحمد سُئِل عمَّن سبَّ رجلاً من أصحاب النبي ( قال: أرى أن يُضرَب ضربًا نكالاً(327).
فهو لم يُفتِ بقتل من سبَّ وإنَّما أفتى بالضرب ولو كان عنده كافرًا لحكم بقتله.
2- قال إسحاق بن راهويه: من شتم أصحاب النبي ( يُعاقَب ويُحبَس.
3- وفي الرسالة التي رواها الإصطخري عن الإمام أحمد قال فيها: خير الأمَّة بعد النبي (: أبو بكر وعمر بعد أبي بكر وعثمان بعد عمر وعلي بعد عثمان ـ ووقف قوم ـ وهم خلفاء راشدون مهديون.
…ثمَّ أصحاب رسول الله ( بعد هؤلاء الأربعة خير الناس لا يجوز لأحدٍ أن يذكر شيئًا من مساويهم ولا يطعن على أحدٍ منهم بعيبٍ ولا نقص، فمن فعل ذلك فقد وجب تأديبه وعقوبته...)(328).
4- وهذا ورد عن عمر بن عبدالعزيز(329) وإسحاق بن راهويه ومشهور مذهب مالك(330) وابن المنذر(331).
5- وعقد القاضي أبو يعلى في بعض كتبه مبحثًا في حكم سب الصحابة قال في أوله: (سب أصحاب رسول الله ( حرام بالكتاب والسنَّة) ثمَّ أورد الأدلة(332).
6- وقال سحنون: (من كفَّر أحدًا من أصحاب النبي (: عليًّا أو عثمان أو غيرهما يُوجَع ضربًا)(333).
7- عن مغيرة وأبي إسحاق الهمداني: (شتم أبي بكر وعمر من الكبائر)(334).
ب) ومن قال بكُفر أو قتل من سبَّ الصحابة:
1- روى اللالكائي بسنده عن أبي ذر ( أنَّه قيل له: (لو أتيت برجل يسب أبا بكر عليه السلام ما كنت صانعًا؟ قال: أضرب عنقه. قال: فعمر؟ قال: أضرب عنقه)(335).(1/207)
2- وعن سحنون فيمن قال في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي: إنَّهم كانوا على ضلال وكفر قُتِل، ومن شتم غيرهم من الصحابة بمثل هذا نُكِّل النكال الشديد)(336).
3- قال ابن تيمية: (وصرح جماعات من أصحابنا بكفر الخوارج المعتقدين البراءة من: علي وعثمان وبكُفر الرافضة المعتقدين لسب جميع الصحابة الذين كفروا الصحابة وفسقوهم وسبوهم)(337).
ج) مذهب من فصَّل في ذلك:
…قال ابن حجر: (اختلف في ساب الصحابي فقال عياض: ذهب الجمهور إلى أنَّه يُعزَّر وعن بعض المالكية يُقتَل.
…وخصَّ بعض الشافعية ذلك بالشيخين والحسنين، فحكى القاضي حسين في ذلك وجهين وقواه السبكي في حق من كفَّر الشيخين وكذا من كفَّر من صرَّح النبي ( بإيمانه أو تبشيره بالجنَّة إذا تواتر الخبر بذلك لما تضمن من تكذيب رسول الله ()(338).
…هذه بعض نصوص أهل السنَّة فأين فيها التفريق بين علي ( وبين غيره.
…سادسًا: إنصاف أهل السنَّة يتجلَّى واضحًا في مراجعهم لمن وفقه الله وفتح قلبه.
…ولعليّ هنا أورد طرفًا ممَّا شهد به ابن الوزير أحد الشيعة من أعلام المذهب الزيدي بكلام علمي مفيد مستدلاً على كلامه بشواهد من كلام أهل السنَّة ومنهجهم.
…قال رحمه الله وهو يبين أنَّ أهل السنَّة أصحاب منهج وإنصاف لا أصحاب هوى واعتساف:
…(السابع: روايتهم للحجج الدالة على خلاف مذهبهم مثل أثر عائشة في نفي الرؤية...
…ومثل الأحاديث والمناقب الدالة على تفضيل أمير المؤمنين علي عليه السلام.
…ولقد ذكر الذهبي في كتابه: طبقات القرَّاء عليًّا عليه السلام وذكر أنَّه لم يسبقه إلى الإسلام إلاَّ خديجة وأنَّ المكان يضيق عن مناقبه وأنَّه جمع القرآن العظيم وصحَّح ذلك وردَّ على من خالف فيه.
…ثمَّ ذكر أنَّ أبا بكر ( مات ولم يختم القرآن، وكذلك عمر...).(1/208)
…ثمَّ عقَّب ابن الوزير بقوله: (ولو كانوا من أهل الكذب مع تفضيلهم لهما ـ أي أبي بكر وعمر ـ لكذبوا لهما أو تركوا ذكر ذلك نفيًا أو إثباتًا ليبقى مجملاً ولم يعتنوا في ذكره وإيراد إسناده الصحيح ولهذا نظائر لو ذكرتها واستوفيتها جاءت في مصنف مفرد.
…الثامن: تضعيفهم لأحاديث أئمتهم المُحتَج بها في الفروع فمن نظر: "البدر المنير" و:"خلاصته" و:"الإرشاد" و:"التلخيص" في الأحاديث التي احتج بها الشافعي علم إنصافهم وأنَّهم غير متعصبين فلعلَّهم أجمعوا على ضعف قدر الربع من حججه. هذا وهم أصحابه المنتسبون إليه.
…وكذلك المحدثون من الحنفية ولهم في ذلك كتاب أحاديث الهداية وكذلك المالكية.
…العاشر: تضعيفهم للأحاديث الدالة على مذاهبهم في التفضيل وغيره.. _ثمَّ أورد أحاديث كثيرة في فضائل أبي بكر_ أوردوها وضعَّفوها) وذكر تضعيفهم لرواة من أهل السنَّة وتوثيقهم لرواة من أهل الشيعة، ثمَّ قال: (وعكس هذا: وهو تصحيحهم لما يباين مذهبهم إذا رواه الثقات).
…ثمَّ قال: (وذكر ـ أي الذهبي ـ أنَّ أحمد بن حنبل وثَّق سليمان بن قرم وكان غاليًا في التشيع فلم يمنعهم غلوّه في التشيع من توثيقه ولا من رواية توثيق من وثَّقه.
…وقال ابن عدي: أحاديثه حِسان، هو خير من سليمان بن أرقم بكثير.
…قلت ـ لا زال الكلام له ـ: ولم يكن ابن أرقم من الشيعة) أي ابن عدي فضَّل الشيعي في ضبطه على السنِّي عندما تبين ذلك ولم يمنعهم مخالفتهم للشيعي من بيان الحق الذي له.
…الحادي عشر: تحرِّيهم للصدق في كتب الجرح والتعديل وعدم المداهنة، فقد تكلموا في تضعيف الأصدقاء والقرابات مثل نوح بن أبي مريم، وابن أبي داود، ووالد علي بن المديني، بل في من يعظمونه وهو حقيق بالتعظيم كالإمام الأعظم أبي حنيفة رحمه الله ضعَّفه بعضهم من جهة حفظه وصدعوا بذلك في التصانيف مع أنَّ الملوك حنفية في هذه الأعصار في مصر والشام وهم مستمرون في ذلك.(1/209)
…الثاني عشر: تعديلهم لأعدائهم من غلاة الروافض وكم في: "الصحيحين" من رافضي سبَّاب للصحابة غالٍ في الرفض كما مرَّ تعداد بعضهم ونقل ذلك في كتبهم وهم يعلمون ذلك ويذكرون مذهبه في كتبهم في الرجال ويُصرِّحون بأنَّه ثقة حجة مأمون في الحديث.
…والعدل على العدو أبلغ إمارات الإنصاف.
…الثالث عشر: روايتهم لفضائل علي عليه السلام وفضائل أهل البيت في أيام بني أميَّة..
…الرابع عشر: رواية مساوئ معاوية(339) والأحاديث الواردة بذمِّه وذم صبية بني أميَّة وهي في تواريخهم وكتبهم وبيان المكذوب من فضائله وأنَّه لم يصح منها شيء)(340).
…أرأيت دلائل الإنصاف عند أهل السنَّة؟! يشهد بها شيعي زيدي هداه الله لمعرفة الحق.
…أيمكن أن يكون منهج هؤلاء وهم يتحرَّون الحق والصواب أن يُفرِّقوا بين الأصحاب؟!
…ويُؤكِد ابن تيمية هذا المعنى فيقول: (كل من جرَّب من أهل العلم والدين: الجمهور_أي أهل السنَّة_علم أنَّهم لا يرضون الكذب ولو وافق أغراضهم فكم يروون لهم في فضائل الخلفاء الثلاثة وغيرها من الأحاديث بأسانيد خير من أسانيد الشيعة ويرويها مثل أبي نُعَيم والثعلبي وأبي بكر النقاش والأهوازي وابن عساكر وأمثال هؤلاء ولا يقبل علماء الحديث منها شيئًا! بل إذا كان الراوي عندهم مجهولاً توقفوا في روايته...)(341).
…لعلَّ في هذا كفاية لبيان ما توهمتَه في هذه المسألة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…129) قلتم: (هل لم يكن علي بن أبي طالب من الصحابة! حتى يشمله فتوى أبي زرعة: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب محمد ( فاعلم أنَّه زنديق"(342). وقول السرخسي: (من طعن فيهم فهو ملحد مُنابذ للإسلام دواؤه السيف إن لم يتب) أو أفتوا ذلك! لأن تكون وسيلة لقتل الشيعة فقط؟ قال ابن الأثير في حوادث (سنة 407هـ) وفي هذه السنة قُتِلت الشيعة في جميع بلاد أفريقيا وجعل سبب ذلك اتهامهم بسب الشيخين).
…الجواب من وجوه:(1/210)
…أولاً: علي بن أبي طالب ( صحابي جليل وهو الخليفة الرابع من الخلفاء الراشدين ومن أنكر ذلك فهو مبتدع ضال.
…قال ابن تيمية: (المنصوص عن أحمد تبديع من توقف في خلافة علي وقال: هو أضل من حمار أهله وأمر بهجرانه ونهى عن مناكحته.
…ولم يتردد أحمد ولا أحد من أئمة السنَّة في أنَّه ليس غير علي أولى بالحق منه ولا شكَّوا في ذلك.
فتصويب أحدهما لا بعينه تجويز لأن يكون غير علي أولى منه بالحق وهذا لا يقوله إلاَّ مبتدع ضال فيه نوع من النصب وإن كان متأولاً..).
…ثانيًا: هذه فتوى لعالم أفتى فيمن يتنقص الصحابة ووصفه بالزندقة فهل هو نفسه حكم فيمن انتقص عليًّا ( بخلاف ذلك؟!
…ثالثًا: أورد الخطيب قول أبي زرعة فيمن طعن في الصحابة بدعوى خيانة الوصية وهذا يترتب عليه إبطال للدين فلعلَّه نظر إليها من هذه الوجهة فكل من ترتب على طعنه هذه النتيجة فهو زنديق.
…فقد قال رحمه الله بعد ذلك: (..وذلك أنَّ رسول الله ( حق والقرآن حق وإنَّما أدَّى إلينا هذا القرآن والسنَّة أصحاب رسول الله (، وإنَِّما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنَّة والجرح بهم أولى وهم زنادقة)(343).
…أمَّا لو كان السب لأمر دنيوي أو سبًّا شخصيًا فلا شكَّ أنَّه ذنب لكن لا يبلغ هذا الوصف ولعلَّ هذا هو ما لحظه أصحاب القول الأول ولهذا فرَّق مالك رحمه الله بين من كفَّرهم وضلَّلهم وبين من شتمهم كشتائم الناس بعضهم البعض فقال رحمه الله: (فإن قال كانوا على ضلال وكفر قُتِل، وإن شتمهم بغير هذا من مشاتمة الناس نُكِّل نكالاً شديدًا)(344).
…فهذه اجتهادات العلماء في حكمهم على من سب أحدًا من أصحاب النبي ( وليس هناك فتوى واحدة أو فتويان إحداهما لساب أبي بكر والأخرى لساب عليّ من عالم واحد فتنبه والزم الإنصاف.
…رابعًا: وأمَّا قولكم: (أو أفتوا ذلك لأنَّ تكون وسيلة...)
…قلت: هذه الفتاوى ظهرت في أفريقيا أو في أزمنة متفرِّقة؟!(1/211)
وأمَّا ما حدث في أفريقيا إن صحَّ الخبر فيبدو أنَّ الشيعة أظهروا تكفيرهم لأصحاب رسول الله ( فلم يحتمل الناس تكفيرهم فقتلوهم لا أن العلماء أفتوا بقتلهم وكم حدث مثل هذا في عهد الدول الشيعية: البويهية والصفوية وغيرهما.
خامسًا: لو أفتى عالم بقتل من سب الشيخين وأفتى بعدم قتل من سب عليًّا فهذا يُخطَّأ في فتواه، أمَّا إذا ذكر أنَّ العلماء أفتوا بقتل من سب الشيخين ولم ينقل عنهم شيء في عليّ ( لعدم ظهور ما يستدعي ذلك فأي حرج في ذلك؟!
سادسًا: إنَّ فضل الشيخين على الأمَّة أعظم من غيرهما فهما اللذان أعادا المرتدين إلى الدين وفتحوا العالم ونشروا الإسلام بجيوش الإسلام فالطعن فيهم يفقد الثقة في هذا الدين ولربَّما هذا هو الملحظ الذي لحظه من خصهما بحكم خاص لا للتفريق بين الأصحاب.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…130) نقلتم عن الحموي أنَّه قال: (لعن علي بن أبي طالب على منابر الشرق والغرب... منابر الحرمين مكة والمدينة)(345).
…قلت: قول الحموي قول غير مُوثَّق كغيره من الروايات التاريخية ولم يذكر لما يقول مصدرًا وإن كنَّا لا نستبعد حصول حالات نادرة أمَّا أن تكون في جميع البلدان فهذا من الكذب وكم في التاريخ من أكاذيب ولو صدَّقنا التاريخ لعادت حياتنا كلها خرافات.
…واستمع إلى نفس الكتاب الذي قد ملء خرافات وأكاذيب مع أنَّه هو يزعم أنَّه يتوثق أحيانًا من الروايات.
…قال وهو يتحدث عن يأجوج ومأجوج بعد أن ذكر شكوى جيرانهم منهم لذي القرنين فقال ذو القرنين: (فما طعامهم؟ قالوا: يقذف البحر إليهم في كل سنة سمكتين يكون بين رأس كل سمكة وذنبها مسيرة عشرة أيام أو أكثر...)!!!(1/212)
…ثمَّ ذكر صفات يأجوج ومأجوج ومنها: (يبلغ الواحد منهم مثل نصف طول الرجل المربوع لهم مخاليب في مواضع الأظفار ولهم أضراس وأنياب كأضراس السباع وأنيابها وعليهم من الشعر ما يواري أجسادهم ولكل واحد أذنان عظيمتان... يلتحف إحداهما ويفترش الأخرى وليس منهم ذكر ولا أنثى إلاَّ ويعرف أجله والوقت الذي يموت فيه...)!!!
…قلت ما شاء الله: هؤلاء أصبحوا مثل الأئمة الذين قال فيهم الكافي: (باب أنَّ الأئمة يعلمون متى يموتون وأنَّهم لا يموتون إلاَّ باختيارهم).
…ثمَّ يستمر الحموي في ذكر طعامهم وأنَّه تنين يخرج من البحر فيأكل كل دواب البر ثم تأتي سحابة فتحمله إلى البحر فيضج البحر لأنَّه أكل كل دوابه ثمَّ تأتي سحابة فتحمله: (فربَّما اجتاز وهو في السحاب وذنبه خارج عنها بالشجر العادي والبناء الشامخ فيضربه بذنبه فيهدم البناء من أصله ويقلع الشجر بعروقه ولقد احتمله السحاب من بر أنطاكية فضرب بذنبه بضعة عشر برجًا من أبراج سورها فرمى به...)(346).
…وقد زعم أنَّه كان بِحلَب فحدث في وجوده بها قريب من هذا الخبر حيث قال في أوله: (جرى في هذه الناحية في أيامنا شيء عجيب...)(347).
…هذا نموذج من الأكاذيب التاريخية التي يذكرها الحموي فهل تصدقها إلى جانب دعوى لعن علي ( في المشرق والمغرب والحرمين؟!
…الحمد لله على العافية.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…131) قلتم: (قال الزمخشري والحافظ السيوطي: إنَّه كان في أيام بني أميَّة أكثر من سبعين ألف منبر يلعن عليها علي بن أبي طالب بما سنه لهم معاوية من ذلك). وأوردتم كتاب: "النصائح الكافية" لابن عقيل معتمدًا في نقله عن السيوطي.
…الجواب من وجوه:
…أولاً: ذكر هذا العدد من المساجد دعوى ظاهرة البطلان فإنَّ المساجد في ذلك العهد لا يمكن أن تصل إلى هذا العدد.
…ثمَّ من هو الذي قام بِعدِّها آنذاك؟!(1/213)
…ثانيًا: إنَّ الاعتماد في اتهام الناس على مثل هذه الكتب المبتورة الأسانيد التي هي أشبه بكتب الوعظ منها بكتب العقائد لهي من أكبر أسباب انحراف عقائد من خالف أهل السنَّة.
…ثالثًا: وأمَّا ابن عقيل المجهول الظاهر التشيع فهو رجل نكرة لا يُعتمَد عليه فيما ينقل ولهذا لم يحدد مكان النقل ثمَّ النقل عن السيوطي وهو من علماء القرن التاسع وبينه وبين الدولة الأموية قرابة ثمانمائة سنة وقبول قوله بدون رواية صحيحة عمل مردود.
…رابعًا: هذا منهج نحتكم إليه لنا وعلينا فلا نستدل بالقصص التاريخية غير المسندة ولا نقبل قصة تاريخية غير مسندة ثمَّ لا بد من صحتها، بل ولا حديثًا غير مسند أو لا يصح في مسائل الاعتقاد.
…ولو حرصنا على هذا المنهج لربَّما تقلَّصت كثير من الخلافات بيننا وبني المخالفين.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…132) قلتم: (وهل سمع معاوية عن النبي ( حديثًا في فضل سب علي بن أبي طالب ( بحيث كان يقول لسعد: ما منعك أن تسب أبا تراب. هذا في صحيح مسلم(348).
…ولكن فيما رواه ابن عساكر وابن كثير قال سعد لمعاوية: أدخلتني دارك وأقعدتني على سريرك ثمَّ وقعت فيه تشتمه)(349).
…وفي كلام ابن أبي شيبة: فأتاه سعد فذكروا عليًّا فنال منه معاوية فغضب سعد(350).
…أو يجب لنا أن نقول: بأنَّ نهي النبي ( عن سب أصحابه عمومًا وسب علي بن أبي طالب خصوصًا يختص لغير المخاطبين).
…الجواب من وجوه:
…أولاً: ليس في الحديث دليل على أنَّه أمره بسب علي ( وإنَّما سأله عن سبب عدم سب عليّ؟
…قال العلماء إمَّا أنَّه بلغه أنَّ سعدًا كان يجلس مع من سب عليًّا ( فلم يشارك في السب، أو المراد: لماذا لم تظهر تخطيئته في رأيه واجتهاده وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنَّه أخطأ(351).
…ولا يوجد دليل على أنَّه أمره بالسب أو طلب منه أن يلعنه أو يُكفِّره.(1/214)
…ثانيًا: عندما يرد حديث ويخرج في عدة كتب وتختلف ألفاظ الحديث والمخرج واحد أي يكون الحديث لا يحتمل أنَّه قيل مرتين كحديث سعد بن أبي وقاص هذا فلا ينبغي أن تصدق كل الألفاظ أو يُترك اللفظ الذي في الصحيح إلى لفظ إمَّا أنَّه ورد من طريق ضعيف أو طريق حسن بل يُقدم لفظ الصحيح.
…هذا الحديث ورد في صحيح مسلم باللفظ السابق ثمَّ ورد بألفاظ أخرى أورد أحدها ابن كثير ولم يذكر مصدر الحديث ولكنَّه ذكر سنده وفيه محمد ابن إسحاق وهو ثقة ولكنَّه مدلس(352) وقد عنعن هنا.
…وأمَّا رواية ابن أبي شيبة ففيها: "عبدالرحمن بن سابط"(353) قال يحيى بن معين: لم يسمع من سعد بن أبي وقاص(354) وهو هنا يروي عنه فيكون بينهما رجل مجهول وهذا يضعِّف الرواية.
…ثالثًا: هذا صحابي تكلَّم في صحابي أو سبَّه فكلاهما نالا شرف الصُحبة وإن كان علي ( أفضل من معاوية ومن أبيه ولكن له فضل الصُحبة فإن تكلم فيه أو سبَّه فلا شكَّ أنَّه آثم متوعد بالعقاب إن لم يتب، ولا نظن أنَّه يلقى الله ( بدون توبة وقد ورد في ترجمته أنَّه كان يرجو رحمة الله ( ومغفرته.
…ولهذا فإنَّ منهج أهل السنَّة والجماعة عدم الخوض فيما جرى بينهم لكثرة الروايات المتعارضة والدخيلة وإن كانوا يعرفون لكل فضله ويقررون أنَّهم يتفاضلون.
…رابعًا: ها هو سعد قد غضب وذكر فضائل علي ( على ملأ من معاوية وحزبه ولم ينله أذى ولا عقاب وهذا يُؤكد أنَّ ذكر فضائل علي ( كانت تُعلن في العصر الأموي على خلاف ما يزعم المخالف.
ــــــــــــــــــــــــــــــ(1/215)
…133) قلتم: (ما الفرق بين الذين قتلوا عثمان والذي قتل علي بن أبي طالب ( حيث صار قتلة عثمان عند ابن حزم: فُساق أو ملعونون ! محاربون! سافكون دمًا حرامًا عمدًا(355). وعند ابن تيمية: قوم خوارج مفسدون في الأرض(356).. وعند ابن كثير: أجلاف أخلاط من الناس(357).. ولكن قاتل علي بن أبي طالب كان مجتهدًا متأولاً كما صرَّح ابن حزم بقوله: ولا خلاف بين أحد من الأمَّة أنَّ عبدالرحمن بن ملجم لم يقتل عليًّا ( إلاَّ متأولاً مجتهدًا مقدرًا أنَّه على صواب..).
…أولاً: أوردت كلام ابن تيمية وكلام ابن كثير فيمن قتل عثمان ( ولم تورد كلاميهما فيمن قتل عليًّا ( والمقايسة أو المقارنة إنَّما تتم إذا أوردت كلام العالم في القضيتين وكان بينهما اختلاف وقد تقدم التنبيه عليه.
…فلا ابن تيمية ولا ابن كثير يقر قاتل علي ( أو يُثني عليه ولكن قد يذكرانه بما هو عليه من العبادة التي ورد ذكرها في الأحاديث في الخوارج فقد وصفهم النبي ( بأنَّنا: (نحقر عبادتنا إلى عبادتهم وصلاتنا إلى صلاتهم..) وليس في هذا مدحًا لهم وإنَّما بيان حالهم مع ضلالهم وعدم انتفاعهم بالعبادة.
…فالنبي ( قد ذكر حال الخوارج وقاتلُ عليٍّ ( واحد منهم فهل تقول: إن النبي ( أثنى على قاتل عليّ؟!(1/216)
…ثانيًا: وأمَّا قول ابن حزم إن صح عنه لأنَّني لم أستطع العثور على كلامه هذا في المحلى فإنَّ كثيرًا من الصفحات التي تذكرها لا أجد الكلام المعزو إليها فيها وهذا منها ـ فليس مراده مدح القاتل وإنَّما أكد ما قرره ابن تيمية بعد ذلك فقد أجاب في رده على ابن المطهر الحلي عند ذكر بعض فضائل علي ( بقوله: (الجواب: أنَّ في ذلك شهادة النبي ( لعليّ بإيمانه ظاهرًا وباطنًا وإثباتًا لموالاته لله ورسوله ووجوب موالاة المؤمنين له. وفي ذلك رد على النواصب الذين يعتقدون كفره وفسقه كالخوارج المارقين الذين كانوا من أعبد الناس كما قال النبي ( فيهم: ((يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية)) ولهذا قتله واحد منهم وهو: عبدالله بن ملجم المرادي مع كونه كان من أعبد الناس)(358).
…فهو قد بين مروقهم من الدين رغم عبادتهم فهل هذا ثناء مع قوله: (كالخوارج المارقين)؟! وبيانه بأنَّه قد قتل عليًّا ( أحد هؤلاء المارقين.
…ثالثًا: أوردتم أسماء عدة كتب هي: (الأم للشافعي(359)، ومختصر المزني(360)، والمجموع(361)، ومغني المحتاج(362)، والجوهر النقي(363)) بعد إيراد كلام ابن حزم وربَّما أردتم أنَّه ورد في هذه الكتب وصف قاتل عليّ بأنَّه من العباد الضالين وهو نفس الكلام الذي بيّن وجهه كما تقدم.
…رابعًا: أمَّا حب أهل السنَّة لعلي ( وآل بيته فلا يمكن أن يُشكَّكَ فيه ونحن لا نقول بالتقية ونعلن في كتبنا أنَّنا نحبه ونجله وكذلك آل البيت لكن الحب الشرعي الذي لا يرفعه فوق منزلته.
…ولماذا يا تُرى نكرهه وهو مؤمن بل من أوائل من آمن إن لم يكن أول من آمن وهو ابن عم النبي (، وزوج ابنته، وأبو الحسن والحسين، وله من الفضائل ما يرفعه عن كثير من الناس، وجاهد مع رسول الله ( طوال حياته.(1/217)
…ما هي الأسباب التي تجعل أهل السنَّة يا تُرى يكرهونه ولم يعتقدوا شيئًا هو خالفه كما تزعمون أنتم في إخوانه الخلفاء الثلاثة.
…فما أحدثه أوائلكم من دعوى الوصية ولَّد عندكم كرهًا لعظماء الأمَّة وغلوًا فيه (!!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…134) قلتم: (بلغ الأمر ما صار قوام حكومتهم بسب علي بن أبي طالب ( كما روى ابن عساكر عن علي بن الحسين قال: قال مروان بن الحكم: ما كان في القوم أحد أدفع عن صاحبنا من صاحبكم يعني عليًّا عن عثمان قال: قلت: فما لكم تسبونه على المنبر؟! قال: لا يستقيم الأمر إلاَّ بذلك)(364).
…أولاً: قد مرَّ معنا كثيرًا أمثال هذا الاستشهاد وأكدنا أنَّ التواريخ ليست مرجعًا يوثق به في إثبات الأخبار أو نفيها فإذا كانت كتب الروايات الحديثية قد دخلها كثير من الكذب فما بالك بالتواريخ وخاصة كتاب تاريخ دمشق وقد بلغ قرابة ثمانين مجلدًا وملء بروايات لا تصح بل بروايات موضوعة ومؤلف الكتاب رحمه الله يوردها بالسند ليقوم المستدل بتحقيق المسألة قبل الاستدلال. فهل حققت السند؟!
…ثمَّ لا نقطع بأنَّ كل هذه المؤلفات من وضع أصحابها إلاَّ إذا وصلنا نسخة موثقة.
…ثانيًا: وجود حالة أو حالات من أمثال هذه الأعمال المحرمة ليس مستحيلاً، فالإنسان ظلوم جهول ولا يعني الرضا به وإقراره.
…ثمَّ كم وجد من الشيعة ولا زال كثير منهم يلعن من هو أعظم وأفضل من علي (، يلعنون خلفاء الرسول ( وآباء زوجاته وزوج بناته وممَّن فتح الأرض ودخل الناس في عهدهم في دين الله أفواجًا، ومع ذلك يلعنونهم، وتفتتح كثير من كتب الشيعة المتأخرين بلعنهم إمَّا صراحة وإمَّا تورية ومن ذلك:
…يقول "محدث نورى" الإمامي (ت "1320هـ") في مقدمة كتاب: "مستدرك الوسائل" بعد الافتتاح: (...واللعنة على أعدائهم شرار البرية بين طوائف الأمم) /1/60/(1/218)
…ويقول سيد شرف الدين حسيني استراباذي الإمامي (ت"940هـ") في مقدمة كتابه: "تأويل الآيات الظاهرة": (فإنِّي لما رأيت بعض الكتاب العزيز وتأويلها يتضمن مدح أهل البيت ومدح أوليائهم وذم أعدائهم في كثير من كتب التفاسير..)/1/21/
…وهاتان الدولتان الشيعيتان: البويهية والصفوية كان يلعن فيهما الخلفاء على المنابر والأسواق وكتب لعنهما على أبواب المساجد(365).
…أشرت بهذا لتعلم أنَّ الشيعة يستنكرون حالة أو حالات وهم يقعون في أعظم وأكبر منها.
…والتاريخ مملوء بذكر الأحداث منه ما يصح ومنه ما لا يصح.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…135) قلتم: (أمَّا قولكم: فلا يجوز أخذ العلم إلاَّ منه (، إذن كل الدين المبلَّغ من غيره ليس دينًا).
…ثمَّ رددتم على قولي هذا بقولكم: (فنقول: أولاً: هذا نص كلام النبي ( بأنَّ عليًّا باب علمه فمن أراده فليأت منه كما روى الطبراني بإسناده عن ابن عباس قال: قال رسول الله (: (أنا مدينة العلم وعليّ بابها فمن أراد العلم فليأته من بابه)(366) وذكره الحاكم بعدة طرق وصححها(367). وهكذا المتقي في كنز العمال مع القول بصحته)(368).
…الجواب من وجوه:
…أولاً: نحمد الله ( على أن أحيانا في ساحة الإسلام النقي الذي نفاخر بنصوصه ونتوارثها بأصح الأسانيد جيلاً بعد جيل، فإنَّ الإنسان الموفق إذا وقف على نصوص كتب الإسلام العظيمة التي دوَّنها علماء السنَّة وحفظوا فيها أصول الدين وفروعه ثمَّ وقف على كتب المخالفين لا يسعه إلاَّ أن يرفع يديه إلى السماء شاكرًا لخالقه ومولاه أن فتح قلبه وعقله على هذا الدين العظيم من خلال النصوص التي يرى فيها عظمة هذا الدين.(1/219)
…ثانيًا: أنا لا ألوم عوام الشيعة فهم غير قادرين على الاستقلال في تعلم دينهم ودراسة رواياته وسبرها ولكن اللوم على من انفتح له باب العلم وحصل على إمكانات البحث والتحقيق ثمَّ يُصِّر على ترك الكتب الموثوقة الصريحة الواضحة ويستمر على تتبع الروايات الضعيفة والموضوعة لدعم معتقده!!
…ثالثًا: ننظر في معنى الحديث قبل بيان درجته:
1- هل علي ( هو باب النبي ( في حياته وبعد موته؟ أو بعد موته؟
الحديث ليس فيه إشارة إلى أنَّه بعد موته فيكون هو الباب في حياته وبعد موته.
…فلماذا كان النبي ( يُعلم الناس مباشرة وعليّ موجود؟!
لماذا لم يُعلِّم عليًّا ثمَّ عليّ يُعلِّم الناس لأنَّ هذا معنى الباب أي لا يُوصل إلى المدينة إلاَّ من خلال بابها!!
ولماذا كان النبي ( يبعث الرسل والبعوث يعلمون الناس الدين وعليّ موجود لم يكتفِ به؟!
…فقد بعث معاذًا وأبا موسى الأشعري مع عليّ نفسه إلى اليمن.
2- إذا قلنا هو الباب بعد موته قلنا اللفظ لا يُساعد على هذا المعنى ولكن لنفرض أنَّ هذا هو المعنى المراد.
بعد أن مات النبي ( لم نسمع أحدًا من الصحابة أشار إلى ذلك أو قال: قفوا حتَّى نأخذ العلم من عليّ ( بل كان علي ( كغيره من الصحابة يُفتي كما يُفتون بحضرته وفي غيابه ولم ينكر عليهم.
3- لو لم يكن مبلغًا عن رسول الله ( إلاَّ رجل واحد لكان هذا طعنًا في دين الله ( لاحتمال الخطأ في نقله، وفهمه ودعوى العصمة لم تثبت أصلاً حتَّى يزعم أنَّه معصوم، فلم نسمع أحدًا من الصحابة يقدم رأي علي بدعوى العصمة.
4- إذا كان عليّ هو الباب فمن أخذ عنه شيئًا من العلم هل يبلغه للناس أم لا؟! وهل يرسل علي ( مبلغين للعالم أم لا؟! وهل يُشترط في هؤلاء أن يكونوا معصومين أم لا؟
فإذا جاز أن يبلغ عنه رسله فما الفرق بينهم وبين من يبلغ عن رسول الله ( بعد موته؟؟
5- بعد أن مات علي ( فقد قفل الباب لأنَّ الحديث لم يذكر له بابًا غيره وهذا يعني وقوف التبليغ.(1/220)
6- أيُّها أعظم المدينة التي لها أبواب أو باب واحد؟! هل رأيتم مدينة عظيمة ليس لها إلاَّ باب واحد؟!
7- هب أنَّ عليًّا هو الباب وأنَّ من زعم أنَّهم أئمة ينوبون عنه لإبلاغ العلم فهاهم قد انقرضوا على الصحيح ـ أو اختفى الإمام الطفل!! ـ ولم يبقَ أحد معصوم يُبلِّغ هل يُوقف الدين؟!
فإن قلتم: نعم. فهذه طامة كبرى.
وإن قلتم: لا. بل يبلغ العلماء.
فما الفرق بين أن يُبلِّغ العلماء من الصحابة عن النبي ( وبين أن يبلِّغ العلماء بعد العسكري؟!!!
رابعًا: إذا كان الدين يفهم بدون الإمام فلا حاجة إليه.
وإن كان لا يفهم إلاَّ بإمام فأين إمامكم أنتم الآن؟! وهل فهمتم الدين بدونه؟!
فإن قلتم: نعم، فهذا إبطال لدعواكم الحاجة إلى إمام.
وإن قلتم: لا، فأنتم الآن ضالون لأنَّكم تتعبدون الله ( على جهل!!
أمَّا نحن فإنَّنا نعتقد أنَّ الكتاب والسنة كافيان لمعرفة الدين وأنَّ الأمَّة لا تجمع على ضلال ونحن مطالبون بدراسة القرآن والسنة فإن أصبنا فلنا أجران وإن أخطأنا فلنا أجر.
والحمد لله على نعمة الهداية.
…خامسًا: فما رأيكم في العلم الشرعي الذي قد بلغ الآفاق وعمَّ جميع العالم الإسلامي ووصل إلى غير الإسلامي عن طريق غير عليّ. هل هو علم مُعترَف به أم لا؟! لأنَّه عن غير باب المدينة؟!
…فإنَّ العلم الشرعي في العالم قد نشره الصحابة ( وأهل السنَّة.
…فإن قلتم بل هو علم شرعي فقد اعترفتم بأبواب أخرى، وإن قلتم: لا؛ فقد أبطلتم الدين لأنَّ القرآن والسنَّة لم ينقلها إلاَّ الصحابة.
…سادسًا: الحديث رواه الحاكم ـ وهو شيعي من طريقين إحداهما ـ عن أبي الصلت ثمَّ قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ثمَّ قال أبو الصلت: ثقة مأمون، فتعقَّبه الذهبي وقال: (قلت: بل موضوع وأبو الصلت لا ثقة ولا مأمون).
…وأبو الصلت هذا قد اتهمه طائفة من علماء الجرح والتعديل، وضعَّفه طائفة.
…قال أحمد: (روى أحاديث مناكير).(1/221)
…وقال الجوزجاني: (كان زائغًًا عن الحق مائلاً عن القصد).
…وقال ابن عدي: (له أحاديث مناكير في فضل أهل البيت وهو متهم فيها).
…وقال الدارقطني: (كان رافضيًا خبيثًا) وروى له حديثًا في الإيمان ثمَّ قال: (وهو متهم بوضعه).
…وقال: (يُحدث بمناكير وهو عندهم ضعيف).
…وقال أبو حاتم: (لم يكن عندي بِصدوق وهو ضعيف).
…وقال أبو زرعة: (لا أُحدِّث عنه ولا أرضاه).
…ونقل البرقاني عن الدارقطني أنَّ أبا الصلت سمعه يقول: (كلب للعلوية خير من جميع بني أميَّة) فقيل: فيهم عثمان؟ فقال: فيهم عثمان)!!!
…أليس عثمان من الصحابة؟!
…أمَّا كلام يحيى بن معين فقد اضطرب النقل عنه فيه والظاهر أنَّه لم يكن يعرف روايته لهذه الأحاديث، وأمَّا الحديث فقال عنه: (ما هذا الحديث بشيء)(369).
…وقال الشيخ الألباني في الحديث: (موضوع)(370).
…والطريق الثانية للحديث عند الحاكم رواها عن أبي الحسين : محمد بن أحمد بن تميم القنطري عن الحسين بن فهم عن محمد بن يحيى الضريس عن محمد بن جعفر عن أبي معاوية عن الأعمش عن مجاهد...
…شيخ الحاكم: القنطري قال فيه ابن حجر: (ذكر لنا أنَّه كان فيه لين)(371) وقد أكثر عنه الحاكم.
…وفيه: الحسين بن فهم ذكر الذهبي أنَّ الحاكم قال فيه: (ليس بالقوي)، وكذلك الدارقطني(372)، وأمَّا قول الحاكم هنا فقد اختلف فقد قال: (ثقة مأمون حافظ).
…والحديث من جميع طرقه عن الأعمش وهو مدلس وقد قال هنا: (عن) ولم يُصرِّح بالتحديث وهذه علة أخرى.
…وقد قال البغدادي: (لم يروِ هذا الحديث عن أبي معاوية من الثقات أحد رواه أبو الصلت فكذبوه)(373).
…وقد توسَّع الشيخ الألباني رحمه الله في الكلام على الحديث وبيان بطلانه.(1/222)
…والحاكم رحمه الله حريص على تقوية تشيعه فقد أورد للحديث شاهدًا عن كذاب ثمَّ صحح هذه الطريق فقال الذهبي رحمه الله مُتعقِّبًا عليه: (العجب من الحاكم وجرأته في تصحيحه هذا وأمثاله من البواطيل_وأحمد هذا دجال كذاب_) أراد أحمد بن عبدالله بن يزيد الحراني(374)).
…هذا هو حديث: (أنا مدينة العلم...) لا يصح لا سندًا ولا متنًا!!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…136) قلتم: (وهكذا قوله ( لعليّ: (أنت تُبين لأمَّتي ما اختلفوا فيه من بعدي) رواه الحاكم عن أنس بن مالك ثمَّ عقبه!: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يُخرجاه)(375).
…قلت الجواب من وجوه:
…أولاً: قال الذهبي متعقِّبًا لتصحيح الحاكم: (بل هو فيما أعتقده من وضع ضرار، قال ابن معين: كذاب)(376).
…والحديث في سنده: "ضرار بن صرد أبو النُعَيم الطحان" قال البخاري: (متروك الحديث)، وقال ابن عدي: (من جملة من ينسب إلى التشيع).
…وكذبه يحيى بن معين وقال الساجي: عنده مناكير، وقال ابن قانع: ضعيف يتشيع(377).
…ثانيًا: المستدرك أعلى ما تصل إليه في الاستشهاد ومؤلفه شيعي وأظنك وأنت تنقل الحديث رأيت تعقب الذهبي على الحاكم! ألم يدفعك لإعادة النظر في سلامة استدلالك؟!
…ثالثًا: هل هذا أمر أم خبر؟!
…إن كان أمرًا فلم يُبين ـ على مذهبكم ـ لأنَّكم تزعمون أنَّه إمام من الله والصحابة خالفوا هذا الركن بزعمكم ولم يُبين لهم عليّ!!! إذن عليّ ( لم يمتثل أمر الرسول (.
…وإن كان خبرًا فلم يقع الخبر وهذا طعن في النبوة!!.
…رابعًا: أمَّة النبي ( مستمرة إلى قيام الساعة وعلي ( قد توفي فكيف يبين للأمَّة بكاملها وهو يموت؟!
…خامسًا: ماذا يُبين لها؟ هل يُبين شيئًا بلَّغه النبي ( له ولغيره من الصحابة؟ أم يُبلِّغ أمرًا كتمه النبي ( عن الصحابة؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
…137) قلتم: (ونزول قوله تعالى: (وتعيها أذنٌ واعية) فيه كما ذكره الطبري والسيوطي والقرطبي وغيرهم)(378).(1/223)
…الجواب من وجوه:
…أولاً: الحديث مُرسل من رواية مكحول عن النبي (، ومكحول تابعي(379) فالحديث غير متصل فلم يصح.
…ثانيًا: قرآن أنزله الله ( للبشرية وذكر فيه من الوعد والوعيد وأخبار الأمم الماضية والحلال والحرام وغير ذلك من مضامين القرآن ـ أنزل لِتعيها أذنٌ واحدة إذن: "علي ("؟! سبحان الله العظيم؟
…ألم أخبرك أنَّ مضمون عقيدة الشيعة أنَّ القرآن بكامله أُنزل في علي ( ومن أجله وأجل أتباعه؟
…بل أوردوا أثارًا عن أئمتهم أنَّ القرآن أُنزل فيهم وفي أعدائهم.
…روى العياشي في تفسيره عن أبي جعفر أنَّه قال: (يا محمد إذا سمعت الله ذكر أحدًا من هذه الأمَّة بخير فنحن، وإذا سمعت الله ذكر قومًا بسوء ممَّن مضى فهم عدونا)(380).
…والمتتبع لتفسير العياشي ومن قبله القمي وقبلهما العسكري يرى عجبًا.
…ففي تفسير العسكري (ت260هـ)
…قال في أول تفسيره: (وقال رسول الله ( في قوله تعالى: (يا أيُّها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين..)
…(ورحمته): توفيقه لموالاة محمد وآله الطيبين ومُعاداة أعدائهم(381). وفي بقية تفسيره تأكيد لهذا المعنى.
…ثالثًا: أما إنَّ أذن علي ( من الآذان التي وعت وقد شاركه فيها إخوانه المهاجرون والأنصار وممَّن جاء بعدهم من المؤمنين وإلى أن تقوم الساعة.
…رابعًا: إيراد المفسرين لهذا الأثر في تفاسيرهم لا يدل على صحته أو قبولهم له فإنَّهم رحمهم الله يروون في الآية كل الأقوال التي قيلت فيها حتَّى لو كانت ضعيفة.
…ولكنَّهم يصدرون الأقوال بالقول الراجح لديهم وجميع هؤلاء المفسرين قالوا "واعية": حافظة أو سامعة .. ونحو ذلك.
…قال الطبري بعد إيراده للآية: (وقوله: "واعية" يعني: حافظة عقلت عن الله ما سمعت) وأورد من قال بذلك من الصحابة والتابعين(382).
…وقال القرطبي: ("وتعيها أذن واعية": أي تحفظها وتسمعها أذن حافظة لما جاء من الله)(383).(1/224)
…وقال ابن كثير: (قال ابن عباس: "حافظة سامعة"، وقال قتادة: "أذن واعية" عقلت عن الله فانتفعت بما سمعت من كتاب الله..)(384).
…وهكذا كل أذن مؤمنة فهي أذن واعية.
أسأل الله ( أن يجعلني وإيَّاك منهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
…138) قلتم: (وثانيًا: روى البخاري عن عمر ( قال: (أقرؤنا أُبيّ ، وأقضانا عليّ) ولا شكَّ بأنَّ كونه أقضى الناس يدل على أوسعية علمه).
…الجواب من وجوه:
…أولاً: هذا الأثر صحيح وفيه دلالة على ما كان بين الخلفاء من محبة وإنصاف، وأنَّ أهل السنَّة ينقلون فضائل عليّ ( وثناء إخوانه من الصحابة عليه ( جميعًا، وأنَّه لم يكن بين القوم ما أحدثته الشيعة من دعوى الوصية والظلم والعداوة، إذ ما كان لمن يعادي شخصًا متعمدًا أن يثني عليه ويعرف له فضله.
…ثانيًا: لا ننكر أنَّ عليًّا ( له علم وفضل، كيف لا وهو قد عاش مع النبي ( طوال حياته.
…لكن ما زعمته من أنَّ العلم لا يُؤخَذ إلاَّ منه فهذا دعوى غريبة وليس في هذا الحديث ما يدل عليها _كما تقدم_ وسيأتي بمشيئة الله تعالى.
…ثالثًا: أثر عمر ( يُثبت عدة أمور منها:
1- أنَّ الصحابة فيهم قُضاة ولكن عليًّا ( أعرفهم بالقضاء بين المتخاصمين وهذه فضيلة لكنَّها لا تعني إثبات العلم له من كل وجه وإنَّما فيها اعتراف بتقدمه في هذا المجال ولكنَّه مع ذلك ليس أقرأ الصحابة للقرآن فإنَّ: "أُبيًا" أقرأ منه وهذا كذلك تخصص ولا يعني ذلك أنَّ الصحابة لا يقرؤون.
2- وقوله: " أُبيّ أقرؤنا": إمَّا بمعنى أحفظنا لكتاب الله أو بمعنى أعرفنا بقراءة القرآن وتجويده، وأيُّهما أراد فإنَّ فيه إثباتًا بتميُّز أُبيّ على عليّ في هذا الأمر فدل على أنَّ عليًّا ليس هو أعلم الصحابة من كل وجه.
ــــــــــــــــــــــــــــــ(1/225)
…139) قلتم: (كما قال سعيد بن المسيب: لم يكن أحد من الصحابة يقول: سلوني إلاَّ علي بن أبي طالب(385). وقال ابن عباس: لقد أُعطي عليّ تسعة أعشار العلم وأيَّم الله لقد شاركهم في العُشر العاشر(386). وقال ابن عباس: أُعطي عليّ تسعة أعشار العلم والله لقد شاركهم في العُشر الباقي)(387). وقال: (إذا ثبت لنا الشيء عن عليّ لم نعدل إلى غيره)(388).
…أولاً: أنت قد أحلت إلى: "فضائل الصحابة" برقم [2/646] بتحقيق: وصي الله وهذه الإحالة كإحالات كثيرة لم أجدها في مكانها فإنَّ هذا الكتاب: أحاديثه مرقمة من بداية الكتاب إلى نهايته وصفحاته مرقمة من بداية الكتاب إلى نهايته.
…ورقم الحديث [646] في المجلد الأول هو في فضائل أبي بكر وعمر.
…ورقم الصفحة [646] كذلك في المجلد الأول وأنت ذكرت المجلد الثاني وهذه الصفحة كذلك في فضائل أبي بكر وعمر.
…ولكنني وجدت هذه الإحالة في: "قرص" من إنتاج شركة: "العُريس" بعنوان: "مكتبة الحديث الشريف".
…ثانيًا: الحديث ليس من رواية الإمام أحمد وإنَّما هو من زيادات ابنه عبدالله.
…وقد رواه عن عثمان ابن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد قال: أراه عن سعيد ولم يحقق من الراوي ومثل هذا يجرح في الرواية.
…وقد رواه أخوه: "أبو بكر بن أبي شيبة" ولم يذكر سعيد بن المسيب وإنَّما أوقف الرواية على: "يحيى بن سعيد"(389).
…ثالثًا: أوردتم قول ابن عباس مكررًا!! والمصدر: أسد الغابة والاستيعاب!!
…رابعًا: إنَّ أهل السنَّة لا يثبتون مسائل دينهم بمثل هذه المراجع وإن كانوا قد يذكرونها بعد إذا صح الدليل، أمَّا إنَّها مصدر يُعتمَد عليه فلا، وهي مملوءة للخلفاء الثلاثة بمثل ما لعليّ ( جميعًا وما ثبت من فضائلهم ونُصرتهم للدين أشهر من أن يُبحَث عنها في روايات مقطوعة أو ضعيفة أو موضوعة.(1/226)
…خامسًا: قد روى ابن عباس رضي الله عنهما حديثًا في الصحيحين وهما أصح بلا مدافعة من كل هذه المصادر التي أوردتها والحديث عن علي بن أبي طالب ( فما رأيك فيه؟ قال ابن عباس: (وضع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون ويثنون عليه ويصلون عليه قبل أن يرفع وأنا فيهم فلم يرُعني إلاَّ رجل قد اخذ منكبي من ورائي فالتفتُ فإذا هو: عليّ فترحَّم على عمر وقال: ما خلفت أحدًا أحب إليَّ أن ألقى الله بمثل عمله منك. وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك.
…وذلك أنِّي كثيرًا ما كنت أسمع النبي ( يقول: (جئت أنا وأبو بكر وعمر ودخلت أنا وأبو بكر وعمر وخرجت أنا وأبو بكر وعمر فإن كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما)(390).
…فما رأيكم في هذه الشهادة بأنَّه لا يتمنى أكثر من أن يلقى الله بمثل عمل عمر والعمل تابع للعلم؟
أم أنَّه تقية؟! حاشاه!
…أم تأخذون بحديث ابن عباس إذا وافق مقاصدكم وتتركون ما لم يوافقها؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…140) قلتم: (وثالثًا: لم يجرؤ أحد من الصحابة أن يقول: سلوني غير علي بن أبي طالب ( كما روى الحاكم روى عن عامر بن واثلة قال: سمعت عليًّا ( قام فقال: سلوني قبل ان تفقدوني ولن تسألوا بعدي مثلي..) هذا حديث صحيح عال(391). وقال سعيد بن المسيب: لم يكن أحد من الصحابة يقول: سلوني إلاَّ عليّ بن أبي طالب)(392).
…الجواب من وجوه:
…أولاً: أنت كررت الأقوال فقد كررت قول ابن عباس مرتين وكررت قول سعيد بن المسيب مرتين والتكرار لقول مرتين في صفحة واحدة بل في أسطر متقاربة عليه مآخذ.
…ثانيًا: أمَّا رواية عامر بن واثلة التي عزوتموها إلى الحاكم فلم أجدها لا في الطبعة الأصل ولا في طبعة (مصطفى عبدالقادر عطا) في الصفحة المذكورة فإنَّ هذه الصفحة (383جزء"2") فيها تفسير سورة إبراهيم وليس في هذا الجزء بكامله مناقب أحد من الصحابة لا عليّ ولا غيره وإنَّما المناقب في الجزء الثالث ولم أستطع معرفة مكانها من الكتاب.(1/227)
…ثالثًا: قوله ( إن صحَّ عنه فليس ذلك ما يدل على أنَّه أعلم الصحابة جميعًا وإنَّما هو أعلم من بقي منهم في عصره ولا شكَّ في ذلك أنَّه أعلم من كان في عصر خلافته.
…رابعًا: أنتم تزعمون أنًَّ علم الأئمة يتوارث وأنَّ الإمام يعلم ما كان وما يكون وتزعمون أنَّ هناك أئمة بعد عليّ ورثوا علمه فإن كانوا يعلمون ما يحتاجه الناس بعد موت عليّ فالحديث كاذب وإن كانوا لا يعلمون فلا يتحقق بوجودهم كفاية للأمَّة فلا فائدة بإمامتهم!!!
…وإن كانت الإمامة المزعومة لم يتحقق بها فائدة في الحقيقة كما نعتقد لكن على مذهبكم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…141) قلتم: (ورابعًا: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس فيها أبو حسن(393) وقال: لولا عليّ لهلك عمر(394).
…أولاً: الأثر رواه ابن سعد وفي سنده: "مؤمل بن إسماعيل" قال ابن حجر: (وثقه ابن معين وقال البخاري: (منكر الحديث))(395).
…ثانيًا: قد ورد مثلها عن ابن عباس رضي الله عنهما عن ابنه عبيدالله قال: (كان عمر بن الخطاب إذا جاءته الأقضية المعضلة يقول لابن عباس: يا أبا العباس قد طرأت علينا أقضية عضل وأنت لها ولأمثالها ثمَّ يأخذ برأيه) وفيه: (وما كان يدعو لذلك أحدًا سواه إذا كانت العضل)(396).
…ثالثًا: إن صحت الرواية فإنَّها تدل على شدة خوف عُمر ( من الله ( أن يحكم في قضية لم يتضح له الحكم الشرعي فيها فهل مثل هذا يمكن أن يتجرأ على خيانة رسول الله ( في: "الوصية"؟! من كان لا يحكم في قضية لم يتضح له فيها الحكم ويعترف بذلك فيدعو لها من يثق فيه لا يظن به أن يقدم على منع حق شرعه الله (.
…رابعًا: دعاؤه عليًّا للقضية أليس إقرارًا لفضله فكيف ينازعه الخلافة أمام الناس ثمَّ يدعوه ليحكم في قضية من قضايا جزئية في الدين؟!
…خامسًا: هذا يدل على أنَّه لم يكن بينهما إلاَّ الود وأنَّهما أخوان يكمل بعضهما الآخر.(1/228)
…سادسًا: لِمَ لم يقل عليّ: تمنعني من الإمامة وتغتصبها ثمَّ تستفتيني في قضية جزئية لو كان هناك وصية؟!
…سابعًا: كيف يُعِين عليّ ( الإمامَ المغتصبَ ويشاركه في الفتوى وهو حاكم ظالم_حسب زعمكم_ وأحكامه لا تنفذ؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…142) قلتم: (وخامسًا: قال النووي: وسؤال كبار الصحابة ورجوعهم إلى فتاويه وأقواله في المواطن كثيرة والمسائل المعضلات مشهور)(397).
…الجواب:
…قال ابن تيمية رحمه الله: (إنَّ أعلم الناس بعد رسول الله (: أبو بكر ثمَّ عمر وقد ذكر غير واحد الإجماع على أنَّ أبا بكر أعلم الصحابة كلهم ودلائل ذلك مبسوطة في موضعها.
…فإنَّه لم يكن أحد يقضي ويُفتي بحضرة النبي ( إلاَّ أبو بكر (.
…ولم يشتبه على الناس شيء في أمر دينهم إلاَّ فصَّله أبو بكر.
…فإنَّهم شكُّوا في موت النبي ( فبينه أبو بكر.
…ثمَّ شكُّوا في مدفنه فبينه.
…ثمَّ شكُّوا في قتال مانعي الزكاة فبينه.
…وبين لهم النص في قوله تعالى: (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين).
…وبين لهم أنَّ عبدًا خيَّره الله بين الدنيا والآخرة ونحو ذلك وفسر الكلالة فلم يختلفوا فيه.
…وكان علي وغيره يروون عن أبي بكر كما في السنن عن عليّ قال: (كنت إذا سمعت من النبي ( حديثًا نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه فإذا حدَّثني غيره استحلفته فإذا حلف لي صدَّقته وحدَّثني أبو بكر _ وصدق أبو بكر _ قال: قال رسول الله (: (ما من مسلم يُذنب ذنبًا ثمَّ يتوضأ ويُصلِّي ركعتين يستغفر الله تعالى إلاَّ غُفِر له)(398).
…ولم يحفظ لأبي بكر فُتيا تُخالف نصًا وقد وجد لعمر وعليّ وغيرهما فتاوى كثيرة تخالف النصوص حتى جمع الشافعي مجلدًا في خلاف عليٍ وابن مسعود وجمع محمد بن نصر المروزي كتابًا كبيرًا في ذلك..)
…ـ وذكر من نقل الإجماع على أنَّ أبا بكر أعلم من عليّ وكيف أنَّ النبي ( كان يستشيرهما في القضايا الكبيرة كما استشارهما في أسارى بدر ونحو ذلك..ـ ثمَّ قال:(1/229)
…(وثبت عن ابن عباس أنَّه كان يُفتي بكتاب الله فإن لم يجد فبما في سنَّة رسول الله ( فإن لم يجد أفتى بقول أبي بكر وعمر ولم يكن يفعل ذلك بعثمان ولا بِعليّ)(399).
…وقد أمَّر النبي ( أبا بكر على الحج وأرسل عليًّا بعده بسورة "براءة" لنقض الميثاق مع كفار قريش وكان عليّ ( تحت إمرة الصدِّيق.
…فقد صحَّ عن أبي هريرة ( أنَّه قال: (بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين يوم النحر نؤذن بمنى ألاَّ يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان) قال حميد بن عبدالرحمن ثمَّ أردف رسول الله ( عليًّا فأمره أن يؤذن ببراءة قال أبو هريرة: فأذن معنا عليّ في أهل منى يوم النحر..)(400).
…ثمَّ إنَّ أبا بكر صلَّى بالناس في حياة النبي ( وعمر وعثمان وعليّ وغيرهم من كبار الصحابة موجودون فدلَّ على أنَّه أعلم الصحابة فإنَّ النبي ( ما كان ليأمر الأقل علمًا وفضلاً أن يؤم من هو أفضل منه.
…وغير هذا كثير.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…143) قلتم: (وسادسًا: ما ذكروا من جهل الأصحاب وكبارهم بالأحكام ورجوعهم إلى غيرهم وعدم رجوع عليّ إلى أحد من القوم كما قال ابن حزم: "ووجدناهم ( يُقرُّون ويعترفون بأنَّهم لم يبلغهم كثير من السنن..)(401) ثمَّ ذكرتم نماذج من جهل بعض الصحابة ببعض السنن.
…الجواب من وجوه:
…أولاً: تقدم بيان تقديم النبي ( لأبي بكر ( ليُصلِّي بالناس فإذا ارتضاه النبي ( أن يخلفه في أعظم مقام دلَّ على أنَّه أعلم الصحابة وأحبهم إليه إلاَّ إذا قلتم إنَّ النبي ( فعل ذلك تقية!!
…ثانيًا: نقلت عن ابن حزم أنَّه ذكر أنَّ الصحابة ما منهم من أحد إلاَّ جهل بعض السنن أو الأحكام.. وزعمت أنَّ عليًّا لم يرجع إلى أحد من القوم..
…ولا أدري هل تعمدت الخطأ أم غفلت عنه فإنَّ ابن حزم ذكر أنَّ عليًّا ( مثله كمثل بقية الصحابة.(1/230)
…قال ابن حزم: (وهذا عليّ رضوان الله عليه يعترف بأنَّ كثيرًا من الصحابة يُحدثونه بما ليس عنده عن النبي ( وأنَّه كان يستحلفهم على ذلك حاشا أبا بكر فإنَّه كان لا يستحلفه...)(402).
…فابن حزم يُقرِّر أنَّ جميع الصحابة بلا استثناء ليس فيهم من حفظ جميع السنَّة.
بل قال رحمه الله ما هو أوضح من ذلك في: "الفِصَل" وهو يرد على الشيعة عندما قالوا: (إنَّ عليًّا كان أكثرهم علمًا) فقال: (كذب هذا القائل وإنَّما يُعرف علم الصحابي بأحد وجهين لا ثالث لهما: أحدهما كثرة روايته وفتاويه، والثاني كثرة استعمال النبي ( له.
…فمن المحال الباطل أن يستعمل النبي ( من لا علم له وهذه أكبر شهادات على العلم وسعته.
…فنظرنا في ذلك فوجدنا النبي ( قد ولَّى أبا بكر الصلاة بحضرته طوال علته وجميع أكابر الصحابة حضور كعليّ وعمر وابن مسعود وأُبيّ وغيرهم فآثره بذلك على جميعهم..)(403) ثمَّ استمر رحمه الله يدلل على جوابه هذا بسرد الأدلة النقلية والعقلية.
…فتبين بهذا أنَّ قول ابن حزم على خلاف ما قلتم!!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…144) قلتم: (ومع الغض عن جميع ذلك فلا شك عند أهل العلم المنصفين بأنَّ عليّ بن أبي طالب أول من أسلم وتربَّى في حجر النبي ( وعاش تحت كنفه قبل البعثة واشتد ساعده في حضنه وظلَّ معه إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى لم يُفارقه لا في حضر ولا في سفر وهو ابن عمه وزوج ابنته فاطمة سيدة نساء العالمين وشهد المشاهد كلها سوى تبوك.
…الجواب من وجوه:(1/231)
…أولاً: لا شكَّ أنَّ عليًّا ( هو مِن أول مَن أسلم، ولكنَّه ليس الأول بإطلاق وقد لخَّص ابن الصلاح رحمه الله الأقوال في ذلك فقال: (اختلف السلف في أولهم إسلامًا، فقيل: أبو بكر الصدِّيق، رُوي ذلك عن ابن عباس، وحسان بن ثابت، وإبراهيم النخعي، وغيرهم. وقيل: عليّ أول من أسلم، روي ذلك عن زيد بن أرقم، وأبي ذر، والمقداد، وغيرهم. وقال الحاكم أبو عبدالله: لا أعلم خلافًا بين أصحاب التواريخ أنَّ عليّ بن أبي طالب أولهم إسلامًا، واستُنكر هذا من الحاكم. وقيل: أول من أسلم زيد بن حارثة. وذكر معمر نحو ذلك عن الزهري. وقيل: أول من أسلم خديجة أم المؤمنين، روي ذلك من وجوه عن الزهري، وهو قول قتادة، ومحمد بن إسحاق بن يسار، وجماعة. وروي أيضًا عن ابن عباس. وادعى الثعلبي المفسر فيما رويناه أو بلغنا عنه اتفاق العلماء على أنَّ أول من أسلم خديجة، وأنَّ اختلافهم إنَّما هو في أول من أسلم بعدها.
…والأورع أن يُقال: أول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر، ومن الصبيان أو الأحداث عليّ، ومن النساء خديجة، ومن الموالي زيد بن حارثة، ومن العبيد بلال، والله أعلم)(404).
…ثانيًا: اختلفت الرواية في سِن علي ( يوم أسلم، قيل كان ابن عشر سنين، وقيل خمس أو ست عشرة سنة، وورد عن ابن عباس أنَّ عُمْرَ عليٍّ يوم بدر كان عشرين سنة، قال الذهبي بعده: (هذا نص في أنَّه أسلم وله أقل من عشر سنين بل نص في أنَّه أسلم وهو ابن سبع سنين أو ثمان وهو قول عروة)(405).
…إذن إسلام عليّ ( كان قبل سن التكليف.
…أمَّا إسلام أبي بكر ( فقد أسلم وهو ابن أربعين أو أكثر(406) فكان إسلامه في سن التكليف.
…والمتتبع للسيرة النبوية يرى أنَّ إسلام أبي بكر كان أكثر نفعًا للإسلام والمسلمين من إسلام عليّ رضي الله عنهما وكلاهما نفع الله بهما الإسلام والمسلمين لكن الصدِّيق أكثر.
…قال (: (إنَّ أمَن الناس عَلَيَّ في صُحبته وماله أبا بكر)(407).(1/232)
…وقد كان مجاهدًا بلسانه ويده وهو أول من دعا إلى الله ـ كما سيأتي ـ وأول من أُوذي في الله بعد رسول الله ( وأول من دافع عن رسول الله ((408) وهو الوحيد المشارك لرسول الله ( في هجرته.
…وكانت قريش تعظمه وتعظم عمر رضي الله عنهما وتعرف مكانهما وجهادهما ولم يسأل أبو سفيان يوم أُحد إلاَّ عن رسول الله ( وعن أبي بكر وعن عمر(409) وذلك لعلمهم بمكانتهما من رسول الله (.
…وقد اشترى أبو بكر بِلالاً فأعتقه(410) وأعتق معه ستة أشخاص(411).
…قال ابن كثير: (وأول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر الصدِّيق وإسلامه كان أنفع من إسلام من تقدَّم ذكرهم إذ كان صدرًا معظمًا ورئيسًا في قريش مُكرمًا وصاحب مال وداعية إلى الإسلام وكان محببًا متألفًا يبذل المال في طاعة الله ورسوله)(412).
…أمَّا عليّ ( فقد كان صغيرًا عند إسلامه ولم يكن له أي دور ظاهر في مكة ما عدا نومه في فراش النبي ( ليلة الهجرة ولا شكَّ أنَّه دور عظيم لكن لم يُذكر له عمل آخر.
…ثمَّ لم يكن له مال ينصر به النبي ( فقد كان فقيرًا (.
…وبهذا يظهر أنَّ المرحلة المكية كان فيها فضل الصدِّيق على الإسلام والمسلمين واضحًا.
…قال ابن كثير إنَّ عليًّا (: (صحب رسول الله ( مدة مقامه بمكة وكان عنده في المنزل وفي كفالته في حياة أبيه لفقر حصل لأبيه)(413).
…وأمَّا أبو بكر ( فقد كان شيخًا كبيرًا له مكانته في قومه ممَّا مكَّنه من خدمة الإسلام.
…وروى ابن كثير عن محمد بن إسحاق أنَّه قال: (فلمَّا أسلم أبو بكر وأظهر إسلامه دعا إلى الله ( وكان أبو بكر رجلاً مألفًا لقومه محبًا سهلاً وكان أنسب [قريش] لقريش وأعلم قريش بما كان فيها من خير وشر.
…وكان رجلاً تاجرًا ذا خلق ومعروف وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر لعلمه وتجارته وحُسن مجالسته.
…فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه ممَّن يغشاه ويجلس إليه فأسلم على يديه فيما بلغني:(1/233)
…الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عُبيدالله، وسعد بن أبي وقاص، وعبدالرحمن بن وف ( فانطلقوا إلى رسول الله ( ومعهم أبو بكر فعرض عليهم الإسلام وقرأ عليهم القرآن وأنبأهم بحق الإسلام فآمنوا، وكان هؤلاء الثمانية الذين سبقوا في الإسلام صدقوا رسول الله ( وآمنوا بما جاء من عند الله)(414).
…وبعد الهجرة كان سبق أبي بكر ( واتصاله برسول الله ( وقربه منه ومحبة رسول الله ( له وتقريبه إيَّاه ما لا يُنكر.
…ثمَّ قام بالخلافة من بعده فأطاعه المسلمون وسلَّموا له الأمر ولم يكن أحد يجرؤ على مخالفته احترامًا وتعظيمًا، ففتح الأرض ونشر الدين.
…أمَّا علي ( فقد اختلفت عليه الأمَّة ولم تتفق عليه، بل حتَّى الذين كانوا معه لم يُطيعوه كما ينبغي وكان ذلك سببًا لتوقف الجهاد في سبيل الله وارتداد القتال بين المسلمين بعدما كان بين المسلمين والكفار.
…ولا شكَّ أنَّه لا ذنب لعليّ ( وقد كان هو الأقرب إلى الحق، بل هو كان على الحق لكن الكلام في بيان ما تحقق على يد كل واحد من هذين الإمامين رضي الله عنهما وأرضاهما.
…وبذلك يظهر جانب من جوانب فضل أبي بكر على عليّ وغيره من الصحابة ( جميعًا.
…ثالثًا: وأمَّا قولكم: (شهد المشاهد كلها سوى تبوك) فهو حق والصدِّيق ( شاركه في كل ذلك وزاد بشهوده غزوة تبوك فقد تساويا في المشاهد ولكن الصدِّيق ( كان الأقرب في تلك المشاهد.
…فقبْل معركة بدر استشار النبي ( الناس فأول من تكلَّم هو أبو بكر (، ثمَّ عمر ولم يقُم عليّ ( فدلَّ على أنَّ أبا بكر هو الأقرب منهما.
…حديث الاستشارة رواه الإمام أحمد(415) وقال ابن كثير: (وهذا إسناد ثلاثي صحيح)(416).
…وفي أثناء المعركة كان أبو بكر مع النبي ( في العريش وكان النبي ( يدعو الله ( حتَّى سقط رداؤه فلم يقترب منه إلاَّ الصدِّيق فأعاد رداءه والتزمه من ورائه وقال: يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك فإنَّه سيُنجز لك ما وعدك)(417).(1/234)
…وبعد المعركة استشار النبي ( في الأسارى أبا بكر وعمر ولم يستشر غيرهما(418).
…وهذا نموذج من قربه ( من رسول الله ( أكثر من عليّ، وما كان رسول الله ( ليقرب ويستشير إلاَّ من يعلم كفاءته وفضله.
…ونحن نستدل على ما نقول من كتب الصحاح أو بما صحَّ من المصادر الأصلية لا نلجأ إلى كتب التواريخ وكتب الأدب وأمثالها ممَّا لم يصح مع أنَّها مملوءة بعشرات ومئات الفضائل ولكنَّها لا تصح ولا نستبيح أن نستدل بها لأنَّا لا نرضى بالاستدلال بالضعيف لا لنا ولا علينا.
…فشهود المشاهد من علي ( حق لكن من كان الأقرب في تلك المشاهد والذي كان يُستشار ويُؤخذ رأيه؟! عليّ أم أبو بكر؟ رضي الله عنهما جميعًا وما كان لنا والله أن نعرض هذه المقارنة لولا ما ابتلي به ( من غلو ودعاوى باطلة بأدلة ضعيفة أو موضوعة أدت إلى انتقاص إخوانه من الصحابة ( جميعًا!!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…145) قلتم: (ولو كان عليّ قد حفظ كل يوم عن النبي ( وهو الفطن اللبيب الذكي الحافظ حديثًا واحدًا وقد مضى معه رشيدًا أكثر من ثلث قرن لبلغ ما كان يجب أن يروي أكثر من اثني عشر ألف حديث) ثمَّ أوردتم كلام أبي رية بمعنى كلامك.
…قلت الجواب من وجوه:
…أولاً: لا شكَّ أنَّ عليًّا ( كان من خيار الصحابة ولكن لم ينقل لنا ما يدل على درجات الصحابة في الذكاء والحفظ وهذه دعوى تحتاج إلى دليل وكل أحد يستطيع أن يدعي في من يحب أو يكره دعاوى لكن العبرة بدليل يثبت الدعوى.
…ثانيًا: فضل الصحابي على غيره قد تثبت بقوة إيمانه ونصحه للدين أكثر ممَّا تثبت بقوته في الحفظ وليس الحفظ شرطًا في الفضل والدين.
…ثالثًا: قد شارك عليًّا ( في السبق إلى الإسلام فضلاء الصحابة وقد لا يكون بينه وبينهم إلاَّ أشهر أو سنة أو سنتان ولم يصل ما رووه إلى ما رواه عليّ ( وهم من العشرة المبشرين بالجنَّة.
…وفي هذا بيان ما يدل على ذلك من خلال الكتب الستة:
…عثمان بن عفان……(72) حديثًا(1/235)
…الزبير بن العوام……(31) حديثًا
…سعد بن أبي وقاص…(121) حديثًا
…بِلال………(20) حديثًا
…زيد بن أرقم……(138) حديثًا
…والذي روي لعليّ بن أبي طالب في الكتب الستة (332) حديثًا.
…فما هو السبب يا تُرى؟! هل تعمَّد علماء السنَّة كذلك حذف روايات هؤلاء؟! وهل يستطيع شخص أن يحول بين عليّ ( وبين من يروي عنه؟!
…رابعًا: هناك احتمالان لقلة ما روي عن هؤلاء:
أ) أن يكون هؤلاء الصحابة لم يكونوا ينشطون للرواية عن النبي (.
ب) أو أن يكونوا رووا ولكن أهل السنَّة تعمَّدوا حذف مروياتهم.
فلو أخذنا الاحتمال الثاني لننظر هل له حظ من النظر أم لا؟
عليّ ( كان له مُحبُّون بالآلاف وقد تفرَّقوا في البلدان في المدينة والحجاز ومصر والعراق وما وراء النهر وهؤلاء الذين سمعوه هل يمكن لهؤلاء جميعًا أن يخفوا هذه الروايات؟! إنَّ من يزعم هذا يكون مُعرِّضًا نفسه للاستهجان لأنَّه قول يدل على نقص العقل أو تعمد المغالطة إلاَّ إذا قلتم: إنَّ عليًّا كان مكروهًا من جميع الصحابة: المهاجرين والأنصار وجميع قبائل العرب وهذا نعوذ بالله قول في غاية الفساد فإنَّ أخبث مخلوق خلقه الله ( هو: "إبليس" ولا يخلو مجتمع ممن يحب إبليس فكيف يعتقد أنَّ عليًّا تواطأ على بغضه جميع من كان في عصره؟!!!
نعوذ بالله من الحب الذي يشين ولا يزين.
خامسًا: أليست هذه روايات في فضائله رواها غيره من الصحابة وقد تناقلها المسلمون جيلاً بعد جيل وكانت تُذكَر أمام أخصام عليّ ولم يستطع أن يمنعها أو أن ينكرها أو يعاقب راويها وقد مرَّ معنا حديث سعد بن أبي وقاص في فضائل عليّ أنّه ذكرها أمام معاوية ردًا عليه في سؤاله سعدًا عن عدم سبِّه لعليّ (؟!
فسعد روى الحديث.
ومعاوية سمع
ومسلم روى
وهذا من أقوى الأحاديث في مدح عليّ (!
وهذا دليل على أنَّ سعدًا كان يحب عليًّا!
وأنَّ معاوية لم يكن يمنع رواية فضائله أو أحاديثه!
وأنَّ علماء السنَّة لا يخفون شيئًا من أحاديثه أو فضائله!(1/236)
وهذا يبين بطلان احتمال حذف شيء من رواياته أو فضائله.
سادسًا: إنَّنا بين أمرين:
…إمَّا أن نثق في الصحابة ورواة أهل السنَّة.
…وإمَّا أن لا نثق فيهم.
فإن وثقنا فيهم لَزِمَنا أن نُصدِّق مروياتهم.
وإن لم نثق فيهم بَطُل الاقتناع بما رووه.
وإذا بَطُلت قناعتنا بمروياتهم لم نتمكن من معرفة شيء من الدين لا من عقائده ولا من شعائره ولا من إثبات إيمانهم بأسمائهم إذ لا نأمن أنَّهم قد دسوا أحاديث ومدحوا بعضهم وحذفوا أحاديث تدل على نفاقهم؟!
نستغفر الله من هذا المذهب الرديء الذي ينتهي إلى إبطال الدين والعياذ بالله.
وبهذا يتبين أنَّ عقيدة الشيعة من أسهل الوسائل لإبطال الدين ولهذا كانت الباب المناسب الذي يدخله كل من أراد هدم الدين.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…146) قلتم: (مع الغض عن جميع ذلك فلا شكَّ عند أهل العلم المنصفين كأبي رية قال: أول من أسلم وتربَّى في حجر النبي (...) إلى آخر ما ذكر بمعنى كلامكم السابق.
…قلت: الرد من وجوه:
…أولاً: تقدم ما يكفي في بيان المسألة.
…ثانيًا: سمَّيتم أبا رية: "منصفًا" ولا أدري ما هو إنصافه؟! هل المراد به خروجه على عقيدة الأمَّة وكان أكثر مصادره التي اعتمد عليها هي مؤلفات غير المسلمين ومنها: "كتب جرجي زيدان النصراني، ودائرة المعارف الإسلامية للمستشرقين، والعقيدة والشريعة لجولد زيهر.. ونحوها"(419).
…فكيف يكون هذا منصفًا؟! أم أنَّ كل من أيَّد مُعتقد الشيعة يكون منصفًا ولو كان مُنحرفًا عن الحق ضالاً؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…147) قلتم: (قلتم: إنَّ أهل السنَّة يعتقدون أنَّ الإمامة أمر اصطلاحي شوري للأمَّة أن تختار من تراه أهلاً لذلك ليحكمها بالقرآن والسنَّة ولا حرج في الاختلاف في الفهم) ثمَّ أخذت ترد على هذا القول وأوردت أقوالاً للعلماء في الخلافة وهي لا تخرج عن أحد قولين:
أ) أنَّ الإمامة لا تنعقد إلاَّ بجمهور أهل الحل والعقد.(1/237)
ب) إن عقدها واحد من أهل الحل والعقد جاز.
ثمَّ قلتم: (هل هؤلاء من أهل السنَّة؟!: "فاعتبروا يا أولي الأبصار".
الجواب من وجوه:
أولاً: لا أدري ما مُرادك بالإنكار؟!
هل هذه الأقوال تختلف مع قولي؟!
فقد قلتُ: إنَّ "الإمامة أمر اصطلاحي شوري للأمَّة أن تختار".
وهذه الأقوال مؤكدة لما قلت.
فإنَّه إذا بايع أهل الحل والعقد فلم ينكر عليهم وكان الإمام له شوكة يستطيع بها أن يحقق البيعة جازت ولم يقل أحد من علماء الأمَّة إنَّ البيعة تمضي لمن لا شوكة له.
فإنَّ الإمامة مسؤولية فإذا كان الإمام لا شوكة له فكيف يسمَّى إمامًا؟!
قال ابن تيمية: (بل الإمامة عندهم ـ أي أهل السنَّة ـ تثبت بموافقة أهل الشوكة عليها ولا يصير الرجل إمامًا حتى يوافقه أهل الشوكة الذين يحصل بطاعتهم له مقصود الإمامة فإنَّ المقصود من الإمامة إنَّما يحصل بالقدرة والسلطان)(420).
ثانيًا: قولي المذكور هو في مقابلة قول الشيعة الذين يزعمون أنَّ الإمامة بالنص وليس مرادي أنَّ الأمَّة بكاملها يجب أن تجتمع في مكان واحد لتنتخب إمامًا ولم يقل بهذا أحد من علماء السنَّة.
ولكن أهل السنَّة أو غالبية أهل السنَّة يقولون بأنَّ الإمامة أمر شوري اصطلاحي ثمَّ يختلفون في من تنعقد بهم الإمامة وهل يجوز للإمام أن يستنيب أم لا؟ ونحو ذلك من الاختلافات ولكنَّه لا يوجد فيهم شخص واحد يزعم أنَّ الإمامة من الله (.
ولكن بعضهم قد ذهب إلى أنَّ النبي ( قد نصَّ على إمامة الصدِّيق والأدلة الصحيحة ترجحه.
ثالثًا: النبي ( لم يحدد شخصًا بعينه وإن كان أشار إلى الصدِّيق بأكثر من إشارة أهمها أمره بالصلاة بالمسلمين في عهده وصلَّى الجميع خلفه وهذا من أعظم الأدلة على تعيينه للخلافة لكنَّه ( لم ينص، فترك الأمر شورى ولعلَّه تيقن عليه الصلاة والسلام أنَّهم لا يعدلون عن الصدِّيق لأنَّه ( كان يأتيه الوحي.(1/238)
أمَّا أبو بكر ( فقد خشي أن تفترق الأمَّة ولا يعلم الغيب فرأى أنَّ مصلحة الأمَّة في التعيين وكان يعلم أنَّ خير الأمَّة وأفضلها وأحق بالخلافة بعده عُمر فعيَّنه.
وأمَّا عمر ( فرأى أنَّ الستة كلهم أهل للخلافة فجعل الخلافة فيهم.
والأصل في الخلافة أنَّها شورى، والصور الأخرى جائزة وهي لا تثبت إلاَّ بموافقة أهل الحل والعقد فرجع الأمر إلى الشورى إذ لو لم يقر أهل الحل والعقد ذلك الاختيار لما نفذ والله أعلم.
…148) قلتم: (وثانيًا: لو كانت الإمامة أمرًا شوريًا للأمَّة أن تختار من تراه أهلاً، لماذا لم يفعل بذلك أبو بكر ولم يفوض الأمر إلى الأمَّة بل عيَّن عمر بن الخطاب، مع ما ورد من اعتراض الصحابة عليه كما روى ابن أبي شيبة أنَّ أبا بكر حين حضره الموت أرسل إلى عمر يستخلفه فقال الناس: تستخلف علينا فظًا غليظًا ولو كان قد ولينا كان أفظ وأغلظ فما تقول لربك إذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر ؟ قال أبو بكر: أَبِرَبِّي تخوفونني؟ أقول: اللهم استخلفت عليهم خير خلقك، ثم أرسل إلى عمر فقال: إنِّي أوصيك بوصية .... الحديث(421)) .
…الجواب من وجوه:
…أولاً: أبو بكر ( هو أعلم برسول الله ( منَّا فقد مرَّ معنا أنَّه كان أقرب الصحابة إليه ( وأعلم به وبدينه وقد علم أنَّ الأمر فيه سعة وأنَّ الاستخلاف ممَّا يجوز ولم يرد فيه منع وأقرَّه الصحابة من حيث الأصل ـ أي لم ينكر على أصل الاستخلاف أحد وهذا يُسمَّى: " إجماعًا ".
…ثانيًا: زعمك بأنَّ بعض الصحابة اعترض فليس شرطًا أن يرضى جميع أفراد المجتمع، إذا رضي أهل الحل والعقد الذين يصير الإمام بهم إمامًا فإنَّ عليًا ( لم يرضَ بإمامته أضعاف أضعاف من لم يرض بإمامة عمر ولم ينقض ذلك إمامته عند أهل السنَّة.
…ثالثًا: قد روى ابن أبي شيبة وابن عساكر رواية ـ عند الأول ـ وروايات عند الثاني تدل على رضى علي ( بولاية عمر ولو كان رضى الجميع شرطًا لكان هذا طعنًا في قبول علي إمامة عمر.(1/239)
…فقد روى ابن أبي شيبة بسنده أنَّ أبا بكر ( لمَّا ثقل اطلع رأسه إلى الناس من كوة فقال: يا أيها الناس إنِّي قد عهدت عهدًا أفترضون ؟ فقام الناس فقالوا: قد رضينا فقام علي فقال: لا نرضى إلاَّ أن يكون عمر بن الخطاب فكان عمر)(422).
…رابعًا: قد أصبح عمل أبي بكر ( هذا عند المسلمين أحد الطرق الجائزة إذا خشي الإمام فتنة أو اختلافًا جاز له أن يستخلف.
…قال الماوردي: (والإمامة تنعقد من وجهين: أحدهما: باختيار أهل الحل والعقد والثاني: بعهد الإمام من قبل)(423).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…149) قلتم: (وهكذا قال الإمام محمد بن مفلح المقدسي الحنبلي المتوفي 763هـ :لما استخلف أبو بكر عمر رضي الله عنهما قال لمعيقيب الدوسي: مايقول الناس في استخلاف عمر؟ قال: كرهه قوم ورضيه آخرون. قال الذين كرهوه أكثر أم الذين رضوه؟ قال: بل الذين كرهوه..(424)
…فمع علمه بأنَّ أكثرية الشعب كانت ناقمة عليه في هذا الأمر فكيف فرضه عليهم ولم يمنحهم الحرية في انتخاب من شاءوا لرئاسة الحكم وكان الأجدر به أن يستجيب لعواطف الأكثرية الساحقة من المسلمين فلا يولي عليهم أحدًا إلاَّ بعد أخذ رضاهم واتفاق الكلمة عليه أو يستشير أهل الحل والعقد عملاً بقاعدة الشورى).
…قلت الجواب من وجوه:
…أولا: ابن مفلح عاش في القرن الثامن فأين المصدر وأين السند؟!
…نحن لانقبل أي أثر بدون سند و إذا ورد له سند لابد من صحته فكيف وهذا أثر لا سند له ولا يُدرى من أين نُقل؟!
…ثانيًا: إنَّ الصدِّيق خليفة رسول الله ( هو أعلم الناس بدين الله ( و به يُقتدى في العمل بعد رسول الله ( فقد زكاه رسول الله ( في عشرات الأحاديث وكان الصحابة ( يُعظِّمونه ويُحبُّونه.
…ثالثًا: قد ورد آثار تُؤكد أنَّه استشار ( في توليته لعُمر.(1/240)
…فقد روى ابن سعد و الطبري وغيرهما بأسانيد عدة: (أنَّ أبا بكر الصدِّيق لمَّا استُعز به دعا عبدالرحمن بن عوف فقال: أخبرني عن عمر بن الخطاب. فقال: ما تسألني عن أمر إلاَّ وأنت أعلم به منِّي؟ فقال أبو بكر: وإنْ. فقال عبدالرحمن: هو والله أفضل من رأيك فيه.
…ثمَّ دعا عثمان بن عفان فقال: أخبرني عن عُمر. فقال: أنت أخبَرنا به. فقال: على ذلك يا أبا عبدلله. فقال عثمان: اللهم علمي به أنَّ سريرته خير من علانيته وأنَّه ليس فينا مثله.
…فقال أبو بكر: يرحمك الله، والله لو تركته ما عدوتك.
…وشاور سعيد بن زيد أبا الأعور وأُسيد بن حضير وغيرهما من المهاجرين والأنصار.
…فقال أُسيد: اللهم الخيرة بعدك يرضى للرضى ويسخط للسخط الذي يُسِرُ خير من الذي يُعلِن ولم يلِ هذا الأمر أحد أقوى عليه منه.
…وسمع بعض أصحاب النبي ( بدخول عبدالرحمن وعثمان على أبي بكر وخلوتهما به فدخلوا على أبي بكر فقال له قائل منهم: ما أنت قائل لربِّك إذا سألك عن استخلافك عُمر علينا وقد ترى غلظته؟
…فقال أبو بكر: أجلسوني أبِالله تخوفوني؟ خاب من تزوَّد من أمركم بظلم.
…أقول: اللهم استخلفتُ عليهم خير أهلك.
…أبلغ عني ما قلتُ لك مَن وراءك..
…وفي آخر الأثر قال الراوي: (فأقرُّوا بذلك جميعًا ورضوا به وبايعوا).
…ثمَّ دعا أبو بكر عُمر خاليًا فأوصاه بما أوصاه ثمَّ خرج من عنده فرفع أبو بكر يديه مدا فقال: اللهم إنِّي لم أرد بذلك إلاَّ إصلاحهم وخفتُ عليهم الفتنة فعملتُ بما أنت أعلم به واجتهدت لهم رأي..) ثمًَّ دعا له بالصلاح والتوفيق(425).
…إذن دعوى عدم المشورة غير صحيحة.
…رابعًا: قلتم: (أكثرية الشعب كانت ناقمة عليه في هذا الأمر فكيف فرضه عليهم؟!).
…تَبيَّن قبل خلاف هذا.
…ثمَّ لماذا يا تُرى الأكثرية غير راضية ثمَّ أطاعوه ولم يطيعوا رسول الله ( ـ حسب زعمكم ـ في تولية علي بن أبي طالب؟!!!…(1/241)
…أكان الناس يُعظمون أبا بكر ويُجلُّونه ويطيعون أمره وهو من أتباع رسول الله ( ولا يُطيعون الرسول الذي هو سبب هدايتهم وإسلامهم وطاعته فرض عليهم؟!
…أليس هذا دليلاً على أنَّه ليس هناك أمر من رسول الله (؟! إذ لو كان لأطاعوه أشد من طاعتهم لأبي بكر خاصة وأنَّ عليًّا ليس كعُمر في شدته؟!
…ثمَّ أيُعقَل أنَّ الأكثرية غير راضين ولم يتحركوا لمنع ما لا يرضون؟!
…خامسًا: هؤلاء الذين أنكروا على أبي بكر أيُعقَل أن ينكروا عليه توليته لعُمر وهم يعلمون أنَّ عليًّا هو الولي ولا يتكلمون بذلك ولا ينادون بإعطاء عليّ حقه ليَسلموا على أقل تقدير من عُمر كما يزعمون؟!
…أليس في هذا دليل على أنَّه ليس عند القوم علم ولا أثر بهذه الدعاوى التي تولَّدت بعد في عليّ (؟!
…بلى والله؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…150) قلتم: (ولماذا حصرها عمر في ستة وجعل شروطًا ينتهي الأمر إلى عثمان؟ وهل يُطلق عليه شورى الأمَّة؟).
…قلت الجواب من وجوه:
…أولاً: تقدَّم أنَّه لا يوجد نص ينهى عن الاستخلاف أو يأمر به، وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما هما أعلم الصحابة بدين الله ( ولو لم يعتقد صحته ما فعله ثم لارتفع الإنكار من بقية الصحابة، فهُم ممَّن لا تأخذهم في الله لومة لائم قد جرَّدوا سيوفهم لنُصرة دين الله ( وقت الذلة والخوف أفيجبنون وقت الأمن والقوة؟!
…ثانيًا: إنَّ صنيع عمر ( من أعظم الأعمال النافعة وهو المحدَّثُ الملهم وقد وَكَّل الأمر إليهم لأنَّهم أفضل مَن بقي من العشرة المبشرين بالجنَّة وإن كان بعضهم أولى من بعض.
…لكن ربَّما لو لم يجعلها فيهم ورشَّح واحدًا منهم ربَّما لا يُطاع، فرأى أن يجعلها في الستة وهم لا شكَّ أعلم بأنفسهم من غيرهم.(1/242)
…ثالثًا: لو كان هناك أدنى شبهة في أنَّ عليًّا وصي من الله ( لارتفع بذلك صوت بعض الصحابة أو صوت عليّ ( ولما رضي أن يدخل مع غيره في المفاضلة ولقال: كفاكم اغتصاب حقي مدة ثلاث عشرة سنة والآن تريدون أن تنزعوها منِّي، لا أدخل في هذه الشورى!
…لكنَّه لم يقل ورضي في الدخول مع إخوانه، فدلَّ على أنَّه ليس لديه ولا لدى غيره علم بهذه الدعاوى الحادثة في شأن الوصية.
…رابعًا: قولك: (وجعل شروطًا ينتهي الأمر إلى عثمان لا غيره)
…قلت: الجواب من وجوه:
…أولاً: هذه دعوى غريبة تدل على عدم التثبت.
…ثانيًا: من أين عرفت هذه الشروط؟! وفي أي كتاب؟! أنَّ عُمر وضعها لينتهي الأمر إلى عثمان وأنت قد قدمت في أول رسالتك كلامًا تنادي فيه بالتحقق؟!
…فهذه هي وصية عمر ( في أصح الكتب بعد كتاب الله (.
…(فقد روى البخاري قصة قتل عُمر عن عمرو بن ميمون وكيف قُتِل وما كان عليه من الدين واستئذانه أن يُدفن مع صاحبيه: النبي ( وأبي بكر، ثمَّ قال الراوي: (واستأذن الرجال..فقالوا: أوصِ يا أمير المؤمنين؟ استخلف. قال: "ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر ـ أو الرهط ـ الذين توفي رسول الله ( وهو عنهم راضٍ فسمَّى: عليًّا، وعثمان، والزبير، وطلحة، وسعدًا، وعبدالرحمن بن عوف. وقال: يشهدكم عبدالله بن عمر وليس له من الأمر شيء ـ كهيئة التعزية له ـ فإن أصابت الإمرة سعدًا فهو ذاك وإلاَّ فليستعن به أيُّكم ما أُمِّر فإنِّي لم أعزله عن عجز ولا خيانة.
…وقال: أُوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين..)ثمَّ أوصى بالمهاجرين والأنصار وغيرهم والوفاء بذمة الله وذمة رسوله ()(426).
…فأين الشروط يا سعادة الأستاذ؟!
…أليس هذا قولاً بلا دليل؟!
…ثالثًا: إنَّ الشورى المقصود بها: الشورى بين أهل الحل والعقد وهؤلاء هم أفضل من بَقي بعد عُمر ( وليس القصد بالشورى جميع الناس، فهذا لا يتحقق أبدًا فإذا تحملها عِلية القوم كفوا من سواهم.(1/243)
…رابعًا: لو أراد عمر ( أن ينتهى الأمر إلى عثمان مالذي يمنعه أن يعينه باسمه مباشرة، ولو فعل لما اختلف فيه اثنان كما حدث في استخلاف أبي بكر ( لعُمر (، فلمَّا عدل عن ذلك عرفنا أنَّه لا غرض له في أحدهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…151) قلتم: (وثالثًا: قولكم بأنَّ أهل السنَّة يعتقدون أنَّ الإمامة أمر اصطلاحي شوري للأمَّة) مخالف لما روى مسلم وغيره عن حفصة بأنَّها قالت لابن عمر: أَعلِمت أنَّ أباك غير مُستخلف؟.. إلى أن دخل على أبيه وقال: إنِّي سمعت الناس يقولون مقالة فآليت أن أقولها لك: زعموا أنَّك غير مستخلف وأنَّه لو كان لك راعي إبل أو راعي غنم ثمَّ جاءك وتركها رأيت أن قد ضيَّع فرعاية الناس أشد)(427).
…وهكذا ما أوردته عن الإمامة والسياسة بمعناه(428).
…الجواب:
…أولاً: هذا القول إذا وُضِع مقابل قول الشيعة كان المراد منه واضحًا ولكن لأهل السنَّة أقوال فيما بينهم لا علاقة للشيعة بها.
…فالشيعة تتحدَّث عن إمامة بالنص وقولي هذا للرد عليه.
…أمَّا أقوال السنَّة فيما بينهم فهذا له تفصيل آخر.
…ثانيًا: تكملة الحديث: (فوافقه قولي فوضع رأسه ثمَّ رفعه إليَّ فقال: إنَّ الله ( يحفظ دينه وإنِّي لئن أستخلف فإنَّ رسول الله ( لم يستخلف وإن استخلف فإنَّ أبا بكر قد استَخلف.
…قال فوالله ما هو إلاَّ أن ذكر رسول الله ( وأبا بكر فعلمت أنَّه لم يكن ليعدل برسول الله ( أحدًا وأنَّه غير مُستخلَف)(429).
…أرأيت كيف أنَّ ابنه يشهد أنَّ أباه لم يكن ليعدل برسول الله ( أحدًا ثمَّ لم ينكر على أبي بكر (؟!
…ثالثًا: أمَّا مذهب أهل السنَّة والجماعة فقد لخَّصه النووي فقال: (إنَّ المسلمين أجمعوا على أنَّ الخليفة إذا حضرته مقدمات الموت وقبل ذلك يجوز له الاستخلاف ويجوز له تركه.
…فإن تركه فقد اقتدى بالنبي ( في هذا وإلاَّ فقد اقتدى بأبي بكر.(1/244)
…وأجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف وعلى انعقادها لعقد أهل الحل والعقد لإنسان إذا لم يستخلف الخليفة.
…وأجمعوا على جواز جعل الخليفة الأمر شورى بين جماعة كما فعل عُمر)(430).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…152) قلتم: (ورابعًا: إذا كانت الإمامة شورى عند أهل السنَّة فماذا يقولون فيما ذكره ابن حبان وابن كثير وغيرهما بأنَّ النبي ( أيضًا ليس له نصيب في تعيين الإمامة بل هي بيد الله فقط.
…نقرأ معًا ما ذكر في هذه القضية.. ثمَّ أَتى أي النبي ( بني عامر بن صعصعة في منازلهم فدعاهم إلى الله فقال قائل منهم: إن اتبعناك وصدَّقناك فنصرك الله ثمَّ أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك؟
…فقال رسول الله (: الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء.
…فقالوا: أنهدف نحورنا للعرب دونك فإذا ظهرت كان الأمر في غيرنا؟!
…لا حاجة لنا في هذا من أمرك)(431).
…الجواب من وجوه:
…أولاً: ابن حبان لم يذكر لهذه القصة سندًا وقد ذكرها ابن إسحاق في السيرة بسند منقطع(432).
…ثانيًا: أنتم تزعمون أنَّ النبي ( قد جمع بني عبدالمطلب قبل هذا التاريخ كما سيأتي قريبًا ـ أي قبل عرض نفسه صلوات الله وسلامه عليه على القبائل ـ وأنَّه قد عرض عليهم نُصرته وأن يكون الناصر خليفة من بعده وأنَّ عليًّا قد استعدَّ بذلك فأصبح خليفة من ذلك التاريخ وهذا يعني أحد أمرين:
أ) أنَّ الخليفة قد تعيَّن ولا شكَّ أنَّ هذا ينتشر فكيف يطلبون أن يكون لهم أمر قد تعيَّن صاحبه؟!
ب) لم يقل لهم إنَّ الخليفة قد تعيَّن من الله!! فأحد الأمرين عندكم كاذب ـ وعندنا كلاهما ـ.
ثمَّ ما عرضه على بني عبدالمطلب قد استعدَّ به هؤلاء فلماذا لم يعطهم؟!!
نحمد الله على نعمة العقل!!
ثالثًا: لا يصح نص في ذكر الإمامة بل هي أمر متروك كما تقدَّم للأمَّة على الصور الثلاث أو ما يجد من صور تحقق مقاصدها.
ــــــــــــــــــــــــــــــ(1/245)
…153) قلتم: (وقولكم: (وأمَّا أهل التشيع فإنَّه يُفهَم من عقيدتهم أنَّه يجب على الله أن ينصب إمامًا وأنَّ هذا الإمام هو: عليّ ( مع أنَّه لم يرد في القرآن ولا في السنَّة أي لفظ في ذكر الإمامة والوصاية وإنَّما هي عمومات قابلة للتأويل على أوجه).
…فنقول: وأمَّا ورود قضية إمامة عليّ بن أبي طالب في السنَّة فمن راجع:
حديث: "الدار يوم الإنذار"، وحديث: "المنزلة"، وحديث: "الغدير"، وحديث: "الثقلين"، وحديث: "السفينة"، وحديث: "وهو ولي كل مؤمن بعدي"، وحديث: "أنا مدينة العلم وعليّ بابها"، وحديث: "المؤاخاة"، وحديث: "تبليغ سورة براءة"، وحديث: "سد الأبواب"، وحديث: "باب حطة"، وحديث: " الراية"، وغيرها من عشرات بل مئات النصوص في ذلك يتيقن بنص النبي ( على إمامة: عليّ بن أبي طالب.
وقد صرَّح في بعضها على كونه خليفة من بعده كحديث الدار الذي قال عليّ ( فأخذ برقبتي ثمَّ قال: إنَّ هذا أخي ووصي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا.
قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع)(433).
قلت هنا وقفات:
…الأولى: الحمد لله أنَّك لم تقل: "إنَّها أحاديث صحاح" وهذا الظن بك، لأنَّها جميعها لا تصح ما عدا روايات لا علاقة لها بالإمامة.
…الثانية: قلتم: (وغيرها عشرات بل مئات النصوص) قلت: بل آلاف، لأنَّ ما وُضِع في هذه المسألة لا يُحصى بشهادة صاحبكم ابن أبي الحديد شارح: "نهج البلاغة" حيث يقول بعد الإشارة إلى ما وضعه الشيعة في ذم الصحابة قال: (وهكذا أسرف غلاة الشيعة الرافضة في وضع الأحاديث بما يتفق مع أهوائهم والتي بلغت من الكثرة حدًّا مزعجًا حتَّى قال الخليلي في الإرشاد: "وضعت الرافضة في فضائل عليّ وأهل بيته نحو ثلاثمائة ألف حديث")(434).(1/246)
…الثالثة: قد صرَّح إمامكم الخميني أنَّ أمر الإمامة لم يبينها النبي ( فقال: (وواضح بأنَّ النبي لو كان بلَّغ بأمر الإمامة طبقًا لما أمر به الله وبذل المساعي في هذا المجال لما نشبت في البلدان الإسلامية كل هذه الاختلافات والمشاحنات والمعارك ولما ظهرت ثمة خلافات في أصول الدين وفروعه)(435).
…فالخميني يعترف ويتَّهم:
…يعترف بأنَّ الإمامة لم تبين.
…ويتَّهم نبينا محمدًا ( أتقى الناس وأعرف الناس بربه صلوات الله وسلامه عليه بأنَّه لم يُبلِّغ كما أمر الله (.
…ونحن لا ندري كيف عرف الخميني أنَّ الله أمره بذلك، لأنَّ ذلك لا يُعرف إلاَّ بالنقل ولم يُنقل إلينا، إذن الخميني اطلع على اللوح المحفوظ أو جاءه الوحي!!!
…كبُرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلاَّ كذبًا.
…الرابعة: أمَّا الأحاديث فأنا أورد لك درجاتها في ميزان العلماء من خلال رُواتها لتعلم أنَّها لا تصح إن لم تكن تعلم من قبل، وأنَّ الاستدلال بأمثال هذه الروايات على دين الله ( من الأعمال المحرمة.
…قال تعالى: (ولا تقفُ ما ليس لك به علم..) نهيٌ جازم أن تتَّبع ما لم يكن أمرًا واضحًا دع عنك التقليد!!(1/247)
…الحديث الأول: "حديث: الدار يوم الإنذار"، عن عليّ بن أبي طالب "لما نزلت هذه الآية على رسول الله ( (وأنذر عشيرتك الأقربين) دعاني رسول الله (، فقال لي: يا عليّ إنَّ الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، قال: فضقت بذلك ذرعًا، وعرفت أنِّي متى ما أباديهم بهذا الأمر أرَ منهم ما أكره، فصمتُ حتَّى جاء جبرائيل، فقال: يا محمد، إنَّك إلاَّ تفعل ما تُؤمر به يُعذبك ربك، فاصنع لنا صاعًا من طعام، واجعل عليه رجل شاة، واملأ لنا عُسًّا من لبن، ثمَّ اجمع لي بني عبدالمطلب حتَّى أكلمهم، وأبلِّغهم ما أُمرت به؛ ففعلت ما أمرني به ثمَّ دعوتهم له، وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب؛ فلمَّا اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم، فجئت به. فلمَّا وضعته تناول رسول الله ( حِذية من اللحم، فشقها بأسنانه، ثمَّ ألقاها في نواحي الصحفة، قال: خذوا باسم الله، فأكل القوم حتَّى ما لهم بشيء حاجة، وما أرى إلاَّ مواضع أيديهم، وأيَّم الله الذي نفس عليّ بيده إن كان الرجل الواحد ليأكل ما قدّمت لجميعهم، ثمَّ قال: اسقِ الناس، فجئتهم بذلك العس فشربوا حتَّى رووا منه جميعًا، وأيَّم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله؛ فلمَّا أراد رسول الله ( أن يكلمهم، بدره أبو لهب إلى الكلام، فقال: لهدّ ما سحركم به صاحبكم، فتفرّق القوم ولم يكلمهم رسول الله (، فقال الغد: يا عليّ، إنَّ هذا الرجل قد سبقني إلى ما قد سمعتَ من القول، فتفرَّق القوم قبل أن أكلمهم، فأعد لنا من الطعام مثل الذي صنعت، ثمَّ اجمعهم، قال: ففعلت ثمَّ جمعتهم، ثمَّ دعاني بالطعام فقرَّبته لهم، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا حتَّى ما لهم بشيء حاجة، قال: اسقهم، فجئتهم بذلك العس فشربوا حتَّى رووا منه جميعًا، ثمَّ تكلم رسول الله (، فقال يا بني عبدالمطلب إنِّي والله ما أعلم شابًا في العرب جاء قومه بأفضل ممَّا جئتكم به،(1/248)
إنِّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيُّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي وكذا وكذا؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعًا، وقلت: وإنِّي لأحدثهم سنًّا وأرمصهم عينًا، وأعظمهم بطنًا، وأحمشهم ساقًا، أنا يا نبي الله أكون وزيرك، فأخذ برقبتي، ثمَّ قال: إنَّ هذا أخي وكذا وكذا، اسمعوا وأطيعوا، قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك و وتطيع)(436).
…أولاً: هذا لحديث لا يصح بل مكذوب.
…في رواة الطبري: "عبدالغفار بن القاسم أبو مريم" قال ابن المديني: كان يضع الحديث. وقال أبو داود بعد أن ساق تكذيب عبدالواحد بن زياد له: (وأنا أشهد أنَّ أبا مريم كذاب ولأنَّني قد لقيته وسمعت منه واسمه: "عبدالغفار بن القاسم"(437).
…وله طريق أخرى عند أبي حاتم فيها: "عبدالله بن عبدالقدوس"(438) قال الذهبي: (كوفي رافضي). وقال يحيى: (ليس بشيء رافضي خبيث). وقال النسائي: (ليس ثقة). وقال البخاري: (مجهول وحديثه منكر)(439).
…ثانيًا: في آخر الحديث: (فاسمعوا وأطيعوا) وهل هم مسلمون حتَّى يسمعوا ويطيعوا؟! هم لم يسمعوا منه ( ولم يطيعوه في أصل الإيمان وقد أعرضوا عن دعوته فكيف يأمرهم وهم ليسوا أصلاً مؤمنين؟!
…ثالثًا: في الحديث أنَّ أبناء عبدالمطلب كانوا: (أربعين رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه) والتاريخ يشهد بكذب هذا العدد.
…فأولاد عبدالمطلب كانوا عشرة من الولد لم يدرك النبوة منهم إلاَّ خمسة هم:حمزة ،والعباس، وأبوطالب، والحارث، وأبو لهب.
…فأمّا حمزة فلم يكن له ولد .
وأمَّا العباس فأول ولد له كان في حصار الشعب هو: "عبدالله" ثمَّ ولد له عُبيدالله ثمَّ الفضل، فليس له إذن أولاد كبار يحضرون.
…وأمَّا أبو طالب فكان له أربعة من الولد هم: طالب، وعقيل، وجعفر، وعلي؛ وطالب لم يدرك الإسلام.
…وأمَّا الحارث فكان له ابنان هما: أبو سفيان، وربيعة من مسلمة الفتح.(1/249)
…وأبو لهب كان له ثلاثة من الولد: عتبة، ومغيث، وعتيبة؛ أسلم الأوَّلان ودعا النبي ( على الثالث.(440)
…هؤلاء هم أولاد وأحفاد عبدالمطلب فكيف حضر أربعون رجلاً وهؤلاء لم يتجاوز عددهم أربعة عشر رجلاً؟!
…وهذا بيان بأسمائهم ودرجاتهم:
1- الأب: ( عبدالمطلب )
2- ابن : ( حمزة )
3- ابن: ( العباس )
4- ابن: ( أبو طالب )
5- ابن: ( الحارث )
6- ابن: ( أبو لهب )
7- حفيد )طالب بن أبي طالب)
8- حفيد: (عقيل بن أبي طالب)
9- حفيد: (جعفر بن أبي طالب)
10- حفيد: (علي بن أبي طالب)
11- حفيد: (أبو سفيان بن الحارث)
12- حفيد: (ربيعة بن الحارث)
13- حفيد: (عتبة بن أبي لهب)
14- حفيد: (مغيث بن أبي لهب)
15- حفيد: (عتيبة بن أبي لهب)(441)
رابعًا: ألفاظ الحديث في رواية ابن أبي حاتم (ويكون خليفتي في أهلي)، وفي رواية الطبري العبارة مبهمة ولفظها (على أن يكون أخي وكذا وكذا) فلفظ ابن أبي حاتم لم يذكر إلاَّ الخلافة في الأهل ورواية الطبري مبهمة وكلاهما لا يصحان.
خامسًا: هذا اتهام لعليّ ( بأنَّه لم يسلم إلاَّ طمعًا في الرئاسة لا رغبةً في الإيمان.
سادسًا: كم أسلم مع عليّ ( وبعده ولم نسمع أنَّه ( وعدهم بوزارة ولا بإمارة ولو كان ذلك جرى منه ( لسألوا مثله..!!
سابعًا: هذا تحويل للنبوة لتكون مُلكًا وزعامة يتوارثها الأبناء عن الآباء، والنبوة لا تُورث والتقدم فيها بغير النسب.
قال ابن القيم: (والسر والله أعلم في خروج الخلافة عن أهل بيت النبي ( إلى أبي بكر وعمر وعثمان أنَّ عليًّا لو تولى الخلافة بعد موته لأوشك أن يقول المبطلون إنَّه مَلِكٌ ورّث ملكَه أهلَ بيته فصان الله منصب رسالته ونبوته عن هذه الشبهة.
وتأمَّل قول هرقل لأبي سفيان: (هل كان في آبائه من ملك؟ قال: لا. فقال له: لو كان في آبائه ملك لقلت: رجل يطلب مُلك آبائه)(442).
فصان منصبه العلي من شبهة المُلك في آبائه وأهل بيته.(1/250)
وهذا والله أعلم هو السر في كونه لم يُورث هو والأنبياء قطعًا لهذه الشبهة لئلا يظن المبطل أنَّ الأنبياء طلبوا جمع الدنيا لأولادهم وورثتهم كما يفعله الإنسان من زهده في نفسه وتوريثه ماله لولده وذريته.
فصانهم الله عن ذلك ومنعهم من توريث ورثتهم شيئًا من المال لئلا يتطرق التهمة لحجج الله ورسله فلا يبقى في نبوتهم ورسالتهم شبهة أصلاً).(443)
ثامنًا: قلتُ ولعلَّ عدم تمكين الله ( لعليّ ( الخلافة لأجل ذلك السر لتبقى النبوة بعيدة عن الشبه.
ثمَّ لو تمكن عليّ ( لربَّما قوَّى ذلك معتقد الشيعة الذين ادعوا فيه ما ليس له ولتحولت النبوة إلى ملك وراثي.
وقد يقول قائل: ألم تتحول على يد معاوية؟!
فنقول: بلى، ولكن لا يجرح ذلك منصب النبوة وحديثنا عن بقاء منصب النبوة بعيدًا عن ظنون الأعداء والله أعلم.
تاسعًا: على مذهبكم لم يتحقق وعد النبي ( له فقد وعده بأن يكون الخليفة من بعده ولم يفِ له بوعده.
فإن قلتم: هو أراد ولكن أبا بكر وعمر لم يريدا!!
قلت: لا يمكن أن يعد النبي ( ما لا يستطيع تنفيذه وكان ينبغي أن يقول: (إذا رضي أبو بكر وعمر)!!
الحمد لله على نعمة العقل.
الحديث الثاني: حديث (ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنَّه لا نبي بعدي).
الجواب من وجوه:
أولاً: استخلف النبي ( عليًّا على المدينة في غزوة تبوك وهذا أمر معتاد له ( أن يستخلف على المدينة أحدًا من أصحابه، لكن لمَّا استخلفه طعن المنافقون فيه، فلحق بالنبي ( يشكو إليه طعن المنافقين فسلاَّه النبي ( بذلك فرجع.
ثانيًا: تمثيله له بهارون أخي موسى في الاستخلاف المؤقت فإنَّ هارون كان خليفة لموسى عندما ذهب موسى لميقات ربه ثمَّ انتهى الاستخلاف بعد رجوع موسى ولم يَخلُف هارونُ موسى بعد موته لأنَّه مات قبل موسى.(1/251)
ثالثًا: هذا الاستخلاف قد انقطع، بعد عودته ( ثمَّ بعثه النبي ( بعد ذلك إلى اليمن مع معاذ وأبي موسى الأشعري(444)، وقد حج النبي ( وخلف على المدينة شخصًا آخر فدلَّ على أنَّ ذلك الاستخلاف قد انقطع.
رابعًا: فأين الدليل في هذا الحديث على أنَّه إمام بعد موت النبي (؟!
الحديث الثالث: "حديث الغدير": (من كنت مولاه فعليّ مولاه)(445).
الجواب من وجوه:
أولاً: هذا الحديث يذكر العلماء أنَّ له سببًا وهو ما رواه ابن أبي شيبة بسنده: (عن بُرَيدة قال: "مررت مع عليّ إلى اليمن فرأيت منه جفوة فلمَّا قدمت على رسول الله ( ذكرت عليًّا فتنقصته فجعل وجه رسول الله ( يتغير فقال: ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله! قال: "من كنت مولاه فعليّ مولاه").(446)(1/252)
ثانيًا: أورد ابن كثير سببًا آخر في تاريخه وقد استوفى إيراد هذا الحديث وبيان الألفاظ الصحيحة والألفاظ الضعيفة والمنكرة في ست صفحات تقريبًا قال في بدايته: (في إيراد الحديث الدال على أنَّه ( خطب بمكان بين مكة والمدينة مرجعه من حجة الوداع قريب من الجحفة ـ يُقال له غدير خم ـ فبين فيها فضل عليّ بن أبي طالب وبراءة عرضه ممَّا كان تكلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن، بسبب ما كان صدر منه إليهم من المعدلة التي ظنَّها بعضهم جورًا وتضييقًا وبخلاً، والصواب كان معه في ذلك، ولهذا لمَّا تفرَّغ ( من بيان المناسك ورجع إلى المدينة بيَّن ذلك في أثناء الطريق، فخطب خطبة عظيمة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عامئذ وكان يوم الأحد بغدير خم تحت شجرة هناك، فبيَّن فيها أشياء. وذكر من فضل عليّ وأمانته وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه. ونحن نورد عيون الأحاديث الواردة في ذلك ونبيِّن ما فيها من صحيح وضعيف بحول الله وقوته وعونه، وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ فجمع فيه مجلدين أورد فيهما طرقه وألفاظه، وساق الغث والسمين والصحيح والسقيم، على ما جرت به عادة كثير من المحدثين يوردون ما وقع لهم في ذلك الباب من غير تمييز بين صحيحه وضعيفه. وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر أورد أحاديث كثيرة في هذه الخطبة. ونحن نورد عيون ما روى في ذلك مع إعلامنا أنَّه لا حظَّ للشيعة فيه ولا متمسك لهم ولا دليل لما سنبينه وننبه عليه، فنقول وبالله المستعان.(1/253)
قال محمد بن إسحاق في سياق حجة الوداع ـ حدثني يحيى بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي عمرة عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة. قال: لمَّا أقبل عليّ من اليمن ليلقى رسول الله ( بمكة، تعجل إلى رسول الله واستخلف على جنده الذين معه رجلاً من أصحابه، فعمد ذلك الرجل فكسى كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع عليّ، فلمَّا دنا جيشه خرج ليلقاهم فإذا عليهم الحلل. قال: ويلك ما هذا؟ قال: كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس. قال: ويلك انزع قبل أن ينتهي به إلى رسول الله (. قال: فانتزع الحلل من الناس فردها في البز، قال وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم.
قال ابن إسحاق فحدثني عبدالله بن عبدالرحمن بن معمر بن حزم عن سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب ـ وكانت عند أبي سعيد الخدري ـ عن أبي سعيد. قال: اشتكى الناس عليًّا فقام رسول الله ( فينا خطيبًا، فسمعته يقول: أيها الناس لا تشكوا عليًّا فوالله إنَّه لأخشن في ذات الله أو في سبيل الله [من أن يشكى] ورواه الإمام أحمد من حديث محمد بن إسحاق به وقال إنَّه لأخشن في ذات الله أو في سبيل الله. وقال الإمام أحمد حدثنا الفضل بن دكين ثنا ابن أبي غنية. عن الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن بُريدة قال: غزوت مع عليّ اليمن فرأيت منه جفوة فلمَّا قدمت على رسول الله ( ذكرت عليًّا فتنقصته فرأيت وجه رسول الله يتغيَّر. فقال: يا بُريدة ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، قلت: بلى يا رسول الله! قال: "من كنت مولاه فعليّ مولاه" وكذا رواه النسائي عن أبي داود الحراني عن أبي نعيم الفضل بن دكين عن عبدالملك بن أبي غنية بإسناده نحوه وهذا إسناد جيد قوي رجاله كلهم ثقات.
فالحديث كما ترى كان له سبب وهو الجفوة التي وقعت بين عليّ ( وبعض الصحابة.
ثالثًا: ثمَّ أين في الحديث أنَّه: "والي" على المسلمين؟!(1/254)
إنَّ: "الولاية" للرسول ( ثابتة منه على جميع المسلمين فالولاية هي الحب والنصرة وهي ثابتة بين جميع المسلمين وبينهم وبين رسولهم صلوات الله وسلامه عليه بل بينهم وبين ربهم (، قال تعالى:(إنَّما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا).
رابعًا: هذا الحديث لو كان القصد منه الولاية بمعنى أنَّه: "والي" على المسلمين لصرَّح به النبي ( لأنَّ ذلك تشريع لا يحتمل التورية.
خامسًا: لو أراد أمرًا تشريعيًا جديدًا وهو: "ولاية" المسلمين لما ترك الناس حتَّى ينصرفوا من الحج ويعودوا إلى بلدانهم ثمَّ لا يذكر ذلك إلاَّ في أهل المدينة.
سادسًا: قد أنزل الله ( في الحج: (اليوم أكملت لكم دينكم) وهذا دليل على أنَّ التشريع قد ختم فكل ما بعده إنَّما هو مواعظ وتذكير.
الحديث الرابع: حديث الثقلين فقد خطب النبي ( في حجة الوداع فقال فيها: (وإنِّي تارك فيكم ثقلين: أولهما: كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به) فحث على كتاب الله ورغَّب فيه ثمَّ قال: (وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي).(447)
هذا هو حديث الثقلين بأصح الطرق وأصح الألفاظ.
وهنا وقفات:
أولاً: أوصى النبي ( باتباع القرآن والاستمساك به وهذا دليل على أنَّ فهم الكتاب والعمل به لا يحتاجان إلى وسيط أو وصاية وإلاَّ لما أوصانا باتباعه مباشرة ولقال: احذروا أن تعملوا بالقرآن بدون وصي وخذوا ما يفسره لكم الوصي!
وقد أثنى على كتاب الله ( وقال: (وفيه الهدى والنور) وما دام فيه الهدى والنور فأي حاجة إلى: "وصي"؟!
ثانيًا: عندما ذكر القرآن أمرنا باتباعه وعندما ذكر أهل بيته أمرنا برعايتهم وإعطائهم حقوقهم وهذا من أوضح الأدلة على أنَّهم ليسوا أئمة وإنَّما ستكون الإمامة في غيرهم وإلاَّ لو كانوا هم الأئمة لأوصاهم بنا لأنَّ الوصية تكون للقادر المتنفذ لا للضعيف العاجز.(1/255)
فيبدو والله أعلم أنَّه ( قد أعلمه الله ( بما سيحصل لأهل بيته فذكَّر المسلمين برعاية حقوقهم عندما يتولون عليهم.
الحديث الخامس: "حديث السفينة".
روى الطبراني بسنده عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله ( يقول: (مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح في قوم نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك، ومثل باب حطة في بني إسرائيل).(448)
قلت: الجواب من وجوه:
أولاً: في سنده: "عبدالله بن داهر الرازي" متروك. وقال العقيلي: (رافضي خبيث).(449)
وفيه: "عبدالله بن عبدالقدوس" تقدَّم في الحديث الأول وهو مجهول وحديثه منكر كما قال البخاري.(450)
وورد من طرق أخرى لا تقل عن هذه الطريق.
ثانيًا: فهل مثل هذا يقوم عليه دين؟
ثالثًا: أي أهل البيت هم السفينة من مدحتموهم أو من ذممتموهم كما سيأتي ـ بمشيئة الله تعالى ـ.
رابعًا: أين هم الآن أهل بيته الذين هم: "الأئمة"؟! ماتوا ـ أو هربوا حسب زعمكم ـ فجميعكم الآن بغير سفينة فأنتم إذن هلكى!!
أمَّا نحن فقد ركبنا سفينة: "القرآن والسنَّة" وهي مستمرة لا تموت ولا تهرب ولله الحمد والمنة.
الحديث السادس: حديث (وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة) وفي رواية: (بعدي)(451).
أولاً: هذا الحديث مداره على: "جعفر بن سليمان" رواه عنه: "عبدالرزاق" و: "عفان".
أمَّا جعفر فقد اختلفت فيه الأقوال ما بين مُضعِّف له ومُوثِّق. لكنَّهم وصفوه بأنَّه يتشيع وإذا كان الراوي يتهم ببدعة ثمَّ روى ما يُقوي بدعته فينظر في حديثه هل رواه غيره ممَّن ليس على بدعته أم لا؟
قال ابن سعد: (ثقة فيه ضعف كان يتشيع).
وقال أحمد بن المقدام: (وجعفر ينسب إلى الرفض).
وروى العقيلي وابن حبان أنَّه قيل له: (بلغني أنَّك تشتم أبا بكر وعمر فقال: أمَّا الشتم فلا، ولكن البغض ما شئت)(452).
ولم يروِ له مسلم إلاَّ حديثًا واحدًا متابعة في غزو النبي ( بالنساء.(453)(1/256)
وقد اعتذر له الذهبي بأنَّ سبَّه لأبي بكر وعمر جارين كانا له ثمَّ ذكر أنَّه صدوق وأنَّه ينفرد بأحاديث عدت ممَّا ينكر عليه واختلف في الاحتجاج بها وعدَّ منها هذا الحديث.(454)
ثانيًا: ذكر الذهبي في ترجمته أنَّه روى حديث: (مات رسول الله ( ولم يستخلف أحدًا) فإن جازت روايته في الجميع فبعضها يفسر بعضًا.
ثالثًا: قوله: (ولي كل مؤمن بعدي) لو فسرت بالإمامة فلم يكن ( واليًا لكل مؤمن بعد النبي ( إلى قيام الساعة وإنَّما تكون ولايته إلى أن يموت فأين ولايته على بقية الأجيال المسلمة؟؟!!
ولكنَّها إذا فسرت بأنَّه ولي كل مؤمن بمعنى الحب والود فهذا ممكن الحصول وهذا لكل مؤمن على أخيه ويتأكد في حق عليّ (.
الحديث السابع: حديث (أنا مدينة العلم)
تقدم الحديث عنه سندًا ومتنًا وأنَّه موضوع ومعناه مردود.
الحديث الثامن: "حديث المؤاخاة": وردت عدة أحاديث جميعها لا تصح ومنها: حديث ابن عمر قال: (آخى رسول الله ( بين أصحابه فجاء عليّ تدمع عيناه فقال: يا رسول الله: آخيت بين أصحابك ولم تُؤاخ بيني وبين أحد. فقال رسول الله (: (أنت أخي في الدنيا والآخرة).(455)
أولاً: الحديث لا يصح.
في سنده: "جُمَيع بن عُمير" قال البخاري: (فيه نظر). وقال أبو حاتم: (كوفي تابعي من عُتَّق الشيعة محله الصدق صالح الحديث). وقال ابن عدي: (وما قاله البخاري كما قاله: في أحاديثه نظر وعامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد).(456)
وفيه: "حكيم بن جُبَير" قال أحمد: (ضعيف الحديث مضطرب). وقال ابن معين: (ليس بشيء). وقال أبو حاتم: (ضعيف الحديث منكر الحديث له رأي غير محمود نسأل الله السلامة غال في التشيع). وقال الدارقطني: (متروك).(457)
وفيه: "علي بن قادم" قال ابن معين: (ضعيف). وقال ابن حجر: (منكر الحديث شديد التشيع).(458)
فهل يصلح هذا الحديث للاستدلال به؟!(1/257)
ثانيًا: أي دلالة في هذا الحديث على الإمامة؟! فالنبي ( قد قال في بعض الأحاديث كما تقدَّم: (وددت أن قد رأيت إخواني).
فهل هؤلاء أئمة؟!
الحديث التاسع: حديث التبليغ: "تبليغ سورة براءة في الحج".
عن أبي سعيد أو أبي هريرة رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله ( أبا بكر ( على الحج فلمَّا بلغ ضجنان_أي قريبًا من مكة_سمع بُغَام ناقة عليّ فعرفه فأتاه فقال: ما شأني؟ قال: خير إنَّ رسول الله ( بعثني ببراءة.
فلمَّا رجعنا انطلق أبو بكر إلى النبي ( فقال: يا رسول الله مالي؟! قال: (خير أنت صاحبي في الغار غير أنَّه لا يبلغ عني غيري أو رجل مني_يعني عليًّا_)(459).
هذا هو حديث التبليغ وقد ورد من عدة طرق وبألفاظ مختلفة.
الجواب من وجوه:
أولاً: قد ورد هذا الحديث من عدة طرق ولا يسلم طريق منها من ضعف وهذه الطريق فيها: "أبو ربيعة: زيد بن عوف" قال ابن حجر: (تركوه)، وقال الفلاس: "متروك"، وقال الدارقطني: "ضعيف"(460).
ثانيًا: ليس في هذا دلالة على قضية الإمامة وإنَّما هذا جرى مجرى ما اعتاده العرب من أنَّ العقود والعهود لا ينقضها إلاَّ من عقدها أو رجل من أهله.
قال مؤلف: "ذخائر العقبى" بعد أن أورد هذا الحديث: (وهذا التبليغ والأداء يختص بهذه الواقعة لسبب اقتضاه وذلك أنَّ عادة العرب في نقض العهود أن لا يتولى ذلك إلاَّ من تولَّى عقدها أو رجل من قبيلته) ثمَّ أشار إلى أنَّ ذلك ليس المراد به عموم التبليغ حتَّى في الدين إلى أن قال: (والدليل على ذلك وأنَّه لا يختص التبليغ عنه بأهل بيته أنَّه قد عُلم بالضرورة أن رسلَه ( لم تزل مختلفة إلى الأفاق في التبليغ عنه وأداء رسالته وتعليم الأحكام والوقائع يؤدون عنه ()(461).
وبنحو هذا قال ابن حجر(462).
ثالثًا: قد صحَّ أنَّ عليًّا ( لم يَخلُفْ أبا بكر في إمارة الحج وإنَّما كان عمله إبلاغ المشركين بإنهاء العهد.(1/258)
روى البخاري عن أبي هريرة ( أنَّه قال: (إنَّ أبا بكر الصدِّيق بعثه في الحجة التي أمَّره النبي ( عليها قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذن في الناس: لا يحج بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان)(463).
والحديث نص في أنَّ الأمير على تلك الحجة هو: "أبو بكر" (.
الحديث العاشر: حديث (سد الأبواب).
عن زيد بن أرقم قال: كان لنفرٍ من أصحاب رسول الله ( أبواب مشرعة في المسجد فقال يومًا: (سدوا هذه الأبواب إلاَّ باب عليّ، فتكلَّم في ذلك الناس قال فقام رسول الله ( فحمد الله وأثنى عليه ثمَّ قال: (أمَّا بعد فإنِّي أمرت بسد هذه الأبواب إلاَّ باب عليّ وقال فيه قائلكم وإنِّي والله ما سددت شيئًا ولا فتحته ولكن أمرت بشيء فاتبعته).(464)
الجواب من وجوه:
أولاً: هذا الحديث في سنده: "ميمون أبو عبدالله" قال أحمد: (أحاديثه مناكير). وقال ابن معين: (لا شيء). وكان يحيى القطان لا يحدث عنه.(465)
وقد أورد ابن الجوزي عدة روايات ثمَّ قال: (هذه الأحاديث كلها من وضع الرافضة قابلوا بها الحديث المتفق على صحته في: "سدوا الأبواب إلاَّ باب أبي بكر وهو: "سدوا كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر").(466)
ثانيًا: لِمَ يعتذر النبي ( عن أمره بسد الأبواب وأنَّه ليس هو الذي أمر وإنَّما هو الله (؟! أليس أمره ( كأمر الله ( وقد أمرنا بطاعة أمره استقلالاً ومتى كان الصحابة يرفضون أمره ( حتى يخبرهم أنَّه إنَّما هو أمر الله (؟! سبحان الله ما أوضح الكذب!!
ثالثًا: لو صحَّ الحديث فهل فيه دلالة على الإمامة؟!
أليس ذلك يحتمل أنَّ بقاء بابه مفتوحًا لتسهيل زيارة "فاطمة رضي الله عنها" لأبيها؟! حتَّى لو لم يكن ذلك هو المقصد فأين فيه دلالة الإمامة؟!
رابعًا: إنَّ الواقع يشهد بصحة حديث أبي بكر فإنَّ النبي ( قد أوكل إليه أن يصلي بالناس فترة مرضه ( وهو يحتاج إلى سهولة المجيء إلى المسجد للنيابة عنه ( في الإمامة إضافةً إلى دلالته على خلافته.(1/259)
الحديث الحادي عشر: حديث "باب حطة". من رواية: "أبي سعيد" وقد تقدمت رواية: "أبي ذر" في الحديث الخامس.
أورد الهيثمي عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت النبي ( يقول: (إنَّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق. وإنَّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له).
ثمَّ قال: (رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه جماعة لم أعرفهم)(467).
فالحديث كما ترى فيه عدة من الرواة مجهولون فكيف يستدل بحديث لا يدري من رواه؟!
الحديث الثاني عشر: "حديث "الراية".
روى البخاري ومسلم عن سلمة ابن الأكوع ( أنَّ النبي ( قال يوم خيبر: (لأعطينَّ الراية غدًا رجلاً يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله...).(468)
هنا وقفات:
أولاً: لا شكَّ في صحة هذا الحديث فقد رواه أصحاب الصحاح عن جماعة من الصحابة.
ثانيًا: ولا شكَّ في محبة الله ( لعليّ ( ولكل مؤمن، لكنَّها لعليّ ثابتة بالنص عليه وهذا فيه شهادة له بالإيمان ظاهرًا وباطنًا وأنَّه يعيش عليه ويموت عليه.
ثالثًا: لكن هذه الشهادة مجروح فيها عند الشيعة لأنَّ رُواتها إمَّا فُسَّاق وإمَّا كفار ولا تثبت لعليّ ( عندهم حتَّى يثبتوا إيمان وعدالة رُواتها، فقد وردت عن سلمة بن الأكوع وسعد بن أبي وقاص وأبي بُرَيدة وغيرهم وصحة الخبر عندهم معلَّقة بإيمان هؤلاء، وكتبهم تُقرِّر رِدَّة الصحابة إلاَّ أربعة أشخاص ليس واحد من هؤلاء منهم.
رابعًا: هذه الفضيلة لعليّ ( كما تقدَّم ثابتة لكل مؤمن ومؤمنة كما قال تعالى: (فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه)(469). وقال تعالى: (إنَّ الله يحب المحسنين)(470). وقال تعالى: (والله يحب الصابرين)(471)، وغيرها كثير.
ولا تدل هذه على إمامة ولا على خلافة!(1/260)
الوقفة الخامسة: قولكم: (وغيرها من عشرات النصوص بل مئات النصوص في ذلك يتيقَّن بنص النبي ( على إمامة عليّ بن أبي طالب وقد صرَّح في بعضها.. كحديث الدار).
قلت: الجواب من وجوه:
أولاً: رأينا فيما مضى أنَّ هذه النصوص بين أمرين:
…- إمَّا أنَّها لا تصح، وهذا في أكثرها.
…- وإمَّا أنَّها لا تدل على المراد.
ثانيًا: هذه النصوص قد رويت عن الصحابة الذين يجرحهم الشيعة ويصفونهم إمَّا بالكفر وإمَّا أنَّهم غير عدول، فإن عدلتموهم لزمكم أن تقبلوا كل ما يروونه وفيما رووه ما ينقض دعواكم وإن لم تعدلوهم لم يصح لكم استدلال.
ثالثًا: ما صحَّ منها فإنَّه من فضائل عليّ ( التي تثبت إيمانه وفضله وأنَّه من خيار الصحابة، وقد ثبت نحوها لإخوانه عظماء الصحابة بل وأعظم منها للشيخين.
رابعًا: لا تستطيع الشيعة أن تثبت إيمان علي ( إلاَّ بتزكية وتعديل الصحابة الذين رووا إيمانه.
خامسًا: قولكم: (يتيقن بنص النبي ( إمامة عليّ بن أبي طالب) وهذا من أعجب الدعاوى.
فإنَّ كلمة: "نص" عند الأصوليين أي لا تحتمل أكثر من معنى فهي تدل على المراد دلالة قطعية لا يتطرق إليه تأويل.(472)
وإذا اعتقدنا صحة هذه الروايات ورأينا أنَّ الصحابة لم يعتقدوا إمامة عليّ بموجبها دلَّ على بطلان هذه الدعوى، وإذا قلنا: إنَّهم اعتقدوا لكن لم يقبلوها فهذا طعن في عدالتهم وبالتالي فلا تُقبَل رواياتهم.
ثمَّ لم نجد أحدًا من أهل السنَّة يقول بموجبها؟!
إنَّ ذلك بين أمرين:
- إمَّا أنَّها لا تصح عندهم.
- وإمَّا أنَّها لا تدل على ما فهمتموه.
سادسًا: إذا كان رسول الله ( أراد أن يقول لنا: إنَّ عليًّا هو الخليفة من بعدي فلِمَ هذا التطويل وعدم التصريح؟!
سابعًا: عليّ ( يعترف في كتبكم أنَّ الإمامة بالبيعة وليست من الله (.
فقد ورد في "نهج البلاغة" المعتمد عندكم أنَّه قال: (وإنَّما الشورى للمهاجرين والأنصار فإنَّ اجتمعوا على رجل وسمُّوه: "إمامًا" كان ذلك لله رضى).(473)(1/261)
وهذا ينقض دعواكم السابقة وقد تقدم نحو ذلك.
ويعترف في كتبنا كما تقدم أنَّه لم يوصَ إليه بشيء في الإمامة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…154) ذكرتم ما حدث في كتاب: "حياة محمد (" من تحريف لفظ: "بات على فراشه" بلفظ: "بال على فراشه". ثمَّ قلتم: (لا لوم عليهم لأنَّهم ورثوا ذلك ممَّن لا تطيب أنفسهم لعليّ ( بخير).
…قلت:
…أولاً: إنَّ الأصل المطبوع كما ذكرتم هو اللفظ الصحيح ولكن عُدِّل باليد، وهذا يدل على أنَّ ذلك ليس من المؤلف وإنَّما هو من المطبعة بعد اعتماد المؤلف.
…ثانيًا: المطابع المصرية لا تخلو من نصارى حاقدين على الإسلام والمسلمين ولا أستبعد أنَّ ذلك من أحد هؤلاء أو الملاحدة الذين لا يؤمنون لا بالله ( ولا برسوله (.
…ثالثًا: من فعل ذلك سواء كان من المؤلف أو غيره فهذه جريمة وكبيرة من كبائر الذنوب.
…رابعًا: قولك: (ورثوا ذلك...) قد يفهم منه أنَّك تغمز أهل السنَّة بأنَّهم لا يريدون لعليّ ( خيرًا.
…ولا شك أنَّك إن أردت هذا فلم تصب وقد مرَّ معنا أكثر من مرة بيان أنَّه لا يوجد مسلم لا يريد لعليّ ( خيرًا وأنَّ حب علي ( دين كغيره من إخوانه الصحابة الذين آمنوا بالله ورسوله ونصروا رسوله ( وجاهدوا لنشر هذا الدين وقد قال تعالى: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنَّك رؤوف رحيم) فهذا شعار كل مسلم ومن خرج عنه فقد انحرف عن جادة الحق والله المستعان.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…155) قلتم بعد تعقيبكم على تحريف لفظ:"بات على فراشه": (وأمَّا من حيث السند فقد صرَّح بصحته جمع من العلماء كابن جرير الطبري..)(1/262)
…قلت: إن كان مرادكم حديث البيات على فراشه ( فهذا مشهور ولا ينكره أحد من المسلمين، وإن كان مرادكم حديثًا ذكرتموه قبل ذلك وهو: "ووصيّ وخليفتي" فهذا قد تقدَّم بيان أنَّه موضوع ولا يوجد عالم من أهل السنَّة يصحح الحديث إلاَّ على أنَّه أراد خلافته في أهله ( كما تقدم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…156) قلتم: (وهكذا حديث الولاية صرَّح بصحته الحاكم: (إنَّ عليًّا منِّي وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي..)
…قلت: تقدم بيان عدم صحته ولا حاجة لمثل هذه الأحاديث السقيمة لبيان فضائل عليّ ( فقد ثبتت في فضائله أحاديث صحيحة تغني عن مثل هذه الأحاديث التي لا تصح.
…وقد تبين أنَّ لفظ الحديث لا يدل أنَّ عليًّا: "ولي على كل مؤمن بعد النبي (" لأنَّه لا يعيش إلى قيام الساعة حتَّى يلي على كل مؤمن وإنَّما المراد لو صح بأنَّه ولي بمعنى: الحب والنصرة والتي هي حق كل مؤمن على أخيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…157) قلتم: (وهل هذا من العمومات القابلة للتأويل؟! فما الفرق بين هذه الكلمة في لسان النبي ( وبين هذه في لسان عمر بن الخطاب (رض) حيث قال: (فلمَّا توفي رسول الله ( قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله فجئتما فرأيتماه كاذبًا آثمًا غادرًا خائنًا..ثمَّ توفي أبو بكر فقلت: أنا ولي رسول الله ( وولي أبي بكر فرأيتماني كاذبًا آثمًا غادرًا خائنًا)(474).
…وهكذا في كلام أبي بكر في كتابته لخلافة عمر في مرضه قائلاً: (إنِّي قد وليت عليكم عُمر)(475).
…وفي كلام عمر بن الخطاب أيضًا: (لو أدركت سالم مولى أبي حُذَيفة لوليته واستخلفته)(476).
…الجواب من وجوه:
…أولاً: الحديث الأول "حديث عمر: فلمَّا توفي رسول الله (" ورد في الصحيحين البخاري(477) ومسلم(478)، ورواية مسلم التي أشرت إليها هي هذه:(1/263)
…روى مسلم بسنده عن مالك بن أوس أنَّه قال: أرسل إليّ عمر بن الخطاب فجئته حين تعالى النهار قال: فوجدته في بيته جالسًا على سرير مفضيًا إلى رماله متكئًا على وسادة من أدم فقال لي: يا مال إنَّه قد دف أهل أبيات من قومك وقد أمرت فيهم برضخ فخذه فاقسمه بينهم. قال: قلت: لو أمرت بهذا غيري قال خذه يا مال. قال: فجاء يرفأ. فقال: هل لك يا أمير المؤمنين في عثمان وعبدالرحمن بن عوف والزبير وسعد، فقال عمر: نعم. فأذن لهم فدخلوا ثمَّ جاء فقال: هل لك في عباس وعليّ؟ قال: نعم. فأذن لهما. فقال عباس: يا أمير المؤمنين اقضِ بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن. فقال القوم: أجل يا أمير المؤمنين. فاقضِ بينهم وأرحهم "فقال مالك بن أوس يخيل إليَّ أنَّهم قد كانوا قدموهم لذلك" فقال عمر: اتئدا أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمون أنَّ رسول الله ( قال: لا نورث ما تركنا صدقة. قالوا: نعم. ثمَّ أقبل على العباس وعليّ فقال: أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمان أنَّ رسول الله ( قال: لا نورث ما تركناه صدقة. قالا: نعم. فقال عمر: إنَّ الله ( كان خصَّ رسوله ( بخاصة لم يخصص بها أحدًا غيره. قال: ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول "ما أدري هل قرأ الآية التي قبلها أم لا" قال فقسم رسول الله ( بينكم أموال بني النضير فوالله ما استأثر عليكم ولا أخذها دونكم حتَّى بقي هذا المال فكان رسول الله ( يأخذ منه نفقة سنة ثمَّ يجعل ما بقي أسوة المال ثمَّ قال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمون ذلك؟ قالوا: نعم. ثمَّ نشد عباسًا وعليًّا بمثل ما نشد به القوم أتعلمان ذلك؟ قالا: نعم. قال: فلمَّا توفي رسول الله ( قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله ( فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها. فقال أبو بكر: قال رسول الله (: لا نورث ما تركناه صدقة فرأيتماه كاذبًا آثمًا(1/264)
غادرًا خائنًا والله يعلم إنَّه لصادق بار راشد تابع للحق ثمَّ توفي أبو بكر وأنا ولي رسول الله ( وولي أبي بكر فرأيتماني كاذبًا آثمًا غادرًا خائنًا والله يعلم إنِّي لصادق بار راشد تابع للحق فوليتها ثمَّ جئتني أنت وهذا وأنتما جميع وأمركما واحد فقلتما: ادفعها إلينا. فقلت: إن شئتم دفعتها إليكما على أنَّ عليكما عهد الله أن تعملا فيها بالذي كان يعمل رسول الله ( فأخذتماها بذلك. قال: أكذلك؟ قالا: نعم. قال: ثمَّ جئتماني لأقضي بينكما ولا والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتَّى تقوم الساعة فإن عجزتما عنها فرداها إليّ.
…ثانيًا: في هذا الحديث عدة مسائل:
1- أنَّ عمر قرر العباس وعليًّا ومن حضر معهما على حديث: "لا نورث ما تركناه صدقة" فأقرَّا به وأقرَّ به من حضرهما وفي هذا رد على من زعم أنَّ الصدِّيق قاله من عنده ممن يفتري على عظماء الأمَّة!!
2- أنَّ العباس قد وصف عليًّا ( بأوصاف هي: "الكاذب، الآثم، الغادر، الخائن".
قال النووي: (قال جماعة من العلماء: معناه الكاذب إن لم ينصف فحذف الجواب.
وقال القاضي عياض: قال المازري: هذا اللفظ الذي وقع لا يليق ظاهره بالعباس وحاشا لعليّ أن يكون فيه بعض هذه الأوصاف فضلاً عن كلها..)
إلى أن قال: (فأجود ما حمل عليه أنَّه صدر من العباس على جهة الإدلال على ابن أخيه لأنَّه بمنزلة ابنه وقال ما لا يعتقده وما يعلم براءة ذمة ابن أخيه منه)(479).
3- عمر ( استعمل نفس الألفاظ التي أطلقه العباس على عليّ وكأنَّه يقول: هكذا ظننتم بي وبأبي بكر ممَّا نحن بريئون منه كما أنَّك يا عليّ بريء ممَّا قيل فيك بسبب هذه الفيء.
ثالثًا: أوردتم لفظ: "وليّ كل مؤمن بعدي" مقارنًا بلفظ عمر: "قال أبو بكر أنا وليّ رسول الله" وقول عمر كذلك.
الجواب:
أ) يُقال: أثبت العرش ثمَّ انقش، أي أثبت صحة حديث: "ولي كل مؤمن بعدي" أولاً ـ وقد تقدم عدم صحته ـ ثمَّ استدل.(1/265)
ب) هل قول عمر إنَّ أبا بكر: "وليّ رسول الله (" أنَّه: "وليّ عليه" سبحان الله؟! أم أنَّه قال: وليّ الأمر من بعده؟! والحديث: "وليّ كل مؤمن" لا يستقيم على منهجكم إلاَّ أنَّه: "وليّه بعد أن يموت" لأنَّ ولاية أبي بكر لم تكن على النبي ( في حياته وفرق بين: "وليّه" و: "وليّ عليه".
ج) وهل يستقيم أن يُقال: (إنَّ عليًّا وليّ على كل مؤمن بعد النبي ( بمعنى: "والي عليه").
وهل عليّ سيعيش إلى نهاية الحياة؟! حتَّى يكون وليًّا على كل مؤمن إلى قيام الساعة؟!
سبحان الله ما أوضح الباطل لمن سلم قلبه من المرض؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
158) قلتم: (وهكذا حديث الثقلين..) وقد تقدم
…وجعل رسول الله ( أهل بيته عدلاً للقرآن والتمسك بهم منقذًا عن الضلالة كما قال المناوي: قوله: (إنِّي تارك فيكم" تلويح بل تصريح بأنَّهما كتوأمين خلَّفهما ووصى أمَّته بحسن معاملتهما وإيثار حقهما على أنفسهم والاستمساك بهما في الدين)(480).
…الجواب من وجوه:
…أولاً: قولكم: (وجعل رسول الله ( أهل بيته عدلاً للقرآن والتمسك بهما منقذًا من الضلالة..) عبارة غير سليمة لا يليق صدورها من أستاذ جامعي يفهم دلالة الألفاظ.
…فأين في الحديث هذا المعنى؟!
…الحديث حثَّ على التمسك بكتاب الله ( والتأكيد بأنَّ فيه الهدى والنور ثمَّ عندما ذكر أهل بيته أوصى الأمَّة بهم وذلك بأن نعرف لهم حقهم فأين في ألفاظ الحديث غير هذا؟! ـ وقد تقدم زيادة إيضاح لذلك ـ.
…ثمَّ: هل أهل بيته كلهم صالحون مهتدون؟! وهل أهل بيته كلهم متبوعون؟!
…وهل أهل بيته كلهم عاشوا مع القرآن؟! أم أنَّكم ستخرجون هذا اللفظ عن دلالته المزعومة هنا في مكان آخر عندما تحتاجون ذلك؟!
…ثانيًا: أوردتم كلام المناوي ولم تكملوه وتكملته: (أمَّا الكتاب فلأنَّه معدن العلوم الدينية والأسرار والحكم الشرعية وكنوز وخفايا الوثائق.(1/266)
…وأمَّا العترة فلأنَّ العنصر إذا طاب أعان على فهم الدين، فطيب العنصر يؤدي إلى حسن الأخلاق ومحاسنها تؤدي إلى صفاء القلب ونزاهته وطهارته.
…قال الحكيم: والمراد بعترته هنا العلماء العاملون إذ هم الذين لا يفارقون القرآن أمَّا نحو جاهل وعالم مخلط فأجنبي من هذا المقام وإنَّما ينظر للأصل والعنصر عند التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل.
…فإذا كان العلم النافع في غير عنصرهم لزمنا اتباعه كائنًا ما كان ولا يعارض حثَّه هنا على اتباع عترته في خبر على اتباع قريش لأنَّ الحكم على فرد من أفراد العام بحكم العام لا يوجب قصر العام على ذلك الفرد على الأصح..)(481).
…ثالثًا: المناوي هنا يشرح حديثًا فيه: (إنِّي تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي وإنَّهما لن يتفرقا حتى يرِدا على الحوض)(482).
…وهذا الحديث في سنده: "قاسم بن حسان" قال البخاري: (حديثه منكر ولا يُعرف)(483). وقد ذكره ابن حبان في الثقات(484) على عادته فيمن لم يعرف فيهم جرحًا ولعلَّه لم يقف على كلام البخاري وقد تقدم التنبيه على منهجه.
…ومدار الحديث على "شُريك بن عبدالله" وقد مرَّ معنا كلام العلماء فيه وأنَّه متهم بالتشيع واضطراب الحديث وكثرة الخطأ(485).
…رابعًا: دعوى أنَّ (أهل البيت عدل للقرآن والتمسك بهم منقذ من الضلالة) هل جميعهم أم بعضهم:
- وهل العباس عم النبي ( من أهل بيته أم لا؟!
…قال المامقاني الشيعي الإمامي: (وأقوال الأخبار في حقه مختلفة جدًا والذامة منها أقوى دلالة)(486).
- وهل ابنه عبدالله من أهل البيت أم لا؟!
زعم الكشي الشيعي الإمامي (أنَّه خان عليًّا وأخذ مال بيت البصرة)(487).
- وهل زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب من أهل البيت أم لا؟!
زعم الكشي الشيعي الإمامي (أنَّه كان يشرب الخمر).
- وجعفر بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر الصادق وقد ورد تسميته عندا لمجلسي بالكذاب(488).(1/267)
- والحسن بن الحسن: "المثنى" هل هو من أهل البيت أم لا؟!
اختلفت رواياتكم في "تنقيح المقال" هل هو: كافر أم فاسق؟!(489)
- وعبدالله بن الحسن بن الحسن المسمى بالمحض هل هو من أهل البيت أم لا؟
وقد وصف بأنَّه كذاب.(490)
- ومحمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن الملقب بالنفس الزكية هل هو من أهل البيت أم لا؟!
وقد وصف بأنَّه كذاب ادعى الإمامة.(491)
وقال المامقاني: (إنَّ سائر بني الحسن بن علي كانت لهم أفعال شنيعة لا تحمل على التقية باستثناء زيد فإنَّه يمكن أن تحمل أفعاله الشنيعة على التقية)(492).
خامسًا: إذا حملتم أهل البيت على الأئمة وزعمتم أنَّاكلفنا أن نهتدي بهم فأين هم الآن؟! هل نقتدي بإمام هارب مجهول أو معدوم؟!
…فإن قلتم بسيرتهم قلنا: أفلا تكفينا سيرة أفضل منهم وقد أصبح كلتا السيرتين مروية تؤخذ من الكتب؟!
…ولو كنَّا نحتاج إلى من يرافق الكتاب أتظن أن الله ( يقطع ذرية من أمرنا بالاهتداء به؟! وهل يأمر بالاهتداء بإمام ثمَّ لا ينصره ؟!!
…الحمد لله على العافية؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…159) أوردتم قول التفتازاني لدعم مذهبكم.
…وهنا وقفات:
…أولاً: التفتازاني يشير إلى ما حصل من الاقتتال بين الصحابة في عهد عليّ (.
…ثانيًا: كلام التفتازاني هنا يشمل عليًّا ( ومعاوية ( فكل منهما قاتل الآخر وظاهر القتال لأجل الرئاسة فهل تلتزم بمؤداه؟!
…ثالثًا: يعترف بفضل كبار الصحابة ويعزو السبب في تعديل العلماء لجميع الصحابة لئلا يصل الأمر إلى كبارهم وعظمائهم ـ كما حدث من الشيعة الإمامية ونحوهم ـ.
…رابعًا: هذا المذهب الذي ذهب إليه شاذ مخالف لمذهب جمهور أهل السنَّة ورغم شذوذه لا يصل إلى درجة المذهب الإمامي وقد تقدم التنبيه على قوله هذا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ(1/268)
…160) قلتم: (قال الدكتور عصام العماد: إنَّنا نعتقد أنَّ مذهب الاثني عشرية يطير بجناحين: أحدهما: حديث الثقلين، والجناح الآخر: حديث الاثني عشر. وما لم تدرك الوهابية هذين الحديثين لا يمكن لها أن تفهم الحقائق وخصائص المذهب الاثني عشري)(493).
…وزعمتم في التعريف بهذا الشخص اليمني أنَّه كان وهابيًا ثمَّ انتقل إلى المذهب الاثني عشري.
…والجواب من وجوه:
…أولاً: لا يوجد هناك مذهب اسمه: "الوهابي" وإنَّما هذا اسم اخترعه المبتدعة لمحاربة مذهب السلف الذي يقوم على الكتاب والسنَّة، والشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله إنَّما دعا الناس إلى الكتاب والسنَّة ولم يستحدث شيئًا جديدًا.
…ثانيًا: هذا اليمني الذي زعمتم أنَّه كان وهابيًا ثمَّ انتقل إلى المذهب الاثني عشر بناءً على زعمه هو وأنا أجزم أنَّه رافضي المولد والنشأة وكونه درس في جامعة الإمام لا يختلف عن دراسة المستشرقين للإسلام في معاهد المسلمين.
…ولا أعتقد أنّ رجلاً يعيش على مذهب أهل السنَّة وهو يعرف المصادر الدينية "الكتاب والسنَّة" ثمَّ ينتقل إلى مذهب الإمامية.
…وكل من زعمتموهم أنَّهم كانوا سنَّة ثمّ رجعوا إلى مذهب الإمامية شخصيات وهمية أو مخادعة تزعم أنَّها كانت على السنَّة ثم رجعت إلى مذهب الإمامية.
…لكن المهتدين من التشيع إلى العقيدة الصحيحة من أعلام الشيعة كثيرون ممَّن وصل إلى أعلى الدرجات.
…فهذا: سيد أسد الله الخرقاني، وآية الله شريعت سنغلجي، والدكتور شعار، وسيد مصطفى طباطبائي، ثمَّ هذا العالِم المجاهد آية الله العظمى العلاَّمة السيد أبو الفضل بن الرضا البرقعي رحمه الله صاحب كتاب: "كسر الصنم"، والمجتهد أحمد كسروي وكل هؤلاء شيعة أعلام، ومن لم نذكرهم أو لم نقف على أسمائهم ممَّن هداهم الله للعقيدة الصحيحة أكثر.
…وهناك ثائرون على المذهب يطالبون بالتصحيح كموسى الموسوي، وأحمد الكاتب، وغيرهما.(1/269)
…هؤلاء شخصيات بارزة يتضح من موقفها ما يعانيه أصحاب المذهب الإمامي من أزمات عقدية.
…ثمَّ هؤلاء من أعلام الشيعة الزيدية وهم يتلقون علومهم من آل البيت وقد هداهم الله إلى العقيدة الصحيحة.
…فهذا الصنعاني والشوكاني وابن الوزير الذي ألَّف كتابًا في ترجيح مذهب أهل السنَّة وتبرئة آل البيت ممَّا نسب إليهم يستحق أن يُكتب بماء الذهب بلغ تسعة مجلدات سمَّاه: "العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم".
…ثالثًا: حديث الثقلين قد تقدم وحديث الاثني عشر خليفة وردت له عدة ألفاظ لا ينطبق منها شيء على أئمة الشيعة الإمامية.
…فمن ألفاظه: ((يكون اثنا عشر أميرًا كلهم من قريش)).
…ومنها: ((لا يزال الإسلام عزيزًا إلى اثنى عشر خليفة)).
…ومنها: ((لا يزال هذا الدين عزيزًا منيعًا إلى اثنى عشر خليفة)).
…فأي لفظ من هذا الألفاظ ينطبق على أئمة الشيعة الاثني عشر الذين لم يتأمروا؟! ما عدا عليًا والحسن رضي الله عنهما.
…ثمَّ الحديث أشار إلى عزة الدين ومنعته وذلك إشارة إلى قوة الدين وأنتم قد زعمتم أنَّ النصف الثاني من القرن الأول كان شر القرون!!
…والحديث يقول: لا يزال الدين عزيزًا فتذكر.
…وقد مرَّ معنا أن في الكافي أن عدد الأئمة: ((ثلاثة عشر))!!
…رابعًا: ما علاقة الوهابية ـ على فرض صحة هذه النسبة ـ بموضوع الاثني عشر إمامًا والخلاف مع الشيعة الإمامية مع كل الأمة الإسلامية من صدر الإسلام إلى اليوم ومن يسمى بالوهابية إنَّما ظهروا قبل قرابة مائتين أو ثلاثمائة سنة؟! أليست هذه مغالطة؟!!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…161) قلتم: (فلا شكَّ أنَّ المراد بأهل البيت هم الذين نزلت فيهم آية التطهير وهم: عليّ وفاطمة والحسن والحسين فلا يشمل غيرهم كما لا يشمل نساء النبي ( لِما صُرِّح بذلك في صحيح مسلم(494).(1/270)
…كما نقله الترمذي وغيره عن أم سلمة أنَّ النبي ( جلَّل الحسن والحسين وعليّ! وفاطمة كساء! ثمَّ قال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي وحامتي أذهب عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيرًا. فقالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: إنَّك على خير. هذا حديث حسن صحيح.
…وهو أحسن شيء في هذا الباب(495). رواه الحاكم قائلاً: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يُخرجاه(496).
…وهكذا رواه أحمد والطبراني والسيوطي! عن أم سلمة أنَّها قالت: "فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال: إنَّك على خير)(497).
…فمن يقول بدخولهن فيهم فقد أراد أن يجذب الكساء من يد النبي ( فيدخل نساءه تحته).
…قلت الجواب من عدة أوجه:
…أولاً: آية التطهير وحديث الكساء من أهم الأدلة التي يعتمدها الإمامية ولا بد من وقفة مع الآية والحديث.
…ثانيًا: الذي يطلع على استدلالات الإمامية وحرصهم على أخذ الأحاديث من كتب السنَّة يعجب لهذا التناقض.
…مذهب يكفِّر أو يفسِّق أشخاصًا ثمَّ يعتمد عليهم في استدلالاته وهذا من أوضح الأدلة على بطلان هذا المذهب.
…قال ابن المطهر الحلي: (أقول: المحارب لعليّ كافر لقول النبي ( يا عليّ: حربك حربي ولا شكَّ في كفر من حارب النبي (.
…وأمَّا مخالفوه في الإمامة فقد اختلف قول علمائنا فمنهم من حكم بكفرهم لأنَّهم دفعوا ما علم ثبوته من الدين ضرورة وهو النص الجلي الدال على إمامته مع تواتره وذهب آخرون إلى أنَّهم فسقة وهو الأقوى..)(498).
…قارن بين دعوى أنَّ الإمامة (عُلم ثبوتها من الدين ضرورة وهو النص الجلي) وبين قول الخميني: (ولو أنَّ النبي بلَّغ بأمر الإمامة كما أمر به الله..) ترى التناقض العجيب.
…ثالثًا: قال تعالى: (إنَّما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا)(499).
…نقف مع هذه الآية وقفات:
…الأولى: هذه الآية جزء من آية وردت في سياق سبع آيات كلها في نساء النبي (.(1/271)
…أولها: (يا أيُّها النبي قل لأزواجك..) واستمر السياق يخاطب زوجات النبي ( إلى أن قال تعالى: (وقرنَ في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنَّما يريد الله ليُذهِب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا.واذكرن ما يُتلى في بيوتكن..)
[سورة الأحزاب(28-34)].
…كيف يقتطع جزء من آية تخاطب زوجات النبي ( والآية ضمن آيات تخاطبهن ويزعم أنَّها لا تخاطبهن؟!
…إنَّه لا يوجد لغوي واحد ادّعى هذه الدعوى.
…الثانية: هل ما ذكر ( من إذهاب الرجس وإيقاع التطهير واقع قدرًا أو مطلوب شرعًا؟
…إنَّ هذا يقودنا إلى معرفة معنى الإرادة في كتاب الله (.
…فهل كل ما قال فيه تعالى إنَّه أراده أو يريده واقع لا محالة؟
…عند النظر في كتاب الله تعالى والتأمل في هذه الكلمة نجد أنَّها وردت بمعنيين:
…المعنى الأول: التشريع والأمر والحب للشيء الذي تعلقت به الإرادة أي إنَّ الله ( يريد من العبد أن يفعل ومن ذلك قوله تعالى: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون)(500).
…وقال تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)(501).
…قال قتادة: (فأريدوا لأنفسكم الذي أراد الله لكم).
…وقال تعالى: (والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيمًا)(502).
…فهذه الإرادة بمعنى: المحبة والأمر أي إنَّ الله يحب لكم ذلك فافعلوه او افعلوا أسبابه.
…ومن هذا القسم قوله تعالى: (إنَّما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس..)(503) أي إنَّما شرع لكم هذا التشريع لتعملوا به ليُذهب عنكم الرجس ويطهركم الله ( به.
…المعنى الثاني: أنَّ ما تعلقت به الإرادة فهو واقع لا محالة فهي متعلقة بفعل الرب ( فقط.
…قال تعالى: (إنَّما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون)(504).
…وقال تعالى: (فمن يرد أن يهديه يشرح صدره للإسلام..)(505).(1/272)
…وقوله تعالى: (إنَّ الله يفعل ما يريد)(506).
…فالإرادة هنا من فعله ( ومتعلقها كائن لا محالة.
…قال الشاطبي رحمه الله: (..الإرادة جاءت في الشريعة على معنيين:
أحدهما: الإرادة القدرية المتعلقة بكل مراد، فما أراد الله كونه كان وما أرد ألا يكون فلا سبيل إلى كونه.
…والثاني: الإرادة الأمرية المتعلقة بطلب إيقاع المأمور وعدم إيقاع المنهي عنه ومعنى هذه الإرادة أنَّه يحب فعل ما أمر به ويرضاه..) ثمَّ أورد الآيات الدالة على الإرادتين..
…ثمَّ قال: (ولأجل عدم التنبه للفرق بين الإرادتين وقع الغلط في المسألة)(507).
…الوقفة الثالثة:
…إذا زعمت الشيعة أنَّ "يريد" في آية: "التطهير" قد وقع مرادها سألناهم:
…هل قوله تعالى: "يريد" وقع في هذه الآية أم في كل آية؟!
…فإن قالوا: في هذه الآية فقط سألناهم: ما هو الدليل على ما تقولون؟ فليس هناك دليل على قصر هذه الدلالة على الكلمة في مكان ونفيها عنها في مكان آخر.
…ثمَّ نقول قال تعالى خطابًا للصحابة (: (يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم ( والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيمًا)(508).
…وقال تعالى: (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلَّكم تشكرون)(509).
…فهذه الآيات فيها خطاب للصحابة ( أنَّ الله ( أخبرهم أنَّه يريد: "أن يتوب عليكم"، وأنَّه: "يريد ليطهركم".
…فما الفرق بين هذه الإرادة هنا والإرادة في قوله تعالى: (إنَّما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس..)؟
…فإن كانت هنا قد وقعت فهي قد وقعت للصحابة،وإن لم تقع هناك فهي لم تقع هنا.
…الوقفة الرابعة: عقيدة الشيعة في أفعال العباد هي عقيدة المعتزلة، وهي أنَّ الله ( لا يستطيع أن يهدي ضالاً ولا يضل مهتديًا لأنَّهم زعموا أنَّ المقدور الواحد لا يتعلق به قدرتان.(1/273)
…فكيف يزعمون هنا أنَّ الله ( يمنعهم الوقوع في الفعل الذي يدخل تحت قدرتهم؟
…قال الشيخ محمد بن الحسن الطوسي الإمامي في كتابه "الاقتصاد في الاعتقاد" بعد كلام طويل في تقرير نفي القدر على مذهب المعتزلة: (وإنَّما قلنا: إنَّ ما هو مقدور لنا لا يجوز أن يكون مقدورًا له _أي الله (_ لأنَّ ذلك يؤدي إلى كونه موجودًا معدومًا.
…لأنَّا لو فرضنا الواحد منَّا دعته الدواعي إلى إيجاده وجب حدوثه من جهته وإذا لم يرده الله تعالى يجب أن لا يوجد.
…فاجتمع في فعل واحد وجوب حدوثه ووجوب انتفائه وذلك محال فوجب بطلانه على كل حال).(510)
…فهنا نفى أن يكون المقدور لنا ممَّا يقدر الله ( عليه.
…ونحن نَقدِر أن نطيع وأن نعصي.
…والرجس هو من المعصية التي هي في قدرتنا.
…فكيف يعتقدون أنَّ الله ( لا يقدر على أفعالنا ثمَّ يقولون: إنَّه يقدر أن يمنعنا من أفعالنا؟
…فهنا إمَّا أن يقولوا بقول أهل السنَّة وهو: أنَّ الله ( على كل شيء قدير وأنَّه سبحانه هو الذي يعين الطائع ويوفقه ويترك العاصي ولا يعينه ليستقيم لهم الاستدلال وإمَّا أن ينفوا التطهير!!
…ولمًَّا كان سبحانه على كل شيء قديرًا قال سبحانه قولوا: (إياَّك نعبد وإيَّاك نستعين) فأمرنا أن نستعين به ليعيننا على الفعل ولو لم يكن الفعل تحت قدرته فكيف يعيننا على فعله أو يوفقنا على تركه؟!
الوقفة الخامسة: تفسير الآية باللغة:
1- قال الزجاج [311هـ]: (وقيل: إنَّ أهل البيت ههنا نساء النبي (. وقيل: النبي والرجال الذين هم آله.
واللغة تدل على أنَّه للنساء والرجال جميعًا لقوله: "عنكم" و"يطهركم" ولو كان للنساء لم يجز إلاَّ عنكن ويطهركن..).(511)
2- وقال الثعالبي [429هـ]: (والذي يظهر لي أنَّ أهل البيت: أزواجه وبنته وبنوها! وزوجها أعني عليًّا ولفظ الآية يقتضي أنَّ الزوجات من أهل البيت لأنَّ الآية فيهن والمخاطبة لهن).(512)
3- وهكذا قال النسفي [537].(513)(1/274)
4- وقال الزمخشري [538هـ]: (ثمَّ بيَّن أنَّه إنَّما نهاهن وأمرهن ووعظهن لئلا يُقارف أهل بيت رسول الله ( المآثم وليتصونوا عنها بالتقوى..وفي هذا دليل على أنَّ نساء النبي ( من أهل بيته).(514)
5- وقال ابن الجوزي [597هـ] بعد أن ذكر القول الأول في معنى الآية وأنَّه: نساء النبي (: (ويؤكد هذا القول أنَّ ما قبله وما بعده متعلق بأزواج رسول الله ( وعلى أرباب هذا القول اعتراض وهو: أنَّ جمع المؤنث بالنون فكيف قيل: "عنكم" و"يطهركم"؟ فالجواب: أنَّ رسول الله ( فيها).(515)
6- وقال الرازي [606هـ]: (ثمَّ إنَّ الله تعالى ترك خطاب المؤنثات وخاطب بخطاب المذكرين لقوله: (ليُذهب عنكم الرجس) ليدخل فيه نساء أهل بيته ورجالهم واختلفت الأقوال في أهل البيت والأَولى أن يُقال: هم أولاده وأزواجه والحسن والحسين منهم وعليّ منهم..).(516)
7- وقال البيضاوي [685هـ] بعد أن ذكر مذهب الشيعة: (والاحتجاج بذلك على عصمتهم وكون إجماعهم حجة: "ضعيف" لأنَّ التخصيص بهم لا يُناسب ما قبل الآية وما بعدها..).(517)
8- وقال أبو السعود [982]: (وهذه بينة وحجة نيِّرة على كون نساء النبي ( من أهل بيته..).(518)
9- وقال ابن عاشور [معاصر]: (أهل البيت) أزواج النبي ( والخطاب موجه إليهن وكذلك ما قبله وما بعده لا يخالط أحدًا شك..
وقد تلقف الشيعة حديث الكساء فغصبوا وصف أهل البيت وقصَّروه على فاطمة وزوجها وابنيها عليهم الرضوان وزعموا أنَّ أزواج النبي ( لسن من أهل البيت.
…وهذه مصادمة للقرآن بجعل هذه الآية حشوًا بين ما خوطب به أزواج النبي ( وليس في لفظ حديث الكساء ما يقتضي قصر هذا الوصف على أهل الكساء إذ ليس في قوله: (هؤلاء أهل بيتي) صيغة قصر وهو كقوله تعالى (عن إبراهيم أنَّه قال): (إنَّ هؤلاء ضيفي) [الحجر آية(68)] ليس معناه ليس لي ضيف غيرهم.
…وهو يقتضي أن تكون الآية مبتورة عمَّا قبلها وما بعدها).(519)(1/275)
…هذه هي دلالة الآيات سياق واحد له ابتداء وله انتهاء يخاطب زوجات النبي ( يعمد أهل الأهواء لإفساد معناها وقطع جملة من ألفاظها عن سياقها بسبب فهم ولَّده روايات ضعيفة.
…الحمد لله على نعمة الهداية.
…وأمَّا "حديث الكساء" فنقف معه وقفات:
أولاً: الأسانيد والطرق:
…ورد له سندان:
…الأول: عن عائشة رضي الله عنها وهو الحديث الوحيد الصحيح في مسألة الكساء فقد رواه مسلم بسنده: (عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج رسول الله ( غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن بن عليّ فأدخله ثمَّ جاء الحسين فأدخله ثمَّ جاءت فاطمة فأدخلها معه ثمَّ جاء عليّ فأدخله ثمَّ قال: (إنَّما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا).(520)
…الثاني: عن أم سَلَمة رضي الله عنها وورد عنها من عدة طرق:
…الأولى: رواية الترمذي روى بسنده إلى عمرو بن أبي سلمة ربيب النبي ( قال: (لما نزلت هذه الآية على النبي (: (إنَّما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا) في بيت أم سَلَمة فدعا فاطمة وحسنًا وحُسينًا فجللهم بكساء وعليّ خلف ظهره فجلله بكساء ثمَّ قال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا.
…قالت أم سَلَمة: وأنا معهم يا نبي الله؟ قال: أنتِ على مكانك وأنت على خير).(521)
…الثانية: عن عطاء عن عمر بن أبي سلمة.. به رواه الترمذي كذلك.(522)
…الثالثة: عن شهر بن حوشب عن أم سلمة..نحوه بدون الآية ولا تفصيل كيفية التجليل.(523)
…الرابعة: عن عطاء بن أبي رباح حدثني من سمع أم سلمة..رواه أحمد بلفظ أطول.(524)
…الخامسة: عن عطاء بن يسار وفيه: (فقلت : يا رسول الله أما أنا من أهل البيت؟ قال: بلى إن شاء الله) رواه البيهقي.(1/276)
…قال البيهقي: هذا حديث صحيح سنده ثقات رواته وقد روي في شواهده ثمَّ في معارضته أحاديث لا يثبت مثلها وفي كتاب الله البيان لما قصدناه في إطلاق النبي: الآل ومراده من ذلك أزواجه أو هن داخلات فيه.(525)
…ثانيًا: دراسة الطرق:
…الطريق الأولى: فيها: "محمد بن سليمان الأصبهاني" قال النسائي: (ضعيف). وقال أبو حاتم: (لا يحتج به). وقال ابن عدي: (مضطرب الحديث قليل الحديث ومقدار ماله قد أخطأ في غير شيء منه). وقال النسائي: (ضعيف)(526).
…وذكره ابن حبان في الثقات مجردًا من التوثيق والتجريح.(527)
…الطريق الثانية: كذلك فيها نفس الراوي: "محمد بن سليمان الأصبهاني".
…الطريق الثالثة: فيها: "شهر بن حوشب" قال ابن عون: (نزكوه) أي طعنوا فيه. وقال موسى بن هارون: (ضعيف). وقال النسائي: (ليس بالقوي).
وقال الساجي: (ضعيف). وقال ابن عدي: (وعامة ما يرويه شهر بن حوشب من الحديث فيه من الإنكار ما فيه، وشهر ليس بالقوي في الحديث وهو ممَّن لا يحتج بحديثه ولا يتدين به).(528)
…وهناك من وثَّقه لكن الراجح أنَّه: ضعيف.
…ولم يُخرج له مسلم في صحيحه إلاَّ مقرونًا بغيره أي لم يقبل روايته إذا انفرد.
…الطريق الرابعة: فيها راوٍ مجهول وهو الذي روى عنه عطاء فرواية عطاء هنا مرسلة.
…قال أحمد بن حنبل: (وليس في المرسلات شيء أضعف من مرسلات الحسن وعطاء بن أبي رباح فإنَّهما كانا يأخذان عن كل أحد)
…وقال ابن المديني: (كان عطاء يأخذ عن كل ضرب).(529)
…الطريق الخامسة: ذكر البيهقي أنَّها صحيحة وأنَّ سندها ثقات.
…في سنده من لم أجد له ترجمة وبعضهم لم أعرفه من بين أسماء متشابهة والبيهقي إمام محدث.
…ثالثًا: دراسة المتون:
أ) أصح الأحاديث هو حديث عائشة رضي الله عنها.
ولنا هنا وقفات:
…أولاً: أنَّه لم يصح في هذه المسألة مسألة آية التطهير غيره ـ إلاَّ إذا صحت رواية البيهقي ـ.(1/277)
…ثانيًا: ليس فيه إلاَّ إدخال النبي ( من ذكر تحت الكساء وقراءة الآية وليس في هذا غير أنَّ هؤلاء من أهل البيت لا حَصرَ أهل البيت فيهم لأنَّ الآية كلها في نسائه ( فلو لم يقل ذلك لما فهم دخولهم في معناها.
…وعند إيرادكم حديث مسلم أوهمتم القارئ أنَّ لفظ مسلم يخرج النساء من معنى الآية وأقل ما يوصف به لفظك أنَّه فيه: "تورية" فقد قلت: (..كما لا يشمل نساء النبي ( لما صرح بذلك في صحيح مسلم).
…قلت: فأين في صحيح مسلم التصريح بذلك؟!
…فليس في صحيح مسلم غير إدخال الأربعة تحت الكساء وقراءة الآية فأين صرح بعدم دخول نسائه؟! أليس هذا الكلام غير مطابق للفظ مسلم؟!
…ثالثًا: هذه الرواية تدل على أنَّ الصحابة ( وأمَّهات المؤمنين لا يعادي بعضهم بعضًا، وإن وقع بينهم قتال فهاهي عائشة رضي الله عنها تروي فضائل آل البيت ممَّا يؤكد أنَّه لم يكن بينهم ما يزعمه الشيعة.
…رابعًا: لم يفهم الصحابة من هذه الآية والحديث إمامة ولا عصمة وإلاَّ لبايعوا عليًّا ولما قاتله من قاتله بعد ذلك، ثمَّ لأنكر على من يقاتله بالآية والحديث.
…خامسًا: رواية أهل السنَّة من عهد التابعين إلى عصر التصنيف وإخراج أهل السنَّة للحديث في مصنفاتهم دليل العدل والحب لآل البيت.
…سادسًا: عدلت الشيعة عن الاستدلال بهذا الحديث الصحيح إلى حديث ضعيف لعدم وجود لفظ يخرج أمَّهات المؤمنين من أهل البيت ولنفرتهم أو بغضهم لعائشة رضي الله عنها.
ب) حديث أم سَلَمة عند الترمذي:
مرَّ معنا أنَّ حديث أم سَلَمة ضعيف ولكن لا بأس بتحليل ألفاظه لنرى ماذا تدل عليه:
متن الحديث: اللفظ الأول:
1- الجملة الأولى: (لمَّا نزلت هذه الآية: (إنَّما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا) في بيت أم سَلَمة.
وهنا دلالات منها:(1/278)
أ) الحديث يقرر أنَّ الآية نزلت قبل دعاء النبي (، فلو كانت الآية تخبر عن حصول ارتفاع الرجس والتطهير فكيف يدعو النبي ( بعد أن أخبره الله ( ـ حسب زعمكم فيقول: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا) ـ؟!
فلو كانت الآية تقرر وقوع التطهير لكان المقابل أن يقول النبي (: الحمد لله الذي طهركم فلمَّا دعا عرف أنَّ المراد أنَّ الله ( يريد ذلك تشريعًا لا تكوينًا.
ب) أو نقول: إنَّ الآية دلَّت على حدوث التطهير للنساء كما أخبرت الآية وأراد النبي ( أن يُدخل معهن بقية أهله أو فعل ذلك ليدل على شمولهم لمعنى الآية_حسب فَهْم من فَهِم ذلك_.
2- في الجملة الثانية: (فدعا فاطمة وحسنًا وحُسينًا فجللهم بكساء وعليّ خلف ظهره فجلله بكساء).
وهنا دلالات:
أ) أنَّ النبي ( لم يُدخل عليًّا مع الباقين تحت كساء واحد بل جعل له كساءً وحده.
ب) أنَّ عليًّا كان خلف ظهره.
وهذان الأمران يدلان أنَّ عليًّا ( ليس مشمولاً بقوله: (اللهم أهل بيتي) لأنَّه ليس معهم ثمَّ هو في الخلف والإشارة: "بهؤلاء" تشمل من هم أمامه ( ولا تشمل من خلفه.
وبهذا يكون علي ( ليس من أهل البيت ولا مشمولاً بالدعاء على حسب ألفاظ الحديث ـ ونحن لا نقول بذلك ـ لكن لفظ الحديث الذي اختارته الشيعة لإخراج أمَّهات المؤمنين من أهل البيت رجع عليهم بنقيض مقصودهم.
3- الجملة الثالثة: (قالت أم سَلَمة: وأنا معهم يا نبي الله؟ قال: أنت على مكانك وأنت على خير).
ليس فيه نفي أن تكون من أهل البيت بل قوله: (أنت على مكانك) أي الذي أخبر الله ( به وهو دخولها في معنى الآية أصلاً.
وحسب اللفظ الثاني لحديث أم سَلَمة ليس فيه إلاَّ تجليلهم بكساء جميعًا وقوله: (اللهم هؤلاء أهل بيتي..) والدعاء لهم وقوله لأم سَلَمة: (إنَّك على خير).
ج) حديث أم سَلَمة عند البيهقي:(1/279)
ذكر البيهقي أنَّ في أحد ألفاظ الحديث أنَّ النبي ( أجابها عندما سألته بقولها: (أما أنا من أهل البيت؟) قال: (بلى إن شاء الله).
…وصححه البيهقي، وضعَّف كل ما عارضه.
…وبهذا العرض المفصل لمعنى الآية والحديث يتبين بطلان ما تمسك به الشيعة من الآية والحديث.
…والله الهادي إلى سواء السبيل.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…162) أوردتم حديث أم سَلَمة: (فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال: "إنَّك على خير").
…الجواب من وجوه:
…أولاً: هذا الحديث في سنده:"شهر بن حوشب"وقد مرَّ معنا أنَّه:"ضعيف".
…وفيه: "علي بن زيد" بن جدعان قال فيه ابن سعد: (وفيه ضعف لا يحتج به) وورد مثل ذلك عن أحمد ويحيى بن معين.
…وقال النسائي: (ضعيف) وفيه غير ذلك وبعضهم قال: صدوق والراجح عدم الاحتجاج به لكثرة من ضعَّفه وكلمة "صدوق" ليست توثيقًا وإنَّما إشارة إلى أنَّه لا يتعمد الخطأ وأمَّا الضبط فهو أمر آخر.
…ثانيًا: ورد في هذا الحديث ألفاظ متضاربة.
…عند الترمذي: (قالت أم سَلَمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: أنت على مكانك أنت على خير) ونحوه عند أحمد في موضعين من مسنده.
…وعند الترمذي الرواية الثانية: (أنت على خير).
…ولم يذكر فيها أنَّها دخلت معهم أو جذب الكساء فكيف تجزم برواية خالفتها كل الروايات لتعارض القرآن ذا الدلالة القاطعة بمثل هذه الروايات التي لا يجوز التدين بمثلها؟!
…وهل يجوز تقييد مطلق القرآن بأحاديث ضعيفة بل إفساد معناه؟!
…أنتم تزعمون أنَّكم لا تقبلون أحاديث الآحاد الصحيحة لإثبات قضايا عقدية ثمَّ نراكم تعمدون إلى روايات آحاد ضعيفة لتأويل القرآن!!
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…163) قلتم: (وهكذا حديث: (عليّ مع الحق والحق مع عليّ) رواه الهيثمي عن أبي سعيد الخدري قائلاً: ورجاله: ثقات.(530)
…وروى أيضًا عن سعد بن أبي وقاص وأم سَلَمة ثمَّ قال: رواه البزَّار وفيه: سعد بن شعيب ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح.(1/280)
…وروى الخطيب عن أبي ثابت مولى أبي ذر. روى أبو جعفر الأسكافي عن عمار بن ياسر. روى ابن كثير عن أبي سعيد وأم سَلمَة.
…الجواب من وجوه:
…أولاً: أوردت لفظًا ثمَّ أشرت إلى أنَّه هكذا أورده الهيثمي وليس كذلك فالهيثمي أورد لفظين الأول: (الحق مع ذا الحق مع ذا)، والثاني: (عليّ مع الحق أو الحق مع عليّ) وأنت ذكرت الثاني بدل الأول ثمَّ أشرت إلى الثاني تبعًا له مع أنَّ اللفظ مختلف_وسيأتي بيان المراد_.
…ثانيًا: (حديث عليّ مع الحق..) ذكر الهيثمي أنَّ فيه سعد بن شعيب وهذا الراوي لا يوجد في جميع كتب الرجال المعتمدة ممَّا يدل على جهالته.
…ثالثًا: أمَّا حديث: (الحق مع ذا..) فالظاهر أنَّ ذلك ليس من كلام النبي ( وإنَّما هو من كلام أبي سعيد الخدري أي أنَّ الراوي كان يحدث أنَّ أبا سعيد الخدري روى عن النبي ( أنَّه قال: (ألا أخبركم بخياركم؟) قالوا: بلى. قال: (خياركم الموفون الطيبون، إنَّ الله يحب الخفي التقي).
…قال_أي الراوي عن أبي سعيد عندما مرَّ عليّ بن أبي طالب من أمامه_: (الحق مع ذا الحق مع ذا).
…وهذا يُسمَّى عند العلماء بالإدراج وهذا ليس فيه إشكال فنحن نعتقد أنَّ الحق معه أثناء خلافه مع معاوية.
…فقد أورده السيوطي في جامع الأحاديث والمراسيل بدون الجملة الأخيرة.(531) ممَّا يؤكد أنَّها مدرجة.
…رابعًا: قول الهيثمي: (رجاله ثقات) مردود فإنَّ رجاله غير ثقات ففي سنده: "صدقة بن الربيع الزرقي" مجهول العين والحال.(532)
…وفيه: "أبو سعيد مولى بني هاشم" لم أجد له ترجمة في كتب الرجال فأين وصفه رحمه الله بأنَّ رجاله ثقات؟!
…خامسًا: أمَّا روايات كتب التواريخ فقد ذكر غير مرة أنَّها غير موثوقة ما لم تُذكر بأسانيدها لينظر في مخرجها.(1/281)
…وأمَّا ابن كثير فيروي عن مؤلفات سابقة فينظر فيها ويعزى إليها لا إلى ابن كثير لأنَّه يذكر من رواه من المصادر القديمة فإنَّ ابن كثير عاش في القرن الثامن وقد انقطع الإسناد وإنَّما ينقل من غيره.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…164) قلتم: (روى الحاكم عن علي ( قال: قال رسول الله (: (رحم الله عليًّا اللهم أدر الحق معه حيث دار) ثمَّ قال: (هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يُخرجاه.(533)
قلت: الحديث في سنده: "المختار بن نافع" قال البخاي والنسائي وأبو حاتم: (منكر الحديث).
…وقال ابن حبان: (كان يأتي بالمناكير عن المشاهير حتَّى يسبق إلى القلب أنَّه كان المتعمد لذلك).(534)
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…165) قلتم: (وقال الفخر الرازي: من اقتدى في دينه بعليّ بن أبي طالب فقد اهتدى لقول النبي (: (اللهم أدر الحق مع عليّ حيث دار).(535)
…الجواب من وجوه:
…أولاً: إنَّ عليًّا ( برٌ راشد من خيار الصحابة وعظمائها لِما ورد في حقه من الأحاديث الصحيحة الكثيرة.
…ثانيًا: هذا الحديث كما رأينا لا يصح نسبته إلى النبي( لعدم صحة سنده.
…ثالثًا: الرازي ليس من المحدثين ولا له باع في الحديث ولهذا فلا يُعتمَد عليه في إثبات أو نفي الروايات رحمه الله.
…رابعًا: إن كان مراد الرازي أن يُقتدَى بعليّ ( في الإيمان وأعمال البر التي كان يعملها ( فهذا حق وهو ثابت له ولغيره من علماء الصحابة (.
…وإن كان المراد أن نقتدي به كما نقتدي بالنبي( في كل عمل يعمله وأن نعتقد عصمته من الخطأ فهذا مردود فليس ذلك لأحد من البشر إلاَّ لرسول الله(.
…قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا).
…فلا يجوز أن ينزل أحد من البشر منزلة الرسول ( وليس أحد من الصحابة قد أحاط بالدين كله فلا يؤخذ إلاَّ عنه ولكننا نأخذ عنهم جميعًا (.
ــــــــــــــــــــــــــــــ(1/282)
…166) قلتم: (روى الحاكم عن أم سَلَمة قالت: سمعت رسول الله ( يقول: (عليّ مع القرآن والقرآن معه لا يفترقان حتَّى يرِدا عَلَيَّ الحوض) ثمَّ قال: هذا حديث صحيح الإسناد: وأبو سعيد التيمي هو: "عقيصا" ثقة مأمون ولم يُخرجاه.(536)
…الجواب :
…الحديث في سنده: "أبو ثابت مولى أبي ذر" ليس له ذكر في كتب الرجال.
…وفيه: "أبو سعيد التيمي" قال الذهبي: (يُقال اسمه: دينار شيعي تركه الدارقطني وقال الجوزجاني: (غير ثقة). وقال ابن معين: (رُشيد الهجري) سيء المذهب و"عقيصا" شر منه).(537)
…وفيه: "هاشم بن البريد" قال الذهبي: (وثَّقه ابن معين وغيره إلاَّ أنَّه كان يترفض).(538)
…وفيه ابنه: "علي بن هاشم" قال الذهبي: (وثَّقه ابن معين وغيره. وقال أبو داود: ثبت كان يتشيع. وقال البخاري: كان هو وأبوه غاليين في مذهبهما. وقال ابن حبان: غالٍ في التشيع روى المناكير عن المشاهير).
…قال الذهبي: (قلت: ولغلوِّه ترك البخاري إخراج حديثه فإنَّه يتجنب الرافضة كثيرًا كأنَّه يخاف من تدينهم بالتقية).
…وقال ابن نُمير: (كان مفرطًا في التشيع منكر الحديث).(539)
…فالحديث بهذا لا يصح والحاكم كما هو معروف يتشيع ويتسامح في التصحيح وخاصة ما فيه تقوية للمذهب كما تقدَّم معنا نماذج من ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
…167) قلتم: (وأرجو من سماحتكم أن تنظر بعين الإنصاف إلى كلام ابن تيمية حول هذه الرواية حيث قال ردًا على العلاَّمة: (عليّ مع الحق والحق مع عليّ يدور حيث دار ولن يفترقا حتَّى يرِدا عليّ الحوض) من أعظم الكلام كذبًا وجهلاً فإنَّ هذا الحديث لم يروه أحد عن النبي ( لا بإسناد صحيح ولا ضعيف.
…فتعرف بعدما ذكرناه قيمة كلام ابن تيمية إلاَّ أن يُقال بأنَّ عليّ بن أبي طالب ( وعائشة وأم سَلَمة وسعد بن أبي وقاص لم يكونوا من الصحابة والهيثمي والحاكم وابن كثير والرازي ليسوا من العلماء).
…قلت: الجواب من وجوه:(1/283)
…أولاً: دع ابن تيمية الآن ولنتأمَّل ما ورد في الحديث من معانٍ قبل أن نذكِّر بما تقدَّم من سنده.
…في الحديث أربع مسائل:
…الأولى: أنَّ عليًّا ( مع الحق في كل حركة وسكنة ولا يوجد في عمله خطأ لا في حياة النبي ( ولا بعدها.
…وهذا مُخالف للحقيقة فإنَّ عليًّا بشر كغيره من البشر يخطئ ويصيب وإن كان ( من أقل الناس خطأً كإخوانه عظماء الصحابة.
…وفيما يلي إشارة إلى تقرير هذه الحقيقة:
أ) فأمَّا في حياة النبي ( فقد صحَّ عنه عدة أعمال عتب فيها النبي ( عليه ( منها:
1- عندما همَّ بالزواج على فاطمة رضي الله عنها فغضب النبي ( من ذلك الفعل حتَّى خطب ومن كلامه (: (فإنَّما فاطمة بضعة منِّي يُريبني ما رابها ويُؤذيني ما آذاها)(540) وهذا دليل على أنَّ الحق لم يكن معه عندما ما خطب (.
2- عندما طرقه النبي ( وفاطمة ليلاً فقال: (ألا تصلِّيان؟) فقال له عليّ: إنَّما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا. فانطلق النبي ( وهو يضرب فخذه ويقول: (وكان الإنسان أكثر شيئًا جدلاً).(541)
3- وفي صلح الحديبية عندما امتنع "سُهيل بن عمرو" أن يكتب كلمة: "النبي (" في وثيقة الصلح: "هذا ما صالح عليه محمد رسول الله" وطلب أن يكتب: "هذا ما صالح عليه: (محمد بن عبدالله) وقد كان الكاتب علي بن أبي طالب وقد كتب الأولى.
قال الراوي البراء بن عازب: (فأمر ـ أي النبي ( ـ عليًّا أن يمحاها فقال عليّ: لا والله لا أمحاها. فقال رسول الله (: "أرني مكانها" فأراه مكانها فمحاها)(542) فلم يكن الحق مع عليّ عندما امتنع عن تنفيذ أمر النبي (.
هذه بعض النماذج ممَّا أُخذت على عليّ في حياة النبي (.
…وليست هذه بالتي تنقص من مكانته ( فإنَّ الكمال البشري ليس في عدم الخطأ وإنَّما في قلة الخطأ أمَّا عدم الخطأ فهذا من خصائص الخالق وحده (.
…ولكن العظماء تكون أخطاؤهم قليلة وإذا كان سادة العظماء الذين هم الأنبياء لا يكاد يوجد نبي لم يُعاتبه الله ( فكيف بغيرهم؟!(1/284)
ب) اعترافه هو ( بخطئه وعدم عصمته:
فقد ورد في "نهج البلاغة" ـ إن صح ما فيه ـ ما يلي:
1- قال عليّ (: (فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل فإنِّي لست في نفسي بفوق أن أخطئ ولا آمن ذلك من فعلي إلاَّ أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به منِّي).(543)
2- وقال فيه كذلك: (اللهم اغفر لي ما تقربت به إليك بلساني ثمَّ خالفه قلبي، اللهم اغفر لي رمزات الألحاظ، وسقطات الألفاظ، وشهوات الجنان، وهفوات اللسان).(544)
ففي هذه النصوص أنَّ عليًّا ( يعترف أنَّه يخطئ ولا يضمن صحة فعله إلاَّ أن يشاء الله ذلك، ولو كان قد تقرَّر عنده العصمة لَما خاف ولَما اعترف بإمكان الخطأ ولصرَّح للناس بعصمته حتَّى يثقوا فيه ولا يجادلوه أو يعارضوه خاصة وهو يحتاج إلى طاعة الأتباع في وقت الفتنة.
ثمَّ يطلب من الله ( أن يغفر له ما قد يقع منه من إشارة بعين خاطئة، أو لفظ خرج عن الصواب، وذلك اعتراف بعدم عصمته ـ وإن كنَّا نعتقد أنَّه قال ذلك ( تواضعًا لكنَّه اعترف بإمكان ذلك ـ.
فكيف إذن يُقال: إنَّ الحق معه وهو مع الحق فلا خطأ ولا نسيان.
أليس هذا كلامًا مجانبًا للحقيقة؟!
…المسألة الثانية: أنَّ الحق مع عليّ وحده دون بقية البشر فأصبح الشخص هو مقياس الحق لا أنَّ الحق هو المقياس وهذا كلام كما رأينا مجانب للصواب فليس الحق مع شخص مطلقًا إلاَّ الأنبياء وما عداهم فهم بشر يخطئون ويصيبون ولا يجوز لمسلم أن يعتقد في بشر هذا الاعتقاد ولهذا لم نُؤمر بأن نتَّخذ أحدًا أسوة إلاَّ النبي ( كما قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ولم يقل: (وفي عليّ) ولا في غيره من البشر.(1/285)
…وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول..) [سورة النساء(59)] فأمر بطاعة الله ( استقلالاً وبطاعة رسوله ( استقلالاً ولم يفرد: "أولي الأمر" بطاعة مستقلة فعلم أنَّهم يطاعون تبعًا لطاعة الله ( وطاعة رسوله ( فإن أمروا بمعصية فلا طاعة.
…ثمَّ ذكر احتمال حدوث النزاع ومن كان معصومًا لا ينازع وهذا دليل أنَّ: "أولي الأمر" من آحاد الأمة.
…المسألة الثالثة: قوله: (ولن يفترقا حتَّى يردا على الحوض) كلام عجيب فالحق غير الشخص والحق لا يموت والشخص يموت فهل إذا مات الشخص مات الحق معه لا يفارقه؟ إنَّ هذا كلام من أعجب الكلام.
…الحق وصف للفعل ولا يوصف به الشخص فلا يُقال: "فلان الحق" وإنَّما يُقال: "فعل فلان حق" أو الحق وإذا مات الإنسان انقطع الفعل ولم يعد لدعوى مرافقة الحق له معنى فكيف يُقال لن يفترقا وليس في القبر عمل؟!
…المسألة الرابعة: ها هو عليّ مات والحق مات معه فكيف حال الأئمة من بعده؟!
…هل معهم حق آخر غير الذي مع عليّ أم أنَّ الحق رفض أنَّ يغادر مع عليّ ليبقى مع الأئمة؟!
…وبهذا يتبين أنَّ هذا الكلام ليس من كلام النبوة ولا يصح نسبته إلى سيد البشر ( لبطلان معناه.
…ثانيًا: قول ابن تيمية:
…أورد ابن تيمية قول ابن المطهر ثمَّ رد عليه، وفيما يلي إيراد كلاميهما.
قال ابن المطهر: (ولما ذكرت فاطمة أنَّ أباها صلّى الله تعالى عليه وسلم وهبها فدك قال [لها]: هات أسود أو أحمر يشهد لك بذلك، فجاءت بأم أيمن، فشهدت لها بذلك فقال: امرأة لا يقبل قولها. وقد رووا جميعًا أنَّ رسول الله ( قال: أم أيمن امرأة من أهل الجنَّة فجاء أمير المؤمنين فشهد لها بذلك، فقال: هذا بعلك يجرُّه إلى نفسه ولا نحكم بشهادته لك، وقد رووا جميعًا أنَّ رسول الله ( قال: عليٌّ مع الحق، والحق معه يدور حيث دار لن يفترقا حتى يرِدا عليَّ الحوض).(1/286)
…قال ابن تيمية: (قوله: إنَّهم رووا جميعًا أنَّ رسول الله ( قال: (عليٌّ مع الحق، والحق معه يدور حيث دار، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض) من أعظم الكلام كذبًا وجهلاً، فإنَّ هذا الحديث لم يروه أحد عن النبي (: لا بإسناد صحيح ولا ضعيف. فكيف يُقال: إنَّهم جميعًا رووا هذا الحديث؟ وهل يكون أكذب ممَّن يروى عن الصحابة والعلماء أنَّهم رووا حديثًا، والحديث لا يعرف عن واحد منهم أصلاً؟ بل هذا من أظهر الكذب. ولو قيل: رواه بعضهم، وكان يمكن صحته لكان ممكنًا، فكيف وهو كذب قطعًا على النبي (؟!
…بخلاف إخباره أن أم أيمن في الجنَّة، فهذا يمكن أنَّه قاله، فإنَّ أم أيمن امرأة صالحة من المهاجرات، فإخباره أنَّها في الجنَّة لا يُنكر، بخلاف قوله عن رجل من أصحابه أنَّه مع الحق [وأنَّ الحق] يدور معه حيثما دار لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض؛ فإنَّه كلام يُنزَّه عنه رسول الله (.
…أمَّا أولاً: فلأنَّ الحوض إنَّما يَرِده عليه أشخاص، كما قال للأنصار: "اصبروا حتى تلقوني على الحوض" وقال: "إنَّ حوضي لأبعد ما بين أيلة إلى عدن، وإنَّ أول الناس ورودًا فقراء المهاجرين الشعث رؤوسًا الدنس ثيابًا الذين لا ينكحون المتنعّمات ولا تفتح لهم أبواب السدد، يموت أحدهم وحاجته في صدره لا يجد لها قضاء" رواه مسلم وغيره.
…وأما الحق فليس من الأشخاص الذين يردون الحوض)(545).
…أمَّا كلام ابن تيمية فقد كان ردًا على دعوى ابن المطهر.
…ثالثًا: وقفات مع كلا الكلامين:
…الأولى: ألا ترى إلى كلام ابن المطهر وقد عزى هذا الحديث إلى جميع علماء المسلمين بقوله: (وقد رووا جميعًا) أي جميع علماء السنَّة أليس هذا كذبًا بينًا؟!
…فإنَّ هذا الحديث لم يورده إلاَّ كتاب واحد من كتب السنَّة أو كتابان ثمَّ أشار إليه أو نقله عنه بعض المؤرخين.(1/287)
…أيجوز أن يُقال: (وقد رووه جميعًا) هذه شهادة رجل وقف بنفسه على الرواية وهي شهادة زور!! فما هو حكمك على هذه الدعوى غير الصادقة؟!!
…الثانية: هذا الكلام أثار ابن تيمية وردَّ عليه بما يعتقده وهو: كذب الحديث وعدم جواز نسبته إلى رسول الله ( من خلال تحليل الألفاظ ودلالاتها والتي يستحيل أن تصدر من النبي (.
…فالنافي يقول لا يوجد في علمي من روى هذا الحديث وهو صادق فيما قال.
…أمَّا المثبت فيقول قد وقفت على أنَّ العلماء: "رووه جميعًا" والنقل الذي ادعاه غير موجود فأين وقف عليه من روايتهم جميعًا؟!
…الثالثة: نفى ابن تيمية وجود رواية صحيحة أو ضعيفة ولم ينفِ رواية موضوعة أو مكذوبة لأنَّه يراها مكذوبة فنفيه إذن صحيح فقد قال: (لم يروه أحد عن النبي ( لا بإسناد صحيح ولا ضعيف).
…الرابعة: ابن تيمية مشهود له بسعة حفظه للحديث حتَّى قال فيه أحد معاصريه وهو ابن الوردي: (كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث). وقال ابن دقيق العيد: (سائر العلوم بين عينيه يأخذ ما يشاء ويترك ما يشاء)(546).
…وقال ابن كثير: (أمَّا الحديث فكان حامل رايته حافظًا له مميزًا بين صحيحه وسقيمه عارفًا برجاله متضلعًا من ذلك)(547).
…فابن تيمية لشدة حفظه وثقته في حفظه قال ذلك.
…ولعلَّه قد تبين بهذا الجواب شيء من الجواب.
…ثانيًا: قلتم: (فتعرف بعد ما ذكرناه قيمة كلام ابن تيمية).
…قلتُ:
…أولاً: ابن تيمية رحمه الله بشر قد يُخطئ وقد يصيب ولا ندَّعي فيه العصمة ولكن الذي يظهر أنَّه رحمه الله أراد ما بينته سابقًا، ثمَّ هبه أخطأ في هذا الحكم فهذا لا ينقص من قيمته ومكانته.
…ثانيًا: أنت رأيت أنَّ كلام من سمَّيته بـ: "العلاَّمة" أشد خطأً وليس له تخريج أو توجيه يرفعه من وهدته ومع ذلك لا زلت تعتقد أنَّه: "علاَّمة".(1/288)
…ثالثًا: لو تتبعت كلام: "العلاَّمة؟!" في كتابه منهاج الكرامة لرأيت عشرات الدعاوى الكاذبة وعشرات الأحاديث الموضوعة وعشرات الإساءات الآثمة على عظماء الأمَّة ومع ذلك لا زلت تسمِّيه: "العلاَّمة" وإذا كان هذا علامة الشيعة فكيف بمن ليس علاَّمة؟!
…رابعًا: لماذا يستحي الشيعة من الاستدلال بما في كتبهم وهم يعمدون إلى روايات في كتب السنَّة التي يقرر جمهور علماء السنَّة والمحققون منهم أنَّها ضعيفة من خلال دراسة أسانيدها؟!
…فإنَّها لو كانت صحيحة عندهم لذهبوا إليها والصحيح عندهم لو كان يدل على معتقد الشيعة لذهبوا إليها.
…فأهل السنَّة يعرضون عنها لعلمهم بأنَّها كذب غُرِر بضعفاء الرواة لروايتها أو يرويها الكذابون أنفسهم ثمَّ يأتي الشيعة يبحثون عنها بين عشرات المصنفات غير المعتمدة ليُقووا بها عقائدهم.
…خامسًا: لماذا يعرض الشيعة عن عشرات ومئات الأحاديث الصحيحة في أمَّهات كتب السنَّة التي رويت بأصح الأسانيد ثمَّ ينطلقون إلى تلك الأحاديث الضعيفة؟!
…هذه تساؤلات تحتاج إلى وقفات!!
…تذييل:
…ثمَّ إنَّني قد ألحقت بالجواب السابق كلام الخميني لأعرف موقفك منه فلم تكتب شيئًا وكنت أريد أن أعرف موقفك من ذلك الكلام الخطير ـ وقد أوردته في ثنايا البحث حسب الحاجة ـ.
…ولعلّي هنا أضيف شيئًا آخر من كلامه الذي يُفهم منه أنَّ الله ( يستخدم التقية.
…قال الخميني في صفحة واحدة:
…(بعد أن أوضحنا بأنَّ الإمامة إحدى أصول الدين الإسلامي، وأنَّ القرآن أشار إلى ذلك إلى حد ما، وأنَّ المزيد من تلك الإشارة لم يكن في صالح الإسلام والمسلمين.
…لقد أثبتنا في بداية هذا الحديث بأنَّ النبي أحجم عن التطرق إلى الإمامة في القرآن، لخشيته أن يُصاب القرآن من بعده بالتحريف، أو أن تشتد الخلافات بين المسلمين، فيؤثر ذلك على الإسلام.(1/289)
…ونورد هنا شواهد من القرآن تدل على ذكر الإمامة بتحفظ خوفًا من المنافقين، فقد قالت تعالى: (يا أيُّها الرسول بلِّغ ما أُنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلَّغت رسالته والله يعصمك من الناس).
…وباعتراف أهل السنَّة، ونقلاً عن أبي سعيد وأبي رافع وأبي هريرة، وباتفاق الشيعة، فإنَّ هذه الآية نزلت في يوم غدير خم، بشأن إمامة علي بن أبي طالب(548)).
…يقرر الخميني:
1- أنَّ الإمامة: "إحدى أصول الدين الإسلامي"
2- و: "أنَّ القرآن أشار إلى ذلك إلى حد ما"
فكيف: "إحدى أصول الدين" والأصل يعني لا يتحقق الإيمان إلاَّ به ومع ذلك إنَّما: "يشير"؟!
3- كيف تكون أصلاً ولا يكون في صالح المسلمين بيانها؟!
4- وكيف: "أحجم النبي ( عن التطرق إلى الإمامة في القرآن"؟!
وهل القرآن من كلامه (؟!
ثمَّ يقول إنَّ القرآن لم يصرح بالإمامة خوفًا من المنافقين؟ يعني أنَّ الله ( لم يذكرها تقية!!!
هذه جمل قليلة ترى فيها من سوء الأدب مع الله ( ومع رسوله ( ما يعجب أن يكون هذا ممن يوصف بالإمام وإذا كان هذا إمامًا فكيف بقية المأمومين؟!
…ونذكر بكلامه الآخر لتكتمل الصورة وهو قوله: (وواضح بأنَّ النبي ( لو كان قد بلَّغ بأمر الإمامة طبقًا لما أمر به الله ( وبذل المساعي في هذا المجال لما نشبت في البلدان الإسلامية كل هذه الاختلافات والمشاحنات والمعارك ولما ظهرت ثمة خلافات في أصول الدين وفروعه)(549).
1- اتهام للرسول (.
2- ونقض لكلامه السابق (وأنَّ المزيد من تلك الإشارة لم يكن في صالح الإسلام والمسلمين) وهنا يقول لو بلغ لما نشبت خلافات..
هذه هي ثمرة العقائد الفاسدة.
والحمد لله على نعمة الهداية.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
الختام
…هذه إجابات سريعة ووقفات متنوعة مع مذكرتكم التي كانت تعقيبًا على الإجابة التي بعثتها إليكم عن أسئلتكم عند لقائنا قبل سنة ونصف تقريبًا عام 1423هـ.
…وقد وصلتني في منتصف ربيع الثاني تقريبًا عام 1425ه.(1/290)
…أسأل الله عز وجل أن ينفع بها كاتبها وقارئها.
…ولعله قد ظهر في بعض العبارات خشونة غير مقصودة.
…والله الهادي إلى سواء السبيل.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
كان الفراغ من كتابته في: 18/6/1425هـ
الباحة ـ الظفير ـ
محب الخير لكم
أ.د/ أحمد بن سعد حمدان الغامدي
الأستاذ بجامعة أم القرى
قسم الدراسات العليا
مكة المكرمة
فهرس المراجع
م
الكتاب
أولاً: مراجع أهل السنة
1
الإحكام في أصول الأحكام / ابن حزم / ط : دار الجيل
2
الأحكام السلطانية/ أبو الحسن علي بن محمد المارودي/ تحقيق: خالد عبداللطيف السبع/ ط: دار الكتاب العربي
3
أسباب اختلاف المحدثين/ د. خلدون الأحدب/ ط: دار كنوز العلم 1422هـ
4
أصول مذهب الشيعة الإمامية/ د. ناصر بن عبدالله القفاري/ ط:1414هـ
5
الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر/ د. محمد محمد حسين/ ط. دار الرشاد 1389هـ
6
إرشاد الفحول/ الإمام الشوكاني/ تحقيق أبي مصعب/ ط: دار الكتاب العربي
7
الإصابة/ ابن حجر/ تحقيق: طه محمد الزيني/ ط: مكتبة الكليات الأزهرية
8
إعلام الموقعين/ لابن القيم/ تحقيق: محمد محي الدين/ ط: السعادة
9
إكمال تهذيب الكمال/ علاء الدين مغلطاي/ تحقيق: أبي عبدالرحمن عادل بن محمد/ ط:الفاروق الحديثة 1422هـ
10
الباعث الحثيث/ ابن كثير/ تحقيق: أحمد شاكر/ ط: دار الفيحاء 1417هـ
11
بدائع التفسير/ ابن القيم/ جمع يسري السيد/ ط: دار ابن الجوزي 1414هـ
12
بدائع الفوائد/ ابن القيم/ ط: مكتبة القاهرة
13
البداية والنهاية/ ابن كثير/ ط: مكتبة المعارف والنصر
14
تاريخ بغداد/ البغدادي/ ط: الكتاب العربي
15
تاريخ دمشق/ ابن عساكر
16
تاريخ المدينة المنورة/ ابن شبة/ ط: دار الأصفهاني بجدة 1399هـ
17
تبديد الكلام/ إبراهيم بن سليمان الجبهان/ ط: بدون
18
التحرير والتنوير/ ابن عاشور/ ط: مؤسسة التاريخ
19
تحفة الأحوذي/ للمباركفوري/ ط: دار الكتب العلمية
20(1/291)
تدريب الراوي/ السيوطي/ ط: دار الكتاب العربي 1409هـ
21
التشيع بين مفهوم الأئمة والمفهوم الفارسي/محمد البغدادي/ ط:دار عمان 1409هـ
22
تفسير ابن أبي حاتم/ ابن أبي حاتم/ تحقيق أسعد محمد الطيب/ ط: الباز
23
تفسير أبي السعود/ أبو السعود/ تحقيق: عبدالقادر عطا/ ط: مكتبة الرياض الحديثة
24
تفسير البيضاوي/ البيضاوي
25
تفسير الثعالبي/ الثعالبي
26
تفسيير القاسمي/ محمد جمال الدين القاسمي/ تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي/ ط: دار الفكر 1398هـ
27
تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير/ تحقيق: مجموعة مع د. السيد محمد السيد/ ط: دار الحديث 1422هـ
28
تفسير القرطبي/ القرطبي/ ط: دار الكتب العلمية
29
تفسير المنار/ محمد رشيد رضا/ ط: مكتبة القاهرة
30
تفسير النسفي/ النسفي
31
الثقات/ ابن حبان/ ط: دار الكتب العلمية 1419هـ
32
التمهيد/ ابن عبدالبر/ ترتيب الشيخ المغراوي/ ط: أولى
33 33
تنزيه الشريعة/ أبو الحسن علي بن محمد الكناني/ط:دار الكتب العلمية 1399هـ
34 34
تهذيب التهذيب/ ابن حجر/ ط: دار صادر
35 35
تهذيب الكمال/ جمال الدين المزي/ تحقيق: د. بشار عواد/ط:دار الرسالة 1413هـ
36 36
الجرح والتعديل/ ابن أبي حاتم/ دار الفكر/ ط: 1372هـ
37 37
جهود أبي الثناء الألوسي في الرد على الرافضة/ تأليف وتحقيق: عبدالله بو شعيب البخاري/ رسالة علمية بالجامعة الإسلامية
38 38/أ
الدر المنثور/ السيوطي/ تحقيق: د.عبدالله التركي/ط:مركز هجر للبحوث 1424هـ
39 38/ب
زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي/ ط: المكتب الإسلامي 1407هـ
40 39
زاد المعاد/ اب القيم/ ط: مؤسسة الرسالة/ ط: الثالثة
41 40
سلسلة الأحاديث الضعيفة/ الألباني/ ط: مكتبة المعارف 1421هـ
42 41
سنن ابن ماجه/ الإمام ابن ماجه/ ترقيم: محمد فؤاد عبدالباقي
43 42
سنن الترمذي/ الإمام الترمذي/ تحقيق: إبراهيم عطوة/ ط: الحلبي
44 43
سنن النسائي/ الإمام النسائي/ ط: دار إحياء التراث
45 44(1/292)
السنة قبل التدوين/ محمد عجاج الخطيب/ ط: 1383هـ
46 45
السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام/ عماد السيد الشربيني/ ط: دار اليقين 1423هـ
47 46
السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي/د.مصطفى السباعي/ط:دار الورَّاق 1421هـ
48 47
سير أعلام النبلاء/ الذهبي/ تحقيق: شعيب الأرناؤوط/ ط: مؤسسة الرسالة
49 48/ أ
السيرة النبوية/ ابن هشام/ ط: المكتبة العصرية بيروت: 1424هـ
50 48/ب
شذرات الذهب/ ابن العماد الحنبلي/ ط: دار ابن كثير
51 49/ب
شرح صحيح مسلم/ النووي/ ط: دار القلم بيروت
52 49/أ
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة/ هبة الله اللالكائي/ تحقيق: د. أحمد سعد حمدان الغامدي/ ط: دار طيبة
53 49/ج
صب العذاب على من سب الأصحاب/ أبو المعالي محمود شكري الألوسي/ تحقيق: عبدالله بو شعيب البخاي/ رسالة علمية بالجامعة الإسلامية
54 49/ج
صحيح البخاري/ الإمام البخاري/ ترقيم: محمد فؤاد عبدالباقي
55 50
صحيح السيرة النبوية/ إبراهيم العلي/ ط: دار النفائس 1419هـ
56 51
صحيح مسلم/ الإمام مسلم/ ترقيم محمد فؤاد عبدالباقي
57 52
الصواعق المحرقة على الرافضة الضلال/ ابن حجر الهيتمي/ تحقيق: عبدالرحمن التركي وكامل.../ ط: مؤسسة الرسالة 1417هـ
58 53
الضعفاء الكبير/ العقيلي/ تحقيق: عبدالمعطي قلعجي/ طبعة الباز
59 54
الطبقات الكبرى/ ابن سعد/ ط: دار صادر
60 55
العقد الفريد/ أحمد بن عبدربه الأندلسي/ ط: المكتبة التجارية
61 56
عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة وآل البيت/ د. علاء بكر/ ط: دار العقيدة 1423هـ
62 57
علوم الحديث/ ابن الصلاح/ ط: المكتبة العلمية المدنية 1972م
63 58
العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم/ محمد بن إبراهيم بن الوزير اليمني/ تحقيق: شعيب الأرناؤوط/ ط: مؤسسة الرسالة 1412هـ
64 59/ أ
فتح الباري/ ابن حجر/ ط: السلفية
65 59/ب
فتح القدير/ الشوكاني/ تحقيق: عبدالرحمن عميرة/ ط: دار الوفاء 1418هـ(1/293)
66 60
فجر الإسلام/ أحمد أمين/ ط: مكتبة النهضة المصرية 1975م
67 61
الفصل/ ابن حزم/ ط: دار المعرفة 1395هـ
68 62
فضائل الصحابة/ ابن حنبل/ تحقيق: وصي الله/ ط: دار ابن لجوزي 1420هـ
69 63
فيض القدير/ المناوي/ تحقيق: أحمد عبدالسلام/ ط: دار الكتب العلمية بيروت 1422هـ
70 64
الكامل في ضعفاء الرجال/ ابن عدي/ تحقيق: لجنة من المختصين/ ط: دار الفكر بيروت 1405هـ
71 65
الكشاف/ الزمخشري/ ط: إحياء التراث العربي
72 66
الكفاية في علم الرواية/ الخطيب البغدادي/ ط: مكتبة السعادة
73 67
لسان الميزان/ ابن حجر/ ط: دار الكتاب الإسلامي
74 68
لله ثم للتاريخ/ حسين الموسوي/ دار المعتز
75 69
المجروحين/ ابن حبان
76 70
مجمع البحرين في زوائد المعجمين/ الهيثمي/ تحقيق: عبدالقدوس بن محمد نذير/ ط:1415هـ
77 71
مجمع الزوائد/ الهيثمي/ ط: دار الكتاب العربي 1967م
78 72
مجموع فتاوى ابن تيمية/ ط: مكتبة المعارف
79 73
مختصر منهاج ابن تيمية/ اختصار الشيخ الغنيمان/ ط:1410هـ
80 74
المستدرك/ الحاكم/ تحقيق: عبدالقادر عطا/ ط: دار الكتب العلمية بيروت
81 75
مسند ابن حنبل/ أحمد بن حنبل/ ط: المكتب الإسلامي ـ دار صادر بيروت/ ط: مؤسسة الرسالة/ تحقيق: التركي
82 76
مسند أبي يعلى/ أبو يعلى
83 77
المصنف/ عبدالرزاق الصنعاني/ تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي/ المكتب الإسلامي 1390هـ
84 78
معاني القرآن/ الزجاج/ د. عبدالجليل شلبي/ ط: عالم الكتب
85 79
المعجم الأوسط/ الطبراني
86 80
معجم البلدان/ ياقوت الحموي/ ط: دار صادر بيروت 1376هـ
87 81
المعجم الكبير/ الطبراني
88 82
مفاتيح الغيب/ الرازي/ ط: دار الفكر
89 83
مفتاح دار السعادة/ ابن القيم/ ط: محمد علي صبيح
90 84
مقدمة ابن خلدون/ عبدالرحمن بن خلدون/ ط: المكتبة التجارية
91 85
منهاج السنة/ ابن تيمية/ تحقيق: د. محمد رشاد سالم/ 1406هـ
92 86
المهدي المنتظر/ د. عداب محمود الحمش/ ط: دار الفتح 1423هـ
93 87(1/294)
الموافقات/ الشاطبي/ ط: دار ابن عفان 1417هـ
94 88
موسوعة شاملة مع الاثني عشرية/ أ.د. علي السالوسي/ ط: دار الفضيلة 1424هـ
95 89
موقف الرافضة من القرآن/ مامادو كارامبيري/ ط: مكتبة ابن تيمية
96 90
موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين/ مصطفى صبري/ ط: إحياء التراث 1401هـ
97 91
ميزان الاعتدال/ الذهبي/ ط: الحلبي
ثانيًا: مراجع الشيعة
1
الاقتصاد فيما يتكلف بالاعتقاد/ محمد الحسن الطوسي/ ط: الآداب في النجف 1399هـ
2
أوائل المقالات/ للمفيد/
3
بحار الأنوار/ المجلسي/
4
بصائر الدرجات/ محمد بن حسن صفار/
5
تفسير الصافي/ محسن الكاشاني/
6
تفسر العسكري/ العسكري/
7
تفسير العياشي/ محمد بن مسعود عياشي/
8
تفسير القمي/ القمي/
9
تنقيح المقال/ المامقاني/
10
التهذيب/ الطوسي/
11
رجال الكشي/ الكشي/
12
الشافي شرح الكافي/
13
الكافي/ الكليني/
14
كسر الصنم/ آية الله العظمى السيد أبو الفضل البرقعي/ ترجمة: عبدالرحمن ملا زاده/ ط:دار البيان الأردن 1421هـ
15
كشف الأسرار/ الخميني/ ترجمة: د. محمد البنداري/ ط: دار عمان 1988م
16
معجم رجال الخوئي/ للخوئي/
17
مجمع الرجال/ القهباني/ ط: أصفهان 1384هـ
18
نهج البلاغة/ الشريف الرضي/ ط: دار المعرفة
ثالثًا: تنبيه:ــ
1
1) في مراجع السنة: قد استعنت بكتب التفسير والحديث والتاريخ والرجال بقرصين:
الأول: قرص "التراث" والثاني: "حرف"، إلى جانب المطبوع، ولم أميز بينها في الحواشي فإذا لم يوجد النص في المطبوع فهو في أحد هذين القرصين
2
2) وفي مراجع الشيعة قد استعنت بقرص: "نور جامع الأحاديث" في كتب التفسير والحديث وغيرها إلى جانب الكتب المطبوعة
فهرس الموضوعات
رقم الصفحة
الموضوع
1
مقدمة
2
الإنصاف في المناظرة
2
سبب خلو مكتبات أهل السنة من كتب الشيعة
3
لا يحسن الانتقاء عند الاستدلال
9
ضرورة ذكر المصدر عند الاستدلال
10
دعوى وجود أحاديث تذم الصحابة وأمهات المؤمنين
10(1/295)
يفهم من عقيدة الشيعة أن القرآن أنزل لهم فقط
12
مقارنة بين صحيح البخاري وكتاب الكافي
14
هل التشيع مأوى لكل من أراد هدم الإسلام؟
16
قول ابن حزم في جواز نكاح تسع عند الشيعة
17
دعوى الغريب تجويز الشيعة نكاح الأمهات
17
قول أبي حنيفة فيمن استأجر امرأة ليزني بها
18
دعوى أن المذهب الشيعي لا يختلف عن مذهب أهل السنة
22
غرابة المدعى يحتاج إلى دليل واضح
22
الخلاف مع الشيعة في عدالة الصحابة
23
تمهيد في بيان ظهور الإسلام
23
الدعوة في مكة
26
المرحلة المدنية
27
تربية الصحابة في العهد المكي
27
تربية الصحابة في العهد المدني
27
مرحلة ما بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم
28
وقفات
29
الخلاف الأساسي مع الشيعة في عظماء الصحابة
30
دعوى أن القرآن ذم الصحابة
31
النفاق وأسبابه
32
القرآن كشف المنافقين
32
المنافقون ليسوا من الصحابة
33
دعوى عجيبة بشأن النفاق
34
مصير المنافقين
34
المنافقون بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يعلنون
39
دعوى تغلغل النفاق في نفوس الأصحاب
40
قول عمر في أحد الصحابة إنه منافق هل يبيح لنا أن نقول مثله
42
إذا كان الصحابة عدولا فكيف طبقت فيه الحدود
43
ما وقع من خالد رضي الله عنه مع المرتدين
46
ما وقع من الصحابة من أخطاء هل يعذرون فيها
47
الخروج على: "إمام زمانهم"
47
هل يقتدى بهم في أخطائهم؟
48
هل في الصحابة مرضى قلوب؟
49
قول بأن في الصحابة عدولا وغير عدول
50
الطعن في أمهات المؤمنين
50
الزعم بأن مصاحبة النبي صلى الله عليه وسلم والزواج منه لا فضل فيها ولا تشريف
53
نقل عن أهل السنة لتأييد عدم الانتفاع بالغير للعاصي
55
عدالة الصحابة
56
قول التفتازاني في الأصحاب
57
قول الغزالي في الأصحاب
57
الصحابة غير معصومين، قول ابن حزم في اتباع الصحابة
58
لا يقتدى بكل صحابي
58
قول المازري في عدالة الصحابة
60
قول الذهبي: (لو فتحنا هذا الباب...)
60
حديث عن الصديق في ذم الصحابة
61(1/296)
قول ابن خلدون في أن الصحابة لم يكونوا كلهم أهل فتوى
61
قول طه حسين
62
نسبة قول إلى أحمد أمين
62
النقل عن ابن عقيل الشيعي في عدالة الصحابة
63
قول الألباني في عدم الاقتداء بكل صحابي
64
قول جماعة في عدم الاقتداء بكل الصحابة_الشوكاني، أبو رية...
65
الزعم بأن من يأتي بعد الصحابة يكون أفضل من الصحابة
66
النقل عن الندوي والقاضي عياض وابن عبدالبر..وغيرهم
67
دعوى أن تاريخ الصحابة مليء بالصراع والنزاع
69
طعن الصحابة في أخيه الصحابي هل يجرحه
70
ابن عقيل شخصية مجهولة ظاهرة التشيع
70
قول علماء السنة بأن من ينتقص الصحابة فهو زنديق
75
لا يستدل بضعيف النقل
75
كل من أحبه النبي صلى الله عليه وسلم فهو يحب
76
أراء الشيعة في الصحابة
79
قول علي رضي الله عنه في الصحابة
80
قول علي بن الحسن في الصحابة
81
قول الرضا فيمن سب الصحابة وانطباقه على الشيعة
83
زعم العاملي بأن الشيعة لا يسبون الصحابة
83
قول عليخان في الصحابة
84
دعوى المسعودي في عدد من شهد صفين من الصحابة
84
دعوى وقوع أمور من الصحابة لا تتفق مع العدالة
85
دعاوى كثيرة للعاملي
88
دعوى السبحاني أنه اعتمد على الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة...
90
نماذج من جهالة الرواة في أحاديث الاعتقاد
90
دعوى أن عليا رضي الله عنه هو الوصي
90
أحاديث الوصية
92
تضعيف الراوي يحتاج إلى دليل
92
حديث الحوض: أصحابي أصحابي...
97
آيات مدح الصحابة
97
الأولى: والسابقون
98
المراد بالسابقين
105
دعوى أن عليا هو السابقون
106
آية: "محمد رسول الله والذين معه..."
108
قوله تعالى: "رحماء بينهم"
110
موضوع معاوية من علي
112
قوله تعالى: "سيماهم في وجوههم"
112
قوله تعالى: "والذين آووا ونصروا"
113
عدم دخول الطلقاء وأبنائهم في الآية
114
قوله تعالى: "إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا..."
114
آية: "لا يستوي منكم من أنفق من قبل..."
115
دلالة القرآن أن قوما انقلبوا
116(1/297)
آية: "للفقراء المهاجرين..."
118
دعوى أن الله عز وجل لم يثن على كل الصحابة
119
دعوى تقييد الممدوحين من الصحابة
120
دعوى أن الشيعة بقوا على الوصية في آل البيت
123
دعوى أن الشيعة لا تخالف النصوص في حق الصحابة
123
حديث:"لا تسبوا أصحابي..."ودعوى أن بعضهم يسب بعض
124
حديث: "خير الناس قرني..." والطعن فيه
129
إضافة آيات في فضل الصحابة
129
آية: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا"
130
آية: "...ويزكيكم..."
131
آية: "كنتم خير أمة أخرجت للناس"
131
آية: "لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل"
132
آية: "لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة"
132
آية: "ولكن الله حبب إليكم الإيمان..."
132
آية: "من يرتد منكم عن دينه"
141
دعوى تواتر إطلاق الوصية من الصحابة
145
الطعن في رواة الصحيح
149
دعوى خالد القسري
149
عمران بن حطان من رواة البخاري
151
الرواية عمن يسب علي بن أبي طالب
152
حديث من سب عليا
153
تضعيف ابن كثير أحاديث سب علي رضي الله عنه
154
من شتم الصحابة
156
إنصاف أهل السنة
158
الطعن في علي كالطعن في غيره
160
دعوى لعن علي على المنابر
161
قول معاوية: ما منعك أن تسب أبا تراب
162
ما الفرق بين قتلة عثمان وقاتل علي
164
دعوى أن الأمر لا يستقيم إلا بسب علي
165
دعوى أن عليا: باب مدينة العلم
168
حديث: "أنت تبين لأمتي من بعدي"
169
آية: "وتعيها أذن واعية"
170
وأقضانا علي
170
قول علي: "سلوني"
172
معضلة ليس فيها أبو حسن
173
سؤال كبار الصحابة له
174
نقلة عن ابن حزم: تجهيل الأصحاب
175
علي أول من أسلم
178
لماذا قلت الرواية عن علي
180
أبو رية ودعوى الإنصاف
180
هل الإمامة شورى
182
لماذا عدل أبو بكر عن الشورى
182
دعوى أن أكثر الصحابة لم يرض بعمر
184
لماذا حصر عمر الشورى في ستة
186
أثر عن استخلاف عمر
187
حديث أن الرسول ليس له نصيب في الإمامة
187
جملة أحاديث في إمامة علي
189
حديث: "الإنذار يوم الدار"
192(1/298)
حديث: "ألا ترضى...بمنزلة هارون"
193
حديث: "من كنت مولاه"
194
حديث الثقلين
195
حديث السفينة
196
حديث: "هو ولي كل مؤمن ومؤمنة"
196
حديث: "أنا مدينة العلم"
196
حديث المؤاخاة
197
حديث التبليغ
198
حديث سد الأبواب
199
حديث باب حطة
199
حديث الراية
201
تحريف "بات في فراشه"
202
حديث: "علي مني وأنا منه"
202
لفظ: "ولي" في كلام الخلفاء
204
دعوى التمسك بآل البيت عدل القرآن
206
قول التفتازاني في الصحابة
207
قول عصام العماد: أن مذهب الإمامية يطير بجناحين
208
المقصود بآل البيت وحديث أم سلمة
217
حديث: "علي مع الحق"
218
حديث: "اللهم أدر الحق مع علي"
219
قول الرازي: من اقتدى بعلي
219
حديث: "علي مع الحق"
220
قول ابن تيمية في حديث: "علي مع الحق"
227
الختام
228
فهرس المراجع
233
فهرس الموضوعات
(1) وسيأتي مزيد بيان بمشيئة الله تعالى في البحث لمنهجية أهل السنة.
(2) ذيلت الرسالة بنصوص من كلام الخميني يطعن في رسول الله ( فيها وقد أغفلها أبو المهدي فلم يعلق عليها لا بالقبول ولا بالرد!!
(3) صحيح البخاري/ح/3904/ومسلم/ح/2382/
(4) صحيح البخاري/ح/3661/
(5) صحيح البخاري/ح/467/
(6) صحيح البخاري/ح/3656/
(7) صحيح مسلم/ح/2383/
(8) صحيح مسلم/ح/2387/
(9) رواه البخاري/ح/3659/ومسلم/ح/2386/
(10) المستدرك/ح/4422/
(11) المستدرك/ح/4423/
(12) المستدرك/ح/4428/
(13) المستدرك/ح/4429/
(14) المستدرك/ح/4430/
(15) المستدرك/ح/4439/
(16) مجمع الزوائد/9/58/
(17) مجمع الزوائد/9/58/
(18) مجمع الزوائد/9/46/
(19) مجمع الزوائد/9/46/
(20) مجمع الزوائد/9/51/
(21) مجمع الزوائد/9/47/
(22) مجمع الزوائد/9/53/
(23) مجمع الزوائد/9/54/
(24) رواه البخاري/ح/3671/
(25) رواه البخاري/ح/3685/ومسلم/ح/2389/
(26) رواه البخاري/ح/3707/
(27) رواه البخاري/ح/3542/
(28) رواه البخاري/ح/2704/
(29) رواه البخاري/ح/5994/
(30) نهج البلاغة/290/(1/299)
(31) نهج البلاغة/505/
(32) نهج البلاغة/526/
(33) كشف الغمة عن معرفة الأئمة/2/147/
(34) الكافي/2/628/تفسير العياشي/1/9/تفسير الفرات/1/46و48/
(35) الكافي/2/627/ورواه العياشي وعزاه إلى عليّ (/1/9/
(36) تفسير الصافي/1/24/
(37) تفسير العياشي/1/13/
(38) سورة الأعراف آية(188)
(39) سورة الجن آية(26-27)
(40) الاستبصار/3/136/
(41) الكافي/ الفروع/2/200/ الاستبصار/3/136/
(42) تحرير الوسيلة للخميني/2/241/
(43) منهاج الصالحين للخوئي/1/263/
(44) التهذيب/ المقدمة/
(45) رجال الكشي/1/170/
(46) رجال الكشي/1/1/147/
(47) رجال الكشي/1/148/
(48) رواه ابن ماجه في المقدمة/ح/150/ وابن حبان/ح/7082- الإحسان/ والحاكم/3/384/ وأحمد/1/404/ وغيرهم قال البوصيري في زوائد ابن ماجه: إسناده رجال ثقات
(49) السيرة الحلبية/1/456/
(50) صحيح البخاري/ح/3446/
(51) رواه البخاري /ح/3862/
(52) رواه البخاري /ح/3678/
(53) مجمع الزوائد/6/17/ وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح
(54) رواه أحمد/الفتح الرباني/ /20-224-225/ والبيهقي في دلائل النبوة /2/67/ وحسنه ابن حجر في/ الفتح/ 7/179/
(55) أوردها البيهقي في دلائل النبوة/ 2/6/297-298/
(56) روى البخاري مبايعتهم على الإسلام/ح/ 3893/، ومسلم/ح/1709/، ومقدمات الإسلام ذكرها البيهقي/دلائل النبوة/ 2/433-435/ بسند حسن
(57) ورد من طرق عدة/ تاريخ الطبري/2/357/، والبيهقي/ دلائل النبوة/2/438/ وغيرهما
(58) رواه أحمد/3/322/، والبيهقي في/ السنن/9/9/، ورجاله ثقات، وقال ابن حجر: إسناد جيد على شرط مسلم/ الفتح/7/220/
(59) رواه البخاري/ ح/3924/
(60) رواه البخاري/ح/3905/
(61) صحيح البخاري/ح/3905/
(62) رواه أحمد/ الفتح الرباني/20/279/ وصححه أحمد شاكر
(63) ذكره البخاري/ح/3932/، ومسلم/ح/524/
(64) رواه مسلم /ح/1813/
(65) رواه البخاري/ح/3949/
(66) فتح الباري/7/280-281/
(67) ذكر ذلك ابن حجر في/الفتح/7/281/(1/300)
(68) البداية/6/304/
(69) هذه النبذة توجد في جميع كتب تواريخ أهل السنة والسير.
(70) الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد/358/
(71) الإرشاد/1/5/
(72) صحيح البخاري/ح/4566/وسيأتي بعض ألفاظه بمشيئة الله تعالى.
(73) صحيح مسلم/ح/2779/
(74) رواه البخاري/ح/4566/
(75) ذكره ابن كثير عن ابن إسحاق/البداية/5/34/
(76) صحيح مسلم/ح/2779/
(77) صحيح البخاري/ح/4658/
(78) رواه البخاري/ح/7113/
(79) أورده ابن حجر في الفتح/13/74/
(80) صفة المنافق/ح/53/ وابن أبي شيبة/15/109/
(81) رواه البخاري/ح/7114/
(82) أورده ابن حجر في/الفتح/13/74/
(83) تهذيب الكمال/3/342/
(84) رواه البخاري/ح/2940/
(85) صحيح البخاري/ح/3613/
(86) صحيح البخاري/ح/3895/
(87) صحيح البخاري/ح/4252/
(88) صحيح البخاري/ح/6854/
(89) رواه البخاري/ح/3305/
(90) أورده صاحب المنهج الإسلامي في الجرح والتعديل/219/
(91) مفتاح دار السعادة/1/163/
(92) رواه البخاري/ح/4262/
(93) البداية والنهاية/ح/6/322/
(94) صحيح البخاري/ح/4339/
(95) رواه مسلم/ح/96/
(96) ذكره عنه الشوكاني إرشاد الفحول/127/
(97) إرشاد الفحول/128/
(98) البداية والنهاية/7/260
(99) صحيح مسلم/ح/289/
(100) جامع العلم/2/91/
(101) الإحكام/6/82/
(102) دلائل النبوة/3/273-274/ وسنده حسن وأصله في البخاري/ح/4068/
(103) تفسير ابن كثير/2/162/ وذكره ابن هشام في السيرة/2/130
(104) لله ثم للتاريخ/35-36/
(105) صحيح البخاري/ح/6423/
(106) الكافي/الروضة/2/46/
(107) رواه مسلم/ح/204/وأخرجه البخاري بنحوه/5/382/باب التفسير وأنذر عشيرتك الأقربين/
(108) زاد المسير/ سورة الأحزاب/
(109) إعلام الموقعين/1/255-228/
(110) الإصابة/1/10/
(111) الأجوبة الوافية/2/471/
(112) إرشاد الفحول/126/
(113) ذكره الشوكاني/إرشاد الفحول/127/
(114) الإصابة/10/
(115) الإصابة/12/
(116) الأجوبة الوافية/2/474/
(117) شذرات الذهب/1/279/(1/301)
(118) المقدمة/205/
(119) الضعفاء الكبير/3/419/، وميزان الاعتدال/3/108
(120) أورد النص ونصوصًا أخرى: د/ محمد محمد حسين في/ الاتجاهات الأدبية الوطنية في الأدب المعاصر/2/299/
(121) ضحى الإسلام/1/75
(122) مقدمة فجر الإسلام/ل/
(123) مقدمة فجر الإسلام/ل/
(124) النصائح الكافية/166/
(125) إرشاد الفحول/26/
(126) السنة ومكانتها في التشريع/ص"18"
(127) تفسير القرطبي/4/109/
(128) التمهيد (بترتيب فتح البر)/2/314-315
(129) المرجع السابق/2/321/
(130) شرح صحيح مسلم/ح/141/
(131) شرح النووي على صحيح مسلم/3/141/
(132) فيض القدير/ح/961/
(133) فيض القدير/6/468/
(134) تحفة الأحوذي/8/278
(135) البداية والنهاية/7/166-168/
(136) سورة الحجرات (9-10)
(137) البداية/7/230-245/والطبري في تاريخه في سنة: 36هـ
(138) البداية/7/253-276/
(139) الكافي1/216/
(140) الكافي1/217/
(141) الكافي1/217/
(142) الكافي2/244/
(143) رجال الكشي/1/6/ ورواها الكافي/12/321 (مع شرح جامع للمازندراني)
(144) رجال الكشي/1/7/
(145) تفسير الصافي: 2/359/ وتفسير القمي/1/301
(146) مجمع الرجال/5/113/
(147) طبقات ابن سعد/5/235/ بواسطة/ التشيع بين مفهوم الأئمة والمفهوم الفارسي/151/
(148) الاقتصاد/312/ مؤلفه: الشيخ المفيد الإمامي
(149) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة/ح/2683/و/2684/
(150) شرح نهج البلاغة للبحراني/4/97-98/
(151) كشف الأسرار/155/
(152) بحار الأنوار/22/240/وهو في تفسير القمي ولكنه لم يجرؤ على التصريح في بعض الألفاظ كما صرح المجلسي/تفسير القمي/2/377/
(153) سورة النور (11-26)
(154) أوائل المقالات/1-41/
(155) الاقتصاد في الاعتقاد/358/
(156) كشف الأسرار/126/وكتابه مملوء بالتناقضات يقرر في مكان قضية وينقضها في مكان آخر
(157) كشف الأسرار/130/
(158) أوردته من كتاب "الدرجات الرفيعة" /39/
(159) لسان الميزان/4/225/(1/302)
(160) أعيان الشيعة/1/113
(161) مقدمة تحقيق كتاب: "الغيبة الصغرى"
(162) كسر الصنم/30-39/
(163) كسر الصنم/38/
(164) الكافي/1/325/
(165) الشافي شرح الكافي/3/371/
(166) معجم الرجال/20/116/
(167) الشافي/3/371/
(168) معجم الخوئي/3/70-71/
(169) معجم الخوئي
(170) صحيح مسلم/3/111/
(171) صحيح البخاري/7/207/ومسلم/7/65/
(172) صحيح البخاري/7/209/ومسلم/7/66/
(173) رواه أحمد/ المسند/1/200/
(174) المرجع السابق/1/237/
(175) فضائل الصحابة/1/214/
(176) المرجع السابق/1/387/
(177) رواه البخاري/13/83/ومسلم/17/134/
(178) رواه البخاري/13/83/ومسلم/17/133/
(179) الكافي/1/441/أوردها الخميني وأقرها/كشف الأسرار/92/
(180) الكافي/1/447/
(181) للرازي بحث بهذا المعنى/التفسير/16/130/
(182) أسد الغابة/4/47/
(183) الإصابة/2/158/
(184) سيرة ابن هشام/2/89/
(185) صحيح البخاري/كتاب المغازي/باب تسمية من سُمِّي من أهل بدر/
(186) مجمع الزوائد/6/93/
(187) الاستيعاب/3/100/
(188) التفسير/14/52/
(189) الجامع لأحكام القرآن/10/65/
(190) التفسير/4/476/
(191) هذه كلها في آيات متتابعة من سورة الأعراف/43-48/
(192) تفسير القرطبي/8/235/
(193) الكافي/8/36/
(194) تاريخ الطبري/أحداث سنة(35هـ)
(195) تاريخ الطبري/أحداث سنة(36هـ) ص[458-506]
(196) رواه أبو يعلى/1/397/وعن عمار/3/194/
(197) مسند أبي يعلى3/194/
(198) تهذيب التهذيب
(199) مجمع الزوائد/5/338/
(200) تفسير القرطبي/18/31/
(201) تفسير السمرقندي/3/422/
(202) تفسير القرطبي/18/31/
(203) تفسير ابن كثير/8/98/
(204) تفسير الرازي/29/510/
(205) تفسير الثعالبي/سورة الحشر/
(206) تفسير البغوي/سورة الحشر/
(207) رواه البخاري/ح/2600/ومسلم/ح/6424/وأحمد/ح/4128/وابن ماجه/ح/2353/وابن حبان/ح/7108/-الإحسان-
(208) رواه أحمد/ح/18007/وابن حبان/ح/6613/(1/303)
(209) رواه البخاري/ح/7/348/رواه أحمد/ح/19445/والترمذي/ح/2255/
(210) رواه ابن حبان/ح/28151/
(211) رواه ابن حميد/1/148/
(212) رواه مسلم/ح/2225/
(213) شرح سنن ابن ماجه/ح/2353/
(214) تهذيب الكمال/1/378/
(215) تهذيب التهذيب/4/112/
(216) رواها البخاري/ح/2600و6281و6282و6510/ومسلم/ح/6422و6424و6427/
(217) رواه البخاري/ح/6281/ومسلم/ح/6427/
(218) تفسير الطبري/2/5/
(219) تفسير الثعالبي/تفسير سورة البقرة/آية(143)/
(220) تفسير السمرقندي/1/99/
(221) التفسير الكبير/4/83/
(222) التفسير/1/335/
(223) تفسير الطبري/11/29/
(224) تفسير الطبري/11/29/
(225) التفسير/29/220/
(226) صحيح مسلم/ص"1483"/
(227) تفسير ابن كثير/7/342/
(228) الحجة البالغة/1/133-135/
(229) تنبيه: قد كنت جعلت إحالتكم في المتن ثم تحولت من هنا إلى نهاية البحث في الحاشية
(230) المعجم الكبير/6/221/مجمع الزوائد/9/113/فتح الباري/8/114/
(231) ميزان الاعتدال/4/240/
(232) المرجع السابق/240/
(233) فضائل الصحابة/2/615ح1052
(234) ميزان الاعتدال/4/127/
(235) المجروحين/3/5/
(236) ميزان الاعتدال/4/127/
(237) تاريخ دمشق/42/392/المناقب للخوارزمي/42و85/
(238) لم أجد هذا الحديث في مصادر الحديث
(239) ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى/131-132/
(240) رواه البخاري/ح/2980/ومسلم/ح/3281/ وأحمد/ح/616/والترمذي/ح/1411/والدارمي/ح/2358/
(241) رواه البخاري/ح/1849/ومسلم/ح/3749/وأحمد/ح/1040/والترمذي/ح/2147/وأبو داود/ح/2036/
(242) رواه مسلم/ح/5082/وأحمد/ح/1319/وابن حبان/ح/6490/
(243) رواه أحمد/ح/965/
(244) رواه أحمد/ح/1310/
(245) رواه أحمد/ح/962/
(246) الموضوعات/1/376/
(247) المعجم الأوسط/2/336/
(248) مجمع الزوائد/9/146/
(249) حلية الأولياء/1/63/،المناقب للخوارزمي/42/،تاريخ دمشق/42/386/
(250) المسند/1/119/
(251) ميزان الاعتدال/2/270/
(252) المسند/1/119/(1/304)
(253) ثقات ابن حبان/5/173/
(254) ميزان الاعتدال/2/180/
(255) إكمال تهذيب الكمال/6/180/
(256) المعجم الأوسط/6/327/،المعجم الكبير/3/57/،تاريخ دمشق/42/130/
(257) مجمع الزوائد/9/166/
(258) مجمع الزوائد/3/190/
(259) سير أعلام النبلاء/13/260/،وكذا قال ابن حجر في مقدمة فتح الباري/441/
(260) ميزان الاعتدال/4/320/
(261) الثقات/4/368/
(262) المجموع/20/136،ونحوه في شرح مسلم/10/181/
(263) مقدمة فتح الباري/453/
(264) الكفاية في علم الرواية/135/
(265) مقدمة الفتح/384/
(266) نزهة النظر/180/
(267) الباعث الحثيث/97/
(268) جامع الأصول/1/127/
(269) الكفاية/178/
(270) مقدمة الفتح/453/
(271) المعجم الكبير/6/221/،مجمع الزوائد/9/113/،فضائل الصحابة/2/615/
(272) المعجم الكبير/4/171/،مجمع الزوائد/8/253/
(273) المعجم الكبير/3/57/
(274) الميزان/1/469/
(275) الميزان/1/531/
(276) الميزان/3/393-396/
(277) الميزان/2/387/
(278) تاريخ اليعقوبي/2/193/
(279) شرح الحديدي/6/71/
(280) تاريخ اليعقوبي/2/193/
(281) نهج البلاغة خطبة"2"/شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد/1/138/
(282) نهج البلاغة مقدمة المحقق/1-65/
(283) المستدرك/3/172/،مجمع الزوائد/9/146/عن الطبراني وغيره
(284) الكامل/3/287/،تاريخ الطبري/4/322/
(285) تاريخ دمشق/42/392/
(286) مناقب الخوارزمي/147/
(287) البيان/501/الفصول المهمة/295/
(288) حلية الأولياء/1/63/،المناقب للخوارزمي/42/،تاريخ دمشق/42/386/
(289) تاريخ اليعقوبي/2/178/
(290) مناقب الخوارزمي/199/
(291) ينابيع المودة/2/75/
(292 ) مروج الذهب/3/8/
(293) ميزان الإعتدال/1/383/،تهذيب التهذيب/2/43/
(294) تهذيب الكمال/4/470/
(295) تهذيب التهذيب/2/207/
(296) تهذيب الكمال/5/572 و573 و576/
(297) المجروحين/1/268/
(298) ميزان الاعتدال/1/379-384/
(299) مجمع الرجال/2/12/
(300) الميزان/1/5/
(301) الميزان/1/157/(1/305)
(302) الميزان/1/410/
(303) 1/640/
(304) الميزان/2/677/
(305) الميزان/4/9/
(306) تهذيب الكمال/5/568/
(307) المجروحين/1/268/
(308) الميزان/4/9/
(309) /ص23/
(310) رجال الحلي/137/
(311) الأغاني/21/25/
(312) تفسير ابن كثير/6/203/
(313) الكافي/ح/2/217-221/باب التقية
(314) تهذيب الكمال/22/322/
(315) صب العذاب على من سبَّ الأصحاب/213-214/رسالة علمية محققة في الجامعة الإسلامية
(316) تنقيح المقال/107/
(317) عن الاثني عشرية في الأصول والفروع/1134/وقد أورد صورة الدعاء من كتاب بعنوان "تحفة عوام" باللغة الأردية أخذ من فتاوى زعماء التشيع المعاصرين ومنهم الخميني
(318) المسند/6/323/،السنن الكبرى للنسائي/5/133/، والمستدرك/3/121/
(319) المختار بن عبيد اتهم بادعاء النبوة/تاريخ الطبري/3/1-90/
(320) الميزان/4/544/
(321) الثقات/5/177/
(322) إكمال التهذيب/10/207/
(323) رواه الطبراني في المعاجم الثلاثة/1/2/21/2/6/74/3/23/323وأبو يعلى/12/444/
(324) التهذيب/3/132/
(325) التهذيب/26/392/
(326) العقد الفريد
(327) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة/ح/2386/
(328) الصارم المسلول/568
(329) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة/ح/2383/
(330) الشفاء/2/308/
(331) الصارم المسلول/2/269/
(332) الصارم المسلول/571/
(333) الشفاء/2/309/
(334) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة/ح/2387و2388/
(335) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة/ح/2378/
(336) الشفاء/2/309/
(337) الصارم المسلول/570/
(338) فتح الباري/7/36/،شرح النووي لصحيح مسلم/16/326/،تحفة الأحوذي/10/249/
(339) رويت في عصرهم بصرف النظر عن كونها صحيحة أم لا مع أنها لا تصح
(340) العواصم والقواصم/2/377-400/هذا كتاب من أعظم الكتب التي كتبها شيعي زيدي يدافع فيه عن أهل السنة
(341) منهاج السنة/7/417-418/
(342) الكفاية في علم الرواية/575/
(343) الكفاية/97/
(344) الشفاء/2/308/(1/306)
(345) معجم البلدان/3/191/
(346) معجم البلدان/3/197-198/
(347) معجم البلدان/4/476/
(348) صحيح مسلم/7/120/
(349) تاريخ دمشق/42/119/،البداية/7/376/
(350) المصنف/7/496/
(351) قاله النووي في شرحه لمسلم/ح/2404/
(352) تهذيب الكمال/15/142/
(353) المصنف/ح/32078/
(354) تهذيب الكمال/10/350/
(355) الفصل/4/161/
(356) منهاج السنة/3/189-206/
(357) البداية/7/176/
(358) منهاج السنة/5/46-47/
(359) الأم/4/229/
(360) مختصر المزني/256/
(361) المجموع/19/197/
(362) مغني المحتاج/4/124/
(363) الجوهر النقي/8/58/
(364) تاريخ مدينة دمشق/42/438/
(365) البداية/11/212-213/
(366) المعجم الكبير/11/55/ابن الأثير أسد الغابة:4/22/تاريخ بغداد/3/181/
(367) المستدرك/3/127-126/!
(368) كنز العمال/13/149/
(369) تهذيب الكمال/11/10/
(370) سلسلة الأحاديث الضعيفة/ح/2955/
(371) لسان الميزان/5/49/
(372) المصدر السابق/2/326/
(373) تاريخ بغداد/7/172/
(374) حاشية المستدرك/3/127/
(375) المستدرك/3/122/
(376) المستدرك/1/122/
(377) تهذيب التهذيب/3/64/
(378) جامع البيان:29/69ح26955/الدر المنثور/6/260/
(379) جامع البيان:29/69ح26955/الدر المنثور/6/260/
(380) التفسير/1/13/
(381) التفسير/1/16/
(382) التفسير/29/50/
(383) التفسير/18/262/
(384) التفسير/8/225/
(385) فضائل الصحابة/2/646/
(386) أسد الغابة/4/22/تفسير الثعالبي/1/52/
(387) الاستيعاب/1044/تهذيب الأسماء واللغات/1/317/
(388) الاستيعاب/3/1104/تهذيب الأسماء واللغات/1/317/
(389) المصنف/6/227/
(390) رواه البخاري/ح/3603/ومسلم/ح/6140/
(391) المستدرك/2/353/
(392) فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل/2/646/
(393) تهذيب التهذيب/7/337/الطبقات الكبرى/2/339/
(394) تأويل مختلف الحديث/1/162/
(395) لسان الميزان/7/472/
(396) فضائل الصحابة/2/973/
(397) تهذيب الأسماء واللغات(1/307)
(398) رواه أبو داود/2/114/والترمذي/4/296/وابن ماجه/1/446/وأحمد في المسند/1/153-154/وصححه أحمد شاكر
(399) منهاج السنة/7/500-512/
(400) رواه البخاري/ح/1602/
(401) الأحكام/2/142-145/
(402) الأحكام/1/153-154/وهكذا ترى أن الصفحة والجزء قد اختلفت فهي في المجلد الأول لا الثاني والصفحة مختلفة!!
(403) الفصل/4/136-وقد روى أمره ( الصديق بالصلاة البخاري/ح/6/299في الأنبياء/ ومسلم/ح/420/
(404) مقدمة ابن الصلاح/269-270/
(405) هذه الأقوال أوردها الحاكم/3/111/وكذلك ابن سعد وزاد ابن تسع سنين/ الطبقات/3/21/
(406) طبقات ابن سعد/3/192-213/
(407) رواه البخاري/7/10/ومسلم/ح/2382/
(408) رواه البخاري/ح/3678/
(409) رواه البخاري/ح/4043/
(410) رواه البخاري/7/99/
(411) مصنف ابن أبي شيبة/12/10/والحاكم/3/284/وصححه ووافقه الذهبي
(412) البداية/3/26/
(413) البداية/7/335/
(414) البداية/3/29/
(415) المسند/4/26/
(416) البداية/3/263/
(417) صحيح مسلم/ح/1763/
(418) صحيح مسلم/ح/1763/
(419) السنة ومكانتها في التشريع/19-20/
(420) مختصر منهاج السنة/1/69/
(421) المصنف/8/574/
(422) المصنف/ح/32020/ورواه ابن عساكر/47/35/وذكر غيرها كذلك
(423) الأحكام السلطانية/33/
(424) الآداب الشرعية/1/71/
(425) طبقات ابن سعد/3/199/وروى الطبري إلى نهاية مشورة عثمان/3/428/
(426) صحيح البخاري/ح/3700/
(427) صحيح مسلم/6/5ر3/1823/
(428) الإمامة والسياسة 1/42/
(429) رواه مسلم/ح/1823/
(430) شرح مسلم/12/446-447/
(431) الثقات لابن حبان/1/89/البداية/3/171/
(432) السيرة النبوية لابن هشام/1/63-64/
(433) تاريخ الطبري/2/62/
(434) شرح نهج البلاغة/1/135/الإرشاد/12/
(435) كشف الأسرار/155/
(436) تاريخ الطبري/2/319-320/
(437) ميزان الاعتدال/2/640/
(438) تفسير ابن أبي حاتم/ح/16015/
(439) الميزان/1/545/
(440) منهاج السنة/7/297/(1/308)
(441) ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى/292-372/
(442) صحيح البخاري/ح/7/
(443) بدائع الفوائد/3/245/
(444) وهنا ملحظ يناسب ذكره هنا: عندما بعث النبي ( علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري إلى اليمن لم يقل لمعاذ وأبي موسى إذا اختلفتم فارجعوا إلى علي لأنه معصوم فهل عصمته كانت قبل موت النبي ( أم بعد موته؟! وما هو الدليل؟!
(445) رواه أحمد/1/84/والفضائل/ح/947/وفي غيرها والترمذي/ح/3714/
(446) المصنف/6/374/ح/32132/
(447) صحيح مسلم/ح/6178/
(448) رواه الطبراني في الثلاثة/ذكره في مجمع البحرين/ح/3793/
(449) لسان الميزان/3/282/
(450) الميزان/2/457/
(451) رواه الترمذي/ح/3712/
(452) الميزان/1/407/
(453) مسلم/ح/1810/
(454) الميزان/1/410/
(455) رواه الترمذي/5/300/
(456) تهذيب التهذيب/1/410/
(457) تهذيب التهذيب/4/276/
(458) تهذيب التهذيب/4/304/
(459) رواه ابن حبان/ح/6644/(بترتيب الإحسان)
(460) لسان الميزان/2/506/
(461) ذخائر العقبى/129/
(462) فتح الباري/8/318-319/
(463) صحيح البخاري/ح/4257/
(464) المسند/4/369/
(465) الميزان/4/235/
(466) الموضوعات/1/363-369/وحديث أبي بكر رواه البخاري/ح/462/ومسلم/ح/6122/
(467) مجمع الزوائد/9/265/
(468) صحيح البخاري/ح/5/8/3701/ومسلم/ح/2404
(469) سورة المائدة (آية [54])
(470) سورة البقرة (آية [195])
(471) سورة آل عمران (آية [146])
(472) إرشاد الفحول/1/291/
(473) نهج البلاغة/526/
(474) صحيح مسلم/5/152/كتاب الجهاد باب/15/
(475) صحيح البخاري/ح/6580/ومسلم/ح/1757/
(476) تاريخ الطبري/5/33/طبقات ابن سعد/3/181و248/
(477) صحيح مسلم/5/152/كتاب الجهاد باب/15/
(478) صحيح البخاري/ح/6580/ومسلم/ح/1757/
(479) شرح النووي على مسلم/ح/1757/
(480) فيض القدير/2/174/
(481) فيض القدير/ح/2631/
(482) رواه أحمد
(483) الميزان/3/369/
(484) تهذيب الكمال/14/329/
(485) الميزان/2/274/(1/309)
(486) تنقيح المقال/2/126-128/
(487) مجمع الرجال/4/143/
(488) بحار الأنوار/51/5/
(489) تنقيح المقال/1/35و273/
(490) بصائر الدرجات/173و176و180و181و194/وتنقيح المقال/2/177/
(491) تنقيح المقال/ترجمة/10953/
(492) تنقيح المقال/3/142/
(493) المنهج الجديد والصحيح في الحوار مع الوهابيين/155/
(494) صحيح مسلم/7/123/
(495) سنن الترمذي/5/361/
(496) المستدرك/2/416/
(497) المسند/6/323/
(498) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد/388-423/وقد خصص أكثر المقصد الخامس للطعن على الصحابة
(499) سورة الأحزاب [آية(33)]
(500) سورة المائدة[آية(6)]
(501) سورة البقرة[آية(185)]
(502) سورة النساء[آية(27)]
(503) سورة الأحزاب[آية(33)]
(504) سورة يس[آية(82)]
(505) سورة الأنعام[آية(125)]
(506) سورة الحج[آية(14)]
(507) الموافقات/4/370-373/
(508) سورة النساء[آية(26-27)]
(509) سورة المائدة[آية(6)]
(510) الاقتصاد في الاعتقاد/99/
(511) معاني القرآن/4/226-227/
(512) تفسير الثعالبي
(513) تفسير النسفي
(514) الكشاف/3/546/
(515) زاد المسير
(516) مفاتح الغيب/25/169/
(517) تفسير البيضاوي/4/371/
(518) تفسير أبو السعود/7/102/
(519) التحرير والتنوير/21/247-248/
(520) صحيح مسلم/4/1883/
(521) السنن/ح/3326/
(522) السنن/3948/والمسند/26191/
(523) السنن/4038/ومسند أبي يعلى/ح/7023/
(524) المسند/26103/
(525) السنن/ح/2913/
(526) تهذيب الكمال/25/310/
(527) تهذيب الكمال/15/387/
(528) تهذيب التهذيب/3/15/
(529) تهذيب الكمال/12/190/
(530) مجمع الزوائد/7/235/
(531) جامع الأحاديث/3/349/
(532) الجرح والتعديل/4/433/
(533) المستدرك/3/124/
(534) تهذيب الكمال/17/119/
(535) تفسير الرازي/1/205و207/
(536) المستدرك/3/124/
(537) الميزان/3/88/
(538) الميزان/4/288/
(539) الميزان/3/160/
(540) رواه البخاري/3/190/ومسلم/4/1902/(1/310)
(541) رواه البخاري عن عليّ نفسه/6/88/
(542) رواه مسلم/ح/1783/
(543) نهج البلاغة/485/
(544) نهج البلاغة/183/
(545) منهاج السنة/4/226و238/
(546) جلاء العينين في محاكمة الأحمدين/6/
(547) البداية/14/137/
(548) كشف الأسرار/ 149/
(549) كشف الأسرار/155/
??
??
??
??(1/311)