بسم الله الرحمن الرحيم
تراث أهل البيت عليهم السلام
تأليف د/سيف الإسلام بدر الدين الحكيم
المقدمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
لقد أنعم الله سبحانه عليّ بالتديّن وحب العلم والمطالعة منذ طفولتي حين كنت في الابتدائية، وعشت في منطقة يتعايش فيها السنّة والشيعة جنباً إلى جنب وبينهم عمومة وخؤولة وصداقة، وعندما كنت في الثانويّة كنت أسمع من زملائي من الشيعة عن مذهب أهل البيت، وكنت أتساءل: لماذا استقلّ أهل البيت بمذهبهم؟ لماذا لم يكن هناك تزاوج واندماج بين مذهب الصحابة ومذهب أهل البيت كما حدثت بينهم تزاوج في النسل، فصار في نفسي شوق للاطلاع على تفاصيل مذهب أهل البيت، وكيف لا يشتاق الإنسان إلى قراءة آثار عترة صاحب الرسالة محمد صلى الله عليه وسلم فقرأت شيئاً يسيراً لبعض الكتّاب فازدَدتُّ شوقاً بما زَيَّنوه إلى القرّاء ولكنها لم تَرو ظمأي، ولم أستَطِع التَّوَسُّع لعدم استطاعتي الحصول على المصادر الأساسية لِنُدرَتِها في تلك الفترة، إلى أن يَسّرَ الله سبحانه لي الاطلاع على هذه المصادر بعد أن تخرّجت من الكليّة، فأصابتني الهول لمّا غُصتُ في تفاصيلها، وتَمَعّنتُ في مضامينها، ووجدت أن الفرس أدخلوا نصوصاً كثيرة إلى هذه الآثار حتى شوهوها، والغاية هي افتعال التنافر والحقد بين المسلمين ليكون اجتماعهم متعذراً ويعيدوا إمبراطوريتهم تحت ذريعة الانتصار لأهل البيت الأطهار، وأرجو أن لا يستعجل عليّ إخواني وأحبّائي الذين يُصدَمون بهذا القول فإني لا أكِنُّ لهم غير الحب والخير والنصح في الله سبحانه. هذا ما وَجَدتُّهُ مختصراً مبسّطاً بين يديك، اقرأه وَتَمَعّن فيه ثمّ أرجع إليّ الجواب إلى عنواني الذي أرسلته لك مع الكتاب.(1/1)
وكنت أعجب في بداية اطلاعي على هذه الحقائق كيف تخفى على أحبّائي من أتباع المذهب الجعفري، ولكن مطالعاتي في كتب المعاصرين أزال هذا العجب حين تبيّنت أن هؤلاء بما أوتوا من بلاغة وفصاحة يوحون لِلنّاس أن هذا هو مذهب أهل البيت-ع- ويخفون الحقائق، بعضهم عن عَمدٍ وبعضهم عن جهل. ولا أريد أن أطيل فهذه الحقائق بين يديك، والله أسأل لنا ولكم الهداية والتوفيق.
المبحث الأول
مقارنة بين آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم عند السنّة، وآثار أئمّة أهل البيت-ع- عند الشيعة:
أن المرجع الأساس للمسلمين في العقيدة والعبادة والتشريع هو كتاب الله وسنة رسول الله .. القرآن العظيم الموجود بين الدفَتين دون زيادة ولا نقصان غضاً طرياً كما نزل به الروح الأمين على قلب محمد، كيف لا وقد تولى الباري سبحانه حفظه: (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ))[الحجر:9] أما سنة رسول الله القولية والفعلية والتقريرية فقد نقلها الصحابة الكرام كما سمعوها من رسول الله أو رأوها من أفعاله، ونقلها التابعون لمن بعدهم إلى أن وصلت إلى عصر التدوين. وقد اخترع المسلمون علم الحديث، وهذا العلم لم يسبقهم إليه أحد وخاصة بما يتضمنه من علم الرجال والأسانيد، أي: دراسة أحوال الرجال الذين نقلوا أحاديث رسول الله واتصال سلسلة الرجال في السند ومعاصرة الراوي للمروي عنه إلى غير ذلك من المضامين لنطمئن من صحة وصول هذه المرويات إلينا ثقة عن ثقة، وإن كان هناك خلاف على بعض الرجال أو المرويات فهذا جهد بشري لابد وأن يعتريه بعض القصور وأن هذا الخلاف ضئيل جداً قياساً لهذا الجهد الهائل لهذا العمل الشريف، والخلاف الذي وقع إنما كله في الفروع ولا يؤثَر هذا الخلاف أبداً في صحة هذا النقل.(1/2)
ولا نجد لدى الشيعة من أقوال رسول الله إلا الشيء اليسير، رغم تأكيد أئمة أهل البيت على التمسك بالكتاب والسنة، يقول علي: [[ أما وصيتي فإن لا تشركوا بالله جل ثناؤه شيئاً ومحمداً، فلا تضيعوا سنَته، أقيموا هذين العمودين وخلاكم ذم ]].
ويقول أبو عبد الله ع: [[ قبول كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف ]].
وروي عنه: [[ لا تقبلوا علينا إلا ما وافق القرآن والسنة ]].
ولكن لديهم روايات يزعمون أنها صدرت عن أئمة أهل البيت وأن كل تراث الرسول صلى الله عليه وسلم محفوظة لدى أهل البيت، ولا يجوز لأحد أن يأخذ شيئاً عن رسول الله إلا عن طريقهم؛ لأن أئمة أهل البيت معصومون -كما يقولون- ولا يجوز الأخذ إلا عن المعصوم، لأن غير المعصوم يطرأ عليه الخطأ والهوى وأغراض الدنيا.
ونسبوا للصادق ع: أنه قال: [[ كان أمير المؤمنين -ع- باب الله الذي لا يؤتى إلا منه، وسبيله الذي من سلك غيره هلك، وكذلك يجري لائمة الهدى واحداً بعد واحد ]].
إن هذا الكلام وإن بدا مزخرفاً وقد ينطلي على من لا علم له، إلا أنه كلام فيه سذاجة وسطحية وهذا الكلام مردود. إذ كيف وصل إلينا أقوال أئمة أهل البيت، هل وصلت إلينا الروايات مشافهة عنهم؟ بالطبع لا إذ أن أقوالهم وأفعالهم وصلت إلينا عن طريق أصحاب أهل البيت، وهم نقلوها لمن بعدهم إلى أن وصل إلى عصر التدوين والذين رووا عن الأئمة ليسوا معصومين ولذلك أصبح هذا الكلام لا قيمة له.
ولو أجرينا مقارنة بسيطة بين ما عند أهل السنة من تراث رسول الله وما عند الشيعة من تراث أهل البيت، وإن كانت هذه المقارنة غير جائزة إذ لا يقارن احد برسول الله، ولكن هذا من باب الفرضية كما قال تعالى: (( قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ ))[الزخرف:81].
بهذه المقارنة يتبين لنا الثرى من الثريّا. ولا بد أن أشير أن للاستدلال بالنصوص لأصول الدين شروط منها:(1/3)
يجب أن يكون الدليل من كتاب الله: (( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ))[الشورى:1.]. فالسنّة النبويّة لا تستقل بتقرير أصول الاعتقاد، ولكن السنّة تفصّل ما أجمله القرآن. وأن يكون الدليل من الآيات المحكمات لا المتشابهات يقول سبحانه وتعالى: (( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ))[آل عمران:7].
يقول الخوئي عن المتشابه: (ومعناه أن يكون للفظ وجهان من المعاني أو أكثر، وجميع هذه المعاني في درجة واحدة بالنسبة إلى ذلك اللفظ، ويحتمل في كل واحدة من هذه المعاني أن يكون هو المراد..).
عصمة مصدر التلقّي:
فأهل السنة أخذوا عن رسول الله، وهو معصوم بلا خلاف بين المسلمين حيث يقول سبحانه وتعالى: (( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ))[النجم:3-4]، ويأمرنا الباري عز وجل باتباعه والأخذ بكل ما جاء به، والانتهاء عن كل ما نهى عنه: (( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ))[الحشر:7].(1/4)
أما أئمة أهل البيت فلا يقول بعصمتهم إلا الشيعة وبأدلة لا ترقى إلى درجة الاستدلال بها في فروع الدين فضلاً أن تؤصَل بها أصل عظيم من أصول الدين، ودليل عصمة الأئمة عند الشيعة هو (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ))[الأحزاب:33] يقولون: إن إذهاب الرجس والتطهير يعني العصمة. وهذه هي جزء من آية من سورة الأحزاب (( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ))[الأحزاب:33] وهذه الآية لا تقوم حجة أبداً على عصمة أحد، لأسباب منها:
1- إذا كانت هذه الآية تدل على العصمة فإن أمهات المؤمنين كلهن معصومات بدليل سياق هذه الآية والآيات التي قبلها وبعدها إذ أنها تتحدّث عن أمهات المؤمنين.
2- ولأن معنى الأهل في القرآن الكريم تدل على الزوجة والأولاد قال الله تعالى: (( وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ))[القصص:12] فالمراد هنا من أهل البيت أم موسى، فمعنى كلام أخت موسى: هل أدلكم على أهل بيت رجل، ولم تقصد قطعاً غير أمها لحاجة موسى إلى الرضاعة التي هي من اختصاص النساء.(1/5)
وقال تعالى: (( وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ))[هود:71-73]. فالمقصود بأهل البيت زوجة إبراهيم عليه السلام، لأنه لم يكن في البيت سواها وهي التي أبدت دهشتها من الولادة بعد كبر سنهما.
قوله تعالى: (( وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ))[يوسف:25]. فامرأة العزيز هنا تخاطب زوجها وتقول: (( مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا ))[يوسف:25] أي بزوجتك سوءاً.
وقوله تعالى: (( قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ))[هود:81]. فامرأة لوط من أهل بيته لأنها لو لم تكن من أهل بيته لما استثنتها الآية.
قوله تعالى: (( ... فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ))[البقرة:196]. فأهل الرجل هو بيت سكناه، أي: زوجته وأولاده.(1/6)
قوله تعالى: (( فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا ))[القصص:29]. فالمقصود هنا من أهل موسى امرأته.
وعندما جيء برجل وقد استمنى فقال علي بن أبي طالب -ع-: [[ أمتأهل –متزوج- هو أم أعزب؟ ]] كما أن أبا عبد الله -ع- سأل زرارة: [[ متأهل أنت ]] أي: متزوج أنت.
وقد جاء في لسان العرب: أهل الرجل زوجه وأخص الناس به، والتأهل التزوج، وهكذا يتبين أن زوجة الرجل من أهل بيته وأن زوجات رسول الله من أهل بيته.
كل هذه الآيات وآيات أخرى تضمنت كلمة الأهل كان المقصود بها الزوجة والأولاد، وكذلك المقصود بكلمة الأهل في هذه الآية زوجات رسول الله، فكل هذه دلائل قاطعة على أن الزوجات يدخلن في مفهوم كلمة الأهل.
3- كلمة الإرادة في قوله تعالى: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ ... ))[الأحزاب:33] هي إرادة شرعية لأن جملة الأوامر التي جاءت في سياق الآية من النهي عن التبرج إلى إقام الصلاة وإيتاء الزكاة كلها من الإرادات الشرعية وليست إرادة قدرية ولا تدل على العصمة.
4- ولو كان إذهاب الرجس يدلّ على العصمة، لقد قال سبحانه وتعالى عن أهل بدر: (( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ... ))[الأنفال:11] فهل نقول: إن التطهير وإذهاب رجز الشيطان هنا معناه العصمة. بل أقول: إن الاستدلال بآية الأحزاب على العصمة، هو دليل من ليس عنده دليل لأن الذي يملك حجة قوية واضحة بيّنة لا يلجأ إلى مثل هذه الحجج الضعيفة. وكل هذه الاحتمالات تسقط اعتبار هذا الاستدلال بآية الأحزاب في هذا الموضع، ولا تقوم حجة على العصمة، لأن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال كما تقول القاعدة الأصولية.(1/7)
وهذا سيدنا علي ينفي العصمة عن نفسه ويقول: [[ إني لست في نفسي بفوق أن أخطئ ولا آمن ذلك من فعلي إلا أن يَكفيَ الله من نفسي ما هو أملك به مني ]].
ويقول أيضاً: [[ ما أهمني ذنب أمهلت بعده حتى أصلي ركعتين ]].
ويقول الصادق -ع-: [[ والله ما نحن إلا عبيد.. ما نقدر على ضر ولا نفع إن رحمنا فبرحمته، وإن عذبنا فبذنوبنا، والله ما لنا على الله من حجة ولا معنا من الله براءة وإنا لميتون مقبورون منشورون ومبعوثون ومسؤولون، أشهدكم إني امرؤ ولدني رسول الله وما معي براءة من الله، وإن أطعت رحمني وإن عصيت عذبني عذاباً شديداً ]].
هذا فيما يتعلق بالعصمة، فنحن أخذنا عن المعصوم اتفاقاً وهو رسول الله، وقد ثبتت عصمته بالقرآن، أما الشيعة فيأخذون عمّن يزعمون فيهم العصمة دون دليل اتباعاً للمتشابهات.
الأصحاب:
أما المقارنة بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحاب أئمة أهل البيت هي أيضاً من باب المناقشة ليس إلا، إذ كيف يقارن من زكاهم الله سبحانه في كتابه الخالد بعشرات الآيات تتلى إلى يوم القيامة مع غيرهم؟!
أصحاب رسول الله:
ابتداءً نقول: إن الصحابي هو كل من رأى رسول الله وآمن به ومات على ذلك، وبهذا عندما يُذكَر الصحابة أو المهاجرون فإن ذلك يشمل أهل البيت والصحابة.
فأصحاب رسول الله زكاهم الله في قرآنه بعشرات الآيات تتلى إلى يوم القيامة، وليس بعد تزكية الله سبحانه من تزكية. يقول تعالى: (( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ))[التوبة:1..].(1/8)
يقول شبّر المفسر الإمامي الاثني عشري في تفسيره: (والسابقون الأولون من المهاجرين) هم أهل بدر، أو من صلّوا القبلتين، أو من أسلموا قبل الهجرة, (الأنصار) أهل بيعة العقبة الأولى، (وَالذّين اتّبَعُوهُم بِإحسانٍ) في العقائد والأعمال إلى يوم القيامة (رَضيَ اللهُ عَنهُم) بطاعتهم، (وَرضوا عَنهُ) بثوابه ا.هـ.
وسواءً كان السابقون الأولون هم أهل بدر، أو من صلوا القبلتين، أو من أسلموا قبل الهجرة، فهم خيار الصحابة بما فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وسعيد بن زيد وصهيب ومصعب وبلال وأبو ذر، وغيرهم كثير، فهؤلاء مزكّون من قبل الله، وهم ومن اتبعهم بعقائدهم وعباداتهم مبشَرون بالجنة، والأنصار هم المؤمنون من أهل المدينة الذين استقبلوا رسول الله وأصحابه وآووهم ونصروهم.
فيبين الباري جل وعلا أنه كتب رضوانه للسابقين من المهاجرين كلهم والسابقين من الأنصار كلهم، وكذلك كل من سلك طريق المهاجرين والأنصار وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار، فهذا أمر من الله سبحانه باتباع المهاجرين والأنصار، وهذه تزكية لهم أنهم أخذوا عن رسول الله وما خالفوه وما غيروا، وأن اتِّباعَهُم هو اتِّباع لرسول الله، ومن سلك طريقهم فقد اقتفى أثر رسول الله والتزم بحبل إلى الجنة، وأي طعن في أي من هؤلاء وغيرهم من المهاجرين والأنصار إنما هو طعن في علم الله سبحانه وفي كتابه العزيز.(1/9)
يقول سبحانه وتعالى: (( هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ... ))[الأنفال:63]. لقد امتن الله جل وعلا على رسوله بشيئين اثنين: أن أيده بنصره وأيده بمؤمنين ألف بين قلوبهم، ولم تكن هذه الألفة لدنيا ولا لمال، ولو أن رسول الله أنفق كل ما في الدنيا ما ألف بين قلوبهم كما ألفه الله، فهل يجوز لأحد بعد ذلك أن يقول: إن هذه الألفة التي ألفها الله في قلوب الصحابة قد انفرط عقدها بعد وفاة رسول الله! لعمر الله ما آمن بالقرآن من زعم ذلك.(1/10)
وقوله تعالى: (( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ))[الفتح:29]. والذين معه هم أصحابه الذين آمنوا به وجاهدوا معه وتزوج منهم وزوّجهم بناته، ويقول في هذا أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بعد أن ذم أصحابه من أهل الكوفة بقوله: [[ أريد أن أداوي بكم وأنتم دائي... ]] ثم ذكر بعد ذلك إخوانه من أصحاب رسول الله وقال: [[ أين القوم الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه وقرءوا القرآن فأحكموه، وهيجوا إلى الجهاد فولهوا له وله اللقاح إلى أولادها، وسلوا السيوف أغمادها وأخذوا بأطراف الأرض زحفاً زحفاً وصفاً صفاً بعض هلك وبعض نجا، لا يبشرون بالأحياء، ولا يعزون عن الموتى، مره العيون من البكاء، خمص البطون من الصيام، ذبل الشفاه من الدعاء، صفر الألوان من السهر، على وجوههم غبرة الخاشعين، أولئك إخواني الذاهبون، فحق لنا أن نظمأ غليهم ونعض الأيدي على فراقهم ]].
فمن أولئك الذين سلوا السيوف وانساحوا بأطراف الأرض زحفاً وصفاً واحداً للجهاد ونشر كلمة التوحيد، ووصف حالهم في العبادة ثم بين انه ظمآن إليهم ومتأسف لفراقهم. إن هذا الوصف لا ينطبق إلا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأن أمير المؤمنين يفسّر آية الفتح.(1/11)
وقوله تعالى: (( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ *وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ))[الحشر:8-10].
يصف الباري عز وجل أحوال المهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم وأهليهم، وأنهم ما خرجوا إلاَ ابتغاء رضوان الله، ونصرة لله ورسوله وشهد لهم الله بالصدق، أما الأنصار فرغم أن المهاجرين أتوا عالة عليهم وعادتهم قبائل الجزيرة كلها بسببهم، إلا أنهم ما ضاقت صدورهم ولا شحت أنفسهم بل استقبلوهم بالحب والإيثار، وبيّن الباري عز وجل أنهم من أهل الفلاح وبعد أن يشهد الله سبحانه للمهاجرين والأنصار بالصدق والفلاح، أمر كل من جاء بعدهم من المؤمنين أن يستغفر للمهاجرين والأنصار وأن يسأل الله سبحانه أن لا يجعل في قلبه حقداً عليهم.
وليسأل كل من يطعن في هؤلاء الصحابة نفسه: هل هو ممتثل لأمر الله أم مخالف له، فمن امتثل فهو من المؤمنين وإلا فلينسب نفسه إلى أي جهة شاء إلا المؤمنين.(1/12)
وقد قَدِم على علي بن الحسين (زين العابدين) -ع- نفر من أهل العراق فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فلما فرغوا من كلامهم قال لهم: [[ ألا تخبروني أنتم المهاجرون الأولون (( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ))[الحشر:8] قالوا: لا. قال: فأنتم (( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ))[الحشر:9] قالوا: لا. قال: أما أنتم قد تبرَأتم من أن تكونوا من أحد هذين الفريقين وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله فيهم: (( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ))[الحشر:10] اخرجوا عني فعل الله بكم ]].(1/13)
وقوله تعالى: (( لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ))[التوبة:117] ولقد كانت هذه الغزوة في أواخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم. لقد بين الله جل وعلا أنه تاب على المهاجرين والأنصار -بلا استثناء- الذين خرجوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة حيث الحر الشديد والأرض بعيدة مع قلة الزاد والماء والراحلة، وما كان الاستثناء من التوبة إلا للمتخلفين حيث لم يتخلف من المهاجرين أحد إلاَ من بقي بأمر من الرسول عليه الصلاة والسلام كعلي بن أبي طالب الذي جاء يبكي ويقول: أتتركني مع النساء والصبية؟ فقال له الرسول: { أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى } تطييباً لخاطره?
أما من الأنصار فلم يتخلف إلا ثلاثة بنص القرآن، أما بقية المتخلفين من أهل المدينة فكانوا من المنافقين جاءوا إلى رسول الله فقدموا أعذارهم الباهتة فلم يعر لهم بالاً، أما هؤلاء الثلاثة فقاطعهم رسول الله والمسلمون، وحتى هؤلاء الثلاثة الذين تخلفوا قد تاب الله عليهم (( وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ))[التوبة:118].(1/14)
وقوله تعالى: (( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ))[الحديد:10] أن الله سبحانه وعد الذين أنفقوا من قبل فتح مكة وقاتلوا ومن أنفق من بعد فتح مكة وقاتل بالحسنى وهي الجنة، ولكنه تعالى جعل السبق في الإسلام منزلة وميزة لا تتأتى لغيرهم من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، وكلاً وعد الله الحسنى.
أئمة أهل البيت والصحابة:
يقول علي: [[ أما بعد! فإنه قد بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضاً، فان خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاَه الله ما تولَى ]].
يحتج أمير المؤمنين لصحة بيعته ببيعة الخلفاء الثلاثة قبله ويؤكد بأداة الحصر أن الشورى للمهاجرين والأنصار ولو أنهم اجتمع رأيهم على رجل وسمَوه إماماً يكون ذلك لله رضاً، والخارج عن رأيهم ينصح بالرجوع فإن أَبَى يُقاتَل لاتِّباعِهِ غير سبيل المؤمنين، واعتبر أمير المؤمنين سبيل المهاجرين والأنصار سبيل المؤمنين. لقد زكّى الله سبحانه المهاجرين والانصار، وزكّاهم علي، فهل يجوز لأحد بعد ذلك أن يطعن في هؤلاء؟!
قال أمير المؤمنين علي [[ لله بلاء فلان فلقد قوم الأود وداوى العمد، واقام السنة وخلف الفتنة، ذهب نقي الثوب قليل العيب، أصاب خيرها وسبق شرها، أدى إلى الله طاعته واتقاه بحقه ]].(1/15)
قال ابن أبي الحديد: وفلان المُكنَى عنه عمر بن الخطاب، وقد وجدت النسخة التي بخط الرضى أبي الحسن جامع نهج البلاغة وتحت فلان عمر. وحدَثني بذلك فخار بن معد الموسوي الأردي الشاعر، وسألت عنه النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد العلوي فقال لي: هو عمر. فقلت له: يثني عليه أمير المؤمنين -ع- هذا الثناء قال: نعم. أما الإمامية فيقولون: إن ذلك من التقية واستصلاح أصحابه، أيجوز أن يُتَّهم علي أنه كان يُظهِر خلاف ما يُبطِن، إذن أين شجاعته، وأين بيانه للحق؟
وروى ابن خربوذ عن أبي عبد الله -ع- قال: [[ كان أصحاب رسول الله اثني عشر ألفاً، ثمانية آلاف من المدينة وألفان من مكة وألفان من الطلقاء، ولم يُرَ فيهم قدريَ ولا مرجئ، ولا حروري، ولا معتزلي ولا صاحب رأي، كانوا يبكون الليل والنهار ويقولون: اقبض أرواحنا من قبل أن نأكل خبز الخمير ]].
هؤلاء الصحابة من المهاجرين والأنصار الذين زكاهم الله سبحانه وتعالى في كتابه الخالد بآيات محكمات تتلى إلى يوم القيامة هم الذين نقلوا لنا أفعال واقوال الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يفوتني أن أنوه هنا بأن أهل البيت هم من الصحابة، وهم من المهاجرين، فنحن لا نفرق بينهم لأن التفريق بينهم ليست عقيدة قرآنية.
أصحاب الأئمة:
وبإلقاء نظرة لأحوال أصحاب الأئمة الذين رووا روايات من أقوال وأفعال يزعمون أنها صدرت عن أئمة أهل البيت، فمعرفة أحوال هؤلاء الرجال تضعنا على تصوَر واضح عن مدى مصداقية هذه الروايات. وأنا لن أصدر حكماً، لا جرحاً ولا تعديلاً لهؤلاء الرجال إلا من مصادر الشيعة أنفسهم وعلى لسان أئمة أهل البيت.(1/16)
ولكني وقبل أن أنقل هذه الروايات لا بد أن أشير إلى مسألة في غاية الأهمية لم أسمع من تطرق إليها ولا أدري كيف تغيب هذه الحقيقة عن كثير من الصادقين الذين يبحثون عن حقيقة مذهب أهل البيت، وهي أن معظم الروايات في مصادر الشيعة منسوبة إلى محمد الباقر وإلى ابنه جعفر بن محمد الصادق -ع- وهما عاشا كل حياتهما في المدينة المنورة، وكذلك الحسين، وزين العابدين، والكاظم أيضاً عاشوا في المدينة, وكذلك الحسن إلا أنه عاش فترة قصيرة جداً في الكوفة، وكل الرجال الذين يقال أنهم أصحاب الباقر والصادق، وزين العابدين، والكاظم عاشوا في الكوفة، وكل من هؤلاء نقل آلاف الروايات عنهم كما سيأتي، إذ كيف نقلت هذه الروايات عن الأئمة وهم في المدينة المنورة والرواة في الكوفة وبينهم هذه المسافة الطويلة فيها صحراء مقفرة وخطورة وخوف، حتى أن الحسين -ع- لما أرسل مسلم بن عقيل إلى الكوفة وأرسل معه دليلين اشتد بهم العطش ومات الدليلان من العطش فأرسل مسلم إلى الحسين برسالة يبين صعوبة الطريق وطلب أن يعفيه ويرسل غيره، فعيّره الحسين وقال: إن هذا من الجبن. فتابع مسلم طريقه على مضض.
والدارس لحياة هؤلاء الرواة يعلم أن هؤلاء لم يخرجوا من الكوفة إلا قليلاً؟!
وسؤال آخر مهم جداً يتبادر إلى الأذهان وهو: لماذا كل أصحاب الأئمة من الكوفة فقط؟! ورأي أئمة أهل البيت في أهل الكوفة معلومة، إلا يستحق هذا الموضوع الوقوف عنده كثيراً لمن أراد أن يقف على الحقيقة ويمسك برأس الحبل الموصل إلى الجنة؟
موقف الأئمة من أصحابهم:
هناك تناقض كبير بين موقف علماء الشيعة وموقف الأئمة من كبار رواة أقوال الأئمة، وسنتناول الرواة الذين أكثروا من الروايات وهم العمدة عند القوم لأن تناول الجميع يطول كثيراً.(1/17)
1- سليم بن قيس الهلالي ويعتبرونه من أصحاب علي، وقد وثَقه عبد الحسين المظفر في تخريجه لروايات الكافي في كتابه الشافي في شرح أصول الكافي، وانظر إلى حاله عند الآخرين. له كتاب سمي باسمه ولم يرو هذا الكتاب عن سليم بن قيس إلا أبان بن أبي عياش وهو تابعي ضعيف لا يلتفت إليه وينسب أصحابنا وضع كتاب سليم بن قيس إليه).
قال الغضائري عنه: (ينسب إليه الكتاب المشهور وهو موضوع بدليل أنه قال: إن محمد بن أبي بكر وعظ أباه عند موته وقال فيه: أن الأئمة ثلاثة عشر مع زيد وأسانيده مختلقة، وفي الكتاب مناكير مشتهرة وما أظنه إلا موضوعاً).
وقال هاشم معروف عن رواية وقع في سندها سليم بن قيس: (ويكفي هذه الرواية عيباً أنها من مرويات سليم بن قيس وهو من المشبوهين المتهمين بالكذب).
2-زرارة بن أعين:
إذ جاء فيه مدح وقدح، وقدحه أكثر من مدحه ومعلل، والقدح المعلل يقدم على المدح، وأكثر المدح جاء عن طريق أبناء زرارة وشهادة الابن للأب تبقى موضع شك.
عن مسكان قال: سمعت زرارة يقول: رحم الله أبا جعفر، أما جعفر فإن في قلبي عليه لفتة، فقلت له: وما حمل زرارة على هذا؟ قال: حمله على هذا لأن أبا عبد الله -ع- أخرج مخازيه.
عن زياد بن أبي الهلال قال: قلت لأبي عبد الله -ع- ما يقوله زرارة في الاستطاعة في الحج .. فقال: [[ ليس هكذا سألني، ولا هكذا قلت، كذب علي، والله كذب علي والله، لعن الله زرارة ثلاثاً .. ]] فلما أخبر زياد زرارة بذلك قال: أما إنه أعطاني الاستطاعة من حيث لا يعلم وصاحبكم –يعني: الإمام- هذا ليس له بصيرة بكلام الرجال.
أي: قلة أدب من زرارة أن يتهم إمامه بالبله وحاشاه من ذلك.
عن أبي عبد الله -ع-: [[ لو لم تكن جهنم إلا سكرجة لوسعها آل اعين بن سنسن ]].
عن عمران الزعفراني قال: سمعت أبا عبد الله -ع- يقول لأبي بصير: [[ ما أحدث أحد في الإسلام ما أحدث زرارة عليه لعنة الله ]].(1/18)
قلت: إن زرارة وأمثاله دخلوا في الإسلام ظاهراً ليدخلوا إلى الإسلام بدعاً كالإمامة الإلهية، وتحريف القرآن، والطعن في أصحاب رسول الله فتبرّأ أهل البيت منهم وأنكروا بدعهم لما وصلت إليهم هذه الأقوال ولكن الصفويين أزالوها من كتبهم وأدخلوا التقية في مذهب أهل البيت ليستقيم لهم المذهب كما يحلو لهم لتكون حجة عليهم.
عن زرارة قال: سألت أبا عبد الله عن التشهد فقال: [[ التحيات والصلوات -إلى أن قال- فلما خرجت ضرطت في لحيته وقلت: لا يفلح أبداً ]].
عن أبي عبد الله -ع- قال: [[ لا يموت زرارة الا تائهاً ]].
وقال أبو عبد الله -ع- لبعض أصحابه: [[ متى عهدك بزرارة؟ قال: قلت: ما رأيته منذ أيام، قال: لا تبالي، وإن مرض فلا تعده، وإن مات فلا تشهد جنازته، قال: قلت: زرارة متعجباً مما قال؟ قال: نعم، زرارة شر من اليهود والنصارى، ومن قال: إن الله ثالث ثلاثة ]].
وهو من القائلين بتحريف القرآن.
وهناك روايات كثيرة أعرضت عنها للاختصار، فأمثال هؤلاء أصبحوا الآن من أوثق الرجال لدى الشيعة، والغريب جداً أن يقول الكشي: إن هذه الروايات خرجت على سبيل التقية.(1/19)
والحقيقة أن هذا استخفاف مزري بعقول من يخاطبهم، والأغرب من ذلك أن يستخف الناس بعقول أنفسهم ويصدقوا مثل هذا الكلام، أيُعقل أن الإمام يَلعَن أصحابه وبروايات تصل إلى درجة التواتر وفي مواطن عدة وأن هذا الذم والَلعن كان أمام خواص أصحابه بحيث ينتفي داعي التقية وما التقية إلا الكذب، وأهل البيت الأطهار مبرءون من هذه الأقاويل التي تحط من منزلتهم، والذي نعلمه من سيرة رسول الله، والأنبياء من قبله وكل المصلحين بل وكل القادة أن يُزَكّوا أصحابهم ويمدحوهم كي تكون دعوتهم مقبولة عند الناس وكلامهم مسموعاً، إلا إذا كان الأئمة لا يريدون نشر دعوتهم إلا لبعض الخواص، وهذا لا يجوز شرعاً ولا عقلاً، أضف إلى ذلك أن ذم الأئمة لزرارة كلها معللة، والقدح المعلل مقدم على التعديل في علم الرجال، هذا إذا كانوا يلتزمون أصلاً بهذا العلم. وإذا فسّرنا لعن الإمام لزرارة بالتقية افتراضاً فبماذا نفسّر طعن زرارة مرة في علم الإمام ومرة بالكذب عليه بالفتوى في قضية الاستطاعة وأخرى بالضراط على لحيته إلى غيره من الطعون؟
3- بريد بن معاوية العجلي:
أيضاً فيه مدح وقدح، عن عبد الرحيم القصير قال: قال لي أبو عبد الله -ع-: [[ ائت زرارة وبريداً فقل لهما: ما هذه البدعة التي ابتدعتماها؟ أما علمتما أن رسول الله قال: كل بدعة ضلالة ]].
عن مسمع بن كردين قال: سمعت أبا عبد الله -ع- يقول: [[ لعن الله بريداً، لعن الله زرارة. وهو أيضاً من القائلين بتحريف القرآن ]].
4- محمد بن مسلم الطائفي الثقفي:
أيضا جاء فيه مدح وقدح، عن المفضل قال: سمعت أبا عبد الله -ع- يقول: [[ لعن الله محمد بن مسلم كان يقول: إن الله لا يعلم الشيء حتى يكون ]]. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
وعن عامر بن عبد الله قال: قلت لأبي عبد الله -ع-: [[ إن امرأتي تقول بقول زرارة ومحمد بن مسلم في الاستطاعة.. فقال: ما للنساء والرأي والقول لها -هكذا- إنهما ليسا بشيء في ولاية.. ]].(1/20)
وعن أبي الصباح قال: قال لي أبو عبد الله -ع-: [[ يا أبا الصباح! هلك المترئسون في أديانهم منهم زرارة، وبريد، ومحمد بن مسلم ]].
وهو من المكثرين بالرواية بل ومن المفرطين، عن محمد بن مسلم قال: [[ ..سألت أبا جعفر عن ثلاثين ألف حديث، وسألت أبا عبد الله عن ستة عشر ألف حديث ]].
إن محمد بن مسلم الذي عاش حياته في الكوفة وسمع عن الباقر والصادق الذين عاشا في المدينة ستة وأربعون ألف رواية، إن هؤلاء القوم لا يقيمون وزناً لعقول أتباعهم، ويبدو أن هذه ظاهرة متكررة عبر القرون كما قال تعالى عن فرعون: (( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ))[الزخرف:54].
وقال عنه ابن داود: مدحه النجاشي وذمه الكشي، ويقوى عندي أن ذمه إنما هو لإطباق العامة على مدحه والثناء عليه، فساء ظن بعض أصحابنا فيه فقال الكشي ما قال.
قلت: إن كلام ابن داود مردود لأن الكشي ذمه بناءً على أقوال الأئمة وليس على رأيه، أما قوله: (إطباق العامة على الثناء عليه) فهذا محض كذب منه.
5-أبو بصير: ليث بن البختري المرادي:
عن ابن أبي يعفور قال: قلت لأبي بصير: اتق الله وحج بمالك فإنك رجل ذو مال كثير فقال: اسكت فلو أن الدنيا وقعت لصاحبك –يعني: الإمام- لاشتمل عليها بكسائه.
عن محمد بن مسعود قال: سألت علي بن فضال عن أبي بصير: هل يتهم بالغلو؟ فقال: أما الغلو فلا، ولكن كان مخلطاً.
وعن شعيب اليعقوبي أن أبا بصير أخبر عن مسألة سألها أبا عبد الله -ع- فلقيت أبا الحسن -ع- فسألته المسألة فأجابني بخلاف جواب أبي عبد الله فذكرت ذلك لأبي بصير فمسح يده على صدره وقال: ما أظن أن صاحبنا تناهى حلمه.
وعن حماد بن عثمان قال: خرجنا إلى الحيرة فتذاكرنا الدنيا فقال أبو بصير المرادي: أما إن صاحبكم –يعني: الإمام- لو ظفر بها لاستأثر بها.
وعن حماد الناب قال: جلس أبو بصير على باب أبي عبد الله يطلب الإذن فلم يؤذن له فقال: لو كان معنا طبق لأذن لنا.(1/21)
قال ابن الغضائري: ليث بن البختري المرادي كان أبو عبد الله -ع- يتضجر به ويتبرم، واصحابه مختلفون في شأنه. قال: وعندي أن الطعن إنما وقع على دينه لا على حديثه، وهو عندي ثقة، والذي اعتمد عليه قبول روايته وأنه من أصحابنا الإمامية، وقول ابن الغضائري أن الطعن في دينه لا يوجب الطعن.
قلت: كيف يكون عنده ثقة وهو يقول في الله قولاً منكراً، ويتّهم الإمام بضعف العقل وحبّ الدنيا.
وقال عنه ابن فضال الثقة: أنه كان مخلّطاً، وقد كان الإمام يتضجّر منه؟ وكيف يوثق بنقل الدين من كان مطعوناً في دينه. ويبدو أن ميزان التوثيق عند القوم هو الانتماء إلى مذهبهم فحسب، ولهذا قال: إنه اعتمد الأخذ بروايته لأنه من أصحابهم الإمامية. كما أنه من القائلين بتحريف القرآن ومن الذين أكثروا من روايات التحريف.
6-هشام بن الحكم، وهشام بن سالم الجواليقي ومحمد بن علي بن النعمان –ويكنى: بأبي جعفر الأحول- (مؤمن الطاق):
وتناولت هؤلاء الثلاثة سوية لاشتراكهم بجريمة التجسيم والتشبيه لصفات الله عز وجل.
عن إبراهيم بن محمد الخزار ومحمد بن حسين قالا: [[ دخلنا على أبي الحسن الرضا -ع- فحكينا له أن محمداً رأى ربه في صورة الشاب الموفق في سن أبناء ثلاثين سنة وقلنا: إن هشام بن سالم وصاحب الطاق والميثمي يقولون إنه أجوف إلى السرة والبقية صمد، فخر ساجداً ثم قال: سبحانك ما عرفوك ولا وحدوك، فمن أجل ذلك وصفوك ]].
الرضا-ع- يُقِرّ بأنّ هؤلاء لا يعرفون الله ولا يوحِّدونه:
عن أبي حمزة قال: قلت لأبي عبد الله –ع-: [[ سمعت هشام بن الحكم يروي عنكم أن الله جسم صمدي نوري معرفته ضرورة، يمن بها على من يشاء من خلقه، فقال -ع-: سبحان من لا يعلم أحد كيف هو ]]. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.(1/22)
عن محمد بن حكيم قال: وصفت لأبي إبراهيم -ع- قول هشام بن سالم الجواليقي وحكيت له قول هشام بن الحكم أنه جسم فقال: [[ إن الله تعالى لا يشبهه شيء، أي فحش أو خنا أعظم من قول من يصف خالق الأشياء، الجسم أو الصورة.. ]].
وعن محمد بن فرج الرفجي قال: [[ كتبت إلى أبي الحسن –ع- عما قال هشام بن الحكم في الجسم وهشام بن سالم في الصورة، فكتب -ع- دع عنك حيرة الحيران واستعذ بالله من الشيطان، ليس القول ما قال الهشامان ]].
عن الحسن بن عبد الرحمن الحماني قال: قلت لأبي الحسن موسى بن حعفر-ع-: [[ أن هشام بن الحكم زعم أن الله جسم ليس كمثله شيء.
فقال: قاتله الله أما علم أن الجسم محدود، والكلام غير المتكلم، معاذ الله أبرأ إلى الله من هذا القول ]].
إن هؤلاء الذين يقولون في الله سبحانه قولاً منكراً هم أوثق الرجال عند الشيعة، وهم العمدة في تأسيس عقيدة التشيّع الصفوي، فإذا كان الصفويون والشّعوبيون، وأصحاب الأغراض والمصالح يجلّونهم، فما بال العرب، وما بال المخلصين من غير العرب يبيعون دينهم بدنيا غيرهم؟!
وحكي عن محمد بن النعمان الأحول المعروف بمؤمن الطاق وهشام بن سالم الجواليقي وأبي مالك أنه نور على صورة الإنسان.. وأن هشام بن سالم كان يقول: إن له وفرة سوداء وراءه.
سبحانك ربّي مما وصفوك، أي زندقة أفحش من هذا القول! كيف يُؤخَذ الدين من أمثال هؤلاء؟
وروي عن الجواد -ع- أنه قال: [[ من قال بالجسم فلا تعطوه الزكاة ولا تصلَوا وراءه ]].
ولكن الذين قالوا بالجسم صاروا من أوثق الناس عند الشيعة.
عن الصقر بن أبي دلف قال: سألت أبا الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى -ع- عن التوحيد وقلت له: [[ إني أقول بقول هشام بن الحكم. فغضب -ع- ثم قال: ما لكم ولقول هشام، إنه ليس مِنا. من زعم أن الله عز وجل جسم ونحن منه براء في الدنيا والآخرة ]].(1/23)
وهذه الرواية بعد موت هشام ليس فيه تقية ولا احتمال أنه تاب وقد قال عنه الإمام بعد موته إنّه ليس مِنّا، ولكنه عند الشيعة من أوثق الناس، وهل بعد ذلك يقال: إن هذا الدين هو مذهب أهل البيت؟
وقال عنه البرقي: هو من غلمان أبي شاكر الزنديق، جسمي رؤيي.
وذكر فخر الشيعة الشيخ المفيد (وإنما خالف هشام وأصحابه جماعة أبي عبد الله بقوله في الجسم، فزعم أن الله تعالى جسم لا كالأجسام).
قلت: وهذا القول أيضاً بعد موت هشام. إن هؤلاء الزنادقة الذين قالوا في الله قولاً منكراً مما حَدى بأهل البيت التبرَؤ منهم ومن أقوالهم ولكنٍ علماء الشيعة الصفويون أجمعوا على تصحيح ما ورد عنهم. ولا أدري أهُم أعلم بالرجال من الأئمة أم أن الهوى، والمصالح الدنيوية والشعوبية تقتضي ذلك.
7-جابر بن يزيد الجعفي:
قال جابر: حدثني أبو جعفر -ع- بسبعين ألف حديث لم أحدث بها أحداً قط ولا أحدث بها أحداً أبداً.
قال جابر: فقلت لأبي جعفر -ع-: [[ جعلت فداك إنك قد حَمَّلتني وقراً عظيماً بما حدَثني به من سرَكم الذي لا أحدث به أحداً فربما جاش في صدري حتى يأخذني فيه شبه الجنون قال: يا جابر! فإذا كان ذلك فاخرج إلى الجبال فاحفر حفيرة ودُلّ رأسك فيها ثم قل: حدَثني محمد بن علي بكذا وكذا ]].
سبحان ربَي يروي الحديث على الحجر والتراب أهؤلاء يُؤتَمَنون على دين؟!!
وذكر الخوئي أن جابراً روى سبعين ألف رواية عن الباقر، وروى مائة وأربعين ألف حديث، والظاهر أنه ما روى أحد بطريق المشافهة عن الأئمة -ع- أكثر مما روى جابر.
قلت: إن أبا هريرة رضي الله عنه روى (5537) حديثاً مع المكرر فقالت الشيعة: أكثر أبو هريرة. لقد قال عنه عبد الحسين شرف الدين: (هذه دراسة لحياة صحابي روى عن رسول الله فأكثر حتى أفرط، وروت عنه سائر صحاح الجمهور، وسائر مسانيدهم فأكثرت حتى أفرطت أيضاً..).(1/24)
وقال: (.. وأما حديثه فقد أمعنا النظر فيه كماً وكيفاً فلم يسعنا -شهد الله- إلا الإنكار عليه في كل منها، وأي ذي رويّة مُتجَرِّد مُتحَرِّر يطمئن إلى هذه الكثرة لا يعدلها المجموع من كل ما حدَث به الخلفاء الأربعة... وكيف تسنّى لأمّي تأخر إسلامه فَقَلَّت صحبته أن يَعِيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يعه السابقون الأولون من الخاصة وأولي القربى، ونحن حين نحكم الذوق الفنّي والمقياس العلمي نجدها لا يُقرّان كثيراً مما رواه هذا المفرط في إكثاره وعجائبه، فالسنّة أرفع من أن تحتضن أعشاباً شائكة وخز بها أبو هريرة ضمائر الأذواق الفنية، أدمى بها تفكير المقاييس العلمية أن يُشوِّه بها السنّة المُنزَّهة ويسيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأمته).
قلت: إن في كل ما صح عن أبي هريرة ليس فيه ما يَستَشِكله العقل السليم المؤمن، لكن عبد الحسين خلط بين ما تَستَحيله العقول بداهة، وما تستشكله العقول، وليس كل ما تَستَشكِلُهُ العقول هو من المستحيلات بل إن كثيراً مما كان عقول القدماء تستشكله صار من المعقولات الآن، ومن جملة ما استشكله عبد الحسين رواية أبي هريرة لحديث الذباب الذي أخرجه البخاري وغيره عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإن في إحدى جناحيه داء وفي الأخرى شفاء }.(1/25)
فقد أطال عبد الحسين الوقوف عند هذه الرواية واستغربها ثم استشكلها، كيف وهذه الذبابة التي لا تعيش إلا على الأقذار تحمل في إحدى جناحيها شفاءً، إن هذا مما تستحيله العقول، وأطال لسانه على أبي هريرة واعتبر هذه الرواية من السخافات التي تجلب لنا العار بين الأمم إلى غير ذلك من الطعون، ويأبى الله إلا أن يتم نوره فقد أثبت العلم الحديث صحة هذه الظاهرة التي استغربها عبد الحسين والذي قام بهذه الأبحاث علماء غير مسلمين، والحكمة من الغمس أن هناك حويصلات في جسم الذبابة وهي مستعمرات لأنواع من الفطريات، فعندما تتشبَع هذه الحويصلات بالماء تنفجر وتتحرر منه الفطريات التي لها خاصية مضاد حيوي لأنواع كثيرة من البكتيريا، فجاء هذا الاكتشاف العلمي تزكية لأبي هريرة من أن يطعن به طاعن.
والذي يبعث على الاستغراب أن هذه الرواية جاءت على لسان أئمة أهل البيت وفي الكتب المعتبرة لديه، ولكنه لم يأت لها بذكر رغم أن الرواية التي جاءت عَمَّن يثق به عبد الحسين يستحق الاستغراب فعلاً فقد ذكر أبو عبد الله -ع- عن رسول الله: { إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه فيه، فإن في إحدى جناحيه شفاء وفي الآخر سُمّاً، لأنه يغمس جناحه المسموم في الشراب ولا يغمس الذي فيه شفاء فأغمسوها لئلا يضرَكم }.
كان على عبد الحسين إذا كان متجرداً كما يقول ومتحرراً أن ينتقد هذه الرواية التي توحي بأن الذبابة وَكَأنّها تَكرَه البشر فتَتَعَمَّد في غمس الجناح الذي فيه السم، ولكنه حمل على أبي هريرة لروايته هذا الحديث وتهجَم على أصحاب الصحاح كيف دوّنوها في كتبهم، فهل كان عبد الحسين جاهلاً بوجود هذه الروايات في أوثق مصادره؟ فهذا من سوء الطوية وعدم التجرد أن ينقّب كتب الآخرين لإبراز عيوبه كما يظن ويجهل ما عند شيوخه، أم أنه يعلم ولكنه تجاهله، وهذا دليل على عدم صدقه، وتدليسه، وهذا ليس ديدن أهل الحق، فالحق أوضح من أن يحتاج إلى الكذب والتزوير في إظهاره.(1/26)
والذي يمعن النظر في هذه الرواية يعلم أنها مأخوذة عن أهل السنة، وأنهم أضافوا إليها إضافات كي يُمَيّزوها عن رواية أهل السنة فجاءت هذه الزيادة وكأنها لطخة سوداء في ثوب أبيض لأنه كلام مدسوس ملصق على كلام أفصح البشر محمد عليه الصلاة والسلام.
ومن جهة أخرى فقد أنكر عبد الحسين لأبي هريرة إكثاره من الروايات حتى قال: إنه أفرط حيث قال: -وأي ذي روية متجرَد متحرر يطمئن إلى هذه الكثرة- فإن أبا هريرة عاش ما يزيد عن ثلاث سنوات من عمره مُلازماً لرسول الله، ودعا له الرسول أن يبارك الله له في حفظه، ثم إنه روى ما سمعه من الصحابة أيضاً وطال عمره فنشر من الأحاديث أكثر مما رواه الخلفاء الأربعة لأن الخلفاء انشغلوا بإدارة أمور الأمة السياسية، ورغم ذلك فإن ما رواه أبو هريرة يزيد قليلاً عن أربعة آلاف حديث إذا حذفنا المكرر، وهو يعتبر مُقِلاً جداً عند رواة الشيعة، فجابر الجعفي روى مائة وأربعين ألف رواية، ومحمد بن مسلم روى ستة وأربعين ألف رواية عن الباقر والصادق، وغيرهم من المكثرين ولكن عبد الحسين لم يأت لهم بذكر، والعجيب أنه في معرض دفاعه عن أحد رواتهم وهو أبان بن تغلب قال: (فمنهم أبو سعيد أبان بن تغلب القارئ الفقيه المحدَث المفسر الأصولي اللغوي المشهور، كان من أوثق الناس لدى الأئمة الثلاثة، فروى عنهم علوماً جمة وأحاديث كثيرة، وحسبك أنه روى عن الصادق خاصة ثلاثين ألف حديث).(1/27)
إن عبد الحسين المُتحَرِّر المُتجَرِّد على حَدِّ زعمه أنكر على أبي هريرة روايته خمسة آلاف حديث واعتبره مُفرطاً وجعله سبباً لذمه، بينما اعتبر الإكثار الخارج عن المعقول والإفراط المخل بالقياسات العلمية والمخدش للأذواق الفنية، مدحاً عند جماعته، إذ اعتبر من مفاخر أبان بن تغلب أنه روى عن الصادق وحده ثلاثين ألف حديث، فكم تكون العدد إذا أضفنا إليه ما رواه عن الإمامين الآخرين الذين روى عنهما، وإذا علمنا أن أبان وجابر ومحمد بن مسلم وغيرهم من المفرطين هم من أهل الكوفة وأن أئمتهم عاشوا في المدينة المنورة وبينهما أكثر من ألف كيلو متر وكلها صحراء مقفرة في وقت كان الانتقال على الدواب يتبين مصداقية عبد الحسين وأمثاله في الحكم على الرجال وأنه لم يحكم الذوق الفني والمقياس العلمي كما قال عن نفسه؛ لأن من صفة أهل الحق، العدل والإنصاف حتى مع الأعداء. قال الله تعالى: (( وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ... ))[المائدة:8] أما الذي يخفي كَبائِرَ عُيوبِهِ ويبحث عن الأخطاء الصغيرة للآخرين، فهو لا يبحث عن الحق ولا هو مقتنع بعقيدته، فكل دين أو عقيدة تحتاج إلى الكذب والتدليس في الدفاع عنها فهي باطلة.
عن زرارة قال: سألت أبا عبد الله -ع- عن أحاديث جابر فقال: [[ ما رأيته عند أبي قط إلا مرة واحدة، وما دخل علي قط ]].
قلت: إن كلام أبي عبد الله معقول؛ لأن جابراً عاش حياته في الكوفة، والباقر والصادق كانا في المدينة المُنوّرة، فالذي يصدق أن جابراً أخذ عشر معشار هذا العدد فلا يحترم عقله.(1/28)
وهناك روايات سمجة في توثيق هذا الرجل يترفع أصحاب العقول عن تصديقها أعرضت عنها لطولها، وركاكتها وأسطوريتها، منها مثلاً ما رواه علي بن عبد الله قال: خرج جابر ذات يوم وعلى رأسه قوصرة راكباً قصبة حتى مَرّ على سكك الكوفة، فجعل الناس يقولون: جنّ جابر، جنّ جابر، فلبثنا بعد ذلك أياماً فإذا كتاب هشام قد جاء بحمله إليه قال: فسأل عنه الأمير فشهدوا عنده أنه قد اختلط وكتب بذلك إلى هشام فلم يتعرض له.
تصور هذا الرجل العظيم الوقور صاحب الإمام الذي يحمل في جوفه مائة وأربعين ألف رواية وهو راكب قصبة وعلى رأسه قوصرة يمر بأزقة الكوفة ويلعب مع الصبيان، هل أمثال هؤلاء يؤمنون على دين. علماً أنه من الذين أكثروا من روايات التحريف.
ورغم ما صدر عن هؤلاء من أضاليل وتبرؤ أهل البيت منهم، إلا أن علماء الشيعة يصرّون على توثيق هؤلاء وتكذيب أئمة أهل البيت رغم أن ذم ولعن هؤلاء الرواة جاء في أوثق مصادرهم وعلى لسان أئمتهم.
رأي علماء الشيعة في هؤلاء الرواة:
بعد أن اطلعنا على آراء أئمة أهل البيت فيمن يزعمون أنهم لهم شيعة وكيف أنهم لعنوهم وتبرّءوا منهم.
يقول ابن داود: أجمعت العصابة على أن افقه الأولين ستة وهم أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله -ع-: زرارة بن أعين، ومعروف بن خربوذ وأبو بصير ليث بن البختري، والفضيل بن يسار، ومحمد بن مسلم الطائفي، وبريد بن معاوية العجلي.
وذكر العلامة فضل الله الزنجاني في تخريجه لكتاب (أوائل المقالات) للمفيد أن زرارة بن أعين من أكابر رجال الشيعة وأجلائهم فقهاً وحديثاً.
ويقول عبد الرضا الطفيلي عن محمد بن مسلم: (وجه أصحابنا في الكوفة.. ولا إشكال ولا ريب في وثاقته).
ووثق ابن داود هشام بن الحكم وهشام بن سالم.
وعن هشام بن الحكم قال العلامة الحلي: كان ثقة في الروايات حسن التحقيق بهذا الأمر، وكان ممن فتق الكلام في الإمامة وهذَّب المذهب بالنظر وكان حاذقاً بصناعة الكلام.(1/29)
وعندما ذكر الصدوق هشام بن الحكم قال رضي الله عنه: أما هشام بن سالم فقد قالوا عنه: ثقة، ثقة.
كما أن المجلسي وثق جابر بن يزيد الجعفي.
قال ابن الغضائري: إن جابر بن يزيد الجعفي الكوفي ثقة في نفسه.
وأما أبو جعفر الأحول -صاحب الطاق- قال عنه ابن داود: هو أحد الأركان الأربعة وله في العلم والدين منزلة عالية.
وَوَثّقَ عبد الحسين المظفر جميع هؤلاء، وصحح الروايات التي وقعوا في أسانيدها.
والغريب أن علماء الشيعة يقولون: إن روايات الطعن والذم لهؤلاء الرجال قيلت تقية. قلت: لم أقرأ في التاريخ أن أحداً أهان رموزه وألبس قادته لباس الذل كما أهان الشيعة الصفويون أئمة أهل البيت بتلبيس عقيدة التقية عليهم، لأنه لا يلجأ إلى هذا الأمر إلا الخائف الذليل.
أرأيت مصلحاً في التأريخ يلعن أصحابه ويَتبَرّأ منهم ويَصِفهُم بكل نقيصة كي يُبَيَّضَ صفحاتهم عند المخالفين، إن هذا لعمر الله غاية الإهانة لهؤلاء الأطهار، إذ كيف السبيل إلى معرفة أن هذا القول قيل تقية والآخر قيل حقيقة؟ أن هي إلا إلباس الحق بالباطل، واتباع للظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً.
والذي يثير الدهشة والاستغراب حقيقة أن يدافع علماء الشيعة عن هؤلاء ولو بالكذب والتزوير، يقول عبد الحسين شرف الدين عن هشام بن الحكم: (ورماه بالتجسيم وغيره من الطامات مريدو إطفاء نور الله من مشكاته حسداً لأهل البيت وعدواناً).
قلت: إن الذي رماه بالتجسيم، هم أئمة أهل البيت، وشيوخك من الكليني إلى الصدوق وهل تقول في هؤلاء أنهم مريدو إطفاء نور الله من مشكاته؟!!
وقال أيضاً: (ولم يعثر أحد من سلفنا على شيء مما نسبه الخصم إليه، كما أننا لم نجد أثراً لشيء مما نسبوه إلى كل من زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم ومؤمن الطاق وأمثالهم مع إننا قد استفرغنا الوسع والطاقة في البحث عن ذلك وما هو إلا البغي والعدوان والإفك والبهتان).(1/30)
قلت: إن ديناً يحتاج إلى الكذب في الذبِّ عنه لهو دين باطل، وهل نحتاج إلى الكذب حتى نثبت أن الشمس تطلع نهاراً وتغيب ليلاً.
ويبقى الحكم للقارئ الكريم بعد أن اطلع على ما قاله أئمة أهل البيت عن هؤلاء وفي أوثق المصادر عند عبد الحسين، ثم يأتي هو ويقول: (وقد استفرغنا الوسع والطاقة فلم نجد شيئاً مما نسبوه إليهم) ويرمي من أراد إظهار الحقائق بالبغي والعدوان والإفك والبهتان. فإما أن هذا الرجل جاهل بمصادر مذهبه ولم يستفرغ وسعه وطاقته كما زعم، أو أنه علم بهذه الأمور وتعمد الكذب، وكلا الأمرين لا يليق بمن في منزلة عبد الحسين، ولكن الله سبحانه يريد أن يفضح تستر هؤلاء تحت ذريعة الانتصار لأهل البيت، فإن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم أجل وأكرم من أن يذب عن مذهبهم بالكذب.
والحقيقة التي لا تقبل الشك بلا مراء فيها ولا كذب أن تراث أهل البيت كله موجود عند أهل السنَة رووا عن رسول الله كما روى الصحابة، فنحن لا نفرق بينهم ونعتبر أهل البيت الذين رأوا رسول الله من أجلاء الصحابة، وأهل البيت الذين جاءوا بعدهم فهم من أجلاء التابعين، ولهم روايات كثيرة عندنا لا مبالغة فيها ولا تقتير ولا إفراط خارج المعقول ولا تفريط. فهذا علي بن أبي طالب روى عن رسول الله في مصادر أهل السنة (1598) حديثاً بالإضافة إلى مأثوراته، في حين بلغ مجموع ما رواه أبو بكر (229) حديثاً، وعمر (1158) حديثاً، وعثمان (354) حديثاً، ولعلي بن الحسين-ع- (135) رواية، ومحمد الباقر-ع- (244) رواية، وجعفر بن محمد الصادق-ع- (169) رواية.(1/31)
وبعد أن ثبت لنا أن عصمة الأئمة هي من نسج خيال واضعي عقيدة الرافضة -مع كل احترامنا وتقديرنا وإجلالنا وحفظ مكانة أهل البيت في قلوبنا- ولم يقلها أحد من أئمة أهل البيت عليهم السلام فيما صحَ عنهم من أقوال، وإن كثيراً من المتآمرين على الإسلام، والمتاجرين بالدين وضعوا روايات كثيرة نسبوها إلى أهل البيت، والكذب فيه واضح (( لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ))[ق:37] إذ كيف بهؤلاء الذين عاشوا في الكوفة، وقم وأصفهان أن يرووا عشرات الآلاف من الروايات عن أناس عاشوا في المدينة المنوّرة، كما أن أهل البيت لعنوا هؤلاء وتبرءوا منهم لما وصلت إلى أسماعهم هذه الروايات.
والنتيجة: أن أهل السنّة أخذوا عن المعصوم صاحب الرسالة رسول الله، والأصحاب الذين نقلوا عن رسول الله، قضوا حياتهم معه، فهم معه في المسجد والغزوات، في الحل والترحال لا يفارقونه إلا عندما يكون في بيوت أزواجه، وقد زكّاهم الله سبحانه في كتابه الكريم بعشرات الآيات، وبشرهم بالجنة، ورضي عنهم وعن أتباعهم، وأمر باقتفاء أثرهم, وهذا تزكية أيضاً للثقات من أتباعهم كما أن رسول الله زكّى أصحابه بعشرات الأحاديث وأنه تزوّج من بناتهم وزوّجهم بناته، وأضيفَ النسب الطاهر للصحبة الشريفة، كما أن علياً مدح إخوانه أصحاب رسول الله المهاجرين والأنصار في نهج البلاغة، فوصل آثار رسول الله إلينا منقولاً ثقة عن ثقة.(1/32)
أما الشيعة، تبيّن أنه لا عصمة لأحد بعد رسول الله، ولكن أهل البيت الذين لهم صحبة للنبي قد زكاهم الله القرآن فهم من المهاجرين، أما التابعين وأتباع التابعين منهم، فهم أجلاّءٌ، عُدولٌ وثُقات، ولكن الذين نقلوا عنهم ويزعمون أنهم لهم أصحاب الأئمة، لم تثبت صحبتهم للأئمة، إذ أنهم عاشوا بعيدين عنهم وتفصل بينهم مسافات شاسعة، يصعب تكرار وصولهم إليهم، ولم يُذكَر من أحد من أهل المدينة أنه ذَكَرَ واحداً من هؤلاء لا في معرض ذم ولا مدح بل ذُكِروا عند الطرفين في الكوفة، كما أن أهل البيت لَعَنوهم وتَبَرّءوا منهم، وهذا معناه أن أغلب هذه الروايات مكذوبة عليهم. فأي الفريقين أحق بالاتباع.
المبحث الثاني
من ظلم أهل البيت ومن قتلهم؟(1/33)
لم يناقش هذا السؤال -على حد علمي- بصورة علمية دقيقة، ولم يعرض مقروناً بالأدلة التاريخية والعقلية، بل انساق الناس وراء الدعايات الشعوبية التي أرادت إخفاء الحقائق الجلية، والمعروف عن هؤلاء اعتمادهم على الزخم الإعلامي المكثف والمتكرر يوماً بيوم ولحظة بلحظة حتى يجعلوا من دعواهم مسلمات لا يمكن المساس بها، إلى درجة أنهم يشككون بالحقائق التاريخية والمسلمات العقلية، بل وحتى بالمحكمات القرآنية –أي: الآيات ذات الدلالات القطعية- كما أنهم يبنون عقائد على متشابهات القرآن، ويقلبون الظنون إلى حقائق لا تقبل الشك، وإن كان أهل العلم والخواص يعرفون هذه الحقائق إلا أن العوام تُرِكوا على أقدارهم ينساقون وراء الأباطيل المزخرفة، فانطلت على كثير من الناس وتبَنوها جهلاً منهم وظناً أنها الحقيقة، ولولا هذا التهاون في إبراز الحقائق لم يتمكن الصفويون من مَدِّ جذورهم ويتوغلوا في عمق أراضينا الإسلامية، ونحن لا نأتي بالجواب من التخمين، ولا بآراء المؤرخين إنما نستشهد بكلام أهل البيت أنفسهم، معتمداً المصادر المعتبرة لدى الشيعة كي لا يقال: إن هذه الأحداث مزورة أو ملفقة. ولست أبرّئ قادة الجيش الفسقة الذين اشتركوا في قتل الحسين رضي الله عنه وأصحابه، ولا السلطة الظالمة الجائرة، فكل يتحمَل وزره من هذه الجريمة البشعة، ولكني أريد أن أكشف الذين حاكوا خيوط المؤامرة ودبروا الأمر بليل حتى تمت الجريمة وكانوا هم السبب الحقيقي المباشر وراء هذه الفاجعة الأليمة، وكانت الغاية إحداث بلبلة في الدولة الإسلامية لتحقيق أهداف شعوبية واستغلالها في شق صفوف المسلمين، وما زال الخيط ممتداً لغاية اليوم.(1/34)
ولقد كانت الكوفة مركز الفتن والسبب أن الكوفة بعد أن تم بناؤها تحول إليها الآلاف من حمراء الديلم الذين سكنوا تلك المنطقة قبل بناء الكوفة، وهؤلاء هم من العجم فمنهم من أسلم وحسن إسلامه وقدم للإسلام خدمات جليلة، ولكن منهم من بقي يتحسَر على ملك فارس فأظهر الإسلام وقام يحيك المؤامرات ضد الدولة الإسلامية، فاستغلَوا الحب الذي يكنّه المسلمون لأهل بيت النبي فاتخذوهم ستاراً لدعوتهم.
ودعونا نستنطق التأريخ في تفاصيل فاجعة الحسين -ع- وملابساتها قبل أن نستشهد بكلام أئمة أهل البيت، إذ أن الذين انتحلوا التشيّع هم الذين غرروا بالحسين حتى استدرجوه إلى مصرعه ثم انقلبوا عليه واشتركوا في قتله، وكانت الأدوار موزعة، فمنهم من تسلل إلى مواقع عليا في السلطة بإظهار الولاء الزائف للخليفة والولاة ليلعب دوره في وأد أي بادرة من بوادر الصلح والصفاء، ويبادر إلى إذكاء نار الفتنة وصب الزيت عليها، ومنهم من وقف موقف المعارض للسلطة والبحث عن قيادات مقبولة لإثارة الحروب والفتن. ولكن بقيت هذه الأحداث مدفونة في بطون الكتب ولم يبرز منها إلا ما يهيج العواطف ويؤجج الجرح، ويوحي للناس أن هذه هي الحقيقة المحضة، والناس ينخدعون لأن العواطف عندما تؤجج تحجب العقل عن التفكير، ولأنهم لا يسمعون الحقيقة من أهل الحق، فالحقائق مدفونة في بطون الكتب ولا يعلمها إلا الخواص الذين يستطيعون التمييز بين الغث والسمين، وهؤلاء قلة في المجتمع، ويُتعَمَّد تخدير عقول العوام بتهييج عواطفهم عن طريق تزوير الحقائق. فأردت أن أُبرِزَ ما خفي من الأمر لعل العقول تحرر من إسارها والبصائر تنزاح عنها غشاوتها.
مقتل الحسين عليه السلام:(1/35)
يقول ابن نجا الحلي: وروينا أنه بلغ موت معاوية وأن الحسين (ع) بمكة. اجتمعت الشيعة في دار سليمان بن صرد الخزاعي في الكوفة فقال لهم: إن معاوية هلك وإن الحسين قد نقض على القوم بيعته.. فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدو عدوه فاكتبوا إليه، فإن خفتم الوهن والفشل فلا تغروا الرجل بنفسه. قالوا: بل نقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه ... وخرج إليه ومعهم كتب.. من وجوه الكوفة يدعونه إلى بيعته، وخلع يزيد، وقالوا: إنا تركنا الناس قبلنا، أنفسهم منطلقة إليك وقد رجونا أن يجمعنا الله بك على الهدى فأنتم أولى بالأمر من يزيد الذي غصب الأمة فيئها ... وهذه كتب أشرافهم، والنعمان بن بشير في قصر الإمارة، ولسنا نجتمع معه في جمعة ولا جماعة، ولو بلغنا إقبالك أخرجناه حتى يلحق بالشام، وتواترت الكتب حتى تكملت عنده اثنا عشر ألف كتاب، وهو مع ذلك لا يجيبهم، ثم قدم إليه بعد ذلك هاني السبعي وسعيد بن عبد الله الحنفي بكتاب هو آخر الكتب: بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن أمير المؤمنين من شيعته وشيعة أبيه أما بعد، فإن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك، فالعجل العجل فقد اخضرت الجنات، وأينعت الثمار ... فأقدم إذا شئت، فإنما تقدم على جند مجند لك والسلام عليك. فقال لهما: من اتفق على هذا الكتاب؟ فقالا: أعيان أهل الكوفة منهم: شبث بن ربعي، ويزيد بن الحارث، وحجار بن أبجر، وعروة بن قيس ويزيد بن أديم، ومحمد بن عمير بن عطارد، وعمرو بن الحجاج، وصلّى ودعا مسلم بن عقيل وعرفه ما في نفسه وأطلعه على أمره.
ورويت أن أهل الكوفة كتبوا إليه إنّا معك مائة ألف.
وعن الشعبي قال: بايع الحسين -ع- أربعون ألفاً من أهل الكوفة على أن يحاربوا من حارب ويسالموا من سالم، فعند ذلك رد جواب كتبهم ويمنيهم بالقبول، ويعدهم بسرعة الوصول وأنه قد جاء ابن عمي مسلم بن عقيل ليعرفني ما أنتم عليه من رأي جميل، وأمَرَ مسلم بالتوجه بالكتاب إلى الكوفة.(1/36)
لما علم ابن زياد بالأمر خرج من البصرة إلى الكوفة ودخلها مساءً -متنكراً- ليستكشف الأمر فلما رأته امرأة وظنَته الحسين فصاحت: الله أكبر ابن رسول الله. فتصايح الناس وقالوا: إنّا معك أكثر من أربعين ألفاً ... وظنوا أنه الحسين، فحسر اللثام وقال: أنا عبيد الله فتساقط القوم ووطي بعضهم بعضاً.
لما جاء مسلم بن عقيل أجتمع أهل الكوفة إليه فبايعوه، فكتب مسلم إلى الحسين -ع- أما بعد! فان الرائد لا يكذب أهله، وإن جميع أهل الكوفة معك، وقد بايعني منهم ثمانية عشر ألفاً، فعجَل الإقبال حين تقرأ كتابي.
(وعلم عبيد الله بن زياد بأمر مسلم بن عقيل عن طريق عين له يدعى معقل)، وكذلك بلغ مسلماً أن أمره قد انكشف فخرج بجماعة ممن بايعه إلى حرب عبيد الله بعد أن رأى أن أكثر من بايعه من الأشراف نقضوا البيعة حتى إذا صلى المغرب وما معه إلا ثلاثون رجلاً فخرج من المسجد متوجهاً نحو أبواب كندة، وما بلغ الأبواب ومعه عشرة، فإذا خرج من الباب فليس معه إنسان، فالتفت فإذا هو لا يحس أحداً يدله على الطريق ولا يدري أين يذهب.. فعمد إلى بيت امرأة فطلب ماءً فسقته، وبعد أن شرب الماء جلس على بابها، فقالت: يا عبد الله! لا يصلح لك الجلوس على بابي قال: أنا مسلم بن عقيل، كذّبني هؤلاء القوم وغرّوني وأخرجوني.
(واختبأ عندها فلما وصل الخبر إلى عبيد الله أرسل جماعة وأتوا بمسلم بن عقيل إلى دار الإمارة) فقال له عبيد الله بن العباس وقد رآه في الطريق ورأى في وجهه الجزع: إن من يطلب ما تطلب لا يجزع. فقال: والله ما لنفسي أجزع ولكن جزعي للحسين وأهل بيته المغترَين بكتابي وقال: هذا أوان الغدر.(1/37)
ثم أقبل (مسلم) على محمد بن الأشعث فقال: يا عبد الله! ستعجز عن أماني، فهل عندك خير تستطيع أن تبعث من عندك رجلاً على لساني أن يبلغ حسيناً فإني لا أراه إلا قد خرج إليكم اليوم مقبلاً أو هو خارج غداً وأهل بيته ويقول: إن ابن عقيل بعثني إليك وهو أسير في يد القوم لا يرى أنه يمسي وهو يقول: ارجع فداك أبي وأمي بأهل بيتك، ولا يغرّك أهل الكوفة، فإنهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنّى فراقهم بالموت أو القتل، إن أهل الكوفة قد كذبوك.
نظر مسلم إلى عمر بن سعد وهو عند ابن زياد فقال: لي إليك حاجة، فبيني وبينك رحم إن عليّ ديناً فاقضها عنّي.. وابعث إلى الحسين من يردّه ويُحَذرُهُ من أهل الكوفة فإني لا أراه إلا مقبلاً.
وَرُويتُ أن الطرماح بن حكم قال: لقيت حسيناً فقلت: [[ أذكرك في نفسك لا يَغُرَّنك أهل الكوفة والله لئن دخلتها لتُقتلُنَّ ... فقال: إن بيني وبين القوم موعداً أكره أن أخلفهم ]].
وقد كتب الحسين -ع- كتاباً إلى أهل الكوفة جاء فيه [[ ... فإن كتاب مسلم جاءني يخبرني بحسن رأيكم واجتماع ملأكم على نصرتنا والطلب بحقنا ... فإني قادم إليكم في أيامي هذه ]].
لما علم الحسين -ع- مقتل مسلم قال لأصحابه: [[ فإنه قد أتانا خبر فظيع، قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة، وقد خذلنا شيعتنا فمن أحبّ منكم الانصراف فليَنصَرف غير حرج ليس عليه ذمام]].
لقد تواترت الآراء والأقوال عن كل من رأى الحسين في الطريق وعن مسلم بن عقيل، وعن الحسين بأن الشيعة هم الذين غرروا بالحسين ثم خذلوه، بل اشتركوا في قتله، فإذن لماذا البكاء وإيذاء النفس؟! قد يقول قائل: إنه الندم، ولكن الحقيقة إنها لإبقاء الفتنة قائمة، وهذا ما صرح به الخميني في كتابه كشف الأسرار حيث قال: إن المراسم الحسينية هي التي حفظت مذهبنا.(1/38)
حوار الحسين -ع- مع عمر بن سعد: وقد ندم الحسين على مقدمه إلى الكوفة، بعد أن علم بغدر شيعته له وأراد الرجوع لولا وجود المندسّين الذين أجهضوا الحل السلمي. لما جاء رسول عمر بن سعد، قرّة بن قيس الحنظلي قال له الحسين: [[ كتب إليّ أهل مصركم هذا، أن أقدم، فأمّا إذ كرهتموني فأنا أنصرف عنكم]].
ثم إن الحسين لما علم أنهم مقاتلوه، سأل عمر بن سعد المهادنة وترك القتال بواحدة من ثلاث، أن يرجع إلى موضعه الذي جاء منه أو يمضي إلى بعض الثغور ويكون كأحدهم أو يمضي إلى يزيد ويضع يده في يده فيرى فيه رأيه.
فكتب عمر بن سعد إلى عبيد الله: أما بعد! فإن الله قد أطفأ الثائرة، وجمع الكلمة، وأصلح أمر الأمة وهذا حسين قد أعطاني عهداً.. وذكر النقاط الثلاث.
ولكن المندسَين إلى صفوف السلطة من المشاغبين الذين لا يروق لهم الصلح، قضوا على هذه البادرة التي كانت تجنب الأمة هذه الكارثة وهؤلاء ينتمون إلى نفس التنظيم الذي كتب أعضاؤه إلى الحسين وبايعوه واستقدموه. فلما قرأ عبيد الله كتاب عمر بن سعد قال: هذا كتاب ناصح، مشفق على قومه، فقام إليه شمر بن ذي الجوشن. فقال: أتقبل هذا منه وقد نزل بأرضك وإلى جنبك، والله لئن رحل من بلادك ولم يضع يده في يدك ليكونن أولى بالقوة، ولتكونن أولى بالضعف والعجز، فلا تعطه هذه المنزلة فإنها من الوهن، ولكن لينزل لحكمك هو وأصحابه، فأخذ ابن زياد برأي شمر فقال الحسين-ع-: [[ لا والله لا أعطي بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد ]].
وعلم عمر بن سعد أن شمراً هو الذي حرّض ابن زياد ولهذا لما جاء شمر بكتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد يأمره فيه بقتال الحسين قال له عمر: ما لك ويلك، لا قرّب الله دارك، قبّح الله ما قدمت به عليّ، والله إني لأظنك أنك نهيته أن يقبل ما كتبت به إليه، وأفسدت علينا أمرنا قد كنّا رجونا الصلح.(1/39)
ولما انحاز الحر ابن يزيد إلى صف الحسين -ع- خاطب أهل الكوفة وقال: يا أهل الكوفة! لأُمِّكم الهَبل والعبر، أدَعَوتم هذا العبد الصالح حتى إذا أتاكم أسلمتموه، وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه، ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه، أمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه، وأحطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجه في بلاد الله العريضة، فصار كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع ضراً، وحلأتموه ونساءه وصبيته وأهله عن ماء الفرات .. بئس ما خلفتم محمداً في ذريته، لا سقاكم الله يوم الظمأ الأكبر.
وبعد أن قُتِل معظم من كان مع الحسين-ع-فلم يبق إلا النساء والأطفال، رفع الحسين يديه إلى السماء وقال: [[ اللهم إن مَتَّعتَهُم إلى حين فَفَرّقهم فرقاً، واجعلهم طرائق قِدَداً، ولا تُرضِ الولاة عنهم أبداً، فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا فقتلونا ]].
إن الحسين يبين بكلام عربي صريح وفصيح أن الشيعة الذين دعوه لينصروه هم الذين عدوا عليه وعلى أهل بيته فقتلوه.(1/40)
إن الاطلاع على هذه النصوص يظهر بوضوح إن الحسين تعرض لمؤامرة دنيئة من قبل الشيعة، وأنهم غرروا به لإيقاعه في فخ المواجهة مع السلطة حتى إذا تم لهم ما أرادوا ووصل إلى ما لا يمكن أن يتراجع عنه تَخَلّوا عنه وأسلموه إلى القتل، وهنا جاء دور المُتَسَلّلين إلى السلطة لمنع أي محاولة للصلح، والقضاء على أي بادرة انفراج لأية فتنة. وهذا ديدنهم في إيقاع الفِتَن في جسد الدولة الإسلامية، ابتداءً من فتنة مقتل عثمان مروراً بفتنة الخوارج ومقتل علي إلى جرح الحسن رضي الله عنهم أجمعين، ولعل سبب خروج كل هذه الفتن من الكوفة يخفى على الكثيرين، والعجب يزول إذا علمنا أن أغلب الذين قطنوا الكوفة هم من الفرس، وهؤلاء هم الذين عرفوا بحمراء الديلم سكنوا في هذه المنطقة، ولما نشأت الكوفة انساحوا إليها، وهؤلاء منهم من أسلم فحسن إسلامه وآخرون تظاهروا بالإسلام وأخذوا ينخرون في جسمه انتقاماً لإمبراطوريتهم التي سقطت على يد الدولة الإسلامية. ولعل المرور ولو سريعاً على بعض ما قاله أمير المؤمنين علي، وأولاده يُميطُ اللّثامَ كُلّيّاً عن حَقيقَةِ أهل الكوفة الذين انتَحَلوا التشيُّع، وأنهم هم الذين تآمروا على أهل البيت والآن يبكون عليهم ويرمون بالتهمة على الآخرين لتبقى أوار الفتن ونيران الصراعات قائمة في كيان الدولة الإسلامية، ولست أبرّئ عبيد الله الفاسق وحاشيته الفاجرة، ولا يزيد الظالم من هذه الجريمة البشعة فهم شركاء في وزرها، ولكن التخطيط والتآمر لهذه الفتنة كانت من أهل الكوفة الذين يزعمون أنهم من شيعة أهل البيت.
إن تجديد هذه الفاجعة سَنَويّاً، وبِطُقوسٍ لا يَليقُ بِعَظَمَةِ الإسلام وسُمُوِّهِ العقائدي والروحي، ولا يَليقُ بالإنسان كإنسان، غنما يراد منها إذكاء روح الفرقة بين المسلمين وتضليل العوام بالدق في ناقوس العاطفة.
رأي سيدنا علي بن أبي طالب عليه السلام في أهل الكوفة:(1/41)
إن التاريخ يُبقِي لنا دائماً شَكوى الرّعيّةِ من السلطة وما فيها من ظلم وجور، إلا عليّ فإنه كان كثيراً ما يَتَظلَّم من شيعته الذين أحاطوا به في الكوفة, حتى تمنّى فراقهم ولو بالموت.
يقول: [[ وقد أصبحت الأمم تخاف ظلم رعاتها وأصبحت أخاف ظلم رعيّتي، استنفركم للجهاد فلم تنفروا، وأسمعتكم فلم تسمعوا ... أعظكم بالموعظة البالغة فتتفرقون عنها، وأحثكم على جهاد أهل البغي فما آتي على آخر قولي حتى أراكم متفرقين أيادي سبأ.. أُقَوِّمُكم غدوة وترجعون إلى عَشيّة كظهر الحنيّة.. أيها القوم الشاهدة أبدانهم الغائبة عنهم عقولهم المختلفة أهواؤهم، المبتلى بهم أمراؤهم، صاحبكم يطيع الله وأنتم تعصونه، وصاحب أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه، لوددت والله أن معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلاً منهم، يا أهل الكوفة! منيت منكم بثلاث واثنتين صم ذوو أسماع، بكم ذوو كلام، وعمي ذوو أبصار، لا أحرار صِدقٍ عند اللقاء ولا إخوان ثقة عند البلاء، تَرِبَت أيديكم، يا أشباه الإبل! غاب عنها رعاتها، كلما جمعت من جانب تفرقت من آخر، والله كأني بكم فيما أخالكم أن لو حمس الوغى وحمي الضراب قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها ]].
ويقول مخاطباً أهل الكوفة أيضاً: [[ يا أشباه الرجال ولا رجال! حلوم الأطفال وعقول ربات الحجال، لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم، معرفة والله جَرَّت نَدَماً وأعقبت سدماً، قاتلكم الله، لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً وجَرَّعتُموني نغب التهام أنفاساً، وأفسدتم عليَ رأيي بالعصيان والخذلان حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب –إلى أن قال- ولكن لا رأي لمن لا يطاع ]].(1/42)
ويقول أيضاً مخاطباً شيعته: [[ أيها الناس المجتمعة أبدانهم المختلفة أهواؤهم -إلى أن قال- ما عزَت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم.. المغرور والله من غرَرتموه، ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب، أصبحت والله لا أصدّق قولكم، ولا أطمع في نَصركم، ولا أوعِدُ العدوَّ بكم، ما بالكم؟ ما دواؤكم؟.. أقوال بلا عمل، وغفلة من غير ورع، وطمعاً في غير حق ]].
ويقول أيضاً: [[ .. والذليل والله من نصرتموه.. وإني عالم بما يصلحكم، ويقيم أودكم ولكني لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسي، أضرَعَ -أذلَّ- الله خدودكم، وأتعس جدودكم، لا تعرفون الحق كمعرفتكم الباطل ولا تبطلون الباطل كإبطالكم الحق ]].
إن القلب ليمتلئ حزناً وأساً كلما اطلعت على معاناة علي مع شيعته، فلم يُظْلَم أمير من قبل رعيته كما ظُلِمَ أمير المؤمنين من قبل شيعته، ولم أسمع في التأريخ قائداً ذمَّ جنوده كما ذم علي أهل الكوفة بكلمات بليغة تقرعهم وتصفهم بكل نقيصة، هؤلاء هم الذين زعموا التشيع لأهل البيت، وهؤلاء هم الذين نقلوا أقوال أئمة أهل البيت وأنشأوا مذهب التشيّع، فهل هؤلاء يؤتمنون على دين، ألم يَقُل عنهم أمير المؤمنين: إنهم ليسوا أحرار صدق، ولا إخوان ثقة، ألم يقسم أمير المؤمنين: [[ أصبحت والله لا أصدّق قولكم ]]، ألم يقل عنهم: أنهم يعرفون الباطل أكثر من معرفتهم الحق، ويبطلون الحق أكثر من إبطالهم الباطل، ألم يندم على معرفتهم، كيف يؤتمن هؤلاء على دين؟ كيف يضع من يريد الوصول إلى رضوان الله يده بيد هؤلاء، فلا أخال والله أن أمثال هؤلاء إلا ويجرون أتباعهم إلى النار اللهم اشهد فإني قد بلّغت.
الحسين عليه السلام مخاطباً أهل الكوفة قال:
[[(1/43)
تباً لكم أيتها الجماعة، وترحاً وبؤساً لكم حين استصرختمونا ولهين واصرخناكم موجفين، فَشَحَدتم علينا سيفاً كان في أيدينا، وحَمَشتُم علينا ناراً اضرمناها على عدوكم وعدونا، فأصبحتم ألباً على أوليائكم ويداً على أعدائكم.. لكم الويلات إذ كرهتمونا.. ولكنكم أسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الدبى، وتَهافتُّم إليها كتهافت الفراش ثم نَقضَتُّموها سفها.. أجل والله خَذَلٌ فيكم معروف نَبَتَت عليه أُصولُكم واتَّزَرَت عليه عُروقكم، فكنتم أخبَثَ ثَمَرِ شجر للناظر وأكَلةٍ للغاصب، ألا لعنة الله على الظالمين الناكثين ]].
يا من يزعمون حب الحسين ويرون فيه العصمة ها هو ذا يقول عمن كانوا يزعمون أنهم شيعته، إنهم كرهوا أهل البيت وأنهم أسرعوا إلى بيعتهم ثم نقضوها وإن الخذلان مزروعة في عروقهم حتى أثمرت خُبثاً من شجرة خبيثة، وهؤلاء هم الذين يزعمون أنهم نقلوا أقوال أئمة أهل البيت، وهل يمكن الوثوق على نقل الدين بأناس هذا رأي الأئمة فيهم؟!!
مخاطبة السيدة فاطمة الصغرى الشيعة:(1/44)
قالت مخاطبة الشيعة: أما بعد! يا أهل الكوفة، يا أهل المكر والغدر والخيلاء، إنّا أهل بيت ابتلانا الله بكم، وابتلاكم بنا.. وفضلنا على كثير من خلقه تفضيلاً، فكذبتمونا وكفرتمونا، ورأيتم قتالنا حلالاً وأموالنا نهباً كأنّا أولاد الترك، كما قتلتم جِدَّنا بالأمس، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لِحَقدٍ مُتَقدِّم قَرَّت بذلك عيونكم، وفرحت به قلوبكم اجتِراءً منكم على الله ومكراً مَكرتُم، والله خير الماكرين، فلا تدعونكم أنفسكم إلى الجدل بما أصبتم من دمائنا، ونالت أيديكم من أموالنا.. تباً لكم، فانتظروا اللعنة والعذاب، فكأن قد حل بكم وتواترت من السماء نقمات، فيسحتكم بما كسبتم ويذيق بعضكم بأس بعض ثم تخلدون في العذاب الأليم بما ظلمتمونا، ألا لعنة الله على الظالمين، ويلكم أتدرون أية يد طاعنتنا منكم.. تبغون محاربتنا، قست قلوبكم وغلظت أكبادكم، وطبع على أفئدتكم، وختم على سمعكم وبصركم، وسول لكم الشيطان وأملى لكم، وجعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون، تباً لكم يا أهل الكوفة، كم ترات رسول الله قبلكم ودخوله بكم ثم غدرتم بأخيه علي بن أبي طالب -ع- جدي وبنيه عترة النبي الطيبين الأخيار.
وهل هناك أوضح من هذه الكلمات في أن أهل الكوفة الذين كانوا يبكون على الحسين هم الذين قتلوا أهل البيت، وغدروا بعليٍّ وبحقد متقدم، وإنهم تغمرهم الغبطة والفرح لهذه المآسي، هذه شهادات من عاصر الأحداث وعايشها وكل من قال خلاف ذلك فهو مفتر على أهل البيت.
خطبة السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب:(1/45)
لما أتى علي بن الحسين بالنسوة من كربلاء وكان مريضاً وإذا نساء أهل الكوفة ينتدبن مشققات الجيوب والرجال معهن يبكون فقال زين العابدين: [[ إن هؤلاء يبكون علينا فمن قتلنا غيرهم؟ ]] ثم أسكتت زينب الناس وقالت: يا أهل الكوفة! يا أهل الغدر والختل..هل فيكم إلا الصلف والعجب والشنف والكذب.. ألا بئس ما قدمت لكم أنفسكم إن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون، أتبكون أخي، أجل والله فابكوا .. فقد ابتليتم بعارها ومنيتم بشنارها، ولن ترحضوها أبداً وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة وسيد شباب أهل الجنة .. فتعساً تعساً ونكساً نكساً، لقد خاب السعي وبؤتم بغضب الله.
انظر إلى قول زين العابدين: [[ أهؤلاء يبكون علينا فمن قتلنا غيرهم ]] أجل من قتل أهل البيت غير أهل الكوفة الذين يزعمون أنهم لهم شيعة، ابتداءً من سيدنا علي إلى الحسن والحسين وغيرهم. وقد تضافرت شهاداتهم أن الشيعة الذين يبكون على الحسين هم أهل الختل والغدر والكذب، كما بيّنت أنهم ابتَلَوا بعار قتل أهل البيت ولن يَرحَضها (يُكفِّرها) بُكاؤكم، هذه شهادات أهل البيت أنفسهم لا يحتاج إلى توضيح أو تفسير.
رأي الإمام علي بن الحسين (زين العابدين) في الشيعة:(1/46)
قال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: [[ أيها الناس! ناشدتكم بالله هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة ثم قاتلتموه، فتباً لكم ما قدمتم لأنفسكم، بأية عين تنظرون إلى رسول الله يقول لكم: قتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي، فلستم من أمتي قال -الراوي- فارتفعت أصوات الناس بالبكاء ويدعو بعضهم بعضاً: هلكتم وما تعلمون، فقال علي بن الحسين: رحم الله امرءاً قبل نصيحتي وحفظ وصيتي في الله وفي رسوله وأهل بيته.. فقالوا بأجمعهم: نحن كلنا يا ابن رسول الله سامعون مطيعون حافظون لذمامك غير زاهدين فيك، فمرنا بأمرك رحمك الله فإنا حرب لحربك وسلم لسلمك، لنأخذن تِرتَكَ وتِرتَنا مِمَّن ظلمك وظلمنا. فقال علي بن الحسين: هيهات أيها الغدرة المكرة، حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم، أتريدون أن تأتوا إليَّ كما أتيتم إلى آبائي من قبل، كلا ورب الراقصات إلى منى، فإن الجرح لما يندمل، قتل أبي بالأمس وأهل بيته معه -إلى أن قال- ومسألتي أن لا تكونوا لنا ولا علينا ]].
يرى الإمام زين العابدين أن أهل الكوفة هم الذين كتبوا إلى الحسين وخدعوه ليوقعوه بهذه الفتنة، وكان رحمه الله ذكياً لبيباً، فلقد أراد أهل الكوفة أن يَجُرّوه إلى نفس المأزق ولكنه أبى، وانظر إلى قول الإمام: [[ بأي عين تنظرون إلى رسول الله يقول لكم: قَتَلتُم عِترَتي فَلَستُم من أمَّتي، فلستم من أمَّتي ]] هؤلاء الذين قال عنهم الامام على لسان رسول الله: لستم من أمَّتي هم الذين وضعوا عقيدة التَشَيُّع.(1/47)
والله إني لأعجَب، هل أن الأتباع المساكين الذين تُخفى عنهم الحقائق عَمداً ألَم يَطّلعوا على هذه النصوص التي لا تحتاج إلى تفسير ولا تأويل، هذه النصوص قد تواترت لفظاً ومعنىً، فمن يكون أولى بالتصديق أئمة أهل البيت وهم الذين عانوا وتجرعوا مرارة الأحداث وشاهدوها عياناً، أم نصدق من جعلوا من أهل البيت سُلَّماً لإشباع غرائزهم من الشهوات الثلاث: السلطة، والمال، والجنس.
أما آن للعقول أن تَفيقَ من سُباتِها ألَيسَ في حوار الأتباع والمَتبوعين في القرآن زَجرٌ للناس (( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ))[البقرة:166]، (( وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا ))[الأحزاب:67] إن هؤلاء الذين يزعمون النيابة عن الله لن يرفعوا من أوزار أتباعهم شيئاً (( وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ ))[إبراهيم:21]. ألا فاعتبروا يا أولي الأبصار.
رأي الإمام الحسن بن علي في الشيعة:
عن زيد بن وهب قال: لما طُعِنَ الحسن بن علي بالمدائن أتَيتُهُ وهو متوجع فقلت: ما ترى يا ابن رسول الله فإن الناس متحيرون؟ فقال: [[ أرى والله أن معاوية خير لي من هؤلاء، يزعمون أنهم لي شيعة، ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي وأخذوا مالي، والله لئن آخُذَ من معاوية عهداً أحقن به دمي واؤمن به أهلي خير من أن يقتلوني فتضيع أهل بيتي، والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلماً، والله لئن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير ]].(1/48)
انظر إلى قوله: (يزعمون أنهم لي شيعة).
اذاً: هو الزعم وليس الحقيقة، (ابتغوا قتلي) نعم ضربوه بخنجر في فَخِذِهِ وصل إلى عظمه، ويقسم أمير المؤمنين الحسن: أن معاوية خير ممن يزعمون أنهم شيعته، وتفطّن إلى مكرهم وعلم لو أنه قاتل معاوية، لأخذوا بعنقه وسلّموه إلى معاوية. وأن الحسن لم يكتف بالقول بل اتخذ خطوات عملية إذ صالح معاوية رغم أنه كان له جيش كبير ولكنه علم أن أغلبهم من المُتآمِرين المُندَسّين الحاقدين على الإسلام، غنما غايتهم بلبلة الوضع الأمني للدولة الإسلامية وإحداث الفتن فيها، فآثر سلامة الدولة على السلطة، وإن هذا والله هو غاية الإيثار فصدق فيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: { إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين عظيم }.
إني أشهد وأشهد الله أنكم بلغتم أهل البيت براءتكم من كل متقوَل عليكم، وأمرتم المسلمين باتباع الكتاب والسنة، يقول علي: [[ أما وصيتي فأن لا تشركوا بالله جل ثناؤه شيئاً، ومحمد صلى الله عليه وسلم فلا تضيعوا سنته، أقيموا هذين العمودين وخلاكم ذم ]].
ويقول أبو عبد الله: [[ قبول كل شيء مردود إلى الكتاب والسنة، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف ]].
وعن أبي عبد الله -ع-: [[ إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من نور رسول الله وإلا فالذي جاءكم به أولى به ]].
الإمام جعفر الصادق ورأيه في الشيعة:
[[ لو كان الناس كلهم لنا شيعة لكان ثلاثة أرباعهم لنا شكَاكاً والربع الآخر أحمق ]].
عن أبي الحسن -ع- قال: [[ قال أبو عبد الله -ع- ما أنزل الله آية في المنافقين إلاَ وهي فيمن ينتحل التشيَع ]].
وعنه -ع-: [[ لقد أمسينا وما أحد أعدى لنا ممن ينتحل مودّتنا ]].(1/49)
وهل بقي شك في أن الذين انتحلوا التشيّع هم أعدى أعداء أهل البيت، هم الذين قتلوهم، هم الذين ظلموهم، وهم الذين افتروا عليهم أكاذيب تعافه النفوس الأبية وتَشمَئِزّ منه الضمائر الحية، بل إن هؤلاء كانوا هم قتلة عثمان أيضاً، ثم انضمّوا إلى جيش علي، وكانوا وراء خُذلان جيشه، ليس جُبناً، وإنّما علموا أنه لو انتَصَر أمير المؤمنين، فذلك نهايتهم، وكانوا لا يَدَعون أمير المؤمنين يَتّخِذ قراراً بِمِلء إرادته، فلمّا كاد أن ينتصر جيش علي ورفع جيش معاوية المصاحف وأرادوا الصلح كان رأي أمير المؤمنين عدم إيقاف الحرب.(1/50)
قال الأشعث بن قيس: يا أمير المؤمنين! إنّا لك اليوم ما كنّا عليه أمس، وليس آخر أمرنا كأوّل ... فأجب القوم إلى كتاب الله عَزّ وجَلَّ فإنك أحقّ به منهم .. وقد كَرِهَ الناس القتال، فقال علي -ع-: هذا أمر ينظر فيه، فتنادى الناس من كل جانب الموادعة، وقد جاءه من أصحابه زهاء عشرين ألفاً .. يتقدّمهم مِسعر بن فدكي، وزيد بن حصين وعصابة من القرّاء الّذين صاروا خوارج من بعد، فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين، يا علي! أجِبِ القوم إلى كتابِ الله إذ دُعِيتَ إليه وإلا قتلناك كما قتلنا ابن عفّان، فوالله لَنَفعَلنَّها إن لم تُجِبهُم -إلى أن قالوا- فابعَث إلى الأشتر لِيأتِيَنَّك، وقد كان الأشتر أشرف على عسكر معاوية لِيَدخُله... فأرسل إليه علي -ع- يزيد بن هانئ فأتاه فأبلغه فقال الأشتر: ائتِهِ فقل له: ليس هذه بالساعة التي ينبغي لك أن تزيلني عن موقفي... فرجع يزيد إلى علي -ع- فأخبره، فما هو إلا أن انتهى إلينا حتى ارتفعت الأصوات من قبل الأشتر وظهرت دلائل الفتح والنصر ... فقال القوم: لعلي والله ما نراك إلا أمرته بالقتال، قال: أرَأيتُموني ساررت رسولي إليه، أليس إنما كَلَّمتُهُ علانية وأنتم تسمعون، قالوا: فابعَث إليه فليأتِيَنّك وإلا فوالله اعتزلناك، فقال: ويحك يا يزيد قل له: أقبل إليّ فإن الفتنة قد وقعت ... ثم قال -الأشتر- ليزيد: ويحك ألا ترى إلى الفتح ... أيَنبَغي لنا أن نَدَعَ هذا ونَنصَرف عنه، فقال له يزيد: أتُحِبُّ أنك ظَفَرت هاهنا وأن أمير المؤمنين بمكانه الذي هو فيه يفرج عنه ويُسَلّم إلى عدوِّهِ .. قال: فإنهم قد قالوا له وحلفوا عليه، لَتُرسِلَنَّ إلى الأشتر فَلَيأتيَنَّك أو لَنَقتُلنَّك بأسيافنا كما قتلنا عثمان أو لَنُسَلمنَّك إلى عدوِّك.(1/51)
ولمّا تمّ الصلح والمكاتبة ورضي به الطرفان خرج نفس الّذين طالبوه بالرضوخ للصلح، فقالوا له: كيف حَكَّمت الرجال في كتاب الله (... فما راعه إلا نداء النّاس من كل جهة ومن كل ناحية: لا حكم إلا لله، يا علي: ما لك، لا نرضى بأن يُحكَّم الرجال في دين الله، إن الله قد أمضى حكمه في معاوية وأصحابه أن يُقتَلوا أو يدخلوا تحت حكمنا عليهم، وقد كنّا زلَلنا وأخطأنا حين رَضينا بالحكمين، وقد بان لنا زَلَلَنا وخَطؤنا، فرجعنا إلى الله وتُبنا، فارجع أنت يا علي كما رَجِعنا وتب إلى الله كما تبنا وإلا بَرِئنا منك).
وقد تبيّن جليّاً أن رُؤوس الفتنة ينتمون إلى تنظيم واحد، ابتداءً من قتلة عثمان، ومروراً بقتلة علي، إلى محاولة قتل الحسن -ع- ومقتل الحسين -ع- وكل الذين قتلوا من أهل البيت، أرأيتم كيف أجبروه على الموافقة على التحكيم وهدّدوه بالقتل إن لم يوافق، فلمّا وافق، قالوا: أخطأنا بالموافقة، فإن قبلت التحكيم فأنت كافر -وحاشاه – وهؤلاء لم يكونوا عِدّة رِجال حتّى نقول: حدث مصادفة، وإنّما عدة آلاف في غضون لحظات وفي قبائل متفرِّقة ينقلبون بِأفكارِهم إلى الضِّدِّ، أليس هذا تدبير مُنَظَّم وأمرٌ دُبِّر بِلَيل؟(1/52)
وتَذَكّروا قول الحسن -ع- عندما قال: [[ والله لو قاتلت معاوية لأخَذوا بِعُنُقي حتّى يدفعوني إليه سلماً ]]، وقولهم هنا لأمير المؤمنين: (لنقتلَنّك أو لَنُسَلمنَّك إلى عَدوِّك) أليست هذه العصابة هي نفسها التي قتلت عثمان؟ (لنقتُلَنّك كما قتلنا عثمان).فيا أحبابنا ويا إخواننا شباب الشيعة، يا من ترومون اقتفاء أثر أهل البيت والاتصال بحبل إليهم، ونِعمَ ما تطلبون لأن أهل البيت ما خالفوا الكتاب والسنة، ومن اقتفى أثرهم بإخلاص سلك طريق الجنّة، ولكن هل ما أنتم عليه هو حقيقة مذهب أهل البيت ألا يستحق ذلك وقفة متأنية يخلو فيها الإنسان إلى نفسه متأمّلاً يمحّص ويفكّر ويبحث ويسأل حتى عند المخالفين لعل الحق معهم، وكتاب الله هو الميزان العدل، وهذا هو وصية أهل البيت، أعرض ما عندك على كتاب الله ما وافق فخذ وما خالف فدع، ولا أقول لك: اترك مذهبك، ولكن صحح مسيرتك واطلب الحق حيث كان، ولا تكن أسير العواطف حين تنسب الرواية لأهل البيت تأخذ بها دون تفكير في مضمونها، ومدى موافقتها للقرآن الكريم، وموافقتها أو مخالفتها للمسلّمات العقلية، والفطر السليمة، ولا نريد أن تكون أداةً بيد الشعوبيّين لمحاربة الإسلام وأنا مُحِبٌ لكم، مشفق عليكم -يشهد الله- على أن تَخلُصَ في نِيّتك في طلب الحق أينما كان، ولا تنس الدعاء في السجود أن يهديك الله إلى الطريق المستقيم.
المبحث الثالث
هل لأهل البيت دور في إرساء عقيدة التشيّع؟(1/53)
إن كل الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام بدءوا دعوتهم من بيوتهم ومع أقرب الناس إليهم لأن هذه الدعوة فيها فك الرقاب من النار، فأولى الناس بها هم الأهل والأقربون، ولهذا جاء الأمر الإلهي للرسول صلى الله عليه وسلم: (( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ))[الشعراء:214] ويقول الباري جل وعلا: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ))[التحريم:6] ولكن العقيدة الشيعية تأتي دائماً خلافاً للديانات الأخرى والأعراف، حيث يكون أهل البيت والأقارب أبعد الناس عن دعوة الأئمة وأجهلهم بها، حتى يستغرب أقرب الناس للإمام ويندهش حين يحيط علماً بهذا الأمر، فإذا كان ابن الإمام لا يعلم بدعوة أبيه فمن يعلم إذاً وما قيمة هذه الدعوة.
عن أبان قال: أخبرني الأحول إن زيد بن علي (السجاد) بن الحسين -ع- بعث إليه وهو مستخف قال: فأتيته فقال لي: [[ يا أبا جعفر! ما تقول إن طرقك طارق منا أتخرج معه؟ فقلت له: إن كان أباك أو أخاك خرجت معه، فقال لي: أريد أن أخرج أجاهد هؤلاء القوم، فاخرج معي. قال: قلت: لا ما أفعل. فقال: لي أترغب بنفسك عني. قال: قلت له: إنما هي نفس واحدة فإن كان لله في الأرض حجة فالمتخلف عنك ناج والخارج معك هالك، وإن لا تكن لله حجة فالمتخلف عنك والخارج معك سواء. قال: فقال لي: يا أبا جعفر! كنت أجلس مع أبي على الخوان فيلقمني البضعة السمينة ويبرد لي اللقمة الحارة حتى تبرد شفقة علي ولم يشفق لي حر النار، إذ أخبرك بالدين ولم يخبرني به؟ فقلت له: جعلت فداك من شفقته عليك من حر النار لم يخبرك، خاف عليك أن لا تقبله فتدخل النار، وأخبرني أنا فإن قبلت نجوت وإن لم أقبل لم يبال أن أدخل النار كما كتم يعقوب الرؤيا عن بنيه ]].(1/54)
إن أهل البيت أجل وأكرم من أن تنسب إليهم هذه العقيدة، أيعقل أن زيد ابن الإمام السجاد وأخو الإمام الباقر لم يسمع ولو مرة ما يدور في بيت أبيه وأخيه من دعوة، وهذه الدعوة ليست دعوة سياسية علمانية، أو حركة انقلابية للوضع المتردَي القائم كي يبرر إخفاءه، وإنما هي عقيدة يترتب عليها إيمان وكفر وجنة ونار، أما التبرير الذي برره الأحول في عدم إخبار الإمام هذه الدعوة لابنه لا يعدو أن يكون دجلاً لا يعبر إلا على السذج، إذ أن الجهل بالإمام ضلال في عقيدة الشيعة فعدم معرفة زيد بهذه العقيدة يجعل منه ضالاً، فعن أبي عبد الله -ع-: [[ نحن الذين فرض الله طاعتنا ولا يسع الناس إلا معرفتنا ولا يُعذَر الناس بجهالتنا، من عرفنا كان مؤمناً، ومن أنكرنا كان كافراً، ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالاً حتى يرجع إلى الهدى الذي افترضه الله عليه من طاعته الواجبة ]].
كما أن قياس هذا الأمر بكتمان رؤيا يوسف عن إخوته قياس فاسد، إذ لا اشتراك بين الأمرين في العلة ولا في النتيجة، بالإضافة إلى أن القياس عند الشيعة حرام. فالحقيقة التي لا مراء فيها ولا زيف أن أهل البيت الأطهار بريئون من هذه العقائد الدخيلة على الإسلام، وهو افتراء عليهم إنما وضعت في دهاليز التآمر على الإسلام وأهله.
إن هذا التراث المنسوب إلى أهل البيت عليهم السلام وخاصة الباقر والصادق وزين العابدين الذين تنسب إليهم أغلب الروايات حيث عاشوا في المدينة المنورة، وأن هذه الروايات جاءت على لسان أناس عاشوا في الكوفة وقم، ورووا آلاف الروايات، في حين أن أولاد وإخوة الأئمة لا نصيب لهم من هذه الروايات، فهل يعقل بعد ذلك أن يقال: إن هذا التراث هو تراث أهل البيت وأن هذه العقيدة هي عقيدة أئمة أهل البيت؟!(1/55)
هذا أولاد أمير المؤمنين علي عليه السلام: محمد بن علي المعروف بابن الحنفية، وعمر بن علي بن أبي طالب وسبعة آخرون غير الحسن والحسين ليست لهم روايات في مصادر الشيعة، وأولاد الحسن بن علي بن أبي طالب: زيد والحسن بن الحسن، وأولاد الحسين: علي الأكبر، علي الأصغر، محمد، عبد الله، وجعفر، وأولاد علي بن الحسين (زين العابدين) منهم: عبد الله والحسن وعلي وعبيد الله والحسين وعمر وهم إخوة الإمام الباقر، وكذلك أولاد الباقر، منهم عبد الله وإبراهيم وهم إخوة الإمام الصادق، وأولاد الصادق منهم: محمد وإسماعيل وإسحاق وهم إخوة الإمام الكاظم، وأولاد موسى الكاظم، إبراهيم والعباس والقاسم وإسماعيل والحسن وإسحاق وجعفر وأحمد و عبيد الله وهارون وعبد الله والحسن والفضل وسليمان وهم إخوة الإمام الرضا، وأولاد علي الرضا: الحسن وجعفر وإبراهيم وهم إخوة الإمام الجواد، وأولاد محمد الجواد: موسى بن محمد وهو أخو الإمام الهادي، وأولاد علي الهادي: وهم الحسين ومحمد وجعفر وهم إخوة الإمام الحسن العسكري، والحسن العسكري وهو الإمام الحادي عشر للشيعة مات ولم يخلف عقباً، كل هؤلاء المذكورين أعلاه عددهم ثمان وأربعون، وكل واحد منهم ابن لإمام وأخ لإمام وهم أقرب الناس إليهم يجالسونهم ويؤاكلونهم ويخالطونهم أكثر من أي شخص آخر، وهؤلاء ليست لديهم روايات في جميع مصادر الشيعة خلا علي بن جعفر روى سبعين رواية سبعة منها فقط في الأصول، وإسماعيل بن جعفر و موسى بن محمد الجواد ست روايات لكل منهما، وزيد بن علي عدة روايات، إحداها في تحريم زواج المتعة والحمر الأهلية، والأخرى في صفة الوضوء، وهذه الروايات مطابقة للسنة، ولإسحاق بن جعفر رواية واحدة، وهذا يعني أن ثلاث وأربعون من أصل ثمان وأربعون من أولاد الأئمة ليست لديهم أي دور في بناء عقيدة الشيعة.(1/56)
أيعقل أن أولاد وإخوة الأئمة الذين عاشوا معهم في بيت واحد لا يعلمون بهذه الدعوة التي يدعو إليها آباؤهم وإخوانهم، ولم ينقل عنهم روايات في بناء هذه العقيدة، ومن ثم يعلم بها أهل الكوفة وأهل قم وأصفهان؟!! إن هذا لشيء عجاب، فالحقيقة التي لا يختلف عليها اثنان أن هذا التراث المنسوب إلى أهل البيت هو افتراء عليهم وهم منه براء، وأن هذه العقيدة وهذه الروايات قد وضعت من قبل هؤلاء الرواة، وأضيفت إليها الشيء الكثير أيام الدولة الصفوية.
أرقام تنطق بالحقيقة
قد يكون عسيراً على بعض الناس إدراك الكلام الإنشائي والأدلة المنطقية، فتكون لغة الأرقام هي أقرب وسيلة لفهم المراد وإدراك الحقيقة، وهذه اللغة لا تخطئ إذا كانت المعلومات المنقولة صحيحة وصادقة.
إن مجموع الرواة الذين تناولهم النجاشي في كتابه الموسوم رجال النجاشي هو (1269) راوياً، واحد وثلاثون منهم فقط يرجع نسبهم إلى أهل البيت، وضعَف المصنف اثنان منهم وقال عن الثالث: مطعون في بعض رواياته. فبقي أقل من ثلاثين راو من أهل البيت، كما أن مجموع الرواة الذين تناولهم الحلَي في كتابه رجال العلامة في القسم الأول منه: قسم الثقات هو (1085) راوياً، وأقل من (25) فقط يرجع نسبهم إلى أهل البيت، وهؤلاء هم أنفسهم الذين ذكرهم النجاشي.
ومجموع روايات هؤلاء الرواة الثلاثون الذين يرجع نسبهم إلى أهل البيت في كتاب الكافي للكليني هو (133) رواية، ويحوي الكافي نحواً من (17000) رواية، في حين بلغ مرويات علي بن إبراهيم وحده في الكافي (4200) رواية، ومحمد بن يحيى أكثر من (3850) رواية، والحسن بن محبوب (1288) رواية، وأبو بصير (888) رواية، وزرارة بن أعين (847) رواية، ومحمد بن مسلم الطائفي الثقفي (745) رواية، وابن فضال (617) رواية وهكذا. فهل تكون مجموع مرويات أهل البيت في مصادر الشيعة كقطرة في بحر مما رواه الغرباء الأباعد الذين لعنهم أهل البيت وتَبَرَّءوا منهم.(1/57)
ومن هذه الروايات القليلة التي رواها أهل البيت سبع وثلاثون رواية فقط في الأصول وأكثر هذه الروايات جاءت عن طريق أو نسبت إلى علي بن جعفر بن محمد -أخو موسى الكاظم- حيث روى اثنتان وسبعون رواية، وأغلب هذه الروايات ساقطة معنىً، ولا يمكن أن يصدر عنهم مثل هذه الأقوال، وهذه نماذج من الروايات التي جاءت عنه في الأصول (العقائد):
عن علي بن جعفر عن أبي الحسن -ع- في قوله تعالى: (( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ))[الملك:30] قال: [[ إذا غاب عنكم إمامكم فمن يأتيكم بإمام جديد ]].
وعنه عن أخيه -ع- في قوله تعالى: (( وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ ))[الحج:45] قال: [[ البئر المعطلة، الإمام الصامت، والقصر المشيد الإمام الناطق ]].
ولا يخفى على ذي حجا لما في هذا التفسير لهذه الآيات من خروج عن الذوق العام واستخفاف بعقول من يخاطبهم فضلاً عن بعدها عن سياق اللغة العربية. ويأتي في المرتبة الثانية في عدد الروايات عبد العظيم بن عبد الله الحسني روى عشرين رواية فقط هذه بعضها:
عنه عن أبي جعفر -ع- في قوله تعالى: (( كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا ))[القمر:42] قال: [[ يعني الأوصياء كلهم ]].
وهو يروي روايات التحريف فعن عبد العظيم بن عبد الله عن أبي جعفر -ع-: [[ نزل جبرائيل -ع- بهذه الآية على محمد صلى الله عليه وسلم هكذا (فَبَدَّلَ الّذينَ ظَلَمُوا آلَ مُحَمَّد حَقَّهُم قَولاً غَيرَ الّذي قِيلَ لَهُم فَأنَزلنا عَلى الّذينَ ظَلَموا آلَ مُحَمَّد حَقَّهُم رِجزا مِنَ السَّماءِ بِما كانوا يَفسُقون ]].(1/58)
وعنه عن أبي جعفر: [[ نزل جبرائيل -ع- بهذه الآية هكذا (إنَّ الّذينَ ظَلَمُوا آلَ مُحَمَّد حَقَّهُم لَم يَكُنِ الله لِيَغفِرَ لَهُم وَلا لِيَهِدَيَهُم طَريقاً إلا طريق جهنم..) ثم قال: (يا أيُّها النّاسُ قَد جاءَكم الحَقُّ مِن رَبِّكم في وِلايَة علي فآمنوا خيراً لكم وان تكفروا بولاية علي فان لله ما في السماوات والأرض ]].
نحن لا يساورنا أدنى شك أن هذه الروايات القليلة المنسوبة إلى رواة أهل لبيت هي افتراء عليهم، والغاية منها هي إعطاء نكهة لهذه العقيدة على أنها عقيدة أهل البيت، ولكن لا يمكن لأهل البيت أن ينحدروا إلى هذا الحضيض فهم أجلَ وأصفى وأنقى من أن يصدر عنهم هذه الأفعال والمقالات.
مرتبة أهل البيت في الذيل لدى الشيعة الصفويين:
كان ينبغي أن يحوز أولاد وإخوة الأئمة المرتبة العليا والمكانة السامقة في الفقه والوثاقة، ويكونوا في مقدمة الرواة كمَّاً وكيفاً، ولكننا بعد التحقيق نتفاجأ أنهم ليسوا في الذيل فحسب، وإنَّما هم في مؤخرة الذيل، بل ولم يذكروا حتى في الذيل مع العمدة الذين عليهم المعول وإليهم المرجع. لقد ذكر ابن داود إجماع علماء الشيعة على أن هؤلاء هم عمدة الرواة عندهم وليس فيهم من يرجع نسبه إلى أهل البيت فقال عنهم: أجمعت الصحابة على ثمانية عشر رجلاً فلم يختلفوا في تعظيمهم، غير أنهم يتفاوتون، ثلاثة درج الدرجة العليا لستة منهم من أصحاب أبي جعفر -ع- أجمعت على تصديقهم وإنفاذ قولهم والانقياد لهم في الفقه وهم:
1- زرارة بن أعين.
2- معروف بن خربوذ.
3- بريد بن معاوية.
4- أبو بصير ليث بن البختري.
5- الفضيل بن يسار.
6- محمد بن مسلم الطائفي.
الدرجة الوسطى فيها ستة أجمعوا على تصحيح ما يصح عنهم، وأقرَوا لهم بالفقه وهم من أصحاب أبي عبد الله -ع-:
1-يونس بن عبد الرحمن.
2-صفوان بن يحيى بياع السابري.
3- محمد بن أبي عمير.
4- عبد الله بن مغيرة.
5- الحسن بن محبوب.
6- أحمد بن محمد بن أبي نصر.(1/59)
الدرجة الثالثة فيها ستة أجمعوا على تصديقهم وثقتهم وفضلهم وهم:
1- جميل بن دراج.
2- عبد الله بن مسكان.
3- عبد الله بن بكير.
4- حماد بن عيسى.
5- حماد بن عثمان.
وهو من الناووسية وهو ثقة رغم فساد مذهبه.
6- أبان بن عثمان.
هؤلاء ثمانية عشر رجلاً من الأوائل في ثلاث درجات ليس فيهم واحد من أهل البيت، بل هناك من هو فاسد المذهب عند الشيعة كافر، ورغم ذلك هو ثقة وفاضل وصادق، أما أولاد الأئمة وإخوانهم فليس فيهم من وصل إلى مرتبة من هو فاسد المذهب، ويكون من الثمانية عشر الأوائل، إنك قد تجد في تخريج بعض هؤلاء الذين يرجع نسبهم إلى أهل البيت يقولون عنه: ثقة، فاضل، فقيه عند تخريجه، ولكن ما قيمة هذا الكلام إذا لم يأت عنه أي رواية أو جاءت روايات معدودة في أمور فرعية، إن هذا لا يعدو أن يكون حشر أهل البيت في هذا الأمر كي تنسب إليهم هذه العقيدة، كسباً لعواطف البسطاء.
لقد انخدع الكثيرون بهذا التزوير واتبعوه ظناً منهم أنهم يتبعون أهل البيت وما علموا أن أهل البيت لم يعلموا بكثير من هذه الأقوال المنسوبة إليهم، وأن هذه الأمور نسجت خيوطها وحيكت في الدهاليز بعيداً عن أعين وأسماع الأئمة، وأن أهل البيت أنكروا وتبرّءوا ولعنوا من ادَّعى لهم ما ليس فيهم من الغلو، ولكن ضاعت أصواتهم بين تشويش المشوَشين وبين التقية التي البسوها للأئمة ظلماً، فضاعت الحقيقة بين هذا قيل تقية وذاك قيل حقيقة.
كل هذه دلائل تضافرت لتعلن ولتصيح أن كثيراً من هذا المنسوب إلى أهل البيت ليس تراثهم.
صراع بين أهل البيت على الإمامة:
إن الصفويّين بعد أن اختلقوا صراعاً وهمياً بين الصحابة وأهل البيت على السلطة، اضطروا إلى أن يختلقوا صراعاً بين أهل البيت أنفسهم، لأن كل طائفة من هؤلاء ادّعت الإمامة لواحد من أهل البيت، فقام كل فريق يضع نصوصاً يؤيد دعواه، إلا أن هذه الفرق تلاشت بعد أن انتفى الداعي لوجودها فبقيت في طيات الكتب.(1/60)
عن أبي عبيدة وزرارة جميعاً عن أبي جعفر (ع) قال: لما قتل الحسين (ع) أرسل محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين (ع) فخلا به فقال له: [[ يا ابن أخي! قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع الوصية والإمامة من بعده إلى أمير المؤمنين -ع- ثم إلى الحسن -ع- ثم إلى الحسين-ع- وقد قتل أبوك رضي الله عنه وصلى على روحه ولم يوص وأنا عمك وصنو أبيك وولادتي من علي -ع- في سني وقديمي أحق بها منك في حداثتك، فلا تنازعني في الوصية والإمامة، ولا تحاجني. فقال له علي بن الحسين –ع-: يا عم! اتق الله و لا تدَّع ما ليس لك بحق، إني أعظك أن تكون من الجاهلين، إن أبي يا عم صلوات الله عليه أوصى إليَّ قبل أن يتوجه إلى العراق، وعهد إليَّ في ذلك قبل أن يستشهد بساعة، وهذا سلاح رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي، فلا تتعرض لهذا، فإني أخاف عليك نقص العمر وتشتت الحال أن الله عز و جل جعل الوصية والإمامة في عقب الحسين -ع- فإذا أردت أن تعلم ذلك فانطلق بنا إلى الحجر الأسود حتى نتحاكم إليه و نَسألهُ عن ذلك.(1/61)
قال أبو جعفر -ع-: وكان الكلام بينهما بمكة: فانطلقا حتى أتيا الحجر الأسود. فقال علي بن الحسين لمحمد بن الحنفية: ابدأ أنت فابتهل إلى الله عز وجل، وسله أن ينطق لك الحجر. ثم سأل فابتهل محمد في الدعاء، وسأل الله ثم دعا الحجر فلم يجبه فقال علي بن الحسين (ع) يا عم لو كنت وصياً وإماماً لأجابك. قال له محمد: فادع الله أنت يا ابن أخي وسله. فدعا الله علي بن الحسين (ع) بما أراد ثم قال: أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء وميثاق الأوصياء وميثاق الناس أجمعين لما أخبرتنا من الوصي والإمام بعد الحسين بن علي (ع). قال: فتحرك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه ثم أنطقه الله عز وجل بلسان عربي مبين فقال: اللهم إن الوصية والإمامة بعد الحسين بن علي (ع) إلى علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فانصرف محمد بن علي وهو يتولى علي بن الحسين-ع- ]].
إن علياً بن الحسين كان رجلاً ورعاً تقياً حليماً ولم يكن من خلقه ان يخاطب عمه بهذه الصلافة، ولكن واضعي هذه النصوص لا يفكرون عند وضعهم لهذه الافتراءات إلا في كيفية إقناع الناس بهذه العقيدة التي وضعوها من عند أنفسهم، ولا يهمهم بعد ذلك أن يشوه سمعة أهل البيت، فإذا كان هذا أخلاق المعصوم فما بالك بغير المعصومين، ولكني أعود وأقول: إن أهل البيت براء من هذه الفرية، وهي من تلفيق أعداء الإسلام.
أولاد سيدنا الحسن حساد وطلاب دنيا في نظر الصفويين:(1/62)
عن أبي العلاء قال: سمعت أبا عبد الله -ع- يقول: [[ إن عندي الجفر الأبيض. قلت: فأي شيء فيه؟ قال: زبور داود وتوراة موسى وإنجيل عيسى وصحف إبراهيم -ع- والحلال والحرام ومصحف فاطمة ما أزعم أن فيه قرآناً وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد.. وعندي الجفر الأحمر. قلت: وأي شيء فيه؟ قال: السلاح وذلك إنما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف للقتل. قلت: أصلحك الله! أيعرف هذا بنو الحسن؟ فقال: أي والله كما يعرفون الليل أنه ليل والنهار أنه نهار، ولكنهم يحملهم الحسد وطلب الدنيا على الجحود والإنكار، ولو طلبوا الحق بالحق لكان خيراً لهم ]].
ولما قام جعفر أخو الحسن العسكري (الإمام الحادي عشر) ببيان الحقيقة ونفى أن يكون لأخيه ولد كما زعم بعض أصحاب المصالح الطامعون بالاستحواذ على خمس الشيعة إذ زعم عثمان بن سعيد العمري أن للحسن العسكري ولداً عمره أربع سنوات وأنه لم يره أحد ولا يراه أحد سواه وأنه هو الإمام وأنه دخل سرداباً ولا يتراءى لغيره، ومن له حاجة فليكتب رسالة ويعطه له وأنه يوصله إلى الإمام ويرجع لهم بالجواب، وقام يرد لهم بأجوبة يكتبها بيده ويزعم أنها بخط الإمام ويستحوذ على خمس الشيعة، ولما قام جعفر بتكذيب هذه المزاعم وأن أخاه مات عقيماً ولم يكن له خلف، قامت أبواق الإعلام الشعوبي بوصفه بأبشع الأوصاف لتُقَلِّل من قيمة هذه الحقيقة الثابتة، وَوَصَفوهُ بـ (جعفر الكذاب)، وأنه باع صبية جعفرية حرائر.
وقالوا عنه: إنه معلن الفسق، فاجر ماجن، شرّيب للخمور، أقل من رأيته من الرجال، وأهتكهم لنفسه خفيف قليل في نفسه.
إن هذا اتهام للإمام نفسه، لان جعفر أبوه إمام، وأخوه إمام، أيجوز أن يكون ذريتهم بهذه الدياثة. هل يمكن أن يكون أهل البيت بهذه الصلافة والصفاقة في تخاطبهم فيما بينهم كما تظهرهم الروايات الصفوية، ويحدث بينهم هذا الصراع على حطام الدنيا.(1/63)
إن الجهة التي اختلقت هذا الصراع بين أهل البيت هي نفسها التي اختلقت الصراع بين الصحابة وأهل البيت, ولا يهمّه بعد ذلك أن تشوّه سمعة الإسلام أو تلوّث سمعة أهل البيت, وفي الحقيقة لا وجود لأيٍّ من الصراعات وإلاّ بماذا يفسّر مختلقو هذا الصراع تزويج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وبنت فاطمة الزهراء من عمر بن الخطّاب.
المبحث الرابع
الشذوذ
لقد شذّ الشيعة في جملة من المسائل الأصولية والأخلاقية، خلافاً لكل الأديان، وحتى الأعراف الفطرية منها:
المتعة
المتعة هي فساد بمباركة أصحاب العمائم، وهي أبشع من الزنا، لأن الزنا حرام لا يقترفه إلا اللاهثون وراء الشهوة، ولا يُمارَسُ إلا سِراً، ويبقى المجتمع على نقائه رغم وجود الزنا فيه، لأن هذا العمل يمارس بعيداً عن أعين وعلم الشرفاء، فلا يجدها ولا يعلم بها إلا من يبحث عنها.
أمّا في المُجتمع الذي يُؤمِن بِِِحِلِّيَّة المِتعة فسوف يدخل هذه الفاحشة إلى كل بيت، ولا يأمن أحد على زوجته، وبناته، وأخواته من هذا الفعل الشنيع، ويسقط حد الزنا، وتكون الآيات التي تتحدث عن حد الزنا لا معنى لها، إذ حتى لو تم ضَبطُ أيُّ اثنين يُمارسان جريمة الزنا، وإن شَهدَ عَليهما عشرة، فسوف يَدَّعِيان أنهما يمارسان المتعة وينجوان من حَدِّ الزنا.
إن مجتمعاً هذا حاله سوف يعيش فوضىً جنسية لا مثيل لها حتى في الغرب لأن هذه الفوضى بمباركة الدين، بل إن هذا الدين يُشجِّع هذا العمل ويعتبر إتيان الفاحشة عبادة، وتركها منقصة في الدين وندامة يوم القيامة.
عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله -ع-: [[ يُستَحَبُّ للرجل أن يتزوج المتعة، وما أحب للرجل مِنكُم أن يخرج من الدنيا حتى يتزوج المتعة ولو مرة ]].
كيف يكون وضع أمة لو تمتع كل رجل في حياته مرة أو أكثر، مقابل ذلك تحتاج نصف النساء في المجتمع على الأقل أن يتمتعن. أي مجتمع فاضل هذا المجتمع؟!(1/64)
عن أبي عبد الله -ع-: [[ ما من رجل تمتع ثم اغتسل إلا خلق الله من كل قطرة تقطر منه سبعين ملكاً، يستغفرون له إلى يوم القيامة، ويلعنون مجتنبيها إلى أن تقوم الساعة ]].
إن الذي يؤمن بهذه الرواية يفضل المتعة على الزواج لأنه ليس في الزواج هذه الفضيلة والمبتعد عنها ملعون.
بفساد المرأة يفسد المجتمع، ولكن كيف السبيل إلى إفسادها في المجتمع الإسلامي؟!
إن النفوس جُبِلَت على الانفلات من القيود وإتيان الشهوات، ولكن مخافة الله سبحانه وابتغاء الثواب والرغبة في الجنّة، وبعض الأعراف والعادات، تُلجِم النفس من الانفلات، وتُقيِّد الإنسان من الانجرار وراء الشهوات، أمّا إذا كان في هذا الانفلات والانجرار وراء الشهوات أجراً وثواباً أُُخروياً فسينفتح باب الانحراف على مصراعيه، ومن هذا الباب سَوَّلَ الشيطان لِجَرِّ نساء من ينتسبون إلى التَّشيُّع على الانحراف تحت مباركة الدين المنسوب إلى أهل البيت.
عن الباقر -ع- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { لمَا أسري بي إلى السّماء لحقني جبرائيل فقال: يا محمد! إن الله عزّ وجلّ يقول: إني قد غَفَرتُ للمتمتعين من النساء }.
إن الأثر المدمّر لهذه الرواية أكثر من كل ما يقوم به أعداء الإسلام في محاولة جر المرأة للانفلات، لأن هذه الدعوة بمباركة الدين بل ولها أجر أُخرَوي.
إن الدّين هو الدّافِعُ القوي ورُبَّما الوحيد للعفة، فإذا كان هذا الدين يُشجّع على الانفلات فكيف تُحافظ المرأة على عِفّتِها؟!
عن أبي عبد الله -ع-: [[ تزوّج منهن ما شاء بغير وَليٍّ ولا شُهودٍ، وتَزَوَّج مِنهُنَّ ألفاً ]].
فوضى وانفلات لا يحدّه حدود ولا يُقيّده قيود، إباحية مباركة معلّمة بالعمائم!!
امتحان، امتحان!!!
عن ابن يعفور قال: [[ سألت أبا عبد الله -ع- عن المرأة ولا أدري ما حالها، أيتزوّجها الرجل متعة؟ قال: يتعرّض لها فإن أجابته إلى الفجور فلا يفعل ]].(1/65)
تصور رجلاً وقوراً تقياً يختلي بامرأة أجنبية، فيراودها عن نفسها ويداعبها كي يعرف أهي شريفة ترفضه أم فاجرة تستجيب له، فكيف يستطيع هذا الرجل أن يلجم نفسه من الوقوع في الفاحشة إذا طاوعته هذه الفاجرة بعد طول تعرض لصعوبة الامتحان، وماذا إذا رآه الناس وهو يتعرّض لها أيقول: نحن في امتحان البكالوريا؟!! إني أبرأ إلى الله من هذا الدين وأبرّيّ أهل البيت الأطهار منها، ولا بد لكل غيور عندما يعلم بهذه السفاسف أن يرفضها ويرفض مروَجيها.
شروط المتعة:
شرطين فقط: أجل مسمى وأجر مسمى، وأقل ما يجزئ كف من دقيق أو تمر، وعدتها حيضة، والأجل يجوز فيه العرد –الجماع- والعردين واليوم واليومين فما فوق، وقال أبو بصير: لا بأس أن تزيدك وتزيدها.
إنها مزايدات في سوق الشرف، كيف يكون الزنا إذاً؟
المال هو الأهم:
عن أبي عبد الله -ع- قال: [[ إذا بقي عليه شيء من المهر، وعلم أن لها زوجاً، فما أخذته فلها بما استحل من فرجها، ويحبس عنها ما بقي عنده ]].
التمتع بالمتزوّجة لا يهم، وخيانتها لزوجها لا تهم أيضاً، ولكن المهم أن يحاسبها كم تجامعا وكم بقي له من المبلغ عندها. أهكذا هانت الأعراض واستحلت الفروج بأبخس الأثمان وأصبح الإمام لا يغار على دين الله وخيانة هذه الزوجة لزوجها، ولكنه يهتم كيف يحاسبها على المال الباقي، إن أهل البيت براء من دين لا يغار على أعراض معتنقيه.
توسيع الأبواب أمام الانفلات لئلا يبقى عفيف أو تبقى شريفة في المجتمع:
عن أبان قال: قلت لأبى عبد الله -ع-: [[ إني أكون في بعض الطرقات فأرى المرأة الحسناء ولا آمن أن تكون ذات بعل أو من العواهر قال: ليس هذا عليك، إنما عليك أن تصدقها في نفسها ]].(1/66)
أين غَضُّ البصر، أين الورع، أين التقوى، وكيف تأمن المرأة الشريفة على نفسها في مجتمع إذا كان أخيارها من أصحاب الأئمة لا تعجبهم امرأة إلا ويتمتعون بها أكان لها بعل أم لم يكن، أو كانت عاهرة أم لا، المهم أها حسناء؟! فهي صادقة، مُصَدّقة، وصِدّيقَة ما دام الأمر يتعلَق بِهَتكِ الأعراض ففيها تساهل كي يتمكن هؤلاء الأتقياء من إشباع شهواتهم.
إن القضايا البسيطة تحتاج إلى شاهدين لإثباتها، ولكن تهتك الأعراض وتستحل الفروج بكل سهولة، وإذا تبين بعد ذلك أنها متزوجة فلا إشكال، فالأمر هيِّنٌ بسيط، سَيَستقطِع جزءاً من أجرها وتنتهي المُشكِلة، أمّا أن تَخون هذه المرأة زوجها، فالأمر لا يهم الراوي ولا المرويُّ عنه، أين الغيورون؟ أين الشرفاء من مُحِبّي أهل البيت؟ أنقذوا أخواتكم، وزوجاتكم، وبناتكم، فلن تنجو واحدة منهن إن انتشرت هذه العقيدة في المجتمع.
حتى الطفلة البكر البريئة لم تنج من المؤامرة:
عن أبي عبد الله -ع-: [[ لا بأس بأن يتمتع بالبكر ما لم يفض إليها مخافة العيب على أهلها ]].
وعنه: [[ لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت من غير إذنِ أبيها ]].
فَلتقُر عيون الآباء ولِيَناموا مِلءَ جُفونِهم، لأن أعراضهم مصونة، وإن حدث وسلَمت نفسها لأحد فإن بكارتها في أمان، وهي مأجورة، وهذا الأجر يصل لوالديها أيضاً، إنها صدقة جارية، لأن الملائكة يستغفرون لهم إلى يوم القيامة.
وعن محمد بن مسلم قال: [[ سألته -ع- عن الجارية يتمتع بها الرجل قال: نعم إلا أن تكون صَبِيَّة تُخدَع قلت: وكم الحد الذي إذا بلغته لم تخدع؟ قال: عشر سنين ]].
وسُئل أبو عبد الله -ع-: [[ الجارية ابنة كم لا تستصبى ابنة ست أو سبع؟ قال: لا ابنة تسع لا تُستَصبى ]].(1/67)
يا شرفاء الدنيا تَخَيَّلوا فتاةً في عمر الزهور في ربيعها التاسع تذهب إلى بيت الجار ويستلمها ابن الجار (ابتغاءً للثواب) ويفعل بها كل شيء إلا فض بكارتها، وثانية عند جارها الآخر وثالثة مع ابن عَمِّها وأخرى مع ابن خالها، وتَكبُرُ على هذه الحالة إلى أن تصل إلى سِنِّ الزواج وتذهب إلى بيت العريس (عفيفة!! شريفة، تغمرها الحياء والخجل!!). كيف تتربى بنات المجتمع الشيعي لو تمكن الصفويّون من زرع هذه الأفكار في المجتمع؟
إعارة الفروج:
عن محمد بن مسلم قلت لأبي جعفر -ع-: [[ عن رجل يُحِلُّ لأخيه فرج جاريته؟ قال: نعم لا بأس بها له ما أحلَ منها ]].
وعن محمد بن مضارب قال: قال لي أبو عبد الله -ع-: [[ يا محمد! خذ هذه الجارية تخدمك وتصيب منها فإذا خرجت فارددها إلينا ]].
إن الفوضى الجنسية التي يدعو إليها أقطاب رواة الشيعة باسم أهل البيت لا مثيل لها في الدنيا، فالرجل كلما أراد أن يكرم صديقاً له أو ضيفاً نزل عنده يهدي إليه جاريته كما يهدي قطعة من حلوى فتبقى هذه المسكينة تنتقل بين أحضان الرجال أليست هذه دياثة؟!!.
غصب زوجة العبد:
عن أبي عبد الله -ع-: [[ إذا زوج الرجل عبده أمته ثم اشتهاها قال له: اعتزلها فإذا طمَثَت وَطِئها ثم يَرُدَّها عليه إذا شاء ]].
كل الأديان حتى الوثنية منها ترفض هذه الشناعة، وتَشمَئِزُّ منها النفوس الأبية، وحتى الغرب بما فيه من إباحية وانحلال لم يصل إلى هذا الدرك. والغريب أن هؤلاء الأصحاب (الأتقياء الأنقياء) لا تنتهي رغباتهم عند حد، فكل ما تشتهيه أنفسهم فلا بُدَّ أن يأتوها ثم يُلَفِّقون لها رواية ينسبونها للأئمة، والمشكلة الكبرى إن كل هذه الدياثة تُرَوَّج باسم أهل البيت.
وفي سبق حضاري قبل الغرب بمئات السنين، عن علي بن جعفر قال: [[ سألت أبا الحسن -ع- عن الرجل يُقَبِّل قُبُلَ المرأة قال: لا بأس ]].(1/68)
ومسك الختام في المتعة أنقل هذه الرواية الطريفة الشيّقة مثالاً لما يراد جرّ المجتمع الشيعي إليه.
عن محمد بن مسلم (بطل روايات الشذوذ) قال: [[ دخلت على أبي عبد الله -ع- وعنده أبو حنيفة فقلت له: رأيت رؤيا عجيبة. فقال: هاتها فإن العالم بها جالس وأومأ إلى أبي حنيفة فقلت: رأيت كأني دخلت على داري وإذا أهلي قد خرجت عليّ فكسّرت جوزاً كثيراً ونثرته عليّ، فتعجّبت من هذه الرؤيا، فقال أبو حنيفة: أنت رجل تخاصم وتجادل لئاماً في مواريث أهلك، فبعد نصب شديد تنال حاجتك منها، فقال أبو عبد الله -ع-: أصبت والله يا أبا حنيفة. قال: ثم خرج أبو حنيفة فقلت: إني كرهت تعبير هذا الناصب. فقال: يا ابن مسلم! لا يسوءك الله فما يوطئ تَعبيرُهُم تَعبيرُنا ولا تَعبيرُنا تَعبيرُهُم، وليس التعبير كما عَبَّره. قال: قلت: جعلت فداك فقولك: أصبت وتحلف عليه وهو مخطئ؟! قال: نعم، حلفت عليه أنه أصاب الخطأ. قال: فقلت له: وما تأويلها؟ قال: يا ابن مسلم إنك تتمتع بامرأة، فتعلم بها أهلك، فتمزّق عليك ثياباً جدداً، فإن القشر كسوة اللب، قال ابن مسلم: فوالله ما كان بين تعبيره وتصحيح الرؤيا إلا صبيحة الجمعة. فلما كان غداة الجمعة إذ أنا جالس بالباب إذ مرّت بي جارية فأعجبتني، فأمرت غلامي فردّها ثم أدخلها داري، فتمتعت بها فأحسّت بي وبها أهلي، فدخلت علينا البيت فبادرت الجارية نحو الباب وبقيت أنا فمزّقت عليّ ثياباً جدداً!! ]].
أهذا هو حال جعفر الصادق -ع- يختلق الكذب ويحلف عليه ببساطة، وبعد لحظات حين يخرج أبو حنيفة يرجع عن رأيه، أهذا هو حال الكرام، أم هو حال الأذِلاّء، فالحلف مكروه في الصدق فكيف بالكذب، والصادق منه بريء براءة الذئب من دم يوسف -ع-.(1/69)
إن المجتمع الغربي رغم انحطاطه إلى الحضيض ولكنه لم يصل إلى هذا الدرك، فمجرد إعجاب رواة الشيعة بأي امرأة فلا بد أن يتمتعوا بها، ومحمد بن مسلم واحد من الستة الأوائل من أصحاب الأئمة، وهو من (الأتقياء الأولياء)، فإذا كان أمثاله لا يغُضُّ بصره ولا يستطيع إلجام شهوته، وعندما يرى امرأة حسناء فلن تفلت من يده ولا يهم إن كانت ذات بعل أو من العاهرات، ويرسل غلامه خلفها فيأتي بها ويُدخِلها الدار ببساطة وكأنها في مجتمعٍ لا قِيَمَ فيها ولا أخلاق، فإذا كان هذا حال أتقيائهم فما بالك بالعوام إذاً.
ولا شك أن كل هذه الترّهات مكذوبة على أهل البيت الأطهار.
تزوج المرأة حسب مواصفات جسمية عند الإمام وليس على الدّين:
عن أبي الحسن -ع-: [[ من سعادة الرجل أن يكشف الثوب عن امرأة بيضاء ]].
وعن أمير المؤمنين-ع-: [[ تزوجوا سمراء، عيناء، عجزاء، مربوعة فإن كرهتها فعلي مهرها ]].
وعن أحمد بن محمد قال: [[ إن نَكحتَ فانكَح عجزاء ]].
وعن أبي عبد الله -ع-: [[ إني جربت جواري بيضاء وأدماء فكان بينهن بون ]].
ولكن الإمام نسي أن يخبرنا أيُّهُنَّ أطيب! وكأن الإمام لا همّ له إلاّ الجنس، وإنهم يصفون تجاربهم الثريّة في هذا المضمار، حاشاكم يا أهل البيت من هذه التهم.
نوادر:
عن أبي عبد الله -ع-: [[ إن المرأة الحسناء تقطع البلغم ]].
وعن زرارة عن أبي عبد الله -ع- في تزويج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب من عمر بن الخطاب قال: [[ ذلك فرج غصبناه ]].
وهذا معناه أن عمر اغتصب أم كلثوم بنت علي، أهناك أحد في التأريخ أهان أهل البيت مثل زرارة وابن مسلم والهشامان؟ أما كان الأئمة مُحقِّين في لَعنِهِم. أين شجاعة علي، وأين غيرته على عرضه؟
إن علياً وأهل بيته بريئون من هذه التهم التي ينسبها إليهم هؤلاء الأفاكين.
وعن أبي عبد الله –ع-: [[ ... لا تنكحوا من الأكراد أحداً فإنهم جنس من الجن كشف عنهم الغطاء ]].
اختبار مبتكر:(1/70)
عن عمار بن موسى قال: [[ سألت أبا عبد الله -ع-: عن الرجل يحل له أن يتزوّج امرأة كان يفجر بها؟ فقال: إن آنس منها رشداً فنعم وإلاّ فَليُراوِدها على الحرام، فإن تابَعَتهُ فهي له حرام، وإن أبت فليتزوجها ]].
كم هتكت من أعراض، وكم استحلت من فروج، وكم أفسدت من حرائر، وانتهكت حرمات البيوت، وهتكت أستارها، بل وكم أفسدت من بنات أطفال صغار كلها باسم أهل البيت الأبرياء من هذه الخزعبلات.
إن الذي يفتي هذه الفتوى لا علاقة له بالإسلام، وإن هذه الفتوى لا يمتُّ إلى أهل البيت بصلة، أيُعقل أن يفتي الإمام أن يدخل الرجل على المرأة ويغلق عليها الباب ليراودها عن نفسها حتى يعلم أنها فاجرة أم عفيفة، وقد كان يفجر بها من قبل، ماذا لو دخل ابنها عليهما وهو يتعرّض لها، أيَعتَذِر ويغلق الباب ويقول: أكمِلا امتحانكما؟!!
تحريف القرآن:
إن من أبشع الجرائم التي حدثت في التأريخ الإسلامي في معرض التشكيك بالإسلام ومصادره هو الطعن في كتاب الله سبحانه وتعالى وادِّعاء أن هذا القرآن محرّف، والأغرب من ذلك كُله أن تُنسَبَ هذه المزاعم الباطلة إلى أهل البيت الأطهار، وماذا يبقى من دين أهل البيت إذا كان القرآن مُحَرَّفاً.؟! وجاءت هذه المزاعم على خلفية العقائد والبدع التي أدخلها الشعوبيون على الدين الإسلامي ونسبوها إلى أهل البيت، ولما كان القرآن خير شاهد على بطلان هذه المزاعم قاموا بارتكاب جريمتهم الكبرى وهي الطعن في كتاب الله جل وعلا، هذا القرآن الذي تولّى الله سبحانه حفظه (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ))[الحجر:9].
إن أهل البيت أجل وأكرم من أن ينحدروا إلى هذا الحضيض فهم بريئين من هذه الخطيئة، لقد وضعها الأفاكون أمثال زرارة، وجابر، ومحمد بن مسلم وغيرهم الملعونين على لسان الأئمة ونسبوها إلى هؤلاء الكرام.(1/71)
عن محمد بن إبراهيم قال: [[ سمعت جعفر بن محمد -ع- كان يقرأ إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم، وآل عمران وآل محمد على العالمين، قال: هكذا أُنزِلَت ]].
عن أبي جعفر وأبي عبد الله -ع-: [[ في قوله تعالى: (إن أتَّبِعُ إلا ما يُوحى إليّ في علي هكذا أُنزِلَت) ]].
عن أبي جعفر -ع-: [[ في قوله تعالى: (إنما توعدون لصادق في عليّ) هكذا أُنزِلَت ]].
عن أبي جعفر-ع-: [[ (فأبى أكثر الناس إلا كفوراً بولاية علي) قال: هكذا أنزلت ]].
عن الصادق ع: [[ (من يطع الله ورسوله في ولاية علي والأئمة من بعده) هكذا أُنزِلَت ]].
عن أبي بصير عن أبي عبد الله -ع-: [[ (فستعلمون من هو في ضلال مبين يا معشر المكذّبين حين أتاكم رسالة ربّي في علي والأئمة من بعده) هكذا أنزلت ]].
إن الذي يروي هذه الروايات لا عقل له ولا دين ولا هو عربي فصيح، لأن هذه العبارات تأتي ركيكة بين كلمات القرآن البليغة، ويبدو كالدّغل بين حَبَّات القمح الذَّهبية فيميّزه الأمي والمتعلم.
عن أبي عبد الله ع: [[ (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين بولاية علي ليس له دافع) ثم قال: هكذا والله نزل بها جبرائيل على محمد ص ]].
عن جابر الجعفي عن أبي جعفر -ع- قال: [[ هكذا نزلت هذه الآية (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به في علي لكان خيراً لهم) ]].
عن أبي عبد الله -ع- قال: [[ (كنتم خير أئمة -أمة- أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) ]].
علماء الشيعة والقول بالتحريف:
وروايات التحريف جاءت على لسان كل علماء الشيعة ما عدا الشريف المرتضى.(1/72)
يقول شيخ الشيعة محمد باقر المجلسي (ت 1110هـ) جامع أكبر أصل من الأصول الثمانية عند الشيعة، وقد أورد المئات من روايات التحريف في كُتُبِهِ: (لا يخفى أن خبر تحريف القرآن وكثيراً من الأخبار الصحيحة، صريحة في نقص القرآن وتغييرِهِ وأن الأخبار في هذا الباب متواترة، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً بل إن الأخبار في تحريف القرآن لا تقصر عن أخبار الإمامة).
محمد بن مرتضى الفيض الكاشاني صاحب الوافي وتفسير الصافي (ت 1091هـ) يقول: (المستفاد من الروايات عن طريق أهل البيت أن القرآن الذي بين أظهُرِنا ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، بل هو خلاف ما أنزل الله ومنه ما هو مُغَيَّر ومُحَرَّف وأنّه قد حُذِف منه أشياء كثيرة، منها اسم علي في كثير من المواضع، ومنها آل محمد غير مرّة ومنها أسماء المنافقين من مواضعها وأنّه أيضاً ليس على الترتيب المرضي عند الله ورسوله).
حسين محمد تقي النوري الطبرسي (ت: 1320هـ) صاحب الكتاب المهم مستدرك الوسائل وهو من ثقات وأعلام الشيعة قال عنه محقّقو الشيعة: (الشيخ الأجل ثقة الإسلام والمسلمين، مروّج علوم الأنبياء والمرسلين والأئمة الطاهرين -ع- الثقة الجليل العالم الكامل، النبيل المتبحّر الخبير، المحدّث الناقد البصير، المدقق المنقّب، ناشر الآثار، صاحب التصانيف الكثيرة والمؤلفات الشهيرة والعلوم الغزيرة، الباهر بالرواية .. وهو أشهر من أن يُذكر..). ولمكانته العالية والرفيعة وإنجازه الباهر في تحريف القرآن، فقد دفن في الإيوان الثالث من صحن الإمام علي -ع- من باب القبلة.
هذا الرجل ألّف كتاب (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب)، جمع فيه ألفي رواية في إثبات تحريف القرآن حسب زعمه، ونقل أقوال علمائهم الذين قالوا بالتحريف، فلم ينجُ منهم غير الشريف المرتضى.(1/73)
الشيخ المفيد (ت: 413هـ) قال عنه النجاشي: (شيخ العلماء وأستاذهم، فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية والثقة والعلم) وسمّاه الإمام الغائب بالمفيد والولي الرشيد.
قال المفيد: (اتفقوا الإمامية على أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنّة النبي صلى الله عليه وسلم وأجمعت المعتزلة والخوارج والزيدية والمرجئة وأصحاب الحديث على خلاف الإمامية) وقال أيضاً: (إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وسلم من اختلاف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان).
نعمة الله الجزائري وهو من أكابر علماء الشيعة، هذا الرجل فوق أن كتابه الأنوار النعمانية مملوء بروايات التحريف، وهو يصرّح بذلك، فهو يستهزئ بالقرآن أيضاً، ويصف حوار عملية لواط بين رجل وغلام بآيات القرآن الكريم أتَرَفَّع عن ذكرها تقديساً لكتاب الله.
العلامة المعاصر أبو القاسم الخوئي: إن القول بتحريف القرآن ليست عقيدة القدماء فقط، وإنما هي عقيدة المعاصرين أيضاً، منهم الخوئي، حيث يقول: (إن كثرة الروايات -على وقوع التحريف في القرآن- تورث القطع بصدور بعضها عن المعصومين ولا أقلّ من الاطمئنان بذلك ومنها ما روي بطريق معتبر)، ويقول أيضاً: (إن هناك مصحفاً آخر عند الإمام علي -ع- يختلف عن القرآن الموجود في ترتيب السور، وفي اشتماله على زيادات ليست موجودة في القرآن الّذي بين أيدينا.
ثم يقول: إن تلك الزيادات كانت تفسيراً بعنوان التأويل أو بعنوان التنزيل من الله شرحاً للمراد). كما قام الخوئي بتوثيق والثناء على القائلين بالتحريف، انظر معجم رجال الحديث للخوئي.
ومن المعاصرين عبد الحسين الأميني النجفي يقول وهو يتحدث عن أبي بكر: (سل عنها –أي: صفة أبي بكر- أمير المؤمنين وهو الصديق الأكبر يوم قادوه كما يقاد الجمل.. إلى بيعة عمّت شؤمها الإسلام وحرفت القرآن وبدّلت الأحكام).(1/74)
محمد حسين الطابطبائي يقول: (المراد في كثير من روايات التحريف قولهم –ع- كذا أنزل هو التفسير بحسب التنزيل مقابل البطن والتأويل).
ومن الذين قالوا بتحريف القرآن بتوثيقهم دعاء صنمي قريش وهذا الدعاء: (..والعن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيهما وإفكيهما وابنتيهما الذين خالفا أمرك وأنكرا وَصِيّك وعَصَيا رسولك وقلّبا دينك وحرّفا كتابك... اللهم العنهما بكل آية حرّفوها).
وهم: السيد محسن الحكيم، أبو القاسم الخوئي، الخميني، السيد محمود الحسيني الشاهدوري، السيد محمد كاظم شريعتمداري، العلامة السيد علي تقي التقوي، العلامة اغا بزرك الطهراني حيث يقول: (إن علماء طائفتنا اهتمّوا بهذا الدعاء حتى أن شروحه بلغت العشرات).
وهناك العشرات من القائلين بالتحريف، فقد ترجم الإمام المجدد الشهيد السيد محمد اسكندر الياسري لأكثر من خمسين من القدماء والمعاصرين من علماء الشيعة في كتابه القرآن وعلماء أصول ومراجع الشيعة، والشهيد من خرّيجي الحوزة في النجف، وعندما اطلع على هذه الطعون في كتبهم جمعها في كتابه المذكور وقام يدعو للتصحيح فاغتالته يد الغدر من الذين لا يريدون للحقائق أن تذكر، تقبله الله في الشهداء.(1/75)
وهناك المئات من هذه الروايات والأقوال التي تطعن في كتاب الله منتشرة في كتبهم، وكأنهم من ملة أخرى غير ملة الإسلام يحاولون صد الناس عن الإسلام، وماذا يبقى للمسلم من إسلامه وهو يطعن في كتاب الله، بل هل تبقى للإسلام قيمة إذا كان القرآن محرّفاً عند ذلك يتساوى مع اليهود والنصارى وهذا مرادهم، أيجوز لعاقل إن يصدّق أن هذه الروايات صدرت عن أهل البيت؟! وهل يمكن أن يقال عن مروّجي هذه الروايات: إنهم من محبّي أهل البيت؟!! أم إنهم من المتسترين وراء لافتة أهل البيت للتآمر على الإسلام وأهله، ولأكل أموال الناس بالباطل تحت ذريعة الخمس، لأن الطعن في كتاب الله هو طعن في الإسلام وفي كونه أحقّ الأديان بالاتّباع، وكذلك هو طعن في أهل البيت -ع- لأن القرآن إذا كان محرّفاً فلماذا لم يظهره علي أيّام خلافته، فكان هذا من أوجب الواجبات له، فإذ لم يفعل فقد قصّر في أفرض واجباته -وحاشاه أن يتهاون في أمور أقلّ من ذلك بكثير- وكذلك أحفاده والأئمة من بعده عجزوا عن إرجاع النّاس إلى القرآن الصحيح طيلة ثلاثة قرون، بل ولم يتمكّنوا من ترك بعض النسخ من القرآن الصحيح حسب –زعمهم- في أيدي شيعتهم ليقوموا بنشرها ولو بين شيعتهم، أيُعقَل أن يكون علي والأئمة من بعده عَجِزوا عن ذلك؟! أم أن كل هذه الأقاويل مفتراة على أهل البيت وضعها أصحاب المصالح وانخدع بها الملايين وأنا أدعو إخواني الشيعة أن يعيدوا النظر في هذه العقيدة وأن يطّلعوا على الأصول وأمّهات المصادر ثم أن يَزنوا كل ذلك بميزان القرآن.
التَقيّة: (الكذب، ولكن بعبارة مهذّبة)
إن المسلم حيال الأزمات والابتلاءات من قبل الكفار بين خيارين: خيار الصبر والثبات وهو الأصل والممدوح في المؤمن وهو موقف أولو العزم والأقوياء الأشدّاء من المسلمين، والخيار الآخر هو أن يخضع للإكراه وهو استثناء وبشروط.(1/76)
منها أن يكون المكره قادراً متمكناً من إيقاع ما هدد به، وأن يكون التهديد بإتلاف النفس أو عضو من أعضائه والضرب والحبس عند البعض، وأن يكون التهديد حقيقياً ويتوقع وقوعه بالظن الراجح، حينها يجوز له أن يجيبهم على ما اُكره عليه إلى أن ينجو منهم، ولا يجوز له أن يقتل غيره أو أن يزني تحت الإكراه، كما لا تجوز التقية في الفتوى وفي تبليغ دعوة الإسلام.
واستقراء حياة الأنبياء عليهم السلام، أنهم عملوا بالأصل وهو المواجهة، والصبر، والثبات، ولا وجود للاستثناءات عندهم، وفي سيرة إمام الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم جاءه الأمر الإلهي: (( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ))[الحجر:94]، (( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ))[الشعراء:214] وما زال الإسلام ضعيفاً، واستجاب له من استجاب من السادة والعبيد، ومن الأقوياء والضعفاء، وأوذوا في سبيل الله إيذاءً شديداً، فوق تحمل البشر، فما وهنوا وما استكانوا، بل ثبتوا وصبروا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراهم ولم يقل يوماً لأصحابه: اعملوا بالتقية، أو داهنوا الكفار بل كان يصبرهم، وكان يقول وهو يرى آل ياسر يعذبون: { صبراً آل ياسر إن موعدكم الجنة }. وكان بلال يوضع على ظهره في حر الصيف وتوضع الصخرة الكبيرة على صدره طيلة حر الظهيرة فما يزيده ذلك إلا إصراراً وثباتاً، ولا يزيد على أن يقول: [[ أحَدٌ، أحَدٌ ]].(1/77)
وكان خباب يُكوى جلده بالنار، فما وهن ولا داهن، وكان نَجاةُ الواحد منهم من العذاب، بكلمة واحدة وهو أن يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بِسوءٍ ولو بلسانه فما فعلوه، ولما طلب أبو جهل من سميّة وياسر وهما مقيّدين وتحت أبشع أنواع التعذيب أن يَنطُقا بكلمة واحدة للنيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبيا وتَفَلَت سمية في وجه أبى جهل، فَقُتِلا تحت التعذيب ولم يَعمَلا بِالتَقيّة ولم يقل عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنهم تركوا تسعة أعشار الدين، وأوذي الصحابة كلهم فصبروا وثبتوا، أما حادثة عمار كان استثناء فإن أباه وأمه قتلا أمامه فضعف وأجابهم لما أرادوا، وتأثر منها تأثراً شديداً، فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بَيَّن له جواز ذلك فقال: { إن عادوا فعد }.
أما الشيعة فجعلوا التقية تسعة أعشار الدين، والذي لا يعمل بها يترك تسعة أعشار الدين ويلقى الله سبحانه وفي دينه نقص.
عن أبي عبد الله -ع-: [[ إن تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية في كل شيء إلا النبيذ والمسح على الخفين ]].
ولماذا لا يكون في النبيذ والمسح ويكون في العقائد؟!
عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله -ع- في قوله تعالى: [[ (أولئِكَ يُؤتَونَ أجرَهُم مَرّتينِ بِما صَبَروا -على التقية- ويَدرَءونَ بِالحَسَنَةِ السيّئَة) قال: الحسنة التقية، والسيئة الإذاعة ]].
إن هذا الخروج عن سياق اللغة، بل والخروج عن الذوق والتعسّف بهذا الشكل السافر في تفسير الآيات لهو خير دليل على بطلان هذه المزاعم، ولا يمكن أن ينحدر أهل البيت إلى هذا الحضيض، وأنا لا أعجب ممن قال هذا، فله غاية وغرض، ولكني أعجب ممن يصدّقه ويعمل به، فإنه لا يفكر ولا يقيم لعقله أي وزن.(1/78)
عن حبيب عن أبي عبد الله -ع- قال: [[ قال لي أبي -ع-: لا والله ما على وجه الأرض شيء أحَبَّ إليَّ من التقية، يا حبيب! إنه من كانت له تقية رفعه الله ومن لم تكن له تقية وضعه الله.. ]].
التقية أحب إلى الإمام من التوحيد، ومن الصلاة، والزكاة والصيام وغيرها من أركان الإسلام، وأعمال البِرِّ.
إن هذه الروايات السمجة لَدَليلٌ أكيد على أن هذه الروايات مَكذوبَة على أهل البيت، لأن الذي يروي هذه الروايات غير مقتنع بها في قرارة نفسه، فيروي هذه المبالغات لعله يقنع الناس بها.
عن أبي عبد الله -ع-: [[ اتقوا الله على دينكم فاحجبوه بالتقية فإنه لا إيمان لمن لا تقية له ]].
إن الأديان السماوية نزلت لتنشر على الناس ولم تنزل لتُحجَب.
عن أبي عبد الله -ع-: [[ يا أبا عمرو! أرأيتك لو حدثتك بحديث ثم جئتني بعد ذلك فسألتني عنه فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك بأيهما كنت تأخذ قلت: بأحدثهما وأدع الآخر. فقال: قد أصبت يا أبا عمر أبى الله ألا إن يُعبَدَ سِرّاً، أما والله لئن فعلتم ذلك إنه لخير لي ولكم، وأبى الله عز وجل لنا ولكم في دينه إلا التقية ]].
قال أبو جعفر -ع-: [[ خالطوهم بالبرانية، وخالفوهم بالجوانية إذا كانت الإمرة صبيانية ]].
إن الذي يظهر خلاف ما يضمر منافق، كما أن صاحب الدين الحق يدعو الناس لدينه وخاصة من يخالطهم كي ينقذهم من النار، أما الذي يخفي دينه عن الناس فليست عنده قناعة بدينه.
عن سليمان بن خالد قال: قال أبو عبد الله -ع-: [[ إنكم على دين من كتمه أعزَه الله ومن أذاعه أذله الله ]].(1/79)
الله سبحانه وتعالى لم يُنزِل ديناً ليحتكره ثلة من الناس، بل الله جل وعلا أمر نَبِيَّهُ وأتباعَ نَبِيِّهِ بالدعوة لدينه (( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ))[يوسف:108] هذا هو سبيل الأنبياء وأتباعهم، وكل طريق يتعارض مع طريق الأنبياء فهو زخرف، وأهل البيت بريئين منه، ولا يشك عاقل أن هذا افتراء عليهم.
عن أبي عبد الله -ع- قال: [[ إن أمرنا مستور مقنّع بالميثاق، من هتك علينا أذله الله ]].
إن دين الله واضح مكشوف لا يُقنّع، فَليُقنِّع من شاء دينه.
عن أبي عبد الله -ع-: [[ نفس المهموم لنا، المغتم لظلمنا تسبيح، وهمه لأمرنا عبادة، وكتمانه لسرّنا جهاد في سبيل الله. ثم قال: اكتب هذا بالذهب فما كتب شيء أحسَنَ منه ]].
أهذا هو دين أئمة أهل البيت؟ أهذا هو جهادهم التستر والكتمان، الجهاد الذي يكتب بماء الذهب، أين الصدع بالحق، أين شجاعة الأئمة، أين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أين عشق الشهادة، أين اتباع طريق الأنبياء عليهم السلام؟ كيف ترفع منزلة الإمام عند الله؟ أبالجُلوسِ في بَيتِهِ وَأمرِهِ أتباعه بإخفاء دينهم عن الناس؟ لا أخال أن أحداً أهانَ أهل البيت كما أهانَتهُم الشيعة.
وظيفة الإمام هو إضلال الناس لأجل الحفاظ على نفسه:
كما قلنا سابقاً: إن وظيفة الرسل والأنبياء هو إبلاغ الرسالة التي بُعِثوا من أجلها، وتناط هذه المهمة بعد الأنبياء على أتباعهم أن يُبَيِّنوها ناصعة جَليّة، إذ أنه من صفات المؤمنين، وإن لم يقوموا بواجب الدعوة فهم في خسران: (( وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ))[العصر:1-3] فلا ينجي الإيمان والعمل الصالح من الخسران إذا لم يصاحبه التواصي بالحق والتواصي بالصبر.(1/80)
ويقول تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ))[المائدة:54] فالخطاب للمؤمنين يحذرهم من الارتداد، فما هي صفة هذه الردة؟ إنها مخالفة هذه الصفات التي وصف الله بها المؤمنين (( فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ .. ))[المائدة:54] ولا يخفى أن الجهاد يشمل الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر فضلاً عن القتال، والله سبحانه هدد من ترك هذا الواجب وخاصة العلماء.
وَلِنتعرف على حال الأئمة في مصادر الشيعة:
عن زرارة قال: [[ سألت أبا جعفر -ع- مسألة فأجابني ثم جاء رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني، ثم جاءه رجل آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي، فلما خرج الرجلان قلت: يا ابن رسول الله! رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبت كل واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه، فقال: يا زرارة! إن هذا خير لنا ولكم، ولو اجتمعتم على أمر واحد لَصَدَّقكُم الناس علينا وكان أقل لِبَقائِنا وبَقائِكُم، قال: ثم قلت لأبي عبد الله -ع-: شيعتكم لو حملتموهم على الأسنّة لَمَضَوا وهم يخرجون من عندكم مُختَلِفين. قال: فأجابني بمثل جواب أبيه ]].
إن هؤلاء الذين جاءوا إلى الإمام يبحثون عن الحق خرجوا من عنده ضُلاّلاً، حيارى، والسبب أن الإمام لا يريد أن يُصدِّق الناس أقواله، لأن ذلك يُقَلِّل بقاءه في الحياة، فالحياة أغلى من الدين والعقيدة والمبدأ، فسلامة النفس مقدم على كلّ شيء دون استثناء.(1/81)
أهُناك من أهان أهل البيت بقدر ما أهانتهم من يزعمون أنهم لهم شيعة. إن كثيراً من الكفار والملحدين والشيوعيين يَصدَعونَ بمبادئهم جهراً، ويدافعون عنها ويتعرّضون من أجلها إلى أبشع أنواع البطش والتنكيل دون أن يتنازلوا عنها، أما الروايات الشيعية فتصوّر أئمة أهل البيت في غاية الذل، والخوف والاستكانة، تُنزَع عنهم الخلافة فيسكتون، بل ويداهنون ويتنازلون عنها طواعية، وتُغصَب فروجهم، فما يحرّك ذلك فيهم الغيرة والدفاع عن الشّرف، ويُسألون عن الفتوى فيكذبون على الناس، إيثاراً لسلامة النفس، وحبّاً للحياة.
إن هؤلاء الأئمة الذين يتكلم عنهم مصادر الشيعة هم أناس وهميّون، بل هم أناس أعاجم، أما علي، والحسن والحسين، وزين العابدين، ثم الباقر والصادق والباقين الذين نعرفهم نحن رضوان الله عليهم، هم من الشجعان، الذين لا يرضون بالضّيم، ولا يقبلون المهانة، ويصدعون بالحق مهما كانت النتيجة، ولا يخافون في الله لومة لائم، بل ويعشقون الشهادة.
إن زرارة وأضرابه يُصَوِّرون هؤلاء الأطهار بهذا الذُّلِّ والمَهانَةِ ويَزعُمون أنهم شيعة أهل البيت؟! أعاقِلٌ من يصدق هذا الكلام؟!!!
عن سعيد السمان قال: [[ كنت عند أبي عبد الله -ع- إذ دخل عليه رجلان من الزيدية فقالا: أفيكم إمام مفترض الطاعة؟ قال: فقال: لا. فقالا له: قد أخبرنا عنك الثقات أنك تفتي وتقر وتقول به، ونُسَمّيهم لك فلان وفلان وهم أصحاب ورع وتشمير وهم ممن لا يكذب، فغضب أبو عبد الله -ع- وقال: ما أمرتهم بهذا فلما رأيا الغضب في وجهه خرجا، فقال: أتعرف هذين؟ قلت: هما من سوقنا من الزيدية، وهما يزعمان أن سيف رسول الله عند عبد الله بن الحسن فقال: كذبا لعنهما الله، والله ما رآه عبد الله بن الحسن ولا بواحدة من عينيه ولا رآه أبوه.. ]].(1/82)
إذا كان الإمام مفترض الطاعة فلماذا أنكر جعفر الصادق ذلك، أهكذا يُرَدّ من يبحث عن الحق، وكما يزعم هذا الشعوبي أنه أوقع بين جعفر وبني عمومته أولاد الحسن. إن أخلاق أهل البيت ترفض اللعن والشتيمة، والصادق أحلم من أن يغضب على بني عمومته بهذه الكلمات التي لا تدل على الذوق الرفيع الذي يتصف به أهل البيت. ولا ريب أن هذه الروايات مكذوبة عليهم.
عن أبى عبد الله -ع- يقول: [[ كان أبي يفتي في زمن بني أُميَّة إن ما قتل البازي والصقر فهو حلال وكان يتقيهم، وأنا لا أتقيهم فهو حرام ما قتل ]].
ومن يتحمل إثم الملايين ممن أكل ما قتله البازي والصقر بناءً على فتوى أبي جعفر، ومن يقول: إن فتوى أبي عبد الله ليست تقية، وهل الحقيقة في فتوى الباقر، أم في فتوى الصادق، أهذا هو دين أهل البيت؟!! أم هي حيرة وضلال الشعوبيين الذين نسبوا هذه الضلالات إليهم؟
وهذه الروايات قليل من كثير تركتها خشية الإطالة.
والحقيقة أن التقية تنزع العصمة من الإمام وتُلبِسها لِلفَقيه فتصبح العصمة نظرياً للإمام، وعمليّاً للفقيه، فمثلاً في باب من اشتبه عليه القبلة، هناك ثلاث روايات في الاستبصار وثلاث في التهذيب ورواية واحدة في كل من الكافي ووسائل الشيعة، وهذه الروايات صحيحة حسب مقياس الشيعة تقول: تجتهد رأيك وتصلّي فيجزيك ذلك، وهناك روايتان في الاستبصار مرسلتان تقول: تصلّي إلى أربع جهات، يقول عبد الرضا الطفيلي: أجمعت عصابة الحقّ على العمل بالمراسيل وترك الروايات الصحيحة؛ لأنها موافقة للعامة، أو قيل: تقيّة أو تطرح لأي اعتبار الطرح.
إذا كان الفقيه يترك العمل بالروايات الصحيحة للإمام ويعمل بالمراسيل التي هي من صيغ الروايات الضعيفة، فمن يكون المعصوم، الإمام أم الفقيه؟!!.
نوادر:(1/83)
عن الحسن -ع-: [[ إن لله مدينتين إحداها في المشرق والأخرى في المغرب عليهما سور من حديد، وعلى كل واحد منهما ألف ألف مصراع. وفيها سبعون ألف ألف لغة، يتكلم كل لغة بخلاف لغة صاحبها، وأنا أعرف جميع اللغات وما فيهما، وما عليهما حُجَّة غيري وغير الحسين أخي ]].
أين هذا السور الذي طول أبوابه فقط أكثر من ثلاثة آلاف كم، وهذه المدينة التي فيها سبعون مليون لغة، فإذا كان هناك لكل لغة ألفٌ فقط يتكلمون بها يكون عدد سكانها سبعين مليار، فهل هناك عَقلٌ لراوي الحديث أو لِلّذي دوّنَهُ في كتابه، أيمكن أن تنسب هذه الروايات الهابطة إلى أهل البيت؟! ولقد قالها الصادق رحمه الله: [[ أنا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا، فيسقط صدقنا بكذبه ]].
ولكن المشكلة أن الذين كَذَبوا على الأئمة بالأمس فتبرّأ منهم الأئمة، صاروا عند علماء الشيعة من الصِّدّيقين، فهم يُصدّقون هؤلاء ويُكَذِّبون الأئمة بحجة التقية. فالتقية في حقيقتها تكذيب للأئمة ولكن بعبارة لطيفة كي لا يُستَفَز الأتباع المساكين المخدوعين الذين هم مصدر رزق المراجع الدينية الشيعية.
المبحث الخامس
نماذج من التراث الصحيح(1/84)
هناك بقايا من تراث أهل البيت الصحيحة في مصادر الشيعة لم تعبث بها الأيادي، ولكنها محشورة بين روايات كثيرة محرّفة أو مكذوبة عليهم، كحبّة اللّؤلؤ بين كومة الحصاة قد تجد صعوبة في الوصول إليها، ولكن إذا رأيتها لا تخطئها عينك. فالانحراف بدأ جزئيّاً في النصوص، فتحريف النصوص ثم تعدّاه إلى التطبيق، ثم الخروج حتى على النصوص المحرفة، حتى لم تبق صلة بين القرآن والسنة وبين الآثار المنسوبة إلى أهل البيت، وكل هذا وضع لتخدم أغراضاً شعوبية، ومصالح شخصية، ولو تم تنقية هذه المصادر من الروايات الدخيلة ستعود حتماً عصر الوفاق والوئام بين آثار الصحابة وآثار أهل البيت التي خرجت من مشكاة واحدة، ومصادر السنة مملوءة بآثار أهل البيت، ولم يكن هناك أي صدام أو صراع بين آثار أهل البيت وآثار الصحابة، ولكن تم إيجادها في عصور متأخرة من قبل زمرة من الدخلاء بعيداً عن علم أهل البيت، وكانت هذه الأمور تجري في الخفاء، وإن أهل البيت رضوان الله عليهم تبرءوا عما وصل إلى أسماعهم من هذه الروايات، ولهذا السبب اضطرّ واضِعو هذه الروايات لإيجاد عقيدة التقية، وأولوها أهمية كبيرة وبالغوا فيها كي تعبر هذه الأقاويل على المغفّلين، حتى إذا أصبحت لهم شوكة وذهب عصر الأئمة، أعلنوها وأضافوا إليها الكثير، وتم فصل شريحة كبيرة من جسد الأمة الإسلامية تحت ذريعة الانتصار لأهل البيت.
وهذه نماذج من النصوص الصحيحة التي وردت عن أهل البيت -ع-:
الآذان:
عن الحسين بن علي بن أبي طالب -ع- قال: [[ كنا جلوساً في المسجد إذ صعد المؤذن المنارة فقال: الله أكبر .. الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله .. أشهد أن لا إله إلا الله .. أشهد أن محمداً رسول الله .. أشهد أن محمداً رسول الله .. حيّ على الصلاة .. حيّ على الصلاة .. حيّ على الفلاح .. حيّ على الفلاح .. الله أكبر .. الله أكبر .. لا إله إلا الله ]].
لم يذكر الراوي (خير العمل) ولا (علياً ولي الله).(1/85)
وقال الصدوق في موضع آخر بعد أن ذكر الأذان ...: هذا هو الأذان الصحيح لا يُزادُ فيهِ ولا يُنقَصُ منه، والمُفوّضَةُ لعنهم الله قد وضعوا أخباراً زادوا في الأذان: محمد وآل محمد خير البرية مرتين، وفي بعض رواياتهم: أشهد أن علياً ولي الله، ومنهم من قال: أشهد أن علياً أمير المؤمنين حقاً.
وهل أذان الشيعة قاطبة إلا على طريقة المفوّضة الذين لعنهم الصدوق، وليس من منكر.
غسل القدمين في الوضوء:
من وصية لأمير المؤمنين علي لمحمد بن أبي بكر في الصلاة والوضوء قال: { انظر يا محمد صَلاتُكَ كيف تصلّيها، فإنما أنت إمام ينبغي لك أن تُتِمَّها وأن تحفظها بالأركان ولا تخففها وأن تصلّيها لوقتها، فأنه ليس من إمام يُصلّي بقوم فيكون في صلاتهم نقص إلا كان إثم ذلك عليه ولا ينقص ذلك من صلاتهم شيئاً, ثم الوضوء: فأنه من تمام الصلاة، اغسل كفّيك ثلاث مرات، وتمضمض ثلاث مرات، واستنشق ثلاث مرات، واغسل وجهك ثلاث مرات، ثم يدك اليمنى ثلاث مرات إلى المرفق، ثم يدك الشمال ثلاث مرات إلى المرفق، ثم امسح رأسك، ثم اغسل رجلك اليمنى ثلاث مرات، ثم اغسل رجلك اليسرى ثلاث مرات، فأني رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم هكذا كان يتوضّأ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: الوضوء نصف الإيمان.. }.
إن أمير المؤمنين يغسل قدميه ويقول: إنه رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم هكذا يتوضّأ، فكل من يمسح قدميه ولا يغسلها، إما انه يكذّب أمير المؤمنين، أو يخالف سنّته وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم.
عن زيد بن علي عن آبائه عن علي-ع-: { جلست أتوضّأ وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدأت في الوضوء. فقال لي: تمضمض واستنشق واستنّ، ثم غسلت وجهي ثلاثاً فقال: قد يجزيك من ذلك المرتان، قال: فغسلت ذراعي ومسحت برأسي مرّتين فقال: قد يجزيك من ذلك المرّة، وغسلت قدمي فقال لي: يا علي! خلل بين الأصابع لا تخلل بالنار }.(1/86)
فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكتف من علي بغسل القدم بل أمره بتخليل الأصابع، فماذا يقول لنفسه من يكتفي بمسح القدم، لماذا وعلى حساب من هذا الإصرار على مخالفة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنة أهل بيته؟!
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله -ع- { .. إن نَسِيت مَسحَ رأسك حتى تغسل رجليك فامسح رأسك ثم اغسل رجليك }.
الصلاة:
عن الصادق -ع- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { لا ينال شفاعتي غداً من أخّر الصلاة المفروضة بعد وقتها }.
وعنه أيضاً: [[ من صلى في غير الوقت فلا صلاة له ]].
عن علي في كتاب له إلى أمرائه في معنى الصلاة: [[ أما بعد! فصلّ بالناس الظهر حتى تفيء الشمس من مربض العنز، وصلّوا بهم العصر والشمس بيضاء حية في عضو من النهار حين يسار فيها فرسخان، وصلوا بهم المغرب حين يفطر الصائم ويدفع الحاج، وصلوا بهم العشاء حين يتوارى الشفق الأحمر، وصلوا بهم الغداة والرجل يعرف وجه صاحبه.. ]].
في هذه الوصية يصف علي خمس أوقات منفصلة للصلوات وليست ثلاثة.(1/87)
من رسالة لعلي إلى محمد بن أبي بكر: { .. انظر صلاة الظهر فصلّها لوقتها، لا تعجل بها عن الوقت لفراغ، ولا تؤخّرها عن الوقت لشغل، فأن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن وقت الصلاة فقال: صلى الله عليه وسلم أتاني جبرائيل فأراني وقت الصلاة، فصلى الظهر حين زالت الشمس، ثم صلّى العصر وهي بيضاء نقيّة، ثم صلّى المغرب حين غابت الشمس، ثم صلّى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلّى الصبح فأغلس به والنجوم مشتبكة، كان النبيّ صلى الله عليه وسلم كذا يصلّي، فإن استطعت -ولا قوّة إلاّ بالله- أن تلتزم السنّة المعروفة، وتسلك الطريق الواضح الذي أخذوا فافعل لعلّك تقدم عليهم غداً، ثم انظر رُكوعَكَ وسجودك فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان أتمّ الناس صلاةً وأحفظهم لها، وكان إذا ركع قال: سبحان ربّي العظيم وبحمده ثلاث مرّات، وإذا رفع صلبه قال: سمع الله لمن حمده، اللهمّ لك الحمد ملء سماواتك، وملء أرضك وملء ما شئت من شيء، فإذا سجد قال: سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاث مرّات واعلم يا محمد أن كلّ شيء من عملك يتبع صلاتك، واعلم أن من ضيّع الصلاة فهو لغيرها أضيع .. }.
إن علياً يشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلّي الصلوات في خمس أوقات، وهذه الأوقات جاء بها جبريل -ع-، كما أمره باتباع السنّة المعروفة، والسنّة في ذلك الوقت هي المنقولة عن الصحابة وأهل البيت جميعاً، كما أمره بأن يسلك الطريق الواضح الذي أخذوا (ولم يقل: أخذنا كما يزعم الصفويّون) ويعني بهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عن أبي عبد الله -ع-: { أتى جبرائيل -ع- رسول الله صلى الله عليه وسلم بمواقيت الصلاة فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلّى الظهر، ثم أتاه حين زاد الظل قامة، فأمره فصلى العصر، ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب، ثم أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلى العشاء، ثم أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلى الصبح }.(1/88)
فهل يجوز أن يختزل هذه الصلوات الخمسة إلى ثلاث، وما المصلحة منها سوى تفريق المسلمين، وزيادة الهوّة بينهم.
عن الرضا-ع-: [[ إن أول وقت الظهر زوال الشمس، وآخر وقتها قامة من الزوال، وأول وقت العصر قامة وآخر وقت العصر قامتان ]].
عن أبى عبد الله –ع-: [[ إذا غابت الشمس فقد حلّ الإفطار ووجبت الصلاة ]].
عن أبي الحسن العرندس قال: [[ رأيت أبا الحسن موسى -ع- في المسجد الحرام في شهر رمضان وقد أتاه غلام أسود ومعه قلّة وقدح فحين قال المؤذن: -الله أكبر- صبّ له وناوله فشرب ]].
هل هناك من الشيعة من يطبق سنة الأئمة؟ لماذا؟ ومن السبب؟
عن الصادق -ع-: [[ ملعون ملعون من أخّر المغرب طلباً لفضلها. وقيل له: إن أهل العراق يؤخّرون المغرب حتى تَشتَبِكَ النجوم فقال: هذا من عمل عدو الله أبي الخطّاب ]].
وفي رواية أخرى قال: [[ إني أبرأ إلى الله ممن فعل ذلك متعمداً ]].
ماذا لو رأيت يا أبا عبد الله أن كل من ينتسب إليك تركوا أقوالك وعملوا بعمل عدو الله أبا الخطاب؟!
أقول: أما يخشى الله أصحاب العمائم الذين يُخفون هذه النصوص عن عوامِّهم، ليزيدوا الهوة والخلاف بين المسلمين، حفاظاً على مصالحهم في الزعامة والخمس، فعلى عوام الشيعة عدم الانقياد الأعمى وراء المرجعيات، لأن هؤلاء لن يحملوا من أوزارهم شيئاً، إن الأتباع والمتبوعين الخارجين عن الحق سيتخاصمون في النار ويتلاومون ولن يغني أحدهم عن الآخر شيئاً. وكما قال الصادق: [[ من صلّى في غير الوقت لا تقبل صلاته، ولا ينال شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ]].
الخاتمة
في هذه الجولة السريعة ظهر لنا جليّاً أن الناس الذين وضعوا عقيدة التشيّع هم أنفسهم الذين تآمروا على قتل رجال أهل البيت والكذب عليهم، مما حدا بأئِمّة أهل البيت أن يلعنوا هؤلاء ويتبرَّءوا منهم.(1/89)
إن أهل البيت رَوَوَا ما سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هي دون تحريف، ولكن بقيت هذه الروايات مدفونة في ثنايا الكتب القديمة لأن الأيادي التي تداولت هذه النصوص كانت وما زالت غير أمينة، لأن في إظهارها تفويت مصالح كبيرة للمُتَنفّذين، فيذهب الخمس، وتزول متعة النساء، وتضيع الوجاهة والتقديس، فعلى أي شيء يظهرون الحقائق؟
نعم يظهر في كل جيل منهم رجال، يعرفون الحق ويعلنوه، ويُؤلّفون فيه الكتب والمقالات ولا يخافون في الله لومة لائم، ولكن منهم من يدفع حياته ثمناً لذلك فترفع روحه إلى عِلِّيّين، ومنهم من يهرب من البطش والتعذيب ويضطر للعيش في الغربة خلاصاً من وحشيّة المعاملة.
وما زال من هؤلاء كُثُر أمثال آية الله البرقعي الذي كان من المقرّبين من الخميني، ولما صارحه بالحقيقة التي توصّل إليها حَذَّرَهُ من البوح بها، ولكنه مضى في طريقه مُبَيِّناً الحقيقة، مُتَحَدِّياً جبروت الظلم، فألّف كتابه كسر الصّنم (ويقصد بالصنم كتاب الكافي للكليني الذي هو أعظم كتاب لدى الشيعة) فانتقده سنداً ومتناً فأبطله، وحوكم بسبب ذلك فسجن.
كما أنه جرح في محاولة اغتيال له من قبل الحرس الثوري أكثر من مرّة، وأخيراً نزل عدد من هذا الحرس إلى منزله فاغتالوه رحمه الله، وغيره كثير من أساتِذة جامِعات وأطبّاء كبار في إيران لا يسع المقام لذكرهم. وأمثال أحمد الكاتب وموسى الموسوي من العراق وهما حاصلين على درجة اجتهاد من الحوزات الشيعية، والآن يعيشون في الخارج هرباً من البطش والتنكيل، ومن قبل لما أراد جد موسى الموسوي الذي كان المرجع الأعلى للشيعة تصحيح الفكر الشيعي، لم يَرُق ذلك لأصحاب المصالح فَذَبَحوا ابنه، قبل أن يكون الذبح رائجاً.(1/90)
إن الذين وضعوا عقيدة الشيعة هم أنفسهم الذين ظلموا أهل البيت، وقتلوهم، فَلَعَنَهُم الأئمة وتَبَرَّءوا منهم. والغريب أن أصحاب الأئمة، هم كوفيّون أو قُمِّيون فقط، رغم أن أغلب الأئمة عاشوا في المدينة، فلماذا لم يكن لهم أصحاب من الحجاز واليمن، والشام ومصر والمغرب العربي، ألا يَدعو هذا للاستغراب، كما أن لكل إمام عدد قليل جداً من الأصحاب، فكل إمام يُعَدُّ له من عشرين إلى سبعين رجلاً، وأحياناً ربع هؤلاء المذكورين من الضعفاء، فيبقى عدد قليل جداً قياساً إلى أصحاب الدعوات الذين يجب أن يكون أصحابهم بالمئات والآلاف، أيُعقل أن يلعب هذه الثلّة القليلة بعقائد الملاين؟
أما المهدي فأمُرُه أوضَح من أن يحتاج إلى وقفة تَفَكُّر ليعلم المسلم أن وِلادَتَهُ خرافة، إذ أن أقرب النّاس للإمام وَهُم اُمّهُ وأخوه يُنكِرون أن يَكون للحسن العسكري وَلَد، فيأتي رجلٌ غريب ويَزعُم أنّ لَه ولد وأنّه لم يَرَهُ أحَدٌ ولن يراه أحد غَيرُهُ لِيَستحوِذ على خُمس الشيعة باسم الإمام.
إن الله جلّ جلاله خالق السّماء والأرض ومن فيهما خلق ما لا يُحصى من الخَلائِق، وأودَعَ فيها من بدائِعَ خَلقِه ما يُبهِرُ العقول ويُحَيِّرُ الألباب لِيكون دليلاً على وُجود الخالق وعظَمته، وأرسَلَ رُسُلاً وأيَّدَهم بِمُعجزات، ثم بعد ذلك كُلِّهِ عاقََبَ من لم يُؤمِن بوجوده سبحانه، وكُلّما تَقادَمَ العهد برسولٍ أرسَل آخَر ليُصَحِّحَ ما بُدِّل وغُيِّر، وكل الرسل قالوا: (( .. وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ))[هود:29]، وقالوا أيضاً: (( وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ))[الشعراء:109].(1/91)
أما المهدي فليس هناك أيُّ دليل على وجوده، بل أنكَرَ وُجودَهُ أقرب النّاس إليه، ثم يأتي رَجُل واحد غَريب عن أهل البيت ويزعُم أنّ للحسن العسكري ولد عمره أربع سنوات لم يَرَهُ ولن يَراهُ أحَدٌ، وهذا الرجل له مَصلَحَة في الكَذِب، (أي أنّ هذا الكذب فتح عليه باباً ذا مردودٍ ماليٍّ ضَخم باستحواذه على خمس كافّة الشيعة خلافاً لكل الدعوات الربّانيّة) أهكذا تُبنى العقائد بادِّعاءِ رجل واحد؟
إن القضايا الماليّة البسيطة تحتاج إلى شاهدين لإثباته، والّتي تَتَعَلّق بالأعراض تحتاج إلى أربعة شهود، وإن شَهِدَ ثلاثة ولم يأتوا بِرابِعٍ يُجلَدُ الثلاثة ولن تُقبَل شهادتهم بعد ذلك أبَداً، ولكنّ ادِّعاء وجود طِفلٍ لم يَرَهُ أحَد حتّى أقرَبُ الناس إليه، وأن يكون هذا الطفل إماماً للمسلمين وعُمرُهُ أربع سنوات، وأن يكون هذا الطفل مُطارَداً مِن قِبَل الخليفة، وأن يكون وُجود هذا الطفل ضرورة، ويكون الإيمان به واجباً، ومن لم يؤمن به فهو كافر، كلّ هذا يَتَرَتَّب على ادِّعاء شخص واحد؟
إن هذه الأمور لا تَقبَلُ به العقول السليمة، وإن مجرّد التفكير في شأن المهدي يقود الإنسان إلى إنكاره ولهذا السبب منعوا أتباعهم من التفكير وخوّفوهم من الكفر، قالوا في شأنه: (فليس يجوز لمؤمن ولا مؤمنة طلب ما ستره الله، ولا البحث عن اسمه وموضعه، ولا السؤال عن أمره ومكانه.. إذ هو –ع- غائب خائف مغمود مستور بستر الله من متّبع لأمره، بل البحث عن أمره وطلب مكانه والسؤالُ عن حاله وأمره مُحَرّم، لا يَحِلّ ولا يَسع..).(1/92)
هكذا يُخوّفون أتباعهم من التفكّر بشأن المهدي، مع أن الله اعتبر التَفَكُّر عبادة وقرنه بذكر الله سبحانه: (( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ))[آل عمران:191] ولا يمكن أن يكون هذا هو دين أهل البيت، لأنه ليس هناك أي دليل من القرآن، ولا يقبل به عقل، كما أنه ليس له أثر منذ أن اُدُّعِيَ بوجوده إلى الآن. أما يخشى أتباع هؤلاء أن تكون أعمالهم سراباً، وعلى حساب من يخسر هؤلاء الأتباع آخِرَتهم؟
إن هذا المذهب وإن كان منسوباً إلى أئمة أهل البيت، إلا أنه لا دور لأهل البيت في تأسيس عقيدة هذا المذهب، وإنما ذُكِروا لإضفاء بعض الشرعية لهذا المذهب، وخداع العوام على انه مذهب أهل البيت.
إن المذهب الإمامي شَذَّ كثيراً عن كل الديانات بل وحتّى عن الأعراف في تقرير بعض الأصول والعادات الاجتماعية التي تَجُرّ المجتمع إلى هاوية الرذيلة، والانحلال، واختلاط النسل، وتَكثُر الأطفال المشرّدين (أولاد المتعة).
إن واضعي عقيدة التَشيُّع الصفوي امتدحوا الكذب وجعلوه ديناً وفضيلة، خلافاً لكل الأديان والأعراف، بل واعتبروا من لم يكذب فهو تارك لتسعة أعشار الدين. فكيف يوثق بدين هذه صفات مروّجيها؟ كيف يخاطر الإنسان بأعزّ شيء في حياته ويسلّم زمامه إلى أمثال هؤلاء؟!!
هناك الكثير من تراث أهل البيت الصحيح الذي يوافق محكمات القرآن الكريم، ضمن سياق قواعد اللغة العربية، ومقبولة لدى الفِطَر السليمة، ويماشي الذوق العام، و يقبله العقل السليم، ولكنها مدفونة بين روايات كثيرة محرّفة أو مكذوبة عليهم تحتاج إلى غربلتها.(1/93)
اللهم اهدنا إلى الحقّ واهدِ بِِِِِنا، واجعل هذا في ميزان حسناتنا، واجعله خالصاً لوجهك الكريم, فكل جزاء من غيرك فانٍ، وأسأل من إخواني الذين يقرءون هذا الكتاب الدعاء لأنّي ما أردتّ إلا النصح، والله على ما أقول شهيد، والحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على خير خلقه محمد وعلى آله الطيّبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين وعلى كل من اقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
قائمة المراجع
- الكافي للكليني (ت: 329) منشورات الكتب الإسلامية- قم (1985).
- الشافي شرح الكافي عبد الحسين المظفر، ط/ الآداب، النجف.
- التهذيب للطوسي (ت: 46) دار الكتب الإسلامية - قم (1986).
- الاستبصار للطوسي------ كذا (197).
- من لا يحضره الفقيه الشيخ الصدوق (ت: 381) دار النشر الإسلامي - قم (1993).
- وسائل الشيعة الحر العاملي (ت: 1104) دار آل البيت - قم (1989).
- مستدرك الوسائل ميرزا حسين نوري (م: 1254) دار آل البيت قم (1988).
- بحار الأنوار العلامة المجلسي (ت: 1110) دار الكتب الإسلامية طهران (1983).
- الأمالي للصدوق، منشورات المكتبة الإسلامية (1983).
- الأمالي للطوسي، دار الثقافة - قم (1994).
- قرب الإسناد عبد الله بن جعفر الحمياري، مكتبة نينوى الحديث – طهران.
- الغارات، إبراهيم بن محمد الثقفي (ت: 283) دار الكتاب - قم (1410).
- الجعفريات لمحمد بن محمد الأشعث، مكتبة نينولى الحديث - طهران.
- رجال الطوسي، دار النشر الإسلامي – قم (1994).
- رجال النجاشي أحمد بن علي نجاشي، دار النشر الإسلامي - قم (1987).
- رجال البرقي أحمد بن محمد برقي (ت:274) منشورات جامعة طهران (1963).
- رجال ابن داود الحلّي (ت: قرن 3 هـ) مؤسسة النشر جامعة طهران (1383هـ).
- رجال العلامة الحلّي (ت: 726 هـ) دار الدخائر - قم (1411 هـ).
- رجال الغضائري، أحمد بن حسين بن غضائري (ت: 400) دار إسماعيلي – قم.(1/94)
- رجال الكشي، محمد بن عمرو الكشي (ت: قرن 4 هـ)، منشورات جامعة المشهد (1969).
- تفسير القمّي، علي بن إبراهيم القمي، دار الكتاب - قم (1984).
- تفسير العياشي، محمد بن مسعود العياشي، منشورات دار الطباعة العلمية، طهران.
- تأويل الآيات الظاهرة شرف الدين استرابادي (ت:940) دار النشر الإسلامي- قم (1989).
- الصراط المستقيم، علي بن يونس نباتي، مكتبة الحيدري - النجف (1964).
- مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، نشر هيئة العلماء - قم ط: (1960).
- الاختصاص للمفيد: (ت: 413 هـ) مجمع المؤتمر العالمي للشيخ المفيد - قم (1993).
- الخصال للصدوق، دار النشر الإسلامي - قم (1983).
- الإرشاد للمفيد، نشر مجمع المؤتمر العالمي للشيخ المفيد - قم (1993).
- التوحيد، للصدوق دار النشر الإسلامي - قم (1978).
- ... الحكايات للمفيد، نشر مجمع المؤتمر العالمي للشيخ المفيد (1993).
- ... كتاب المراجعات عبد الحسين شرف الدين.
- طب الأئمة أبناء بسطم (م: قرن 4 هـ) منشورات الشريف الرضي (1991).
- مكارم الأخلاق، رضي الدين حسن بن فاضل، منشورات الشريف الرضي- قم (1992).
- جلاء الأبصار في شرح الاستبصار، عبد الرضا الطفيلي، ط/ النعمان، النجف.
- ... مثير الأحزان لابن نجا الحلّي، نشر مدرسة الإمام المهدي - قم (1409هـ).
- الاحتجاج، أحمد بن علي الطبرسي، منشورات المرتضى - مشهد (1983).
- اللهوف لابن طاووس، منشورات جهان - طهران (ت:664 هـ).
- إعلام الورى لأمين الإسلام فاضل بن حسن، دار الكتب الإسلامية – قم.
- رسالة المتعة للمفيد، مجمع المؤتمر العالمي للشيخ المفيد - قم (1993).
- نهج البلاغة للشريف الرضي، منشورات دار الهجرة – قم.
- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (ت: 656 هـ)، منشورات مكتبة آية الله المرعشي - قم (1984).
- المقنعة للمفيد، مجمع المؤتمر العالمي للشيخ المفيد - قم (1993).
- كشف الغمة، علي بن عيسى الأربلي، مكتبة بني هاشمي – تبريز.(1/95)
- المقالات والفرق، سعد بن عبد الله الأشعري القمي (ت:301 هـ) ط: حيدري/ طهران (1963).
- الإمام المجدد الشهيد السيد محمد الياسري، القرآن وعلماء أصول ومراجع الشيعة الإمامية الإثني عشرية: مخطوطة.(1/96)