دلالة الأسماء الحسنى على التّنزيه
إعداد
د / عيسى بن عبد الله السّعدي
كليّة التربية بالطائف / قسم الدراسات الإسلاميّة
دلالة الأسماء الحسنى
على التّنزيه
إعداد
د / عيسى بن عبد الله السّعدي
كليّة التربية بالطائف / قسم الدراسات الإسلاميّة
ملخّص البحث
هذه الدراسة بعنوان ( دلالة الأسماء الحسنى على التّنزيه ) ، ومقصودها بيان أوجه دلالة الأسماء الحسنى على التّنزيه الشرّعيّ ، وذلك من خلال النّقاط الآتية : ـ
1 ـ التّنزيه الشرّعيّ هو ما دلّت عليه أسماء الربّ وآياته من تنزيه الربّ عمّا لا يليق به من الأسماء والصّفات والأفعال والأنداد والأمثال .
2 ـ أسماء الربّ ـ تبارك وتعالى ـ من أعظم أدلّة التّنزيه ، وهي تدلّ على التّنزيه باعتبار وصفها ، وتدلّ عليه باعتبار آحادها .
3 ـ التّنزيه الَّذي دلّت عليه أسماء الربّ باعتبار وصفها يشمل التّنزيه عن أسماء الذمّ وأفعاله ، والتنزيه عن الأعلام الجامدة ، والتنزيه عن الأسماء الاصطلاحيّة ، والتنزيه عن ظنون السوء ، والتنزيه عن الشّريك .
4 ـ التّنزيه الَّذي دلّت عليه الأسماء الحسنى باعتبار آحادها يشمل التّنزيه المطلق ، والتنزيه عن أعيان النّقائص ، والتنزيه عن المثل .
5 ـ من أسماء الله ما يدلّ على التّنزيه المطلق ، وهي أسماء التّقديس المطلق ، وأسماء التمجيد الَّتي تدلّ على جميع صفات الكمال ولا تختصّ بصفة معيّنة .
6 ـ ومنها ما يدلّ على التّنزيه عن أعيان النّقائص ؛ وهي معظم الأسماء ، فمنها ما يدلّ على التّنزيه عن الحدوث وخصائصه ، ومنها ما يدلّ على التّنزيه عن الجهل ، أو عن العجز ، أو عن العبث ، أو عن الظّلم ، أو عن الفقر ، أو عن البخل ، أو عن سائر النّقائص .
7 ـ أمّا ما يدلّ على التّنزيه عن المثل من الأسماء فاسم الأحد ، والواحد ، وأسماء التّقديس والتمجيد العامّة ، والأسماء الَّتي فسّرت بما يدلّ على نفي المثل ؛ كالعزيز ، والقهّار ، والمتكبّر .
( ( ( ( (
I(1/1)
المقدّمة
الحمد لله وحده ، والصّلاة والسّلام على من لا نبيّ بعده وبعد :ـ
فَإِنَّ التّوحيد أصل الدِّين وأوّله وآخره ، لأجله خلق الخلق ، وأرسلت الرّسل ، وأنزلت الكتب ؛ ولهذا كان غرّة وصيّة الله تعالى الَّتي أوصى بها عباده في كلّ ملّة ، قال تعالى : { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا (1) وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ = 151 وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ = 152 وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [ الأنعام : 151 ـ 153 ] . يقول القرطبيّ : (( قال كعب الأحبار : هذه الآية مفتتح التوارة : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ... الآية . وقال ابن عبّاس : هذه الآيات المحكمات الَّتي ذكرها الله في سورة الأنعام أجمعت عليها الشّرائع ، ولم تنسخ قطّ في ملّة . وقد قيل إنّها العشر كلمات المنزلة على موسى )) (2) .(1/2)
والتّوحيد الَّذي اتّفقت عليه الرّسل نوعان : نوع في العلم والاعتقاد . ونوع في الإرادة والقصد . ويسمّى الأوّل التوحيد العلمي . والثّاني : التّوحيد القصدي الإرادي (3) .
ومدار التّوحيد العلميّ على إثبات صفات الكمال ، وعلى نفي التّشبيه والمثال ، والتّنزيه عن العيوب والنّقائص (4) . وتعتبر أسماء الله الحسنى من أعظم أدلّة التّوحيد العلميّ ؛ فأسماء التّمجيد تدلّ على إثبات جميع صفات الكمال بالمطابقة تارة ، وأخرى بالتضمّن ، وتدلّ بالالتزام على التّنزيه عن الأمثال والأنداد ، وعن جميع النّقائص والعيوب . وأسماء التّقديس تدلّ على التّنزيه عن الندّ والنّقص بالمطابقة تارة ، وأخرى بالتضمن ، وتدلّ بالالتزام على إثبات جميع صفات الكمال . وكلا المدلولين من تنزيه وإثبات شأنه شأن عظيم ؛ إذ كلّ منهما أصل أصيل في حقيقة التّوحيد وجوهره ؛ فلا يكون التّوحيد إلاّ متضمّنًا للنّفي والإثبات ؛ إذ النّفي المحض ليس بتوحيد ، وكذلك الإثبات بدون النّفي (5) . وقد عُني المتكلّمون بجانب التّنزيه تأصيلاً وتفريعًا ، وكثرت فيه أخطاؤهم حتَّى أوصلتهم أصولهم الفاسدة إلى إهمال الإثبات كلّه ، أو كادت . فقابلتهم طائفة أخرى عنيت بجانب الإثبات عناية تامةً تشكر وتحمد عليها ، ولكنّها قصّرت في جانب التّنزيه حتَّى كادت توهم طلبة العلم أنّ التّنزيه ميراث كلامي مآله التّعطيل ، لا ميراثًا نبويًّا تكون عاقبته الإيمان بتفرّد الربّ بجميع ما يستحقّه من صفات الكمال . وقد انتقلت هذه النّظرة لبعض من شرح أسماء الله الحسنى ، فكانوا يمرّون على معاني التّنزيه في أسماء التّمجيد والتّقديس مرورًا عابرًا لا يناسب ما يمثّله التّنزيه من منزلةٍ عالية تليق بكونه ركنًا لا يكون التّوحيد العلميّ إلاّ به ؛ ولهذا رأيت أن أفرد هذا الموضوع المهمّ بدراسةٍ علميّةٍ أبيّن فيها دلالة أسماء الله الحسنى على معاني التّنزيه ؛ وهي معان جليلة ، جاءت بها نصوص القرآن(1/3)
المحكمة ، وأدلّة السنّة الثابتة ؛ وفيها تحقيق تامّ لترابط النّفي والإثبات المكوِّن لحقيقة التّوحيد العلميّ وجوهره ؛ فكلّ تنزيه يستلزم إثباتًا ، كما أنّ كلّ إثبات يستلزم تنزيهًا ؛ خلافًا لتنزيهات المتكلّمين المحضة ، الَّتي لا تتضمّن إثباتًا ولا تستلزمه ؛ كالتّنزيه عن الأعراض ، أو التعدّد ، أو التكثّر ، وكنفي الأبعاض ، وحلول الحوادث ، أو التجدّد ، أو التّغير ، ونفي الأعراض ، والجهة ، أو الحدّ ، والتحدّد ، وغير ذلك من الألفاظ الَّتي ما أنزل الله بها من سلطان ؛ ولهذا كان ظاهرها يوهم التّنزيه عن النّقائص والعيوب والحاجة ، وباطنها يعني تعطيل ما جاءت به النّصوص من صفات الكمال !(1/4)
وحاشا أسماء الله وآياته أن تدلّ على مثل هذه التنزيهات المبتدعة ، أو تستلزمها بوجه من الوجوه ؛ وإنّما تدلّ على ما تمدّح الربّ بتنزهّه عنه ممّا لا يليق به من الأسماء والصّفات والأفعال ، وعن أن يكون له مثل في ذاته ، أو أسمائه ، أو صفاته ، أو ندّ فيما له من حقوق على عباده . وهذه الدِّراسة محاولة لإبراز هذه المعاني الشرعيّة ، وتقريبها للمسلمين عامّة ، ولطلاّب العلم خاصّة ، ليتّضح الوجه الصّحيح للتنزيه الَّذي كاد أن يستبدّ المتكلّمون باسمه ظلمًا وزورًا ؛ ولمعرفة مدى الفرق بين تنزيه السّلف وتنزيه المعطّلة ؛ فإنّ تنزيه المعطّلة البدعى انتهى بهم إلى الإيمان بذات مجرّدة عن الصّفات ، يستحيل على العقل أن يقبل وجودها فضلاً عن أن يقود القلب للتعلّق بها ، والتألّه لها . وتنزيه السّلف الشرعيّ انتهى بهم إلى الإيمان بتفرّد الربّ بجميع ما يستحقّه من صفات الكمال ، المبرأة عن كلّ عيب ونقص ، فتعلّقت قلوبهم بربّهم ؛ محبّةً لكمال ذاته ، وأسمائه ، وصفاته ، وأفعاله ، ورغبة فيما أعدّه من ثواب لأوليائه ، ، ورهبة فيما أعدّه من عقاب لأعدائه ، وهذه مقامات الإيمان الَّتي عليها بناؤه ، قال تعالى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ } [ الإسراء : 57 ] ، يقول ابن القيّم : (( ابتغاء الوسيلة إليه ؛ طلب القرب منه بالعبوديّة والمحبّة ، فذكر مقامات الإيمان الثلاثة الَّتي عليها بناؤه : الحبّ ، والخوف ، والرّجاء )) (6) .
( ( (
خطّة البحث
جاءت دراسة هذا الموضوع بعد المقدّمة في تمهيد ، وفصلين ، وخاتمة : ـ(1/5)
فالتّمهيد : في إحصاء الأسماء الحسنى . وفيه بيان المراد بإحصائها ، وأشهر المناهج في ذَلِكَ ؛ وَهِيَ : التّعويل على حديث الترمذيّ ، أَو جمعها من القرآن فقط ، أَو جمعها من القرآن والسنّة إمّا مع الاقتصار على العدد المخصوص ومراعاة قواعد الإحصاء ، أَو عدم ذَلِكَ كليًّا أَو جزئيًّا .
والفصل الأوّل : في دلالة وصف الأسماء الحسنى على التّنزيه . ويتكوّن من ستّة مباحث : ـ
المبحث الأوّل : في معنى الأسماء الحسنى . وفيه بيان معنى الاسم لغةً ، وأصل اشتقاقه ، وأنواعه ، وعلاماته الَّتي تميّزه عن الفعل والحرف . ثُمَّ بيان معنى وصف الحسنى ، وإطلاقات هذا الوصف في القرآن ، ودلالة وصف أسماء الربّ به .
المبحث الثّاني : في التّنزيه عن أسماء الذمّ وأفعاله . وفيه بيان وجه دلالة وصف الأسماء الحسنى على هذا الضّرب من التّنزيه ، وما يندرج تحته من أنواع التّنزيه ؛ وهي أسماء الذمّ الصّريحة ، وأسماء الذمّ المحتملة ، والأسماء الموهمة للذمّ ، وأفعال الذمّ .
المبحث الثّالث : في التّنزيه عن الأعلام الجامدة . وفيه بيان وجه دلالة وصف الأسماء على هذه التّنزيه ، ويندرج تحته بيان أنّ أسماء الله أوصاف وأعلام ، والردّ على المعتزلة في اعتبار أسماء الربّ أعلامًا جامدة ، وبيان صحّة مذهب الجمهور في عدم اعتبار الدّهر من الأسماء الحسنى .
المبحث الرّابع : في التّنزيه عن الأسماء الاصطلاحيّة . وفيه ذكر وجه ارتباطه بالفصل ، ثُمَّ بيان أنواع الأسماء الاصطلاحيّة ، والخلاف في اشتراط التّوقيف في الأسماء الحسنى ، ومحلّه وأدلّته .
المبحث الخامس : في التّنزيه عن ظنون السوء . وفيه ذكر وجه ارتباط هذا المبحث بالفصل ، ثُمَّ بيان الظّنون المتعلّقة بألفاظ الأسماء الحسنى ، أو بمعانيها ، أو بموجباتها وآثارها .(1/6)
المبحث السّادس : في التّنزيه عن الشّريك . وفيه بيان علاقة المبحث بالفصل . ثُمَّ ذكر تفرّد الربّ بالأسماء المختصّة به ، وتفرّده بكمال معاني الأسماء المتواطئة ، ثُمَّ تفرّده بلازم أسمائه الحسنى .
والفصل الثّاني : في دلالة آحاد الأسماء الحسنى على التّنزيه . ويتكوّن من تمهيد ، وثلاثة مباحث : ـ
التّمهيد : في أنواع الأسماء الحسنى . وفيه ذكر أقسام الأسماء الحسنى ، وما يندرج تحت كلّ قسم من الأنواع ، وترابط هذه الأنواع ، وأهمّ آثار هذا الترابط .
المبحث الأوّل : التّنزيه المطلق . وفيه بيان مدلول التّنزيه المطلق ، وأدلّته من أسماء التّقديس ، ثُمَّ ذكر أدلّته من أسماء التمجيد ، وما تتوقّف عليه دلالتها من أصول .
المبحث الثّاني : التّنزيه عن أعيان النقائص . وفيه ذكر التّنزيه عن الحدوث وخصائصه ، والتنزيه عن الجهل ، والعجز ، والعبث ، والخلق لهوًا وعبثًا ، وإهمال العباد ، وإخلاف الوعد والوعيد ، والتّنزيه عن الظّلم ، والفقر ، والبخل ، وفي ثنايا ذلك كلّه ذكر أدلّة التّنزيه المفصّلة على هذه النّقائص ، مع بيان وجه دلالة الأسماء الحسنى على تلك التنزيهات .
المبحث الثّالث : التّنزيه عن المثل . وفيه ذكر معنى التّمثيل ، وأنواعه ، ثُمَّ أدلّة بطلانه عقلاً ونقلاً ، مع بيان وجه دلالة الأسماء الحسنى على بطلانه .
وأمّا الخاتمة فإجمال لأهمّ نتائج البحث .(1/7)
وقد عالجت قضايا البحث ومسائله وفق قواعد البحث العلميّ ؛ فدللت على مواضع الآيات القرآنيّة ، وذلك بذكر السّورة ، ورقم الآية ، وخرّجت الأحاديث تخريجًا مختصرًا ، يتضمّن عزو كلّ حديث لمصدره ، وبيان حكمه إذا كان في غير الصّحيحين ، كما جمعت مادّة البحث من المصادر العلميّة المعتبرة في هذا الفنّ ، وحرصت على أن تكون صياغته بأسلوب علميّ محدّد بعيدٍ عن الحشو والاستطراد والغموض ، كما حرصت على التّسلسل المنطقي للأفكار ، وراعيت التناسب الشّكلي والموضوعي ، ووثّقت قضاياه من المصادر الأصلية كلّ ذلك قدر الإمكان ، وعرّفت بما تدعو إليه الحاجة من المصطلحات ، وعلّقت على المواطن الَّتي تحتاج إلى تعليق ، أو تنبيه ، أو درء إشكال ، أو ذكر فائدة مناسبة ، أو غير ذلك . وأرجو أن أكون قد وفّقت فيما رجوت وحرصت على حصوله ، والله الموفّق ، والهادي إلى سواء السّبيل .
( ( ( ( (
تمهيد
إحصاء الأسماء الحسنى(1/8)
لقد عني المسلمون عنايةً قصوى بإحصاء أسماء الله الحسنى ؛ لأنّ العلم بها أشرف العلوم على الإطلاق ؛ لدلالتها على ذات الربّ ، وصفاته ، وأفعاله ، وإلهيّته ؛ وذلك هو أصل الإيمان وغايته ؛ ولهذا وعد الله تعالى من أحصاها بالجنّة ، روى البخاريّ ومسلم بسنديهما عن أبي هريرة ( مرفوعًا : (( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا (7) ، مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا ، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ )) (8) ؛ والمراد بإحصائها عدّها حفظًا ، وفهمها معنًى ، وإلزام النّفس بحقوقها قولاً وعملاً ، يقول ابن القيّم : (( بيان مراتب إحصاء أسمائه الَّتي من أحصاها دخل الجنّة ... ؛ المرتبة الأولى : إحصاء ألفاظها وعددها . المرتبة الثّانية : فهم معانيها ومدلولها . المرتبة الثالثة : دعاؤه بها ، كما قال تعالى : { وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [ الأعراف : 180 ] ؛ وهو مرتبتان : إحداهما : دعاء ثناء وعبادة (9) ، والثّاني : دعاء طلب ومسألة )) (10) . وأورد ابن حجر نقلاً عن أبي نعيم الأصبهاني قوله : (( الإحصاء المذكور في الحديث ليس هو التّعداد ، وإنّما هو العمل والتعقّل بمعاني الأسماء ، والإيمان بها )) (11) .
وذهب كثير من أهل العلم إلى أنّ المراد بإحصاء الأسماء الحسنى عدّها ، واستيفاء ألفاظها حفظًا ؛ لما ثبت في بعض طرق الحديث بلفظ (( مَنْ حَفِظَهَا )) (12) بدل (( مَنْ أَحْصَاهَا )) ؛ ففسّر الإحصاء باستيفاء ألفاظها حفظًا (13) .(1/9)
وهذا القول غير مسلّم ؛ لأنّ حمل الحفظ على السّرد غير متعيّن ، يقول ابن حجر : (( لا يلزم من مجيئه بلفظ حفظها تعيّن السّرد عن ظهر قلب ، بل يحتمل الحفظ المعنويّ )) (14) ، ويؤيّده أنّ الإحصاء لغة يستعمل بمعنى العقل والفهم ، كما يستعمل بمعنى العدّ والحفظ (15) ، وأنّ العدّ اللّفظي قد يحصل من الفاجر مع أنّ دخول الجنّة مشروط في كثير من الآيات بتحقيق الإيمان قولاً وعملاً ؛ فيكون من أحصاها سردًا دون عمل بها كمن حفظ القرآن ولم يعمل به ؛ فكما أنّه غير نافع في تحقّق الوعد وانتفاء الوعيد فكذلك حفظ أسماء الله الحسنى دون عمل بمقتضاها (16) .
وقد ذكر الخطّابي أنّ المراد بالإحصاء يحتمل مع الحفظ وجهين آخرين : ـ
أحدهما : أن المراد الإحاطة بمعاني الأسماء الحسنى ، من قول العرب : فلان ذو حصاة ؛ أي ذو عقل وفهم ومعرفة . واستحصى اشتدّ عقله ، وهو حصي كغني ؛ أي وافر العقل ، ويقال : ماله حصاة ، ولا أصاة ، أي رأي يرجع إليه (17) .
والثّاني : أن المراد بالإحصاء الإطاقة ، كقوله تعالى : { عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ } [ المزمّل : 20 ] ؛ أي لن تطيقوا عدّه وضبطه (18) ، وكقوله ( : (( اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا )) (19) ؛ أي لن تطيقوا الاستقامة (20) ، والمعنى : من أطاق القيام بحقوق أسماء الله الحسنى قولاً وعملاً دخل الجنّة . وهذا اختيار أبي الوفاء بن عقيل ، والأصيلي ، وأبو نعيم الأصبهاني وغيرهم (21) .(1/10)
وهناك أقوال أخرى في بيان المراد بالإحصاء سوى هذه الأقوال الثلاثة ؛ كالقول بأنّ المراد بإحصائها معرفتها ، أو عدّها مع اعتقاد مدلولها ، أو حفظ القرآن لكونه مشتملاً عليها ، مستوفيًا لها (1) . وهي عند التّحقيق لا تخرج عمّا ذكر من أقوال ؛ فهي إمّا أن ترجع إلى تفسير الإحصاء بالحفظ ، أو بالفهم ، أو بالعمل ، أو بمجموع ما ذكر ، أو أكثره . والأظهر أنّ إحصاء أسماء الله الحسنى يعمّ جميع هذه المعاني ؛ فمن استوفاها عدًّا وحفظًا ، وأحاط بها فهمًا وعلمًا ، وقام بحقّها قولاً وعملاً دخل الجنّة . وهذا هو المتّسق مع أصول الشّريعة وقواعدها الكلية ؛ فإنّ الله رتّب الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار على تحقيق الإيمان قولاً وعملاً ، قال تعالى : { وَبَشِّرِ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ } [ البقرة : 25 ] ، وقال : { الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ } [ الرّعد : 29 ] ، وقال : { وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلا } [ طه : 75 ] ، يقول الآجري : (( قد تصفّحت القرآن فوجدت فيه .. في ستّة وخمسين موضعًا من كتاب الله ( أن الله ـ تبارك وتعالى ـ لم يدخل المؤمنين الجنّة بالإيمان وحده ، بل أدخلهم الجنّة برحمته إيّاهم ، وبما وفّقهم له من الإيمان والعمل الصّالح . وهذا ردّ على من قال : الإيمان المعرفة ، وردّ على من قال : المعرفة والقول وإن لم يعمل . نعوذ بالله من قائل هذا )) (22) . ثُمَّ سرد الأدلّة على هذا الأصل ابتداءً من سورة البقرة حتَّى آخر سورة العصر (23) .(1/11)
وقد ورد في تعيين الأسماء الحسنى عدّة روايات (24) أشهرها ما رواه الترمذي بسنده عن أبي هريرة ( مرفوعًا : (( إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا ، مِائَةً غَيْرَ وَاحِدٍ ، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ؛ هُوَ اللَّهُ ، الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ، الرَّحْمَنُ ، الرَّحِيمُ ، الْمَلِكُ ، الْقُدُّوسُ ، السَّلامُ ، الْمُؤْمِنُ ، الْمُهَيْمِنُ ، الْعَزِيزُ ، الْجَبَّارُ ، الْمُتَكَبِّرُ ، الْخَالِقُ ، الْبَارِئُ ، الْمُصَوِّرُ ، الْغَفَّارُ ، الْقَهَّارُ ، الْوَهَّابُ ، الرَّزَّاقُ ، الْفَتَّاحُ ، الْعَلِيمُ ، الْقَابِضُ ، الْبَاسِطُ ، الْخَافِضُ ، الرَّافِعُ ، الْمُعِزُّ ، الْمُذِلُّ ، السَّمِيعُ ، الْبَصِيرُ ، الْحَكَمُ ، الْعَدْلُ ، اللَّطِيفُ ، الْخَبِيرُ ، الْحَلِيمُ ، الْعَظِيمُ ، الْغَفُورُ ، الشَّكُورُ ، الْعَلِيُّ ، الْكَبِيرُ ، الْحَفِيظُ ، الْمُقِيتُ ، الْحَسِيبُ ، الْجَلِيلُ ، الْكَرِيمُ ، الرَّقِيبُ ، الْمُجِيبُ ، الْوَاسِعُ ، الْحَكِيمُ ، الْوَدُودُ ، الْمَجِيدُ ، الْبَاعِثُ ، الشَّهِيدُ ، الْحَقُّ ، الْوَكِيلُ ، الْقَوِيُّ ، الْمَتِينُ ، الْوَلِيُّ ، الْحَمِيدُ ، الْمُحْصِي ، الْمُبْدِئُ ، الْمُعِيدُ ، الْمُحْيِي ، الْمُمِيتُ ، الْحَيُّ ، الْقَيُّومُ ، الْوَاجِدُ ، الْمَاجِدُ ، الْوَاحِدُ ، الصَّمَدُ ، الْقَادِرُ ، الْمُقْتَدِرُ ، الْمُقَدِّمُ ، الْمُؤَخِّرُ ، الأَوَّلُ ، الآخِرُ ، الظَّاهِرُ ، الْبَاطِنُ ، الْوَالِيَ ، الْمُتَعَالِي ، الْبَرُّ ، التَّوَّابُ ، الْمُنْتَقِمُ ، الْعَفُوُّ ، الرَّءُوفُ ، مَالِكُ الْمُلْكِ ، ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ ، الْمُقْسِطُ ، الْجَامِعُ ، الْغَنِيُّ ، الْمُغْنِي ، الْمَانِعُ ، الضَّارُّ ، النَّافِعُ ، النُّورُ ، الْهَادِي ، الْبَدِيعُ ، الْبَاقِي ، الْوَارِثُ ، الرَّشِيدُ ، الصَّبُورُ )) (25) ،(1/12)
يقول البوصيري : (( طريق الترمذي أصحّ شيء في هذا الباب )) (26) ؛ ولهذا عوّل عليها غالب من شرح الأسماء الحسنى (27) . وقد اختلف العلماء في سرد الأسماء الحسنى ، هل هو مرفوع ، أو مدرج في الخبر من بعض الرّواة ؟ مشى كثير من العلماء على الأوّل (28) ، وذهب ابن تَيْمِيَّة ، وابن كثير ، وابن حجر وغيرهم إلى أنّ التّعيين مدرج ؛ لتفرّد الوليد بن مسلم به ، وخلوّ أكثر الروايات عن ذكر أعيان الأسماء ، ولما وقع من اختلاف شديد بين الرّواة في سرد الأسماء ، والزّيادة والنّقصان ، ممّا يقوّي احتمال الإدراج ، وأنّ التّعيين وقع من بعض الرّواة (29) ، يقول ابن تَيْمِيَّة : (( حفّاظ أهل الحديث يقولون : هذه الزّيادة ممّا جمعه الوليد بن مسلم عن شيوخه من أهل الحديث )) (30) ، ويقول الصنعاني : (( اتّفق الحفّاظ من أئمّة الحديث أنَّ سردها إدراج من بَعْض الرّواة )) (31) .
ونظرًا لعدم ثبوت الخبر في سرد الأسماء عند فريق من أهل العلم فقد اعتنى بعضهم بتتبّع الأسماء إمّا من القرآن وحده ؛ لما وقع في بعض روايات الحديث ، بلفظ (( مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وهي في القرآن )) أو (( وكلّها في القرآن )) (32) ، وإمّا من القرآن وصحيح الأخبار ، فممّن تتبّعها وجمعها من القرآن محمَّد بن يحيى الذّهلي ، وجعفر بن محمَّد ، وأبو زيد اللّغويّ ، وابن حجر العسقلاني (33) ، وممّن تتبّعها من القرآن وصحيح الأخبار عليّ بن أحمد بن حزم ، فبلغ بها ثمانيةً وستّين اسمًا (34) . قال ابن حجر : (( اقتصر على ما ورد فيه بصورة الاسم لا ما يؤخذ من الاشتقاق كالباقي من قوله تعالى : { وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ } [ الرّحمن : 26 ] ، ولا ما ورد مضافًا كالبديع من قوله : { بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ } [ البقرة : 117 ] )) (35) .(1/13)
وممّن تتبّعها من المعاصرين الشّيخ محمَّد بن عثيمين (36) ـ رحمه الله ـ ، فقد تتبّعها من القرآن والسنّة فبلغ بها تسعةً وتسعين اسمًا (37) .
ولو ذهبنا نذكر ما توصّل إليه كلّ عالم من إحصاء لأسماء الله الحسنى لطال بنا المقام ، ولكن سأكتفي بذكر أنموذجين لهذه الجهود المشكورة ، أنموذجًا لتتبّعها من القرآن وحده ، وآخر لتتبّعها من القرآن والسنّة .
الأوّل : إحصاء ابن حجر .
فقد تتبّع ابن حجر ما ورد في القرآن بصيغة الاسم ممّا لم يذكر في رواية الترمذيّ ، وهي سبعة وعشرون اسمًا ، وضمّ إليها الأسماء الَّتي وقعت في رواية الترمذيّ ممّا ورد في القرآن بصيغة الاسم فصارت تسعة وتسعين اسمًا وكلّها في القرآن (38) وهي : (( اللَّهُ ، الرَّحْمَنُ ، الرَّحِيمُ ، الْمَلِكُ ، الْقُدُّوسُ ، السَّلامُ ، الْمُؤْمِنُ ، الْمُهَيْمِنُ ، الْعَزِيزُ ، الْجَبَّارُ ، الْمُتَكَبِّرُ ، الْخَالِقُ ، الْبَارِئُ ، الْمُصَوِّرُ ، الْغَفَّارُ ، الْقَهَّارُ ، التَّوَّابُ ، الْوَهَّابُ ، الخلاّقُ ، الرَّزَّاقُ ، الْفَتَّاحُ ، الْعَلِيمُ ، الْحَلِيمُ ، الْعَظِيمُ ، الْوَاسِعُ ، الْحَكِيمُ ، الْحَيُّ ، الْقَيُّومُ ، السَّمِيعُ ، الْبَصِيرُ ، اللَّطِيفُ ، الْخَبِيرُ ، الْعَلِيُّ ، الْكَبِيرُ ، المحيطُ ، القديرُ ، المولى ، النّصيرُ ، الْكَرِيمُ ، الرَّقِيبُ ، القريبُ ، الْمُجِيبُ ، الْوَكِيلُ ، الْحَسِيبُ ، الْحَفِيظُ ، الْمُقِيتُ ، الْوَدُودُ ، الْمَجِيدُ ، الْوَارِثُ ، الشَّهِيدُ ، الْوَلِيُّ ، الْحَمِيدُ ، الْحَقُّ ، المبينُ ، الْقَوِيُّ ، الْمَتِينُ ، الْغَنِيُّ ، المالكُ ، الشّديدُ ، الْقَادِرُ ، الْمُقْتَدِرُ ، القاهرُ ، الكافي ، الشّاكرُ ، المستعانُ ، الفاطرُ ، الْبَدِيعُ ، الغافرُ ، الأَوَّلُ ، الآخِرُ ، الظَّاهِرُ ، الْبَاطِنُ ، الكفيلُ ، الغالبُ ، الْحَكَمُ ، العالِمُ ، الرّفيعُ ، الحافظُ ، الْمُنْتَقِمُ ، القائمُ ،(1/14)
الْمُحْيِي ، الْجَامِعُ ، المليكُ ، الْمُتَعَالِي ، النُّورُ ، الْهَادِي ، الْغَفُورُ ، الشَّكُورُ ، الْعَفُوُّ ، الرَّءُوفُ ، الأكرمُ ، الأعلى ، الْبَرُّ ، الحفيُّ ، الربُّ ، الإلهُ ، الْوَاحِدُ ، الأحدُ ، الصَّمَدُ الَّذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ )) (39) .
( ( (
الثّاني : إحصاء ابن عثيمين .
تتبّع ابن عثيمين ما ورد في القرآن والسنّة من أسماء الله الحسنى فبلغ بها تسعة وتسعين اسمًا ؛ واحد وثمانون اسمًا في كتاب الله تعالى ، وثمانية عشر اسمًا في سنّة رسول الله ( ، فمن كتاب الله : (( اللَّهُ ، الأحدُ ، الأعلى ، الأكرم ، الإله ، الأَوَّلُ ، الآخِرُ ، الظَّاهِرُ ، الْبَاطِنُ ، الْبَارِئُ ، الْبَرُّ ، الْبَصِيرُ ، التَّوَّابُ ، الْجَبَّارُ ، الحافظُ ، الْحَسِيبُ ، الْحَفِيظُ ، الحفيُّ ، الْحَقُّ ، المبينُ ، الْحَكِيمُ ، الْحَلِيمُ ، الْحَمِيدُ ، الْحَيُّ ، الْقَيُّومُ ، الْخَبِيرُ ، الْخَالِقُ ، الخلاّقُ ، الرّؤوفُ ، الرَّحْمَنُ ، الرَّحِيمُ ، الرَّزَّاقُ ، الرَّقِيبُ ، السَّلامُ ، السَّمِيعُ ، الشّاكرُ ، الشَّكُورُ ، الشَّهِيدُ ، الصَّمَدُ ، العالمُ ، الْعَزِيزُ ، الْعَظِيمُ ، الْعَفُوُّ ، الْعَلِيمُ ، الْعَلِيُّ ، الْغَفَّارُ ، الْغَفُورُ ، الْغَنِيُّ ، الْفَتَّاحُ ، الْقَادِرُ ، القاهر ، الْقُدُّوسُ ، القدير ، القريب ، الْقَوِيُّ ، الْقَهَّارُ ، الْكَبِيرُ ، الْكَرِيمُ ، اللَّطِيفُ ، الْمُؤْمِنُ ، الْمُتَعَالِي ، الْمُتَكَبِّرُ ، الْمَتِينُ ، الْمُجِيبُ ، الْمَجِيدُ ، المحيط ، الْمُصَوِّرُ ، الْمُقْتَدِرُ ، الْمُقِيتُ ، الْمَلِكُ ، المليك ، المولى ، الْمُهَيْمِنُ ، النّصير ، الْوَاحِدُ ، الْوَارِثُ ، الْوَاسِعُ ، الْوَدُودُ ، الْوَكِيلُ ، الْوَلِيُّ ، الْوَهَّابُ )) (40) .(1/15)
ومن سنّة رسول الله ( : (( الجميل ، الجواد ، الْحَكَمُ ، الحيي ، الربّ ، الرّفيق ، السبوّح ، السيّد ، الشّافي ، الطيّب ، الْقَابِضُ ، الْبَاسِطُ ، الْمُقَدِّمُ ، الْمُؤَخِّرُ ، المحسن ، المعطي ، المنّان ، الوتر )) (41) .
( ( (
وهناك فريق آخر من أهل العلم لم يلتزم بالعدد المخصوص في الحديث ، فأوصله استقراؤه إلى ما يزيد على تسعةٍ وتسعين اسمًا بكثير ؛ فابن الوزير مثلاً قسّم الأسماء الحسنى إلى ثلاثة أقسام : ـ
الأوّل : قسم ورد في النّصوص صريحًا دون اشتقاق ، كالصّمد ، والرّحمن ، والملك . وقد بلغ بهذا النّوع قرابة مائة وستّين اسمًا .
الثّاني : قسم مشتقّ من الأفعال الربّانيّة ؛ كالمطعم ، والمجير ، والمرجوّ . وهذا النّوع لا يحصى . يقول ابن الوزير : (( وقد جمع بعضهم منها ألف اسم )) (42) .
الثّالث : قسم من أنواع الثّناء من غير اشتقاق من ألفاظ القرآن ، مثل قديم الإحسان ، دائم المعروف ، المستغاث ، المأمول . وهذا النّوع لا يحصى أيضًا (43) .
( ( (
ولا شكّ أنّه من الطبيعي أن تختلف أنظار المجتهدين في هذا الموضع الَّذي ليس فيه نصّ مسلّم بصحّته ، ولكن هناك قواعد وضوابط تعين على تحديد المنهج الصّحيح في استقراء الأسماء الحسنى ، وعلى الحكم على أعيان الأسماء بالاعتبار أو عدمه ، ومنها : ـ(1/16)
1 ـ أسماء الله ـ تبارك وتعالى ـ غير محصورة بعدد معيّن ؛ لما رواه الإمام أحمد بسنده عن ابن مسعود ( مرفوعًا : (( أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ (44) ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ العَظيمَ رَبِيعَ قَلْبِي )) (45) ، وما استأثر الله تعالى به في علم الغيب لا يمكن أحدًا حصره ، ولا الأحاطة به (46) . وهذا قول جمهور العلماء . وحكى النّوويّ وابن القيّم اتّفاق العلماء عليه (47) . وفي حكاية الإجماع نظر ؛ لأنّ هناك من ذهب إلى أنّ أسماء الله محصورة في تسعة وتسعين اسمًا كابن حزم الأندلسيّ ، محتجًّا بالتأكيد في قوله ( : (( مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا )) (48) ، فلو جاز أن يكون له اسم زائد على العدد المذكور للزم أن يكون له مائة اسم فيبطل الاستثناء ، ولأنّ الأسماء الحسنى الواردة نصًّا إذا استقرئت في القرآن وصحيح السنّة لم تزد عن العدد المذكور في الحديث ، وما يتخيّل زائدًا عليه لعلّه مكرّر معنًى وإن تغاير لفظًا ؛ كالغافر ، والغفّار ، والغفور ، فيكون المعدود من ذلك واحدًا فقط (49) .
2 ـ والحديث الَّذي استُدلّ به على الحصر لا حجّة فيه ؛ لأنّ المراد الإخبار عن دخول الجنّة بإحصائها لا الإخبار بحصر الأسماء ؛ أي أنّ الحصر في الحديث باعتبار الوعد الحاصل لمن أحصاها فلا يلزم من ذلك ألاّ يكون هناك أسماء زائدة . وعلى هذا فيكون الحديث جملة واحدة ، وقوله : (( مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ )) صفة لا خبر مستقلّ . ونظير هذا أن تقول : عندي مائة درهم للصّدقة ، فلا يلزم من ذلك ألاّ يكون عندك دراهم أخرى للنّفقة ، والقنية ، والتجارة ، وغير ذلك (50) .(1/17)
3 ـ أسماء الله تعالى لا تنحصر في الأسماء المفردة ؛ لأنّ هناك أسماء أخرى مضافة ، وردت في القرآن الكريم ، والسنّة النّبويّة الصّحيحة ، وثبت الدّعاء بها بإجماع المسلمين ؛ مثل : مالك الملك ، ذو الجلال والإكرام ، أرحم الرّاحمين ، وخير الغافرين ، وربّ العالمين ، ومالك يوم الدِّين ، وأحسن الخالقين ، وجامع النّاس ليوم لا ريب فيه ، بديع السّموات والأرض ، ومقلّب القلوب (51) .
4 ـ ضرورة الالتزام بما ورد في القرآن والسنّة الصّحيحة من الأسماء ؛ لأنّ أسماء الله توقيفيّة ؛ فلا يسمّى الله إلاّ بما سمّى به نفسه ، أو سمّاه رسوله ( ؛ فلا يجوز أن يدعى بما لم يرد من الأسماء ؛ سواء أكانت من أسماء المواضعة البشريّة المحضة ؛ كالجوهر ، والعقل ، والقائم بنفسه ، والموجب بالذات ، أم كانت مرادفة في الظّاهر لما ثبت من أسماء الله الحسنى ؛ كالعاقل ، والشّفوق ، والشّريف ، والسّخيّ ، أم كانت من أسماء الثّناء من غير اشتقاق من ألفاظ القرآن ؛ كقديم الإحسان ، ودائم المعروف ، والمأمول (52) .
5 ـ ما يطلق على الله تعالى من الأسماء لا بُدّ أن يكون في غاية الحسن ؛ لأنّ الله تعالى له أحسن الأسماء وأعلاها ؛ فلا يجوز أن يكون من أسمائه أعلام جامدة ؛ كاسم الدّهر ، لأنّه لا دلالة فيه على شيء من الحسن أصلاً ؛ ولا يجوز أن يعتبر منها ما ينقسم مدلوله إلى كامل وناقص ، وخير وشرّ ، كالموجود ، والذات ، والمريد ، والفاعل ، والصّانع ، وكذلك لا يجوز أن يعدّ منها ما لا يحمل معنى الكمال المطلق ؛ كالمنتقم ؛ فإنّه لا يدلّ على الكمال إلاّ إذا كان مخصوصًا مقيّدًا (53) .(1/18)
6 ـ لا يجوز أن يشتقّ للربّ من كلّ فعل اسمًا ؛ لأنّ باب الأفعال والأخبار أوسع من باب الأسماء ؛ ولهذا أطلق الله على نفسه أفعالاً ولم يتسم منها باسم الفاعل ؛ كأراد ، وشاء ، وأحدث ، ولم يسم بالمريد ، والشّائي ، والمحدث ، وكذلك أخبر عن نفسه بأفعال مقيّدة ، ولم يلزم من الإخبار عنه بالفعل مقيّدًا أن يشتقّ له منه اسم مطلق ؛ فأخبر أن يستهزيء ، ويمكر ، ويكيد ، ولا يجوز أن يسمّى بالمستهزئ ، ولا الماكر ، ولا الكائد ؛ ولهذا قال ابن القيّم : (( وقد أخطأ أقبح خطأ من اشتقّ له من كلّ فعل اسمًا ، وبلغ بأسمائه زيادة على الألف ؛ فسمّاه الماكر ، والمخادع ، والفاتن ، والكائد ، ونحو ذلك )) (54) .
( ( ( ( (
الفصل الأَوَّل
دلالة وصف الأسماء
ويتكوّن من ستّة مباحث
المبحث الأول :
معنى الأسماء الحسنى .
المبحث الثّاني :
التّنزيه عن أسماء الذمّ وأفعاله .
المبحث الثّالث :
التّنزيه عن الأعلام الجامدة .
المبحث الرّابع :
التّنزيه عن الأسماء الاصطلاحيّة .
المبحث الخامس :
التّنزيه عن ظنون السوء .
المبحث السّادس :
التّنزيه عن الشّريك .
المبحث الأوّل
معنى الأسماء الحسنى
الاسم لغةً ما يعرف به الشّيء ، ويستدلّ به عليه ، وهو اللّفظ الدالّ على المسمّى ، عينًا كان أو معنى ، وأصله فِعْل ، أو فُعْل ، وقيل : إِنَّ أصله أُعْل ، والأظهر أن أصله فِعْل ، أو فُعْل ؛ لأنّه يجمع على أسماء ؛ كجِذْع وأجذاع ، وقُفْل وأقفال ، وقد سمع إِسْم بكسر الهمزة ، وأُسم بضمّها ، وفي الاسم لغات أخرى ؛ كوسِمْ ، ووسُمٌ ، وسُما بالضمّ والقصر ؛ يقال : أسماك الله سُمًا مباركًا ، وباسم الَّذي في كلّ سورة سُمُه أو سِمُه . وجمع الاسم أسماء ، وأسماوات ، حكى الفرّاء : أعيذك بأسماوات الله . وجمع الجمع أسامٍ ، وأساميُّ .(1/19)
وقد اختلف علماء اللّغة في أصل اشتقاق الاسم ؛ فقال البصريون : إنّه مشتقّ من السّموّ ؛ وهو العلوّ ، والرّفعة ، يقال : سموت إذا علوت ، وسما بصره علا ، وسمالي شخص ؛ أي ارتفع حتَّى استبنته ، وسماء كلّ شيء أعلاه ، وعلى هذا فأصل اسم ( سمو ) ، حذفت لامه تخفيفًا ، وعوض عنها بالهمزة ، فقيل ( اسم ) .
ووجه العلاقة بين معنى الاسم وأصله ، على القول بأنّه العلوّ والرّفعة يحتمل ثلاثة وجوه : ـ
1 ـ أنّ الاسم تنويه ودلالة على المسمّى ، ورفع لذكره فيعرف به ؛ أو لأنّه لدلالته على المسمّى يعليه من حضيض الخفاء إلى ذروة الجلاء .
2 ـ أنّ الاسم يسمو بالمسمّى فيرفعه عن غيره ، ويميّزه ، أو لأنّ صاحب الاسم بمنزلة المرتفع به ، المتميّز به عن غيره .
3 ـ أنّ الاسم علا بقوّته على قسمي الكلام : الحرف ، والفعل ، فإنّ الاسم أقوى منهما بالإجماع ؛ لأنّه الأصل ؛ فلعلوّه عليهما أطلق عليه الاسم .
وفي مقابل قول البصريين ذهب بعض الكوفيين إلى أن الاسم مشتقّ من السمة ؛ وهي العلامة ؛ لأن الاسم علامة لمن وضع له ؛ وعلى هذا القول فأصل اسم ( وسم ) ، ثُمَّ حذفت منه فاء الكلمة وهي الواو ، وعوّض عنها بهمزة الوصل .
وقول البصريين أصحّ ؛ لأنّ الهمزة لم تعهد داخلة على ما حذف صدره ؛ ولأنّه يقال : أسميته ، ولو كان من السمة لقيل : سمته ، ولأنّه يقال في تصغير الاسم : سُمَيّ ، وفي جمعه جمع تكسير : أسماء ، والجمع والتّصغير يردّان الأشياء إلى أصولها ؛ فلو كان أصله ( وسم ) لقيل في تصغيره وُسَيم ، وفي جمعه أوسام (55). وقد استدلّ القرطبيّ على رجحان قول البصريين بفائدة الخلاف ، فقال : (( يدلّ على صحّته أيضًا فائدة الخلاف .. ؛ فإن من قال الاسم مشتقّ من العلوّ يقول : لم يزل الله سبحانه موصوفًا قبل وجود الخلق ، وبعد وجودهم ، وعند فنائهم ، ولا تأثير لهم في أسمائه وصفاته (56) ، وهذا قول أهل السنّة .(1/20)
ومن قال الاسم مشتقّ من السّمة يقول : كان الله في الأزل بلا اسم ولا صفة ، فلمّا خلق الخلق جعلوا له أسماء وصفات ، فإذا أفناهم بقي بلا اسم ولا صفة ، وهذا قول المعتزلة ، وهو خلاف ما أجمعت عليه الأمّة ، وهو أعظم في الخطأ من قولهم : إِنَّ كلامه مخلوق ، تعالى الله عن ذلك )) (57) . والظّاهر أنّه لا يعني بكلامه علماء الكوفة الَّذين وقفوا حياتهم لخدمة لغة القرآن ، وشهدت الأمّة بفضلهم وصلاحهم ، ونظروا في أصل الكلمة نظرًا لغَويًّا بحتًا يحكمه السّماع أو القياس على أصولهم اللّغويّة المعروفة ، وإنّما عنى أولئك الَّذين تأثّروا بعقائد المعتزلة ، واستغلّوا كلام علماء الكوفة لخدمة عقائدهم الفاسدة .
والاسم على ضربين : موصوف ، وصفة ؛ فالاسم الموصوف ما دلّ على ذات الشّيء وحقيقته ؛ كرجل ، وبحر ، وعلم ، وجهل ، ومنه المصدر ، واسما الزمان والمكان ، واسم الآلة . والاسم الصّفة : ما دلّ على صفة شيء من الأعيان ، أو المعاني ، كاسم الفاعل ، واسم المفعول ، والصّفة المشبّهة ، واسم التّفضيل .
والاسم الموصوف نوعان : اسم عين ، واسم معنى ؛ فاسم العين : ما دلّ على معنى يقوم بذاته ؛ كفرس وحجر . واسم المعنى : ما دلّ على معنى وجوديّ ، أو عدمي ، قائم بغيره ؛ كالعلم والشّجاعة ، والجهل والجبن (58) .
ويتميّز الاسم عن الفعل والحرف بخمس علاماتٍ : ـ
1 ـ الكسرة الَّتي يحدثها عامل الجرّ ؛ سواءٌ أكان العامل حرفًا ، أم إضافة ، أم تبعيّة ، وقد اجتمعت في البسملة .
2 ـ التّنوين ؛ وهو نون ساكنة تلحق الآخر لفظًا لا خطًّا لغير توكيد ؛ ويشمل تنوين التمكين ، وتنوين التنكير ، وتنوين المقابلة ، وتنوين التّعويض .
3 ـ النِّداء ، وليس المراد به دخول حرف النّداء ؛ لأنّ ( يا ) تدخل في اللّفظ على ما ليس باسم ، بل المراد كون الكلمة مناداة ، نحو : يا أيّها الرّجل ، ويا فل .(1/21)
4 ـ (( أل )) غير الموصولة ، وغير الاستفهاميّة ، كالفرس ، والغلام . فأمّا الموصولة فقد تدخل على الفعل المضارع ، والاستفهاميّة قد تدخل على الفعل الماضي .
5 ـ الإسناد إليه ؛ أي الإخبار عنه بشيء ، وجعله متحدّثًا عنه ؛ لأنّه لا يتحدّث إلاّ عن اسم ؛ وذلك كالتّاء في قمت، وأنا في قولك : أنا مؤمن (59).
( ( (
أمّا الحسنى فمؤنّث الأحسن ؛ كالكبرى تأنيث الأكبر ، والأحسن أفعل تفضيل من الحسن ؛ وهو الجمال والكمال ، وكل مبهج مرغوب فيه (60) . وقد أطلق في القرآن وصف الحسنى على عدّة أمور يعمّها تناهي كلّ واحد منها في جماله ، وكماله ، وإبهاجه ، ومنها : ـ
1 ـ تقدير السّعادة في الأزل ، قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } [ الأنبياء : 101 ] (61) .
2 ـ الوعد بالنّصر والتّمكين في الأرض ، قال تعالى : { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا } [ الأعراف : 137 ] (62) .
3 ـ الوعد بالخلف على العطاء ، والثّواب على التّقوى ، قال تعالى : { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى } [ الليل : 5 ـ 7 ] (63) .
4 ـ العاقبة الحسنى ، قال تعالى : { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ } [ التوبة : 52 ] ؛ أي إحدى العاقبتين اللّتين كلّ منهما أحسن العواقب ، والمراد بهما النّصر والشّهادة . وواحد الحسنيين حسنى ، ولا يستعمل إلاّ معرّفًا (64) .(1/22)
5 ـ الجنّة ، قال تعالى : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } [ يونس : 26 ] ، وقال : { وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى } [ النِّساء : 95 ] ، وقال : { لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى } [ الرّعد : 18 ] ، وقال : { لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى } [ النّجم : 31 ] ؛ أي بالجنّة ؛ لأنّها في نهاية الحسن ، ويحتمل أن يكون المراد بالحسنى في آية النّجم مضاعفة الأجر ، أو الأعمال الصّالحة ؛ والمعنى : ليجزيهم بأحسن من أعمالهم ، أو ليجزيهم بسبب أعمالهم الحسنى ؛ وعلى هذا يكون لفظ الحسنى مستعملاً في مضاعفة الأجر ، وفي الأعمال الصّالحة أيضًا (65) .(1/23)
6 ـ أسماء الربّ ـ تبارك وتعالى ـ ؛ قال تعالى : { وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [ الأعراف : 180 ] ، وقال : { قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } [ الإسراء : 110 ] ، وقال : { اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } [ طه : 8 ] ، وقال : { هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } [ الحشر : 24 ] ؛ فوصف أسماءه بالحسنى (66) ؛ لأنّها أحسن الأسماء على الإطلاق ؛ ذاتًا ، ودلالةً ، وآثارًا ؛ فألفاظها أجمل ما تسمعه الآذان ، وتلتذّ به القلوب ، ومعانيها مشتملة على أكمل معاني التّمجيد والتّقديس ، وآثارها ظاهرة في أقوال الربّ وأفعاله ؛ فإنها مصدر خلق الله وأمره ، وأمر الله لا يخرج عن العدل ، والحكمة ، والمصلحة ، والصدق ، وخلقه لا يلحقه خلل ، ولا تفاوت ، ولا تناقض ، قال تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [ المائدة : 50 ] ، وقال : { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا } [ النِّساء : 87 ] ، وقال : { الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } [ السّجدة : 7 ] ، وقال : { مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ } [ الملك : 3 ] (67) .
فحسن أسماء الله تعالى مطلق بكلّ وجه واعتبار ؛ ولهذا كانت أسماؤه أعلى الأسماء ، وكان ما دلّت عليه من المعاني أعلى الصّفات ، قال تعالى : { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى } [ الأعلى : 1 ] ، وقال : { وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ } [ الرّوم : 27 ] ؛ أي الوصف الأعلى المشتمل على جميع صفات الكمال ؛ فلا يلحقه نقص ، أو عيب ، ولا يكون له مثل أو ندّ (68) .(1/24)
والعقل يشهد بصحّة ما دلّ عليه النّقل من تفرّد الربّ بأحسن الأسماء والصّفات ؛ فإنّ الموجود إمّا واجب وإمّا ممكن ، والممكن محتاج في وجوده وفي صفات كماله للواجب ، ولولاه لبقي على العدم الصرف ؛ إذ ليس له من ذاته إلاّ النّقصان والعدم ، فيكون الكامل لذاته ، وواهب الكمال هو الأحقّ بأحسن الأسماء والصّفات وأعلاها (69) .
( ( ( ( (
المبحث الثّاني
التّنزيه عن أسماء الذمّ وأفعاله
تمدّح الربّ تبارك وتعالى بأن أسماءه أحسن الأسماء ، وأعلاها ، قال تعالى : { وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [ الأعراف : 180 ] ، وقال : { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى } [ الأعلى : 1 ] ؛ وهذا يدلّ سمعًا وعقلاً على تنزيه الربّ عن جميع أسماء الذمّ وأفعاله ؛ لأنّه لو كان من أسمائه اسم ذمّ لم تكن أسماؤه حسنى ، ولا عليا ، ولو فعل الشرّ لاشتقّ له منه اسم ، ولما كانت أسماؤه أحسن الأسماء وأعلاها ، وهذا يتضمّن تنزيه الربّ عن أربعة أمور ؛ أسماء الذمّ الصّريحة ، والأسماء المحتملة للذمّ ، والأسماء الموهمة به ، ولو من وجه خفيّ ، وأفعال الشرّ .
( ( (
أسماء الذمّ الصّريحة(1/25)
لاشكّ أنّ الربّ ـ تبارك وتعالى ـ منزّه عن جميع أسماء الذمّ ؛ لأنّ أسماءه لو دلّت على صفة نقص أو ذمّ لم تكن حسنى ولا عليا ؛ ولأنّ ثبوت أسماء الكمال يستلزم نقلاً وعقلاً انتفاء أضدادها ، يقول ابن تَيْمِيَّة : (( السّمع قد أثبت له من الأسماء الحسنى وصفات الكمال ما قد ورد ؛ فكلّ ما ضادّ ذلك فالسّمع ينفيه ، كما ينفي عنه المثل والكفء ؛ فإنّ إثبات الشّيء نفي لضدّه ، ولما يستلزم ضدّه . والعقل يعرف نفي ذلك كما يعرف إثبات ضدّه ؛ فإثبات أحد الضدّين نفي للآخر ، وما يستلزمه )) (70) ؛ ولهذا أجمعت الأمّة إجماعًا ضروريًّا ، وعلم من الدِّين علمًا ضروريًّا أنّه تعالى منزّه عن جميع ما يضادّ أسماءه الحسنى من الأسماء ؛ سواء أكانت من أسماء السبّ للمخلوقين ؛ كأسماء الظّلم ، واللعب ، والجهل ، أم كانت من أسماء النّقص فيهم ؛ كأسماء الفقر ، والضّعف ، والعجز (71) .
( ( (
الأسماء المحتملة للذمّ
ممّا يجب أن ينزّه عنه الربّ ـ تبارك وتعالى ـ الأسماء المشتملة على أوصاف تحتمل الكمال باعتبار والنّقص باعتبار آخر ؛ لأنّ أسماءه لو دلّت على أوصافٍ منقسمةٍ إلى المدح والقدح لم تكن حسنى ولا عليا ، وهذا ينافي ما تمدّح به الله تعالى من التفرّد بأحسن الأسماء وأعلاها (72) . وينبني على هذا الضّرب من التّنزيه خمسة أمور : ـ(1/26)
1 ـ إنكار دخول اسم المريد ، والفاعل ، والصانع ، في عداد الأسماء الحسنى ؛ لأنّ الإرادة ، والفعل ، والصّنع ، ينقسم مدلولها إلى كامل وناقص ، وخير وشرّ ؛ ولهذا أطلق الربّ على نفسه هذه الأوصاف في حال الكمال دون النّقص ، قال تعالى : { إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ } [ هود : 107 ] ، وقال : { صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } [ النّمل : 88 ] ؛ ولأنّ هذه الأوصاف ترجع إلى ما يقوم بالربّ من الأفعال ، وباب الأفعال أوسع من باب الأسماء ، فلا يجوز أن يشتقّ له من كلّ فعل اسم مطلق ، يقول ابن القيّم : (( الفعل أوسع من الاسم ، ولهذا أطلق الله على نفسه أفعالاً لم يتسم منها باسم الفاعل ؛ كأراد ، وشاء ، وأحدث ، ولم يسم بالمريد ، والشائي ، والمحدث ، كما لم يسم نفسه بالصّانع ، والفاعل ، والمتقن ... وقد أخطأ أقبح خطأ من اشتقّ له من كلّ فعل اسمًا ، وبلغ بأسمائه زيادة على الألف )) (73) .
2 ـ عدم دخول اسم الموجود ، والذات ، والشيء ، والمذكور ، والمعلوم ، في عداد أسماء الله الحسنى ؛ لانقسام مسمّى هذه الأسماء إلى كامل وناقص ، وما كان مسمّاه منقسمًا لم يدخل اسمه ضمن الأسماء الحسنى . ولكن يجوز أن يخبر به عن الربّ ؛ لأنّ باب الإخبار عنه أوسع من تسميته به (74) .
وقد أنكر جهم أن يطلق على الله اسم الشّيء لمُدْرَك آخر ؛ هو أنّه لا يفيد في المسمّى صفة كمال وجلال ، ولا يشعر بشرف ولا رتبة ؛ ولهذا يطلق اسم الشّيء على أخسّ الأشياء ، وأكثرها حقارةً (75) .
والصّواب أنّه لا يطلق على الله لانقسام مدلوله إلى كامل وناقص ؛ ولهذا يخبر به عن كلّ شيء ، حتَّى أعظم الأشياء ، قال تعالى : { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } [ الأنعام : 19 ] ، والمعنى : أنّ الله أعظم الأشياء شهادة على صدق النَّبيّ ( ، وأنّه على الحقّ ، وقومه على الباطل (76) .(1/27)
والظّاهر أنّ انقسام الشّيء إلى كامل وناقص ، وحسن وسيّء ، إنّما هو في متعلّقه لا في ذاته ؛ ولهذا يجوز الإخبار به ، وبنظائره عن الله تعالى ، والإخبار عن الله لا يكون باسم سيّء في ذاته ؛ يقول ابن تَيْمِيَّة : (( وأمّا الإخبار عنه فلا يكون باسم سيء ، لكن قد يكون باسم حسن ، أو باسم ليس بسيء وإن لم يحكم بحسنه ، مثل اسم شيء ، وذات ، وموجود ـ إذا أريد به الثّابت ، وأمّا إذا أريد به الموجود عند الشّدائد فهو من الأسماء الحسنى ـ وكذلك المريد ، والمتكلّم ؛ فإنّ الإرادة ، والكلام تنقسم إلى محمود ، ومذموم ، فليس ذلك من الأسماء الحسنى ، بخلاف الحكيم ، والرّحيم ، والصادق ، ونحو ذلك فإنّ ذلك لا يكون إلاّ محمودًا )) (77) . والتّنظير بين اسم المريد ، واسم الشّيء إنّما هو في جواز الإخبار بهما عن الربّ ، وامتناع تسميته بهما ؛ لانقسام متعلّقهما إلى محمود ومذموم . وأمّا بالنّظر إلى ذاتهما ؛ فاسم الشّيء وما قرن به ليس بسيء ، واسم المريد والمتكلّم حسن ؛ لأنّ الإرادة والكلام حسنة باعتبار ذاتها ؛ فمن يريد ، ويتكلّم أكمل ممّن لا يكون منه ذلك ؛ ولهذا أبطل الله ألوهيّة العجل بعدم الكلام ، قال تعالى : { وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً } [ الأعراف : 148 ] .(1/28)
3 ـ عدم دخول الماكر ، والمستهزئ ، والكائد في عداد الأسماء الحسنى ؛ لأنّ مسمّى هذه الأسماء ؛ وهو ما تدلّ عليه من الصّفات ، يعتبر نقصًا في حقّ فاعله إلاّ إذا كان في مقابلة من يعاملون الفاعل بمثلها ؛ لأنّها حينئذٍ تدلّ على قدرة فاعلها على مقابلة عدوّه بمثل فعله أو أشدّ ، ولهذا لم يذكرها الله من صفاته على سبيل الإطلاق ، وإنّما ذكرها في مقابلة صفات أعدائه ، ومعاملتهم بمثلها ، قال تعالى : { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } [ آل عمران : 54 ] ، وقال : { قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ . اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ } [ البقرة : 14 ، 15 ] ، وقال : { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا . وَأَكِيدُ كَيْدًا } [ الطّارق : 15 ، 16 ] ؛ وأيضًا فإنّ الإخبار عن الربّ بالمكر ، والاستهزاء ، والكيد إخبار بأفعال مقيّدة ، ولا يلزم من الإخبار عنه بالفعل مقيّدًا أن يشتقّ له منه اسم مطلق ، وبخاصّة أنّ الإخبار بالفعل أوسع من إطلاق الاسم (78) .
4 ـ أن اسم ( المنتقم ) لا يدخل في عداد الأسماء الحسنى ؛ لانقسام مسمّاه وعدم دلالته على الكمال إلاّ إذا كان مخصوصًا مقيّدًا ، كما في قوله تعالى : { فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا } [ الرّوم : 47 ] ، وقوله : { فَلَمَّا ءَاسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } [ الزّخرف : 55 ] . وأمّا وروده في رواية سرد الأسماء الحسنى فليس حجّة على أنّه من جملة أسماء الربّ تعالى ؛ لأنّ الرواية من إدراج بعض الرواة ، وليست من كلام النَّبيّ ( ، يقول الصنعاني : (( اتّفق الحفّاظ من أئمة الحديث أن سردها إدراج من بعض الرواة )) (79) ؛ ولهذا قال ابن تَيْمِيَّة : (( اسم المنتقم ليس من أسماء الله الحسنى الثابتة عن النَّبيّ ( )) (80) .(1/29)
5 ـ أنّ الأسماء المزدوجة لا يجوز أن تطلق على الربّ مفردةً ؛ لأنّها تجري مجرى الاسم الواحد الَّذي يمتنع فصل بعض حروفه عن بعض ؛ فالمانع يجب أن يقرن بالمعطي ، وهكذا الضارّ بالنّافع ، والمذلّ بالمعزّ ، والمحيي بالمميت ؛ وذلك لأنّ هذه الأسماء لا تدلّ على الحسن والعلوّ المطلق إلاّ إذا قرن كلّ اسم بمقابله ؛ وحينئذٍ تفيد الثّناء على الربّ بمعاني الرّبوبيّة ، وكمال التصرّف في الخلق ؛ عطاءً ومنعًا ، ونفعًا وضرًّا ، وإحياءً وإماتةً (81) .
( ( (
الأسماء الموهمة بالذمّ
ممّا يجب أن ينزّه عنه الربّ تعالى أسماء المدح الَّتي قد توهم الذمّ ولو من وجه خفيّ أو بعيد ؛ كالعارف ، والفقيه ، والعاقل ، والفطن ؛ لأنّ المعرفة قد يراد بها علم تسبقه غفلة ، والفقه فهم غرض المتكلّم ، وذلك مشعر بسابقة الجهل ، والعقل بما يعقل العالم ؛ أي يحبسه ، ويمنعه من الإقدام على مالا ينبغي ، ولا يتصوّر هذا إلاّ فيمن يدعوه الدّاعي إِلى مالا ينبغي ، والفطانة سرعة إدراك المعاريض ، وما غاب من الأمور ، فتكون مسبوقة بالجهل . فهذه الأسماء وما يجري مجراها لا تحقّق الحسن والعلوّ المطلق ؛ ولهذا لا يجوز أن تطلق على الله تعالى ؛ لأنّ أسماءه أحسن الأسماء وأعلاها ؛ فلا ينبغي أن يتطرّق إليها نقص بوجه من الوجوه ؛ لا احتمالاً ولا تقديرًا (82) .
وقد ذكر الزّمخشريّ وغيره أنّ ممّا يوهم معنى فاسدًا لا يليق بالله تعالى ما درج عليه بعض أهل البادية في زمانه من دعاء الربّ بنحو : يا أبا المكارم ، يا أبيض الوجه ، يا سخيّ ، يا رفيق ؛ لما في اللّفظ الأوّل من إيهام الأبوّة ، ولما في الباقي من إيهام التّجسيم ! (83) . وفي هذا الحكم نظرٌ من وجوه : ـ(1/30)
1 ـ أنّ هذه الألفاظ يمكن أن تحمل على التوسّل بصفات الربّ لا على إنشاء التّسمية ؛ والمعنى : يا صاحب الكرم ، والوجه الحسن ، والجود ، والرّفق ، وهي صفات ثابتة بأدلّة من القرآن والسنّة ؛ فلا يبقى للإنكار معنى إلاّ في التّعبير عن بعض الصّفات الثابتة بما لم يرد ، وهي تجاوزات لا يسلم منها العوام غالبًا ، وقد يغفرها الله لهم لجهلهم ، وعدم من يبلّغهم .
2 ـ أنّا لو سلّمنا أنّهم أرادوا التّسمية فإنّه لا يجوز إنكار قولهم بإطلاق ؛ لأنّ فيما ذكروه أسماء ثابتة بأدلّة صحيحة ؛ وهو الرّفيق ، روى البخاريّ بسنده عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ ترفعه : (( إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ )) (84) ؛ ولهذا قال ابن القيّم في سرد الأسماء الحسنى : ـ
وهو الرّفيق يحبّ أهل الرّفق بل
?
يعطيهمُ بالرّفق فوق أمان
(85)
أمّا السّخيّ فلا أعلم له أصلاً ثابتًا (86) ، ولكن الثابت اسم الجواد فيجب الاقتصار عليه (87) .
3 ـ أنّ مُدْرَك الزّمخشريّ فيما أنكره على الأعراب أعظم نكارة ممّا أخطؤوا فيه ؛ لأنّ نفي الجسم مخالف للشّرع ؛ فلم يرد نفيه في كتاب ولا سنّة ، ولا تكلّم به علماء السّلف لا نفيًا ولا إثباتًا ، وهو مع ذلك يتضمّن مخالفة الفطرة ، واللغة ، والعقل ؛ فقد فطر الله عباده على العلم بأنّ طرق المطالب الإلهيّة الكليّة يقينيّة ، وغير مركّبة ، وعلى الاستدلال بالأجلى على الأخفى ، ونفي التّجسيم مخالف لهذه الفطرة ؛ لكثرة ما يشتمل عليه من مقدّمات ، وشكوك تعتاص على المهرة في علم الكلام فضلاً عن عامّة الخلق .
أمّا مخالفته للعقل فلأنّ كلّ من نفى صفةً فرارًا من التّجسيم فلا بُدّ أن يلزمه التّجسيم فيما يثبته حتَّى تكون غايته التّعطيل الأكبر ، أو التّناقض !(1/31)
وأمّا مخالفته للّغة ؛ فلأنّ الجسم عندهم بمعنى المركّب من الجواهر الفردة ، فإذا أطلقوا نفي الجسم انصرف ذهن السّامع لما ينزّه عنه الربّ من معنى الجسم لغة ؛ وهو البدن ؛ فإذا سلّم ألزموه نفي صفات الكمال (88) !
( ( (
التّنزيه عن أفعال الذمّ
وممّا ينزّه عنه الربّ تعالى أفعال الشرّ ، وهذا يدلّ عليه وصف أسمائه بالحسنى ، والعليا ؛ فلو فعل الشرّ لاشتقّ له منه اسم ، ولما كانت أسماؤه حسنى ولا عليا ، وهذا باطل ، فبطل ما أدّى إليه ؛ فالخير بيديه ، والشرّ ليس إليه ، فلا يلحق الشرّ ذاته ، أو صفاته ، وإنّما يدخل في مفعوله المباين له ، لا بفعله القائم به ، يقول ابن القيّم : (( الشرّ في بعض مخلوقاته لا في خلقه وفعله ، وخلقه ، وفعله ، وقضاؤه ، وقدره خير كلّه ؛ ولهذا تنزّه عن الظّلم الَّذي حقيقته وضع الشّيء في غير موضعه ، وأسماؤه الحسنى تشهد بذلك ، وتمنع نسبة الشرّ ، والسّوء ، والظّلم إليه ، مع أنّه سبحانه الخالق لكلّ شيء ، فهو الخالق للعباد ، وأفعالهم ، والعبد إذا فعل القبيح كان قد فعل الشرّ والسوء ، والربّ هو الَّذي جعله فاعلاً لذلك ، وهذا الجعل منه عدل وحكمة وصواب ، فجعله فاعلاً خير ، والمفعول شرّ قبيح ، فهو سبحانه بهذا الجعل قد وضع الشّيء موضعه ؛ لما في ذلك من الحكمة ، وإن كان وقوعه من العبد نقصًا وشرًّا . وهذا أمر معقول في الشاهد ؛ فمن وضع العمامة على الرأس ، والنّعل في الرِّجل فقد وضع الشّيء موضعه ، ولم يظلم النّعل ؛ إذ هذا محلّه )) (89) .
( ( ( ( (
المبحث الثّالث
التّنزيه عن الأعلام الجامدة(1/32)
ممّا ينزّه عنه الربّ تعالى أن تكون أسماؤه أو بعضًا منها أعلامًا جامدة ، والعَلم الجامد هو ما ينبئ عن الذات ويميزها عن غيرها دون أن يدلّ على أوصاف ثبوتيّة قائمة بها . فإنَّ الله تعالى قد تمدّح بالتفرّد بأحسن الأسماء وأعلاها ، والاسم إنّما يكون حسنًا إذا دلّ على صفة كمال ، وبذلك كانت أسماء الله تعالى حسنى وعليا ؛ لأنّها تدلّ على أكمل صفات التمجيد والتّقديس وأعلاها ؛ فلو كانت أعلامًا محضة لم تكن حسنةً فضلاً عن أن تكون أحسن الأسماء ، وأعلاها ؛ لأنّ الأعلام المحضة هي الَّتي لم توضع لمسمّاها باعتبار معنًى ، أو وصف قام به (90) . ويبنى على هذا الأصل ثلاثة أمور : ـ
الأمر الأوّل : أنّ أسماء الله أعلام وأوصاف ؛ إذ لو كانت مجرّد أعلام جامدة لم توضع لمسمّاها باعتبار ما قام به من الأوصاف لم تكن حسنى ، ولا كانت دالّة على مدح ولا كمال ، ولكانت كلّها سواء ، لا فرق بين مدلولاتها ؛ فالمفهوم من العزيز هو المفهوم من الرّحيم ، والمفهوم من المعطي هو المفهوم من المانع ؛ وهذه مكابرة صريحة للفطرة واللغة والعقل !
وممّا يدلّ على أنّ أسماء اللّه أعلام وأوصاف أربعة أدلّة : ـ
1 ـ ما ورد في النّصوص من وصف الربّ تعالى بمصادر أسمائه ؛ كوصفه بمصدر اسمه القويّ ، والعزيز ، والعليم ، والرّحيم ، والسّميع ، والبصير ، والقدير ، والمتكبّر ، قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } [ الذّاريات : 58 ] ، وقال : { فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } [ النِّساء : 139 ] ، وقال : { أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ } [ النِّساء : 166 ] ، وقال : { وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ } [ الكهف : 58 ] ، وروى الإمام أحمد بسنده عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : (( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْوَاتَ )) (91) ، وروى مسلم بسنده عن أبي موسى الأشعريّ(1/33)
يرفعه : (( حِجَابُهُ النُّورُ ، لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ )) (92) ، وروى البخاريّ بسنده عن جابر مرفوعًا : (( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ )) (93) ، وروى
مسلم بسنده عن أبي سعيد الخدريّ مرفوعًا : (( الْعِزُّ إِزَارُهُ ، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ )) (94) ، فعلم من هذه النّصوص أنّ أسماء الربّ أعلام وأوصاف ؛ إذ لو لم تكن أسماؤه دالّة على معان وأوصاف لما جاز أن يوصف بمصادرها ، ويخبر بها عنه ؛ فهو قادر بقدرة ، عزيز بعزّة ، عليم بعلم ، ولولا ثبوت هذه المعاني ونظائرها ، وقيامها بالربّ على الوجه اللائق بجلاله لما سمّي قويًّا ، ولا عزيزًا ، ولا عليمًا ، ولا غير ذلك ، واكتفي بما ينبئ عن الذات فقط .
2 ـ أنّ الله تعالى وصف نفسه بأحكام أسمائه ، قال تعالى : { إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } [ طه : 46 ] ، وقال : { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } [ البقرة : 255 ] ، وقال : { إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } [ النِّساء : 48 ، 116 ] ؛ فلو لم تكن أسماؤه مشتملةً على معان وصفات لم يسغ أن يخبر عنه بأفعالها ؛ لأنّ ثبوت أحكام الصّفات فرع ثبوتها ؛ فإذا انتفى أصل الصّفة استحال ثبوت حكمها .
3 ـ أنّ أسماء الله تعالى لو كانت أعلامًا جامدة لما ذكر في القرآن كلّ اسم مع ما يناسبه من فعل الله وأمره ، ولساغ في التوسّل وقوع أسماء الغضب مقام أسماء الرّحمة ، والعكس ، فيقال : اللهم اغفر لي إنّك أنت العزيز القهّار ، واللهم قاتل الكفرة إنّك أنت الغفور الرّحيم !(1/34)
4 ـ أنّ الزّعم بأنّ أسماء الله تعالى مجرّد أعلام ؛ إلحاد في إسمائه ، وقد توعّد الله الملحدين في أسمائه بقوله : { وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ الأعراف : 180 ] ؛ والإلحاد في أسمائه يكون بجحد معانيها وتعطيلها ، كما يكون بجحدها وإنكارها ، أو إشراك غيره في ألفاظها ، أو الانحراف في ظاهرها وحقوقها ولوازمها (95) .
ودلالة الأسماء الحسنى على الوصفيّة لا تنافي ما تفيده من العلميّة المختصّة ؛ لأنّ أوصاف الربّ مختصّة به ، ولا يشركه فيها أحد ، وهذا بخلاف أوصاف عباده ؛ فإنها تنافي علميّتهم ؛ لأنّ أوصافهم مشتركة فنافتها العلميّة المختصّة (96) .
( ( (
الأمر الثّاني : بطلان مسلك المعتزلة وابن حزم في اعتبار الأسماء الحسنى مجرّد أعلام جامدة لا دلالة فيها على شيء من المعاني القائمة بالربّ تعالى ؛ لأنّها لو كانت مجرّد أعلام محضة لما كانت حسنة فضلاً عن أن تكون أحسن الأسماء .
وخلاصة رأي المعتزلة في هذه المسألة أنّهم يثبتون أسماء الربّ في الجملة ، ولكنّهم يعتبرونها مجرّد أعلام محضة ؛ ولهذا نفوا صفاته ، وقالوا في المشهور عنهم : هو عالم بذاته ، قادر بذاته ، حيّ بذاته ، لا بعلم وقدرة وحياة ؛ لأنّ إثبات معان قديمة قائمة بالذّات ينافي التّوحيد ؛ لما يستلزمه من التعدّد (97) !
وهذا المسلك غير صحيح ؛ لأنّه ينافي ما تواترت به النّصوص من إثبات مصادر الأسماء الحسنى ، وأحكامها ، كقوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } [ الذّاريات : 58 ] وقوله : { أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ } [ النِّساء : 166 ] ، وقوله : { إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } [ طه : 46 ] ، وقوله : { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } [ البقرة : 255 ] .(1/35)
أمّا التعدّد فإنّما يلزم من إثبات ذوات قديمة متباينة ، لا من إثبات الصّفات المتعدّدة ؛ لأنّ الصّفة لا توصف بالقدم على سبيل الاستقلال ؛ لأنّها لا تقوم بنفسها ، ولا تستقلّ بذاتها ، ولكنّها تكون قديمة بقدم موصوفها ، وتابعة له . وهذا الإلزام مبنيّ على فهمهم معنى التّوحيد ، وأنّه لا يتحقّق إلاّ بإثبات ذات مجرّدة عن وصف زائد عليها . وهو فهم خاطئ ؛ لأنّ الذّات لا يمكن أن توجد بدون صفات ، كما أن الصّفات لا يمكن أن تقوم بدون ذات ، وهذا مقتضى الذاتيّة لا يختلف شاهدًا ولا غائبًا ؛ فإذا ذكرنا الله بلفظ ظاهر أو مضمر دخل في مسمّى اسمه صفاته ، من حياة ، وعلم ، وقدرة ، وسمع ، وبصر ، وسائر صفات الكمال ، وليس المراد أنّا ذكرنا ذاتًا مجرّدة عن الصّفات ؛ فإنّ وجود مثل هذه الذّات ممتنع في الأعيان . وهكذا الشّأن في الشّاهد ؛ فإنّ المتعارف عليه بين النّاس اعتبار الموصوف بصفاته شيئًا واحدًا مهما تعدّدت أوصافه ، يقول الإمام أحمد : (( النّخلة .. لها جذع ، وكرب ، وليف ، وسعف ، وخوص ، وجمار ، واسمها شيء واحد ، وسمّيت نخلة بجميع صفاتها ، فكذلك الله ، وله المثل الأعلى بجميع صفاته إله واحد ... ، وقد سمّى الله رجلاً كافرًا اسمه الوليد بن المغيرة المخزومي فقال : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا } [ المدّثّر : 11 ] ، وقد كان هذا الَّذي سمّاه وحيدًا له عينان ، وأذنان ، ولسان ، وشفتان ، ويدان ، ورجلان ، وجوارح كثيرة ، فقد سمّاه الله وحيدًا بجميع صفاته ، فكذلك الله ، وله المثل الأعلى ، هو بجميع صفاته إله واحد )) (98) .(1/36)
وقد ذهب جماعة من علماء السّلف ومن وافقهم إلى أن اسم ( الله ) علم جامد ؛ وقد ذكر القرطبي والجرجاني هذا القول عن الخليل وسيبويه في أحد قوليهما ، وذكراه أَيْضًا عن الشّافعيّ والخطّابيّ والغزالي وغيرهم (99) . ولكن هؤلاء لا يريدون بالاسم الجامد ما أراده المعطّلة ، ولزمتهم الشناعة لأجله ، وإنّما يريدون به معنًى آخر ؛ فإنّ الاسم الجامد يراد به ما لا يدلّ على صفة كمال ، ويراد به ما ليس مأخوذًا من الفعل ؛ سواء أكان اسم عين ، كحجر ، أم كان اسم معنى ؛ كعلم ، وهذا اصطلاح النحاة (100) ، وهو ما أراده الخليل ومن وافقه ؛ فمقصودهم من القول بأن اسم الله علم جامد بمعنى أنّه ليس مشتقًّا من فعل ( أله ) ، ولا من فعل ( وله ) ، ولا من غيرهما .
وذهب كثير من أهل العلم إلى أنّ اسم الجلالة مشتقّ ، وليس علمًا جامدًا ؛ ثُمَّ اختلفوا في اشتقاقه وأصله ؛ فقيل : إنّه مشتقّ من أله الرّجل إذا تعبّد ، وتألّه إذا تنسّك ، وقيل : إنّه مشتقّ من وله إذا تحيّر ؛ لأنّ الله تتحيّر الألباب في حقائق صفاته ، والفكر في معرفته ، وقيل غير ذلك ، والأوّل أظهر ؛ فأصله من ( تألّه ) ؛ أي تعبّد وتنسّك ، ولفظ الجلالة على وزن فعال بمعنى مفعول ؛ أي المعبود الحقّ الجامع لصفات الإلهيّة ، وهي صفات الكمال المنزّه عن المثل والنّقص (101) .
( ( (
الأمر الثّالث : صحّة ما ذهب إليه أكثر العلماء من أنّ الدّهر ليس من أسماء الله تعالى ؛ لأنّ الأصل فيها أن تكون حسنى ؛ فلا بُدّ أن تشتمل على أحسن الأوصاف ، والدّهر اسم جامد لا يتضمّن وصفًا حتَّى يلحق بالأسماء الحسنى ؛ إذ هو مجرّد اسم للزّمن ، ومرور الليالي والأيّام .(1/37)
وذهب بعض أهل الحديث إِلى أَنَّ الدّهر من أسماء الله تَعَالى ، نقله ابن تيميّة عن نعيم بن حمّاد واختاره ابن الوزير وغيره لما رواه البخاريّ بسنده عن أبي هريرة ( مرفوعًا : (( قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ ، يَسُبُّ الدَّهْرَ ، وَأَنَا الدَّهْرُ ، بِيَدِي الأَمْرُ ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ )) (102) ؛ فصرّح بأنّ الدّهر من أسمائه (103) .
وهذا الاستدلال غير مسلّم ؛ لأنّه يخالف الأصل في أسماء الله الحسنى ؛ إذ الدّهر اسم جامد ؛ لا يتضمّن من أوصاف الكمال ما يلحقه بالأسماء الحسنى ، وأيضًا فإنّ المراد بقوله : (( وَأَنَا الدَّهْرُ )) نسبة ما يجري في الدّهر إلى الله ؛ لأنّه الفاعل الحقيقي لما يجري فيه من الأحداث ، والدّهر مجرّد ظرف زماني لها ؛ والمعنى : وأنا مقلِّب الدّهر ، ومدبّره ، ومصرّف ما يجري فيه ؛ بدليل قوله : (( أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ )) ، والليل والنّهار هما الدّهر ، ويستحيل أن يكون المقلِّب هو المقلَّب ، وإلا للزم أن يكون الخالق الفاعل هو المخلوق المفعول !
وأيضًا فإنّ الدّهر عرض لا يقوم بنفسه ، بل يفتقر إلى محلّ يقوم به ، والمفتقر إلى غيره يستحيل أن يكون هو الربّ القائم بنفسه ، وإنّما هو مخلوق من جملة المخلوقات ، كما قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ } [ الأنبياء : 33 ] .
وهذه اللوازم مجرّد دليل على فساد المذهب كما هو معروف ، وليست مذهبًا لمن أدخل الدّهر في عداد الأسماء الحسنى ؛ لأنّهم يفسّرون الدّهر بالقديم الأزليّ ! وهو تفسير غير مسلّم ؛ لأنّ الدّهر اسم للزّمان مطلقًا ، أو بقيد الطول ، أو الاستمرار (104) .
( ( ( ( (
المبحث الرّابع
التّنزيه عن الأسماء الاصطلاحيّة
الأسماء الاصطلاحيّة هي ما يخترعه بعض العباد من أسماء ، ويتواضعون على إطلاقها على ذات الربّ ، ودعائه بها ؛ وهي على أنواع : ـ(1/38)
1 ـ أن تكون مجرّد مواضعة بشريّة محضة ؛ كالمواضعات الفلسفيّة ، والكلاميّة فإنّهم يطلقون على الربّ اسم الجوهر ، والعقل ، والعلّة الأولى ، والقائم بنفسه ، والموجب بالذّات ، ونحو ذلك . ويدخل في هذا النّوع إطلاق اسم الآب على الربّ ؛ فإنّ هذه مواضعة بشريّة محضة ؛ لأنّ عيسى ( جاء بالتّوحيد كما جاء به سائر الأنبياء ، قال تعالى : { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ ءَالِهَةً يُعْبَدُونَ } [ الزّخرف : 45 ] ، وقال : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ } [ الأنبياء : 25 ] ، وروى البخاريّ بسنده عن أبي هريرة ( مرفوعًا : (( الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلاَّتٍ ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ )) (105) .
2 ـ أن تكون مشتقّةً ممّا ثبت من صفات الربّ وأفعاله دون أن يرد بالاسم دليل خاص ؛ كالمطعم ، والمجير ، والصانع ، والمستغاث ، والقاضي ، والماكر ، والمستهزئ ، والمضل .(1/39)
3 ـ أن تكون مرادفةً في الظّاهر لما ثبت من الأسماء الحسنى ؛ كالعاقل ، والشّفوق ، والشّريف ، والسّخيّ ، والمُشكل ، والصّفوح ؛ يقول ابن القيّم : (( أسماؤه الدّالّة على صفاته هي أحسن الأسماء وأكملها ، فليس في الأسماء أحسن منها ، ولا يقوم غيرها مقامها ، ولا يؤدّي معناها ، وتفسير الاسم منها بغيره ليس تفسيرًا بمرادف محض ، بل هو على سبيل التّقريب والتّفهيم ، وإذا عرفت هذا فله من كلّ صفة كمال أحسن اسم وأكمله ، وأتمّه معنى ، وأبعده وأنزهه عن شائبة عيب أو نقص ؛ فله من صفة الإدراكات العليم الخبير دون العاقل الفقيه ، والسّميع البصير دون السّامع والباصر والنّاظر . ومن صفات الإحسان البرّ الرّحيم الودود دون الرّفيق (106) والشّفوق ونحوهما . وكذلك العليّ العظيم دون الرّفيع الشّريف ، وكذلك الكريم دون السّخيّ ، والخالق البارئ المصوّر دون الفاعل الصّانع والمُشكل ، والغفور العفو دون الصّفوح السّاتر ... ؛ فلا تعدل عمّا سمّى به نفسه إلى غيره ، كما لا تتجاوز ما وصف به نفسه ، ووصفه به رسوله إلى ما وصفه به المبطلون )) (107) .
وهذا الحكم يصدق على سائر أنواع المواضعة من باب أولى ؛ فإنّ أسماء الربّ توقيفيّة لا مجال للعقل فيها ؛ ولهذا يجب الوقوف فيها على ما جاء في الكتاب والسنّة ، ولا يجوز لأحد كائنًا ما كان أن يسمّي الله بما لم يسم به نفسه ، أو يسمه به رسوله ( ، سواء أكان الاسم مبتدعًا من أصله ، أم كان مشتقًّا ممّا ثبت من صفات الربّ وأفعاله ، أم يظن أنّه مرادف لما ثبت من الأسماء الحسنى ، وهذا قول أهل السنّة والجماعة وجمهور الأشاعرة . والأدلّة على صحّة هذا القول كثيرة ، منها : ـ
1 ـ أنّ إطلاق الأسماء على الله تعالى ، ودعاءه بها ؛ دعاء ثناء ، ودعاء مسألة ، عبادة من أعظم العبادات ، والعبادات مبناها على التّوقيف والاتّباع ، ولا يجوز فيها الاختراع والابتداع .(1/40)
2 ـ أنّ تمدّح الربّ تعالى بما له من الأسماء الحسنى يقتضي حصولها له تامّة كاملة منذ الأزل ؛ فلا يبقى للمواضعة ، والاصطلاح محلّ .
3 ـ أنّ الله تعالى نهى عن اتّباع الملحدين في أسمائه ، وتوعّدهم بالعقوبة العظمى على إلحادهم ، وفي هذا دلالة قاطعة على التّغليظ في تحريم الإلحاد في أسمائه ، ومن الإلحاد فيها العدول عمّا سمّى به نفسه إلى ما تواضع عليه الخلق من الأسماء المبتدعة ، يقول ابن القيّم : (( الإلحاد في أسمائه أنواع : أحدها : أن يسمّي الأصنام بها ... ، الثّاني : تسميته بما لا يليق بجلاله ؛ كتسمية النّصارى له أبًا ، وتسمية الفلاسفة له موجبًا بذاته ، أو علّة فاعلة بالطّبع ، ونحو ذلك ، وثالثها : وصفه بما يتعالى عنه ، ويتقدّس ، من النّقائص ... ، ورابعها : تعطيل الأسماء عن معانيها ... ، وخامسها تشبيه صفاته بصفات خلقه )) (108) .
4 ـ أنّ أسماء الربّ أحسن الأسماء ، وأعلاها ؛ فلا بُدّ أن تدلّ على أكمل الأوصاف وأعلى معاني التّعظيم ، ولا توهم النّقص بوجه من الوجوه ، لا احتمالاً ، ولا تقديرًا . وهذا أمر لا يعلمه إلاّ الله وحده ، فلا بُدّ من التّعويل فيه على الشّرع لا على العقول القاصرة .
5 ـ أنّ تسمية الربّ بما لم يسم به نفسه عدوان في حقّه ، وسوء أدب معه ، وقول على الله بلا علم ، فيكون من أعظم المحرّمات (109) .
وفي المقابل ذهبت المعتزلة والكراميّة إلى أنّ ما يطلق على الربّ من الأسماء لا يشترط فيه التوقيف الخاص ؛ فإذا دلّ العقل على اتّصافه بصفة وجوديّة أو سلبيّة جاز أن يطلق عليه اسم يدلّ على اتّصافه بها ، سواءٌ أورد بذلك الإطلاق إذن شرعيّ أم لم يرد . وكذلك الحال في الأفعال (110) . وقد مال إلى عدم اشتراط التوقيف الخاص في الأسماء الحسنى بعض العلماء من الأشاعرة وغيرهم ، ومنهم : ـ(1/41)
1 ـ القاضي أبو بكر الباقلاني ؛ فقد جوّز إطلاق الاسم المشتقّ من الصّفة حتَّى ولو لم يرد بإطلاقه إذن خاصّ ، شريطة دلالة الاسم على التّعظيم ، وألاّ يكون إطلاقه موهمًا لما لا يليق بكبرياء الربّ ؛ كالماكر ، والمستهزئ ، والمضلّ ، والفاتن (2) .
2 ـ محمَّد بن الوزير ؛ فقد جوّز المواضعة فيما يطلق على الربّ من الأسماء ؛ شريطة الإجماع على حسنه ، وعدم دلالته على التّمثيل ، لا فرق في ذلك بين ما كان مشتقًّا من القرآن ؛ كالمطعم ، والقاضي ، والصّانع ، وبين ما كان من أنواع الثّناء من غير اشتقاق من ألفاظ القرآن ؛ كدائم المعروف ، وقديم الإحسان ، والمستغاث (111) ، والمأمول (112) .
3 ـ محمود الآلوسي ؛ فقد اختار عدم توقّف الأسماء المشتقّة من الصّفات النفسيّة والفعليّة والسّلبيّة على التّوقيف الخاص ؛ فيصحّ الإطلاق بدونه ، لكن بعد التّحرّي التامّ ، وبذل الوسع فيما هو نصّ في التّعظيم ، والتحفظ إلى الغاية عما يوهم أدنى نقص في حقه سبحانه (113) .
وفي تجويز الاصطلاح والمواضعة في أسماء الله الحسنى نظر من وجوه : ـ
1 ـ أنّ هذا الحكم يقوم على أساس إمكان اهتداء العقول لمعرفة ما يدلّ على التّعظيم اللائق بالربّ ، ولا يوهم في حقّه نقصًا بوجه من الوجوه . وهو أصل غير مسلّم ؛ فلا يعلم ما يليق بالله إلاّ الله وحده ، قال تعالى : { وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا } [ طه : 110 ] .(1/42)
2 ـ أنّا لو سلّمنا إمكان اهتداء بعض العقول لمعرفة ما يليق بالربّ من الأسماء ، فإنّه لا يجوز اعتباره مناطًا لجواز المواضعة في أسماء الله الحسنى ، سدًّا للذّريعة ؛ إذ قد يتسوّر على الإطلاق من لا يحسنه ، ويُدخل في أسماء الله ما لا يجوز إجماعًا ، وسدّ الذّريعة أصل معتبر في الشّريعة ، وقد بنى عليه بعض العلماء اشتراط التوقيف من أصله ، يقول ابن عطيّة : (( الصّواب ألا يسمّى الله تعالى إلاّ باسم قد أطلقته الشّريعة ، ووقفت عليه أيضًا ؛ فإنّ هذه الشّريطة الَّتي في جواز إطلاقه من أن تكون مدحًا خالصًا لا شبهة فيه ولا اشتراك أمر لا يحسنه إلاّ الأقلّ من أهل العلوم ؛ فإذا أبيح ذلك تسوّر عليه من يظنّ بنفسه الإحسان وهو لا يحسن ، فأدخل في أسماء الله ما لا يجوز إجماعًا )) (114) .
3 ـ أنّ القول بالمواضعة يخالف مُفاد النّصوص من تحريم الإلحاد في أسمائه ، ووجوب الاقتصار على ما ثبت في النّصوص ، ومن حصول الأسماء تامّة كاملة منذ الأزل ؛ ولهذا كانت أفعال الربّ صادرةً عن أسمائه التامّة أزلاً ، بخلاف المخلوق فإنّ أسماءه صادرة عن فعاله ؛ فلا تزال تشتقّ له الأسماء كلّما كمل بفعل معيّن (115) .
4 ـ أنّه لا يلزم من الإخبار عن الربّ بالفعل مقيّدًا أن يشتقّ له منه اسم مطلق ، كما غلط فيه بعض هؤلاء ؛ فجعل من أسمائه الحسنى المضلّ ، الفاتن ، الماكر ؛ فإنّ هذه الأسماء لم يطلق عليه منها إلاّ أفعال مخصوصة معيّنة ، فلا يجوز أن يسمّى بأسمائها المطلقة . وهذا بخلاف الاسم ؛ فإنّه إذا أطلق على الربّ جاز أن يشتقّ منه المصدر والفعل إن كان متعدّيًا ؛ فالسّميع مثلاً يوصف الربّ بمصدره ، ويخبر عنه بفعله ، قال تعالى : { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا } [ المجادلة : 1 ] ، وقالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : (( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الأَصْوَاتَ )) (116) .(1/43)
واشتراط التّوقيف في إطلاق الأسماء على الربّ مقيّد بمقام الدّعاء والخطاب ، كما قيّده الله بقوله : { وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [ الأعراف : 180 ] ؛ فإذا دعي الله تعالى لم يدع إلاّ بالأسماء الحسنى ، وأمّا الإخبار عنه فلا يشترط فيه التوقيف الخاصّ ، فيجوز الإخبار عن الربّ بما لم يرد ؛ كالقديم ، والشيء ، والموجود ، والقائم بنفسه ، وغير ذلك من الأسماء شرط ألا تكون سيئّةً ، ويتأكّد عدم اشتراط التوقيف في هذا المقام عند الحاجة ؛ كحال من لا يفهم المراد إلاّ بمثل هذه الألفاظ ، وكحال الترجمة ، والمناظرة ، والردّود على الفلاسفة والمتكلّمين (117) .
( ( ( ( (
المبحث الخامس
التّنزيه عن ظنون السوء
ممّا يدلّ عليه وصف الأسماء الحسنى من معاني التّقديس التنزيه المطلق عن ظنون السوء ؛ فإنّ أحسن الأسماء وأعلاها يجب أن تنزّه عمّا لا يليق بحسنها وعلّوها من الظّنون ؛ سواءٌ أكانت ممّا يرجع إلى ألفاظها ، أم إلى معانيها وحقائقها ، أم إلى موجباتها وآثارها .
( ( (
إنكار الأسماء الحسنى
يعتقد الجهميّة الأولى أنّ إطلاق الأسماء الحسنى على الربّ ينافي ما يجب له من التّقديس ؛ لأنّ إطلاقها يستلزم تشبيه الخالق بالمخلوق المسمّى بمثلها ؛ ولهذا أنكروا عامّة الأسماء ، ولم يثبتوا سوى القادر ، والفاعل ؛ لأنّ القدرة والفعل مختصّة بالربّ ، والعبد عندهم ليس بقادر ولا فاعل ؛ بناء على أصلهم في الجبر ؛ فقد كان جهم بن صفوان رأس المجبرة (118) .(1/44)
وهذا من أعظم ظنون السوء بالله وبأسمائه ، وبكلامه ؛ فإنّ لازم قولهم وصف أعظم الموجودات بصفات المعدومات وتعطيل الربّ عمّا يجب له من الكمال ، يقول ابن الوزير : (( كمال الذات بأسمائها الحسنى ، ونعوتها الشّريفة ، ولا كمال لذات لا نعت لها ولا اسم ؛ ولذلك عدّ مذهب الملاحدة في مدح الربّ بنفيها من أعظم مكايدهم للإسلام ؛ فإنّهم عكسوا المعلوم عقلاً وسمعًا ؛ فذمّوا الأمر المحمود ، ومدحوا الأمر المذموم ، القائم مقام النّفي والجحد المحض ، وضادوا كتاب الله ونصوصه السّاطعة )) (119) .
كما أنّ لازم قولهم اعتقاد أنّ أحسن الأسماء وأحكم الكلام إنّما يدلّ على ما لا يليق بالربّ من التمثيل ، وهذا كلّه يؤول إلى نفي وجود الربّ بالكليّة ؛ وإلى القدح في كلام الله ورسوله ؛ إذ لم يصرّحا بالحقّ في أسماء الله وصفاته (120) ؛ فتكون العاقبة عزل القرآن والسنّة عن موارد الاستدلال ، واستبدالها بقواعد المنطق والفلسفة . وهذا ما وقع من كثير ممّن سار على أصولهم في سوء الظنّ بأسماء الربّ وصفاته وكلامه ، حتَّى صرّح الرّازيّ وغيره بأنّ الأدلّة النّقليّة لا تفيد اليقين ، وأنّ العقل مقدّم على النّقل عند التّعارض (121) !(1/45)
وقد أنكر المشركون الأوّلون اسم الرَّحمن ، وقالوا : لا نعرف إلاّ رحمن اليمامة (122) ، فنزل قوله تعالى : { وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ } [ الرّعد : 30 ] ، ونزل قوله : { قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } [ الإسراء : 110 ] ؛ فإذا كان الله غلّظ مقالة من أنكر اسمًا واحدًا من أسمائه ، وأنزل في ذمّه قرآنًا يتلى إلى يوم القيامة ، فكيف بمن أنكر عامّة أسمائه الحسنى ؛ بحجّة التّنزيه عن التّشبيه الموهوم ! ؛ يقول ابن الوزير : (( وأمّا نفي الأسماء عنه ، وتأويلها فلا يدلّ عليه عقل ولا سمع ، بل هو خلاف المعلوم ضرورة من الدِّين ، وليس فيه من الشّبهة غير تسميتهم له تنزيهًا ، وهو اسم حسن على مسمّى قبيح ، فالواجب تنزيه الله تعالى منه )) (123) .
( ( (
الطّعن في دلالة الأسماء
من ظنون السّوء المشتركة بين الممثّلة والمعطّلة اعتقاد أنّ معاني الأسماء الحسنى إنّما تدلّ على التّشبيه ، والتّمثيل ؛ فإنّ الممثّلة يظنّون أنّ ما دلّت عليه أسماء الربّ وآياته من المعاني والصّفات إنّما يدلّ على مثل ما هو ثابت للمخلوق ؛ ولهذا اعتقدوا التّمثيل دينًا لهم ، وغلوا في اعتقاده ، وأثرت عن أئمتهم كهشام بن الحكم الرافضي ، وهشام بن سالم الجواليقي ، وداود الجواربي ، مقالات منكرة في تفصيل التّشبيه (124) !
وكذلك شأن المعطّلة ؛ فإنّهم يظنّون أنّ ما دلّت عليه أسماء الربّ وآياته من الصّفات تماثل صفات المخلوقين ؛ ولهذا استشكلوا ظاهرها ، وظهر عندهم ما يعرف بالأسماء الموهمة ، والنّصوص المشكلة (125) ، وآل بهم سوء ظنّهم إلى تعطيل أسماء الربّ وآياته ؛ إمّا بتفويض معانيها ، وإمّا بتأويل ظاهرها (126) !(1/46)
وهذا الظنّ السيء ، الَّذي اشتركت فيه الممثّلة والمعطّلة مبنيّ على أصل جهم بن صفوان في الأسماء الَّتي تقال على الربّ وعلى العبد ؛ فقد زعم أنَّها مجاز في الخالق حقيقة في المخلوق ، وهو يستلزم أن تكون في العبد أكمل منها في الربّ ؛ إذ إطلاقها على الربّ مجرّد تمثيل لما هو حقيقة في العبد (127) !
وهذا من أعظم الباطل ، ومن أسوأ الظنّ بالله ؛ وما بني عليه من الزّعم بأنّ ظاهر أسماء الربّ وصفاته إنّما يدلّ على التّمثيل مثله في القبح ، وسوء الظنّ بالله ، يقول ابن القيّم : (( من ظنّ به أنّه أخبر عن نفسه وصفاته وأفعاله بما ظاهره باطل وتشبيه وتمثيل فقد ظنّ به ظنّ السوء ؛ لأنّه إن قال : إنّه غير قادر على التّعبير عن الحقّ باللفظ الصّريح فقد ظنّ بقدرته العجز ، وإن قال إنّه قادر ولم يبين ، وعدل عن التّصريح إلى ما يوهم فقد ظنّ بحكمته ورحمته ظنّ السّوء . وظنّ أنّ الهدى والحقّ في كلامه وكلام أسلافه لا في كلام الله ورسوله ؛ إذ كلامهما كلّه تشبيه وتمثيل وضلال ! وهذا من أسوأ الظنّ بالله )) (128) .
( ( (
الشكّ في مُوجَبات الأسماء(1/47)
أسماء الله تعالى تقتضي حصول موجباتها ؛ تبعًا لعلم الله وحكمته ، ولكن قد يعرض لكثير من النّفوس المريضة شكوك كثيرة في ذلك ؛ كاعتقاد أن الله لا ينصر دينه وكتابه ، وأنّه يديل الباطل على الحقّ إدالةً مستقرّة يضمحلّ معها الحقّ إضمحلالاً لا يقوم بعده أبدًا . وهو سار في كثير من النّاس اليوم سريان الحمى في بدن المحموم ؛ لضعف معرفتهم بالله وأسمائه وصفاته ؛ ولما يرونه لدى الغرب من تقدّم مادّي وحضاري في كثير من مجالات الحياة ؛ ولما مني به المسلمون في العصر الحديث من خسائر مؤلمة في فلسطين ، وأفغانستان ، والعراق ، وغيرها . وهذا هو ظنّ السوء الَّذي ظنّه المشركون والمنافقون في عهد النَّبيّ ( ، قال تعالى : { وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } [ الفتح : 6 ] ؛ فقد فسّر هذا الظنّ بأنّ الله لا ينصر رسوله ، وأنّ أمره سيضمحلّ ، وأنّ ما أصابهم لم يكن بقضاء الله وقدره ، ولا حكمة له فيه ؛ وإنّما كان هذا ظنّ سوء لأنّه ظنّ غير ما يليق بأسماء الله الحسنى ، وصفاته العلا ، وذاته المبرأة من كلّ سوء .(1/48)
وأكثر النّاس يظنّون بالله ظنّ السوء فيما يختصّ بهم ، وفيما يفعله بغيرهم ؛ فمن قنط من رحمة الله فقد ظنّ بربّه ظنّ السوء ، وهكذا شأن من جوّز أن يعذّب أولياءه ، أو يترك خلقه سدى ، أو يحبط طاعة العمر المديد بكبيرة تكون بعدها ، أو أنّ بين الله وبين خلقه وسائط يرفعون حوائجهم إليه ، أو أندادًا يدعون مع الله ، أو نفى علوّ الله على خلقه ، واستواءه على عرشه ، أو قال بالحلول ، أو وحدة الوجود ، أو توهم أن الله لا يعلم الجزئيّات ، أو لا يعلمها إلاّ بعد وقوعها ، أو طعن في حكمة الربّ وعدله في عطائه ومنعه ، وظنّ أنّه ناقص الحظّ ، وأنّه يستحقّ فوق ما أعطاه الله فقد ظنّ هو وأقرانه غير ما يليق بموجب أسماء الربّ وصفاته ، وذاته المقدّسة من كلّ سوء ؛ فمستقلّ ومستكثر (129) !
( ( ( ( (
المبحث السّادس
التّنزيه عن الشّريك
وصف أسماء الربّ بالحسنى والعليا يوجب انتفاء الشّريك والكفء الَّذي يستحقّ أسماءه ، وإلاّ لما تفرّد الربّ بأحسن الأسماء وأعلاها ؛ لأنّهما إن تكافآ لم يكن أحدهما أعلى من الآخر ، ولا أحسن منه ، وإن لم يتكافآ فالاسم الأعلى والأحسن لأحدهما وحده (130) ، قال تعالى : { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } [ مريم : 65 ] ؛ أي نظيرًا له يستحقّ اسمه ، وموصوفًا يستحقّ صفته (131) ، يقول ابن عبّاس : (( ليس أحد يسمّى الرّحمن غيره تبارك وتعالى )) (132) ، وقال قتادة والكلبي : (( هل تعلم أحدًا يسمّى الله تعالى غير الله ، أو يقال له الله إلاّ الله )) (133) .(1/49)
وقال تعالى : { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى } [ الأعلى : 1 ] ؛ أي نزّه اسم ربّك الأعلى عن أن تسمي به أحدًا سواه (134) ، يقول الطّبريّ : (( اختلف أهل التأويل في تأويل الآية ؛ فقال بعضهم : معناه عظّم ربّك الأعلى ، لا ربّ أعلى منه وأعظم ، وكان بعضهم إذا قرأ ذلك قال : سبحان ربّي الأعلى ... وقال آخرون : بل معنى ذلك : نزّه يا محمَّد اسم ربّك الأعلى أن تسمي به شيئًا سواه ؛ ينهاه بذلك أن يفعل ما فعل من ذلك المشركون ، من تسميتهم آلهتهم بعضها اللات ، وبعضها العزّى ...
وقال غيرهم : بل معنى ذلك نزّه الله عمّا يقوله فيه المشركون ...
وقال آخرون : نزّه تسمية ربّك الأعلى ، وذكرك إيّاه ، أن تذكره إلاّ وأنت خاشع ...
وقال آخرون : معنى قوله ( سبّح اسم ربّك الأعلى ) : صلّ بذكر ربّك يا محمَّد ؛ أي وأنت له ذاكر ، ومنه وجل خائف .
وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصّواب قول من قال : معناه نزّه اسم ربّك أن تدعو به الآلهة والأوثان )) (135) .
وتفرّد الربّ بماله من الأسماء الحسنى يشمل التفرّد بإطلاق الأسماء المختصّة ، والتفرّد بكمال معاني الأسماء المتواطئة ، والتفرّد بلازم الأسماء الحسنى .
( ( (
التفرّد بالأسماء المختصّة(1/50)
أسماء الربّ المختصّة به لا يجوز أن تطلق على غيره أَلْبَتَّة ؛ سواء أكانت مفردة ؛ كاسم ( الله ) (136) ، و ( الرَّحمن ) (137) ، و ( الحكم ) (138) ، و ( الربّ ) (139) ، أم كانت مضافة ؛ ( كمالك الملك ) ، و ( علاّم الغيوب ) و ( أرحم الرّاحمين ) ونظائرها (140) . قال تعالى : { وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ الأعراف : 180 ] ، قال قتادة : يلحدون ؛ يشركون في أسمائه (141) . وقال مجاهد : اشتقّوا اللات من الله ، والعزّى من العزيز (1) ، وروى البخاريّ بسنده عن أبي هريرة ( مرفوعًا : (( أَخْنَعُ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ رَجُلٌ تَسَمَّى بِمَلِكِ الأَمْلاكِ )) (142) ، زاد مسلم : (( لا مَالِكَ إِلاَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ )) (143) ، وفي رواية له : (( أَغْيَظُ رَجُلٍ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَخْبَثُهُ ، وَأَغْيَظُهُ عَلَيْهِ رَجُلٍ كَانَ يُسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاكِ ، لا مَلِكَ إِلاَّ اللَّهُ )) (144) ، يقول النّوويّ : (( اعلم أنّ التّسمي بهذا الاسم حرام ، وكذلك التّسميّ بأسماء الله المختصّة به ؛ كالرّحمن ، والقدّوس ، والمهيمن ، وخالق الخلق ، ونحوها )) (145) ، ويقول ابن حجر : (( استدلّ بهذا الحديث على تحريم التّسمّي بهذا الاسم لورود الوعيد الشّديد ، ويلتحق به ما في معناه ، مثل خالق الخلق ، وأحكم الحاكمين ، وسلطان السّلاطين ، وأمير الأمراء . وقيل يلتحق به أيضًا من تسمّى بشيء من أسماء الله الخاصّة به ، كالرّحمن ، والقدّوس ، والجبّار . وهل يلتحق به من تسمّى قاضي القضاة ، أو حاكم الحكّام ؟ اختلف العلماء في ذلك ؛ فمنعه طائفة ؛ لأنّه نظير ملك الأملاك ، وجوّزه آخرون ؛ لظهور إرادة العهد في القضاة )) (146) ؛ أي أنّ المراد أقضى قضاة زمانه ، أو إقليمه ؛ لا أقضى القضاة بإطلاق . والظّاهر منعه ؛(1/51)
لأنّه نظير أحكم الحاكمين كما قال الزّمخشريّ ، أو ملك الأملاك كما قال غيره ، وهو الأظهر (147) ، وقد أفرد الشّيخ محمَّد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ في كتاب التّوحيد بابًا ترجم له بقوله : (( باب التّسمي بقاضي القضاة ونحوه )) ؛ واستدلّ لترجمته بحديث أبي هريرة في وعيد من تسمّى بملك الأملاك ؛ يقول عبد الرَّحمن بن حسن : (( ذكر المصنِّف ـ رحمه الله ـ هذه الترجمة إشارة إلى النّهي عن التّسمي بقاضي القضاة قياسًا على ما في حديث الباب ؛ لكونه شبهه في المعنى فيلحق به )) (148) .
وكما نبّه العلماء على أنّ الاسم الَّذي ورد الخبر بذمّه لا ينحصر في ملك الأملاك ، فقد نبّهوا على أنّ الذمّ يعمّ كلّ ما أدّى معناه بأي لسان ؛ مثل : شاهان شاة ؛ أي ملك الملوك ، ومثل موبذ موبذان ؛ أي قاضي القضاة (149) .
( ( (
التفرّد في الأسماء المتواطئة
الأسماء المتواطئة هي الَّتي تطلق على الله وعلى العباد ؛ كالحيّ ، والسّميع ، والبصير ، والعليم (150) ؛ قال تعالى : { اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } [ البقرة : 255 ] ، وقال : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا } [ النِّساء : 58 ] ، وقال : { إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ الأنفال : 75 ] ، فسمّى نفسه بالحيّ ، والسّميع ، والبصير ، والعليم ، وقد سمّى بعض عباده بنظيرها ، فقال : { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ } [ الأنعام : 95 ] ، وقال : { إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا } [ الإنسان : 2 ] ، وقال : { وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ } [ الذَّاريات : 28 ] .
وقد اختلف النّاس في هذه الأسماء الَّتي تسمّى الله بها ، وتسمّى بها بعض عباده على ثلاثة أقوال : ـ(1/52)
الأوّل : أنَّها مجاز في حقّ الخالق ، حقيقة في حقّ المخلوق . وهذا قول غلاة المعطّلة ؛ من الجهميّة ، والقرامطة ، والباطنيّة . وهو أخبث الأقوال وأشدّها فسادًا ؛ لأنّه يلزمهم صحّة نفي أسماء الله وصفاته ، وأن تكون الأسماء المتواطئة أكمل وأتمّ في العبد من الربّ ؛ لأنّ اطلاقها على الربّ مجرّد تمثيل وتقريب لما هو حقيقة في العبد !
الثّاني : أنَّها حقيقة في الربّ مجاز في العبد . وهذا قول أبي العبّاس الناشئ (151) ومن وافقه . وهو قول باطل أيضًا ؛ فإنّه يلزمهم صحّة نفي هذه الأسماء عن المخلوق مع أنَّها حقيقة فيه ، ويلزمهم التناقض أيضًا ؛ فإنّهم إن أثبتوا للربّ تعالى حقائقها المفهومة منها امتنع أن تكون مجازًا في المخلوق ؛ لأنّ المعنى الَّذي كانت به حقيقةً في الغائب موجود في الشّاهد وإن كان غير مماثل ، وإن أثبتوها على غير حقائقها المفهومة ، وجعلوا معناها ما تأولوها قلبوا الحقائق ، وعكسوا اللّغة ، وجعلوا المجاز حقيقة ، والحقيقة مجازًا !
الثّالث : أنَّ هذه الأسماء حقيقة في الربّ والعبد . وهذا قول الجمهور ، ولكنّهم اختلفوا في كيفيّة الجمع بين هذا الإطلاق وبين انتفاء تماثل الحقيقتين على ثلاثة أوجه : ـ
1 ـ أنّ هذه الأسماء مقولة على الربِّ والعبد بالاشتراك اللّفظيّ (152) ؛ لتباين الحقيقتين من كلّ وجه . وهو قول للشهرستاني ، والرازي ، والآمدي . وهذا وجه غير مسلّم ؛ لأنّ كلّ عاقل يفرّق بين لفظ العين والمشتري وبين لفظ السّميع والبصير مثلاً ؛ ويفهم المعنى من هذه الألفاظ عند إطلاقها دون تلك ؛ فلو كانت مشتركةً لم يفهم منها شيئًا عند الإطلاق إلاّ بعد الاستفسار عن المراد بالاسم .
2 ـ أنَّها مقولة على الربّ والعبد بطريق التواطؤ (153) ، وهي موضوعة للقدر المشترك ، والخصائص لا تدخل في مسمّى اللّفظ .(1/53)
3 ـ أنَّها مقولة على الربِّ والعبد بطريق التّشكيك (154) ؛ لأنّها في الربِّ أولى وأتمّ وأكمل من العبد (155) . والوجه الثّاني أصحّ الوجوه ، وهذا الوجه قريب منه ؛ لأن المشكك نوع من المتواطئ العام ، يقول ابن تَيْمِيَّة : (( هذه الألفاظ كلّها متواطئة ، وإذا قيل : إنّها مشككة لتفاضل معانيها فالمشكك نوع من المتواطئ العام الَّذي يراعى فيه دلالة اللّفظ على القدر المشترك سواء كان المعنى متفاضلاً في موارده ، أو متماثلاً )) (156) .
وعلى هذا فإنّ هذه الألفاظ المتواطئة لها دلالتان حقيقيتان : ـ
الأولى : دلالة حالة الإطلاق ؛ فإذا أطلقت هذه الألفاظ دلّت على القدر المشترك بين الخالق والمخلوق ، وهو المعنى العام للفظ ولوازمه ؛ لأنّ ثبوت الملزوم يقتضي ثبوت اللازم .
والقدر المشترك من لوازم الوجود ، ولا محذور في إثباته أَلْبَتَّة ، لجملة أسباب ، منها : ـ
1 ـ أنّ المراد بالقدر المشترك الاشتراك في معنى اللّفظ ولوازمه ، وأنّ المعنى العام يطلق على الربّ والعبد ، لا أنّهما يشتركان في كليّات مطلقة في الخارج ، أو يشتركان فيما يختصّ به أحدهما .
2 ـ أنّ القدر المشترك كلّي مطلق ، لا يختصّ بأحدهما دون الآخر ، فلا يستلزم إثباته الوقوع في التّشبيه الباطل عقلاً ونقلاً ؛ إذ لم يقع بينهما اشتراك ، لا فيما يختصّ بالممكن المحدث ، ولا فيما يختصّ بالواجب القديم .
3 ـ أنّ القدر المشترك لا يقتضي إثبات ما يمتنع على الربِّ ، ولا نفي ما يستحقّه ، وكذلك لازمه ؛ فإنّه لا يقتضي حدوثًا ، ولا إمكانًا ، ولا نقصًا ، ولا شيئًا ممّا ينافي صفات الرّبوبيّة .
4 ـ أنّ القدر المشترك من لوازم الوجود ؛ فكلّ موجودين لا بُدّ بينهما من مثل هذا ، ومن نفاه لزمه التّعطيل التام ؛ ولهذا لمّا اطّلع الأئمة على أنّ هذا حقيقة قول الجهميّة سمّوهم معطّلة ؛ لأنّ رفع القدر المشترك ألزمهم تعطيل وجود كلّ موجود (157) !(1/54)
الثّانية : دلالة حالة التقييد ؛ فإذا قيّدت هذه الأسماء المتواطئة بإضافة ، أو تعريف دخلت الخصائص في مسمّاها ، وكان ظاهر ما أضيف للربّ إنّما يدلّ على ما يليق ويختصّ به ، وظاهر ما أضيف للمخلوق إنّما يدلّ على ما يليق ويختصّ به . وهذا ثابت حتَّى بين المخلوقات ؛ فإنّ أسماء النّعيم إذا أطلقت دلّت على القدر المشترك بين موجودات الدّنيا والآخرة ، وإذا قيّدت بتعريف أو إضافة كان ظاهر ما أضيف للجنة مغايرًا لما أضيف للدنيا من النّعيم ؛ ولهذا قال ابن عبّاس : (( ليس في الدّنيا من الجنّة شيء إلاّ الأسماء )) (158) ، فإذا كان تماثل الأسماء حال التقييد لا يستلزم تماثل حقائق المخلوقات فلأن لا يستلزمه بين الخالق والمخلوق من باب أولى ؛ إذ للربّ ما يليق به ، وللمخلوق ما يليق به ؛ ولهذا سمّى الله نفسه بأسماء ، وسمّى صفاته بأسماء تماثل أسماء عباده ، وأسماء صفاتهم عند الإطلاق ولم يلزم من ذلك تماثلهما عند التقييد ، فكانت أسماؤه وصفاته مختصّة به إذا أضيفت إليه ، لا يشركه فيها غيره ، فقد سمّى نفسه حيًّا ، فقال : { اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } [ البقرة : 255 ] ، وسمّى بعض عباده حيًّا ، فقال : { يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ } [ الأنعام : 95 ] ، وليس هذا الحيّ مثل هذا الحيّ ؛ لأنّ اسم الحيّ مضاف مختصّ في كلا الموضعين ، وكذلك سمّى نفسه عليمًا حليمًا ، وسمّى بعض عباده عليمًا ، وسمّى آخر حليمًا ، فقال : { وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ } [ الذَّاريات : 28 ] ، وقال : { فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ } [ الصافات : 101 ] ، وليس العليم كالعليم ، ولا الحليم كالحليم . ونظائر هذا متعدّدة .(1/55)
وكذلك سمّى صفاته بأسماء ، وسمّى صفات عباده بنظير ذلك ، فقال : { أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ } [ النِّساء : 166 ] ، وقال : { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } [ الذّاريات : 58 ] ، وقال : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [ طه : 5 ] ، وقال : { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [ يوسف : 76 ] ، وقال : { ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً } [ الرّوم : 54 ] ، وقال : { لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ } [ الزّخرف : 13 ] ، وليس العلم كالعلم ، ولا القوّة كالقوّة ، ولا الاستواء كالاستواء . فلا بُدّ من إثبات هذا النّوع من الأسماء والصّفات على قاعدة التنزيه ، وذلك باعتقاد أنّ العبد وإن وصف بهذا النّوع في الجملة إلاّ أنّ الربّ متفرّد بكماله ، ولا يشاركه في ذلك أحد من خلقه ، قال تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [ الشّورى : 11 ] ؛ فمن أثبت هذا النّوع على نحو يماثل ما عليه الخلق كان ممثّلاً ضالاًّ ، مخالفًا لما يستحقّه الربّ من التنزيه . ويدخل في هذه الجملة مقالات المشبّهة ؛ كقولهم : له علم كعلمي ، أو قوّة كقوّتي ، أو يدان كيديّ ، أو استواء كاستوائي (159) .
( ( (
التفرّد بلازم الأسماء الحسنى(1/56)
انفراد الربّ بماله من الأسماء الحسنى يستلزم التنزيه عن الشّرك في العبادة ؛ لأنّ كلّ ما يعبد من دونه لا يماثله أو يشاركه فيما يختصّ به من الأسماء الحسنى ، وصفات الكمال ، قال تعالى : { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ الحشر : 23 ] ؛ فنزّه نفسه عن شرك المشركين ؛ لأنّ كلّ ما يعبد من دونه يجمعهم مثل السوء من الحدوث والعجز والفقر ، وهي كلّها صفات نقص تبطل ألوهيّتهم المزعومة ، وتحيل أن يكونوا شركاء ، أو نظراء لمن انفرد بالأسماء الحسنى ، واختصّ بصفات الكمال (160) . قال تعالى : { وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ } [ النّحل : 20 ] ، وقال : { قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا } [ المائدة : 76 ] ، ، وقال : { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ } [ فاطر : 13 ] .
والشّرك في العبادة نوعان : أكبر ، وأصغر ؛ فالأصغر هو مَا ورد في النّصوص أَنَّهُ شرك ، ولم يبلغ رتبة الشّرك الأكبر في الإخراج من الملّة ؛ كالحلف بغير الله ، والرياء ، والشّرك في التّسمية (161) ، وهو أن يُعَبّد المرء لغير أسماء الله الحسنى دون قصد لحقيقة التّسمية ؛ كأن يسمّى عبد النبيّ ، أو عبد الرّسول ، أو عبد عليّ ، أو عبد الحسين ؛ فإنّ هذه الأسماء محرّمة إجماعًا لما فيها من الشّرك ، ومخالفة موجب أسماء الربّ وصفاته ، وكفران ما أنعم الله به على عبده من الأولاد .(1/57)
وقد ذكر بعض أئمّة الدّعوة أَنَّ ابن حزم استثنى من عموم التّحريم اسم عبد المطّلب ؛ لأنّ أصله من عبوديّة الرقّ ، فلم يبق للأصل معنًى مقصود ؛ ولهذا قال النَّبيّ ( : (( أَنَا ابْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبْ )) (162) .
والصّحيح أنّ التحريم يعمّه أيضًا ؛ لأنّ كلام النَّبيّ ( من باب الإخبار لا من باب الإنشاء ؛ فالنّبيّ ( أخبر أنّ له جدًّا اسمه عبد المطّلب ، ولم يرد عنه ( أنّه سمّى عبد المطّلب ، أو أقرّ أحدًا من صحابته على ذلك (163) .
وأمّا الشّرك الأكبر فهو صرف نوعٍ ، أو فرد من أفراد العبادة لغير الله تعالى (164) . وهو أنواع كثيرة ، أشدّها خطرًا ، وأكثرها وقوعًا أربعة أنواع : ـ
الأوّل : شرك الدّعاء (165) ؛ وهو أن يسأل غير الله شيئًا لا يقدر عليه إلاّ الله وحده (166) ؛ كسؤال الرّزق ، أو الهداية ، أو المغفرة . وهذا الشّرك أصل الشّرك في العالم ، وأعظم أنواع الشّرك في العبادة ، وأكثرها دلالةً على تعلّق القلب بغير الله تعالى ، قال تعالى : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ . وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } [ الأحقاف : 5 ، 6 ] ، يقول سليمان بن عبد الله آل الشّيخ : (( دعاء الميّت ، والغائب ، والحاضر فيما لا يقدر عليه إلاّ الله ، والاستغاثة بغير الله في كشف الضرّ أو تحويله هو الشّرك الأكبر ، بل هو أكبر أنواع الشّرك . لأنّ الدّعاء مخّ العبادة ، ولأنّ من خصائص الإلهيّة إفراد الله بسؤال ذلك ؛ إذ معنى الإله هو الَّذي يعبد لأجل هذه الأمور ، ولأنّ الداعي إنّما يدعو إلهه عند انقطاع أمله ممّا سواه ، وذلك هو خلاصة التوحيد )) (167) .(1/58)
ومن أدلّة شرك الدّعاء قوله تعالى : { وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ } [ يونس : 106 ] ؛ أي من المشركين (168) ، وقوله : { ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [ غافر : 60 ] ؛ وكلّ ما أمر الله به فهو عبادة له ، وما كان عبادةً له فصرفه لغير الله شرك أكبر (169) . وعلى مقتضى هذه النّصوص ونظائرها أجمع أهل العلم على أنّ من دعى غير الله فيما لا يقدر عليه إلاّ الله فهو مشرك الشّرك الأكبر حتَّى لو تلفّظ بالشّهادتين وصلّى وصام وزعم أنّه مسلم (170) .
الثّاني : شرك المحبّة ؛ وهو المساواة بين الله وغيره في المحبّة الخاصّة ؛ وهي محبّة التألّه المستلزمة للذلّ ، والخضوع ، والتّعظيم ، وكمال الطاعة والإيثار (171) . ودليله قوله تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ } [ البقرة : 165 ] ؛ يقول ابن كثير : (( يذكر تعالى حال المشركين به في الدّنيا ، ومآلهم في الدار الآخرة ، حيث جعلوا له أندادًا ؛ أي أمثالاً ونظراء يعبدونهم معه ، ويحبّونهم كحبّه ، وهو الله لا إله إلاّ هو ، ولا ضدّ له ، ولا ندّ له ، ولا شريك معه )) (172) .
والإشراك في المحبّة أصل الإشراك العمليّ ؛ فكلّ من اتّخذ ندًّا لله يدعوه رغبًا ورهبًا فشركه ناشئ عن محبّة الندّ كمحبّة الله (173) .(1/59)
والمحبّة المشتركة بأنواعها الثلاثة ؛ المحبّة الجبلِّيّة ، ومحبّة الرّحمة والإشفاق ، ومحبّة الأنس والألفة ، كلّها لا تؤثّر في المحبّة الخاصّة إذا كانت ضمن حدودها الشرعيّة ، ولكن قد يغلو بعض المحبّين حتَّى يدنو من شرك المحبّة ، أو يدخل فيه ، ويصرّح بتألهه لمن يعشقه ! وقد يصل بعضهم إلى كفر وراء هذا فيعتقد أنّ محبّة الحسان لجمال صورهم داخلة في الحبّ في الله ، أو يعتقد أنّ الله متجلّ في صورهم ، وأنّ صورهم مظاهر الجمال الإلهي (174) !
الثّالث : شرك الإرادة ؛ وهو أن تتمحض إرادة العبد في جميع أعماله الصّالحة على تحصيل المنافع الدنيويّة (175) ، قال تعالى : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ هود : 15 ، 16 ] .(1/60)
وكلّ من طلب شيئًا من الدّنيا بعمل من أعمال الآخرة ففيه شعبة من هذا الشّرك ، ولكنّه لا يخرج من الإسلام حتَّى يقوم به أصل هذا الشّرك وحقيقته ، وتتمحض إراداته كلّها للّدنيا ، يقول ابن القيّم : (( الله تعالى قد علّق السّعادة بإرادة الآخرة ، والشّقاوة بإرادة الدّنيا ، فإذا تجرّدت الإرادتان تجرّد موجبهما ومقتضاهما ، وإذا اجتمعتا فحكم اجتماعها حكم اجتماع البرّ والفجور ، والطّاعة والمعصية ، والشّرك والإيمان في العبد . وقد قال تعالى لخير الخلق بعد الرّسل : { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ } [ آل عمران : 152 ] ، وهذا خطاب للذين شهدوا معه الوقعة ، ولم يكن فيهم منافق ، ولهذا قال عبد الله بن مسعود ( : (( ما شعرت أنّ أحد أصحاب رسول الله ( يريد الدّنيا حتَّى كان يوم أحد ، ونزلت هذه الآية )) . والَّذين أريدوا في هذه الآية هم الَّذين أخلوا مركزهم الَّذي أمرهم رسول الله ( بحفظه ، وهم من خيار المسلمين ، ولكن هذه إرادة عارضة حملتهم على ترك المركز ، والإقبال على كسب الغنائم ، بخلاف من كان مراده بعمله الدّنيا وعاجلها ، فهذه الإرادة لون ، وإرادة هؤلاء لون )) (176) .(1/61)
الرّابع : شرك الطّاعة ؛ وهو طاعة الطّواغيت في تبديل الأحكام الشرعيّة ؛ بتحريم الحلال ، وتحليل الحرام ، مع العلم بتغييرهم لدين الإسلام (177) . ودليله قوله تعالى : { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ } [ التوبة : 31 ] ؛ يفسّرها ما رواه الترمذي بسنده عن عديّ بن حاتم ( قال : (( أَتَيْتُ النَّبِيَّ ( وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ ، فَقَالَ : يَا عَدِيُّ ! اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الْوَثَنَ ، وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ : { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ } [ التوبة : 31 ] ، قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ ، وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ )) (178) .
وهذا الشّرك محلّه إذا كانت الطّاعة في تبديل دين الله تعالى ؛ فاستحلّ التابع الحرام ، وحرّم الحلال مع العلم بمخالفة متبوعه لدين الله . وأمّا إذا كان اعتقاد التابع في التّحليل والتحريم ثابتًا وإنّما أطاعهم فيما دون الشّرك لهوىً في نفسه فله حكم أمثاله من أصحاب الذّنوب (179) .
( ( ( ( (
الفصل الثّاني
دلالة آحاد الأسماء
ويتكوّن من تمهيد وثلاثة مباحث
التّمهيد :
أنواع الأسماء الحسنى .
المبحث الأول :
التّنزيه المطلق .
المبحث الثّاني :
التّنزيه عن النقائص .
المبحث الثّالث :
التّنزيه عن المثل .
تمهيد
أنواع الأسماء الحسنى
أسماء الربّ ـ تبارك وتعالى ـ باعتبار ما تدلّ عليه من المعاني قسمان : ـ
الأوّل : أسماء التّمجيد ؛ وهي الأسماء الَّتي تدلّ على معان ثبوتيّة قائمةٍ بالربّ ـ جلّ جلاله ـ على الوجه اللائق به . وهي أكثر الأسماء ؛ لأنّ الإثبات مقصود لذاته ، وأدلّ على كمال الموصوف . ويندرج تحت هذا القسم نوعان : ـ(1/62)
1 ـ ما يدلّ على صفة معنويّة أو فعليّة واحدة ؛ كالعليم ، والقدير ، والخالق ، والرازق . وقد يدلّ هذا النّوع على أكثر من صفة بدليل الالتزام ، أو في حال الاقتران ، فاسم الحيّ مثلاً يدلّ على جميع صفات الذات التزامًا ، واسم القيوم يدلّ على جميع صفات الفعل التزامًا ؛ لأنّ الحياة التامّة لا تكون إلاّ باجتماع صفات الذات ، والقيوميّة المطلقة لا تكون إلاّ باجتماع صفات الفعل . وكذلك حال الاقتران ؛ فإنّ اجتماع العزيز والحكيم يدلّ على الكمال الخاصّ لكلّ اسم منهما ، ويدلّ على كمال آخر ، وهو أنّ عزّة الله لا يقارنها ظلم ، وحكمته لا يقارنها ذلّ كما يكون في المخلوقات غالبًا .
2 ـ ما يدلّ على جميع صفات الكمال ، ولا يختصّ بصفة معيّنة ؛ كالمجيد ، والعظيم ، والصّمد ، والواسع ، والكبير ، والجليل ، فإنّ هذه الأسماء تدلّ على جميع معاني التّمجيد والتّحميد والكمال ، وتتناولها تناول الاسم الدالّ على صفة واحدة لتمام معناه (180) .
الثّاني : أسماء التّقديس ؛ وهي الأسماء الَّتي تدلّ على نفي ما لا يليق بالربّ ـ تبارك وتعالى ـ من صفات النّقص ، ومن وجود المثل ، ويندرج تحت هذا القسم نوعان أيضًا : ـ
1 ـ ما يدلّ على التّنزيه المطلق ؛ كالقدّوس والسّلام .
2 ـ ما يدلّ على التّنزيه المقيّد ؛ كالأحد ؛ فإنّه يدلّ على التّنزيه عن وجود المثل ، وكذلك العزيز والبديع على بعض أقوال أهل العلم (181) ؛ وقيل : إِنَّ اسم الكبير والمتكبّر من هذا النّوع ؛ لأنهما يدلاّن على التّنزيه عن النّقص خاصّةً (182) . وفي هذا نظر ؛ لأنّهما يدلاّن أصلاً على صفات وجوديّة قائمة بذات الربّ ؛ فيكونان من القسم الأوّل .(1/63)
وهذان القسمان مترابطان أحكم ارتباط وأوثقه ؛ فإنّ أسماء التّمجيد تدلّ على إثبات المحامد ـ صفات الكمال ـ بدلالة المطابقة ، وعلى التّنزيه بدلالة الالتزام ، وأسماء التّقديس تدلّ على التّنزيه بدلالة المطابقة وعلى إثبات المحامد بطريق الالتزام ؛ ولهذا كثر في النّصوص اقتران كلمتي التّمجيد والتّقديس ؛ وهما التّسبيح والتّحميد ، قال تعالى : { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ . وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [ الصافّات : 180 ـ 182 ] ، وقال : { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } [ غافر : 7 ] ؛ أي يتقرّبون له بالتّسبيح الدالّ على نفي المثل والنقص ، والتحميد المتقضي لإثبات الكمال ؛ وهما أصلا التوحيد العلميّ الاعتقادي ، وعليهما مداره ؛ ولهذا ملأت كلمتا التّسبيح والتحميد ما بين السموات والأرض (183) ، روى مسلم بسنده عن أبي مالك الأشعريّ مرفوعًا : (( سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآَنِ أَوْ تَمْلأُ مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ )) (184) ، يقول ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ : (( ذلك لأنّ هاتين الكلمتين مشتملتان على تنزيه الله من كلّ نقص في قوله : سبحان الله ، وعلى وصف الله بكلّ كمال في قوله : والحمد لله )) (185) . ونظرًا لقوّة التّلازم بين أسماء التمجيد والتقديس وقع في كلام بعض أهل العلم تفسير بعض أسماء التمجيد بما يظنّ معه أنَّها من أسماء التّنزيه ؛ فقد فسّر قتادة وغيره اسم المتكبّر بالَّذي تكبّر عن كلّ شرّ ، أو عن السوء ، أو عن السيئات ، أو عن ظلم العباد (186) . وهذا من باب تفسير اللّفظ بلازمه لا بمعناه ؛ فلا يجوز أن يدرج هذا الاسم ضمن أسماء التّقديس ؛ لأنّه يدلّ على صفة وجوديّة قائمة بالربّ على الوجه اللائق به لا على مجرّد التّقديس والتّنزيه ؛ روى الإمام مسلم بسنده عن(1/64)
أبي سعيد الخدريّ مرفوعًا : (( الْعِزُّ إِزَارُهُ ، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ )) (187) .
وقد وقع في كلام بعض المتأخّرين شيء من ذلك ؛ فقد فسّر ابن القيّم وغيره اسم العليّ والمتعالي بالَّذي علا عن كلّ عيب وسوء ونقص ، أو بالمتنزّه عن صفات المخلوقين (188) . وهذا من باب تفسير اللّفظ بلازمه أيضًا ؛ فإنّ صفة العلوّ تتضمّن علوّ الذات والقهر والقدر ، وعلوّ القدر يعني ثبوت الكمال الوجودي المطلق المستلزم لانتفاء المثل والنّقص . ويخشى من الغفلة عن هذا المعنى أن يختلط على المرء مسلك السّلف بمسلك بعض المعتزلة ؛ فإنّهم يفسّرون كثيرًا من الأسماء الحسنى بالسّلب أيضًا ، ولكن مقصودهم من ذلك تعطيل ما تضمّنه الاسم من الصّفة لا مجرّد تفسير اللّفظ بلازمه ؛ وبيان ذلك أنّ المعتزلة بعد أن اتّفقوا على نفي الصّفات الزائدة على الذّات ، اختلفت عباراتهم في التّعبير عن هذه العقيدة ؛ فمنهم من جعل الصّفات وجوهًا للذّات كأبي الهذيل العلاّف . ومنهم من أثبت أحوالاً وراء الذّات ، كأبي هاشم الجبائي ، ومنهم من جعلها تعود إلى معنى السّلب كما هو مشهور عن النظّام والجاحظ ؛ فمعنى كونه عالمًا عندهما أنّه ليس بجاهل ، ومعنى كونه قادرًا أنّه ليس بعاجز وهكذا . ويفهم من مناظرة عبد العزيز الكناني أنّ بشرًا المريسي كان على هذه الطّريقة (189) .
( ( ( ( (
المبحث الأوّل
التّنزيه المطلق
تنزيه الربّ ـ تبارك وتعالى ـ عمّا لا يليق به تارة يكون مطلقًا ؛ فيشمل التّنزيه عن وجود المثل وعن جميع النّقائص والعيوب ، وتارة يكون مقيّدًا بصفات معيّنة ؛ كالتّنزيه عن الظّلم ، والعجز ، والفقر . وقد دلّت الأسماء الحسنى على النّوعين كليهما ؛ فالتّنزيه المطلق دلّت عليه أسماء التّقديس وأسماء التمجيد على حدّ سواء ؛ فممّا يدلّ عليه من أسماء التّقديس والتّنزيه الأسماء الآتية : ـ(1/65)
1 ـ القدّوس ؛ أي المنزّه عمّا لا يليق به ، والطّاهر من كلّ عيب ونقص . وأصل الكلمة من الطّهر بلا خلاف ، قال تعالى : { إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى } [ طه : 12 ] ، وقال : { ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ } [ المائدة : 21 ] ، أي المطهّرة ، وسمّيت الجنّة حظيرة القدس ؛ لطهارتها من آفات الدّنيا ، وسمّي جبريل روح القدس لطهارة ذاته ومادّته ، وسمّي المسجد الأقصى بيت المقدس ؛ لأنّ من أَمَّه لا يريد إلاّ الصَّلاة فيه رجع من خطيئته كيومَ ولدته أمّه (190) ؛ أي غفر الله له ، وطهّره من جميع ذنوبه ، وتقول العرب للسّطل قَدَس لأنّه يُتطهّر به (191) . وقد اختلف العلماء في دلالة اسم القدّوس ، هل تتعلّق بالنّزاهة عن النّقص ، أو إنّها تتعلّق بالنّزاهة عن المثل ؟ يقول ابن الأثير : (( القدّوس هو الطّاهر المنزّه عن العيوب )) (192) ؛ فخصّه بالنّزاهة عن النّقص ، ويوجد مثله في كلام كثير من أهل العلم (193) . وفي المقابل يقول ابن فارس : (( وفي صفة الله تعالى القدّوس .. ؛ لأنّه منزّه عن الأضداد ، والأنداد ، والصّاحبة ، والولد )) (194) ؛ فخصّه بالنّزاهة عن المثل وما يجري مجراه ؛ لأنّ الولد يماثل أصله ، ولا يكون إلاّ بين أصلين متماثلين (195) . والظّاهر أنّ دلالته تعمّ الأمرين ؛ فإنّ الله منزّه عن وجود المثل وعن الاتّصاف بالنّقص . وهذا هو الضّابط الكليّ لما ينزّه عنه الربّ ـ تبارك وتعالى ـ من الصّفات والأفعال (196) .
واسم ( الطيّب ) مقارب لاسم ( القدّوس ) ؛ لأنّ معناه الطّاهر ؛ أي الطّاهر ممّا لا يليق به من النّقائص والأنداد (197) .(1/66)
2 ـ السّلام ؛ أي ذو السّلامة ممّا لا يليق به من النّقائص والأنداد . واسم السّلام مصدر وصف به الربّ نفسه في قوله تَعَالى : { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ } [ الحشر : 23 ] ؛ وذلك للمبالغة في الدّلالة على براءة الربّ من كلّ عيب ، وسلامته من وجود الندّ أو الضدّ ، يقول الرّازيّ : (( فإن قيل : فعلى هذا التّفسير لا يبقي بين القدّوس وبين السّلام فرق ، والتكرار خلاف الأصل ؟ قلنا : كونه قدّوسًا إشارة إلى براءته عن جميع العيوب في الماضي والحاضر . وكونه سلامًا إشارة إلى أنّه لا يطرأ عليه شيء من العيوب في الزّمان المستقبل ؛ فإنّ الَّذي يطرأ عليه شيء من العيوب تزول سلامته ، ولا يبقى سلامًا )) (198) . وفي كلام الرّازيّ دليل على أنّه يخصّ دلالة السّلام بالنّزاهة عن النّقص ، وهو مسلك يوافقه عليه كثير من العلماء (199) . والظاهر أنّه يعمّ النزاهة عن المثل والندّ ؛ لأنّ الأصل في الكلام العموم دون الخصوص (200) ؛ ولهذا قال ابن القيّم : ـ
وهو السّلام على الحقيقة سالم
?
من كلّ تمثيل ومن نقصان (201)
وفي حمل هذا الاسم على عموم معناه إبطال لقول من فسّره ببعض أفراد معناه ، كتفسيره بالنّزاهة عن الظّلم ، وأنّ المراد به الَّذي سلم من عذابه من لا يستحقّه ؛ أي سلم خلقه من ظلمه (202) ؛ لأنّه إذا بطل قصره على النّزاهة عن النّقص فإنّ بطلان قصره على بعض أفراده من باب أولى إلاّ إذا كان المراد من هذه الأقوال التمثيل لا التحديد .(1/67)
3 ـ السبّوح ؛ أي المنزّه عن مماثلة أحد من خلقه ، وعمّا لا يليق به من صفات النّقص والسوء (203) ، وفي هذا الاسم مبالغة في التّنزيه ؛ لأنّه من أبنية المبالغة ، ولأنّ اشتقاقه ومادّته تدلّ على شدّة بعد النّقائص والعيوب عن ذات الربّ وصفاته ؛ فأصله من السبح ؛ وهو الجري والذّهاب والمباعدة ، فإذا أضيف إلى الربّ دلّ على التّنزيه البليغ ممّا لا يليق بالربّ من الصّفات والأفعال (204) ؛ ولهذا قرن التّسبيح بكثير من نصوص التّنزيه ، قال تعالى : { مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } [ المؤمنون : 91 ] ، أي تنزّه وتباعد عن الندّ والولد ، وقال : { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ } [ الصافّات : 180 ] ، أي تعالى وتباعد عما يضيفه إليه المشركون من النّقائص . وقد يقصد بالتّسبيح تنزيه الربّ عن منقصةٍ معيّنةٍ ينبئ عنها السّياق ، كالظّلم في قوله تعالى : { سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } [ الأنبياء : 87 ] ، وكالحدوث والعجز والشّرك في قوله : { سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا } [ يس : 36 ] (205) .
واسم السبّوح يلتقي مع سائر أسماء التّقديس المطلق في الدّلالة على نفي النّقص والمثل ، وتنوّع مادّتها اللّغويّة يدلّ على أبلغ التّنزيه وأعظمه ؛ ولهذا فإنّ مجموع أسماء التّقديس يدلّ على سلامة الربّ أزلاً وأبدًا . وعلى طهارته الكاملة ومباعدته التامّة عن كلّ نقص أو عيب ، وعن أن يكون له كفء في ذاته أو صفاته أو أفعاله . ويدلّ على هذا التّنزيه المطلق بعض أسماء التّمجيد ، وهي تلك الأسماء الَّتي تدلّ على جميع صفات الكمال ، ولا تختصّ بصفة معيّنة ، ومنها الأسماء الآتية : ـ(1/68)
1 ـ الله ، وهو أكبر الأسماء الحسنى وأجمعها ، وأصله على الصّحيح ( إلاه ) على وزن ( فعال ) ، فأدخلت الألف واللام بدلاً من الهمزة . والإله هو المعبود الحقّ الجامع لصفات الإلهيّة ؛ يقول ابن القيّم : (( صفات الإلهيّة هي صفات الكمال ، المنزّهة عن التّشبيه والمثال ، وعن العيوب والنّقائص )) (206) .
2 ـ الصّمد ؛ وهو السيّد الَّذي اجتمعت فيه أعلى صفات السؤدد ، وقصده كلّ شيء ، يقول ابن القيّم : (( اشتقاقه يدلّ على هذا ؛ فإنّه من الجمع والقصد ، الَّذي اجتمع القصد نحوه ، واجتمعت فيه صفات السؤدد ... ، والعرب تسمّي أشرافها بالصّمد ؛ لاجتماع قصد القاصدين إليه ، واجتماع صفات السّيادة فيه )) (207) ؛ فاسم الصّمد يتضمّن أمرين : ـ
أ ? أنّه الَّذي تصمد إليه الخلائق ، وتقصده في جميع حاجاتها ؛ لكمال غناه وشدّة فقرها إليه .
ب ? أنّه الَّذي كملت أوصافه من كلّ الوجوه ؛ فلا تشوبها شائبة نقص أصلاً ؛ فهو السيّد الَّذي كمل في سؤدده ، والعليم الَّذي كمل في علمه ، والحليم الَّذي كمل في حلمه ، والحكيم الَّذي كمل في حكمته ، وسائر صفاته (208) .
واسم الربّ بمعنى الصّمد على القول بأنّه يدلّ على صفة معنى ؛ لأنّه يفسّر حينئذٍ بمعنى : المالك ، والسيّد ، ومنه قوله تعالى : { وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ } [ يوسف : 42 ] ، وقوله ( : (( أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا )) (209) ؛ أي سيّدتها ومالكتها (210) . وهكذا اسم ( الملك ) ؛ فإنّه يتضمّن الاتّصاف بجميع صفات السؤدد ؛ ولهذا استحقّ الملك على من هو دونه (211) .(1/69)
3 ـ المجيد ؛ وهو الَّذي كثرت صفات كماله ، وبلغت كلّ صفة منها غاية الكمال . وأصل المجد في اللّغة يدلّ على الكثرة والسّعة ، مأخوذ من قولهم : أمجدت الدابّة ، إذا أكثرت علفها ، وفي المثل : في كلّ شجر نار ، واستمجد المرخ والعفار ؛ أي أكثر منها ؛ فالمجيد يدلّ على كثرة أوصاف الكمال ، وكمال كلّ صفةٍ منها ؛ فله العظمة والجلال في كلّ صفةٍ من صفات الكمال ؛ فهو العليم الكامل في علمه ، الرّحيم الَّذي وسعت رحمته كلّ شيء ، القدير الَّذي لا يعجزه شيء ، الشّريف الَّذي بلغت أنواع شرفه وسؤدده غاية المجد ، وتعالت عن شوائب القصور والنّقصان (212) . ومثله اسم العظيم ، والواسع ، والجليل ، والكبير ؛ فإنّ هذه الأسماء أيضًا موضوعة للسّعة والكثرة والعظمة فتدلّ على صفات الكمال ، وتتناولها جميعًا تناول الاسم الدالّ على صفةٍ واحدة لكامل معناه (213) .
4 ـ الجبّار ؛ أي المتعالي عن كلّ سوء ونقص ، وعن مماثلة أحد ، وعن أن يكون له كفؤ ، أو ضدّ ، أو سميّ ، أو شريك في خصائصه وحقوقه (214) .
وهذا بناءً على تفسير الجبّار بالعليّ ، إذ أصل جبر في الكلام إنّما وضع للنّماء والعلوّ ، يقال : جبر الله العظم إذا نماه ، ويقال : نخلة جبّارة ، إذا كانت عظيمة ، تفوت يد المتناول ، وفواتها اليد علوّ وزيادة ، فالجبّار هو العالي فوق خلقه بذاته وصفاته (215) .(1/70)
5 ـ العليّ ، والأعلى ، والمتعالي ، أي الَّذي له علوّ الذات ، وعلوّ القهر ، وعلوّ القدر ، وهو كمال ذات الربّ وصفاته ، وعلوّها عن الأمثال والنّقائص . ومن أعظم النّقائص دعوى وحدة الوجود ، أو الحلول العام أو الخاصّ ، أو الزّعم بأنّ الله لا داخل العالم ولا خارجه ، أو القول بأنّ الله يجب عليه عقلاً التّكليف ، واللطف ، وفعل الصّلاح أو الأصلح ، والعوض عن الآلام ، والاخترام ، والعقاب على المعصية ، والثواب على الطاعة ، أو شيء من ذلك ؛ فإنّ هذا كلّه ونظائره من العقائد الفاسدة الَّتي تنافي علوّ الله المطلق ، واستعلاءه على كلّ شيء من مخلوقاته ، تعالى الله عمّا يقول الظّالمون علوًّا كبيرًا . وممّا يدلّ على العلوّ المطلق أيضًا اسم الظّاهر ، فإنّه يفسّر بالعليّ على كلّ شيء ؛ فيعمّ جميع أنواع العلوّ ذاتًا وقهرًا وقدرًا (216) .
ودلالة هذا الضّرب من أسماء التّمجيد على التّنزيه المطلق يرتكز على أصلين : ـ
أحدهما : أنّ اتّصاف الربّ بالكمال المطلق يستلزم نزاهته عن جميع النّقائص ؛ لأنّ إثبات الشّيء نفي لضدّه ، ولما يستلزم ضدّه ، يقول ابن تَيْمِيَّة : (( السّمع قد أثبت له من الأسماء الحسنى وصفات الكمال ما قد ورد ؛ فكلّ ما ضادّ ذلك فالسّمع ينفيه ، كما ينفي عنه المثل والكفء ؛ فإنّ إثبات الشّيء نفي لضدّه ، ولما يستلزم ضدّه . والعقل يعرف نفي ذلك كما يعرف إثبات ضدّه ؛ فإثبات أحد الضدّين نفي للآخر ، وما يستلزمه )) (217) .(1/71)
ويدلّ على صحّة هذا الاستلزام قوله تعالى : { قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً . وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا } [ الإسراء : 110 ، 111 ] ؛ فلمّا أثبت لنفسه الكريمة الأسماء الحسنى أتبع ذلك بالتّنزيه عن النّقائص من الأولاد والشّركاء والأولياء ؛ لأنّ إثبات أحسن الأسماء المشتملة على أكمل الأوصاف يدلّ سمعًا وعقلاً على تنزيه الربّ عن جميع النّقائص (218) .
والثّاني : أنّ اتّصاف الربّ بأعلى صفات الكمال يستحيل معه وجود المثل ؛ لأنّهما إن تماثلا ارتفع الكمال الأعلى عنهما ؛ إذ ليس أحدهما أعلى من الآخر ، وإن لم يتماثلا فالكمال الأعلى ، أو المثل الأعلى لأحدهما ؛ يقول ابن القيّم : (( يستحيل أن يشترك في المثل الأعلى اثنان ؛ لأنّهما إن تكافآ لم يكن أحدهما أعلى من الآخر ، وإن لم يتكافآ فالموصوف بالمثل الأعلى أحدهما وحده ، يستحيل أن يكون لمن له المثل الأعلى مثل ، أو نظير . وهذا برهان قاطع من إثبات صفات الكمال على استحالة التّمثيل والتّشبيه ، فتأمّله ؛ فإنّه في غاية الظّهور والقوّة )) (219) .
( ( ( ( (
المبحث الثّاني
التّنزيه عن النقائص(1/72)
كما دلّت أسماء التّقديس والتمجيد ذات الدّلالة المطلقة على تنزيه الربّ عن جميع النّقائص على وجه العموم والإطلاق ، فإنّ هناك نوعًا آخر من الأسماء الحسنى ذات الدّلالة الخاصّة تدلّ على تنزيهه عن أعيان النّقائص ، وبخاصّة تلك النّقائص الَّتي ورد في النّصوص نفيها بخصوصها ؛ لبيان عموم كمال الربّ ، ودرء الأوهام الَّتي قد ترد على الأذهان القاصرة حول أسماء الربّ وصفاته وأفعاله ، ولإبطال ما ادّعاه في حقّه الكاذبون من صفات النّقص ؛ كزعم اليهود : إِنَّ الله تعب بعد خلق السموات والأرض فاستراح يوم السبت ، وكزعمهم أنّ الله فقير وبخيل تعالى الله عمّا يقول الظّالمون علوًّا كبيرًا .
والنقائص الَّتي ينفيها هذا الضّرب من أسمائه كثيرة جدًّا ، إلاّ أننا سنركّز على أهمّها ؛ كالحدوث ، والجهل ، والعجز ، والعبث ، والظّلم .
( ( (
التّنزيه عن الحدوث وخصائصه(1/73)
الله ( خالق كلّ شيء ، والعالم كلّه مخلوق مربوب محدث بعد أن لم يكن ، قال تعالى : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } [ الأنعام : 1 ] ، وقال : { خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ } [ النّحل : 4 ] ، وقال : { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } [ الزّمر : 62 ] ، وهذا أصل الأصول ، ومحلّ إجماع المسلمين (220) ، وأدلّته المشهودة بيّنةٌ لكلّ عاقل ؛ فإنّ أمارات الحدوث بادية على كلّ جزء من أجزاء العالم ؛ كالوجود والعدم ، واختلاف الأوقات والأحوال ؛ فلو كان العالم قديمًا لَما قَبِلَ هذه التّغيرات ، ولو كان مع الله قديم غيره لكان له خلق وفعل ينفرد به ، ولحرص على ممانعة الآخر ومغالبته ، وحينئذٍ يختلّ نظام العالم وتناسقه ، قال تعالى : { مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } [ المؤمنون : 91 ] ؛ ولهذا كان انتظام العالم أكبر برهان على أنّ خالق العالم ومدبّره واحد ، وأنّ كلّ ما سواه مربوب محدث كائن بعد أن لم يكن (221) . وينبني على هذا الأصل الأصيل تنزيه الربّ ـ تبارك وتعالى ـ عن جميع خصائص الحدوث ، والَّتي من أهمّها الأمور الآتية : ـ
1 ـ الأصل والفرع ؛ لأنّ الوالد والولد يدلاّن على الحدوث ويستلزمان العدم ؛ وهذا ينافي اسم الأوّل والآخر ، قال تعالى : { هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ } [ الحديد : 3 ] ، روى مسلم بسنده عن أبي هريرة ( مرفوعًا : (( اللَّهُمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ )) (222) .(1/74)
كما أنّهما يدلاّن على المجانسة ، وينافيان عموم ملك الربّ ، وربوبيّته لكلّ شيء ، يقول القرطبي : (( الولديّة تقتضي الجنسيّة والحدوث ، والقدم يقتضي الوحدانيّة والثّبوت ؛ فهو سبحانه القديم الأزليّ ، الواجد ، الأحد ، الفرد الصّمد ، الَّذي لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوًا أحد . ثُمَّ إِنَّ البنوّة تنافي الرقّ والعبوديّة ، فكيف يكون الولد عبدًا ! هذا محال ، وما أدّى إلى المحال محال )) (223) . وقد ضمّن القرطبيّ كلامه معظم سورة الإخلاص ؛ لأنّها مشتملة على الأصل الكليّ لتنزيه الربّ عن الوالد والولد ؛ وهو نفي المثل ، ونفي النّقص ؛ فإنّ اسم الأحد يتضمّن نفي المثل ، وهذا يبطل أن يكون للربّ والد أو ولد ؛ والفرع يماثل أصله ، ولا يكون إلاّ بين أصلين متماثلين ، قال تعالى : { إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ } [ النِّساء : 171 ] . واسم الصّمد يتضمّن إثبات الكمال المنافي للنّقص ؛ فإنّ الوالد والولد ينافيان غنى الربّ ، وقهره ، وعموم ربوبيّته ، وسائر كمالاته ، قال تعالى : { قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ } [ يونس : 68 ] ، وقال : { لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } [ الزّمر : 4 ] ، وقال : { وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا . إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا ءَاتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا } [ مريم : 92 ، 93 ] ، وقال : { وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا } [ الجنّ : 3 ] ؛ أي تعالت عظمته وكماله عن الصّاحبة والولد والوالد من باب أولى ؛ فبنى التّنزيه عن هذه الصّفات على منافاتها لكمالات الربّ الَّتي تجمعها صمديّته وعظمته ؛ كالغنى والقهر والملك ؛ فإنها تدلّ على الاحتياج(1/75)
المنافي للغنى ، وتبطل عموم القهر والملك لما في السموات والأرض ؛ لأنّ الوالد والولد والصّاحبة سيكونون قاهرين لا مقهورين ، وآلهة معبودين لا عبيدًا مملوكين (224) !
2 ـ الاحتياج ؛ فالله ـ تبارك وتعالى ـ منزّه عن الحاجة إلى الأكل والشّرب ، والسِّنة والنّوم ، والصّاحبة والولد ، والشّريك ، والظّهير ، ونظائرها من لوازم الحدوث والاحتياج ، قال تعالى : { وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يَطْعَمُ (225)} [ الأنعام : 14 ] ، وقال : { اللَّهُ الصَّمَدُ } [ الإخلاص : 2 ] ؛ أي المصمت الَّذي لا جوف له كما قال مجاهد . وقال الشعبيّ : هو الَّذي لا يأكل الطّعام ولا يشرب الشّراب (226) ، وقال : { اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ } [ البقرة : 255 ] ، وقال : { وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا } [ الجنّ : 3 ] ، وقال : { وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا } [ الإسراء : 111 ] ، وقال : { قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ } [ سبأ : 22 ] ؛ فنزّه نفسه عن صفات الحاجة ؛ لأنّها تستلزم الحدوث والنّقص المنافي لأسمائه الحسنى وصفاته العلا ، كالأوّل ، والآخر ، والحيّ ، والقيوّم ، والواجد ، والغني ، والملك ، والقهّار ، فإنّ هذه الأسماء تبطل الاحتياج من أصله ؛ لأنّها تدلّ على وحدانيّة الربّ ، وأزليّته ، وأبديّته ، وكمال حياته ، وقيامه بنفسه ؛ فلا يفتقر لغيره ، لا في وجوده ، ولا في بقائه ، ولا في صفاته ، وأفعاله ، وتدلّ على إقامته لغيره ، وعلى عموم قهره ، وكمال غناه(1/76)
وملكه ، فلا يحتاج ما يحتاجه المخلوق الفقير المحدث من الأكل والشّرب ، والسِّنة ، والنّوم ، والصّاحبة ، والولد ، والشّركاء والأعوان (227) . وفي إبطال الحاجة والافتقار إبطال لبعض العقائد والأوهام ؛ كالقول بالحلول ، فإنّ الربّ لو حلّ في شيء من المخلوقات حلولاً عامًّا أو خاصًّا لكان محتاجًا إلى ذلك المحلّ ، وهذا ينافي ما دلّت عليه أسماؤه الحسنى من غناه المطلق ، وقيامه بنفسه ، وعلّوه على خلقه ذاتًا ، وقهرًا ، وقدرًا . ولا يلزم من استواء الربّ على العرش احتياجه له ، فإنّ الله خلق العالم بعضه فوق بعض ، ولم يجعل العالي محتاجًا إلى السّافل ، فالسّحاب فوق الأرض ، وليس مفتقرًا إلى أن تحمله ، والسّماء الأولى فوق الأرض وليست مفتقرة لها ، وكلّ سماء فوق الَّتي دونها وليست بمفتقرة لها ، فإذا كان هذا ممكنًا في المخلوقات فإنّ إمكانه في حقّ الخالق أولى وأحرى . ثُمَّ إِنَّ الله ليس مماثلاً لخلقه حتَّى يلزم في استوائه ما يلزم في استوائهم ؛ ولهذا ذكر الله استواء مضافًا يخصّه ، ولم يذكر استواءً مطلقًا أو عامًّا يصلح للمخلوق ، أو يتناوله (228) .(1/77)
3 ـ الفناء ؛ فالذّوات كلّها فانية وزائلة إلاّ ذاته المقدّسة ، فإنها منزّهة عن هلاك المحدثات وزوالها ، قال تعالى : { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ } [ القصص : 88 ] ، وقال : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ } [ الرّحمن : 26 ، 27 ] ، وقال : { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ } [ الفرقان : 58 ] ، وقال ( : (( أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ أَلا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلا اللَّهَ بَاطِلٌ )) (229) . وهذا مقتضى أسمائه الحسنى ؛ كالحيّ ، والقيّوم ، والآخر ، والباقي ، والوارث ، فإنّ اسم الحيّ يدلّ على اتّصاف الربّ بالحياة الكاملة الَّتي لا يلحقها موت ولا فناء ، يقول قتادة : الحيّ الَّذي لا يموت ، وقال السدّي : المراد بالحيّ الباقي (230) . واسم القيّوم يدلّ على قيام الربّ بنفسه ؛ فلا يزول ولا يأفل ، قال ابن عبّاس : معناه الَّذي لا يحول ولا يزول (231) . واسم الآخر يدلّ على تفرّد الربّ بالبقاء بعد هلاك ما كتب عليه الفناء من الخلائق . وهكذا اسم الوارث والباقي (232) .
( ( (
التّنزيه عن الجهل(1/78)
من المعلوم بالضّرورة من دين الإسلام أنّ الله تعالى وسِع كلّ شيء علمًا ، وأحصى كلّ شيء عددًا ، فما من شيء قلّ أو جلّ إلاّ أحاط به علمه ، وجرى به قلمه ، فلا يعزب عن ربّك من مثقال ذرّة في الأرض ولا في السّماء ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ، قال تعالى : { وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ } [ إبراهيم : 38 ] ، وقال : { وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } [ هود : 123 ] ؛ والغافل الَّذي لا يفطن للأمور ؛ إهمالاً منه ، مأخوذ من الأرض الغفل ، وهي الَّتي لا عَلَم بها ، ولا أثر عمارة (233) ، وقال : { لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى } [ طه : 52 ] ؛ أي لا يغيب عنه شيء ، ولا يغيب عن شيء ، أو لا يفوت علمه شيء ، ولا ينسى شيء ، يقول ابن كثير : (( علم المخلوق يعتريه نقصانين ، أحدهما عدم الإحاطة بالشيء ، والآخر نسيانه بعد علمه ، فنزّه نفسه عن ذلك )) (234) .
وقد سمّى الله ذاته المقدّسة بأسماء كثيرةٍ تدلّ على كمال علمه ، وإحاطته بكلّ شيء ؛ أزلاً وأبدًا ، غيبًا وشهادة ، وتدلّ أيضًا على تقديسه عن الجهل بجميع صوره ومظاهره ؛ لأنّ إثبات الشّيء نفي لضدّه ولما يستلزم ضدّه عقلاً وسمعًا (235) ، وهذه الأسماء على أنواع ، منها : ـ
1 ـ ما يدلّ على شمول العلم ، وانتفاء جميع صور الجهل ؛ كالعليم ، والخبير ، والمحيط ، والواسع ؛ أي الَّذي وسع علمه كلّ شيء ، وأحاط بما في العالم العلويّ والسّفليّ ، فلا يغيب عن علمه شيء (236) . وقد يدلّ بعض أسمائه على شمول العلم بطريق الأولى ؛ كاللّطيف ؛ فإنّه يفسّر بمعنى : الخبير بالخفايا ، وما دقّ ولطف من الأمور (237) ، وهذا يستلزم العلم بما جلّ منها وظهر من باب أولى (238) .(1/79)
2 ـ ما يدلّ على كمال أسباب العلم ؛ كالسّميع والبصير (239) ، والقريب ، والرّقيب ، والشّهيد ، والمهيمن ؛ وهو بمعنى الشّهيد ؛ أي الحاضر مع عباده ، يسمع أقوالهم ، ويبصر أفعالهم ، فلا يغيب عنه من أمرهم شيء يقولونه ، أو يفعلونه (240) ، قال تعالى : { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْءَانٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [ يونس : 61 ] .
3 ـ ما يدلّ على كمال آثار العلم ؛ كالمحصي ، والوكيل ؛ أي الحافظ القائم على الأمر ، وكالحفيظ ، والحسيب ؛ أي الَّذي يحفظ أعمال العباد ، فلا يفوته منها شيء ، ثُمَّ يحاسبهم عليها ، إن خيرًا فخير ، وإن شرًّا فشرّ (241) ، قال تعالى : { وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } [ الكهف : 49 ] .
( ( (
التّنزيه عن العجز(1/80)
فالله تعالى على كلّ شيء قدير ، كما أنّه بكلّ شيء عليم ؛ فلا يسبقه شيء ، ولا يعجزه ما يريد ، قال تعالى : { وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } [ الواقعة : 60 ] ؛ أي وما نحن بعاجزين (242) ، وقال : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا } [ فاطر : 44 ] ؛ فنزّه نفسه عن العجز ، وذيّل الآية بما يتضمّن علّة التّنزيه عنه من أسمائه ، وهما العليم والقدير ؛ لأنّ العجز سببه إمّا الجهل بأسباب الإيجاد ، أو قصور الإرادة عن فعل المراد (243) . وأسماء الله الحسنى متضافرة في الدّلالة على انتفاء العجز وأسبابه ؛ فمنها ما يدلّ انتفائه ؛ لشمول علمه ، وكمال أسبابه ، وآثاره ؛ كالخبير ، والسّميع ، والحسيب . ومنها ما يدلّ على انتفائه ؛ لكمال قوّته ، وشمول قدرته ؛ كالقويّ ، والعليّ ، والوكيل . ودلالة هذا الضّرب من الأسماء على ثلاثة أنواع : ـ
1 ـ ما يدلّ على انتفاء العجز وكمال القدرة بدلالة المطابقة ؛ كالقادر ، والقدير ، والمقتدر ، والمقيت ؛ أي المقتدر ، وكالقويّ ، والمتين ؛ أي تامّ القدرة ؛ فلا يشقّ عليه فعل ، ولا يلحقه عجز ، أو فتور ، أو وهن (244) ، قال تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ } [ ق : 38 ] ، وقال : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ الأحقاف : 33 ] .(1/81)
وممّا يدخل تحت هذا النّوع من الأسماء اسم ( العزيز ) إذا فسّر بمعنى القويّ ، الممتنع ؛ فلا يناله ضرر من أحد ، القاهر ؛ فلا يغلبه غالب ، ولا يفوته هارب ، ولا يعجزه شيء ممّا يريده ؛ فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله (245) .
2 ـ ما يدلّ على نفي العجز وكمال القدرة بدلالة التّضمن ؛ كالصّمد ، والمجيد ، والعليّ ، والعظيم ؛ فإنّ هذه الأسماء تدلّ على كمال صفاته ، وكمال علمه وقدرته (246) ، قال تعالى : { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } [ البقرة : 255 ] ؛ أي لا يكرثه ، ولا يثقله حفظهما ، لكمال قدرته ، وسائر صفاته (247) .
3 ـ ما يدلّ على نفي العجز وثبوت القدرة بدلالة الالتزام ؛ كالقيّوم ، والرزّاق ، والجبّار ، والقهّار ، والوكيل ؛ أي الحافظ ، القائم على الأمر ، وهذا يستلزم القدرة على ما هو قائم عليه ؛ لتنفيذه وتدبيره على وجه الحكمة . وهكذا شأن سائر ما قرن بالوكيل من الأسماء ؛ فالقيّوم مثلاً يستلزم القدرة على القيام بالخلق ، وتدبيرهم . والرزّاق يستلزم القدرة على إيصال الرّزق للخلائق . والقهّار يستلزمها أيضًا ؛ لأنّ قهر الخليقة لا يكون إلاّ بكمال القدرة (248) .
( ( (
التّنزيه عن العبث
الله ـ تبارك وتعالى ـ هو الحقّ ؛ فلا ينسب إليه إلاّ الحقّ ؛ فقوله حقّ ، وفعله حقّ ، ودينه حقّ ، ولقاؤه حقّ ، ووعده ووعيده حقّ ؛ لمطابقة صفاته للحكمة البالغة المنافية للسّفه ، والعبث ، والخلف (249) ، يقول الرّاغب : (( أصل الحقّ المطابقة والموافقة ، كمطابقة رِجْل الباب في حَقِّه ؛ لدورانه على استقامة ، والحقّ يقال على أوجه : ـ
الأوّل : يقال لموجِد الشّيء بسبب ما تقتضيه الحكمة ؛ ولهذا قيل في الله تعالى هو الحقّ ، قال تعالى : { ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ } [ الأنعام : 62 ] .(1/82)
الثّاني : يقال للمُوجَد بحسب مقتضى الحكمة ؛ ولهذا يقال : خلق الله كله حقّ ، قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ } [ الأنعام : 73 ] .
الثّالث : في الاعتقاد للشّيء المطابق لما عليه ذلك الشّيء في نفسه ؛ كقولنا : اعتقاد فلان في الجنّة والنّار حقّ ، قال تعالى : { فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ } [ البقرة : 213 ] .
الرّابع : للفعل والقول الواقع بحسب ما يجب ، وبقدر ما يجب ، وفي الوقت الَّذي يجب ؛ كقولنا : فعلك حقّ ، وقولك حقّ ، قال تعالى : { كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ } [ يونس : 33 ] ؛ أي تحقّق قدره السّابق فيهم ؛ بمعنى وقع ووجب ؛ ولهذا يستعمل في الواجب ، والثّابت ، واللازم )) (250) .
فالحقّ ـ تبارك وتعالى ـ منزّه عن العبث تنزيهًا مطلقًا ؛ لمنافاته حكمته البالغة ، وحمده ، وكماله ، ولكن يعرض لبعض النّفوس كثيرٌ من الشّكوك والظّنون ؛ لقوّة الغفلة ، وكثرة الشّبهات ، واتّباع الشّهوات ؛ ولهذا نزّه الله ذاته المقدّسة عن بعض مظاهر السّفه والعبث بأعيانها ، ومنها : ـ(1/83)
أوّلاً : الخلق لهوًا وعبثًا ؛ قال تعالى : { وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا(251) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ } [ ص : 27 ] ؛ وذلك لأنّ هذا الظنّ ينافي أسماء الربّ وصفاته ؛ فالحكيم الحقّ منزّه عن أن يخلق شيئًا عبثًا أو سفهًا ؛ لأنّ أفعاله حقّ ؛ أي مطابقة للحكمة ، ومفعولاته حقّ ؛ أي متحقّقة وكائنة بعلم الله وحكمته ؛ ولهذا كانت مشتملةً على الحكمة ، وآيلة لها ، قال تعالى : { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ } [ الأنعام : 73 ] ؛ فالحق سابق لخلقها ، ومقارن له ، وغاية له ؛ ولهذا أتى بالباء الدالّة على هذا المعنى دون اللام المفيدة للغاية ليس غير ؛ والحقّ السّابق للخلق صدورها عن علم الله وحكمته ؛ ولهذا كانت كلّها حقًّا ، أي متقنة ، مطابقة للحكمة ، لا نقص فيها ولا خلل ، قال تعالى : { صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } [ النّمل : 88 ] ، وقال : { الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } [ السّجدة : 7 ] ، وقال : { مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} [ الملك : 3 ]، وهذا الإحكام والإتقان هو الحقّ المقارن للمخلوقات ؛ ولهذا كانت أدلّة وبراهين على أصول الإيمان ؛ لتقود النّاس للحقّ الغائي ؛ وهو معرفة الربّ وعبادته ، وإنجاز وعد الله لمن أطاعه ، وإنفاذ وعيده فيمن عصاه (252) . واسم الحميد ، والرّشيد ، والجميل ، كاسم الحقّ والحكيم في الدلالة على نفي العبث في الخلق ، واستحالته ؛ لأنّ هذه الأسماء الثلاثة تدلّ على كمال ذات الربّ وصفاته ؛ وأنّ له من الأفعال أجملها ، وأرشدها ، وأحمدها ، وهذا يحيل أن يكون في شيء من أفعال الله ـ تعالى ـ عبث أو سفه (253) .(1/84)
ثانيًا : إهمال العباد ؛ قال تعالى : { أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى } [ القيامة : 36 ] ، وقال : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ . فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ } [ المؤمنون : 115 ، 116 ] ؛ أي تنزّه وتقدّس عن هذا الظنّ السيء ؛ لأنّه عبث وسفه ينافي حكمته ، وتحيله أسماؤه وصفاته ، وأوّلها ما ذيّلت به الآية الثّانية من الأسماء ، يقول ابن القيّم : (( تأمّل ما في هذين الاسمين ، وهما الملك الحقّ من إبطال هذا الحسبان الَّذي ظنّه أعداؤه ؛ إذ هو مناف لكمال ملكه ، ولكونه الحقّ ؛ إذ الملك الحقّ هو الَّذي يكون له الأمر والنّهي ، فيتصرّف في خلقه بقوله وأمره ؛ فمن ظنّ أنّه خلق خلقه عبثًا لم يأمرهم ، ولم ينههم فقد طعن في ملكه ، ولم يقدّره حقّ قدره ، وكذلك كونه ( إله الخلق ) يقتضي كمال ذاته ، وصفاته ، وأسمائه ، ووقوع أفعاله على أكمل الوجوه وأتمّها ، فكيف يظنّ بإله الخلق أن يتركهم سدى ؛ لا يأمرهم ولا ينهاهم ، ولا يثيبهم
ولا يعاقبهم ! )) (254) .(1/85)
وكذلك فإنّ كونه ربًّا للعرش فما دونه يدلّ على تنزيهه عن إهمال العباد ، وتركهم سدى ، بلا أمر ولا نهي ، ولا ثواب ولا عقاب ؛ فإنّ اسم ( الربّ ) إمّا أن يدلّ على صفة معنى ، ويفسّر بمعنى : المالك ، والسيّد ، وإمّا أن يدلّ على صفة فعل ، ويفسّر بمعنى : المربّي ؛ فإن فسّر بالمعنى الأوّل فمن آثار الملك والسؤدد أنّ الربّ يأمر وينهى ، ويثيب ويعاقب ، ويتصرّف في مماليكه بأنواع التصرّفات ، وإن فسّر بالمعنى الثّاني فالمربّي هو المصلح ، والمدبّر ، والجابر ، والقائم ؛ وهذا يتضمّن التربية العامّة والخاصّة (255) ، يقول ابن سعدي : (( تربيته تعالى لخلقه نوعان : عامّة ، وخاصّة ؛ فالعامّة هي خلقه للمخلوقين ، ورزقهم ، وهدايتهم لما فيه مصالحهم ، الَّتي فيها بقاؤهم في الدّنيا . والخاصّة : تربيته لأوليائه ؛ فيربّيهم بالإيمان ، ويوفّقهم له ، ويكمّلهم ، ويدفع عنهم الصوارف ، والعوائق الحائلة بينهم وبينه . وحقيقتها : تربية التّوفيق لكلّ خير ، والعصمة من كلّ شر . ولعلّ هذا المعنى هو السرّ في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الربّ ؛ فإنّ مطالبهم كلّها داخلة تحت ربوبيّته الخاصّة )) (256) ؛ فحقيقة الرّبوبيّة تتضمّن التّنزيه عن إهمال العباد مطلقًا ؛ أي في جميع شؤون معاشهم ومعادهم ؛ وهذا التّنزيه متضمّن في كثير من أسماء الله الحسنى ، ومنها : ـ
1 ـ الحسيب ؛ فإنّه يفسّر بالكافي ؛ وهو بالمعنى العام الَّذي يكفي العباد جميع ما يهمّهم من أمر دينهم ودنياهم ، فيوصل إليهم المنافع ، ويدفع عنهم المضار . وبالمعنى الأخصّ هو الَّذي يكفي من توكّل عليه كفاية خاصّة يصلح بها دينه ودنياه (257) .(1/86)
2 ـ اللّطيف ؛ فقد فسّر بمن اجتمع له الرّفق في الفعل ، والعلم بدقائق المصالح ، وإيصالها إلى من قدّرها له من خلقه ، يقول الزجّاج : (( اللّطيف ... يفيد أنّه المحسن إلى عباده في خفاء وستر من حيث لا يعلمون ، ويسبب لهم أسباب معيشتهم من حيث لا يحتسبون )) (258) . ويختصّ أولياء الله بلطف خاص يتضمّن أعلى درجات الإحسان والإصلاح ؛ وهو أن ييسّرهم لليسرى ، ويجنّبهم العسرى ، وقد يكون ذلك بشيء من الابتلاءات والمحن (259) !
3 ـ الجبّار ؛ فقد فسّر بمعنى المصلح ؛ بناءً على أنّه مشتقّ من جبر لا من أجبر ؛ يقال : جبر العظم إذا صلح كسره ، وجبر الله مصيبته ؛ إذا أصلح حاله ، وعوّضه عمّا فاته ، يقول الرّازيّ : (( الجبر أن تغني الرّجل من فقر ، أو تصلح عظمه من كسر ، وبابه نصر )) (260) ؛ وعلى هذا فالجبّار الَّذي يصلح أحوال عباده ؛ فيجبر الكسير والمصاب ، ويغني الفقير ، ويعزّ الذّليل ، وييسّر على المعسر ، ويجبر قلوب الخاضعين لجلاله جبرًا خاصًّا بما يفيض عليها من معارف الإيمان وأحواله . وهذا المعنى مستقرّ في قلوب عامّة المؤمنين ؛ ولهذا يسأل كلّ واحد منهم ربّه الجبر كلّ صلاة ، وهو إنّما يريد هذا الجبر الَّذي حقيقته إصلاح العبد ، ودفع المكاره عنه (261) .
4 ـ الحفيظ ؛ فإنّه يفسّر بمعنى الحافظ لعباده ممّا يكرهون . وحفظه لخلقه نوعان ؛ عامّ وخاصّ ؛ فالعامّ حفظه لجميع المخلوقات بهدايتها لمصالحها { الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى } [ طه : 50 ] ، والحفظ الخاصّ حفظ أوليائه في مصالح دنياهم وفي دينهم ؛ فيحفظهم حال حياتهم من الشّبهات والشّهوات ، ويحفظ عليهم دينهم عند الوفاة ، فيتوفّاهم على الإيمان . وهذا الحفظ متفاوت بين المؤمنين بحسب ما عند كلّ واحد منهم من محافظة على أمر الله ونهيه (262) .(1/87)
5 ـ البَرّ ؛ بمعنى واسع الإحسان ، وإحسان الله لخلقه عام وخاصّ ؛ فالعام إحسانه لعباده بجميع النّعم الظّاهرة والباطنة { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } [ النّحل : 53 ] ، وهذا البرّ مشترك بين البر والفاجر ، فلا يستغني مخلوق عنه طرفة عين . والخاصّ إحسانه لمن يشاء من عباده بتوفيقه لطريق السّعادة ؛ وهو الإيمان قولاً وعملاً { يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } [ البقرة : 105 ] (263) .
6 ـ الرزّاق ؛ أي كثير الرّزق ؛ فهو الَّذي يوصل لجميع خلقه كلّ ما يحتاجونه في معاشهم وقيامهم ، ويوصل لأوليائه رزقًا خاصًّا يتضمّن رزق القلوب بالإيمان ، والأبدان بالمال الحلال (264) . وقد فسّر المقيت بمعطي أقوات الخلائق ، والفتّاح بالَّذي يفتح أبواب الرّزق والرّحمة لعباده ، والوكيل بالكفيل بأرزاق العباد (265) ؛ وعلى هذا فإنها تتضمّن ما دل عليه الرزّاق من المعاني ؛ لأنّها بمعناه ، أو قريبة منه .
7 ـ الوليّ والوالي ؛ أي الَّذي يلي أمور الخلق ، ويصلح معاشهم ، ويرشدهم لإصلاح معادهم ، ويختصّ أولياءه بإصلاح دينهم ، وصلاح بالهم ؛ ثُمَّ يتولّى يوم القيامة جزاءهم (266) .
8 ـ الهادي والرّشيد ؛ وهو الَّذي أرشد خلقه كلّهم ، وهداهم إلى مصالحهم ، وهدى أولياءه خاصّة إلى طريق السّعادة الأبديّة ؛ وهو الإيمان قولاً وعملاً (267) . قال تعالى : { وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ ءَامَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [ الحجّ : 54 ] .(1/88)
فهذه الأسماء الحسنى كلّها أدلّة على عناية الملك الحقّ بعباده ، وتربيتهم تربيةً عامّة وخاصّة ، يستحيل معها إهمالهم لا في أمور معادهم ، ولا في أمور معاشهم . وهذه المعارف تثمر في القلوب الحيّة محبّة الله ، والتّأله له خوفًا وطمعًا ؛ وهي أعظم مقامات الإيمان ، وأصوله الكبرى الَّتي يقوم عليها بناؤه (268) ، قال تعالى : { يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 21 ، 22 ] ، وقال : { أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ . أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ . أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ . أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ . أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [ النّمل : 60 ـ 64 ] .(1/89)
ثالثًا : إخلاف الوعد والوعيد ؛ قال تعالى : { إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ } [ يونس : 55 ] ، وقال : { فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ } [ إبراهيم : 47 ]، وقال : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ } [ الحجّ : 47 ] ، وقال : { لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ . مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ } [ ق : 28 ، 29 ] ، وقال : { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [ الأنعام : 115 ] ؛ فالله ـ تبارك وتعالى ـ منزّه عن إخلاف وعده ووعيده بمقتضى هذه النّصوص المحكمة ونظائرها ؛ لما في الخلف من العبث المنافي لحكمة الإله الحقّ ؛ فإنّ أصل الحقّ لغةً بمعنى المطابقة والموافقة ؛ فأفعال الربّ مطابقة للحكمة ، وأقواله مطابقة لما عليه الشّيء في نفسه ؛ ولهذا كانت أفعاله وأقواله كلّها حقًّا ، ووعده ووعيده كلّه حقًّا وصدقًا ، قال تعالى : { وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً } [ النِّساء : 122 ] ، وقال : { ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } [ الأنعام : 146 ] ؛ فصدق الله يقتضي تحقّق وعده ووعيده ، وعدم الخلف فيهما ؛ لأنّه الإله الحقّ ؛ فلا يكون كلامه إلاّ حقًّا ؛ أي مطابقًا لما عليه الشّيء في نفسه ؛ ولهذا سمّى نفسه بالمؤمن ؛ فإنّه في أحد التّفسيرين بمعنى المصدّق ؛ أي المصدّق لرسله بما يظهره لهم من آياته ، ومصدّق المؤمنين ما وعدهم من الثّواب ، ومصدّق الكافرين ما أوعدهم من العقاب (269) .(1/90)
وشأن الوعد والوعيد شأن عظيم ؛ فقد دلّت النّصوص المحكمة على أنّ الغاية المقصودة في مفعولات الربّ ومأموراته تتضمّن معرفة الربّ بأسمائه وصفاته ، وعبادته وحده لا شريك له ، وإنجاز وعده لمن أطاعه قولاً وعملاً ، وإنفاذ وعيده فيمن عصاه قولاً أو عملاً ، قال تعالى : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } [ الطّلاق : 12 ] ، وقال : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ } [ الذّاريات : 56 ]، وقال : { إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ } [ يونس : 4 ]؛ ولهذا كان تحقيق وعد الله ووعيده ، واستحالة إخلافه أو تبديله موجب كثير من أسماء الله الحسنى ، ومنها : ـ
1 ـ أسماء العلم ؛ كالعليم ، والخبير ، والشّهيد ، والمهيمن ، والرّقيب ، والسّميع ، والبصير ؛ فإنّ هذه الأسماء تدلّ على العلم التامّ المحيط بما دقّ أو جلّ من أعمال العباد { لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى } [ النّجم : 31 ] .(1/91)
2 ـ أسماء القدرة ؛ كالقدير ، والعزيز ، والقهّار ، والمقيت ، والمتين ؛ فإنها جميعًا تدلّ على تفرّد الربّ بالقدرة التامّة ؛ فلا شيء يمنعه من إنفاذ وعده ووعيده في المحلّ الَّذي تقتضيه حكمته ؛ يقول ابن سعدي : (( طريقة القرآن ذكر العلم والقدرة عقب الآيات المتضمّنة للأعمال الَّتي يجازي عليها ، فيفيد ذلك الوعد والوعيد ، والترغيب والترهيب ، وأنّ الأمر الدِّيني والجزائي أثر من آثارها ، وموجب من موجباتها ، وهي مقتضية له )) (270) .
3 ـ أسماء الرّحمة والفضل ؛ كالرّحيم ، والرؤوف ، والغنيّ ، والبرّ ، والشّكور ؛ فإنّ هذه الأسماء ونظائرها تقتضي إيصال الثّواب الموعود لأهله وعدم إخلافه .
4 ـ أسماء الحكمة والعدل ؛ كالحكيم ، والحكم ، والعدل ، والمقسط ، والفتّاح ؛ فإنّ عدل الله وحكمته يتضمّنان وضع الأشياء في مواضعها ؛ فلا يعاقب من لا يستحقّ العقاب ، ولا يخلف من يستحقّ الثّواب (271) .(1/92)
ومن أهمّ ما يدخل في التّنزيه عن إخلاف الوعد التّنزيه عن ردّ الدّعاء ، وعدم قبوله ؛ لأنّه ينافي وجود الربّ ، وأسماءه الحسنى ، وصفات كماله ، يَقُولُ ابن أبي العزّ الحنفي نقلاً عن ابن عقيل : (( قد ندب الله تعالى إلى الدّعاء ، وفي ذلك معان : أحدها : الوجود ؛ فإنّ من ليس بموجود لا يدعى . والثّاني : الغنى ؛ فإنّ الفقير لا يدعى . الثّالث : السّمع ؛ فإنّ الأصمّ لا يدعى . الرّابع : الكرم ؛ فإنّ البخيل لا يدعى . الخامس : الرحمة ؛ فإنّ القاسي لا يدعى . السادس : القدرة ؛ فإنّ العاجز لا يدعى )) (272) . وهناك أسماء قرنت بنصوص الدّعاء لفظًا ومعنًى ، أو معنًى فقط ؛ كالقريب ، والمجيب ، والمغيث ، والبرّ ، والرّحيم ، والحيي ، والكريم ، وفي ذلك تنبيه جليّ على أنَّها من أكثر الأسماء دلالةً على إجابة الدّعاء ، واستحالة إخلاف الوعد بقبوله ، قال تعالى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [ البقرة : 186 ] ، وقال : { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [ غافر : 60 ] ، وقال : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ } [ الأنفال : 9 ] ، وقال : { إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ } [ الطّور : 28 ] ، وروى أبو داود بسنده عن سلمان الفارسي مرفوعًا : (( إِنَّ رَبَّكُمْ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ـ حَيِيٌّ ، كَرِيمٌ ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا )) (273) .(1/93)
ومن أهمّ الأسماء الَّتي قرنت بنصوص الدّعاء اسم السّميع ، والعليم ، قال تعالى : { إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ } [ إبراهيم : 39 ] ، وقال : { فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [ يوسف : 34 ] ؛ أي سميع لكلّ من دعاه ، لا تختلف عليه الأصوات ، مهما اختلفت اللغات ، وتفنّنت الحاجات ، وعليم بما يصلح الدّاعي وما يفسده ، وبمن يستحقّ الإجابة ، ومن يستحقّ الردّ (274) ، وفي هذا المعنى دلالتان مهمّتان : ـ
الأولى : أنّ الإجابة تارة تقع بعين ما دعا الدّاعي ، وتارة تقع بعوضه ، لأنّ الله قد يختار للدّاعي ما هو خير له ممّا طلبه ؛ روى الإمام أحمد بسنده عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا : (( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاثٍ ؛ إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا . قَالُوا : إِذًا نُكْثِرُ . قَالَ : اللَّهُ أَكْثَرُ )) (275)
الثّانية : أنّ تحقّق الوعد بإجابة الدّعاء إنّما يكون لمن يستحقّ ذلك ، والله يعلم من يستحقّ الاستجابة ، ومن يستحقّ الردّ ؛ لاتّصافه بمانع من موانع القبول ؛ كالاعتداء في الدّعاء ، وعدم الإخلاص ، وأكل الحرام ، والاستعجال (276) .(1/94)
وهذا أصل مطّرد في نصوص الوعد والوعيد ؛ فإنها لا بُدّ أن تتحقّق ، ويستحيل أن تتخلّف . وهذا حكم كلّي يطلق على وجه العموم والإطلاق لا على سبيل التعيين والتخصيص ؛ لأنّ المعيّن قد يقوم به مانع من موانع تحقّق الوعد أو الوعيد . وقد دلّ الاستقراء الكلّي لنصوص الوحي أنّ الموانع من إنفاذ الوعيد ثمانية ؛ ثلاثة من المذنب ؛ وهي التوبة ، والاستغفار ، والحسنات الماحية . وثلاثة من غيره من الخلق ؛ وهي دعاء المؤمنين ، وإهداء ما يمكن وصوله من ثواب الأعمال ، والشّفاعة في عصاة الموحّدين . واثنان من الله تعالى ؛ وهما المصائب المكفّرة في الدّنيا والبرزخ والآخرة ، والعفو المحض بلا سبب من العباد ، وأدلّة هذه الجمل معلومة مستفيضة (277) .
أمّا الموانع من تحقّق الوعد فهي كثيرة جدًّا ، ويجمعها عدم تحقيق الإيمان قولاً وعملاً ، أو وجود محبط من محبطات الأعمال ؛ كالرياء ، وإرادة الدّنيا بالعمل الصّالح ، والبدع ، والكبائر ، والردّة المتّصلة بالموت . وهذه المحبطات متفاوتة التأثير ؛ فمنها ما يمنع تحقّق الوعد مطلقًا ؛ كالردّة ، ومنها ما قد يمنعه في بعض الأوقات دون بعض ؛ كالكبيرة ؛ فإن من شاء الله مؤاخذته من أصحاب الكبائر عذّبه بقدر ذنبه ثُمَّ إِنَّ مآله يكون إلى الجنّة قطعًا بإجماع أهل السنّة والجماعة (278) .
وهذه الطّريقة أولى من قول من فرّق بين الوعد والوعيد ؛ فجوّز إخلاف الوعيد دون الوعد (279) ؛ بحجّة أنّ الخلف في الوعيد مع القدرة على إنفاذه يعدّ كرمًا يمدح به صاحبه ، كما قال عامر بن الطّفيل : ـ
وإنّي إن أوعدته أو وعدته
?
لمخلف إيعادي ومنجز وعدي
(280)
وهذا غير مسلّم ؛ لإنّ إخلاف الوعيد يجوز على العباد ، ويعدّ كرمًا في حقّهم ، ولكنّه لا يجوز على الله تعالى ؛ لأنّه يستلزم لوازم باطلة ، منها : ـ(1/95)
1 ـ الكذب في الخبر ؛ لأنّ الله تعالى أخبر أنّ وعيده لا يخلف ولا يبدّل ، قال تعالى : { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ } [ الحجّ : 47 ] ، وقال : { مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ } [ ق : 29 ] ، ، يقول ابن تَيْمِيَّة : (( هذه الآية تضعف جواب من يقول : إِنَّ إخلاف الوعيد جائز ؛ فإنّ قوله { مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ } بعد قوله : { وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ } دليل على أنّ وعيده لا يبدّل كما لا يبدّل وعده )) (281) .
2 ـ تجويز عدم خلود الكفّار في النّار ؛ لأنّ الخبر بخلودهم وعيد ، والوعيد عندهم يجوز إخلافه (282) !
وعدم تجويز إخلاف الوعيد لا يستلزم القطع بإنفاذ وعيد كلّ صاحب كبيرة ؛ لأنّ إنفاذ الوعيد مشروط بانتفاء جميع موانعه ؛ كالتّوبة ، والشّفاعة ، والعفو المحض بلا سبب من العباد (283) .
( ( (
التّنزيه عن الظّلم(1/96)
الظّلم ينافي كمال الربّ وعدله ؛ ولهذا حرّمه الله تعالى على نفسه ، ودلّت على ذلك آياته ، وأسماؤه وصفاته ، قال تعالى : { وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ } [ آل عمران : 108 ] ، وقال : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } [ الأنبياء : 47 ] ، وقال : { إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } [ النِّساء : 40 ] ، وقال ـ في الحديث القدسي ـ : (( يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلا تَظَالَمُوا )) (284) . ويندرج في هذه العمومات صور الظّلم ومظاهره المختلفة ؛ كإضاعة ثواب المحسن ، أو نقصه ، أو مساواته بالمسيء ، أو موآخذة العبد قبل قيام الحجّة ، أو بما لم يعمله ، أو بجرم غيره ، أو بزيادة على ذنبه ، قال تعالى : { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } [ البقرة : 143 ] ، وقال : { وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا } [ طه : 112 ] ؛ والهضم الانتقاص من الحسنات (285) ، وقال : { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ } [ الجاثية : 21 ] ، وقال : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً } [ الإسراء : 15 ] ، وقال : { وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } [ الأنعام : 164 ] ، وقال : { وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } [ الكهف : 49 ] ؛ يقول القرطبيّ : (( أي لا يأخذ أحدًا بجرم أحد ، ولا يأخذه بما لم يعمله . قاله الضحّاك . وقيل : لا ينقص طائعًا من ثوابه ، ولا(1/97)
يزيد عاصيًا في عقابه )) (286) . والقولان صحيحان ؛ إذ الآية عامّة ؛ فتشمل ما ذكر ، وتشمل أيضًا سائر أفراد معنى الظّلم ؛ كمساواة البرّ بالفاجر ، والتّعذيب قبل قيام الحجّة وبلوغ الرِّسالة (287) .
والتنزيه عن الظّلم ، وتحريمه على الربّ ـ تبارك وتعالى ـ بجميع صوره ومظاهره يرجع إلى منافاته التامّة لما يتّصف به الربّ من صفات الجلال ، ونعوت الكمال ، ومنها : ـ
1 ـ كمال الغنى ؛ فإنّ الله ( هو الغنيّ ، الواسع ، الواجد (288) ، فلا يحتاج لأحد من خلقه حتَّى يضيع حقّه ، أو ينقصه شيئًا منه ، قال تعالى : { وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ . وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ } [ آل عمران : 108 ، 109 ] ؛ فنفى عن نفسه الظّلم ؛ لكمال غناه عن خلقه ؛ إذ كلّ ما في السموات والأرض ملكه وفي قبضته . وهذا وجه اتّصال الآيتين ؛ لأنّ الكلام متّصل على الصّحيح (289) ، وقال تعالى : { مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَءَامَنْتُمْ } [ النِّساء : 147 ] ؛ والمعنى : أي منفعة له في عذابكم إن شكرتكم وآمنتم ؛ فإنّ ذلك لا يزيد في ملكه ، كما إن ترك عذابكم لا ينقص من سلطانه (290) .
2 ـ كمال الكرم ؛ فالله هو الكريم ، الجواد ، الوهاب ، المجيد ، الشّكور ، فلا يضيع سعي العاملين لوجهه ، بل يضاعفه بكرمه وجوده أضعافًا مضاعفة { وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا } [ النِّساء : 147 ] ؛ أي يشكر عباده على طاعته ؛ فيتقبّل العمل القليل ، ويعطي عليه الثّواب الجزيل ، ويعطي بالعمل في أيّام معدودة نعمًا غير محدودة . وهذا مفاد الشّكر لغة ؛ فإنّ أصله بمعنى الظّهور ، يقال : دابّة شكور إذا أظهرت من السمن فوق ما تعطى من العلف (291) .(1/98)
3 ـ كمال العلم ؛ فاسم العليم ، والخبير ، والسّميع ، والبصير ، والحفيظ ، والحسيب ، ونظائرها تدلّ على كمال الإحاطة بأعمال العباد علمًا وكتابةً ؛ لمجازاتهم بالعدل ؛ فكلّ عامل مرتهن بعمله ؛ إن خيرًا فخير ، وإن شرًّا فشرّ ، قال تعالى : { وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } [ الكهف : 49 ] ، وقال : { وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } [ البقرة : 215 ] ؛ يقول ابن كثير : (( أي مهما صار منكم من فعل معروف فإنّ الله يعلمه ، وسيجزيكم على ذلك أوفر الجزاء ، فإنّه لا يظلم أحدًا مثقال ذرّة )) (292) .
4 ـ كمال العدل ؛ فالله ( العدل ، المقسط ، المؤمن ، وهو في أحد التّفسيرين بمعنى الَّذي أمن عذابه من لا يستحقّه ؛ لكمال عدله . وهو الفتّاح ؛ أي القاضي بالحقّ ؛ فلا يجور أبدًا ، ولا يضيع مثقال ذرّة من خير أو شرّ (293) ، قال تعالى : { وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [ غافر : 20 ] ؛ ولعلّ الحكمة في التذييل باسم السّميع والبصير الدّلالة بالنّص والفحوى على مناط تفرّد الربّ بالحكم بين عباده ؛ وهو كماله ونقص ما يدعى من دونه ؛ فالله هو الكامل في سمعه وبصره وسائر صفاته ؛ ولهذا كان هو الحكم وحده قدرًا وشرعًا ، وجزاءً (294) .(1/99)
5 ـ كمال الصّفات ؛ وهذا تعميم بعد تخصيص ، فالله هو العليّ ، والكبير ، والجميل ، والحميد ، وهذه الأسماء ونظائرها تتضمّن الدّلالة على كمال صفات الربّ وأفعاله ؛ ولهذا يضع الأشياء في مواضعها ؛ ولا يتصوّر أن يقع منه ظلم أَلْبَتَّة ، قال تعالى : { فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ } [ غافر : 12 ] ؛ يقول ابن سعدي : (( العليّ الَّذي له العلوّ المطلق من جميع الوجوه ؛ علوّ الذات ، وعلوّ القدر ، وعلوّ القهر ، ومن علوّ قدره كمال عدله ، وأنّه يضع الأشياء في مواضعها ، ولا يساوي بين المتّقين والفجّار )) (295) .
وممّا يدلّ على كمال تنزيه الربّ عن ظلم العباد التّنزيه عن التّكليف بما لا يطاق (296) ، وعن المعاجلة بعقوبة العصاة ، قال تعالى : { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا } [ البقرة : 286 ] ، وقال : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } [ النّحل : 61 ] ، وهذا من كمال عدله ، ومن كمال رفقه ولطفه أيضًا ؛ فإنّ الله لطيف (297) ، رفيق يحبّ الرّفق ؛ فلا يكلّف عباده ما لا يطيقون ، أو يأخذهم بالتكاليف الشاقّة دفعةً واحدة ، أو يعاجلهم بالعقوبة قبل وجود شرطها ، وانتفاء مانعها ؛ ولهذا يمهلهم ، ويستأني بهم ، ولا يهلك على الله إلاّ هالك (298) .(1/100)
وممّا يتضمّن التّنزيه عن المعاجلة بالعقوبة مع ما ذكر من الأسماء اسم الحليم ، والصّبور (299) ، والعفوّ ، والغفور ؛ فإنّ الذّنوب تقتضي ترتّب آثارها من العقوبات العاجلة ، ولكن حلم الله على عباده ، وصبره عليهم ، ومحبّته للعفو عنهم ، تقتضي إمهال العصاة ، وعدم معاجلتهم بالعقوبة ؛ ليتمكّنوا من الإتيان بأسباب المغفرة ، فيتجاوز عن خطيئاتهم ؛ ولهذا يعافيهم ، ويرزقهم ، رغم جرائرهم وجرائمهم (300) ، روى مسلم بسنده عن أبي موسى الأشعريّ ( مرفوعًا : (( لا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللَّهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ إِنَّهُ يُشْرَكُ بِهِ ، وَيُجْعَلُ لَهُ الْوَلَدُ ، ثُمَّ هُوَ يُعَافِيهِمْ ، وَيَرْزُقُهُمْ )) (301) .
وممّا يحتمل الدّلالة على التّنزيه عن التّكليف بما لا يطاق والمعاجلة بالعقوبة اسم الواسع إذا فسّر بالموسّع على عباده ؛ فإنّه يفيد حينئذٍ أنّ الله تعالى يوسّع على عباده في أحكامه الدينية ؛ فلا يكلّفهم ما لا يطيقون ، ويوسّع عليهم في أحكامه القدريّة ؛ فلا يعاجلهم بالعقوبة ، ويوسّع عليهم في أحكامه الجزائيّة ؛ فلا يؤآخذهم بكلّ معصية ، بل يتجاوز ، ويعفو ، ويغفر ؛ لأنّه العفوّ ، والغفور ، والغفّار ، ولا بُدّ أن تتحقّق متعلّقات هذه الأسماء ، وتظهر آثارها (302) ، روى مسلم بسنده عن أبي هريرة ( مرفوعًا : (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ )) (303) .
( ( (
التّنزيه عن الفقر والبخل(1/101)
الفقر والبخل ينافيان كمال غنى الربّ وكرمه ؛ ولهذا أنكر الله مقالة اليهود ، وعظّم فريتهم ، وأوعدهم عليها بأعظم العقوبات ؛ فحين قال فنحاص بن عازوراء : إِنَّ الله فقير ونحن أغنياء يقترض منّا (304) ، أنزل الله قوله : { لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ } [ البقرة : 181 ] ؛ فأوعدهم على هذه المقالة المنكرة ، وعلى رضاهم بأفعال أسلافهم الشّنيعة ؛ وهي قتل الأنبياء تمرّدًا وعنادًا لا جهلاً وضلالاً ، أوعدهم على ذلك بأعظم العقوبات ؛ وهي النيران المحرقة ، الَّتي تطّلع على الأفئدة ؛ جزاءً وفاقًا ، وما ربّك بظلاّم للعبيد (305) .
وحين قال شاس بن قيس : إِنَّ ربّك بخيل لا ينفق (306) أنزل الله تعالى قوله : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ } [ المائدة : 64 ] ؛ فطردهم من رحمته بمقالتهم المنكرة ، وعاقبهم قبل ذلك بأن جعل هذا الوصف لازمًا لهم في الدّنيا ؛ فغلّت أيديهم ، وكانوا أبخل النّاس وأجبنهم (307) .
وأسماء الله الحسنى تبطل ظنون السوء الَّتي ظنّتها يهود بربّ العالمين ؛ فإنّ من أسمائه الغنيّ ، والجواد ، والوهّاب ، والكريم ، والواجد ، والمجيد ، والواسع ، وهي كلّها بمعنى متقارب ، ومفادها الدّلالة على كمال غنى الربّ وجوده (308) ، قال تعالى : { لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا } [ النِّساء : 131 ] ؛ أي أنّ له الغنى التامّ من كلّ الوجوه ؛ لكماله ، وكمال صفاته ، ومن سعة غناه أنّ خزائن السموات والأرض بيديه ، وأنّ جوده على خلقه متواصل في جميع اللحظات ؛ وجوده على خلقه نوعان : ـ(1/102)
الأوّل : جود مطلق ؛ لا يخلو عنه مخلوق من المخلوقات ؛ فإن الله وسع غناه كلّ فقر ، وعمّ جوده جميع الكائنات ، قال تعالى : { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } [ النّحل : 53 ] ، وروى البخاريّ بسنده عن أبي هريرة ( مرفوعًا : (( إِنَّ يَمِينَ اللَّهِ مَلأَى ، لا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مَا فِي يَمِينِهِ )) (309) .
الثّاني : جود مقيّد بالسّائلين ؛ فمن سأل الله بصدق ، وطهارة ممّا يمنع القبول أعطاه سؤاله ، وأناله مطلوبه ، دون أن ينقص ذلك ممّا عنده شيئًا ؛ لكمال غناه ، وسعة خزائنه (310) ، روى مسلم بسنده عن أبي ذرّ الغفاريّ ( مرفوعًا : (( قال اللَّهِ تَعَالَى : يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَإِنْسَكُمْ ، وَجِنَّكُمْ ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ، فَسَأَلُونِي ، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ )) (311) .
( ( ( ( (
المبحث الثّالث
التّنزيه عن المثل
معنى التّمثيل وأنواعه
التّمثيل أو التّشبيه (312) إثبات شيء من خصائص المخلوق للخالق ، أو العكس ؛ وهذا يعني أنّ لفظ التّمثيل يدخل تحته نوعان (313) : ـ
الأوّل : تمثيل الخالق بالمخلوق ؛ وهو أشهر النّوعين ، والمتبادر عند إطلاق لفظ التّمثيل أو التّشبيه ، وأصله من اليهود ، وأوّل من ابتدعه في الإسلام هشام بن الحكم الرافضي (314) ؛ فزعم أنّ الله على صورة الإنسان ، وأغرق في ذلك حتَّى زعم أنّ الله سبعة أشبار بشبر نفسه ؛ قياسًا على الإنسان ؛ لأنّ طول كلّ إنسان في الغالب سبعة أشبار بشبر نفسه !(1/103)
ثُمَّ اتّبعه شيوخ الرّافضة ؛ كهشام بن سالم الجواليقي (315) ، وداود الجواربي (316) ، وأثرت عنهم في تفصيل التّشبيه مقالات منكرة ؛ كقول هشام الجواليقي : إِنَّ له وفرة سوداء ، وقلبًا تنبع منه الحكمة ! ، وكقول داود : اعفوني عن الفرج واللّحية ، واسألوني عمّا وراء ذلك !
وتمادى غلاتهم ؛ فأطلقت البيانية والمغيرية وغيرهم أقوالاً في التّشبيه تقشعرّ منها الأبدان (317) !
وقد كثر التّشبيه في أوائل الشيعة حتَّى إنّه لا يعرف في طائفة أكثر منهم ، وقد حكاه علماء الفرق عن غيرهم ؛ كمقاتل بن سليمان ، ومحمّد بن كرّام ، وأتباعه (318) . وفي عزوه لمقاتل غرابة ؛ لأنّه كان وعاءً من أوعية العلم ، إمامًا في التّفسير ، حتَّى قال الشّافعيّ : من أراد التّفسير فهو عيال على مقاتل ، ومن أراد الفقه فهو عيال على أبي حنيفة (319) . ولهذا قال ابن تَيْمِيَّة : (( أمّا مقاتل فالله أعلم بحقيقة حاله ، والأشعريّ ينقل هذه المقالات من كتب المعتزلة ، وفيهم انحراف على مقاتل بن سليمان ؛ فلعلّهم زادوا في النّقل عنه ، أو نقلوا عنه ، أو نقلوا عن غير ثقة ، وإلاّ فما أظنّه يصل إلى هذا الحدّ ! )) (320) ، وقال المقريزي : (( يرمون مقاتل بن سليمان بأنّه قال : هو لحم ودم على صورة الإنسان ، وهو طويل ، عريض ، عميق ، وأنّ طوله مثل عرضه ، وعرضه مثل عمقه ، وهو ذو لون ، وطعم ، ورائحة ، وهو سبعة أشبار بشبر نفسه ! ولم يصحّ هذا القول عن مقاتل )) (321) .(1/104)
وهذا النّوع من التّمثيل قد يكون جزئيًّا ، أي في بعض الصّفات ؛ فيدخل في ذلك كثير من المقالات الَّتي تتضمّن وصف الخالق بشيء من خصائص المخلوقين ؛ كقول السبئية والكيسانية وغيرهم بالبداء ، وكقول الزرارية بحدوث جنس الصّفات (322) ! ؛ وذلك لأنّ البداء من خصائص علم المخلوق سواء أكان بمعنى ظهور الشّيء بعد خفائه ، أو بمعنى نشأة رأي جديد ، وكذلك القول بحدوث جنس الصّفات ؛ لأنّ الله أزليّ بصفاته ، حتَّى الاختياريّ منها ، والتجدّد إنّما يكون في آحادها (323) .
الثّاني : تمثيل المخلوق بالخالق ؛ وهذا النّوع وإن كان أقلّ شهرة وتبادرًا للذّهن عند إطلاق لفظ التّمثيل أو التّشبيه إلاّ أنّ أهله أكثر ، وخطره على الدِّين أعظم . وأصله من النّصارى ، وأوّل من افتراه في الإسلام السبئيّة ؛ فقالوا : بألوهيّة عليّ ( ، ولما أحرق قومًا منهم قالوا له : الآن علمنا أنّك إله ؛ لأنّ النّار لا يعذّب بها إلاّ الله ! ، ثُمَّ تتابع على ذلك غلاة الشّيعة ؛ فمنهم من ألّه الأئمّة كافّة ؛ كالخطابية ، ومنهم من ألّه متبوعه ، كالمغيرية ، والمقنعية ، وغيرهم ، ومنهم من قال بحلول الله في أشخاص الأئمة ، وعبدوا الأئمة لأجل ذلك ، وتوسّع الحلمانية فقالوا : بحلوله في كلّ صورة حسنة ؛ ولهذا كان أبو حلمان الدمشقي يسجد لكلّ صورة حسنة ! وقد سرى هذا الإفك لغيرهم من الفرق ، فقال بالحلول كثير من المتصوّفة (324) .(1/105)
وهذا النّوع من التّمثيل قد يكون جزئيًّا أيضًا ؛ وذلك بوصف المخلوق ببعض خصائص الخالق ؛ كوصفه بالقدرة التامّة ، والعلم المحيط ، والإرادة النّافذة ، والغنى المطلق . ويدخل في هذه الجملة كثير من مظاهر الشّرك في الألوهيّة ؛ لأنّ كثيرًا من عبّاد الأصنام والأولياء والجنّ وغير ذلك يظنّ في آلهته شيئًا من النّفع أو الضرّ على وجه الاستقلال ! ؛ ويدخل فيها كثير من مقالات الرّافضة والباطنيّة والصوفيّة ؛ لأنهم يصفون أئمّتهم وأولياءهم بصفات لا تليق إلاّ بالله وحده ؛ فالرّافضة المتأخّرن مثلاً يزعمون : أنّ الأئمّة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنّه لا يخفى عليهم شيء ! ؛ فجعلوا المخلوق شبيهًا بالخالق ؛ اقتداءً بالنّصارى ، كما جعل متقدّموهم الخالق شبيهًا بالمخلوق ؛ اقتداءً باليهود (325) !
( ( (
بطلان التّمثيل عقلاً ونقلاً
يختلف مُدْرك التّشبيه باختلاف فرق المشبّهة ؛ ففرقة شبّهت غلوًّا في الأئمّة ، وأخرى شبّهت تقليدًا ، وتأثّرًا بأمم الكفر ، وثالثة شبّهت كذبًا وخداعًا لأتباعهم ، ورابعة فعلته كيدًا وإفسادًا لعقائد المسلمين ، ولو ذهبنا نردّ على كل مدرك ، لطال بنا المقام ، ولخرجنا عن جوهر البحث ، ولكن علماء الفرق يذكرون للتّمثيل أو التّشبيه المتبادر عند الإطلاق شبهةً نظريّة تقوم على أساس أنّ ظاهر نصوص الصّفات إنّما يدلّ على ما يختصّ بالمخلوق ؛ لأنّ الله لم يخاطبنا إلاّ بما نعرفه ونعقله ، ولا يعقل من نصوص الصّفات إلاّ مثل ما للمخلوق ؛ ولهذا أبقوا ظاهرها على ما فهموه ، واعتقدوا التّشبيه دينًا لهم (326) !
وهذه الشّبهة تشاركهم فيها فرق المعطّلة ؛ فإنّهم يعتقدون في ظاهر نصوص الصّفات مثلما يعتقده الممثّلة ؛ ولهذا أوجبوا تأويل الظّاهر أو تفويضه ! لأنّه بزعمهم إنّما يدلّ على التّمثيل الباطل عقلاً ونقلاً !(1/106)
وهذا الاعتقاد المشترك بين الطّائفتين مبنيّ على أصل جهم بن صفوان في الأسماء الَّتي تقال على الربّ والعبد ؛ فقد زعم أنَّها مجاز في الخالق حقيقة في المخلوق ، وهو من أفسد الأقوال ؛ لأنّه يستلزم أن تكون في العبد أكمل وأتمّ منها في الربّ ؛ إذ إطلاقها على الربّ مجرّد تمثيل لما هو حقيقة في العبد !
والصواب أنّ الألفاظ الَّتي تطلق على الربّ والعبد حقيقة فيهما ، واختلاف الحقيقتين لا يخرجها عن كونها حقيقة فيهما ، لأنّها من الألفاظ المتواطئة ، وهي موضوعة للقدر المشترك ، والخصائص لا تدخل في مسمّاها عند الإطلاق ، فإذا أضيفت لأحدهما دخلت الخصائص ، وكان ظاهر ما أضيف للربّ إنّما يدلّ على ما يليق ويختصّ به ، وظاهر ما أضيف للمخلوق إنّما يدلّ على ما يليق ويختصّ به (327) .
وأيضًا فإنّ مقالة التّمثيل تستلزم اشتراك الخالق والمخلوق فيما يجب ويجوز ويمتنع ؛ فيلزم أن يكون كلّ منهما واجبًا ممكنًا ، قديمًا محدثًا ، غنيًّا فقيرًا ، وهذا كلّه محال بداهةً ؛ لما فيه من الجمع بين النّقيضين (328) .
وأمّا أدلّة بطلان التّمثيل نقلاً فمنها قوله تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [ الشّورى : 11 ] ، وقوله : { وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } [ الإخلاص : 4 ] ، وقوله : { فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ } [ النّحل : 74 ] ، وقوله : { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا } [ مريم : 65 ] ؛ أي مثلاً وشبيهًا ، كما أثر عن ابن عبّاس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، وابن جريج ، وغيرهم (329) .
ومن أعظم الأدلّة على بطلان التّمثيل نقلاً أسماء الله الحسنى ؛ فقد سمّى الله نفسه المقدّسة بأسماء كثيرة تدلّ على تفرّده المطلق بماله من الخصائص والصّفات ، ومنها : ـ(1/107)
1 ـ الواحد ، والأحد ؛ أي المتفرّد بمعاني الكمال ؛ فليس له مثل في ذاته ، ولا نظير في صفاته ، ولا شريك في أفعاله ؛ ولهذا فإنّه المستحقّ وحده لجميع معاني الإخلاص ؛ فلا شريك له ولا ندّ في عبادة ظاهرة أو باطنة ، يقول ابن تَيْمِيَّة : (( الله سبحانه منزّه عن أن يوصف بشيء من الصّفات المختصّة بالمخلوقين ، وكلّ ما اختص بالمخلوق فهو صفة نقص ، والله منزّه عن كلّ نقص ، ومستحقّ لغاية الكمال ، وليس له مثل في شيء من صفات الكمال ، فهو منزّه عن النّقص مطلقًا ، ومنزّه في الكمال أن يكون له مثل ، كما قال تعالى : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ . اللَّهُ الصَّمَدٌُ . لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدٌْ . وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } [ الإخلاص : 1 ـ 4 ] ؛ فبيّن أنّه أحد صمد ، واسمه الأحد يتضمّن نفي المثل ، واسمه الصّمد يتضمّن جميع صفات الكمال )) (330) .
واسم الواحد مقارب لاسم الأحد ، وقد فرّق ابن الأثير بينهما من وجهين : ـ
أ ? أنّ الأحد بني لنفي ما يذكر معه من العدد ؛ فهو يقع على المذكّر والمؤنّث ؛ يقال : ما جاءني أحد ؛ أي ذكر ولا أنثى ، وأمّا الواحد فإنّه وضع لمفتتح العدد ، تقول : جاءني واحد من النّاس ، ولا تقول فيه : جاءني أحد من النّاس .
ب ? أنّ الواحد يفيد الانفراد بالذات ؛ لأنّه بني على انقطاع النّظير والمثل ، والأحد يفيد الانفراد بالمعاني ؛ لأنّه بني على الانفراد والوحدة عن الأصحاب (331) . وهذا قد يكون مقبولاً حال اقتران الاسمين ؛ لأنّ الظّاهر أنّ كلاًّ منهما يدلّ حال الإفراد على وحدة الذّات والصّفات (332) .(1/108)
2 ـ العزيز ؛ أي الَّذي لا مثل له ولا نظير (333) ؛ وهذا بناءً على تفسير العزيز بالنّادر الَّذي يصعب أو يتعذّر وجود مثله ؛ يقال : عزّ الشّيء فهو عزيز إذا قلّ فلا يكاد يوجد ، قال تعالى : { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ } [ فصّلت : 41 ] ؛ أي كتاب محالٌ مناله ، ووجود مثاله (334) . وقد فسّر البديع بما يقارب هذا المعنى ؛ أي البديع في نفسه ، فلا مثل له . والظّاهر أنّ فعيل بمعنى مُفعِل ؛ أي مبدع الخلائق ، وفاطرهنّ بلا مثال يحتذيه ، ولا شريك يعاونه (335) .
3 ـ القهّار ؛ أي الواحد الَّذي لا نظير له ولا ندّ ؛ لأنّ القهر ملازم للوحدة ، فلا يكون اثنان قهّاران متساويين في قهرهما أبدًا ؛ يقول ابن القيّم : (( القهر المطلق مع الوحدة .. متلازمان ؛ فلا يكون القهّار إلاّ واحدًا ؛ إذ لو كان معه كفؤ له ؛ فإن لم يقهره لم يكن قهّارًا على الإطلاق ، وإن قهره لم يكن كفؤًا ، وكان القهّار واحدًا )) (336) .
فالَّذي يقهر جميع الأشياء هو الواحد الَّذي لا نظير له ، وهو الَّذي يستحقّ أن يعبد وحده كما كان قاهرًا وحده ، قال تعالى : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } [ ص : 65 ] ؛ فأبطل الشّرك ، وقرّر ألوهيّته بوحدته ، وقهره لكلّ شيء (337) .
4 ـ الرَّحمن ؛ أي ذو الرّحمة الكاملة الَّتي لا نظير له فيها ولا مثل ؛ لأنّ بناء فعلان يدلّ على السّعة والشّمول ، وثبوت جميع معناه للموصوف به ؛ فيفيد التفرّد بالرّحمة التامّة (338) ؛ ولهذا لا يثنّى ولا يجمع كما يثنّى اسم الرّحيم ويجمع (339) .(1/109)
5 ـ المتكبّر ؛ أي العظيم ، المتعالي عن صفات الخلق ، والتاء في اسم المتكبّر تاء المتفرّد ، والمتخصّص ، لا تاء المتعاطي والمتكلّف (340) . ويحتمل أن يفسّر بما يعمّ النّقائص والعيوب (341) ؛ أي المتعالي عن مماثلة الخلق في ذواتهم وصفاتهم ، وعن جميع النّقائص والعيوب ؛ فيكون من أسماء التّمجيد المستوعبة لجميع معاني التّقديس ؛ وهي الَّتي ذكرناها ضمن أسماء التّنزيه المطلق ؛ كالصّمد ، والمجيد ، والعليّ .
6 ـ اللّطيف ؛ فقد فسّر بالَّذي لطف عن أن يدرك بالكيفيّة (342) ، وهذا التّفسير يتضمّن التّنزيه عن وجود المثل ؛ لأنّ إدراك الكيفيّة إنّما يكون بمعرفة الذات ، أو بمعرفة النّظير المماثل ؛ فإذا تعذّر إدراك الكيفيّة على الخلق جميعًا كان ذلك دليلاً على انتفاء معرفتهم بحقيقة الذات ، وعلى عدم النّظير المماثل الَّذي تعتبر ذات الخالق بذاته ، وصفاته بصفاته (343) .
وإلى جانب هذه الأسماء فإنّ هناك نوعان آخران من الأسماء الحسنى يدلاّن على بطلان التّمثيل ، وعلى تفرّد الربّ المطلق بماله من الصّفات ؛ أحدهما : أسماء التّقديس الدالّة على التّنزيه المطلق ؛ كالقدّوس ، والسّلام ، والسبوّح ؛ فإنها تدلّ على سلامة الربّ ، وطهارته ، ومباعدته عن كلّ عيب ، أو نقص ، وعن أن يكون له كفء في ذاته ، أو صفاته ، أو أفعاله .
والثّاني : أسماء التّمجيد ، الَّتي تدلّ على جميع صفات الكمال ؛ كالصّمد ، والمجيد ، والعظيم ، والواسع ، والأعلى ؛ فإنّ هذه الأسماء تنافي جميع النّقائص ؛ لأنّ ثبوت الكمال يستلزم نفي ضدّه ، وما يستلزم ضدّه ؛ وتنافي أيضًا وجود المثل والكفء ؛ لأنّ اتّصاف الربّ بأعلى صفات الكمال يستحيل معه وجود المثل ؛ لأنهما إن تماثلا ارتفع الكمال عنهما معًا ، وإن لم يتماثلا فالكمال الأعلى لأحدهما وحده . وقد تقدّم بيان هذه المعاني بشيء من التّفصيل في مبحث التّنزيه المطلق ، والحمد لله ربِّ العالمين .
( ( ( ( (
الخاتمة(1/110)
أحمد الله في الختام كما حمدته في البدء ، فهو أهل للحمد في كلّ موطن ، وبعد : ـ
فقد انتهيت من دراسة موضوع دلالة الأسماء الحسنى على التّنزيه إلى نتائج كثيرة ، منها : ـ
1 ـ التّنزيه والإثبات ركنا التّوحيد العلمي ، وهما مترابطان ترابط الرّوح والجسد ، فكلّ تنزيه يستلزم إثباتًا ، وكلّ إثبات يستلزم تنزيهًا .
2 ـ يجب التّفريق بين التّنزيه الشرّعيّ والبدعي ؛ فالشرّعيّ ما دلّت عليه أسماء الربّ وآياته ، والبدعي ما ابتدعه المتكلّمون من ألفاظ ظاهرها التّنزيه وباطنها التّعطيل .
3 ـ التّنزيه الشرّعيّ يورث أهله إيمانًا صادقًا وعملاً صالحًا ، خلافًا للتنزيه البدعي فَإِنَّهُ يورث أهله معرفة بذات مجرّدة عن الصّفات لا يقبل العقل وجودها ، فضلاً عن أن يقود القلب للتألّه لها .
4 ـ إحصاء الأسماء الحسنى من أعظم الأعمال ، والمراد به استيفاؤها عدًّا وحفظًا ، والإحاطة بها علمًا وفهمًا ، والقيام بحقّها قولاً وعملاً .
5 ـ عدم ثبوت تعيين الأسماء الحسنى مرفوعًا إِلى النَّبيِّ ( ؛ ولهذا فإنّ أسلم المناهج في تعيينها الأسماء يقوم على تتبّعها من النّصوص الثابتة ، مع مراعاة قواعد وضوابط تعيين الأسماء .
6 ـ أسماء الله تعالى من أعظم أدلّة التّنزيه ؛ وهي تدلّ على التّنزيه باعتبار وصفها ، وتدلّ عليه باعتبار آحادها .
7 ـ تمدّح الربّ بأنّ له أحسن الأسماء وأعلاها يدلّ على تنزيهه عن أسماء الذمّ وأفعاله ؛ وعن الأعلام الجامدة ، والأسماء الاصطلاحيّة ، وعن ظنّ السوء ، وعن الشّريك .
8 ـ أسماء اللّه تعالى تدلّ باعتبار آحادها على التنزيه المطلق ، وعلى التنزيه عن أعيان النقائص .
9 ـ التّنزيه المطلق يستفاد من أسماء التّقديس المطلق ، لأنّها تدلّ صراحة على نزاهة الرب عن النّقص والمثل ؛ ويستفاد أَيْضًا من أسماء التمجيد المطلق ؛ لأنَّ ثبوت الكمال المطلق يستلزم انتفاء النّقص ، ويستحيل معه وجود المثل .(1/111)
10 ـ دلّت آيات الربّ على تنزيهه عن كثير من النقائص بأعيانها ؛ كالعبث ، والظّلم ، والعجز ، وهذا مقتضى كثير من أسماء التمجيد المقيّدة بصفات معيّنة ؛ لأنّ إثبات الشَّيء نفي لضدّه ، ولما يستلزم ضدّه عقلاً ونقلاً .
11 ـ بطلان التّمثيل عقلاً ونقلاً ؛ فليس لله مثل ، أو كفء ، أو سميّ ، وتعتبر أسماء الله الحسنى من أعظم أدلّة بطلانه ؛ إذ جميع أسماء التقديس والتمجيد المطلق براهين على بطلانه ، وهكذا شأن بعض الأسماء المقيّدة بصفات محدّدة ؛ كالواحد والأحد ، والقهّار . والله أعلم ، وصلّى الله على نبيّنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين .
( ( ( ( (
مراجع البحث
1 ? ابن تَيْمِيَّة السّلفي ، نقده لمسالك المتكلّمين في الإلهيّات ، للدّكتور / محمَّد خليل هرّاس . دار الكتب العلميّة ، توزيع دار الباز بمكّة ، الطّبعة الأولى ، 1404 هـ ، 1984 م .
2 ? ابن حزم وموقفه من الإلهيات ، للدكتور/ أحمد بن ناصر الحمد ، الطبعة الأولى 1406هـ ، مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى بمكة المكرمة .
3 ? إرشاد العقل السّليم إلى مزايا الكتاب الكريم ( تفسير أبي السعود ) ، لأبي السّعود بن محمَّد العمادي . دار الفكر .
4 ? أساس التقديس ، لفخر الدِّين الرّازي . الطبعة الأولى 1406 هـ ، مكتبة الكليّات الأزهريّة بالقاهرة .
5 ? أصول مذهب الشّيعة الإماميّة الإثني عشريّة ، لناصر بن عبد اللّه القفاري . الطّبعة
الثّانية ، 1415 هـ .
6 ? أضواء البيان ، لمحمّد بن محمَّد الشنقيطي . عالم الكتب ، بيروت .
7 ? اقتضاء الصّراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم ، لأحمد بن عبد الحليم بن تَيْمِيَّة ، تحقيق / ناصر العقل . بيروت ، الطّبعة الأولى ، 1404 هـ .
8 ? أوضح المسالك بشرحه ضياء السّالك ، لعبد اللّه بن يوسف بن أحمد بن هشام ، وشرحه لمحمّد عبد العزيز النجّار . طبعة 1401 هـ ، 1981 م .(1/112)
9 ? إيثار الحقّ على الخلق ، لأبي عبد اللّه محمَّد بن المرتضي المشهور بابن الوزير . دار الكتب العلميّة ، بيروت ، الطّبعة الأولى ، 1403 هـ .
10 ? بدائع الفوائد ، لمحمّد بن أبي بكر بن قيّم الجوزيّة . دار الكتاب العربيّ ، بيروت ، إدارة الطّباعة المنيريّة .
11 ? الترغيب والترهيب ، للحافظ عبد العظيم المنذري ، تعليق محمَّد عمارة . دار الكتب ، بيروت ، الطّبعة الأولى ، 1406 هـ .
12 ? التّعريفات ، لعليّ بن محمَّد الجرجاني . الطبعة الأولى 1403 هـ ، دار الكتب العلميّة بلبنان .
13 ? تفسير اسماء اللّه الحسنى ، لإبراهيم بن السّري الزّجاج ، تحقيق / أحمد يوسف الدقّاق . دار الثّقافة العربيّة بدمشق ، الطّبعة الخامسة ، 1412 هـ ، توزيع دار الإفتاء بالسّعوديّة .
14 ? تفسير القرآن العظيم ، لإسماعيل بن كثير القرشي . مكتبة دار التراث بالقاهرة ، مطابع المختار الإسلامي .
15 ? التّفسير الكبير ، للفخر الرّازي . دار الكتب العلميّة ، طهران ، الطّبعة الثّانية .
16 ? تيسير العزيز الحميد ، لسليمان بن عبد اللّه بن محمَّد بن عبد الوهاب . الطبعة الخامسة 1402 هـ ، المكتب الإسلاميّ .
17 ? تيسير الكريم الرّحمن في تفسير كلام المنّان ( تفسير السعدي ) ، لعبد الرّحمن بن ناصر السّعدي . المؤسّسة السعيدية بالرّياض .
18 ? جامع الأصول في أحاديث الرّسول ، للمبارك بن محمَّد الجزري ، تخريج عبد القادر الأرنؤوط . مكتبة الحلواني ، الطّبعة الأولى ، 1389 هـ .
19 ? جامع البيان عن تأويل آي القرآن ( تفسير الطّبري ) ، لأبي جعفر محمَّد بن جرير الطّبري . طبعة 1405 هـ ، دار الفكر ببيروت .
20 ? جامع الدروس العربيّة ، لمصطفى الغلاييني . المكتبة العصريّة ، بيروت ، الطّبعة
الثامنة عشرة .
21 ? جامع العلوم والحكم ، لعبد الرّحمن بن أحمد بن رجب . دار المعرفة ، بيروت .(1/113)
22 ? الجامع لأحكام القرآن ( تفسير القرطبي ) ، لأبي عبد اللّه محمَّد بن أحمد القرطبي ، تصحيح / أحمد البردوني . الطبعة الثّانية .
23 ? الجواب الصّحيح لمن بدّل دين المسيح ، لأبي العبّاس أحمد بن عبد الحليم بن تَيْمِيَّة ، تحقيق الدكتور / عليّ حسن ورفاقه . الطبعة الثّانية 1419 هـ ، دار العاصمة بالرّياض .
24 ? حاشية الشّهاب على البيضاوي ، لشهاب الدِّين أحمد بن محمَّد الخفاجي . دار الكتب العلميّة ، بيروت ، الطّبعة الأولى ، 1417 هـ .
25 ? حاشية الصّاوي على تفسير الجلالين ، لأحمد الصّاوي المالكي . طبعة 1414 هـ ، دار الفكر .
26 ? حاشية كتاب التّوحيد ، لعبد الرّحمن بن محمَّد بن قاسم . مؤسّسة قرطبة للنّشر والتّوزيع بمصر ، مطبعة الإيمان بمصر .
27 ? الحق الواضح المبين في شرح توحيد الأنبياء والمرسلين ، لعبد الرَّحمن بن ناصر السّعدي . مكتبة المعارف ، بالرِّياض ، طبعة 1416 هـ .
28 ? الحيدة ، لعبد العزيز بن يحيى بن مسلم الكناني . مطابع الجامعة الإسلاميّة بالمدينة ، مركز شؤون الدّعوة ، الطّبعة الثّانية ، 1405 هـ .
29 ? الخطط المقريزيّة ( المواعظ والاعتبار ) ، لأبي العبّاس أحمد بن عليّ المقريزيّ . مكتبة الثّقافة الدينيّة ، الطّبعة الثّانية .
30 ? درء تعارض العقل والنّقل ، لشيخ الإسلام ابن تَيْمِيَّة ، تحقيق د/ محمَّد رشاد سالم . مطابع جامعة الإمام محمَّد بن سعود ، الرياض ، الطّبعة الأولى ، 1399 هـ .
31 ? الدرّة فيما يجب اعتقاده ، لمحمّد بن عليّ بن سعيد بن حزم ، تحقيق وتخريج / د. أحمد بن ناصر الحمد ، وسعيد بن عبد الرَّحمن القزقي . مطبعة المدني بمصر ، الطّبعة الأولى ، 1408 هـ .
32 ? دعوة التّوحيد ، للدّكتور محمَّد خليل هرّاس . الطبعة الأولى 1407 هـ ، مكتبة ابن تَيْمِيَّة بالقاهرة .
33 ? ديوان عامر بن الطّفيل ، دار صادر ، بيروت ، 1383 هـ .(1/114)
34 ? الردّ على الزنادقة والجهميّة ، لإمام أهل السنّة / أحمد بن حنبل ( ضمن عقائد السّلف ) تحقيق عليّ النشّار وزميله . منشأة المعارف بالإسكندريّة .
35 ? الرِّسالة التدمريّة ، لأبي العبّاس بن تَيْمِيَّة ، تحقيق الدكتور / محمَّد بن عودة السعوي . الطبعة الأولى ، شركة العبيكان للطّباعة والنّشر .
36 ? روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ، لشهاب الدِّين محمود الآلوسي . طبعة 1408 هـ ، دار الفكر .
37 ? زاد المسير في علم التّفسير ، لجمال الدِّين عبد الرّحمن بن الجوزي . الطبعة الرّابعة 1407 هـ ، المكتب الإسلامي ببيروت .
38 ? زاد المعاد في هدي خير العباد ، للإمام محمَّد بن أبي بكر الزّرعيّ ( ابن القيّم ) ، تحقيق وتخريج / شعيب وعبد القادر الأرنؤوط . مؤسّسة الرِّسالة ، الطّبعة الخامسة عشر ، 1407 هـ .
39 ? سبل السّلام شرح بلوغ المرام ، لمحمّد بن إسماعيل الصّنعاني ، تحقيق / خليل شيحا . دار المعرفة ، ببيروت ، الطّبعة الأولى ، 1415 هـ .
40 ? سلسلة الأحاديث الصّحيحة ، لمحمّد ناصر الدِّين الألباني . الطبعة الثّانية 1407 هـ ، مكتبة المعارف بالرّياض .
41 ? شرح الأصول الخمسة ، للقاضي عبد الجبّار بن أحمد الهمذاني ، تحقيق الدكتور / عبد الكريم عثمان . الطبعة الأولى 1384 هـ ، مكتبة وهبة بمصر .
42 ? شرح العقائد النّسفيّة ، لسعد الدِّين التفتازاني . مطبعة كردستان العلميّة ، مصر ، طبعة 1329 هـ.
43 ? شرح العقيدة الطحاوية ، لعليّ بن عليّ بن أبي العزّ الحنفي ، تحقيق وتخريج / شعيب الأرنؤوط . الطبعة الأولى 1401 هـ ، مكتبة دار البيان .
44 ? شرح القصيدة النونيّة ، للدّكتور / محمَّد خليل هرّاس . دار الكتب العلميّة ، ببيرت .
45 ? شرح المقاصد ، لسعد الدِّين التفتازاني ، تعليق / عبد الرّحمن عميرة . عالم الكتب ، بيروت ، الطّبعة الأولى ، 1409 هـ .(1/115)
46 ? شرح المواقف ، لعليّ بن محمَّد الجرجاني . دار الكتب العلميّة ، بيروت ، الطّبعة
الأولى ، 1419 هـ .
47 ? شرح جوهرة التّوحيد ، لإبراهيم بن محمَّد البيجوري . دار الكتب العلميّة ، بيروت ، الطّبعة الأولى ، 1403 هـ .
48 ? شرح رياض الصّالحين ، لمحمّد بن صالح العثيمين . دار الوطن العربي ، الطّبعة الأولى ، 1415 هـ .
49 ? شرح صحيح مسلم ، للحافظ يحيى بن شرف النّووي . دار الكتب العلميّة ببيروت .
50 ? الشّريعة ، للإمام محمَّد بن الحسين الآجري ، تحقيق / محمَّد حامد الفقي . دار الكتب العلميّة ، بيروت ، الطّبعة الأولى ، 1403 هـ .
51 ? شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل ، لابن قيّم الجوزيّة . الطبعة الأولى 1407 هـ ، دار الكتب العلميّة .
52 ? صحيح الجامع الصّغير وزيادته ، لمحمّد ناصر الدِّين الألباني . الطبعة الثّانية 1406 هـ ، المكتب الإسلاميّ .
53 ? الصّواعق المرسلة على الجهميّة والمعطّلة ، لمحمّد بن أبي بكر بن قيّم الجوزيّة ، تحقيق د / عليّ ابن محمَّد بن دخيل اللّه . دار العاصمة ، الرِّياض ، الطّبعة الثّانية ، 1418 هـ .
54 ? ضعيف الجامع الصّغير وزيادته ، لمحمّد الألباني . المكتب الإسلامي، الطّبعة
الثّانية ، 1399 هـ .
55 ? عدّة الصابرين وذخيرة الشّاكرين ، للإمام محمَّد بن أبي بكر بن القيّم ، تحقيق / محمَّد عثمان الخشت . دار الكتاب العربي ، الطّبعة الثّانية ، 1406 هـ .
56 ? فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، للحافظ / أحمد بن عليّ بن حجر ، تحقيق الشّيخ / عبد العزيز بن باز . دار المعرفة ببيروت .
57 ? فتح القدير ، لمحمّد بن عليّ الشوكاني . دار المعرفة ، بيروت .
58 ? فتح المجيد شرح كتاب التّوحيد ، لعبد الرّحمن بن حسن آل الشّيخ ، تحقيق وتخريج / عبدالقادر الأرنؤوط . دار البيان ، الطّبعة الأولى ، 1402 هـ .(1/116)
59 ? الفرق بين الفرق ، لعبد القادر بن طاهر البغدادي ، تحقيق / محمَّد محيي الدِّين عبد الحميد . دار المعرفة ببيروت .
60 ? الفصل في الملل والأهواء والنّحل ، لعليّ بن أحمد بن سعيد بن حزم ، تحقيق / محمَّد نصر وزميله . دار الجيل ، بيروت .
61 ? فيض القدير شرح الجامع الصّغير ، لعبد الرؤوف المناوي . دار المعرفة ، بيروت .
62 ? قاعدة في المحبّة ، لشيخ الإسلام ابن تَيْمِيَّة ، تحقيق الدّكتور / محمَّد رشاد سالم . مكتبة التراث الإسلامي ، بالقاهرة ، مطبعة دار المدينة بالقاهرة .
63 ? القاموس المحيط ، لمحمّد بن يعقوب الفيروزآبادي . المؤسسة العربيّة للطّباعة والنّشر .
1 ? القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى ، لمحمد بن صالح العثيمين ، مكتبة الكوثر 1406هـ .
1 ? القول السّديد في مقاصد التّوحيد ، لعبد الرّحمن بن ناصر السّعدي . الرئاسة العامّة للبحوث ، بالرِّياض ، 1404 هـ .
2 ? القول المفيد ، لمحمّد بن صالح العثيمين ، تحقيق / سليمان أبا الخيل ، وخالد المشيقح . دار العاصمة بالرِّياض ، الطّبعة الأولى ، 1415 هـ .
3 ? كشّاف اصطلاحات الفنون ، لمحمّد عليّ التهانوي . دار الكتب العلميّة ، ببيروت ، الطّبعة الأولى ، 1418 هـ ، 1998 م .
4 ? الكشّاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل ، لمحمود بن عمر الزّمخشريّ . الطبعة الأولى 1397 هـ ، دار الفكر للطّباعة والنّشر .
5 ? الكليّات ، لأيوّب بن موسى الكفوي ، تحقيق / عدنان درويش وزميله . مؤسّسة الرِّسالة ، بيروت ، الطّبعة الأولى ، 1412 هـ .
6 ? مجموع الفتاوى ، لشيخ الإسلام ابن تَيْمِيَّة ، جمع وترتيب عبد الرّحمن بن محمَّد بن قاسم . مطبعة المساحة العسكريّة بالقاهرة 1404 هـ .
7 ? المحرّر الوجيز ( تفسير ابن عطيّة ) ، للقاضي أبي محمَّد عبد الحقّ بن غالب بن عطيّة ، تحقيق / عبد السّلام عبد الشافي . الطبعة الأولى 1422 هـ ، دار الكتب العلميّة ببيروت .(1/117)
8 ? محصل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين ، لفخر الدِّين محمَّد بن عمر الرّازيّ . دار الكتاب العربيّ بيروت ، الطّبعة الأولى ، 1404 هـ .
9 ? المحلّى ، لأبي محمَّد عليّ بن أحمد بن سعيد بن حزم ، تحقيق / أحمد محمَّد شاكر . دار التراث بالقاهرة .
10 ? مختار الصّحاح ، لمحمّد بن أبي بكر الرّازيّ . دار الكتاب العربيّ ، بيروت ، الطّبعة
الأولى ، 1967 م .
11 ? مختصر تنقيح الفصول ، لشهاب الدِّين القرافي المالكي . مكتبة الشّافعيّ بالرِّياض [ ضمن مجموعة متون أصوليّة مهمّة في المذاهب الأربعة ] ، الطّبعة الثّانية ، 1410 هـ .
12 ? مدارج السّالكين ، للإمام ابن قيّم الجوزيّة ، تحقيق محمَّد الفقي . دار الرشاد بالمغرب .
13 ? مدارك التّنزيل وحقائق التأويل ( تفسير النّسفي ) ، لأبي البركات عبد اللّه النّسفي . دار الفكر .
14 ? مذاهب فكريّة معاصرة ، لمحمّد قطب . دار الشّروق ، الطّبعة الأولى ، 1403 هـ .
15 ? مذكّرة أصول الفقه ، لمحمّد الأمين الشنقيطي . المكتبة السّلفيّة بالمدينة .
16 ? مراتب الإجماع ، لعليّ بن أحمد بن سعيد بن حزم . دار الكتب العلميّة ، بيروت ، توزيع مكتبة الباز ، بمكّة .
17 ? مروج الذّهب ومعادن الجوهر ، لعليّ بن الحسين المسعودي ، تحقق / محمَّد محيي الدِّين عبد الحميد . المكتبة العصريّة ، بيروت ، 1407 هـ .
18 ? المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدِّين ، للدّكتور / محمَّد العروسي عبد القادر . دار حافظ للنّشر والتوزيع ، الطّبعة الأولى ، 1410 هـ .
19 ? مصباح الزّجاجة في زوائد ابن ماجه ، لأحمد بن أبي بكر البوصيري ، تحقيق / موسى محمَّد عليّ وزميله . مطبعة حسّان بالقاهرة .
20 ? المصباح المنير في غريب الشّرح الكبير ، لأحمد بن محمَّد الفيومي . المكتبة العلميّة ، بيروت.(1/118)
21 ? معالم التّنزيل ( تفسير البغوي ) ، لحسين بن مسعود البغوي ، تحقيق خالد العك وزميله . الطبعة الثّانية 1407 هـ ، دار المعرفة .
22 ? المعجم الفلسفي ، للدكتور جميل صليبا . طبعة 1414 هـ ، الشّركة العالمية للكتاب .
23 ? المعجم الوسيط ، لإبراهيم مصطفى وزملائه . الطّبعة الثّانية .
24 ? معجم مقاييس اللّغة ، لأحمد بن فارس ، تحقيق عبد السّلام هارون . طبعة 1399 هـ ، دار الفكر .
25 ? معيار العلم في فنّ المنطق ، لأبي حامد الغزالي . دار الأندلس بلبنان .
26 ? المغرب في ترتيب المعرب ، لأبي الفتح ناصر الدِّين المطرّزي ، تحقيق / محمود فاخوري وعبد الحميد مختار . مكتبة دار الاستقامة ، حلب ، سوريا ، الطّبعة الأولى ، 1399 هـ / 1979 م .
27 ? المفردات في غريب القرآن ، للراغب الأصفهاني ، تحقيق محمَّد سيّد كيلاني . دار
المعرفة ، بيروت .
28 ? مقالات الإسلاميّين واختلاف المصلّين ، لأبي الحسين عليّ بن إسماعيل الأشعريّ . دار إحياء التّراث العربي ، بيروت ، الطّبعة الثّالثة .
29 ? مقدّمة ابن خلدون ، لعبد الرَّحمن بن محمَّد بن خلدون . مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت .
30 ? الملل والنّحل ، لمحمّد بن عبد الكريم الشهرستاني ، تحقيق / محمَّد سيّد الكيلاني . دار المعرفة ، بيروت ، الطّبعة الثّانية ، 1395 هـ .
31 ? المنهاج الأسنى في شرح أسماء اللّه الحسنى ، للدّكتور زين محمَّد شحاته . مكتبة العواصم ، الطّبعة العاشرة ، 1422 هـ .
32 ? منهاج السنّة النّبويّة ، لشيخ الإسلام ابن تَيْمِيَّة ، تحقيق محمَّد رشاد سالم . الطّبعة
الأولى ، 1406 هـ .
33 ? نهاية السّول في شرح منهاج الأصول ، لعبد الرّحيم بن الحسن الإسنوي . جمعيّة نشر الكتب العربيّة ، المطبعة السّلفيّة بالقاهرة .
34 ? النّهاية في غريب الحديث والأثر ، للمبارك بن محمَّد الجزري ، تحقيق / طاهر أحمد الزاوي ومحمود الطناحي . مكتبة الباز بمكّة .(1/119)
35 ? الوعد الأخروي ، لعيسى عبد اللّه السّعدي . دار عالم الفوائد بمكّة الطّبعة
الأولى ، 1422 هـ .
( ( ( ( (
فهرس الموضوعات
المقدّمة …
خطّة البحث …
تمهيد : إحصاء الأسماء الحسنى …
الأوّل : إحصاء ابن حجر …
الثّاني : إحصاء ابن عثيمين …
الفصل الأَوَّل
دلالة وصف الأسماء …
المبحث الأوّل : معنى الأسماء الحسنى …
المبحث الثّاني : التّنزيه عن أسماء الذمّ وأفعاله …
أسماء الذمّ الصّريحة …
الأسماء المحتملة للذمّ …
الأسماء الموهمة بالذمّ …
التّنزيه عن أفعال الذمّ …
المبحث الثّالث : التّنزيه عن الأعلام الجامدة …
المبحث الرّابع : التّنزيه عن الأسماء الاصطلاحيّة …
المبحث الخامس : التّنزيه عن ظنون السوء …
إنكار الأسماء الحسنى …
الطّعن في دلالة الأسماء …
الشكّ في مُوجَبات الأسماء …
المبحث السّادس : التّنزيه عن الشّريك …
التفرّد بالأسماء المختصّة …
التفرّد في الأسماء المتواطئة …
التفرّد بلازم الأسماء الحسنى …
الفصل الثّاني
دلالة آحاد الأسماء …
تمهيد …
أنواع الأسماء الحسنى …
المبحث الأوّل : التّنزيه المطلق …
المبحث الثّاني : التّنزيه عن النقائص …
التّنزيه عن الحدوث وخصائصه …
التّنزيه عن الجهل …
التّنزيه عن العجز …
التّنزيه عن العبث …
التّنزيه عن الظّلم …
التّنزيه عن الفقر والبخل …
المبحث الثّالث : التّنزيه عن المثل …
معنى التّمثيل وأنواعه …
بطلان التّمثيل عقلاً ونقلاً …
الخاتمة …
مراجع البحث …
فهرس الموضوعات …
( ( ( ( (
(1)……شيئًا ، نكرة في سياق النّهي فتعمّ جميع أنواع الشّرك ، والنّهي عن الشّرك يستدعي الأمر بالتّوحيد بالاقتضاء . وفي الابتداء بالإيصاء بالتّوحيد نفيًا وإثباتًا دليل على أنّه أعظم الواجبات ، وأنّ الشّرك أعظم المحرّمات . انظر : تيسير العزيز الحميد لسليمان بن عبد اللّه ص54 ، حاشية كتاب التّوحيد لابن قاسم ص14 ـ 17 .
(2)……تفسير القرطبي 7/131 ، 132 .(1/120)
(3)……انظر : مدارج السّالكين لابن القيّم 1/24 ، 25 .
(4)……المرجع السّابق 1/25 .
(5)……انظر : تيسير العزيز الحميد ص51 .
……المراد بالنّفي المحض النفي المجرّد ، الَّذِي لاَ يستلزم إثباتًا ، وَلاَ يدلّ عَلَيْهِ بوجه من الوجوه ؛ وهو لا يكفي في تحقيق التّوحيد العلمي ؛ ولهذا أنكر علماء السّلف تنزيهات المتكلّمين القائمة عَلَى النّفي المجرّد ؛ كنفي الأبعاض ، والأعراض ، والحدّ ، والجهة .
……وهكذا شأن التّوحيد العملي ، فلا بدّ فيه من نفي وإثبات ؛ هما ركنا التوحيد العملي ، فلا يكون إِلاَّ بهما ؛ إذ لا بُدّ فِيهِ من البراءة من عبادة ما سوى اللّه ، وإفراد اللّه بجميع أنواع العبادة .
(6)……مدارج السّالكين لابن القيّم 2/35 .
(7)……الحكمة في الاقتصار على هذا العدد المخصوص أنّ الأسماء ولو كثرت إلاّ أنّ معانيها موجودة في التّسعة والتّسعين المذكورة ، أو لكون هذا العدد أكثر الأسماء وأبينها معاني ، وذهب كثير من أهل العلم إلى أنّه تعبّد لا يعقل معناه ، كما يقال في عدد الصّلوات ونظائرها . وقيل غير ذلك ، واللّه أعلم . انظر : فتح الباري لابن حجر 11/220 ، 221 .
(8)……صحيح البخاريّ بشرحه فتح الباري : كتاب التّوحيد ، باب ان للّه مائة اسم إلاّ واحدة 13/377 ، صحيح مسلم بشرحه للنّوويّ : كتاب الذّكر والدّعاء ، باب في أسماء اللّه تعالى وفضل من أحصاها 17/5 ، 6 .
(9)……دعاء العبادة هو القيام بأمر اللّه قولاً وعملاً ، وهذا القيام من حقوق أسماء اللّه الحسنى الَّتي يشملها معنى إحصائها . انظر : حاشية كتاب التّوحيد لابن قاسم ص114 ، القول المفيد لابن عثيمين 1/264 .
(10)……بدائع الفوائد لابن القيّم 1/164 ، وانظر : فتح الباري لابن حجر 11/225 ـ 227 ، 13/378 ، القواعد المثلى لابن عثيمين ص14 .
(11)……فتح الباري 11/226 .(1/121)
(12)……صحيح مسلم بشرحه للنّوويّ : كتاب الذّكر والدّعاء ، باب في اسماء اللّه تعالى ، وفضل من أحصاها 17/5 ، وانظر : صحيح البخاريّ بشرحه فتح الباري : كتاب الدّعوات ، باب لله مائة اسم غير واحدة 11/214 .
(13)……انظر : شرح صحيح مسلم للنّوويّ 17/5 ، فتح الباري لابن حجر 11/225 ، 226 .
(14)……فتح الباري 11/226 .
(15)……انظر : القاموس المحيط للفيروزآبادي 4/319 .
(16)……انظر : فتح الباري 11/226 ، 227 .
(17)……انظر : القاموس المحيط للفيروزآبادي 4/319 ، المعجم الوسيط ص180 .
(18)……انظر : النّهاية لابن الأثير 1/398 .
(19)……المسند للإمام أحمد ، باقي مسند الأنصار ، ح ( 1873 ، 21930 ) ، سنن ابن ماجه : كتاب الطّهارة ، باب المحافظة على الوضوء ، ح ( 277 ، 278 ) ، سنن الدارمي : كتاب الطّهارة ح ( 655 ) . يقول عبد القادر الأرنؤوط : هو حديث صحيح بطرقه . انظر : تخريج أحاديث جامع الأصول 9/395 .
(20)……انظر : النّهاية لابن الأثير 1/398 ، فتح الباري لابن حجر 11/225 .
(21)……انظر : فتح الباري لابن حجر 11/225 ، 226 .
(22)……الشّريعة ص122 .
(23)……المرجع السّابق ص122 ـ 129 .
(24)……انظر : سنن ابن ماجه : كتاب الدّعاء ، ح ( 3861 ) ؛ فتح الباري 11/215 ، 216 ، ضعيف الجامع الصّغير للألباني 2/177 ـ 181 .
(25)……سنن الترمذيّ ، كتاب الدّعوات ، ح ( 3507 ) ، وسيذكر الكلام على إسناده في صلب البحث .
(26)……مصباح الزّجاجة 3/207 .
(27)……انظر : فتح الباري لابن حجر 11/216 .
(28)……المرجع السّابق 11/215 .
(29)……انظر : مجموع الفتاوى لابن تَيْمِيَّة 8/96 ، 97 ، 22/482 ، تفسير ابن كثير 2/269 ، فتح الباري لابن حجر 11/217 .
(30)……مجموع الفتاوى لابن تَيْمِيَّة 22/482 .
(31)……سبل السّلام 4/166 .
(32)……انظر : فتح الباري 11/227 .(1/122)
……وهاتان الروايتان ذكرهما الحافظ ابن حجر ، وسكت عنهما . انظر : فتح الباري 11/227 . والأولى أخرجها أبو نُعيم عن ابن عَبَّاس وابن عمر . انظر : الدر المنثور للسّيوطي 3/148 ، ولم أقف على إِسناد هذه الرِّواية ، لأنّ الظّاهر أَنَّهَا في كتاب أفرده في الأسماء والصّفات لم أتمكّن من الاطّلاع عليه .
……أمّا الثّانية فرواها الدارمي . انظر : الردّ على المريسي ( ضمن عقائد السّلف ) ص369 ، 370 ، وفي إسنادها الوليد بن مسلم فيحتمل أن يكون أدرج هذه الزِّيادة مع تعيين الأسماء ، واللّه أعلم .
……وقد وجدت في تَفْسِير الطّبري رواية بلفظ : (( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا كلّهنّ في القرآن ، مَنْ أَحْصَاهُن دَخَلَ الْجَنَّةَ )) . انظر : تَفْسِير الطّبري 15/183 . ولكن في إسنادها حمّاد بْن عيسى الجهني ، وهو ضعيف ، بل وصفه بعض علماء الجرح والتّعديل بالدجّال . انظر : الجرح والتّعديل 3/145 ، الضّعفاء لأبي نُعيم 1/74 ، الضّعفاء لابن الجوزي 1/234 ، تقريب التّهذيب 1/197 .
(33)……انظر : تفسير ابن كثير 2/269 ، فتح الباري لابن حجر 11/217 ، 218 ، 219 .
(34)……انظر : فتح الباري 11/217 . وقد عزا ما ذكره عن ابن حزم إلى المحلّى ، فرجعت إليه فوجدته يذكر أنّه تقصّى الأسماء الحسنى في كتاب الاتصال . انظر : المحلّى 1/30 . والظّاهر أنّه من كتب ابن حزم المفقودة . انظر : ابن حزم وموقفه من الإلهيّات للدّكتور أحمد الحمد ص71 ، والقسم الأوّل من كتاب الدرّة ، الدِّراسة ص85 ، للدّكتور أحمد الحمد .
(35)……فتح الباري 11/217 .(1/123)
(36)……هُوَ : مُحَمَّد بْن صالح بْن عثيمين ، ولد في عنيزة سنة 1347 هـ ، وتوفّي سنة 1421 هـ ، ودفن بمكّة ، كان من أئمّة الفتوى ، ومن أشهر العلماء المحقّقين في هذا العصر ، له العديد من المؤلّفات النافعة ، كتلخيص الحموية ، تسهيل الفرائض ، القواعد المثلى ، القول المفيد ، المجموع الثّمين . وأكثر مؤلّفاته من جمع تلامذته ، فقد كان ـ رحمه اللّه ـ منقطعًا للتّدريس والإفتاء . انظر : المجموع الثّمين من فتاوى ابن عثيمين 1/7 ـ 12 .
(37)……انظر : القواعد المثلى لابن عثيمين ص15 ، 16 .
(38)……انظر : فتح الباري 11/218 ، 219 .
(39)……فتح الباري 11/219 .
(40)……القواعد المثلى لابن عثيمين ص15 .
(41)……المرجع السّابق .
(42)……إيثار الحقّ على الخلق ص163 . وقد ذكر ابن القيّم وغيره أنّ من اشتق له من كلّ فعل اسمًا بلغ بأسمائه زيادة على الألف . انظر : مدارج السّالكين 3/415 ، فتح الباري 11/220 .
(43)……انظر : إيثار الحقّ على الخلق ص159 ، 160 ، 163 .(1/124)
(44)……في الرّواية إشكال ، فإنّه جعل ما أنزله في كتابه ، أو علّمه أحدًا من خلقه ، أو استأثر به في علم الغيب عنده قسيمًا لما سمّى به نفسه ، ومعلوم أنّ هذا تقسيم وتفصيل لما سمّى به نفسه ، فوجه الكلام أن يقال : سمّيت به نفسك ، فأنزلته في كتابك ، أو علّمته أحدًا من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك . وجواب هذا الإشكال أن ( أو ) حرف عطف ، والمعطوف بها أخصّ ممّا قبله ، فيكون من باب عطف الخاصّ على العامّ ، فإنّ ما سمّى به نفسه يتناول جميع الأنواع المذكورة بعده ، فيكون عطف كلّ جملة منها من باب عطف الخاص على العامّ . وعطف بـ ( أو ) دون ( الواو ) مع أنّه المعهود في عطف الخاص على العام ؛ لبناء الكلام على التّقسيم والتّنويع ؛ والمعنى : سمّيت به نفسك فإما أنزلته في كتابك ، وإمّا علّمته أحدًا من خلقك ، وإمّا استأثرت به في علم الغيب عندك . انظر : شفاء العليل لابن القيّم ص457 ، بدائع الفوائد لابن القيّم 1/166 .
(45)……المسند ، مسند المكثرين من الصّحابة ، ح ( 4306 ) . قال الألباني : حديث صحيح . انظر : سلسلة الأحاديث الصّحيحة 1/336 ـ 342 ح ( 199 ) .
(46)……انظر : القواعد المثلى لابن عثيمين ص13 ، 14 .
(47)……انظر : شرح صحيح مسلم للنّوويّ 17/5 ، بدائع الفوائد لابن القيّم 1/167 ، فتح الباري لابن حجر 11/220 .
(48)……تقدّم تخريجه ، انظر : ص ( 9 ) من هذا البحث .
(49)……انظر : المحلّى لابن حزم 1/30 ، الدرّة لابن حزم ص239 ـ 243 ، فتح الباري لابن حجر 11/221 .
(50)……انظر : شرح صحيح مسلم للنّوويّ 17/5 ، بدائع الفوائد لابن القيّم 1/167 ، فتح الباري لابن حجر 11/220 ، 221 ، القواعد المثلى لابن عثيمين ص14 .
(51)……انظر : مجموع الفتاوى لابن تَيْمِيَّة 22/485 ، القواعد المثلى لابن عثيمين ص16 ، المنهاج الأسنى لزين شحاته 1/66 ، 67 .
(52)……انظر : بدائع الفوائد لابن القيّم 1/162 ، 168 ، 169 .(1/125)
(53)……انظر : مجموع الفتاوى لابن تَيْمِيَّة 8/96 ، مدارج السّالكين لابن القيّم 3/415 ، 416 ، بدائع الفوائد لابن القيّم 1/116 ، القواعد المثلى لابن عثيمين ص9 .
(54)……مدارج السّالكين 3/415 ، وانظر : بدائع الفوائد لابن القيّم 1/162 ، فتح الباري لابن حجر 11/223 .
(55)……انظر : معجم مقاييس اللّغة لابن فارس 3/98 ، 99 ، المفردات للرّاغب ص243 ، 244 ، مختار الصّحاح للرّازي ، ص315 ، 316 ، المصباح المنير للفيّومي ص290 ، 291 ، القاموس المحيط للفيروزآبادي 4/346 ، المعجم الوسيط ص452 .
……وانظر أيضًا : تفسير القرطبيّ 1/100 ـ 103 ، روح المعاني للآلوسي 1/52 ، حاشية الجمل على الجلالين 2/133 .
(56)……هذا إنّما يصحّ باعتبار الأصل والجملة ؛ لأنّ الصّفات منها ما هو أزليّ بإطلاق ؛ كالحياة . ومنها ما هو أزليّ الجنس متجدّد الآحاد ؛ كالعلم ، والإرداة ، والكلام ، والسّمع ، والبصر ؛ فالعلم مثلاً وإن كان أزليًّا ، شاملاً للكليّات والجزئيّات ، إلاّ أنّه يتجدّد بتجدّد متعلّقاته ، كما قال تعالى : { وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا } [آل عمران : 140 ] ، وقال : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ } [آل عمران : 142 ] . انظر : ابن تَيْمِيَّة السّلفيّ ونقده لمسالك المتكلّمين في الإلهيّات لمحمّد خليل هرّاس ص110 ، 111 .
(57)……تفسير القرطبي 1/101 .
(58)……انظر : جامع الدّروس العربيّة للغلاييني 1/97 ، 98 .
(59)……انظر : أوضح المسالك بحاشية ضياء السّالك لابن هشام 1/32 ـ 40 .
(60)……انظر : المفردات للرّاغب ص118 ، 119 ، القاموس المحيط للفيروزآبادي 4/215 ، 216 ، المعجم الوسيط ص174 .
……وانظر أيضًا : المحرّر الوجيز لابن عطيّة 2/480 ، تفسير القرطبي 7/326 ، 327 ، حاشية الجمل على الجلالين 2/134 .(1/126)
(61)……انظر : روح المعاني للآلوسي 17/97 .
(62)……انظر : المصدر السّابق 9/38 ، 39 .
(63)……انظر : تفسير القرطبيّ 20/83 ، روح المعاني 30/189 .
(64)……انظر : تفسير القرطبيّ 8/160 ، روح المعاني للآلوسي 10/115 ، 116 .
(65)……انظر : تفسير القرطبيّ 5/344 ، 8/330 ، 9/306 ، 17/106 ، روح المعاني للآلوسي 11/102 ، 13/133 ، 27/61 .
(66)……وصف جمع التّكسير بالمفرد المؤنّث شائع في الاستعمال اللّغوي ؛ كما في قوله تعالى : { وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى } [طه : 18 ] ، وقوله : { يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ } [سبأ : 10 ] . انظر : المحرّر الوجيز لابن عطيّة 2/480 ، الكليّات للكفوي ص403 .
(67)……انظر : الكشّاف للزّمخشريّ 2/132 ، المحرّر الوجيز لابن عطيّة 2/480 ، تفسير القرطبي 7/326 ، 327 ، بدائع الفوائد لابن القيّم 1/163 ، روح المعاني للآلوسي 9/120 .
(68)……انظر : تفسير القرطبي 10/119 ، الصواعق المرسلة لابن القيّم 3/1031 ، 1032 ، تيسير الكريم الرّحمن لابن سعدي 7/611 .
(69)……انظر : تفسير الرّازيّ 15/68 .
(70)……الرِّسالة التدمريّة ص139 ، وانظر : تيسير الكريم الرَّحمن لابن سعدي 3/120 .
(71)……انظر : إيثار الحقّ على الخلق لابن الوزير ص164 .
(72)……انظر : تيسير الكريم الرَّحمن لابن سعدي 3/120 .
(73)……مدارج السّالكين 3/415 ، وانظر : بدائع الفوائد لابن القيّم 1/161 ، إيثار الحقّ على الخلق لابن الوزير ص163 .
(74)……انظر : مدارج السّالكين لابن القيّم 3/415 ، 416 ، بدائع الفوائد لابن القيّم 1/116 .
(75)……انظر : تفسير الرّازيّ 15/68 ، 69 .
(76)……انظر : تفسير البغوي 2/88 ، تفسير ابن كثير 2/126 .
(77)……مجموع الفتاوى 6/142 .
(78)……انظر : مدارج السّالكين لابن القيّم 3/415 ، 416 ، بدائع الفوائد لابن القيّم 1/161 .(1/127)
(79)……سبل السلام 4/166 ، وانظر : مجموع الفتاوى لابن تَيْمِيَّة 8/96 ، 22/482 ، تفسير ابن كثير 2/269 ، بلوغ المرام لابن حجر ح ( 1395 ) ، المنهاج الأسنى لزين شحاته 1/29 ـ 36 .
(80)……مجموع الفتاوى 8/96 .
(81)……انظر : التّفسير الكبير للرازي 15/67 ، بدائع الفوائد لابن القيّم 1/167 .
(82)……انظر : تيسير الكريم الرَّحمن لابن سعدي 3/120 ، القواعد المثلى لابن عثيمين ص6 ، وانظر : شرح المواقف للجرجاني 8/233 ، شرح المقاصد للتفتازاني 4/345 .
(83)……انظر : الكشّاف للزّمخشريّ 2/132 ، تفسير النّسفي 2/87 ، حاشية الشّهاب على البيضاوي للخفاجي 4/408 ، روح المعاني للآلوسي 9/121 .
(84)……صحيح البخاريّ بشرحه فتح الباري : كتاب استتابة المرتدين ، باب إذا عرّض الذمي أو غيره بسب النَّبيّ ( ولم يصرّح 12/280 ، وانظر : صحيح مسلم بشرحه للنّوويّ : كتاب البرّ والصلة والآداب ، باب فضل الرّفق 16/146 .
(85)……النّونيّة بشرحها للهرّاس 2/93 .
(86)……ورد في إثباته حديث رواه ابن عديّ من طريق ابن عمر ، ولكن إسناده ضعيف ؛ لضعف مُحَمَّد بْن الفضل ، وأحمد بْن بديل فلا تقوم بِهِ حجّة . ولهذا أنكر العلماء دخوله في الأسماء الحسنى انظر : الكامل في ضعفاء الرِّجال لابن عدي 5/291 ، الكاشف للذّهبي 1/13 ، تفسير البغوي 2/218 ، بدائع الفوائد لابن القيّم 1/168 . الجامع الصغير بشرحه فيض القدير 2/225 ، ح ( 1722 ) ، ضعيف الجامع الصّغير للألباني 2/85 ، ح ( 1596 ) .
(87)……انظر : شرح النّونيّة للهرّاس 2/95 ، القواعد المثلى لابن عثيمين ص16 ، صحيح الجامع الصّغير للألباني 1/359 ، 1/370 ، ح ( 1744 ) و ح ( 1800 ) .
(88)……انظر : مجموع الفتاوى لابن تَيْمِيَّة 5/364 ، 419 ـ 430 ، الرِّسالة التّدمريّة ص53 ، 54 ، 121 ، 122 ، درء التّعارض 176 ـ 180 ، 5/192 ، 193 .(1/128)
(89)……شفاء العليل ص301 ـ 304 [ بتصرّف ] ، وانظر : بدائع الفوائد لابن القيّم 1/163 ، 164 ، شرح الطّحاويّة لابن أبي العزّ الحنفي ص227 ، 228 .
(90)……انظر : مدارج السّالكين لابن القيّم 1/28 ، 29 ، تيسير الكريم الرَّحمن لابن سعدي 3/120 ، القواعد المثلى لابن عثيمين ص6 .
(91)……مسند الإمام أحمد ، باقي مسند الأنصار ، ح ( 23675 ) ، وانظر : صحيح البخاريّ بشرحه فتح الباري : كتاب التّوحيد ، باب وكان اللّه سميعًا بصيرًا 13/372 ، سنن النسائي : كتاب الطّلاق ، ح ( 3460 ) ، سنن ابن ماجه : المقدّمة ، ح ( 188 ) ، والحديث رواه البخاريّ تعليقًا ، ووصله الباقون ، والحديث صحّحه الحاكم ووافقه الذَّهبيّ ، وقال الأرنؤوط : إسناده صحيح . انظر : المستدرك 2/481 ، تخريج أحاديث جامع الأصول 7/379 .
(92)……صحيح مسلم بشرحه للنّوويّ : كتاب الإيمان ، باب ما جاء في رؤية اللّه ( 3/13 .
(93)……صحيح البخاريّ بشرحه فتح الباري : كتاب الدّعوات ، باب الدّعاء عند الاستخارة 11/183 .
(94)……صحيح مسلم بشرحه للنّوويّ : كتاب البرّ والصّلة ، باب تحريم الكبر 16/173 .
(95)……انظر : مدارج السّالكين لابن القيّم 1/28 ـ 38 ، بدائع الفوائد لابن القيّم 1/162 ، 169 ، 170 ، القواعد المثلى لابن عثيمين ص 8 .
(96)……انظر : بدائع الفوائد لابن القيّم 1/162 .
(97)……انظر : الفصل لابن حزم 2/283 ـ 286 ، 293 ـ 297 ، شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبّار ص181 ـ 201 ، الملل والنّحل للشهرستاني 1/43 ـ 86 ، منهاج السنّة النّبويّة لابن تَيْمِيَّة 2/583 ، 584 ،
(98)……الردّ على الزنادقة والجهميّة [ ضمن عقائد السّلف ] ص91 ، 92 ، وانظر : ابن تَيْمِيَّة السّلفي ونقده لمسالك المتكلّمين في الإلهيّات للهرّاس ص92 ـ 95 .
(99)……انظر : تفسير القرطبي 1/103 ، شرح المواقف 8/234 .
(100)……انظر : كشّاف اصطلاحات الفنون للتهانوي 1/265 ، جامع الدّروس العربيّة للغلاييني 2/3 .(1/129)
(101)……انظر : تفسير أسماء اللّه الحسنى للزجّاج ص25 ، 26 ، تفسير القرطبيّ 1/102 ، 103 ، مدارج السّالكين لابن القيّم 1/32 .
(102)……صحيح البخاريّ بشرحه فتح الباري : كتاب التّفسير ، سورة الجاثية 8/574 ، وانظر : صحيح مسلم بشرحه للنّووي : كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها ، باب النّهي عن سبّ الدّهر 15/3 .
(103)……انظر : مجموع الفتاوى لابن تَيْمِيَّة 2/494 ، إيثار الحقّ على الخلق لابن الوزير ص163 ، فتح المجيد لعبد الرَّحمن بن حسن ص511 .
(104)……انظر : المفردات للرّاغب ص173 ، مختار الصّحاح للرازي ص212 ، القاموس المحيط للفيروزآبادي 2/33 .
……وانظر في الخلاف في اعتبار الدّهر من الأسماء الحسنى : مجموع الفتاوى لابن تَيْمِيَّة 2/491 ـ 496 ، فتح الباري لابن حجر 8/575 ، القول المفيد لابن عثيمين 2/357 ، 358 .
(105)……صحيح البخاريّ بشرحه فتح الباري : كتاب أحاديث الأنبياء ، باب قول اللّه تعالى : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا } 6/478 ، ح ( 3443 ) .
(106)……هكذا في الأصل ، ولعلّها الرقيق ؛ لأنّ الرّفيق من جملة الأسماء الحسنى الثّابتة ، وقد ذكره المؤلّف في النّونيّة المشهورة . انظر : النّونيّة بشرحها للهرّاس 2/93 .
(107)……بدائع الفوائد لابن القيّم 1/168 .
(108)……بدائع الفوائد لابن القيّم 1/169 ، 170 .
(109)……انظر في هذا القول وأدلّته : التّفسير الكبير للرازي 15/69 ، 70 ، الجواب الصّحيح لابن تَيْمِيَّة 5/7 ، بدائع الفوائد لابن القيّم 1/162 ، 169 ، شرح المواقف للجرجاني 8/233 ، شرح المقاصد للتفتازاني 4/344 ، روح المعاني للآلوسي 9/121 ، القواعد المثلى لابن عثيمين ص13 ، المنهاج الأسنى لزين شحاته 1/57 ، 60 ، 61 .
(110)……انظر : شرح المواقف للجرجاني 8/232 .(1/130)
(111)……هكذا قال ، مع أنّ اشتقاقه من ألفاظ القرآن ظاهر ، قال تعالى : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ } [الأنفال : 9 ] .
(112)……انظر : إيثار الحقّ على الخلق ص163 ، 174 .
(113)……انظر : روح المعاني 9/123 ، 124 .
(114)……المحرر الوجيرز لابن عطيّة 2/480 .
(115)……انظر : بدائع الفوائد لابن القيّم 1/162 .
(116)……تقدّم تخريجه ، انظر : ص ( 46 ) من هذا البحث .
……وانظر في هذا الوجه من الردّ بدائع الفوائد لابن القيّم 1/162 .
(117)……انظر : الجواب الصّحيح لابن تَيْمِيَّة 5/8 ، مجموع الفتاوى 6/142 ، 143 ، بدائع الفوائد لابن القيّم 1/161 .
(118)……انظر : مجموع الفتاوى لابن تَيْمِيَّة 12/202 .
(119)……إيثار الحقّ على الخلق لابن الوزير ص157 .
(120)……انظر : الرِّسالة التدمرية لابن تَيْمِيَّة ص36 ، 79 ـ 82 ، 126 ، 127 .
(121)……انظر : المحصل للرازي ص71 ، أساس التقديس للرازي ص193 ، 194 ، حاشية شرح النّسفيّة 1/162 .
(122)……انظر : تفسير البغوي 3/19 .
(123)……إيثار الحقّ على الخلق لابن الوزير ص180 .
(124)……انظر : مقالات الإسلاميين للأشعري ص31 ـ 36 ، 207 ـ 211 ، الفرق بين الفرق للبغدادي ص65 ـ 70 ، 225 ـ 231 ، الفصل لابن حزم 5/40 ، 43 ، الملل والنّحل للشهرستاني 1/105 ، 106 ، 184 ـ 187 ، منهاج السنّة النّبويّة لابن تَيْمِيَّة 2/220 ، 501 ، 513 .
(125)……انظر : شرح المقاصد للتفتازاني 4/345 ، روح المعاني للآلوسي 9/121 .
(126)……انظر : شرح الجوهرة للبيجوري ص91 .
(127)……انظر : الصواعق المرسلة لابن القيّم 4/1511 ـ 1514 .
(128)……زاد المعاد 3/231 [ بتصرّف ] .
(129)……انظر : زاد المعاد لابن القيّم 3/228 ـ 237 .
(130)……انظر : الصواعق المرسلة لابن القيّم 3/1031 ، 1032 .
(131)……انظر : المفردات للرّاغب ص244 .
(132)……نقلاً عن تفسير ابن كثير 3/131 .
(133)……نقلاً عن تفسير القرطبي 11/130 .(1/131)
(134)……انظر : تفسير القرطبي 20/14 ، شرح المقاصد للتفتازاني 4/339 .
(135)……تفسير الطبري 30/151 ، 152 .
(136)……هذا الاسم أكبر أسماء الربّ وأجمعها ، ولم يتّسم به غيره تعالى . انظر : تفسير القرطبي 1/102 ، تفسير ابن كثير 1/21 .
(137)……أكثر العلماء على أنّ الرَّحمن مختصّ بالله ( ، لا يجوز أن يسمّى به غيره ، قال تعالى : { قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ } [الإسراء : 110 ] ؛ فعادل الاسم الَّذي لا يشركه فيه غيره . انظر : تفسير القرطبي 1/106 ، تفسير ابن كثير 1/21 .
(138)……لحديث أبي شريح ؛ فقد كان يكنى أبا الحكم ، فغيّره النَّبِيُّ ( ؛ وَقَالَ : (( إِنَّ اللّه هُوَ الحكم وإليه الحكم )) . وقد جعل بعض أهل العلم مناط النّهي ملاحظة معنى الاسم لا مجرّد العلمية ؛ لأنّ في الصّحابة من كان اسمه الحكم ، ولم يغيّره النَّبِيُّ ( . انظر : القول المفيد لابن عثيمين 3/21 ، التّشريع الوضعي لمحمّد حجر القرني ص107 .
……وفي هذا نظر ؛ لأنّ النَّبِي ( أنكر تسمّي البشر بهذا الاسم إنكارًا مطلقًا حَتَّى بعد أَنْ ذكر له الصحابي أَنَّهُ إِنَّمَا يقصد الصّلح لا مشاركة الربّ في حكمه ، وإقرار من كان اسمه الحكم لا يعارض الحديث ، أو يصرف دلالته ؛ لأنّ القول مقدّم على الفعل ، والفعل مقدّم على التّقرير ؛ لصراحة القول وعدم تطرّق الاحتمال لدلالته ؛ ولهذا كان في دلالة التّقرير على التّشريع اختلاف بين علماء الأصول . انظر : شرح الكوكب المنير للفتوحي 4/656 ، 657 ، إرشاد الفحول للشوكاني ص279 .
(139)……الاختصاص في هذا الاسم مشروط بدخول الألف واللام ؛ فمتى دخلت عليه اختصّ الله تعالى به ؛ لأنّها للعهد ، وإذا حذفت صار مشتركًا بين اللّه وعباده ، ولهذا قال أهل العلم : إنّه لا يستعمل لغير اللّه إلاّ بالإضافة ؛ فيقال : ربّ الدّار ، ربّ المتاع ، وهكذا . انظر : تفسير القرطبي 1/136 ، 137 ، تفسير ابن كثير 1/23 .(1/132)
(140)……انظر : تفسير الرّازيّ 15/67 ، الرِّسالة التدمريّة لابن تَيْمِيَّة ص118 ، المنهاج الأسنى لزين شحاته 1/68 .
(141)……تفسير ابن كثير 2/269 .
(142)……صحيح البخاريّ بشرحه فتح الباري : كتاب الأدب ، باب أبغض الأسماء إلى اللّه 10/588 .
(143)……صحيح مسلم بشرحه للنّوويّ : كتاب الآداب ، باب تحريم التّسمّي بملك الأملاك ، أو بملك الملوك 14/131 .
(144)……المرجع السّابق 14/132 .
(145)……شرح صحيح مسلم 14/122 .
(146)……فتح الباري 10/590 [ بتصرّف ] .
(147)……انظر : المرجع السّابق .
(148)……فتح المجيد ص513 .
(149)……انظر : صحيح مسلم بشرحه للنّوويّ 14/122 ، صحيح البخاريّ بشرحه فتح الباري 10/588 ، 590 .
(150)……انظر : تفسير الرّازيّ 15/67 ، منهاج السنّة النّبويّة لابن تَيْمِيَّة 12/581 ، بدائع الفوائد لابن القيّم 1/164 .
(151)……هو أبو العَبَّاس عبد اللّه بن مُحَمَّد بن عبد اللّه المعتزلي ، اشتهر بالناشيء الأكبر ، كان متكلّمًا ، وشاعرًا مجيدًا ، وعالمًا في عدّة فنون ، له عدّة تصانيف ، وأشعار كثيرة ، وكان به ولع بمناقضة الأقوال ، وإحداث أقوال خاصّة به كهذا القول في الأسماء المتواطئة ، توفي بمصر سنة ( 293 هـ ) . انظر : البداية والنهاية لابن كثير 11/101 ، الأعلام للزركلي 4/118 .
(152)……المشترك اللفظي هو اللّفظ الواحد الَّذي يطلق على أشياء مختلفة بالحدّ والحقيقة إطلاقًا متساويًا ؛ كالعين تطلق على آلة البصر ، وينبوع الماء ، وقرص الشّمس . وهذه مختلفة الحدود والحقائق . انظر : معيار العلم للغزالي ص52 ، نهاية السول للإسنوي 2/59 ، المعجم الفلسفي لجميل صليبا 2/376 .
(153)……المتواطئ عند كثير من المتكلّمين هو اللّفظ الكلي الَّذي يكون حصول معناه ، وصدقه على أفراده الخارجيّة على السويّة ، كدلالة اسم الإنسان على زيد وعمرو وخالد . انظر : معيار العلم للغزالي ص52 ، التّعريفات للجرجاني ص199 .(1/133)
(154)……المشكك هو الكلي الَّذي لم يتساو صدقه على أفراده ، بل كان حصوله في بعضها أولى ، أو أقدم ، أو أشدّ من بعضها الآخر . كدلالة اسم النور على نور الشّمس ، ونور السّراج . انظر : التعريفات للجرجاني ص216 .
……وبعبارة أوضح ، فالتشكيك كون اللّفظ موضوعًا لأمر عام مشترك بين الأفراد لا على السواء ، بل على التفاوت . ويقابل التشكيك التواطؤ ؛ وهو كون اللّفظ موضوعًا لأمر عام بين الأفراد على السواء . انظر : المعجم الفلسفي لجميل صليبا 2/378 .
……ويرى المحقّقون من أهل العلم أن المتواطئ هو الكلي الَّذي يدلّ على أعيان متعدّدة بمعنًى واحد مشترك بينها سواء كان المعنى متفاضلاً في موارده ، أو متماثلاً ، فيكون المشكك نوعًا من المتواطئ العام . انظر : منهاج السنّة النّبويّة لابن تَيْمِيَّة 2/586 ، الصواعق المرسلة لابن القيّم 4/1513 ، التحفة المهديّة لفالح آل مهدي ص229 .
(155)……انظر : منهاج السنّة النّبويّة لابن تَيْمِيَّة 2/581 ـ 587 ، درء التّعارض لابن تَيْمِيَّة 5/184 ، مجموع الفتاوى لابن تَيْمِيَّة 5/331 ، 332 ، الصواعق المرسلة لابن القيّم 4/1511 ـ 1515 ، بدائع الفوائد لابن القيّم 1/164 ، 165 .
(156)……الرِّسالة التدمريّة لابن تَيْمِيَّة ص130 ، وانظر : منهاج السنّة النّبويّة لابن تَيْمِيَّة 2/586 ، الصواعق المرسلة لابن القيّم 4/1513 .
(157)……انظر : الرِّسالة التدمريّة لابن تَيْمِيَّة ص125 ـ 129 .
(158)……نقلاً عن تفسير الطّبريّ 1/174 .
(159)……انظر : الرِّسالة التدمريّة لابن تَيْمِيَّة ص21 ـ 31 ، 46 ، 47 ، 96 ، 97 .
(160)……انظر : تفسير الطبري 28/56 ، المحرر الوجيرز لابن عطيّة 5/292 ، تفسير أبي السّعود 5/710 ، دعوة التّوحيد لمحمّد هرّاس ص39 ، 40 .
(161)……انظر : القول السّديد لابن سعدي ص30 .
(162)……صحيح البخاريّ بشرحه فتح الباري : كتاب الجهاد ، باب من قاد دابّة غيره في الغزو 6/69 .(1/134)
(163)……انظر : فتح المجيد لعبد الرَّحمن بن حسن ص529 ـ 535 ، القول السّديد لابن سعدي ص156 ، القول المفيد لابن عثيمين 3/64 ، 65 .
(164)……انظر : اقتضاء الصّراط المستقيم لابن تَيْمِيَّة 2/703 ، القول السّديد لابن سعدي ص29 ، 52 .
(165)……الدّعاء يستعمل بمعنى العبادة ، وبمعنى المسألة ، وهو الاستعمال الغالب لغةً وشرعًا واصطلاحًا ، وهو المراد هنا . انظر : فتح المجيد لعبد الرَّحمن ابن حسن ص180 ، 190 ، 191 .
(166)……انظر : تيسير العزيز الحميد ص40 .
(167)……تيسير العزيز الحميد ص243 ، وانظر : مدارج السّالكين لابن القيّم 1/346 .
(168)……انظر : المرجع السّابق ص237 .
(169)……انظر : المرجع السّابق ص229 .
(170)……انظر : مجموع الفتاوى لابن تَيْمِيَّة 1/124 ، تيسير العزيز الحميد ص227 .
(171)……انظر : تيسير العزيز الحميد ص77 ، 468 ، 469 ، 471 .
(172)……تفسير ابن كثير 1/202 .
(173)……انظر : قاعدة في المحبّة لابن تَيْمِيَّة ص69 ، 87 .
(174)……انظر : قاعدة في المحبّة لابن تَيْمِيَّة ص79 ، 80 ، 83 ، تيسير العزيز الحميد ص467 ، 468 .
(175)……انظر : عدّة الصّابرين لابن القيّم ص205 ، القول السّديد لابن سعدي ص127 .
(176)……عدّة الصّابرين لابن القيّم 208 ، وانظر : القول السّديد لابن سعدي ص127 ـ 130 .
(177)……انظر : مجموع الفتاوى لابن تَيْمِيَّة 7/70 ، تيسير العزيز الحميد ص145 ، 543 .
(178)……سنن الترمذي ، كتاب التّفسير ، باب ومن سورة براءة 5/278 .
……قال الأرنؤوط : حديث حسن . انظر تخريجه لأحاديث فتح المجيد ص107 ، 112 .
(179)……انظر : مجموع الفتاوى لابن تَيْمِيَّة 7/70 ، 71 . وانظر لمزيد من تفصيل هذه الأنواع وغيرها ممّا لم أذكره : الوعد الأخروي لعيسى السّعدي 2/820 ـ 856 .(1/135)
(180)……انظر : بدائع الفوائد لابن القيّم 1/159 ـ 162 ، شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ص64 ، 65 ، شرح النونيّة للهرّاس 2/112 ، 113 ، القواعد المثلى لابن عثيمين ص8 ، 24 .
(181)……انظر : تفسير القرطبي 2/131 ، 18/147 ، بدائع الفوائد 1/161 ، شرح المواقف للجرجاني 8/240 .
(182)……انظر : جامع الأصول ، تفسير القرطبي 18/47 .
(183)……انظر : مدارج السّالكين لابن القيّم 1/24 ، 25 ، تفسير ابن كثير 4/25 ، 71 .
(184)……صحيح مسلم بشرحه للنّوويّ : كتاب الطّهارة ، باب فضل الوضوء 1/100 .
(185)……شرح رياض الصّالحين 1/135 .
(186)……انظر : تفسير الطّبري 28/56 ، تفسير القرطبي 18/47 ، شفاء العليل لابن القيّم ص302 ، 303 .
(187)……صحيح مسلم بشرحه للنّوويّ : كتاب البرّ والصّلة ، باب تحريم الكبر 16/173 .
(188)……انظر : جامع الأصول لابن الأثير 4/181 ، شفاء العليل لابن القيّم ص303 .
(189)……انظر : الحيدة لعبد العزيز الكناني ص28 ـ 31 ، شرح الطحاوية ص90 ، ابن تَيْمِيَّة السّلفي للهرّاس ص91 ، 92 .
(190)……انظر : المسند للإمام أحمد ، مسند المكثرين من الصّحابة ح ( 27762 ) ، سنن النسائي ، كتاب المساجد ، باب فضل المسجد الأقصى والصّلاة فيه ح ( 693 ) ، سنن ابن ماجه : كتاب إقامة الصَّلاة والسنّة فيها ح ( 1408 ) ، وهو حديث صحيح ، صحّحه الحاكم والذهبي والألباني وغيرهم . انظر : المستدرك للحاكم 1/30 ، 31 ، صحيح ابن ماجه للألباني 1/297 ، تخريج الأرنؤوط للإحسان في تقريب صحيح ابن حبّان 4/511 ـ 513 ، ح ( 1633 ) .
(191)……انظر : تفسير أسماء اللّه الحسنى للزجّاج ص30 ، النّهاية لابن الأثير 4/23 ، 24 ، تفسير القرطبي 1/277 ، 2/24 ، 18/45 ، 46 ، شفاء العليل لابن القيّم ص302 .
(192)……النّهاية 4/23 .
(193)……انظر مثلاً : التّفسير الكبير للرازي 29/293 ، تفسير القرطبي 18/45 ، روح المعاني للآلوسي 28/62 .(1/136)
(194)……معجم مقاييس اللّغة لابن فارس 5/63 ، 64 .
(195)……انظر : تفسير القرطبي 7/53 ، 54 ، درء التّعارض لابن تَيْمِيَّة 7/369 .
(196)……انظر : شرح النونيّة للهرّاس 2/107 .
(197)……انظر : النّهاية لابن الأثير 3/148 ـ 151 ، جامع العلوم والحكم لابن رجب ص93 ، القواعد المثلى لابن عثيمين ص16 .
(198)……التّفسير الكبير 29/293 [ بتصرّف يسير ] .
(199)……انظر : تفسير القرطبي 18/46 ، شرح المواقف للجرجاني 8/235 ، روح المعاني للآلوسي 28/63 .
(200)……انظر : مختصر تنقيح الفصول للقرافي ص45 [ ضمن مجموعة متون أصوليّة مهمّة ] .
(201)……النونيّة بشرحها للهرّاس 2/107 .
(202)……انظر : تفسير أسماء اللّه الحسنى للزجّاج ص31 ، تفسير القرطبي 18/46 .
(203)……انظر : المغرب في ترتيب المعرب للمطرزي 1/379 ، شفاء العليل لابن القيّم ص302 ، تيسير الكريم الرَّحمن لابن سعدي 6/117 ، القواعد المثلى لابن عثيمين ص16 .
(204)……انظر : النّهاية لابن الأثير 2/331 ، 332 ، تفسير القرطبي 1/276 ، شفاء العليل لابن القيّم ص302 .
(205)……انظر : الكليات للكفوي ص298 ، 516 .
(206)……مدارج السّالكين 1/32 ، وانظر : تفسير أسماء اللّه الحسنى للزجّاج ص25 ، 26 ، تفسير القرطبي 1/102 ، 103 ، تيسير الكريم الرَّحمن لابن سعدي 1/33 .
(207)……بدائع الفوائد لابن القيّم 1/160 ، 162 ، وانظر : تفسير أسماء اللّه الحسنى للزجّاج ص58 ، جامع الأصول لابن الأثير 4/181 .
(208)……انظر : بدائع الفوائد لابن القيّم 1/168 ، شرح النونيّة للهرّاس 2/102 .
(209)……صحيح مسلم بشرحه للنّوويّ : كتاب الإيمان ، باب أمارات السّاعة 1/158 .
(210)……انظر : شرح صحيح مسلم للنّوويّ 1/158 ، تفسير القرطبي 1/136 ، 137 .
(211)……انظر : تفسير القرطبي 1/139 ـ 142 .(1/137)
(212)……انظر : تفسير أسماء اللّه الحسنى للزجّاج ص53 ، 57 ، بدائع الفوائد لابن القيّم 1/160 ، 168 ، مدارج السّالكين لابن القيّم 1/25 ، الحقّ الواضح المبين لابن سعدي ص18 ، 19 ، شرح النّونيّة للهرّاس 2/71 ، القواعد المثلى لابن عثيمين ص21 .
(213)……انظر : بدائع الفوائد لابن القيّم 1/160 ، 168 ، شرح المواقف للجرجاني 8/236 ، تيسير الكريم الرَّحمن لابن سعدي 5/317 ، 631 ، 6/512 ، 513 ، شرح النّونيّة للهرّاس 2/69 .
(214)……انظر : الحقّ الواضح المبين لابن سعدي ص41 .
(215)……انظر : تفسير أسماء اللّه الحسنى للزجّاج ص34 ، 35 ، النّهاية لابن الأثير 1/235 .
(216)……انظر : تفسير أسماء اللّه الحسنى للزجّاج ص34 ، 60 ، 61 ، تفسير القرطبي 12/91 ، تيسير الكريم الرَّحمن لابن سعدي 5/317 ، الحقّ الواضح المبين لابن سعدي ص41 ، القواعد المثلى لابن عثيمين ص15 ، الوعد الأخروي لعيسى السّعدي 2/661 ، 662 .
(217)……الرِّسالة التدمريّة ص139 .
(218)……انظر : تفسير ابن كثير 3/69 .
(219)……الصواعق المرسلة لابن القيّم 3/1031 ، 1032 .
(220)……انظر : مراتب الإجماع لابن حزم ص167 ، ابن تَيْمِيَّة السّلفي ونقده لمسالك المتكلّمين في الإلهيّات للهرّاس ص67 .
(221)……انظر : النونيّة بشرحها للهرّاس 1/171 ، 172 ، تيسير الكريم الرَّحمن لابن سعدي 5/374 ، 375 .
(222)……صحيح مسلم بشرحه للنّوويّ : كتاب الذّكر والدّعاء ، باب الدّعاء عند النّوم 17/36 .
(223)……تفسير القرطبي 2/85 ، وانظر : مدارج السّالكين لابن القيّم 1/27 .
(224)……انظر : بدائع الفوائد لابن القيّم 1/160 ، 168 ، تيسير الكريم الرَّحمن لابن سعدي 6/448 ، 7/489 .
(225)……بفتح الياء . وهي قراءة سعيد بن جبير ، ومجاهد ، والأعمش . انظر : تفسير القرطبي 6/397 .(1/138)
(226)……تفسير ابن كثير 4/570 . وفي تفسير الصّمد عدّة أقوال . والظّاهر أنَّها كلّها صحيحة ، وأنّها من قبيل التّنصيص على بعض معاني الكمال الَّذي تجمعه صمديّة الربّ وعظمته . المرجع السّابق .
(227)……انظر : شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ص64 ، 65 ، تيسير الكريم الرَّحمن لابن سعدي 2/188 ، 6/436 ، شرح النّونيّة للهرّاس 2/111 ، 112 .
(228)……انظر : الرِّسالة التدمريّة لابن تَيْمِيَّة ص82 ـ 86 ، شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ص251 .
(229)……صحيح البخاريّ بشرحه فتح الباري : كتاب مناقب الأنصار ، باب أيّام الجاهليّة 7/147 . وانظر في بيان وجه الدّلالة فيما ذكر من أدلّة التّنزيه عن الفناء . تفسير ابن كثير 3/403 .
(230)……تفسير القرطبي 3/271 ، وانظر : تفسير أسماء اللّه الحسنى للزجّاج ص56 ، شرح النّونيّة للهرّاس 2/112 .
(231)……تفسير القرطبي 3/271 ، وانظر : تفسير أسماء اللّه الحسنى للزجّاج ص56 .
(232)……انظر : تفسير أسماء اللّه الحسنى للزجّاج ص64 ، 65 ، جامع الأصول لابن الأثير 4/181 ، 182 ، شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ص64 ، 65 ، 418 .
(233)……تفسير القرطبي 2/147 .
(234)……تفسير ابن كثير 3/155 ، وانظر : تفسير القرطبي 11/208 . وفي تفسير الضلال وبيان المراد في الآية أقوال أخرى سوى ما ذكر . انظر : تفسير القرطبي 11/208 .
(235)……انظر : الرِّسالة التدمريّة لابن تَيْمِيَّة ص139 .
(236)……انظر : تفسير أسماء اللّه الحسنى للزجّاج ص45 ، جامع الأصول لابن الأثير 4/178 ، تفسير القرطبي 2/84 ، تفسير ابن كثير 1/560 ، تيسير الكريم الرَّحمن لابن سعدي 2/127 ، الحقّ الواضح المبين لابن سعدي ص20 ، 21 .
(237)……انظر : تفسير القرطبي 9/267 ، الحقّ الواضح المبين لابن سعدي ص33 .
(238)……انظر : شرح النّونيّة للهرّاس 2/89 .(1/139)
(239)……ممّا ينبغي التنبّه له أنّ كلاًّ من السّمع والبصر معنى زائد على العلم ، قد يوجد العلم بدونه ؛ فالأعمى يعلم بوجود السّماء ولا يراها ، والأصمّ يعلم بوجود الأصوات ولا يسمعها ، وفي هذا حجّة على المعتزلة وبعض الأشاعرة الَّذين جعلوا سمعه علمه بالمسموعات ، وبصره علمه بالمبصرات . انظر : شرح النّونيّة للهرّاس 2/72 ، 73 .
(240)……انظر : تفسير أسماء اللّه الحسنى للزجّاج ص42 ، 43 ، 53 ، جامع الأصول لابن الأثير 4/176 ، 179 ، تفسير القرطبي 12/90 ، الحقّ الواضح المبين لابن سعدي ص19 ، 20 ، 31 ، 35 ، شرح النّونيّة للهرّاس 2/89 .
(241)……انظر : تفسير أسماء اللّه الحسنى للزجّاج ص55 ، جامع الأصول لابن الأثير 4/180 ، تفسير القرطبي 14/115 ، 202 ، 294 ، الحقّ الواضح المبين لابن سعدي ص41 ، شرح النّونيّة للهرّاس 2/90 .
(242)……انظر : تفسير القرطبي 18/295 ، تفسير ابن كثير 4/295 .
(243)……انظر : القواعد المثلى لابن عثيمين ص24 .
(244)……انظر : تفسير أسماء اللّه الحسنى للزجّاج ص48 ، 54 ، 55 ، 59 ، جامع الأصول لابن الأثير 4/178 ، 180 ، تفسير القرطبي 12/72 ، 14/162 ، 17/56 ، الحقّ الواضح المبين لابن سعدي ص24 ، شرح النّونيّة للهرّاس 2/78 ، 79 .
(245)……انظر : تفسير أسماء اللّه الحسنى للزجّاج ص33 ، 34 ، جامع الأصول لابن الأثير 4/176 ، تفسير القرطبي 12/131 ، 3/24 ، 5/255 ، 18/147 ، تفسير ابن كثير 1/248 ، 271 ، 2/359 ، الحقّ الواضح المبين لابن سعدي ص24 ، شرح النّونيّة للهرّاس 2/79 .
(246)……انظر : بدائع الفوائد لابن القيّم 1/160 ، 161 ، الحقّ الواضح المبين لابن سعدي ص15 .
(247)……انظر : الرِّسالة التدمريّة لابن تَيْمِيَّة ص58 .(1/140)
(248)……انظر : تفسير أسماء اللّه الحسنى للزجّاج ص38، جامع الأصول لابن الأثير 4/177 ، تفسير القرطبي 3/271 ، 14/202 ، تيسير الكريم الرَّحمن لابن سعدي 2/189 ، 7/182 ، الحقّ الواضح المبين لابن سعدي ص40 ، 41 ، شرح النّونيّة للهرّاس 2/104 ، 112 .
(249)……انظر : تيسير الكريم الرَّحمن لابن سعدي 5/632 .
(250)……المفردات للراغب ص125 ، 126 [ بتصرّف ] .
(251)……هذا الظنّ لزم مشركي العرب من جهة إنكارهم للبعث ؛ لأنّه من الحق الغائي ، ومن أنكر بعض الحقّ لزمه إنكاره كلّه ؛ لأنّه ما وصف الله بأنّه الحق المطلق من كلّ وجه وبكلّ اعتبار . انظر : بدائع الفوائد لابن القيّم 4/165 ، 166 ، تفسير ابن كثير 4/32 . وإذا كان هذا شأن مشركي العرب وحكمهم فكيف بمن ردّ الحقّ كلّه ، وأنكر وجود اللّه ، وكلّ ما بني على وجوده من معتقدات ؛ كالماديين من الدّهريين ، والشيوعيين ، والوجوديين ، وغيرهم . انظر : مروج الذّهب للمسعودي 1/126 ، 127 ، مذاهب فكريّة معاصرة لمحمّد قطب ص259 ، 605 .
(252)……انظر : بدائع الفوائد لابن القيّم 4/161 ـ 165 .
(253)……انظر : الحقّ الواضح المبين لابن سعدي ص27 ، 22 ، 42 .
(254)……بدائع الفوائد لابن القيّم 4/165 [ بتصرّف ] .
(255)……انظر : تفسير القرطبي 1/136 ـ 137 ، تيسير الكريم الرَّحمن لابن سعدي 1/35 .
(256)……تيسير الكريم الرَّحمن لابن سعدي 1/34 ، وانظر : من المصدر نفسه 5/620 .
(257)……انظر : جامع الأصول لابن الأثير 4/179 ، الحقّ الواضح المبين لابن سعدي ص41 ، شرح النّونيّة للهرّاس 2/104 .
(258)……تفسير أسماء اللّه الحسنى ص44 ، 45 ، وانظر : النّهاية لابن الأثير 4/251 .
(259)……انظر : الحقّ الواضح المبين لابن سعدي ص33 ، 34 .
(260)……مختار الصّحاح للرازي ص91 ، وانظر : النّهاية لابن الأثير 1/236 .
(261)……انظر : الحقّ الواضح المبين لابن سعدي ص41 ، شرح النّونيّة للهرّاس 2/104 .(1/141)
(262)……انظر : جامع العلوم والحكم لابن رجب ص175 ـ 178 ، شرح النّونيّة للهرّاس 2/90 ، 91 .
(263)……انظر : تفسير أسماء اللّه الحسنى للزجّاج ص61 ، النّهاية لابن الأثير 1/116 ، الحقّ الواضح المبين لابن سعدي ص44 .
(264)……انظر : شرح النّونيّة للهرّاس 2/110 ، 111 .
(265)……انظر : جامع الأصول لابن الأثير 4/177 ، 178 ، 179 .
(266)……انظر : تفسير أسماء اللّه الحسنى للزجّاج ص55 ، 61 ، جامع الأصول لابن الأثير 4/180 ، 181 .
(267)……انظر : تفسير أسماء اللّه الحسنى للزجّاج ص64 ، 65 ، جامع الأصول لابن الأثير 4/183 .
(268)……انظر : مدارج السّالكين لابن القيّم 2/35 .
(269)……انظر : جامع الأصول لابن الأثير 4/176 ، تفسير القرطبي 18/46 ، شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ص35 .
(270)……تيسير الكريم الرَّحمن لابن سعدي 1/154 [ بتصرّف يسير ] .
(271)……انظر : الوعد الأخروي لعيسى السّعدي 1/239 ـ 252 .
(272)……شرح الطحاوية ص455 ، 456 .
(273)……سنن أبي داود : كتاب الصَّلاة ، ح ( 1488 ) ، وانظر : سنن ابن ماجه : كتاب الدّعاء ، ح ( 3865 ) ، قال الألباني : حسن . انظر : صحيح الجامع الصغير 1/415 ، ح ( 2070 ) .
(274)……انظر : تفسير ابن كثير 2/315 ، 383 ، تيسير الكريم الرَّحمن لابن سعدي 4/24 .
(275)……مسند الإمام أحمد ، باقي مسند المكثرين ، ح ( 10749 ) . قال المنذري : رواه أحمد ، والبزّار ، وأبو يعلى بأسانيد جيّدة . التّرغيب والترهيب 2/478 ، 479 . وانظر : فتح الباري لابن حجر 11/96 ، صحيح الترغيب والترهيب للألباني 2/278 ، ح ( 1633 ) ، صحيح الجامع الصغير للألباني 2/991 ، ح ( 5678 ) .
(276)……انظر : فتح الباري لابن حجر 11/95 ، 96 ، 140 ، 141 .
(277)……انظر : شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ص302 ـ 306 . وقد أفردت هذه الموانع برسالة علميّة بعنوان (( موانع إنفاذ الوعيد )) لعيسى السّعدي ، فراجعها إن شئت .(1/142)
(278)……انظر : الوعد الأخروي لعيسى السّعدي 1/230 ، 915 ـ 920 .
(279)……انظر : تفسير القرطبي 5/334 ، شرح الجوهرة للبيجوري ص101 .
(280)……ديوان عامر بن الطّفيل ص58 .
(281)……مجموع الفتاوى لابن تَيْمِيَّة 14/498 .
(282)……انظر : أضواء البيان للشّنقيطي 5/718 ، 10/127 .
(283)……انظر : مجموع الفتاوى لابن تَيْمِيَّة 12/482 ، 483 ، الوعد الأخروي لعيسى السّعدي 1/227 ـ 230 .
(284)……صحيح مسلم بشرحه للنّوويّ : كتاب البرّ والصّلة والآداب ، باب تحريم الظّلم 16/132 .
(285)……انظر : تفسير ابن كثير 2/199 ، 3/166 .
(286)……تفسير القرطبي 10/419 .
(287)……انظر : تفسير ابن كثير 4/103 ، المذكّرة في أصول الفقه للشنقيطي ص205 ، 206 .
(288)……انظر : تفسير أسماء اللّه الحسنى للزجّاج ص51 ، جامع الأصول لابن الأثير 4/180 .
(289)……انظر : تفسير القرطبي 4/169 .
(290)……انظر : زاد المسير لابن الجوزي 2/236 ، فتح القدير للشّوكانيّ 1/530 .
(291)……انظر : تفسير أسماء اللّه الحسنى للزجّاج ص38 ، 50 ، جامع الأصول لابن الأثير 4/178 ، 179 ، تفسير القرطبي 5/427 ، روح المعاني للآلوسي 5/180 ، الحقّ الواضح المبين لابن سعدي ص36 ، 38 .
(292)……تفسير ابن كثير 1/251 .
(293)……انظر : تفسير أسماء اللّه الحسنى للزجّاج ص32 ، 62 ، جامع الأصول لابن الأثير 4/177 ، 178 ، 182 ، تفسير ابن كثير 2/399 .
(294)……انظر : تيسير الكريم الرَّحمن لابن سعدي 6/518 .
(295)……تيسير الكريم الرَّحمن لابن سعدي 6/512 ، وانظر : الحقّ الواضح المبين لابن سعدي ص17 .(1/143)
(296)……أجمع العلماء على أنّ التّكليف بما لا يطاق غير واقع شرعًا . وهو يشمل المستحيل الذاتي والمستحيل العادي ؛ كتكليف الإنسان بالجمع بين الضدين ، أو بالطيران بمفرده إلى السّماء ، ولكنّهم اختلفوا خلافًا نظريًّا في جوازه عقلاً ؛ فمنهم من جوّزه ، ومنهم من منعه ، وهو الصّحيح ؛ لأنّ اللّه إنّما يشرع الأحكام لعلل ومصالح ، والتّكليف بما لا يطاق لا فائدة له ، فيكون عبثًا ينافي حكمة الربّ ، والعبث على الحكيم محال . أمّا المستحيل العرضي ؛ كإيمان أبي لهب ؛ فإنّ التّكليف به جائز عقلاً ، وواقع شرعًا بإجماع المسلمين ؛ لأنّه بالنّظر إلى مجرّد ذاته جائز عقلاً ؛ فالعقل يقبل وجوده وعدمه ، وإنّما استحال من جهة تعلّق علم اللّه بعدمه ، وعلم اللّه لا يتغيّر .
……أمّا التّكليف بما يشقّ فهذا جائز عقلاً وواقع شرعًا ؛ إذ حقيقة التّكليف الإلزام بما فيه كلفة ومشقّة ؛ ولكن المشقّة على درجات ، فهناك المشقّة البالغة ، كتكليف من قبلنا بقتل أنفسهم ، وقرض موضع البول ، فهذه المشقّة مرفوعة في الشّريعة الإسلاميّة ، فقد سهّل اللّه على هذه الأمّة ، ورفق بهم ، ووضع عنهم الإصر والأغلال الَّتي كانت على من قبلهم . وهناك مشاق دون هذه المشقّة بكثير ؛ كالتّكليف بالجهاد ، وثبوت الواحد للاثنين ، وكالتّكليف بالهجرة ، ومفارقة الأهل والوطن فهذه ثابتة في الشّريعة الإسلاميّة ؛ لأنّها من ضرورات الحفاظ على الكليّات الخمس الَّتي لا قوام لحياة المسلم إلاّ بها . انظر : تفسير القرطبي 3/430 ، تفسير ابن كثير 1/342 ، 343 ، المذكّرة في أصول الفقه للشنقيطي ص29 ، 36 ، 37 .
(297)……فسّره السدّيّ ومن وافقه بالرّفيق . انظر : تفسير القرطبي 9/267 ، 16/6 .
(298)……انظر : شرح النّونيّة للهرّاس 2/93 .(1/144)
(299)……معنى الصّبور قريب من الحليم ، إلاّ أنّ الفرق بينهما أنّ العبد لا يأمن العقوبة مع صفة الصّبر كما يأمنها مع صفة الحلم . انظر : جامع الأصول لابن الأثير 4/183 .
(300)……انظر : تفسير أسماء اللّه الحسنى للزجّاج ص37 ، 45 ، 46 ، جامع الأصول لابن الأثير 4/177 ، 183 ، الحقّ الواضح المبين لابن سعدي ص30 ، 31 ، 39 ، شرح النّونيّة للهرّاس 2/87 ، 88 .
(301)……صحيح مسلم بشرحه للنّوويّ : كتاب صفة القيامة ، باب في الكفّار 7/146 ، وانظر : صحيح البخاريّ بشرحه فتح الباري لابن حجر ، كتاب التوحيد ، باب قول اللّه تعالى : { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } 13/360 .
(302)……انظر : جامع الأصول لابن الأثير 4/177 ، 178 ، 182 ، تفسير القرطبي 2/84 ، شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ص222 ، 223 .
(303)……صحيح مسلم بشرحه للنّوويّ : كتاب التوبة ، باب سقوط الذّنوب بالاستغفار 17/65 .
(304)……هذا قول عكرمة ومن وافقه ، وقال الحسن : إِنَّ القائلين قوم من اليهود منهم حيي بن أخطب . انظر : تفسير القرطبي 4/294 .
(305)……انظر : تفسير القرطبي 4/294 ، تيسير الكريم الرَّحمن لابن سعدي 1/464 ، 465 .
(306)……هذا قول ابن عبّاس . وقال عكرمة : إنّها نزلت في فنحاص اليهودي . انظر : تفسير ابن كثير 2/75 .
(307)……انظر : تفسير ابن كثير 2/75 .
(308)……انظر : تفسير أسماء اللّه الحسنى للزجّاج ص38 ، 50 ، 51 ، 57 ، جامع الأصول لابن الأثير 4/179 ، 180 ، تفسير القرطبي 2/84 .
(309)……صحيح البخاريّ بشرحه فتح الباري : كتاب التوحيد ، باب وكان عرشه على الماء 13/403 .
(310)……انظر : الحقّ الواضح المبين لابن سعدي 25 ، 26 ، 36 ، شرح النّونيّة للهرّاس 2/95 ، 96 .
(311)……صحيح مسلم بشرحه للنّوويّ : كتاب البرّ والصلة والآداب ، باب تحريم الظّلم 16/132 ، 133 .(1/145)
(312)……التّشبيه كالتّمثيل ، وقد يفرق بينهما بأن التّمثيل التّسوية في كلّ الصّفات ، والتّشبيه التّسوية في أكثر الصّفات ، لكن التّعبير بالتّمثيل أولى لموافقة قوله تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشّورى : 11 ] ؛ ولأنّ لفظ التّشبيه صار في كلام النّاس لفظًا مجملاً ؛ فتارة يراد به المعنى الصّحيح ؛ وهو إثبات شيء من خصائص المخلوق للخالق أو العكس ، وتارة يراد به المعنى الباطل ؛ وهو تعطيل الصّفات كليًّا أو جزئيًّا . انظر : شرح الطحاوية لابن أبي العزّ الحنفي ص40 ، القواعد المثلى لابن عثيمين ص27 .
(313)……انظر : منهاج السنّة النّبويّة لابن تَيْمِيَّة 2/513 ، 529 ، 595 ، مجموع الفتاوى لابن تَيْمِيَّة 6/122 ، شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ص40 ، 179 .
(314)……هشام بْن الحكم الشيباني ، متكلّم مناظر ، كان شيخ الإماميّة في وقته ، عرف بالغلوّ في التّشبيه والجبر ، وهو أَوَّل من فتق الكلام في الإمامة ، انقطع إِلى يحيى بْن خالد البرمكي ، ولمّا حدثت نكبة البرامكة استتر ، وتوفي على إثرها بالكوفة نحو سنة ( 190 هـ ) ، ويقال إِنَّه عاش إِلى خلافة المأمون ، من كتبه الإمامة ، الدلالات ، الردّ على الجواليقي . انظر : سير أعلام النّبلاء 10/543 ، 544 ، لسان الميزان لابن حجر 6/194 ، الفهرست لابن النديم 1/249 ، الأعلام للزركلي 8/85 .
(315)……من متكلّمي الشيعة ، ومن غلاة المشبّهة ، ويعرف أتباعه بالجواليقيّة ، الهشاميّة ، عاصر أبا عليّ الجبّائي ، وكان له مناظرة في الإمامة وتثبيتها ، من كتبه كتاب الإمامة ، كتاب النّقض على أبي عليّ ولم يتمّه . انظر : الفهرست لابن النّديم ص220 ، 221 .(1/146)
(316)……داود بن عليّ الجواربي ، رأس في الرّفض والتّجسيم ، ومن كبار متكلّمي الرافضة ، كفّره بَعْض العلماء لمقالته في التّشبيه ، وشبّهوه بالشيطان . انظر : سير أعلام النّبلاء 10/544 ، لسان الميزان لابن حجر 2/472 .
(317)……انظر : مقالات الإسلاميين للأشعري ص31 ـ 36 ، 207 ، 211 ، الفرق بين الفرق للبغدادي ص65 ـ 70 ، 225 ـ 231 ، الفصل لابن حزم 5/40 ، 43 ، الملل والنّحل للشهرستاني 1/105 ، 106 ، 184 ـ 187 ، منهاج السنّة النّبويّة لابن تَيْمِيَّة 2/220 ، 501 ، 513 .
(318)……انظر : مقالات الإسلاميين للأشعري ص209 ، الفرق بين الفرق للبغدادي ص215 ، 216 ، 228 ، منهاج السنّة النّبويّة لابن تَيْمِيَّة 1/103 ، الخطط للمقريزي 2/357 .
(319)……نقلاً عن منهاج السنّة النّبويّة لابن تَيْمِيَّة 2/619 .
(320)……منهاج السنّة النّبويّة لابن تَيْمِيَّة 2/618 ، 619 .
(321)……الخطط للمقريزي 2/348 .
(322)……انظر : الفرق بين الفرق للبغدادي ص230 ، الفصل لابن حزم 5/40 ، 41 ، أصول مذهب الشّيعة الاثني عشريّة للقفاري 2/937 ـ 953 .
(323)……انظر : ردّ الدارمي على المريسي ص365 [ ضمن عقائد السّلف ] ، المفردات للراغب ص40 ، درء التّعارض لابن تَيْمِيَّة 2/122 ، مجموع الفتاوى لابن تَيْمِيَّة 6/227 ، 271 ، 326 ، 12/94 ، 95 ، 158 ، التعريفات للجرجاني ص43 ، المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدِّين للعروسي ص37 ـ 42 .
(324)……الفرق بين الفرق للبغدادي ص225 ـ 228 ، منهاج السنّة النّبويّة لابن تَيْمِيَّة 2/623 .
(325)……انظر : شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ص26 ، 179 ، أصول مذهب الشيعة الاثني عشرية للقفاري 2/556 ، 559 .
(326)……انظر : الفصل لابن حزم 2/277 ، الملل والنّحل للشهرستاني 1/105 ، 106 ، مقدّمة ابن خلدون ص463 ، القواعد المثلى لابن عثيمين ص39 .
(327)……انظر : الصواعق المرسلة لابن القيّم 4/1511 ـ 1515 .(1/147)
(328)……انظر : الرِّسالة التدمريّة لابن تَيْمِيَّة ص144 ـ 147 .
(329)……انظر : تفسير ابن كثير 3/131 .
(330)……منهاج السنّة النّبويّة لابن تَيْمِيَّة 2/529 ، 530 ، وانظر : تيسير الكريم الرَّحمن لابن سعدي 1/188 ، 5/620 ، 621 ، 6/448 .
(331)……انظر : تفسير أسماء اللّه الحسنى للزجّاج ص57 ، 58 ، جامع الأصول لابن الأثير 4/180 ، 181 .
(332)……انظر : تفسير أسماء اللّه الحسنى للزجّاج ص58 ، تيسير الكريم الرَّحمن لابن سعدي 6/448 .
(333)……انظر : تفسير القرطبي 2/131 ، 13/160 ، 18/147 ، شرح المواقف للجرجاني 8/236 .
(334)……انظر : المفردات للراغب ص333 ، مختار الصّحاح للرازي ص429 ، المعجم الوسيط لإبراهيم مصطفى ورفاقه ص598 .
(335)……انظر : تفسير أسماء اللّه الحسنى للزجّاج ص64 ، شرح المواقف للجرجاني 8/240 .
(336)……الصواعق المرسلة لابن القيّم 3/1032 .
(337)……انظر : تيسير الكريم الرَّحمن لابن سعدي 6/436 .
(338)……ذكر الإمام ابن القيّم ـ رحمه اللّه ـ أنّ صفة الرّحمة الَّتي دلّ عليها اسم الرَّحمن أوسع الصّفات ؛ ولهذا يقرن استواءه على العرش بهذا الاسم كثيرًا ؛ لبيان أنّ اللّه استوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصّفات . انظر : مدارج السّالكين لابن القيّم 1/33 .
(339)……انظر : تفسير القرطبي 1/104 ، مدارج السّالكين لابن القيّم 1/33 .
(340)……انظر : جامع الأصول لابن الأثير 4/177 .
(341)……انظر : تفسير الطبري 28/56 ، تفسير القرطبي 18/47 ، شفاء العليل لابن القيّم ص302 ، 303 ، تيسير الكريم الرَّحمن لابن سعدي 5/624 .
(342)……انظر : جامع الأصول لابن الأثير 4/178 .
(343)……انظر : مجموع الفتاوى لابن تَيْمِيَّة 3/25 ، 298 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
=>
?
2
ملخّص البحث(1/148)
ـــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
71
!خطأ لا يوجد نص من النمط المعين في المستند.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
2
ملخّص البحث
ـــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3
!خطأ لا يوجد نص من النمط المعين في المستند.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
4
خطأ! النمط غير معرّف.
ـــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3
!خطأ لا يوجد نص من النمط المعين في المستند.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
2
خطأ! النمط غير معرّف.
ـــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3
أهميّة الموضوع وسبب اختياره ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
1
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
22
تمهيد
ـــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
23
إحصاء الأسماء الحسنى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
9(1/149)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
94
المبحث الثاني
ـــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
93
؟؟؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
ـ 25 ـ
34
المبحث الأوّل
ـــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
33
معنى الأسماء الحسنى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
27
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
44
المبحث الثّاني
ـــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
43
التّنزيه عن أسماء الذمّ وأفعاله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
35
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
ـ 35 ـ
52
المبحث الثّالث
ـــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
51
التّنزيه عن الأعلام الجامدة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
45(1/150)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
58
المبحث الرّابع
ـــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
59
التّنزيه عن الأسماء الاصطلاحيّة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
53
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
66
المبحث الخامس
ـــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
65
التّنزيه عن ظنون السوء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
61
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
82
المبحث السّادس
ـــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
83
التّنزيه عن الشّريك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
67
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
340
المبحث الثاني
ـــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
23
؟؟؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
ـ 85 ـ
90(1/151)
تمهيد
ـــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
89
أنواع الأسماء الحسنى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
87
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
100
المبحث الأوّل
ـــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
99
التّنزيه المطلق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
91
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
134
المبحث الثّاني
ـــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
135
التّنزيه عن النقائص
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
101
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
146
المبحث الثّالث
ـــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
147
التّنزيه عن المثل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
137
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
150
الخاتمة(1/152)
ـــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
151
أهمّ النتائج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
149
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
156
فهرس
ـــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
157
مراجع البحث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
151
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
160
فهرس الموضوعات
ـــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
161
فهرس الموضوعات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
159
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
161(1/153)