|
المؤلف: أبو عبد الله محمد بن نصر بن الحجاج المَرْوَزِي (المتوفى: 294هـ)
اختصرها: العلامة أحمد بن علي المقريزي المتوفى سنة 845 هـ
الناشر: حديث أكاديمي، فيصل آباد - باكستان
الطبعة: الأولى، 1408 هـ - 1988 م
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
بَابُ حُكْمِ قِيَامِ اللَّيْلِ
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ، بِسَمَرْقَنْدَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا [المزمل: 1 - 5]
ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْ شُرَيْحًا، أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا عَرَكَتْ، قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ، شُدِّي عَلَى وَسَطِكِ» ، فَكَانَ يُبَاشِرُهَا مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ حَتَّى يَقُومَ لِصَلاتِهِ، وَقَلَّ مَا كَانَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا قَالَ اللَّهُ لَهُ: {قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} [المزمل: 2]
حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّامٍ الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ، وَبَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، قَالا: ثنا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي
(1/21)
مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، قَالَ: حَجَجْتُ، فَدَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَسَأَلْتُهَا عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: " كَانَ خُلُقَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْقُرْآنُ، وَسَأَلْتُهَا عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِاللَّيْلِ، فَقَالَتْ: أَلا تَقْرَأُ: {يَأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: فَهُوَ قِيَامُهُ "
حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ، ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا، أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ لِيَبِيعَ عَقَارًا لَهُ بِهَا، ثُمَّ يَجْعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلاحِ، ثُمَّ يُجَاهِدَ الرُّومَ حَتَّى يَمُوتَ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ لَقِيتُ رَهْطًا مِنَ الأَنْصَارِ، أَوْ قَوْمِهِ، فَحَدَّثَهُمْ، فَحَدَّثُوهُ أَنَّ رَهْطًا مِنْهُمْ سِتَّةً أَرَادُوا ذَلِكَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَهَاهُمْ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُمْ: «أَلَيْسَ لَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ؟» ، فَلَمَّا حَدَّثُوهُ حَدِيثَهُمْ هَذَا أَشْهَدَهُمْ عَلَى رَجْعَةِ امْرَأَتِهِ
ثُمَّ أَتَانَا فَأَخْبَرَنَا أَنَّهُ انْطَلَقَ إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَ: قَالَ: فَأَتَيْتُ عَلَى حَكِيمِ بْنِ أَفْلَحَ، فَاسْتَلْحَقْتُهُ فَجَاءَ مَعِي، فَاسْتَأْذَنَّا فَدَخَلْنَا عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: أَحَكِيمٌ؟ وَعَرَفَتْهُ قَالَ: قَالَ: نَعَمْ قَالَ: قَالَتْ: مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ قَالَ: سَعْدُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: قَالَتْ: مَنْ هِشَامٌ؟ قَالَ ابْنُ عَامِرٍ: نِعْمَ الْمَرْءُ كَانَ وَكَانَ أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ، قُلْتُ: يَا
(1/22)
أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: «فَإِنَّ خُلُقَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنُ» ، قَالَ: قَالَ: فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُومَ فَلا أَسْأَلُهَا عَنْ شَيْءٍ أَوْ فَلا أَسْأَلُ أَحَدًا عَنْ شَيْءٍ فَبَدَا لِي
فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْبِئِينِي عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَتْ: " أَلَسْتَ تَقْرَأُ هَذِهِ السُّورَةَ: {يَأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] ؟ قُلْتُ: بَلَى قَالَ: قَالَتْ: فَإِنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ الْقِيَامَ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَصْحَابُهُ حَوْلا حَتَّى انْتَفَخَتْ أَقْدَامُهُمْ وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ التَّخْفِيفَ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ "
قَالَ: وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: " {قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا} [المزمل: 2] ، أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُؤْمِنِينَ بِقِيَامِ اللَّيْلِ إِلا قَلِيلا، فَشَقَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ خَفَّفَ عَنْهُمْ وَرَحَمَهُمْ وَأَنْزَلَ بَعْدَ هَذَا: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} [المزمل: 20] ، فَوَسَّعَ اللَّهُ لَهُ وَلَمْ يُضَيِّقْ، قَالَ: كَانَ بَيْنَ الآيَتَيْنِ سَنَةٌ: {يَأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل: 1 - 2] وَ {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ} [المزمل: 20] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ "
قَالَ: وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَهُمْ فِي جَيْشٍ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَدْ كَانَ كَتَبَ عَلَيْهِمْ قِيَامَ اللَّيْلِ فَكَانُوا يَقُومُونَ حَتَّى انْتَفَخَتْ أَقْدَامُهُمْ فَأَصَابَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ جُوعٌ شَدِيدٌ، قَالَ: وَوَضَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ قِيَامَ اللَّيْلِ "
قَالَ: وَعَنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنَّ اللَّهَ لَمَّا أَنْزَلَ هَذِهِ السُّورَةَ وَكَانَ بَيْنَ أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا سَنَةٌ: {يَأَيُّهَا الْمُزَّمِّل} [المزمل: 1] ، حَتَّى بَلَغَ: {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا} [المزمل: 19] ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ سَنَةٍ: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ} [المزمل: 20] ، قَالَ: لا وَاللَّهِ مَا كُلُّ الْقَوْمِ قَامَ بِهَا، قَالَ: {وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} [المزمل: 20] ، فَبَكَى الْحَسَنُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ قِيَامَ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّه { [المزمل: 20] ، حَتَّى بَلَغَ:} فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ { [المزمل: 20] ، وَقَالَ: وَلا بُدَّ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، قَالَ:} وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ { [البقرة: 43] ،
(1/23)
قَالَ: فَرِيضَتَانِ لا صَلاحَ لِلأَعْمَالِ إِلا بِهِمَا، قَالَ: وَعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ: " لَمَّا نَزَلَتْ:} يَأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا { [المزمل: 1 - 2] ، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، حَوْلا حَتَّى انْتَفَخَتْ أَقْدَامُهُمْ وَسُوقُهُمْ، حَتَّى نَزَلَتْ:} إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا، حَتَّى بَلَغَ: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ { [المزمل: 19 - 20] "، قَالَ: وَعَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: "} يَأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا { [المزمل: 1 - 4] ، افْتَرَضَ اللَّهُ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ، حَوْلا فَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا فِي السَّمَاءِ أَثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ التَّخْفِيفَ فِي آخِرِهَا، فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا مِنْ بَعْدِ فَرِيضَةٍ قَالَ: قَالَ:} عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ { [المزمل: 20] ، فَنَسَخَتْ
هَذِهِ الآيَةُ مَا كَانَ قَبْلَهَا "، قَالَ: وَعَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: "} فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ { [المزمل: 20] ، قَالَ: رَخَّصَ لَهُمْ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ "، قَالَ: وَعَنْ عِكْرِمَةَ، "} يَأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا { [المزمل: 1 - 2] ، قَالَ: لَبِثُوا بِذَلِكَ سَنَةً فَشَقَّ عَلَيْهِمْ وَتَوَرَّمَتْ أَقْدَامُهُمْ ثُمَّ نَسَخَتْهَا آخِرُ السُّورَةِ قَوْلُهُ:} فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ { [المزمل: 20] "، قَالَ: وَعَنْ عَطَاءٍ، فِي قَوْلِهِ: "} كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ { [الذاريات: 17] ، قَالَ: ذَلِكَ إِذَا أُمِرُوا بِقِيَامِ اللَّيْلِ إِلا قَلِيلا كَانُوا يَحْتَجِرُونَ احْتِجَارًا بِالصَّلاةِ "، فَقَالَ رَجُلٌ لِعَطَاءٍ مِنَ الْجُوعِ؟ قَالَ: " بَلْ لِلَّهِ كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَحْتَجِرُ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْغِطَاءَ فَيَتَعَبَّدُ عَلَيْهَا حَتَّى نَزَلَتِ الرُّخْصَةُ:} فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ { [المزمل: 20] إِلَى} وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة: 43] ، قَالَ: الْمَكْتُوبَةُ "، وَسَأَلَ رَجُلٌ عِكْرِمَةَ: إِنِّي أَتَعْلَمُ الْقُرْآنَ وَيَقُولُونَ لا تُوَسِّدْهُ، فَقَالَ لَهُ: «إِنَّكَ أَنْ تَنَامَ عَالِمًا خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَنَامَ جَاهِلا» .
(1/24)
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ: أَحَدَّثَكُمْ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ بَعَثَ بَعْثًا ذَوِي عُدَّةٍ فَاسْتَقْرَأَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَأَتَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا، فَقَالَ: مَا مَعَكَ يَا غُلامُ؟ قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا، وَمَعِي كَذَا، وَمَعِي سُورَةُ كَذَا وَمَعِي سُورَةُ الْبَقَرَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا مَنَعَنِي أَنْ أَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ إِلا خَشْيَةَ أَنْ لا أَقُومَ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَاقْرَءُوهُ وَإِنْ لَمْ تَقُومُوا بِهِ فَإِنَّ مَثَلَ الْقُرْآنِ لِمَنْ تَعَلَّمَهُ فَقَرَأَهُ وَقَامَ بِهِ كَمَثَلِ جِرَابٍ مَحْشُوٍّ مِسْكًا يَفُوحُ رِيحُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَمَثَلَ مَنْ تَعَلَّمَهُ وَرَقَدَ وَهُوَ فِي جَوْفِهِ كَمَثَلِ جِرَابٍ أُوكِئَ عَلَى مِسْكٍ»
قَالَ: وَعَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قُلْتُ لِلْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ قَدِ اسْتَظْهَرَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ وَلا يَقُومُ بِهِ، إِنَّمَا يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ؟ قَالَ: " لَعَمْرُ اللَّهِ ذَاكَ إِنَّمَا يَتَوَسَّدُ الْقُرْآنَ، قُلْتُ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] ، قَالَ: نَعَمْ وَلَوْ خَمْسِينَ آيَةً "، قَالَ: وَقَالَ مَعْمَرٌ: قُلْتُ لابْنِ طَاوُسٍ: " هَلْ كَانَ أَبُوكَ رُبَّمَا نَامَ اللَّيْلَ حَتَّى يُصْبِحَ؟ قَالَ: رُبَّمَا أَتَى عَلَيْهِ ذَاكَ "،
(1/25)
وَعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، أَتَيْتُ سَلْمَانَ، فَقُلْتُ: «لأَنْظُرَنَّ كَيْفَ صَلاتُهُ؟ فَكَانَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ ثُلُثَهُ» ، قَالَ: وَقَالَ: " حَافِظُوا عَلَى هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ فَإِنَّهُنَّ كَفَّارَاتٌ لِهَذِهِ الْجِرَاحَاتِ مَا لَمْ تُصِبِ الْقِبْلَةَ، فَإِذَا صَلَّى النَّاسُ الْعِشَاءَ، كَانُوا عَلَى ثَلاثَةِ مَنَازِلَ، مِنْهُمْ مَنْ لَهُ وَلا عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَلَيْهِ وَلا لَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ لا عَلَيْهِ وَلا لَهُ، فَقُلْتُ: مَنْ عَلَيْهِ وَلا لَهُ؟ قَالَ: رَجُلٌ صَلَّى الْعِشَاءَ، فَاغْتَنَمَ غَفْلَةَ النَّاسِ وَظُلْمَةَ اللَّيْلِ، فَرَكِبَ رَأْسَهُ فِي الْمَعَاصِي، وَرَجُلٌ اغْتَنَمَ غَفْلَةَ النَّاسِ وَظُلْمَةَ اللَّيْلِ، فَرَكِبَ رَأْسَهُ وَقَامَ يُصَلِّي، فَذَاكَ لَهُ وَلا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ نَامَ فَذَاكَ لا عَلَيْهِ وَلا لَهُ "، وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنِّي لا أُطِيقُ الصَّلاةَ بِاللَّيْلِ، فَقَالَ: «لا تَعْصِ اللَّهَ بِالنَّهَارِ وَلا عَلَيْكَ أَنْ لا تُصَلِّي بِاللَّيْلِ» ، قَالَ: وَقَالَ رَجُلٌ لابْنِ عُمَرَ: إِنِي أُحِبُّ التَّهَجُّدَ وَالصَّلاةَ لِلَّهِ وَلا أَقْدِرُ عَلَيْهَا مَعَ الضَّعْفِ، فَقَالَ: «ارْقُدْ يَا ابْنَ أَخِي مَا اسْتَطَعْتَ وَاتَّقِ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتَ» ، قَالَ: وَقَالَ سُفْيَانُ: «شَرُّ حَالاتِ الْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ نَائِمًا، وَخَيْرُ حَالاتِ الْفَاجِرِ أَنْ يَكُونَ نَائِمًا، لأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ مُسْتَيْقِظًا فَهُوَ مُتَحَلٍّ بِطَاعَةِ اللَّهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَوْمِهِ، وَالْفَاجِرُ إِذَا كَانَ مُسْتَيْقِظًا فَهُوَ مُتَحَلٍّ بِمَعَاصِي اللَّهِ، فَنَوْمُهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ يَقَظَتِهِ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثنا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: جَاءَ النُّعْمَانُ بْنُ قَوْقَلٍ، إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: " إِنِّي أَحْلَلْتُ الْحَلالَ، وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ، وَأَدَّيْتُ الْمَكْتُوبَاتِ، أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: نَعَمْ "، قَالَ: وَفِي لَفْظٍ قَالَ النُّعْمَانُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرَأَيْتَ إِنْ صَلَّيْتُ الْمَكْتُوبَاتِ، وَأَحْلَلْتُ الْحَلالَ، وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ، وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: نَعَمْ "
قَالَ: وَقَالَ قَتَادَةُ: " {يَأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] ، هُوَ الَّذِي يُزَمِّلُ ثِيَابَهُ "،
(1/26)
قَالَ: وَعَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: " زَمَّلْتُ هَذَا الأَمْرَ فَقُمْ بِهِ: و {يَأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر: 1] ، دَثَّرْتُ هَذِهِ الأَمْرَ فَقُمْ بِهِ "، قَالَ: وَعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ: " قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ، وَنَافِعٌ، وَعَاصِمٌ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَالْكِسَائِيُّ: الْمُزَّمِّلُ وَالْمُدَّثِّرُ بِالتَّشْدِيدِ وَالإِدْغَامِ، وَكَذَلِكَ نَقْرَأُهُمَا وَعَلَيْهِمَا الأُمَّةُ، وَالْمُزَّمِّلُ الْمُلْتَفُّ بِثَوْبِهِ "، قَالَ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: سَمِعْتُ مَنْ أَثِقُ بِخَبَرِهِ وَعِلْمِهِ يَذْكُرُ: أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فَرْضًا فِي الصَّلاةِ ثُمَّ نَسْخَهُ بِفَرْضٍ غَيْرِهِ، ثُمَّ نَسَخَ الثَّانِي بِالْفَرْضِ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ: كَأَنَّهُ يَعْنِي قَوْلَ اللَّهِ: {يَأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} [المزمل: 1 - 4] ، ثُمَّ نَسْخَهُ فِي السُّورَةِ مَعَهُ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ، إِلَى قَوْلِهِ: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] ، فَنَسَخَ قِيَامَ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفَهُ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ بِمَا تَيَسَّرَ قَالَ: قَالَ: وَيُقَالُ نَسَخَ مَا وَصَفَ فِي الْمُزَّمِّلِ، بِقَوْلِ اللَّهِ: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] زَوَالُهَا إِلَى {غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: 78، الْعَتَمَةُ:] وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ { [الإسراء: 78 - 79] ، فَأَعْلَمَهُ أَنَّ صَلاةَ اللَّيْلِ نَافِلَةٌ لا فَرِيضَةٌ، وَالْفَرَائِضُ فِيمَا ذَكَرَ مِنْ لَيْلٍ وَنِهَارٍ، قَالَ: فَفَرَائِضُ الصَّلَوَاتِ خَمْسٌ وَسِوَاهَا تَطَوُّعٌ "، قَالَ: وَعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ: قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ، وَشَيْبَةُ، وَنَافِعٌ، وَأَبُو عَمْرٍو:} نِصْفَهُ وَثُلُثَهُ { [المزمل: 20] ، بِالْخَفْضِ، وَكَانَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَعَاصِمٌ، وَالأَعْمَشُ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، يَقْرَءُونَهَا نَصَبًا:} نِصْفَهُ وَثُلُثَهُ { [المزمل: 20] ، غَيْرَ أَنَّ ابْنَ كَثِيرٍ كَانَ يُخَفِّفُ ثُلُثَهُ، وَقَالَ: وَقِرَاءَتُنَا الَّتِي نَخْتَارُهَا الْخَفْضُ لِقَوْلِهِ:} عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ { [المزمل: 20] ، فَكَيْفَ تَقْدُرُونَ عَلَى
أَنْ تَعْرِفُوا نِصْفَهُ مِنْ ثُلُثِهِ وَهُمْ لا يَحْصُونَهُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَتَأَوَّلَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ قَوْلَهُ: "} عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ { [المزمل: 20] : لَنْ تَعْرِفُوهُ ذَهَبَ إِلَى الإِحْصَاءِ فِي الْعَدَدِ "، قَالَ: وَقَالَ غَيْرُ أَبِي عُبَيْدٍ، مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْعَرَبِيَّةِ، إِنَّمَا قَوْلُهُ:} لَنْ تُحْصُوهُ { [المزمل: 20] : لَنْ تُطِيقُوهُ، وَقَالَ: تَقُولُ الْعَرَبُ مَا أَحْصَى كَذَا، أَيْ مَا أُطِيقُهُ قَالَ: قَالَ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا» ، أَيْ لَنْ تُطِيقُوا أَنْ تَسْتَقِيمُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، يَقُولُ: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا»
(1/27)
قَالَ: عَنْ أَبِي صَالِحٍ، لَمَّا نَزَلَتْ:} إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ { [المزمل: 20] ، إِلَى قَوْلِهِ:} عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ { [المزمل: 20] ، قَالَ: قَالَ جِبْرِيلُ: " أَشُقَّ عَلَيْكُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ "، قَالَ:} وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ { [الصافات: 164 - 166] "، وَعَنْ قَتَادَةَ:} إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ { [المزمل: 20] ، وَمِنْ نِصْفِهِ وَأَدْنَى مِنْ ثُلُثِهِ قَالَ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَقُومُ أُدْنِيَ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَتَقُومُ نِصْفَهُ وثُلُثَهُ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ، وَعَنِ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ،} عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ { [المزمل: 20] : لَنْ تُطِيقُوهُ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: " قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ:} قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا { [المزمل: 2] ، أَيْ صَلِّ اللَّيْلَ إِلا شَيْئًا يَسِيرًا مِنْهُ تَنَامُ فِيهِ وَهُوَ الثُّلُثُ، ثُمَّ قَالَ: نِصْفَهُ أَيْ قُمْ نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنَ النِّصْفِ قَلِيلا أَيِ الثُّلُثَ أَوْ زِدْ عَلَى النِّصْفِ إِلَى الثُّلُثَيْنِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَطَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَعَهُ وَأَحَدَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْفُسِهِمْ بِالْقِيَامِ عَلَى الْمَقَابِرِ حَتَّى شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:} إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ { [المزمل: 20] ، أَيْ وَتَقُومُ نِصْفَهُ وَثُلُثَهُ:} وَطَائِفَةٌ مِنَ
الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ { [المزمل: 20] ، فَيَعْلَمُ مَقْدَارَ ثُلُثَيْهِ، وَنِصْفَهُ، وَثُلَثَهُ، وَسَائِرَ أَجْزَائِهِ:} عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ { [المزمل: 20] ، أَيْ لَنْ تُطِيقُوا مَعْرِفَةَ حَقَائِقِ ذَلِكَ، وَالْقِيَامَ فِيهِ عَلَى هَذِهِ الْمَقَادِيرِ فَتَابَ عَلَيْكُمْ:} فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ { [المزمل: 20] ، رَخَّصَ لَهُمْ فِي أَنْ يَقُومُوا مَا أَمْكَنَ وَخَفَّ بِغَيْرِ مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، وَلا مِقْدَارٍ "، قَالَ: " ثُمَّ نَسَخَ هَذِهِ بِالصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ، قَالَ: وَلَوْ قَرَأْنَا:} أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ { [المزمل: 20] ، بِالْخَفْضِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ، كَانَ رُبَّمَا قَامَ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ، وَفِي هَذِهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا أُمِرَ بِهِ لأَنَّ اللَّهَ، قَالَ لَهُ:} قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا { [المزمل: 2 - 2] ، إِلَى الثُّلُثِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يَنْقُصَ مِنَ الثُّلُثِ شَيْئًا، قَالَ: فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي الْحِكَايَةِ الَّتِي حَكَاهَا وَغَيْرُهُ إِلَى أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ عَلَى الْمَقَادِيرِ الَّتِي ذَكَرَهَا، ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ فِي آخِرِ السُّورَةِ وَأَوْجَبَ قِرَاءَةَ مَا تَيَسَّرَ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ فَرْضًا، ثُمَّ نَسَخَ فَرْضَ قِرَاءَةِ مَا تَيَسَّرَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ،
(1/28)
وَأَمَّا سَائِرُ الأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّهَا دَلَّتْ عَلَى أَنَّ آخِرَ السُّورَةِ نَسَخَتْ أَوَّلَهَا، فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ بِنُزُولِ آخِرِ السُّورَةِ، فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ:} فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ { [المزمل: 20] ، اخْتِيَارٌ لا إِيجَابُ فَرْضٍ، وَقَالَ: وَهَذَا أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ نَسَخَتْ قِيَامَ اللَّيْلِ، وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ مَفْرُوضَاتٌ فِي أَوَّلِ الإِسْلامِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمَكَّةَ، فُرِضَتْ عَلَيْهِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، وَالأَخْبَارُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ:} فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ { [المزمل: 20] ، إِنَّمَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَنَفْسُ الآيَةِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ،
قَوْلُهُ:} عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ { [المزمل: 20] ، وَالْقِتَالُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّمَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:} وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ { [البقرة: 43] ، الزَّكَاةُ إِنَّمَا فُرِضَتْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ: وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُمْ فِي الْجَيْشِ، وَقَدْ كَانَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ قِيَامُ اللَّيْلِ، وَبَعْثُهُ الْجُيُوشَ لَمْ يَكُنْ إِلا بَعْدَ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْمَدِينَةَ، قَالَ: وَيُقَالُ لِمَنْ أَوْجَبَ الْقِيَامَ بِاللَّيْلِ فَرْضًا بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ احْتِجَاجًا بِقَوْلِهِ:} فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ { [المزمل: 20] ، خَبِّرْنَا عَنْهُ إِذَا لَمْ يُخَفِّفْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ أَنْ يَقْرَأَ بِشَيْءٍ هَلْ تُوجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَكَلَّفَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُخَفِّفْ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ، فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، خَالَفَ ظَاهِرَ الْكِتَابِ وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ، وَإِنْ قَالَ: لا يَجِبُ عَلَيْهِ تَكَلُّفُهُ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَتَيَسَّرْ، وَيُخَفِّفُ، فَقَدْ أَسْقَطَ فَرْضَهُ، وَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَوَجَبَ عَلَيْهِ خَفَّ أَوْ لَمْ يَخِفَّ كَمَا قَالَ:} انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا { [التوبة: 41] ، وَقَوْلُهُ:} مَا تَيَسَّرَ { [المزمل: 20] ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ نَدْبٌ وَاخْتِيَارٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ، قَالَ: وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ فِي إِيجَابِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ، بِقَوْلِهِ:} فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ { [المزمل: 20] ، فَأَسْقَطُوا فَرْضَ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ مُتَأَوِّلِينَ لِهَذِهِ الآيَاتِ، فَقَالُوا: إِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَقْرَأَ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ، وَلا عَلَيْهِ أَنْ لا يَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، ثُمَّ نَاقَضُوا، فَقَالُوا: لابُدَّ أَنْ يَقْرَأَ بِثَلاثِ آيَاتٍ فَصَاعِدًا، أَوْ بِآيَةٍ طَوِيلَةٍ نَحْوَ آيَةِ الدِّينِ أَوْ آيَةِ الْكُرْسِيِّ، فَإِنْ قَرَأَ بِآيَةٍ قَصِيرَةٍ نَحْوَ قَوْلِهِ:} مُدْهَامَّتَانِ { [الرحمن: 64] وَ} لَمْ يَلِدْ { [الإخلاص: 3] ، لَمْ يَجُزْ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الآيَةُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ فِي شَيْءٍ، إِنَّمَا نَزَلَتِ
الآيَةُ عَلَى مَا أَعْلَمْتُكَ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، وَإِنَّمَا أُخِذَتِ
(1/29)
الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا أُخِذَ عَدَدُ الرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَسَائِرُ مَا فِي الصَّلاةِ، عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَلِذِكْرِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ كِتَابٌ غَيْرُ هَذَا، سَنَحْكِي اخْتِلافَ النَّاسِ وَاحْتِجَاجَاتِهِمْ فِيهَا هُنَالِكَ " قَالَ: وَمَا أَدْخَلْنَا عَلَى الطَّائِفَةِ الأُولَى فِي إِيجَابِهِمْ قِرَاءَةَ مَا تَيَسَّرَ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ دَاخِلٌ عَلَى أَصْحَابِ الرَّأْيِ، بِأَنْ يُقَالَ لَهُمْ: خَبِّرُونَا عَمَّنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ فِي الصَّلاةِ وَلَمْ يُخَفِّفْ، هَلْ تُوجِبُونَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَكَلَّفَ مِقْدَارَ مَا حَدَّدْتُمْ مِنْ قِرَاءَةِ ثَلاثِ آيَاتٍ، أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ، وَإِنْ ثَقُلَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ؟ فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: قِيلَ: فَمِنْ أَيْنَ أَوْجَبْتُمْ عَلَيْهِ قِرَاءَةَ مَا لَمْ يَتَيَسَّرْ عَلَيْهِ؟ وَإِنَّمَا أَمَرَ اللَّهُ، بِقِرَاءَةِ مَا تَيَسَّرَ فِي زَعْمِكُمْ، وَيُلْزِمُكُمْ أَنْ تُجِيزُوا لِلْمُصَلِّي إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ، أَنْ يَقُولَ: أَلْفًا وَيَرْكَعَ، وَيَقُولُ: لَمْ يَتَيَسَّرْ عَلَيَّ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ أَجَازُوا ذَلِكَ خَالَفُوا السُّنَّةَ، وَخَرَجُوا مِنْ قَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ، قَوْلُهُ:} وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا { [المزمل: 4] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «بَيِّنْهُ تَبْيِينًا» ، وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنِّي سَرِيعُ الْقِرَاءَةِ أَقْرَأُ الْبَقَرَةَ فِي مَقَامٍ، فَقَالَ: «لأَنْ أَقْرَأَ الْبَقَرَةَ فَأُرَتِّلُهَا وَأَقْدِرُهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ كَمَا تَقُولُ» قَالَ: وَقَرَأَ عَلْقَمَةُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ، فَقَالَ: " رَتِّلْ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي قَالَ: فَإِنَّهُ زَيْنُ الْقُرْآنِ "، قَالَ عَلْقَمَةُ: «صَلَّيْتُ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إِلَى انْصِرَافِهِ مِنَ الْفَجْرِ فَكَانَ يُرَتِّلُ وَلا يَرْجِعُ وَيُسْمِعُ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ» قَالَ: وَعَنْ قَتَادَةَ، «بَلَغَنَا أَنَّ عَامَّةَ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَتِ الْمَدَّ» ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ:} وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا [المزمل: 4] ، قَالَ: «تُرْسِلُ فِيهِ ترسيلا» ، وَفِي
رِوَايَةٍ، قَالَ: بَعْضُهُ عَلَى إِثْرِ بَعْضٍ، وَعَنْ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «يَقْرَأُ بِالسُّورَةِ فَيُرَتِّلُهَا حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلِ مِنْهَا»
(1/30)
ثنا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ، ثنا زَائِدَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ حُذَيْفَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، " أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً، فَقَرَأَ بِالطُّوَالِ قِرَاءَةً لَيْسَتْ بِالْخَفِيضَةِ، وَلا الرَّفِيعَةِ، وَيُحَسِّنُ وَيُرَتِّلُ، ثُمَّ رَكَعَ
قَوْلُهُ: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا} [المزمل: 5] "، قَالَ الْحَسَنُ: الْعَمَلُ بِهِ ثَقِيلٌ، وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَ: ثَقِيلا فِي الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: تَثْقُلُ وَاللَّهِ فَرَائِضُهُ وَحُدُودُهُ، وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَ: لَيْسَ يَعْنِي قِرَأَةً وَلَكِنْ فَرَائِضَهُ، وَسُنَنَهُ وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ، أَنَّهُ أَرَادَ ثِقَلَ الْوَحْيِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ
ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ إِذَا أُوحِيَ إِلَيْهِ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ وَضَعَتْ جِرَانَهَا فَمَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَتَحَرَّكَ حَتَّى يُسْرَى عَنْهُ»
وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، قَالَتْ: نَزَلَتْ سُورَةُ الْمَائِدَةِ، وَأَنَا آخُذُ بِزِمَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْعَضْبَاءِ، فَكَادَتْ مِنْ ثِقَلِهَا أَنْ تَنْدَقَّ عَضُدُ النَّاقَةِ
ثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَقَالَ: كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: " يَأْتِينِي أَحْيَانًا وَلَهُ صَلْصَلَةٌ كَصَلْصَلَةِ الْجَرَسِ فَيَنفْصَمُّ عَنِّي، وَقَدْ وَعَيْتُ وَذَلِكَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ، وَيَأْتِينِي أَحْيَانًا فِي صُورَةِ الرَّجُلِ، أَوْ قَالَ: الْمَلَكِ فَيُخْبِرُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ "
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ غَشِيَهُ عُرِقَ أَوْ بُهِرَ
(1/31)
ذِكْرُ التَّرْغِيبِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] ، وَقَالَ: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلا وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلا طَوِيلا} [الإنسان: 25 - 26] ، وَقَالَ: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق: 40] ، وَقَالَ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطور: 48 - 49] ، وَقَالَ: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ {15} تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 15 - 16] ، وَقَالَ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا} [المزمل: 6 - 7] ، وَمَدَحَ قَوْمًا، فَقَالَ: {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 17 - 18] ، وَقَالَ: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} [آل عمران: 17] ، وَقَالَ: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر: 9] ، وَقَالَ: {يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران: 113] ،
(1/32)
وَمَدَحَ: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا { [الفرقان: 63 - 64] قَالَ: وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَذَكَرَ عِنْدَهَا قَوْمٌ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ إِذَا أَدُّوا الْفَرَائِضَ لا يُبَالُونَ أَنْ يَتَزَيَّدُوا، فَقَالَتْ: «لِعَمْرِي لا يَسْأَلُهُمُ اللَّهُ إِلا عَمَّا افْتُرِضَ عَلَيْهِمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يُخْطِئُونَ بِالنِّهَارِ، وَإِنَّمَا أَنْتُمْ مِنْ نَبِيِّكُمْ، وَنَبِيُّكُمْ مِنْكُمْ فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ إِلا أَنْ يَمْرَضَ فَيُصَلِّي وَهُوَ جَالِسٌ، ثُمَّ نَزَعَتْ كُلَّ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ يُذْكَرُ فِيهَا قِيَامُ اللَّيْلِ» .
قَالَ: وَعَنْ عَلْقَمَةَ، وَالأَسْوَدِ: «إِنَّمَا التَّهَجُدُ بَعْدَ نَوْمَةٍ» قَالَ: وَعَنْ عَمْرِو بْنِ غَزِيَّةَ الأَنْصَارِيِّ: أَنَّهُ قَالَ: «يَحْسَبُ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ إِذَا قَامَ اللَّيْلَ فَصَلَّى حَتَّى يُصْبِحَ أَنَّهُ قَدْ تَهَجَّدَ، إِنَّمَا التَّهَجُّدُ الصَّلاةُ بَعْدَ رَقْدَةٍ، ثُمَّ الصَّلاةُ بَعْدَ رَقْدَةٍ، ثُمَّ الصَّلاةُ بَعْدَ رَقْدَةٍ، فَتِلْكَ كَانَتْ صَلاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» قَالَ: وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ:} نَافِلَةً لَكَ { [الإسراء: 79] ، قَالَ: «لَيْسَ هِيَ نَافِلَةٌ لأَحَدٍ إِلا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» قَالَ: وَعَنْ مُجَاهِدٍ:} وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ { [الإسراء: 79] ، قَالَ: «النَّافِلَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَاصَّةً مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَمَا عَمِلَ مِنْ عَمِلٍ سِوَى الْمَكْتُوبَةِ فَهُوَ لَهُ نَافِلَةٌ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لا يَعْمَلُ ذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الذِّنُوبِ فَهِيَ نَوَافِلٌ لَهُ زِيَادَةٌ وَالنَّاسُ يَعْمَلُونَ مَا سِوَى الْمَكْتُوبَاتِ لِذِنُوبِهِمْ فِي كَفَّارَاتِهَا فَلَيْسَ لِلنَّاسِ نَوَافِلٌ إِنَّمَا هِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً» قَالَ: وَعَنِ الْحَسَنِ: «لا تَكُونُ نَافِلَةَ اللَّيْلِ إِلا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» قَالَ: وَعَنْ قَتَادَةَ،} نَافِلَةً لَكَ [الإسراء: 79] ، قَالَ: «تَطَوُّعًا وَفَضِيلَةً لَكَ»
ثنا أَبُو هَاشِمٍ زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، ثنا وَكِيعٌ، ثنا الأَعْمَشُ، عَنْ سَمْرَةَ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ الرَّجُلُ خَرَجَتْ ذُنُوبُهُ مِنْ سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَرِجْلَيْهِ، وَإِنْ جَلَسَ جَلَسَ مَغْفُورًا لَهُ»
(1/33)
قَالَ: قَالَ أَبُو أُمَامَةَ: إِنَّمَا كَانَتِ النَّافِلَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ وَكِيعٌ: يَعْنِي {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79] قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ «سَمَّى مَشْيَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَصَلاتَهُ بَعْدَ وَضُوئِهِ نَافِلَةً»
ثنا يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصَّنَابِحِيِّ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ، فَذَكَرَ وَفِيهِ، ثُمَّ كَانَ مَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَصَلاتُهُ نَافِلَةً»
ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا الْمُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، ثنا يَسَارُ بْنُ الْحَكَمِ أَبُو زَيْدٍ الضَّبِّيُّ، ثنا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طَهُورُ الرَّجُلِ لِصَلاتِهِ يُكَفِّرُ اللَّهُ بِطَهُورِهِ ذُنُوبَهُ وَتَبْقَى صَلاتُهُ نَافِلَةً لَهُ»
قَالَ: وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْكُمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، لَكُمْ بِهِنَّ خَمْسُونَ حَسَنَةً، فَمَنْ كَانَ مُقَارِفًا فَثَلاثُونَ، وَتَبْقَى عِشْرُونَ، فَإِنْ آبَ فَأَرْبَعُونَ، وَيَبْقَى لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، ثُمَّ النَّوَافِلُ بَعْدُ، كَمَا يَنَالُ الْمَقَاسِمَ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يُصِيبُ مِنْ نَفْلِهِ أَفْضَلَ مِنْ سَهْمِهِ، قَالَ: فَقَدْ سَمَّى ابْنُ مَسْعُودٍ، التَّطَوُّعَ نَوَافِلَ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ لَمْ يَخُصَّ بِذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دُونَ غَيْرِهِ، وَهَذَا الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ، أَنَّ كُلَّ تَطَوُّعٍ نَافِلَةٌ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ " وَأَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، فَإِنَّ عَبَّاسَ بْنَ وَلِيدٍ النَّرْسِيَّ، أَخْبَرَنَا، قَالَ:
ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّهُ حَدَّثَ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ الْوُضُوءَ يُكَفِّرُ مَا قَبْلَهُ، ثُمَّ تَصِيرُ الصَّلاةُ نَافِلَةً» ، قِيلَ لَهُ: أَنْتَ سَمِعْتَ ذَاكَ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، غَيْرُ مَرَّةٍ وَلا مَرَّتَيْنِ وَلا ثَلاثٍ وَلا أَرْبَعَ وَلا خَمْسٍ
(1/34)
- بَابُ مَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ النَّزَّالِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ خَالِيًا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، قَالَ: " بَخٍ بَخٍ، لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَأَنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، تُقِيمُ الصَّلاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَلْقَى اللَّهَ لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، أَوَلا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَقِيَامُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ يُكَفِّرُ الْخَطِيئَةَ، وَتَلا هَذِهِ الآيَةَ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 16] "
قَالَ: وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مُدَّتِ الأَرْضُ مَدَّ الأَدِيمِ، وَزِيدَ فِي سَعَتِهَا كَذَا وَكَذَا، وَجُمِعَ الْخَلائِقُ بِصَعِيدٍ وَاحِدٍ جِنُّهُمْ وَإِنْسُهُمْ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: سَتَعْلَمُونَ الْيَوْمَ مَنْ أَصْحَابُ الْكَرَمِ، لِيَقُمِ الْحَمَّادُونَ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَيَقُومُونَ فَيُسَرَّحُونَ إِلَى الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ الثَّانِيَةَ سَتَعْلَمُونَ الْيَوْمَ مَنْ أَصْحَابُ الْكَرَمِ، لِيَقُمِ الَّذِينَ كَانَتْ جُنُوبُهُمْ تَتَجَافَى، عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا فَيَقُومُونَ، وَيُسَرَّحُونَ إِلَى الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ الثَّالِثَةَ: سَتَعْلَمُونَ الْيَوْمَ مَنْ أَصْحَابُ الْكَرَمِ، لِيَقُمِ الَّذِينَ كَانَتْ: {لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} [النور: 37] ، فَيَقُومُونَ فَيُسَرَّحُونَ إِلَى الْجَنَّةِ
(1/35)
قَالَ: فَإِذَا أَخَذَ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةَ، خَرَجَ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ لَهُ عَيْنَانِ بَصِيرَتَانِ، وَلِسَانٌ فَصِيحٌ، فَيَقُولُ: إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلاثَةٍ، بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، فَيَلْقُطُهُمْ مِنَ الصُّفُوفِ لَقْطَ الطَّيْرِ حَبَّ السِّمْسِمِ، فَيَحْشُرُ بِهِمْ فِي جَهَنَّمَ، ثُمَّ يَخْرُجُ الثَّانِيَةَ، فَيَقُولُ: إِنِّي وُكِّلْتُ بِمَنْ آذَى اللَّهَ، فَيَلْقُطُهُمْ مِنَ الصُّفُوفِ لَقْطَ الطَّيْرِ حَبَّ السِّمْسِمِ فَيُحْبَسُ بِهِمْ فِي جَهَنَّمَ، ثُمَّ يَخْرُجُ الثَّالِثَةَ، فَيَقُولُ: إِنِّي وُكِّلْتُ بِأَصْحَابِ التَّصَاوِيرِ فَيَلْقُطُهُمْ مِنَ الصُّفُوفِ لَقْطَ الطَّيْرِ حَبَّ السِّمْسِمِ، فَيُحْشَرُ بِهِمْ فِي جَهَنَّمَ قَالَ: فَإِذَا أَخَذَ مِنْ هَؤُلاءِ ثَلاثَةً وَمِنْ هَؤُلاءِ ثَلاثَةً، نُشِرَتِ الصُّحُفُ وَوُضِعَتِ الْمَوَازِينُ وَدُعِيَ الْخَلائِقُ لِلْحِسَابِ قَالَ: وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَرَبِيعَةَ الْجُرَشِيِّ بِمَعْنَاهُ
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، ثنا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ، لِيَقُمِ الَّذِينَ كَانَتْ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ فَيَقُومُونَ وَهُمْ قَلِيلٌ، ثُمَّ يُحَاسَبُ سَائِرُ النَّاسِ»
قَالَ: وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَنَّهُ لَفِي التَّوْرَاةِ لَقَدْ أَعَدَّ اللَّهُ لِلَّذِينَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ، عَنِ الْمَضَاجِعِ مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، وَمَا لا يَعْلَمْهُ مَلَكٌ، وَلا مُرْسَلٌ، قَالَ: وَنَحْنُ نَقْرَأُ: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17]
(1/36)
قَالَ: وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ عَرْشُ اللَّهِ عَلَى الْمَاءِ، فَاتَّخَذَ لِنَفْسِهِ جَنَّةً، ثُمَّ اتَّخَذَ أُخْرَى فَأَطْبَقَهَا بِلُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ لا يَعْلَمُ الْخَلْقُ مَا فِيهِمَا، ثُمَّ قَرَأَ: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17] ، تَأْتِيهِمْ فِيهَا كُلَّ يَوْمٍ تُحْفَةٌ
ثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ، أَنَّ أَبَا حَازِمٍ، حَدَّثَهُ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ، يَقُولُ: شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسًا وَصَفَ فِيهِ الْجَنَّةَ حَتَّى انْتَهَى، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ: «فِيهَا مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 32 - 93]
قَالَ: قَالَ أَبُو صَخْرٍ، فَأَخْبَرْتُهَا مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ، فَقَالَ: أَبُو حَازِمٍ حَدَّثَكَ بِهَذَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَتَبَسَّمَ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ ثَمَّ لَكَيِّسًا كَثِيرًا، أَنَّهُمْ يَا هَذَا أَخْفَوُا اللَّهَ عَمَلا وَأَخْفَى لَهُمْ ثَوَابًا، فَلَوْ كَانُوا قَدِمُوا عَلَيْهِ قَدْ قَرَّتْ تِلْكَ الأَعْيُنُ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] ، هُوَ قِيَامُهُمْ مِنَ اللَّيْلِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: يَقُومُونَ يُصَلُّونَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: وَعَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: هُمْ قَوْمٌ لا يَزَالُونَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِمَّا فِي الصَّلاةِ، وإِمَّا قُعُودًا، وَإِمَّا إِذَا اسْتَيْقَظُوا مِنْ مَنَامِهِمْ، هُمْ قَوْمُ لا يَزَالُونَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ
(1/37)
ذِكْرُ مَنْ قَالَ التَّجَافِي عَنِ الْمَضَاجِعِ هِيَ الصَّلاةُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ
قَالَ: قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] ، قَالَ: «يُصَلُّونَ مَا بَيْنَ هَاتَيْنِ الصَّلاتَيْنِ، الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» قَالَ: وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى: " كَانَ نَاسٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُصَلُّونَ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] " قَالَ: وَعَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَأَبِي حَازِمٍ، قَالا: " {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] ، هِيَ صَلاةُ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَصَلاةُ الْعِشَاءِ صَلاةُ الأَوَّابِينَ "
ذِكْرُ مَنْ قَالَ التَّجَافِي عَنِ الْمَضَاجِعِ هِيَ صلاة العشاء
قَالَ: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] ، قَالَتْ: «عَنْ صَلاةِ الْعَتْمَةِ» ، وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «انْتِظَارُ الصَّلاةِ الَّتِي تُدْعَى الْعَتْمَةَ» قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: «وَالأَخْبَارُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَدُلُّ عَلَى خِلافِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ» قَالَ: قَوْلُهُ: {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17] ، قَالَ: «مَا أَقَلُّ لَيْلَةٍ تَمُرُّ بِهِمْ يَنَامُونَ فِيهَا حَتَّى يُصْبِحُوا لا يُصَلُّونَ فِيهَا» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «قَلِيلا كَانُوا يَنَامُونَ» قَالَ: وَعَنِ الْحَسَنِ، وَابْنِ نَجِيحٍ: «مَدُّوا الْعَقِبَ إِلَى آخِرِ اللَّيْلِ، وَكَانَ الاسْتِغْفَارُ فِي السَّحَرِ» ، قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: «كَانُوا قَلِيلا مَا يَنَامُونَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ» قَالَ: وَعَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «كَانُوا لا يَنَامُونَ كُلَّ اللَّيْلِ» ، وَفِي لَفْظٍ: قَلِيلا مَا يَرْقُدُونَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ لا يَتَهجَدُّونَ " قَالَ: وَعَنِ الضَّحَّاكِ: " كَانَ الْمُتَّقُونَ قَلِيلا، وَكَانُوا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَقُومُونَ وَمِنْهُ مَا يَنَامُونَ،
(1/38)
وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ اللَّهُ: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلا { [الذاريات: 15 - 17] ، يَقُولُ الْمُحْسِنُونَ: كَانُوا قَلِيلا هَذِهِ مَفْصُولَةٌ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ، فَقَالَ:} مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ { [الذاريات: 17] ، الْهُجُوعُ النَّوْمُ:} وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ { [الذاريات: 18] ، قَالَ: يَقُومُونَ فَيُصَلُّونَ، يَقُولُ: كَانُوا يَقُومُونَ وَيَنَامُونَ كَمَا قَالَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:} إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ { [المزمل: 20] ، فَهَذَا نَوْمٌ وَهَذَا قِيَامٌ:} وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ { [المزمل: 20] ، كَذَلِكَ يَقُومُونَ ثُلثًا وَنِصْفًا وَثُلُثَيْنِ، يَقُولُ: يَنَامُونَ وَيَقُومُونَ " قَالَ: وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ:} كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ { [الذاريات: 17] ، قَالَ: «مَا يَنَامُونَ» قَالَ: وَعَنْ
مُطَرَّفٍ، قَالَ: " لا يَأْتِي عَلَيْهِمْ لَيْلَةٌ إِلا قَامُوا فِيهَا، وَفِي لَفْظٍ: إِلا صَلُّوا فِيهَا " قَالَ: وَعَنِ الْحَسَنِ: «كَابَدُوا قِيَامَ اللَّيْلِ» قَالَ: وَعَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: «قَلَّمَا يَأْتِي عَلَى الْمُؤْمِنِ لَيْلَةٌ لا يَقُومُ فِيهَا» قَالَ: وَعَنْ أَنَسٍ، فِي قَوْلِهِ:} كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ { [الذاريات: 17] ، قَالَ: «كَانُوا يَتَيَقَّظُونَ يُصَلُّونَ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» قَالَ: وَعَنْ مُطَرَّفٍ: «كَانَ لَهُمْ قَلِيلٌ مِنَ اللَّيْلِ لا يَهْجَعُونَهُ كَانُوا يُصَلُّونَ» قَالَ: وَعَنِ الْحَسَنِ، وَالزُّهَرِيِّ: «كَانُوا يُصَلُّونَ كَثِيرًا مِنَ اللَّيْلِ» قَالَ: وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: «كَانُوا لا يَنَامُونَ عَنِ الْعِشَاءِ» قَالَ: وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: «كَانُوا لا يَنَامُونَ حَتَّى يُصَلُّوا الْعَتْمَةَ» قَالَ: وَعَنْ عَطَاءٍ: «كَانَ ذَلِكَ إِذْ أُمِرُوا بِقِيَامِ اللَّيْلِ إِلا قَلِيلا» ، وَعَنْ قَيْسِ بْنِ عَطَاءٍ: " إِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الآيَةُ فَرِيضَةٌ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ الصَّلاةَ، فَلَّمَا فُرِضَتِ الصَّلاةُ نَسَخَتْهَا:} قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ { [الذاريات: 17] ، قَوْلُهُ:} إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا { [المزمل: 6] قَالَ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «نَاشِئَةُ اللَّيْلِ قِيَامُ اللَّيْلِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ، قَالَ: «هُوَ بِلَسَانِ الْحَبَشَةِ نَشَأَ قَامَ» ، وَمِثْلَهُ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «اللَّيْلُ كُلُّهُ نَاشِئَةٌ» ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالا: «إِذَا أَنْشَأْتَ اللَّيْلَ فَإِنَّمَا هُوَ نَاشِئَةٌ اللَّيْلُ كُلُّهُ نَاشِئَةٌ» قَالَ: وَعَنْ مُجَاهِدٍ: نَاشِئَةُ اللَّيْلِ، قَالَ: «أَيْ سَاعَةٌ تَهَجَّدَ فِيهَا مُتَهَجِّدٌ مِنَ اللَّيْلِ» ، وَعَنِ الضَّحَّاكِ: «نَاشِئَةُ اللَّيْلِ يَعْنِي اللَّيْلَ كُلَّهُ» ،
(1/39)
وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ: «قِيَامُ اللَّيْلِ» قَالَ: وَعَنِ الْحَسَنِ، وَالضَّحَّاكِ: «نَاشِئَةُ اللَّيْلِ مَا كَانَ بَعْدَ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ» ، وَعَنْ أَبِي مِجْلِزٍ، مِثْلِهِ قَالَ: وَعَنْ ثَابِتٍ: «كَانَ أَنَسٌ يُصَلِّي مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» ، فَقِيلَ لَهُ: مَا هَذِهِ الصَّلاةُ؟ قَالَ: " أَمَا سَمِعْتُمْ قَوْلَ اللَّهِ:} إِنَّ نَاشِئَةَ
اللَّيْلِ { [المزمل: 6] ، هَذِهِ نَاشِئَةُ اللَّيْلِ؟ " قَالَ: وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: «نَاشِئَةُ اللَّيْلِ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» قَالَ: وَعَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَأَبِي حَازِمٍ: «نَاشِئَةُ اللَّيْلِ مَا بَيْنَ صَلاةِ الْمَغْرِبِ وَصَلاةِ الْعِشَاءِ» قَالَ: قَوْلُهُ:} هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا { [المزمل: 6] ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَرَأَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: " وَأَقْوَمُ قِيلا، وَأَصْوَبُ قِيلا: فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ إِنَّمَا هِيَ أَقْوَمُ قِيلا، قَالَ: أَلَيْسَ أَقْوَمُ وَأَصْوَبُ وَأَهْيَأُ وَاحِدًا " قَالَ: وَعَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ:} أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا { [المزمل: 6] ، قَالَ: «أَثْبَتُ فِي الْقِرَاءَةِ وَأَقْوَى عَلَى الْقِرَاءَةِ» قَالَ: وَعَنْ مُجَاهِدٍ: أَشَدُّ وَطَأً، قَالَ: «مُوَاطَأَةٌ لِلْقَوْلِ وَأَفْرَغٌ لِلْقَلْبِ» قَالَ: وَعَنِ الضَّحَّاكِ: «قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ أَثْبَتُ مِنْهُ بِالنَّهَارِ وَأَشَدُّ مُوَاطَأَةً بِاللَّيْلِ مِنْهُ بِالنَّهَارِ» قَالَ: وَعَنْ قَتَادَةَ، هِيَ أَشَدُّ وَطَأً، يَقُولُ: " أَثْبَتُ فِي الْخَيْرِ وَأَقْوَمُ قِيلا، يَقُولُ: وَأَحْفَظُ لِلْخَيْرِ " قَالَ: وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ الْقُرْآنَ وَحِشٌ فَاسْتَخْلُوا بِهِ» قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَضْرٍ: " وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْعَرَبِيَّةِ أَنْ تَكُونَ النَّاشِئَةُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ، لِقَوْلِ اللَّهِ:} إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا { [الزخرف: 3] ، وَقَالَ: بَلْ هِيَ بِلِسَانِ الْعَرَبِ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ قَوْلِهِ:} أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ { [الزخرف: 18] ، وَمِنْ قَوْلِهِ:} إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً { [الواقعة: 35] ، أَيِ ابْتَدْأَنَاهُنَّ، وَيُقَالُ: نَشَأَتْ تُنَشَّأُ نَشْأً أَيِ ابْتَدَأَتْ، وَأَقْبَلَتْ شَيْئًا عَدَّ شَيْءٍ وَأَنْشَأَهَا اللَّهُ فَنَشَأَتْ وَأَنْشَأَتْ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّ سَاعَاتِ اللَّيْلِ النَّاشِئَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ:} وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى [الواقعة: 62] ، يُرِيدُ ابْتِدَاءَ خَلْقَهُمْ "
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، ثنا شَرِيكٌ، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «كَانَ إِذَا رَأَى نَاشِئًا فِي السَّمَاءِ اسْتَقْبَلَهُ حَيْثُ كَانَ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلاةِ» ،
(1/40)
وَفِي رِوَايَةٍ: «إِذَا رَأَى نَاشِئًا مِنْ أُفُقِ السَّمَاءِ تَرَكَ عَمَلَهُ وَإِنْ كَانَ فِي صَلاةٍ وَأَقْبَلَ يَدْعُو»
قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: {هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا} [المزمل: 6] ، فَإِنَّ الْقُرَّاءَ اخْتَلَفُوا فِي قِرَاءَةِ هَذَا الْحَرْفِ، فَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ، وَشَيْبَةُ، وَنَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَعَاصِمٌ، وَالأَعْمَشُ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ وطأ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الطَّاءِ مَقْصُورَةٌ قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَامِرٍ، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ، وَأَبُو عَمْرٍو يَقْرَؤُهَا وِطَاءً مَكْسُورَةَ الْوَاوِ وَمَمْدُودَةَ الطَّاءِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذِهِ أَحَبُّ إِلَيَّ لأَنَّ التَّفْسِيرَ يُصَدِّقُهَا، فَإِنَّمَا هِيَ مُوَاطَأَةُ السَّمْعِ، وَالْبَصَرِ إِيَّاهُ إِذَا قَامَ يُصَلِّي فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ قَالَ: وَقَالَ غَيْرُ أَبِي عُبَيْدٍ: مَنْ قَرَءَهَا وَطْأً أَرَادَ شِدَّةَ الْوَطْئِ أَيْ أَنَّ الصَّلاةَ فِي سَاعَاتِ اللَّيْلِ أَشَدُّ وَأَثْقَلُ عَلَى الْمُصَلِّي مِنَ الصَّلاةِ فِي سَاعَاتِ النَّهَارِ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمِ اشْتَدَّتْ عَلَى الْقَوْمِ وَطْأَةُ سُلْطَانِهِمْ إِذَا ثَقُلَ عَلَيْهِمْ مَا يُلْزِمُهُمْ وَيَأْخُذُهُمْ بِهِ، فَأَعْلَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ الثَّوَابَ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ عَلَى قَدْرِ شِدَّةِ الْوَطْأَةِ وَثِقَلِهَا، وَمَنْ قَرَأَ وِطَاءً فَهُوَ مَصْدَرٌ لِوَطَأْتُ فُلانًا عَلَى كَذَا وَكَذَا مُوَاطَأَةً وَوِطَاءً قَالَ: وَأَقْوَمُ قِيلا أَيْ أَخْلُصُ لِلْقَوْلِ لأَنَّ اللَّيْلَ تَهْدَأُ عَنْهُ الأَصْوَاتُ وَيَنْقَطِعُ فِيهِ الْحَرَكَاتِ فَيُخْلَصُ الْقَوْلُ وَلا يَكُونُ دُونَ تَسْمَعُهُ وَتَفْهَمُهُ حَائِلٌ، قَوْلُهُ: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلا} [المزمل: 7] ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: النَّوْمُ وَالْفَرَاغُ قَالَ: وَقَالَ الضَّحَّاكُ، وَمُجَاهِدٌ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَقَتَادَةُ: «فَرَاغًا طَوِيلا» وَعَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا} [المزمل: 8] ، قَالَ: أَخْلِصْ لَهُ الْمَسْأَلَةَ وَالدُّعَاءَ، وَقَالَ مَرَّةً: أَخْلِصْ إِلَيْهِ إِخْلاصًا، وَعَنِ الضَّحَّاكِ، مِثْلُهُ قَالَ: وَعَنْ قَتَادَةَ: أَخْلِصْ لَهُ الدَّعْوَةَ وَالْعِبَادَةَ، قَوْلُهُ: {آنَاءَ اللَّيْلِ} [آل عمران: 113] ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " آنَاءَ اللَّيْلِ: جَوْفُ اللَّيْلِ " قَالَ: وَقَالَ الْحَسَنُ، فِي قَوْلِهِ: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} [الزمر: 9] ، قَالَ: سَاعَاتُ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا، قَالَ: يُرِيحُ رَأْسَهُ بِقَدَمِهِ وَقَدَمَيْهِ بِرَأْسِهِ، وَفِي
رِوَايَةٍ: آنَاءَ اللَّيْلِ، قَالَ: مِنْ أَوَّلِهِ وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ، عَنْ قَتَادَةَ: {أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران: 113] ، يَقُولُ: قَائِمَةٌ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَفَرَائِضِهِ وَحُدُودِهِ
(1/41)
يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ قَالَ: وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} [آل عمران: 113] ، قَالَ: لا يَسْتَوِي أَهْلُ الْكِتَابِ، وَأَمَةُ مُحَمَّدٍ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ، قَالَ: صَلاةُ الْعَتَمَةِ، هُمْ يُصَلُّونَهَا، وَمَنْ سِوَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لا يُصَلِّيهَا قَالَ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أُمَّةٌ قَائِمَةٌ، قَالَ: أُمَّةٌ عَادِلَةٌ قَالَ: وَعَنْ مَنْصُورٍ: {يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ} [آل عمران: 113] ، قَالَ: سَمِعْنَا مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالا: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ "
قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَيَزِيدَ بْنِ الأَخْنَسِ، وَلَفْظُهُ: «لا تَنَافُسَ بَيْنَكُمْ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ» ، فَذَكَرَ مِثْلَ مَعْنَاهُ، وَفِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان: 64] ، قَالَ الْحَسَنُ: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: 63] ، قَالَ: بِالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ، قَالُوا سَلامًا} [الفرقان: 63] ، يَقُولُ: حُلَمَاءُ لا يَجْهَلُونُ وَإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِمْ حَلُمُوا، ذَلَّتْ وَاللَّهِ الأَبْدَانُ وَالأَبْصَارُ حَتَّى حَسِبَهُمُ الْجَاهِلُ مَرْضَى، وَاللَّهِ مَا بِالْقَوْمِ مَرَضٌ، وَأَنَّهُمْ لأَصِحَّاءُ الْقُلُوبِ وَلَكِنْ دَخَلَهُمْ مِنَ الْخَوْفِ مَا لَمْ يَدْخُلْ غَيْرَهُمْ، وَمَنَعَ مِنْهُمُ الدُّنْيَا عِلْمُهُمْ بِالآخِرَةِ، هَذِهِ أَخْلاقُهُمُ الَّتِي انْتَشَرُوا بِهَا فِي النَّاسِ وَهُمُ الَّذِينَ يَبِتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا، أَسْهَرُوا وَاللَّهِ الأَعْيُنَ وَهَضَمُوا فِي الآخِرَةِ كُلَّ شَيْءٍ، وَاللَّهِ مَا تَعَاظَمَ فِي أَنْفُسِهِمْ شَيْءٌ طَلَبُوا بِهِ الْجَنَّةَ، وَقَالُوا حِينَ دَخَلُوا الْجَنَّةَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 34] ، ثُمَّ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَقَدْ كَابَدُوا فِي الدُّنْيَا أَحْزَانًا شَدِيدَةً وَخَوْفًا شَدِيدًا، وَاللَّهِ مَا أَحْزَنَهُمْ مِنْ أَحْزَانِ النَّاسِ شَيْءٌ، أَبْكَاهُمُ الْخَوْفُ مِنَ النَّارِ، وَأَنَّ اللَّهَ لَنْ يَجْمَعَ عَلَى الْمُؤْمِنِ خَوْفَ الدُّنْيَا وَخَوْفَ الآخِرَةِ، فَجَعَلُوا الْخَوْفَ حَتَّى تَلْقُوا رَبَّكُمْ
(1/42)
قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ عِفَّ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ تَكُنْ عَابِدًا، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ غَنِيًّا، وَأَحْسِنْ جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكَ مِنَ النَّاسِ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَصَاحِبِ النَّاسَ بِالَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُصَاحِبُوكَ بِهِ تَكُنْ عَدْلا، وَإِيَّاكَ وَالضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ، إِنَّهُ قَدْ كَانَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ أَقْوَامٌ يَجْمَعُونَ كَثِيرًا وَيَبْنُونَ شَدِيدًا وَيَأْمَلُونَ بَعِيدًا، فَأَيْنَ هُمْ؟ أَصْبَحَ جَمْعُهُمْ بُورًا، وَأَصْبَحَ أَمَلُهُمْ غُرُورًا، وَأَصْبَحَتْ مَسَاكِنُهُمْ قُبُورًا، يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مُرْتَهَنٌ بِعِلْمِكَ، وَآتٍ عَلَى أَجَلِكَ،
وَمَعْرُوضٌ عَلَى رَبِّكَ، فَخُذْ مِمَّا فِي يَدَيْكَ لِمَا بَيْنَ يَدَيْكَ عِنْدَ الْمَوْتِ يَأْتِيكَ الْخَيْرُ، يَا ابْنَ آدَمَ، طَإِ الأَرْضَ بِقَدَمَيْكَ فَإِنَّهَا عَنْ قَلِيلٍ قَبْرُكَ، يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ فِي هَدْمِ عُمْرِكَ مُنْذُ سَقَطْتَ مِنْ بَطْنِ أُمِّكَ، يَا ابْنَ آدَمَ، خَالِطِ النَّاسَ وَزَائِلْهُمْ، خَالِطْهُمْ بِبَدَنِكَ وَزَائِلْهُمْ بِقَلْبِكَ وَعِلْمِكَ، يَا ابْنَ آدَمَ، تُحِبُّ أَنْ تُذْكَرَ بِحَسَنَاتِكَ وَتَكْرَهُ أَنْ تُذْكَرَ بِسَيِّئَاتِكَ وَتُبْغِضُ عَلَى الظَّنِّ وَتَغْتَمُّ عَلَى الْيَقِينِ قَالَ: وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمَّا جَاءَتْهُمْ هَذِهِ الدَّعْوَةُ مِنَ اللَّهِ صَدَّقُوا بِهَا وَأَفْضَى يَقِينُهَا إِلَى قُلُوبِهِمْ خَشَعَتْ لِلَّهِ قُلُوبُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ، كُنْتُ وَاللَّهِ إِذَا رَأَيْتُهُمْ رَأَيْتُ قَوْمًا كَأَنَّهُمْ رَأْيُ عَيْنٍ، وَاللَّهِ مَا كَانُوا بِأَهْلِ جَدَلٍ وَلا بَاطِلٍ وَلَكِنَّهُمْ جَاءَهُمْ أَمْرٌ عَنِ اللَّهِ فَصَدِّقُوا بِهِ فَنَعَتَهُمُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ أَحْسَنَ نَعْتٍ، قَالَ: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: 63] ، قَالَ الْحَسَنُ: وَالْهَوْنُ فِي كَلامِ الْعَرَبِ اللِّينُ وَالسَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان: 63] ، قَالَ: حُلَمَاءُ لا يَجْهَلُونُ وَإِنْ جُهِلَ عَلَيْهِمْ حَلُمُوا يُصَاحِبُونَ عِبَادَ اللَّهِ نَهَارَهُمْ بِمَا يَسْمَعُونَ، قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ لَيْلَهُمْ خَيْرَ لَيْلٍ، فَقَالَ: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان: 64] ، يَنْتَصِبُونَ لِلَّهِ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَيَفْتَرِشُونَ وُجُوهَهُمْ سُجَّدًا لِرَبِّهِمْ تَجْرِي دُمُوعُهُمْ عَلَى خُدُودِهِمْ فَرَقًا مِنْ رَبِّهِمْ، قَالَ الْحَسَنُ: لأَمْرٍ مَا سَهِرُوا لَيْلَهُمْ وَلأَمْرٍ مَا خَشَعُوا نَهَارَهُمْ، قَالَ: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65] ، قَالَ: وَكُلُّ شَيْءٍ يُصِيبُ ابْنَ آدَمَ ثُمَّ يَزُولُ عَنْهُ فَلَيْسَ بِغَرَامٍ إِنَّمَا الْغَرَامُ اللازِمُ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ، قَالَ: صَدَقَ الْقَوْمُ وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَعَمِلُوا وَأَنْتُمْ تَتَمَنَّوْنَ فَإِيَّاكُمْ وَهَذِهِ الأَمَانِيَّ رَحِمَكُمُ اللَّهُ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُعْطِ عَبْدًا
بِأُمْنِيَّتِهَ خَيْرًا فِي دُنْيَا وَلا آخِرَةٍ،
(1/43)
وَكَانَ، يَقُولُ: يَا لَهَا مِنْ مَوْعِظَةٍ لَوْ وَافَقَتْ مِنَ الْقُلُوبِ حَيَاةً، قَالَ: لَقَدْ صَحِبْتُ أَقْوَامًا يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ فِي سَوَادِ هَذَا اللَّيْلِ سُجَّدًا وَقِيَامًا يَقُومُونَ هَذَا اللَّيْلَ عَلَى أَطْرَافِهِمْ تَسِيلُ دُمُوعُهُمْ عَلَى خُدُودِهِمْ، فَمَرَّةً رُكَّعًا وَمَرَّةً سُجَّدًا يُنَاجُونَ رَبَّهُمْ فِي فِكَاكِ رِقَابِهِمْ، لَمْ يَمِلُّوا طُولَ السَّهَرِ لِمَا خَالَطَ قُلُوبَهُمْ مِنْ حُسْنِ الرَّجَاءِ فِي يَوْمِ الْمَرْجِعِ، فَأَصْبَحَ الْقَوْمُ بِمَا أَصَابُوا مِنَ النَّصَبِ لِلَّهِ فِي أَبْدَانِهِمْ فَرِحِينَ، وَبِمَا يَأْمَلُونَ مِنْ حُسْنِ ثَوَابِهِ مُسْتَبْشِرِينَ، فَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأً نَافَسَهُمْ فِي مِثْلِ هَذِهِ الأَعْمَالِ وَلَمْ يَرْضَ لِنَفْسِهِ مِنْ نَفْسِهِ بِالتَّقْصِيرِ فِي أَمْرِهِ وَالْيَسِيرِ مِنْ فِعْلِهِ فَإِنَّ الدُّنْيَا عَنْ أَهْلِهَا مُنْقَطِعَةٌ، وَالأَعْمَالَ عَلَى أَهْلِهَا مَرْدُودَةٌ، ثُمَّ يَبْكِي حَتَّى تَبْتَلَّ لِحْيَتُهُ بِالدُّمُوعِ قَالَ: وَعَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا يَوْمًا فَعَرَضَتْ لَهُ هَذِهِ الآيَةُ: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 10] ، فَانْتَبَهَ، فَقَالَ: عَلَيَّ بِالْمُصْحَفِ، لأَلْتَمِسَ ذِكْرِي الْيَوْمَ حَتَّى أَعْلَمَ مَعَ مَنْ أَنَا وَمَنْ أُشْبِهُ "، فَنَشَرَ الْمُصْحَفَ فَمَرَّ بِقَوْمٍ: {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 17 - 19] ، وَمَرَّ بِقَوْمٍ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 16] ، وَمَرَّ بِقَوْمٍ: {يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان: 64] ، وَمَرَّ بِقَوْمٍ: {يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] ، وَمَرَّ بِقَوْمٍ: {يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] ،
(1/44)
وَمَرَّ بِقَوْمٍ: {يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ، وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا
الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الشورى: 18 - 35] ، قَالَ: فَوَقَفَ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ لَسْتُ أَعْرِفُ نَفْسِي هَهُنَا ثُمَّ أَخَذَ فِي السَّبِيلِ الآخَرِ، فَمَرَّ بِقَوْمٍ: {إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} [الصافات: 75 - 36] ، وَمَرَّ بِقَوْمٍ: {إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر: 45] ، وَمَرَّ بِقَوْمٍ يُقَالُ لَهُمْ: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ { [المدثر: 42 - 46] ، قَالَ فَوَقَفَ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ هَؤُلاءِ، قَالَ: فَمَا زَالَ يُقَلِّبُ الوَرَقَ وَيَلْتَمِسُ حَتَّى وَقَعَ عَلَى هَذِهِ الآيَةِ:} وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة: 102] ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَؤُلاءِ قَالَ: وَقَالَ عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ: لَمَّا رَأَى الْعَابِدُونَ اللَّيْلَ قَدْ هَجَمَ عَلَيْهِمْ، وَنَظَرُوا إِلَى أَهْلِ الْغَفْلَةِ قَدْ سَكَنُوا إِلَى فُرُشِهِمْ وَرَجَعُوا إِلَى مَلاذِهِمْ مِنَ النَّوْمِ، قَامُوا إِلَى اللَّهِ فَرِحِينَ مُسْتَبْشِرِينَ بِمَا قَدْ وَهَبَ لَهُمْ مِنْ حُسْنِ عَادَةِ السَّهَرِ وَطُولِ التَّهَجُّدِ، فَاسْتَقْبَلُوا اللَّيْلَ بِأَبْدَانِهِمْ وَبَاشَرُوا الأَرْضَ بِصِفَاحِ وُجُوهِهِمْ فَانْتَقَى عَنْهُمُ اللَّيْلُ، وَمَا انْقَضَتْ لَذَّتُهُمْ مِنَ التِّلاوَةِ وَلا مَلَّتْ أَبْدَانُهُمْ مِنْ طُولِ الْعِبَادَةِ، فَأَصْبَحَ الْفَرِيقَانِ وَلَّى عَنْهُمُ اللَّيْلُ بِرِبْحٍ وَغَبْنٍ، أَصْبَحَ هَؤُلاءِ قَدْ مَلُّوا النَّوْمَ وَالرَّاحَةَ، وَأَصْبَحَ هَؤُلاءِ مُتَطَلِّعِينَ إِلَى مَجِيءِ اللَّيْلِ لِلْعَادَةِ، شَتَّانَ مَا بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، فَاعْمَلُوا أَنْفُسَكُمْ، رَحِمَكُمُ اللَّهُ فِي هَذَا اللَّيْلِ وَسَوَادِهِ، فَإِنَّ الْمَغْبُونَ مَنْ غُبِنَ خَيْرَ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ، وَالْمَحْرُومَ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهُمَا، إِنَّمَا جُعِلا سَبِيلا لِلْمُؤْمِنِينَ إِلَى طَاعَةِ رَبِّهِمْ وَوَبَالا عَلَى الآخَرِينَ
لِلْغَفْلَةِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، فَأَحْيُوا أَنْفُسَكُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ، فَإِنَّمَا تَحْيَى الْقُلُوبُ بِذِكْرِ اللَّهِ، كَمْ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ فِي هَذَا اللَّيْلِ قَدِ اغْتَبَطَ بِقِيَامِهِ فِي ظُلْمَةِ حُفْرَتِهِ، وَكَمْ مِنْ نَائِمٍ فِي هَذَا اللَّيْلِ قَدْ نَدِمَ عَلَى طُولِ نَوْمِهِ عِنْدَمَا يَرَى مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ لِلْعَابِدِينَ غَدًا، فَاغْتَنِمُوا مَمَرَّ السَّاعَاتِ وَاللَّيَالِي وَالأَيَّامِ رَحِمَكُمُ اللَّهُ
(1/45)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَعَافِرِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " الْقُرْآنُ وَالصِّيَامُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ، يَقُولُ الْقُرْآنُ: رَبِّ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الصِّيَامُ: رَبِّ إِنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، فَيُشَفَّعَانِ "
قَالَ: وَعَنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: قُرَّاءُ الْقُرْآنِ ثَلاثَةُ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ اتَّخَذُوهُ بِضَاعَةً، وَصِنْفٌ أَقَامُوا حُرُوفَهُ، وَضَيَّعُوا حُدُودَهُ، وَاسْتَطَالُوا بِهِ عَلَى أَهْلِ بِلادِهِمْ، وَاسْتَدَرُّوا بِهِ الْوُلاةَ، وَقَدْ كَثُرَ هَذَا الضَّرْبُ مِنْ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ، لا كَثَّرَهُمُ اللَّهُ، وَصِنْفٌ عَمَدُوا إِلَى دَوَاءِ الْقُرْآنِ فَوَضَعُوهُ عَلَى دَاءِ قُلُوبِهِمْ فَاسْتَشْعَرُوا الْخَوْفَ وَرَكَدُوا فِي مَحَارِسِهِمْ، وَخَبُّوا فِي بَرَانِسِهِمْ، فَأُولَئِكَ اللَّهُ يَنْصُرُ بِهِمْ عَلَى الأَعْدَاءِ وَيَسْقِي بِهِمُ الْغَيْثَ، فَوَاللَّهِ لَهَذَا مِنْ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ أَقَلُّ مِنَ الْكِبْرِيتِ الأَحْمَرِ، قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ أَقْوَامًا وَصَحِبْتُ طَوَائِفَ مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْرَحُونَ بِشَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا أَقْبَلَ وَلا يَأْسَفُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا أَدْبَرَ، وَلَهِيَ أَهْوَنُ فِي أَعْيُنِهِمْ مِنْ هَذَا التُّرَابِ، كَانَ أَحَدُهُمْ يَعِيشُ خَمْسِينَ أَوْ سِتِّينَ سَنَةً لَمْ يُطْوَ لْهُ ثَوْبٌ، وَلَمْ يُنْصَبَ لَهُ قِدْرٌ وَلا جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَرْضِ شَيْئًا
(1/46)
قَطُّ، وَلا أَمَرَ فِي بَيْتِهِ بِصَنْعَةِ طَعَامٍ قَطُّ، فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ، فَقِيَامٌ عَلَى أَطْرَافِهِمْ يَفْتَرِشُونَ وُجُوهَهُمْ تَجْرِي دُمُوعُهُمْ عَلَى خُدُودِهِمْ يُنَاجُونَ رَبَّهُمْ فِي فِكَاكِ رِقَابِهِمْ، كَانُوا إِذَا عَمِلُوا الْحَسَنَةَ ذَابُوا فِي شُكْرِهَا وَسَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يَقْبَلَهَا، وَإِذَا عَمِلُوا السَّيِّئَةَ أَحْزَنَتْهُمْ وَسَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يَغْفِرَهَا، فَمَا زَالُوا كَذَلِكَ وَعَلَى ذَلِكَ، فَوَاللَّهِ مَا سَلِمُوا مِنَ الذُّنُوبِ وَلا نَجَوْا إِلا بِالْمَغْفِرَةِ، وَإِنَّكُمْ أَصْبَحْتُمْ فِي أَجَلٍ مَنْقُوصٍ وَعَمَلٍ مَحْفُوظٍ، وَالْمَوْتُ وَاللَّهِ فِي رِقَابِكُمْ وَالنَّارُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فَتَوَقَّعُوا قَضَاءَ اللَّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِلالٍ الثَّقَفِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لا تَشْهَدُ عَلَيَّ شَمْسٌ بِأَكْلٍ أَبَدًا، وَلا يَشْهَدُ عَلَيَّ لَيْلٌ بِنَوْمٍ أَبَدًا، فَأَقْسَمَ عَلَيْهِ عُمَرُ فِي الأَضْحَى وَالْفِطْرِ أَنْ يُفْطِرَهُمَا قَالَ: وَكَانَ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ إِذَا دَخَلَ فِرَاشَهُ كَانَ فِي فِرَاشِهِ بِمَنْزِلَةِ الْقَمْحَةِ فِي الْمِقْلاةِ عَلَى النَّارِ، وَكَانَ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّ النَّارَ مَنَعَتْ مِنِّي النَّوْمَ، فَيَقُومُ
إِلَى الصَّلاةِ فَيُصَلِّي حَتَّى يُصْبِحَ قَالَ: وَقَفَلَ أَبُو رَيْحَانَةَ مِنْ غَزْوٍ فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى أَهْلِهِ تَعَشَّى، ثُمَّ قَامَ إِلَى مَسْجِدِهِ، فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا يُصَلِّي حَتَّى أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ شَدَّ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ لِيَغْدُو إِلَى الْمَسْجِدِ، فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ، فَقَالَتْ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ، قَدْ مَكَثْتَ فِي غَزْوَتِكَ مَا مَكَثْتَ ثُمَّ انْصَرَفْتَ، أَمَا كَانَ لَنَا مِنْكَ حَظٌّ أَوْ نَصِيبٌ إِذْ قَدِمْتَ؟ فَقَالَ لَهَا: بَلَى، وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ لَكِ حَظٌّ، وَلَوْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لانْصَرَفْتُ إِلَيْكِ وَلَكِنْ لَمْ تَخْطُرِي لِي عَلَى بَالٍ، فَقَالَتْ: مَا الَّذِي شَغَلَكَ عَنِّي؟ قَالَ: لَمْ يَزَلْ قَلْبِي فِيمَا وَصَفَ اللَّهُ فِي جَنَّتِهِ مِنْ نَعِيمِهَا وَأَرْوَاحِهَا وَكَرَامَاتِهَا فَلَوْ خَطَرْتِ لِي عَلَى بَالٍ لانْصَرَفْتُ إِلَيْكِ، وَلَوْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَفَعَلْتُ قَالَ: وَكَانَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، مِهْرَاسٌ فِيهِ مَاءٌ فَيُصَلِّي مَا قُدِّرَ لَهُ، ثُمَّ يَصِيرُ إِلَى الْفِرَاشِ فَيَغْفَى إِغْفَاءَ الطَّيْرِ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَوَضَّأُ فَيُصَلِّي، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى فِرَاشِهِ، فَيَغْفَى إِغْفَاءَ الطَّيْرِ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي، ثُمَّ يَرْجِعُ، ثُمَّ يَثِبُ فَيَتَوَضَّأُ فَيُصَلِّي، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي اللَّيْلَةِ أَرْبَعَ مِرَارًا أَوْ خَمْسًا قَالَ: وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ لا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلا قَلِيلا،
(1/47)
وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لا يَنَامُ بِاللَّيْلِ، وَكَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَكَانَ يُحْيِي الدَّهْرَ أَجْمَعَ فَكَانَ يُحْيِي لَيْلَةً قَائِمًا حَتَّى يُصْبِحَ، وَلَيْلَةً يُحْيِيهَا رَاكِعًا حَتَّى الصَّبَاحِ، وَلَيْلَةً يُحْيِيهَا سَاجِدًا حَتَّى الصَّبَاحِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادَانِيُّ، عَنْ زِيَادٍ الْجَصَّاصِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، اعْتَمَرَ أَيَّامَ ابْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: لا تَأْخُذُوا بِي عَلَيْهِ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُرَاهُ مَصْلُوبًا " قَالَ: فَقَالَ لَنَا سَالِمٌ: خُذُوا بِنَا عَلَيْهِ حَتَّى نَنْظُرَ مَا يَقُولُ، فَلَمَّا هَجَمْنَا عَلَيْهِ، قَالَ: أَلَمْ أَنْهَكُمْ عَنْ هَذَا؟ ثُمَّ دَنَا مِنْهُ، فَقَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُكَ إِلا كُنْتَ صَوَّامًا قَوَّامًا بَرًّا بِوَالِدَيْكَ، وَاللَّهِ لَقَدْ أَفْلَحَتْ أُمَّةٌ تَكُونُ أَنْتَ شَرَّهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: إِنَّ أَبِي أَخْبَرَنِي، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ يُعَجِّلُ لِلْمُؤْمِنِ عُقُوبَةَ دِينِهِ فِي الدُّنْيَا» ، وَاللَّهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ لا يُعَذِّبُكَ اللَّهُ يَا ابْنَ الزُّبَيْرِ بَعْدَهَا أَبَدًا قَالَ: قَالَهَا مَرَّتَيْنِ
قَالَ: وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: مَا رَأَيْتُ مُصَلِّيًا أَحْسَنَ صَلاةً مِنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: قَالَتِ الْمَرْأَةُ الَّتِي نَزَلَ عَلَيْهَا عَامِرُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ: مَا لِلنَّاسِ يَنَامُونَ وَلا تَنَامُ؟ قَالَ: إِنَّ جَهَنَّمَ لا تَدَعُنِي أَنْ أَنَامَ، وَكَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ، يَقُولُ: أَبَتْ عَيْنَايَ أَنْ تَذُوقَ طَعْمَ النَّوْمِ مَعَ ذِكْرِ النَّارِ، وَقَالَتْ بِنْتُ الرَّبِيعِ، لأَبِيهَا: يَا أَبَتَاهُ مَا لِي أَرَى النَّاسَ يَنَامُونَ وَلا أَرَاكَ تَنَامُ؟ قَالَ: يَا بُنَيَّتَاهُ إِنَّ أَبَاكِ يَخَافُ الْبَيَاتَ قَالَ: وَقَالَتْ أُمُّ عُمَرَ بْنِ الْمُنْكَدِرِ لِعُمَرَ: إِنِّي لأَشْتَهِي أَنْ أَرَاكَ نَائِمًا، فَقَالَ: يَا أُمِّي وَاللَّهِ إِنَّ اللَّيْلَ لِيَرُدَّ عَلَيَّ فَيُهَوِّلُنِي فَيَنْقَضِي عَنِّي وَمَا قَضَيْتُ مِنْهُ إِرَبِي
(1/48)
قَالَ: وَكَانَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ سِيرِينَ تُسْرِجُ سِرَاجَهَا مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ تَقُومُ فِي مُصَلاهَا، فَرُبَّمَا طُفِيَ السِّرَاجُ فَيُضِيءُ لَهَا الْبَيْتَ حَتَّى تُصْبِحَ، وَمَكَثَتْ فِي مُصَلاهَا ثَلاثِينَ سَنَةً لا تَخْرُجُ إِلا لِحَاجَةٍ أَوْ قَائِلَةٍ، وَكَانَتْ تَدْخُلُ مَسْجِدَهَا فَتُصَلِّي فِيهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحُ، وَلا تَزَالُ فِيهِ حَتَّى يَرْتَفِعَ النَّهَارُ فَتَرْكَعُ، ثُمَّ تَخْرُجُ فَيَكُونُ عِنْدَ ذَلِكَ وُضُوءَهَا وَنَوْمَهَا، حَتَّى إِذَا حَضَرَتِ الصَّلاةُ إِلَى مَسْجِدِهَا إِلَى مِثْلِهَا قَالَ: وَكَانَتْ تَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، خُذُوا مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَأَنْتُمْ شَبَابٌ، فَإِنِّي وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ الْعَمَلَ إِلا فِي الشَّبَابِ، وَقَرَأَتِ الْقُرْآنَ وَهِيَ بِنْتُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وَمَاتَتْ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِينَ قَالَ: وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ، إِذَا أُشْكِلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ، قَالَ: اذْهَبُوا فَسَلُو حَفْصَةَ كَيْفَ تَقْرَأُهُ، وَكَانَ الْهُذَيْلُ ابْنُهَا يَجْمَعُ الْحَطَبَ فِي الصَّيْفِ فَيُكْسِرُهُ، وَيَأْخُذُ الْقَصَبَ فَيَفْلِقُهُ، فَإِذَا وَجَدَتْ حَفْصَةُ أُمُّهُ بَرْدًا فِي الشِّتَاءِ جَاءَ بِالْكَانُونِ فَوَضَعَهُ خَلْفَهَا وَهِيَ فِي مُصَلاهَا، ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَقِدُ بِذَلِكَ الْحَطَبَ وَالْقَصَبَ وَقُودًا لا يُؤْذِيهَا دُخَانُهُ وَيُدْفِئُهَا، فَمَكَثَ كَذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَتْ حَفْصَةُ: وَعِنْدَهُ مَنْ يَكْفِيهِ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ،
قَالَتْ: فَرُبَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَرِفَ إِلَيْهِ، فَأَقُولُ: يَا بُنَيَّ ارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ، ثُمَّ أَذْكُرُ مَا يُرِيدُ فَأَدَعُهُ، قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ رَزَقَنِي اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الصَّبْرِ مَا شَاءَ أَنْ يَرْزُقَ، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أَجِدُ عَضَّةً لا تَذْهَبُ، فَبَيْنَا أَنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ أَقْرَأُ سُورَةَ النَّحْلِ، إِذْ أَتَيْتُ عَلَى هَذِهِ الآيَةِ: {وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ، وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 95 - 96] ، فَأَعَدْتُهَا فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَنِّي مَا أَجِدُ قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ وَكَانَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، يُحْيِي اللَّيْلَةَ صَلاةً، فَإِذَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ نِصْفُهُ أَوْ ثُلُثُهُ أَقْبَلَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ فِي فَسَاطِيطِنَا، فَنَادَى: قُومُوا فَتَوَضَّئُوا وَصِلُوا صِيَامَ هَذَا النَّهَارِ بِقِيَامِ هَذَا اللَّيْلِ، فَهُوَ أَيْسَرُ مِنْ مُقَطَّعَاتِ الْحَدِيدِ، وَشَرَابِ الصَّدِيدِ الْوَحَاءَ الْوَحَاءَ، ثُمَّ النَّجَاءَ النَّجَاءَ، ثُمَّ يُقْبِلُ عَلَى صَلاتِهِ قَالَ: وَكَانَ أَبُو الصَّهْبَاءِ صِلَةُ بْنُ أَشْيَمَ، يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى يَأْتِيَ الْفِرَاشَ حَبْوًا أَوْ زَحْفًا، وَعَنْ ثَابِتٍ كَانَ قَوْمٌ مِنْ بَنِي عَدِيٍّ قَدْ أَدْرَكْنَا بَعْضَهُمْ إِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لِيُصَلِّيَ حَتَّى مَا يَسْتَطِيعَ أَنْ يَأْتِيَ فِرَاشَهُ إِلا حَبْوًا،
(1/49)
وَكَانَ ابْنُ الرَّبِيعِ الْعَدَوِيُّ، يُصَلِّي حَتَّى مَا يَأْتِيَ الْفِرَاشَ إِلا زَحْفًا أَوْ حَبْوًا وَمَا كَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنَ أَعْبَدِهِمْ قَالَ: وَعَنْ بِلالِ بْنِ سَعْدٍ: رَأَيْتُهُمْ يَشْتَدُّونَ بَيْنَ الأَغْرَاضِ وَيَضْحَكُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ كَانُوا رُهْبَانًا قَالَ: وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ: مِنْ يَدُلُّنِي عَلَى رَجُلٍ بَكَّاءٍ بِاللَّيْلِ بَسَّامٍ بِالنَّهَارِ قَالَ: وَعَنْ ثَابِتٍ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْعِبَادِ، يَقُولُ: إِذَا أَنَا نِمْتُ فَاسْتَيْقَظْتُ، ثُمَّ أَرَدْتُ أَنْ أَعُودَ إِلَى النَّوْمِ، فَلا أَنَامَ اللَّهُ عَيْنِي إِذًا فَكُنَّا نَرَاهُ يَعْنِي نَفْسَهُ قَالَ: وَقَالَ يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ: إِذَا أَنَا نِمْتُ فَاسْتَيْقَظْتُ، ثُمَّ عُدْتُ
فِي النَّوْمِ فَلا أَنَامَ اللَّهُ عَيْنِي قَالَ: وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّ مَعْبَدَ بْنَ خَالِدٍ، نَعَسَ فِي صَلاتِهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اشْفِنِي مِنَ النَّوْمِ فَمَا رُئِيَ نَاعِسًا فِي صَلاتِهِ قَالَ: وَكَانَ هَمَّامُ بْنُ الْحَارِثِ، يَدْعُو: اللَّهُمَّ اشْفِنِي مِنَ النَّوْمِ وَارْزُقْنِي سَهَرًا فِي طَاعَتِكَ قَالَ: وَقِيلَ لِرَجُلٍ: أَلا تَنَامُ؟ فَقَالَ: عَجَائِبُ الْقُرْآنِ أَذْهَبْنَ نَوْمِي قَالَ: وَكَانَ عَمْرُو بْنُ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ، يَرْكَبُ فَرَسَهُ فِي جُنْحِ اللَّيْلِ وَيَأْتِي الْمَقَابِرَ، فَيَقُولُ: يَا أَهْلَ الْمَقَابِرِ طُوِيَتِ الصُّحُفُ، وَرُفِعَتِ الأَقْلامُ، لا تَسْتَعْتِبُونَ مِنْ سَيِّئَةٍ وَلا تَسْتَزِيدُونَ مِنْ حَسَنَةٍ، ثُمَّ يَبْكِي وَيُنَزِّلُ عَنْ فَرَسِهِ فَيَصِفَّ قَدَمَيْهِ وَيُصَلِّي حَتَّى يُصْبِحَ، فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ رَكِبَ فَرَسَهُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَسْجِدَ فَيُصَلِّي مَعَ الْقَوْمِ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِمَّا كَانَ فِيهِ قَالَ: وَكَانَ صِلَةُ بْنُ أَشْيَمَ، يَخْرُجُ إِلَى الْجِبَانِ، يَتَعَبَّدُ، فَكَانَ يَمُرُّ عَلَى شَبَابٍ يَلْهُونَ وَيَلْعَبُونَ، فَيَقُولُ لَهُمْ: أَخْبِرُونِي عَنْ قَوْمٍ أَرَادُوا سَفَرًا فَجَارُوا النَّهَارَ عَنِ الطَّرِيقِ وَنَامُوا اللَّيْلَ مَتَى يَقْطَعُونَ سَفَرًا؟ ، فَكَانَ كَذَلِكَ يَمُرُّ بِهِمْ، فَيَقُولُ لَهُمْ، فَمَرَّ بِهِمْ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ لَهُمْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ فَانْتَبَهَ شَابٌ مِنْهُمْ، فَقَالَ: يَا قَوْمُ إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا يَعْنِي غَيْرَنَا نَحْنُ بِالنَّهَارِ نَلْهُوا وَبِاللَّيْلِ نَنَامُ، ثُمَّ اتَّبَعَ صِلَةَ فَلَمْ يَزَلْ يَخْتَلِفُ مَعَهُ إِلَى الْجِبَانِ فَيَتَعَبَّدُ مَعَهُ حَتَّى مَاتَ قَالَ: وَعَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةٌ متعَبْدةٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، إِذَا أَمْسَتْ، قَالَتْ: يَا نَفْسُ، اللَّيْلَةُ لَيْلَتُكَ لا لَيْلَةَ لَكِ غَيْرُهَا، فَاجْتَهَدَتْ، وَإِذَا أَصْبَحَتْ، قَالَتْ: يَا نَفْسُ، الْيَوْمُ يَوْمُكِ لا يَوْمَ لَكِ غَيْرُهُ، فَاجْتَهَدَتْ
(1/50)
قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يُعْرَفَ بِلَيْلِهِ إِذِ النَّاسُ نَائِمُونَ، وَبِنَهَارِهِ إِذِ النَّاسُ مُفْطِرُونَ، وَبِحُزْنِهِ إِذِ النَّاسُ يَفْرَحُونَ، وَبِخُشُوعِهِ إِذِ النَّاسُ يَخْتَالُونَ، وَبِوَرَعِهِ إِذِ النَّاسُ يَخْلِطُونَ، وَبِصَمْتِهِ إِذِ النَّاسُ يَخُوضُونَ،
وَبِبُكَائِهِ إِذِ النَّاسُ يَضْحَكُونَ قَالَ: وَعَنْ جُنْدُبِ بْنِ الرَّبِيعِ: صَحِبتُ مُحَمَّدَ بْنَ النَّضْرِ الْحَارِثِيَّ، فِي سَفِينَةٍ فَمَا رَايَتُهُ نَائِمًا فِي لَيْلٍ وَلا نَهَارٍ وَلا رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ حَتَّى خَرَجَ مِنْهَا "، قَوْلُهُ: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشرح: 7] ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِذَا فَرَغْتَ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ فَانْصَبْ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ، وَقِيلَ: فَرَاغُكَ بِاللَّيْلِ قَالَ: وَعَنْ مُجَاهِدٍ: إِذَا فَرَغْتَ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَقُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَانْصَبْ إِلَى رَبِّكِ وَارْغَبْ إِلَيْهِ قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشرح: 7] ، قَالَ: " إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ فَانْصَبْ فِي حَاجَتِكَ إِلَى رَبِّكَ قَوْلُهُ: {فَارْغَبْ} [الشرح: 8] إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاةِ "، وَفِي أُخْرَى {وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: 8] اجْعَلْ رَغْبَتَكَ وَنِيَّتَكَ لِرَبِّكَ وَفِي أُخْرَى: إِذَا فَرَغْتَ الصَّلَوَاتَ فَانْصَبْ إِلَى رَبِّكَ فِيهَا وَارْغَبْ إِلَيْهِ وَعَنِ الضَّحَّاكِ: إِذَا فَرَغْتَ مِنَ الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَسَلَّمْتَ فَانْصَبْ فِي الدُّعَاءِ قَالَ: وَعَنْ قَتَادَةَ: " إِذَا فَرَغْتَ مِنْ صَلاتِكَ فَانْصَبْ إِلَى رَبِّكَ فِي دُعَائِكَ، وَفِي رِوَايَةٍ: أَمَرَهُ إِذَا فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ أَنْ يُبَالِغَ فِي دُعَائِهِ قَالَ: وَقَالَ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَمَرَهُ إِذَا فَرَغَ مِنْ غَزْوَةٍ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْعِبَادَةِ، قَوْلُهُ: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29] قَالَ: قَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ السُهُومُ إِذَا سَهِرَ الرَّجُلُ مِنَ اللَّيْلِ أَصْبَحَ مُصْفَرًّا، وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ رِجَالٌ يُصَلُّونَ مِنَ اللَّيْلِ فَإِذَا أَصْبَحُوا رُئِيَ سُهُومُ ذَلِكَ فِي وُجُوهِهِمْ، وَفِي أُخْرَى: قَوْلُهُ {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} [الفتح: 29] ، يَعْنِي السِّيمَاءَ، هُوَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ، وَلَيْسَ مَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ قَالَ: ثُمَّ قَالَ اللَّهُ: {وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} [الفتح: 29] ، قَالَ: هَذَا مَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ يَعْنِي أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ قَلِيلا ثُمَّ يَزْدَادُنَ وَيَكْثُرُونَ وَيَسْتَغْلِظُونَ قَالَ: وَعَنْ عِكْرِمَةَ: هُوَ السَّهَرُ يُرَى فِي وُجُوهِهِمْ قَالَ: وَعَنْ
عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، قَالَ: مَوْضِعُ السُّجُودِ مِنْ وُجُوهِهِمْ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ وُجُوهِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
(1/51)
قَالَ: وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «بَيَاضٌ يَغْشَى وُجُوهَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} [الفتح: 29] ، السَّمْتُ الْحَسَنُ قَالَ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الْخُشُوعُ وَالتَّوَاضُعُ، وَفِي رِوَايَةٍ: لَيْسَ بِنَدَبِ التُّرَابِ فِي الْوَجْهِ، وَلَكِنَّهُ التَّخَشُّعُ وَالْوَقَارُ قَالَ: وَعَنْ طَاؤُسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: هُوَ الْخُشُوعُ وَالتَّوَاضُعُ قَالَ: وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: ثَرَى الأَرْضِ وَنَدَى الطُّهُورِ قَالَ: وَعَنِ الْحَسَنِ: هُوَ بَيَاضٌ فِي وُجُوهِهِمْ قَالَ: وَعَنْ عِكْرِمَةَ: هُوَ التُّرَابُ الَّذِي فِي جِبَاهِهِمْ قَالَ: وَعَنْ خَالِدٍ الْحَنَفِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: يُعْرَفُ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ سُجُودِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ قَوْلُهُ: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} [المطففين: 24] قَالَ: وَعَنْ قَتَادَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: عَلامَتُهُمُ الصَّلاةُ فَذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ، وَذَكَرَ مَثَلا فِي الإِنْجِيلِ: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} [الفتح: 29] قَالَ: وَعَنِ الزُّهْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَتَادَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَخْرَجَ شَطْأَهُ، قَالا: نَبَاتَهُ فَآزَرَهُ، قَالا: فَتَلاحَقَ: {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح: 29] ، يَقُولُ: لِيَغِيظَ اللَّهُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ الْكُفَّارَ، وَعَنْ قَتَادَةَ: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح: 29] ، قَالَ: عَلامَتُهُمُ الصَّلاةُ: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} [الفتح: 29] ، أَيْ هَذَا الْمَثَلُ فِي التَّوْرَاةِ: {وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} [الفتح: 29] ، وَهَذَا نَعْتُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الإِنْجِيلِ، قِيلَ أَنَّهُمْ يُنْبَتُونَ نَبَاتَ الزَّرْعِ يَخْرُجُ مِنْهُمْ قَوْمٌ: {يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104]
(1/52)
بَابُ مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُ فِي التَّرْغِيبِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَفَضِيلَتِهِ
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، قَالَ: لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، انْجَفَلَ النَّاسُ قِبَلَهُ، وَقِيلَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لأَنْظُرَ، فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّاب، وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ، قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، ثنا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ هِلالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ، إِذَا عَمِلْتُ بِهِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَقَالَ: «أَفْشِ السَّلامَ، وَأَطْعِمِ الطَّعَامَ، وَصَلِّ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلِ الْجَنَّةَ بِسَلامٍ»
(1/53)
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى بُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا، وَظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا» ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِمَنْ قَالَ طَيِّبَ الْكَلامِ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَفْشَى السَّلامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ»
قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَفْظُهُ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرَفًا يَرَى مَنْ فِي ظَاهِرِهَا مَنْ فِي بَاطِنِهَا، وَيَرَى مَنْ فِي بَاطِنِهَا مَنْ فِي ظَاهِرِهَا» ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَنْ؟ قَالَ: «لِمَنْ أَطَابَ الْكَلامَ، وَأَفْشَى السَّلامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَبَاتَ لِلَّهِ قَائِمًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ» قَالَ: وَفِيهِ لابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَفْظُهُ: «وَبَاتَ قَانِتًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ» قَالَ: وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " الدَّرَجَاتُ: إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَإِفْشَاءُ السَّلامِ، وَالصَّلاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، وَالْكَفَّارَاتُ: إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي السَّبَرَاتِ، وَنَقْلُ الأَقْدَامِ إِلَى الْجَمَاعَاتِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَوَاتِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ "
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، ثنا سُفْيَانُ، ثنا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ كَدِيرٍ الضَّبِّيِّ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ؟ قَالَ: «قُلِ الْعَدْلَ، وَقَدِّمَ الْفَضْلَ» ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: «هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟» ، قَالَ: نَعَمْ قَالَ: قَالَ: «انْظُرْ بَعِيرًا مِنْ إِبِلِكَ، وَسِقَاءً يُسْقَى عَلَيْهِ الْمَاءُ، وَانْظُرْ إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ لا يَجِدُونَ الْمَاءَ إِلا غَبًّا، فَلَعَلَّهُ إِنْ لا يَنْفِقُ بَعِيرُكَ وَلا يَنْخَرِقُ سِقَاؤُكَ حَتَّى تَجِبَ لَكَ الْجَنَّةُ»
(1/54)
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، ثنا أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، ثنا بَكْرُ بْنُ خُنَيْسٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيِّ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، عَنْ بِلالٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأَبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الإِثْمِ، وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنِ الْجَسَدِ»
قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَفْظُهُ: «عَلَيْكُمْ بِصَلاةِ اللَّيْلِ وَلَوْ رَكْعَةً وَاحِدَةً» ، وَفِي رِوَايَةٍ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِصَلاةِ اللَّيْلِ وَرَغَّبَ فِيهَا حَتَّى، قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِصَلاةِ اللَّيْلِ وَلَوْ رَكْعَةً وَاحِدَةً»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَقُومَ مِنَ اللَّيْلِ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَأَنْ نَجْعَلَ آخِرَ ذَلِكَ وِتْرًا»
حَدَّثَنَا أَبُو قُدَامَةَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ اللَّجْلاجِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَائِشٍ الْحَضْرَمِيُّ،
(1/55)
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «رَأَيْتُ رَبِّيَ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ» ، فَقَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلأُ الأَعْلَى يَا مُحَمَّدُ؟ قُلْتُ: أَنْتَ أَعْلَمُ يَا رَبِّ، فَوَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَوَجَدَ بَرْدَهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهِ، قَالَ: «فَعَلِمْتُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ» ، قَالَ: ثُمَّ تَلا: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام: 75] ، ثُمَّ قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلأُ الأَعْلَى يَا مُحَمَّدُ؟ قُلْتُ: «فِي الْكَفَّارَاتِ وَالدَّرَجَاتِ» ، قَالَ: وَمَا هُنَّ؟ قُلْتُ: «الْمَشْيُ إِلَى الْجَمَاعَاتِ، وَالْجُلُوسُ فِي الْمَسَاجِدِ لانْتِظَارِ الصَّلَوَاتِ، وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ» ، فَقَالَ اللَّهُ: مَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَعِشْ بِخَيْرٍ، وَيَمُتْ بِخَيْرٍ وَيَكُنْ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، قَالَ: وَمِنَ الدَّرَجَاتِ إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَطَيِّبُ الْكَلامِ، وَأَنْ تَقُومَ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ "، قَالَ: «قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الطَّيِّبَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينَ، وَأَنْ تَتُوبَ عَلَيَّ، وَتَغْفِرَ لِي، وَتَرْحَمَنِي، وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً فِي قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ» ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعَلَّمُوهُنَّ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُنَّ لَحَقٌّ»
قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا حَدِيثٌ قَدِ اضْطَرَبَتِ الرُّوَاةُ فِي إِسْنَادِهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَلَيْسَ يَثْبُتُ إِسْنَادُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ قَالَ: وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: {مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلإِ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [ص: 69] ، قَالَ: قَوْلُهُ: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] ، فَهَذِهِ كَانَتِ الْخُصُومَةَ " قَالَ: وَعَنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: اخْتَصَمُوا إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا لِلَّذِي خَلَقَهُ بِيَدِهِ قَالَ: وَعَنْ قَتَادَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: هُمُ الْمَلائِكَةُ كَانَ خُصُومَتُهُمْ فِي شَأْنِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، حِينَ، قَالَ: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30] ، قَالُوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة: 30] ، يَعْنِي اخْتِصَامَ الْمَلإِ الأَعْلَى، قَالَ: فَهَذَا التَّأْوِيلُ أَشْبَهُ مِمَّا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(1/56)
حَدَّثَنَا يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلاثَةٌ يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ، رَجُلٌ قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّي، وَالْقَوْمُ يَصُفُّونَ فِي الصَّلاةِ وَالْقَوْمُ يَصُفُّونَ فِي الْقِتَالِ»
قَالَ: وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " أَنَّ اللَّهَ يَضْحَكُ إِلَى رَجُلَيْنِ، رَجُلٍ قَامَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ مِنْ فِرَاشِهِ وَدِثَارِهِ وَلِحَافِهِ مِنْ بَيْنَ أَهْلِهِ وَجِيرَانِهِ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَلائِكَتِهِ: مَا حَمَلَ عَبْدِي عَلَى مَا صَنَعَ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا، رَجَاءَ مَا عِنْدَكَ وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدَكَ، قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي أَعْطَيْتُهُ مَا رَجَا وَأَمَّنْتُهُ مِمَّا يَخَافُ، قَالَ: وَرَجُلٌ لَقِيَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ الْعَدُوَّ فَفَرَّ أَصْحَابُهُ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَاتَلَ الْعَدُوَّ حَتَّى قُتِلَ، يَقُولُ اللَّهُ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا، فَرَّ أَصْحَابُهُ فَرَجَعَ هُوَ وَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، رَهْبَةً مِنِّي وَرَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي "، وَفِي رِوَايَةٍ: فَعَلِمَ مَا عَلَيْهِ فِي الْفِرَارِ وَمَا لَهُ فِي الرُّجُوعِ قَالَ: وَعَنْ عَمْرٍو الْبِكَالِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: أَبْشِرُوا وَاعْمَلُوا، فَإِنَّ فِيكُمْ ثَلاثَةَ أَعْمَالٍ لَيْسَ عَمَلٌ إِلا وَهُوَ يُوجِبُ لأَهْلِهِ الْجَنَّةَ: رَجُلٌ يَقُومُ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ مِنْ دِفْئِهِ وَفِرَاشِهِ إِلَى الْوُضُوءِ وَالصَّلاةِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَلائِكَتِهِ: مَا حَمَلَ عَبْدِي عَلَى مَا صَنَعَ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا أَنْتَ أَعْلَمُ، فَيَقُولُ: إِنِّي أَعْلَمُ وَلَكِنْ أَخْبِرُونِي، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا رَجَّيْتَهُ شَيْئًا فَرَجًا وَخَوَّفْتَهُ شَيْئًا فَخَافَهُ، فَيَقُولُ: فَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَعْطَيْتُهُ مَا رَجَا وَأَمَّنْتُهُ مِمَّا خَافَ
(1/57)
حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى، ثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، ثنا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ»
قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُقْبَةِ بْنِ عَامِرٍ
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ الْعَلافُ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحْرِمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ»
حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، حَدَّثَنِي ثَابِتُ بْنُ مُوسَى، ثنا شَرِيكٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَثُرَتْ صَلاتُهُ بِاللَّيْلِ حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ»
قَالَ: وَقِيلَ لِلْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَا بَالُ الْمُتَهَجِّدِينَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وُجُوهًا؟ قَالَ: لأَنَّهُمْ خَلَوْا بِالرَّحْمَنِ فَأَلْبَسَهُمْ مِنْ نُورِهِ نُورًا
(1/58)
حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الْعَيْنُ، ثنا أَبُو حَفْصٍ التِّنِّيسِيُّ عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، لا تَكُنْ مِثْلَ فُلانٍ كَانَ يَقُومُ بِاللَّيْلِ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِسْحَاقُ بْنُ وَهْبٍ، قَالا: ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قُدَامَةَ الْجُمَحِيُّ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ بَكْرِ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ لِلْمُنَافِقِينَ عَلامَاتٍ يُعْرَفُونَ بِهَا تَحَيَّتُهُمْ لَعْنَةٌ، وَطَعَامُهُمْ نُهْبَةٌ، وَغَنِيمَتُهُمْ غُلُولٌ، لا يَقْرَبُونَ الْمَسَاجِدَ إِلا هَجْرًا، وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا دَبْرًا مُسْتَكْبِرِينَ، لا يَأْلَفُونَ وَلا يُؤْلَفُونَ، خُشُبٌ بِاللَّيْلِ صُخُبٌ بِالنَّهَارِ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُبَارَكٍ، ثنا بَزِيعٌ أَبُو الْخَلِيلِ، ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَذِيبُوا طَعَامَكُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ، وَلا تَنَامُوا عَلَيْهِ فَتَقْسُوَ لَهُ قُلُوبُكُمْ»
قَالَ: وَعَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: كَانَ قَيِّمٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، يَقُومُ عَلَيْهِمْ إِذَا أَفْطَرُوا، فَيَقُولُ: لا تَأْكُلُوا كَثِيرًا فَإِنَّكُمْ إِنْ أَكَلْتُمْ كَثِيرًا نِمْتُمْ كَثِيرًا، وَإِنْ نِمْتُمْ كَثِيرًا صَلَّيْتُمْ قَلِيلا قَالَ: وَعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ لابْنِهَا سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلامُ: يَا بُنَيَّ، لا تُكْثِرِ النَّوْمَ فَيُفْقِرَكَ يَوْمَ يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ، وَلا تُكْثِرِ الْجِمَاعَ فَيُفْقِرُكَ يَوْمَ تَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَى قُوَّتِهِمْ قَالَ: وَرَأَى مَعْقِلُ بْنُ حَبِيبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْمًا يَأْكُلُونَ كَثِيرًا، فَقَالَ: مَا نَرَى أَصْحَابَنَا يُرِيدُونَ يُصَلُّونَ اللَّيْلَةَ قَالَ: وَعَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيُدْخِلُ خَلْقًا مِنْ خَلْقِهِ الْجَنَّةَ فَيَعْطِيهِمْ فِيهَا حَتَّى يَثْمَلُوا، وَفَوْقَهُمْ نَاسٌ فِي الدَّرَجَاتِ الْعُلَى، فَإِذَا نَظَرُوا إِلَيْهِمْ عَرَفُوهُمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا إِخْوَانُنَا
(1/59)
كَانُوا مَعَنَا فِي الدُّنْيَا وَكُنَّا مَعَهُمْ فَبِمَ فَضَّلْتَهُمْ عَلَيْنَا؟ فَيَقُولُ اللَّهُ: هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ إِنَّهُمْ كَانُوا يَجُوعُونَ حِينَ تَشْبَعُونَ، وَيَظْمَئُونَ حِينَ تَرْوُونَ، وَيَقُومُونَ حِينَ تَنَامُونَ، وَيَشْخَصُونَ حِينَ تَخْفِضُونَ " قَالَ: وَعَنْ وُهَيْبِ بْنِ الْوَرْدِ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ إِبْلِيسَ تَبَدَّى لِيَحْيَى عَلَيْهِ السَّلامُ بْنُ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَنْصَحَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ أَنْتَ لا تَنْصَحُنِي وَلَكِنْ أَخْبِرْنِي عَنْ بَنِي آدَمَ، قَالَ: هُمْ عِنْدَنَا عَلَى ثَلاثَةِ أَصْنَافٍ، أَمَّا صِنْفٌ مِنْهُمْ فَهُمْ أَشَدُّ الأَصْنَافِ عَلَيْنَا نُقْبِلُ عَلَيْهِ حَتَّى نَفْتِنَهُ وَنَسْتَمْكِنَ مِنْهُ ثُمَّ يَفْزَعُ إِلَى الاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ، فَيُفْسِدُ عَلَيْنَا كُلَّ شَيْءٍ أَدْرَكْنَا مِنْهُ، ثُمَّ نَعُودُ لَهُ فَيَعُودُ، فَلا نَحْنُ نَيْئَسُ مِنْهُ وَلا نَحْنُ نُدْرِكُ مِنْهُ حَاجَتَنَا، وَأَمَّا الصِّنْفُ الآخَرُ فَهُمْ فِي أَيْدِينَا بِمَنْزِلَةِ الأُكْرَةِ فِي أَيْدِي صِبْيَانِكُمْ نَتَلَقَّفُهُمْ كَيْفَ شِئْنَا قَدْ كَفَوْنَا أَنْفُسَهُمْ، وَأَمَّا الصِّنْفُ الآخَرُ فَهُمْ مِثْلُكَ مَعْصُومُونَ لا نَقْدِرُ مِنْهُمْ عَلَى شَيْءٍ قَالَ: فَقَالَ لَهُ
يَحْيَى، عَلَى ذَلِكَ: هَلْ قَدَرْتَ مِنِّي عَلَى شَيْءٍ؟ قَالَ: لا، إِلا مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّكَ قَدِمْتَ طَعَامًا تَأْكُلُهُ فَلَمْ أَزَلْ أُشَهِّيهِ إِلَيْكَ حَتَّى أَكَلْتَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا تُرِيدُ، فَنِمْتَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَلَمْ تَقُمْ إِلَى الصَّلاةِ كَمَا كُنْتَ تَقُومُ إِلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلامُ: لا جَرَمَ لا شَبِعْتُ مِنْ طَعَامٍ أَبَدًا حَتَّى أَمُوتَ، فَقَالَ لَهُ الْخَبِيثُ: لا جَرَمَ لا نَصَحْتُ آدَمِيًّا بَعْدَكَ قَالَ: وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَوْفٍ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ خَالِدِ بْنِ عَرْعَرَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَأَبِي عُجَيْلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَزَارَهُمَا الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: حَدِّثْ أَبَا يَزِيدَ، مَا سَمِعْتَ مِنَ كَعْبٍ، فَقَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ كَعْبٍ، إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ بَيْنَ بُرْدَيْ حِبَرَةٍ فَإِذَا هُوَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لِكَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ أَشْيَاءٍ أَجِدُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَسَأَلَهُ عَنْ إِدْرِيسَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَرَفْعِ مَكَانِهِ، فَقَالَ: إِنَّ إِدْرِيسَ كَانَ رَجُلا خَيَّاطًا، وَكَانَ يَتَكَسَّبُ، فَيُجْزِئُ كَسْبُهُ فَيَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَكَانَ لا يَنَامُ اللَّيْلَ، وَلا يُفْطِرُ النَّهَارَ، وَلا يَفْتُرُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، فَأَتَاهُ إِسْرَافِيلُ فَبَشَّرَهُ، وَقَالَ هَلْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ؟ قَالَ: وَدِدْتُ أَنْ أَعْلَمَ مَتَى أَجْلِي؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُ ذَلِكَ فَصَعِدَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَسَأَلَهُ مَتَى أَجَلُهُ؟ فَنَظَرَ مَلَكُ الْمَوْتِ فِي الْكِتَابِ فَوَجَدَهُ لَمْ تَبْقَ مِنْ أَجَلِهِ إِلا سِتُّ سَاعَاتٍ أَوْ سَبْعٌ، وَقَالَ: أُمِرْتُ أَنْ أَقْبِضَ رُوحَهُ هَهُنَا، فَقَبَضَ رُوحَهُ فِي السَّمَاءِ، فَذَلِكَ رَفْعُ مَكَانِهِ
(1/60)
حَدَّثَنَا يَحْيَى، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ عَمْرُو بْنُ أُوَيْسٍ، يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى اللَّهِ صَلاةُ دَاوُدَ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ»
قَالَ: وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: صَلَّى دَاوُدُ، لَيْلَةً فَلَمَّا أَصْبَحَ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ سُرُورًا فَنَادَتْهُ ضِفْدَعٌ: يَا دَاوُدُ، كُنْتُ أَدْأَبُ مِنْكَ قَدْ أَغْفَيْتَ إِغْفَاءَةً وَفِي رِوَايَةٍ: لا تَعْجَبْ بِنَفْسِكَ فَقَدْ رَأَيْتُكَ الْبَارِحَةَ حِينَ خَفَقْتَ بِرَأْسِكَ، وَمَحْلُوفَةً إِنِّي لَمْ أَزَلْ أَذْكُرُ اللَّهَ مُنْذُ غَرَبَتْ حَتَّى طَلَعَتْ قَالَ: وَعَنْ وُهَيْبِ بْنِ الْوَرْدِ رَحِمَهُ اللَّهُ، بَلَغَنَا أَنَّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ قَدْ جَعَلَ اللَّيْلَ كُلَّهُ نَوْبًا عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، لا تَمُرُّ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ إِلا وَفِي بَيْتِهِ مُصَلٍّ لِلَّهِ وَذَاكِرٌ، فَلَمَّا كَانَ نَوْبَةُ دَاوُدَ، قَامَ يُصَلِّي وَبَيْنَ يَدَيْهِ غَدِيرٌ، وَكَانَ أُعْجِبَ بِمَا هُوَ فِيهِ وَأَهْلُ بَيْتِهِ مِمَّا فُضِّلُوا بِهِ مِنَ الْعِبَادَةِ فَأَنْطَقَ اللَّهُ، ضِفْدَعًا مِنَ الْمَاءِ فَنَادَتْهُ: يَا دَاوُدُ، كَأَنَّكَ أُعْجِبْتَ بِمَا أَنْتَ فِيهِ وَأَهْلُ بَيْتِكَ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّكَ، فَوَالَّذِي أَكْرَمَكَ بِالنُّبُوَّةِ إِنِّي لَقَائِمَةٌ لِلَّهِ مُنْذُ خَلَقَنِي عَلَى رِجْلٍ مَا اسْتَرَاحَتْ أَوْدَاجِي مِنْ تَسْبِيحِهِ إِلَى هَذِهِ السَّاعَةِ، فَمَا الَّذِي يُعْجِبُكَ مِنْ نَفْسِكِ وَأَهْلِ بَيْتِكَ؟ قَالَ: فَتَصَاغَرَتْ إِلَى دَاوُدَ نَفْسُهُ قَالَ: وَكَانَ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، جَارَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَطُّ نَهَارُهُ صَائِمٌ وَفِي حَاجَاتِ النَّاسِ، وَلْيَلُهُ قَائِمٌ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يُرِيَنِيهِ، فَمَكَثْتُ سَنَةً ثُمَّ رَأَيْتُهُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ مُقْبِلا مِنَ السُّوقِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ قَالَ: فَقُلْتُ: كَيْفَ أَنْتَ وَمَاذَا وَجَدْتَ؟ فَقَالَ: الآنَ فَرَغْتُ مِنَ الْحِسَابِ وَإِنْ كَادَ عَرْشِي لَيَهْوِي لَوْلا أَنِّي وَجَدْتُ رَبًّا رَحِيمًا
(1/61)
قَالَ: وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: قُمْتُ لَيْلَةً عِنْدَ الْمَقَامِ، فَقُلْتُ: لا يَغْلِبُنِي اللَّيْلَةَ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي فَغَمَزَنِي فَأَبَيْتُ أَنْ أَلْتَفِتَ إِلَيْهِ، ثُمَّ غَمَزَنِي فَالْتَفَتُّ فَإِذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَتَأَخَّرْتُ عَنْهُ، فَقَرَأَ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ " قَالَ: وَعَنْ
يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، يَخْرُجُ بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسْجِدِ لِيُصَلِّيَ تَطَوُّعًا، وَكَانَ النَّاسُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ حَتَّى كَانَ شَبِيبٌ الْحَرُورِيُّ قَالَ: فَقَالَ: بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: لَوْ جَعَلْنَا عَلَيْنَا عَقِبًا يَحْرُسُ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنَّا عَشَرَةٌ، فَكُنْتُ فِي أَوَّلِ مَنْ حَرَسَهُ، فَجَلَسْنَا مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ قَرِيبًا فَخَرَجَ فَأَلْقَى دِرَّتَهُ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي فَلَمَّا فَرَغَ أَتَانَا، فَقَالَ: مَا يُجْلِسُكُمْ؟ قُلْنَا: جَلَسْنَا نَحْرُسُكَ لا يُصِيبُكَ إِنْسَانٌ، فَقَالَ: أَمِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ؟ قُلْنَا: نَحْنُ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ أَنْ نَحْرُسَكَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ، قَالَ: فَإِنَّهُ لا يَكُونُ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ حَتَّى يُقْضَى فِي السَّمَاءِ، وَإِنَّ عَلَيَّ مِنَ اللَّهِ لَجُنَّةً حَصِينَةً، فَإِذَا جَاءَ أَجَلِي كُشِفَتْ عَنِّي وَإِنَّهُ لا يَجِدُ عَبْدٌ طَعْمَ الإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا رَأَى الرُّؤْيَا فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَأَيْتُ فِيَ النَّوْمَ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِيرِ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ، وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ، فَقَالا لِي: لَنْ تَرْعَ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ» قَالَ: قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَهُ لا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلا قَلِيلا
قَالَ: وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ: «مَا آسِي عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا إِلا عَلَى ظَمَإِ الْهَوَاجِرِ، وَمُكَابَدَةِ اللَّيْلِ، وَإِنِّي لَمْ أُقَاتِلْ هَذِهِ الْفِئَةَ الْبَاغِيَةَ الَّتِي نَزَلَتْ بِنَا» يَعْنِي الْحَجَّاجَ
قَالَ: وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " لَوْلا ثَلاثٌ: لَوْلا أَنْ أُسَافِرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ أُعَفِّرَ جَبْهَتِي فِي التُّرَابِ سَاجِدًا، أَوْ أُجَالِسَ قَوْمًا يَلْتَقِطُونَ طَيِّبَ الْقَوْلِ كَمَا يَلْتَقِطُونَ طَيِّبَ التَّمْرِ، لَسَرَّنِي أَنْ أَكُونَ لَحِقْتُ بِاللَّهِ
(1/62)
قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَضْلُ صَلاةِ اللَّيْلِ عَلَى صَلاةِ النَّهَارِ كَفَضْلِ صَدَقَةِ السِّرِّ عَلَى صَدَقَةِ الْعَلانِيَةِ قَالَ: وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: رَكْعَةٌ بِاللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْ عَشْرٍ بِالنَّهَارِ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: شَرَفُ الرَّجُلِ قِيَامُهُ بِاللَّيْلِ، وَغِنَاهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ قَالَ: وَرُوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَرْفُوعًا وَعَنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: «قِيَامُ اللَّيْلِ يَشْرُفُ بِهِ الْوَضِيعُ، وَيَعِزُّ بِهِ الذَّلِيلُ، وَصِيَامُ النَّهَارِ يَقْطَعُ عَنْ صَاحِبِهِ الشَّهَوَاتِ، وَلَيْسَ لِلْمُؤْمِنِينَ رَاحَةٌ دُونَ دُخُولِ الْجَنَّةِ» قَالَ: وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: «لَوْ بَاتَ رَجُلٌ يُعْطِي الْقِيَانَ الْبِيضَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى الصَّبَاحِ وَبَاتَ رَجُلٌ يَذْكُرُ اللَّهَ أَوْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ لَرَأَيْتَ أَنَّ ذَاكِرَ اللَّهِ أَفْضَلُ» قَالَ: وَسُمِعَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَهُوَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ يَبْكِي، وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ آتَيْتَ عَمْرًا مَالا فَإِنْ كَانَ أَحَبَّ إِلَيْكَ أَنْ تُسْلُبَ عَمْرًا مَالَهُ وَلا تُعَذِّبُهُ بِالنَّارِ فَاسْلُبْهُ مَالَهُ، وَإِنَّكَ آتَيْتَ عَمْرًا سُلْطَانًا فَإِنْ كَانَ أَحَبَّ إِلَيْكَ أَنْ تُنْزَعَ مِنْهُ سُلْطَانُهُ وَلا تُعَذِّبُهُ بِالنَّارِ فَانْزِعْ مِنْهُ سُلْطَانَهُ» قَالَ: وَعَنِ الْحَسَنِ، كَانَ يُقَالُ: " مَا عَمِلَ النَّاسُ مِنْ عَمَلٍ أَثْبَتَ فِي خَيْرٍ مِنْ صَلاةٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، وَمَا فِي الأَرْضِ شَيْءٌ أَجْهَدُ لِلنَّاسِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وَالصَّدَقَةِ، قِيلَ: فَأَيْنَ الْوَرَعُ؟ وَقَالَ: ذَاكَ مِلاكُ الأَمْرِ " قَالَ: وَكَانَ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَائِمًا يُصَلِّي فَإِذَا أُعْيِيَ صَلَّى قَاعِدًا، فَإِذَا فَتَرَ صَلَّى مُضْطَجِعًا قَالَ: وَعَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَرَأْتُ أَنَّ
عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ، قَالَ: كَلِّمُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَكَلِّمُوا النَّاسَ قَلِيلا قَالُوا: يَا رَوْحُ اللَّهِ وَكَيْفَ نُكَلِّمُ اللَّهَ كَثِيرًا؟ قَالَ: اخْلُوا بِمُنَاجَاتِهِ وَاخْلُوا بِدُعَائِهِ وَعَنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَرْفَعْهُ: " لِلْمُصَلِّي ثَلاثُ خِصَالٍ: يَتَنَاثَرُ الْبِرُّ مِنْ عَنَانِ السَّمَاءِ إِلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ، وَتَحُفُّ بِهِ الْمَلائِكَةُ مِنْ لَدُنْ قَدَمَيْهِ إِلَى عَنَانِ السَّمَاءِ، وَيُنَادِيهِ مُنَادٍ لَوْ يَعْلَمُ الْمُصَلِّي مَنْ يُنَاجِي مَا انْفَتَلَ "
(1/63)
قَالَ: وَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَامِلِ الْبَصْرَةِ أَنْ يُزَوِّجَ عَامِرَ بْنَ عَبْدِ قَيْسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ صَالِحِ نِسَاءِ قَوْمِهِ وَيُصْدِقَهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَلَمْ يَدَعْهُ حَتَّى زَوَّجَهُ، فَجُهِّزَتْ ثُمَّ ذَهَبَ بِعَامِرٍ حَتَّى أُدْخِلَ عَلَيْهَا، فَقَامَ إِلَى مُصَلاهُ، لا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا حَتَّى إِذْ رَأَى تبَاشيِرَ الصُّبْحِ، قَالَ: " يَا هَذِهِ ضَعِي خِمَارُكِ، فَلَمَّا وَضَعَتْ خِمَارَهَا، قَالَ: اعْتَدِّي، ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرِينَ لِمَ أَمَرْتُكِ أَنْ تَضَعِي خِمَارَكِ؟ لِئَلا يُؤْخَذُ مِنْكِ شَيْءٌ أَعْطَيْتُ، وَقَالَ عَامِرٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: «مَا رَأَيْتُ مِثْلَ الْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا، وَلا رَأَيْتُ مِثْلَ النَّارِ نَامَ هَارِبُهَا» ، وَكَانَ إِذَا جَاءَ اللَّيْلُ، قَالَ: «أَذْهَبَ حَرُّ النَّارِ النَّوْمَ، فَمَا يَنَامُ حَتَّى يُصْبِحَ» ، وَإِذَا جَاءَ النَّهَارُ، قَالَ: «أَذْهَبَ حَرُّ النَّارِ النَّوْمَ، فَمَا يَنَامُ حَتَّى يُمْسِيَ» ، فَإِذَا جَاءَ اللَّيْلُ، قَالَ: «مَنْ خَافَ أَدْلَجَ» ، وَيَقُولُ عِنْدَ الصَّبَاحِ: «يَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى» قَالَ: وَكَانَتْ مُعَاذَةُ الْعَدَوِيَّةُ، رَحِمَهَا اللَّهُ، إِذَا جَاءَ اللَّيْلُ، تَقُولُ: " هَذِهِ لَيْلَتِي الَّتِي أَمُوتُ فِيهَا: فَمَا تَنَامُ حَتَّى تُصْبِحَ، وَإِذَا جَاءَ النَّهَارُ، قَالَتْ: هَذَا يَوْمِي الَّذِي أَمُوتُ فِيهِ، فَمَا تَنَامُ حَتَّى تُمْسِيَ، وَإِذَا جَاءَ الشِّتَاءُ لَبِسَتِ الثِّيَابَ الرِّقَاقَ حَتَّى يَمْنَعَهَا الْبَرْدُ مِنَ النَّوْمِ " قَالَ: وَقَالَ عَامِرٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَجَدْتُ عَيْشَ النَّاسِ فِي أَرْبَعَ: فِي النِّسَاءِ وَاللِّبَاسِ وَالنَّوْمِ وَالطَّعَامِ، فَأَمَّا النِّسَاءُ فَوَاللَّهِ مَا أُبَالِي أَرَأَيْتُ امْرَأَةً أَمْ رَأَيْتُ جِدَارًا، وَأَمَّا اللِّبَاسُ فَمَا أُبَالِي مَا وَارَيْتُ بِهِ
عَوْرَتِي صُوفٌ أَوْ غَيْرُهُ، وَأَمَّا النَّوْمُ وَالطَّعَامُ فَغَلَبَانِي أَنْ لا أُصِيبُ مِنْهُمَا وَلَكِنْ وَاللَّهِ لأَضُرَّنَّ بِهِمَا جَهْدِي " قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَأَضَرَّ بِهِمَا جَهْدَهُ حَتَّى مَاتَ، وَصَحِبَهُ رَجُلٌ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَلَمْ يَرَهُ يَنَامُ لَيْلا وَلا نَهَارًا قَالَ: وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهُ لِيفٌ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، طَاقًا وَاحِدًا، فَبَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ ثَنَتْ عَبَاءَةً، فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ نَفْسُهُ، فَقَالَ: «مَا صَنَعْتِ؟» ، قَالَتْ: ثَنَيْتُهَا، قَالَ: «فَلا تَعُودِي»
(1/64)
قَالَ: وَعَنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ لِيَعِيشَ خَمْسِينَ أَوْ سِتِّينَ سَنَةً عُمْرَهُ كُلَّهُ مَا طُوِيَ لَهُ ثَوْبٌ قَطُّ، وَلا أَمَرَ فِي أَهْلِهِ بِصَنْعَةِ طَعَامٍ قَطُّ، وَلا جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَرْضِ شَيْئًا قَطُّ، قَالَ: وَاحْتُضِرَ رَجُلٌ مِنَ الصَّدْرِ الأَوَّلِ فَبَكَى، وَاشْتَدَّ بُكَاؤُهُ، فَقَالُوا لَهُ: رَحِمَكَ اللَّهُ، إِنَّ اللَّهَ عَفُوٌّ وَإِنَّهُ غَفُورٌ، فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ بَعْدِي شَيْئًا أَبْكِي عَلَيْهِ إِلا ثَلاثَ خِصَالٍ: ظَمَأَ هَاجِرَةٍ فِي يَوْمٍ بَعِيدٍ مَا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، أَوْ لَيْلَةً يَبِيتُ الرَّجُلُ يُرَاوِحُ مَا بَيْنَ جَبْهَتِهِ وَقَدَمَيْهِ، أَوْ غَدْوَةً أَوْ رَوْحَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: قَرَأْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ: أَيُّهَا الصِّدِّيقُونَ، افْرَحُوا بِي وَتَنَعَّمُوا بِذِكْرِي قَالَ: وَخَرَجَ الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمَ، فِي غَزَاةٍ وَأَرْسَلَ غُلامَهُ يَحْتَشُّ وَرَبَطَ فَرَسَهُ، قَامَ يُصَلِّي، فَجَاءَ الْغُلامُ، قَالَ: يَا رَبِيعُ أَيْنَ الْفَرَسُ؟ قَالَ: سُرِقَتْ يَا يَسَارُ، قَالَ: تُسْرَقُ وَأَنْتَ تَنْظُرُ إِلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ يَا يَسَارُ، إِنِّي كُنْتُ أُنَاجِي رَبِّي فَلَمْ يَكُنْ يَشْغَلُنِي عَنْ مُنَاجَاةِ رَبِّي شَيْءٌ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ غَنِيًّا فَاهْدِهِ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنِهِ، وَقَالَتْ أُمُّ غَزْوَانَ لَهُ: أَمَا لِفِرَاشِكَ عَلَيْكَ حَقٌّ؟ أَمَا لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقٌّ؟ قَالَ: يَا أُمَّاهُ إِنَّمَا أَطْلُبُ رَاحَتَهَا أُبَادِرُ طَيَّ صَحِيفَتِي، وَقَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لا يَرَانِي ضَاحِكًا حَتَّى أَعْلَمَ أَيَّ الدَّارَيْنِ دَارِي قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ: عَزَمَ فَفَعَلَ فَوَاللَّهِ مَا رُئِيَ ضَاحِكًا حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ قَالَ: وَكَانَ هَمَّامٌ رَحِمَهُ اللَّهُ، لا يَنَامُ عَلَى فِرَاشِهِ يُصَلِّي حَتَّى يَنْعَسَ فِي مَسْجِدِهِ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي لَيْلَهُ كُلَّهُ قَالَ: وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: رَحِمَهُ اللَّهُ، كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعْمٍ، يُوَاصِلُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا حَتَّى نَعُودَهُ، وَبَلَغَ ذَلِكَ الْحَجَّاجَ فَحَبَسَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فِي بَيْتٍ ثُمَّ فَتَحَ عَنْهُ فَوَجَدَهُ قَائِمًا يُصَلِّي، فَقَالَ: اذْهَبْ فَأَنْتَ رَاهِبُ الْعَرَبِ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ رَحِمَهُ
اللَّهُ: بِتُّ عِنْدَ الْحَجَّاجِ بْنِ فَرَافِصَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، إِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً، فَلا أَكَلَ وَلا شَرِبَ وَلا نَامَ،
(1/65)
وَكَانَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ لا يُطْفِئُ سِرَاجَهُ بِاللَّيْلِ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: إِنَّ هَذَا السِّرَاجَ يَضْرِبُنَا إِلَى الصَّبَاحِ، فَقَالَ: وَيْحَكِ إِنَّكِ إِذَا أَطْفَيْتِيهِ ذَكَرْتُ ظُلْمَةَ الْقَبْرِ فَلَمْ أَتَقَارَّ وَكَانَ مَمْلُوكٌ، تَقُولُ لَهُ مَوْلاتُهُ: أَلا تَدَعُنَا نَنَامُ؟ فَيَقُولُ: إِنَّمَا لَكِ نَهَارِي وَلَيْسَ لَكِ لَيْلِي، إِنِّي إِذَا ذَكَرْتُ النَّارَ طَارَ نَوْمِي، وَإِنِّي إِذَا ذَكَرْتُ الْجَنَّةَ طَالَ حُزْنِي " قَالَ: وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَنْ يَبْرَحَ الْمُتَهَجِّدُونَ مِنْ عَرْصَةِ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُؤْتُوا بِنَجَائِبَ مِنَ اللُّؤْلُؤِ قَدْ نُفِخَ فِيهَا الرُّوحُ، فَيُقَالُ لَهُمُ: انْطَلِقُوا إِلَى مَنَازِلِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ رُكْبَانًا، فَيَرْكَبُونَهَا فَتَطِيرُ بِهِمْ مُتَعَالِيَةً، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِمْ، يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَنْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا فَلا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَنْتَهِيَ بِهِمْ إِلَى مَسَاكِنِهِمْ مِنَ الْجَنَّةِ قَالَ: وَعَنِ الأَوْزَاعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: بَلَغَنِي أَنَّهُ مَنْ أَطَالَ قِيَامَ اللَّيْلِ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ: وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: بَلَغَنِي أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ لِلتَّهَجُّدِ نَادَاهُ مَلَكَانِ: طُوبَاكَ سَلَكْتَ مِنْهَاجَ الْعَابِدِينَ قَبْلَكَ قَالَ: وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: بَلَغَنِي أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَامَ اللَّيْلَ لِلصَّلاةِ تَنَاثَرَ عَلَيْهِ الْبِرُّ مِنْ عَنَانِ السَّمَاءِ إِلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ، وَهَبَطَتْ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ لِتَسْتَمْتِعَ لِقِرَاءَتِهِ، وَاسْتَمَعَ لَهُ عُمَّارُ دَارِهِ وَسُكَّانُ الْهَوَاءِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ، وَجَلَسَ لِلدُّعَاءِ أَحَاطَتْ بِهِ الْمَلائِكَةُ تُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِهِ، فَإِنْ هُوَ اضْطَجَعَ بَعْدَ ذَلِكَ نُودِيَ: نَمْ قَرِيرَ الْعَيْنِ مَسْرُورًا، نَمْ خَيْرَ نَائِمٍ عَلَى خَيْرِ عَمَلٍ
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثنا هِشَامُ بْنُ الْقَاسِمِ، ثنا بَكْرُ بْنُ خُنَيْسٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْطَأَةَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِعَبْدٍ فِي شَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ يُصَلِّيهِمَا، وَإِنَّ الْبِرَّ لَيُذَرُّ فَوْقَ رَأْسِ الْعَبْدِ مَا دَامَ فِي صَلاتِهِ وَمَا تَقَرَّبَ الْعِبَادُ إِلَى اللَّهِ بِمِثْلِ مَا خَرَجَ مِنْهُ يَعْنِي الْقُرْآنَ»
(1/66)
قَالَ: وَقَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: كَانَ يُقَالُ: قِيَامُ اللَّيْلِ مَحْيَاةٌ لِلْبَدَنِ، وَنُورٌ فِي الْقَلْبِ، وَضِيَاءٌ فِي الْبَصَرِ، وَقُوَّةٌ فِي الْجَوَارِحِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ مُتَهَجِّدًا أَصْبَحَ فَرِحًا يَجِدُ لِذَلِكَ فَرَحًا فِي قَلْبِهِ، وَإِذَا غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ عَنْ حِزْبِهِ أَصْبَحَ حَزِينًا مُنْكَسِرَ الْقَلْبِ كَأَنَّهُ قَدْ فَقَدَ شَيْئًا وَقَدْ فَقَدَ أَعْظَمَ الأُمُورِ لَهُ نَفْعًا قَالَ: وَقَالَ يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ: بِطُولِ التَّهَجُّدِ تَقَرُّ عُيُونُ الْعَابِدِينَ، وَبِطُولِ الظَّمَإِ تَفْرَحُ قُلُوبُهُمْ عِنْدَ لِقَاءِ اللَّهِ قَالَ: وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سُوَيْدٍ: كَانُوا يَرَوْنَ السِّيَاحَةَ صِيَامَ النَّهَارِ وَقِيَامَ اللَّيْلِ قَالَ: وَكَانَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، عَامَّةَ دَهْرِهِ يُصَلِّي الْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ وَقْتُ صَلاةٍ إِلا وَهُوَ يُصَلِّي، وَكَانَ يُسَبِّحُ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ وَيَصُومُ الدَّهْرَ، وَانْصَرَفَ النَّاسُ يَوْمَ عِيدٍ مِنَ الْجِبَانِ فَأَصَابَهُمْ مَطَرٌ، فَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ فَتَغَاصُّوا فِيهِ قَالَ: وَإِذَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَائِمٌ يُصَلِّي انْهَدَمَ بَيْتُهُ، فَضَرَبَ فِيهِ خَيْمَةً فَكَانَ فِيهَا حَتَّى مَاتَ، وَطُوِيَ فِرَاشُهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَلَمْ يَضَعْ جَنْبَهُ بِالأَرْضِ عِشْرِينَ سَنَةً، وَكَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ، وَكَانَ يَطْلُبُ الْحَدِيثَ بِالْكُوفَةِ، وَقَدِمَ عَلَى الأَعْمَشِ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَخَرَجَ فِي سَاعَةٍ كَانَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، يُصَلِّي فِيهَا، فَأَقْبَلَ عَلَى الصَّلاةِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى الأَعْمَشِ، وَصَلَّى بَعْدَ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ مَرَّةً فَقَرَأَ: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] ، حَتَّى أَتَى عَلَى قَوْلِهِ: {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الملك: 27] ، جَعَلَ يُرَدِّدُهَا إِلَى الْفَجْرِ، وَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ جَارِيَةٌ مِنْ جِيرَانِهِ لأُمِّهَا: يَا أُمَّاهُ مَا فَعَلَ الْمِشْجَبُ الَّذِي كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ السَّطْحِ؟ تَظُنُّ أَنَّ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ، كَانَ الْمِشْجَبَ، وَكَانَ مُعْتَمِرٌ رَحِمَهُ اللَّهُ، يُصَلِّي الْغَدَاةَ بِوُضُوءِ الْعَتَمَةِ، وَكَانَ لأَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، سَوْطٌ يُعَلِّقُهُ فِي مَسْجِدِهِ فَإِذَا
كَانَ السَّحَرُ وَنَعَسَ أَوْ مَلَّ أَخَذَ السَّوْطَ وَضَرَبَ بِهِ سَاقَيْهِ ثُمَّ، قَالَ: لأَنْتِ أَوْلَى بِالضَّرِبِ مِنْ شِرَارِ الدَّوَابِّ قَالَ: وَقَالَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " إِنَّ الْعَيْنَ إِذَا عَوَّدْتَهَا النَّوْمَ اعْتَادَتْ، وَإِذَا عَوَّدْتَهَا السَّهَرَ اعْتَادَتْ
(1/67)
قَالَ: وَكَانَ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ رَحِمَهُ اللَّهُ، يُصَلِّي الْعَتَمَةَ، ثُمَّ يُحَوِّلُ نَعْلَيْهِ عَنْ مَقَامِهِ فَيَفْتَتِحُ الصَّلاةَ فَيَجِيءُ الْقَوْمُ غُدْوَةً فَإِذَا هُوَ مَكَانَهُ قَالَ: وَكَانَ مَنْصُورُ بْنُ زَاذَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ، خَفِيفَ الْقِرَاءَةِ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي صَلاةِ الضُّحَى، وَيَخْتِمُ الْقُرْآنَ بَيْنَ الأُولَى وَالْعَصْرِ، وَيَخْتِمُ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ، وَقَالَتْ أُمُّ وَلَدِهِ: كَانَ يَقُومُ هَذَا اللَّيْلَ فَلا يَضَعُ جَنْبَهُ وَمَا كَانَ يَأْتِينِي إِلا كَمَا يَأْتِي الْعُصْفُورُ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ، ثُمَّ يَعُودُ إِلَى مُصَلاهُ فَلا يَنَامُ هَذَا اللَّيْلَ قَالَ: وَقَالَ شُمَيْطٌ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَحَبَّ سَاعَاتِنَا إِلَيْكَ سَاعَاتِ ذِكْرِكَ وَعِبَادَتِكَ، وَاجْعَلْ أَبْغَضَ سَاعَاتِنَا إِلَيْكَ سَاعَاتِ أَكْلِنَا وَشُرْبِنَا وَنَوْمِنَا قَالَ: وَقَالَ عَبْثَرٌ أَبُو زُبَيْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: " اخْتَفَى عِنْدِي مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ الْحَارِثِيُّ مِنْ يَعْقُوبَ بْنِ دَاوُدَ، فِي هَذِهِ الْعَلِيَّةِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَمَا رَأَيْتُهُ نَائِمًا لَيْلا وَلا نَهَارًا، قَالَ: وَكَانَ يَجِيئُنِي نِصْفَ النَّهَارِ فِي الْقَائِلَةِ فَأَقُولُ لَهُ: أَمَا تَقِيلُ؟ فَيَقُولُ: أَكْرَهُ أَنْ أُعْطِيَ عَيْنِي سُؤْلَهَا فِي النَّوْمِ، وَتَرَكَ مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ رَحِمَهُ اللَّهُ، النَّوْمَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَتَيْنِ إِلا الْقَيْلُولَةَ، ثُمَّ تَرَكَ الْقَيْلُولَةَ أَيْضًا، وَكَانَ يُصَلِّي مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى آخِرِهِ " قَالَ: وَكَانَ دَاؤُدُ الطَّائِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، صَاحِبَ فِكْرَةٍ، وَقَالَ رَجُلٌ لِدَاؤُدَ: عِظْنِي، قَالَ: «لا يَرَاكَ اللَّهُ حَيْثُ نَهَاكَ وَلا يَفْقِدُكَ عِنْدَ مَا أَمَرَكَ بِهِ» ، وَقَالَ: «فِرَّ مِنَ النَّاسِ فِرَارَكَ مِنَ الأَسَدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ مُفَارِقًا لِلْجَمَاعَةِ» ، وَقَالَ: «ارْضَ بِالْيَسِيرِ مَعَ سَلامَةِ الدِّينِ كَمَا رَضِيَ قَوْمٌ بِالْكَثِيرِ مَعَ خَرَابِ دِينِهِمْ» ، وَقَالَ: «اجْعَلِ الدَّهْرَ يَوْمًا
وَاحِدًا صُمْتَهُ عَنْ شَهَوَاتِ الدُّنْيَا وَآخِرَ فِطْرِكَ مِنْهُ الْمَوْتَ» قَالَ: وَكَانَ هُوَ هَكَذَا، كَانَ يَدْخُلُ الرُّطَبُ فَلا يَعْلَمُ بِهِ وَالْعِنَبُ فَلا يَعْلَمُ بِهِ صَائِمًا أَبَدًا، كِسَرٌ يَابِسَةٌ يَبُلُّهَا فَيَأْكُلُهَا، وَأَشْرَفَ عَلَيْهِ جَارٌ لَهُ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَإِذَا فِي يَدِهِ رَغِيفَانِ يَابِسَانِ، وَهُوَ يَقُولُ لِنَفْسِهِ: «تَأْكُلِينَ تَأْكُلِينَ فَكَأَنَّهَا أَبَتْ فَأَلْقَاهُمَا» ، وَافْتَتَحَ الصَّلاةَ، فَأَشْرَفَ عَلَيْهِ مِنَ الْقَابِلَةِ وَفِي يَدِهِ الرَّغِيفَانِ، فَجَعَلَ يَقُولُ: «تَأْكُلِينَ» ، ثُمَّ أَكَلَ قَالَ: وَقِيلَ لأُمِّ الدَّرْدَاءِ: أَلا تَعْجَبِينَ مِنَ الرَّجُلِ الْكَبِيرِ السَّقِيمِ لا يَكَادُ يُرَى إِلا وَهُوَ يُصَلِّي، وَالرَّجُلُ الشَّابُّ الْقَوِيُّ لا يَكَادُ أَنْ يُتِمَّ الْفَرِيضَةَ؟ فَقَالَتْ: «كُلٌّ يَعْمَلُ فِي ثَوَابٍ قَدْ أُعِدَّ لَهُ» قَالَ: وَقَالَ وَهْب رَحِمَهُ اللَّهُ: بَلَغَنِي عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَبِّ، أَخْبِرْنِي عَنْ آيَةِ رِضَاكَ عَنْ عَبْدِكَ، فَأَوْحَى إِلَيْهِ إِذَا رَأَيْتَنِي أُهَيِّئُ لَهُ طَاعَتِي وَأَصْرِفُهُ عَنْ مَعْصِيَتِي فَذَاكَ آيَةُ رِضَائِي عَنْهُ»
(1/68)
قَالَ: وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: " مَا ضُرِبَ عَبْدٌ بِعُقُوبَةٍ أَعْظَمَ مِنْ قَسْوَةِ قَلْبٍ، وَقَالَ: إِنَّ لِلَّهِ عُقُوبَاتٍ فَتَعَاهَدُوهُنَّ مِنْ أَنْفُسِكُمْ فِي الْقُلُوبِ وَالأَبْدَانِ وَضَنْكٍ فِي الْمَعِيشَةِ، وَوَهَنٍ فِي الْعِبَادَةِ، وَسَخْطَةٍ فِي الرِّزْقِ "، وَقَالَ: «إِنَّ الْبَدَنَ إِذَا سَقَمَ لَمْ يَنْجَعْ فِيهِ طَعَامٌ وَلا شَرَابٌ وَلا نَوْمٌ وَلا رَاحَةٌ، وَكَذَلِكَ الْقَلْبُ إِذَا عَلِقَهُ حُبُّ الدُّنْيَا لَمْ يَنْجَعْ فِيهِ الْمَوَاعِظُ» قَالَ: وَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ حَبِيبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَمَّا بَرَزَ الْعَدُوُّ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ غَالِبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: «عَلَى مَا آسَى مِنَ الدُّنْيَا، فَوَاللَّهِ مَا فِيهَا لِلَبِيبِ جِذْلٌ، وَوَاللَّهِ لَوْلا مَحَبَّتِي لِمُبَاشَرَةِ السَّهَرِ بِصَفْحَةِ وَجْهِي وَافْتِرَاشِ الْجَبْهَةِ لَكَ يَا سَيِّدِي وَالْمُرَاوَحَةِ بَيْنَ الأَعْضَاءِ وَالْكَرَادِيسِ فِي ظُلَمِ اللَّيَالِي رَجَاءَ ثَوَابِكَ وَحُلُولِ رِضْوَانِكَ، لَقَدْ كُنْتُ مُتَمَنِّيًا لِفِرَاقِ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا» ، ثُمَّ كَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ وَتَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَلَمَّا دُفِنَ أَصَابُوا مِنْ قَبْرِهِ
رَائِحَةَ الْمِسْكِ فَرَآهُ رَجُلٌ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، فَقَالَ: يَا أَبَا فِرَاسٍ مَاذَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: «خَيْرَ الصَّنِيعِ» ، قَالَ: إِلَى مَا صِرْتَ؟ قَالَ: «إِلَى الْجَنَّةِ» ، قَالَ: بِمَ، قَالَ: «بِحُسْنِ الْيَقِينِ، وَطُولِ التَّهَجُّدِ وَظَمَإِ الْهَوَاجِرِ» ، قَالَ: فِيمَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ الَّتِي تُوجَدُ مِنْ قَبْرِكَ؟ قَالَ: «تِلْكَ رَائِحَةُ التِّلاوَةِ وَالظَّمَإِ» ، قَالَ: أَوْصِنِي، قَالَ: «بِكُلِّ خَيْرٍ أُوصِيكَ» ، قَالَ: أَوْصِنِي، قَالَ: «اكْسَبْ لِنَفْسِكَ خَيْرًا، لا تَخْرُجُ عَنْكَ اللَّيَالِي وَالأَيَّامُ عَطَلا، فَإِنِّي رَأَيْتُ الأَبْرَارَ نَالُوا الْبِرَّ بِالْبِرِّ»
(1/69)
قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ غَالِبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يُصَلِّي فِي الْيَوْمِ مِائَةَ رَكْعَةٍ، يَقْرَأُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ سَبْعًا وَفِي آخِرِهِ سَبْعًا قَالَ: وَقَالَ سَعِيدٌ الزُّبَيْدِيُّ: «لا يُعْجِبُنِي مِنَ الْقُرَّاءِ كُلُّ مِضْحَاكٍ أَلْقَاهُ بِالْبِشْرِ وَيَلْقَانِي بِالْعُبُوسِ يَمُنُّ عَلَيَّ بِعِبَادَتِهِ لا أَكْثَرَ اللَّهُ فِي الْقُرَّاءِ مِثْلَ هَذَا» قَالَ: وَقَالَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ: «إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا يَدْفَعُونَ النَّوْمَ مَخَافَةَ أَنْ يَمُوتُوا فِي مَنَامِهِمْ» قَالَ: وَكَانَ طَاوُسٌ، يَفْرِشُ فِرَاشَهُ، ثُمَّ يَضْطَجِعُ يَتَقَلَّى كَمَا تَتَقَلَّى الْحَبَّةُ فِي الْمِقْلاةِ، ثُمَّ يَثِبُ فَيُدْرِجُهُ وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ حَتَّى الصَّبَاحِ، وَيَقُولُ: «طَيَّرَ ذِكْرُ جَهَنَّمَ نَوْمَ الْعَابِدِينَ» قَالَ: وَقِيلَ لِعَفِيرَةَ الْعَابِدَةِ: إِنَّكِ لا تَنَامِينَ بِاللَّيْلِ، فَبَكَتْ، ثُمَّ قَالَتْ: «رُبَّمَا اشْتَهَيْتُ أَنْ أَنَامَ فَلا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ يَنَامُ أَوْ يَقْدِرُ عَلَى النَّوْمِ مَنْ لا يَنَامُ حَافِظَاهُ عَنْهُ لَيْلا وَلا نَهَارًا» قَالَ: وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ: " إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا خَمَّصُوا لَهُ الْبُطُونَ، عَنْ مَطَاعِمِ الْحَرَامِ، وَغَضُّوا لَهُ الْجُفُونَ عَنْ مَنَاظِرِ الآثَامِ، وَأَهْمَلُوا لَهُ الْعُيُونَ لَمَّا اخْتَلَطَ عَلَيْهِمُ الظَّلامُ رَجَاءَ أَنْ يُنِيرَ لَهُمْ ظُلْمَةَ قُبُورِهِمْ، إِذَا تَضَمَّنَتْهُمُ الأَرْضُ بَيْنَ أَطْبَاقِهَا فَهُمْ فِي الدُّنْيَا مُكْتَتِبُونَ وَإِلَى الآخِرَةِ مُتَطَلِّعُونَ، نَفَذَتْ أَبْصَارُ قُلُوبِهِمْ بِالْغَيْبِ إِلَى الْمَلَكُوتِ، فَرَأَتْ فِيهِ مَا رَجَتْ مِنْ عَظِيمِ ثَوَابِ اللَّهِ،
فَازْدَادُوا بِذَلِكَ لِلَّهِ جِدًّا وَاجْتِهَادًا عِنْدَ مُعَايَنَةِ أَبْصَارِ قُلُوبِهِمْ مَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ آمَالُهُمْ، فَهُمُ الَّذِينَ لا رَاحَةَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَهُمُ الَّذِينَ تَقَرُّ أَعْيُنُهُمْ غَدًا بِطَلْعَةِ مَلَكِ الْمَوْتِ عَلَيْهِمْ قَالَ: ثُمَّ بَكَى حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ بِالدُّمُوعِ "
(1/70)
بَابُ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] ، فَاجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الشَّمْسَ إِذَا غَرَبَتْ فَقَدْ دَخَلَ اللَّيلُ وَحَلَّ فِطْرُ الصَّائِمِ وَجَاءَ الْخَبَرُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِأَنَّهُ نَهَى عَنِ الصَّلاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبُ الشَّمْسُ، فَإِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ حَلَّتِ الصَّلاةُ، وَالصَّلاةُ فِي جَمِيعِ الأَوْقَاتِ مَنَدْوُبٌ إِلَيْهَا مُرَغَّبٌ فِيهَا إِلا الأَوْقَاتَ الَّتِي نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الصَّلاةِ فِيهَا، فَالصَّلاةُ فِي اللَّيلِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ مُبَاحٌ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ لَمْ يَنْهِ عَنِ الصَّلاةِ فِي شَيْءٍ مِنْ سَاعَاتِهِ، فَكُلُّ صَلاةٍ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فَهِيَ مِنْ صَلاةِ اللَّيلِ قَالَ: وَالْفَضَائِلُ الَّتِي جَاءَتْ لِصَلاةِ اللَّيلِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى صَلاةِ اللَّيْلِ كُلِّهِ، وَإِنْ كَانَتِ الصَّلاةُ فِي بَعْضِ أَوْقَاتِهِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي بَعْضٍ قَالَ: وَقَدْ رَوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ قَالَ: وَثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ أَذِنَ فِي ذَلِكَ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّي وَفُعِلَ عَلَى عَهْدِهِ بِحَضْرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَنْهِ عَنْهُ، قَالَ:
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، أَخْبَرَنِي خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلِ الْمُزَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقُولُ: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاةٌ لِمَنْ شَاءَ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا حُسَيْنُ الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، قَالَ: كَتَبْتُهُ فَنَسِيتُهُ لا أَدْرِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَعْقِلٍ أَوْ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ لِمَنْ شَاءَ، خَشْيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، ثنا ثَابِتُ بْنُ عَجْلانَ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ أَبِي عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ صَلاةٍ مَفْرُوضَةٍ إِلا وَبَيْنَ يَدَيْهَا سَجْدَتَانِ» قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: يَعْنِي رَكْعَتَيْنِ
(1/71)
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالا: ثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيٌّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: «كَانَ الْمُؤَذِّنَ يُؤَذِّنُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِصَلاةِ الْمَغْرِبِ فَيَبْتَدِرُ لُبَابُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، السَّوَارِي يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَخْرُجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ يُصَلُّونَ»
قَالَ: زَادَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: «وَكَانَ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ يَسِيرٌ» قَالَ: وَعَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قُلْتُ: هَلْ مِنْ صَلاةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ؟ قَالَ: لا، حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ، قُلْتُ: فَإِذَا غَابَتْ؟ قَالَ: رَكْعَتَيْنِ، قُلْتُ: قَبْلَ الصَّلاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: هَلْ رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لا، قُلْتُ: فَهَلْ رَآكُمْ تُصَلُّونَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَكَانَ أَمَرَكُمْ بِهِمَا؟ قَالَ: لا، وَلا نَهَانَا عَنْهُمَا، كَانَ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ قَامَ أَحَدُنَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَالَ: وَعَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِي إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلاةِ الْمَغْرِبِ يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ» ، وَعَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَخْرُجُ إِلَيْنَا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ صَلاةِ الْمَغْرِبِ فَيَرَانَا نُصَلِّي فَلا يَنْهَانَا وَلا يَأْمُرُنَا» قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: إِنْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ لِيُؤَذِّنَ فَيَتَبَادَرُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، السَّوَارِي، فَيُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ، فَمَا يُعَابُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَفِي أُخْرَى: كُنَّا بِالْمَدِينَةِ إِذَا أُذِّنَ بِالْمَغْرِبِ ابْتَدَرَ الْقَوْمُ السَّوَارِيَ يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى أَنَّ الْغَرِيبَ لِيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَرى أَنَّ الصَّلاةَ قَدْ صُلِّيَتْ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهَا، وَفِي أُخْرَى: ثُمَّ إِذَا صَلَّيْتَ الْعَصْرَ فَلا تُصَلِّ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، فَإِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ قَالَ: وَعَنْ أَبِي الْخَيْرِ: رَأَيْتُ أَبَا تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ، يَرْكَعُ الرَّكْعَتَيْنِ حِينَ يَسْمَعُ أَذَانَ
(1/72)
الْمَغْرِبِ، فَأَتَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقُلْتُ لَهُ: لا أَعْجَبَكَ مِنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَأَنَا أُرِيدُ
أَنْ أَغْمِصُهُ، فَقَالَ عُقْبَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّمَا كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا يَمْنَعُكَ الآنَ؟ قَالَ: الشُّغْلُ قَالَ: وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا نَرْكَعُهُمَا إِذَا زَاحَمْنَا بَيْنَ الآذَانِ وَالإِقَامَةِ فِي الْمَغْرِبِ قَالَ: وَعَنْ زِرٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَلَزِمْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَكَانَا يُصَلِّيَانِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الْمَغْرِبِ لا يَدَعَانِ ذَلِكَ قَالَ: وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى: أَدْرَكْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ يُصَلُّونَ عِنْدَ كُلِّ تَأْذِينٍ قَالَ: وَعَنْ رَغْبَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ مَوْلَى حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ، قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُبُّونَ إِلَيْهِمَا كَمَا يَهُبُّونَ إِلَى الْمَكْتُوبَةِ» ، يَعْنِي: الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ قَالَ: وَعَنْ رَاشِدِ بْنِ يَسَارٍ: «أَشْهَدُ عَلَى خَمْسَةٍ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ» .
وَعَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ طَاوُسٍ، أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ صَلَّى مَعَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ الصَّلاةِ، ثُمَّ لَمْ يُصَلِّ مَعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ثُمَّ صَلَّى مَعَ عُثْمَانَ، فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ «إِنِّي صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَفَرِقْتُ مِنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَمْ أُصَلِّ مَعَهُ، وَصَلَّيْتُ مَعَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ لَيِّنٌ»
قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: وَهَذَا عِنْدِي وَهْمٌ، إِنَّمَا الْحَدِيثُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ لا فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، لأَنَّ الْمَعْرُوفَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَيَضْرِبُ عَلَيْهِمَا، فَأَمَّا الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ فَلا، وَقَدْ رَوَاهُ مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَلَى مَا قُلْنَا وَهُوَ أَحْفَظُ مِنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ وَأَثْبَتُ
(1/73)
قَالَ: وَعَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ أَنَّهُ كَانَ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ صَلاةِ الْمَغْرِبِ لَمْ يَدَعْهُمَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ، وَكَانَ يَقُولُ: أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ يَرْكَعُهُمَا، وَيَقُولُ: «لا أَدَعُهُمَا وَإِنْ ضُرِبْتُ بِالسِّيَاطِ» ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الثَّقَفِيُّ: «رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ» قَالَ: وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: «أَنَّهُ صَحِبَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِلَى الشَّامِ فَلَمْ يَكُنْ يَتْرُكْ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ كُلِّ أَذَانٍ» قَالَ: وَسُئِلَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ رَحِمَهُ اللَّهُ، عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، فَقَالَ: «مَا رَأَيْتُ فَقِيهًا يُصَلِّيهِمَا، لَيْسَ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ» قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ الْمُهَاجِرُونَ لا يَرْكَعُونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَكَانَتِ الأَنْصَارُ يَرْكَعُونَهُمَا قَالَ: وَكَانَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَرْكَعُهُمَا قَالَ: وَعَنْ مُجَاهِدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَتِ الأَنْصَارُ: «لا نَسْمَعُ أَذَانًا إِلا قُمْنَا فَصَلَّيْنَا» ، وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنَّهُ يَقُولُ: «إِنَّ عِنْدَ كُلِّ أَذَانٍ رَكْعَتَيْنِ» قَالَ: وَسُئِلَ قَتَادَةُ، عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، فَقَالَ: «كَانَ أَبُو بَرْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يُصَلِّيهِمَا» ، وَسَأَلَ رَجُلُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: «مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ» ، قَالَ: مِنَ الَّذِينَ يُحَافِظُونَ عَلَى رَكْعَتَيِ الضُّحَى، فَقَالَ: «وَأَنْتُمْ تُحَافِظُونَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ» ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُفْتَحُ عِنْدَ كُلِّ أَذَانٍ» قَالَ:
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «صَلاةُ الأَوَّابِينَ مَا بَيْنَ الأَذَانِ وَإِقَامَةِ الْمَغْرِبِ» قَالَ: وَعَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: «كُنَّا نُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَهِيَ بِدْعَةٌ ابْتَدَعْنَاهَا فِي إِمْرَةِ عُثْمَانَ» قَالَ: وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ يُقَالُ: «ثُلُثُ صَلَوَاتِ صَلاةِ الأَوَّابِينَ، وَصَلاةِ الْمُنِيبِينَ، وَصَلاةِ التَّوَّابِينَ، صَلاةُ الأَوَّابِينَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْحِ، وَصَلاةُ الْمُنِيبِينَ صَلاةُ الضُّحَى، وَصَلاةُ التَّوَّابِينَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ» ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَيَحْيَى بْنُ عَقِيلٍ يُصَلِّيَانِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ
(1/74)
قَالَ: وَعَنِ الْحَكَمِ رَحِمَهُ اللَّهُ: رَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى يُصَلِّي، قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، وَسُئِلَ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ: «حَسَنَتَانِ وَاللَّهِ جَمِيلَتَانِ لِمَنْ أَرَادَ اللَّهَ بِهِمَا» قَالَ: وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رَحِمَهُ اللَّهُ: «حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ إِذَا أُذِّنَ أَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ» ، وَكَانَ الأَعْرَجُ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَعَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَحِمَهُ اللَّهُ، يَرْكَعُهُمَا، وَأَوْصَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَدَهُ أَنْ لا يدعوهما، وَعَنْ مَكْحُولٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: «عَلَى الْمُؤَذِّنِ أَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ عَلَى إِثْرِ التَّأْذِينِ» قَالَ: وَعَنِ الْحَكَمِ بْنِ الصَّلْتِ: «رَأَيْتُ عِرَاكَ بْنَ مَالِكٍ، إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِالْمَغْرِبِ قَامَ فَصَلَّى سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ الصَّلاةِ» قَالَ: وَعَنِ السَّكَنِ بْنِ حَكِيمٍ: «رَأَيْتُ عِلْبَاءَ بْنَ أَحْمَرَ الْيَشْكُرِيَّ، إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ» قَالَ: وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِنْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ لَيُؤَذِّنُ بِالْمَغْرِبِ، ثُمَّ تَقْرَعُ الْمَجَالِسُ مِنَ الرِّجَالِ يَقُومُونَ يُصَلُّونَهَا» قَالَ: وَعَنِ الْفَضْلِ بْنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنَّهُ كَانَ، يَقُولُ: «الرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ تُصَلَّيَانِ بَيْنَ يَدَيِ الْمَغْرِبِ صَلاةُ الأَوَّابِينَ» قَالَ: وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: " فِي
الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَحَادِيثُ جِيَادٌ، أَوْ قَالَ: صِحَاحٌ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَصْحَابِهِ، وَذَكَرَ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِلا أَنَّهُ قَالَ: لِمَنْ شَاءَ فَمَنَ شَاءَ صَلَّى، قِيلَ لَهُ: قَبْلَ الأَذَانِ أَمْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ؟ فَقَالَ: بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ صَلَّى إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَحَلَّتِ الصَّلاةُ أَيْ فَهُوَ جَائِزٌ، قَالَ: هَذَا شَيْءٌ يُنْكِرُهُ النَّاسُ وَتَبَسَّمَ كَالْمُتَعَجِّبِ مِمَّنْ يُنْكِرُ ذَلِكَ، وَسُئِلَ عَنْهُمَا، فَقَالَ: أَنَا لا أَفْعَلُهُ وَإِنْ فَعَلَهُ رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ "
(1/75)
ذِكْرُ مَنْ لَمْ يَرْكَعْهُمَا عَنِ النَّخْعِيِّ، قَالَ: «كَانَ بِالْكُوفَةِ مِنْ خِيَارِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَخْبَرَنِي مَنْ رَمَقَهُمْ كُلُّهُمْ فَمَا رَأَى أَحَدٌ مِنْهُمْ يُصَلِّيهُمَا قَبْلَ الْمَغْرِبِ» قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، كَانُوا لا يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ» ، وَقِيلَ لإِبْرَاهِيمَ أَنَّ ابْنَ أَبِي الْهُذَيْلِ، كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ: «إِنَّ ذَاكَ لا يُعْلَمُ» قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَيْسَ فِي حِكَايَةِ هَذَا الَّذِي رَوَى عَنْهُ، إِبْرَاهِيمُ، أَنَّهُ رَمَقَهُمْ، فَلَمْ يَرَهُمْ يُصَلُّونَهُمَا دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهَتِهِمْ لَهُمَا، إِنَّمَا تَرَكُوهُمَا لأَنَّ تَرْكَهُمَا كَانَ مُبَاحًا، أَلا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَفْسَهُ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ أَنَّهُ رَكَعَهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ رَغَّبَ فِيهِمَا، وَكَانَ تَرْغِيبُهُ فِيهِمَا أَكْثَرَ مِنْ فِعْلِهِ لَوْ فَعَلَهُمَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرَغِّبَ فِيهِمَا، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ حَكَى عَنْهُمْ مَنْ حَكَى أَنَّهُ رَمَقَهُمْ فَلَمْ يَرَهُمْ يُصَلُّونَهُمَا قَدْ صَلُّوهُمَا فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الَّذِي رَمَقَهُمْ
هَذَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ رَكَعَهُمَا فِي بَيْتِهِ حَيْثُ لَمْ يَرَهُ النَّاسُ لأَنَّ أَكْثَرَ تَطَوُعِهِ كَانَ فِي مَنْزِلِهِ قَالَ: وَكَذَلِكَ الَّذِينَ رَمَقُوا بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا قَدْ صَلُّوا فِي بُيُوتِهِمْ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَرَهُمُ الَّذِي رَمَقَهُمْ يُصَلُّونَهُمَا، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْعُلَمَاءِ كَانُوا لا يَتَطَوَّعُونَ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ: عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: " لَمَّا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِلْمَغْرِبِ، قَامَ رَجُلٌ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَجَعَلَ يَلْتَفِتُ فِي صَلاتِهِ، فَعَلاهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِالدُّرَةِ فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ، قَالَ: يَا أَمَيْرَ الْمُؤْمِنِينَ: نَعَمْ، مَا كَسَوْتُ، قَالَ: رَأَيْتُكَ تَلْتَفِتُ فِي صَلاتِكَ وَلَمْ يُعِبِ الرَّكْعَتَيْنِ "
(1/76)
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ، ثنا أَبِي، ثنا حُسَيْنٌ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ الْمُزَنِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَلَّى قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: «صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ» ، ثُمَّ قَالَ عِنْدَ الثَّالِثَةِ: «لِمَنْ شَاءَ» ، خَافَ أَنْ يَحْسَبَهَا النَّاسُ سُنَّةً
قَالَ: قَالَ كَاتِبُهُ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، فَإِنَّ عَبْدَ الْوَارِثِ بْنَ عَبْدِ الصَّمَدِ، احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ، وَالْبَاقُونَ احْتَجَّ بِهِمُ الْجَمَاعَةُ، وَقَدْ صَحَّ فِي ابْنِ حَبَّانَ، حَدِيثٌ آخِرُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ، قَالَ ابْنُ حَبَّانَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، ثني أَبِي، ثنا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ الْمُزَنِيَّ، حَدَّثَهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ»
(1/77)
بَابُ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق: 40] ، قَالَ: " رَكَعْتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطور: 49] ، رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ " قَالَ: وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق: 40] ، الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطور: 49] ، رَكْعَتَا الْفَجْرِ قَالَ: وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، مِثْلِهِ قَالَ: وَعَنْ أَبِي تَمِيمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانُوا يَقُولُونَ: «الرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ هُمَا إِدْبَارُ السُّجُودِ، وَالرَّكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ هُمَا إِدْبَارُ النُّجُومِ» قَالَ: وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} [الطور: 49] الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ صَلاةِ الْفَجْرِ، {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق: 40] الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ " قَالَ: وَعَنْ قَتَادَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: «كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّهُمَا الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ يَعْنِي وَأَدْبَارُ السُّجُودِ» قَالَ: وَعَنْ مُجَاهِدٍ: " {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق: 40] هُمَا الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ " قَالَ: وَعَنْ عِكْرِمَةَ، وَالنَّخْعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ: " {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق: 40] الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ " قَالَ: وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «هُوَ التَّسْبِيحُ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا»
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: «كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنِي مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ»
(1/78)
قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَخْبَرَتْنِي حَفْصَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَذَلِكَ بَعْدَمَا يَطْلُعُ الْفَجْرُ»
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، صَلَّيْتُ مَعَهُ فِي السَّفَرِ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَالْمَغْرِبَ ثَلاثًا، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ»
قَالَ: وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلَّى عَلَى إِثْرِ كُلِّ صَلاةٍ رَكْعَتَيْنِ إِلا الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا الْمُؤَمَّلُ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً سِوَى الْمَكْتُوبَةِ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ: أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْحِ "، قَالَ: وَرُوِي عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، مَوْقُوفًا: مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا: وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَلَمْ يَذْكُرْ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثنا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا فُلَيْحٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ صَلَّى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ: أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَاثْنَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَاثْنَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَاثْنَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَاثْنَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ "، قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَنْ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَوْقُوفًا
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لا تَدَعْ رَكْعَتَيْنِ عَلَى أَثَرِ الْمَغْرِبِ وَإِنْ حُشِكْتَ بِالنَّبْلِ» قَالَ: وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ: «كَانُوا يَعُدُّونَ مِنَ السُّنَّةِ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ» قَالَ: وَعَنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ: «أَنَّهُ كَانَ يَرَى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَاجِبَتَيْنِ، وَكَانَ يَرَى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْحِ وَاجِبَتَيْنِ» قَالَ: وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: «لَوْ تَرَكْتُ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ لَخَشِيتُ أَنْ لا يُغْفَرَ لِي»
(1/79)
بَابُ اخْتِيَارِ رُكُوعِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي الْبَيْتِ
حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَبْلَ الظُّهْرِ سَجْدَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا سَجْدَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ سَجْدَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْعِشَاءِ سَجْدَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ سَجْدَتَيْنِ، فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَالْجُمُعَةُ فَفِي بَيْتِهِ»
قَالَ: وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ تَطَوُّعِهِ، فَقَالَتْ: «كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا، ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ»
حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، ثنا عَبْدُ الأَعْلَى، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي الأَشْهَلِ، فَصَلَّى بِهِمُ الْمَغْرِبَ، فَلَمَّا سَلَّمَ، قَالَ: «ارْكَعُوا هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي بُيُوتِكُمْ»
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ»
قَالَ: وَعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ النَّاسَ زَمَانَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِذَا انْصَرَفُوا مِنَ الْمَغْرِبِ انْصَرَفُوا جَمِيعًا حَتَّى مَا يَبْقَى فِي الْمَسْجِدِ أَحَدٌ» ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: لا يُصَلُّونَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَنْصَرِفُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ قَالَ: وَعَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُسَاحِقٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، صَلَّى بِهِمُ الْمَغْرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ فَتَبِعْتُهُ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ»
(1/80)
قَالَ: وَعَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَقَدْ أَدْرَكْتُ النَّاسَ زَمَانَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَإِنَّهُ لَيُسَلِّمُ مِنَ الْمَغْرِبِ فَلا أَرَى رَجُلا يُصَلِّيهِمَا فِي الْمَسْجِدِ يَبْتَدِرُونَ أَبْوَابَ الْمَسْجِدِ يَخْرُجُونَ حَتَّى يُصَلُّوهُمَا فِي بُيُوتِهِمْ» قَالَ: وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّهُ كَانَ يَرْكَعُ الرَّكْعَتَيْنِ إِذَا رَجَعَ بَيْتَهُ بَعْدَ الْمَغْرِبِ» قَالَ: وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَسُئِلَ عَنْ قَوْمٍ يَتَطَوَّعُونَ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ «أَكْرَهُهُ بَيْنَا هُمْ جَمِيعًا إِذْ تَفَرَّقُوا» قَالَ: وَعَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ: «كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي أَهَالِيهِمْ» ، وَكَانَ مَيْمُونٌ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ سَجَدَهُمَا فِي أَهْلِهِ
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، ثنا وَكِيعٌ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَفْضَلُ الصَّلاةِ صَلاتُكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ إِلا الْمَكْتُوبَةَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلا الصَّلاةَ الْمَكْتُوبَةَ» ، وَفِي أُخْرَى: «صَلاتُكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِكُمْ فِي مَسْجِدِي هَذَا إِلا الْمَكْتُوبَةَ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرٍو الْبَجَلِيِّ، أَنَّ نَفَرًا أَتَوْا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَسَأَلُوهُ عَنْ تَطَوُّعِ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَقَدْ سَأَلْتُمُونِي عَنْ أَمْرٍ سَأَلْتُ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «صَلاةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ نُورًا فَنَوِّرُوا بُيُوتَكُمْ»
حَدَّثَنَا يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلاتِكُمْ وَلا تَجْعَلُوهَا عَلَيْكُمْ قُبُورًا» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «لا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا»
حَدَّثَنَا يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا قَضَى أَحَدُكُمُ الصَّلاةَ فِي مَسْجِدٍ فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلاتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلاتِهِ خَيْرًا» ،
(1/81)
وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْحَدِيثُ، إِلا أَنَّهُ قَالَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ: «فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ مِنْ صَلاتِهِ فِي بَيْتِهِ نُورًا»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا تَتَّخِذُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، صَلُّوا فِيهَا»
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، أَخْبَرَنَا سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَفِرُّ مِنْ بَيْتٍ يُقْرَأُ فِيهِ الْبَقَرَةُ»
قَالَ: وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ قَيْسٍ: «مَا رَأَيْتُ عَبِيدَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، مُتَطَوِّعًا فِي مَسْجِدِ الْحَيِّ قَطُّ» ، وَعَنْ يَسِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: «مَا رَأَيْتُ رَبِيعَ بْنَ خَيْثَمٍ، مُتَطَوِّعًا فِي مَسْجِدِ الْحَيِّ قَطُّ إِلا مَرَّةً، وَكَانَ عَمْرٌو لا يَتَطَوَّعُ فِي الْمَسْجِدِ» ، وَعَنِ الأَعْمَشِ: «مَا رَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ يَتَطَوَّعُ فِي الْمَسْجِدِ» ، وَكَانَ الأَعْمَشُ لا يَتَطَوَّعُ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ: وَعَنْ مَعْمَرٍ: «رَأَيْتُ أَبَا إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيَّ وَكَانَ جَارًا لِمَسْجِدٍ لا يَخْرُجُ حَتَّى يَسْمَعَ الإِقَامَةَ وَرَأَيْتُ رِجَالا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ»
(1/82)
بَابُ تَعْجِيلِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ
عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " الْتَقَى مَلَكَانِ فِي صَلاةِ الْمَغْرِبِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اصْعَدْ بِنَا، فَقَالَ: إِنَّ صَاحِبِي لَمْ يُصَلِّ، قَالَ: فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ نَكْرَهُ أَنْ نُؤَخِرَ الْمَغْرِبَ "
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنِي زَيْدٌ الْعَمِّيُّ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «عَجِّلُوا الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُمَا تَرْفَعَانِ مَعَ الْمَكْتُوبَةِ»
قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ بِثَابِتٍ، وَقَدْ رُوِي عَنْ حُذَيْفَةَ، مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ خِلافِ هَذَا قَالَ: عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانُوا يُحِبُّونَ تَأْخِيرَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ حَتَّى كَانَ بَعْضُ النَّاسِ تَفْجَأُهُمُ الصَّلاةُ وَلَمْ يُصَلُّوهُمَا فَعَجَّلَهُمَا النَّاسُ» ، وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِثَابِتٍ قَالَ: وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِذَا صَلَّيْتَ الْمَغْرِبَ فَقُمْ لا يَشْغَلُكَ عَنْهُمَا شَيْءٌ حَتَّى تَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ حُشِكْتَ بِالنَّبْلِ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ، حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ مَكْحُولٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ بَلَغَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ كُتِبَتْ صَلاتُهُ فِي عِلِّيِّينَ»
قَالَ: وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ فَرْوَةَ: «مَنْ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ كَانَ كَعِدْلِ عُمْرَةٍ» قَالَ: وَعَنِ الأَوْزَاعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنَّهُ كَانَ: «يَسْتَحِبُّ تَعْجِيلَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ لِتَرْفَعْهُمَا الْمَلائِكَةُ، وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُؤَخَّرَا حَتَّى تَغِيبَ الشَّفَقُ»
(1/83)
بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " مَا أُحْصِي مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَالرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِـ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ "، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُحْيِي: لَوْ شَاءَ قَائِلٌ لَقَالَ مُسْنَدٌ، وَلَوْ شَاءَ قَائِلٌ لَقَالَ مُنْكَرٌ
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ آدَمَ، ثنا أَسْبَاطٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " رَمَقْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ لَيْلَةً أَوْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً أَوْ شَهْرًا فَلَمْ أَسْمَعْهُ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ إِلا بِـ: {قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] "
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ عِنْدِي لأَنَّ الْمَعْرُوفَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ رَوَى عَنْ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «كَانَ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ» ، وَقَالَ: تِلْكَ سَاعَةٌ لَمْ أَكُنْ أَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا قَالَ: وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ: " كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَقْرَءُوا فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ بِـ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَعَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: " اقْرَأْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِـ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ "، وَقَالَ عَطَاءٌ: " اقْرَأْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الْفَجْرِ وَالرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِـ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " -
(1/84)
بَابُ إِطَالَةِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقُمِّيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَيُطِيلُهُمَا حَتَّى يَكُونَ آخِرَ مِنْ يَخْرُجُ مِنَ الْمَسْجِدِ»
قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذَا مُنْقَطِعٌ، وَالأَحَادِيثُ الأُخَرُ: أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ أَثْبَتُ مِنْ هَذَا، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ قَدْ فَعَلَ هَذَا مَرَّةً
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، ثنا نَصْرُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ الْقُمِّيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ يُطِيلُهُمَا حَتَّى يَتَصَدَّعَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ»
(1/85)
بَابُ التَّرْغِيبِ فِي الصَّلاةِ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ سِوَى الرَّكْعَتَيْنِ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى رَحِمَهُ اللَّهُ: " كَانَ نَاسٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُصَلُّونَ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَنَزَلَتْ فِيهِمْ {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] " قَالَ: وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] ، قَالَ: «يُصَلُّونَ مَا بَيْنَ هَاتَيْنِ الصَّلاتَيْنِ» قَالَ: وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17] ، قَالَ: «كَانُوا يَتَيَقَّظُونَ فِيمَا بَيْنَهُمَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» قَالَ: وَكَانَ لأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ثَوْبَانِ إِذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ لَبِسَهُمَا فَلا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَائِمًا يُصَلِّي، قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا مَنْصُورُ بْنُ سُقَيْرٍ، ثنا عُمَارَةُ بْنُ زَاذَانَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} [المزمل: 6] ، قَالَ: «مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ "
قَالَ: وَعَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَأَبِي حَازِمٍ، قَالا: " {نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} [المزمل: 6] ، هِيَ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ، وَصَلاةِ الْعِشَاءِ، {هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا} [المزمل: 6] ، قَالا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] الآيَةَ، هِيَ صَلاةُ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَصَلاةِ الْعِشَاءِ، صَلاةُ الأَوَّابِينَ " قَالَ: وَعَنْ ثَابِتٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: أَمْسَيْتُ عِنْدَ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، صَائِمًا فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ الأَذَانَ، قَالَ لِي: «يَا ثَابِتُ لَعَلَّكَ مِمَّنْ يَنْظُرُ إِلَى الأَذَانِ هَذَا اللَّيْلَ، قَدْ جَاءَ وَحَلَّ الإِفْطَارُ فَأَفْطِرْ، ثُمَّ أَمَرَ مُؤَذِّنَهُ فَأَذَّنَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ» ، وَكَانَ يُصَلِّي مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَيَقُولُ: «هِيَ نَاشِئَةُ
(1/86)
اللَّيْلِ، حَتَّى إِذَا ظَنَنْتُ أَنَّ الشَّفَقَ قَدْ غَابَ» ، قَالَ: «أَيْنَ ثَابِتٌ؟» ، قُلْتُ: هُوَ ذَا، قَالَ: «أَلا تُصَلِّي؟» ، قُلْتُ: «بَلَى، فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ ثُمَّ أَقَامَ صَلاةَ الْعِشَاءِ، ثُمَّ أَوْتَرَ ثُمَّ دَخَلَ» قَالَ: وَعَنْ مَنْصُورٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي قَوْلِهِ: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران: 113] ، قَالَ: «بَلَغَنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» قَالَ: وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَيَّكُمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: سَأَلْتُ سُفْيَانَ، عَنِ الصَّلاةِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ أَمِنْ صَلاةِ اللَّيْلِ؟ فَقَالَ لِي: نَعَمْ قَالَ: وَرَأَيْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ كَثِيرًا يُصَلِّي مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَالَ: وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ يُصَلِّي مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا هَذِهِ الصَّلاةُ؟ قَالَ: " أَمَا سَمِعْتُمْ قَوْلَ اللَّهِ: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ} [المزمل: 6] ، فَهَذِهِ نَاشِئَةُ اللَّيْلِ "
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: قَالَ أَبِي، حَدَّثَنِي رَجُلٌ، قَالَ: سُئِلَ عُبَيْدٌ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَأْمُرُ بِصَلاةٍ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ثنا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي خَثْعَمٍ الْيَمَامِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ صَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْمَغْرِبِ لَمْ يَتَكَلَّمْ بَيْنَهُنَّ بِسُوءٍ عُدِلْنَ بعَبَادَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً»
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّنْعَانِيُّ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو أَيُّوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ غَزْوَانَ الدِّمَشْقِيُّ، ثنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: 27 سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْمَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ غُفِرَ لَهُ بِهَا ذُنُوبُ خَمْسِينَ سَنَةً»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيٌّ، وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالا: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ مَيْسَرَةَ بْنِ حَبِيبٍ النَّهْدِيِّ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ
(1/87)
حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَتْ لِي أُمِّي: مَتَى عَهْدُكَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقُلْتُ: مَالِي بِهِ عَهْدٌ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، فَنَالَتْ مِنِّي، قُلْتُ: فَإِنِّي آتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأُصَلِّي مَعَهُ وَيَسْتَغْفِرُ لِي وَلَكِ، فَأَتَيْتُهُ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ فَصَلَّى مَا بَيْنَهُمَا، ثُمَّ مَضَى وَتَبِعْتُهُ، فَقَالَ لِي: «مَنْ هَذَا» ؟ فَقُلْتُ: حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، فَقَالَ: «مَا جَاءَ بِكَ» ، فَأَخْبَرْتُهُ مَا قَالَتْ لِي أُمِّي، فَقَالَ: «غَفَرَ اللَّهُ لَكَ وَلأُمِّكَ»
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ رَحِمَهُ اللَّهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَلَّى مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَإِنَّهَا مِنْ صَلاةِ الأَوَّابِينَ»
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «صَلاةُ الأَوَّابِينَ الْخَلْوَةُ الَّتِي بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ حَتَّى يَثُوبَ النَّاسُ إِلَى الصَّلاةِ»
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحَجَّاجِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الْكَرِيمِ بْنَ الْحَارِثِ، يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ رَكَعَ عَشْرَ رَكَعَاتٍ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بُنِيَ لَهُ قَصْرٌ فِي الْجَنَّةِ» ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِذًا تَكْثُرُ قُصُورُنَا أَوْ بُيُوتُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُ أَكْثَرُ وَأَطْيَبُ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الْمَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنِي مَعْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُصَلِّي بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، وَقَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهِنَّ»
قَالَ: وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «مَنْ أَدْمَنَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْمَغْرِبِ كَانَ كَمَا تَعَقَّبَ غَزْوَةً بَعْدَ غَزْوَةٍ» قَالَ: وَعَنِ أَبِي مَعْمَرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَخْبَرَةَ، قَالَ: «كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْمَغْرِبِ» قَالَ: وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: «كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ» قَالَ: وَعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ: «إِذَا صَلَّيْتَ الْمَغْرِبَ فَقُمْ فَصَلِّ صَلاةَ رَجُلٍ لا يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَإِنْ رُزِقْتَ مِنَ اللَّيْلِ قِيَامًا كَانَ خَيْرًا رُزِقْتَهُ، وَإِنْ لَمْ تُرْزَقْ قِيَامًا كُنْتَ قَدْ قُمْتَ أَوَّلَ اللَّيْلِ»
(1/88)
قَالَ: وَعَنِ الأَسْوَدِ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَا أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي تِلْكَ السَّاعَةِ إِلا وَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فَقُلْتُ لَهُ: فِي ذَلِكَ، قَالَ: «نِعْمَ سَاعَةُ الْغَفْلَةِ يَعْنِي بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ» قَالَ: وَعَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ: " بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا عُثْمَانَ كَانَ يُصَلِّي بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مِائَتَيْ رَكْعَةٍ فَأَتَيْتُهُ فَجَلَسْتُ نَاحِيَةً وَهُوَ يُصَلِّي فَجَعَلْتُ أَعُدُّ ثُمَّ قُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ الْغَبْنُ، ثُمَّ قُمْتُ فَجَعَلْتُ أُصَلِّي مَعَهُ " قَالَ: وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ: «رَأَيْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُصَلِّي مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَإِذَا نَعَسَ تَنَحَّى عَنْ مَكَانِهِ إِلَى النَّاحِيَةِ الأُخْرَى» قَالَ: وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ رَحِمَهُ اللَّهُ: «مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ صَلاةُ الْغَفْلَةِ»
قَالَ: وَقَالَ إِسْرَائِيلُ: حَدَّثَنِي ثُوَيْرٌ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، الْمَسْجِدَ فَرَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الصَّلاةُ؟ قَالُوا: صَلاةُ الْغَفْلَةِ، قَالَ: «فِي الْغَفْلَةِ وَقَعْتُمْ» فَنَهَى عَنْهَا
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ، وَضَعَّفَ ثُوَيْرًا
(1/89)
بَابُ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ
حَدَّثَنَا يَحْيَى، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، تَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُصَلِّي بَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ»
قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، وَعَنْ ثُوَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ: «رَأَيْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يُصَلِّي بَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ» قَالَ: وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: «كَانَ تَطَوُّعُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، الَّذِي لا يَكَادُ يَدَعُهُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَأَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «وَكَانَ لا يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ، وَلا بَعْدَهَا شَيْئًا» قَالَ: وَعَنِ النَّخَعِيِّ: «أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ مِنَ السُّنَّةِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا سُنَّةٌ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ سُنَّةٌ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ سُنَّةٌ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الصُّبْحِ سُنَّةٌ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: كَانُوا يَعُدُّونَ مِنَ السُّنَّةِ فَذَكَرَهُ
بَابُ رُكُوعِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْبَيْتِ
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ»
حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الأَنْصَارِيُّ، ثنا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، ثنا ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ، وَالرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَالرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي بَيْتِهِ»
(1/90)
بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْرَأَ فِيهِمَا
عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " مَا رَأَى رَجُلا وُلِدَ فِي الإِسْلامِ وَأَدْرَكَ عَقْلَهُ الإِسْلامُ يَبِيتُ أَبَدًا حَتَّى يَقْرَأَ هَذِهِ الآيَةُ {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] ، لَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِيهَا إِنَّمَا أُعْطِيهَا نَبِيُّكُمْ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ وَلَمْ يُعْطِهَا أَحَدٌ قَبْلَ نَبِيِّكُمْ "، ثُمَّ قَالَ: مَا بِتُّ لَيْلَةً حَتَّى أَقْرَأُهَا ثَلاثٍ مَرَّاتٍ أَقْرَأُهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ، وَفِي وِتْرِي، وَحِينَ آخُذُ مَضْجَعِي مِنْ فِرَاشِي " قَالَ: وَعَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَلَّةَ: «أَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ للَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» قَالَ: وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ: " كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَقْرَءُوا فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ {آمَنَ الرَّسُولُ} [البقرة: 285] وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " -
(1/91)
بَابُ الأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ بَشِيرٍ الْعِجْلِيِّ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: «لَمْ يَكُنْ مِنَ الصَّلاةِ شَيْءٌ أَحْرَى أَنْ يُؤَخِّرَهَا إِذَا كَانَ عَلَى حَدِيثٍ مِنْ صَلاةِ الْعِشَاءِ، وَمَا صَلاهَا قَطُّ فَدَخَلَ عَلَيَّ إِلا صَلَّى بَعْدَهَا أَرْبَعًا أَوْ سِتًّا، وَمَا رَأَيْتُهُ مُتَّقِيًا الأَرْضَ بِشَيْءٍ قَطُّ»
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، ثنا أَبِي، ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كُنْتُ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ فَلَمَّا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَتَمَةَ جَاءَ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ فَرُّوخَ، حَدَّثَنِي أَبُو فَرْوَةَ، عَنْ سَالِمٍ الأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، يَرْفَعُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ خَلْفَ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ قَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ: قُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَفِي الأُخْرَيَيْنِ: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَالم تَنْزِيلُ، كُتِبْنَ لَهُ كَأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ "
قَالَ: وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كُنَّ كَعِدْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ» قَالَ: وَعَنْ عَلْقَمَةَ، وَالأَسْوَدِ، وَمُجَاهِدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ: «مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا بَعْدَ الْعِشَاءِ كُنَّ كَمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَوْ يَعْدِلْنَ بِمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَوْ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ» قَالَ: وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ: «كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، يُصَلِّي بَعْدَ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَأُكَلِّمُهُ فَمَا يُرَاجِعُنِي الْكَلامَ» وَعَنْ كَعْبٍ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ، وَصَلَّى بَعْدَهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يُحْسِنُ رُكُوعَهُنَّ وَسُجُودَهُنَّ، وَيَعْلَمُ مَا يَقْتَرِئُ فِيهِنَّ كُنَّ لَهُ بِمَنْزِلَةِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ» -
(1/92)
بَابُ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ قِيَامُهَا وَيُرْجَى إِجَابَةُ الدُّعَاءِ فِيهَا
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا عَوْفٌ، حَدَّثَنِي مُهَاجِرٌ أَوْ مَخْلَدٌ، حَدَّثَنِي أَبُو الْعَالِيَةِ، حَدَّثَنِي أَبُو مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي أَبُو ذَرٍّ، أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ صَلاةِ اللَّيْلِ أَفْضَلُ؟ ، فَقَالَ: «نِصْفُ اللَّيْلِ أَوْ جَوْفُ اللَّيْلِ وَقَلِيلٌ فَاعِلُهُ»
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ نَصْرٍ الْخَوْلانِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، ثني أَبُو يَحْيَى، وَضَمْرَةُ بْنُ حَبِيبٍ، وَأَبُو طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَقَالَ لِي: «إِنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ الْعَبْدِ جَوْفَ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَافْعَلْ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ مِنْ سَاعَاتِ اللَّيْلِ سَاعَةٌ أَفْضَلُ مِنْ سَاعَةٍ أُخْرَى؟ قَالَ: «جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِرِ» قَالَ: وَفِي أُخْرَى: أَيُّ اللَّيْلِ أَسْمَعُ دَعْوَةً؟ قَالَ: «جَوْفُ اللَّيْلِ الأَوْسَطِ» قَالَ: وَفِي لَفْظٍ قَالَ: «جَوْفُ اللَّيْلِ الآخَرِ أَجْوَبُهُ دَعْوَةً» قَالَ: وَفِي أُخْرَى: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سُئِلَ: أَيُّ السَّاعَاتِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «جَوْفُ اللَّيْلِ الْغَابِرِ، ثُمَّ الصَّلاةُ مَكْتُوبَةٌ مَشْهُودَةٌ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ، فَإِذَا انْفَجَرَ الْفَجْرُ فَأَمْسِكْ عَنِ الصَّلاةِ إِلا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى تُصَلِّيَ الْفَجْرَ»
قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَكَعْبِ بْنِ مُرَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَسُئِلَ أَبُو ذَرٍّ: أَيُّ اللَّيْلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: " جَوْفُ اللَّيْلِ الأَوْسَطِ، قِيلَ: وَمَنْ يُطِيقُ ذَاكَ؟ قَالَ: مَنْ خَافَ أَدْلَجَ "
(1/93)
حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الأَغَرِّ، وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ "، قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: " إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ فَيَنْزِلُ، وَفِي أُخْرَى: حَتَّى يَذْهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ، وَفِي لَفْظٍ: يَنْزِلُ اللَّهُ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا نِصْفَ اللَّيْلِ الآخِرِ أَوْ لَثُلُثِ اللَّيْلِ الآخِرِ، وَفِي آخَرَ: إِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ "
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي زِيَادَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ فِي ثَلاثِ سَاعَاتٍ يَبْقَيْنَ مِنَ اللَّيْلِ، يَفْتَحُ الذِّكْرَ فِي السَّاعَةِ الأُولَى مِنْهَا، يَرَى الذِّكْرَ الَّذِي لَمْ يَرَهْ أَحَدٌ غَيْرُهُ، فَيَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ، ثُمَّ يَنْزِلُ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى جَنَّةِ عَدْنٍ، وَهِيَ دَارُهُ الَّتِي لَمْ تَرَهَا عَيْنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ثُمَّ يَقُولُ: طُوبَى لِمَنْ دَخَلَكِ، ثُمَّ يَنْزِلُ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِرُوحِهِ وَمَلائِكَتِهِ فَتَنْقَضُّ، فَيَقُولُ: قَوْمِي بِعِزَّتِي، ثُمَّ يَطْلُعُ إِلَى عِبَادِهِ، فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ أَغْفِرْ لَهُ؟ وَهَلْ مِنْ دَاعٍ أُجِيبُهُ؟ حَتَّى يَكُونَ صَلاةُ الْفَجْرِ فَلِذَلِكَ، يَقُولُ: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] ، فَيَشْهَدُ اللَّهُ وَمَلائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلائِكَةُ النَّهَارِ "
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «فِي اللَّيْلِ سَاعَةٌ لا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلا أَعْطَاهُ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَ: سَأَلْتُهَا عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: «كَانَ يَرْقُدُ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ آخِرَهُ»
(1/94)
وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ لِيَضْحَكُ إِلَى رَجُلٍ قَامَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَأَهْلُهُ نِيَامٌ لا يَرَاهُ إِلا اللَّهُ فَتَطَهَّرَ، وَذَكَرَ اللَّهَ، وَصَلَّى، فَيَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا لَوْ شَاءَ أَنْ يَنَامَ كَمَا نَامَ أَهْلُهُ فَيَضْحَكُ اللَّهُ إِلَيْهِ "
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، سَمِعْتُ الطُّفَيْلَ بْنَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا ذَهَبَ رُبُعُ اللَّيْلِ قَامَ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اذْكُرُوا اللَّهَ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ» ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاةَ عَلَيْكَ أَفَأَجْعَلُ ثُلُثَ عَمَلِي صَلاةً عَلَيْكَ؟ قَالَ: «مَا شِئْتَ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ» ، قُلْتُ: فَنِصْفُ عَمَلِي؟ قَالَ: «مَا شِئْتَ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ» ، قُلْتُ: فَثُلُثَيْ عَمَلِي؟ قَالَ: «مَا شِئْتَ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ» ، قُلْتُ: فَعَمَلِي كُلُّهُ؟ قَالَ: «إِذًا تُكْفَى مَا أَهَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ حَسَّانِ بْنِ عَطِيَّةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَرَكْعَتَيْنِ يَرْكَعُهُمَا ابْنُ آدَمَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ، خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَفَرَضْتُهُمَا عَلَيْهِمْ»
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ عَمْرَو بْنَ أُوَيْسٍ، يَقُولُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى اللَّهِ صَلاةُ دَاوُدَ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ»
قَالَ: وَعَنْ فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ، قَالَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلامُ: أَيْ رَبِّ أَيُّ السَّاعَاتِ أَقُومُ لَكَ فَأَوْحَى إِلَيْهِ: نِصْفُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ إِذَا نَامَ الْقَانِتُونَ وَلَمْ يَقُمِ الْمُتَهَجِّدُونَ وَالْمُسْتَغْفِرُونَ،
(1/95)
قَالَ فَرْقَدٌ: فَعِنْدَ ذَلِكَ يَنْظُرُ إِلَيْكَ بِرَحْمَتِهِ إِنْ شَاءَ قَالَ: وَسُئِلَ الْحَسَنُ: أَيُّ الْقِيَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: " جَوْفُ اللَّيْلِ الْغَابِرُ إِذَا نَامَ مَنْ قَامَ مِنْ أَوَّلِهِ، وَلَمْ يَقُمْ بَعْدُ مَنْ يَتَهَجَّدُ فِي آخِرِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ نُزُولُ الرَّحْمَةِ وَحُلُولُ الْمَغْفِرَةِ، فَلَمَّا سَمِعَ هَذَا مِسْمَعُ بْنُ عَاصِمٍ بَكَى، وَقَالَ: إِلَهِي فِي كُلِّ سَبِيلٍ يَبْتَغِي الْمُؤْمِنُ رِضْوَانَكَ "
بَابُ الاسْتِغْفَارِ بِالأَسْحَارِ وَالصَّلاةِ فِيهَا
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 18] ، وَقَالَ: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} [آل عمران: 17] قَالَ: عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، كَانَ يُحْيِ اللَّيْلَ صَلاةً ثُمَّ يَقُولُ: " يَا نَافِعُ أَأَسْحَرْنَا، فَأَقُولُ: لا فَيُعَاوِدُ الصَّلاةَ، فَإِذَا قُلْتُ: نَعَمْ، قَعَدَ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَدْعُو حَتَّى يُصْبِحَ " قَالَ: وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَمُجَاهِدٍ: {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 18] ، قَالا: «يُصَلُّونَ» قَالَ: وَعَنِ الضَّحَّاكِ: «يَقُومُونَ فَيُصَلُّونَ» قَالَ: وَعَنْ قَتَادَةَ: «هُمْ أَهُلُ الصَّلاةِ» قَالَ: وَعَنِ الْحَسَنِ {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17] ، كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَرْقُدُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، قَالَ: «مَدُّوا الصَّلاةَ إِلَى السَّحَرِ، ثُمَّ دَعُوا وَتَضَرَّعُوا» قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: «مَدُّوا الْعَقِبَ مِنَ اللَّيْلِ فَكَانَ الاسْتِغْفَارُ فِي السَّحَرِ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ» قَالَ: وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: «الَّذِينَ يَشْهَدُونَ صَلاةَ الصُّبْحِ» قَالَ: وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّهُ يُنَادِي مُنَادٍ كُلَّ سَحْرَةٍ مِنَ السَّمَاءِ مَنْ سَائِلٌ يُعْطَى مَنْ دَاعٍ يُجَابُ، أَوْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ، فَيَسْمَعُهُ مَنْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلا الْجِنَّ وَالإِنْسَ أَفَلا تَرَى الدِّيكَةَ وَأَشْبَاهِهَا مِنَ الدَّوَابِّ تَصِيحُ تِلْكَ السَّاعَةِ؟» قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَخْرُجُ مِنْ نَاحِيَةِ دَارِهِ مُسْتَخْفِيًا، وَيَقُولُ " اللَّهُمَّ دَعَوْتَنِي فَأَجَبْتُكَ، وَأَمَرْتَنِي فَأَطَعْتُكَ، وَهَذَا السَّحَرُ فَاغْفِرْ لِي فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ قَوْلَكَ وَهَذَا السَّحَرُ فَاغْفِرْ لِي؟ فَقَالَ: إِنَّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ حِينَ سَوَّفَ بَنِيهِ أَخَرَّهُمْ إِلَى السَّحَرِ " قَالَ: وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، فِي قَوْلِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ لِبَنِيهِ: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ} [يوسف: 98] ، قَالَ: «أَخَّرَهُمْ إِلَى السَّحَرِ»
(1/96)
قَالَ: وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: " رَصَدْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَيْلَةً فَخَرَجَ إِلَى الْبَقِيعِ وَذَلِكَ فِي السَّحَرِ فَاتَّبَعْتُهُ فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْبَقِيعِ، فَصَلَّى ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ كَبُرَتْ سِنِّي وَضَعُفَتْ قُوَّتِي وَخَشِيتُ الانْتِشَارَ مِنْ رَعِيَّتِي، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ عَاجِزٍ وَلا مَلُومٍ، فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُهَا حَتَّى أَصْبَحَ»
قَالَ: وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، صَفْوَ كُلِّ قَبِيلَةٍ أَنَا وَثَابِتٌ الْبَنَانِيُّ، وَيَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ، وَزِيَادُ النُّمَيْرِيُّ، وَأَشْبَاهُنَا فَنَظَرَ إِلَيْنَا، وَقَالَ: «وَاللَّهِ لأَنْتُمْ أَحَبُّ إِلِيَّ مِنْ عِدَّةِ وَلَدَيَّ إِلا أَنْ يَكُونُوا فِي الْفَضْلِ مِثْلُكُمْ وَإِنِّي لأَدْعُو لَكُمْ بِالأَسْحَارِ» قَالَ: وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ حَابِسُ بْنُ سَعْدٍ، مِنَ السَّحَرِ فَرَأَى النَّاسَ يُصَلُّونَ فِي مُقَدِّمِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: «مُرَاءُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ازْعِبُوهُمْ، فَمَنْ أَزْعَبَهُمْ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» ، فَأَتَاهُمُ النَّاسُ فَأَخْرَجُوهُمْ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمَلائِكَةَ تُصَلِّي مِنَ السَّحَرِ فِي مُقَدِّمِ الْمَسْجِدِ» قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: «قَاتَلَهُمُ النَّاسُ فَأَخْرَجُوهُمْ» قَالَ: وَعَنْ نَافِعِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: " أَقْفَلْنَا مَعَ هَرَمِ بْنِ حَيَّانَ، مِنْ خُرَاسَانَ حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ تَمَثَّلْتُ لَيْلَةً سَحَرًا بِبَيْتٍ مِنَ الشِّعْرِ، فَرَفَعَ هَرَمُ بْنُ حَيَّانَ عَلَيَّ السَّوْطَ فَجَلَدَنِي جَلْدَةَ الْتَوَيْتُ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ لِي: أَفِي هَذِهِ السَّاعَةِ الَّتِي فِيهَا الرَّحْمَةُ وَيُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ تَمَثَّلَ بِالشِّعْرِ؟ " قَالَ: وَعَنِ الْجَرِيرِيِّ، قَالَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلامُ: " يَا جِبْرَئِيلُ أَيُّ اللَّيْلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: مَا أَدْرِي غَيْرَ أَنَّ الْعَرْشَ يَعْتَزُّ مِنَ السَّحَرِ " قَالَ: وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، قَالَ: «إِذَا كَانَ مِنَ السَّحَرِ أَلا تَرَى كَيْفَ يَفُوحُ رِيحُ كُلِّ شَجَرٍ؟» قَالَ: وَقَالَ سَيَّارُ: قُلْتُ: لِبَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ: يَا أَبَا يَحْيَى: " أَكَانَ أَبُوكَ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ مِنَ اللَّيْلِ؟ قَالَ: نَعَمْ جَهِرَا شَدِيدًا، وَكَانَ يَقُومُ مِنَ السَّحَرِ الأَعْلَى "
قَالَ: وَقَالَ حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ الصَّنْعَانِيُّ، عَنْ أَبِي هِشَامٍ: " يُنَادِي مُنَادٍ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ: أَيْنَ الْعَابِدُونَ؟ قَالَ: فَيَقُومُ أُنَاسٌ فَيُصَلُّونَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، ثُمَّ يَأْتِي وَسَطَ اللَّيْلِ فيَقُولُ: أَيْنَ الْقَانِتُونَ؟ فَيَقُومُ نَاسٌ فَيُصَلُّونَ لِلَّهِ فِي وَسَطِ اللَّيْلِ، ثُمَّ يَأْتِي بِالسَّحَرِ، فَيَقُولُ: أَيْنَ الْعَامِلُونَ؟ قَالَ: هُمُ الْمُسْتَغْفِرُونَ بِالأَسْحَارِ "
(1/97)
قَالَ: وَعَنْ سُفْيَانَ: " بَلَغَنَا أَنَّهُ إِذَا كَانَ أَوَّلُ اللَّيْلِ نَادَى مُنَادٍ: أَلا لِيَقُمِ الْعَابِدُونَ، قَالَ: فَيَقُومُونَ فَيُصَلُّونَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُنَادِي ذَاكَ أَوْ غَيْرُهُ فِي وَسَطِ اللَّيْلِ: أَلا لِيَقُمِ الْقَانِتُونَ؟ قَالَ: فَيَقُومُونَ كَذَلِكَ يُصَلُّونَ إِلَى السَّحَرِ، قَالَ: فَإِذَا كَانَ السَّحَرُ نَادَى مُنَادٍ: أَيْنَ الْمُسْتَغْفِرُونَ؟ قَالَ: فَيَسْتَغْفِرُ أُولَئِكَ، وَيَقُومُ آخَرُونَ يُسَبِّحُونَ يَعْنِي يُصَلُّونَ، قَالَ: فَيَلْحَقُونَهُمْ فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَأَسْفَرَ نَادَى مُنَادٍ: أَلا لِيَقُمِ الْغَافِلُونَ؟ قَالَ: فَيَقُومُونَ مِنْ فُرُشِهِمْ كَالْمَوْتَى نُشِرُوا مِنُ قُبُورِهِمْ " قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ: «تَرَاهُ كَسْلانَ ضَجِرًا قَدْ بَاتَ لَيْلَةً جِيفَةً عَلَى فِرَاشِهِ وَأَصْبَحَ نَهَارُهُ يَحْتَطِبُ عَلَى نَفْسِهِ لَعِبًا وَلَهْوًا، وَتَرَى صَاحِبَ اللَّيْلَ مُنْكَسِرَ الطَّرْفِ فَرِحَ الْقَلْبِ» قَالَ: وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ: «كُنْتُ أَخْرُجُ مِنَ السَّحَرِ إِلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلا أَمُرُّ بِبَيْتٍ إِلا وَفِيهِ قَارِئٌ»
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، ثنا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، ثنا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: «كُنَّا نُؤْمَرُ إِذَا صَلَّيْنَا مِنَ اللَّيْلِ أَنْ نَسْتَغْفِرَ مِنَ السَّحَرِ سَبْعِينَ مَرَّةً» قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: أُمِرْنَا أَنْ نَسْتَغْفِرَ اللَّهَ بِالسَّحَرِيَّاتِ سَبْعِينَ مَرَّةً
حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الأَنْصَارِيُّ إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مُصْعَبٍ الْقُرَشِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَكْثَرَ الاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًّا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ»
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثنا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الْغَفُورُ، أَوِ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ»
(1/98)
حَدَّثَنَا أَبُو قُدَامَةَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، ثنا ابْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ كَعْبٍ الْعَدَوِيِّ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدُكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِالنِّعْمَةِ، وَأَبُوءُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ "
قَالَ: وَكَانَ خَلِيفَةُ الْعَبْدِيُّ، يَقُومُ إِذَا هَدَأَتِ الْعُيُونُ، فَيَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِلَيْكَ قُمْتُ أَبْتَغِي مَا عِنْدَكَ مِنَ الْخَيْرَاتِ، ثُمَّ يَعْمَدُ إِلَى مِحْرَابِهِ فَلا يَزَالُ يُصَلِّي حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، وَكَانَ يَدْعُو فِي السَّحَرِ، يَقُولُ: هَبْ لِي إِنَابَةَ أَخْبَاتٍ، وَأَخْبَاتِ مُنِيبٍ، وَزَيِّنِّي فِي خَلْقِكَ بِطَاعَتِكَ، وَحَسِّنِّي لَدَيْكَ بِحُسْنِ خِدْمَتِكَ، وَأَكْرِمْنِي إِذَا وَفَدَ إِلَيْكَ الْمُتَّقُونَ، فَأَنْتَ خَيْرُ مَسْئُولٍ، وَخَيْرُ معَبُّودٍ، وَخَيْرُ مَشْكُورٍ، وَخَيْرُ مَحْمُودٍ، وَكَانَ إِذَا دَعَا فِي السَّحَرِ، يَقُولُ: قَامَ الْبَطَّالُونَ وَقُمْتُ مَعَهُمْ، قُمْنَا إِلَيْكَ وَنَحْنُ مُتَعَرِّضُونَ لِجُودِكَ، فَكَمْ مِنْ ذِي جُرْمٍ قَدْ صَفَحْتَ لَهُ عَنْ جُرْمِهِ، وَكَمْ مِنْ ذِي كَرِبٍ عَظِيمٍ قَدْ فَرَّجْتَ لَهُ عَنْ كَرَبِهِ، وَكَمْ مِنْ ذِي ضُرٍّ كَبِيرٍ قَدْ كَشَفْتَ لَهُ عَنْ ضُرِّهِ، فَبِعِزَّتِكَ مَا دَعَانَا إِلَى مَسْأَلَتِكَ بَعْدَ مَا انْطَوَيْنَا عَلَيْهِ مِنْ مَعْصِيَتِكَ إِلا الَّذِي عَرَّفْتَنَا مِنْ جُودِكَ وَكَرَمِكَ فَأَنْتَ الْمُؤَمَّلُ لِكُلِّ خَيْرٍ وَالْمَرْجُوُّ عِنْدَ كُلِّ نَائِبَةٍ "، قَالَ: وَقَالَ رَجَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ الْعَبْدِيُّ: كُنَّا مَعَ عَجْرَدَةَ الْعَمِيَّةَ، فِي الدَّارِ فَكَانَتْ تُحْيِي اللَّيْلَ صَلاةً، وَقَالَ: رُبَّمَا تَقُومُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى السَّحَرِ، فَإِذَا كَانَ السَّحَرُ نادَتْ بِصَوْتٍ مَحْزُونٍ: «إِلَيْكَ قَطَعَ الْعَابِدُونَ دُجَى اللَّيَالِي بِتَبْكِيرِ الدَّلَجِ إِلَى ظُلَمِ الأَسْحَارِ، يَسْتَبِقُونَ إِلَى رَحْمَتِكَ وَفَضْلِ مَغْفِرَتِكَ، فَبِكَ إِلَهِيَ لا بِغَيْرِكَ أَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَنِيَ فِي أَوَّلِ زُمْرَةِ السَّابِقِينَ، وَأَنْ تَرْفَعَنِي إِلَيْكَ فِي دَرَجَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَأَنْ تُلْحِقَنِي بِعِبَادِكَ الصَّالِحِينَ، فَأَنْتَ أَكْرَمُ الْكُرَمَاءِ، وَأَرْحَمُ الرُّحَمَاءِ، وَأَعْظَمُ الْعُظَمَاءِ، يَا كَرِيمُ» ، قَالَ: ثُمَّ تَخِرُّ سَاجِدَةً نَسْمَعُ وَجْبَةَ سَقْطَتِهَا، فَلا تَزَالُ تَبْكِي وَتَدْعُو فِي سُجُودِهَا حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، وَكَانَ ذَلِكَ دَأْبُهَا ثَلاثِينَ سَنَةً، رَحِمَهَا اللَّهُ تَعَالَى
(1/99)
بَابُ إِيقَاظِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ وَمَنْ يَلِيهِ وَالْمَرْأَةِ زَوْجَهَا لِقِيَامِ اللَّيْلِ
قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، ثنا ابْنُ عَجْلانَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ وَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ» قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيُوقِظْ أَهْلَهُ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَيْقِظْ فَلْيَنْضَحْ عَلَى وَجْهِهَا الْمَاءَ» قَالَ: وَفِي أُخْرَى: «مَنِ اسْتَيْقَظَ وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا كُتِبَا مِنَ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ، أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَخْبَرَهُ أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً، فَقَالَ: «أَلا تُصَلِّيَانِ؟» ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا، فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْتُ ذَلِكَ وَلَمْ يُرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَيَقُولُ: " {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا} [الكهف: 54] "
قَالَ: وَعَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، بَلَغَنَا: «أَنَّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ جَزَّأَ عَلَى أَهْلِ بُيُوتِهِ الصَّلاةَ، فَلَمْ تَكُنْ تَأْتِي سَاعَةٌ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إِلا وَإِنْسَانٌ مِنْ آلِ دَاوُدَ قَائِمٌ يُصَلِّي» قَالَ: وَعَنْ مُجَاهِدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَمَّا نَزَلَتِ: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} [سبأ: 13] ، قَالَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلامُ، لِسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلامُ: " إِنَّ اللَّهَ قَدْ ذَكَرَ الشُّكْرَ، فَاكْفِنِي قِيَامَ النَّهَارِ وَأَكْفِيكَ قِيَامَ اللَّيْلِ، قَالَ: لا أَسْتَطِيعُ، قَالَ: فَاكْفِنِي إِلَى صَلاةِ الظُّهْرِ فَكَفَاهُ "
(1/100)
قَالَ: وَعَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: " لَمَّا نَزَلَتِ: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} [سبأ: 13] ، اعْتَقَبُوا اللَّيْلَ فَكُنْتَ لا تَرَى مِنْهُمْ إِلا مُصَلِّيًا "
قَالَ: وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُصَلِّيَ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أَيْقَظَ أَهْلَهُ لِلصَّلاةِ، يَقُولُ لَهُمْ: " الصَّلاةَ، الصَّلاةَ، ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الآيَةِ: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132] "، قَالَ: وَأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حُصِرَ حَصْرًا شَدِيدًا وَتَأَلَّبَ عَلَيْهِ الْعَدُوُّ حَتَّى اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَرُبَّمَا لَمْ يُقِلْ، فَنَقُولُ: " لا يَقُومُ اللَّيْلَةَ كَمَا كَانَ يَقُومُ فَيَكُونُ أَبِكْرَ مَا يَكُونُ قِيَامًا فَكَانَ إِذَا انْصَرَفَ يَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةِ: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ} [طه: 132] "
قَالَ: قَالَ أَسْلَمُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَكُنْتُ أَتَيْتُ عِنْدَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَا وَيَرْفَأُ، فَيَقُولُ: «قُومَا فَصَلِّيَا فَوَاللَّهِ مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُصَلِّيَ وَلا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرْقُدَ، وَإِنِّي لأَفْتَتِحُ السُّورَةَ فَمَا أَدْرِي فِي أَوَّلِهَا أَوْ فِي آخِرِهَا مِنْ هَمِّي بِالنَّاسِ»
قَالَ: وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ: «تَضَيَّفْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، سَبْعًا فَكَانَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَخَادِمُهُ يَتَعَقَّبُونَ اللَّيْلَ أَثْلاثًا» قَالَ: وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «جَزَأْتُ اللَّيْلَ ثَلاثَةَ أَجْزَاءٍ، أُصَلِّي ثُلُثًا، وَأَنَامُ ثُلُثًا، وَأَتَذَكَّرُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُلُثًا» قَالَ: وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: «قَسَمْتُ اللَّيْلَ ثَلاثَةَ أَثْلاثٍ، أُصَلِّي ثُلُثًا، وَأَنَامُ ثُلُثًا، وَثُلُثًا أُحَدِّثُ» قَالَ: وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: كَانَ أَبِي يَأْمُرُ نِسَاءَهُ وَخَدَمَهُ وَبَنَاتِهِ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، وَيَقُولُ: «صَلُّوا وَلَوْ رَكْعَتَيْنِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَإِنَّ الصَّلاةَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ تَحُطُّ الأَوْزَارَ وَهِيَ مِنْ أَشْرَفِ أَعْمَالِ الصَّالِحِينَ»
(1/101)
قَالَ: وَعَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمَّازٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: " كَانَتْ لِيَ امْرَأَةٌ لا تَنَامُ اللَّيْلَ، كُنْتُ لا أَصْبِرُ مَعَهَا عَلَى السَّهَرِ فَكُنْتُ إِذَا نَعَسْتُ تَرُشُّ عَلَيَّ الْمَاءَ فِي أَثْقَلِ مَا أَكُونُ مِنَ النَّوْمِ وَتُنَبِّهُنِي بِرِجْلِهَا، وَتَقُولُ: أَمَا تَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ إِلَى كَمْ هَذَا الْغَطِيطُ؟ فَوَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لأَسْتَحْيِي مِمَّا تَصْنَعُ " قَالَ: وَكَانَتْ بِالْبَصْرَةِ امْرَأَةٌ إِذَا جَنَّهَا اللَّيْلُ وَنَامَ كُلُّ ذِي عَيْنٍ تَخِرُّ سَاجِدَةً وَتُنَادِي فِي سُجُودِهَا: «يَا رَبِّ أَمَا لَكَ عَذَابٌ تُعَذِّبُ بِهِ إِلا النَّارَ فَلا تَزِيدُ عَلَيْهِ حَتَّى تُصْبِحَ» قَالَ: وَكَانَتْ بِالْيَمَنِ امْرَأَةٌ عَابِدَةٌ إِذَا أَمْسَتْ، تَقُولُ: يَا نَفْسُ: " اللَّيْلَةُ لَيْلَتُكِ قَوْمِي فَتَعَبَّدِي لَعَلَّهُ لا تَكُونُ لَكِ لَيْلَةٌ سِوَاهَا، فَتُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ، فَإِذَا أَصْبَحَتْ تَقُولُ: يَا نَفْسُ، الْيَوْمُ يَوْمُكِ، قَوْمِي فَتَعَبَّدِي وَاجْتَهِدِي لَعَلَّهُ لا يَكُونُ لَكِ يَوْمٌ غَيْرَهُ فَتَصُومُ وَتَعْبُدْ فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ حَالُهَا سِتِّينَ سَنَةً أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ " -
(1/102)
بَابُ مَا يُعَاقَبُ بِهِ تَارِكُ قِيَامِ اللَّيْلِ
حَدَّثَنَا يَحْيَى، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَجُلٌ نَامَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ فَقَالَ: «ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ»
حَدَّثَنَا يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِاللَّيْلِ حَبْلٌ فِيهِ ثَلاثُ عُقَدٍ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِذَا قَامَ فَتَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا، فَيُصْبِحُ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، فَإِذًا قَدْ أَصَابَ خَيْرًا، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَصْبَحَ كَسْلانَ خَبِيثَ النَّفْسِ لَمْ يُصِبْ خَيْرًا» قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا نَامَ ثَلاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ، عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَيُصْبِحُ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ» ، قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «حَسْبُ الرَّجُلِ مِنَ الْخَيْبَةِ، أَوْ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَنَامَ لَيْلَةً حَتَّى يُصْبِحَ، وَقَدْ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ لَيْلَةً حَتَّى يُصْبِحَ» قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: «وَالَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ لا يَنَامُ الرَّجُلُ لَيْلَةً إِلَى الصَّبَاحِ لا يَذْكُرُ اللَّهَ إِلا بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ» قَالَ: وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «مَنْ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ وِتْرٍ أَصْبَحَ عَلَى رَأْسِهِ جَرِيرٌ قَدْرَ سَبْعِينَ ذِرَاعًا»
(1/103)
بَابُ الاسْتِعَانَةِ بِقَائِلَةِ النَّهَارِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ
حَدَّثَنَا يَحْيَى، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «اسْتَعِينُوا بِقَائِلَةِ النَّهَارِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ، وَبِأَكْلَةِ السَّحَرِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ»
قَالَ: وَمَرَّ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ، بِقَوْمٍ فِي السُّوقِ فَرَأَى مِنْهُمْ مَارًّا، فَقَالَ: أَمَا يَقِيلُ هَؤُلاءِ؟ قَالُوا: لا، قَالَ: «إِنِّي لأَرَى لَيْلَهُمْ لَيْلَ سُوءٍ» قَالَ: وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، قَالَ: «الْقَائِلَةُ مِنْ عَمِلَ أَهْلِ الْخَيْرِ، وَهِيَ مَجَمَّةٌ لِلْفُؤَادِ مِقْوَاةٌ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ» قَالَ: وَعَنْ مُجَاهِدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: بَلَغَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ عَامِلا لَهُ لا يَقِيلُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ «فَقِلْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لا يَقِيلُ» قَالَ: وَعَنْ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: «نَوْمُ أَوَّلِ النَّهَارِ حُمْقٌ، وَوَسَطِهِ خُلُقٌ، وَآخِرِهِ خُرْقٌ»
(1/104)
بَابُ إِذَا اعْتَادَ الرَّجُلُ قِيَامَ اللَّيْلِ نَبُهَ لِذَلِكَ
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " إِذَا نَامَ الرَّجُلُ وَهُوَ يُرِيدُ الْقِيَامَ مِنَ اللَّيْلِ أَيْقَظَهُ إِمَّا سُنُّورٌ وَإِمَّا صَبِيٌّ، وَإِمَّا شَيْءٌ فَيَسْتَيْقِظَ فَيْفَتَحُ عَيْنَيْهِ، وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينَانِ قَرِينُ سُوءٍ، وَقَرِينٌ صَالِحٌ، فَيَقُولُ قَرِينُ السُّوءِ: افْتَحْ بِشَرٍّ نَمْ إِنَّ عَلَيْكَ لَيْلا طَوِيلا مَا تَسْمَعُ صَوْتًا وَلا قِيَامَ أَحَدٍ، فَإِنْ نَامَ حَتَّى يُصْبِحَ أَتَاهُ الشَّيْطَانُ فَبَالَ فِي أُذُنِهِ فَأَصْبَحَ ثَقِيلا كَسْلانًا خَبِيثَ النَّفْسِ مَغْبُونًا قَالَ: وَيَقُولُ الْمَلِكُ: افْتَحْ بِخَيْرٍ قُمْ فَاذْكِرْ رَبَّكَ وَصَلِّ قَالَ: فَإِنْ قَامَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَذَكَرَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا فَرِغَ مِنْ صَلاتِهِ اسْتَقْبَلَهُ الْمَلَكُ فَقَبَّلَهُ، ثُمَّ يُصْبِحُ طَيْبَ النَّفْسِ قَدْ أَصَابَ خَيْرًا " قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ صَالِحِ بْنِ رُسْتُمَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَلُّوا مِنَ اللَّيْلِ صَلُّوا أَرْبَعًا، صَلُّوا وَلَوْ رَكْعَتَيْنِ، مَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ تَعْرِفُ صَلاةً مِنَ اللَّيْلِ، إِلا نَادَاهُمْ مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْبَيْتِ قُومُوا لِصَلاتِكُمْ "
قَالَ: وَعَنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ: «مَا آوَى رَجُلٌ إِلَى فِرَاشِهِ فَحَدَّثَ نَفْسَهُ بِخَيْرٍ إِلا عَرَضَ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَتْرُكُهُ» قَالَ: وَكَانَ الْعَلاءُ رَحِمَهُ اللَّهُ، يُحْيِي كُلَّ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ فَوَجَدَ لَيْلَةً فَتْرَةً، فَقَالَ لامْرَأَتِهِ: " إِذَا كَانَ كَذَا وَكَذَا مِنَ اللَّيْلِ فَأَيْقِظِينِي، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ، فَأَتَاهُ آتٍ فِي مَنَامِهِ فَأَخَذَ بِنَاصِيَتِهِ، وَقَالَ: يَا ابْنَ زِيَادٍ قُمْ فَاذْكُرِ اللَّهَ يَذْكُرَكَ، فَقَامَ فَزِعًا فَمَا زَالَتْ تِلْكَ الشَّعْرَاتُ قَائِمَةً مِنَ الْعَلاءِ حَتَّى مَاتَ " قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْعُبَّادِ قَلَّ مَا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَنَامَ عَنْ جُزْئِهِ، فَرَأَى فِيمَا يَرَى النَّائِمُ جَارِيَةً، وَقَفَتْ عَلَيْهِ كَأنَّ وَجْهَهَا الْقَمَرُ وَمَعَهَا رَقٌّ فِيهِ مَكْتُوبٌ شِعْرٌ:
أَلْهَتْكَ لَذَّةُ نَوْمَةٍ عَنْ خَيْرِ عَيْشٍ ... مَعَ الْخَيْرَاتِ فِي غُرَفِ الْجِنَانِ
تَعِيشُ مُخَلَّدًا لا مَوْتَ فِيهِ ... وَتَنْعَمُ فِي الْجِنَانِ مَعَ الْحِسَانِ
تَيَقَّظْ مِنْ مَنَامِكَ إِنَّ خَيْرًا ... مِنَ النَّوْمِ التَّهَجُّدُ بِالْقُرْآنِ
قَالَ: «فَوَاللَّهِ مَا ذَكَرْتُهَا قَطُّ إِلا ذَهَبَ عَنِّي النَّوْمُ»
(1/105)
قَالَ: وَقَالَ زِيَادٌ النُّمَيْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَتَانِي آتٍ فِي مَنَامِي، فَقَالَ: " قُمْ يَا زِيَادُ إِلَى عِبَادَتِكَ مِنَ التَّهَجُّدِ وَحَظِّكَ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ، فَهُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ نَوْمَةٍ تُوهِنُ بَدَنَكَ وَيَنْكَسِرُ لَهَا قَلْبُكَ، فَاسْتَيْقَظْتُ فَزِعًا ثُمَّ غَلَبَنِي النَّوْمُ قَالَ: فَأَتَانِي، فَقَالَ: قُمْ يَا زِيَادُ فَلا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا إِلا لِلْعَابِدِينَ فَوَثَبْتُ فَزِعًا " قَالَ: وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: كَانَ أَبِي إِذَا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ قَامَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ عَمَدَ إِلَى مِحْرَابِهِ فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا فِيهِ يُصَلِّي حَتَّى يُصْبِحَ، قَالَ أَبِي: " فَنِمْتُ لَيْلَةً عَنْ وَقْتِيَ الَّذِي كُنْتُ أَقُومُ فِيهِ فَإِذَا شَابٌّ جَمِيلٌ قَدْ وَقَفَ عَلَيَّ، فَقَالَ: قُمْ يَا سَعِيدُ إِلَى خَيْرِ مَا أَنْتَ قَائِمٌ إِلَيْهِ، قُمْ إِلَى تَهَجُّدِكَ، فَإِنَّ فِيهِ رِضَاءَ رَبِّكِ وَحَظَّ نَفْسِكَ وَهُوَ شَرَفُ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ مَلِيكِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ أَخِي الْحَسَنَ، فَقَالَ: قَدْ أَطَافَ بِي هَذَا الشَّابُّ قَدِيمًا "، قَالَ: وَقَالَ أَزْهَرُ بْنُ ثَابِتٍ التَّغْلِبِيُّ: كَانَ أَبِي مِنَ الْقَوَّامِينَ لِلَّهِ فِي سَوَادِ هَذَا اللَّيْلِ، قَالَ: " رَأَيْتُ فِيَ مَنَامِي امْرَأَةً لا تُشْبِهُ نِسَاءَ الدُّنْيَا، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ: حَوْرَاءُ أَمَةُ اللَّهِ، قُلْتُ: زَوِّجِينِي نَفْسَكِ، قَالَتِ: اخْطِبْنِي إِلَى سَيِّدِي وَامْهُرْنِي، قُلْتُ: وَمَا مَهْرُكِ؟ قَالَتْ: طُولُ التَّهَجُّدِ "، قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ: " كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَنَزَلْنَا مَنْزِلا فَنَامَ أَصْحَابِي وَقُمْتُ أَقْرَأُ جُزْئِي، فَجَعَلَتْ عَيْنَايَ تَغْلِبَانِي وَأُغَالِبُهُمَا حَتَّى اسْتَتْمَمْتُ جُزْئِي، فَلَمَّا فَرَغْتُ وَأَخَذْتُ مَضْجَعِي، قُلْتُ: لَوْ كُنْتُ نِمْتُ كَمَا نَامَ أَصْحَابِي كَانَ أَرْوَحَ لِبَدَنِي، فَإِذَا أَصْبَحْتُ قَرَأْتُ جُزْئِي، ثُمَّ نِمْتُ فَرَأَيْتُ فِيَ مَنَامِي شَابًّا جَمِيلا وَبِيَدِهِ وَرَقَةٌ فَدَفَعَهَا إِلَيَّ فَإِذَا فِيهَا مَكْتُوبٌ:
يَنَامُ مَنْ شَاءَ عَلَى غَفْلَةٍ ... وَالنَّوْمُ كَالْمَوْتِ فَلا تَتَّكِلِ
تَنْقَطِعُ الأَعْمَالُ فِيهِ كَمَا ... تَنْقَطِعُ الدُّنْيَا عَنِ الْمُنْتَقِلِ
فَكَانَ عَبْدُ الْوَاحِدِ رَحِمَهُ اللَّهُ، يُرَدِّدُ هَذَا كَثِيرًا وَيَبْكِي، وَيَقُولُ: فَرَّقَ الْمَوْتُ بَيْنَ الْمُصَلِّينَ وَبَيْنَ لَذَّتِهِمْ فِي الصَّلاةِ، وَبَيْنَ الصَّائِمِينَ وَبَيْنَ لَذَّتِهِمْ فِي الصِّيَامِ " قَالَ: وَعَنْ سُهَيْلِ بْنِ حَاتِمٍ: كُنْتُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَكَانَ قَلَّمَا يَخْلُو مِنَ الْمُتَهَجِّدِينَ، فَقُمْتُ لَيْلَةً فَلَمْ أَرَ فِي الْمَسْجِدِ مُتَهَجِّدًا، فَقُلْتُ: " مَا حَالُ النَّاسِ اللَّيْلَةَ إِذْ سَمِعْتُ قَائِلا مِنْ نَحْوِ الصَّخْرَةِ، يَقُولُ:
فَيَا عَجَبًا لِلنَّاسِ لَذَّتْ عُيُونُهُمْ ... مَطَاعِمُ غَمْصٍ بَعْدَهُ الْمَوْتُ مُنْتَصِبُ
فَطُولُ قِيَامِ اللَّيْلِ أَيْسَرُ مُؤْنَةً ... وَأَهْوَنُ مِنْ نَارٍ تَفُورُ وَتَلْتَهِبُ
(1/106)
قَالَ: فَسَقَطْتُ لِوَجْهِي وَذَهَبَ عَقْلِي، فَلَمَّا أَفَقْتُ نَظَرْتُ فَإِذَا لَمْ يَبْقَ مُتَهَجِّدٌ إِلا قَامَ " قَالَ: وَعَنْ رَابِعَةَ الْعَابِدَةِ، رَحِمَهَا اللَّهُ، اعْتَلَلْتُ عِلَّةً قَطَعَتْنِي عَنِ التَّهَجُّدِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ، ثُمَّ رَزَقَنِي اللَّهُ الْعَافِيَةَ فَاعْتَادَتْنِي فَتْرَةً عَقِبَ الْعِلَّةِ، فَبَيْنَا أَنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ رَاقِدَةٌ أُرِيتُ جَارِيَةً فَأَدْخَلَتْنِي قَصْرًا فَتَلَقَّانَا فِيهِ وُصَفَاءُ بِأَيْدِيهِمُ الْمَجَامِرُ، قَالَتْ: " أَفَلا تُجَمِّرُوا هَذِهِ الْمَرْأَةَ؟ قَالُوا: قَدْ كَانَ لَهَا فِي ذَلِكَ حَظٌّ فَتَرَكَتْهُ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيَّ، فَقَالَتْ:
صَلاتُكِ نُورٌ وَالْعِبَادُ رُقُودٌ ... وَنَوْمُكِ ضِدٌّ لِلصَّلاةِ عَنِيدٌ
وَعُمْرُكِ غَنْمٌ إِنْ عَقَلْتِ وَمُهْلَةٌ ... يَسِيرُ وَيَفْنَى دَائِبًا وَيَبِيدُ
، قَالَتْ: فَمَا ذَكَرْتُهَا إِلا طَاشَ عَقْلِي وَأَنْكَرْتُ نَفْسِي، وَمَا نَامَتْ رَابِعَةُ، رَحِمَهَا اللَّهُ، بَعْدَ هَذِهِ الرُّؤْيَا بِلَيْلٍ حَتَّى مَاتَتْ " قَالَ: وَقَالَ آخَرُ: نِمْتُ لَيْلَةً عَنْ جُزْئِي، فَأُرِيتُ فِي مَنَامِي قَائِلا يَقُولُ لِي:
عَجِبْتُ مِنْ جِسْمٍ وَمِنْ صِحَّةٍ ... وَمِنْ فَتًى نَامَ إِلَى الْفَجْرِ
فَالْمَوْتُ لا تُؤْمَنْ خَطَفَاتُهُ ... فِي ظُلَمِ اللَّيْلِ إِذَا يَسْرِي
مِنْ بَيْنِ مَنْقُولٍ إِلَى حُفْرَةٍ ... يَفْتَرِشُ الأَعْمَالَ فِي الْقَبْرِ
وَبَيْنِ مَأْخُوذٍ عَلَى غِرَّةٍ ... بَاتَ طَوِيلَ الْكِبْرِ وَالْفَخْرِ
عَاجَلَهُ الْمَوْتُ عَلَى غَفْلَةٍ ... فَمَاتَ مَثْبُورًا إِلَى الْحَشْرِ
قَالَ: فَمَا نَسِيتُهَا بَعْدُ "، قَالَ: وَشَبِعَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلامُ لَيْلَةً مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ فَنَامَ عَنْ جُزْئِهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا يَحْيَى: «لَوِ اطَّلَعْتَ إِلَى الْفِرْدَوْسِ اطِّلاعَةً لَذَابَ جِسْمُكَ وَزَهَقَتْ نَفْسُكَ اشْتِيَاقًا وَلَوِ اطَّلَعْتَ إِلَى جَهَنَّمَ اطِّلاعَةً لَبَكَيْتَ الصَّدِيدَ بَعْدَ الدُّمُوعِ وَلَلَبَسْتَ الْحَدِيدَ بَعْدَ الْمُسُوحِ»
(1/107)
بَابُ مَا يُبْدَأُ بِهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عِنْدَ الانْتِبَاهِ مِنَ النَّوْمِ
حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَهِيَ خَالَتُهُ، قَالَ: «فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ الْعَشْرَ الآيَاتِ الْخَوَاتِيمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا»
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْجُنَيْدِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، فَقَالا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنَ اللَّيْلِ، قَالَ: «لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ مِنْ ذَنْبِي وَأَسْأَلُكَ رَحْمَتَكَ، اللَّهُمَّ زِدْنِي عِلْمًا، وَلا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي، وَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، أَخْبَرَنَا حَمَّادٌ، عَنِ الْحَجَّاجِ الصَّوَّافِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِذَا أَوَى الرَّجُلُ إِلَى فِرَاشِهِ ابْتَدَرَهُ مَلَكٌ وَشَيْطَانٌ، فَيَقُولُ الْمَلَكُ: اخْتِمْ بِخَيْرٍ، وَيَقُولُ الشَّيْطَانُ: اخْتِمْ بِشَرٍّ، فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ بَاتَ يَكْلَؤُهُ الْمَلَكُ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ ابْتَدَرَهُ مَلَكٌ وَشَيْطَانٌ، قَالَ الْمَلَكُ: افْتَحْ بِخَيْرٍ وَقَالَ الشَّيْطَانُ: افْتَحْ بِشَرٍّ، فَإِنْ قَالَ إِذَا قَامَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَدَّ عَلَيَّ نَفْسِي وَلَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا، وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا، فَإِنْ وَقَعَ عَنْ فِرَاشِهِ فَمَاتَ "، قَالَ حَمَّادٌ: أَحْسَبُهُ قَالَ: «دَخَلَ الْجَنَّةَ» قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَزَادَ: «وَإِنْ قَامَ فَصَلَّى صَلَّى فِي فَضَائِلَ» ، وَقَالَ: «فَإِنْ ذَكَرَ اللَّهَ طَرَدَ الْمَلَكُ الشَّيْطَانَ، وَظَلَّ يَكْلَؤُهُ»
(1/108)
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ أَتَيْتُ عِنْدَ حُجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ، قَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْهَوِيَّ» ، ثُمَّ يَقُولُ: «سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، الْهَوِيَّ» ، وَفِي رِوَايَةٍ، يَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْهَوِيَّ» ، ثُمَّ يَقُولُ: «سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، الْهَوِيَّ»
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ آدَمَ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، حَدَّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمَلَكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَدَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ "
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ، ثنا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، ثنا عَثَّامُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا تَضَوَّرَ مِنَ اللَّيْلِ، قَالَ: «لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ»
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْعُودٍ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، ثنا هُرَيْمُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي كَثِيرٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إِذَا تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، قَالَ: «رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَاهْدِنِي السَّبِيلَ الأَقْوَمَ»
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " مَنْ قَالَ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرٍ، أَوْ قَالَ مِنَ الأَجْرِ كَأَلْفِ أَلْفِ حَسَنَةً " -
(1/109)
بَابُ السِّوَاكِ عِنْدَ الْوُضُوءِ لَقِيَامِ اللَّيْلِ
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَحُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُمْ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَخْبَرَتْهُ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ فَيَسْتَاكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ، لا يَقْعُدُ إِلا فِي الثَّامِنَةِ، فَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيَذْكُرُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلا يُسَلِّمُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ فَيَجْلِسُ وَيَحْمَدُ اللَّهَ وَيَدْعُو وَيُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً فَلَمَّا أَسَنَّ وَأَخَذَ اللَّحْمَ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ جَالِسٌ فَذَلِكَ تِسْعٌ أَيْ بُنَيَّ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، ثنا وَاصِلُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي سَوْرَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَسَوَّكُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا»
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الْقُرَشِيُّ، حَدَّثَنِي حِبِّي أَبُو الْمُثَنَّى، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ لا يَنَامُ إِلا وَالسِّوَاكُ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ بَدَأَ بِالسِّوَاكِ»
(1/110)
قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَالْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو الْمَازِنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا قَامَ الرَّجُلُ يَتَوَضَّأُ لَيْلا أَوْ نَهَارًا فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ وَاسْتَنَّ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى أَطَافَ بِهِ الْمَلَكُ وَدَنَا مِنْهُ حَتَّى يَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيهِ فَمَا يَقْرَأُ إِلا فِي فِيهِ وَإِذَا لَمْ يَسْتَنَّ أَطَافَ بِهِ وَلا يَضَعُ فَاهُ عَلَى فِيهِ» ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا يَقُومُ إِلَى صَلاةٍ إِلا اسْتَنَّ
قَالَ: وَعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: حَثَّ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَلَى السِّوَاكِ، وَقَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَامَ يُصَلِّي جَاءَ الْمَلَكُ يَسْتَمِعُ الْقُرْآنَ فَمَا يَزَالُ يَدْنُو حَتَّى أَنَّهُ يَضَعُ فَاهُ عَلَى فِيهِ فَمَا يَلْفِظُ مِنْ آيَةٍ إِلا وَقَعَتْ فِي جَوْفِ الْمَلَكُ»
قَالَ: وَعَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: «رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا الْعَبْدُ قَدِ اسْتَنَّ فِيهِمَا أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ رَكْعَةً لَمْ يَسْتَنَّ فِيهَا» قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ رَحِمَهُ اللَّهُ: «خُلُقَانِ كَرِيمَانِ مِنْ أَحْسَنِ أَخْلاقِ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ، التَّهَجُّدُ بِاللَّيْلِ، وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَى السِّوَاكِ» قَالَ: وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النَّضْرِ الْحَارِثِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَذَكَرَ قِيَامَ اللَّيْلِ، وَالسِّوَاكَ قَبْلَهُ، فَقَالَ: «ذَاكَ عَادَةُ الْمُتَهَجِّدِينَ»
(1/111)
بَابُ الاغْتِسَالِ لَقِيَامِ اللَّيْلِ وَالتَّطَيُّبِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ الْحَسَنَةِ
كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَكَرِيَّا رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَصْحَابَهُ يَغْتَسِلُونَ كُلَّ لَيْلَةٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ لِلْعِبَادَةِ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنِي أَبُو بِشْرٍ الْبَصْرِيُّ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَاءٌ يَعْرِضُ عَلَيْهِ سِوَاكَهُ فَإِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ خَلا، وَاسْتَنْجَى، وَاسْتَاكَ، وَتَوَضَّأَ، ثُمَّ تَطَلَّبَ الطِّيبَ فِي رِبَاعِ نِسَائِهِ»
قَالَ: وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «يُعْجِبُهُ الثِّيَابُ الْحَسَنَةُ النَّظِيفَةُ وَالرِّيحُ الطَّيِّبَةُ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ» قَالَ: وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: «إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ لِلتَّهَجُّدِ اغْتَلَفَ بِالْغَالِيَةِ، وَاشْتَرَى حُلَّةً بِأَلْفٍ كَانَ يُصَلِّي فِيهَا» قَالَ: وَكَانَ ابْنُ مُحَيْرِيزٍ: «إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ بِاللَّيْلِ دَعَا بِالْغَالِيَةِ فَتَضَمَّخَ مَا يَرْدَعُ ثِيَابَهُ» قَالَ: وَكَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ حَكِيمٍ الصَّنْعَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: «إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ لِلتَّهَجُّدِ لَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ، وَتَنَاوَلَ مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ، وَكَانَ مِنَ الْمُتَهَجِّدِينَ» ، وَاشْتَرَى عَمْرُو بْنُ الأَسْوَدِ رَحِمَهُ اللَّهُ، حُلَّةً بِثَمَانِينَ وَصَبَغَهَا بِدِينَارٍ: «وَكَانَ يَخْمُرُهَا النَّهَارَ كُلَّهُ وَيَقُومُ فِيهَا اللَّيْلَ كُلَّهُ» قَالَ: وَعَنْ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: «كَانُوا يَكْرَهُونَ أَكْلَ الثَّوْمِ وَالْكُرَّاثِ وَالْبَصَلِ مِنَ اللَّيْلِ، وَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ عِنْدَ قِيَامِهِ مِنَ اللَّيْلِ طِيبًا يَمْسَحُ بِهِ شَارِبَيْهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنَ اللِّحْيَةِ»
حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عِيسَى الْبِسْطَامِيُّ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْحَكَمِ أَبُو بِشْرٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَتَعَطَّرُ؟ قَالَتْ: «نَعَمْ بِذِكَارَةِ الْعِطْرِ» ، قُلْتُ: وَمَا ذِكَارَةُ الْعِطْرِ؟ قَالَتِ: «الْمِسْكُ وَالْعَنْبَرُ»
قَالَ: وَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِذَا تَوَضَّأَ لَبِسَ ثِيَابَهُ وَدَعَا بِسُكَّةٍ لَهُ فَامْتَسَحَ بِهَا» -
(1/112)
بَابُ مَا يُفْتَتَحُ بِهِ قِيَامُ اللَّيْلِ مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، ثنا عِمْرَانُ الْقَصِيرُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ كَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيَّامُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، أَنْتَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَوَعْدُكَ حَقٌّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، أَنْتَ رَبُّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ، رَبِّ اغْفِرْ لِي مَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، أَنْتَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ»
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الرُّومِيِّ، ثنا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، ثنا يَحْيَى، ثنا أَبُو سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: بِمَ كَانَ يَفْتَتِحُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الصَّلاةَ مِنَ اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»
(1/113)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا أَصْبَغُ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ الْجُرَشِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّي؟ وَبِمَا كَانَ يَسْتَفْتِحُ؟ قَالَتْ: كَانَ يُكَبِّرُ عَشْرًا، وَيَحْمَدُ عَشْرًا، وَيُسَبِّحُ عَشْرًا، وَيُهَلِّلُ عَشْرًا وَيَسْتَغْفِرُ عَشْرًا، وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي، عَشْرًا» ، وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ ضِيقِ يَوْمِ الْحِسَابِ، عَشْرًا»
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُصَلِّي الضُّحَى، فَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا» ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، «وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا» ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، «وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا» ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْثِهِ وَنَفْخِهِ» ، قَالَ: هَمْزِهِ الْمُوتَةُ، وَنَفْثِهِ الشِّعْرُ، وَنَفْخِهِ الْكِبْرُ قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِذَا قَامَ أَرَاهُ فِي التَّطَوُّعِ فَذَكَرَهُ سَوَاءً»
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، ثنا أَبِي، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ، مِنْ بَنِي عَبْسٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ إِلَى جَنْبِهِ فَسَمِعَهُ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلاةَ، قَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ ذُو الْمَلَكُوتِ، وَالْجَبَرُوتِ، وَالْكِبْرِيَاءِ، وَالْعَظَمَةِ»
قَالَ: وَعَنْ مَعْدِي يَكْرِب بْنِ عَبْدِ كُلالٍ، قَالَ: صَلَّيْتُ صَلاةَ الْعَتَمَةَ، ثُمَّ أَصَبْنَا مَا أَرَدْنَا مِنْ عَشَاءٍ، ثُمَّ قُمْتُ فَأَغْلَقْتُ بَابَ بُيُوتِي، ثُمَّ نِمْتُ فَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ كَشَفْتُ لِحَافِي عَنْ رَأْسِي فَإِذَا بِرَجُلٍ فِي مَسْجِدِي قَائِمٌ يُصَلِّي فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ عَبْدُكَ يُصَلِّي لَكَ،
(1/114)
اللَّهُمَّ اجْعَلِ الصِّحَّةَ فِي جِسْمِي، وَالنُّورَ فِي بَصَرِي، وَالْبَصِيرَةَ فِي قَلْبِي، وَالشُّكْرَ فِي صَدْرِي، وَذِكْرُكَ عَلَى لِسَانِي أَبَدًا مَا أَبْقَيْتَنِي، وَارْزُقْنِي رِزْقًا طَيِّبًا مُبَارَكًا غَيْرَ مَمْنُوعٍ وَلا مَحْظُورٍ» قَالَ: وَيُرْوَى عَنْ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلامُ، أَنَّهُ قَالَ: " يَا رَبِّ كَيْفَ أَشْكُرُكَ؟ وَأَصْغَرُ نِعْمَةٍ وَضَعْتَهَا عِنْدِي مِنْ نِعَمِكَ لا يُجَازِيهَا عَمَلِي كُلُّهُ، فَأُوحِيَ إِلَيْهِ: يَا مُوسَى الآنَ شَكَرْتَنِي يَا مُوسَى، إِذَا ذَكَرْتَنِي فَاذْكُرْنِي وَأَنْتَ تَنْفُضُ أَعْضَاءَكَ وَكُنْ عِنْدَ ذِكْرِي خَاشِعًا مُطْمَئِنًا، وَإِذَا دَعَوْتَنِي فَاجْعَلْ لِسَانَكَ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِكَ، وَإِذَا قُمْتَ بَيْنَ يَدَيَّ فَقُمْ مَقَامَ الْعَبْدِ الذَّلِيلِ الْحَقِيرِ وَذُمَّ نَفْسَكَ، فَهِيَ أَوْلَى بِالذَّمِّ وَنَاجِنِي حِينَ تُنَاجِينِي بِقَلْبٍ وَجِلٍ، وَلِسَانٍ صَادِقٍ "
بَابُ كَرَاهَةِ السَّمَرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخَبَرِنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ سَيَّارِ بْنِ سَلامَةَ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ صَلاةِ الْعِشَاءِ وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا»
حَدَّثَنَا يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا سَمَرَ إِلا لأَحَدِ رَجُلَيْنِ: مُصَلٍّ أَوْ مُسَافِرٍ "، وَفِي رِوَايَةٍ: " لا سَمَرَ بَعْدَ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ إِلا لأَحَدِ رَجُلَيْنِ: مُصَلٍّ أَوْ مُسَافِرٍ "
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ آدَمَ، ثنا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، يَقُولُ: انْصَرَفْتُ بَعْدَ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ فَسَمِعَتْ كَلامِيَ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، خَالَتِي، وَنَحْنُ فِي حُجْرَةِ، بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا سَقْفٌ، فَقَالَتْ: يَا عُرْوَةُ أَوْ يَا عُرَيَّةُ مَا هَذَا السَّمَرُ؟ ؟ «إِنِّي مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَائِمًا قَبْلَ هَذِهِ الصَّلاةِ وَلا مُتَحَدِّثًا بَعْدَهَا، إِمَّا نَائِمًا فَيَسْلَمُ، أَوْ مُصَلِّيًا فَيَغْنَمُ»
قَالَ: وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَدَعَاهُ عَلَى بَابِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا حَاجَتُكَ؟ فَقَالَ: الْحَدِيثُ قَالَ: فَأَغْلَقَ الْبَابَ دُونَهُ، وَقَالَ: «جَدَبَ لَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، الْحَدِيثَ بَعْدَ الْعَتَمَةِ»
(1/115)
قَالَ: وَعَنْ سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: «كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَجْدُبُ لَنَا السَّمَرَ بَعْدَ صَلاةِ النَّوْمِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «جَدَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، السَّمَرَ بَعْدَ الْعَتَمَةِ»
قَالَ: وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَنِشُّ النَّاسَ بِدِرَّتِهِ بَعْدَ الْعَتَمَةِ، يَقُولُ: «قُومُوا لَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقُكُمْ صَلاةً» قَالَ: وَعَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَضْرِبُ النَّاسَ بِالدِّرَّةِ بَعْدَ صَلاةِ الْعِشَاءِ، وَيَقُولُ: «أَسَمَرٌ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَنَوْمٌ آخِرَهُ» قَالَ: وَعَنْ حُصَيْنٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: كَتَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ الْعَرَبَ تُحِبُّ السَّمَرَ فَأَخِّرُوا صَلاةَ الْعِشَاءِ حَتَّى لا يَكُونُ بَعْدَهَا سَمَرٌ»
قَالَ: وَعَنْ عَمْرَةَ رَحِمَهَا اللَّهُ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، كَانَتْ إِذَا سَمِعَتْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِهَا يَتَحَدَّثُ بَعْدَ الْعِشَاءِ، قَالَتْ: «أَرِيحُوا كُتَّابَكُمْ» ، وَكَانَتْ تُرْسِلُ إِلَى عُرْوَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: " يَا ابْنَ أُخْتِي أَرِحْ كَاتِبَكَ، وَقَالَتْ: لا سَمَرَ إِلا لِثَلاثَةٍ: مُسَافِرٍ أَوْ مُتَهَجِّدٍ أَوْ عُرْسٍ "، وَكَانَ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَسْمُرُونَ بَعْدَ الْعِشَاءِ، فَكَانَتْ تُرْسِلُ إِلَيْهِمْ: «أَنِ ارْجِعُوا إِلَى بُيُوتِكُمْ لِيَكُنْ لأَهْلِيكُمْ فِيكُمْ نَصِيبٌ»
قَالَ: وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «مَا أُحِبُّ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَلا الْحَدِيثَ بَعْدَهَا» قَالَ: وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنَّ أَبَاهُ كَانَ، يَقُولُ لِبَنِيهِ إِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ: «يَا بَنِيَّ، نَامُوا لَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ خَيْرًا» قَالَ: وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَنْ قَرَضَ بِبَيْتِ شِعْرٍ بَعْدَ صَلاةِ الْعِشَاءِ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ حَتَّى يُصْبِحَ» قَالَ: وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رَحِمَهُ اللَّهُ: «لأَنْ أَنَامَ قَبْلَ الْعَتَمَةِ أَحَبُّ مِنْ أَنْ أَلْغُوَ بَعْدَهَا» قَالَ: وَعَنْ خَيْثَمَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: «كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ إِذَا أَوْتَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَنَامَ»
(1/116)
بَابُ إِبَاحَةِ السَّمَرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ لِمُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ أَوْ فِي أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ
حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةُ، ثنا الأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا يَزَالُ يَسْمُرُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اللَّيْلَةَ كَذَاكَ فِي الأَمْرِ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّهُ سَمَرَ عِنْدَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَأَنَا مَعَهُ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ،
قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُحَدِّثُنَا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَيْلَةً حَتَّى يُصْبِحَ مَا يَقُومُ فِيهَا إِلا إِلَى عُظْمِ صَلاةٍ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أنا مَعْمَرٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ، وَرَجُلا آخَرَ مِنَ الأَنْصَارِ، تَحَدَّثَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيْلَةً فِي حَاجَةٍ لَهُمَا، حَتَّى ذَهَبَ مِنَ اللَّيْلِ سَاعَةٌ وَاللَّيْلَةُ شَدِيدَةُ الظُّلْمَةِ، ثُمَّ خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَنْقَلِبَانِ وَبِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ عَصَاهُ، فَأَضَاءَتْ عَصَا أَحَدِهِمَا لَهُمَا حَتَّى مَشَيَا فِي ضَوْئِهَا حَتَّى إِذَا افْتَرَقَتْ بِهِمَا الطَّرِيقُ أَضَاءَتْ لِلآخَرِ عَصَاهُ، فَمَشَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ضَوْئِهِ حَتَّى بَلَغَ أَهْلَهُ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثني شَرِيكُ بْنُ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: رَقَدْتُ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ لَيْلَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا أَنْظُرُ كَيْفَ صَلاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ، قَالَ: «فَتَحَدَّثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً ثُمَّ رَقَدَ»
(1/117)
قَالَ: وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بَعْدَ الْعِشَاءِ، فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: الْحَدِيثُ، فَتَحَدَّثَا حَتَّى تَطَلَّعَ الْفَجْرُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: الصَّلاةُ، قَالَ عُمَرُ: «أَوَ لَسْنَا فِي صَلاةٍ؟»
قَالَ: وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَيْرٍ الْغَافِقِيِّ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، صَلَّى لَهُمْ لَيْلَةً صَلاةَ الْعَتَمَةِ، وَقَعَدَ وَقَعَدُوا يَسْتَفْتُونَهُ، فَلَمَّا كَثُرُوا، قَالَ: " لِيَجْلِسْ كُلُّ نَفَرٍ مِنْكُمْ فِي مَجْلِسٍ، ثُمَّ لِيُلْقُوا رَجُلا مِنْكُمْ حَاجَتَهُمْ، ثُمَّ يَبْعَثُوهُ إِلَيَّ، فَفَعَلْنَا ذَلِكَ، فَلَمْ نَزَلْ نَسْأَلُهُ وَيَفِيئُنَا حَتَّى أُذِّنَ بِصَلاةِ الصُّبْحِ، فَقَالَ: قُومُوا فَأَوْتِرُوا، فَإِنَّا لَنْ نُوتِرَ "
قَالَ: وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى: أَنَّهُ كَانَ يَسْمُرُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَسَمَرَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عِنْدَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ وَهُوَ أَمِيرُ الْكُوفَةِ فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَا أَوْتَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِرَكْعَةٍ قَالَ: وَسَمَرَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، لَيْلَةً حَتَّى طَلَعَتِ الزُهْرَةُ، فَوَضَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، رَأْسَهُ فَمَا انْتَبَهَ إِلا بِأَصْوَاتِ أَهْلِ السُّوقِ، فَقَالَ: " أَتَرَوْنِي أُصَلِّي الْوِتْرَ وَرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، وَأُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَفَعَلَ ذَلِكَ " قَالَ: وَسَمَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ، عِنْدَ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَتَّى ذَهَبَ هَزِيعٌ مِنَ اللَّيْلِ، وَعَنْ مَكْحُولٍ، قَالَ: «تَوَاعَدَ الْمُسْلِمُونَ لَيْلَةً بِالْجَابِيَةِ، فَقَامَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُهُمْ حَتَّى أَصْبَحَ» قَالَ: وَعَنْ عُرْوَةَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ عِنْدَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، بِاللَّيْلِ فَرُبَّمَا نَادَتْنِي: «يَا ابْنَ أُخْتِي قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ» قَالَ: وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ حَبِيبٍ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى، وَأَصْحَابًا لَهُ كَانُوا بَعْدَ الْعِشَاءِ يَتَحَدَّثُونَ وَرَجُلٌ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: «أَمَا إِنَّكَ لَوْ دَنَوْتَ مِنَّا، فَإِنَّا فِي خَيْرٍ نَتَفَقَّهُ»
(1/118)
قَالَ: وَعَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَمُجَاهِدٍ، قَالُوا: «لا بَأْسَ بِالسَّمَرِ فِي الْفِقْهِ» قَالَ: وَكَانَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَمَارٌ، فَكَانَ عَلامَةُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ إِذَا أَحَبَّ أَنْ يَقُومُوا، أَنْ يَقُولَ: «إِذَا شِئْتُمْ فَإِذَا أَوْتَرَ لَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا» ، وَكَانَ الْقَاسِمُ، يَجْلِسُ بَعْدَ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ هُوَ وَأَصْحَابٌ لَهُ يَتَحَدَّثُونَ هُنَيَّةً، وَالتَقَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَبْلَ أَنْ يَسْتَخْلِفَ، وَطَاوُسٍ، فَتَقَاوَمَا فِي نَاحِيَةِ مَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى أَصْبَحَا، وَعَنْ أَيُّوبَ: «أَنَّهُ سَمَرَ مَعَ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، بِالْمَدِينَةِ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ»
(1/119)
بَابُ عَدَدِ صَلاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ
حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ " قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: «كَانَ يُصَلِّي مَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلاةِ الْعِشَاءِ وَهِيَ الَّتِي يَدْعُو النَّاسُ الْعَتَمَةَ إِلَى الْفَجْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ اثْنَتَيْنِ وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ» قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُصَلِّي بَعْدَ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ إِلَى أَنْ يَنْصَدِعَ الْفَجْرُ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ اثْنَتَيْنِ وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ، وَكَانَ يَتَمَكَّثُ فِي سُجُودِهِ بِقَدْرِ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ مِنْكُمْ خَمْسِينَ آيَةً، قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، وَيَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ» قَالَ: وَفِي أُخْرَى: «كَانَ يُصَلِّي ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ» قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: «مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاثًا»
(1/120)
قَالَ: وَفِي أُخْرَى: «كَانَتْ صَلاتُهُ مِنَ اللَّيْلِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَغَيْرِهِ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْهَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي شَرِيكٌ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «رَقَدْتُ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ أَنْظُرُ كَيْفَ صَلاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ، فَرَقَدَ، ثُمَّ قَامَ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ أَذَّنَ بِلالٌ بِالصَّلاةِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ»
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَمِّي، ثنا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ الْحَضْرَمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ، كِلاهُمَا عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَعَثَنِي أَبِي الْعَبَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْدَ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ فِي حَاجَةٍ لَهُ، فَلَمَّا بِلَّغْتُهُ إِيَّاهَا قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيْ بُنَيَّ بِتْ عِنْدَنَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ» قَالَ: وَكَانَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَبِتُّ عِنْدَهُمَا، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَيْمُونَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فِي الْحُجْرَةِ وَتَوَسَّدَا وِسَادَةً لَهُمَا مِنْ أَدَمٍ مَحْشُوَّةٍ لِيفًا، وَبِتُّ عَلَيْهَا مُعْتَرِضًا عِنْدَ رَأْسَيْهِمَا، فَهَبَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ، فَتَعَارَّ بِبَصَرِهِ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ تَلا هَؤُلاءِ الآيَاتِ مِنْ آلِ عِمْرَانَ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [آل عمران: 190] ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى خَمْسِ آيَاتٍ مِنْهَا، ثُمَّ عَادَ لِمَضْجَعِهِ فَنَامَ هَوِيًّا مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ ذَهَبَ فَتَعَارَّ بِبَصَرِهِ فِي السَّمَاءِ فَتَلاهُنَّ، ثُمَّ قَامَ إِلَى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، ثُمَّ اسْتَفْرَغَ مِنْهَا فِي إِنَاءٍ، ثُمَّ تَوَضَّأَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَخَذَ بُرْدًا لَهُ حَضْرَمِيًّا فَتَوَشَّحَهُ، ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ فَقَامَ يُصَلِّي، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُمْتُ إِلَى الشَّنِّ فَاسْتَفْرَغْتُ مِنْهُ، ثُمَّ تَوَضَّأْتُ كَمَا رَأَيْتُهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَيْهِ الْبَيْتَ فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ، فَأَدَارَنِي حَتَّى جَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رَأْسِي وَأَخَذَ بِأُذُنِي الْيُمْنَى يَفْتِلُهَا، فَجَعَلَ يَمْسَحُ بِهَا أُذُنِي، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ إِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ لِيُوَنِّسَنِي بِيَدِهِ فِي ظُلْمَةِ الْبَيْتِ، ثُمَّ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنَ اللَّيْلِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ الصُّبْحِ، ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُعَاءً، فَقَالَ لِي
سَلَمَةُ: قَدْ ذَكَرَ لِي كُرَيْبٌ دُعَاءَهُ فَلَمْ أَحْفَظْ مِنْهُ إِلا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ كَلِمَةً، قَوْلَهُ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَفِي لِسَانِي نُورًا، وَفِي سَمْعِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، وَمِنْ فَوْقِي نُورًا، وَمِنْ تَحْتِي نُورًا، وَعَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ شِمَالِي نُورًا، وَمِنْ بَيْنِ يَدَيَّ نُورًا، وَمِنْ خَلْفِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي نَفْسِي نُورًا، وَأَعْظِمْ لِي نُورًا» ، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ فَقَامَ، قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: «ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ، فَأَتَاهُ بِلالٌ فَآذَنَهُ لِلصَّلاةِ، فَقَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ»
(1/121)
نَوْعٌ آخَرُ مِنْ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مَخْرَمَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: «ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَوْتَرَ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأَنْصَارِيُّ، ثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، ثَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أَخْبَرَهُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: لأَرْمُقَنَّ صَلاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَوَسَّدْتُ عَتَبَتَهُ أَوْ فُسْطَاطَهُ «فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ أَوْتَرَ فَذَلِكَ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يُحَدِّثُ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالسَّاقِيَةِ، «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَابِرٍ إِلَى جَنْبِهِ، فَصَلَّى الْعَتَمَةَ، ثُمَّ صَلَّى ثَلاثَ عَشْرَةَ سَجْدَةً»
نَوْعٌ ثَالِثٌ مِنْ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ أَرَادَ أَنْ يَغْزُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَ عَقَارًا بِهَا فَيَجْعَلُهُ فِي السِّلاحِ وَالْكُرَاعِ يُجَاهِدُ الرُّومَ حَتَّى يَمُوتَ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ أَتَى أُنَاسًا مِنْ أَهْلِ
(1/122)
الْمَدِينَةِ فَنَهَوْهُ عَنْ ذَلِكَ وَأَخْبَرُوهُ أَنَّ رَهْطًا سِتَّةً أَرَادُوا فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: «أَلَيْسَ لَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ؟» فَلَمَّا حَدَّثُوهُ بِذَلِكَ رَاجَعَ امْرَأَتَهُ وَقَدْ كَانَ طَلَّقَهَا وَأَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا
فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَسَأَلَهُ عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَلا أَدُلُّكَ عَلَى أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ بِوِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ ، قَالَ: مَنْ؟ قَالَ: عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، إِيتِهَا فَسَلْهَا، ثُمَّ ارْجِعْ إِلَيَّ فَأَخْبِرْنِي بِرَدِّهَا عَلَيْكَ، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهَا، فَأَتَيْتُ عَلَى حَكِيمِ بْنِ الأَفْلَحِ فَاسْتَحْلَفْتُهُ، إِلَيْهَا فَجَاءَ فَانْطَلَقَنا إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَاسْتَأْذَنَّا عَلَيْهَا، فَأَذِنَتْ لَنَا فَدَخَلْنَا عَلَيْهَا فَقَالَتْ: أَحَكِيمٌ؟ وَعَرَفَتْهُ "، قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: سَعْدُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَتْ: مَنْ هِشَامٌ؟ قَالَ: ابْنُ عَامِرٍ، فَتَرَحَّمَتْ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ: خَيْرًا، قَالَ قَتَادَةُ: وَكَانَ أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَقُلْتُ لَهَا: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: «فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنُ» ، قَالَ: فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُومَ وَلا أَسْأَلُ أَحَدًا عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أَمُوتَ
ثُمَّ بَدَا لِي، فَقُلْتُ: أَنْبِئِينِي عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ: {يَأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: «فَإِنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَوْلا، وَأَمْسَكَ خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فِي السَّمَاءِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِي آخِرِ السُّورَةِ التَّخْفِيفَ فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ الْفَرِيضَةِ»
قُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْبِئِينِي عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: «كُنَّا نَعُدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ، فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ مَتَى شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لا يَجْلِسُ فِيهَا إِلا فِي الثَّامِنَةِ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ، وَيَحْمَدُهُ، وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً يُسْمِعُنَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ، وَهُوَ قَاعِدٌ، فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يَا بُنَيَّ، فَلَمَّا أَسَنَّ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخَذَ اللَّحْمَ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ وَصَنَعَ الرَّكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَنِيعِهِ الأَوَّلِ فَتِلْكَ تِسْعٌ يَا بُنَيِّ، وَكَانَ نَبِيُّ اللَّهِ إِذَا صَلَّى صَلاةً أَحَبَّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهَ، وَكَانَ إِذَا غَلَبَهُ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً،
(1/123)
وَلا أَعْلَمُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةٍ، وَلا صَلَّى لَيْلَةً إِلَى الصُّبْحِ، وَلا صَامَ شَهْرًا كَامِلا غَيْرَ رَمَضَانَ» ، فَانْطَلَقْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثَهَا، فَقَالَ: صَدَقَتْ، لَوْ كُنْتُ أَدْخُلُ عَلَيْهَا لأَتَيْتُهَا حَتَّى تُشَافِهَنِي بِهِ، قُلْتُ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ لا تَدْخُلُ عَلَيْهَا مَا حَدَّثْتُكَ حَدِيثَهَا قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: «كَانَ يُصَلِّي ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، تِسْعًا قَائِمًا وَاثْنَتَيْنِ جَالِسًا، وَاثْنَتَيْنِ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ»
نَوْعٌ رَابِعٌ مِنْ صَلاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مُلَيْكَةَ، أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مَمْلَكٍ، أَنَّهُ سَأَلَ أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ صَلاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ، فَقَالَتْ: «كَانَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ الآخِرَةَ، ثُمَّ يُسَبِّحُ، ثُمَّ يُصَلِّي بَعْدُ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَرْقُدُ مِثْلَ مَا يُصَلِّي ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ مِنْ نَوْمَتِهِ تِلْكَ فَيُصَلِّي مِثْلَ مَا نَامَ، وَصَلاتُهُ تِلْكَ الآخِرَةُ إِلَى الصُّبْحِ»
قَالَ: وَعَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَزِيَّةَ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: " يَحْسَبُ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى حَتَّى يُصْبِحَ أَنَّهُ قَدْ تَهَجَّدَ؟ إِنَّمَا التَّهَجُّدُ الصَّلاةُ بَعْدَ رَقْدَةٍ، ثُمَّ الصَّلاةُ بَعْدَ رَقْدَةٍ، ثُمَّ الصَّلاةُ بَعْدَ رَقْدَةٍ، قَالَ: فَتِلْكَ كَانَتْ صَلاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ بَاتَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَيْقَظَ، فَاسْتَاكَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَهُوَ يَقْرَأُ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران: 190] ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَامَ حَتَّى سَمِعْتُ نَفْخَ النَّوْمِ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَاسْتَاكَ وَتَوَضَّأَ وَهُوَ يَقُولُ مِثْلَ مَا قَالَ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلاثَ مِرَارٍ، ثُمَّ أَوْتَرَ، ثُمَّ أَتَاهُ الْمُؤَذِّنُ
(1/124)
فَخَرَجَ وَهُوَ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي لِسَانِي نُورًا، وَاجْعَلْ فِي بَصَرِي نُورًا، وَاجْعَلْ أَمَامِي نُورًا، وَخَلْفِي نُورًا، وَاجْعَلْ عَنْ يَمِينِي نُورًا، وَعَنْ شِمَالِي نُورًا، وَاجْعَلْ فَوْقِي نُورًا، وَتَحْتِي نُورًا، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي نُورًا»
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، ثنا عَمِّي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ رَمَقَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ لَيَنْظُرَ كَيْفَ يُصَلِّي، " فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ ذَهَبَ فَقَعَدَ وَنَظَرَ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَاتِ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [آل عمران: 190] ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى خَمْسِ آيَاتٍ مِنْهَا، ثُمَّ اسْتَاكَ وَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ نَامَ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ هَبَّ مَرَّةً أُخْرَى فَنَظَرَ فِي السَّمَاءِ، ثُمَّ تَلا تِلْكَ الآيَاتِ، ثُمَّ اسْتَاكَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى، فَعَلَ ذَلِكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ "
قَالَ: وَقَالَ حُمَيْدٌ: سُئِلَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: «كُنْتَ لا تَشَاءُ أَنْ تَرَاهُ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلا رَأَيْتَهُ، وَلا نَائِمًا إِلا رَأَيْتَهُ»
(1/125)
بَابُ اخْتِيَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَنْ يُصَلِّيَ مِنَ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِرَكْعَةٍ» ، قَالَ: وَفِي لَفْظٍ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ عَنِ الصَّلاةِ، فَقَالَ: «صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ» قَالَ: وَفِي آخَرَ: «فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «فَإِذَا عَرَفَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ فَلْيُوتِرْ بِوَاحِدَةٍ» ، وَفِي أُخْرَى: «صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمْ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى» ، وَفِي أُخْرَى: «فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَصَلِّ رَكْعَةً تُوتِرُ لَكَ مَا قَدْ صَلَّيْتَ» ، وَفِي أُخْرَى: «صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً يُوتِرُ بِهَا صَلاتَهُ» ، وَفِي لَفْظٍ: «فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَصَلِّ رَكْعَةً، وَاجْعَلْ آخِرَ صَلاتِكَ وِتْرًا» ، وَفِي آخَرَ: «فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَاسْجُدْ سَجْدَةً، وَسَجْدَتَانِ قَبْلَ صَلاةِ الصُّبْحِ» ، وَفِي آخَرَ: «فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَوَاحِدَةً» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «صَلاةُ اللَّيْلِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ» ، وَفِي أُخْرَى: «فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ، إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ» ، وَفِي لَفْظٍ: «صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا أَرَدْتَ النَّوْمَ فَارْكَعْ رَكْعَةً تُوتِرُ لَكَ مَا قَدْ صَلَّيْتَ» ، وَفِي آخَرَ: «صَلاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» قَالَ: وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ حُرَيْثٍ، قُلْتُ لابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، قَالَ: يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ "
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثنا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعِ بْنِ الْعَمْيَاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ الْمُطَّلِبِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " الصَّلاةُ مَثْنَى مَثْنَى، فَتَشَهَّدْ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَتَبَأَّسْ وَتَمَسْكَنْ وَتَقَنَّعْ
(1/126)
بِيَدَيْكَ وَتَقُولُ: اللَّهُمَّ، اللَّهُمَّ، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهِيَ خِدَاجٌ "
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ، أَوْ عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعِ بْنِ الْعَمْيَاءِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الصَّلاةُ مَثْنَى مَثْنَى، تَشَهَّدْ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَتَضَرَّعْ وَتَمَسْكَنْ وَتَخَشَّعْ ثُمَّ تَقَنَّعْ بِيَدَيْكَ، تَقُولُ، تَرْفَعُهُمَا إِلَى رَبِّكَ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ "، فَقَالَ فِيهِ قَوْلا شَدِيدًا
وَفِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى»
وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا تَهَجَّدَ يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ»
قَالَ: وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ»
(1/127)
قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَالَّذِي نَخْتَارُ لِمَنْ صَلَّى بِاللَّيْلِ أَنْ يُصَلِّيَ مَثْنَى مَثْنَى، يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيَجْعَلَ آخِرَ صَلاتِهِ رَكْعَةً لِهَذِهِ الأَحَادِيثِ، وَقَوْلُهُ: هَذَا عِنْدَنَا اخْتِيَارٌ لا إِيجَابٌ، لأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى بِاللَّيْلِ خَمْسًا لَمْ يُسَلِّمْ إِلا فِي آخِرِهِنَّ، فَاسْتَدْلَلْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: الصَّلاةُ مَثْنَى مَثْنَى، إِنَّمَا هُوَ اخْتِيَارٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُصَلِّيَ ثَلاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ تِسْعًا، لا يُسَلِّمُ إِلا فِي آخِرِهِنَّ فَذَلِكَ لَهُ مُبَاحٌ، وَالاخْتِيَارُ أَنْ يُسَلِّمَ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَيُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ
بَابُ افْتِتَاحُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاتَهُ مِنَ اللَّيْلِ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ
حَدَّثَنَا يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي حُرَّةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ لِلصَّلاةِ افْتَتَحَ صَلاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ» ، قَالَ: وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنٍ، طَوِيلَتَيْنِ» ، الْحَدِيثَ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَلْيَبْدَأْ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ» قَالَ: قَالَ هِشَامٌ: فَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ، يَقْرَأُ فِيهِمَا، فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ} [البقرة: 254، إِلَى قَوْلِهِ: أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ سورة البقرة آية 257] ، وَفِي الثَّانِيَةِ: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [البقرة: 284] ، إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ فَلْيَفْتَتِحْ صَلاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ»
قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهَذَا عِنْدَنَا اخْتِيَارٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، فَإِنِ افْتَتَحَ صَلاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ فَذَلِكَ مُبَاحٌ
وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ الأَحْنَفِ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " صَلَّيْتُ لَيْلَةً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَافْتَتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَقُلْتُ: يَقْرَأُ مِائَةَ آيَةٍ، ثُمَّ يَرْكَعُ فِيهَا "، الْحَدِيثَ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا أَبُو صَالِحٍ، ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَاصِمَ بْنَ حُمَيْدٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً، فَبَدَأَ فَاسْتَاكَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقُمْتُ مَعَهُ فَاسْتَفْتَحَ مِنَ الْبَقَرَةِ، لا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلا وَقَفَ، فَسَأَلَ، وَلا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلا وَقَفَ، فَتَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ فَمَكَثَ رَاكِعًا بِقَدْرِ قِيَامِهِ، وَيَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: «سُبْحَانَ ذِي الْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ» ، ثُمَّ سَجَدَ بِقَدْرِ رُكُوعِهِ، ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ آلَ عِمْرَانَ، ثُمَّ سُورَةَ النِّسَاءِ، ثُمَّ سُورَةً سُورَةً، يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ
(1/128)
بَابُ الاخْتِيَارِ لِطُولِ الْقِيَامِ فِي صَلاةِ اللَّيْلِ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَلِيٍّ الأَزْدِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُنَيْسٍ الْخَثْعَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سُئِلَ: أَيُّ الصَّلاةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «طُولُ الْقِيَامِ» ، قَالَ: وَفِي لَفْظٍ لِعَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «طُولُ الْقُنُوتُ»
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ، عَنْ صِلَةَ، عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيْلَةً فَاسْتَفْتَحَ بِالْبَقَرَةِ، قُلْتُ: " يَقْرَأُ بِالْمِائَةِ، ثُمَّ يَرْكَعُ، فَلَمَّا جَاوَزَهَا، قُلْتُ: يَقْرَؤُهَا فِي رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا بَلَغَ النِّسَاءَ، قُلْتُ: يَقْرَؤُهَا فِي رَكْعَةٍ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا افْتَتَحَ سُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَجَعَلَ لا يَمُرُّ بِتَسْبِيحٍ، وَلا تَكْبِيرٍ، وَلا تَهْلِيلٍ، وَلا ذِكْرِ جَنَّةٍ، وَلا نَارٍ إِلا وَقَفَ فَسَأَلَ أَوْ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَجَعَلَ، يَقُولُ وَهُوَ رَاكِعٌ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ» ، قَدْرَ قِيَامِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ، قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» ، فَقَامَ طَوِيلا، ثُمَّ سَجَدَ فَجَعَلَ، يَقُولُ وَهُوَ سَاجِدٌ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى»
قَالَ: وَعَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
(1/129)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَطَالَ حَتَّى هَمَمْتُ بِأَمْرِ سُوءٍ، قَالَ: وَمَا هَمَمْتَ بِهِ؟ قَالَ: هَمَمْتُ أَنْ أَجْلِسَ وَأَدَعَهُ "
قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي طُولِ الْقِيَامِ فِي الصَّلاةِ، وَكَثْرَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَثْرَةُ السُّجُودِ أَفْضَلُ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَنْ سَجَدَ لِلَّهِ سَجْدَةً رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً» ، وَأَنَّهُ قَالَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ» ، وَغَيْرُ ذَلِكَ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا، بَلْ طُولُ الْقِيَامِ أَفْضَلُ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سُئِلَ: أَيُّ الصَّلاةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «طُولُ الْقِيَامِ» قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ الصَّلاةِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ»
وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، ثنا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الْمُنِيبِ، قَالَ: رَأَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَتًى أَطَالَ الصَّلاةَ وَأَطْنَبَ فِيهَا، فَقَالَ: أَيُّكُمْ يُعْرَفُ هَذَا؟ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا أَعْرِفُهُ، فَقَالَ: أَمَا إِنِّي لَوْ عَرَفْتُهُ لأَمَرْتُهُ أَنْ يُكْثِرَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاةِ أُتِيَ بِذُنُوبِهِ كُلِّهَا فَوُضِعَتْ عَلَى عَاتِقِهِ فَكُلَّمَا رَكَعَ أَوْ سَجَدَ تَسَاقَطَتْ عَنْهُ»
قَالَ: وَعَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ حَسَّانٍ: سَأَلْتُ أَبَا مِجْلَزٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: " أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ، طُولُ الْقِيَامِ أَوِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؟ ، قَالَ: طُولُ الْقِيَامِ " قَالَ: وَقَالَ شَرِيكٌ: كَانَ يُقَالُ: «طُولُ الْقُنُوتِ بِاللَّيْلِ، وَكَثْرَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِالنَّهَارِ» ، وَهُوَ قَوْلُ يَحْيَى بْنِ آدَمَ، وَقَالَ: وَفِي الأَخْبَارِ الْمَرْوِيَّةِ فِي صِفَةِ صَلاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِاللَّيْلِ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِيَارِهِ طُولَ الْقِيَامِ وَتَطْوِيلَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَكْثَرَ مَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ صَلَّى مِنَ اللَّيْلِ ثَلاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِالْوِتْرِ، وَقَدْ صَلَّى إِحْدَى عَشْرَةَ، وَتِسْعَ رَكَعَاتٍ، وَسَبْعَ رَكَعَاتٍ يُطَوِّلُ فِيهَا الْقِرَاءَةَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ جَمِيعًا، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى تَفْضِيلِ التَّطْوِيلِ عَلَى كَثْرَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَالَ: وَقَدْ رُوِّينَا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ سُئِلَ أَيُّ الصَّلاةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «طُولُ الْقِيَامِ»
(1/130)
بَابُ التَّرْتِيلِ فِي الْقِرَاءَةِ
قَالَ: عَنْ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقْرَأُ بِالسُّورَةِ فَيُرَتِّلُهَا حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلُ مِنْهَا» قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: «كَانَ يُصَلِّي فِي سِبْحَتِّهِ وَيُرَتِّلُ السُّورَةَ حَتَّى تُكُونَ قِرَاءَتُهُ أَطْوَلُ مِنْ أَطْوَلِ مِنْهَا»
قَالَ: وَعَنْ يَعْلِي بْنِ مَمْلَكٍ، أَنَّهُ سَأَلَ أُمَّ سَلَمَةَ، عَنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَلاتِهِ، فَقَالَتْ: «مَالَكُمْ وَصَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ، كَانَ يُصَلِّي، ثُمَّ يَنَامُ قَدْرَ مَا صَلَّى، ثُمَّ يُصَلِّي قَدْرَ مَا نَامَ، ثُمَّ يَنَامُ قَدْرَ مَا صَلَّى حَتَّى يُصْبِحَ، وَتَنْعَتُ لَهُ قِرَاءَتَهُ، فَإِذَا هِيَ تَنْعَتُ قِرَاءَةً مُفَسَّرَةً حَرْفًا حَرْفًا»
قَالَ: وَعَنْهَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِذَا قَرَأَ يُقَطِّعُ آيَةً آيَةً: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1-3] "
قَالَ: وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَرَأَ الطُّولَ قِرَاءَةً لَيْسَتْ بِالْخَفِيضَةِ وَلا بِالرَّفِيعَةِ يَحْتَبِسُ وَيُرَتِّلُ ثُمَّ رَكَعَ»
قَالَ: عَنْ عَلْقَمَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: «صَلَّيْتُ مَعَ ابْنِ مَسْعَوُدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ إِلَى انْصِرَافِهِ مِنَ الْفَجْرِ، فَكَانَ يُرَتِّلُ وَلا يَرْتَجِعُ وَيُسْمِعُ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ» قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: " أَنَّ عَلْقَمَةَ، قَرَأَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ فَكَأَنَّهُ عَجِلَ، وَقَالَ: وَاتْلُ فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي فَإِنَّهُ زَيْنُ الْقُرْآنِ " قَالَ: وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا} [المزمل: 4] ، قَالَ: «بَيَّنَهُ تَبِيِّينَا»
قَالَ: وَعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: " سَافَرْتُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَهُمْ يَسِيرُونَ إِلَيْهَا وَيَنْزِلُونَ بِاللَّيْلِ، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُومُ نِصْفَ اللَّيْلِ فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ حَرْفًا حَرْفًا، ثُمَّ حَكَى قِرَاءَتَهُ، قَالَ: ثُمَّ يَبْكِي حَتَّى تَسْمَعَ لَهُ نَشِيجًا "
(1/131)
قَالَ: وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لا تَهْذُوا الْقُرْآنَ كَهَذَا الشِّعْرِ، وَلا تَنْثُرُوا كَنَثْرِ الدَّقْلِ، وَقِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ، وَلا يَكُونُ هَمُّ أَحَدِكُمْ مِنَ السُّورَةِ آخِرِهَا» قَالَ: قَالَ ابْنُ عَوْنٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، يُحِبُّ التَّرْتِيلَ فِي الْقُرْآنِ وَيَخْتَارُهُ، وَكَانَ هُوَ يَبْدَأُ فَيُرَتِّلُ، ثُمَّ يَنْدَفِعُ فَرُبَّمَا خَفِيَ عَلَيَّ مِنْ قِرَاءَتِهِ قَالَ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هَذِهِ الأَصْوَاتُ الَّتِي تَقْرَؤُنَهَا مُحْدَثَةٌ قَالَ: وَقِيلَ لِمُجَاهِدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: رَجَلٌ يَجْعَلُ فِي الْقِرَاءَةِ وَآخَرٌ يَتَرَسَّلُ؟ "، قَالَ: إِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى النَّاسِ أَعْقَلُهُمْ عَنْهُ
بَابُ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلاةِ اللَّيْلِ
عَنْ أُمِّ هَانِئٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كُنْتُ أَسْمَعُ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنَ اللَّيْلِ وَأَنَا عَلَى عَرِيشٍ أَهْلِي، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِذَا قَرَأَ رَفَعَ طَوْرًا وَخَفِضَ طَوْرًا، وَذَكَرَ أَنَّهَا قِرَاءَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»
قَالَ: وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنَ اللَّيْلِ أَكَانَ يَجْهَرُ أَمْ يُسِرُّ؟ قَالَتْ: «كُلُّ ذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ رُبَّمَا جَهَرَ وَرُبَّمَا أَسَرَّ»
حَدَّثَنَا هَارُونُ، ثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْمُسِرُّ بِالْقُرْآنِ كَالْمُسِرِّ بِالصَّدَقَةِ، وَالْجَهْرُ بِالْقُرْآنِ كَالْجَهْرِ بِالصَّدَقَةِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «الْجَاهِرُ بِالْقُرْآنِ كَالْجَاهِرِ بِالصَّدَقَةِ، وَالْمُسِرُّ بِالْقُرْآنِ كَالْمُسِرِّ بِالصَّدَقَةِ»
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَمِّي، ثنا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ
(1/132)
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبَّادٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: هَبَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَاتَ لَيْلَةٍ وَتَهَجَّدَ عُبَّادٌ مِنْ دَارِ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، إِلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشَةُ، أَصَوْتُ عَبَّادِ بْنِ بِشْرٍ وَهُوَ يَقْرَأُ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «اللَّهُمَّ ارْحَمْ عِبَادًا»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، ثنا عَبْدَةُ، ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلا يَقْرَأُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: «لَقَدْ أَذْكَرَنِي كَذَا وَكَذَا مِنْ آيَةٍ قَدْ كُنْتُ أَسْقَطْتُهُنَّ مِنْ سُورَةِ كَذَا وَكَذَا»
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ، ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لأَعْرِفُ أَصْوَاتَ رُفْقَةِ الأَشْعَرِيِّينَ بِالْقُرْآنِ حِينَ يَدْخُلُونَ بِاللَّيْلِ، وَأَعْرِفُ مَنَازِلَهُمْ مِنْ أَصْوَاتِهِمْ بِالْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ، وَإِنْ كُنْتُ لَمْ أَرْ مَنَازِلَهُمْ حِينَ نَزَلُوا بِالنَّهَارِ وَمِنْهُمْ حَكِيمٌ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، ثنا إِسْرَائِيلُ، ثنا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ يُثَيْعٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِذَا قَرَأَ خَافَتَ صَوْتَهُ، وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِذَا قَرَأَ رَفَعَ صَوْتَهُ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَا أَرَدْتَ؟» ، قَالَ: إِنِّي أُسْمِعُ مَنْ أُنَاجِي، قَالَ: «صَدَقْتَ» ، وَقَالَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَا أَرَدْتَ؟» ، قَالَ: أَطْرُدُ الشَّيْطَانَ، وَأُوقِظُ الْوَسْنَانَ، قَالَ: «صَدَقْتَ»
قَالَ: وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ جَهْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِرَاءَةِ بِاللَّيْلِ، فَقَالَ: «كَانَ يَقْرَأُ فِي حُجْرَتِهِ قِرَاءَةً لَوْ أَرَادَ حَافَظٌ أَنْ يَحْفَظُهَا فَعَلَ»
(1/133)
حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الدَّارِمِيُّ، ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، ثنا أَبِي، سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ رَاشِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ السَّهْمِيَّ، صَلَّى فَجَهَرَ بِصَلاتِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا ابْنَ حُذَافَةَ، لا تُسْمِعْنِي وَسَمِّعِ اللَّهَ»
قَالَ: وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِذَا هَدَأَتِ الْعُيُونُ سُمِعَ لَهُ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ حَتَّى يُصْبِحَ» قَالَ: وَعَنْ أَبِي الأَحْوَصِ رَحِمَهُ اللَّهُ: «إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَطْرُقُ الْفُسْطَاطَ لَيْلا فَيَسْمَعُ لَهُمْ دَوِيًّا كَدَوِيِّ النَّحْلِ، فَمَا بَالُ هَؤُلاءِ يَأْمَنُونَ مَا كَانَ أُولَئِكَ يَخَافُونَ» قَالَ: وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَتَتْنَا عَمْرَةُ، فَبَاتَتْ عِنْدَنَا فَقُمْتُ مِنَ اللَّيْلِ أُصَلِّي فَجَعَلْتُ أُخَافِتُ بِقِرَاءَتِي، فَقَالَتْ: «يَا ابْنَ أُخْتِي لِمَ لا تَجْهَرْ بِالْقُرْآنِ، فَوَاللَّهِ مَا كَانَ يُوقِظُنَا بِاللَّيْلِ إِلا قِرَاءَةُ مُعَاذٍ الْقَارِئِ، أَوْ قِرَاءَةُ أَفْلَحَ مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ» قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: وَتَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: «كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ بِاللَّيْلِ»
بَابُ مَدِّ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ
قَالَ: عَنْ قَتَادَةَ، سَأَلْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: «كَانَتْ مَدًّا» ، ثُمَّ قَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَمُدُّ بِسْمِ اللَّهِ وَيَمُدُّ الرَّحْمَنِ وَيَمُدُّ بِالرَّحِيمِ
قَالَ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَطَاوُسُ رَحِمَهُ اللَّهُ: «كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ إِذَا قَامَ الرَّجُلُ مِنَ اللَّيْلِ أَنْ يَمُدَّ صَوْتَهُ بِالآيَةِ مِنَ الْقُرْآنِ»
(1/134)
بَابُ التَّرْجِيعِ فِي الْقِرَاءَةِ
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلادٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدٍ، ثنا أَبُو إِيَاسٍ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَسِيرُ عَلَى نَاقَتِهِ أَوْ بَعِيرِهِ يَوْمَ فَتْحَ مَكَّةَ، فَقَرَأَ الْفَتْحَ فَرَجَّعَ» ، قَالَ: جَعَلَ أَبُو إِيَاسٍ يُرَجِّعُ فِي قِرَاءَتِهِ قَالَ: وَيُذْكَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ رَجَّعَ قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ أُمِّ هَانِئٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «كُنْتُ أَسْمَعُ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِاللَّيْلِ وَأَنَا نَائِمَةٌ عَلَى عَرِيشِي يُرَجِّعُ بِالْقُرْآنِ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا بَقِيَّةُ، حَدَّثَنِي حُصَيْنُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ شَيْخًا يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ، وَكَانَ قَدِيمًا يُحَدِّثُ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ بِلُحُونِ الْعَرَبِ وَأَصْوَاتِهَا، وَلا تَقْرَءُوا الْقُرْآنَ بِلُحُونِ أَهْلِ الْعِشْقِ وَأَهْلِ الْكِتَابَيْنِ، فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ مِنْ بَعْدِي قَوْمٌ يُرَجِّعُونَ بِالْقُرْآنِ تَرْجِيعَ الْغِنَاءِ وَالرَّهْبَانِيَّةِ وَالنَّوْحِ، لا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، مَفْتُونَةٌ قُلُوبُهُمْ وَقُلُوبُ الَّذِينَ يُعْجِبُهُمْ شَأْنُهُمْ»
قَالَ: وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِيَّاكُمْ وَالْهَذَّاذِينَ الَّذِينَ يَهُذُّونَ الْقُرْآنَ، يُسْرِعُونَ بِقِرَاءَتِهِ، فَإِنَّمَا مَثَلُ أُولَئِكَ كَمَثَلِ الْكُنَّةِ، لا أَمْسَكَتْ مَاءً وَلا أَنْبَتَتْ كَلأً»
(1/135)
قَالَ: وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: " الْقِرَاءَةُ عَلَى الْغِنَاءِ، قَالَ: وَمَا بَأْسُ ذَلِكَ " قَالَ: وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: كَانَ دَاوُدُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ: «يَأْخُذُ الْعَزْفَةَ فَيَضْرِبُ بِهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ عَلَيْهَا يُرَدِّدُ بِهَا صَوْتَهُ، يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَبْكِيَ وَيُبْكِيَ» قَالَ: وَقَرَأَ رَجُلٌ عِنْدَ الأَعْمَشِ، فَرَجَّعَ قَرَأَ بِهَذِهِ الأَلْحَانِ، فَقَالَ الأَعْمَشُ: «قَرَأَ رَجُلٌ عِنْدَ أَنَسٍ نَحْوَ هَذَا فَكَرِهَهُ» قَالَ: وَسَمِعَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ، رَجُلا يَتَشَدَّقُ فِي الْقِرَاءَةِ وَيَتَنَطَّعُ فِيهَا فَكَرِهَ ذَلِكَ قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: قَرَأَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، رَجُلٌ فَأَعْجَبَتْ قِرَاءَتُهُ عُمَرَ: فَقَالَ لَهُ: إِنْ خَفَّ عَلَيْكَ أَنْ تَأْتِينَا فَافْعَلْ، قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا وَلَّى رَجَعَ، فَقَالَ: " أَصْلَحَكَ اللَّهُ، وَاللَّهِ مَا قَرَأْتُ عَلَيْكَ إِلا بِلَحْنٍ وَاحِدٍ مِنْ أَلْحَانِي، وَإِنِّي لأَقْرَأُ بِكَذَا وَكَذَا لَحْنًا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَوَ إِنَّكَ لَمِنْ أَصْحَابِ الأَلْحَانِ اخْرُجْ لا تَأْتِنَا " قَالَ: وَسَمِعَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ رَحِمَهُ اللَّهُ، رَجُلا يَقْرَأُ فِيمَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قِرَاءَةً فِيهَا طَرَبٌ، فَقَالَ لِلْغُلامِ: اذْهَبْ إِلَى هَذَا الْمُغَنِّي فَمُرْهُ لِيَحْتَبِسْ صَوْتَهُ، فَذَهَبَ فَإِذَا هُوَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ سَعِيدٌ: «دَعْهُ فَإِنَّهُ مِنْ خَيْرِ فِتْيَانِهِمْ» قَالَ: وَعَنِ ابْنِ عَوْنٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: سُئِلَ مُحَمَّدٌ عَنْ هَذِهِ الأَصْوَاتِ بِالْقِرَاءَةِ، فَقَالَ: «هِيَ مُحْدَثَةٌ» -
(1/136)
بَابُ تَحْزِينِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ وَتَحْسِينِهِ
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا الأَوْزَاعِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْمُهَاجِرِ، عَنْ مَيْسَرَةَ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَلَّهُ أَشَدُّ أَذَنًا إِلَى الرَّجُلِ الْحَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ مِنْ صَاحِبِ الْقَيْنِ إِلَى قَيْنَتِهِ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْسَجَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» ، قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: «حَسِّنُوا الْقُرْآنُ بِأَصْوَاتِكُمْ، فَإِنَّ الصَّوْتَ الْحَسَنَ يَزِيدُ الْقُرْآنَ حُسْنًا»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا سَعِيدُ بْنُ زَرْبِيٍّ، ثنا خَالِدٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلا قَدْ أَعْطَانِي اللَّهَ حُسْنَ صَوْتٍ بِالْقُرْآنِ، فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَسْتَقْرِئُنِي، وَيَقُولُ لِيَ: اقْرَأْ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ حُسْنَ الصَّوْتِ تَزْيِينٌ لِلْقُرْآنِ»
حَدَّثَنَا يَحْيَى، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعَ قِرَاءَةَ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «لَقَدْ أُوتِيَ هَذَا مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «لَقَدْ أُوتِيَ هَذَا مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ»
قَالَ: وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقُولُ لأَبِي مُوسَى وَهُوَ جَالِسٌ مَعَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ: «ذَكِّرْنَا رَبَّنَا يَا أَبَا مُوسَى» فَيَقْرَأُ عِنْدَهُ
قَالَ: وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ أَبَا مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَامَ لَيْلَةً يُصَلِّي، فَسَمِعَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ، وَكَانَ حُلْوَ الصَّوْتِ، فَقُمْنَ يَسْتَمِعْنَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قِيلَ لَهُ: إِنَّ النِّسَاءَ كُنَّ
(1/137)
يَسْتَمِعْنَ، فَقَالَ: «لَوْ عَلِمْتُ لَحَبَّرْتُ لَكُنَّ تَحْبِيرًا وَلَشَوَّقْتُكُنَّ تَشْوِيقًا»
قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ: «مَا سَمِعْتُ صَنْجًا وَلا بَرْبَطًا وَلا مِزْمَارًا أَحْسَنَ صَوْتًا مِنْ أَبِي مُوسَى، إِنْ كَانَ لَيُصَلِّي بِنَا فَنَوَدُّ أَنَّهُ قَرَأَ الْبَقَرَةَ مِنْ حُسْنِ صَوْتِهِ» ، وَكَانَ أَبُو مُوسَى، يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَلا تَنْهَى هَذَا عَنْ أَنْ يُغَنِّيَ بِالْقُرْآنِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَمْهَلَ عُمَرُ حَتَّى إِذَا كَانَ اللَّيْلُ خَرَجَ فَاسْتَمَعَ لأَبِي مُوسَى وَهُوَ يَقْرَأُ، فَلَمَّا سَمِعَ قِرَاءَتَهُ رَقَّ لَهَا حَتَّى بَكَى» ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ، قَالَ لَهُمْ: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُغَنِّيَ غَنَاءَ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَلْيَفْعَلْ» ، وَقَدِمَ أَبُو مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَلَى مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَنَزَلَ فِي بَعْضِ الدُّورِ بِدِمَشْقَ، فَخَرَجَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنَ اللَّيْلِ إِلَى مَنْزِلِهِ يَمْشِي حَتَّى اسْتَمَعَ قِرَاءَتَهُ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا عُمَرُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا مَرْزُوقٌ أَبُو بَكْرٍ، عَنِ الأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ: أَيُّ النَّاسِ أَحْسَنُ قِرَاءَةً؟ قَالَ: «الَّذِي إِذَا سَمِعْتَ قِرَاءَتَهُ رَأَيْتَ أَنَّهُ يَخْشَى اللَّهَ»
حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: أَبْطَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ، ثُمَّ جِئْتُ، قَالَ: «أَيْنَ كُنْتِ؟» ، قُلْتُ: أَتَسَمَّعُ قِرَاءَةَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِكَ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ أَسْمَعْ مِثْلَ صَوْتِهِ، وَقِرَاءَتِهِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِكَ، قَالَتْ: فَقَامَ وَقُمْتُ مَعَهُ حَتَّى اسْتَمَعَ لَهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ، فَقَالَ: «هَذَا سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مِثْلَ هَذَا»
-
(1/138)
بَابُ التَّغَنِّي بِالْقُرْآنِ وَالاسْتِغْنَاءِ بِهِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ»
قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِي يَسْتَغْنِي بِهِ، مَا أَذِنَ اللَّهُ لشَيْءٍ: مَا اسْتَمَعَ اللَّهُ لشَيْءٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا} [الانشقاق: 2] ، وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا: اسْتَمَعَتْ، وَأَنْشُدُ أَبُو قُدَامَةَ:
إِنْ يَسْمَعُوا رَيْبَةً طَارُوا بِهَا فَرَحًا ... وَإِنْ ذُكِرْتَ بِسُوءٍ عِنْدَهُمْ أَذِنُوا
وَفِي رِوَايَةٍ: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ تَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ» قَالَ: وَفِي أُخْرَى: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لشَيْءٍ إِذْنَهُ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَهِيكٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَابْكُوا، فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكَوْا، لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» قَالَ: وَفِي أُخْرَى: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ نَزَلَ بِحُزْنٍ فَإِذَا قَرَأْتُمُوهُ فَابْكُوا، فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكَوْا، وَتَغَنَّوْا بِهِ، فَمَنْ لَمْ يَتَغَنَّ فَلَيْسَ مِنَّا»
قَالَ: قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: «يَعْنِي يَسْتَغْنِي بِهِ عَمَّا سِوَاهُ مِنَ الْكَلامِ» قَالَ: وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: «هُوَ الَّذِي يَتَحَزَّنُ بِهِ»
(1/139)
قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَلَفْظُهَا: «مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ فَلَيْسَ مِنَّا»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا بَكْرُ بْنُ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، ثنا مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَعَلَّمُوا كِتَابَ اللَّهِ، وَتَعَاهَدُوهُ، وَتَغَنَّوْا بِهِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْمَخَاضِ فِي الْعُقُلِ» قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: «فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنَ الْمَخَاضِ فِي الْعُقُلِ»
قَالَ: وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 25] ، قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِدَاوُدَ، عَلَيْهِ السَّلامُ، وَهُوَ قَائِمٌ عِنْدَ سَاقِ الْعَرْشِ: " يَا دَاوُدُ مَجِّدْنِي بِذَاكَ الصَّوْتِ الْحَسَنِ الرَّخِيمِ، فَيَقُولُ: كَيْفَ وَقَدْ سَلَبْتَنِيهُ فِي الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: إِنِّي أَرُدُّهُ عَلَيْكَ، فَيَرْفَعُ دَاوُدُ، عَلَيْهِ السَّلامُ صَوْتَهُ بِالزَّبُورِ فَيَسْتَفْرِغُ صَوْتُ دَاوُدَ، نُعَيْمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ " قَالَ: وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلا حَسَنَ الْوَجْهِ وَالصَّوْتُ» -
بَابُ نُزُولِ الْمَلائِكَةِ وَالسَّكِينَةِ وَحُضُورِ عُمَّارِ الدَّارِ صَلاةَ الْمُصَلِّي بِاللَّيْلِ لاسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ
حَدَّثَنَا يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ، وَعِنْدَهُ فَرَسٌ مَرْبُوطٌ بِشَظْيَتَيْنِ فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدْنُو وَتَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ مِنْهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ»
(1/140)
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا مُعَاذٌ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، قَالَ: بَيْنَا أنا أُصَلِّي، ذَاتَ لَيْلَةٍ رَأَيْتُ مِثْلَ الْقَنَادِيلِ نُورًا تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ وَقَعْتُ سَاجِدًا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فَهَلا مَضَيْتَ يَا أَبَا عَتِيكٍ؟» ، قُلْتُ: مَا اسْتَطَعْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا رَأَيْتُهُ إِنْ وَقَعَتْ سَاجِدًا، قَالَ: «أَمَا إِنَّكَ لَوْ مَضَيْتَ لَرَأَيْتَ الْعَجَائِبَ كَانَتَ تِلْكَ الْمَلائِكَةُ تَنَزَّلُوا إِلَى الْقُرْآنِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «تِلْكَ الْمَلائِكَةُ نَزَلَتْ لِقِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ مَضَيْتَ لَرَأَيْتُ الْعَجَائِبَ» قَالَ: وَفِي أُخْرَى: «إِنَّ ذَاكَ مَلَكٌ اسْتَمَعَ الْقُرْآنَ» قَالَ: وَفِي لَفْظٍ: " تِلْكَ الْمَلائِكَةُ دَنَتْ لَصَوْتِكَ وَلَوْ قَرَأْتَ لأَصْبَحَتْ تَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا لا تَتَوَارَى مِنْهُمْ، ثُمَّ قَالَ: اقْرَأْ يَا أُسَيْدُ، فَقَدْ أُوتِيتَ مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ "
قَالَ: وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيَجْهَرْ بِقِرَاءَتِهِ فَإِنَّهُ يُطْرُدُ بِجَهْرِ قِرَاءَتِهِ الشَّيَاطِينَ، وَفُسَّاقَ الْجِنِّ، وَإِنَّ الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ فِي الْهَوَاءِ وَسُكَّانَ الدَّارِ يَسْتَمِعُونَ لِقِرَاءَتِهِ وَيُصَلُّونَ بِصَلاتِهِ، فَإِذَا مَضَتْ هَذِهِ اللَّيْلَةُ أَوْصَتِ اللَّيْلَةَ الْمُسْتَأْنَفَةَ، فَتَقُولُ: نَبِّهِيهِ لِسَاعَتِهِ وَكُونِي عَلَيْهِ خَفِيفَةً "، قَالَ: وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ: «بَلَغَنِي أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ لِلصَّلاةِ هَبَطَتْ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ تَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِهِ وَاسْتَمَعَ لَهُ عُمَّارُ الدَّارِ وَسُكَّانُ الْهَوَاءِ» قَالَ: وَعَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيُّ، كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى تَهَجُّدِهِ مِنَ اللَّيْلِ قَامَ مَعَهُ سُكَّانُ دَارِهِ مِنَ الْجِنِّ فَصَلَّوْا بِصَلاتِهِ وَاسْتَمَعُوا لِقِرَاءَتِهِ " قَالَ: وَعَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ، عَنْ أَبِيهِ بِنَحْوِهِ
بَابُ الْوُقُوفِ عِنْدَ آيَةِ الرَّحْمَةِ وَالْعَذَابِ وَالدُّعَاءُ عِنْدَ ذَلِكَ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " أَنَّهُ إِذَا قُرِأَتْ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق: 1] ، فَقُلْ: أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وَإِذَا قُرِأَتْ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] ، فَقُلْ: أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ " قَالَ: وَعَنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا مَرَّ بِالآيَةِ فِيهَا تَخْوِيفٌ أَوْ تَرْغِيبٌ وَقَفَ فَتَعَوَّذَ وَسَأَلَ، وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ يَكْرَهُ ذَلِكَ -
(1/141)
بَابُ الْبُكَاءِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ نَزَلَ بِحَزَنٍ فَإِذَا قَرَأْتُمُوهُ فَابْكُوا إِلَى آخِرِهِ
قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا حَامِدٌ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُصَلِّي وَفِي صَدْرِهِ أَزِيرٌ كَأَزِيرِ الْمِرْجَلِ مِنَ الْبُكَاءِ»
قَالَ: وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كَانَ يُسْمَعُ أَزِيرُ صَدْرِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ، إِذَا قَامَ فِي الصَّلاةِ مِنْ مَسِيرَةِ مِيلٍ خَوْفًا مِنْ رَبِّهِ»
حَدَّثَنَا الدَّوْرَقِيُّ أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَأْ عَلَيَّ» ، فَقُلْتُ: أَقْرَأَهُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ: «إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي» ، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41] ، غَمَزَنِي غَامِزٌ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا عَيْنَاهُ تَهْمِلانِ
قَالَ: وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " يَقْرَأُ فِي صَلاةِ الْغَدَاةِ بِالْمِئِينَ، بِـ الْكَهْفِ، وَمَرْيَمَ، وَ {طَه} [البقرة: 25] وَ {اقْتَرَبَ} [الأعراف: 185] ، وَنَحْوِهِنَّ مِنَ السُّوَرِ، فَأَتَيْتُ يَوْمًا مَعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي صَلاةِ الْغَدَاةِ وَأَنَا فِي آخِرِ صُفُوفِ الرِّجَالِ مَا يَلِي النِّسَاءَ، وَهُوَ يَقْرَأُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا يُوسُفُ، عَلَيْهِ السَّلامُ، فَمَرَّ بِهَذِهِ الآيَةِ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86] ، وَكَانَ جَهِيرَ الْقِرَاءَةِ، فَبَكَى حَتَّى انْقَطَعَتْ قِرَاءَتُهُ وَحَتَّى سَمِعْتُ نَحِيبَهُ "
قَالَ: وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: «غَلَبَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، الْبُكَاءُ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ حَتَّى سَمِعْتُ نَحِيبَهُ مِنْ وَرَاءِ ثَلاثَةِ صُفُوفٍ» قَالَ: وَعَنِ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَمُرُّ بِالآيَةِ مِنْ وِرْدِهِ بِاللَّيْلِ فَيَبْكِي حَتَّى يَسْقُطَ وَيَبْقَى فِي الْبَيْتِ حَتَّى يُعَادَ لِلْمَرَضِ»
(1/142)
قَالَ: وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، رَجُلا بَكَّاءً لا يَمْلِكُ دَمْعَهُ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ»
حَدَّثَنَا يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ صَلَّى مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَلَسَ وَثَنَى رِجْلَيْهِ، وَقَالَ: وَاغَوْثِي بِاللَّهِ الْعَظِيمِ مِنَ النَّارِ، ثُمَّ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَقَدْ أَبْكَيْتَ مَلأً مِنَ الْمَلائِكَةِ عَظِيمًا اللَّيْلَةَ بِقَوْلِكَ: وَاغَوْثِي بِاللَّهِ الْعَظِيمِ مِنَ النَّارِ " قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَرَّ بِشَابٍّ، يَقْرَأُ: {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} [الرحمن: 37] ، فَوَقَفَ فَاقْشَعَرَّ وَخَنَقَتْهُ الْعَبْرَةُ فَجَعَلَ يَبْكِي، وَيَقُولُ: وَيْحِي فِي يَوْمٍ تَنْشَقُّ فِيهِ السَّمَاءُ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهَا: «يَا فَتَى فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ بَكَتِ الْمَلائِكَةُ مِنْ بُكَائِكَ» قَالَ: وَأَتَى عَلَى شَابٍّ يُنَادِي فِي جَوْفِ اللَّيْلِ: وَاغَوْثَاهُ مِنَ النَّارِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، قَالَ: «يَا شَابُّ لَقَدْ أَبْكَيْتَ الْبَارِحَةَ أَعْيُنَ مَلإٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ كَثِيرٍ»
قَالَ: وَعَنْ نَافِعِ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ فَيَمُرُّ بِالآيَةِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ فَيَقِفُ فَيَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَيَدْعُو، وَرُبَّمَا بَكَى، وَيَمُرُّ بِالآيَةِ فِيهَا ذِكْرُ النَّارِ فَيَقِفُ وَيَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ وَيَدْعُو، وَرُبَّمَا بَكَى، وَكَانَ إِذَا أَتَى عَلَى هَذِهِ الآيَةِ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: 16] ، بَكَى، وَقَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، بَلَى يَا رَبِّ "
قَالَ: وَعَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بَيْتَهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَإِذَا هُوَ يَبْكِي فِي صَلاتِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَيَّ وَعَلِمَ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُهُ وَهُوَ يَبْكِي، فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الشَّمْسَ لَتَبْكِي مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، ابْكُوا فَإِنَّ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكَوْا»
قَالَ: وَعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: بَيْنَمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَرَاءَ الْمَقَامِ يُصَلِّي، وَقَدْ شَفَا الْقَمَرُ لِيَغِيبَ، مَرَّ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَارِقٍ، فَوَقَفَ، فَقَالَ لَهُ: " مَا لَكَ ابْنَ أَخِي، أَتَعْجَبُ مِنِّي أَنْ أَبْكِيَ، فَوَاللَّهِ إِنَّ هَذَا الْقَمَرَ لَيَبْكِي مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ حَقَّ الْعِلْمِ لَبَكَى أَحَدُكُمْ حَتَّى يَنْقَطِعَ صَوْتُهُ وَلَسَجَدَ حَتَّى يَنْكَسِرَ صُلْبُهُ، وَقَرَأَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1] ، فَلَمَّا أَتَى عَلَى هَذِهِ الآيَةِ: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6] ، بَكَى حَتَّى خُنَّ، وَحَتَّى انْقَطَعَ عَنْ قِرَاءَةِ مَا بَعْدَهَا "
(1/143)
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَبْكِي بِاللَّيْلِ حَتَّى رَسَعَتْ عَيْنَاهُ، وَيَبْكِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، حَتَّى عَمِشَ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «وَلأَنْ أَدْمَعَ دَمْعَةً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِينَارٍ» قَالَ: وَبَكَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَبَكَتِ امْرَأَتُهُ، فَقَالَ لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ قَالَتْ: أَبْكَانِي الَّذِي أَبْكَاكَ، قَالَ: «أَبْكَانِي أَنِّي وَارِدٌ النَّارَ فَلا أَدْرِي أَنَاجٍ مِنْهَا أَمْ لَا» ، وَجَلَسَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عِنْدَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ يَقُصُّ، فَكَانَتْ عَيْنَا ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، تُهْرَاقَانِ دُمُوعًا قَالَ: وَقَالَ أَبُو رَجَاءٍ: " كَانَ هَذَا الْمَكَانُ مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَ الشِّرَاكِ الْبَالِي مِنَ الدُّمُوعِ، وَوَضَعَ أُصْبُعَهُ عَلَى جَفْنِ عَيْنِهِ السُّفْلَى، وَقَرَأَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فِي الصَّلاةِ: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور: 27] ، فَبَكَتْ، ثُمَّ قَالَتِ: «اللَّهُمَّ مُنَّ عَلَيَّ وَقِنِي عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّكَ أَنْتَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنِ الرَّقَاشِيِّ الأَكْبَرِ، عَنْ أَنَسٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اطَّلَعَ مِنْ بَعْضِ بُيُوتِ نِسَائِهِ، وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، جَالِسَانِ، فَأَقْبَلَ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ، قَالَ: وَكَانَتْ لِحْيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَكْثَرُ شَيْبًا مِنْ رَأْسِهِ، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَسْرَعَ فِيكَ الشَّيْبُ: فَقَالَ: " أَجَلْ شَيَّبَتْنِي هُودٌ، وَأَخَوَاتُهَا: الْوَاقِعَةُ، والْقَارِعَةُ، وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وسَأَلَ سَائِلٌ "، قَالَ أَبُو صَخْرٍ، وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ قُسَيْطٍ: وَالْحَاقَّةُ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَحِيرٍ، ثنا
(1/144)
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ رَأْيُ عَيْنٍ فَلْيَقْرَأْ: إِذَا السَّمَاءُ كُوِّرَتْ، وإِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ، وَإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ "، قَالَ: وَأَحْسَبُهُ ذَكَرَ سُورَةَ هُودٍ
قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَمْ أَرَ رَجُلا يَجِدُ مِنَ الْقَشْعَرِيرَةِ مَا يَجِدُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَرَأَ: " {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالا وَجَحِيمًا، وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ} [المزمل: 12 - 13] ، فَصَعِقَ "
قَالَ: وَرَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَاهِبًا فَبَكَى، وَقَالَ: " ذَكَرْتُ قَوْلَ اللَّهِ: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ، تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} [الغاشية: 3 - 4] فَذَاكَ أَبْكَانِي " قَالَ: وَقَالَ عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: " كَانَ إِذَا قَرَأَ: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227] ، بَكَى حَتَّى أَقُولَ قَدِ انْدَقَّ قِضَضُ زَوْرِهِ " قَالَ: وَعَنِ الأَعْمَشِ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: «أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَلَمْ يَدْعُو أَبَا صَالِحٍ حَتَّى قَدَّمُوهُ، فَافْتَتَحَ سُورَةَ يُوسُفَ حَتَّى بَلَغَ حَيْثُ صَنَعُوا بِيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ مَا صَنَعُوا، فَوَقَعَ عَلَيْهِ الْبُكَاءُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُجَاوِزَ حَتَّى رَكَعَ» قَالَ: وَكَانَ عَمْرُو بْنُ عُتْبَةَ: " لا يَتَطَوَّعُ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلَّى مَرَّةً الْعِشَاءَ ثُمَّ جَاءَ مَنْزِلَهُ فَقَامَ يُصَلِّي حَتَّى إِذَا بَلَغَ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ} [غافر: 18] ، بَكَى، ثُمَّ سَقَطَ، فَمَكَثَ مَا شَاءَ ثُمَّ أَفَاقَ، فَقَرَأَ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ} [غافر: 18] ، فَبَكَى، ثُمَّ سَقَطَ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى أَصْبَحَ، مَا صَلَّى وَلا رَكَعَ " قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: قَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ: " يَا ابْنَ آدَمَ لا تَعْجَزْ أَنْ تَقُومَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي صَلاتِكَ بَاكِيًا، فَإِنِّي أَنَا الَّذِي اقْتَرَبَتُ لِقَلْبِكَ وَبِالْغَيْبِ رَأَيْتَ نُورِيَ، قَالَ مَالِكٌ: يَعْنِي تِلْكَ الرِّقَّةَ وَتِلْكَ الْفُتُوحَ الَّتِي يُفْتَحُ لَهُ بِقُرْبِ اللَّهِ مِنْهُ "
(1/145)
قَالَ: وَقَالَ سُفْيَانُ: كَانَ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ رَحِمَهُ اللَّهُ: " قَدْ عَمِشَ مِنَ الْبُكَاءِ، وَرُبَّمَا رَأَيْتُهُ يُصَلِّي هَهُنَا وَأَضْلاعُهُ تَخْتَلِفُ فَزَعَمُوا أَنَّهُ صَامَ سَنَتَيْنِ، وَقَامَهُمَا، وَكَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ، فَقَالَ: لا يَمْنَعَنَّكِ مَكَانِي فَتَزَوَّجِي إِنْ أَرَدْتِ ذَاكَ، قَالَ: «وَلَوْ رَأَيْتَ مَنْصُورًا يُصَلِّي لَقُلْتَ يَمُوتُ لِلسَّاعَةِ» قَالَ: وَقَرَأَ زُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى، وَهُوَ يَؤُمُّ فِي الْمَسْجِدِ الأَعْظَمِ: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر: 8 - 10] ، فَخَرَّ مَيِّتًا قَالَ: قَالَ بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: «فَكُنْتُ فِيمَنِ احْتَمَلَهُ حَتَّى أَتَيْنَا بِهِ دَارَهُ» قَالَ:
وَقَرَأَ قَارِئٌ عَلَى مَرْوَانَ الْمُحَلَّمِيِّ، الْقُرْآنَ فَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ قَالَ: وَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ مُحْرِزٍ: كَانَ لِدَاوُدَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ، يَوْمٌ يَتَأَوَّهُ فِيهِ، يَقُولُ: «أَوِّهْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ قَبْلَ لا أَوِّهْ» قَالَ: فَذَكَرَهَا صَفْوَانُ يَوْمًا فَغَلَبَهُ الْبُكَاءُ حَتَّى قَامَ قَالَ: وَعَنْ كَعْبٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ} [التوبة: 114] ، قَالَ: " كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلامُ، إِذَا ذَكَرَ النَّارَ، قَالَ: أَوِّهْ مِنَ النَّارِ أَوِّهْ "
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: ذُو الْبِجَادَيْنِ: «إِنَّهُ أَوَّاهٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يُكْثِرُ ذِكْرَ اللَّهِ بِالْقُرْآنِ وَالدُّعَاءِ»
قَالَ: وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: «مَنْ يَدُلُّنِي عَلَى رَجُلٍ بَكَّاءٍ بِاللَّيْلِ بَسَّامٍ بِالنَّهَارِ» ، وَاشْتَكَى ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَيْنَهُ، فَقَالَ لَهُ الطَّبِيبُ: اضْمَنْ لِي خَصْلَةً تَبْرَأْ عَيْنُكَ، لا تَبْكِي، قَالَ: «وَمَا خَيْرٌ فِي عَيْنٍ لا تَبْكِي» قَالَ: وَقَالَ ثَوْبَانُ رَحِمَهُ اللَّهُ: «طُوبَى لِمَنْ مَلَكَ لِسَانَهُ، وَوَسِعَهُ بَيْتُهُ، وَبَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ» قَالَ: وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ مَيْسَرَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: " الْبُكَاءُ مِنْ سَبْعَةِ أَشْيَاءَ: مِنَ الْفَرَحِ، وَالْجُنُونِ، وَالْوَجَعِ، وَالْفَزَعِ، وَالرِّيَاءِ، وَالسُّكْرِ، وَبُكَاءٌ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، فَذَاكَ الَّذِي تُطْفِي الدَّمْعَةُ مِنْهُ أَمْثَالَ الْبُحُورِ مِنَ النَّارِ " قَالَ: وَصَلَّى خُلَيْدٌ، فَقَرَأَ: " {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185] ، فَرَدَّدَهَا مِرَارًا، فَنَادَاهُ مُنَادٍ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ: كَمْ تُرَدِّدُ هَذِهِ الآيَةَ؟ فَلَقَدْ قَتَلْتَ بِهَا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ مِنَ الْجِنِّ، لَمْ يَرْفَعُوا رُءُوسَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ
(1/146)
حَتَّى مَاتُوا مِنْ تَرْدَادِكَ هَذِهِ الآيَةَ، فَوَلِهَ خُلَيْدٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَهًا شَدِيدًا حَتَّى أَنْكَرَهُ أَهْلُهُ، كَأَنَّهُ لَيْسَ الَّذِي كَانَ " قَالَ: وَسَمِعَ آخَرُ قَارِئًا يَقْرَأُ: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ} [الأنعام: 62] ، فَصَرَخَ وَاضْطَرَبَ حَتَّى مَاتَ قَالَ: وَسَمِعَ آخَرُ قَارِئًا يَقْرَأُ: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6] ، فَمَاتَ لأَنَّ مَرَارَتَهُ تَفَطَّرَتْ، وَقِيلَ لِفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَا سَبَبُ مَوْتِ ابْنِكَ؟ قَالَ: «بَاتَ يَتْلُو الْقُرْآنَ فِي مِحْرَابِهِ فَأَصْبَحَ مَيِّتًا» -
(1/147)
بَابُ تَرْدِيدِ الْمُصَلِّي الآيَةَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ يَتَدَبَّرُ مَا فِيهَا
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حِسَابٍ، ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، ثنا قُدَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، ثنا جَسْرَةُ بِنْتُ دَجَاجَةَ، قَالَتْ: خَرَجْنَا عُمَّارًا فَوَرَدْنَا الرِّبْذَةَ فَأَتَيْنَا أَبَا ذَرٍّ، فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ الْعِشَاءَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَلَمَّا تَكَفَّأَتْ عَنْهُ الْعُيُونُ رَجَعَ إِلَى مَقَامِهِ فَجِئْتُ فَقُمْتُ خَلْفَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ، فَأَوْمَأَ إِلَيَّ بِيَدِهِ فَقُمْتُ عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَامَ خَلْفَنَا فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ فَقَامَ عَنْ شِمَالِهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى أَصْبَحَ يَتْلُو آيَةً وَاحِدَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ بِهَا وَيَرْكَعُ وَبِهَا يَسْجُدُ وبِهَا يَدْعُو حَتَّى أَصْبَحَ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118] ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَلَ اللَّيْلَةَ كَذَا وَكَذَا، فَلَوْ سَأَلْتَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُمْتَ اللَّيْلَةَ بِآيَةٍ وَاحِدَةٍ بِهَا تَرْكَعُ وَبِهَا تَسْجُدُ وَبِهَا تَدْعُو، وَقَدْ عَلَّمَكَ اللَّهُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ، قَالَ: «إِنِّي دَعَوْتُ لأُمَّتِي»
قَالَ: وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِالْفَقِيهِ حَقِّ الْفَقِيهِ: مَنْ لَمْ يُقَنِّطِ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَمْ يُؤَمِّنْهُمْ مَكَرَ اللَّهِ، وَلَمْ يَتْرُكِ الْقُرْآنَ إِلَى غَيْرِهِ، أَلا لا خَيْرَ فِي عِبَادَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَفَقُّهٌ، وَلا خَيْرَ فِي فِقْهٍ لَيْسَ فِيهِ تَفَهُّمٌ، وَلا خَيْرَ فِي قِرَاءَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَدَبُّرٌ " قَالَ: وَكَانَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: «لَوْ أَنِّي أَكُونُ كَمَا أَكُونُ عَلَى حَالٍ مِنْ أَحْوَالِي ثَلاثًا لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَا شَكَكْتُ فِي ذَلِكَ، حِينَ أَقْرَأُ الْقُرْآنَ، أَوْ أَسْمَعُهُ يُقْرَأُ، وَإِذَا سَمِعْتُ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا شَهِدْتُ جِنَازَةً، وَمَا شَهِدْتُ جِنَازَةً قَطُّ فَحَدَّثْتُ نَفْسِي سِوَى مَا هُوَ مَفْعُولٌ بِهَا وَمَا هِيَ صَائِرَةٌ إِلَيْهِ»
(1/148)
قَالَ: وَعَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: " بَعَثْتَنِي أَسْمَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، إِلَى السُّوقِ، وَافْتَتَحَتْ سُورَةَ الطُّورِ فَانْتَهَتْ إِلَى قَوْلِهِ: {وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور: 27] ، فَذَهَبُتُ إِلَى السُّوقِ وَرَجَعْتُ وَهِيَ تُكَرِّرُ: {وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور: 27] "
قَالَ: وَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنِّي سَرِيعُ الْقِرَاءَةِ أَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي مَقَامٍ "، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لأَنْ أَقْرَأَ الْبَقَرَةَ فَأُرَتِّلُهَا وَأَتَدَبَّرُهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ كَمَا تَقُولُ» قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: «لأَنْ أَقْرَأَ الْبَقَرَةَ فِي لَيْلَةٍ أَتَدَبَّرُهَا، وَأُفَكِّرُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي لَيْلَةٍ»
قَالَ: وَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ، قَالَ: كُنْتُ جَارًا لابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَكَانَ يَتَهَجَّدُ مِنَ اللَّيْلِ، فَيَقْرَأُ الآيَةَ، ثُمَّ يَسْكُتُ قَدْرَ مَا حَدَّثْتُكَ وَذَاكَ طَوِيلٌ، ثُمَّ يَقْرَأُ، قُلْتُ: لأَيِّ شَيْءٍ ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ أَجْلِ التَّأْوِيلَ يُفْكِرُ فِيهِ "، قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: «رَكْعَتَانِ مُقْتَصَدَتَانِ فِي تَفْكِيرٍ خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ وَالْقَلْبُ سَاهٍ»
قَالَ: وَقِيلَ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: كَيْفَ تَرَى فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي سَبْعٍ؟ فَقَالَ: " ذَلِكَ حَسَنٌ، وَلأَنْ أَقْرَأَهُ فِي نِصْفِ شَهْرٍ أَوْ عِشْرِينَ يَوْمًا أَحَبُّ إِلَيَّ، وَسَلْنِي مِمَّ ذَلِكَ؟ قَالَ: فَإِنِّي أَسْأَلُكَ، قَالَ زَيْدٌ: لِكَيْ أَتَدَبَّرَهُ وَأَقِفَ عَلَيْهِ " قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: «لأَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْرَأَهُ فِي خَمْسَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عَشْرٍ، وَعَشْرٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ سَبْعٍ، وَسَبْعٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ ثَلاثٍ، فَأَقِفُ عِنْدَ مَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَقِفَ عِنْدَهُ، فَأَدْعُوا وَأَتَعَوَّذُ وَأَسْأَلُ» قَالَ: وَأَتَى تَمِيمٌ الدَّارِيُّ الْمَقَامَ: " فَاسْتَفْتَحَ الْجَاثِيَةَ، فَلَمَّا بَلَغَ: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: 21] ، جَعَلَ يُرَدِّدُهَا وَيَبْكِي حَتَّى أَصْبَحَ "
قَالَ: وَعَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: قَرَأَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ آيَةً، فَوَقَفَ عِنْدَهَا أَسْهَرَتْهُ حَتَّى أَصْبَحَ فَدَعَا ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: " إِنِّي قَرَأْتُ آيَةً وَقَفْتُ
(1/149)
اللَّيْلَةَ عِنْدَهَا فَأَسْهَرَتْنِي حَتَّى أَصْبَحْتُ: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106] ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " لا تُسْهِرُكُ إِنَّمَا عُنِيَ بِهَا أَهْلُ الْكِتَابِ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25] {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون: 88 - 89] ، فَهُمْ يُؤْمِنُونَ هَهُنَا وَيُشْرِكُونَ بِاللَّهِ "
قَالَ: وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ: " لأَنْ أَقْرَأَ: إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ والْقَارِعَةَ، أُرَدِّدُهُمَا وَأَتَفَكَّرُ فِيهِمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَبِيتَ أَهُذُّ الْقُرْآنَ " قَالَ: " وَرَدَّدَ سَعْدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَهُوَ يَؤُمُّهُمْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ { [غافر: 71 - 72] مِرَارًا، وَقَامَ لَيْلَةً يُصَلِّي فَقَرَأَ:} وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ { [البقرة: 281] ، فَرَدَّدَهَا بِضْعًا وَعِشْرِينَ مَرَّةً وَكَانَ يَبْكِي بِاللَّيْلِ حَتَّى عَمِشَ " قَالَ: وَقَالَ اللَّيْثُ رَحِمَهُ اللَّهُ: عَنْ مَسْرُوقٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: " كَانَ يَقْرَأُ: الرَّعْدَ، مَا بَيْنَ صَلاةِ الْعِشَاءِ إِلَى صَلاةِ الْفَجْرِ " قَالَ: وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ، يَجْعَلُ: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ، وِرْدَهُ قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ، إِذَا قَرَأَ:} مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ { [الفاتحة: 4] ، لَمْ يَكَدْ يَحُزُّهَا، وَيَقُولُ: «يَا لَكَ مِنْ يَوْمٍ مَا أَمْلأَكَ لِقُلُوبِ الصَّادِقِينَ» قَالَ: وَقَالَ الْحَسَنُ: «يَا ابْنَ آدَمَ كَيْفَ يَرِقُّ قَلْبُكَ؟ وَإِنَّمَا هِمَّتُكَ فِي آخِرِ سُورَتِكَ»
(1/150)
قَالَ: وَكَانَ هَارُونُ بْنُ رَبَابٍ الأُسَيْدِيُّ، يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ لِلتَّهَجُّدِ فَرُبَّمَا رَدَّدَ هَذِهِ الآيَةَ حَتَّى يُصْبِحَ: "} فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ { [الأنعام: 27] ، وَيَبْكِي حَتَّى يُصْبِحَ " قَالَ: وَرَدَّدَ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ، لَيْلَةً:} وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا { [إبراهيم: 34] ، حَتَّى أَصْبَحَ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: «إِنَّ فِيهَا مُعْتَبَرًا، مَا نَرْفَعُ طَرَفًا وَلا نَرُدُّهُ إِلا وَقَعَ عَلَى نِعْمَةٍ، وَمَا لا نَعْلَمُهُ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ أَكْثَرُ» قَالَ: وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: " مَا رَأَيْتُ أَحَدًا الْخَوْفُ عَلَيْهِ أَظْهَرُ عَلَى وَجْهِهِ وَالْخُشُوعُ مِنَ الْحَسَنِ بْنِ حُيَيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ بِـ} عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ [النبأ: 1] ، يُرَدِّدُهَا، ثُمَّ غُشِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ عَادَ فَعَادَ إِلَيْهَا فَغُشِيَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَخْتِمْهَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ "
بَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ السَّوَرِ فِي رَكْعَةٍ
قَالَ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَجْمَعُ بَيْنَ السُّوَرِ؟ قَالَتْ: «نَعَمْ مِنَ الْمُفَصَّلِ»
قَالَ: وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلا جَاءَهُ، فَقَالَ: إِنِّي لأَقْرَأُ الْمُفَصَّلَ فِي رَكْعَةٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " أَهَذًا كَهَذِّ الشِّعْرِ إِنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيهِمْ، وَلَكِنَّهُ إِذَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ فَرَسَخَ فِيهِ نَفَعَ، إِنَّ أَحْسَنَ الصَّلاةِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، وَلَكِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقْرَأُ النَّظَائِرَ: الرَّحْمَنُ وَالنَّجْمِ فِي رَكْعَةٍ، وَاقْتَرَبَ وَالْحَاقَّةُ فِي رَكْعَةٍ، وَالطُّورِ وَالذَّارِيَاتِ فِي رَكْعَةٍ، وَإِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَن وَالْقَلَمِ فِي رَكْعَةٍ، وَسَأَلَ سَائِلٌ وَالنَّازِعَاتِ فِي رَكْعَةٍ، وَيَا أَيُّهَا الْمُدَثِّرُ وَيَا أَيُّهَا الْمُزَمِّلُ فِي رَكْعَةٍ، وَوَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ وَعَبَسَ فِي رَكْعَةٍ، وَالدُّخَانُ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ فِي رَكْعَةٍ " قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: «وَهَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ وَلا أُقْسِمُ فِي رَكْعَةٍ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَالْمُرْسَلاتِ فِي رَكْعَةٍ، وَحم وَالدُّخَّانُ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ فِي رَكْعَةٍ» قَالَ: وَعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ أَوْتَرَ بِهَا» قَالَ: وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ بِعَشْرِ سُورٍ فِي رَكْعَةٍ»
(1/151)
بَابُ كَرَاهَةِ تَقْطِيعِ السُّورَةِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ السُّوَرِ فِي رَكْعَةٍ
حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ، ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لِكُلِّ سُورَةٍ حَظُّهَا مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: «لِكُلِّ سُورَةٍ رَكْعَةٌ» قَالَ: وَفِي أُخْرَى: «أَعْطُوا كُلَّ سُورَةٍ حَظَّهَا مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ»
قَالَ: وَقِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " الرَّجُلُ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةٍ؟ فَقَالَ: أَقَدْ فَعَلْتُمُوهَا؟ لَوْ شَاءَ اللَّهُ، أَنْزَلَهُ جُمْلَةً وَاحِدَةً، إِنَّمَا فَصَّلَ لَيُعْطِيَ كُلَّ سُورَةٍ حَظَّهَا مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ " قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَعْطُوا كُلَّ سُورَةٍ حَقَّهَا مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَلا تَهُذُّوا الْقُرْآنَ هَذَّا الشِّعْرِ وَلا تَنْثُرُوهُ نَثْرَ الدَّقَلِ، وَقِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ»
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، أَخْبَرَنَا زِيَادٌ الْبِكَالِيُّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ عَقِيلِ بْنِ جَابِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ، مِنْ نَخْلٍ فَأَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَافِلا أَتَى زَوْجُهَا وَكَانَ غَائِبًا، فَلَمَّا أُخْبِرَ الْخَبَرَ حَلَفَ أَلا يَرْجِعَ حَتَّى يُهْرِيقَ فِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَمًا، فَخَرَجَ يَتْبَعُ أَثَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلا، فَقَالَ: «مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا لَيْلَتَنَا هَذِهِ؟» ، فَانْتَدَبَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالا: نَحْنُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «فَكُونَا بِفَمِ الشِّعْبِ» ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ قَدْ نَزَلُوا إِلَى شِعْبٍ مِنَ الْوَادِي، فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلانِ إِلَى فَمِ الشِّعْبِ، قَالَ الأَنْصَارِيُّ لِلْمُهَاجِرِيِّ: أَيُّ اللَّيْلِ تُحِبُّ أَنْ أَكْفِيكَهُ، أَوَّلَهُ أَمْ آخِرَهُ؟ قَالَ: بَلِ اكْفِنِي أَوَّلَهُ، فَاضْطَجَعَ الْمُهَاجِرِيُّ، فَنَامَ، وَقَامَ الأَنْصَارِيُّ يُصَلِّي، قَالَ: وَأَتَى الرَّجُلُ فَلَمَّا رَأَى شَخَصَ الرَّجُلِ عَرَفَ أَنَّهُ رَبِيئَةُ الْقَوْمُ؟ قَالَ: فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِيهِ، قَالَ: فَانْتَزَعَهُ فَوَضَعَهُ وَثَبَتْ قَائِمًا، فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ آخَرَ فَوَضَعَهُ فِيهِ، قَالَ: فَنَزَعَهُ فَوَضَعَهُ وَثَبَتْ قَائِمًا، ثُمَّ عَادَ لَهُ بِالثَّالِثِ فَوَضَعَهُ فِيهِ، قَالَ: فَنَزَعَهُ فَوَضَعَهُ، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ، ثُمَّ أَهَبَّ صَاحِبَهُ، فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ فَقَدْ أُثْبِتُّ، قَالَ: فَوَثَبَ، فَلَمَّا
(1/152)
رَآهُمَا الرَّجُلُ عَرَفَ أَنَّهُمْ قَدْ نَذِرُوا بِهِ فَهَرَبَ، فَلَمَّا رَأَى الْمُهَاجِرِيُّ مَا بِالأَنْصَارِيِّ مِنَ الدَّمِ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، أَفَلا أَيْقَظْتَنِي أَوَّلَ مَا رَمَاكَ؟ قَالَ: كُنْتُ فِي سُورَةٍ أَقْرَؤُهَا فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا حَتَّى أُنْفِذَهَا، فَلَمَّا
تَابَعَ عَلَيَّ الرَّمْيَ رَكَعْتُ فَآذَنْتُكَ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْلا أَنْ أُضَيِّعَ ثَغْرًا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِحِفْظِهِ لَقَطَعَ نَفْسِي قَبْلَ أَنْ أَقْطَعَهَا أَوْ أُنْفِذَهَا
قَالَ: وَبَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَجُلٍ، يُقَالُ لَهُ: عَبَّادٌ، كَانَ يَلْزَمُهُ وَكَانَ امْرَأً صَالِحًا، أَنَّهُ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَيَقْرِنُ بَيْنَ السُّوَرِ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ: يَا خَائِنَ أَمَانَتَهُ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى عَبَّادٍ، وَقَالَ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، أَيُّ أَمَانَةٍ بَلَغَكَ خُنْتُهَا؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّكَ تَجْمَعُ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ، فَقَالَ: إِنِّي لأَفْعَلُ ذَلِكَ، فَقَالَ: «كَيْفَ بِكَ يَوْمَ تَأْخُذُكَ كُلُّ سُورَةٍ بِرَكْعَتِهَا وَسَجْدَتِهَا؟ أَمَا إِنِّي لَمْ أَقُلْ لَكَ إِلا مَا قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: «وَالَّذِي عَلَيْهِ أَمَرَ النَّاسَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ السُّوَرِ فِي الرَّكْعَةِ حَسَنٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ، وَهَذَا الَّذِي فَعَلَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَتَمِيمٌ الدَّارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَغَيْرُهُمَا، هُوَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ جَمْعٍ إِلا أَنَّ الَّذِيَ اخْتَارَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لا يَقْرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلِّ مِنْ ثَلاثٍ لِلأَحَادِيثِ الَّتِي رُوِيَتْ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَصْحَابِهِ مِنَ الْكَرَاهَةِ لِذَلِكَ»
قَالَ: وَذُكِرَ عَنْ يُحْيِي الْقَطَّانِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَرَّ بِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ يُخَافِتُ، وَمَرَّ بِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ يَجْهَرُ، وَمَرَّ بِبِلالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ يَقْرَأُ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، وَمِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، فَقَالَ لأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تُخَافِتُ» ، فَقَالَ: إِنِّي أُسْمِعُ مَنْ أُنَاجِي، فَقَالَ: «ارْفَعْ مِنْ صَوْتِكَ شَيْئًا» ، وَقَالَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تَجْهَرُ» ، فَقَالَ: أَطْرُدُ الشَّيْطَانَ وَأُوقِظُ الْوَسْنَانَ، فَقَالَ: «اخْفِضْ شَيْئًا» ، وَقَالَ لِبِلالٍ: «مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تَقْرَأُ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، وَمَنْ هَذِهِ السُّورَةِ» ، فَقَالَ: أَخْلِطُ الطَّيِّبَ بِالطَّيِّبِ، فَقَالَ: «اقْرَإِ السُّورَةَ عَلَى وَجْهِهَا» قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ لِبِلالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِذَا قَرَأْتَ السُّورَةَ فَأَنْفِدْهَا»
قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَالأَمْرُ عِنْدَنَا عَلَى الْكَرَاهَةِ لِقِرَاءَةِ الآيَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ كَمَا أَنْكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى بِلالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَمَا اعْتَذَرَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنْ فِعْلِهِ، وَكَرَاهَةُ ابْنُ سِيرِينَ لَهُ، قَالَ: وَذَلِكَ أَثْبَتُ عِنْدِي لأَنَّهُ أَشْبَهُ بِفِعْلِ الْعُلَمَاءِ
(1/153)
بَابُ قِيَامِ اللَّيْلَةِ كُلِّهَا وَخَتْمِ الْقُرْآنِ فِيهَا قَالَ: تَقَدَّمَ قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «لا أَعْلَمُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةٍ وَلا قَامَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ» قَالَ: وَقَوْلُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَا كُنَّا نَشَاءُ أَنْ نَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلا رَأَيْنَاهُ، وَلا أَنْ نَرَاهُ نَائِمًا إِلا رَأَيْنَاهُ»
قَالَ: وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رَحِمَهُ اللَّهُ: «كَانَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَخٌ يُحِبُّهُ فِي اللَّهِ، فَلَمْ يَشْهَدْ مَعَهُ صَلاةَ الْفَجْرِ» قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لأُمِّهِ: «مَا لَهُ لَمْ يَشْهَدْ مَعَنَا صَلاةَ الْفَجْرِ؟» ، فَقَالَتْ: أَحْيَا اللَّيْلَ أَجْمَعَ، فَلَمَّا كَانَ تَحْتَ وَجْهِ الصُّبْحِ غَلَبَتْهُ عَيْنُهُ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «وَالَّذِي نَفْسِي بَيَدِهِ لأَنْ أَشْهَدَ الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحُيَّ مَا بَيْنَهُمَا» ، يَعْنِي الْعِشَاءَ، وَالْغَدَاةَ
(1/154)
بَابُ أَكْثَرَ مَا يُخْتَمُ فِيهِ الْقُرْآنُ وَأَقَّلِهِ مِنْ عَدَدِ اللَّيَالِي
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَهُ فِي أَرْبَعِينَ، ثُمَّ فِي شَهْرٍ، ثُمَّ فِي عِشْرِينَ، ثُمَّ فِي خَمْسَ عَشْرَةَ، ثُمَّ فِي سَبْعٍ، قَالَ: انْتَهَى إِلَى سَبْعٍ " قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ» قَالَ: وَفِي أُخْرَى: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي بَيْتِي، قَالَ: «أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّ لَيْلَةٍ، اقْرَأَهُ فِي الشَّهْرِ» ، قُلْتُ: إِنِّي أَقْوَى عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «فَأَقْرَأَهُ فِي كُلِّ نِصْفٍ» ، قُلْتُ: إِنِّي أَقْوَى عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «فَأَقْرَأَهُ فِي كُلِّ سَبْعٍ وَلا تَزِيدَنَّ» قَالَ: وَفِي لَفْظٍ: فَلَمْ أَزَلْ أَطْلُبُ إِلَيْهِ حَتَّى، قَالَ: «فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ» قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي كَمْ أَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: «فِي شَهْرٍ» ، فَذَكَرَهُ وَفِيهِ، قَالَ: «لا يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَهُ فِي أَقَلِّ مِنْ ثَلاثٍ»
قَالَ: وَقَالَ الْقَاسِمُ: كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «يَفْتَتِحُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِـ الْبَقَرَةِ إِلَى الْمَائِدَةِ، وَبِ الأَنْعَامِ إِلَى هُودٍ، وَيُوسُفَ إِلَى مَرْيَمَ، وَطَهَ إِلَى طسم مُوسَى وَفِرْعَوْنَ، وَالْعَنْكُبُوتِ إِلَى ص، وَتَنْزِيلُ إِلَى الرَّحْمَنِ، ثُمَّ يَخْتِمُ، يَفْتَتِحُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَخْتِمُ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ»
قَالَ: وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ وَفِي رَمَضَانَ فِي كُلِّ
(1/155)
ثَلاثٍ، وَمَا يَسْتَعِينُ عَلَيْهِ مِنَ النَّهَارِ إِلا بِالْيَسِيرِ، وَقَالَ: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلِّ مِنْ ثَلاثٍ فَهُوَ رَاجِزٌ هَذَّ كَهَذِّ الشِّعْرِ أَوْ نَثَرَ كَنَثْرِ الدَّقَلِ» قَالَ: وَكَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاثٍ قَالَ: وَكَانَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي ثَمَانِ لَيَالٍ قَالَ: وَكَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَخْتِمُهُ فِي كُلِّ سَبْعٍ قَالَ: وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: «يَا إِخْوَتِي وِرْدِي وَاللَّهِ وِرْدُ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ثُلُثُ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ»
حَدَّثَنَا يَحْيَى، أَخْبَرَنَا الْمُعْتَمِرُ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: فَنَزَلَ وَفْدُ الأَحْلافِ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَنَزَلَ وَفْدُ بَنِي مَالِكٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَرَبَ أَوْ ضَرَبَ عَلَيْهِمْ قُبَّةً لَهُ وَهِيَ عَلَى طَرِيقِهِ إِلَى مُصَلاهُ، فَإِذَا صَلَّى الصَّلاتَيْنِ الأُولَى وَالْعِشَاءَ الآخِرَةَ، يَعْنِي بِالأُولَى الْمَغْرِبَ، انْصَرَفَ عَلَيْنَا مِنَ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ، فَأَمْسَكَ بِسُخْفَيِ الْقُبَّةِ أَوْ قُبَّتِهِ فَمَا يَبْرَحُ يُحَدِّثُنَا حَتَّى إِنَّهُ لَيُرَاوِحُ بَيْنَ رِجْلَيْهِ، أَكْثَرُ مَا يُحَدِّثُنَا تَشْكِيَةَ قُرَيْشٍ وَمَا صَنَعَتْ بِهِ بِمَكَّةَ، وَكَانَ يَقُولُ: لا سَوَاءً، كُنَّا بِمَكَّةَ مُسْتَضْعَفِينَ مُسْتَذَلِّينَ مَقْهُورِينَ، فَلَمَّا خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ انْتَصَفْنَا مِنَ الْقَوْمِ فَكَانَتْ سِجَالا الْخَوْفُ عَلَيْنَا وَلَنَا، فَمَكَثَ عَنَّا لَيْلَةً بَعْدَ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ حَتَّى نَامَ بَعْضُ مَنْ فِي الْقُبَّةِ، فَقُلْنَا: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، كُنْتَ تَأْتِينَا قَبْلَ هَذِهِ السَّاعَةِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِنَّهُ طَرَأَ عَلَيَّ حِزْبٌ مِنَ الْقُرْآنِ فَأَحْبَبْتُ أَنْ لا أَخْرُجَ حَتَّى أَقْضِيَهُ» ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ سَأَلْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا الْحِزْبُ؟ قَالُوا: نَحْزُبُ الْقُرْآنَ ثَلاثًا وَخَمْسًا وَسَبْعًا وَتِسْعًا وَإِحْدَى عَشْرَةَ وَثَلاثَةَ عَشَرَ وَالْمُفَصَّلُ حِزْبٌ، قَالَ: فَانْقَلَبْنَا عَلَى هَذَا، قَالَ: قَالَ يَحْيَى: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ جَدِّهِ، وَهُوَ حَدَّثَنَا عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثنا أَبُو عَامِرٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْلَى بْنِ كَعْبٍ الثَّقَفِيُّ الطَّائِفِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ جَدِّهِ أَوْسٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَهُ
(1/156)
قَالَ: وَقَالَ ابْنُ الْهَادِ: سَأَلَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ: فِي كَمْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ فَقُلْتُ: مَا أُحَزِّبُهُ، فَقَالَ: لا تَقُلْ مَا أُحَزِّبُهُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «قَرَأْتُ جُزْءًا مِنَ الْقُرْآنِ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، ثنا هَمَّامٌ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «خُفِّفَ عَلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ الْقُرْآنُ فَكَانَ يَأْمُرُ بِدَابَّتِهِ أَنْ تُسْرَجَ فَيَفْرُغُ مِنَ الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تُسْرَجَ دَابَّتُهُ»
قَالَ: وَتَقَدَّمَ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، «قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي رَكْعَةٍ أَوْتَرَ بِهَا» قَالَ: وَأَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، «كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةٍ» قَالَ: «وَكَانَ عَلْقَمَةُ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي خَمْسٍ» قَالَ: وَكَانَ الأَسْوَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ، «يَقْرَأُهُ فِي سِتٍّ» قَالَ: وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ، «يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ سَبْعٍ» ، وَكَانَ عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، «يَقْرَأُ فِي صَلاةِ التَّطَوُّعِ لَيْلا وَنَهَارًا بِعَشْرٍ عَشْرٍ قِرَاءَةً بَيِّنَةً، وَيَرْكَعُ بِكُلِّ عَشْرٍ، وَكَانَ يَخْتِمُ بِقِرَاءَتِهِ هَذِهِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ» قَالَ: وَكَانَ الْمُسَيَّبُ بْنُ رَافِعٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، «يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ ثَلاثٍ، ثُمَّ يُصْبِحُ الْيَوْمَ الَّذِي يَخْتِمُ فِيهِ الْقُرْآنَ وَهُوَ صَائِمٌ» قَالَ: وَكَذَلِكَ كَانَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، يَفْعَلانِ قَالَ: وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ رَحِمَهُ اللَّهُ، «يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَتَيْنِ» قَالَ: وَقَرَأَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، الْقُرْآنَ فِي رَكْعَتَيْنِ فِي الْكَعْبَةِ قَالَ: وَكَانَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَيَصُومُ الدَّهْرَ قَالَ: وَقَالَ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَا تَرَكَ ثَابِتٌ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ سَارِيَةً إِلا قَدْ خَتَمَ عِنْدَهَا الْقُرْآنَ فِي صَلاةٍ، وَمَا سَارَ بِي فِي حَاجَةٍ قَطُّ إِلا كَانَ أَوَّلُ، مَا يَقُولُ: «سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يَتَكَلَّمُ بِحَاجَتِهِ» قَالَ: وَكَانَ أَبُو حُرَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، يَخْتِمُ الْقُرْآنَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَيُصَلِّي مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَيَصُومُ الدَّهْرَ قَالَ: وَكَانَ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ لَيْلَتَيْنِ قَالَ: وَقَالَ أَبُو شَيْخٍ الْهُنَائِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: «قَرَأْتُ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةٍ مَرَّتَيْنِ وَثُلُثًا، وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أُتِمَّ
(1/157)
الثَّالِثَةَ لَفَعَلْتُ» قَالَ: وَخَرَجَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ، إِلَى الْحَجِّ فَرُبَّمَا خَتَمَ الْقُرْآنَ مَرَّتَيْنِ فِي لَيْلَةٍ بَيْنَ شُعْبَتَيْ رَحْلِهِ قَالَ:
وَكَانَ مَنْصُورُ بْنُ زَاذَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ، خَفِيفَ الْقِرَاءَةِ وَكَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي صَلاةِ الضُّحَى، وَكَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ بَيْنَ الأُولَى وَالْعَصْرِ، وَيَخْتِمُ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، وَكَانَ يُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ، وَكَانَ إِذَا جَاءَ شَهْرُ رَمَضَانَ خَتَمَ الْقُرْآنَ فِيمَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ خَتْمَتَيْنِ، ثُمَّ يَقْرَأُ إِلَى الطَّوَاسِينِ، قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلاةُ، وَكَانُوا إِذْ ذَاكَ يُؤَخِّرُونَ الْعِشَاءَ لِشَهْرِ رَمَضَانَ إِلَى أَنْ يَذْهَبَ رُبُعُ اللَّيْلِ قَالَ: وَكَانَ يَحْيَى رَحِمَهُ اللَّهُ، وَالْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ، جَالِسٌ مَعَ أَصْحَابِهِ يَقُومُ إِلَى عَمُودٍ يُصَلِّي فَيَخْتِمُ الْقُرْآنَ، ثُمَّ يَأْتِي الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَيَجْلِسُ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَ أَصْحَابُهُ، وَكَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِيهَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَكَانَ يَخْتِمُهُ فِيمَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَقَدْ كَانَ سَدَلَ عِمَامَتَهُ عَلَى عَاتِقِهِ، فَيَقُومُ يُصَلِّي فَيَبْكِي وَيَمْسَحُ بِعِمَامَتِهِ عَيْنَيْهِ فَلا يَزَالُ يَبُلُّهَا بِدُمُوعِهِ حَتَّى تَبْتَلَّ كُلُّهَا ثُمَّ يُلْقِيهَا وَيَضَعُهَا بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ: قَالَ مَخْلَدُ بْنُ حُسَيْنٍ: فَلَوْ أَنَّ غَيْرَ هِشَامٍ يَعْنِي ابْنَ حَسَّانَ، يُخْبِرُنِي بِهَذَا، عَنْ مَنْصُورٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، مَا صَدَّقْتُ، قَالَ مَخْلَدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: «وَكَانَ هُوَ وَهِشَامٌ يُصَلِّيَانِ جَمِيعًا» قَالَ: وَقَالَ هِشَامٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: «خَتَمَ مَنْصُورُ بْنُ زَاذَانَ الْقُرْآنَ مَرَّةً وَبَلَغَ فِي الثَّانِيَةِ النَّحْلَ فِي رَمَضَانَ بَعْدَ مَا صَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ الْعِشَاءِ» ، وَقَالَ لِمَنْصُورٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: «أَشْتَهِيَ أَنْ أَخْرُجَ إِلَى هَذِهِ الْخَضِرِ فَانْظُرْ إِلَيْهَا» ، فَقَالَ لَهُ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ رَحِمَهُ اللَّهُ: «إِذَا مَشَيْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ فَاخْرُجْ بِنَا» ، قَالَ: «إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَنْكَسِرَ الرَّوْزَجَارُ» قَالَ: وَكَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ غَالِبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، يُصَلِّي فِي الْيَوْمِ مِائَةَ رَكْعَةٍ يَقْرَأُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ سَبْعًا، وَفِي آخِرِهِ سَبْعًا قَالَ: وَقَالَ عَبَّاسٌ الْحَجْرِيُّ: قُلْتُ لِشُفَيٍّ الأَصْبَحِيِّ: أَشْكُو إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكَ أَنِّي كُنْتُ أَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كَذَا وَكَذَا يَعْنِي فِي أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ
ثُمَّ صِرْتُ لا اخْتِمْهُ إِلا فِي كَذَا وَكَذَا يَعْنِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ شُفَيٌّ: «اللَّهُمَّ غُفْرًا أَعْمَلُ بِمَا فِيهِ وَأَقْرَأُهُ فِي سَنَةٍ»
(1/158)
بَابُ مَا يَكْفِي مِنَ الْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ
حَدَّثَنَا يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ قَرَأَ الآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ» ، وَفِي أُخْرَى: «مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ كَفَتَاهُ» قَالَ: وَفِي لَفْظٍ: " مَنْ قَرَأَ الآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ: {آمَنَ الرَّسُولُ} [البقرة: 285] حَتَّى يَخْتِمَهَا "
حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدِ، ثنا حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، ثنا الأَشْعَثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَرْمِيُّ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كَتَبَ اللَّهُ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بِأَلْفَيْ عَامٍ، فَأَنْزَلَ مِنْهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بِهِمَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَلا يُقْرَآنِ فِي دَارٍ ثَلاثَ لَيَالٍ فَيَقْرَبُهَا شَيْطَانٌ»
حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ خِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أُعْطِيتُ هَذِهِ الآيَاتِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ بَيْتِ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ لَمْ يُعْطَ مِنْهُ أَحَدٌ قَبْلِي، وَلا يُعْطِي مِنْهُ أَحَدٌ بَعْدِي»
حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَسْكَرِيُّ، ثنا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ رُزَيْقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَاعِدٌ يَوْمًا وَعِنْدَهُ جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، إِذْ سَمِعَ نَقِيضًا مِنْ فَوْقَهُ فَرَفَعَ جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ
(1/159)
السَّلامُ، بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَبَابٌ مِنَ السَّمَاءِ قَدْ فُتِحَ، مَا فُتِحَ قَطُّ، قَالَ: فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ، فَقَالَ جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ: عَنْ هَذَا الْمَلَكِ مَا نَزَلَ إِلَى الأَرْضِ قَطُّ، قَالَ: فَجَاءَ الْمَلَكُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَبْشِرْ بِسُورَتَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ مِنْ قَبْلِكَ؛ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَمْ تَقْرَأْ بِحَرْفٍ مِنْهَا إِلا أُوتِيتَهُ»
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، ثنا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «اقْرَءُوا بِهَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَإِنِّي أُعْطِيتُهُمَا مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «اقْرَءُوا بِالآيَتَيْنِ مِنْ خَاتِمَةِ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ اللَّهَ أَعْطَانِيهِمَا مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ»
قَالَ: وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَا كُنْتُ أَرَى أَحَدًا يَعْقِلُ يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ الثَّلاثَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ الْبَقَرَةِ فَإِنَّهُنَّ لَمِنْ كَنْزٍ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ» قَالَ: وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، انْتَهَى بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: «فَأُعْطِيَ ثَلاثًا أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفْرَانَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا مِنْ أُمَّتِهِ الْمُقْحِمَاتُ» قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: سَأَلْتُ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِي كَمْ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ؟ قَالَ أَمَا سَمِعْتَ: «مَنْ قَرَأَ فِي لَيْلَةٍ آيَتَيْنِ فَقَدْ أَكْثَرَ»
حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ النَّرْسِيُّ، ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لأَصْحَابِهِ: «أَمَا يَسْتَطِيعُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ كُلَّ لَيْلَةٍ؟» ، قَالُوا: نَحْنُ أَعْجَزُ مِنْ ذَاكَ وَأَضْعَفُ، فَقَالَ: " إِنَّ اللَّهَ جَزَّأَ الْقُرْآنَ ثَلاثَةَ أَجْزَاءٍ، فَجَزَأَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الْقُرْآنِ "
قَالَ: وَفِي الْبَابِ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَفْظُهُ، قَالَ: " مَنْ قَرَأَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فِي لَيْلَةٍ فَقَدْ قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ " قَالَ: وَفِي آخَرَ قَالَ: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، ثُلُثُ الْقُرْآنِ»
(1/160)
قَالَ: وَفِيهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَفْظُهُ قَالَ: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ» قَالَ: وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَفْظُهُ: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، تَعْدِلُ رُبُعَ الْقُرْآنِ» ، وَفِيهِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا مُعَلَّى بْنُ رَاشِدٍ، ثنا عُمَرُ بْنُ رَبَاحٍ، سَمِعْتُ يَزِيدَ الرَّقَاشِيَّ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ قَرَأَ: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، عُدِلَتْ بِرُبُعِ الْقُرْآنِ، وَمَنْ قَرَأَ: إِذَا زُلْزِلَتِ عُدِلَتْ بِنِصْفِ الْقُرْآنِ، وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ تُعْدَلُ بِرُبُعِ الْقُرْآنِ، وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، تُعْدَلُ بِثُلُثِ الْقُرْآنِ "
قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَقَالَ مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ أَخْبَرَ: " أَنَّ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، ثُلُثُ الْقُرْآنِ، وَأَنَّ: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ، تُجَادِلُ عَنْ صَاحِبِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ "
(1/161)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا أَبُو الْوَلِيدِ، ثنا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، ثنا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ هَذِهِ السُّورَةَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، قَالَ: «حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ» ، قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِرَجُلٍ: «لِمَ تَلْزَمْ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ؟» ، قَالَ الرَّجُلُ: أُحِبُّهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ حُبَّهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ»
قَالَ: وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِذَا افْتُتِحَتِ الصَّلاةُ بِـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، فَاضْمُمْ بِهَا أُخْرَى، وَإِذَا قَرَأْتَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فَقُلِ اللَّهُ أَحَدٌ قَالَ: وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ، أَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، كُلَّ لَيْلَةٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنِي حَاتِمُ بْنُ مَيْمُونٍ أَبُو سَهْلٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ قَرَأَ كُلَّ يَوْمٍ مِائَتَيْ مَرَّةٍ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مُحِيَ عَنْهُ ذُنُوبُ خَمْسِينَ سَنَةً، إِلا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ "
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنِي نُوحُ بْنُ قَيْسٍ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ الْعَطَّارُ، أَخْبَرَتْنِي أُمُّ كَثِيرٍ الأَنْصَارِيَّةُ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " مَنْ قَرَأَ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، خَمْسِينَ مَرَّةً غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَ خَمْسِينَ سَنَةً "
(1/162)
بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ قِرَاءَةِ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبَّاسٍ الْجُشَمِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ ثَلاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ وَهِيَ: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] "
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، ثنا يَحْيَى بْنُ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ الْبَكْرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ضَرَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خِبَاءَهُ عَلَى قَبْرٍ وَهُوَ لا يَحْسَبُ أَنَّهُ قَبْرٌ، فَإِذَا فِيهِ إِنْسَانٌ يَقْرَأُ سُورَةَ: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ، حَتَّى خَتَمَهَا، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي ضَرَبْتُ خِبَائِي عَلَى قَبْرٍ وَأَنَا لا أَحْسَبُ أَنَّهُ قَبْرٌ، فَإِذَا إِنْسَانٌ يَقْرَأُ بِسُورَةِ تَبَارَكَ، حَتَّى خَتَمَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هِيَ الْمَانِعَةُ، هِيَ الْمُنْجِيَةُ، تُنْجِيهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ»
قَالَ: وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " {تَبَارَكَ} [سورة الملك] ، هِيَ الْمَانِعَةُ، تَمْنَعُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، يُتَوَفَّى رَجُلٌ فَيُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ رَأْسُهُ: إِنَّهُ لا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَى مَا قِبَلِي فَإِنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِيَّ سُورَةِ الْمُلْكِ، وَيُؤْتَى مِنْ قِبَلِ بَطْنِهِ، فَيَقُولُ بَطْنُهُ: إِنَّهُ لا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَى مَا قِبَلِي إِنَّهُ كَانَ قَدْ وَعَى فِيَّ سُورَةَ الْمُلْكِ، وَيُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ، فَتَقُولُ رِجْلاهُ: إِنَّهُ لا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَى مَا قِبَلِي إِنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ عَلَيَّ سُورَةَ الْمُلْكِ، وَقَالَ: هِيَ فِي التَّوْرَاةِ سُورَةُ الْمُلْكِ مَنْ قَرَأَهَا فِي لَيْلَةٍ فَقَدْ أَكْثَرَ وَأَطْيَبَ " قَالَ: وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ: سَمِعْتُ مُرَّةَ، يُحَدِّثُ: " أَنَّ رَجُلا تُوُفِّيَ فَأُدْخِلَ الْقَبْرَ فَجَاءَتْهُ نَارٌ مِنْ قِبَلِ جَوَانِبِ قَبْرِهِ فَجَعَلَتْ سُورَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ ثَلاثُونَ آيَةً تُجَادِلُ عَنْهُ حَتَّى مَنَعَتْهُ تِلْكَ النَّارَ، قَالَ مُرَّةُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَنَظَرْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ فَلَمْ نَجِدْهَا غَيْرَ: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ "
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ: الم تَنْزِيلُ، وَتَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ "
قَالَ: وَعَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: " {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] ، مُنْجِيَةٌ " -
(1/163)
بَابُ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ بِاللَّيْلِ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثنا أَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ فِي لَيْلَةٍ مِائَةَ آيَةٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، أَوْ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ»
قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَلَفْظُهُ قَالَ: «مَنْ قَرَأَ مِائَةَ آيَةٍ كُتِبَ لَهُ قُنُوتُ لَيْلَةٍ» قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَ: " مَنْ قَرَأَ فِي لَيْلَةٍ عَشْرَ آيَاتٍ كُتِبَ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ قَرَأَ خَمْسِينَ آيَةً كُتِبَ مِنَ الْحَافِظِينَ حَتَّى يُصْبِحَ، وَمَنْ قَرَأَ ثَلاثَمِائَةِ آيَةٍ، يَقُولُ الْجَبَّارُ: نَصَبَ عَبْدِي، وَمَنْ قَرَأَ أَلْفَ آيَةٍ كُتِبَ لَهُ قِنْطَارٌ مِنْ بِرٍّ، وَالْقِنْطَارُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَاكْتَنَزَ مَا شَاءَ مِنَ الأَجْرِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الرَّبُّ تَبَارَكَ: اقْرَأْ وَرَتِّلْ وَارْقَ بِكُلِّ آيَةٍ دَرَجَةً حَتَّى يَنْتَهِيَ بِهِ إِلَى آخِرِ آيَةٍ عِنْدَهُ، وَيَقُولُ الرَّبُّ لِلْعَبْدِ: اقْبِضْ، فَيَقْبِضُ، فَيَقُولُ اللَّهُ: أَتَدْرِي مَا مَعَكَ؟ فَيَقُولُ الْعَبْدُ بِيَدِهِ: أَيْ رَبِّ أَنْتَ اعْلَمُ، فَيَقُولُ: بِهَذِهِ الْخُلْدُ وَبِهَذِهِ النَّعِيمُ " قَالَ: وَفِيهِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَفْظُهُ: «مَنْ قَرَأَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِائَةَ آيَةٍ لَمْ يُحَاجَّهُ الْقُرْآنُ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الصَّنْعَانِيُّ، ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ، وَمَا حِلٌ مُصَدَّقٌ مَنْ شَفَعَ لَهُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَجَا، وَمَنْ مَحَلَ بِهِ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ»
وَقَالَ: «تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَاقْرَءُوا مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ
(1/164)
تَفَصِّيًا مِنَ الإِبِلِ الْمُعْقَلَةِ، تَعَلَّمْنَ أَنَّهُ مَنْ قَرَأَ خَمْسِينَ آيَةً فِي لَيْلَةٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ قَرَأَ بِمِائَةِ آيَةٍ فِي لَيْلَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ، وَمَنْ قَرَأَ بِمِائَتَيْ آيَةٍ فِي لَيْلَةٍ لَمْ يُحَاجَّهُ الْقُرْآنُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَمَنْ قَرَأَ بِخَمْسِ مِائَةِ آيَةٍ فِي لَيْلَةٍ إِلَى أَلْفِ آيَةٍ أَصْبَحَ وَلَهُ قِنْطَارٌ مِنَ الْجَنَّةَ»
قَالَ: وَعَنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ، يَرْفَعُهُ قَالَ: «أَفْضَلُ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، وَأَعْظَمُهَا آيَةً آيَةُ الْكُرْسِيِّ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَخْرُجُ مِنَ الْبَيْتِ تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» ، قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ مِائَةَ آيَةٍ فِي لَيْلَةٍ لَمْ يُحَاجَّهُ الْقُرْآنُ لَيْلَتَئِذٍ، وَمَنْ قَرَأَ مِائَتَيْ آيَةٍ كُتِبَ لَهُ قُنُوتُ لَيْلَةٍ، وَمَنْ قَرَأَ مِنَ الْخَمْسِمِائَةِ إِلَى أَلْفٍ أَصْبَحَ وَلَهُ قِنْطَارٌ مِنَ الأَجْرِ، وَالْقِنْطَارُ دِيَةُ أَحَدِكُمْ، وَإِنَّ أَصْفَرَ الْبُيُوتِ مِنَ الْخَيْرِ بَيْتٌ لا يُقْرَأُ فِيهِ الْقُرْآنُ» ، قَالَ: وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَنْ قَرَأَ بِمِائَةِ آيَةٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ قَرَأَ بِمِائَتَيْ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ، وَمَنْ قَرَأَ بِأَلْفِ آيَةٍ كَانَ لَهُ قِنْطَارٌ، وَالْقِنْطَارُ مِنْ ذَلِكَ لا يَفِي بِهِ دُنْيَاكُمْ» قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، ثنا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ أَنْ يَجِدَ ثَلاثَ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ؟» ، فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ: «فَثَلاثُ آيَاتٍ يَقْرَؤُهُنَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلاثِ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، ثنا سُهَيْلٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَفِرُّ مِنَ الْبَيْتِ يُقْرَأُ فِيهِ الْبَقَرَةُ» قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: «لا تَتَّخِذُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ، صَلُّوا فِيهَا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَفِرُّ مِنَ الْبَيْتِ يَسْمَعُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، ثنا بَشِيرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَعَلَّمُوا الْبَقَرَةَ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ، تَعَلَّمُوا الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الزَّهْرَاوَانِ، كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ غَيَابَتَانِ،
(1/165)
أَوْ فِرْقَانِ مِنْ طَيْرِ صَوَافَّ، تُجَادِلانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا»
قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَجِيءُ الْقُرْآنُ وَأَهْلُهُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا تَقْدُمُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلُ عِمْرَانَ» ، وَضَرَبَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثَلاثَةَ أَمْثَالٍ مَا نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ، قَالَ: «كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا ظُلَّتَانِ سَوْدَاوَانِ بَيْنَهُمَا شَرْقٌ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ» قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: «أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُجَادِلانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا» قَالَ: وَفِيهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَرْفَعُهُ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِصَاحِبِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ، سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَسُورَهَ آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانٍ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ يُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا، اقْرَءُوا الْبَقَرَةَ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ»
حَدَّثَنَا هَارُونُ الْحَمَّالُ، ثنا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اعْمَلُوا بِالْقُرْآنِ، أَحِلُّوا حَلالَهُ وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ، وَاقْتَدُوا بِهِ وَلا تَكْفُرُوا بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَمَا تَشَابَهَ عَلَيْكُمْ مِنْهُ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى أُولِي الْعِلْمِ مِنْ بَعْدِي، كَمَا يُخْبِرُونَكُمْ بِهِ، وَآمِنُوا بِالتَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ، وَمَا أُوتِي النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّكُمْ، وَلْيَسَعْكُمُ الْقُرْآنُ وَمَا فِيهِ مِنَ الْبَيَانِ، فَإِنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ، وَمَا حِلٌ مُصَدَّقٌ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ آيَةٍ مِنْهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَلا وَإِنِّي أُعْطِيتُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ مِنَ الذِّكْرِ الأَوَّلِ، وَأُعْطِيتُ طَهْ وَالطَّوَاسِينَ مِنْ أَلْوَاحِ مُوسَى، وَأُعْطِيتُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمَ الْبَقَرَةِ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ، وَالْمُفَصَّلَ نَافِلَةً»
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي الْحَضْرَمِيُّ ابْنُ لاحِقٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: كَانَ لِجَدِّي جَرِينُ تَمْرٍ، فَكَانَ يَجِدَهُ يَنْقُصُ فَحَرَسَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَإِذَا مِثْلُ الدَّابَّةِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ، قَالَ: أَجِنِّيٌّ أَنْتَ أَمْ
(1/166)
إِنْسِيٌّ؟ قَالَ: جِنِّيٌّ، قَالَ: فَأَرِنِي يَدَكَ فَأَرَاهُ، فَإِذَا يَدُ كَلْبٍ وَشَعْرُ كَلْبٍ، فَقَالَ: أَهَكَذَا خَلْقُ الْجِنِّ؟ فَقَالَ: لَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنُّ أَنْ لَيْسَ فِيهِمْ رَجُلٌ أَشَدَّ مِنِّي، قَالَ: مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: أُنْبِئْتُ أَنَّكَ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ، فَجِئْتُ أُصِيبُ مِنْ طَعَامِكَ، قَالَ: مَا يُجِيرُنَا مِنْكُمْ، قَالَ: " هَذِهِ الآيَةُ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] ، إِذَا قَرَأْتَهَا غُدْوَةً أُجِرْتَ مِنَّا حَتَّى تُمْسِيَ وَإِذَا قَرَأْتُهَا مَسَاءً أُجِرْتَ مِنَّا حَتَّى تُصْبِحَ، فَغَدَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: «صَدَقَ الْخَبِيثُ»
قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ لِي طَعَامٌ مِنْ شَعِيرٍ فَذَكَرَ نَحْوًا مِنَ الأَوَّلِ، وَفِيهِ: " أُعَلِّمُكَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لا تَضَعُهَا عَلَى مَالٍ لَكَ وَلا وَلَدٍ فَيَقْرَبُهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا، فَقُلْتُ: وَمَا هِيَ؟ فَقَالَتْ: إِنِّي لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَكَلَّمَ بِهَا، آيَةُ الْكُرْسِيِّ، قَالَ: فَأَرْسَلْتُهَا، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي قَالَتْ، فَقَالَ: «صَدَقَتْ وَهِيَ كَذُوبٌ» قَالَ: وَفِيهِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَفْظُهُ: اسْتَعْمَلَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَدَقَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَذَكَرَ قَرِيبًا مِنْهُ قَالَ: وَفِيهِ: «أَنَّهُ لا يَقْرَأُ أَحَدٌ مِنْكُمْ خَاتِمَةَ الْبَقَرَةِ فِي بَيْتٍ فَيَدْخُلَهُ أَحَدٌ مِنَّا تِلْكَ اللَّيْلَةَ» قَالَ: وَفِيهِ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، بِنَحْوٍ مِنْهُ، وَفِيهِ: وَأَدُلُّكَ عَلَى آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَقْرَأُ بِهَا عَلَى بَيْتِكَ فَلا تُخَالَفُ إِلَى أَهْلِكَ، وَتَقْرَأُ بِهَا عَلَى إِنَائِكَ فَلا يُكْشَفُ غِطَاؤُهُ، فَأَعْطَيْتُهُ الْمَوْثِقَ الَّذِي رَضِيَ بِهِ مِنْهَا، قُلْتُ: الآيَةُ آيَةُ الْكُرْسِيِّ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ: «صَدَقَتْ وَهِيَ كَذُوبٌ»
حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ آدَمَ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمَدِينِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ، وَآيَتَيْنِ مِنْ أَوَّلِ حم الْمُؤْمِنِ، إِنْ قَرَأَهَا حِينَ يُصْبِحُ حُفِظَ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِي، وَإِنْ قَرَأَهَا حِينَ يُمْسِي حُفِظَ لَيْلَتَهُ تِلْكَ حَتَّى يُصْبِحَ»
(1/167)
حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سَنَامًا، وَسَنَامُ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، فِيهَا آيَةٌ سَيِّدَةُ آيِ الْقُرْآنِ {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] ، لا تُقْرَأُ فِي بَيْتٍ وَفِيهِ شَيْطَانٌ إِلا خَرَجَ "
قَالَ: وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَوْقُوفًا: «إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سَنَامًا» قَالَ: إِلَى آخِرِهِ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «جَرِّدُوا الْقُرْآنَ لِيَرْبُوَ فِيهِ صَغِيرُكُمْ وَلا يَنَأَى عَنْهُ كَبِيرُكُمْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَفِرُّ مِنَ الْبَيْتِ يُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ» قَالَ: وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَا أَرَى أَحَدًا يَعْقِلُ أَدْرَكَ الإِسْلامَ يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ» قَالَ: وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَشْرَفُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ الْبَقَرَةُ وَأَشْرَفُ آيَةٍ آيَةُ الْكُرْسِيِّ» قَالَ: وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا: " الْبَقَرَةُ سِنَامُ الْقُرْآنِ وَذِرْوَةُ سِنَامِهِ، نَزَلَتْ مَعَ كُلِّ آيَةٍ ثَمَانُونَ مَلَكًا، وَانْتُزِعَتْ، وَاسْتُخْرِجَتْ: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] ، مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ الْعَرْشِ فَوُصِلَتْ بِهَا أَوْ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَيس قَلْبُ الْقُرْآنِ، لا يَقْرَأُهَا رَجُلٌ يُرِيدُ اللَّهَ بِهَا وَالدَّارَ الآخِرَةَ إِلا غُفِرَ لَهُ فَاقْرَءُوهَا عَلَى مَوْتَاكُمْ "
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: وَجَدْتُ فِي كِتَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُدَ، عَنْ حَسَنِ بْنِ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي هَارُونُ أَبُو مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ قَلْبًا، وَقَلَبُ الْقُرْآنِ يس»
قَالَ: وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ سَمَاءٍ وَلا أَرْضٍ، وَلا سَهْلٍ وَلا جَبَلٍ أَعْظَمَ مِنْ آيَةِ الْكُرْسِيِّ، وَإِنَّ أَجْمَعَ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ لِحَلالٍ وَحَرَامٍ وَأَمَرٍ وَنَهْيٍ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]
(1/168)
" قَالَ: وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ: «مَنْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ فِي لَيْلَةٍ تُوِّجَ بِهَا تَاجًا فِي الْجَنَّةِ» قَالَ: وَعَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: «مَنْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ فِي لَيْلَةٍ أَضَاءَ نُورُهُ مَا بَيْنَ عَرْبِيَاءَ إِلَى حَرْبِيَاءَ يَعْنِي الْعَرْشَ وَالأَرْضَ السُّفْلَى» قَالَ: وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَنْ قَرَأَ آلَ عِمْرَانَ فَهُوَ غَنِيٌّ، وَالنِّسَاءُ مَحْبَرَةٌ، وَالأَنْعَامُ مِنْ نَوَاجِبِ الْقُرْآنِ، أَوْ نَجَائِبِ الْقُرْآنِ» قَالَ: وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: «أَنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ سَرِيعَةُ الدُّثُورِ، اقْدَعُوهَا، امْنَعُوهَا هَوَاهَا، حَادِثُوهَا بِعِمَارَاتِهَا، وَرَبِيعُهَا الْقُرْآنُ، فَإِنَّهُ إِمَامُ الْمُؤْمِنِينَ اتَّهِمُوا عَلَيْهِ رَأْيَكُمْ، وَاسْتَغْشُوا عَلَيْهِ أَنْفُسَكُمْ، وَإِيَّاكُمْ وَالأَهْوَاءَ وَالْعُجْبَ وَالتَّزْكِيَةَ، الْقُرْآنَ الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ، وَمَاحِلٌ مُصَدَّقٌ، وَاللَّهِ مَا دُونَ الْقُرْآنِ مِنْ غِنًى، وَمَا بَعْدَ الْقُرْآنِ مِنْ فَقْرٍ»
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حِسَابٍ، وَحَامِدُ بْنُ عُمَرَ، قَالُوا: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي لُبَابَةَ، سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، تَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ مَا يُرِيدُ أَنْ يُفْطِرَ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ مَا يُرِيدُ أَنْ يَصُومَ»
قَالَتْ: «وَكَانَ يَقْرَأُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ بِـ بَنِي إِسْرَائِيلَ وتَنْزِيلُ الزُّمَرِ»
قَالَ: وَقَالَ مِسْعَرٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَبْصَرُوا أَبَا الدَّرْدَاءِ يَبْنِي مَسْجِدًا، قَالَ: " أَبْنِيهِ لآلِ {حم} [غافر: 1] " قَالَ: وَقَالَ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: «كُنَّ الْحَوَامِيمَ يُسَمَّيْنَ الْعَرَائِسَ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، ثنا يَزِيدُ بْنُ حُبَابٍ، ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْخَثْعَمِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ صَلَّى بِـ حم، الدُّخَانِ، فِي لَيْلَةٍ أَصْبَحَ مَغْفُورًا لَهُ»
(1/169)
قَالَ: وَعَنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ: «مَنْ قَرَأَ الدُّخَانَ فِي لَيْلَةٍ غُفِرَ لَهُ» قَالَ: وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ: «مَنْ قَرَأَ حم، الدُّخَانَ، فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ أَصْبَحَ مَغْفُورًا لَهُ، وَزُوِّجَ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ»
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا خَارِجَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ، عَنِ الرَّقَاشِيِّ، وَعَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ أَعْطَانِي السَّبْعَ مَكَانَ التَّوْرَاةِ، وَأَعْطَانِي الرَّاءَاتِ مَكَانَ الإِنْجِيلِ، وَأَعْطَانِي مَا بَيْنَ الطَّوَاسِينَ إِلَى الْحَوَامِيمِ مَكَانَ الزَّبُورِ، وَفَضَّلَنِي بِالْحَوَامِيمِ وَالْمُفَصَّلِ، مَا قَرَأَهُنَّ نَبِيٌّ مِنْ قَبْلِي»
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ حَبِيبِ بْنِ هِنْدَ الأَسْلَمِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَخَذَ السَّبْعَ فَهُوَ حَبْرٌ» ، قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ: يَعْنِي السَّبْعَ الطِّوَالَ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثنا مُحَمَّدٌ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ ابْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنَ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ»
قَالَ: وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، وَكَانَتْ مَكْتُوبَةً فِي لَوْحٍ يُدَارُ بِذَلِكَ اللَّوْحِ مَعَهُ إِذَا دَارَ عَلَى نِسَائِهِ» قَالَ: وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَالْكَهْفُ، وَمَرْيَمُ، وَطَهَ، وَالأَنْبِيَاءُ، هُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلادِي»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنِي بَحِيرُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي بِلالٍ، عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا يَنَامُ كُلَّ لَيْلَةٍ حَتَّى يَقْرَأَ الْمُسَبِّحَاتِ، وَقَالَ: «إِنَّ فِيهِنَّ آيَةً خَيْرًا مِنْ أَلْفِ آيَةٍ»
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلادٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْقَهْ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، وَمَنْزِلُكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا "
(1/170)
قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَفْظُهُ: " يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ إِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ: اقْرَأْ وَاصْعَدْ، فَيَقْرَأُ وَيَصْعَدُ بِكُلِّ آيَةٍ دَرَجَةً حَتَّى يَقْرَأَ آخِرَ شَيْءٍ مَعَهُ "
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا الْمُلائِيُّ، ثنا بَشِيرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " إِنَّ الْقُرْآنَ لَيَلْقَى صَاحِبَهُ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: لا أَعْرِفُكَ، فَيَقُولُ: أَنَا الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُ نَهَارَكَ، وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ، فَيُوضَعُ الْمُلْكُ بِيَمِينِهِ، وَالْخُلْدُ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ تَاجُ الْوَقَارِ عَلَى رَأْسِهِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لا يَقُومُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا، فَيَقُولانِ: بِمَ كُسِينَا هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ، ثُمَّ يُقَالُ: اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ أَوْ تَرْتِيلا "
قَالَ: وَعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَمَّنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ مِمَّنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، مَا فَضْلُهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَقْرَأْهُ؟ ، فَقَالَتْ: «إِنَّ عَدَدَ دَرَجِ الْجَنَّةِ بِعَدَدِ آيِ الْقُرْآنِ، فَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ مِمَّنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلَيْسَ فَوْقَهُ أَحَدٌ»
قَالَ: وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ، وَتَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: " يُقَالُ لِقَارِئِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْقَهْ " قَالَ: الْحَدِيثُ
حَدَّثَنَا أَبُو قُدَامَةَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بُدَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ خَلْقِهِ» ، قَالُوا: وَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَهْلُ الْقُرْآنِ، هُمْ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ»
حَدَّثَنَا يَحْيَى، أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْهَجَرِيِّ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ، فَتَعَلَّمُوا مَأْدُبَتَهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ حَبْلُ اللَّهِ، وَهُوَ النُّورُ الْمُبِينُ، وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ، عِصْمَةُ مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ، وَنَجَاةُ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَعْوَجُّ فَيُقَوَّمُ، وَلا يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبُ، وَلا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَلا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، اتْلُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْجُرُكُمْ عَلَى تِلاوَتِهِ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، أَمَا إِنِّي لا أَقُولُ بِـ» الم «وَلَكِنْ بِأَلْفٍ عَشْرًا، وَبِاللامِ عَشْرًا، وَبِالْمِيمِ عَشْرًا»
قَالَ: وَفِي الْبَابِ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ: وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَا يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ إِذَا رَجَعَ مِنْ سُوقِهِ أَوْ مِنْ حَاجَتِهِ إِلَى أَهْلِهِ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ، وَيَكُونَ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ»
(1/171)
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَيُّوبَ الْمَخْرَمِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ هَارُونَ الْغَسَّانَيُّ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ تَصْدَأُ كَمَا يَصْدَأُ الْحَدِيدُ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا جَلاؤُهَا؟ قَالَ: «تِلاوَةُ الْقُرْآنِ»
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بُكَيْرٍ الْحَضْرَمِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْجَهْمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ نَبْهَانَ، عَنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبَيْتُ إِذَا قُرِئَ فِيهِ الْقُرْآنُ حَضَرَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَتَنَكَّبَتْ عَنْهُ الشَّيَاطِينُ وَاتَّسَعَ عَلَى أَهْلِهِ، وَكَثُرَ خَيْرُهُ، وَقَلَّ شَرُّهُ، وَإِنَّ الْبَيْتَ إِذَا لَمْ يُقْرَأْ فِيهِ الْقُرْآنُ حَضَرَتْهُ الشَّيَاطِينُ، وَتَنَكَّبَتْ عَنْهُ الْمَلائِكَةُ، وَضَاقَ عَلَى أَهْلِهِ، وَقَلَّ خَيْرُهُ، وَكَثُرَ شَرُّهُ»
قَالَ: وَفِي الْبَابِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَوْقُوفًا، وَفِيهِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، ثنا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، ثنا بَكْرُ بْنُ خُنَيْسٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْطَأَةَ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَقَرَّبَ الْعِبَادُ إِلَى اللَّهِ بِمِثْلِ مَا خَرَجَ مِنْهُ» يَعْنِي الْقُرْآنَ
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَرْفَعُهُ: «إِنَّكُمْ لَنْ تَرْجِعُوا إِلَى اللَّهِ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ» قَالَ: يَعْنِي كَلامَهُ
قَالَ: وَعَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ الأَشْجَعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «يَا هَنْتَاهُ تَقَرَّبْ إِلَى اللَّهِ مَا اسْتَطَعْتَ فَإِنَّكَ لَنْ تَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ كَلامِهِ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ الْعَبْدِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللَّهُ: مَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ عَنْ ذِكْرِي وَمَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مِمَّا أُعْطِيَ السَّائِلِينَ، وَفَضْلُ كَلامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ "
قَالَ: وَعَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، قَالا: «فَضْلُ كَلامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ» ،
(1/172)
وَفِي رِوَايَةٍ: «كَفَضْلِ الرَّبِّ عَلَى خَلْقِهِ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ، سَمِعْتُ عُمَيْرَ بْنَ هَانِئٍ، يَقُولُ: قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَنَجِدُ لِلْقُرْآنِ مِنْكَ مَا لا نَجِدُهُ مِنْ أَنْفُسِنَا إِذَا نَحْنُ خَلَوْنَا، فَقَالَ: «أَجَلْ، أَنَا أَقْرَأُهُ لِبَطْنٍ، وَأَنْتُمْ تَقْرَءُونَهُ لِظَهْرٍ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْبَطْنُ مِنَ الظَّهْرِ؟ قَالَ: «أَقْرَأُهُ أَتَدَبَّرَهُ وَأَعْمَلُ بِمَا فِيهِ، وَتَقْرَءُونَهُ أَنْتُمْ هَكَذَا» ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ فَأَمَرَّهَا هَكَذَا
قَالَ: وَقَالَ كَعْبٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: «عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّهُ فَهْمُ الْعَقْلِ وَنُورُ الْحِكْمَةِ وَأَحْدَثُ الْكُتُبِ بِالرَّحْمَنِ» قِيلَ لِلْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ إِنِّي إِذَا قَرَأْتُ الْقُرْآنَ فَذَكَرْتُ شُرُوطَهُ وَمَوَاثِيقَهُ وَعُهُودَهُ قَطَعَ بِي، فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: «يَا ابْنَ أَخِي، إِنَّ الْكَلامَ كَلامُ اللَّهِ إِلَى الْقُوَّةِ وَالْمَتَانَةِ، وَإِنَّ الأَعْمَالَ أَعْمَالُ بَنِي آدَمَ إِلَى الضَّعْفِ وَالتَّقْصِيرِ، وَلَكِنْ سَدِّدْ وَقَارِبْ وَأَبْشِرْ»
حَدَّثَنَا أَبُو قُدَامَةَ، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ، قَالا: حَدَّثَنَا عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ سُفْيَانُ: «أَفْضَلُكُمْ» ، وَقَالَ شُعْبَةُ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ»
حَدَّثَنِي أَبُو زُرْعَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، ثنا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: زَعَمَ لِيَ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " ثَلاثَةٌ تَحْتَ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّحِمُ تُنَادِي: أَلا مَنْ وَصَلَنِي فَوَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ، وَالْقُرْآنُ يُحَاجُّ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالأَمَانَةُ "
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، ثنا حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ، ثنا أَبُو مُخْتَارٍ الطَّائِيُّ، عَنِ ابْنِ أَخِي الْحَارِثِ الأَعْوَرِ، عَنِ الْحَارِثِ الأَعْوَرِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «أَلا إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ» ، قُلْتُ: فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
(1/173)
قَالَ: " كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، هُوَ الَّذِي لا تَزِيغُ لَهُ الأَهْوَاءُ وَلا تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَةُ، وَلا تَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلا يَخْلَقُ عَنْ رَدٍّ، وَلا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ تَتَنَاهَ الْجِنُّ إِنْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} [الجن: 2 - 2] ، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " قَالَ: خُذْهَا إِلَيْكَ يَا أَعْوَرُ
قَالَ: وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: لَمَّا وَقَعَ النَّاسُ فِي أَمْرِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قُلْتُ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَبَا الْمُنْذِرِ مَا الْمَخْرَجُ؟ قَالَ: «كِتَابُ اللَّهِ، مَا اسْتَبَانَ لَكَ فَاعْمَلْ بِهِ وَانْتَفِعْ، وَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ فَكِلْهُ إِلَى عَالِمِهِ»
قَالَ: وَقَالَ جُنْدُبٌ: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَأُوصِيكُمْ بِالْقُرْآنِ، نُورُ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، وَهُدَى النَّهَارِ، فَاعْمَلُوا بِهِ عَلَى مَا كَانَ فِيهِ مِنْ جَهْدٍ وَفَاقَةٍ، فَإِنْ عَرَضَ بَلاءٌ فَقَدِّمْ مَالَكَ دُونَ نَفْسِكَ، فَإِنْ تَجَاوَزَهُمَا الْبَلاءُ فَقَدِّمْ نَفْسَكَ وَمَالَكَ دُونَ دِينِكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَحْرُوبَ مَنْ حُرِبَ دِينُهُ، وَأَنَّ الْمَسْلُوبَ مَنْ سُلِبَ دِينُهُ، وَأَنَّهُ لا فَقْرَ بَعْدَ الْجَنَّةِ، وَلا غِنًى بَعْدَ النَّارِ، وَأَنَّ النَّارَ لا يُفَكُّ أَسِيرُهَا، وَلا يَسْتَغْنِي فَقِيرُهَا» قَالَ: وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَنْ أَرَادَ عِلْمَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فَلْيَثُورِ الْقُرْآنَ، فَإِنَّ فِيهِ عِلْمَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ» قَالَ: وَفِي لَفْظٍ: «إِذَا أَرَدْتُمُ الْعِلْمَ فَأَثِيرُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّ فِيهِ عِلْمَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ» ، وَعَنْهُ: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ، فَمَنْ دَخَلَ فِيهِ فَهُوَ آمَنٌ» قَالَ: وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " ضَمِنَ اللَّهُ لِمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَاتَّبَعَ مَا فِيهِ أَنْ لا يَضِلَّ وَلا يَشْقَى، ثُمَّ تَلا: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [طه: 123] "، وَفِي رِوَايَةٍ: " مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَاتَّبَعَ بِمَا فِيهِ هَدَاهُ اللَّهُ مِنَ الضَّلالَةِ، وَوَقَاهُ سُوءَ الْحِسَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى، يَقُولُ: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 124 - 124]
(1/174)
" قَالَ: وَقَالَ سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، قُلْتُ: يَا أَبَا الْحَجَّاجِ، مَا قَوْلُ اللَّهِ: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر: 33] ؟ قَالَ: " هُمُ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْقُرْآنِ، فَقَالُوا: هَذَا الَّذِي أَعْطَيْتُمُونَا فَقَدْ عَمِلْنَا بِمَا فِيهِ "، وَقَالَ سُفْيَانُ: قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} [الحج: 24] : الْقُرْآنُ: {وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج: 24] : الإِسْلامُ، قَالَ سُفْيَانُ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ هَكَذَا " قَالَ: وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ، وَمَاحِلٌ مُصَدَّقٌ، فَمَنْ جَعَلَ الْقُرْآنَ خَلْفَ ظَهْرِهِ سَاقَهُ الْقُرْآنُ
إِلَى النَّارِ، وَمَنْ جَعَلَ الْقُرْآنَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَادَهُ الْقُرْآنُ إِلَى الْجَنَّةِ» قَالَ: وَقَالَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ كَائِنٌ لَكُمْ ذُخْرًا، وَكَائِنٌ لَكُمْ أَجْرًا، وَكَائِنٌ عَلَيْكُمْ وِزْرًا، فَاتَّبِعُوا الْقُرْآنَ وَلا يَتْبَعَنَّكُمُ الْقُرْآنُ، فَإِنَّهُ مَنْ يَتْبَعِ الْقُرْآنَ يَهْبِطْ بِهِ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ يَتْبَعُهُ الْقُرْآنُ يَزُخُّ فِي قَفَاهُ حَتَّى يَقْذِفَهُ فِي جَهَنَّمَ» قَالَ: وَعَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ: «الْقُرْآنُ قَائِدٌ وَسَائِقٌ، فَمَنِ اتَّبَعَ الْقُرْآنَ قَادَهُ إِلَى الْجَنَّةِ وَمَنْ نَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ سَاقَهُ إِلَى النَّارِ» قَالَ: وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «الْقُرْآنُ حَجِيجٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلَكُمْ أَوْ عَلَيْكُمْ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ الْمَكِّيُّ، ثنا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبَانَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْقُرْآنُ غِنًى لا فَقْرَ بَعْدَهُ، وَلا غَنَاءَ دُونَهُ»
قَالَ: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ فَلْيَنْظُرْ إِلَى الْقُرْآنِ، فَإِنْ كَانَ يُحِبُّ الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْمُهَاجِرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَكَأَنَّمَا اسْتُدْرِجَتِ النُّبُوَّةُ بَيْنَ جَنْبَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يُوحِي إِلَيْهِ، وَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَرَأَى أَنَّ أَحَدًا أُعْطِيَ أَفْضَلَ مِمَّا أُعْطِيَ، فَقَدْ عَظَّمَ مَا صَغَّرَ اللَّهُ، وَصَغَّرَ مَا عَظَّمَ اللَّهُ، وَلَيْسَ يَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يُسَفِّهَ فِيمَنْ يُسَفِّهُ، أَوْ يَغْضَبَ فِيمَنْ يَغْضَبُ، أَوْ يَحْتَدُّ فِيمَنْ يَحْتَدُّ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ لِفَضْلِ الْقُرْآنِ» ، قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا
(1/175)
قَالَ: وَقَالَ الْحَسَنُ: " إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ قَرَأَهُ عَبِيدٌ وَصِبْيَانٌ لا عِلْمَ لَهُمْ بِتَأْوِيلِهِ، وَلَمْ يَأْتُوا الأَمْرَ مِنْ قِبَلِ أَوَّلِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: 29] ، وَمَا تَدَبَّرَ آيَاتِهِ إِلا أَتْبَاعُهُ مَا هُوَ بِحِفْظِ حُرُوفِهِ وَإِضَاعَةِ حُدُودِهِ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ، لَيَقُولُ: قَدْ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ، فَمَا أَسْقَطَ مِنْهُ حَرْفًا وَقَدْ وَاللَّهِ أَسْقَطَهُ كُلَّهُ، مَا تَرَى الْقُرْآنَ لَهُ فِي خُلُقٍ وَلا عَمِلٍ وَحَتَّى عَنْ أَحَدِهِمْ، لَيَقُولُ: إِنِّي لأَقْرَأُ السُّورَةَ فِي نَفَسٍ، وَاللَّهِ مَا هَؤُلاءِ بِالْقُرَّاءِ وَلا الْعُلَمَاءِ وَلا الْحُكَمَاءِ وَلا الْوَرِعَةِ، وَمَتَى كَانَتِ الْقُرَّاءُ تَقُولُ مِثْلَ هَذَا، لا أَكْثَرَ اللَّهُ فِي النَّاسِ مِثْلَ هَؤُلاءِ " قَالَ: وَقَالَ: «مَا بَقِيَ فِي أَيْدِينَا بَقِيَّةٌ غَيْرُ هَذَا الْقُرْآنِ، فَاتَّخِذُوهُ إِمَامًا وَائْتَمِنُوهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَاسْتَغْشُوا عَلَيْهِ أَهْوَاءَكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ وَمَاحِلٌ مُصَدَّقٌ، مَنْ يَشْفَعْ لَهُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَشْفَعْ فِيهِ وَمَنْ مَحَلَ بِهِ صُدِّقَ عَلَيْهِ، وَايْمُ اللَّهِ إِنَّ مِنْ شِرَارِ هَذِهِ الأُمَّةِ أَقْوَامًا قَرَءُوا هَذَا الْقُرْآنَ جَهِلُوا سُنَّتَهُ، وَحَرَّفُوهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَإِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَذَا الْقُرْآنِ مَنْ عَمِلَ بِهِ وَإِنْ كَانَ لا يَقْرَؤُهُ» قَالَ: وَعَنْ قَتَادَةَ: " لَمْ يُجَالِسْ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلا قَامَ مِنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، قَضَاءُ اللَّهِ الَّذِي قَضَى: {شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا} [الإسراء: 82] " قَالَ: وَعَنْ مُطَرِّفٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر: 29] ، قَالَ: هَذِهِ آيَةُ الْقُرَّاءِ " قَالَ: وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: كَانَ يُقَالُ: «إِنَّ أَنْقَى النَّاسِ عُقُولا قُرَّاءُ الْقُرْآنِ» قَالَ: وَكَانَ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ يَمُرُّ بِالْمَجَالِسِ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمْ يَدْرُسُونَ، فَيَقُولُ: «كِتَابُ اللَّهِ عَزَّرْتُمْ وَبَيْتَ اللَّهِ عَمَرْتُمْ وَبِرَوحِ اللَّهِ ائْتَلَفْتُمْ فَأَحَبَّكُمُ اللَّهُ
وَأَحَبَّ مَنْ أَحَبَّكُمْ» قَالَ: وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: " إِنَّ الصِّدِّيقِينَ إِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ طَرَبَتْ قُلُوبُهُمْ إِلَى الآخِرَةِ، ثُمَّ، يَقُولُ: خُذُوا فَيَقْرَأُ، وَيَقُولُ: اسْمَعُوا مَا يَقُولُ الصَّادِقُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ "،
(1/176)
قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى، يَقُولُ: «إِنِّي أَهِمُّ بِعَذَابِ خَلْقِي فَأَنْظُرُ إِلَى جُلَسَاءِ الْقُرْآنِ وَعُمَّارِ الْمَسَاجِدِ وَوِلْدَانِ الإِسْلامِ فَيَسْكُنُ غَضَبِي» ، وَقَالَ: «يَا حَمَلَةَ الْقُرْآنِ، مَاذَا زَرَعَ الْقُرْآنُ فِي قُلُوبِكُمْ؟ فَإِنَّ الْقُرْآنَ رَبِيعُ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا أَنَّ الْغَيْثَ رَبِيعُ الأَرْضِ، فَقَدْ يَنْزِلُ الْغَيْثُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ فَيُصِيبُ الْحُشَّ فَيَكُونُ فِيهِ الْحَبَّةُ فَلا يَمْنَعُهَا نَتْنُ مَوْضِعِهَا أَنْ تَهْتَزَّ وَتَحْسُنَ، فَيَا حَمَلَةَ الْقُرْآنِ مَا زَرَعَ الْقُرْآنُ فِي قُلُوبِكُمْ؟ أَيْنَ أَصْحَابُ سُورَةٍ؟ أَيْنَ أَصْحَابُ سُورَتَيْنِ؟ مَاذَا عَمِلْتُمْ فِيهِمَا؟» قَالَ: وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ: «تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ صَلاةٌ، وَدِرَاسَةُ الْقُرْآنِ صَلاةٌ»
قَالَ: وَقَالَ مَعْمَرٌ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَا خَيَّبَ اللَّهُ بَيْتًا أَوَى إِلَيْهِ امْرُؤٌ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ أَوْ بِسُورَةِ النِّسَاءِ أَوْ بِسُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَبِصَوَاحِبَاتِهِنَّ» ، وَقَالَ: «إِذَا بَلَغْتُ آلَ حَامِيمَ فَقَدْ وَقَعْتُ فِي رِيَاضٍ أَتَأَنَّقُ فِيهِنَّ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «آلُ حَامِيمَ دِيبَاجُ الْقُرْآنِ»
حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَثَلُ الْقُرْآنِ مَثَلُ الإِبِلِ الْمُعْقَلَةِ إِنْ عَقَلَهَا صَاحِبُهَا حَبَسَهَا، وَإِنْ أَطْلَقَهَا ذَهَبَتْ»
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا قَامَ صَاحِبُ الْقُرْآنِ فَقَرَأَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ذَكَرَهُ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ نَسِيَهُ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " بِئْسَ مَا لأَحَدِكُمْ أَنْ يَقُولَ: نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ "، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ هُوَ نُسِّيَ»
وَقَالَ: «اسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ فَلَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ مِنْ عُقُلِهِ»
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، أَخْبَرَنِي أَبِي، ثنا أَبُو خَلْدَةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، ثنا سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمًا، فَقَالَ: " إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا، بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ لِي: قُمْ، فَقُمْتُ، فَقَالَ: امْضِ أَمَامَكَ، فَمَضَيْتُ، فَإِذَا
(1/177)
أَنَا بِرَجُلَيْنِ رَجُلٍ نَائِمٍ، وَآخَرَ قَائِمٍ، فَإِذَا هُوَ يَجِيءُ بِحِجَارَةٍ فَيَضْرِبُ بِهَا رَأْسَ النَّائِمِ فَيَشْدَخُهُ فَإِلَى أَنْ يَجِيءَ بِحَجَرٍ آخَرَ قَدِ ارْتَدَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ: مَا هَذَا؟ قَالَ: رَجُلٌ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ فَنَامَ عَنْهُ حَتَّى نَسِيَهُ لا يَقْرَأُ مِنْهُ شَيْئًا، كُلَّمَا رَقَدَ فِي الْقَبْرِ أَوْقَذَهُ بِالْحِجَارَةِ "، قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: " قُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَا هَذَانِ؟ قَالا: أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ الَّذِي يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الْفَرِيضَةِ "
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَسَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، قَالا: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عِيسَى، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ أَجْذَمُ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الصَّنْعَانِيُّ، ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ ذَنْبٍ تُوَافِي بِهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَسُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَ أَحَدِهِمْ فَنَسِيَهَا»
قَالَ: وَعَنْ عِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ، قَالا: " إِذَا عَلِمَ الرَّجُلُ الْقُرْآنَ، ثُمَّ نَسِيَهُ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ: لَوْ حَفِظْتَنِي لَبَلَغْتُ بِكَ الْمَنْزِلَ، وَلَكِنَّكَ قصَرْتَ فَقَصَرْتُ بِكَ " قَالَ: وَعَنِ الضَّحَّاكِ: " مَا تَعَلَّمَ أَحَدٌ الْقُرْآنَ فَنَسِيَهُ إِلا بِذَنْبٍ، ثُمَّ قَرَأَ: {مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] ، وَأَيُّ مُصِيبَةٍ أَعْظَمُ مِنْ نِسْيَانِ الْقُرْآنِ "
حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ، ثنا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، ثنا أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَبْشِرُوا، أَلَسْتُمْ تَشْهَدُونَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟» ، قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: «فَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سَبَبٌ، طَرَفُهُ بِيَدِ اللَّهِ وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ فَتَمَسَّكُوا بِهِ فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا وَلَنْ تَهْلِكُوا بَعْدَهُ أَبَدًا»
(1/178)
قَالَ: وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهَ عَنْهُ: «كُنَّا إِذَا تَعَلَّمْنَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَشْرًا مِنَ الْقُرْآنِ لَمْ نَتَعَلَّمِ الْعَشْرَ الَّتِي بَعْدَهَا حَتَّى نَعْلَمَ مَا نَزَلَ فِي هَذِهِ مِنَ الْعَمَلِ» قَالَ: وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَقَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرِنَا وَاحِدُنَا يُؤْتَى الإِيمَانَ مِنْ قِبَلِ الْقُرْآنِ وَتَنْزِلُ السُّورَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَتَعَلَّمُ حَلالَهَا وَحَرَامَهَا وَزَاجِرَهَا وَآمِرَهَا وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ مِنْهَا كَمَا تَعْلَمُونَ أَنْتُمُ الْقُرْآنَ لَقَدْ رَأَيْتُ الْيَوْمَ رِجَالا يُؤْتَى أَحَدُهُمُ الْقُرْآنَ قَبْلَ الإِيمَانِ فَيَقْرَأُ مَا بَيْنَ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ مَا يَدْرِي آمُرَهُ وَلا زَاجِرَهُ وَلا مَا يَنْبَغِي أَنَ يَقِفَ عِنْدَهُ، يَنْثُرُهُ نَثْرَ الدَّقَلِ» قَالَ: وَعَنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ: " لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ رَسُولا إِلا أَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا، فَإِنْ قَبِلَهُ قَوْمُهُ وَإِلا رُفِعَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ} [الزخرف: 5] ، لا تَقْبَلُونَهُ فَنُلْقِيهِ عَلَى قُلُوبِ بَقِيَّةٍ، قَالُوا: قَبِلْنَاهُ رَبَّنَا، قَبِلْنَاهُ رَبَّنَا، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلُوا لَرُفِعَ وَلَمْ يَنْزِلْ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ " قَالَ: وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَرْجِعَ الْقُرْآنُ مِنْ حَيْثُ نَزَلَ، لَهُ دَوِيٌّ حَوْلَ الْعَرْشِ كَدَوِيٍّ النَّحْلِ يَقُولُ أُتْلَى وَلا يُعْمَلُ بِي» قَالَ: وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: يُقَالُ: «إِنَّمَا يُرْفَعُ الْقُرْآنُ حِينَ يُقْبِلُ النَّاسُ عَلَى الْكُتُبِ وَيَكُبُّونَ عَلَيْهَا وَيَتْرُكُونَ الْقُرْآنَ» قَالَ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنَّ الْقُرْآنَ، يَقُولُ: «إِنِّي مَعَكَ مَا تَبِعْتَنِي فَإِذَا لَمْ تَعْمَلْ بِي تَبِعْتُكَ حَتَّى آخُذَكَ عَلَى أَسْوَإِ عَمَلِكَ»
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ وَرْدَانَ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَسَلُوا اللَّهَ
(1/179)
بِهِ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ قَوْمٌ يَسْأَلُونَ بِهِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْقُرْآنَ يَتَعَلَّمُهُ ثَلاثَةٌ: رَجُلٌ يُبَاهِي، وَرَجُلٌ يَسْتَأْكِلُ بِهِ، وَرَجُلٌ يَقْرَأُهُ لِلَّهِ "
قَالَ: وَفِي الْبَابِ:
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ وَسَلُوا اللَّهَ بِهِ فَإِنَّ مِنْ بَعْدِكُمْ أَقْوَامًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَسْأَلُونَ بِهِ النَّاسَ» ، قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلْيَسْأَلِ اللَّهَ بِهِ، فَإِنَّهُ سَيَجِيءُ قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ بِهِ»
قَالَ: وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لإِيَاسِ بْنِ عَامِرٍ: «إِنَّكَ إِنْ بَقِيتَ فَسَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ ثَلاثَةُ أَصْنَافٍ، صِنْفٌ لِلَّهِ، وَصِنْفٌ لِلدُّنْيَا، وَصِنْفٌ لِلْجَدَلِ» قَالَ: وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: " لا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَخْلَقَ الْقُرْآنُ فِي صُدُورِ قَوْمٍ وَيَبْلَى كَمَا تَبْلَى الثِّيَابُ إِنْ قَصَرُوا عَمَّا أُمِرُوا بِهِ، قَالُوا: سَيُغْفَرُ لَنَا، وَإِنِ انْتَهَكُوا مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ، قَالُوا: إِنَّا لَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا، أَمْرُهُمْ إِلَى الضَّعْفِ الَّذِي لا يُخَالِطُهُ مَخَافَةٌ يَلْبَسُونَ جُلُودَ الضَّأْنِ عَلَى قُلُوبِ الذِّئَابِ أَفْضَلُهُمْ فِي أَنْفُسِهِمُ الْمُدَاهِنُ " قَالَ: وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ: رَأَيْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمَنَامِ، فَقُلْتُ لَهُ: " أَيُّ الأَعْمَالِ وَجَدْتَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْقُرْآنُ، قُلْتُ: فَالْحَدِيثُ؟ فَحَوَّلَ وَجْهَهُ وَلَوَى عُنُقَهُ " قَالَ: وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: «يَا أَصْحَابَ الْقُرْآنِ لا تَتَّخِذُوهُ بِضَاعَةً تَلْتَمِسُوا بِهِ الشِّفَّ فِي الدُّنْيَا يَعْنِي الرِّبْحَ وَاطْلُبُوا الدُّنْيَا بِالدُّنْيَا، وَالآخِرَةَ بِالآخِرَةِ» -
(1/180)
بَابُ مَا يُقَالُ فِي رُكُوعِ صَلاةِ اللَّيْلِ وَسُجُودِهَا وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَلا إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا، أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ، فَكَانَ إِذَا رَكَعَ، قَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ» ، مِثْلَ مَا كَانَ قَائِمًا، وَإِذَا سَجَدَ، قَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى» ، مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ جَلَسَ يَقُولُ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي» ، مِثْلَ مَا كَانَ قَائِمًا، ثُمَّ سَجَدَ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى» ، مِثْلَ مَا كَانَ قَائِمًا، فَمَا صَلَّى إِلا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ حَتَّى جَاءَ بِلالٌ يُنَادِيهِ إِلَى الْغَدَاةِ "
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَوَجَدْتُهُ وَهُوَ سَاجِدٌ وَقَدَمَاهُ مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَأَعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» ، قَالَ: وَفِي رِوَايَةٍ: «أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، أَعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ» قَالَ: وَفِي لَفْظٍ: «أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَبِكَ مِنْكَ أَثْنَيْ عَلَيْكَ لا أَبْلُغُ كُلَّ مَا فِيكَ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا الْمَخْزُومِيُّ، ثنا وُهَيْبٌ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ فِي صَلاةِ اللَّيْلِ فِي سُجُودِهِ: «سُبْحَانَكَ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ»
(1/181)
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيْلَةً مِنْ مَضْجَعِهِ فَطَلَبْتُهُ فِي ظُلْمَةِ الْبَيْتِ فَوَضَعْتُ يَدِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، وَهُوَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ»
حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ، ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، نَبَّأَتْ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَفِي سُجُودِهِ: «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» قَالَ: يَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] ، كَانَ يُكْثِرُ إِذَا قَرَأَهَا ثُمَّ رَكَعَ، أَنْ يَقُولَ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» قَالَ: ثَلاثًا
حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْبِسْطَامِيُّ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، ثنا حُمَيْدٌ الأَعْرَجُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: «سَجَدَ لَكَ سَوَادِي وَخَيَالِي وَآمَنَ بِكَ فُؤَادِي، أَبُوءُ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ هَذِهِ يَدَايَ بِمَا جَنَيْتُ عَلَى نَفْسِي»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ الْمَاجِشُونِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا رَكَعَ قَالَ فِي رُكُوعِهِ: «اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ
(1/182)
أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعِظَامِي وَعَصَبِي» ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» ، وَإِذَا سَجَدَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِيَ لِلَّذِي خَلْقَهُ وَصَوَّرَهُ فَأَحْسَنَ صُوَرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ»
قَالَ: وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ الْهَمْدَانِيِّ، أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: " اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَأَنْتَ رَبِّي لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَلَحْمِي وَدَمِي وَشَعْرِي وَعِظَامِي وَمُخِّي وَعَصَبِي، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فَأَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ، قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ أَرْكَعُ وَأَسْجَدُ وَبِحَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ أَقُومُ وَأُقْعُدُ، وَإِذَا سَجَدَ، قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَأَنْتَ رَبِّي سَجَدَ وَجْهِيَ لِلَّذِي خَلْقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَارْزُقْنِي وَاهْدِنِي "
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ خَصِيفٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: «سُبْحَانَ ذِي الْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ»
قَالَ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: «سُبْحَانَكَ لا إِلَهَ غَيْرُكَ» قَالَ: وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ» قَالَ: وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ يَعْنِي السَّجْدَتَيْنِ: «رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَهْدِ السَّبِيلَ الأَقْوَمَ»
(1/183)
قَالَ: وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: قُلْتُ لِعَطَاءِ: كَيْفَ تَقُولُ فِي الرُّكُوعِ؟ قَالَ: إِذَا لَمْ أَعْجَلْ وَلَمْ يَكُنْ مَعِيَ مِنْ يُعْجِلُنِي فَإِنِّي أَقُولُ: " سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعَدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ، ثَلاثَ مِرَارٍ، سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبِّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ تَسْبِقُ رَحْمَةُ رَبِّي غَضَبُهُ، مِرَارًا "
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُغِيثٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنَ نُحَيْلَةَ، رَجُلا كَانَ مَعَ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، مَرْضِيًّا، يَقُولُ: صَلَّى رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَلْفَهُ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَرَأَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَأَحْسَنَ الْقِرَاءَةَ وَأَكْمَلَهَا، لا يَمُرُّ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ إِلا سَأَلَ عِنْدَهَا، وَلا آيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ النَّارِ إِلا اسْتَعَاذَ عِنْدَهَا، حَتَّى إِذَا خَتَمَهَا رَكَعَ، وَقَالَ: «سُبْحَانَ ذِي الْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ، وَالْجَبَرُوتِ وَالْعَظَمَةِ» ، قَالَ ذَلِكَ فِي رُكُوعِهِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ سَجَدَ فَمَكَثَ سَاجِدًا مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ، فَقَالَ ذَلِكَ مِثْلَ مَا سَجَدَ، ثُمَّ سَجَدَ، فَقَالَ ذَلِكَ مِثْلَ مَا مَكَثَ رَافِعًا رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ، ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ بِسُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، وَكَمِثْلِ ذَلِكَ حَتَّى خَتَمَهَا، فَرَكَعَ كَمَثَلِ مَا صَنَعَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَرَفْعِ الرَّأْسِ مِنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، يَقُولُ فِي كُلِّ ذَلِكَ كَمَا صَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ حِينَ أَصْبَحَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَرَدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ بِصَلاتِكَ فَلَمْ أَسْتَطِعْ، قَالَ: «إِنَّكُمْ لا تَسْتَطِيعُونَ، إِنِّي أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ قَزَعَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ، يَقُولُ:
(1/184)
«اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلُ الثَّنَاءِ، وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، اللَّهُمَّ لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ»
قَالَ: وَقَالَ عَطَاءٌ: وَأَقُولُ فِي السُّجُودِ، مِثْلَ مَا أَقُولُ فِي الرُّكُوعِ سَوَاءً، وَقَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ ابْنَ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ كَثِيرًا فِي سُجُودِهِ وَأَخْبَرْتُهُ أَيْضًا عَنْهُ: «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ تَسْبِقُ رَحْمَةُ رَبِّي غَضَبَهُ»
قَالَ: وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْوَابِشِيُّ: قَالَ لِي أَبُو الأَحْوَصِ: ائْتِ مُحَمَّدَ بْنَ النَّضْرِ الْحَارِثِيَّ فَسَلْهُ عَنْ تَمْجِيدِ الرَّبِّ فِي الرُّكُوعِ، فَأَتَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ النَّضْرِ، فَقَالَ: هَذَا تَمْجِيدُ الرَّبِّ فِي الرُّكُوعِ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ حَمْدًا خَالِدًا مَعَ خُلُودِكَ، حَمْدًا لا مُنْتَهًى لَهُ دُونَ عِلْمِكَ، حَمْدًا لا أَمَدَ لَهُ دُونَ مَشِيئَتِكَ، حَمْدًا لا جَزَاءَ لِقَائِلِهِ إِلا رِضَاكَ» قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أُرِيتَ لَوْ رَفَعْتُ رَأْسِيَ مِنَ السُّجُودِ فِي الْمَكْتُوبَةِ فَنَهَضْتُ قَائِمًا أَقْرَأُ فِي نَهْضَتِي قَبْلَ أَنْ أَسْتَوِيَ؟ قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ تَقْرَأَ حَتَّى تَنْتَصِبَ قَائِمًا، قُلْتُ: " أَقْرَأُ بِسُورَةٍ فِي الْمَكْتُوبَةِ فِيهَا طُولٌ فَآمُلُ أَنْ أَخْتِمَهَا إِذْ أَرْكَعُ وَأَقْرَأُ بِبَقِيَّتِهَا، قَالَ: إِنْ بَقِيَتْ آيَتَانِ أَوْ ثَلاثٌ فَقَرَأْتَهُنَّ فِي رَكْعَةٍ لِتَخْتِمَهَا فَلا بَأْسَ، فَأَمَّا أَنْ تَجْعَلَ الرَّكْعَةَ فِي الْمَكْتُوبَةِ أَوِ السَّجْدَةَ قِرَاءَةً فَإِنِّي أَكْرَهُ ذَلِكَ وَلَكِنْ سَبِّحْ وَهَلِّلْ وَلا أَكْرَهُ أَنْ تَقْرَأَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا فِي التَّطَوُّعِ " قَالَ: ابْنُ جَرِيحٍ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ، أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ: «يَقْرَأُ وَهُوَ رَاكِعٌ فِي التَّطَوُّعِ وَسَاجِدٌ» قَالَ: ابْنُ طَاوُسٍ: «كَانَ أَبِي يَقْرَأُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قُرْآنًا طَوِيلا» -
(1/185)
بَابُ ذِكْرِ كَرَاهَةِ الصَّلاةِ مَعَ النُّعَاسِ وَالْفُتُورِ
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ثنا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَيَرْقُدُ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ يَنْعَسُ لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ فَلا يَدْرِي فَيَسُبَّ نَفْسَهُ»
وَبِهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِنْدِي امْرَأَةٌ، فَقَالَ: «مَا هَذِهِ؟» ، قُلْتُ: لا تَنَامُ اللَّيْلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَهْ، عَلَيْكُمْ مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا وَإِنَّ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ مَا يَدُومُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ»
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ، ثنا عَمِّي، ثنا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: مَرَّتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْحَولاء بِنْتُ تُوَيْتٍ، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهَا تُصَلِّي بِاللَّيْلِ صَلاةً كَثِيرَةً فَإِذَا غَلَبَهَا النَّوْمُ ارْتَبَطَتْ بِحَبْلٍ فَتَعَلَّقَتْ بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ تُصَلِّي مَا قَوِيَتْ عَلَى الصَّلاةِ فَإِذَا نَعَسَتْ فَلْتَنَمْ»
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي
(1/186)
صَلاتِهِ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَرْقُدْ»
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ أُسْطُوَانَتَيْنِ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟» ، قَالُوا: فُلانَةٌ تُصَلِّي فَإِذَا غُلِبَتِ اسْتَرَاحَتْ عَلَى هَذَا الْحَبْلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُصَلِّي مَا نَشِطَتْ فَإِذَا غُلِبَتْ فَلْتَنَمْ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَاسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ فَلْيَضْطَجِعْ»
بَابُ مَنْ كَانَتْ لَهُ صَلاةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَغُلِبَ عَلَيْهَا بِنَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَبُو الشَّعْثَاءِ، ثنا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ، عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَأْتِي فِرَاشَهُ وَهُوَ يُرِيدُ الْقِيَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَغْلِبُهُ عَيْنُهُ حَتَّى يُصْبِحَ إِلا كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: «مَنْ حَدَّثَ نَفْسَهُ، بِسَاعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّيهَا فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَنَامَ كَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ وَكُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ»
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ رَجُلٍ، عِنْدَهُ رَضِيَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَخْبَرَتْهُ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا مِنِ امْرِئٍ يَكُونُ لَهُ صَلاةٌ بِاللَّيْلِ يَغْلِبُهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ إِلا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَ صَلاتِهِ، وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ»
(1/187)
بَابُ ذِكْرِ قَضَاءِ الرَّجُلِ مَا يَفُوتُهُ مِنْ قِرَاءَةِ اللَّيْلِ فِي صَلاةِ النَّهَارِ
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا أَنَسٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: «مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَقَرَأَهُ مَا بَيْنَ صَلاةِ الْفَجْرِ وَصَلاةِ الظُّهْرِ كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ» ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا أَبُو صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَذَكَرَهُ، قَالَ: وَفِي آخَرَ: عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَنْ فَاتَهُ حِزْبُهُ مِنَ اللَّيْلِ فَقَرَأَهُ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ إِلَى صَلاةِ الظُّهْرِ كَأَنَّهُ لَمْ يَفُتْهُ أَوْ كَأَنَّهُ أَدْرَكَهُ» قَالَ: وَفِي لَفْظٍ: «فَلْيُصَلِّ بِهِ فِي صَلاةٍ قَبْلَ الظُّهْرِ فَإِنَّهَا تَعْدِلُ صَلاةَ اللَّيْلِ»
حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ، ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ «إِذَا نَامَ مِنَ اللَّيْلِ مِنْ وَجَعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَمْ يُصَلِّ بِاللَّيْلِ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً»
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ , ثنا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، أَخْبَرَنِي يُحْيِي الْبَكَّاءُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ بَعْدَ الزَّوَلِ يُحْسَبْنَ بِمِثْلِهِنَّ مِنَ السَّحَرِ»
(1/188)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الرَّازِيُّ، ثنا ذُوَيْبُ بْنُ عِمَامَةَ بْنِ عَمْرٍو السَّهْمِيُّ الْمَدِينِيُّ، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ، يَقُولُ: «صَلاةُ الْفَجْرِ مِنْ صَلاةِ اللَّيْلِ» .
قَالَ: وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «مَنْ صَلَّى بَعْدَ مَا يَرْتَفِعُ النَّهَارُ جِدًّا فَإِنَّهَا تُعْدَلُ بِصَلاةِ اللَّيْلِ»
قَالَ: عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ تَطَوُّعِ النَّهَارِ إِلا أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ فَإِنَّهُنَّ يُعْدَلْنَ بِمِثْلِهِنَّ مِنْ صَلاةِ السَّحَرِ»
قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: «كَانَ السَّلَفُ إِذَا نَامَ أَحَدُهُمْ عَنْ صَلاتِهِ بِاللَّيْلِ صَلاهَا بِالْهَاجِرَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ» قَالَ: وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ يَعْنِي النَّخَعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ: «كَانُوا يُشَبِّهُونَ صَلاةَ الْعَشِيِّ مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِصَلاةِ اللَّيْلِ» ، وَعَنْهُ: «كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ حِزْبِهِ شَيْءٌ فَنَشِطَ قَرَأَهُ بِالنَّهَارِ أَوْ قَرَأَهُ فِي لَيْلَةٍ أُخْرَى وَرُبَّمَا زَادَ أَحَدُهُمْ» قَالَ: شُعْبَةُ رَحِمَهُ اللَّهُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: كَانَ يُقَالُ: «صَلاةٌ قَبْلَ الظُّهْرِ تُعْدَلُ بِصَلاةِ اللَّيْلِ» قَالَ: ابْنُ سِيرِينَ: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَسْتَحِبُّونَ صَلاةَ الْعَشِيِّ» قَالَ: عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ، كَانَ لِمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ سَبْعَةُ أَوْرَادٍ يَقْرَؤُهَا بِاللَّيْلِ فَإِنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنَ اللَّيْلِ قَرَأَهُ بِالنَّهَارِ فِي صَلاةٍ قَالَ: وَعَنِ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} [الفرقان: 62] ، قَالَ: «مَنْ عَجَزَ بِاللَّيْلِ كَانَ لَهُ بِالنَّهَارِ مُسْتَعْتَبٌ» ، وَفِي آخَرَ: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} [الفرقان: 62] ، قَالَ: «إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ عَمَلَ اللَّيْلِ عَمَلَهُ بِالنَّهَارِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ عَمَلَ النَّهَارِ عَمَلَهُ بِاللَّيْلِ فَهَذَا خِلْفَةً لِذَا» ، وَعَنْهُ: «مَنْ فَاتَهُ مِنَ اللَّيْلِ شَيْءٌ كَانَ يَقْرَؤُهُ فَلا بَأْسَ أَنْ يُطِيلَ بِهِ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ» قَالَ: السُّدِّيُّ بْنُ يُحْيِي: سَمِعْتُ الْحَسَنَ: «لا يَرَى بَأْسًا يُصَلِّي بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ» قَالَ: هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ: «يَقُولُونَ لا صَلاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَكَذَبُوا إِنَّ بَعْدَهُ لَحِزْبًا حَسَنًا،
(1/189)
وَكَانَ لا يَرَى بَأْسًا أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ الْفَجْرِ» قَالَ: إِسْحَاقُ مَوْلَى زَائِدَةَ: رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يُصَلِّي بَعْدَ الْفَجْرِ يُكْثِرُ، فَقُلْتُ: رَأَيْتُ أَصْحَابَكَ إِنَّمَا يُصَلُّونَ بَعْدَ الْفَجْرِ رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ: «إِنِّي أُحِبُّ كَثْرَةَ السُّجُودِ وَيَصْنَعُ النَّاسُ مَا شَاءُوا» قَالَ: حَمَّادٌ، عَنْ
إِبْرَاهِيمَ: " إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَلا صَلاةَ إِلا الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ، قُلْتُ: أُطِيلُ فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ، قَالَ: نَعَمْ إِنَّ شِئْتَ " قَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: رَأَيْتُ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ حَتَّى تُقَامَ الصَّلاةُ قَالَ: أَبُو النَّضْرِ الدِّمَشْقِيُّ: رَأَيْتُ سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيَّ يُصَلِّي فِي الْفَجْرِ حَتَّى تُقَامَ الصَّلاةُ فَبَلَغَنِي أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ إِنَّمَا هُوَ رَكْعَتَانِ، فَقَالَ: «أَتَرَى اللَّهَ يُعَذِّبُنِي عَلَى الصَّلاةِ»
(1/190)
بَابُ كَرَاهَةِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ سِوَى الرَّكْعَتَيْنِ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، حَدَّثَنِي قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُصَيْنِ التَّمِيمِيِّ، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ يَسَارٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: رَآنِي ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أُصَلِّي بَعْدَ الْفَجْرِ فَحَصَبَنِي وَقَالَ: يَا يَسَارُ كَمْ صَلَّيْتَ؟ قُلْتُ: لا أَدْرِي، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لا دَرِيتَ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَرَجَ إِلَيْنَا وَنَحْنُ نُصَلِّي هَذِهِ الصَّلاةَ فَتَغَيَّظَ عَلَيْنَا تَغَيُّظًا شَدِيدًا، ثُمَّ قَالَ: «لِيُبَلِّغْ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ أَنْ لا صَلاةَ بَعْدَ الْفَجْرِ إِلا سَجْدَتَيْنِ»
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَخْبَرَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الصَّلاةُ مَشْهُودَةٌ حَتَّى يَتَفَجَّرَ الْفَجْرُ، فَإِذَا انْفَجَرَ الْفَجْرُ فَأَمْسِكْ عَنِ الصَّلاةِ إِلا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى تُصَلِّيَ الْفَجْرَ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، ثنا الإِفْرِيقِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا صَلاةَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلا رَكْعَتَيْنِ»
قَالَ: وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمًا فَرَأَى النَّاسَ يَرْكَعُونَ بَعْدَ الْفَجْرِ، فَقَالَ: «صَهٍ، إِنَّمَا هُمَا رَكْعَتَانِ خَفِيفَتَانِ مِنْ بَعْدِ الْفَجْرِ قَبْلَ الصَّلاةِ
(1/191)
وَلَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ فِي ذَلِكَ لَكَانَ مِنِّي غِيَرٌ»
قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: " أَتَكْرَهُ الصَّلاةَ إِذَا انْتَشَرَ الْفَجْرُ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ إِلا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ؟ ، فَقَالَ: نَعَمْ " قَالَ: أَخْبَرَنِي إِمَّا مِينَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ مِينَا، وَإِمَّا سُلَيْمٌ مَوْلَى سَعْدٍ، قَالَ: جِئْتُ الْمَسْجِدَ بَعْدَ الْفَجْرِ فَجَعَلْتُ أُصَلِّي، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا هَذَا؟ قُلْتُ: إِنِّي لَمْ أُصَلِّ الْبَارِحَةَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِنَّمَا هُمَا رَكْعَتَانِ» قَالَ: أَبُو سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: شَهِدْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَتَحَدَّثَانِ عِنْدَ الْمَقَامِ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَصَلَّى فَجَعَلَ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ وَيُصَلِّي أَكْثَرَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ، فَنَادَاهُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنْ لا صَلاةَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ ثُمَّ صَلِّ بَعْدَ ذَلِكَ مَا بَدَالَكَ» قَالَ: مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَدِمْتُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، الْمَدِينَةَ فَبَصُرَ بِرَجُلٍ يُكْثِرُ الرُّكُوعَ فِي الْفَجْرِ قَبْلَ الصَّلاةِ فَجَبَذَهُ بِثَوْبِهِ حَتَّى أَجْلَسَهُ، فَقَالَ: «إِنَّمَا هُمَا رَكْعَتَانِ» قَالَ: وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَلا صَلاةَ إِلا رَكْعَتَيْنِ» قَالَ: طَاوُسُ رَحِمَهُ اللَّهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالا: «لا صَلاةَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلا الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الْفَجْرِ» قَالَ: عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: كُنْتُ بِالْمَدِينَةِ فَوُعِكْتُ فَلَمْ أُصَلِّ مِنَ اللَّيْلِ، فَجِئْتُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَصَلَّيْتُ سِتَّ رَكَعَاتٍ، فَرَآنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، فَقَالَ: قَدْ رَأَيْتَ صَلاتَكَ، فَقُلْتُ: إِنِّي كُنْتُ وُعِكْتُ فَلَمْ أُصَلِّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: «إِنَّمَا هُمَا رَكْعَتَانِ» قَالَ: أَبُو رَبَاحٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: رَأَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ رَحِمَهُ اللَّهُ، رَجُلا يُصَلِّي بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَنَهَاهُ، فَقَالَ: تَخَافُ أَنْ يُعَذِّبَنِي اللَّهُ عَلَى الصَّلاةِ، فَقَالَ: «أَخَافُ أَنْ يُعَذِّبَكَ اللَّهُ عَلَى خِلافِكَ السُّنَّةَ» قَالَ: قَتَادَةُ رَحِمَهُ اللَّهُ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَالْعَلاءِ بْنِ زِيَادٍ: " أَنَّهُمَا كَرِهَا أَنْ
يُصَلِّيَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ، فَسَأَلْتُ الْحَسَنَ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَقَالَ: إِنِّي لأَكْرَهُهُ وَمَا سَمِعْتُ فِيهِ بِشَيْءٍ "
(1/192)
بَابُ ذَكَرِ صَلاةِ اللَّيْلِ فِي السَّفَرِ
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ خِرَاشٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ظَبْيَانَ، أَوْ غَيْرِهِ، قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ، يُحِبُّ رَجُلا كَانَ مِنْ قَوْمٍ فَأَتَاهُمْ سَائِلٌ فَسَأَلَهُمْ بِوَجْهِ اللَّهِ لا يَسْأَلُهُمُ بِقَرَابَةٍ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، فَبَخِلُوا عَنْهُ فَخَلَفَهُمْ بِأَعْقَابِهِمْ فَأَعْطَاهُ حَيْثُ لا يَرَاهُ إِلا اللَّهُ وَمَنْ أَعْطَاهُ، وَيُحِبُّ رَجُلا كَانَ فِي كَتِيبَةٍ فَانْكَشَفُوا فَكَرَّ فَقَاتَلَ حَتَّى يُفْتَحَ عَلَى يَدَيْهِ أَوْ يُقْتَلَ، وَيُحِبُّ رَجُلا كَانَ فِي قَوْمٍ فَأَدْلَجُوا فَطَالَتْ دُلْجَتُهُمْ فَنَزَلُوا، وَالنَّوْمُ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِمَّا يُعْدَلُ بِهِ فَنَامُوا وَقَامَ يَتْلُو آيَاتِي وَيَتَمَلَّقُنِي»
حَدَّثَنَا يُحْيِي بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَلاءِ، عَنِ ابْنِ الأَحْمَسِ، قَالَ: بَلَغَنِي , أَنَّ أَبَا ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ يَقُولُ: «ثَلاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ، وَثَلاثَةٌ يَشْنَأُهُمُ اللَّهُ» ، فَلَقِيتُهُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ تُحَدِّثُ بِهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أَحْبَبْتُ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْكَ، قَالَ: مَا هُوَ؟ وَلا أَخَالُنِي أَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قُلْتَ: " ثَلاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ، وَثَلاثَةٌ يَشْنَأُهُمْ، قَالَ: وَسَمِعْتَهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَمَنِ الَّذِينَ يُحِبُّهُمْ؟ قَالَ: رَجُلٌ لَقِيَ فِئَةً فَنَصَبَ نَحْرَهُ لِلْعَدُوِّ حَتَّى يُهَرَاقَ دَمُهُ أَوْ يَفْتَحَ لأَصْحَابِهِ، وَرَجُلٌ كَانَ فِي سَفَرٍ فَأَطَالُوا السُّرَى حَتَّى أَحَبُّوا أَنْ يمْسُوا الأَرْضَ فَتَنَحَّى رَجُلٌ فَصَلَّى حَتَّى أَيْقَظَهُمْ لِلرَّحِيلِ، وَرَجُلٌ كَانَ لَهُ جَارُ سُوءٍ فَصَبَرَ عَلَى أَذَاهُ حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا مَوْتٌ أَوْ ظَعْنٌ، قُلْتُ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ يُحِبُّهُمْ، فَمَنِ الَّذِينَ يَشْنَأُهُمْ؟ قَالَ: التَّاجِرُ الْحَلافُ، وَالْبَخِيلُ الْمَنَّانُ، وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ "
(1/193)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا الْهُشَيْمُ بْنُ جَمِيلٍ، ثنا شَرِيكٌ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «كَانَا يَتَطَوَّعَانِ فِي السَّفَرِ بِاللَّيْلِ وَيُوتِرَانِ»
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْوَرَّاقُ، ثنا أَبُو قُتَيْبَةَ، عَنْ حَازِمٍ الْبَجَلِيِّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالا: «سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِلْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ، وَالْوِتْرُ فِي السَّفَرِ مِنَ السُّنَّةِ»
قَالَ الشَّعْبِيُّ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالا: «الْوِتْرُ فِي السَّفَرِ سُنَّةٌ»
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ رَجُلا، قَالَ: لأَنْظُرَنَّ مَا صَلاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ فِي السَّفَرِ، فَهَجَعَ أَوَّلَ هَجْعَةٍ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ فِي آفَاقَ السَّمَاءِ، فَقَالَ: " {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار} [آل عمران: 191] لأَرْبَعِ آيَاتٍ إِلَى {إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران: 194] ، ثُمَّ أَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى الرَّحْلِ فَأَخَذَ سِوَاكًا فَاسْتَنَّ بِهِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَقَامَ فَصَلِّي ثُمَّ اضْطَجَعَ، ثُمَّ فَعَلَ مِثْلَهَا، ثُمَّ اضْطَجَعَ ثُمَّ فَعَلَ مِثْلَهَا ثُمَّ اضْطَجَعَ ثُمَّ فَعَلَ مِثْلَهَا "
قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: «قَفَلْتُ مَعَ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنَ الشَّامِ فِي غَزْوَةِ الْيَرْمُوكِ فَكَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ عَلَى دَابَّتِهِ حَيْثُ مَا تَوَجَّهَتْ بِهِ» قَالَ: نَافِعٌ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي مَعَ الْفَرِيضَةِ شَيْئًا فِي السَّفَرِ قَبْلَهَا وَلا بَعْدَهَا إِلا مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي عَلَى بَعِيرِهِ أَوْ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ مَا تَوَجَّهَتْ بِهِ» قَالَ: مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: «سَافَرْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَكَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ اللَّيْلَ كُلَّهُ»
(1/194)
بَابُ ذِكْرِ صَلاةِ التَّطَوُّعِ قَاعِدًا
حَدَّثَنَا أَبُو قُدَامَةَ حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الْحَكِيمِ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا يَقْرَأُ فِي صَلاةِ اللَّيْلِ جَالِسًا حَتَّى دَخَلَ فِي السِّنِّ فَكَانَ إِذَا بَقِيَ عَلَيْهِ ثَلاثُونَ أَوْ أَرْبَعُونَ آيَةً قَامَ فَاقْتَرَأَ، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، ثنا حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهَ عَنْهُ، قَالَ: «مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَلَّى قَاعِدًا»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا أَوْتَرَ بِتِسْعِ رَكَعَاتٍ لَمْ يَقْعُدْ إِلا فِي الثَّامِنَةِ فَيَحْمَدُ اللَّهَ، وَيَذْكُرُهُ وَيَدْعُو، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلا يُسَلِّمُ ثُمَّ يُصَلِّي التَّاسِعَةَ، فَيَجْلِسُ وَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَدْعُو، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً يُسْمِعُنَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ، فَلَمَّا كَبِرَ وَضَعُفَ أَوْتَرَ بِسَبْعِ رَكَعَاتٍ لا يَقْعُدُ إِلا فِي السَّادِسَةِ، ثُمَّ يَنْهَضُ وَلا يُسَلِّمُ فَيُصَلِّي السَّابِعَةَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ»
(1/195)
ذِكْرُ بَابِ صَلاةِ التَّطَوُّعِ قَائِمًا
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: " كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ، قُلْتُ: قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا؟ قَالَتْ: كَانَ يُصَلِّي لَيْلا طَوِيلا قَائِمًا، وَلَيْلا طَوِيلا قَاعِدًا، قُلْتُ: فَكَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ إِذَا كَانَ قَائِمًا؟ وَكَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ إِذَا كَانَ قَاعِدًا؟ ، قَالَتْ: كَانَ إِذَا قَرَأَ قَائِمًا رَكَعَ قَائِمًا وَإِذَا قَرَأَ قَاعِدًا رَكَعَ قَاعِدًا "
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، ثنا أَبِي، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى كَانَ أَكْثَرُ صَلاتِهِ قَاعِدًا إِلا الْفَرِيضَةَ وَكَانَ أَحَبُّ الْعَمَلِ إِلَيْهِ أَدْوَمَهُ وَإِنْ قَلَّ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثنا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مُوسَى الْمَرئِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ بَعْدَ الْوِتْرِ»
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، ثنا عَبْدُ الأَعْلَى، ثنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ، عَنْ حَفْصَةَ، قَالَتْ: «لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُصَلِّي فِي سُبْحَتِهِ جَالِسًا حَتَّى كَانَ قَبْلَ وَفَاتِهِ عَامًا أَوْ عَامَيْنٍ، فَكَانَ يُصَلِّي فِي سُبْحَتِهِ جَالِسًا فَيُرَتِّلُ السُّورَةَ حَتَّى تَكُونَ فِي قِرَاءَتِهِ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا»
حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا عُمَارَةُ بْنُ زَاذَانَ، ثنا أَبُو غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُوتِرُ بِتِسْعٍ حَتَّى إِذَا بَدُنَ وَكَثُرَ لَحْمُهُ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ، وَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ يَقْرَأُ فِيهِمَا: إِذَا زُلْزِلَتِ وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ "
(1/196)
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، ثنا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، ثنا بَقِيَّةُ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْوِتْرِ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى بِـ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَإِذَا زُلْزِلَتِ وَفِي الآخِرَةِ بِـ أُمِّ الْقُرْآنِ، وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ»
قَالَ: وَعَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «كَانَ يُقَالُ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُصَلِّيَ جَالِسًا يَعْنِي التَّطَوُّعَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ قَائِمًا قَبْلَ أَنْ تُصَلِّيَ جَالِسًا» قَالَ: لَيْثٌ، عَنْ طَاوُسٍ: «أَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِبُّ لِمَنْ صَلَّى قَاعِدًا أَنْ يُنْشِئَهَا وَهُوَ قَائِمٌ» قَالَ: وَفِي لَفْظٍ: «إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُصَلِّيَ قَاعِدًا فَأَنْشِ صَلاتَكَ قَائِمًا» قَالَ: لَيْثٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ: «كَانَ يَكْرَهُ إِذَا اسْتَفْتَحَ قَائِمًا أَنْ يَرْكَعَ جَالِسًا» قَالَ: شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ، قَالا: «لا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً قَائِمًا وَرَكْعَةً قَاعِدًا» قَالَ: هِشَامٌ، عَنِ الْحَسَنِ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالا: «الْمُتَطَوِّعُ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ جَالِسًا فَلْيَقُمْ وَإِذَا افْتَتَحَ قَائِمًا فَإِنْ شَاءَ فَلْيَجْلِسْ» قَالَ: ابْنُ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: " أَسْتَفْتِحُ الصَّلاةَ قَائِمًا فَأَجْلِسُ فَأَقْرَأُ جَالِسًا وَلَمْ أَرْكَعْ وَلَمْ أَسْجُدْ، قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَأَرْكَعُ وَاحِدَةً، ثُمَّ أَجْلِسُ، قَالَ: لا، أَكْرَهُ أَنْ تَجْلِسَ فِي وِتْرٍ، قُلْتُ: فَأَسْتَفْتِحُ ثُمَّ أَجْلِسُ بِغَيْرِ رُكُوعٍ وَلا سُجُودٍ، قَالَ: نَعَمْ إِنْ شِئْتَ لَسْتَ الآنَ فِي وِتْرٍ، قُلْتُ: فَجَلَسْتُ رَكْعَةً وَاحِدَةً، قَالَ: فَاسْجُدْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ، وَلَكِنِ اجْلِسْ فِي مَثْنَى مَا شِئْتَ " قَالَ: الزَّعْفَرَانِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: «يُصَلِّي النَّافِلَةَ جَالِسًا وَيَفْتَتِحُهَا قَائِمًا إِنْ شَاءَ، ثُمَّ يَجْلِسُ وَيَفْتَتِحُهَا جَالِسًا ثُمَّ يَقُومُ إِنْ شَاءَ»
وَقَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ يَقْرَأُ وَهُوَ جَالِسٌ فَإِذَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ السُّورَةِ نَحْوٌ مِنْ ثَلاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً قَامَ فَقَرَأَهَا، ثُمَّ رَكَعَ»
قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " فَإِذَا جَازَ أَنْ يَفْتَتِحَ جَالِسًا وَيَقُومَ، جَازَ أَنْ يَفْتَتِحَ قَائِمًا، ثُمَّ يَجْلِسُ، قَالَ: وَقَالَ قَائِلٌ: إِذَا افْتَتَحَ جَالِسًا جَازَ أَنْ يَقُومَ، وَإِذَا افْتَتَحَ قَائِمًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْلِسَ بَعْدَ الْقِيَامِ، قَالَ: وَلَيْسَ بَيْنَ هَذَا فَرْقٌ " قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ نَصْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: " قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] ، فَأَوْجَبَ الْقِيَامَ فِي الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ "
(1/197)
قَالَ: وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا» ، وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ عَلَى مِنْ أَطَاقَ الْقِيَامَ فِي الْمَكْتُوبَةِ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا لا يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ إِلا أَنْ يَعْجَزَ عَنِ الْقِيَامِ، فَإِذَا عَجَزَ عَنِ الْقِيَامِ صَلَّى قَاعِدًا قَالَ: فَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَإِنَّ الأَخْبَارَ جَاءَتْ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ قَائِمًا إِلَى أَنْ أَسَنَّ وَثَقُلَ، فَكَانَ بَعْدُ يُصَلِّي قَائِمًا وَقَاعِدًا عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا فِي الأَخْبَارِ الَّتِي رُوِّينَاهَا عَنْهُ قَالَ: وَجَاءَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «صَلاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلاةِ الْقَائِمِ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي قَاعِدًا فَوَضَعْتُ يَدِيَ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ: «مَا لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو؟» قُلْتُ: حُدِّثْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَّكَ قُلْتَ: «صَلاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلاةِ الْقَائِمِ» ، وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا "، قَالَ: «أَجَلْ، وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا الْمُلائِيُّ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْحَذَّاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صَلاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ صَلاةِ الْقَائِمِ»
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ صَلاةِ الرَّجُلِ وَهُوَ قَاعِدٌ، فَقَالَ: «مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ»
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صَلاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلاةِ الْقَائِمِ»
قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُحْيِي: وَالْمَحْفُوظُ عِنْدَنَا يَعْنِي أَحَادِيثَ مَعْمَرٍ، وَشُعَيْبٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَبَكْرِ بْنِ وَائِلِ بْنِ دَاوُدَ، كُلُّهُمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، حَدِيثُ هَؤُلاءِ لأَنَّ الزُّهْرِيَّ، لَوْ كَانَ سَمِعَهُ مِنْ أَنَسٍ، لانْتَشَرَ عَنْهُ وَلَقَدَّمُوا حَدِيثَهُ لأَنَّ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو مُرْسَلٌ
(1/198)
قَالَ: وَحَدِيثُ أَنَسٍ مِنْ حَدِيثِ الْمَخْرَمِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عِنْدَنَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ، لأَنَّ مَالِكًا رَوَاهُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مَوْلًى لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، أَوْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَمَالِكٌ أولى لحفظه، ولأنه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مُسْتَفِيضٌ، قَالَ: وَلا نَعْرِفُهُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنْ وَجْهٍ يَثْبُتُ ابْنُ جُرَيْجٍ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ قُلْتُ لِعَطَاءٍ " أَلا أُصَلِّي وَأَنَا جَالِسٌ، إِنْ شِئْتُ أَرْكَعْ وَأَنَا جَالِسٌ وَأَسْجَدْ وَأَنَا جَالِسٌ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ لَيْسَ بَيْنَ ذَلِكَ قِيَامٌ، قَالَ: بَلَى إِنْ شِئْتَ، وَلِذَلِكَ زَعَمُوا نِصْفَ أَجْرِ الْقَائِمِ "
قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ نَصْرٍ: فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: «صَلاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلاةِ الْقَائِمِ» قَالَ: عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، إِنَّمَا هُوَ فِي التَّطَوُّعِ خَاصَّةً دُونَ الْفَرِيضَةِ، وَذَلِكَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ التَّطَوُّعَ قَاعِدًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْقِيَامِ إِلا أَنَّهُ يَكُونُ قَدْ طَعَنَ فِي السِّنِّ أَوْ عَرَضَ لَهُ ثِقَلٌ فِي الْبَدَنِ وَمَلالَةٌ وَفَترَةٌ، فَيَجِدُ الْقُعُودَ أَخَفَّ عَلَيْهِ فَيُصَلِّي قَاعِدًا لِيَكُونَ أَنْشَطَ لَهُ وَأَقْدَرَ عَلَى كَثْرَةِ الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَلَوْ تَجَشَّمَ الْقِيَامَ لأَمْكَنَهُ غَيْرَ أَنَّهُ يَتَخَفَّفُ بِالْقُعُودِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الْقَائِمِ،
(1/199)
فَأَمَّا الْفَرِيضَةُ فَإِنْ صَلاهَا قَاعِدًا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ لَمْ تُجْزِهِ صَلاتُهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْقِيَامِ فَصَلاهَا قَاعِدًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ الْقَائِمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ التَّطَوُّعُ إِذَا عَجَزَ عَنِ الْقِيَامِ لِمَرَضٍ أَوْ لِزَمَانَةٍ حَلَّتْ بِهِ
فَصَلَّى التَّطَوُّعَ قَاعِدًا وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ لَوِ اسْتَطَاعَ الْقِيَامَ لَقَامَ، فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ لِمَنْ صَلَّى قَاعِدًا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ رَجُلٍ، أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، كَانَتْ تُصَلِّي الضُّحَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَهِيَ قَاعِدَةٌ فَقِيلَ لَهَا: إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، تُصَلِّي أَرْبَعًا، قَالَتْ: إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، امْرَأَةٌ شَابَّةٌ، وَقَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «صَلاةُ الْقَاعِدِ عَلَى نِصْفِ أَجْرِ صَلاةِ الْقَائِمِ»
(1/200)
بَابُ ذِكْرِ كَيْفِيَّةِ جُلُوسِ الْمُصَلِّي قَاعِدًا فِي حَالِ قِرَاءَتِهِ
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَمْ يَأْتِ فِي شَيْءٍ مِنَ الأَخْبَارِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا صِفَةَ جُلُوسِهِ كَيْفَ كَانَتْ إِلا فِي حَدِيثِ رُوِيَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غَيَّاثٍ أَخْطَأَ فِيهِ حَفْصٌ قَالَ: رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ الْحَفْرِيُّ،
عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا» قَالَ: قَالَ وَحَدِيثُ الصَّلاةِ جَالِسًا رَوَاهُ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، غَيْرُ وَاحِدٍ كَمَا رَوَاهُ النَّاسُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَلا ذَكَرَ التَّرَبُّعَ فِيهِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثنا ابْنُ عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: سَأَلْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنَ اللَّيْلِ؟ فَقَالَتْ: «كَانَ يُصَلِّي لَيْلا طَوِيلا قَائِمًا، وَلَيْلا طَوِيلا قَاعِدًا، فَإِذَا قَرَأَ قَائِمًا رَكَعَ قَائِمًا، وَإِذَا قَرَأَ قَاعِدًا رَكَعَ قَاعِدًا»
قَالَ: وَرَوَاهُ حَمَّادٌ، عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ، وَحُمَيْدٌ، عَنِ ابْنِ شَقِيقٍ، فَذَكَرَهُ سَوَاءً، قَالَ: فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ كَانَ عِنْدَ حَفْصٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَلَى مَا هُوَ عِنْدَ النَّاسِ، وَكَانَ عِنْدَهُ عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي التَّرَبُّعِ فِي الصَّلاةِ، فَذَاكَرَ أَبَا دَاوُدَ الْحَفَرِيَّ، مِنْ حِفْظِهِ فَتَوَهَّمَ، أَنْ ذَكَرَ التَّرَبُّعَ فِي حَدِيثِ حُمَيْدٍ فَاخْتَصَرَ الْحَدِيثَ، وَأَلْحَقَ فِيهِ التَّرَبُّعَ تَوَهُّمًا وَغَلَطًا إِنْ كَانَ حَفِظَ ذَلِكَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ مِنْ حَدِيثِ حَفْصٍ، لا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْهُ غَيْرَ أَبِي دَاوُدَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَلَوْ كَانَ مِنْ صَحِيحِ حَدِيثِ حَفْصٍ، لَرَوَاهُ النَّاسُ عَنْهُ وَعَرَفُوهُ إِذْ هُوَ حَدِيثٌ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ وَالَّذِي يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثِ حَفْصٍ، فِي التَّرَبُّعِ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ " عَلَّمَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، صَلاةَ الْقَاعِدِ، فَقَالَ: يَجْعَلُ قِيَامَهُ تَرَبُّعًا "
(1/201)
قَالَ: وَحَفْصٌ عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: «صَلاةُ الْقَاعِدِ غَيْرِ الْمُتَرَبِّعِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلاةِ الْقَائِمِ» ، قَالَ: وَكَانَ حَفْصٌ، رَجُلا إِذَا حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ رُبَّمَا غَلَطَ، هُوَ مَعْرُوفٌ بِذَلِكَ عِنْدَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ
قَالَ: وَحَدِيثٌ آخَرَ أَيْضًا رَوَاهُ شَرِيكٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، رَفَعَتْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلاةِ الْقَائِمِ غَيْرِ الْمُتَرَبِّعِ» ، قَالَ: غَلَطَ فِيهِ شَرِيكٌ: وَهَذَا الْكَلامُ رَوَاهُ النَّاسُ عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِنْ قَوْلِهِ
قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُحْيِي: الْحَمْلُ فِيهِ عَلَى شَرِيكٍ، قَالَ: فَفَعَلَ شَرِيكٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَفِعْلِ حَفْصٍ، فِي حَدِيثِ حُمَيْدٍ، وَشَرِيكٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ بِسُوءِ الْحِفْظِ وَكَثْرَةِ الْغَلَطِ، قَالَ «فَلَمْ يَثْبُتْ فِي كَيْفِيَّةِ جُلُوسِ الْمُصَلِّي قَاعِدًا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرٌ، وَلَوْ كَانَ فِي كَيْفِيَّةِ الْجُلُوسِ سُنَّةٌ لا يَنْبَغِي أَنْ تُجَاوَزَ لَبَيَّنَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ بَيَّنَهُ لَرَوَاهُ أَصْحَابُهُ عَنْهُ وَبَيَّنُوهُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلِلْمُصَلِّي جَالِسًا أَنْ يَجْلِسَ كَيْفَ خَفَّ عَلَيْهِ وَتَيَسَّرَ إِنْ شَاءَ تَرَبَّعَ وَإِنْ شَاءَ احْتَبَى، وَإِنْ شَاءَ جَلَسَ فِي حَالِ الْقِرَاءَةِ كَمَا يَجْلِسُ لِلتَّشَهُّدِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ اتَّكَأَ، كُلُّ ذَلِكَ قَدْ فَعَلَهُ السَّلَفُ مِنَ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، غَيْرُ أَنَّ التَّرَبُّعَ خَاصَّةَ، قَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّهُ كَرِهَهُ وَرَخَّصَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ، وَاخْتَارَتْهُ أُخْرَى فَأَمَّا الاحْتِبَاءُ وَالْجُلُوسُ كَجِلْسَةِ التَّشَهُّدِ فَلا نَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ لِذَلِكَ كَرَاهَةً، وَسَنَذْكُرُ الأَخْبَارَ الْمَرْوِيَّةَ فِي ذَلِكَ عَلَى وَجْهِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى»
(1/202)
بَابُ ذِكْرِ التَّرَبُّعِ فِي الصَّلاةِ عَمَّنْ رَخَّصَ فِيهِ أَوِ اخْتَارَهُ أَوْ فَعَلَهُ مِنْ عُذْرٍ
قَالَ سَمَّاكٌ رَحْمَهُ اللَّهُ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، «مُتَرَبِّعِينَ فِي الصَّلاةِ» قَالَ أَبُو رِحَالِ بْنِ عُبَيْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: رَأَيْتُ أَنْسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، «يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ» قَالَ: مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: «عَلَّمَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، صَلاةَ الْقَاعِدِ» ، فَقَالَ: يَكُونُ قِيَامُهُ تَرَبُّعًا " قَالَ: وَعَنْ مُجَاهِدٍ: «إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تُصَلِّي جَالِسًا فَتَرَبَّعْ فِي الأَرْضِ لِيَكُنْ ذَلِكَ قِيَامُكَ وَكَانَ يُصَلِّي جَالِسًا مُتَرَّبِعًا» قَالَ: وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ: «إِذَا صَلَّى قَاعِدًا جَعَلَ قِيَامَهُ مُتَرَبِّعًا» قَالَ: جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ: «رَأَيْتُ ابْنَ سِيرِينَ يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا الضُّحَى وَبَيْنَ يَدَيْهِ مُصْحَفٌ فَإِذَا شَكَّ فِي شَيْءٍ رَفَعَهُ فَنَظَرَ فِيهِ ثُمَّ وَضَعَهُ» قَالَ: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبي زِيَادٍ: «رَأَيْتُ عَطَاءً يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا» قَالَ: سُلَيْمَانُ بْنُ بُزَيْعٍ: «دَخَلْتُ عَلَى سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ يُصَلِّي قَاعِدًا فَإِذَا كَانَ الْجُلُوسُ جَثَى عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَإِذَا كَانَ الْقِيَامُ تَرَبَّعَ» قَالَ: وَقَالَ سُفْيَانُ: «إِذَا صَلَّى قَاعِدًا جَعَلَ قِيَامَهُ مُتَرَبِّعًا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَكَعَ وَهُوَ مُتَرَبِّعٌ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ ثَنَى رِجْلَهُ» قَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ: «رَأَيْتُ مَالِكًا يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا وَيَرْكَعُ مُتَرَبِّعًا وَيَثْنِي فِي السُّجُودِ»
(1/203)
بَابُ ذِكْرِ مَنْ كَرِهَ التَّرَبُّعَ فِي الصَّلاةِ
قَالَ: ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «لأَنْ أَجْلِسَ عَلَى الرُّضْفِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَجْلِسَ مُتَرَبِّعًا فِي صَلاتِي» قَالَ: وَفِي آخَرَ: «لأَنْ أَقْعُدَ عَلَى جَمْرَتَيْنِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّي مُتَرَبِّعًا» قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَتَرَبَّعُ فِي الصِّلاةِ إِذَا جَلَسَ قَالَ: فَفَعَلْتُهُ وَأَنَا حَدِيثُ السُّنِّ فَنَهَانِي عَبْدُ اللَّهُ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ: «إِنَّمَا سُنَةُ الصَّلاةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَكَ الْيُمْنَى وَتُثْنِي رِجْلَكَ الْيُسْرَى» قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنَّكَ تَفْعَلُ ذَلِكَ قَالَ: فَقَالَ: «إِنَّ رِجْلِيَّ لا تَحْمِلانِي» قَالَ: الْحَكَمُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ «يَكْرَهُ التَّرَبُّعَ فِي الصَّلاةِ» قَالَ: وَكَانَ الْحَكَمُ يَكْرَهُ التَّرَبُّعَ فِي الصَّلاةِ قَالَ: أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ «يَكْرَهُ أَنْ يَتَرَبَّعَ فِي صَلاتِهِ» قَالَ: وَعَنْ عَطَاءٍ: " فِي الرَّجُلِ يَجْلِسُ فِي صَلاتِهِ أَيَتَرَبَّعُ؟ قَالَ: لا إِلا أَنْ يَكُونَ شَيْخًا كَبِيرًا لا يَطِيقُ إِلا ذَلِكَ "
بَابُ ذِكْرِ مَنْ صَلَّى مُحْتَبِيًا
قَالَ: الزُّهَرِيُّ: «رَأَيْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يُصَلِّي مُحْتَبِيًا» قَالَ: هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: «رَأَيْتُ أَبِي يُصَلِّي مُحْتَبِيًا يَقْرَأُ»
(1/204)
قَالَ: طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى رَحِمَهُ اللَّهُ: «رَأَيْتُ أَبَا بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُصَلِّي مُحْتَبِيًا» ، وَرَأَيْتُ عِيسَى بْنَ طَلْحَةَ يَفْعَلُهُ " قَالَ: الْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ: «رَأَيْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يُصَلِّي مُحْتَبِيًا فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ حَلَّ حَبْوَتَهُ ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ» قَالَ: عَبَّادٌ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يُصَلِّي مُحْتَبِيًا " قَالَ: وَعَنِ الْحَسَنِ: لا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّي مُحْتَبِيًا وَكَانَ يُصَلِّي تَطَوُّعًا وَهُوَ مُحْتَبِي فِي التَّطَوُّعِ «، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ لا يَرَى بِهِ بَأْسًا» قَالَ: وَقَالَ عَطَاءٌ: «يُصَلِّي الرَّجُلُ فِي التَّطَوُّعِ إِنْ شَاءَ مُتَرَبِّعًا وَإِنْ شَاءَ مُحْتَبِيًا وَصَلَّى فِي التَّطَوُّعِ مُحْتَبِيًا، وَكَرِهَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ» قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: «لا أَرَى بَأْسًا أَنْ يُصَلِّي الرَّجُلُ مُحْتَبِيًا»
بَابُ مَنْ رَأَى أَنْ يَجْلِسَ كَجُلُوسِهِ فِي التَّشَهُدِ
قَالَ: عَاصِمٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: «أَنَّهُ كَانَ إِذَا صَلَّى قَاعِدًا كَانَ قُعُودُهُ مِثْلَ جِلْسَتِهِ فِي الصَّلاةِ»
قَالَ: وَعَنْ مُجَاهِدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: عَلَّمَنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ صَلاةَ الْقَاعِدِ، فَقَالَ: «يَتَرَبَّعُ إِنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ ثَنَى رِجْلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ نَصَبَ الْيُمْنَى وَثَنَى الْيُسْرَى»
(1/205)