لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام (12)
جزء فيه ذكر حال عكرمة مولى عبد الله بن عباس وما قيل فيه
تخريج
الإمام الحافظ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري
(581- 656 هـ)
رواية
أبي القاسم عبيد الله بن الحافظ أبي عبد الله محمد بن عثمان بن علي بن سليمان الزرزاري عنه
اعتنى به
نظام محمد صالح يعقوبي
دار البشائر الإسلامية
الطبعة الأولى
1421 هـ - 2000 م(/)
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
أخبرنا الشيخ الإمام أبو القاسم عبيد الله بن الشيخ أبي عبد الله محمد بن الإمام أبي محمد عثمان بن علي بن سليمان الزرزاري بقراءتي عليه, قال: أخبرنا الحافظ أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله المنذري بقراءة والدي عليه, قال:
الحمد لله رب العالمين, وصلواته على سيد المرسلين, محمد وأهله وأصحابه أجمعين, والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد: فقد جمعت في هذا الجزء ما تيسر لي جمعه من حال أبي عبد الله عكرمة مولى عبد الله بن عباس رضي الله عنهم, وأقوال المتقدمين والمتأخرين فيه, مستعيذاً بالله من الخطأ والزلل, ومستعيناً به إنه ما شاء فعل!
[اسمه ونسبه ونشأته]:
هو أبو عبد الله عكرمة مولى عبد الله بن عباس, القرشي, القاسمي, مولاهم, المدني.(1/15)
أصله بربريٌ من أهل المغرب, كان لحصين بن أبي الحر العنبري؛ فوهبه لابن عباس حين ولي البصرة لعلي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه.
واجتهد ابن عباس في تعليمه القرآن والسنن, وسماه بأسماء العرب؛ وهكذا كان يفعل في تسمية مواليه. والعكرمة: الأنثى من الحمام.
[روايته عن الصحابة, وهل هي مرسلة أو متصلة؟]:
حدث عن عبد الله بن عباس, وعبد الله بن عمر, وعبد الله بن عمرو بن العاص, وأبي هريرة, وأبي سعيد الخدري, والحسن بن علي, وعائشة.
وروى عن غير واحدٍ من الصحابة مرسلاً.
1- قال أبو زرعة الرازي: عكرمة عن أبي بكر الصديق, مرسل.
وقال أيضاً: عكرمة عن علي, مرسل.
2- وقال أبو حاتم الرازي: عكرمة لم يسمع من سعد بن أبي وقاص.
وقال أيضاً: عكرمة لم يسمع من عائشة. هكذا حكى عبد الرحمن بن أبي حاتم, عن أبيه في كتاب ((المراسيل)) أن عكرمة لم يسمع من عائشة.(1/16)
وقال في كتاب ((الجرح والتعديل)): قيل لأبي: سمع من عائشة؟ فقال: نعم.
3- وقيل ليحيى بن معين: عكرمة عن عائشة, سمع منها؟ قال: لا أدري.
4- وذكر البخاري وأبو داود السجستاني وغيرهما, أن عكرمة سمع من عائشة.
وأخرج البخاري في صحيحه من حديث عكرمة عن عائشة ثلاثة أحاديث.
وأخرج حديثه عن عائشة أيضاً أبو داود السجستاني, وأبو عيسى الترمذي, وأبو عبد الرحمن النسائي, وأبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني, في كتبهم. ويشبه أن يكون أبو حاتم الرازي تحقق سماعه من عائشة فأثبته بعد أن كان نفاه.
5- وروى عن عكرمة من التابعين: محمد بن مسلم الزهري, ويحيى بن سعيد الأنصاري, وعمرو بن دينار, وعامر بن شراحيل الشعبي, وأبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي, وسليمان بن أبي سليمان الشيباني, وأبو الشعثاء جابر بن زيد, وإسماعيل بن أبي خالد, وعاصم بن سليمان, وأبو الزبير محمد بن مسلم المكي, وقتادة بن دعامة, وحميد بن أبي حميد الطويل, ويحيى بن أبي كثير, وسليمان بن مهران الأعمش, ويزيد بن أبي حبيب, وجماعة كثيرة من(1/17)
التابعين وغيرهم من أهل الأمصار.
[احتجاج العلماء بحديثه]:
6- واحتج البخاري بحديثه في صحيحه, وأخرج حديثه أيضاً أبو داود السجستاني, وأبو عيسى الترمذي, وأبو عبد الرحمن النسائي, وأبو عبد الله بن ماجه القزويني, في كتبهم. وصحح الترمذي حديثه.
7- وأما مسلم بن الحجاج فلم يحتج بحديثه, وأخرج له مقروناً بسعيد بن جبير, وطاوس بن كيسان.
8- وقال البخاري: ليس أحد من أصحابنا إلا احتج بعكرمة. وحكى البخاري عن عمرو -وهو ابن دينار- قال: أعطاني جابر بن زيد صحيفةً فيها مسائل, قال: سل عكرمة! فجعلت كأني أتباطأ؛ فانتزعها من يدي, وقال: هذا عكرمة مولى ابن عباس, هذا أعلم الناس!
9- وقال أبو عبد الرحمن النسائي في كتاب ((التمييز)): عكرمة مولى ابن عباس, ثقةٌ. وقال عثمان بن سعيد الدارمي: سألت يحيى بن معين, قلت: عكرمة أحب إليك عن ابن عباسٍ أو عبيد الله بن عبد الله؟ فقال: كلاهما؛ ولم يختر. قلت: فعكرمة(1/18)
أو سعيد بن جبير؟ فقال: ثقةٌ وثقةٌ؛ ولم يختر.
10- وقال يحيى بن معين: حدثني من سمع حماد بن زيد يقول: سمعت أيوب -وسئل عن عكرمة كيف هو؟- قال: لو لم يكن عندي ثقةً لم أكتب عنه.
11- وقال عبد الرحمن بن [أبي] حاتم: سألت أبي عن عكرمة مولى ابن عباس؟ فقال: هو ثقة. قلت: يحتج بحديثه؟ قال: نعم إذا روى عن الثقات؛ والذي أنكر عليه يحيى بن سعيد ومالك فلسبب رأيه. قلت لأبي: فموالي ابن عباس؟ فقال: كريبٌ, وسميعٌ, وشعبة, وعكرمة؛ وعكرمة أعلاهم.
12- وذكر المروذي قال: قلت لأحمد بن حنبل: يحتج بحديث عكرمة؟ قال: نعم يحتج به. وقال أحمد بن زهير: عكرمة أثبت الناس فيما يروي, ولم يحدث عمن دونه أو مثله, حديثه أكثره عن الصحابة.
13- وقال ابن أبي ذئب: كان عكرمة مولى ابن عباس ثقةً. وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: وكان عكرمة لا يدفعه أحد نعلمه عن التقدم في العلم بالفقه والقرآن وتأويله وكثرة الروايات للآثار.
14- وقال الحافظ أبو أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني: وعكرمة مولى ابن عباس لم أخرج هاهنا من حديثه شيئاً؛ لأن الثقات إذا رووا عنه فهو مستقيم الحديث, إلا أن يروي عنه ضعيف فيكون قد أتي من(1/19)
قبل الضعيف, لا من قبله. ولم يمتنع الأئمة من الرواية [عنه]. وأصحاب الصحاح أدخلوا حديثه -إذا روى عنه ثقةٌ- في صحاحهم, وهو أشهر من أن أحتاج إلى [أن] أخرج شيئاً من حديثه, وهو لا بأس به.
15- وقال أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده الأصبهاني: وأما حال عكرمة مولى ابن عباس -رحمه الله- في نفسه, فقد عدله أئمةٌ من نبلاء التابعين ومن بعدهم, وحدثوا عنه, واحتجوا بمفاريده في الصفات والسنن والأحكام.
روى عنه زهاء ستمائة رجل من أئمة البلدان فيهم زيادة على سبعين رجلاً من خيار التابعين ورفعائهم, وهذه منزلةٌ لا تكاد توجد لكبير أحد من التابعين إلا لعكرمة مولى ابن عباس رحمة الله عليه.
على أن من جرحه من الأئمة لم يمسكوا عن الرواية عنه ولم يستغنوا عن حديثه؛ مثل: يحيى بن سعيد الأنصاري, ومالك بن أنس وأمثالهما رحمهم الله.
وكلٌ يتلقى حديثه بالقبول ويحتج به, قرناً بعد قرن, وإماماً بعد إمام إلى وقت الأئمة الأربعة الذين أخرجوا الصحيح وميزوا ثابت الحديث من(1/20)
سقيمه, وخطئه من صوابه, وخرجوا رواته: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري, وأبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري, وأبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني, وأبو عبد الرحمن بن شعيب النسائي, رحمة الله عليهم أجمعين؛ فأجمعوا على إخراج حديثه واحتجوا به. على أن مسلم بن الحجاج كان أسوأهم رأياً فيه؛ فأخرج عنه ما يقرنه في كتابه الصحيح وعدله بعدما جرحه.
16- وقال رجل لأيوب: أكان عكرمة يتهم؟ فسكت هنيهةً فقال: أما أنا فلا أتهمه. فقال أحمد بن عبد الله بن صالح: عكرمة مولى ابن عباس ثقة.
وقال أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي: قد أجمع عامة أهل العلم على الاحتجاج بحديث عكرمة, واتفق على ذلك رؤساء أهل العلم بالحديث من أهل عصرنا, منهم: أحمد بن حنبل, وإسحاق بن راهويه, وأبو ثور, ويحيى بن معين؛ ولقد سألت إسحاق بن راهويه عن الاحتجاج بحديثه؟ فقال لي: عكرمة عندنا إمام الدنيا, وتعجب من سؤالي إياه. قال: وحدثنا غير واحد: أنهم شهدوا يحيى بن معين -وسأله بعض التابعين عن الاحتجاج بحديث عكرمة- فأظهر التعجب!
[الرواة عنه]:
17- وقال أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار: روى(1/21)
عن عكرمة مائةٌ وثلاثون -أو قال: قريبٌ من مائة وثلاثين رجلاً- من وجوه البلدان, من مكيٍ, ومدنيٍ, وكوفيٍ, وبصريٍ ومن سائر البلدان, كلهم روى عنه -رضي الله عنه- ورضي به.
18- وقال الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري في ((تاريخ نيسابور)): وقد حدث عكرمة بالحرمين, ومصر, واليمن, والشام, والعراق, وخراسان, فأما أهل الحرمين من التابعين وغيرهم فقد أكثروا الرواية عنه, وعدد جماعة.
[الموازنة بينه وبين تلاميذ ابن عباس الآخرين]:
19- وسئل أبو حاتم الرازي عن عكرمة وسعيد بن جبير, أيهما أعلم بالتفسير؟ فقال: أصحاب ابن عباس عيالٌ على عكرمة. وقال الشعبي: ما بقي أحدٌ أعلم بكتاب الله من عكرمة.
[توثيقه وسعة علمه]:
20- وقال حبيب بن الشهيد: كنت [عند] عمرو بن دينار, فقال: والله ما رأيت مثل عكرمة قط! فقال لي أيوب -وهو إلى جنبي وأسر إلي فقال-: والله لو رأى محمداً -يعني ابن سيرين- ما حلف على هذا!
21- وقال يحيى بن أيوب: قال لي ابن جريجٍ: قدم عليكم مصر -يعني عكرمة-؟ قال, قلت: نعم! قال: فكتبتم عنه؟ قال, قلت: لا! قال: ذهب عنكم ثلثا العلم.(1/22)
22- وقال علي بن المديني: كان عكرمة من أهل العلم. وقال أيوب: كنت أريد أن أرحل إلى عكرمة إلى أفق من الآفاق؛ فإني لفي سوق البصرة, إذا رجلٌ على حمار له؛ فقيل لي: عكرمة! واجتمع الناس عليه. قال: فقمت إليه فما قدرت على شيءٍ أسأل عنه, ذهبت المسائل مني! فقمت إلى جنب حماره؛ فجعل الناس يسألونه وأنا أحفظ.
23- وقال عبد الصمد [بن] معقل: قدم عكرمة الجند فأهدى إليه طاوس نجيباً بستين ديناراً! فقيل لطاوس: ما يصنع هذا بنجيب بستين ديناراً؟ فقال: أترون لا أشتري علم ابن عباس لعبد الله بن طاوس بستين ديناراً؟!
24- وقال عثمان بن حكيم: جاء عكرمة إلى أمامة بن سهل بن حنيف وأنا جالس عنده؛ فقال: يا أبا أمامة! أسمعت ابن عباس يقول: ما حدثكم عكرمة عني من شيء فصدقوه فإنه لا يكذب علي؟ قال: نعم.
25- وقال قتادة: أعلم الناس بالحلال والحرام الحسن, وأعلم الناس بالمناسك عطاء, وأعلم الناس بالتفسير عكرمة.
وقال قتادة أيضاً: كان أعلم التابعين أربعةٌ: كان عطاء بن أبي رباح أعلمهم بالمناسك, وكان عكرمة مولى ابن عباس أعلمهم بسيرة(1/23)
النبي صلى الله عليه وسلم , وكان سعيد بن جبير أعلمهم بتفسير القرآن, وكان الحسن بن أبي الحسن أعلمهم بالحلال والحرام.
وقال قتادة أيضاً: لا تسألوا هذا العبد إلا عن القرآن.
26- وقال أبو الشعثاء -وهو جابر بن زيد-: هذا مولى ابن عباس, هذا أعلم الناس. قال سفيان -وهو ابن عيينة-: يعني لعكرمة. قال سفيان: الوجه الذي غلبه فيه عكرمة المغازي, وكان إذا تكلم فسمعه إنسانٌ قال: كأنه يشرف عليهم فيراهم.
وقال عمرو بن دينار: لو رأيت عكرمة يحدث عن القوم قلت: يشرف عليهم وهم يقتتلون!
27- وقال أيوب: لو قلت لك إن الحسن ترك كثيراً من التفسير حين دخل علينا عكرمة البصرة حتى خرج منها لصدقت!
وقال سفيان بن عيينة: لما قدم عكرمة البصرة أمسك الحسن عن التفسير.
وقال سلام بن مسكين: كان عكرمة من أعلم الناس بالتفسير.
28- وقال حبيبٌ -وهو ابن ثابت-: مر عكرمة, وعطاءٌ,(1/24)
وسعيد, قال: فحدثهم, فلما قام قلت لهم: تنكران مما حدث شيئاً؟ قالا: لا.
وقال أيوب: قدم علينا عكرمة فاجتمع الناس عليه حتى أصعد فوق [ظهر] بيت.
وقال أيوب: حدثني صاحب لنا قال: كنت جالساً إلى سعيد وعكرمة وطاوس -وأظنه قال: وعطاء- في نفرٍ, قال: فكان عكرمة صاحب الحديث يومئذٍ, قال: وكأن على رؤوسهم الطير, فإذا فرغ, فمن قائل بيده هكذا -وعقد المئين- ومن قائل برأسه هكذا -يميل رأسه- قال: فما خالفه أحدٌ منهم في شيء؛ إلا أنه ذكر الحوت, فقال: كان يسايرهما في ضحضاحٍ من الماء؛ فقال سعيد بن جبير: أشهد على ابن عباس وسمعته يقول: كانا يحملانه في مكتل. قال أيوب: أراه كان يقول القولين جميعاً.
29- وقال سفيان الثوري: خذوا تفسير القرآن عن عكرمة, وعن سعيد بن جبير, ومجاهد, والضحاك. فبدأ بعكرمة.
30- وروي عن ابن هبيرة قال: قدم علينا عكرمة مصر, فجعل يحدثنا بالحديث عن الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم يحدثنا به عن غيره.
قال: فأتينا إسماعيل بن عبيد الأنصاري, وقد كان سمع من ابن عباس, فذكرنا ذلك له؛ فقال لنا: أخبره. قال: فأتاه فسأله عن أشياء -مسائل-(1/25)
عن ابن عباس؛ فأخبره بها على مثل ما سمع. قال: ثم أتيناه فسألناه, فقال: الرجل صدوق, ولكنه سمع من العلم فأكثر, فكلما سنح منه طريق سلكه.
[ذكر من تكلم فيه]:
31- وقال وهيب -وهو ابن خالد-: شهدت يحيى بن سعيد الأنصاري وأيوب, فذكرا عكرمة؛ فقال يحيى بن سعيد: كان كذاباً, وقال أيوب: لم يكن بكذاب!
32- وقال عبد الله بن الحارث: دخلت [على] علي [بن] عبد الله بن عباس؛ فإذا عكرمة في وثاق عند باب الحش؛ فقلت له: ألا تتقي الله! فقال: إن هذا الخبيث يكذب على أبي.
وروي هذا أيضاً عن يزيد بن أبي زياد.
وقال عثمان -أبو مرة- قلت للقاسم وهو ابن محمد بن أبي بكر الصديق: إن عكرمة مولى ابن عباس حدثنا وذكر حديثاً؛ قال: يا ابن أخي! إن عكرمة كذابٌ يحدث غدوة حديثاً يخالفه عشيةً!!
33- وقال إسحاق بن عيسى: سألت مالك بن أنس, قلت: أبلغك أن ابن عمر قال لنافعٍ: لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس؟ قال: لا! ولكن بلغني أن سعيد بن المسيب قال ذلك لبردٍ مولاه!(1/26)
34- وقال إبراهيم بن سعد عن أبيه: كان سعيد بن المسيب يقول لبرد مولاه: يا برد! لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس.
35- وقال فطر بن خليفة: قلت لعطاء: إن عكرمة يقول: قال ابن عباس: سبق الكتاب الخفين. فقال: كذب عكرمة! سمعت ابن عباس يقول: لا بأس بمسح الخفين وإن دخلت الغائط.
36- وقال معن, ومطرف, ومحمد بن الضحاك: كان مالك لا يرى عكرمة ثقةً, ويأمر أن لا يؤخذ عنه.
37- وقال الربيع: قال الشافعي: وهو -يعني: مالك بن أنس- سيء الرأي في عكرمة؛ قال: لا أرى لأحدٍ أن يقبل حديثه. وقال الشافعي في بعض كتبه: نحن نتقي حديث عكرمة. وقال ابن أبي ذئب: أدركت عكرمة وكان غير ثقةٍ.
38-وقال إبراهيم بن المنذر: قال لي عبد الله بن عبيد الله بن عباس: كان ابن عباس لا يستحل أن يعتق عكرمة, وإنما أعتقه علي بن عبد الله بن عباس.
39- وقال ابن علية: ذكر أيوب عكرمة فقال: كان قليل العقل! أتيناه يوماً فقال: والله لا أحدثكم! فمكثنا ساعةً, فجعل يحدثنا؛ ثم قال: أيحسن حسنكم مثل هذا؟! قال: وبينا أنا يوماً عنده وهو يحدثنا, إذ رأى أعرابياً فقال: هاه! ألم أرك بأرض الجزيرة أو غيرها؟ فأقبل عليه وتركنا!(1/27)
40- وقال أيوب: كنا نأتي عكرمة فيحلف بالله لا يحدثنا, فما نكون قط بأطمع منه في الحديث عند ذلك. قال له رجل: ألم تحلف بالله؟ قال: ما يدريكم؟ كفارة يميني أن أحدثكم!
41- وقال يزيد بن هارون: قدم عكرمة البصرة؛ فأتاه أيوب وسليمان التيمي ويونس بن عبيد؛ فبينما هو يحدثهم إذ سمعوا صوت غناء؛ فقال عكرمة: اسكتوا! فتسمع ثم قال: قاتله الله لقد أجاد! أو قال: ما أجود ما غنى! قال: فأما سليمان ويونس فلم يعودا إليه, وعاد إليه أيوب. قال يزيد: وقد أحسن أيوب!
42- وقال ابن عون: ما تركوا أيوب حتى استخرجوا منه ما لم يكن يريد -يعني الحديث عن عكرمة-.
43- وقيل لداود بن أبي هند: تروي عن عكرمة؟ [قال: لو] اتقى الله وكف من حديثه لشدت إليه المطايا! وقال أيضاً: المسكين لو اقتصر على ما سمع! كان قد سمع علماً.
وقال سعيد بن جبير: لو كف عنهم عكرمة من حديثه لشدت إليه المطايا.
44- وسئل محمد بن سيرين عن عكرمة فقال: ما يسوؤني أن يكون من أهل الجنة, ولكنه كذاب.
وقال خالد الحذاء: كل ما قال محمد بن سيرين: نبئت عن ابن عباسٍ, فإنما رواه عن عكرمة. قلت: لم يكن يسمي عكرمة؟ قال: لا!(1/28)
محمد ومالك لا يسمونه في الحديث؛ إلا أن مالكاً قد سماه في حديث واحد. قلت: ما كان شأنه؟ قال: كان من أعلم الناس, ولكنه كان يرى رأي الخوارج -رأي الصفرية- ولم يدع موضعاً إلا خرج إليه: خراسان, والشام, واليمن, ومصر, وإفريقية. ويقال: إنما أخذ أهل إفريقية رأي الصفرية من عكرمة لما قدم عليهم, وكان يأتي الأمراء يطلب جوائزهم.
45- وقال عبد العزيز بن أبي رواد: رأيت عكرمة بنيسابور؛ فقلت له: تركت الحرمين وجئت إلى خراسان؟ فقال: جئت أسعى على عيالي.
46- وقال علي بن المديني, عن يحيى بن سعيد: حدثوني -والله- عن أيوب؛ فذكر له عكرمة وأنه لا يحسن الصلاة!؛ فقال أيوب: وكان يصلي؟!
47- وقال أحمد بن حنبل: ميمون بن مهران أوثق من عكرمة, ميمون ثقةٌ, وذكره بخير. وقال أيضاً: عكرمة مضطرب الحديث مختلفٌ فيه, وما أدري؟
48- وقال إبراهيم بن يعقوب: قلت لأحمد بن حنبل: أكان عكرمة أتى البربر؟ قال: نعم! وأتى خراسان. كان يطوف على الأمراء يأخذ منهم. مات هو وكثير عزة في يوم واحد ولم يشهد جنازة عكرمة كثير أحدٍ!
49- وقال أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس في ((تاريخ(1/29)
الغرباء)): وبالمغرب إلى وقتنا هذا قومٌ على مذهب الإباضية يعرفون بالصفرية يزعمون أنهم أخذوا مذهبهم عن عكرمة مولى ابن عباس.
50- وقال أبو نعيم الأصبهاني في ((تاريخ أصبهان)): عكرمة مولى عبد الله بن عباس, كان كثير الجولان والتطواف في البلدان, قدم على الوالي بأصبهان فأجازه بثلاثة آلاف درهم.
وذكر عن يزيد النحوي أنه قال: خرجت حاجاً فلقيت عكرمة في مفازة يزد, فدنوت منه فسلمت عليه, ثم قلت: كيف أنت يا [أبا] عبد الله؟ فقال: بخير ما لم أرك وأصحابك! فقمت عنه.
وذكر الحافظ أبو عبد الله النيسابوري في ((تاريخ نيسابور)) عن يزيد النحوي قال: كنت قاعداً عند عكرمة بمرو؛ فأقبل مقاتل وأخوه -ابنا حيان- فوقفا عليه؛ فقال مقاتل: يا أبا عبد الله! ما تقول في نبيذ الجر؟ فقال عكرمة: هو حرامٌ؛ مثل الميتة والدم ولحم الخنزير. قال: فما تقول فيمن يشربه؟ قال: أقول أن كل شربة منه كفرة!
قال يزيد: فقلت: والله لا أدع شرب نبيذ الجر أبداً حتى ألقى الله عز وجل! فوثب عكرمة وقام مغضباً منتفخاً, وقال لي: أبعدك الله!
قال يزيد: فانطلقت حاجاً, فلقيته في مفازة يزد؛ فدنوت منه فسلمت ثم قلت له: كيف أنت يا أبا عبد الله؟ قال: بخير ما لم أرك وأصحابك! فقمت عنه.(1/30)
51- وقال محمد بن سعد: أخبرنا مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت الزبيري, قال: كان عكرمة يرى رأي الخوارج, وطلبه بعض ولاة المدينة فتغيب عند داود بن الحصين حتى مات عنده.
قالوا: وكان عكرمة كثير الحديث والعلم, بحراً من البحور وليس يحتج بحديثه, ويتكلم الناس فيه. وفي رواية غير مصعبٍ قال: وادعى على ابن عباسٍ أنه كان يرى رأي الخوارج.
52- وقال الحافظ أبو أحمد ابن محمد النيسابوري: أبو عبد الله عكرمة مولى عبد الله بن عباس القرشي الهاشمي, أصله بربريٌ من أهل المغرب؛ ثم قال: احتج بحديثه عامة الأئمة القدماء, لكن بعض المتأخرين أخرج حديثه من حيز الصحاح بما نذكره؛ وذلك قصة نافع مع ابن عمر.
وروى أيوب عن عكرمة قال: أرأيت هؤلاء الذين يكذبوني من خلفي, ألا يكذبوني في وجهي؟ فإذا كذبوني في وجهي فقد كذبوني.
قال سليمان بن حرب: وجه هذا: يقول: إذا قرروه بالكذب ولم يجدوا له حجة.
53- وقال ابن بكير: قدم عكرمة مصر وهو [من] بربر(1/31)
المغرب, ونزل هذه الدار, وأومأ إلى دارٍ إلى جانب دار ابن بكير, وخرج إلى المغرب؛ فالخوارج الذين هم بالمغرب, عنه أخذوا.
54- وقال علي بن المديني: كان عكرمة يرى رأي نجدة الحروري. وقال الدراوردي: توفي عكرمة وكثير عزة الشاعر بالمدينة في يوم واحد؛ فما حمل جنازتهم إلا الزنج, وعجب -وفي رواية: وعجب الناس- لاجتماعهما في الموت واختلاف رأيهما: عكرمة يظن به أنه يرى رأي الخوارج يكفر بالنظرة! وكثير شيعي مؤمنٌ بالرجعة!
55- وقال يعقوب بن سفيان: ثنا ابن أبي أويس, عن مالك, عن أبيه, قال: أتي بجنازة عكرمة مولى ابن عباس وكثير عزة بعد العصر؛ فما علمت أن أحداً من أهل المسجد حل حبوته إليهما. وفي رواية: فما شهدها إلا سودان المدينة؛ وفي رواية: شهد الناس جنازة كثير وتركوا جنازة عكرمة!
56- وقال علي بن المديني: مات عكرمة بالمدينة سنة أربع ومائة. قال: فما حمله أحدٌ, اكتروا [له] أربعة!
وقال المفضل بن فضالة: مات عكرمة وكثير عزة في يوم واحد, فأخرجت جنازتهما, فما علمت تخلف رجل ولا امرأة بالمدينة عن جنازتهما. قال: وقيل: مات اليوم أعلم الناس وأشعر الناس. قال:(1/32)
وغلب النساء على جنازة كثير يبكينه ويذكرن عزة في ندبهن إياه.
[الرد على من تكلم فيه وإثبات توثيقه]:
57- وقال أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي: عكرمة قد ثبتت عدالته بصحبة ابن عباس وملازمته إياه, وبأن غير واحد من أهل العلم رووا عنه وعدلوه, وما زال العلماء بعدهم يروون عنه.
قال: وممن روى عنه من جلة التابعين: محمد بن سيرين, وجابر بن زيد, وطاوس, والزهري, وعمرو بن دينار, ويحيى بن سعيد الأنصاري, وغيرهم.
قال أبو عبد الله المروزي: وكل رجل ثبتت عدالته برواية أهل العلم عنه وحملهم حديثه فلم يقبل فيه تجريح أحد جرحه حتى يثبت عليه أمر لا يجهل أن يكون جرحةً, وأما قوله: فلان كذاب فليس مما يثبت جرحةً حتى يبين ما قاله.
58- قال أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر: جماعة الفقهاء وأئمة الحديث؛ الذين لهم بصرٌ بالفقه والفتيا هذا قولهم؛ فإنه لا يقبل من ابن معين ولا من غيره فيمن اشتهر بالعلم وعرف به وصحت عدالته وفهمه إلا أن يبين الوجه الذي يجرحه به على حسب ما يجوز من تجريح العدل المبرز العدالة في الشهادات. وهذا الذي لا يصح أن يعتقد غيره, ولا يحل أن يلتفت إلى ما خالفه, وبالله التوفيق.
59- وقال أبو عمر: عكرمة مولى ابن عباس, من جلة العلماء, لا يقدح فيه كلام من تكلم فيه لأنه لا حجة مع أحدٍ تكلم فيه. وقد يحتمل أن يكون مالك جبن عن الرواية عنه لأنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يرميه بالكذب؛ ويحتمل أن يكون لما نسب إلى رأي الخوارج, وكل ذلك باطل عليه إن شاء الله.
60- وقال أيضاً: وأما قول سعيد بن المسيب فيه؛ فقد ذكر العلة الموجبة للعداوة بينهما أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي في كتاب ((الانتفاع بجلود الميتة)), وقد ذكرت هذا وأسبابه في كتاب ((جامع بيان أخذ العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله)), في باب: ((قول العلماء بعضهم في بعض)).
وقد تكلم فيه ابن سيرين, ولا خلاف أعلم بين ثقات أهل العلم أنه أعلم بكتاب الله من ابن سيرين. وقد يظن الإنسان ظناً يغضب له ولا يملك نفسه.
وقال أبو عمر أيضاً: وزعموا أن مالكاً أسقط ذكر عكرمة منه -يعني حديث ابن عباس في الهلال- لأنه كره أن يكون بكتابه, لكلام سعيد بن المسيب وغيره فيه, ولا أدري صحة هذا, لأن مالكاً ذكره في كتاب الحج وصرح باسمه ومال إلى روايته عن ابن عباس, وترك رواية عطاء في تلك المسألة, وعطاء أجل التابعين في علم المناسك والثقة والأمانة.(1/33)
61- وقال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: والصواب من القول عندنا -في عكرمة وفي غيره ممن شهر في المسلمين بالصلاح والستر- أنه جائز الشهادة, مستحق الوصف بالعدالة من أهل الإسلام,(1/34)
ولا يدفع ذو علم بعكرمة ومعرفة بمولاه عبد الله بن عباس أن عكرمة كان -وهو رجل مجتمع- لابن عباس مملوكاً, بل كان من خواص مماليكه وأنه لم يزل في ملكه حتى مضى لسبيله رحمه الله تعالى, مع علمه به وبموضعه من العلم بالقرآن وتأويله وشرائع الإسلام وأحكامه, وأنه لم يحدث له إخراجاً عن ملكه ببيعٍ ولا هبةٍ؛ بل ذكر عنه أنه ربما استثبته في الشيء ثم يستصوب فيه قوله.
ولو كان ابن عباس اطلع منه على أمرٍ -في طول مكثه في ملكه- مذمومٍ أو مذهبٍ في الدين مكروهٍ, لكان حرياً أن يكون قد أخرجه عن ملكه أو عاقبه بما يكون له من مذهبه أو فعله, أو يتقدم إلى أصحابه بالحذر منه ومن روايته, وأعلمهم من حاله التي اطلع منه عليها ما يوجب لهم الحذر منه والأخذ عنه.
وفي تقريظ جلة أصحاب مولى عكرمة إياه ووصفهم له بالتقدم في العلوم وأمرهم الناس بالأخذ عنه: كجابر بن زيد أبي الشعثاء ومنزلته من الإسلام منزلته, وموضعه من الحلال والحرام موضعه, وتقدمه في الفضل؛ الذي يقول -وقد سئل عنه-: هو البحر فسلوه.
وكسعيد بن جبير, ومكانه من العلم بالحلال والحرام, ومعرفته بالشرائع وتأويل القرآن ومحله من الإسلام, يقول -وقد سئل: هل بقي أحد أعلم منك؟- فيقول: نعم! عكرمة.(1/35)
وكطاوس بن كيسان في فضله وورعه وزهده وعبادته وعلمه وقدم صحبته عبد الله بن عباس رحمة الله عليهما؛ يرى استعطافه بالهدية إليه ليفيد ابنه من علمه وليمكنه من الاقتباس منه.
وكان أيوب بن أبي تميمة السختياني في فضله وورعه وأمانته على الدين وأهله يشهد له بالثقة على ما روى وحدث, وينكر تهمة من يتهمه على ما يتهمه.
وكشهر بن حوشب وأمره من سأله عنه بالأخذ عنه؛ في غيرهم ممن يتعب إحصاؤهم من أهل الفضل, ممن يقرظه ويمدحه في دينه وعلمه بالشهادة بعضهم تثبت للإنسان العدالة ويستحق من المسلمين جواز الشهادة؛ ومن ثبتت له منهم العدالة وجازت له منهم الشهادة لم تجرح شهادته, ولم تسقط عدالته بالظنة والتهمة, وبأن فلان قال لمولاه: [لا] تكذب علي كما كذب فلان على فلان، وما أشبه ذلك من القول الذي له وجوه وتصاريف ومعانٍ غير الذي يوجهه إليه أهل الغباوة ومن لا علم له بتصاريف كلام العرب!
وأتعجب كل العجب ممن علم حال عكرمة ومكانه من عبد الله بن عباس وطول مكثه معه وبين ظهراني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ثم من بعد ذلك من خيار التابعين والخالفين وهم له مقرظون، وعليه مثنون، وله في(1/36)
العلم والدين مقدمون، وله بالصدق شاهدون؛ ثم يجيء بعد مضيه لسبيله بدهرٍ وزمان نوابغ يجادلون فيه من يشهد له بما شهد له به من ذكرنا من خيار السلف وأئمة الخلف: من مضيه على ستره وصلاحه وحاله من العدالة وجواز الشهادة في المسلمين؛ فإن كل ما ذكرنا من حاله عمن ذكرنا عنه لا حقيقة له، ولا صحة خبر أورد عنهم: لا صحة له عن ابن عمر أنه قال لمملوكه: يا نافع لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس.
وقد بينا من احتمال هذا القول من ابن عمر من الوجوه ما قد مضى ذكرنا بعضها، وهم مع ذلك من استشهادهم على دفع عدالة عكرمة وجرحهم شهادته وتوهينهم روايته بما ذكرنا من الرواية الواجبة عن ابن عمر، عندهم نافع مولى ابن عمر في نقل ما نقل وروى من خبر في الدين حجة، وفيما شهد به عدل ثقة، مع صحة الخبر عن ابن مولاه سالم أنه قال –إذ أخبر عنه أنه يروي عن أبيه عبد الله بن عمر من استجازته إتيان النساء في أدبارهن-: كذب العبد! وذلك صريح في التكذيب منه لنافع. فلم يروا ذلك من قول سالم لنافعٍ جرحاً، ولا عليه في روايته طعناً، ورأوا أن قول ابن عمر لنافع: لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباسٍ له جرحٌ، وفي روايته طعن، تسقط به شهادته!!
وقال أبو جعفر: ولم نعارض قائلي ما ذكرنا في عكرمة بما قيل في نافع طعناً منا على نافع، بل أمرهما عندنا في أن ما نقلا في الدين من(1/37)
خبرٍ حجةً لازمٌ العمل به من كان بخبر الواحد العدل دائناً، ولكن أردنا أن نريهم تناقض قولهم.
وقال أيضاً: وغير بعيد أن يكون الذي يحكى عنهم عن ابن عمر في عكرمة نظير الذي حكي عن سعيد فيه.
وقال أيضاً: وأما ما نسب إليه عكرمة من مذهب الصفرية، فإنه لو كان كل من ادعي عليه مذهبٌ من المذاهب الرديئة ونحلةٌ ثبت عليه ما ادعي عليه من ذلك ونحله –يجب علينا إسقاط عدالته وإبطال شهادته وترك الاحتجاج بروايته- لزمنا ترك الاحتجاج برواية كل من نقل عنه أثرٌ من محدثي الأمصار كلها؛ لأنه لا أحد منهم إلا وقد نسبه ناسبون إلى ما يرغب به عنه قوم ويرتضيه له آخرون.
62- وقال محمد بن راشد: مات ابن عباس وعكرمة عبده، فاشتراه خالد بن يزيد بن معاوية من علي بن عبد الله بن عباس بأربعة آلاف دينار؛ فبلغ ذلك عكرمة فأتى علياً فقال: تبيعني بأربعة آلاف دينار؟ قال: نعم! قال: أما أنه ما خير لك! بعت علم أبيك بأربعة آلاف دينار! فراح عليٌ إلى خالد فاستقاله فأقاله فأعتقه.
[وفاته رحمه الله]:
توفي عكرمة رضي الله عنه سنة أربع ومائة؛ وقيل: سنة خمس؛ وقيل: سنة ستٍ؛ وقيل: سنة سبع؛ وقيل: سنة خمس عشرة ومائة، وهو ابن أربع وثمانين سنة؛ وقيل: وهو ابن ثمانين سنة، وكانت وفاته بالمدينة(1/38)
شرفها الله تعالى. ومن الناس من يقول: إنه مات بالقيروان. والصحيح أنه مات بالمدينة.
آخره ولله الحمد. فرغ منه في جمادى الأولى سنة عشرين وتسعمائة.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.(1/39)