الرسالة الخامسة:ذم المسألة
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الثانية
الحمد لله حمدًا مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد: فإني لما رأيت أقوامًا ممن يزعمون أنّهم دعاة إلى الله تخصصوا للتسول، وتركوا الإحتراف، فرب زرّاع يأكل أكلاً حلالاً من كسب يده، بل عمله من أفضل القربات، فقد روى البخاري ومسلم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: ((ما من مسلم يغرس غرسًا، أو يزرع زرعًا، فيأكل منه طير، أو إنسان، أو بهيمة، إلاّ كان له به صدقة)) .
ورب شخص يعمل في التجارة، وهي أيضًا من أفضل القربات، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنّه سئل: أيّ الكسب أطيب؟ قال: ((عمل الرّجل بيده، وكلّ بيع مبرور)) .
بل ربما يكون الرجل بدويًّا يأكل مما تنتجه غنمه وإبله، فيرى المتسولين يفتحون المعارض، ويبنون العمائر، فيعفو لحيته ويتشبه بالدعاة إلى الله، ويحترف التسول، أفّ لها من وظيفة مشينة مزرية، وأقبح من هذا أن أناسًا يزعمون أنّهم دعاة إلى الله تخصّصوا للتسوّل باسم الدعوة، والله عزوجل يقول في نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {ولا يسألكم أموالكم * إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم} (1).
ويقول سبحانه وتعالى: {أم تسألهم أجرًا فهم من مغرم مثقلون} (2).
ويقول سبحانه وتعالى حاكيًا عن بعض الصالحين إذ ينصح قومه: {اتّبعوا من لا يسألكم أجرًا وهم مهتدون} (3).
ويقول سبحانه وتعالى حاكيًا عن نبي الله نوح عليه السلام: {وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلاّ على ربّ العالمين} (4).
ويقول سبحانه وتعالى عن نبي الله هود عليه السلام: {وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلاّ على ربّ العالمين?}.
__________
(1) ? ... سورة محمد، الآية: 36- 37.
(2) ? ... سورة القلم، الآية: 46.
(3) ? ... سورة يس، الآية: 21.
(4) ? ... سورة الشعراء، الآية: 109.(1/1)
وهكذا حكى عن صالح، ولوط، وشعيب، عليهم السلام.
هذا فما ظنك بمن لا تهمّه الدعوة، ولا يهمه إلا اختلاس الأموال والوثوب على مصارف الزكاة الثمانية، إنّها لأحدى الكبر.
من الذي يظن أن محمدًا المهدي تهمّه الدعوة؟ وهو قد انسلخ من السنة، ويخشى عليه أن ينسلخ من الدين، وإليكم قضية حدثت في هذه الأيام، فقد حصل خصام بين فئتين، فانبرى محمد المهدي ومدير الناحية، وثالث يقال له: عبد الكريم، فحكموا بذبح أربعة أثوار عند المخطإ عليه، وهذا الذبح لغير الله حرام، وأكله حرام، لأنه ذبح لغير الله، فقيل: يا محمد هذا حرام. قال: ما هو إلا صلح.
وأخيرًا فإنني أنصح لأهل السنة أن يصبروا على الفقر، فهي الحال التي اختارها الله لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ورب العزة يقول في كتابه الكريم: {ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثّمرات وبشّر الصّابرين * الّذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} (1).
وإليك نبذة من صبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم? والصحابة رضي الله عنهم على الفقر والجوع والعري:
__________
(1) ? ... سورة البقرة، الآية: 155- 157.(1/2)
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج3 ص1609): حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة حدثنا خلف بن خليفة عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر، فقال: ((ما أخرجكما من بيوتكما هذه السّاعة))؟ قالا: الجوع يا رسول الله، قال: ((وأنا، والّذي نفسي بيده، لأخرجني الّذي أخرجكما، قوموا))، فقاموا معه، فأتى رجلاً من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلمّا رأته المرأة قالت: مرحبًا وأهلاً، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أين فلان))؟ قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء. إذ جاء الأنصاريّ فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصاحبيه، ثمّ قال: الحمد لله، ما أحد اليوم أكرم أضيافًا منّي، قال: فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر، وتمر، ورطب، فقال: كلوا من هذه. وأخذ المدية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إيّاك والحلوب))، فذبح لهم فأكلوا من الشّاة، ومن ذلك العذق، وشربوا، فلمّا أن شبعوا ورووا، قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأبي بكر وعمر: ((والّذي نفسي بيده، لتسألنّ عن هذا النّعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثمّ لم ترجعوا حتّى أصابكم هذا النّعيم)).
وحدثني إسحق بن منصور أخبرنا أبوهشام يعني المغيرة بن سلمة حدثنا عبدالواحد بن زياد حدثنا يزيد حدثنا أبوحازم قال سمعت أبا هريرة يقول: بينا أبوبكر قاعد وعمر معه، إذ أتاهما رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ((ما أقعدكما هاهنا))؟ قالا: أخرجنا الجوع من بيوتنا والّذي بعثك بالحقّ. ثمّ ذكر نحو حديث خلف بن خليفة.(1/3)
قال البخاري رحمه الله (ج6 ص610): حدثنا محمد بن الحكم أخبرنا النضر أخبرنا إسرائيل أخبرنا سعد الطائي أخبرنا محل بن خليفة عن عدي بن حاتم قال: بينا أنا عند النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثمّ أتاه آخر فشكا إليه قطع السّبيل، فقال: ((يا عديّ هل رأيت الحيرة))؟ قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها، قال: ((فإن طالت بك حياة لترينّ الظّعينة ترتحل من الحيرة، حتّى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحدًا إلا الله))، قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دعّار طيّئ، الّذين قد سعّروا البلاد؟، ((ولئن طالت بك حياة لتفتحنّ كنوز كسرى)) قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: ((كسرى ابن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترينّ الرّجل يخرج ملء كفّه من ذهب أو فضّة، يطلب من يقبله منه، فلا يجد أحدًا يقبله منه، وليلقينّ الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان، يترجم له، فليقولنّ له: ألم أبعث إليك رسولاً فيبلّغك؟ فيقول: بلى، فيقول: ألم أعطك مالاً وأفضل عليك؟ فيقول: بلى، فينظر عن يمينه، فلا يرى إلا جهنّم، وينظر عن يساره، فلا يرى إلا جهنّم))، قال عديّ: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة، فمن لم يجد شقّ تمرة، فبكلمة طيّبة))، قال عديّ: فرأيت الظّعينة ترتحل من الحيرة حتّى تطوف بالكعبة، لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترونّ ما قال النّبيّ أبوالقاسم صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخرج ملء كفّه.(1/4)
قال الإمام الترمذي رحمه الله (ج7 ص33): حدثنا العباس بن محمد أخبرنا عبدالله بن يزيد المقرئ أخبرنا حيوة بن شريح حدثني أبوهانئ الخولاني أن أبا علي عمرو بن مالك الجنبي أخبره عن فضالة بن عبيد أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا صلّى بالنّاس يخرّ رجال من قامتهم في الصّلاة من الخصاصة، وهم أصحاب الصّفّة، حتّى يقول الأعراب: هؤلاء مجانين، أو مجانون. فإذا صلّى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم انصرف إليهم، فقال: ((لو تعلمون ما لكم عند الله لأحببتم أن تزدادوا فاقةً وحاجةً)) قال فضالة: وأنا يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
هذا حديث حسن صحيح.
قال مسلم رحمه الله (ج4 ص2278): حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا حميد بن هلال عن خالد بن عمير العدوي قال: خطبنا عتبة بن غزوان فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أمّا بعد فإنّ الدّنيا قد آذنت بصرم، وولّت حذّاء، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء يتصابّها صاحبها، وإنّكم منتقلون منها إلى دار لا زوال لها، فانتقلوا بخير ما بحضرتكم، فإنّه قد ذكر لنا أنّ الحجر يلقى من شفة جهنّم فيهوي فيها سبعين عامًا لا يدرك لها قعرًا، ووالله لتملأنّ، أفعجبتم؟ ولقد ذكر لنا أنّ ما بين مصراعين من مصاريع الجنّة مسيرة أربعين سنةً، وليأتينّ عليها يوم وهو كظيظ من الزّحام، ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشّجر حتّى قرحت أشداقنا.(1/5)
قال الإمام البخاري رحمه الله (ج13 ص303): حدثنا سليمان ابن حرب حدثنا حماد عن أيوب عن محمد قال: كنّا عند أبي هريرة، وعليه ثوبان ممشّقان من كتّان، فتمخّط، فقال: بخ بخ أبوهريرة يتمخّط في الكتّان! لقد رأيتني وإنّي لأخرّ فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى حجرة عائشة مغشيًّا عليّ، فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى أنّي مجنون، وما بي من جنون ما بي إلا الجوع.
وأخرجه الترمذي (ج7 ص33) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب.(1/6)
قال الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله (ج3 ص1625) بتحقيق محمد فؤاد عبدالباقي: حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة حدثنا شبابة بن سوار حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن المقداد قال: أقبلت أنا وصاحبان لي، وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد، فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فليس أحد منهم يقبلنا، فأتينا النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فانطلق بنا إلى أهله، فإذا ثلاثة أعنز، فقال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((احتلبوا هذا اللّبن بيننا)) قال: فكنّا نحتلب فيشرب كلّ إنسان منّا نصيبه، ونرفع للنّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم نصيبه، قال: فيجيء من اللّيل فيسلّم تسليمًا لا يوقظ نائمًا، ويسمع اليقظان، قال: ثمّ يأتي المسجد فيصلّي، ثمّ يأتي شرابه فيشرب، فأتاني الشّيطان ذات ليلة وقد شربت نصيبي، فقال: محمّد يأتي الأنصار فيتحفونه، ويصيب عندهم، ما به حاجة إلى هذه الجرعة، فأتيتها فشربتها، فلمّا أن وغلت في بطني، وعلمت أنّه ليس إليها سبيل، قال: ندّمني الشّيطان، فقال: ويحك ما صنعت؟ أشربت شراب محمّد فيجيء فلا يجده، فيدعو عليك، فتهلك فتذهب دنياك وآخرتك. وعليّ شملة، إذا وضعتها على قدميّ خرج رأسي وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي، وجعل لا يجيئني النّوم، وأمّا صاحباي فناما، ولم يصنعا ما صنعت، قال: فجاء النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسلّم كما كان يسلّم، ثمّ أتى المسجد فصلّى، ثمّ أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئًا، فرفع رأسه إلى السّماء، فقلت: الآن يدعو عليّ فأهلك، فقال: ((اللهمّ أطعم من أطعمني، وأسق من أسقاني))، قال: فعمدت إلى الشّملة فشددتها عليّ، وأخذت الشّفرة، فانطلقت إلى الأعنز أيّها أسمن، فأذبحها لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإذا هي حافلة، وإذا هنّ حفّل كلّهنّ، فعمدت إلى إناء لآل محمّد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما كانوا(1/7)
يطمعون أن يحتلبوا فيه، قال: فحلبت فيه حتّى علته رغوة، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ((أشربتم شرابكم اللّيلة))، قال: قلت: يا رسول الله اشرب. فشرب، ثمّ ناولني، فقلت: يا رسول الله اشرب. فشرب، ثمّ ناولني، فلمّا عرفت أنّ النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد روي وأصبت دعوته، ضحكت، حتّى ألقيت إلى الأرض، قال: فقال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إحدى سوآتك يا مقداد)) فقلت: يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا، وفعلت كذا. فقال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((ما هذه إلا رحمة من الله، أفلا كنت آذنتني، فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها)) قال: فقلت: والّذي بعثك بالحقّ ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك، من أصابها من النّاس.
وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا النضر بن شميل حدثنا سليمان بن المغيرة بهذا الإسناد.
قال البخاري رحمه الله (ج2 ص427) حدثنا سعيد بن أبي مريم قال حدثنا أبوغسان قال حدثني أبوحازم عن سهل قال: كانت فينا امرأة تجعل على أربعاء في مزرعة لها سلقًا، فكانت إذا كان يوم جمعة تنْزع أصول السّلق فتجعله في قدر، ثمّ تجعل عليه قبضةً من شعير تطحنها، فتكون أصول السّلق عرقه، وكنّا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلّم عليها، فتقرّب ذلك الطّعام إلينا، فنلعقه، وكنّا نتمنّى يوم الجمعة لطعامها ذلك.
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص83): حدثنا عمرو بن عون حدثنا خالد بن عبدالله عن إسماعيل عن قيس قال: سمعت سعدًا رضي الله عنه يقول: إنّي لأوّل العرب رمى بسهم في سبيل الله، وكنّا نغزو مع النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما لنا طعام إلا ورق الشّجر، حتّى إنّ أحدنا ليضع كما يضع البعير أو الشّاة ما له خلط، ثمّ أصبحت بنو أسد تعزّرني على الإسلام، لقد خبت إذًا وضلّ عملي. وكانوا وشوا به إلى عمر، قالوا: لا يحسن يصلّي.(1/8)
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج1 ص55): حدثنا أبوبكر بن النضر بن أبي النضر قال حدثني أبوالنضر هاشم بن القاسم حدثنا عبيدالله الأشجعي عن مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: كنّا مع النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مسير، قال: فنفدت أزواد القوم، قال: حتّى همّ بنحر بعض حمائلهم، قال: فقال عمر: يا رسول الله لو جمعت ما بقي من أزواد القوم، فدعوت الله عليها. قال: ففعل، قال: فجاء ذو البرّ ببرّه، وذو التّمر بتمره، -قال: وقال مجاهد-: وذو النّواة بنواه، قلت: وما كانوا يصنعون بالنّوى؟ قال: كانوا يمصّونه ويشربون عليه الماء، قال: فدعا عليها، حتّى ملأ القوم أزودتهم، قال: فقال عند ذلك: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّي رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاكّ فيهما، إلا دخل الجنّة)).(1/9)
حدثنا سهل بن عثمان وأبوكريب محمد بن العلاء جميعًا عن أبي معاوية، قال أبوكريب: حدثنا أبومعاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد(1) -شك الأعمش- قال: لمّا كان غزوة تبوك أصاب النّاس مجاعة، قالوا: يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادّهنّا. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((افعلوا)) قال: فجاء عمر، فقال: يارسول الله إن فعلت قلّ الظّهر، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم، ثمّ ادع الله لهم عليها بالبركة، لعلّ الله أن يجعل في ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((نعم)) قال: فدعا بنطع فبسطه، ثمّ دعا بفضل أزوادهم، قال: فجعل الرّجل يجيء بكفّ ذرة، قال: ويجيء الآخر بكفّ تمر، قال: ويجيء الآخر بكسرة، حتّى اجتمع على النّطع من ذلك شيء يسير، قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عليه بالبركة، ثمّ قال: ((خذوا في أوعيتكم))، قال: فأخذوا في أوعيتهم، حتّى ما تركوا في العسكر وعاءً إلا ملئوه، قال: فأكلوا حتّى شبعوا، وفضلت فضلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّي رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاكّ فيحجب عن الجنّة)).
__________
(1) ? ... هذا التردد لا يضر الحديث، لأن الأشجعي قد جزم أنه أبوهريرة، وأيضًا الصحابة كلهم عدولٌ فلا يضر.(1/10)
قال البخاري رحمه الله (ج5 ص128): حدثنا بشر بن مرحوم حدثنا حاتم بن إسماعيل عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة رضي الله عنه قال: خفّت أزواد القوم وأملقوا، فأتوا النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم في نحر إبلهم، فأذن لهم، فلقيهم عمر فأخبروه، فقال: ما بقاؤكم بعد إبلكم؟ فدخل على النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: يا رسول الله ما بقاؤهم بعد إبلهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((ناد في النّاس فيأتون بفضل أزوادهم)) فبسط لذلك نطع، وجعلوه على النّطع، فقام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فدعا وبرّك عليه، ثمّ دعاهم بأوعيتهم، فاحتثى النّاس حتّى فرغوا، ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّي رسول الله)).(1/11)
قال البخاري رحمه الله (ج11 ص281): حدثني أبونعيم بنحو من نصف هذا الحديث حدثنا عمر بن ذر حدثنا مجاهد أنّ أبا هريرة كان يقول: والله الّذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشدّ الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يومًا على طريقهم الّذي يخرجون منه، فمرّ أبوبكر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمرّ ولم يفعل، ثمّ مرّ بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمرّ فلم يفعل، ثمّ مرّ بي أبوالقاسم صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتبسّم حين رآني، وعرف ما في نفسي، وما في وجهي، ثمّ قال: ((يا أبا هرّ))، قلت: لبّيك يا رسول الله. قال: ((الحقْ)) ومضى، فتبعته فدخل فاستأذن فأذن لي، فدخل فوجد لبنًا في قدح، فقال: ((من أين هذا اللّبن))؟ قالوا: أهداه لك فلان، أو فلانة. قال: ((أبا هرّ)) قلت: لبّيك يا رسول الله. قال: ((الحق إلى أهل الصّفّة فادعهم لي))، قال: وأهل الصّفّة أضياف الإسلام لا يأوون إلى أهل ولا مال، ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم، ولم يتناول منها شيئًا، وإذا أتته هديّة أرسل إليهم وأصاب منها، وأشركهم فيها، فساءني ذلك، فقلت: وما هذا اللّبن في أهل الصّفّة، كنت أحقّ أنا أن أصيب من هذا اللّبن شربةً أتقوّى بها، فإذا جاء أمرني فكنت أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللّبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بدّ، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا، فاستأذنوا فأذن لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت، قال: ((يا أبا هرّ)) قلت: لبّيك يا رسول الله، قال: ((خذ فأعطهم)) قال: فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرّجل فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ عليّ القدح، فأعطيه الرّجل فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ عليّ القدح، فيشرب حتّى يروى، ثمّ يردّ عليّ القدح، حتّى انتهيت إلى النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد روي القوم كلّهم، فأخذ القدح فوضعه على يده(1/12)
فنظر إليّ فتبسّم فقال: ((أبا هرّ))، قلت: لبّيك يا رسول الله. قال: ((بقيت أنا وأنت)) قلت: صدقت يا رسول الله. قال: ((اقعد فاشرب)) فقعدت فشربت، فقال: ((اشرب))، فشربت، فما زال يقول: ((اشرب))، حتّى قلت: لا والّذي بعثك بالحقّ ما أجد له مسلكًا. قال: ((فأرني)) فأعطيته القدح فحمد الله وسمّى، وشرب الفضلة.
قال البخاري رحمه الله (ج9 ص226): وقال إبراهيم عن أبي عثمان واسمه الجعد عن أنس بن مالك قال: مرّ بنا في مسجد بني رفاعة، فسمعته يقول: كان النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا مرّ بجنبات أمّ سليم دخل عليها، فسلّم عليها، ثمّ قال: كان النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم عروسًا بزينب، فقالت لي أمّ سليم: لو أهدينا لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هديّةً، فقلت لها: افعلي. فعمدت إلى تمر وسمن وأقط، فاتّخذت حيسةً في برمة، فأرسلت بها معي إليه، فانطلقت بها إليه. فقال لي: ((ضعها))، ثمّ أمرني، فقال:((ادع لي رجالاً –سمّاهم- وادع لي من لقيت))، قال: ففعلت الّذي أمرني، فرجعت فإذا البيت غاصّ بأهله، فرأيت النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وضع يديه على تلك الحيسة، وتكلّم بها ما شاء الله، ثمّ جعل يدعو عشرةً عشرةً، يأكلون منه، ويقول لهم: ((اذكروا اسم الله، وليأكل كلّ رجل ممّا يليه)) قال: حتّى تصدّعوا كلّهم عنها، فخرج منهم من خرج، وبقي نفر يتحدّثون، قال: وجعلت أغتمّ، ثمّ خرج النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم نحو الحجرات، وخرجت في إثره، فقلت: إنّهم قد ذهبوا فرجع، فدخل البيت وأرخى السّتر، وإنّي لفي الحجرة وهو يقول: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النّبيّ إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إنّ ذلكم كان يؤذي النّبيّ فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحقّ} قال أبوعثمان: قال أنس: إنّه خدم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم(1/13)
عشر سنين.
قال البخاري رحمه الله (ج6 ص586): حدثنا عبدالله بن يوسف أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة أنّه سمع أنس بن مالك يقول: قال أبوطلحة لأمّ سليم: لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ضعيفًا، أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟ قالت: نعم. فأخرجت أقراصًا من شعير، ثمّ أخرجت خمارًا لها، فلفّت الخبز ببعضه، ثمّ دسّته تحت يدي ولاثتني ببعضه، ثمّ أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: فذهبت به، فوجدت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المسجد ومعه النّاس، فقمت عليهم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((آرسلك أبوطلحة))؟ فقلت: نعم، قال: ((بطعام))؟ فقلت: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمن معه: ((قوموا)) فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتّى جئت أبا طلحة فأخبرته، فقال أبوطلحة: يا أمّ سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالنّاس، وليس عندنا ما نطعمهم. فقالت: الله ورسوله أعلم، فانطلق أبوطلحة، حتّى لقي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبوطلحة معه، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((هلمّي يا أمّ سليم ما عندك))، فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ففتّ وعصرت أمّ سليم عكّةً، فأدمته، ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيه ما شاء الله أن يقول، ثمّ قال: ((ائذن لعشرة))، فأذن لهم، فأكلوا حتّى شبعوا، ثمّ خرجوا، ثمّ قال: ((ائذن لعشرة))، فأذن لهم، فأكلوا حتّى شبعوا، ثمّ خرجوا، ثمّ قال: ((ائذن لعشرة))، فأذن لهم، فأكلوا حتّى شبعوا، ثمّ خرجوا، ثمّ قال: ((ائذن لعشرة))، فأكل القوم كلّهم وشبعوا، والقوم سبعون أو ثمانون رجلاً.
أخرجه مسلم (ج3 ص1612).(1/14)
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص395): حدثني عمرو بن علي حدثنا أبوعاصم أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان أخبرنا سعيد بن ميناء قال سمعت جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: لمّا حفر الخندق رأيت بالنّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم خمصًا شديدًا، فانكفأت إلى امرأتي، فقلت: هل عندك شيء؟ فإنّي رأيت برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خمصًا شديدًا. فأخرجت إليّ جرابًا فيه صاع من شعير، ولنا بهيمة داجن فذبحتها، وطحنت الشّعير، ففرغتْ إلى فراغي وقطّعتها في برمتها، ثمّ ولّيت إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقالت: لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبمن معه. فجئته فساررته، فقلت: يا رسول الله ذبحنا بهيمةً لنا، وطحنّا صاعًا من شعير كان عندنا، فتعال أنت ونفر معك. فصاح النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ((ياأهل الخندق، إنّ جابرًا قد صنع سورًا، فحيّ هلاً بكم))، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لا تنْزلنّ برمتكم، ولا تخبزنّ عجينكم، حتّى أجيء)) فجئت وجاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقدم النّاس، حتّى جئت امرأتي، فقالت: بك وبك. فقلت: قد فعلت الّذي قلت، فأخرجت له عجينًا فبصق فيه وبارك، ثمّ عمد إلى برمتنا فبصق وبارك، ثمّ قال:((ادع خابزةً فلتخبز معي، واقدحي من برمتكم، ولا تنْزلوها))، وهم ألف، فأقسم بالله لقد أكلوا حتّى تركوه، وانحرفوا، وإنّ برمتنا لتغطّ كما هي، وإنّ عجيننا ليخبز كما هو.(1/15)
قال البخاري رحمه الله (ج7 ص 395): حدثنا خلاد بن يحيى حدثنا عبدالواحد بن أيمن عن أبيه قال: أتيت جابرًا رضي الله عنه، فقال: إنّا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة، فجاءوا النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالوا: هذه كدية عرضت في الخندق، فقال: ((أنا نازل)) ثمّ قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيّام لا نذوق ذواقًا، فأخذ النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم المعول، فضرب فعاد كثيبًا أهيل، أو أهيم، فقلت: يا رسول الله ائذن لي إلى البيت. فقلت لامرأتي: رأيت بالنّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم شيئًا ما كان في ذلك صبر، فعندك شيء؟ قالت: عندي شعير وعناق، فذبحت العناق، وطحنت الشّعير، حتّى جعلنا اللّحم في البرمة، ثمّ جئت النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم والعجين قد انكسر، والبرمة بين الأثافيّ قد كادت أن تنضج، فقلت: طعيّم لي، فقم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان. قال: ((كم هو))؟ فذكرت له، قال: ((كثير طيّب))، قال: ((قل لها: لا تنْزع البرمة، ولا الخبز من التّنّور، حتّى آتي)) فقال: ((قوموا))، فقام المهاجرون والأنصار، فلمّا دخل على امرأته قال: ويحك، جاء النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم، قالت: هل سألك؟ قلت: نعم. فقال: ((ادخلوا ولا تضاغطوا))، فجعل يكسر الخبز ويجعل عليه اللّحم ويخمّر البرمة والتّنّور إذا أخذ منه ويقرّب إلى أصحابه، ثمّ ينْزع فلم يزل يكسر الخبز ويغرف، حتّى شبعوا، وبقي بقيّة، قال: ((كلي هذا وأهدي، فإنّ النّاس أصابتهم مجاعة)).
وأخرجه مسلم (ج3 ص1610).(1/16)
قال البخاري رحمه الله (ج5 ص128): حدثنا عبدالله بن يوسف أخبرنا مالك عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أنّه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعثًا قبل السّاحل، فأمّر عليهم أبا عبيدة بن الجرّاح، وهم ثلاث مائة، وأنا فيهم، فخرجنا، حتّى إذا كنّا ببعض الطّريق، فني الزّاد، فأمر أبوعبيدة بأزواد ذلك الجيش فجمع ذلك كلّه، فكان مزودي تمر، فكان يقوّتنا كلّ يوم قليلاً قليلاً، حتّى فني، فلم يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة، فقلت: وما تغني تمرة؟، فقال: لقد وجدنا فقدها حين فنيت. قال: ثمّ انتهينا إلى البحر فإذا حوت مثل الظّرب، فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشرة ليلةً، ثمّ أمر أبوعبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا، ثمّ أمر براحلة فرحلت، ثمّ مرّت تحتهما، فلم تصبهما.
وأخرجه مسلم (ج3 ص 1536).
قال البخاري رحمه الله (ج5 ص230): حدثنا أبوالنعمان حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي عثمان عن عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال: كنّا مع النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثلاثين ومائةً، فقال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((هل مع أحد منكم طعام)) فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه، فعجن ثمّ جاء رجل مشرك مشعانّ طويل بغنم يسوقها، فقال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((بيعًا أم عطيّةً))؟ -أو قال: ((أم هبةً))؟- قال: لا، بل بيع. فاشترى منه شاةً، فصنعت، وأمر النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم بسواد البطن أن يشوى، وايم الله ما في الثّلاثين والمائة، إلا قد حزّ النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم له حزّةً من سواد بطنها، إن كان شاهدًا أعطاها إيّاه، وإن كان غائبًا خبأ له، فجعل منها قصعتين، فأكلوا أجمعون وشبعنا، ففضلت القصعتان فحملناه على البعير. أو كما قال.
وأخرجه مسلم (ج3 ص1637).(1/17)
قال البخاري رحمه الله (ج1 ص215): حدثنا أحمد بن أبي بكر أبومصعب قال حدثنا محمد بن إبراهيم بن دينار عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبريّ عن أبي هريرة قال: قلت: يا رسول الله إنّي أسمع منك حديثًا كثيرًا أنساه، قال: ((ابسط رداءك))، فبسطته، قال: فغرف بيديه ثمّ قال: ((ضمّه))، فضممته، فما نسيت شيئًا بعده. حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا ابن أبي فديك بهذا أو قال: غرف بيده فيه.
وقال رحمه الله (ج4 ص287): حدثنا أبواليمان حدثنا شعيب عن الزهريّ قال أخبرني سعيد بن المسيب وأبوسلمة بن عبدالرحمن أنّ أبا هريرة رضي الله عنه قال: إنّكم تقولون: إنّ أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتقولون: ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدّثون عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمثل حديث أبي هريرة، وإنّ إخوتي من المهاجرين، كان يشغلهم صفق بالأسواق، وكنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ملء بطني، فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، وكان يشغل إخوتي من الأنصار عمل أموالهم، وكنت امرأً مسكينًا من مساكين الصّفّة أعي حين ينسون، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث يحدّثه: ((إنّه لن يبسط أحد ثوبه حتّى أقضي مقالتي هذه، ثمّ يجمع إليه ثوبه إلا وعى ما أقول))، فبسطت نمرةً عليّ حتّى إذا قضى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مقالته جمعتها إلى صدري، فما نسيت من مقالة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تلك من شيء.
وأخرجه مسلم (ج4 ص1939، 1940).(1/18)
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص417): حدثنا علي بن إسحاق أخبرنا عبدالله يعني ابن مبارك قال أخبرنا الأوزاعيّ قال حدثني المطلب بن حنطب المخزوميّ قال حدثني عبدالرحمن بن أبي عمرة الأنصاريّ حدثني أبي قال: كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غزاة فأصاب النّاس مخمصة، فاستأذن النّاس رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في نحر بعض ظهورهم، وقالوا: يبلّغنا الله به، فلمّا رأى عمر بن الخطّاب أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد همّ أن يأذن لهم في نحر بعض ظهرهم، قال: يا رسول الله كيف بنا إذا نحن لقينا القوم غدًا جياعًا أرجالاً، ولكن إن رأيت يا رسول الله أن تدعو لنا ببقايا أزوادهم فتجمعها ثمّ تدعو الله فيها بالبركة، فإنّ الله تبارك وتعالى سيبلّغنا بدعوتك. أو قال: سيبارك لنا في دعوتك. فدعا النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ببقايا أزوادهم فجعل النّاس يجيئون بالحثية من الطّعام، وفوق ذلك، وكان أعلاهم من جاء بصاع من تمر، فجمعها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثمّ قام فدعا ما شاء الله أن يدعو، ثمّ دعا الجيش بأوعيتهم فأمرهم أن يحتثوا. فما بقي في الجيش وعاء إلا ملئوه، وبقي مثله، فضحك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتّى بدت نواجذه، فقال: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّي رسول الله لا يلقى الله عبد مؤمن بهما إلا حجبت عنه النّار يوم القيامة)).
حديث صحيح ورجاله ثقات.(1/19)
قال الإمام ابن حبان رحمه الله كما في "الموارد" ص(418): أخبرنا عبدالله بن محمد بن سلم(1) حدثنا حرملة بن يحيى حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن نافع بن جبير عن ابن عباس أنّه قيل لعمر بن الخطاب: حدّثنا عن شأن العسرة. قال: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلاً أصابنا فيه عطش، حتّى ظننّا أنّ رقابنا ستنقطع، حتّى إنْ كان الرّجل ليذهب يلتمس المًاء فلا يرجع حتّى نظنّ أنّ رقبته ستنقطع حتّى إنّ الرّجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه، ويجعل مابقي على كبده، فقال أبوبكر الصّدّيق: يارسول الله قد عوّدك الله في الدّعاء خيرًا، فادع؟ قال: ((أتحبّ ذّلك))؟ قال: نعم. قال: فرفع يديه صلى الله عليه وعلى آله وسلمفلم يرجعها حتّى أطلّت سحابة ثمّ سكبت، فملأوا ما معهم، ثمّ ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر.
حديث صحيح، وحرملة بن يحيى أعلم الناس في ابن وهب قاله الدوري عن ابن معين كما في "تهذيب التهذيب".
__________
(1) ? ... لم أجد له ترجمة، وقد أكثر عنه ابن حبان رحمه الله، لكن في { المقدمة للموارد } أنه: المقدسي الخطيب، فرجعت إلى { الأنساب } فوجدته عبدالله بن سالم، فالظاهر أنه نُسب إلى جده، وتحرَّف سلمٌ إلى سالم، وقد وصِف بأنه مكثرٌ، وذكر من الرواة عنه ابن حبان.(1/20)
قال الإمام محمد بن حبان رحمه الله كما في "الموارد" ص(526): أنبأنا عمر بن محمد الهمداني(1) حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا يحيى بن سليم حدثنا عبدالله بن عثمان بن خثيم عن أبي الطفيل عن ابن عباس أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمّا نزل مران حيث صالح قريشًا، بلغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنّ قريشًا تقول: إنّما بايع أصحاب محمّد ضعفًا وهولاً(2) فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لو نحرنا ظهرنا فأكلنا لحومها وشحومها، وحسونا من المرق، أصبحنا غدًا إذا غدونا عليهم وبنا جمام، قال: ((لا ولكن ائتوني بما فضل من أزوادكم))، فبسطوا أنطاعًا ثمّ صبّوا عليها مافضل من أزوادهم، فدعا لهم النّبيّصلى الله عليه وعلى آله وسلم? بالبركة، فأكلوا حتّى تضلّعوا شبعًا، ثمّ كفتوا مافضل من أزوادهم في جربهم.
هذا حديث حسن، ويحيى بن سليم قد تكلّم فيه، ولكنه قال الإمام أحمد: قد أتقن حديث ابن خثيم، كما في "تهذيب التهذيب" وخص النسائي ضعفه في عبيدالله بن عمر العمري كما في "تهذيب التهذيب)).
__________
(1) ? ... هو عمر بن محمد بن بجير، وهو حافظٌ كبيرٌ كما في { تذكرة الحفاظ } .
(2) ? ... كذا، فليراجع إن شاء الله مصدرٌ أخر، من أجل النظر لعل ماههنا محرف.(1/21)
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص487): حدثنا عبدالصمد بن عبدالوارث قال حدثني أبي حدثنا داود يعني ابن أبي هند عن أبي حرب، أنّ طلحة حدّثه وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أتيت المدينة وليس لي بها معرفة، فنزلت في الصّفّة مع رجل، فكان بيني وبينه كلّ يوم مدّ من تمر، فصلّى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات يوم، فلمّا انصرف، قال رجل من أصحاب الصّفّة: يا رسول الله أحرق بطوننا التّمر، وتخرّقت عنّا الخنف. فصعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فخطب ثمّ قال: ((والله لو وجدت خبزًا، أو لحمًا لاطعمتكموه، أما إنّكم توشكون أن تدركوا، ومن أدرك ذلك منكم أن يراح عليكم بالجفان، وتلبسون مثل أستار الكعبة))، قال: فمكثت أنا وصاحبي ثمانية عشر يومًا وليلةً، ما لنا طعام إلا البرير(1)، حتّى جئنا إلى إخواننا من الأنصار، فواسونا، وكان خير ما أصبنا هذا التّمر.
حديث صحيح على شرط مسلم.
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص324): حدثنا عبدالصمد حدثني أبي ثنا الجريري عن عبدالله بن شقيق قال: أقمت بالمدينة مع أبي هريرة سنةً، فقال لي ذات يوم، ونحن عند حجرة عائشة: لقد رأيتنا وما لنا ثياب إلا البراد المفتّقة، وإنّه ليأتي على أحدنا الأيّام ما يجد طعامًا يقيم به صلبه، حتّى إن كان أحدنا ليأخذ الحجر فيشدّه على أخمص بطنه، ثمّ يشدّه بثوبه ليقيم به صلبه، فقسّم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات يوم بيننا تمرًا، فأصاب كلّ إنسان منّا سبع تمرات فيهنّ حشفة، فما سرّني أنّ لي مكانها تمرةً جيّدةً، قال: قلت: لم، قال: تشدّ لي من مضغي.
هذا حديث صحيح على شرط مسلم، والجريري هو: سعيد بن إياس مختلط، ولكن عبدالوارث بن سعيد، سمع منه قبل الإختلاط كما في "الكواكب النيرات".
__________
(1) ? ... البرير: ثمر الأراك إذا اسودَّ وبلغ، وقيل: هو اسمٌ له في كل حال، { النهاية } .(1/22)
قال الإمام البخاري رحمه الله (ج2 ص298): حدثنا محمد بن كثير قال أخبرنا سفيان عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: كان النّاس يصلّون مع النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهم عاقدو أزرهم من الصّغر على رقابهم، فقيل للنّساء: لا ترفعن رءوسكنّ حتّى يستوي الرّجال جلوسًا.
قال الحافظ في "الفتح" (ج1 ص348): وفي رواية أبي داود من طريق وكيع عن الثوري: عاقدي أزرهم في أعناقهم من ضيق الأزر. اهـ المراد من "الفتح".
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص348): حدثنا سريج بن النعمان قال ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((يا معشر النّساء، من كان منكنّ تؤمن بالله واليوم الآخر، فلا ترفع رأسها حتّى يرفع الإمام رأسه))، من ضيق ثياب الرّجال.
هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح.
قال الإمام البخاري رحمه الله (ج3 ص142): حدثنا محمد بن مقاتل أخبرنا عبدالله أخبرنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم أن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه أتي بطعام، وكان صائمًا، فقال: قتل مصعب بن عمير، وهو خير منّي، كفّن في بردة إن غطّي رأسه بدت رجلاه، وإن غطّي رجلاه بدا رأسه. وأراه قال: وقتل حمزة وهو خير منّي، ثمّ بسط لنا من الدّنيا ما بسط. أو قال: أعطينا من الدّنيا ما أعطينا، وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجّلت لنا، ثمّ جعل يبكي، حتّى ترك الطّعام.(1/23)
قال الإمام البخاري رحمه الله (ج3 ص142): حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا شقيق حدثنا خباب رضي الله عنه قال: هاجرنا مع النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم نلتمس وجه الله، فوقع أجرنا على الله فمنّا من مات لم يأكل من أجره شيئًا، منهم: مصعب بن عمير، ومنّا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها، قتل يوم أحد فلم نجد ما نكفّنه، إلا بردةً، إذا غطّينا بها رأسه، خرجت رجلاه، وإذا غطّينا رجليه خرج رأسه، فأمرنا النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن نغطّي رأسه، وأن نجعل على رجليه من الإذخر.
قال الإمام البخاري رحمه الله (ج10 ص322): حدثنا عبدالله ابن مسلمة حدثنا عبدالعزيز بن أبي حازم أنّه سمع سهلاً يقول: جاءت امرأة إلى النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالت: جئت أهب نفسي. فقامت طويلاً، فنظر وصوّب، فلمّا طال مقامها، فقال رجل: زوّجنيها إن لم يكن لك بها حاجة. قال: ((عندك شيء تصدقها))؟ قال: لا. قال: ((انظر)) فذهب، ثمّ رجع، فقال: والله إنْ وجدت شيئًا. قال: ((اذهب فالتمس ولو خاتمًا من حديد)) فذهب، ثمّ رجع قال: لا والله ولا خاتمًا من حديد. وعليه إزار ما عليه رداء، فقال: أصدقها إزاري؟ فقال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إزارك إن لبسته لم يكن عليك منه شيء، وإن لبسْته لم يكن عليها منه شيء))، فتنحّى الرّجل فجلس، فرآه النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم مولّيًا، فأمر به فدعي، فقال: ((ما معك من القرآن))؟ قال: سورة كذا وكذا، لسور عدّدها، قال: ((قد ملّكتكها بما معك من القرآن)).(1/24)
قال الإمام أبوداود رحمه الله (ج8 ص306): حدثنا أبوتوبة الربيع بن نافع أخبرنا معاوية بن سلاّم عن زيد أنّه سمع أبا سلاّم قال حدثني عبدالله(1) الهوزني قال: لقيت بلالاً مؤذّن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بحلب، فقلت: يا بلال حدّثني كيف كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ قال: ما كان له شيء، كنت أنا الّذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله إلى أن توفّي، وكان إذا أتاه الإنسان مسلمًا فرآه عاريًا يأمرني فأنطلق فأستقرض فأشتري له البردة، فأكسوه، وأطعمه، حتّى اعترضني رجل من المشركين، فقال: يا بلال إنّ عندي سعةً فلا تستقرضْ من أحد إلاّ منّي. ففعلت فلمّا أن كان ذات يوم توضّأت ثمّ قمت لأؤذّن بالصّلاة، فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التّجّار، فلمّا أن رآني قال: يا حبشيّ. قلت: يا لبّاه. فتجهّمني، وقال لي قولاً غليظًا، وقال لي: أتدري كم بينك وبين الشّهر؟ قال: قلت: قريب. قال: إنّما بينك وبينه أربع، فآخذك بالّذي عليك فأردّك ترعى الغنم كما كنت قبل ذلك. فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس النّاس، حتّى إذا صلّيت العتمة رجع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى أهله، فاستأذنت عليه فأذن لي، فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمّي إنّ المشرك الّذي كنت أتديّن منه قال لي كذا وكذا، وليس عندك ما تقضي عنّي ولا عندي وهو فاضحي، فأذنْ لي أن آبق إلى بعض هؤلاء الأحياء الّذين قد أسلموا حتّى يرزق الله رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما يقضي عنّي. فخرجت حتّى إذا أتيت منْزلي فجعلت سيفي وجرابي ونعلي ومجنّي عند رأسي، حتّى إذا انشقّ عمود الصّبح الأوّل أردت أن أنطلق فإذا إنسان يسعى يدعو: يا بلال أجب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فانطلقت، حتّى أتيته فإذا أربع ركائب مناخات عليهنّ أحمالهنّ، فاستأذنت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أبشر فقد جاءك الله
__________
(1) ? ... هو عبدالله بن لحي الهوزني.(1/25)
بقضائك)) ثمّ قال: ((ألم تر الرّكائب المناخات الأربع))؟ فقلت: بلى، فقال: ((إنّ لك رقابهنّ، وما عليهنّ، فإنّ عليهنّ كسوةً وطعامًا، أهداهنّ إليّ عظيم فدك، فاقبضهنّ واقض دينك))، ففعلت، فذكر الحديث: ثمّ انطلقت إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قاعد في المسجد فسلّمت عليه، فقال: ((ما فعل ما قبلك))؟ قلت: قد قضى الله كلّ شيء كان على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلم يبق شيء، قال: ((أفضل شيء))؟ قلت: نعم، قال: ((انظر أن تريحني منه، فإنّي لست بداخل على أحد من أهلي حتّى تريحني منه))، فلمّا صلّى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم العتمة دعاني، فقال: ((ما فعل الّذي قبلك))؟ قال: قلت: هو معي لم يأتنا أحد، فبات رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المسجد، وقصّ الحديث: حتّى إذا صلّى العتمة –يعني- من الغد دعاني، قال: ((ما فعل الّذي قبلك))؟ قال: قلت: قد أراحك الله منه يا رسول الله، فكبّر وحمد الله شفقًا من أن يدركه الموت وعنده ذلك، ثمّ اتّبعته حتّى إذا جاء أزواجه فسلّم على امرأة امرأة حتّى أتى مبيته، فهذا الّذي سألتني عنه.
هذا حديث صحيح ورواته ثقات.
هذا وقد ذكرت بحمد الله في "ذم المسألة" آيات قرآنية، وأحاديث صحيحة بأسانيدها الصحيحة، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيّ عن بينة.
وبهذا تنتهي مقدمة الطبعة الثانية، وهي بحمد الله تعتبر متممة.
والحمد لله رب العالمين.
مقدمة الطبعة ألأولى
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله.(1/26)
أما بعد: فمن أعظم نعم الله على العبد نعمة المال. فبه يوصل الرحم، الذي يكون سببًا لطول العمر، والبركة في المال، كما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من أحبّ أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه)). متفق عليه من حديث أنس، وأخرجه البخاري من حديث أبي هريرة.
وبه ينال صاحبه إذا صرفه في مصارفه مخلصًا في ذلك الأجر العظيم، قال الله سبحانه وتعالى: {مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبّة أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم * الّذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثمّ لا يتبعون ما أنفقوا منًّا ولا أذًى لهم أجرهم عند ربّهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (1)
وقال سبحانه وتعالى: {الّذين ينفقون أموالهم باللّيل والنّهار سرًّا وعلانيةً فلهم أجرهم عند ربّهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (2).
وبه يتألّف الشارد والمعاند، فقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعطي الرجل في حال كونه يبغض النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فما يأتى زمن إلا وهو أحب الخلق إليه.
ذلكم المال الذي أساء التصرف فيه نوعان:
أحدهما: التجار، فلا يتحرّون إنفاقه في مصارفه الشرعية، بل ربما بعضهم لا يؤدّي الزكاة، وبعضهم يصرفها في غير مصارفها الشرعية، فهو يدعم الحزبية التي شتتت المسلمين وأضعفت قواهم.
والتجار بصنيعهم هذا لا يدرون أنّهم يعاونون على الباطل، وربما يعاونون على انتشار الصوفية، أو التشيع المبتدعين اللذيْن وقفا حجر عثرة في طريق سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
والثاني: قوم يتلصّصون لأخذ الزكوات وليسوا مصرفًا، ثم يصرفونها في مصالحهم الشخصية.
__________
(1) ? ... سورة البقرة، الآية: 261- 262.
(2) ? ... سورة البقرة، الآية: 274.(1/27)
وأقبح من هذا ما يحصل من بعض طلبة العلم يضيع وقته، ويهين العلم والدعوة، ركضًا من أرض الحرمين إلى الكويت، إلى قطر، إلى أبي ظبي، مالك يا فلان؟ فيقول: عليّ دين، أو أريد أن أبني مسجدًا وسكنًا للإمام (وهو نفسه الإمام)، وأريد سيارةً للدعوة، وأريد أن أتزوج.
آه آه، وإنّ طلب علم نهايته الشحاذة لا خير فيه:
ولو أنّ أهل العلم صانوه صانهم ولكن أهانوه فهان ودنّسوا?
?
ولو عظّموه في النّفوس لعظّما
محيّاه بالأطماع حتى تجهّما
ولم أر أحدًا أبصر في التلصص لاستخراج المال، من الإخوان المفلسين، فهم يصورون للناس أن القضية التي يدعون إليها هي الإسلام، وإذا لم يبذل المال في هذه القضية، انتصر الكفر على الإسلام، وهكذا القضية تلو القضية، وكلما انتهت تلك القضية ولم ير الناس لها أثرًا في نصرة الدين، بل ربما تكون عارًا على الإسلام، شغلوا الناس بقضية أخرى، فأين ثمرة تلكم المظاهرات التي يقلّدون فيها أعداء الإسلام، وأين ثمرات مؤتمر الوحدة والسلام؟ وأين ثمرات الانتخابات الطاغوتية؟ نحن نقول هذا حزنًا على الدين، وتألّمًا من قلب الحقائق، لا أننا نغبطهم على جمع الأموال، فهم سيسألون عنها يوم القيامة.
وأخيرًا، فإني أنصح الذين يلهثون بعد جمع الأموال، فالذي لم يتزوج قد أرشده الله ماذا يعمل فقال: {وليستعفف الّذين لا يجدون نكاحًا حتّى يغنيهم الله من فضله} (1).
وفي "الصحيحين" عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :((يا معشر الشّباب، من استطاع الباءة فليتزوّج، فإنّه أغضّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصّوم فإنّه له وجاء)).
على أني أنصح الأغنياء بمساعدته من غير أن يسأل، حتى يتفرغ للعلم والتعليم.
والذي عليه دين أنصحه أن يعمل حتى يقضي الله دينه.
__________
(1) ? ... سورة النور، الآية: 33.(1/28)
وهكذا بناء المسجد لا يجوز أن يهين نفسه، ويهين العلم والدعوة، من أجل بناء مسجد، فالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أراد أن يبني مسجدًا قال: ((يا بني النّجّار ثامنوني بحائطكم))، أي: من أجل أن يبني فيه مسجدًا، فقالوا: بل هو لله ولرسوله.
على أنه يمكن أن يبني مسجدًا من الطين واللبن بنحو مائة ألف ريال يمني، والوقت الذي تصرفه في المسألة، يمكن أن تصرفه في عمارة المسجد والعمل فيه ودعوة الناس إلى العمل بأيديهم.
فالأموال التي تكون فيها إهانة للعلم وللدعاة إلى الله، أو دعوة إلى حزبية، أو جعل المساجد للشحاذة، فلسنا بحاجتها.
ويالله كم من داعية كبير تراه يحفظ الآيات التي فيها ترغيب في الصدقة، وينتقل من هذا المسجد إلى هذا المسجد: {وما تقدّموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرًا وأعظم أجرًا} (1).
وانقلب المسكين من داعية إلى شحاذ، وصدق الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ يقول: ((لكلّ أمّة فتنةً، وفتنة أمّتي المال)).
وتلكم الجمعيات التي لا يؤذن لها إلا بشروط أن تكون تحت رقابة الشئون الاجتماعية، وأن يكون فيها انتخابات، وأن يوضع مالها في البنوك الربوية، ثم يلبّس أصحابها على الناس ويقولون: هل بناء المساجد، وحفر الآبار، وكفالة اليتامى حرام؟ فيقال لهم: ياأيها الملبّسون: من قال لكم: إن هذه حرام؟ فالحرام هي الحزبية، وفرقة المسلمين، وضياع أوقاتكم في الشحاذة، ولقد انقلبت العمرة في رمضان إلى شحاذة:
يا مشعر القراء ويا ملح البلد ما يصلح الملح إذا الملح فسد
__________
(1) ? ... سورة المزمل، الآية: 20.(1/29)
وهناك غير واحد يركضون باسم دعوة أهل السنة بدماج، وذاك يطلب تزكية، وذاك يطلب شفاعة، وأنا بسبب كثرة شواغلي أشغل عن التفكير في التاريخ، فتبقى هذه الشفاعة صالحة لأي وقت، وربما صوّرت لآخر، وبعد اطلاعي على هذا التلاعب المخزي فإني أبطل كل الشفاعات السابقة وتنتهي من يومنا هذا (4/شهر ذي الحجة/ سنة 1413هـ) حتى لا نعين على إهانة الدعوة.
ولا داعي لعرض ما يحصل من المتسولين باسم الدعوة، فذاك يزور له ختمًا، وذاك يركض إلى هنا وهناك وكأنه الوكيل الوحيد للدعوة.
بلغنى ذلك عن شخص بالمدينة، وآخر بمكة، نسأل الله أن يهديهما وأن يتوب عليهما، فمن أجل هذه الدناءة رأيت أن أجمع رسالة في (ذم المسألة) ليعلم أنني بريء مما يحدث، وإني أنكره، ومن أجل أنّ أخوةً مستفيدين صرفوا عن مواصلة طلب العلم، وشغلوا، وأصبحوا يجرون بعد الدنيا، ويقولون: نحن من طلبة (الوادعي)، هدانا الله وإياهم. آمين.
وبعد الانتهاء من المقدمة، فإلى الرسالة.
والحمد لله.
فضل الصدقة
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص321): ثنا عبدالرزاق أنا معمر عن ابن خثيم عن عبدالرحمن بن سابط(1) عن جابر بن عبدالله أنّ النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لكعب بن عجرة: ((أعاذك الله من إمارة السّفهاء)) قال: وما إمارة السّفهاء؟ قال: ((أمراء يكونون بعدي، لا يقتدون بهديي، ولا يستنّون بسنّتي، فمن صدّقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا منّي ولست منهم، ولا يردوا عليّ حوضي، ومن لم يصدّقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك منّي، وأنا منهم، وسيردوا عليّ حوضي، يا كعب بن عجرة، الصّوم جنّة، والصّدقة تطفئ الخطيئة، والصّلاة قربان، -أو قال-: برهان، يا كعب بن عجرة إنّه لا يدخل الجنّة لحم نبت من سحت النّار أولى به، يا كعب بن عجرة النّاس غاديان، فمبتاع نفسه فمعتقها، وبائع نفسه فموبقها)).
__________
(1) ? ... في الأصل: عبدالرحمن بن ثابت، والصواب ماأثبتناه.(1/30)
هذا حديث حسن، وإن كان ابن معين يقول: إنّ حديث عبدالرحمن بن سابط مرسل، كما في "تهذيب التهذيب"، فقد أثبت له ابن أبي حاتم السماع من جابر، والمثبت مقدم على النافي.
وابن خثيم هو عبدالله بن عثمان بن خثيم، حسن الحديث.
وأخرجه معمر في "الجامع" كما في آخر "مصنف عبدالرزاق" (ج11 ص345).
وقال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص 319): حدثنا وهيب حدثنا عبدالله بن عثمان ابن خثيم به. وقد وقع في هذا السند تخليط، ففيه: حدثنا وهيب، حدثنا عبدالله بن وهيب، حدثنا عبدالله بن عثمان بن خثيم، والصواب ما أثبتناه، فوهيب يرويه عن عبدالله بن عثمان كما في "كشف الأستار" (ج2 ص241).
الحديث أخرجه البزار كما في كشف الأستار (ج2 ص241) فقال رحمه الله: حدثنا عمرو بن علي ثنا معلى بن أسد ثنا وهيب به.
ثم قال: لا نعلمه بهذا اللفظ عن جابر إلاّ بهذا الإسناد.
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص147): ثنا علي بن إسحاق أنا عبدالله بن المبارك أنا حرملة بن عمران أنه سمع يزيد بن أبي حبيب يحدّث أنّ أبا الخير حدّثه أنّه سمع عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((كلّ امرئ في ظلّ صدقته، حتّى يفصل بين النّاس -أو قال: يحكم- بين النّاس)) قال يزيد: وكان أبوالخير لا يخطئه يوم إلا تصدّق فيه بشيء، ولو كعكةً أو بصلةً، أو كذا.
هذا حديث صحيح.
الحديث أخرجه أبويعلى (ج2 ص301) فقال رحمه الله: حدثنا إبراهيم بن الحجاج السلمي حدثنا ابن المبارك به.
وأخرجه الحاكم (ج1 ص416) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.(1/31)
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص72): ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة ثنا الأزرق بن قيس عن يحيى بن يعمر عن رجل من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((أوّل ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن أتمّها، كتبت له تامّةً، وإن لم يكن أتمّها قال: انظروا تجدون لعبدي من تطوّع، فأكملوا ما ضيّع من فريضته، ثمّ الزّكاة، ثمّ تؤخذ الأعمال على حسب ذلك)).
هذا حديث صحيح.
قال أبوداود رحمه الله (ج7 ص256): حدثنا مؤمل بن الفضل الحراني أخبرنا الوليد أخبرنا ابن جابر عن زيد بن أرطأة الفزاري عن جبير ابن نفير الحضرمي أنّه سمع أبا الدرداء يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((ابغوني الضّعفاء، فإنّما ترزقون وتنصرون بضعفائكم)) قال أبوداود: زيد بن أرطاة أخو عديّ بن أرطاة.
هذا حديث صحيح ورجاله ثقات.
وأخرجه الترمذي (ج7 ص357) فقال: حدثنا أحمد بن محمد حدثنا ابن المبارك حدثنا عبدالرحمن بن يزيد بن جابر به. ثم قال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه النسائي (ج6 ص45).(1/32)
قال الحاكم رحمه الله: حدثنا أبوالعباس محمد بن يعقوب ثنا الربيع بن سليمان ثنا عبدالله بن وهب أخبرني أبوهانئ عن عمرو بن مالك الجنبي عن فضالة بن عبيد عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج ذات يوم على راحلته وأصحابه معه بين يديه، فقال معاذ بن جبل: يانبيّ الله أتأذن لي في أن أتقدّم إليك على طيبة نفس؟ قال: ((نعم))، فاقترب معاذ إليه فسارا جميعًا، فقال معاذ: بأبي أنت وأمّي يارسول الله أسأل الله أن يجعل يومنا قبل يومك، أرأيت إن كان شيء ولا نرى شيئًا إن شاء الله تعالى، فأيّ الأعمال نعملها بعدك؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ((الجهاد في سبيل الله))، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((نعم الشّيء الجهاد، والذّي بالنّاس أملك من ذلك فالصّيام والصّدقة -قال:- نعم الشّيء الصّيام والصّدقة)). فذكر معاذ كلّ خير يعمله ابن آدم، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((وعاد بالنّاس خير من ذلك))؟ قال: فماذا بأبي أنت وأمّي عاد بالنّاس خير من ذلك؟ قال: فأشار رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى فيه، قال:((الصّمت إلاّ من خير)) قال: وهلْ نؤاخذ بما تكلّمت به ألسنتنا؟ فضرب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فخذ معاذ ثمّ قال: ((يا معاذ ثكلتك أمّك -أو ما شاء الله أن يقول له من ذلك- وهل يكبّ الناس على مناخرهم في جهنّم إلاّ ما نطقت به ألسنتهم، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليسكت عن شرّ، قولوا خيرًا تغنموا واسكتوا عن شرّ تسلموا)).
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
كذا قال، وهو صحيح، لكنه ليس على شرطهما، لأنّهما لم يخرجا لعمرو بن مالك الجنبي في "الصحيح".(1/33)
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص146): حدثنا حسن ثنا حماد ابن سلمة عن ثابت عن أنس أنّ رجلاً قال: يا رسول الله إنّ لفلان نخلةً، وأنا أقيم حائطي بها، فأمره أن يعطيني حتّى أقيم حائطي بها، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أعطها إيّاه بنخلة في الجنّة))، فأبى، فأتاه أبوالدّحداح فقال: بعني نخلتك بحائطي، ففعل، فأتى النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: يا رسول الله إنّي قد ابتعت النّخلة بحائطي، قال: فاجعلها له، فقد أعطيتكها. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((كم من عذق راح، لأبي الدّحداح في الجنّة))، قالها مرارًا، قال: فأتى امرأته فقال: ياأمّ الدّحداح اخرجي من الحائط، فإنّي قد بعته بنخلة في الجنّة، فقالت: ربح البيع. أو كلمةً تشبهها.
هذا حديث صحيح.
الحديث أخرجه الحاكم (ج2 ص20): وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.
قال الترمذي رحمه الله (ج7 ص168): حدثنا محمد بن بشار أخبرنا يحيى بن سعيد عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عن عائشة، أنّهم ذبحوا شاةً، فقال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((ما بقي منها))؟ قالت: ما بقي منها إلا كتفها. قال: ((بقي كلّها، غير كتفها)).
هذا حديث صحيح. وأبوميسرة الهمداني اسمه عمرو بن شرحبيل.
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص196): حدثنا بهز وعفان قالا: حدثنا حماد بن سلمة عن إسحاق بن عبدالله عن عبدالرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((إنّ ملكًا بباب من أبواب السّماء يقول: من يقرض اليوم يجز غدًا، وملكًا بباب آخر، يقول: اللهمّ أعط منفقًا خلفًا، وعجّل لممسك تلفًا)).
هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح.
وفي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة بلفظ: ((ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينْزلان، فيقول أحدهما: اللهمّ أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهمّ أعط ممسكًا تلفًا)).(1/34)
قال أبوداود رحمه الله (ج5 ص66): حدثنا أحمد بن حنبل أخبرنا عبيدة بن حميد التيمي حدثني أبوالزعراء عن أبي الأحوص عن أبيه مالك بن نضلة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((الأيدي ثلاثة: فيد الله العليا، ويد المعطي الّتي تليها، ويد السّائل السّفلى، فأعط الفضل ولا تعجزْ عن نفسك)).
هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح، إلاّ أبا الزعراء وهو عمرو بن عمرو الجشمي، وقد وثّقه أحمد وابن معين والنسائي، والحديث من الأحاديث التى ألزم الدارقطنيّ البخاريّ ومسلمًا أن يخرجاها.
وأبوالأحوص هو عوف بن مالك.
الحديث أخرجه ابن خزيمة في "التوحيد" (ج1 ص158) فقال رحمه الله: حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عبيدة بن حميد فذكره.
ثم قال رحمه الله: أبوالزعراء هذا عمرو بن عمرو بن أخي أبي الأحوص، وأبوالزعراء الكبير الذى يروي عن ابن مسعود اسمه: عبدالله بن هانىء.
وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (ج4 ص408): ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وقال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص473): ثنا عبيدة بن حميد أبوعبدالرحمن التيمي قال: ثنا أبوالزعراء عن أبي الأحوص عن أبيه(1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((الأيدي ثلاثة: فيد الله العليا، ويد المعطي الّتي تليها، ويد السّائل السّفلى، فأعط الفضل ولا تعجز عن نفسك)).
هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح، إلا أبا الزعراء عمرو بن عمرو الجشمي، وهو ثقة كما في "تهذيب التهذيب" عن أحمد وابن معين.
قال البخاري رحمه الله (ج3 ص276): باب إنفاق المال في حقّه.
حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى عن إسماعيل قال: حدثني قيس عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول:((لا حسد إلاّ في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلّطه على هلكته في الحقّ، ورجل آتاه الله حكمةً، فهو يقضي بها ويعلّمها)).
__________
(1) ? ... أبوه مالك .(1/35)
قال البخاري رحمه الله (ج3 ص304): باب قوله تعالى: باب قول الله تعالى: {فأمّا من أعطى واتّقى * وصدّق بالحسنى * فسنيسّره لليسرى * وأمّا من بخل واستغنى * وكذّب بالحسنى * فسنيسّره للعسرى}(1) اللهمّ أعط منفق مال خلفًا.
حدثنا إسماعيل قال: حدثني أخي عن سليمان عن معاوية بن أبي مزرد عن أبي الحباب عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينْزلان، فيقول أحدهما: اللهمّ أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهمّ أعط ممسكًا تلفًا)).
قال البخاري رحمه الله (ج3 ص277): باب الصّدقة من كسب طيّب، لقوله: {ويربي الصّدقات والله لا يحبّ كلّ كفّار أثيم(2)}.
حدثنا عبدالله بن منير سمع أبا النضر حدثنا عبدالرحمن هو ابن عبدالله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((من تصدّق بعدل تمرة من كسب طيّب ولا يقبل الله إلا الطّيّب، وإنّ الله يتقبّلها بيمينه، ثمّ يربّيها لصاحبه كما يربّي أحدكم فلوّه، حتّى تكون مثل الجبل)).
تابعه سليمان عن ابن دينار. وقال: ورقاء عن ابن دينار عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ورواه مسلم بن أبي مريم، وزيد بن أسلم، وسهيل عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قال البخاري رحمه الله (ج3 ص282): باب: اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة، والقليل من الصّدقة، {ومثل الّذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتًا من أنفسهم(3)} الآية إلى قوله: {من كلّ الثّمرات}.
__________
(1) ? ... سورة الليل، الآية: 5-10.
(2) ? ... سورة البقرة، الآية:276.
(3) ? ... سورة البقرة، الآية:265.(1/36)
حدثنا عبيدالله بن سعيد حدثنا أبوالنعمان الحكم هو ابن عبدالله البصري حدثنا شعبة عن سليمان عن أبي وائل عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: لمّا نزلت آية الصّدقة، كنّا نحامل، فجاء رجل فتصدّق بشيء كثير، فقالوا: مرائي، وجاء رجل فتصدّق بصاع، فقالوا: إنّ الله لغنيّ عن صاع هذا، فنزلت: {الّذين يلمزون المطّوّعين من المؤمنين في الصّدقات والّذين لا يجدون إلاّ جهدهم(1)} الآية.
حدثنا سعيد بن يحيى حدثنا أبي حدثنا الأعمش عن شقيق عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أمرنا بالصّدقة، انطلق أحدنا إلى السّوق، فيحامل فيصيب المدّ، وإنّ لبعضهم اليوم لمائة ألف.
حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت عبدالله بن معقل قال: سمعت عدي بن حاتم رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة)).
حدثنا بشر بن محمد أخبرنا عبدالله أخبرنا معمر عن الزهري قال: حدثني عبدالله بن أبي بكر بن حزم عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت امرأة معها ابنتان لها، تسأل فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة، فأعطيتها إيّاها، فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها، ثمّ قامت فخرجت، فدخل النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم علينا، فأخبرته فقال: ((من ابتلي من هذه البنات بشيء، كنّ له سترًا من النّار)).
قال البخاري رحمه الله (ج3 ص305): باب مثل المتصدّق والبخيل.
حدثنا موسى حدثنا وهيب حدثنا ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((مثل البخيل والمتصدّق، كمثل رجلين عليهما جبّتان من حديد)).
__________
(1) ? ... سورة التوبة، الآية:79.(1/37)
وحدثنا أبواليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبوالزناد أنّ عبدالرحمن حدثه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((مثل البخيل والمنفق، كمثل رجلين عليهما جبّتان من حديد من ثديّهما إلى تراقيهما، فأمّا المنفق فلا ينفق إلا سبغت -أو وفرت- على جلده، حتّى تخفي بنانه، وتعفو أثره، وأمّا البخيل فلا يريد أن ينفق شيئًا إلا لزقت كلّ حلقة مكانها، فهو يوسّعها ولا تتّسع)).
تابعه الحسن بن مسلم عن طاوس: في ((الجبّتين)). وقال حنظلة عن طاوس: ((جنّتان)) وقال الليث: حدثني جعفر عن ابن هرمز سمعت أبا هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((جنّتان)).
قال البخاري رحمه الله (ج3 ص284): باب فضل صدقة الشّحيح الصّحيح لقوله: {وأنفقوا ممّا رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت(1)} الآية. وقوله: {ياأيّها الّذين آمنوا أنفقوا ممّا رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه(2)} الآية.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبدالواحد حدثنا عمارة بن القعقاع حدثنا أبوزرعة حدثنا أبوهريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال: يا رسول الله أيّ الصّدقة أعظم أجرًا؟ قال: ((أن تصدّق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل، حتّى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان)).
قال البخاري رحمه الله (ج3 ص267): باب البيعة على إيتاء الزّكاة {فإن تابوا وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فإخوانكم في الدّين(3)}.
حدثنا ابن نمير قال: حدثني أبي حدثنا إسماعيل عن قيس قال: قال جرير بن عبدالله: بايعت النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم على إقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، والنّصح لكلّ مسلم.
قال البخاري رحمه الله (ج3 ص301): باب الصّدقة فيما استطاع.
__________
(1) ? ... سورة المنافقون، الآية: 10.
(2) ? ... سورة البقرة، الآية:254.
(3) ? ... سورة التوبة، الآية:11.(1/38)
حدثنا أبوعاصم عن ابن جريج. وحدثني محمد بن عبدالرحيم عن حجاج بن محمد عن ابن جريج قال: أخبرني ابن أبي مليكة عن عباد بن عبدالله بن الزبير أخبره عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنّها جاءت إلى النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ((لا توعي، فيوعي الله عليك ارضخي ما استطعت)).
الحديث أخرجه مسلم (ج2 ص714).
باب الشفاعة في الصدقة
قال الله سبحانه وتعالى: {من يشفع شفاعةً حسنةً يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعةً سيّئةً يكن له كفل منها} (1).
وقال سبحانه وتعالى: {كلا بل لا تكرمون اليتيم * ولا تحاضّون على طعام المسكين} (2).
وقال سبحانه وتعالى: {أرأيت الّذي يكذّب بالدّين * فذلك الّذي يدعّ اليتيم * ولا يحضّ على طعام المسكين} (3).
قال الإمام البخاري رحمه الله (ج3 ص299) من "الفتح": حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبدالواحد حدثنا أبوبردة(4) بريد بن عبدالله ابن أبي بردة حدثنا أبوبردة بن أبي موسى عن أبيه رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا جاءه السّائل، أو طلبت إليه حاجة، قال: ((اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيّه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ما شاء)).
الحض على الصدقة
قال الله سبحانه وتعالى: {كلا بل لا تكرمون اليتيم * ولا تحاضّون على طعام المسكين} (5).
وقال سبحانه وتعالى: {أرأيت الّذي يكذّب بالدّين * فذلك الّذي يدعّ اليتيم * ولا يحضّ على طعام المسكين} (6).
__________
(1) ? ... سورة النساء، الآية: 85.
(2) ? ... سورة الفجر، الآية: 17- 18.
(3) ? ... سورة الماعون، الآية: 1- 3.
(4) ? ... في الأصل: أبوبريد بن عبدالله بن أبي بردة، والصواب ما أثبتناه.
(5) ? ... سورة الفجر، الآية: 17- 18.
(6) ? ... سورة الماعون، الآية: 1- 3.(1/39)
قال البخاري رحمه الله (ج3 ص299): حدثنا صدقة بن الفضل أخبرنا عبدة عن هشام عن فاطمة عن أسماء رضي الله عنها قالت: قال لي النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لا توكي، فيوكى عليك)) حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن عبدة وقال: ((لا تحصي، فيحصي الله عليك)).
الحديث أخرجه مسلم (ج2 ص713).
قال أبوداود رحمه الله (ج5 ص116): حدثنا مسدد أخبرنا إسماعيل أنبأنا أيوب عن عبدالله بن أبي مليكة عن عائشة أنّها ذكرت عدّةً من مساكين، -قال أبوداود: وقال غيره: أو عدّةً من صدقة-، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أعطي، ولا تحصي، فيحصى عليك)).
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
الحديث أخرجه النسائي (ج5 ص73): قال رحمه الله : أخبرني محمد بن عبدالله بن عبدالحكم عن شعيب حدثني الليث قال: حدثنا خالد عن ابن أبي هلال عن أمية بن هند عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: كنّا يومًا في المسجد جلوسًا، ونفر من المهاجرين والأنصار، فأرسلنا رجلاً إلى عائشة ليستأذن فدخلنا عليها قالت: دخل عليّ سائل مرّةً، وعندي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأمرت له بشيء ثمّ دعوت به، فنظرت إليه. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أما تريدين أن لا يدخل بيتك شيء، ولا يخرج إلا بعلمك))؟ قلت: نعم. قال: ((مهلاً يا عائشة، لا تحصي، فيحصي الله عزّ وجلّ عليك)).
هذا السند فيه أمية بن هند، روى عنه اثنان كما في "تهذيب التهذيب" ولم يوثقه معتبر، فهو مستور الحال، يصلح حديثه فى الشواهد والمتابعات.(1/40)
قال الإمام أبوعبدالله بن ماجة (ج1 ص74): حدثنا عبدالوارث ابن عبدالصمد بن عبدالوارث حدثني أبي عن جدي(1) عن أيوب عن محمد ابن سيرين عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فحثّ عليه، فقال رجل: عندي كذا وكذا. قال: فما بقي في المجلس رجل إلا تصدّق عليه، بما قلّ أو كثر. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من استنّ خيرًا فاستنّ به، كان له أجره كاملاً، ومن أجور من استنّ به، ولا ينقص من أجورهم شيئًا، ومن استنّ سنّةً سيّئةً، فاستنّ به، فعليه وزره كاملاً، ومن أوزار الّذي استنّ به، ولا ينقص من أوزارهم شيئًا)).
حديث حسن على شرط مسلم.
الحديث أخرجه الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص520) فقال: ثنا عبدالصمد به. وهو بسند الإمام أحمد على شرط الشيخين.
قال أبوداود رحمه الله (ج9 ص173): حدثنا مسدد أخبرنا أبومعاوية عن الأعمش عن أبي وائل عن قيس بن أبي غرزة قال: كنّا في عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نسمّى السّماسرة، فمرّ بنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسمّانا باسم هو أحسن منه، فقال: ((يامعشر التّجّار، إنّ البيع يحضره اللّغو والحلف، فشوبوه بالصّدقة)).
حدثنا الحسين بن عيسى البسطامي وحامد بن يحيى وعبدالله بن محمد الزهري قالوا: أخبرنا سفيان عن جامع بن أبي راشد وعبدالملك بن أعين وعاصم عن أبي وائل عن قيس بن أبي غرزة بمعناه قال: ((يحضره الكذب والحلف)). وقال عبدالله الزهري: ((اللّغو والكذب)).
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وهو من الأحاديث التي ألزم الدارقطنيّ البخاريّ ومسلمًا أن يخرجاها. كما في "الإلزامات" ص(140).
الحديث رواه الترمذي (ج4 ص398) وقال: حديث قيس بن أبي غرزة حديث حسن صحيح، رواه منصور والأعمش وحبيب بن أبي ثابت وغير واحد عن قيس، ولا نعرف لقيس عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم غير هذا.
__________
(1) ? ... عن جدي زيادةٌ من { تحفة الأشراف } ، وهو الصحيح.(1/41)
ورواه النسائي (ج7 ص15 وص247)، وابن ماجة (ج2 ص725)، وابن أبي شيبة (ج7 ص21)، وأحمد (ج4 ص65).
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج4 ص174): ثنا وكيع ثنا إسماعيل عن قيس عن دكين بن سعيد الخثعمي قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ونحن أربعون وأربع مائة، نسأله الطّعام، فقال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعمر: ((قم فأعطهم))، قال: يا رسول الله ما عندي إلا ما يقيظني والصّبية. -قال وكيع: القيظ في كلام العرب: أربعة أشهر- قال: ((قم فأعطهم))، قال عمر: يارسول الله سمعًا وطاعةً. قال: فقام عمر وقمنا معه، فصعد بنا إلى غرفة له، فأخرج المفتاح من حجزته، ففتح الباب، -قال دكين- فإذا في الغرفة من التّمر شبيه بالفصيل الرّابض، قال: شأنكم، قال: فأخذ كلّ رجل منّا حاجته ما شاء، قال: ثمّ التفتّ وإنّي لمن آخرهم، وكأنّا لم نرزأ منه تمرةً.
ثنا يعلى بن عبيد ثنا إسماعيل عن قيس عن دكين أبي سعيد المزني قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أربعين راكبًا وأربع مائة، نسأله الطّعام، فقال لعمر: ((اذهب فأعطهم))، فقال: يا رسول الله ما بقي إلا آصع من تمر، ما أرى أن يقيظني، قال: ((اذهب فأعطهم))، قال: سمعًا وطاعةً، قال: فأخرج عمر المفتاح من حجزته، ففتح الباب، فإذا شبه الفصيل الرّابض من تمر، فقال: لتأخذوا، فأخذ كلّ رجل منّا ما أحبّ، ثمّ التفتّ وكنت من آخر القوم، وكأنّا لم نرزأ تمرةً.
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
وأخرجه الحميدي (ج2 ص395) فقال رحمه الله: ثنا سفيان ثنا ابن أبي خالد به.(1/42)
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص25): ثنا يحيى بن سعيد عن ابن عجلان ثنا عياض عن أبي سعيد قال: دخل رجل المسجد يوم الجمعة والنّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم على المنبر فدعاه فأمره أن يصلّي ركعتين، ثمّ دخل الجمعة الثّانية، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على المنبر، فدعاه، فأمره، ثمّ دخل الجمعة الثّالثة، فأمره أن يصلّي ركعتين، ثمّ قال: ((تصدّقوا))، ففعلوا، فأعطاه ثوبين ممّا تصدّقوا، ثمّ قال: ((تصدّقوا)) فألقى أحد ثوبيه، فانتهره رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكره ما صنع، ثمّ قال: ((انظروا إلى هذا، فإنّه دخل المسجد في هيئة بذّة، فدعوته فرجوت أن تعطوا له فتصدّقوا عليه وتكسوه، فلم تفعلوا، فقلت: تصدّقوا، فتصدّقوا، فأعطيته ثوبين ممّا تصدّقوا، ثمّ قلت: تصدّقوا، فألقى أحد ثوبيه. خذ ثوبك))، وانتهره.
هذا حديث حسن، وليس صارفًا لأمره بالصلاة ركعتين الدال على الوجوب، والله أعلم.
والحديث أخرجه الحميدي (ج2 ص326) فقال رحمه الله: ثنا سفيان قال: ثنا محمد بن عجلان به.
الصدقة ليست مختصة بالإعطاء
قال الإمام أبوبكر بن أبي شيبة رحمه الله في "المصنف" (ج8 ص549): محمد بن بشر قال: حدثنا عبدالجبار بن عباس عن عدي بن ثابت عن عبدالله بن يزيد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((كلّ معروف صدقة)).
هذا حديث حسن.
وقد أخرجه أحمد (ج4 ص307) فقال رحمه الله: ثنا محمد بن بشر به.
وأخرجه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (ج4 ص137) فقال رحمه الله: حدثنا أبوبكر (وهو ابن أبي شيبة) محمد بن بشر به.
وهكذا هو في "مصنف ابن أبي شيبة" ليس فيه صيغة التحديث كما ترى، وتقدر: عن، أو حدثنا، أو سمعت، أو ما يصلح من صيغ التحديث اللائقة بابن أبي شيبة رحمه الله.
على كل مفصل صدقة(1/43)
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج5 ص354): ثنا زيد حدثني حسين حدثني عبدالله بن بريدة سمعت أبي بريدة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((في الإنسان ستّون وثلاث مائة مفصل، فعليه أن يتصدّق عن كلّ مفصل منها صدقةً))، قالوا: فمن الّذي يطيق ذلك يا رسول الله؟ قال: ((النّخاعة في المسجد تدفنها، أو الشّيء تنحّيه عن الطّريق، فإن لم تقدر فركعتا الضّحى تجزئ عنك)).
الحديث أخرجه أيضًا أحمد (ج5 ص259) فقال: ثنا علي بن الحسن بن شقيق أنا الحسين بن واقد فذكره.
وأخرجه أبوداود (ج14 ص155) فقال: حدثنا أحمد بن محمد المروزي حدثني علي بن حسين حدثني أبي فذكره.
هذا حديث صحيح.
وأخرجه محمد بن نصر في "الصلاة" (ج2 ص822) فقال رحمه الله: حدثنا هارون ابن عبدالله ثنا علي بن الحسن بن شقيق ثنا الحسين بن واقد به.
فضل صدقة السر
قال الإمام النسائي رحمه الله (ج5 ص80): أخبرنا محمد بن سلمة قال: حدثنا ابن وهب عن معاوية بن صالح عن بحير(1) بن سعد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة عن عقبة بن عامر أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((الجاهر بالقرآن، كالجاهر بالصّدقة، والمسرّ بالقرآن، كالمسرّ بالصّدقة))
هذا حديث حسن.
الحديث أخرجه الإمام أحمد (ج4 ص151) فقال: حدثنا حماد بن خالد ثنا معاوية ابن صالح، عن بحير بن سعد به، ثم قال الإمام أحمد: كان حماد بن خالد حافظًا، وكان يحدثنا وكان يحفظ، كتبت عنه أنا ويحيى بن معين.
وأخرجه أبويعلى (ج3 ص378) فقال رحمه الله: حدثنا زهير حدثنا معن بن عيسى حدثنا معاوية بن صالح عن بحير بن سعد به.
وفي "الصحيحين" من حديث أبي هريرة قال: ((سبعة يظلّهم الله في ظلّه))وذكر منهم: ((رجلاً تصدّق بصدقة فأخفاها، حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)).
__________
(1) ? ... في الأصل: يحيى بن سعيد، والصواب ما أثبتناه، بالباء الموحدة، وبعده حاء مهملة، ثم ياء مثناة من تحت ثم راء، وسعد بدون ياء قبل الدال.(1/44)
ما جاء في جهد المقل
قال أبوداود رحمه الله (ج5 ص94): حدثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد بن موهب الرملي قالا: أخبرنا الليث عن أبي الزبير عن يحيى ابن جعدة عن أبي هريرة أنه قال: يا رسول الله أيّ الصّدقة أفضل؟ قال: ((جهد المقلّ، وابدأ بمن تعول)).
هذا حديث حسن، ورجاله رجال الصحيح، إلا يحيى بن جعدة وقد وثقه أبوحاتم والنسائي.
من بدأ بالصدقة فاقتدى به غيره
قال الإمام أبوعبدالله بن ماجة (ج1 ص74): حدثنا عبدالوارث ابن عبدالصمد بن عبدالوارث حدثني أبي عن جدي(1) عن أيوب عن محمد ابن سيرين عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فحثّ عليه، فقال رجل: عندي كذا وكذا، قال: فما بقي في المجلس رجل إلا تصدّق عليه، بما قلّ أو كثر. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من استنّ خيرًا فاستنّ به، كان له أجره كاملاً، ومن أجور من استنّ به، ولا ينقص من أجورهم شيئًا، ومن استنّ سنّةً سيّئةً، فاستنّ به، فعليه وزره كاملاً، ومن أوزار الّذي استنّ به، ولا ينقص من أوزارهم شيئًا)).
حديث حسن على شرط مسلم.
الحديث أخرجه الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص520) فقال: ثنا عبدالصمد به. وهو بسند الإمام أحمد على شرط الشيخين.
من تصدق بجميع ماله إذا كان واثقا بالله
__________
(1) ? ... عن جدي: زيادةٌ من { تحفة الأشراف } ، وهو الصحيح.(1/45)
قال أبوداود رحمه الله (ج5 ص94): حدثنا أحمد بن صالح وعثمان بن أبي شيبة، وهذا حديثه قالا: أخبرنا الفضل بن دكين أخبرنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال:سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يومًا أن نتصدّق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا. فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((ماأبقيت لأهلك))؟ قلت: مثله. قال: وأتى أبوبكر رضي الله عنه بكلّ ما عنده فقال له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((ما أبقيت لأهلك))؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله. قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدًا.
هذا حديث حسن.
الحديث أخرجه الترمذي (ج10 ص161) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
ابدأ بمن تعول
قال الإمام النسائي رحمه الله (ج5 ص61): أخبرنا يوسف بن عيسى قال: أنبأنا الفضل بن موسى قال: حدثنا يزيد وهو ابن زياد بن أبي الجعد عن جامع بن شداد عن طارق المحاربي قال: قدمنا المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قائم على المنبر يخطب النّاس، وهو يقول: ((يد المعطي العليا، وابدأ بمن تعول، أمّك وأباك وأختك وأخاك، ثمّ أدناك أدناك)) مختصر.
هذا حديث صحيح، وهو من الأحاديث التي ألزم الدارقطنيّ البخاريّ ومسلمًا أن يخرجاها.
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص330): ثنا روح ثنا ابن جريج أخبرني أبوالزبير أنه سمع جابر بن عبدالله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ((أفضل الصّدقة عن ظهر غنًى، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السّفلى)).
هذا حديث حسن على شرط مسلم.
الصدقة عن ظهر غنى(1/46)
قال أبوداود رحمه الله (ج5ص92): حدثنا إسحاق بن إسماعيل أخبرنا سفيان عن ابن عجلان عن عياض بن عبدالله سمع أبا سعيد الخدري يقول: دخل رجل المسجد، فأمر النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يطرحوا ثيابًا، فطرحوا، فأمر له بثوبين، ثمّ حثّ على الصّدقة، فجاء فطرح أحد الثّوبين، فصاح به وقال: ((خذ ثوبك)).
هذا حديث حسن.
وقال الإمام النسائي رحمه الله (ج5 ص63): أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا ابن عجلان عن عياض عن أبي سعيد أنّ رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخطب، فقال: ((صلّ ركعتين))، ثمّ جاء الجمعة الثّانية والنّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخطب، فقال: ((صلّ ركعتين))، ثمّ جاء الجمعة الثّالثة، فقال: ((صلّ ركعتين))، ثمّ قال: ((تصدّقوا))، فتصدّقوا، فأعطاه ثوبين، ثمّ قال: ((تصدّقوا))، فطرح أحد ثوبيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((ألم تروا إلى هذا، أنّه دخل المسجد بهيئة بذّة، فرجوت أن تفطنوا له(1)، فتتصدّقوا عليه، فلم تفعلوا، فقلت: تصدّقوا، فتصدّقتم، فأعطيته ثوبين، ثمّ قلت: تصدّقوا، فطرح أحد ثوبيه، خذ ثوبك))، وانتهره.
هذا حديث حسن.
الحديث أخرجه الترمذي (ج3 ص30) فقال رحمه الله: حدثنا محمد بن أبي عمر أخبرنا سفيان بن عيينة عن محمد بن عجلان به.
وقال: حديث حسن صحيح.
وأخرجه الإمام أحمد (ج3 ص25) فقال: ثنا يحيى بن سعيد عن ابن عجلان ثنا عياض عن أبي سعيد به.
__________
(1) ? ... هذا ليس صارفاً للأحاديث الدالة على وجوب تحية المسجد، ولكن القلد يتشبث بشبه أوهى من خيط العنكبوت.(1/47)
وأخرجه الحميدي (ج2 ص326) فقال: ثنا سفيان قال ثنا محمد بن عجلان قال: ثنا عياض بن عبدالله بن سعد بن أبي سرح قال: رأيت أبا سعيد الخدريّ جاء ومروان ابن الحكم يخطب يوم الجمعة، فقام يصلّي الرّكعتين فجاء إليه الأحراس ليجلسوه فأبى أن يجلس، حتّى صلّى الرّكعتين، فلمّا قضى الصّلاة، أتيناه، فقلنا: يا أبا سعيد كاد هؤلاء أن يفعلوا بك. فقال أبوسعيد: ما كنت لأدعهما لشيء، بعد شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فذكر الحديث.
وأخرجه أبويعلى رحمه الله (ج2 ص279) فقال: حدثنا أبوخيثمة حدثنا يحيى عن ابن عجلان أخبرنا عياض فذكره.
قال البخاري رحمه الله (ج3 ص325): باب الزّكاة على الأقارب وقال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((له أجران: أجر القرابة، والصّدقة)).
حدثنا عبدالله بن يوسف أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: كان أبوطلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحبّ أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب، قال أنس: فلمّا أنزلت هذه الآية: {لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون(1)} قام أبوطلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: يا رسول الله، إنّ الله تبارك وتعالى يقول: {لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون} وإنّ أحبّ أموالي إليّ بيرحاء، وإنّها صدقة لله، أرجو برّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((بخ ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإنّي أرى أن تجعلها في الأقربين)) فقال أبوطلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبوطلحة في أقاربه وبني عمّه.
تابعه روح وقال يحيى بن يحيى وإسماعيل عن مالك: ((رايح)).
__________
(1) ? ... سورة آل عمران، الآية:92.(1/48)
حدثنا ابن أبي مريم أخبرنا محمد بن جعفر: قال أخبرني زيد عن عياض بن عبدالله عن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه: خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أضحًى أو فطر، إلى المصلّى ثمّ انصرف فوعظ النّاس، وأمرهم بالصّدقة، فقال: ((أيّها النّاس تصدّقوا))، فمرّ على النّساء، فقال: ((يا معشر النّساء تصدّقن، فإنّي رأيتكنّ أكثر أهل النّار))، فقلن: وبم ذلك يارسول الله؟ قال: ((تكثرن اللّعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرّجل الحازم من إحداكنّ يا معشر النّساء))، ثمّ انصرف، فلمّا صار إلى منْزله جاءت زينب امرأة ابن مسعود تستأذن عليه، فقيل: يارسول الله هذه زينب. فقال: ((أيّ الزّيانب))؟ فقيل: امرأة ابن مسعود. قال: ((نعم، ائذنوا لها))، فأذن لها، قالت: يانبيّ الله، إنّك أمرت اليوم بالصّدقة، وكان عندي حليّ لي فأردت أن أتصدّق به، فزعم ابن مسعود أنّه وولده أحقّ من تصدّقت به عليهم. فقال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحقّ من تصدّقت به عليهم)).
قال البخاري رحمه الله (ج3 ص328): باب الزّكاة على الزّوج والأيتام في الحجر، قاله أبوسعيد عن النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.(1/49)
حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش قال: حدثني شقيق عن عمرو بن الحارث عن زينب امرأة عبدالله رضي الله عنهما قال: فذكرته لإبراهيم، ح فحدّثني إبراهيم عن أبي عبيدة عن عمرو بن الحارث عن زينب امرأة عبدالله بمثله سواءً، قالت: كنت في المسجد فرأيت النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ((تصدّقن ولو من حليّكنّ))، وكانت زينب تنفق على عبدالله، وأيتام في حجرها، قال: فقالت لعبدالله سل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أيجزي عنّي أن أنفق عليك وعلى أيتام في حجري من الصّدقة؟ فقال: سلي أنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فانطلقت إلى النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فوجدت امرأةً من الأنصار على الباب، حاجتها مثل حاجتي، فمرّ علينا بلال، فقلنا: سل النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أيجزي عنّي أن أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري؟ وقلنا: لا تخبر بنا، فدخل فسأله، فقال: ((من هما)) قال: زينب. قال: ((أيّ الزّيانب))؟ قال: امرأة عبدالله. قال: ((نعم، لها أجران: أجر القرابة، وأجر الصّدقة)).
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبدة عن هشام عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله ألي أجر أن أنفق على بني أبي سلمة، إنّما هم بنيّ؟ فقال: ((أنفقي عليهم، فلك أجر ماأنفقت عليهم)).
قال الإمام أبوعبدالله بن ماجة رحمه الله (ج1 ص587): حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة ثنا يحيى بن آدم ثنا حفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالصّدقة، فقالت زينب امرأة عبدالله: أيجزيني من الصّدقة أن أتصدّق على زوجي وهو فقير، وبني أخ لي أيتام، وأنا أنفق عليهم هكذا وهكذا، وعلى كلّ حال؟ قال: ((نعم))، قال: وكانت صناع اليدين(1).
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
__________
(1) ? ... أي: تصنع باليدين وتكتسب.(1/50)
قال البخاري رحمه الله (ج3 ص327): باب الصّدقة على اليتامى.
حدثنا معاذ بن فضالة حدثنا هشام عن يحيى عن هلال بن أبي ميمونة حدثنا عطاء بن يسار أنه سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يحدّث أنّ النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم جلس ذات يوم على المنبر، وجلسنا حوله، فقال: ((إنّ ممّا أخاف عليكم من بعدي، ما يفتح عليكم من زهرة الدّنيا وزينتها)) فقال رجل: يا رسول الله أويأتي الخير بالشّرّ؟ فسكت النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقيل له: ما شأنك تكلّم النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا يكلّمك، فرأينا أنّه ينْزل عليه، قال: فمسح عنه الرّحضاء، فقال: ((أين السّائل))؟ وكأنّه حمده، فقال: ((إنّه لا يأتي الخير بالشّرّ، وإنّ ممّا ينبت الرّبيع يقتل أو يلمّ، إلا آكلة الخضراء، أكلت حتّى إذا امتدّت خاصرتاها استقبلت عين الشّمس فثلطت وبالت ورتعت، وإنّ هذا المال خضرة حلوة، فنعم صاحب المسلم ما أعطى منه المسكين واليتيم وابن السّبيل -أو كما قال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وإنّه من يأخذه بغير حقّه، كالّذي يأكل ولا يشبع، ويكون شهيدًا عليه يوم القيامة)).
قال البخاري رحمه الله (ج3 ص361): باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصّدقة وقوله: {خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكن لهم(1)}.
حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عمرو عن عبدالله بن أبي أوفى قال: كان النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: ((اللهمّ صلّ على آل فلان))، فأتاه أبي بصدقته فقال: ((اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى)).
قال البخاري رحمه الله (ج3 ص357): باب أخذ الصّدقة من الأغنياء وتردّ في الفقراء حيث كانوا.
__________
(1) ? ... سورة التوبة، الآية:103.(1/51)
حدثنا محمد أخبرنا عبدالله أخبرنا زكريا بن إسحاق عن يحيى بن عبدالله بن صيفي عن أبي معبد مولى ابن عباس، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: ((إنّك ستأتي قومًا أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأنّ محمّدًا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أنّ الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كلّ يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أنّ الله قد فرض عليهم صدقةً، تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإيّاك وكرائم أموالهم، واتّق دعوة المظلوم، فإنّه ليس بينها وبين الله حجاب)).
الكفاف والقناعة
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج2 ص730): حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة حدثنا أبوعبدالرحمن المقرئ عن سعيد بن أبي أيوب حدثني شرحبيل (وهو ابن شريك) عن أبي عبدالرحمن الحبلي عن عبدالله بن عمرو ابن العاص: أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((قد أفلح من أسلم، ورزق كفافًا، وقنّعه الله بما آتاه)).
حدثنا أبوبكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وأبوسعيد الأشج قالوا: حدثنا وكيع حدثنا الأعمش (ح) وحدثني زهير بن حرب حدثنا محمد بن فضيل عن أبيه كلاهما عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((اللهمّ اجعل رزق آل محمّد قوتًا)).
قال البخاري رحمه الله (ج11 ص171): باب الغنى غنى النّفس، وقول الله تعالى: {أيحسبون أنّ ما نمدّهم به من مال وبنين} إلى قوله تعالى: {من دون ذلك هم لها عاملون(1)} قال ابن عيينة: لم يعملوها، لا بدّ من أن يعملوها.
حدثنا أحمد بن يونس حدثنا أبوبكر حدثنا أبوحصين عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكنّ الغنى غنى النّفس)).
__________
(1) ? ... سورة المؤمنون، الآية: 55-63.(1/52)
قال البخاري رحمه الله (ج3 ص267): باب إثم مانع الزّكاة، وقول الله تعالى: {والّذين يكنزون الذّهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشّرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها في نار جهنّم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون(1)}.
حدثنا الحكم بن نافع أخبرنا شعيب حدثنا أبوالزناد أن عبدالرحمن بن هرمز الأعرج حدثه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((تأتي الإبل على صاحبها على خير ما كانت، إذا هو لم يعط فيها حقّها، تطؤه بأخفافها، وتأتي الغنم على صاحبها على خير ما كانت، إذا لم يعط فيها حقّها، تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها))، وقال: ((ومن حقّها أن تحلب على الماء، قال: ولا يأتي أحدكم يوم القيامة بشاة يحملها على رقبته لها يعار، فيقول: يا محمّد. فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد بلّغت. ولا يأتي ببعير يحمله على رقبته له رغاء، فيقول: يا محمّد. فأقول: لا أملك لك من الله شيئًا، قد بلّغت)).
حدثنا علي بن عبدالله حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا عبدالرحمن ابن عبدالله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من آتاه الله مالاً فلم يؤدّ زكاته، مثّل له ماله يوم القيامة شجاعًا أقرع، له زبيبتان، يطوّقه يوم القيامة، ثمّ يأخذ بلهزمتيه، يعني: بشدقيه، ثمّ يقول: أنا مالك، أنا كنْزك، ثمّ تلا: {لا يحسبنّ الّذين يبخلون} الآية.
__________
(1) ? ... سورة التوبة، الآية:25.(1/53)
وقال الإمام مسلم رحمه الله (ج2 ص680): وحدثني سويد بن سعيد، حدثنا حفص (يعنى ابن ميسرة الصنعاني) عن زيد بن أسلم أن أبا صالح ذكوان أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((ما من صاحب ذهب ولا فضّة، لا يؤدّي منها حقّها، إلا إذا كان يوم القيامة صفّحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنّم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلّما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتّى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار))، قيل: يا رسول الله فالإبل؟ قال: ((ولا صاحب إبل لا يؤدّي منها حقّها، ومن حقّها حلبها يوم وردها، إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أوفر ماكانت، لايفقد منها فصيلاً واحدًا، تطؤه بأخفافها وتعضّه بأفواهها، كلّما مرّ عليه أولاها ردّ عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتّى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار))، قيل: يا رسول الله فالبقر والغنم؟ قال: ((ولا صاحب بقر ولا غنم، لا يؤدّي منها حقّها، إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر، لايفقد منها شيئًا، ليس فيها عقصاء ولاجلحاء ولا عضباء، تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها، كلّما مرّ عليه أولاها، ردّ عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتّى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار))، قيل: يا رسول الله فالخيل؟ قال: ((الخيل ثلاثة: هي لرجل وزر، وهي لرجل ستر، وهي لرجل أجر، فأمّا الّتي هي له وزر، فرجل ربطها رياءً وفخرًا ونواءً، على أهل الإسلام، فهي له وزر، وأمّا الّتي هي له ستر، فرجل ربطها في سبيل الله، ثمّ لم ينس حقّ الله في ظهورها، ولا رقابها، فهي له ستر، وأمّا الّتي هي له أجر، فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام، في مرج وروضة، فما أكلت من ذلك المرج أو الرّوضة من شيء إلا كتب له عدد ما أكلت حسنات، وكتب له(1/54)
عدد أرواثها وأبوالها حسنات، ولا تقطع طولها فاستنّت شرفًا أو شرفين، إلا كتب الله له عدد آثارها وأرواثها حسنات، ولا مرّ بها صاحبها على نهر فشربت منه، ولا يريد أن يسقيها إلا كتب الله له عدد ما شربت حسنات))، قيل: يا رسول الله فالحمر؟ قال: ((ما أنزل عليّ في الحمر شيء، إلا هذه الآية الفاذّة الجامعة: {فمن يعمل مثقال ذرّة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرّة شرًّا يره(1))}.
وحدثني يونس بن عبدالأعلى الصدفي أخبرنا عبدالله بن وهب حدثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم في هذا الإسناد بمعنى حديث حفص بن ميسرة، إلى آخره. غير أنه قال: ((ما من صاحب إبل لا يؤدّي حقّها))، ولم يقل: ((منها حقّها))، وذكر فيه: ((لا يفقد منها فصيلاً واحدًا))، وقال: ((يكوى بها جنباه وجبهته وظهره)).
__________
(1) ? ... سورة الزلزلة، الآية: 7-8.(1/55)
وحدثني محمد بن عبدالملك الأموي حدثنا عبدالعزيز بن المختار حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((ما من صاحب كنْز لا يؤدّي زكاته، إلاّ أحمي عليه في نار جهنّم فيجعل صفائح، فيكوى بها جنباه وجبينه، حتّى يحكم الله بين عباده، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثمّ يرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار، وما من صاحب إبل لا يؤدّي زكاتها، إلا بطح لها بقاع قرقر كأوفر ماكانت تستنّ عليه، كلّما مضى عليه أخراها، ردّت عليه أولاها، حتّى يحكم الله بين عباده، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثمّ يرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار، وما من صاحب غنم لا يؤدّي زكاتها، إلا بطح لها بقاع قرقر، كأوفر ما كانت، فتطؤه بأظلافها، وتنطحه بقرونها، ليس فيها عقصاء ولا جلحاء، كلّما مضى عليه أخراها، ردّت عليه أولاها، حتّى يحكم الله بين عباده، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ممّا تعدّون، ثمّ يرى سبيله إمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار))، قال سهيل: فلا أدري أذكر البقر أم لا؟ قالوا: ((فالخيل يا رسول الله))؟ قال: ((الخيل في نواصيها، -أو قال: الخيل معقود في نواصيها، قال سهيل: أنا أشكّ- الخير إلى يوم القيامة، الخيل ثلاثة: فهي لرجل أجر، ولرجل ستر، ولرجل وزر، فأمّا الّتي هي له أجر، فالرّجل يتّخذها في سبيل الله، ويعدّها له، فلا تغيّب شيئًا في بطونها إلا كتب الله له أجرًا، ولو رعاها في مرج ماأكلت من شيء إلا كتب الله له بها أجرًا، ولو سقاها من نهر كان له بكلّ قطرة تغيّبها في بطونها أجر، حتّى ذكر الأجر في أبوالها وأرواثها، ولو استنّت شرفًا أو شرفين كتب له بكلّ خطوة تخطوها أجر، وأمّا الّذي هي له ستر فالرّجل يتّخذها تكرّمًا وتجمّلاً، ولا ينسى حقّ ظهورها وبطونها في عسرها ويسرها، وأمّا الّذي عليه وزر، فالّذي يتّخذها أشرًا وبطرًا وبذخًا ورياء النّاس، فذاك الّذي هي(1/56)
عليه وزر))، قالوا: فالحمر يارسول الله؟ قال: ((ماأنزل الله عليّ فيها شيئًا، إلا هذه الآية الجامعة الفاذّة: {فمن يعمل مثقال ذرّة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرّة شرًّا يره))}.
وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبدالعزيز (يعني الدراوردي) عن سهيل بهذا الإسناد، وساق الحديث.
وحدثنيه محمد بن عبدالله بن بزيع حدثنا يزيد بن زريع حدثنا روح بن القاسم حدثنا سهيل بن أبي صالح بهذا الإسناد، وقال: بدل: (عقصاء)،((عضباء))، وقال: ((فيكوى بها جنبه وظهره))، ولم يذكر: ((جبينه)).
وحدثني هارون بن سعيد الأيلي حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن بكيرًا حدثه عن ذكوان عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنّه قال: ((إذا لم يؤدّ المرء حقّ الله أو الصّدقة في إبله)).
وساق الحديث بنحو حديث سهيل عن أبيه.
وحديث أبي هريرة قد أخرجه البخاري مفرقًا. من أجل هذا اخترت رواية مسلم.
حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبدالرزاق (ح) وحدثني محمد ابن رافع (واللفظ له) حدثنا عبدالرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني أبوالزبير أنه سمع جابر بن عبدالله الأنصاري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((ما من صاحب إبل لا يفعل فيها حقّها، إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت قطّ، وقعد لها بقاع قرقر تستنّ عليه بقوائمها وأخفافها، ولا صاحب بقر لا يفعل فيها حقّها، إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت وقعد لها بقاع قرقر تنطحه بقرونها، وتطؤه بقوائمها، ولا صاحب غنم لا يفعل فيها حقّها، إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت، وقعد لها بقاع قرقر، تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها، ليس فيها جمّاء ولا منكسر قرنها، ولا صاحب كنْز لا يفعل فيه حقّه، إلا جاء كنْزه يوم القيامة شجاعًا أقرع، يتبعه فاتحًا فاه، فإذا أتاه فرّ منه فيناديه: خذ كنْزك الّذي خبأته، فأنا عنه غنيّ. فإذا رأى أن لا بدّ منه سلك يده في فيه فيقضمها قضم الفحل)).(1/57)
قال أبوالزبير: سمعت عبيد بن عمير يقول هذا القول، ثم سألنا جابر بن عبدالله عن ذلك؟ فقال مثل قول عبيد بن عمير.
وقال أبوالزبير: سمعت عبيد بن عمير يقول: قال رجل: يا رسول الله ما حقّ الإبل؟ قال: ((حلبها على الماء، وإعارة دلوها، وإعارة فحلها، ومنيحتها، وحمل عليها في سبيل الله)).
حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير حدثنا أبي حدثنا عبدالملك عن أبي الزبير عن جابر بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم، لا يؤدّي حقّها، إلا أقعد لها يوم القيامة بقاع قرقر، تطؤه ذات الظّلف بظلفها، وتنطحه ذات القرن بقرنها، ليس فيها يومئذ جمّاء ولا مكسورة القرن)) قلنا: يا رسول الله وما حقّها؟ قال: ((إطراق فحلها، وإعارة دلوها ومنيحتها، وحلبها على الماء، وحمل عليها في سبيل الله. ولا من صاحب مال لا يؤدّي زكاته، إلا تحوّل يوم القيامة شجاعًا أقرع، يتبع صاحبه حيثما ذهب، وهو يفرّ منه، ويقال: هذا مالك الّذي كنت تبخل به. فإذا رأى أنّه لا بدّ منه، أدخل يده في فيه، فجعل يقضمها كما يقضم الفحل)).(1/58)
قال معمر بن راشد في "جامعه" كما في "مصنف عبدالرزاق" (ج11 ص351): عن معمر عن أبي عمران الجوني عن عبدالله بن الصامت وهو ابن أخي أبي ذر عن أبي ذر قال: كنت رديفًا خلف رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على حمار، فلمّا جاوزنا بيوت المدينة، قال: ((كيف بك ياأبا ذر إذا كان بالمدينة جوع، تقوم عن فراشك، لاتبلغ مسجدك حتّى يجهدك الجوع))؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: ((تعفّفْ ياأبا ذر))، قال: ((كيف بك ياأبا ذر إذا كان بالمدينة موت يبلغ البيت العبد))، -يعني أنّه يباع القبر بالعبد- قلت: الله ورسوله أعلم. قال: ((تصبر))، قال: ((كيف بك ياأبا ذر إذا كان بالمدينة قتل تغمر الدّماء حجارة الزّيت))، قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: ((تأتي من أنت منه))، قال: قلت: وألبس السّلاح؟ قال: ((شاركت القوم إذًا))، قلت: وكيف أصنع يارسول الله؟ قال: ((إنْ خشيت أن يبهرك شعاع السّيف، فألق ناحية ثوبك على وجهك، ليبوء بإثمك وإثمه)).
ما جاء في ذم البخل والتحذير منه
قال الإمام البخاري رحمه الله في "الأدب المفرد" ص (111): حدثنا عبدالله بن أبي الأسود قال: حدثنا حميد بن الأسود عن الحجاج الصواف قال: حدثني أبوالزبير قال: حدثنا جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من سيّدكم يابني سلمة))؟ قلنا: جدّ بن قيس، على أنّا نبخّله، قال: ((وأيّ داء أدوأ من البخل، بل سيّدكم عمرو بن الجموح)). وكان عمرو على أصنامهم في الجاهليّة، وكان يولم عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا تزوّج.
هذا حديث حسن.
وقال أبوداود رحمه الله (ج5 ص115): حدثنا حفص بن عمر أخبرنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبدالله بن الحارث عن أبي كثير عن عبدالله بن عمرو قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: ((إيّاكم والشّحّ، فإنّما هلك من كان قبلكم بالشّحّ، أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا)).(1/59)
هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح، إلاّ أبا كثير الزبيدي وقد وثّقه النسائي.
قال أبوداود رحمه الله (ج7 ص187): حدثنا عبدالله بن الجراح عن عبدالله بن يزيد عن موسى بن علي عن أبيه عن عبدالعزيز بن مروان قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((شرّ ما في رجل، شحّ هالع، وجبن خالع)).
هذا حديث حسن.
الحديث رواه الإمام أحمد (ج5 ص15 وص164) فقال: حدثنا عبدالرحمن بن مهدي عن موسى يعني ابن علي عن أبيه به.
وأبوبكر بن أبي شيبة (ج9 ص98) فقال رحمه الله: الفضل بن دكين عن موسى بن علي به.
قال أبوداود رحمه الله (ج5 ص94): حدثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد بن موهب الرملي قالا: أخبرنا الليث عن أبي الزبير عن يحيى ابن جعدة عن أبي هريرة أنه قال: يا رسول الله أيّ الصّدقة أفضل؟ قال:((جهد المقلّ، وابدأ بمن تعول)).
هذا حديث حسن، ورجاله رجال الصحيح، إلا يحيى بن جعدة وقد وثقه أبوحاتم والنسائي.
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص4): ثنا أسود بن عامر ثنا أبوبكر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال: قال عمر: يارسول الله، لقد سمعت فلانًا وفلانًا يحسنان الثّناء، يذكران أنّك أعطيتهما دينارين، قال: فقال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لكنّ والله فلانًا ماهو كذلك، لقد أعطيته من عشرة إلى مائة، فما يقول ذاك، أما والله إنّ أحدكم ليخرج مسألته من عندي، يتأبّطها، يعني تكون تحت إبطه: يعني نارًا، قال: قال عمر: يا رسول الله لم تعطيها إيّاهم؟ قال: ((فما أصنع، يأبون إلا ذاك، ويأبى الله لي البخل)).
هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح.(1/60)
وأخرجه الإمام أحمد أيضًا ص(16): فقال: ثنا يحيى بن آدم ثنا أبوبكر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال: قال عمر: يا رسول الله سمعت فلانًا يقول خيرًا، ذكر أنّك أعطيته دينارين. قال: ((لكن فلان لا يقول ذلك، ولا يثني به، لقد أعطيته ما بين العشرة إلى المائة، أو قال: إلى المائتين، وإنّ أحدهم ليسألني المسألة فأعطيها إيّاه، فيخرج بها متأبّطها، وما هي لهم إلا نار))، قال عمر: يا رسول الله فلم تعطيهم؟ قال: ((إنّهم يأبون إلا أن يسألوني، ويأبى الله لي البخل)).
ما جاء في طول الأمل
قال البخاري رحمه الله (ج11 ص239): حدثنا علي بن عبدالله حدثنا أبوصفوان عبدالله بن سعيد أخبرنا يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((لا يزال قلب الكبير شابًّا في اثنتين: في حبّ الدّنيا، وطول الأمل)).
قال ليث: عن يونس -وابن وهب عن يونس- عن ابن شهاب قال: أخبرني سعيد وأبوسلمة.
حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام حدثنا قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنان: حبّ المال، وطول العمر)).
رواه شعبة عن قتادة .
قال البخاري رحمه الله (ج11 ص252): باب ما يتّقى من فتنة المال، وقول الله تعالى: {إنّما أموالكم وأولادكم فتنة(1)}.
حدثنا يحيى بن يوسف أخبرنا أبوبكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((تعس عبدالدّينار، والدّرهم، والقطيفة، والخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض)).
__________
(1) ? ... سورة التغابن، الآية: 15.(1/61)
حدثنا أبوعاصم عن ابن جريج عن عطاء قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنه يقول: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((لو كان لابن آدم واديان من مال، لابتغى ثالثًا، ولا يملا جوف ابن آدم إلا التّراب، ويتوب الله على من تاب)).
حدثني محمد أخبرنا مخلد أخبرنا ابن جريج قال: سمعت عطاء يقول: سمعت ابن عباس يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((لو أنّ لابن آدم ملْء واد مالاً، لأحبّ أنّ له إليه مثله، ولا يملأ عين ابن آدم إلا التّراب، ويتوب الله على من تاب)).
قال ابن عبّاس: فلا أدري من القرآن هو أم لا؟ قال: وسمعت ابن الزّبير يقول ذلك على المنبر.
حدثنا أبونعيم حدثنا عبدالرحمن بن سليمان بن الغسيل عن عباس بن سهل بن سعد قال: سمعت ابن الزّبير على المنبر بمكّة في خطبته يقول: يا أيّها النّاس إنّ النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقول: ((لو أنّ ابن آدم أعطي واديًا ملآن من ذهب، أحبّ إليه ثانيًا، ولو أعطي ثانيًا، أحبّ إليه ثالثًا، ولا يسدّ جوف ابن آدم إلا التّراب، ويتوب الله على من تاب)).
حدثنا عبدالعزيز بن عبدالله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب قال أخبرني أنس بن مالك أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((لو أنّ لابن آدم واديًا من ذهب، أحبّ أن يكون له واديان، ولن يملا فاه إلا التّراب، ويتوب الله على من تاب)).
وقال لنا أبوالوليد: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عن أبيّ قال: كنّا نرى هذا من القرآن حتّى نزلت: {ألهاكم التّكاثر(1)}
قال البخاري رحمه الله (ج3 ص337) باب من أعطاه الله شيئًا من غير مسألة ولا إشراف نفس، {وفي أموالهم حقّ للسّائل والمحروم تم بحمد الله }.
__________
(1) ? ... سورة التكاثر، الآية: 1. ... ... تم بحمد الله سورة الذاريات، الآية:19.(1/62)
حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن الزهري عن سالم أنّ عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت عمر يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعطيني العطاء فأقول: أعطه من هو أفقر إليه منّي. فقال: ((خذه، إذا جاءك من هذا المال شيء، وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك)).
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج4 ص220): ثنا عبدالله بن يزيد ثنا سعيد بن أبي أيوب حدثني أبوالأسود عن بكير بن عبدالله عن بسر بن سعيد عن خالد بن عدي الجهني قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((من بلغه معروف عن أخيه من غير مسألة ولا إشراف نفس فليقبله، ولا يردّه، فإنّما هو رزق ساقه الله عزّ وجلّ إليه)).
هذا حديث صحيح، وأبوالأسود هو محمد بن عبدالرحمن الملقب بيتيم عروة. الحديث أخرجه أبويعلى (ج2 ص226).
قال البخاري رحمه الله (ج3 ص338): باب من سأل النّاس تكثّرًا.
حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عبيدالله بن أبي جعفر قال: سمعت حمزة بن عبدالله بن عمر سمعت عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((ما يزال الرّجل يسأل النّاس، حتّى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم، وقال: إنّ الشّمس تدنو يوم القيامة حتّى يبلغ العرق نصف الأذن، فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم، ثمّ بموسى، ثمّ بمحمّد ))صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وزاد عبدالله: حدثني الليث حدثني ابن أبي جعفر: ((فيشفع ليقضى بين الخلق فيمشي حتّى يأخذ بحلقة الباب، فيومئذ يبعثه الله مقامًا محمودًا، يحمده أهل الجمع كلّهم)).
وقال معلى: حدثنا وهيب، عن النعمان بن راشد عن عبدالله بن مسلم أخي الزهري عن حمزة سمع ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المسألة.
قال البخاري رحمه الله (ج3 ص335): باب الاستعفاف عن المسألة.(1/63)
حدثنا عبدالله بن يوسف أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عطاء ابن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّ ناسًا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأعطاهم، ثمّ سألوه فأعطاهم، ثمّ سألوه فأعطاهم، حتّى نفد ما عنده، فقال: ((ما يكون عندي من خير فلن أدّخره عنكم، ومن يستعفف يعفّه الله، ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبّر يصبّره الله، وما أعطي أحد عطاءً خيرًا وأوسع من الصّبر)).
حدثنا عبدالله بن يوسف أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((والّذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره، خير له من أن يأتي رجلاً فيسأله أعطاه أو منعه)).
حدثنا موسى حدثنا وهيب حدثنا هشام عن أبيه عن الزبير بن العوام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((لأنْ يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها، فيكفّ الله بها وجهه، خير له من أن يسأل النّاس، أعطوه أو منعوه)).(1/64)
حدثنا عبدان أخبرنا عبدالله أخبرنا يونس عن الزهري عن عروة ابن الزبير وسعيد بن المسيب أن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ سألته فأعطاني، ثمّ قال: ((ياحكيم، إنّ هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس، بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، كالّذي يأكل ولا يشبع، اليد العليا خير من اليد السّفلى))، قال حكيم: فقلت: يا رسول الله والّذي بعثك بالحقّ لا أرزأ أحدًا بعدك شيئًا، حتّى أفارق الدّنيا، فكان أبوبكر رضي الله عنه يدعو حكيمًا إلى العطاء فيأبى أن يقبله منه، ثمّ إنّ عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيه، فأبى أن يقبل منه شيئًا، فقال عمر: إنّي أشهدكم يامعشر المسلمين على حكيم أنّي أعرض عليه حقّه من هذا الفيء، فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحدًا من النّاس بعد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حتّى توفّي.
أخذ البيعة على الناس على ألا يسألوا الناس شيئًا(1/65)
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج2 ص721): حدثني عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي وسلمة بن شبيب (قال سلمة: حدثنا، وقال الدارمي: أخبرنا مروان، وهو ابن محمد الدمشقي) حدثنا سعيد (وهو ابن عبدالعزيز) عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن أبي مسلم الخولاني قال: حدثني الحبيب الأمين، أما هو فحبيب إليّ، وأما هو عندي فأمين، عوف بن مالك الأشجعي قال: كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسعةً، أو ثمانيةً، أو سبعةً، فقال: ((ألا تبايعون رسول الله))، وكنّا حديث عهد ببيعة، فقلنا: قد بايعناك يارسول الله. ثمّ قال: ((ألا تبايعون رسول الله))؟ فقلنا: قد بايعناك يارسول الله. ثمّ قال: ((ألا تبايعون رسول الله)) قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك؟ قال: ((على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، والصّلوات الخمس، وتطيعوا))، وأسرّ كلمةً خفيّةً: ((ولا تسألوا النّاس شيئًا))، فلقد رأيت بعض أولئك النّفر يسقط سوط أحدهم، فما يسأل أحدًا يناوله إيّاه.
قال البخاري رحمه الله (ج3 ص340): باب قول الله تعالى: {لا يسألون النّاس إلحافًا(1)} وكم الغنى، وقول النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((ولا يجد غنًى يغنيه)) لقول الله تعالى: {للفقراء الّذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربًا في الأرض} إلى قوله: {فإنّ الله به عليم}.
حدثنا حجاج بن منهال حدثنا شعبة أخبرني محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((ليس المسكين الّذي تردّه الأكلة والأكلتان، ولكن المسكين الّذي ليس له غنًى ويستحيي، أو لا يسأل النّاس إلحافًا)).
__________
(1) ? ... سورة البقرة، الآية: 273.(1/66)
حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا إسماعيل بن علية حدثنا خالد الحذاء عن ابن أشوع عن الشعبي حدّثه كاتب المغيرة بن شعبة قال: كتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة: أن اكتب إليّ بشيء سمعته من النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ فكتب إليه: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((يقول إنّ الله كره لكم ثلاثًا: قيل، وقال، وإضاعة المال، وكثرة السّؤال)).
حدثنا محمد بن غرير الزهري حدثنا يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال: أخبرني عامر بن سعد عن أبيه قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رهطًا وأنا جالس فيهم، قال: فترك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم منهم رجلاً لم يعطه، وهو أعجبهم إليّ، فقمت إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فساررته، فقلت: مالك عن فلان، والله إنّي لأراه مؤمنًا. قال: ((أو مسلمًا))، قال: فسكتّ قليلاً، ثمّ غلبني ما أعلم فيه، فقلت: يارسول الله ما لك عن فلان، والله إنّي لأراه مؤمنًا. قال: ((أومسلمًا))، قال: فسكتّ قليلاً، ثمّ غلبني ما أعلم فيه، فقلت: يارسول الله ما لك عن فلان، والله إنّي لأراه مؤمنًا. قال: ((أو مسلمًا)) يعني، فقال: ((إنّي لأعطي الرّجل وغيره أحبّ إليّ منه، خشية أن يكبّ في النّار على وجهه)).
وعن أبيه عن صالح عن إسماعيل بن محمد أنه قال: سمعت أبي يحدّث بهذا فقال في حديثه: فضرب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بيده، فجمع بين عنقي وكتفي، ثمّ قال: ((أقبل أي سعد، إنّي لأعطي الرّجل)).
قال أبوعبدالله: (فكبكبوا): قلبوا، (مكبًّا) أكبّ الرّجل، إذا كان فعله غير واقع على أحد، فإذا وقع الفعل قلت: كبّه الله لوجهه، وكببته أنا.(1/67)
حدثنا إسماعيل بن عبدالله قال: حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((ليس المسكين الّذي يطوف على النّاس، تردّه اللّقمة واللّقمتان، والتّمرة والتّمرتان، ولكن المسكين الّذي لا يجد غنًى يغنيه، ولا يفطن به فيتصدّق عليه، ولا يقوم فيسأل النّاس)).
حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا أبوصالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((لأن يأخذ أحدكم حبله، ثمّ يغدو -أحسبه قال-: إلى الجبل فيحتطب، فيبيع فيأكل ويتصدّق، خير له من أن يسأل النّاس)).
تحريم السؤال لغير حاجة
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج3 ص4): ثنا أسود بن عامر ثنا أبوبكر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال: قال عمر: يا رسول الله لقد سمعت فلانًا وفلانًا يحسنان الثّناء، يذكران أنّك أعطيتهما دينارين. قال: فقال النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لكنّ والله فلانًا ماهو كذلك، لقد أعطيته من عشرة إلى مائة فما يقول ذاك، أما والله إنّ أحدكم ليخرج مسألته من عندي يتأبّطها -يعني تكون تحت إبطه- نارًا)). قال: قال عمر: يا رسول الله لم تعطيها إيّاهم؟ قال: ((فما أصنع، يأبون إلا ذاك، ويأبى الله لي البخل)).
هذا حديث صحيح، رجاله رجال الصحيح.
وأخرجه الإمام أحمد أيضًا ص(16): فقال: ثنا يحيى بن آدم ثنا أبوبكر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال: قال عمر: يا رسول الله سمعت فلانًا يقول خيرًا، ذكر أنّك أعطيته دينارين. قال: ((لكن فلان لا يقول ذلك، ولا يثني به، لقد أعطيته ما بين العشرة إلى المائة -أو قال: إلى المائتين- وإنّ أحدهم ليسألني المسألة فأعطيها إيّاه، فيخرج بها متأبّطها، وما هي لهم إلا نار))، قال عمر: يا رسول الله فلم تعطيهم؟ قال: ((إنّهم يأبون إلا أن يسألوني، ويأبى الله لي البخل)).(1/68)
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج4 ص165): ثنا يحيى بن آدم ويحيى بن أبي بكير قال : ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن حبشي بن جنادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من سأل من غير فقر فكأنّما يأكل الجمر)).
ثنا أبوأحمد الزبيري ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن حبشي بن جنادة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((من سأل من غير فقر))، فذكر مثله.
هذا حديث صحيح.
قال أبوداود رحمه الله (ج5 ص34): حدثنا عبدالله بن محمد النفيلي حدثنا مسكين(1) أخبرنا محمد بن المهاجر عن ربيعة بن يزيد عن أبي كبشة السلولي أخبرنا سهل بن الحنظلية قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، فسألاه فأمر لهما بما سألا، وأمر معاوية فكتب لهما بما سألا، فأمّا الأقرع فأخذ كتابه فلفّه في عمامته وانطلق، وأمّا عيينة فأخذ كتابه وأتى النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم مكانه، فقال: يامحمّد أتراني حاملاً إلى قومي كتابًا لا أدري ما فيه كصحيفة المتلمّس. فأخبر معاوية بقوله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من سأل وعنده ما يغنيه، فإنّما يستكثر من النّار)).
وقال النفيلي في موضع آخر: ((من جمر جهنّم)) فقالوا: يارسول الله وما يغنيه؟. وقال النفيلي في موضع آخر: وما الغنى الّذي لا تنبغي معه المسألة؟ قال: ((قدر ما يغدّيه ويعشّيه)). وقال النفيلي في موضع آخر: أن يكون له شبع يوم وليلة، أو ليلة ويوم)).
وكان حدثنا به مختصرًا على هذه الألفاظ التى ذكرت.
هذا حديث صحيح ورجاله رجال الصحيح.
__________
(1) ? ... هو ابن بكير.(1/69)
وقال الإمام أحمد رحمه الله (ج4 ص180): ثنا علي بن عبدالله حدثني الوليد بن مسلم حدثني عبدالرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثني ربيعة بن يزيد قال: حدثني أبوكبشة السلولي أنّه سمع سهل بن الحنظليّة الأنصاريّ صاحب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنّ عيينة والأقرع سألا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم شيئًا، فأمر معاوية أن يكتب به لهما ففعل وختمها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأمر بدفعه إليهما، فأمّا عيينة فقال: ما فيه؟ قال: فيه الّذي أمرت به. فقبّله وعقده في عمامته، كان أحكم الرّجلين، وأمّا الأقرع فقال: أحمل صحيفةً لا أدري ما فيها كصحيفة المتلمّس. فأخبر معاوية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقولهما، وخرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حاجة فمرّ ببعير مناخ على باب المسجد من أوّل النّهار، ثمّ مرّ به آخر النّهار وهو على حاله، قال: ((أين صاحب هذا البعير؟))، فابتغي فلم يوجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((اتّقوا الله في هذه البهائم ثمّ اركبوها صحاحًا، واركبوها سمانًا -كالمتسخّط آنفًا- إنّه من سأل وعنده ما يغنيه فإنّما يستكثر من نار جهنّم)) قالوا: يارسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما يغنيه؟ قال: ((ما يغدّيه أو يعشّيه)).
هذا حديث صحيح.
قال أبوداود رحمه الله (ج5 ص34): حدثنا قتيبة بن سعيد وهشام بن عمار قالا: أخبرنا عبدالرحمن بن أبي الرجال عن عمارة بن غزية عن عبدالرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((من سأل وله قيمة أوقيّة، فقد ألحف))، فقلت: ناقتي الياقوتة، هي خير من أوقيّة. قال هشام: خير من أربعين درهمًا، فرجعت فلم أسأله شيئًا، زاد هشام في حديثه: وكانت الأوقيّة على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أربعين درهمًا.(1/70)
هذا حديث حسن رجاله رجال الصحيح، إلا عبدالرحمن بن أبي الرجال، وقد اختلف قول الأئمة فيه، والظاهر أنه لا ينْزل حديثه عن الحسن والله أعلم.
الحديث أخرجه النسائي (ج5 ص98).
قال الإمام الدارمي رحمه الله (ج1 ص474): أخبرنا محمد بن عبدالله الرقاشي ثنا يزيد هو ابن زريع ثنا سعيد عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم? أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((من سأل النّاس مسألةً وهو عنها غنيّ، كانت شينًا في وجهه)).
هذا حديث صحيح. وقد أخرجه الإمام أحمد (ج5 ص281).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "المطالب العالية" (ج3 ص 1044) بتحقيق الأخ: باسم بن طاهر حفظه الله:
وقال أبوبكر: حدثنا عبيدالله بن موسى عن إسرائيل عن منصور عن سالم عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((إنّ الّرجل يأتيني منكم فيسألني فأعطيه، فينطلق وما يحمل في حضنه إلاّ النّار)).
صحيح. اهـ.
قال أبوعبدالرحمن: أبوبكر هو عبدالله بن محمد بن أبي شيبة. وسالم هو ابن أبي الجعد.
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج2 ص119) بشرح النووي: حدثني أبوغسان المسمعي حدثنا معاذ وهو ابن هشام قال حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير قال حدثني أبوقلابة عن ثابت بن الضحاك عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((ليس على رجل نذر فيما لا يملك، ولعن المؤمن كقتله، ومن قتل نفسه بشيء في الدّنيا عذّب به يوم القيامة، ومن ادّعى دعوى كاذبةً ليتكثّر بها لم يزده الله إلاّ قلّةً، ومن حلف على يمين صبر فاجرة)).
فضل ترك السؤال(1/71)
قال أبوداود رحمه الله (ج5 ص57): حدثنا عبيدالله بن معاذ أخبرنا أبي أخبرنا شعبة عن عاصم(1) عن أبي العالية عن ثوبان قال: وكان ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((من تكفّل لي أن لا يسأل النّاس شيئًا، فأتكفّل له بالجنّة))؟ فقال ثوبان: أنا، فكان لا يسأل أحدًا شيئًا.
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
الحديث أخرجه النسائي (ج5 ص96)، وابن ماجة (ج1 ص588). أخرجاه من طريق ابن أبي ذئب عن محمد بن قيس عن عبدالرحمن بن يزيد عن ثوبان به.
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص513): حدثنا ابن عامر أنا أبوبكر عن هشام عن محمد عن أبي هريرة قال: دخل رجل على أهله فلمّا رأى ما بهم من الحاجة خرج إلى البريّة، فلمّا رأت امرأته، قامت إلى الرّحى فوضعتها، وإلى التّنّور فسجرته، ثمّ قالت: اللّهمّ ارزقنا. فنظرت فإذا الجفنة قد امتلأت، قال: وذهبت إلى التّنّور فوجدته ممتلئًا، قال: فرجع الزّوج، قال: أصبتم بعدي شيئًا؟ قالت امرأته: نعم من ربّنا. قام إلى الرّحى، فذكر ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال:((أما إنّه لو لم يرفعها، لم تزل تدور إلى يوم القيامة))، شهدت النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يقول: ((والله لأن يأتي أحدكم صبيرًا، ثمّ يحمله يبيعه، فيستعفّ منه، خير له من أن يأتي رجلاً يسأله)).
من تحل له المسألة
__________
(1) ? ... عاصم بن سليمان الأحول. وأبوالعالية: هو رفيع بن مهران.(1/72)
قال الإمام مسلم رحمه الله (ج2 ص722): حدثنا يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد كلاهما عن حماد بن زيد قال يحيى: أخبرنا حماد بن زيد عن هارون بن رياب حدثني كنانة بن نعيم العدوي عن قبيصة بن مخارق الهلالي قال: قال تحمّلت حمالةً، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أسأله فيها، فقال: ((أقم حتّى تأتينا الصّدقة، فنأمر لك بها))، قال: ثمّ قال: ((ياقبيصة إنّ المسألة لا تحلّ إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمّل حمالةً فحلّت له المسألة حتّى يصيبها، ثمّ يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله، فحلّت له المسألة، حتّى يصيب قوامًا من عيش -أو قال: سدادًا من عيش- ورجل أصابته فاقة، حتّى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانًا فاقة. فحلّت له المسألة، حتّى يصيب قوامًا من عيش -أو قال: سدادًا من عيش- فما سواهنّ من المسألة ياقبيصة سحتًا، يأكلها صاحبها سحتًا)).
سؤال السلطان
قال أبوداود رحمه الله (ج5 ص48): حدثنا حفص بن عمر النمري أخبرنا شعبة عن عبدالملك بن عمير عن زيد بن عقبة الفزاري عن سمرة عن النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((المسائل كدوح، يكدح بها الرّجل وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه، ومن شاء ترك، إلا أن يسأل الرّجل ذا سلطان أو في أمر لا يجد منه بدًّا)).
هذا حديث صحيح، ورجاله رجال الصحيح إلا عقبة بن زيد الفزاري، وقد وثقه النسائي.
الحديث أخرجه الترمذي (ج3 ص358) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وأخرجه النسائي (ج5 ص100).
من غضب إذا لم يعط
وقوله تعالى: {ومنهم من يلمزك في الصّدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون * ولو أنّهم رضوا ماءاتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنّا إلى الله راغبون(1)}.
__________
(1) ? ... سورة التوبة، الآية: 58.(1/73)
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج2 ص219): حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني أبوعبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن مقسم أبي القاسم مولى عبدالله بن الحارث بن نوفل قال: خرجت أنا وتليد بن كلاب اللّيثيّ حتّى أتينا عبدالله بن عمرو بن العاص وهو يطوف بالبيت معلّقًا نعليه بيده فقلنا له: هل حضرت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين يكلّمه التّميميّ يوم حنين؟ قال: نعم، أقبل رجل من بني تميم يقال له: ذو الخويصرة، فوقف على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يعطي النّاس، قال: يامحمّد قد رأيت ماصنعت في هذا اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أجل، فكيف رأيت))؟ قال: لم أرك عدلت، قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثمّ قال: ((ويحك، إن لم يكن العدل عندي، فعند من يكون))؟ فقال عمر بن الخطّاب: يا رسول الله ألا نقتله؟ قال: ((لا، دعوه فإنّه سيكون له شيعة، يتعمّقون في الدّين، حتّى يخرجوا منه، كما يخرج السّهم من الرّميّة، ينظر في النّصل فلا يوجد شيء، ثمّ في القدح فلا يوجد شيء، ثمّ في الفوق فلا يوجد شيء، سبق الفرث والدّم)).
قال أبوعبدالرحمن (هو عبدالله بن أحمد): أبوعبيدة هذا اسمه محمد ثقة، وأخوه سلمة ابن محمد بن عمار، لم يرو عنه إلا علي بن زيد، ولا نعلم خبره، ومقسم ليس به بأس.
هذا حديث حسن.(1/74)
قال أبوداود رحمه الله (ج5 ص32): حدثنا عبدالله بن مسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد أنه قال: نزلت أنا وأهلي ببقيع الغرقد، فقال لي أهلي، اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسله لنا شيئًا نأكله. فجعلوا يذكرون من حاجتهم، فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فوجدت عنده رجلاً يسأله، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((لا أجد ما أعطيك))، فتولّى الرّجل عنه وهو مغضب، وهو يقول: لعمري إنّك لتعطي من شئت. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((يغضب عليّ أن لا أجد ماأعطيه، من سأل منكم وله أوقيّة أو عدلها، فقد سأل إلحافًا))، قال الأسديّ: فقلت: للقحة لنا خير من أوقيّة، والأوقيّة أربعون درهمًا، قال: فرجعت ولم أسأله، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد ذلك شعير وزبيب، فقسم لنا منه، أو كما قال، حتّى أغنانا الله عزّ وجلّ.
قال أبوداود: هكذا رواه الثوري، كما قال مالك.
وتقدم حديث أبي هريرة: ((تعس عبدالدّينار، والدّرهم، والقطيفة، والخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض)).
وبعد فنصيحتي للدعاة إلى الله، أن يستعفّوا، ولأصحاب الأموال أن يتحرّوا إنفاقها في مصارفها المشروعة، وهكذا نصيحتي للفقراء أن يصبروا، ولا يستثيرنّهم الشيوعيون على المجتمع، ويكونوا سببًا للفتن وسفك دماء المسلمين، وأنصحهم أن يسألوا الله من فضله، والأغنياء الذين لا يؤدون الزكاة أو يؤدونها ولكنها في غير مصرفها إما لضابط دائرة، أو مرور، من أجل إذا حدث عليه أمر يساعده، وهكذا لصوص الدعوة الذين يستغلون الأموال لصالح الحزبيّة.
نسأل الله أن يرزقنا القناعة، وأن يغنينا من فضله، إنه جواد كريم.(1/75)