الأجزَاءُ الحَديثيّة
(5)
جُزءٌ في مرويات دعَاء خَتم القرآن
وَحكمه دَاخل الصَّلاة وخَارجها
تَألِيْفُ
الشَّيْخِ العَلاَّمَة
بَكر بِنْ عَبد الله أَبَوُ زَيد
غَفَر الله لَهُ وَلِوالدَيه وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِين
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب, إِماماً, ونوراً, وهدىً, ورحمةً للعالمين. والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين, وعلى آله, وصحابته أجمعين.
أما بعد: فإن لأهل العلم أبحاثاً متعددة في ((ختم القرآن الكريم)) مشتركة بين كتب: علوم القرآن, والأدعية والأذكار, والحديث, والفقه, والاعتصام بالسنة, ومن هذه الأبحاث: فضل ختم القرآن, ومدَّته, ووقته, ومكانه, والدعاء بعده, وحضور الأهل والأولاد له, وَوَصْل ختمةٍ بأخرى, وصيام يوم الختم, وتكرار سورة الإِخلاص ثلاثاً, والتكبير في آخر كل سورة من سورة إلى آخر سورة منه, وإكمال الختم, والإِتيان بسجدات القرآن بعد الختم, والتهليل عنها أربع عشرة مرة, والاحتفال بليلة الختم, والخطبة بعدها, والتواعد للختم, والصعق . . . فهذه سبعة عشر بحثاً في: أحكام ختم القرآن. والست الأخيرة منها: من البدع المحدثة, ولعلها مما انقرض, ولله الحمد (1) .
__________
(1) المدخل لابن الحاج 2 / 294- 305, اللمع في الحوادث والبدع لابن بيدكين 1 / 70- 75, وفتاوى شيخ الإِسلام ابن تيمية 11 / 8.
والصعق: الصيحة يغشى منها ويذهب عقله, كما في: شرح الأذكار 3 / 260, وفي ((الآداب الشرعية)) لابن مفلح رحمه الله تعالى 2 / 330- 334: ذكر أن المروي عن الصحابة رضي الله عنهم هو: فيض الدموع, والخشوع, ولين القلوب, وأن الصعق إنما حدث في التابعين لقوة الوارد, وضعف المورود عليه, وأن أقدم من علم عنه ذلك: الربيع بن خثيم, م سنة 61هـ. ثم ذكر تفصيلاً في حكم ((الصعق)). وانظر: التبيان للنووي ص66. وفي ((حلية الأولياء 2 / 265)) لأبي نعيم وعنه شيخ الإِسلام في الفتاوى 11 / 7, 562, فقال: (قال محمد بن سيرين: ميعاد ما بيننا وبينهم - يعني الذين يصعقون عند قراءة القرآن - أن يجلسوا على حائط فيقرأ عليهم القرآن من أوله إلى آخره, فإن سقطوا فهم كما يقولون) اهـ.(1/1)
وأمَّا إكمال الختم, ويقال: ((تتمته)), ومعناه: أن يقرأ المأموم ما فات الإِمام من الآيات, وأن يعيد الإِمام بعد الختم ما فاته من الآيات. وقد سُئل عنه الإِمام أحمد رحمه الله تعالى فقال: نعم, ينبغي أن يفعل, قد كان بمكة يوكلون رجلاً يكتب ما ترك الإِمام من الحروف وغيرها, فإذا كان ليلة الختم أعاده. وإنما استحب ذلك لتتم الختمة ويكمل الثواب (1) . وأما وقت الختم: بمعنى ختمه في مساء الشتاء, وصباح الصيف (2) ووصل ختمة بأخرى؛ بقراءة الفاتحة وخمس آيات من سورة البقرة قبل الشروع في دعاء الختم (3) , وتكرار سورة الإِخلاص ثلاثاً, والتكبير في آخر سورة الضحى إلى سورة الناس داخل الصلاة أو خارجها, وصيام يوم الختم.
فهذه الأبحاث الستة لا يصح فيها شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن صحابته رضي الله عنهم, وعامة ما يروى فيها مما لا تقوم به الحجة.
__________
(1) المغني مع الشرح الكبير 1 / 803, التبيان للنووي ص125, مجموع فتاوى شيخ الإِسلام ابن تيمية 21 / 410- 411, الإِتقان للسيوطي 1 / 106.
(2) المغني مع الشرح الكبير 1 / 803, التبيان ص125, شرح الأذكار 3 / 242- 243, التذكار ص79- 80, البرهان للزركشي 1 / 472, الإِتقان 1 / 110. وفي هذه المسالة حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مرفوعاً: ((من ختم القرآن أول النهار صلت عليه الملائكة حتى يمسي)) . . الحديث. رواه أبو نعيم في ((الحلية 5 / 26)), وهو ضعيف, وفيها أيضاً آثار عن بعض الصحابة رضي الله عنهم, والتابعين كما في: الزهد لابن المبارك برقم 810, ومصنف ابن أبي شيبة برقم 10088, وابن نصر كما في مختصر قيام الليل ص109, وفضائل القرآن للفريابي برقم 92 / 94, وغيرها.
(3) انظر: شرح الأذكار 3 / 244. وحديث: الحال المرتحل. يأتي بعد قليل.(1/2)
وشيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى تكلم شديداً في التكبير المذكور, وأنه لم يرد إِلاَّ في رواية البزي عن ابن كثير (1) .
والإِمام أحمد رحمه الله تعالى: لم يستحب وصل ختمة بأخرى على الوجه المتقدم, قال ابن قدامة (2) : (لعله لم يثبت فيه عنده أثر صحيح) اهـ. وقال ابن القيم (3) : (إن ذلك لا يعرف عن الصحابة ولا التابعين) اهـ.
وقد رُوي فيه حديث ((الحال والمرتحل)) عند الترمذي وهو ضعيف (4) مع ما قاله ابن القيم وغيره (5) , في معناه من تأويل, وأنه في: الغزو, وقد نوزع في ذلك, وأن معناه: الحث على تكرار الختم ختمة بعد أخرى (6) .
__________
(1) مجموع الفتاوى 12 / 417- 420. والآداب الشرعية لابن مفلح 2 / 321, وأخبار مكة للفاكهي 2 / 156- 3 / 36.
(2) المغني 1 / 803.
(3) إعلام الموقعين 4 / 306.
(4) رواه ابن نصر, والترمذي, والطبراني, والحاكم, والبيهقي في الشعب, وانطر: فضائل القرآن لابن كثير ص193, وشرح الأذكار 3 / 248.
(5) إعلام الموقعين 4 / 306. وتحفة الأحوذي 4 / 64. والآداب الشرعية 2 / 328.
(6) نازعه المباركفوري في: تحفة الأحوذي 4 / 64, ط الهندية بأن الحديث جاء في آخره ذكر الختمة. وبمعناه في: الآداب الشرعية 2 / 328- 329. وفي سند هذا الحديث: الهيثم بن الربيع. وصالح بن بشير المري. وهما ضعيفان, بل قيل إن صالحاً: متروك الحديث, قاله النسائي, والذهبي في: تلخيص المستدرك 1 / 569. والحديث رواه: ابن نصر, والترمذي, والحاكم. وانظر: شرح الأذكار 3 / 248.(1/3)
وأما فضله: فقد بلغت السنن في فضل قراءة القرآن مبلغاً عظيماً. لكن في خصوص الختم لم يثبت فيه نص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - , وحديث عمرو بن شعيب, عن أبيه, عن جده, عن النبي - صلى الله عليه وسلم - , أنه قال: ((إذا ختم العبد القرآن صلَّى عليه عند الختم سبعون ألف ملك)) رواه الديلمي, وهو موضوع (1) . وفي خصوص قراءة القرآن في: التراويح, فقال شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (2) : (سنة باتفاق المسلمين, بل من جل مقصود التراويح: قراءة القرآن فيها؛ ليسمع المسلمون كلام الله, فإن شهر رمضان فيه أنزل القرآن, وفيه كان جبرائيل يدارس النبي - صلى الله عليه وسلم - القران . . .) اهـ. وأما مدته (3) : فقد بلغ الخلاف فيه نحواً من أثني عشر قولاً, والجمهور على استحباب ختمه في ثلاث ليال, وكراهته دونها. أو في سبع, وكراهته دونها. وعن الإِمام أحمد رحمه الله تعالى: اختلافه باختلاف الأحوال والأشخاص (4) , وهذا اختيار النووي رحمه الله تعالى (5) , ونقله ابن كثير رحمه الله تعالى في: فضائل القرآن (6) .
__________
(1) الجامع الصغير برقم / 570 قال: ضعيف. وفي ضعيف الجامع برقم / 568 قال: موضوع. وسنده في: تسديد القوس للحافظ ابن حجر من النسخة الخطية 1 / 58- 59.
(2) مجموع الفتاوى 23 / 122- 123, وعنه في حاشية ابن قاسم على الروض المربع 2 / 206.
(3) أحاديث في: الصحاح والسنن وغيرها. ومباحثه منتشرة وانظر: المغني 1 / 804- 805, شرح الأذكار لابن علان 3 / 228- 238, البرهان للزركشي 1 / 470- 471, الإِتقان للسيوطي 1 / 104- 105, فضائل القرآن لابن كثير ص 169- 179, والفتاوى 13 / 407 وغيرها.
(4) المغني 1 / 804.
(5) شرح الأذكار 3 / 238.
(6) ص 177.(1/4)
وأما دعاء الختم ومكانه: فهل يشرع الدعاء؟ وإذا كان مشروعاً هل يكون داخل الصلاة وخارجها, من إمام أو منفرد؟ وإذا كان داخل الصلاة هل هو قبل الركوع أو بعده؟ أم في دعاء القنوت للوتر؟ أم في السجود؟
فهذان الفرعان: دعاء الختم ومكانه, بتفاصيلهما, هما محل البحث في هذا الجزء؛ لشيوع العمل بدعاء ختم القرآن داخل الصلاة وخارجها.(1/5)
وقد بلغت الرغبة في دعاء ختم القرآن إلى وجود ختمة في نحو من ثمانين صفحةً يدعى بها في ((المحاريب)) في قيام الليل: التراويح, والتهجد (1) .
__________
(1) قد أفردت في صيغ الدعاء للختم مؤلفات, منها: كتاب الخطب في ديوان ختم القرآن, لإِبراهيم بن محمد بن حيدر, المولود سنة 559هـ. كما في: معجم الأدباء لياقوت 2 / 15, 16. وفي فهارس المكتابات المخطوطة الشيء الكثير, منها ما في فهارس المكتبة القادرية في بغداد بجامع عبد القادر الجيلاني الحنبلي, المتوفى سنة 561هـ, رحمه الله تعالى, كما في فهرسها: الآثار الخطية في المكتبة القادرية 1 / 134 بقلم عماد عبد السلام. طبع عام 1394هـ. بمطبعة الإِرشاد في بغداد: ذكر مجموعاً يحوي: أربعاً وعشرين ختمة, وللجيلاني نفسه ختمة مطولة في كتابه ((الغنية لطالبي طريق الحق عز وجل)) 2 / 132- 135, طبع مصر, عام 1288هـ. مبنية على الدعاء المسجوع, ومنها مقاطع انتشرت في زماننا هذا كقوله رحمه الله تعالى: ((وقلت يا عزَّ من قائل سبحانه (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه), هو أحسن كتبك نظاماً . . . فيه وعد ووعيد . . .) اهـ. وفي كتابه هذا ذكر الوصية والموعظة التي يلقيها الإِمام في ختام رمضان, وقد قرر العلماء بدعية ترتيبها, كما في ((المدخل)) 2 / 295 لابن الحاج. وفي كتب أذكار القرآن: صيغ لدعاء ختم القرآن, كما في: التبيان للنووي ص 127- 129, والتذكار للقرطبي ص 80- 84. وانظر: الأذكار للنووي مع شرحها 3 / 247 ببيان مقاصدها, وعمل اليوم والليلة للسيوطي ص80, وبدائع الفوائد 4 / 69..ومن المؤلفات في صيغ دعاء ختم القرآن: الدعاء المنسوب إلى شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى, والذي استمر زمناً يطبع في أخريات المصاحف الشريفة, وهذا ما لم تُثبت نسبته إليه ولا يعرف من نسبه إليه, وكان الشيخ عبد الرحمن بن قاسم جامع فتاوى شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمهما الله تعالى في شك من نسبة هذا الدعاء إلى ابن تيمية, كما تحرر لدي بخطه في بعض أوراق له, يوصي بعدم إدخاله في ((مجموع فتاوى شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى))؛ ولعل حذفه من الطبعات الأخيرة للمصحف الشريف لذلك, أو لهذا, ولعدم ترتيب دعاء من النبي - صلى الله عليه وسلم - لختم القرآن, وتجريداً لكتاب الله تعالى وكلامه مما ليس منه.(1/6)
ولما كان المسلم مقيَّداً في تعبده بشريعة محكمة هي: الجادة والصراط المستقيم, وقد عهد من مدارك الشرع أن أمور العباد التعبدية توقيفية؛ لا تشرع إلاَّ بنص نصبه الله على حكمه, مسلم الثبوت والدلالة, لضمان الإتباع عن الابتداع, ودرء الغلط والحدث؛ استقرأت ما في ذلك من الأحاديث والآثار, وكلام علماء الأمصار على مر الأعصار, ما وجدت إلى ذلك سبيلاً؛ ليقف الناظر فيه على مدى التلاقي بين دعاء ختم القرآن في الصلاة, وبين قاعدة الشريعة في العبادات من أنها توقيفية, وبالتالي يحصل الحكم باطمئنان: هل لختم القرآن الكريم دعاء مشروع خارج الصلاة أو داخلها, في صلاة التراويح أو الوتر, من إمام أو لمنفرد فيهما, أو في سائر النوافل كركعتي المغرب والفجر, أو لا يشرع ذلك لعدم ثبوت شيء منه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - , وعن صحابته, رضي الله عنهم. هذا ما ستقف عليه إن شاء الله تعالى مفصلاً في فصلين: الفصل الأول: في المروي.
الفصل الثاني: في فقهه.
وخاتمة توقفك على خلاصة ما فيهما.
والله تعالى هو الموفق والمعين.
* * *
الفصل الأول
في المروي مرفوعاً أو موقوفاً
عن الصحابة, رضي الله عنهم:
المروي من ذلك في: الدعاء عند ختم القرآن, على أنواع ثلاثة:
? الأول: ما يفيد أن الدعاء عند ختم القرآن من مواطن الإِجابة, وهو من: رواية أنس بن مالك رضي الله عنه, من وجهين, وابن عباس رضي الله عنهما, وجابر رضي الله عنه, والعرباض بن سارية رضي الله عنه, وقول ابن مسعود رضي الله عنه, وأثر مجاهد بن جبر, رحمه الله تعالى.
? الثاني: ما يفيد أدعية نبوية في ذلك. والرواية فيه من حديث: أبي أمامة رضي الله عنه, وزر بن حبيش عن علي رضي الله عنه, وأبي هريرة رضي الله عنه, ومرسل علي بن الحسين رحمه الله تعالى, ومعضل داود بن قيس, رحمه الله تعالى.(1/7)
? الثالث: ما يفيد جمع الأهل والولد للدعاء, عن أنس رضي الله عنه, مرفوعاً وموقوفاً, وعن ابن عباس, رضي الله عنهما. فهذه عشرة أحاديث مرفوعة, وثلاثة آثار موقوفة, وواحد مقطوع, وبيانها على ما يلي:
1- حديث أنس, رضي الله عنه:
وله ألفاظ ثلاثة من وجهين:
? الوجه الأول: ولفظه عن أنس رضي الله عنه, أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن لصاحب القرآن عند كل ختمة: دعوة مستجابة, وشجرة في الجنة لو أن غرباً طار من أصلها لم ينته إلى فرعها حتى يدركه الهرم)).
أخرجه الخطيب البغدادي في ترجمة: عبد الله بن أحمد المروزي, م سنة 370هـ (1) , والبيهقي في ((شعب الإِيمان)) (2) . وفي ((الجامع الصغير)): عزاه إلى الخطيب, ورمز لضعفه (3) . وفي ((ضعيف الجامع)) قال: موضوع (4) . وفاتهما عزوه إِلى: البيهقي. ومدار سنده عند: الخطيب, والبيهقي, على رواية وضَّاع عن ضعيف؛ أما الوضَّاع فهو: أبو عصمة نوح بن أبي مريم المشهور بالجامع: كذبوه في الحديث, وقال ابن المبارك: كان يضع (5) . يرويه عن: يزيد الرقاشي.
كما أن لوائح الوضع على متنه ظاهرة (6) فهذا مما اعتراه النقد في سنده ومتنه, ولهذا أورده ابن الجوزي في ((العلل المتناهية)) فقال: (7) (هذا حديث لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وزيد الرقاشي, قال أحمد: لا يكتب عنه شيء. قال يحيى: أبو عصمة: ليس بشيء ولا يكتب حديثه. وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به) اهـ. وساقه الذهبي رحمه الله تعالى في ترجمة الحليمي من (السير 17 / 233) بلفظ: ((لصاحب القرآن دعوة مستجابة عند ختمه)). ثم قال: (هذا حديث غريب لا يثبت مثله؛ لِوهن الرقاشي في ضبط الحديث).
? الوجه الثاني: وله لفظان:
__________
(1) تاريخ بغداد 9 / 390.
(2) 1 / 355 / ب نسخة نور عثمانية.
(3) برقم 2400.
(4) برقم 1916.
(5) تقريب التهذيب.
(6) انظر: المنار لابن القيم ص 15.
(7) العلل المتناهية 1 / 108.(1/8)
أحدهما: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((عند كل ختمة دعوة مستجابة)). رواه أبو نعيم (1) وقال: (لا أعلم رواه عن مسعر غير يحيى بن هشام). ورواه ابن حبان (2) , وابن عساكر (3) , والديلمي (4) , وابن الشجري (5) , والتجيبي (6) , وأبو الفرج الإِسفراييني (7) . واقتصر السيوطي على عزوه إلى: أبي نعيم, وابن عساكر (8) , واستدرك المناوي, تخريج الديلمي له, وقال (9) : (وكذا الديلمي, وفيه: يحيى السمسار, قال في الميزان: كذبه ابن معين, وتركه النسائي, وقال ابن عدي: يضع الحديث ويسرقه, قال: ومن بلاياه هذا الحديث في أخبار أُخر) اهـ.
ولذا جاء في ((ضعيف الجامع)), قوله: (موضوع) (10) , وكذا في السلسلة الضعيفة (11) . ومنه تعلم ما في رمز السيوطي لضعفه من قصور, وأن هذا اللفظ بهذا الإِسناد لا يعتبر به. والله أعلم.
اللفظ الثاني: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((مع كل ختمة دعوة مستجابة)). رواه البيهقي في ((شعب الإِيمان)) وقال (12) : (في إسناده ضعف) اهـ. أي لحال: يحيى بن هاشم السمسار. وعزاه إليه السيوطي في ((الجامع الكبير)) وقال (13) : (وضعفه – أي البيهقي – عن أنس) اهـ.
__________
(1) الحلية, ترجمة: مسعر بن كدام 7 / 260.
(2) المجروحين 3 / 125.
(3) تاريخ ابن عساكر 5 / 49 / ب.
(4) في الفردوس برقم 4121.
(5) الأمالي 1 / 84.
(6) في برنامجه ص 28.
(7) في جزء أحاديث يغنم بن سالم 27 / 1 كما في: السلسة الضعيفة برقم 1224.
(8) برقم 5630.
(9) فيض القدير 4 / 365.
(10) برقم 3823, وانظر: شرح الأذكار 3 / 246, والتبيان ص 85, وكشف الخفاء 2 / 73.
(11) برقم 1224.
(12) شعب الإِيمان 1 / 355 / ب, نسخة نور عثمانية.
(13) 1 / 743.(1/9)
وفي ((الجامع الصغير)) سكت عليه (1) . فتعقبه المناوي بقوله (2) : (ظاهر صنيع المصنف أن البيهقي خرّجه وسلّمه, والأمر بخلافه؛ بل عقّبه بما نصه: في إسناده ضعف, وروي من وجه آخر ضعيف عن أنس – إِلى هنا كلامه) اهـ. وفي ((ضعيف الجامع)) قال (3) : ضعيف. وظاهر أن حكمه على هذا اللفظ بالضعف قصور,؛ لأن في سنده يحيى السمسار المعترض في سند اللفظ قبله, والذي من أجله حكم عليه بالوضع, فكان من حق مرتبة هذا اللفظ: الحكم بالوضع؛ لأن مدار الحديث بلفظيه على: يحيى السمسار, وهو مرمي بالكذب. وعليه فهذا الحديث من وجهيه بألفاظه الثلاثة: لا يعتبر بواحد منهما؛ لوجود من رمي بالوضع في إسناد كل منها. والله أعلم.
2- حديث ابن عباس, رضي الله عنهما:
عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((من قرأ – يعني القرآن – حتى ختمه, كانت له دعوة مستجابة, معجلة أو مؤخرة)).
رواه ابن عدي (4) , والبيهقي من حديث طويل (5) , وقد فات كلاً من: القرطبي (6) , والنووي (7) , وابن علان (8) : مخرجه. ومدار سنده عند: ابن عدي, والبيهقي على: حفص بن عمر حكيم, الملقب بالكفْر, وهو: واهي الحديث, كما يعلم ذلك من ترجمته في ((الميزان)) (9) . و((لسانه)) (10) , فلا يعتبر بحديثه. والله أعلم.
? تنبيه: عند القرطبي ومن بعده بلفظ ((معجلة أو مدخرة)) والذي عند: ابن عدي, والبيهقي بلفظ ((معجلة أو مؤخرة)).
3- عن جابر, رضي الله عنه:
__________
(1) برقم 8183.
(2) فيض القدير 5 / 523.
(3) برقم 5267.
(4) الكامل 2 / 795.
(5) شعب الإِيمان 1 / 355 / ب. نسخة نور عثمانية.
(6) التذكار ص 84- 85.
(7) الأذكار مع شرحها 3 / 246.
(8) الأذكار مع شرحها 3 / 246.
(9) 1 / 563.
(10) 2 / 325- 326.(1/10)
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن لقارئ القرآن دعوة مستجابة فإن شاء صاحبها تعجلها في الدنيا, وإن شاء أخرها إلى الآخرة)). رواه ابن مردويه في: التفسير. كما في ((الجامع الصغير)) (1) و((ضعيفه)) (2) , وقالا عنه: ضعيف.
وتفسير ابن مردويه في حكم المفقود, لكن الحديث في ((الكامل)) لابن عدي بإسناده (3) , وفيه مقاتل بن سليمان: كذبوه وهجروه (4) .
4- حديث العرباض بن سارية, رضي الله عنه:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من صلَّى صلاة فريضة فله دعوة مستجابة, ومن ختم القرآن فله دعوة مستجابة)) رواه الطبراني في ((الكبير)) (5) .
__________
(1) فيض القدير 2 / 506.
(2) 2 / 171 برقم 1918.
(3) الكامل 6 / 2430.
(4) انظر: تقريب التهذيب.
(5) المعجم الكبير 18 / 259 برقم 647.(1/11)
قال الهيثمي (1) : (وفيه: عبد الحميد بن سليمان, وهو ضعيف) اهـ. وفي ((الجامع)) (2) , و((ضعيفه)) (3) , و((شرح الأذكار)) (4) قالوا: (ضعيف). وضعفه يتقاعد عن الجابر؛ لأمور اجتمعت في إسناده وهي: أن عبد الحميد بن سليمان هو: الخزاعي أبو عمر المدني الضرير, من رجال الترمذي, وابن ماجه, وكلمة الفصل فيه أنه ضعيف ضعف عدالة (5) .
__________
(1) معجم الزوائد 7 / 172.
(2) برقم 8818.
(3) برقم 5678.
(4) الفتوحات الربانية 3 / 244.
(5) وهذا ما تحرر من كلمة النقاد فيه, وهذا بسطها: قال الحافظ في ((التقريب)): ضعيف, وقال الذهبي في ((الكاشف)): ضعفوه, وفي ((المغني)) قال: ضعفوه جداً, وقال في ((تلخيص المستدرك 2 / 164)): قال أبو داود: ((كان غير ثقة)), وفي ((الميزان)) لم يذكر فيه تعديلاً. وذكر جرحه عن ابن معين: ليس بثقة, وقال مرة: ليس بشيء, وقال النسائي والدارقطني وغيرهما: ضعيف. وذكر كلمة أبي داود المتقدمة. وزاد ابن حجر في ((تهذيب التهذيب)) – قول النسائي أيضاً: ليس بثقة, وقال الأسدي: ضعيف, وقال يعقوب بن سليمان: لم يكن بالقوي في الحديث. وذكره في: باب من يرغب عن الرواية عنهم كما في ((المعرفة والتاريخ 3 / 43- 44)). وذكر قول الإِمام أحمد: ما كان أرى به بأساً وكان مكفوفاً. وقول ابن عدي: وهو ممن يكتب حديثه. وفي: أجوبة أبي زرعة على أسئلة البرذعي قال 2 / 421: (قلت: زكريا ابن منظور؟ قال: واهي الحديث. قلت: عبد الحميد بن سليمان؟ قال: وعبد الحميد أيضاً, كأنه يقول: واهٍ) اهـ. وقال الهيثمي عنه في الأحاديث التي من طريقه كما في ((مجمع الزوائد)) 1 / 155 قال: ضعيف. وقال في 4 / 49: ضعيف وقد وثق. وقال في: 4 / 297: ضعيف, وقال في: 5 / 132: ضعيف, وقال في 8 / 194: وثقه أبو داود وغيره, وضعفه ابن معين وغيره. وقال في 10 / 313: ضعيف..وفي ((فيض القدير)) للمناوي 1 / 243 قال: قال أبو داود: غير ثقة, وفي 4 / 531: ذكر تضعيف الذهبي له في حديث: قيدوا العلم بالكتاب. وقد شهر به هذا الحديث. هذه كلمة النقاد في: عبد الحميد, وفي أحاديث رويت من طريقه, ومنه يتضح ما يلي:
1- أن الجل – أو الكل – على تضعيفه.
2- إشارة أبي زرعة إلى أنه: واه.
3- أن قول الهيثمي ((وثقه أبو داود وغيره)): لم نر من حكى هذا عن أبي داود, والمنقول عنه أنه قال فيه: ((غير ثقة)) فلعل الهيثمي تجاوز نظره كلمة ((غير)). والله أعلم.
4- أن ما يشير إليه الهيثمي من قوله: ((وقد وثق)) هو والله أعلم يشير إلى قول الإِمام أحمد, وابن عدي. وتقدم لفظهما. وهذان ليسا من ألفاظ التوثيق, بل يُشعران بالضعف. وهما نهاية ما تم الوقوف عليه في ترجمته تعديلاً. وإليك البيان عن هذين اللفظين.
((يكتب حديثه)):
قالها ابن عدي في: عبد الحميد, وقد أدخله الذهبي في ((الميزان)) وهو موضوع للمنتقدين من الرواة, وقد ذكر في مقدمته 1 / 4: أنه لم يدخل فيه من قيل فيه . . . أو: يكتب حديثه؛ لعدم دلالتها على الضعف المطلق. لكن إدخاله لعبد الحميد وقد قال فيه ابن عدي ((يكتب حديثه)) دال على أن اصطلاحه أن هذا من الضعف المطلق؛ كالشأن فيها عند ابن معين, كما قاله في ترجمة: إبراهيم بن هارون: (قال ابن معين: ((يكتب حديثه)) قال ابن عدي: معنى قول ابن معين ((يكتب حديثه)): أنه من جملة الضعفاء) اهـ. فابن عدي إذاً لم يوثقه. والله أعلم.
((ما كان أرى به بأساً)).
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالى – في ترجمة ((عبد الحميد)) من ((التهذيب)): قال أحمد: ((ما كان أرى به بأساً, وكان مكفوفاً)). اهـ. وابن حجر – رحمه الله تعالى – اختصرها, وهذا نصها بتمامها من ((تاريخ بغداد)) 11 / 61 بسنده إلى أبي داود سليمان بن الأشعث السجزي قال: (قلت لأحمد بن حنبل: عبد الحميد بن سليمان, هو أخو فليح؟ قال: نعم. قلت لأحمد: فليح أليس أكبر منه؟ قال: بلى, بكثير. قلت لأحمد: كيف حديث عبد الحميد؟ قال: لا أدري, إلاَّ أنه ما كان به بأساً وكان مكفوفاً, وكان ينزل مدينة جعفر). اهـ. فالإِمام أحمد – رحمه الله تعالى – يقول في حديثه ((لا أدري)) وهي العزيمة من قوله, وما بعدها رأي. وأقرانه قد جزموا بالتضعيف, على أن هذا اللفظ ((ما كان أرى به بأساً)) كما في فتح المغيث 1 / 340, وهو آخر مراتب التعديل؛ لما يُشعر به من الضعف, فهل يعتبر بحديث من قيلت فيه هنا – عبد الحميد بن سليمان – أم لا؟. وقد قال الإِمام أحمد – رحمه الله تعالى – في أبي واقد صالح بن محمد بن زائدة المدني, كما في ((التنكيل)) 2 / 105- 106: ((ما أرى به بأساً)). وقد ضعفوه في روايته, منهم: ابن معين, وابن المديني, والنسائي, وأبو داود, وقال البخاري: منكر الحديث. وفي التقريب قال: ((ضعيف)). والحاصل عن هاتين الكلمتين أنه اعتراهما ما ذكر من دلالة الأولى على: الضعف المطلق, وكلمة ((لا أدري)) في الثانية. وأن اختبارهما بالجمع بينهما وبين كلمة أئمة النقد الآخرين, إذ قال ابن معين, والنسائي: ليس بثقة. وقال ابن معين أيضاً: ليس بشيء. ومعناهما الضعف الشديد النازل إلى درجة الترك.
وفي ((تاريخ بغداد 11 / 62)) ساق الخطيب بسنده عن ابن المديني قوله: (ليس بشيء, وروى عن أبي حازم أحاديث منكرة). اهـ.
وحديثه هنا عند الطبراني عن أبي حازم, فاستقر حديثه هنا لحاله, ولأنه من روايته عن أبي حازم – الجادة: الترك, فلا يعتبر به في هذا الحديث. والله أعلم.(1/12)
ثم هو من روايته عن أبي حاتم, وقد روى عنه أحاديث منكرة.
ثم إن أبا حازم – واسمه: سلمة بن دينار – رواه عن العرباض بن سارية رضي الله عنه, ولم يسمع منه؛ إذ أن أبا حازم لم يسمع من أحد من الصحابة رضي الله عنهم سوى: سهل بن سعد رضي الله عنه كما صرح بذلك ابن أبي حازم عندما سئل (1) : (سمع أبوك من أبي هريرة رضي الله عنه؟ فقال للسائل: من حدثك أن أبي سمع واحداً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - غير سهل بن سعد فلا تصدقه) اهـ.
وأمر رابع أن: الفضل بن هارون, شيخ الطبراني: مجهول الحال (2) . فصار هذا الحديث لا يعتبر به. والله أعلم.
5- حديث ابن مسعود, رضي الله عنه:
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (من ختم القرآن فله دعوة مستجابة), وكان عبد الله إذا ختم جمع أهله ثم دعا وأمّنوا على دعائه.
أخرجه: ابن الضُّرَيْس (3) , وأبو عبيد القاسم بن سلام (4) . بإسناد منقطع عندهما: قال: ابن الضريس: (أخبرنا أحمد, ثنا محمد, قال: أنبا النضر بن محمد العبدي, ثنا هشيم بن بشير, عن العوام بن حوشب, قال: أحسبه عن إبراهيم التيمي عن عبد الله بن مسعود . . . ).
وقال أبو عبيد: (حدثنا هشام, قال: أخبرنا العوام, قال هشام: أحسبه عن إبراهيم التيمي, قال: قال عبد الله بن مسعود . . . ). ولذا قال الحافظ ابن حجر: (أخرجه: أبو عبيد, وابن الضريس, بسند فيه انقطاع). اهـ.
6- أثر مجاهد بن جبر:
عن الحكم بن عتيبة, قال: كان مجاهد, وعبدة بن أبي لبابة, وناسٌ؛ يعرضون المصاحف فلما كان اليوم الذي أرادوا أن يختموا أرسلوا إليَّ, وإلى سلمة بن كهيل, فقالوا: إنا كنا نعرض المصاحف فأردنا أن نختم اليوم فأحببنا أن تشهدونا, فإنه كان يقال: إذا ختم القرآن نزلت الرحمة عند خاتمته, أو حضرت الرحمة عند خاتمته.
__________
(1) جامع التحصيل للعلائي ص 227.
(2) انظر تاريخ بغداد 12 / 372.
(3) فضائل القرآن – مخطوط 1 / 74 / ب.
(4) فضائل القرآن – مخطوط 8 / ب.(1/13)
رواه: ابن أبي شيبة واللفظ له (1) , وأبو عبيد (2) , وابن الضُّرَيْس (3) , وابن أبي داود (4) , والفريابي (5) , والدارمي (6) .
ورواه مختصراً: ابن أبي شيبة (7) , والبيهقي (8) , والفريابي (9) , بسندهم إلى مجاهدٍ قال: (الرحمة تنزل عند ختم القرآن) ورواه سعيد بن منصور في سننه 105 / ب بلفظ: (من ختم القرآن أعطي دعوة لا ترد) وفي سند سعيد لهذا الأثر: أبو أمية, وهو عبد الكريم بن أبي المخارق: ضعيف. وأشار الحافظان: النووي (10) , وابن حجر (11) , إلى أن أسانيده صحيحة موقوفاً. والله أعلم.
7- عن أبي أمامة, رضي الله عنه, قال:
__________
(1) المصنف برقم 10089.
(2) فضائل القرآن 8 / أ مخطوط.
(3) فضائل القرآن – 1 / 75 / أ مخطوط.
(4) عزاه إليه النووي في: التبيان ص125, والأذكار مع شرحها 3 / 245. ولم أره في: كتاب المصاحف المطبوع لكن ابن القيم في ((جِلاء الأفهام ص242)) عزاه إلى كتاب ((فضائل القرآن لابن أبي داود)).
(5) فضائل القرآن برقم 88, 89, 90, 91, 92.
(6) السنن 2 / 470.
(7) المصنف برقم 10091.
(8) في شعب الإِيمان 1 / 352 / أ مخطوط.
(9) فضائل القرآن برقم 87.
(10) التبيان ص125, والأذكار مع شرحها 3 / 345.
(11) بواسطة شرح الأذكار 3 / 345.(1/14)
إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا ختم أحدكم فليقل: اللهم آنس وحشتي في قبري)). رواه الحاكم في: تاريخه (1) , وعنه: الديلمي (2) , وقد قصَّر السيوطي في: الجامع الصغير, فعزاه للديلمي, ورمز لضعفه (3) , وتابعه في: ضعيف الجامع, وقال: موضوع (4) . وأما ابن عراق فرمزه للحاكم وقال (5) : (وفيه الجويباري) اهـ. وهو: أحمد بن عبد الله, الكذاب. ومن طريف كذبه المكشوف أنه لما سمع الاختلاف في سماع الحسن من أبي هريرة رضي الله عنه قال: حدثنا فلان . . . عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: سمع الحسن من أبي هريرة. كما في ترجمته من ((الميزان)).
وقال المناوي (6) : (رواه عنه الحاكم في: تاريخه, ومن طريقه: أورده الديلمي, فكان ينبغي للمصنف عزوه له لكونه الأصل. ثم إن فيه: ليث بن محمد, قال الذهبي في ((الضعفاء)): قال ابن أبي شيبة: متروك. وسالم الخياط, قال يحيى: ليس بشيء) اهـ. وقال الشوكاني (7) : (في إسناده وضّاع) اهـ. وقد علم أن العزوَ للحاكم في تاريخه مُعْلِمٌ بضعفه, كما في مقدمة: جمع الجوامع, وعنه في: كنز العمال.
8- زر بن حبيش, عن علي بن أبي طالب, رضي الله عنه:
قال زر: قرأت القرآن من أوله إلى آخره على عليّ بن أبي طالب, فلما بلغت الحواميم . . . إلى أن قال: ثم رفع علي رأسه إلى السماء وقال: يا زر, أمّن على دعائي, ثم قال: اللهم أني أسألك إخبات المخبتين . . . يا زر: إذا ختمت فادع بهذه, فإن حبيبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرني أن أدعو بهن عند ختم القرآن.
__________
(1) انظر: تنزيه الشريعة لابن عراق 1 / 299, وفيض القدير 1 / 333 برقم 571.
(2) كما في الجامع الصغير.
(3) برقم 571- 1 / 333.
(4) برقم 567.
(5) تنزيه الشريعة 1 / 299. وانظر: المنار لابن القيم ص15.
(6) فيض القدير 1 / 333. رقم 571.
(7) الفوائد المجموعة ص310.(1/15)
رواه ابن النجار (1) . والسيوطي في: جمع الجوامع, وعنه المتقي في: كنز العمال, يعزوان إليه في: ذيل تاريخ بغداد.
وقد علم من مقدمة هذين الكتابين أن العزو إليه معلم بالضعف, وقد تتبعته في: ذيل تاريخ بغداد لابن النجار, المطبوع منه؛ فلم يتم الوقوف عليه فيه, فالله أعلم.
9- وعن أبي هريرة, رضي الله عنه:
قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ختم القرآن دعا قائماً.
أخرجه ابن مردويه (2) , وذكره الغافقي في ((فضائل القرآن)) (3) ولم يذكر مخرجه, وهذه عادته في كتابه هذا.
10- مرسل علي بن الحسين, قال:
كان - صلى الله عليه وسلم - إذا ختم القرآن: حمد الله بمحامد, وهو قائم, ثم يقول: ((الحمد لله رب العالمين, والحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون . . . )) إلى آخر الدعاء مطولاً.
رواه البيهقي في: شعب الإِيمان (4) بسنده إِلى على بن الحسين يرسله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - . ثم قال: (وهذا حديث منقطع, وإِسناده ضعيف, وقد تساهل أهل الحديث في قبول ما روي من الدعوات, وفضائل الأعمال, ما لم يكن من رواية من يعرف بوضع الحديث, والكذب في الرواية) اهـ.
وفي سنده: عمرو بن شَمِر, رمي بالكذب والرفض (5) , وفيه أيضاً: جابر الجعفي, شيعي, والكلام فيه مشهور.
11- معضل داود بن قيس:
__________
(1) كنز العمال 2 / 352- 353.
(2) الدر المنثور للسيوطي 8 / 698.
(3) فضائل القرآن للغافقي: باب ما جاء في الدعاء عند ختم القرآن, وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو إذا ختم القرآن وهو قائم. مخطوطة المكتبة البلدية في الإِسكندرية. والغافقي هو: أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الواحد, م سنة 619هـ.
(4) 1 / 354 / أ وانظر: فضائل القرآن للغافقي. ولم يذكر مخرجه. مخطوط, وكنز العمال 2 / 349- 351. وعمل اليوم والليلة للسيوطي ص81. والدر المنثور للسيوطي 8 / 698.
(5) الميزان 3 / 268.(1/16)
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدعو عند ختم القرآن: ((اللهم ارحمني بالقرآن, واجعله لي إماماً, ونوراً, وهدى ورحمةً, اللهم ذَكِّرْني منه ما نسيت, وعلّمني منه ما جهلت, وارزقني تلاوته آناء الليل, واجعله لي حجة يا رب العالمين)).
ذكره الغزالي في: الإِحياء (1) , ولما ترجمه السبكي في: الطبقات (2) ساق الأحاديث التي لم يجد لها إسناداً في: الإِحياء, وذكر منها هذا الحديث (3) .
لكن في تخريج العراقي لأحاديث الإِحياء قال (4) : (رواه أبو منصور المظفر بن الحسين الأرجاني, في: فضائل القرآن, وأبو بكر بن الضحاك في: الشمايل, كلاهما من طريق أبي ذر الهروي, من رواية: داود بن قيس, معضلاً) اهـ.
والزركشي في ((البرهان)) (5) عزاه للبيهقي في ((الدلائل)) ولم أره في كتاب الدلائل المطبوع عام 1405هـ وذكره الغافقي في: فضائل القرآن ولم يذكر مخرجه كعادته. مخطوط. فالله أعلم.
12- عن ثابت البناني, وقتادة, وابن عطية, وغيرهم:
__________
(1) 1 / 278.
(2) 6 / 286- 386.
(3) 6 / 301.
(4) 1 / 278.
(5) 1 / 475.(1/17)
أن أنس بن مالك رضي الله عنه: كان إِذا ختم القرآن جمع أهله وولده فدعا لهم. رواه: ابن المبارك (1) , وابن أبي شيبة (2) , وابن نصر (3) , وأبو عبيد (4) , وابن الضريس (5) , وابن أبي داود (6) , والفريابي (7) , والدارمي (8) , وسعيد بن منصور (9) , والطبراني (10) , والأنباري (11) , قال الهيثمي: في سند الطبراني (12) : (رجاله ثقات) اهـ. وقال ابن عَلان في رواية ابن أبي داود (13) : (بإسنادين صحيحين) اهـ.
وقال الألباني في: رواية الدارمي (14) : (سنده صحيح) اهـ.
أي أحد إِسناديه, أما الثاني عنده, ففيه: صالح بن بشير المري, وهو متروك. ولفظه (15) : (كان أنس بن مالك إِذا أشفى على ختم القرآن بالليل بَقَّى منه شيئاً حتى يصبح, فيجمع أهله فيختمه معهم).
وفيه صالح بن بشير المري: زاهد ضعيف, كما في: التقريب, وقال الذهبي: متروك (16) .
__________
(1) الزهد برقم 809.
(2) المصنف برقم 1087
(3) كما في: مختصر قيام الليل للمقريزي ص109.
(4) فضائل القرآن 8 / ب.
(5) فضائل القرآن 1 / 74 / ب.
(6) في: المصاحف, كما في: شرح الأذكار 3 / 244.
(7) فضائل القرآن. برقم 83, 84, 85, 86. بتحقيق يوسف جبريل.
(8) السنن 2 / 468, 469.
(9) السنن 105 / ب مخطوط.
(10) برقم 674, وانظر: مجمع الزوائد 7 / 172, وشرح الأذكار 3 / 244.
(11) بواسطة: تفسير القرطبي 1 / 26. والأنباري هو: أبو بكر محمد بن القاسم البغدادي المحدث النحوي م سنة 328هـ. له: كتاب المصاحف. كما في: الرسالة المستطرفة ص79.
(12) مجمع الزوائد 7 / 172.
(13) شرح الأذكار 3 / 244.
(14) من تعليقه على كتاب: لفتة الكبد ص7.
(15) سنن الدارمي 2 / 469.
(16) تلخيص المستدرك 1 / 569.
ولما كان صالحاً المري الزاهد, م سنة 176هـ - وقيل غيرها – تدور عليه أسانيد جملة في هذا الباب, رأيت تحرير كلمة الفصل فيه, بتتبع الكلمة فيه, وفي الأحاديث التي يعترض أسانيدها صالحٌ هذا. وعليه: فاعلم أنه من رجال الترمذي في حديث الحال المرتحل, وحديث التنازع في القدر, ولم يرو له بقية الجماعة شيئاً.
وأن عامة ما يرويه في أحاديث الفضائل سوى رواية واحدة في مدة النفساء, ولهذا ليس له ذكر في: نصب الراية ولا ((التلخيص الحبير)) ونحوهما من كتب التخريج لأحاديث الأحكام.
وهذه مواطن أحاديثه في كتب السنَّة والموضوعات: مستدرك الحاكم 1 / 493, 569, اللآلئ المصنوعة 2 / 123, 460, مشكاة المصابيح 1 / 26, العلو للذهبي ص60, مجمع الزوائد 1 / 51, 281, 296- 2 / 6, 23, 460- 3 / 123- 6 / 119- 10 / 214, فيض القدير للمناوي 1 / 229, 429- 2 / 314, 372- 3 / 552- 6 / 49, أسباب ورود الحديث للحسيني 1 / 76- 2 / 241, الميزان وعنه: اللسان 5 / 261, موافقة الخُبر الخبر لابن حجر ص60 مخطوط, شرح الإِحياء للزبيدي 1 / 196- 5 / 29, 39- 7 / 504- 8 / 177, 524. تفسير الطبري تعليق شاكر 4 / 194, السلسلة الضعيفة 1 / 214, 309, وهي من رواية أنس رضي الله عنه, وأبي هريرة رضي الله عنه, وابن عباس رضي الله عنهما, وابن عمر رضي الله عنهما, وسلمان رضي الله عنه, وعائذ بن عمرو رضي الله عنه. وحديثه في مدة النفاس رواه الطبراني كما في ((مجمع الزوائد)) للهيثمي 1 / 281. وجميع من ذكر عدا الحاكم – يضعفون الأحاديث المذكورة من طريق صالح المري بأنه: ضعيف, أو: متروك, أو ضعيف متروك. والذي قال عنه متروك هم: ابن الجوزي, والذهبي متعقباً للحاكم, والهيثمي. وقال الترمذي في ((جامعه)) (2 / 19): له غرائب ينفرد بها لا يتابع عليها.
وفي كتب الرجال من التهذيب, وفروعه, والميزان, واللسان ونحوهما, لم يذكروا فيه كلمة تعديل, سوى رواية لعباس الدوري عن يحيى بن معين أنه لا بأس به, وفي رواية أخرى قال عنه: ضعيف. وفي ثالثة قال: ليس بشيء. وقال البخاري والفلاس: منكر الحديث, وقال النسائي: متروك. وهكذا في كلمات النقاد التي تفيد أنه من العبّاد, لكن أحاديثه مناكير؛ فَتُرِكَ من أجلها. وللهيثمي كلمة جامعة فيه فقال في ((المجمع 1 / 281)): (وفيه: صالح بن بشير المري, وهو ضعيف, ولم يوثقه أحد, إلاَّ ما رواه عباس عن يحيى بن معين: أنه لا بأس به, وروى غيره عن ابن معين وغيره: أنه ضعيف متروك) اهـ.
فهو متروك الحديث مع صلاحه وزهادته, والمتروك لا يعتبر بحديثه في باب الشواهد ولا المتابعات, وهذا يتفق مع ما قرره العلامة الألباني في ((الضعيفة 1 / 214, 309)), خلاف ما قرره في تعليقه على ((مشكاة المصابيح 1 / 36 رقم 98)) فإنه اعتبر به؛ فليصحح, وهذا لا يُشغب به على أهل العلم, كالحال في تعدد الروايات عن الإِمام الواحد في الفقهيات, وفي رتبة الحديث الواحد, وكذا في منزلة الراوي, وللحافظين الذهبي, وابن حجر, في هذا شيء غير قليل يُعْلَمُ من المقابلة بين: الكاشف والمغني كلاهما للذهبي, وبين التقريب والتلخيص والفتح ثلاثتها لابن حجر. والأعذار في هذا مبسوطة. وانظر: ((رفع الملام)) لابن تيمية, لكن هذا يوافق لدى المبتدعة شهوة يعالجون بها كمد الحسرة من ظهور السنة, ولهم في الإِيذاء وقائع مشهودة على مر التاريخ لكنها تنتهي بخذلانهم. والله الموعد.(1/18)
? تنبيه: لما ذكر ابن الحاج ما يحصل ليلة الختم من البدع, ومنها الاختلاط, قال (1) : (فإن قيل: أليس قد روى عبد الرزاق في: التفسير: أن أنس بن مالك رضي الله عنه كان إذا أراد أن يختم جمع أهله؟ قلنا: هذا هو الحجة عليكم . . . وأيضاً: فإنه ما روي أنه دعا, وإنما جمع أهله فحسب) اهـ.
ورواية ((فدعا)) ثابتة كما تقدم, والله أعلم.
13- عن أنس بن مالك, رضي الله عنه:
قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ختم جمع أهله ودعا.
رواه: أبو نعيم في ترجمة ((مسعر بن كدام)) وقال (2) : (غريب من حديث مسعر بن كدام) اهـ. ورواه البيهقي في ((شعب الإِيمان)) بسنده عن أبي نعيم به, ثم قال (3) : (رفعه وهم, وفي إسناده مجاهيل, والصحيح رواية ابن المبارك عن مسعر موقوفاً على أنس) اهـ. ورواه ابن النجار (4) .
وقال الحافظ ابن حجر (5) : (وفي سنده من يضعف, أو يجهل, والصحيح: الموقوف عن أنس) اهـ. وقد فات السيوطي (6) , ومِنْ بَعْدِهِ: الفتني (7) , عَزْوُهُ إِلى: أبي نعيم, والبيهقي, واقتصروا على عزوه إِلى: ابن النجار, ومعلوم أن العزو إليه كالعزو إلى أصله ((تاريخ بغداد))؛ يُعْلِمُ بالضعف (8) .
14- أثر ابن عباس, رضي الله عنهما:
عن قتادة قال: كان رجل يقرأ في مسجد المدينة, وكان ابن عباس قد وضع عليه الرَّصد, فإِذا كان يوم ختمه قام فتحول إِليه.
__________
(1) المدخل 2 / 297.
(2) الحلية 7 / 260.
(3) شعب الإِيمان 1 / 352 / أ.
(4) كنز العمال 2 / 349. ولم نره في ذيل ابن النجار المطبوع.
(5) شرح ابن علان على الأذكار 3 / 245, 247.
(6) كنز العمال 2 / 394.
(7) كنز العمال 2 / 394.
(8) كنز العمال 1 / 10- 11.(1/19)
رواه: أبو عبيد (1) , وابن الضريس (2) , وابن أبي داود (3) , والدارمي (4) . وقد ذكره القرطبي في ((التذكار)) (5) وفاته مخرجه, واقتصر النووي في ((التبيان)) (6) على عزوه إلى: الدارمي, وابن أبي داود. وفي سنده عند من أخرجه: صالح بن بشير المري, وهو متروك الحديث, كما تقدم.
ورواية قتادة عن ابن عباس منقطعة. والله أعلم.
الخلاصة
يتنقّح مما تقدم أن الأحاديث المرفوعة والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم في دعاء ختم القرآن, على ما يلي:
? أولاً: أحاديث وآثار تفيد أن الدعاء عند ختم القرآن من مواطن الإِجابة, وهي من رواية: أنس رضي الله عنه من طريقين, في كل منهما ((وضّاع)). وعطاء عن ابن عباس وإسناده واهٍ. وعن جابر وفي سنده مَنْ كذّبوه. والعرباض وفي سنده متروك الحديث, وآخر مجهول مع إعلاله بالانقطاع.
وقول ابن مسعود رضي الله عنه موقوفاً عليه, وفي سنده انقطاع. وقول التابعي: مجاهد رحمه الله تعالى: (الرحمة تنزل عند ختم القرآن) وهو أثر مقطوع, من قوله بأسانيد صحيحة. وعليه فليس منها حديث يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - , فهي ما بين موضوع أو ما يتقاعد عن الجابر. ولم يصح سوى قول مجاهد, رحمه الله تعالى.
? ثانياً: أحاديث أفادت أدعية نبوية عقب الختم, وهي: حديث أبي أمامة رضي الله عنه وفي سنده وضّاع, وحديث أبي هريرة لم يعلم مخرجه, وحديث على بن الحسين مرسل مع ما فيه ممن رمي بالكذب والرفض, وحديث داود بن قيس: معضل, وحديث زر بن حبيش عن علي: رواه ابن النجار في ((ذيل تاريخ بغداد)) ولم نره في المطبوع منه, والعزو إِليه معلم بالضعف, كما تقدم.
__________
(1) فضائل القرآن 8 / أ. وعنه في: شرح الأذكار 3 / 243, وجلاء الأفهام ص 278- 279, ومقاصد النظر للبقاعي 1 / 366.
(2) فضائل القرآن 1 / 75 / أ. وعنه في: شرح الأذكار 3 / 243.
(3) في كتاب الشريعة له كما في: شرح الأذكار 3 / 243.
(4) السنن 2 / 468.
(5) ص 79.
(6) ص 126(1/20)
? ثالثاً: الرواية في حضور الأهل والأولاد للختم: ثابتة من فعل الصحابي الجليل أنس رضي الله عنه, وروايته له مرفوعاً لا تصح, وأثر ابن عباس رضي الله عنهما مُعلٌّ بالانقطاع وفي سنده متروك. ولعله لما كانت الرواية في هذا الباب لا يثبت منها شيء في المرفوع إِلى النبي - صلى الله عليه وسلم - , وقد خلت منها دواوين الإِسلام المشهورة كالستة, والموطأ, ومسند أحمد – تَنَكَّبَ المؤلفون في الأحكام ذِكْرَ هذا الباب بالكلية, أمثال: ابن دقيق العيد في ((الإِلمام)) والمجد في ((المنتقى)), وابن حجر في ((البلوغ)), وغيرهم, لا يعرجون على شيء من ذلك. والله أعلم.
* * *
الفصل الثاني
بيانهما في كلام الفقهاء:(1/21)
لم أرَ من كلام الأئمة: أبي حنيفة, ومالك, والشافعي, رحمهم الله تعالى في مشروعية دعاء ختم القرآن, داخل الصلاة أو خارجها, شيئاً يؤثر, مع عظيم مقامهم في التعبد, وصدق اللهج, لا سيما قراءة القرآن, وختمه مرة بعد أخرى, وقد ورد في هذا عن السلف العجب العجاب, مما به تعلم أنهم أوتوا العلم والعمل رحمهم الله تعالى (1) , وفي بعض هذا المروي ما يستحيل وقوعه كختم القرآن بين العشائين, وقد علم أن المنقولات إنما تعرف صحتها بالأسانيد الثابتة, وعدم الاستحالة العقلية للمروي (2) . نعم لمتأخري الحنفية: استحسان الدعاء عقب الختم فلا يمنع منه, كما في ((فتاوى قاضي خان)) (3) وغيره, وعنه في ((شرح شرعة الإِسلام)) (4) .
ولمتأخري المالكية: استحباب الدعاء عند الختم, كما في ((التَّذْكَار)) للقرطبي (5) . وعند متأخري الشافعية: استحباب الدعاء عند الختم, كما في ((التِّبْيان)) (6) , و((الأذكار)) للنووي (7) , و((حاشية الباجوري)) (8) وغيرها.
__________
(1) انظر جملة من المروي في هذا في كتابي النووي: التبيان والأذكار مع شرحها وكتاب فضائل القرآن لابن كثير ص 172- 177. وكتاب إقامة الحجة للّكنوي.
(2) انظر هذا المبحث محرراً في: الكفاية للخطيب ص 602- 603, ومنهاج السنَّة النبوية لابن تيمية 2 / 123, 129. وشرح العلل لابن رجب ص 205, 206, والنكت لابن حجر 2 / 845. والأنوار الكاشفة للمعلمي. رحم الله الجميع.
(3) بواسطة: شرح شرعة الإِسلام ص 73.
(4) ص 73 مؤلفه: على زاده, رحمه الله تعالى. طبع عام 1326هـ. بمطبعة إقدام, بدار الخلافة العلية.
(5) ص80, 85.
(6) ص 126. فائدة لغوية: كلما جاء على وزن (تَفْعَال) فهو بفتح أوله مثله: تَذْكَار, سوى: تِلْقَاء, وتِبْيَان. وقيل بزيادة أحرف سواهما.
(7) 3 / 242 مع شرحها.
(8) 1 / 122.(1/22)
وما استحبه المتأخرون في هذه المذاهب الثلاثة هو في ((مطلق الدعاء)), أما في الصلاة فلم أرَ من ذكره منهم سوى النووي رحمه الله تعالى في حق منفرد؛ إذ قال (1) : (يستحب – للقارئ وحده – أن يكون في الصلاة, وأنه قيل: يستحب أن يكون في ركعتي الفجر, وركعتي سنَّة المغرب, وفي ركعتي سنَّة الفجر أفضل).
ونحوه في ((الأذكار)) وزاد فيها (2) : (يستحب الدعاء عند الختم استحباباً متأكداً شديداً, لما قدمناه (3) , ولأثر حميد الأعرج (4) : (من قرأ القرآن ثم دعا؛ أمَّن على دعائه أربعة آلاف ملك) اهـ.
وقال ابن قدامة الحنبلي, م سنة 620هـ رحمه الله تعالى (5) : (وقال بعض أهل العلم: يستحب أن يجعل ختمة النهار في ركعتي الفجر أو بعدهما, وختمة الليل في ركعتي المغرب أو بعدهما, يستقبل بختمه أول الليل وأول النهار) اهـ.
لكن لم يذكر أنه يدعو, ولعلّه مراد. والله أعلم.
أما في مذهب الإِمام مالك رحمه الله تعالى ففي ((المستخرجة)) عن ابن القاسم قال (6) : (سُئل مالك عن الذي يقرأ القرآن فيختمه, ثم يدعو؟ قال: ما سمعت أنه يدعو عند ختم القرآن, وما هو من عمل الناس) اهـ.
وقال شارحها ابن رشد في ((البيان والتحصيل)): (الدعاء حسن, ولكنه كره ابتداع القيام له عند تمام القرآن, وقيام الرجل مع أصحابه لذلك عند انصرافهم من صلاتهم, واجتماعهم لذلك عند خاتمة القرآن, كنحو ما يفعل بعض الأئمة عندنا من الخطبة على الناس عند الختمة, في رمضان, والدعاء فيها, وتأمين الناس على دعائه, وهي كلها بدع محدثات لم يكن عليها السلف) اهـ.
__________
(1) ص 124.
(2) الأذكار مع شرحها 3 / 242, وانظر 3 / 236- 237.
(3) (3 ما قدمه من أدلة المشروعية للدعاء بعد الختم: بعض ما تقدم ذكره في هذا الجزء مع بيان حاله ومرتبته.
(4) سيأتي في آخر هذا الفصل أنه ضعيف الإِسناد.
(5) المغني مع الشرح الكبير 1 / 803.
(6) بواسطة: المدخل لابن الحاج 2 / 299.(1/23)
وهذا صريح من المالكية من أنهم إذا ختموا في الصلاة يدعون خارجها, وكرهوا ما يحف بذلك من المحدثات كالخطبة والقيام . . . فتأمله.
وفي ((مختصر ما ليس في المختصر)) قال (1) : (قال مالك: لا بأس أن يجتمع القوم في القراءة عند من يقرئهم, أو يفتح كل واحد منهم فيما يقرأ, قال: ويكره الدعاء بعد فراغهم) اهـ. وفي ((المدونة)) قال (2) : (ليس ختم القرآن في رمضان بسنَّةٍ للقيام). في مذهب الإِمام أحمد, رحمه الله تعالى:
وأما في مذهب الإِمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ففيه عنه في مشروعية الدعاء عقب الختم – روايات يذكرها علماء المذهب, رواها حرب, وأبو الحارث, ويوسف بن موسى, وحنبل, والفضل بن زياد, والحربي, وسابعة في ((الفائق)), وثامنة في ((الإِنصاف)). ورواية لعُبْدوس بن مالك العطار, في خصوص التقيد بالوارد في دعاء القنوت. وهذه الروايات في موضوعاتها على ثلاثة أقسام:
? الأول: رواية حرب, وأبي الحارث, ويوسف بن موسى, في مطلق الدعاء وجمع الأهل والأولاد. وقد ساقها ابن القيم رحمه الله تعالى فقال (3) : (وقد نص الإِمام أحمد رحمه الله تعالى على الدعاء عقيب الختمة, فقال في رواية أبي الحارث (4) : كان أنس إذا ختم القرآن جمع أهله وولده. وقال – أي الإِمام أحمد – في رواية يوسف بن موسى, وقد سُئل عن الرجل يختم القرآن فيجتمع إليه قوم فيدعون, قال: نعم, رأيت معمراً يفعله إذا ختم.
__________
(1) بواسطة: المدخل لابن الحاج 2 / 299.
(2) 1 / 194, وانظر: إعلام السنن 7 / 65, والجراب الجامع, لعبد الصمد كنون ص 216.
(3) جِلاء الأفهام ص 288. الموطن السابع عشر من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - : عقيب ختم القرآن.
(4) هذه في ((المغني)) 1 / 803.(1/24)
وقال في رواية حرب: (أستحب إذا ختم الرجل القرآن أن يجمع أهله ويدعو) اهـ. وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى (1) : (فصل: ويستحب أن يجمع أهله عند ختم القرآن وغيرهم لحضور الدعاء, قال أحمد: كان أنس إذا ختم القرآن جمع أهله وولده, روي ذلك عن ابن مسعود (2) وغيره. ورواه ابن شاهين مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ) اهـ (3) .
وقال صالح بن أحمد بن حنبل: (كان أبي يختم من جمعة إلى جمعة, فإذا ختم يدعو ونؤمِّن) (4) .
? القسم الثاني: رواية حنبل, والفضل بن زياد, والحربي, ورابعة في ((الفائق)) في دعاء الختم في التراويح قبل الركوع, أما رواية حنبل والفضل, فقال ابن قدامة رحمه الله تعالى (5) : (فصل: في ختم القرآن. قال الفضل بن زياد: سألت أبا عبد الله فقلت: أختم القرآن, أجعله في الوتر, أو في التراويح؟ قال: اجعله في التراويح حتى يكون لنا دعاء بين اثنين. قلت: كيف اصنع؟ قال: إذا فرغت من آخر القرآن فارفع يديك قبل أن تركع وادع بنا ونحن في الصلاة وأطل القيام. قلت: بم أدعو؟ قال: بما شئت. قال: ففعلت بما أمرني, وهو خلفي يدعو قائماً ويرفع يديه.
قال حنبل: سمعت أحمد يقول في ختم القرآن: إذا فرغت من قراءة: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع, قلت: إلى أي شيء تذهب في هذا؟ قال: رأيت أهل مكة يفعلونه, وكان سفيان بن عيينة يفعله معهم بمكة.
__________
(1) المغني مع الشرح الكبير 1 / 803.
(2) تقدم برقم / 5, وأن في سنده انقطاع.
(3) تقدم برقم / 13, وأن سنده لا يصح لتسلسله بالمجاهيل.
(4) سيرة الإِمام أحمد لابنه صالح ص 112, ومناقب الإِمام أحمد لابن الجوزي ص 451, وسير أعلام النبلاء للذهبي (11 / 276).
(5) المغني مع الشرح الكبير 1 / 802. وانظر: جلاء الأفهام لابن القيم ص 279. والإِنصاف للمرداوي 2 / 185.(1/25)
قال العباس بن عبد العظيم: وكذلك أدركنا الناس بالبصرة وبمكة. ويروي أهل المدينة في هذا شيئاً. وذكر عن عثمان بن عفان) (1) اهـ.
وأما رواية إبراهيم الحربي فذكرها القاضي أبو يعلى في ترجمته فقال (2) : (وقال إبراهيم الحربي: سئل أحمد عن الرجل يختم القرآن في شهر رمضان في الصلاة, أيدعو قائماً في الصلاة أم يركع ويسلم ويدعو بعد السلام؟ فقال: لا, بل يدعو في الصلاة وهو قائم بعد الختمة. قيل له: فيدعو في الصلاة بغير ما في القرآن؟ قال: نعم) اهـ.
وأما الرواية الرابعة: فقال المرداوي نقلاً عن ((الفائق)) ولم يذكر مخرجها (3) : (ويُسَنُّ ختمه آخر ركعة من التراويح قبل الركوع, وموعظته بعد الختم وقراءة القرآن, مع رفع الأيدي. نص عليه) اهـ.
? القسم الثالث: رواية ذكرها المرداوي في ((الإِنصاف)) ولم يذكر مخرجها, من أن الإِمام أحمد رحمه الله تعالى سهّل في دعاء الختم في الوتر فقال (4) : (وقيل للإِمام أحمد: يختم في الوتر ويدعو؟ فسهّل فيه) اهـ.
__________
(1) لم أرَ من أسند هذا, مع بالغ التتبع والمباحثة مع عدد من المشتغلين بهذا العلم, فالله أعلم.
(2) طبقات الحنابلة لأبي يعلى 1 / 91.
(3) الإِنصاف للمرداوي 2 / 185.
(4) الإِنصاف 2 / 185.(1/26)
فالإِمام أحمد رحمه الله تعالى لم يقل باستحباب دعاء الختم في الوتر, بل سهّل فيه. وهذا من فقهه رحمه الله تعالى؛ لأن الوتر يدعى فيه بما يناسب المشروع فيه, لا يدعو المصلي بما خطر له. ودعاء الختم لا يتناسب مع دعاء القنوت, فليس دعاء الختم من جنس المشروع في الوتر. وهكذا في القنوت للنوازل؛ يدعو من الدعاء المشروع بما يناسب سبب القنوت, قال شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (1) : (وقد تبين بما ذكرناه أن القنوت يكون عند النوازل, وأن الدعاء في القنوت ليس شيئاً معيناً, ولا يدعو بما خطر له, بل يدعو من الدعاء المشروع بما يناسب سبب القنوت, كما أنه إذا دعا في الاستسقاء دعا بما يناسب المقصود, فكذلك إذا دعا في الاستنصار دعا بما يناسب المقصود, كما لو دعا خارج الصلاة لذلك السبب؛ فإنه كان يدعو بما يناسب المقصود, فهذا هو الذي جاءت به سنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وسنَّة خلفائه الراشدين) اهـ. ودعاء الختم ليس من جنس الدعاء المقصود المشروع في الوتر, لهذا فإن تحول دعاء الختم من آخر ركعة في التراويح إلى الوتر لا يتجه ولا يكون مخرجاً وإن استظهره بعض المعاصرين, ويرد عليه أيضاً ما يرد على المحال منه في أصل المشروعية, مما ستراه محرراً في الخاتمة. والله أعلم.
__________
(1) فتاوى شيخ الإِسلام ابن تيمية 23 / 115.(1/27)
? تنبيه: ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى رواية عبدوس عن الإِمام أحمد في حكم الزيارة على الوارد في دعاء القنوت, فقال (1) : (قال عبدوس بن مالك العطار: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل, فقلت: إني رجل غريب من أهل البصرة وإن قوماً قد اختلفوا عندنا في أشياء, وأحب أن أعلم رأيك فيما اختلفوا فيه, فقال: سَلْ عما أحْبَبت. قلت: فإن بالبصرة قوماً يقنتون, كيف ترى في الصلاة خلف من يقنت؟ فقال: قد كان المسلمون يصلون خلف من يقنت وخلف من لا يقنت, فإن زاد في القنوت حرفاً أو دعاءً بمثل (2) : (إنا نستعينك, أو: عذابك الجد, أو: نَحْفِد, فإن كنت في الصلاة فاقطعها) اهـ.
وشيخ الإِسلام ابن تيمية النميري رحمه الله تعالى (3) : (سئل عمن يقرأ القرآن العظيم, أو شيئاً منه, هل الأفضل أن يهدي ثوابه لوالديه, ولموتى المسلمين, أو يجعل ثوابه لنفسه خاصة؟
فأجاب: أفضل العبادات ما وافق هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهدي الصحابة, كما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في خطبته: ((خير الكلام كلام الله, وخير الهدي هدي محمد, وشر الأمور محدثاتها, وكل بدعة ضلالة)).
__________
(1) رسالة الصلاة ص 216- 217.
(2) هذا هو القنوت المشهور بسورتي أُبي, قنت به عمر رضي الله عنه في النوازل, وانظر في: إرواء الغليل 2 / 170- 172.
(3) مجموع الفتاوى 24 / 321- 323. وعنه مختصراً في: حاشية الروض المربع 2 / 207. ونحوه مختصراً في: الاختيارات ص 171.(1/28)
وقال - صلى الله عليه وسلم - : ((خير القرون قرني ثم الذين يلونهم)). وقال ابن مسعود: من كان منكم مستناً فليستن بمن قد مات؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة, أولئك أصحاب محمد. فإذا عرف هذا الأصل, فالأمر الذي كان معروفاً بين المسلمين في القرون المفضلة, أنهم كانوا يعبدون الله بأنواع العبادات المشروعة؛ فرضها, ونفلها, من الصلاة, والصيام, والقراءة, والذكر, وغير ذلك, وكانوا يدعون للمؤمنين والمؤمنات, كما أمر الله بذلك لأحيائهم, وأمواتهم في صلاتهم على الجنازة, وعند زيارة القبور, وغير ذلك.
وروي عن طائفة من السلف: (عند كل ختمة دعوة مستجابة) فإذا دعا الرجل عقيب الختمة لنفسه, ولوالديه, ولمشايخه, وغيرهم من المؤمنين والمؤمنات؛ كان هذا من جنس المشروع, وكذلك دعاؤه لهم في قيام الليل, وغير ذلك من مواطن الإِجابة) اهـ.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى (1) : (فصل: الموطن السابع عشر من مواطن الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - : عقيب ختم القرآن. وهذا لأن المحل محل دعاء, وقد نص الإِمام أحمد . . . فذكر روايات أبي الحارث, ويوسف, وحرب, وحنبل, والفضل, وقول عباس بن عبد العظيم, وأثر مجاهد, وحديث ابن مسعود, وأثر ابن عباس, وقد تقدمت جميعها, ثم قال: وإذا كان هذا من آكد مواطن الدعاء وأحقها بالإِجابة فهو من آكد مواطن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ) اهـ.
وفي كتاب: لفتة الكبد, لابن الجوزي, قال (2) : فإني لما رُزقت شرف النكاح, وطلب الأولاد, ختمت ختمة. قال الألباني معلقاً على قوله: ختمت ختمة:
(يشير بذلك إلى أن الدعاء بعد ختم القرآن ترجى استجابته, وقد جاء في ذلك آثار كثيرة عن السلف الصالح, منها ما رواه ثابت البناني عن أنس رضي الله عنه فذكره – أخرجه الدارمي بسند صحيح) اهـ.
__________
(1) جِلاء الأفهام ص 278- 279.
(2) ص 7.(1/29)
وفي شرح السفاريني لمنظومة الآداب (1) : ذكر الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء, وعد نحواً من ثلاثين وقتاً: (منها: شهر رمضان, وعقب تلاوة القرآن؛ لا سيما الختم) اهـ.
دعاء الختم في السجود:
أخرج البيهقي في ((شعب الإِيمان)) عن عبد الله بن المبارك بسنده, قائلاً (2) : (أخبرنا أبو عبد الله الحافظ, أنا أبو بكر الجرجاني, ثنا يحيى بن ساسويه, ثنا عبد الكريم السكري, أخبرني علي الناشاني, قال: كان عبد الله بن المبارك يعجبه إذا ختم القرآن أن يكون في السجود) اهـ. وذكره الذهبي في: سير أعلام النبلاء (3) .
وفي ((شعب الإِيمان)) أيضاً 1 / 168 / ب: (أن ابن المبارك كان إذا ختم القرآن, أكثر دعاءَه للمؤمنين والمؤمنات).
وعن حميد الأعرج رحمه الله تعالى قال: من قرأ القرآن, ثم دعا؛ أمَّن على دعائه أربعة آلاف ملك. رواه الدارمي (4) . وفيه: قَزَعَةُ بن سويد الباهلي, وهو ضعيف (5) . ولذا قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى (6) : (أثر مقطوع, وسنده ضعيف) اهـ.
وقال القرطبي في ((التذكار)) (7) : (وقال وهيب بن الورد: قال لي عطاء: بلغني أن حميداً الأعرج يريد أن يختم القرآن فانظر, فإذا أراد أن يختم فأخبرني حتى أحضر الختمة) اهـ. ولم يذكر رحمه الله تعالى له مخرجاً حتى نتبين حاله, ولم أره عند غيره, فالله أعلم.
__________
(1) 2 / 513.
(2) شعب الإِيمان 1 / 355 / ب.
(3) 8 / 359.
(4) سنن الدارمي 2 / 470.
(5) التقريب لابن حجر.
(6) الفتوحات الربانية, لابن علان 3 / 246.
(7) ص 79.(1/30)
وساق الخطيب بسنده في ترجمة البخاري من تاريخه (2 / 12) عن نسج بن سعيد, قال: (كان محمد بن إسماعيل البخاري إذا كان أول ليلة من شهر رمضان يجتمع إليه أصحابه, فيصلي بهم ويقرأ في كل ركعة عشرين آية, وكذلك إلى أن يختم القرآن, وكان يقرأ في السحر ما بين النصف إلى الثلث من القرآن, فيختم عند السحر في كل ثلاث ليال, وكان يختم بالنهار كل يوم ختمة, ويكون ختمه عند الإِفطار كل ليلة, ويقول: عند كل ختم دعوة مستجابة) اهـ. ومن طريق الحاكم ساقه ابن حجر في ((هدي الساري)) ص 481.
وفي ((العلل للإِمام أحمد 2 / 14)) قال ابنه عبد الله: (سمعت أبي يقول: كان معتمر – أي ابن سليمان – له جمة, وكان يختم كل جمعة القرآن, فإذا كان يوم ختمته, اجتمع إليه ناس, ثم يدعو إذا فرغ من الختمة) اهـ.
وكان يوسف بن أسباط رحمه الله تعالى يدعو يقول: اللهم لا تفتنا, سبعين مرة (1) . وساق ابن الجوزي رحمه الله تعالى بإسناده, في ترجمة: زهير بن محمد المروزي, م سنة 257هـ أن ابنه محمداً قال (2) : (كان أبي يجمعنا في وقت ختمة القرآن في شهر رمضان, في كل يوم وليلة ثلاث مرات, تسعين ختمة في شهر رمضان) اهـ.
الخلاصة
ومما تقدم يتضح للناظر ما يلي:
1- أن القول بدعاء ختم القرآن في صلاة التراويح قبل الركوع يكاد يكون من مفردات الإِمام أحمد رحمه الله تعالى عن الثلاثة. معللاً بأنه عمل المِصْرَيْنِ: مكة, والبصرة. وأنه في رواية عنه: سَهَّلَ بجعل دعاء الختم في الوتر. وأنه في روايتي: الفضل, والحربي, قال فيهما: يدعو بما شاء. وفي رواية: عبدوس, في دعاء القنوت في الصلاة عند من قال به, جاء: إن زاد حرفاً على الوارد فاقطع صلاتك؟؟.
2- في ((المستخرجة)) عن مالك: أن الدعاء بعد الختم ليس من عمل الناس.
3- إنّ نهاية ما لدى بعض متأخري الحنفية: استحسان الدعاء للختم وعدم المنع منه. وليس فيه الدعاء به داخل الصلاة.
__________
(1) مختصر قيام الليل ص 111.
(2) المنتظم 5 / 4.(1/31)
4- إنّ بعض أهل العلم ومن المالكية والشافعية قالوا باستحباب جعل الختم لمنفرد في راتبة المغرب أو الفجر.
5- ما جاء في ترجمة ابن المبارك رحمه الله تعالى: أنه يعجبه جعل دعاء الختم في السجود. والله أعلم.
6- كلام شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أفاد الآتي:
( أ ) إنّ (عند كل ختمة دعوة مجابة) مروي عن طائفة من السلف. ولم يذكره في المرفوع.
(ب) إنّ الدعاء عقيب الختم هو من جنس المشروع.
(ج) تأكيده على الأصل في العبادات: ما وافق هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وهدي الصحابة, رضي الله عنهم.
(د) ليس في كلامه أي ذكر لدعاء الختم داخل الصلاة.
7- وكلام العلاّمة ابن القيم رحمه الله تعالى تضمن أن الدعاء عقب الختم من آكد مواطن الدعاء والإِجابة. وذكر الرواية عن الإِمام أحمد رحمه الله تعالى في الدعاء للختم داخل الصلاة. وما زاد. والله أعلم.
* * *
الخاتمة
حاويةً خلاصة هذا الجزء ونتائجه الحكمية:
من مجموع السياقات في الفصلين السالفين نأتي إلى الخاتمة في مقامين:
المقام الأول – في مطلق الدعاء لختم القرآن:
والمتحصل في هذا ما يلي:
? أولاً: أن ما تقدم مرفوعاً – وهو مطلق الدعاء لختم القرآن لا يثبت منه شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - , بل هو إما موضوع, أو ضعيف لا ينجبر.
ويكاد يحصل القطع بعدم وجود ما هو معتمد في الباب مرفوعاً؛ لأن العلماء الجامعين الذين كتبوا في علوم القرآن, وأذكاره, أمثال: النووي, وابن كثير, والقرطبي, والسيوطي, وتلك الحلبة, لم تخرج سياقتهم عن بعض ما ذكر, فلو كان لديهم في ذلك ما هو أعلى إسناداً؛ لذكروه.
? ثانياً: أنه قد صح من فعل أنس بن مالك رضي الله عنه: الدعاء عند ختم القرآن, وجمع أهله وولده لذلك, وأنه قد قفاه على ذلك جماعة من التابعين, كما في أثر مجاهد بن جبر, رحمهم الله تعالى أجمعين.(1/32)
? ثالثاً: أنه لم يتحصل الوقوف على شيء في مشروعية ذلك في منصوص الإِمامين أبي حنيفة والشافعي, رحمهما الله تعالى.
وأن المروي عن الإِمام مالك رحمه الله: أنه ليس من عمل الناس. وأن الختم ليس سنة للقيام في رمضان.
? رابعاً: أن استحباب الدعاء عقب الختم, هو في المروي عن الإِمام أحمد رحمه الله تعالى, كما ينقله علماؤنا الحنابلة, وقرره بعض متأخري المذاهب الثلاثة.
المقام الثاني – في دعاء الختم في الصلاة:
وخلاصته فيما يلي:
? أولاً: أنه ليس فيما تقدم من المروي: حرف واحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - , أو عن أحد من صحابته رضي الله عنهم, يفيد مشروعية الدعاء في الصلاة بعد الختم, قبل الركوع أو بعده, لإِمام أو منفرد.
? ثانياً: أن نهاية ما في الباب: هو ما يذكره علماء المذهب من الرواية عن الإِمام أحمد رحمه الله تعالى في رواية: حنبل والفضل والحربي, عنه – والتي لم نقف على أسانيدها – من جعل دعاء الختم في صلاة التراويح قبل الركوع. وفي رواية عنه – لا يعرف مخرجها: أنه سهّل فيه في دعاء الوتر (1) .
وما جاء عن بعض أهل العلم من استحباب جعل القارئ ختمه في صلاة نفلٍ, أول الليل أو آخره, أي: في سنة المغرب أو سنة الفجر.
وهذه مع جلالة القائلين بها لم يذكروا رحمهم الله تعالى ما يسند المشروعية من نص ثابت في سنده ودلالته, عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عن صحابته, رضي الله عنهم.
__________
(1) تقدم ص 27.(1/33)
ومن خلال تتبع المروي في ((الفصل الأول)) من هذه الرسالة لم نحس له بأثر ولا أثاره؟ وهذا من العبادات الجهرية التي لو وقعت؛ لَنُقِلَ إلينا وقوعها واشتهر أمرها في كتب الرواية والأثر. بل في رواية حنبل لَمَّا قال لأحمد رحمه الله تعالى: إلى إي شيء تذهب في هذا؟ قال: رأيت أهل مكة يفعلونه . . . : دليل على أنه لو كان عند الإِمام أحمد رحمه الله تعالى سنة ماضية مرفوعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - , أو متصلة العمل بعصر الصحابة رضي الله عنهم؛ لاعتمدها في الدلالة, وهو رحمه الله تعال من أرباب الإِحاطة في الرواية. فلم يبقَ في الدلالة عنده إِلاَّ عمل المِصْرَين: مكة والبصرة. وكم لأهل كل مصر من عمل لم يتابعهم عليه أحد. مثل أهل مكة في عدة مسائل كما في ((أخبار مكة)) للفاكهي (3 / 92- 92).
مدى حجية جريان العمل في العبادات:
وعليه: فليعلم أن توارث العمل يكون في موطن الحجة: حيث يتصل بعصر التشريع, كتوارث مقدار الصاع والمد النبوي, وأعيان المشاعر, ونحو ذلك (1) .
ويكون في موطن الحجة أيضاً عند جماعة من الفقهاء والأصوليين والمحدثين: حيث تكون عَضَادته لحديث ضعيف, تلقته الأمة بالقبول.
لكن هنا لم يكن نقل لعمل متصل بعصر النبي - صلى الله عليه وسلم - , وصحابته رضي الله عنهم, ولا عاضد لحديث في الباب وتلقته الأمة بالقبول؛ ففات إذاً شرطه عند من قال به.
لهذا فإن مالكاً رحمه الله تعالى وهو عالم المدينة في زمانه كره الدعاء بعد الختم مطلقاً, وقال: ما هو من عمل الناس.
__________
(1) انظر: إعلام الموقعين 2 / 372.(1/34)
وظاهر من هذا أنه من العمل المتأخر عن عصر الصحابة رضي الله عنهم والمتحرر عند علماء الأصول: أن جريان العمل فيما لا يتصل بعصر الصحابة رضي الله عنه لا يعتبر حجة في ((التعبد)) ولا يلتفت إليه؛ لقاعدة: ((وقف العبادات على النص ومورده)) (1) . وظاهر من كلمة الإِمام مالك رحمه الله تعالى أنه لم يكن محل اتفاق بعدهم, رضي الله عنهم (2) .
ومذهب الجمهور من أهل العلم: الاحتجاج بما نقل عن الصحابة رضي الله عنهم. في ذلك فقط, كما قرره شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله في ((صحة أصول مذهب أهل المدينة)) (3) , مع الأخذ في الاعتبار بما هو مقرر في: أصول الحديث, والفقه, من أن الصحابي إذا رأى خلاف ما روى؛ فالعبرة بروايته لا برأيه.
وأن الصحابي أيضاً: إذا رأى رأياً صح عنه, وثبت في المرفوع ما هو على خلافه, فالأخذ بالثابت المرفوع هو المتعين. وإذا كان هذا في حق الصحابة رضي الله عنهم وهو أبرّ الأمة قلوباً فكيف بمن تأخر عن طبقتهم؟ ومعلومة وجوه الاعتذار في هذا عن الصحابة رضي الله عنهم, وعمن بعدهم من أهل العلم كما في ((رفع الملام عن الأئمة الأعلام)) لشيخ الإِسلام ابن تيمية, رحمه الله تعالى.
ومعلوم أيضاً أن المنتسب إلى مذهب, كالحنفي والحنبلي مثلاً, لو ترك في مسألةٍ مذهبَ إمامه؛ لقيام الدليل على خلافه, فإن هذا هو عين التقليد في صورة ترك التقليد, لقول كل إمام: (إذا صح الحديث فهو مذهبي) ولهذا كان شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يأخذ من وقف الحنابلة لانتسابه إلى المذهب, ولم تكن اختياراته مخرجة له من المذهب, كما حكاه تلميذه ابن القيم عنه في ((إعلام الموقعين)).
__________
(1) انظر: إعلام الموقعين 2 / 394.
(2) انظر: التنكيل للمعلمي 1 / 23.
(3) ص 23- 28.(1/35)
والخلاصة: أنه ليس من دليل لهذه الرواية عن الإِمام أحمد رحمه الله تعالى سوى عمل التابعين في: مكة, وأنه منقطع الاتصال بعصر الصحابة رضي الله عنهم. وأن التابعين اختلفوا؛ فقال مالك رحمه الله تعالى: ليس عليه عمل الناس. فآل الأمر إلى قاعدة العبادات من وقفها على النص ومورده, ولا نص هنا؛ فبقي الأمر على البراءة وعدم المشروعية, والله أعلم.
? ثالثاً: أن أمراً تعبدياً: وهو الدعاء في الصلاة لختم القرآن قبل الركوع أو بعده, من إمام أو منفرد – لم يثبت فيه شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بل لم يرو فيه شيء – ولا عن صحابته, رضي الله عنهم؟ ثم تُعمر به ((المحاريب)) بدعاء فيه ما هو متكلف مسجوع, غير مأثور, يشغل نحو ساعة من الزمان, يُتلى بصوت التلاوة وأدائها, وتحرير النغم فيه. يكون عَن ظهر قلب, أو في رسالةٍ ربما وصلت ثمانين صفحةً – أي تعدل تلاوة خمسة أجزاء من كتاب الله تعالى – مع رفع الأيدي (1) , ومسح الوجه بهما بعد الفراغ (2) , ويبكي مَنْ شاء الله مِنْ مأموم وإمام – أثابهم الله على حسن نيتهم – وقوارع التنزيل, وآيات الذكر الحكيم, تتلى في ليالي الشهر, بل على ممر العام, ولا تكاد تسمع ناشجاً ولا نابساً ببكاء من مأموم أو إمام, والله تعالى يقول: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ . . .} الآية.
__________
(1) انظر: فتاوى العز بن عبد السلام ص 47. والدرر السنية.
(2) انظر: الجزء الثاني من هذه الأجزاء الحديثية في: مسح الوجه باليدين بعد رفعهما للدعاء.(1/36)
وروى ابن المبارك بسنده (1) , ومن طريقه: ابن عساكر (2) , عن محمد بن زياد قال: رأيت أبا أمامة رضي الله عنه أتى على رجل وهو ساجد, يبكي في سجوده, ويدعو ربه, فقال أبو أمامة: (أنت, أنت, لو كان هذا في بيتك).
إن أمراً شأنه كذلك لا يتعبد به إلاَّ بنص ثابت في سنده ودلالته, والنص في هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - , أو عن أحد من صحابته رضي الله عنهم لم يحصل بعد التتبع البالغ, وعدم وقوف الحفاظ الجامعين على شيء في ذلك كما تقدم؛ يدل على عدم وجوده. ورحم الله الإِمام أحمد, إذ في رواية عَبدوس عنه: أن الإِمام إن زاد حرفاً في دعاء القنوت على الوارد – فاقطع صلاتك؟ فكيف بدعاء يستغرق نحو ساعةٍ من الزمان لم يرتبه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا شيئاً منه, لختم القرآن؟
ورحم الله الإِمام أحمد, إذ في رواية أبي طالب عنه: أنه لم يستحب وصل ختمة بأخرى, قال ابن قدامة: (لعله لم يثبت فيه عنده أثر صحيح يصير إليه). وهذا من الإِمام أحمد رحمه الله تعالى, من شدة قفوه الأثر, وأن الرأي يرد إلى السنن.
ورحم الله ابن المبارك, إذ يعجبه جعل دعاء الختم في السجود؛ ولعل هذا لعدم ثبوت شيء فيه عنده, ولعموم الحديث الصحيح: ((وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم)). وأنت قريب العهد فيما مضى في المقدمة عن أبحاث الختم, من أن بعضها سنة؛ لقيام الدليل عليه. والبعض بدعة؛ لعدمه. والبعض لا يشرع؛ لضعف الخلاف. وأن مدرك الحكم في الجميع في دائرة القاعدة بتوقيف العبادات على النص ومورده, وقد علم من مدارك الشرع, أنه لا مدخل لغير المعصوم - صلى الله عليه وسلم - في الشرع, وأنه ليس من أحد من خلق الله إلاَّ وهو يؤخذ من قوله ويترك, إلاَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وبعد
__________
(1) الزهد والرقائق ص 50, وانظر: سير أعلام النبلاء 3 / 361.
(2) تاريخ ابن عساكر 8 / 150 / ب نسخة الظاهرية.(1/37)
ألا يعود دعاء الختم في صلاة التراويح وبهذه الكيفية بالتأثير على قاعدة العبادات من أنها توقيفية لا تكون إلاَّ بنص؟
وعليه: فإن خلاصة النتيجة الحكمية في هذين المقامين تتكون في أمرين:
? الأول: أن دعاء القارئ لختم القرآن خارج الصلاة, وحضور الدعاء في ذلك: أمر مأثور من عمل السلف الصالح من صدر هذه الأمة, كما تقدم من فعل أنس رضي الله عنه وقَفَاهُ جماعةٌ من التابعين, والإِمام أحمد في رواية: حرب وأبي الحارث ويوسف بن موسى, رحمهم الله أجمعين. ولأنه من جنس الدعاء المشروع. وتقدم قول ابن القيم رحمه الله تعالى: (وهو من آكد مواطن الدعاء ومواطن الإِجابة).(1/38)
? الثاني: أن دعاء ختم القرآن في الصلاة, من إمام أو منفرد, قبل الركوع أو بعده, في ((التراويح)) أو غيرها: لا يعرف ورود شيء فيه أصلاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - , ولا عن أحد من صحابته مسنداً. وأن قاعدة العبادات: وقفها على النص ومورده في محيط أمور ستة: ((سبب العبادة, وجنسها, وصفتها, وقدرها, وزمانها, ومكانها)) وقد علم أن دعاء الختم, قد اتفق سببه في عصر النبوة – خارج الصلاة – ذلك أن الوحي اكتمل نزوله في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - , وكان جبريل عليه السلام يعارض النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل رمضان مرة, فلما كان في السنة التي توفي فيها - صلى الله عليه وسلم - عارضه مرتين. ومع هذا فلم يؤثر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا بعد الختم. فهذا مما انعقد سببه ولم يفعله - صلى الله عليه وسلم - إذ لو فعله - صلى الله عليه وسلم - فأين النقل له عنه - صلى الله عليه وسلم - ؟ ودونه خرط القتاد. وقد علم أن السكوت في مثل هذا الموطن والترك: كالنص؛ فلا يشرع. ومن مقتضيات الشهادة بأن محمداً رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا يعبد الله إلاَّ بما شرع على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - , قال الله تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ . . .} الآية. وهذا العمل مما لم يعلم وروده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ فلا يشرع إذاً, في أصح قولي العلماء, رحمهم الله تعالى.(1/39)
وما حررته هنا: هو نظير ما قررته في ((الجزء الثاني)) (1) من الأجزاء الحديثية, في مسألة: مسح الوجه باليدين بعد رفعهما لدعاء القنوت في الوتر؟ من أنه لا يشرع المسح داخل الصلاة, وهو اختيار جماعة من محققي العلماء, منهم: شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى, وأبو المعالي الجويني, وقال (2) : (لما في استعماله فيها من إدخال عمل عليها لم يثبت به أثر) اهـ. وأما خارج الصلاة فقد عمل به جماعة من السلف من غير التزام له.
هذا ما يظهر لمقتضى الدليل والتزام قاعدة التعبد. قال شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في نصرة هذا المنهج (3) : (وليس لأحد أن يحتج بقول أحد في مسائل النزاع, وإنما الحجة النص والإِجماع, ودليل مستنبط من ذلك تقرر مقدماته بالأدلة الشرعية لا بأقوال بعض العلماء؛ فإن أقوال العلماء يحتج لها بالأدلة الشرعية, لا يحتج بها على الأدلة الشرعية, ومن تربّى على مذهب قد تعوّده واعتقد ما فيه – وهو لا يحسن الأدلة الشرعية وتنازع العلماء – لا يفرّق بين ما جاء عن الرسول وتلقته الأمة بالقبول بحيث يجب الإِيمان به, وبين ما قاله بعض العلماء ويتعسّر أو يتعذّر إقامة الحجة عليه, ومن كان لا يفرق بين هذا وهذا؛ لم يحسن أن يتكلم في العلم بكلام العلماء, وإنما هو من المقلدة الناقلين لأقوال غيرهم, مثل المحدث عن غيره, والشاهد على غيره لا يكون حاكماً, والناقل المجرد يكون حاكياً لا مفتياً) اهـ.
__________
(1) طبع مفرداً عام 1404هـ.
(2) طبقات الشافعية 5 / 84.
(3) مجموع الفتاوى 26 / 202- 203, وانظر منه: 1 / 265 مهم, 10 / 408- 409 مهم, 20 / 196- 198 مهم, 22 / 510- 511 مهم, 28 / 24- 25, والسير للذهبي 21 / 409- 410, فتاوى الشيخ عبد الرحمن بن سعدي ص 63- 65, الإِبداع للشيخ على محفوظ ص 26- 31.(1/40)
والمأمول من الناظر في هذا الجزء أن لا يغلبه شيوع العمل عن تفهم السنن, فإن العوائد كما أنها تبني أصولاً وتهدم أصولاً, فإنّها ملاّكة, والانفكاك منها يحتاج إلى ترويض النفس, وإلزامها بالسنن.
وهذا نهاية ما تم الوقوف عليه, والتوصل إليه, مع بذل الوسع في التتبع, فمن كان عنده فضل علم نافع عن صدر غني بالتقوى؛ فليرشد إليه وأجره على الله, فكم ترك الأول للآخر, ملتزماً جادة أهل العلم من الأخذ بالدليل, مع وافر التقدير لأئمة الإِسلام وفقهائه الأعلام, وسلوك سبيلهم في دلالة العباد إلى السنة, وتصحيح السير إلى الله تعالى على وفقها, وأن الفعل غير المشروع يُنَبَّهُ عليه وإن كثر فاعلوه, كما حرره العلماء, ومنهم العلاّمة ابن مفلح الحنبلي رحمه الله تعالى في ((الآداب الشرعية 1 / 297- 298)) فانظره؛ يفتح لك إلى الخير أفقا. والله الموفق والمعين, وصلى الله وسلم على نبينا ورسولنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. انتهى رقمه في الثلث الأخير من ليلة الجمعة 11 / 9 / 1407هـ.
* * *
فوائد موقظة
وهذه ((فوائد موقظة)) يناسبُ السياقَ التذييلُ بها, وهي:
الموقظة الأولى
عن الكمال بن الهمام, رحمه الله تعالى:
قال المناوي رحمه الله تعالى في ((فيض القدير 1 / 229)): (تنبيه: قال الكمال بن الهمام: ما تعارفه الناس في هذه الأزمان, من التمطيط, والمبالغة في الصياح, والاشتغال بتحريرات النغم – أي الدعاء – إظهاراً للصناعة النغمية لا إقامة للعبودية, فإنه لا يقتضي الإِجابة بل هو من مقتضيات الرد.(1/41)
وهذا معلوم: إن كان قصده إعجاب الناس به, فكأنه قال: اعجبوا من حسن صوتي وتحريري. ولا أرى أن تحرير النغم في الدعاء – كما يفعله القراء في هذا الزمان – يصدر ممن يفهم معنى الدعاء والسؤال, وما ذاك إلاَّ نوع لعب؛ فإنه لو قدر في الشاهد: سائل حاجة من ملك: أدى سؤاله, وطلَبه, بتحرير النغم فيه, من الخفض والرفع, والتطريب, والترجيع, كالتغني: نسب البتة إلى قصد السخرية واللعب, إذ مقام طلب الحاجة: التضرع لا التغني. فاستبان أن ذاك من مقتضيات الخيبة والحرمان) اهـ.
الموقظة الثانية:
في دعوة الأئمة والمؤذِّنين – إلى التخلص من تقليد الأصوات فلو يعلم الإِمام مثلاً ما في ذلك من إثارة شعور المصلين, بل وتأذيهم؛ لخجل بعد السلام من الصلاة أن يستقبلهم, وفيهم من ينظر إليه نظر من يرثي حاله. وعليه: فعلى من وفقه الله, وتشرّف بإمامة المصلين في أي من بيوت الله تعالى – والإِمامة طريق إلى الجنة بإذنه تعالى -: أن يأخذ بآداب التلاوة الشرعية المعروفة في كتب آداب تلاوة القرآن, من: إرسال الصوت على ما يسَّر الله له, بخشوع, وحسن أداء, وترتيل, وترك التكلف بالأداء والتجويد, هذا هو ما يعرف من هدي السلف من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم, أما تقليد الأصوات في القراءة فلا, وعلى المثبت الدليل. وقد بسطت هذا – ولله الحمد – في كتاب: ((بدع القراء)). وفقنا الله وإياكم لصالح القول والعمل.
الموقظة الثالثة:
في إيقاظ من يقنت في الوتر – إلى التقيد بالوارد, وإن زاد على الوارد في تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - للحسن كما في السنن (1) فليكن من جنس الدعاء المشروع في القنوت, آخذاً بمجامع الدعاء من الأدعية الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . وأن يترك الأدعية المخترعة المسجوعة المتكلفة.
الموقظة الرابعة:
__________
(1) الفتاوى 21 / 153.(1/42)
في النهي عن تتبع المساجد طلباً لحسن صوت الإِمام في القراءة, قال محمد بن بحر كما في ((بدائع الفوائد 4 / 111)): (رأيت أبا عبد الله في شهر رمضان وقد جاء فضل بن زياد القطان فصلى بأبي عبد الله التراويح, وكان حسن القراءة, فاجتمع المشايخ وبعض الجيران حتى امتلأ المسجد, فخرج أبو عبد الله فصعد درجة المسجد, فنظر إلى الجمع, فقال: ما هذا؟ تَدَعُون مساجدكم وتجيئون إلى غيرها؟ فصلى بهم ليالي ثم صرفه كراهية لما فيه, يعني إخلاء المساجد, وعلى جار المسجد أن يصلي في مسجده) اهـ. وفي مبحث ((سد الذرائع)) من ((إعلام الموقعين 2 / 160)) قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (الوجه الرابع والخمسون: أنه نهى الرجل أن يتخطى المسجد الذي يليه إلى غيره, كما رواه بقية عن المجاشع بن عمرو عن عبيد الله, عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((ليصل أحدكم في المسجد الذي يليه, ولا يتخطاه إلى غيره)). وما ذاك إلاَّ أنه ذريعة إلى هجر المسجد الذي يليه, وإيحاش صدر الإِمام. (وإن كان الإِمام لا يتم الصلاة, أو يرمى ببدعة, أو يعلن بفجور؛ فلا بأس بتخطيه إلى غيره) اهـ.
وعنه في ((الهدية العلائية ص 284)) للبرهاني. والحديث المذكور رواه الطبراني في ((الأوسط)) كما في ((الجامع الصغير)) و ((وكنز العمال 6 / 659)) و ((مجمع الزوائد)) للهيثمي وقال: (رجاله موثقون إلاَّ شيخ الطبراني: محمد بن أحمد بن نصر المروزي, لم أرَ من ترجمه) اهـ. ورواه الطبراني أيضاً في ((المعجم الكبير 12 / 370))(1/43)
وعزاه في ((صحيح الجامع)) إلى الطبراني في ((الكبير)) وتمام والعقيلي. وعن نوفل بن إياس قال: (كنا نقوم في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المسجد, فيفترق ههنا فرقة, وههنا فرقة, وكان الناس يميلون إلى أحسنهم صوتاً, فقال عمر: أراهم قد اتخذوا القرآن أغاني, أما والله لإِن استطعت لأغيرن, فلم يمكث إلاَّ ثلاث ليال حتى أمر أُبَيّاً فصلى بهم). رواه البخاري في ((خلق أفعال العباد ص 51)), وابن سعد في ((الطبقات 5 / 51)), والمروزي في ((قيام الليل)).
وما نبهت على هذا إلاَّ لأنه أخذ يمثل في زماننا هذا ظاهرة لها صفة التكاثر, والفضائل لا تدرك بارتكاب النواهي, مع أنه ((فتنة للمتبوع)). والله تعالى أعلم.(1/44)