|
المؤلف : محمد بن خليفة التميمي
تم استيراده من نسخة : المكتبة الشاملة المكية
فهرس المصادر والمراجع
أحاديث الجمعة -عبد القدوس محمد نذير، الدار العلمية، دلهي، الهند/ ط1، 1412هـ.
أحسن التقاسيم- محمد بن أحمد المقدسي ـ الطبعة الأولى، 1906م، ليدن.
أخبار المدينة النبوية- عمر بن شبة النميري- تحقيق: فهيم محمد شلتوت، ط2، نشر السيد حبيب محمود أحمد.
آداب الشافعي ومناقبه- عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي- دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
الأربعين في دلائل التوحيد- عبد الله بن محمد الهروي- تحقيق د/علي بن ناصر الفقيهي، ط1، 1404هـ/1984م.
الأربعين في صفات رب العالمين- محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي- تحقيق: عبد القادر عطا صوفي، مكتبة العلوم والحكم، المدينة النبوية، ط1، 1409هـ.
الأسامي والكنى – أبو أحمد الحاكم- تحقيق: د/يوسف الدخيل، مكتبة الغرباء، المدينة النبوية، ط1، 1414هـ.
أسد الغابة في معرفة الصحابة- علي بن أحمد بن الأثير الجزري- دار الشعب، القاهرة، مصر، 1390هـ.
الأسماء والصفات- أحمد بن حسين البيهقي- تحقيق: عبد الله ابن محمد الحاشدي، مكتبة السوادي للتوزيع، جدة، المملكة العربية السعودية، ط1، 1413هـ/1993م.
أصول الدين- البغدادي أبو منصور عبد القاهر بن طاهر- طبعة مصورة من الطبعة الأولى بإسطمبول، 1346هـ.
أصول السنة- ابن أبي زمنين محمد بن عبد الله الألبيري- تحقيق: عبد الله بن محمد البخاري، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، ط1، 1415هـ.
أطلس التاريخ الإسلامي- عبد المنعم ماجد- حققه علي البنا، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، ط2، 1967م.
الأعلام (قاموس تراجم)- خير الدين الزركلي- دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ط6، 1984م.
أعلام الموقعين عن رب العالمين- محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية- مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، مصر، 1388هـ.
(1/1)
أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات والآيات المحكمات والمتشابهات- مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي- تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط1، 1406هـ/1985م.
الأم- محمد بن إدريس الشافعي- مطبعة الشعب.
الأمالي- هبة الله بن الشجري- تحقيق: د/محمود طناجي، مكتبة الخانجي، القاهرة، مصر.
الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع- عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي- تحقيق: د/ذيب بن مصري القحطاني، مطبعة الرشيد، المدينة النبوية، 1409هـ.
الأنساب- عبد الكريم بن محمد السمعاني- تحقيق: الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، مصورة مكتبة المثنى، بغداد، العراق، 1970م.
الإبانة عن أصول الديانة- أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري- تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، مكتبة دار البيان، دمشق، سوريا، ط1، 1401هـ/1981م.
الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية- أبو عبد الله عبيد الله بن محمد ابن محمد بن بطة العكبري- تحقيق: رضا النعسان معطي وعثمان عبد الله آدم الإثيوبي ويوسف بن عبد الله الوابل، دار الراية، الرياض، المملكة العربية السعودية، ط1، 1415هـ.
إبطال التأويلات لأخبار الصفات- أبو يعلى محمد بن الحسين ابن محمد بن الفراء- تحقيق: محمد بن حمد الحمود، مكتبة دار الإمام الذهبي، الكويت/ ط1، 1401هـ. (ونسخة مخطوطة مصورة من مكتبة السيد البدري الحسيني السامرائي ببغداد).
إتحاف فضلاء البشر في القراءات العشر- أحمد بن محمد البنا- تحقيق: شعبان بن محمد إسماعيل، عالم الكتب.
الإتقان في علوم القرآن- عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي- دار الفكر، بيروت، لبنان.
إثبات صفة العلو- عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي- تحقيق: بدر بن عبد الله البدر، دار السلفية،ط1، 1406هـ.
اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية- ابن قيم الجوزية محمد بن أبي بكر-تحقيق:د/ عواد عبد الله المعتق، مكتبة الرشد، الرياض، المملكة العربية السعودية، ط2، 1415هـ/1995م.
(1/2)
إرشاد المسالك- ابن عبد الهادي.
الاستقامة- أحمد بن عبد الحليم بن تيمية- تحقيق: محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ط1، 1403هـ.
إشارات المرام من عبارات الإمام- كمال الدين أحمد البياضي الحنفي- تحقيق: يوسف عبد الرزاق، ط: مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الأولى.
الإصابة في تمييز الصحابة- أحمد بن علي بن حجر العسقلاني- دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.
إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان- ابن القيم، مكتبة المعارف، الرياض.
الإكمال- علي بن هبة الله أبو نصر بن ماكولا- دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1411هـ.
إنباه الرواة على أنباه النحاة- علي بن يوسف القفطي- تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الكتب المصرية، القاهرة، مصر، 1369هـ.
الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به- أبو بكر بن الطيب الباقلاني- تحقيق: محمد زاهد الكوثري، مؤسسة الخانجي، القاهرة، مصر، ط2، 1382هـ.
الإيمان- محمد بن إسحاق بن يحيى بن منده- تحقيق: د/علي بن محمد بن ناصر الفقيهي من مطبوعات المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية.
الأباطيل- للجوزقاني- الجامعة السلفية، بنارس، الهند.
ابن تيمية السلفي ونقده لمسالك المتكلمين والفلاسفة في الإلهيات- محمد خليل هراس- دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1404هـ.
ابن تيمية وموقفه من قضية التأويل- محمد السيد الجليند- الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، 1393هـ.
ابن سينا بين الدين والفلسفة- غرابة حمودة- رسالة ماجستير من كلية أصول الدين، جامعة الأزهر، مكتوب بالآلة الكاتبة.
إتحاف السادة المتقين شرح إحياء علوم الدين- محمد بن محمد الزبيدي- دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة- ابن قتيبة عبد الله بن مسلم الدينوري- تحقيق: على سامي النشار، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1971م.
(1/3)
الاستيعاب في معرفة الأصحاب -أبو عمر يوسف بن عبد الله ابن عبد البر- بهامش الإصابة، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.
اعتقاد أئمة الحديث- أبو بكر الإسماعيلي، أحمد بن إبراهيم- تحقيق: محمد بن عبد الرحمن الخميس، دار العاصمة، الرياض.
الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد- أحمد بن الحسين البيهقي- تحقيق: أحمد عاصم الكاتب، دار الآفاق الجديدة، ط1، 1401هـ.
الاقتصاد في الاعتقاد- أبو حامد بن محمد الغزالي- دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1403هـ.
بدائع الفوائد- محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية- دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.
البداية والنهاية- أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي، مكتبة المعارف، بيروت، لبنان، ط4، 1401هـ.
البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع- محمد بن علي الشوكاني- مطبعة دار السعادة، القاهرة، مصر، 1348هـ.
البدور السافرة في أمور الآخرة- عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي- تحقيق: مصطفى عاشور، مكتبة القرآن القاهرة، مصر.
بغية الطلب في تاريخ حلب- عمر بن أحمد بن العديم- تحقيق: سهيل زكار، المكتبة التجارية، مصطفى أحمد الباز، مكة المكرمة.
بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية أهل الإلحاد من القائلين بالحلول والاتحاد- شيخ الإسلام ابن تيمية- تحقيق: د/موسى بن سليمان الدويش، مكتبة العلوم والحكم.
بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة- عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي- تحقيق: أبو الفضل إبراهيم، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة، مصر، ط1، 1384هـ.
بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (نقض تأسيس الجهمية)- شيخ الإسلام بن تيمية أحمد بن عبد الحليم- مطبعة الحكومة، مكة المكرمة، المملكة العربية السعودية، ط1، 1391هـ.
بيان فضل علم السلف على علم الخلف- ابن رجب- تحقيق: محمد ناصر العجمي، ط1، 1404هـ/1983م، دار الأرقم، الكويت.
(1/4)
البيان والتحصيل- أبو الوليد بن رشد القرطبي- تحقيق: أحمد الحبابي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط2، 1408هـ.
تأويل مختلف الحديث- ابن قتيبة عبد الله بن مسلم الدينوري- دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.
تأويلات أهل السنة- أبو منصور بن محمد بن محمد الماتريدي- تحقيق: د/إبراهيم عوضين والسيد عوضين، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بجمهورية مصر العربية، 1391هـ.
تاج العروس من جواهر القاموس- محمد مرتضى الزبيدي- مطبعة حكومة الكويت، ومكتبة الحياة لبنان.
التاريخ- يحيى بن معين- تحقيق: د/ أحمد نور سيف، مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى، مكة المكرمة.
تاريخ الأدب العربي- كارل بروكلمان- نقله إلى العربية د/عبد الحليم النجار، دار المعارف، القاهرة، مصر، ط4.
تاريخ الإسلام- محمد بن أحمد الذهبي- دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.
تاريخ الرسل والملوك (تاريخ الطبري)- محمد بن جرير الطبري- دار المعارف، القاهرة، مصر، 1968م.
التاريخ الكبير- عبد الله بن إسماعيل البخاري- مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، لبنان، 1407هـ.
تاريخ بغداد- أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي- دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
تاريخ جرجان- حمزة بن يوسف السهمي- عالم الكتب، بيروت، لبنان، ط4، 1407هـ/1987م.
تاريخ دمشق- علي بن الحسن بن عساكر- تحقيق: محب الدين العمروي، دار الفكر، بيروت، لبنان، 1415هـ.
التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين- أبو المظفر الإسفراييني- تحقيق: كمال يوسف الحوت، عالم الكتب، بيروت، لبنان، ط1، 1403هـ.
التبصير في معالم الدين- محمد بن جرير الطبري- تحقيق: علي ابن عبد العزيز الشبل، دار العاصمة، الرياض، ط1، 1416هـ.
تبيين كذب المفتري فيما نسبه إلى أبي الحسن الأشعري- علي بن الحسن بن عساكر- دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، 1399هـ.
التجسيم عن المسلمين- سهير محمد مختار- شركة الإسكندرية للطباعة والنشر.
(1/5)
تحفة المريد بشرح جوهرة التوحيد- إبراهيم اللقاني- دار الكتب العلمية، لبنان.
التحفة المهدية شرح الرسالة التدمرية- فالح بن مهدي آل مهدي،ط: الجامعة الإسلامية.
تذكرة الحفاظ- محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي- تحقيق: عبد الرحمن المعلمي اليماني، حيد آباد، الهند، 1958.
ترتيب المدارك- القاضي عياض- تحقيق: محمد بن تاويت الطبخي، ومحمد بن شريفة، وزارة الأوقاف، المملكة المغربية، ط3، 1403هـ.
الترغيب والترهيب- أبو القاسم الأصبهاني- تحقيق: أيمن صالح شعبان، دار الحديث، القاهر، مصر، ط1، 1414هـ.
التصديق بالنظر- محمد بن الحسين الآجري- تحقيق: محمد غياث الجنباز، دار عالم الكتب، بيروت، لبنان، ط1،1405هـ.
تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة- أحمد بن علي بن حجر العسقلاني- تحقيق: د/إكرام الله إمداد الحق، دار البشائر الإسلامية، بيروت، لبنان، ط1،1416هـ/1996م.
التفسير الكبير- فخر الدين محمد بن عمر الرازي- دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط3.
تفسير عبد الرزاق- عبد الرزاق بن همام الصنعاني- مخطوط ومنه صورة في مكتبة المخطوطات بعمادة شؤون المكتبات بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، تحت رقم (1745 مصور) ورقم (2263ميكروفيلم).
تفسير مجاهد- تحقيق: عبد الرحمن السورتي، مجمع البحوث الإسلامية، إسلام آباد، باكستان، 1396هـ.
تفسير القرآن العظيم- أبو الفداء إسماعيل بن كثير- دار المعرفة، بيروت، لبنان.
تقريب التهذيب- أحمد بن علي بن حجر العسقلاني- تحقيق: أبو الأشبال صغير أحمد شاغف الباكستاني، دار العاصمة، ط1، 1416هـ.
تكملة إكمال الإكمال – محمد علي الصابوني – مكتبة العلوم والحكم، المدينة النبوية،ط1، 1406هـ.
التكملة لوفيات النقلة- عبد العظيم المنذري- تحقيق: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط2، 1405هـ.
(1/6)
تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل- محمد بن الطيب الباقلاني- تحقيق: عماد الدين أحمد حيدر، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، لبنان، ط1، 1407هـ/1987م.
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد- أبو عمرو يوسف بن عبد الله بن عبد البر- تحقيق: عبد الله بن الصديق، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية، ط2، 1399هـ/1979م.
التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع- محمد بن أحمد أبو الحسن المالطي- نشر دار الثقافة الإسلامية، ط1، 1368.
تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة- أبو الحسن علي بن محمد بن عراق- تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف وعبد الله محمد الصديق، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط2، 1401هـ.
تهذيب إصلاح المنطق- أبو زكريا التبريزي- تحقيق: د/فوزي عبد العزيز مسعود، الهيئة المصرية العامة للكتاب،القاهرة(1986م).
تهذيب التهذيب- أحمد بن علي بن حجر العسقلاني- مجلس دائرة المعارف النظامية، الهند، ط1، 1325.
تهذيب الكمال في أسماء الرجال- أبو الحجاج يوسف المزي- تحقيق: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط5، 1415هـ/1994م.
تهذيب اللغة- أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري- تحقيق: عبد السلام هارون، المؤسسة المصرية للتأليف والترجمة.
تهذيب تاريخ دمشق- عبد القادر بن بدران- دار المسير، بيروت، لبنان، ط2، 1399هـ.
تهذيب سنن أبي داود- ابن القيم، محمد بن أبي بكر- تحقيق: محمد حامد الفقي وأحمد شاكر، دار المعرفة، بيروت، لبنان.
التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل- محمد لن إسحاق بن خزيمة- تحقيق: عبد العزيز بن إبراهيم الشهوان، مكتبة الرشد، الرياض، ط1، 1408هـ.
التوحيد ومعرفة أسماء الله وصفاته على الاتفاق والتفرق- ابن منده- تحقيق: د/ علي بن محمد بن ناصر فقيهي، الجامعة الإسلامية، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية.
(1/7)
توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة ابن القيم –أحمد بن إبراهيم بن عيسى الشرقي- تحقيق: زهير الشاويش- المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، 1382هـ.
التيسير شرح الجامع الصغير- عبد الرؤوف المناوي- المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان,
الثقات – ابن شاهين- تحقيق: صبحي السامرائي، دار السلفية، الكويت، ط1، 1404هـ.
الثقات –محمد بن حبان البستي- دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، الهند.
الجامع –معمر بن راشد الأزدي- رواية الإمام عبد الرزاق الصنعاني- مطبوع في آخر المصنف.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن –محمد بن جرير الطبري- تحقيق: محمود محمد شاكر، شركة ومكتبة مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط3.
الجامع الصحيح–محمد بن إسماعيل البخاري- انظر فتح الباري.
الجامع الصحيح –محمد بن إسماعيل البخاري- طبعة دار السلام، الرياض، المملكة العربية السعودية.
الجامع الصغير –عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي- دار الفكر، بيروت، لبنان، ط4.
جامع المتون في حق أنواع الصفات الإلهية والعقائد الماتريدية- أحمد ضياء الدين بن مصطفى- ط:1 على الحجر، دار الطباعة العامرة، الأستانة 1273هـ.
الجامع في السنن والآداب والمغازي والتاريخ- ابن أبي زيد القيرواني- تحقيق: د/محمد أبو الأجفان، ود/عثمان بطيخ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط1،1402هـ.
جلاء العينين في محاكمة الأحمدين –نعمان خير الدين بن الآلوسي البغدادي- دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
الجهاد –ابن أبي عاصم- تحقيق: مساعد بن سليمان الراشد، دار القلم دمشق سوريا، ط1، 1409هـ.
جواب أبي بكر الخطيب البغدادي على سؤال أهل دمشق في الصفات، تحقيق: جمال عزون، طبع بذيل كتاب اعتقاد أهل السنة الإسماعيلي، دار الريان.
حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح –ابن القيم، محمد بن أبي بكر- دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
الحبائك في أخبار الملائك –عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي- تعليق عبد الله الصديق، مطبعة التأليف، مصر.
(1/8)
الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة –قوام السنة إسماعيل بن محمد الأصبهاني- تحقيق: محمد بن ربيع بن هادي المدخلي، دار الراية، الرياض، المملكة العربية السعودية، ط1، 1411هـ/1990م.
الحد –محمود بن القاسم بن بدر الدشتي- نسخة مصورة من مكتبة المخطوطات بعمادة شؤون المكتبات بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية.
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء –أبو نعيم، أحمد بن عبد الله الأصفهاني -دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ط2، 1387هـ.
حياة الحيوان الكبرى –كمال الدين الدميري- مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، 1956م.
الخطط –المقريزي- طبعة بولاق.
خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل- محمد ابن إسماعيل البخاري- تحقيق: علي سامي النشار وعمار جمعي الطالبي، ضمن عقائد السلف، منشأة المعارف بالإسكندرية، مصر، 1971.
الدارس في أخبار المدارس –عبد القادر بن محمد النعيمي- دمشق 1367-1370هـ.
الدر المنثور في التفسير بالمأثور- عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي- دار المعرفة، بيروت، لبنان.
درء تعارض العقل والنقل- أحمد عبد الحليم بن تيمية- تحقيق: د/محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض، المملكة العربية السعودية.
الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة- أحمد بن علي بن حجر العسقلاني- مطبعة دائرة المعارف العثمانية، الهند،ط1، 1348هـ.
الدعاء –أبو القاسم الطبراني- تحقيق: محمد سعيد البخاري، دار البشائر الإسلامية، بيروت، لبنان، ط1،1407هـ.
دلائل النبوة- أحمد بن الحسين البيهقي- تحقيق: عبد المجيد قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1405هـ.
دلائل النبوة –أبو نعيم، أحمد بن عبد الله الأصبهاني- تحقيق: محمد رواس قلعجي وعبد البر عباس، المكتبة العربية، حلب، سوريا، ط1، 1970م.
الدليل الشافي على المنهل الصافي –يوسف بن تغري بردي- تحقيق: فهيم محمد شلتوت، نشر مركز البحث العلمي، جامعة أم القرى، مكة المكرمة.
(1/9)
الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب –ابن فرحون المالكي- تحقيق: محمد الأحمدي أبو النور، دار التراث، القاهرة، مصر.
ديوان حسَّان بن ثابت، تحقيق: سيد حنفي حسنين، دار المعارف، القاهرة، مصر، ط1،1973م.
ديوان حميد بن ثور الهلالي –حميد بن ثور الهلالي- تحقيق: عبد العزيز الميمني، القاهرة، مصر، (1951م).
ذكر أخبار أصبهان- أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني- ليدن، 1931م.
ذم الرياء –الحسن بن إسماعيل بن الضراب- تحقيق: با كريم با عبد الله، دار البخاري، المدينة النبوية، ط1، 1416..
ذم الكلام وأهله –أبو إسماعيل الهروي- تحقيق: عبد الرحمن الشبل، مكتبة العلوم والحكم، المدينة النبوية، ط1، 1416هـ.
الذهبي ومنهجه في التاريخ –بشار عواد معروف- مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة، مصر، 1976م.
ذيل تذكرة الحفاظ –محمد بن علي بن الحسن بن الحسيني- طبع بذيل تذكرة الحفاظ.
ذيل طبقات الحنابلة –عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي- طبع بذيل طبقات الحنابلة.
الرؤية- علي بن عمر الدارقطني- تحقيق: مبروك إسماعيل مبروك، مكتبة القرآن، القاهرة، مصر.
الرحلة في طلب الحديث –الخطيب البغدادي- تحقيق: نور الدين عتر، بيروت، لبنان.
الرد الوافر –محمد بن أبي بكر بن ناصر الدين الدمشقي، تحقيق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، ط3، 1411هـ.
الرد على الجهمية –أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده- تحقيق: د/علي بن محمد ناصر الفقيهي، ط2، 1402هـ/1982م.
الرد على الجهمية والزنادقة في ما شكوا فيه من متشابه القرآن –الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، منشأة المعارف، الإسكندرية، مصر، 1971.
الرد على المريسي –عثمان بن سعيد الدارمي- ضمن مجموعة عقائد السلف، منشأة المعارف الإسكندرية، مصر.
الرد على المعطلة (مخطوط) ـ الحكيم الترمذي- نسخة مصورة من دار الكتب المصرية برقم (3282).
(1/10)
الرد على من أنكر الحرف والصوت- أبو نصر عبيد الله بن سعيد السجزي، تحقيق: محمد باكريم باعبدالله، مطبوعات المجلس العلمي، الجامعة الإسلامية، المدينة النبوية.
الرد على من يقول القرآن مخلوق –أحمد بن النجاد- تحقيق: رضا الله محمد إدريس، مكتبة الصحابة، الكويت، 1400هـ.
الرد على المنطقيين –شيخ الإسلام ابن تيمية- إدارة ترجمان السنة، لاهور، باكستان.
الرسالة –ابن أبي زيد القيرواني- مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط2، 1368هـ.
رسالة أهل الثغر (أصول أهل السنة والجماعة) ـأبو الحسن الأشعري- تحقيق: محمد السيد الجليند، مطبعة التقديم، القاهرة، 1407هـ/1987م.
الرسالة العرشية –شيخ الإسلام ابن تيمية- ضمن مجموعة فتاوى ابن تيمية، دار الفكر، 1403هـ.
الرسالة المستطرفة –محمد بن جعفر الكتاني- دار البشائر الإسلامية، بيروت، لبنان، ط4،1406هـ.
روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني- أبي الفضل شهاب الدين محمود البغدادي الآلوسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
رونق الألفاظ بمعجم الحفاظ- سبط ابن حجر يوسف بن شاهين- مخطوط وله نسخة في المكتبة الخالدية، القدس.
زاد المسير في علم التفسير –أبي الفرج، جمال الدين عبد الرحمن ابن علي بن الجوزي البغدادي- المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط2، 1404هـ.
زاد المعاد في هدي خير العباد- ابن قيم الجوزية، محمد بن أبي بكر- تحقيق: شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط14، 1407هـ.
الزهد- عبد الله بن المبارك المروزي- تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
الزهد -للإمام أحمد بن حنبل الشيباني- تحقيق: محمد جلاف شرف، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان، 1981م.
الزهد –هناد بن السري- تحقيق: عبد الله الأنصاري، قطر.
زوائد ابن ماجه –أحمد بن أبي بكر البوصيري- بهامش سنن ابن ماجه.
(1/11)
سؤالات البرقاني للدارقطني –تحقيق: عبد الرحيم محمد أحمد، خانة جميلي، لاهور، باكستان، ط1، 1404هـ.
سؤالات السهمي للدارقطني –حمزة بن يوسف السهمي- تحقيق: موفق بن عبد الله بن عبد القادر، مكتبة المعارف، الرياض، المملكة العربية السعودية، ط1، 1404ه.
سلسلة الأحاديث الصحيحة –محمد ناصر الدين الألباني- المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط2، 1399هـ.
سلسلة الأحاديث الضعيفة –محمد ناصر الدين الألباني- المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان.
السنة –أبو بكر عمرو بن أبي عاصم- تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط1، 1400هـ.
السنة –أحمد بن محمد بن هارون الخلال- تحقيق: د/عطية الزهراني، دار الراية، الرياض، المملكة العربية السعودية، ط1، 1410هـ,
السنة –الإمام أحمد بن حنبل- تصحيح الشيخ إسماعيل الأنصاري، نشر إدارة البحوث العلمية، الرياض.
السنة –عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل –تحقيق: د/محمد سعيد القحطاني، دار ابن القيم، الرياض، المملكة العربية السعودية، ط1، 1406هـ.
السنن (مع شرح السيوطي، وحاشية السندي) –أبو عبدالرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر النسائي- دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
السنن –أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي- تعليق عزت عبيد الدعاس وعادل السيد، نشر وتوزيع محمد علي السيد، حمص، ط1، 1388هـ.
السنن –أبو عبد الله، محمد بن يزيد بن ماجه القزويني- تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
السنن –أبي عيسى، محمد بن عيسى بن سورة الترمذي- تحقيق: أحمد شاكر، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
السنن –سعيد بن منصور- تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1405هـ.
السنن –عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي- دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
السنن- علي بن عمر الدارقطني –مطبوعات السيد عبد الله هاشم اليماني، المدينة النبوية، 1386.
(1/12)
السنن الكبرى –أحمد بن الحسين بن علي البيهقي- مطبعة دائرة المعارف النظامية، حيدر آباد، الهند.
سير أعلام النبلاء –محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي- تحقيق: مجموعة من العلماء، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط2، 1402هـ.
السيرة النبوية –عبد الملك بن هشام المعافري- تحقيق: طه عبدالرؤوف سعد، شركة الطباعة الفنية المتحدة، القاهرة، مصر.
شذرات الذهب في أخبار من ذهب- ابن الفلاح عبد الحي بن العماد- دار إحياء الكتاب العربي، بيروت، لبنان.
شرح أبيات إصلاح المنطق –ابن السيرافي- تحقيق: ياسين محمد السواس، الناشر: مركز جمعية الماجد، دبي، (1412هـ،1992م).
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة –هبة الله بن الحسن الطبري اللالكائي –تحقيق: د/أحمد سعد حمدان، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض المملكة العربية السعودية، ط1.
شرح الأصول الخمسة –عبد الجبار بن أحمد القاضي- تحقيق:د/ عبد الكريم عثمان، مكتبة وهبة، مصر، ط1، 1384هـ.
شرح السنة –حسين بن مسعود بن محمد البغوي- تحقيق: شعيب الأرناؤوط وزهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، 1394هـ.
شرح العقيدة الأصفهانية –شيخ الإسلام ابن تيمية –دار الكتب الإسلامية.
شرح العقيدة الطحاوية –ابن أبي العز الحنفي- تحقيق: جماعة من العلماء، تخريج محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط6، 1400هـ.
شرح الفقه الأبسط –أبو الليث السمرقندي- ضمن الرسائل السبع في العقائد، دائرة المعارف العثمانية، الهند، ط3، 1400هـ.
شرح القصيدة النونية لابن القيم –محمد خليل هراس- دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1406هـ.
شرح جوهرة التوحيد (تحفة المريد) –إبراهيم اللقاني- دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1403هـ.
شرح حديث النزول –ابن تيمية- تحقيق: محمد الخميس، دار العاصمة، الرياض، ط1، 1414هـ.
(1/13)
الشريعة –محمد بن الحسين الآجري- تحقيق: د/ عبد الله بن عمر الدميجي، دار الوطن، الرياض، المملكة العربية السعودية،ط1، 1418هـ/1997م.
شعب الإيمان –أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي- نسخة مصورة في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية تحت رقم (316-321).
الشعر والشعراء –ابن قتيبة- تحقيق: أحمد محمد شاكر، دار المعارف، القاهرة، مصر.
الشكر –عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا- تحقيق: ياسين محمد السواس، دار ابن كثير، دمشق، سوريا، 1405هـ.
الصحاح –إسماعيل بن حماد الجوهري- تحقيق: عبد الغفور العطار، ط2، 1402هـ/1982م.
صحيح ابن حبان، ترتيب ابن بلبان علاء الدين الفارسي، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان.
صحيح الترغيب والترهيب –محمد ناصر الدين الألباني- المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط2، 1414هـ.
صحيح الجامع الصغير –محمد ناصر الدين الألباني- المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط1، 1388هـ.
صحيح سنن الترمذي- محمد ناصر الدين الألباني- مكتب التربية العربي لدول الخليج، ط1، 1408هـ.
صحيح مسلم بشرح النووي- مسلم بن الحجاج القشيري- دار الفكر، بيروت، لبنان، ط2، 1399هـ.
صريح السنة –الطبري- تحقيق: بدر يوسف المعتوق، دار الخلفاء للكتاب العربي، ط1، 1405هـ.
الصفات –أبو الحسن، علي بن عمر الدارقطني- تحقيق: عبد الله الغنيمان، مكتبة الدار. ونسخة أخرى بتعليق: محمد بن علي ناصر الفقيهي.
صفة الصفوة –ابن الجوزي- دار الري، حلب، سوريا، ط1، 1390هـ.
الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة –محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية- تحقيق: علي بن محمد الدخيل الله، دار العاصمة، الرياض، ط1، 1408هـ.
الضعفاء الكبير –محمد بن عمرو بن موسى العقيلي- تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1.
الضعفاء والمتروكين –عبد الرحمن بن الجوزي- دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
(1/14)
ضعيف الجامع الصغير- محمد ناصر الدين الألباني- المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان.
طبقات الحفاظ –جلال الدين عبد الرحمن السيوطي- تحقيق: مجموعة من العلماء، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1403هـ.
طبقات الحنابلة –محمد بن أبي يعلى- دار المعرفة، بيروت، لبنان.
طبقات الشافعية –ابن قاضي شهبة- تحقيق: عبد المنعم خان، دار المعارف العثمانية، الهند، ط1، 1398هـ /1978م.
طبقات الشافعية –عبد الرحيم بن الحسين بن علي الأسنوي- تحقيق: عبد الله الجباروي، مطبعة الإرشاد، بغداد، العراق، ط1، 1970م.
طبقات الشافعية الكبرى –عبد الوهاب بن علي السبكي- تحقيق: محمود محمد الطناجي وعبد الفاتح محمد الحلو، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، مصر، ط1، 1383هـ.
طبقات الصوفية –أبو عبد الرحمن السلمي- تحقيق: نور الدين شريبة، مكتبة الخانجي، القاهرة، مصر، ط3، 1406هـ.
طبقات الفقهاء –أبو إسحاق الشيرازي- دار الرائد العربي، بيروت، لبنان، ط2، 1401هـ.
الطبقات الكبرى –محمد بن عبد الله بن سعد –دار صادر، بيروت، لبنان.
طبقات المحدثين بأصبهان –أبو الشيخ، عبد الله بن حيان الأصبهاني- تحقيق: عبد الغفور البلوشي، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط2، 1412هـ.
طبقات المفسرين –شمس الدين محمد بن علي بن أحمد الداودي- دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1403هـ.
ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم –محمد ناصر الدين الألباني- المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط1، 1400هـ.
العبر في خبر من غبر –محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي- تحقيق: محمد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1405هـ/1985م.
العرش –ابن أبي شيبة. تحقيق د/محمد خليفة التميمي، مكتبة الرشد، الرياض، 1418هـ/1998م.
العظمة –عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان أبو الشيخ الأصبهاني- تحقيق: رضا الله بن محمد بن إدريس المباركفوري، دار العاصمة، الرياض، ط1، 1408هـ.
(1/15)
عقود الجمان في شعراء هذا الزمان –ابن الشعار- مخطوط وله نسخة في ميكروفيلم بمعهد المخطوطات بالقاهرة.
عقيدة السلف وأصحاب الحديث –إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني- تحقيق: د/ناصر بن عبد الرحمن بن محمد بن الجديع، دار العاصمة، الرياض، ط1، 1415هـ.
العقيدة السلفية في كلام رب البرية –عبد الله بن يوسف الجديع- مطابع السياسة، الكويت.
العقيدة النظامية –أبو المعالي الجويني- تحقيق: أحمد حجازي السقا، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، مصر، 1399هـ.
عقيدة عبد الغني المقدسي، تحقيق: عبد الله محمد البصيري، الرئاسة العامة للبحوث العلمية، الرياض،ط1411هـ/1990م.
علل الحديث –عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي- دار المعرفة، بيروت، لبنان، 1405هـ.
العلل المتناهية في الأحاديث الواهية – أبو الفرج، عبد الرحمن ابن علي بن الجوزي التيمي- تحقيق: إرشاد الحق الأثري، دار العلوم الأثرية، فيصل أباد، باكستان، ط2، 1401هـ.
العلو للعلي الغفار –أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي- المكتبة السلفية، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية.
عمل اليوم والليلة –أحمد بن شعيب النسائي- تحقيق: فاروق حمادة، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط2.
العين –الخليل بن أحمد الفراهيدي- تحقيق: مهدي المخزومي، وإبراهيم السمرائي، وزارة الثقافة والإعلام، 1981-1982م.
عيون التواريخ –ابن شاكر الكتبي- تحقيق: فيصل السامر، ونبيلة عبد المنعم، وزارة الثقافة والإعلام، الجمهورية العراقية، 1984م.
غاية الأماني في الرد على النبهاني- محمود شكري الآلوسي- دار إحياء السنة النبوية.
غاية النهاية في طبقات القراء –شمس الدين محمد الجزري- تحقيق: برجستواسو، مكتبة الخانجي، القاهرة، مصر.
غرائب القرآن ورغائب الفرقان –نظام الدين الحسن بن محمد القمي النيسابوري، تحقق: إبراهيم عطوة عوض، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، 1381هـ.
(1/16)
غريب الحديث –أبي عبيد القاسم بن سلام الهروي- دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1406هـ.
الغنية لطالبي طريق الحق –عبد القادر الجيلاني- شركة البابي الحلبي، القاهرة، مصر، ط3، 1375هـ.
الغيلانيات –أبو بكر الشافعي- تحقيق: مرزوق بن هياس الزهراني، دار المأمون للتراث.
فتح القدير –محمد بن علي بن محمد الشوكاني- تحقيق: شعبان محمد إسماعيل، عالم الكتب.
فتح الباري –محمد بن علي بن حجر العسقلاني- المكتبة السلفية.
الفتوحات المكية- ابن عربي- دار صادر، بيروت.
الفتوى الحموية الكبرى –شيخ الإسلام ابن تيمية- المكتبة السلفية، القاهرة، مصر، ط3، 1398هـ.
الفتوى الحموية الكبرى –شيخ الإسلام ابن تيمية- دار فجر للتراث.
الفردوس بمأثور الخطاب –شهردار الديلمي- تحقيق: فواز الزمرلي ومحمد المعتصم بالله البغدادي، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ط1، 1407هـ.
الفرق بين الفرق -عبد القاهر بن طاهر البغدادي- تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار المعرفة، بيروت، لبنان.
الفصل في الملل والأهواء والنحل – أبو محمد، علي بن أحمد بن حزم الظاهري، مكتبة الخانجي، مصر.
فصوص الحكم -ابن عربي- تحقق محمود محمود غراب، مطبعة زيد بن ثابت، 1405هـ.
فضائل الصحابة -للإمام أحمد بن حنبل- تحقيق: وصي الله محمد عباس، مركز البحث العلمي، جامعة أم القرى، مكة المكرمة.
الفقه الأبسط –أبو حنيفة النعمان- تحقيق: محمد زاهد الكوثري، مطبعة الأنوار، القاهرة، مصر، 1368هـ.
الفقيه والمتفقه –الخطيب البغدادي- تصحيح إسماعيل الأنصاري، مطابع القصيم، الرياض، 1389هـ.
الفهرست –محمد بن إسحاق بن النديم- تحقيق: رضا.
الفوائد –أبو بشر إسماعيل بن سعود سمويه الأصبهاني- نسخة مصورة في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية تحت رقم (543/ 136-147).
الفوائد –تمام الرازي- ترتيب وتخريج جاسم فهيد الدوسري، دار البشائر الإسلامية، بيروت، لبنان، ط2، 1987م.
(1/17)
فوات الوفيات -ابن شاكر الكتبي- تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، لبنان، 1973م.
فيض القدير شرح الجامع الصغير –عبد الرؤوف المناوي- دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط2،1391ه.
الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة –محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي- دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1403هـ.
الكامل –علي بن محمد بن الأثير الجزري- دار صادر، بيروت، لبنان، 1385هـ.
الكامل في ضعفاء الرجال –أبو أحمد، عبد الله بن عدي الجرجاني- دار الفكر للطباعة والنشر،بيروت،لبنان، ط1، 1404هـ.
كتاب الصفدية –شيخ الإسلام ابن تيمية- مكتبة ابن تيمية، القاهرة.
الكتاب اللطيف لشرح مذهب أهل السنة –عمر بن أحمد بن شاهين- تحقيق عبد الله بن محمد البصيري، مكتبة الغرباء، المدينة المنورة، ط1/1416هـ.
كتاب باب ذكر المعتزلة من كتاب المنية والأمل –أحمد بن يحيى المرتضى- اعتنى بتصحيحه توما أرنلد، دار صادر، بيروت.
الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل –أبو القاسم، جار الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي- مكتبة مصطفى بابي الحلبي، مصر، 1385هـ.
كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب الستة –علي بن أبي بكر الهيثمي- تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط1، 1399هـ.
كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون –حاجي خليفة- طبع بعناية وكالة المعارف، دار العلوم الحديثة، بيروت، لبنان، 1955م.
الكشف والبيان في تفسير القرآن –الثعلبي- مخطوط منه نسخة مصورة في مكتبة المخطوطات بعمادة شؤون المكتبات بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية.
الكليات –أبو البقاء، أيوب بن موسى الحسيني الكفوي- تحقيق: عدنان درويش، دار إحياء التراث العربي.
كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال –علاء الدين علي بن المتقي بن حسام الدين الهندي- مؤسسة الرسالة، 1399هـ.
(1/18)
اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة –جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي- دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط 3، 1401هـ.
لب اللباب في تحرير الأنساب –جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي- مكتبة المثنى، بغداد.
لباب العقول في الرد على الفلاسفة في علم الأصول –يوسف ابن محمد المكلاتي- تحقيق: فوقية محمد، دار الأنصار،القاهرة،ط:1.
اللباب في تهذيب الأنساب –ابن الأثير الجزري- دار صادر، بيروت، لبنان، 1400هـ.
لسان العرب –أبو الفضل، جمال الدين محمد بن مكرم المصري- دار صادر، بيروت، لبنان، ونسخة دار المعارف القاهرة، مصر.
لسان الميزان –علي بن حجر العسقلاني- مصورة عن طبعة دائرة المعارف بالهند، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط2، 1390هـ.
لوائح الأنوار السنية ولواقح الأفكار السنية شرح قصيدة ابن أبي داود الحائية في عقيدة الأثر السلفية –محمد بن أحمد السفاريني- تحقيق عبد الله بن محمد بن سليمان البصيري- مكتبة الرشد.
لوامع الأنوار البهية –محمد بن أحمد السفاريني- مطبعة المدني.
الماتريدية دراسة وتقويم- أحمد بن عوض الله الحربي- دار العاصمة.
الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات –د/شمس الأفغاني.
المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين- أبو حاتم، محمد ابن حبان بن أحمد بن حبان البستي- تحقيق: محمد إبراهيم زايد، دار الوعي، حلب، سوريا، ط1، 1396هـ.
مجمع الزوائد ومنبع الفوائد- نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي- دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، 1402هـ.
مجموع الفتاوى- شيخ الإسلام ابن تيمية- جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، دار العربية، بيروت، لبنان.
مجموعة الرسائل الكبرى –شيخ الإسلام ابن تيمية- دار الفكر، بيروت، لبنان، 1400هـ.
محاسن التأويل –جمال الدين القاسمي- تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، مصر، 1380هـ.
(1/19)
المحدث الفاصل –الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي- تحقيق: محمد عجاج الخطيب، دار الفكر، بيروت، لبنان، 1391هـ.
مختصر إتحاف المهرة –البوصيري- تحقيق: سيد كروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1417هـ.
مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لابن قيم الجوزية- محمد بن الموصلي- دار الفكر.
مختصر العلو للعلي الغفار للذهبي- محمد ناصر الدين الألباني- المكتب الإسلامي، ط1، 1401هـ.
مختصر تاريخ دمشق- محمد بن مكرم بن منظور- تحقيق: عبد الحميد مراد، دار الفكر، بيروت، لبنان، ط1، 1404هـ.
مدارج السالكين- ابن قيم الجوزية- تحقيق: محمد حامد الفقي، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، 1972م.
المدخل إلى السنن الكبرى –أحمد بن الحسين البيهقي- تحقيق: د/محمد ضياء الرحمن الأعظمي، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي.
المراكشية –شيخ الإسلام ابن تيمية- ضمن مجموع الفتاوى.
مسائل الإمام أحمد –أبو داود، سليمان بن الأشعث- دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط1، 1353هـ.
المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة –عبد الإله ابن سليمان الأحمدي- دار طيبة، الرياض، ط2، 1416هـ.
المسايرة -ابن الهمام- مطبعة السعادة، مصر.
المستدرك على الصحيحين- أبو عبد الله، محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، دار الفكر، بيروت، لبنان، 1398هـ.
المسند (البحر الزخار) -البزار- تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله، مؤسسة علوم القرآن، بيروت، لبنان، ط1، 1409هـ.
المسند -أبو بكر، أحمد بن عمرو البزار- نسخة مصورة بمكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تحت رقم (804-1907).
المسند -أبو داود الطيالسي- دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، الهند، 1321هـ.
المسند -الإمام أحمد بن حنبل الشيباني- دار صادر، بيروت، لبنان.
المسند -محمد بن إدريس الشافعي- دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1400.
(1/20)
مسند أبي يعلى -أحمد بن علي بن المثنى التميمي- تحقيق: حسين سليم، دار المأمون للتراث، دمشق.
مسند الحميدي -عبد الله بن الزبير الحميدي- تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، عالم الكتب، بيروت.
مسند الشهاب -محمد بن سلامة القضاعي- تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، 1405هـ.
مشكل الآثار -أحمد بن محمد الطحاوي- مطبعة دار المعارف النظامية، حيدر آباد، الدكن، ط 2، 1388هـ.
مشكل الحديث وبيانه -أبو بكر، محمد بن الحسن بن فورك- دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1400هـ.
المصنف -أبو بكر، عبد الله بن محمد بن أبي شيبة- الدار السلفية، بومباي، الهند ط1.
مصنف عبد الرزاق –عبد الرزاق بن همام الصنعاني- تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، دار الباز للنشر والتوزيع، مكة المكرمة.
المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية –أحمد بن علي بن حجر العسقلاني- تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، دار الباز للنشر والتوزيع، مكة المكرمة.
معالم التنزيل –الحسن بن مسعود البغوي-مطابع المنار، ط1.
معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى- د/ محمد بن خليفة التميمي- دار إيلاف الدولية للنشر والتوزيع، الكويت،ط:1، 1417هـ.
معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات –د/محمد بن خليفة التميمي- دار إيلاف الدولية للنشر والتوزيع، الكويت ط1، 1417هـ.
المعجم الأوسط –سليمان بن أحمد الطبراني- تحقيق: طارق بن عوض الله وعبد المحسن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين، القاهرة، مصر، 1416هـ.
معجم البلدان –شهاب الدين ياقوت بن عبد الله الحموي- دار صادر، بيروت، لبنان، 1399هـ.
معجم السفر- أبو طاهر السلفي- تحقيق: بهيجة الحسني، وزارة الثقافة والفنون، بغداد، العراق، 1398هـ.
معجم الشيوخ (المعجم الكبير) –محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي- تحقيق: محمد الحبيب الهيلة، دار الصديق، الطائف، المملكة العربية السعودية، 1408هـ/1988م.
(1/21)
المعجم الكبير –أبو القاسم، سليمان بن أحمد الطبراني –تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، الدار العربية، بغداد، العراق، ط1.
معجم المؤلفين -عمر رضا كحالة- مكتبة المثنى ودار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
المعجم المختص بالمحدثين –محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي- تحقيق: محمد الحبيب الهيلة، دار الصديق، الطائف المملكة العربية السعودية، 1408هـ/1988م.
المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم –محمد فؤاد عبد الباقي- المكتبة الإسلامية، استانبول، تركيا.
معجم مقاييس اللغة- أبو الحسين أحمد بن فارس- تحقيق: عبد السلام هارون، مكتبة مصطفى الحلبي، ط2.
معرفة القراء الكبار – محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي- تحقيق: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، الأردن، 1984م.
معرفة علوم الحديث محمد بن عبد الله الحاكم- المكتبة التجارية للطباعة والنشر، بيروت، لبنان.
المعرفة والتاريخ –يعقوب بن سفيان الفسوي- تحقيق: أكرم ضياء العمري، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط2، 1401هـ.
مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة- عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي- مطابع الرشيد، ط2، 1399هـ.
مفتاح السعادة ومصباح السيادة- طاش كبرى زاده- دار الكتب العلمية، بيروت.
المفردات في غريب القرآن –أبو القاسم، الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني- دار المعرفة، بيروت، لبنان.
المقاصد الحسنة- محمد بن عبد الرحمن السخاوي- دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1399هـ.
مقالات الإسلاميين- أبو الحسن، علي بن إسماعيل الأشعري- تحقيق: محمد محي الدين، مكتبة النهضة، مصر، 1389هـ.
مقالة التعطيل والجعد بن درهم –د/ محمد بن خليفة التميمي، مكتبة أضواء السلف، الرياض، ط1، 1418هـ.
المقدمة –ابن خلدون- تحقيق: مصطفى محمد، دار الفكر، بيروت.
الملل والنحل –أبو الفتح، محمد بن عبد الكريم الشهرستاني- تحقيق: محمد سيد الكيلاني، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، مصر، 1387.
(1/22)
مناقب الشافعي –أحمد بن الحسين البيهقي- تحقيق: السيد أحمد صقر، مكتبة دار التراث، القاهرة، مصر، 1391هـ.
منال الطالب شرح طوال الغرائب- المبارك بن محمد بن الأثير الجزري- تحقيق: محمود محمد الطناحي، مركز البحث العلمي، جامعة أم القرى، مكة المكرمة.
منهاج السنة –شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية- تحقيق: محمد رشاد سالم، طبع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، المملكة العربية السعودية.
المنهاج في شعب الإيمان –أبو عبد الله، الحسين بن الحسن الحليمي- تحقيق: حلمي محمد فودة، دار الفكر، بيروت، لبنان، ط1، 1399هـ.
منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله –خالد بن عبد اللطيف- مكتبة الغرباء، المدينة النبوية.
المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد –أبو اليمن، مجير الدين عبد الرحمن بن محمد العليمي- تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، مطبعة المدني، القاهرة، ط1، 1383هـ.
منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات –الشيخ محمد الأمين الشنقيطي- مطبوعات الجامعة الإسلامية.
موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان- علي بن أبي بكر الهيثمي- تحقيق: محمد عبد الرزاق حمزة، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
الموضوعات –عبد الرحمن بن محمد بن الجوزي- تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، المكتبة السلفية،المدينة النبوية، ط1، 1386هـ.
الموطأ –الإمام مالك بن أنس- رواية يحيى بن يحيى الليثي- دار النفائس، ط10، 1407هـ.
موقف ابن تيمية من الأشاعرة –د/عبد الرحمن بن صالح المحمود- مكتبة الرشد، الرياض.
موقف المعتزلة من السنة النبوية- أبو لبابة حسين- دار اللواء للنشر والتوزيع، الرياض، ط1، 1399هـ.
ميزان الاعتدال –محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي- تحقيق: علي البجاوي، دار المعرفة، بيروت، لبنان.
النبوات- شيخ الإسلام ابن تيمية- دار الكتب، بيروت.
النجاة- ابن سينا- ط: محي الدين صبري الكردي، ط:2، القاهرة، 1357هـ.
(1/23)
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة –يوسف بن تغري بردي- دار الكتب المصرية، القاهرة، مصر، 1369هـ.
النزول –أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني- تحقيق: علي بن محمد بن ناصر الفقيهي، ط1.
نشأة الأشعرية وتطورها- جلال موسى –ط:1، دار الكتاب اللبناني، بيروت. 1395هـ.
نظم الفرائد وجمع الفوائد –عبد الرحيم بن علي شيخ زادة- ط:1.
نكت الهميان في نكت العميان- صلاح الدين الصفدي- تحقيق: أحمد زكي بك، مطبعة الخانجي.
النهاية –أبو الفداء، عماد الدين إسماعيل بن كثير- تحقيق: إسماعيل الأنصاري، مطابع مؤسسة النور، الرياض، المملكة العربية السعودية، 1388هـ.
النهاية في غريب الحديث –أبو السعادات، مجد الدين بن محمد ابن الأثير الجزري- تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي، المكتبة الإسلامية.
نوادر الأصول في معرفة أحاديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - -محمد الحكيم الترمذي- تحقيق: عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط:1، 1413هـ.
هدية العارفين في أسماء المؤلفين وآثار المصنفين –إسماعيل باشا البغدادي- طبع بعناية وكالة المعارف، دار العلوم الحديثة، بيروت، لبنان، 1955م. (طبع في ذيل كشف الظنون).
الوافي بالوفيات –صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي- طبع باعتناء بعض المستشرقين، نشر فرانز شتايز بتشبادن، 1394هـ.
وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى- السمهودي- مطبعة الآداب والمؤيد، القاهرة، 1326هـ.
وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان –أحمد بن محمد بن أبي بكر ابن خلكان- تحقيق: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، لبنان.
(1/24)
[أبو بكر الآجري (360هـ)]
252- وقال الإمام أبو بكر الآجري(1) الحافظ، في كتاب الشريعة(2) له: "باب في التحذير من مذهب الحلولية" الذي يذهب إليه أهل (ق74/ب) العلم، أن الله عز وجل على عرشه، فوق سمواته، وعلمه محيط بكل شيء، قد أحاط [علمه](3) بجميع ما خلق في(4) السموات العلى، وبجميع ما في سبع أراضين، يرفع إليه أعمال العباد.
فإن قال قائل: إيش يكون معنى قوله {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} الآية التي [احتجوا](5) بها؟. قيل له: علمه، والله عز وجل على عرشه، وعلمه محيط بهم، كذا فسره أهل العلم، والآية يدل أولها وآخرها على أنه العلم، وهو على عرشه، فهذا قول المسلمين(6).
حدثنا ابن مخلد(7)، [حدثنا أبو داود](8)، حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا [سُرَيْج](9) بن النعمان(10)، حدثنا عبد الله بن نافع(11) قال: قال مالك(12): الله في السماء، وعلمه في كل مكان، لا يخلو من علمه مكان.
ثم ذكر بأسانيده قطعة من أحاديث العلو(13).
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) كتاب الشريعة للآجري، طبع بتحقيق الدكتور عبد الله الدميجي، وقام بنشره دار الوطن، في ستة مجلدات.
(3) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب) و(ج)، والتصويب من الشريعة للآجري.
(4) "في" ساقطة من (ب) و(ج).
(5) في (أ) (ب) "يحتجوا" وما أثبته من (ج).
(6) انظر الشريعة للآجري (3/1075-1076) وقد نقله الذهبي هنا باختصار. وانظر مختصر الصواعق (2/214).
(7) تقدمت ترجمته.
(8) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب) و(ج)، وأثبته من الشريعة، وأبو داود تقدمت ترجمته.
(9) في (أ) و(ب) و(ج) "شريح"، والتصويب من الشريعة.
(10) تقدمت ترجمته.
(11) تقدمت ترجمته.
(12) تقدمت ترجمته.
(13) انظر الشريعة (3/1076-1106).
(2/1)
توفي سنة نيف وخمسين وثلاثمائة، وبقي(1) مجاورا بمكة مدة [سنين](2)، وكان كبير الشأن، فقيهاً، مفتياً، عالماً باختلاف العلماء، خبيراً بالأحاديث وطرقها، مكثراً من الرواية، سمع أبا مسلم(3) الكجي(4)، وابن [زنجويه](5) القطان(6)، وأبا شعيب(7) الحراني(8)، وجعفر الفريابي(9) فأكثر عنه.
وله التصانيف الحسنة منها: "كتاب الشريعة"، و"كتاب الغرباء"، و"كتاب النصيحة"، و"كتاب [أخلاق](10) العلماء"، وكتاب "زكاة الفطر"، وكتاب "الرسالة إلى أهل بغداد (ق75/أ) في الربا"، وكتاب "تحريم إتيان النساء في أعجازهن"، وكتاب "المعزي والمعزى"، وكتاب "النصيحة في الفقه" وكتاب "الفتن"، وكتاب "الطب"، وكتاب "عقوبات الذنوب"، وكتاب "الشبهات"(11)، وكتاب "إثبات رؤية الله عز وجل"، وكتاب "غض الطرف"، وكتاب "دخول الحمام"، وكتاب "تأديب الزوجات".
__________
(1) في (ب) و(ج) "وتوفي".
(2) في (ب) "سنتين"، ذكر ابن الجوزي في صفة الصفوة (2/470): "أنه جاور في مكة مدة ثلاثين سنة".
(3) في (ب) و(ج) "أبا أحمد".
(4) تقدمت ترجمته.
(5) في (أ) و(ب) و(ج) "علوية" والصواب ما أثبته.
(6) أحمد بن زنجويه بن موسى، أبو العباس، المحدث، المتقن، وكان موثوقا معروفا، توفي سنة (304هـ). تاريخ بغداد (4/164)، السير (14/246).
(7) في (ج) "أبا سعيد".
(8) عبد الله بن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني، أبو شعيب، ولد سنة (206هـ)، وقال عنه الدارقطني: "ثقة مأمون"، مات سنة (295هـ). تاريخ بغداد (9/435)، السير (13/536).
(9) جعفر بن محمد بن الحسن بن المستفاض، الإمام الحافظ، الثبت، شيخ الوقت، أبو بكر الفريابي، القاضي، ولد سنة (207هـ)، وتوفي سنة (301هـ). تاريخ بغداد (7/199)، السير (14/96).
(10) في (أ) و(ب) (ج) "اختلاف" والصواب ما أثبته.
(11) في (ب) "الشباهات" وفي (ج) عبارة "كتاب الشبهات" ساقطة.
(2/2)
وانتشرت تصانيفه في بلاد المغرب، ومصر، والشام، والعراق، وخراسان، وأصبهان، لأنه كان يسمع منه كل من حج من سائر الأقطار من أهل العلم.
[الإمام أبو بكر الإسماعيلي (371هـ)]
253- وقال الإمام أبو بكر الإسماعيلي(1): اعتقاد أهل السنة(2) الذي أخبرناه إسماعيل بن(3) الفراء(4)، أنبأنا أبو(5) محمد بن قدامة(6)، أنبأنا أبو العباس مسعود بن عبد الواحد الهاشمي(7)، أنبأنا صاعد بن [سيار](8)
__________
(1) أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الجرجاني، أبو بكر الإسماعيلي -نسبة إلى جده إسماعيل- الشافعي، شيخ الشافعية، وصاحب الصحيح، إمام جليل، حافظ، حجة، فقيه، مات سنة (371هـ). تذكرة الحفاظ (3/947)، سير أعلام النبلاء (16/292).
(2) الأثر الذي سيورده المصنف موجود في كتاب (اعتقاد أئمة الحديث) للإمام أبي بكر الإسماعيلي، وقد قام بتحقيقه الدكتور محمد بن عبد الرحمن الخميس، وطبعته دار العاصمة بالرياض، وصدرت الطبعة الأولى منه سنة (1412هـ).
(3) "بن" ساقطة من (ج).
(4) تقدمت ترجمته.
(5) في (ج) "أبي".
(6) تقدمت ترجمته.
(7) لم أقف له على ترجمته.
(8) في (أ) "يسار".
وهو صاعد بن سيّار بن محمد بن عبد الله، المحدّث، الحافظ، أبو العلاء الإسكافي الهروي، الدهان، قال السمعاني: "كان حافظاً، متقناً، واسع الرواية"، مات سنة (520هـ). الأنساب (1/209)
(2/3)
الحافظ، أنبأنا علي بن محمد الجرجاني(1)، أنبأنا حمزة بن يوسف السهمي(2)، أنبأنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي رحمه الله قال: "اعلموا رحمنا الله وإياكم(3)، أن مذاهب أهل السنة(4) ومذاهب أهل الحديث والجماعة، الإقرار بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وقبول ما نطق به كتاب الله، وما صحت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا معدل عما وردا(5) به(6)، ويعتقدون(7) أن الله مدعو بأسمائه الحسنى (ق75/ب)، وموصوف بصفاته التي وصف بها نفسه، ووصفه(8) بها نبيه، خلق آدم بيده، ويداه مبسوطتان بلا اعتقاد كيف، استوى على العرش بلا كيف، فإنه انتهى إلى أنه استوى على(9) العرش ولم يذكر كيف كان استواؤه"(10).
وسرد الاعتقاد الذي قال إنه مذهب أهل السنة جميعه.
__________
(1) علي بن محمد بن عبد الله بن الحسن بن زكريا الزبحي، أبو الحسن الجرجاني، قال عنه السمعاني:"حافظ، ثقة، صدوق"، توفي رحمه الله سنة (468هـ). الأنساب (6/254).
(2) حمزة بن يوسف بن إبراهيم بن موسى القرشي، أبو القاسم السهمي، محدّث جرجان، صاحب التصانيف، ولد سنة نيف وأربعين وثلاثمائة، وتوفي سنة (428هـ). السير (17/469)، شذرات الذهب (3/231).
(3) في (ج) "رحمكم الله وإيانا".
(4) في (ج) "مذهب السنة".
(5) في (ب) و(ج) "ورد".
(6) "به" ساقطة من (ج).
(7) في (ج) "ونعتقد".
(8) في (ج) "ووصف".
(9) "على" ساقطة من (ب) و(ج).
(10) انظر اعتقاد أئمة الحديث لأبي بكر الإسماعيلي (ص49-51) مع اختلاف يسير في الألفاظ. وأخرجه الذهبي في السير (16/295)، وفي تذكرة الحفاظ (3/949)، وفي العلو (ص167)، وفي الأربعين (ص94-95، برقم98).
وقال الألباني في المختصر (ص249): "أخرجه المصنف بإسناده، ورجاله كلهم ثقات معروفون، غير مسعود بن عبد الواحد الهاشمي فلم أجد له ترجمة" اهـ.
(2/4)
وأبو بكر الإسماعيلي من كبار الأئمة الأعلام، ذكره أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الشافعية فقال: "مات سنة نيف وسبعين وثلاثمائة، وجمع بين الفقه والحديث ورئاسة الدين والدنيا، وصنف الصحيح وأخذ عنه فقهاء جرجان".
حدثنا بذلك عمر بن القوّاس(1) عن أبي اليمن الكندي(2)، أنبأنا أبو الحسن بن عبد السلام(3)، أنبأنا أبو إسحاق فذكره(4)، وقال حمزة بن يوسف السهمي في تاريخ(5) جرجان: توفي سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة وله أربع وتسعون(6).
وسمعت الدارقطني يقول: كنت قد عزمت(7) غير مرة أن أرحل إلى أبي بكر الإسماعيلي، فلم أرزق(8).
وذكره(9) الحافظ ابن عساكر في طبقات أصحاب الأشعري، في كتاب "تبين كذب المفتري فيما نسبه إلى الأشعري"(10).
[الحافظ أبو الشيخ الأصبهاني (369هـ)]
__________
(1) عمر بن عبد المنعم بن عمر بن عبد الله، أبو القاسم، وأبو حفص الطائي الدمشقي، ابن القوّاس، شيخ الذهبي، قال عنه: "الثقة المعمّر، مسند وقته، ولد سنة (605هـ)، وتوفي سنة (698هـ). معجم الشيوخ للذهبي (2/74)، شذرات الذهب (5/442).
(2) تقدمت ترجمته.
(3) علي بن هبة الله بن عبد السلام بن عبد الله بن يحيى البغدادي، أبو الحسن، الكاتب، ولد سنة (452هـ)، قال السمعاني: "شيخ كبير واسع الرواية، صاحب أصول حسنة مليحة"، توفي سنة (539هـ). السير (20/147)، شذرات الذهب (4/122).
(4) انظر كلام الشيرازي في طبقات الفقهاء (ص116)، ط: دار الرائد العربي.
(5) في (ب) (ج) "رياح".
(6) انظر تاريخ جرجان للسهمي (ص109)، ط: دار الكتب.
(7) في (ج) "أردت".
(8) تاريخ جرجان (ص110).
(9) في (ب) و(ج) "وذكر".
(10) انظر تبيين كذب المفتري (ص207-211).
(2/5)
254- وقال الحافظ أبو محمد بن حيان أبو الشيخ الأصبهاني(1) -[شيخ الحافظ أبي نعيم]-(2) في كتاب "العظمة" له(3): "ذكر عرش الرب تبارك وتعالى وكرسيه وعظم (ق76/أ) خلقهما، وعلو الرب فوق عرشه(4)".
ثم أسند قطعة من الأحاديث في الدليل على ذلك(5)، وقد تقدمت.
توفي أبو الشيخ في حدود سنة ثمان أو تسع وستين وثلاثمائة، وكان محدثاً حافظاً، مسنداً مكثراً، فقيهاً عالماً بالأبواب، من طبقة الطبراني(6)، والعسال(7)، سمع أبا بكر بن أبي(8) عاصم(9)، ومحمد بن يحيى المروزي(10)، والوليد بن أبان(11)، وأبا عمر القتات(12) -صاحب أبي نعيم- وطبقتهم، وألف كتباً مفيدة منها كتاب "السنة"، ومنها كتاب "العظمة"، ومنها كتاب "التوبيخ"، ومنها كتاب "درر الأثر".
[الحافظ أبو القاسم الطبراني (360هـ)]
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) في (أ) و(ب) و(ج) "الشيخ الحافظ أبي نعيم" و الصواب ما أثبته، فإن أبا نعيم صاحب الحلية معدود في تلاميذ أبي الشيخ، ومن المكثرين في الرواية عنه انظر الأنساب (4/322).
(3) كتاب العظمة حقق في رسالة علمية بالجامعة الإسلامية، قام بتحقيقه الأخ رضاء الله بن محمد إدريس المباركفوري، وطبعته دار العاصمة.
(4) في (ب) و(ج) "العرش".
(5) انظر العظمة (2/543-666).
(6) تقدمت ترجمته.
(7) تقدمت ترجمته.
(8) ساقطة من (ب) و(ج).
(9) تقدمت ترجمته.
(10) محمد بن يحيى بن سليمان المروزي ثم البغدادي، وثقه الخطيب، ونقل عن الداقطني أنه قال: "صدوق"، مات في شوال سنة (298هـ). تاريخ بغداد (3/422)، السير (14/48).
(11) تقدمت ترجمته.
(12) محمد بن جعفر بن محمد بن حبيب بن أزهر الكوفي، أبو عمر القتات، قال الخطيب: "كان ضعيفاً"، توفي سنة (300هـ). تاريخ بغداد (2/129)، السير (13/567).
(2/6)
255- وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني سليمان بن أحمد بن أيوب(1) نزيل أصبهان، في كتاب "السنة" له(2): "باب ما جاء في استواء الله تعالى على عرشه، [وأنه](3) بائن من خلقه".
ثم روى حديث [أبي](4) رزين "قلت: يا رسول الله أين كا ربنا؟" (5). وحديث عبد الله بن خليفة عن عمر(6). وحديث الأوعال وأن العرش على ظهورهن والله فوقه(7). وغير ذلك، إلى أن قال: حدثنا محمد بن يحيى بن المنذر(8)، حدثنا
عمران بن ميسرة(9)، حدثنا عبد الله بن إدريس(10)، عن ليث(11)، عن مجاهد(12)، في قوله {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}(13)، قال: "يجلسه معه على العرش"(14).
وقد تقدم الكلام على هذا الحديث وأنه ثابت عن مجاهد (ق76/ب) أحد أعيان التابعين.
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) "له" ساقطة من (ب) و(ج).
(3) ما ببن المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب) وما أثبته من (ج).
(4) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب) وما أثبته من (ج).
(5) تقدم تخريجه برقم (15).
(6) هو عمر بن الخطاب وقد تقدمت ترجمته.
(7) تقدمت تخريجه برقم (24).
(8) في (أ) و(ب) و(ج) "ابن المنكدر"، وهو خطأ.
وهو محمد بن يحيى بن المنذر،أبو سليمان البصري القزاز، المحدث، المعمّر، قال الذهبي: "ما علمت بعد فيه جرحا"، مات سنة (290هـ). السير (13/418).
(9) عمران بن ميسرة، أبو الحسن البصري، المنقري، الأدمي، ثقة، من العاشرة، مات سنة (223هـ). التقريب (ص752).
(10) عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي، أبو محمد الكوفي، ثقة، فقيه، عابد، من الثامنة، مات سنة (192هـ) وله بضع وسبعون سنة، من رجال الجماعة. التقريب (ص491).
(11) ليث بن أبي سليم ، تقدمت ترجمته.
(12) تقدمت ترجمته.
(13) الآية 79 من سورة الإسراء.
(14) تقدم تخريجه برقم (129)، و(190)، و(234).
(2/7)
وأبو القاسم الطبراني هو الإمام المشهور ألف المعجم الصغير عن ألف شيخ له، والمعجم الأوسط(1) تتبع [فيه](2) الغرائب(3)، وأتى فيه بأحاديث وبما لم يسبقه إليه الحفاظ(4)، والمعجم الكبير وهو نحو ستين ألف حديث، وألف كتباً كثيرة في السنن والآداب نحو مائتي مصنف، وعاش مائة سنة، وكان موته سنة ستين وثلاثمائة، حتى سمع منه المحدثون(5)، ثم أولادهم، ثم أولاد أولادهم، وسمع منه بعض شيوخه، فمنهم أبو خليفة الفضل بن الحباب(6)، الذي مات سنة خمس وثلاثمائة بالبصرة، وأبو بكر ابن [ريذة](7)، ومات سنة أربعين وأربعمائة وهو آخر من روى عنه رحمه الله.
[أبو الحسن علي بن مهدي الطبري]
__________
(1) في (ب) "الوسط".
(2) في (أ) و(ب) "في" ولعل الصواب ما أثبته.
(3) في (ج) "المعجم الأوسط في الغرائب".
(4) في (ج) "الحافظ".
(5) في (ب) "المحدثين".
(6) في (ب) "الحسين" وفي (ج) "حيان".
وهو الفضل بن الحباب، واسم الحباب عمرو بن محمد بن شعيب الجمحي ثم البصري، أبو خليفة الأعمى، الإمام العلامة، المحدث، الأديب، الأخباري، شيخ الوقت، ولد سنة (206هـ)، تفرد بالرواية وكتب حتى روى عن أبي القاسم الطبراني تلميذه، توفي سنة (305هـ) بالبصرة. ذكر أخبار أصبهان (2/151)، السير (14/7).
(7) في (أ) "زيدة".
وهو محمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم الأصبهاني، أبو بكر التاني، التاجر المشهور بابن ريذة، قال الذهبي: "سمع من أبي القاسم الطبراني، وما أظنه سمع من غيره" ولد سنة (346هـ) وكان أحد الوجوه، ثقة، أميناً، وافر العقل، توفي سنة (440هـ).الإكمال لابن ماكولا(4/175)، السير (17/595).
(2/8)
256- وقول الإمام أبو الحسن علي بن مهدي الطبري المتكلم(1) -صاحب أبي الحسن الأشعري- في كتاب "مشكل الآيات" تأليفه في(2) باب قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}(3): "اعلم أن الله سبحانه في السماء، فوق كل شيء، مستو على عرشه، بمعنى أنه عالٍ عليه، ومعنى الاستواء: الاعتلاء، كما تقول العرب: استويت على ظهر الدابة، واستويت على السطح، بمعنى علوته، واستوت الشمس على رأسي، واستوى الطير(4) على قمة رأسي، بمعنى علا في الجو، فوجد فوق رأسي، فالقديم(5) جل جلاله عالٍ على عرشه.
قوله {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء}(6)، وقوله { يَا عِيسَى إِنِّي (ق77/أ) مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}(7)، وقوله {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}(8)، وقوله {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ}(9).
وزعم [البلخي](10) أن استواء الله على العرش هو الاستيلاء عليه، مأخوذ من كلام العرب "ثم استوى بشر على العراق"(11)
__________
(1) علي بن محمد بن مهدي الطبري، أبو الحسن، صحب أبا الحسن الأشعري بالبصرة، ألف كتاب (تأويل الأحاديث المشكلات الواردة في الصفات). انظر تبيين كذب المفتري (ص195-196).
(2) في (ب) "من".
(3) الآية 5 من سورة طه.
(4) في (ب) "الطيراني".
(5) قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن لفظ القديم: "هذا لفظ لا يوجد في كتاب الله ولا سنة نبيه، بل ولا جاء اسم القديم في أسماء الله تعالى، وإن كان في أسمائه الأول". انظر منهاج السنة (2/123)، ومجموع الفتاوى (1/245)، (9/300-301).
(6) الآية 16 من سورة الملك.
(7) الآية 55 من سورة آل عمران.
(8) الآية 10 من سورة فاطر.
(9) الآية 5 من سورة السجدة.
(10) في (أ) "الثلجي".
(11) هذا شطر بيت وتمامه
ثم استوى بشر على العراق
من غير سيف ولا دم مهراق
قال ابن الجوزي في زاد المسير (3/212): "قال ابن فارس: هذا البيت لا يعرف قائله"؟
وقال ابن القيم: "هذا البيت ليس من شعر العرب"، مختصر الصواعق (3/127)، وقال أيضاً: "هو غير معروف في شيء من دواوين العرب وأشعارهم التي يرجع إليها"، مختصر الصواعق (2/136).
(2/9)
، أي: استولى عليها، وقال: إن العرش يكون الملك.
فيقال له: ما أنكرت أن يكون عرش الله جسماً خلقه، وأمر ملائكته بحمله، قال {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ} وأمية يقول:
مجدوا الله فهو للمجد أهل
ربنا في السماء أمسى كبيرا
بالبناء الأعلى الذي سبق النا
س وسوى فوق السماء سريرا(1)
ومما يدل على أن الاستواء ها هنا ليس بالاستيلاء، أنه لو كان كذلك لم يكن ينبغي أن يخص العرش بالاستيلاء عليه دون سائر خلقه، إذ هو مستول على العرش، وعلى سائر خلقه، وليس للعرش مزية على ما وصفته، فبان بذلك فساد قوله.
ثم يقال له أيضاً: إن الاستواء ليس هو الاستيلاء الذي من قول العرب: استوى فلان على كذا، أي استولى إذا تمكن منه بعد أن لم يكن متمكناً لم(2) يصرف معنى الاستواء إلى الاستيلاء.
ثم قال: حدثنا أبو عبد الله نفطويه(3)، حدثنا أبو سليمان(4)، قال: كنا عند ابن الأعرابي(5) فأتاه رجل، فقال: ما معنى قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}(6) (ق77/ب). فذكر القصة التي تقدمت(7).
ثم قال: فإن قيل فما تقولون في قوله: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء}(8)؟ [قيل](9): معنى ذلك أنه فوق السماء على العرش، كما قال: {فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ}(10) بمعنى على الأرض، وقال: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}(11)، وكذلك قوله {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء}.
__________
(1) تقدم تخريجه في الفقرة (54).
(2) في (ب) و(ج) "فلما".
(3) تقدمت ترجمته.
(4) داود بن علي الظاهري، تقدمت ترجمته.
(5) تقدمت ترجمته.
(6) الآية 5 من سورة طه.
(7) تقدم تخريجه في الفقرة (7)
(8) الآية 16 من سورة الملك.
(9) ما بين المعكوفتين ساقطة من (أ) و(ب) وما أثبته من (ج).
(10) الآية 2 من سورة التوبة.
(11) الآية 71 من سورة طه.
(2/10)
فإن قيل: فما تقولون في قوله {وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ}(1)؟ قيل له: إن بعض القراء يجعل الوقف {فِي السَّمَاوَاتِ}، ثم يبتدئ {وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ}، وكيف ما كان، فلو(2) أن قائلاً قال: فلان بالشام والعراق ملك، لدل(3) على أن [ملكه](4) بالشام والعراق [لا أن](5) ذاته فيهما.
فإن قيل: فما تقول في قوله تعالى {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ}(6) الآية؟
قيل له: كون الشيء مع الشيء على وجوه، منها بالنصرة، ومنها بالصحبة، ومنها بالمماسة، ومنها بالعلم، فمعنى هذا عندنا أنه تعالى مع كل الخلق بالعلم.
قال البلخي(7): فإن قيل لنا: ما معنى رفع أيدينا إلى السماء؟ وقوله:{وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}(8)؟
قلنا: تأويل ذلك أن أرزاق العباد لما كانت تأتي من السماء، جاز أن نرفع أيدينا إلى السماء عند الدعاء، وجاز أن يقال أعمالنا ترفع إلى الله، لما (ق78/أ) كانت حفظة الأعمال إنما مساكنهم في السماء.
قيل له: إن كانت العلة في رفع أيدينا(9) إلى السماء أن الأرزاق فيها، وأن الحفظة مساكنهم فيها(10)، جاز أن نخفض أيدينا في الدعاء نحو الأرض، من أجل أن الله يحدث فيها النبات، والأقوات، والمعايش، وأنها قرارهم، ومنها خلقوا، ولأن الملائكة معهم في الأرض.
__________
(1) الآية 3 من سورة الأنعام.
(2) في (ب) و(ج) "ولو".
(3) في (ب) و(ج) "يدل".
(4) في (أ) "الملك".
(5) في (أ) "لأن".
(6) الآية 7 من سورة المجادلة.
(7) لعله عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي، أبو القاسم الكعبي الخراساني، صاحب التصانيف، شيخ المعتزلة، توفي سنة (329هـ) ببلخ على قول الذهبي. تاريخ بغداد (9/384)، السير (15/255).
(8) الآية 10 من سورة فاطر.
(9) في (ب) و(ج) "اليدين".
(10) في (ب) و(ج) "فيه".
(2/11)
فلم تكن العلة في رفع أيدينا إلى السماء ما وصفه، وإنما أمرنا الله تعالى أن نرفع أيدينا قاصدين إليه رفعها نحو العرش الذي هو مستو عليه"(1).
أبو الحسن الطبري(2) إمام جليل، صحب الأشعري، وأخذ عنه(3) علم الكلام، وصنف تصانيف جليلة عديدة، تدل علىعلم واسع، ذكره ابن عساكر في طبقات أبي الحسن في "تبيين كذب المفتري"، وأثنى عليه، ولا أعلم أي وقت توفي(4).
[أبو بكر بن إبراهيم بن شاذان (383هـ)]
257- وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان(5)، حدثني من أثق به وسمع ذلك معي ولدي أبو علي(6)، قال: كنا نغسل ميتاً وهو على سريره، فكشفنا عنه الثوب، فسمعناه يقول: [هو على عرشه وحده، هو على عرشه وحده](7). فتفرقنا من عظم ما سمعنا، ثم رجعنا فغسلناه رحمه الله (ق78/ب).
أخرج هذه الحكاية الشيخ موفق الدين المقدسي في كتاب "صفة(8) العلو" له(9).
توفي أبو بكر بن شاذان بعد الثمانين، سمع البغوي(10) وذويه، توفي ابنه سنة ست وعشرين وأربعمائة، وكان من المتكلمين ممن هو على طريقة الأشعري، وكان مكثراً من الحديث.
[الإمام أبو الحسن الدارقطني (385هـ)]
258- أنبأنا أحمد بن سلامة(11)، عن أبي القاسم بن بوش(12)، أنبأنا
__________
(1) أورد هذا الكلام ابن تيمية في نقض تأسيس الجهمية (2/335-337).
(2) في (ب) و(ج) "الطبراني".
(3) في (ج) "منه".
(4) انظر تبيين كذب المفتري (ص195-196).
(5) أبو بكر، أحمد بن إبراهيم بن الحسين بن شاذان البغدادي البزاز، محدث بغداد، الحجة، المأمون، توفي سنة (383هـ). انظر تذكرة الحفاظ (ص1017).
(6) تقدمت ترجمته.
(7) في (أ) و(ب) و(ج) "هو على عرشه هو وحده على عرشه وحده" والتصويب من المصادر الأخرى.
(8) في (ب) و(ج) "صفات".
(9) انظر كتاب إثبات صفة العلو لابن قدامة (ص130، برقم117). وأورده الذهبي في العلو (ص168).
(10) عبد الله بن محمد البغوي تقدمت ترجمته.
(11) تقدمت ترجمته.
(12) تقدمت ترجمته.
(2/12)
أبو العز بن كادش(1)، أنشدنا أبو طالب العشاري(2)، أنشدنا الإمام أبو الحسن الدارقطني(3) رحمه الله.
حديث الشفاعة في أحمد
إلى أحمد المصطفي نسنده
فأما الحديث بإقعاده
على العرش أيضاً فلا نجحده
أمروا الحديث على وجهه
ولا تدخلوا فيه ما يفسده
ولا تنكروا أنه قاعد
ولا تجحدوا أنه يقعده(4)
شهرة الدارقطني تغني عن التعريف، ألف كتاب السنن فانتفع به الموافق والمخالف، كان من نظراء البخاري وذويه في الإتقان، وإن تأخر في الزمان، توفي سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، وله ثمانون سنة.
سمع البغوي(5)، وابن صاعد(6) (ق79/أ)، وابن أبي داود(7)، والخلائق بعدهم، وطاف البلاد، وحَصَّل ما لم يُحَصِّل غيره، وله جزء في الصفات(8)، وكتاب "الرؤية"(9)، وكتاب "الأفراد"(10)، وكتاب في "القراءات"(11)، مبوباً ولم يبوب أحد قبله الأبواب في القراءات(12)، وله كتب كثيرة لا يحضرني الآن ذكرها.
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) محمد بن علي بن الفتح الحربي، أبو طالب العشاري الحنبلي، قال الخطيب: "كتبت عنه وكان ثقة، صالحاً"، ولد سنة (366هـ) وتوفي سنة (451هـ). تاريخ بغداد (3/107)، السير (18/48).
(3) تقدمت ترجمته.
(4) أورده القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات (2/492) في رقم (466) وعزاه إلى ابن العلاف الضرير.
وأورده الذهبي في العلو (ص171)، وأشار الألباني في السلسلة الضعيفة (2/256) أن الدشتي ذكرها في كتاب إثبات الحد.
(5) عبد الله بن محمد البغوي، تقدمت ترجمته.
(6) تقدمت ترجمته.
(7) تقدمت ترجمته.
(8) كتاب الصفات)، طبع بتحقيق الدكتور علي بن محمد ناصر الفقيهي. وكذلك طبع بتحقيق وتعليق الشيخ عبد الله الغنيمان، ونشرته مكتبة الدار.
(9) كتاب (رؤية الله جل وعلا )، طبع بتحقيق مبروك إسماعيل مبروك، ونشرته مكتبة القرآن. وكذلك طبع بتحقيق إبراهيم محمد علي.
(10) كتاب (الغرائب والأفراد)، مخطوط.
(11) القراءات)، مخطوط.
(12) عبارة "مبوباً ولم يبوب أحد قبله الأبواب في القراءات" ساقطة من (ب) و(ج).
(2/13)
[الإمام أبو عبد الله بن بطة العكبري (387هـ)]
259- وقال الإمام الزاهد أبو عبد الله بن بطة العكبري، في "كتاب الإبانة" تأليفه: "باب الإيمان بأن الله على عرشه، بائن من خلقه، وعلمه محيط بخلقه". أجمع المسلمون من الصحابة والتابعين، أن الله على عرشه، فوق سمواته، بائن من خلقه(1).
فأما قوله {وَهُوَ مَعَكُم}(2)، فهو كما قالت العلماء: علمه.
وأما قوله {وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ}(3) معناه: أنه هو الله في السموات، وهو الله في الأرض(4)، وتصديقه في كتاب الله {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ}(5).
واحتج الجهمي بقوله {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ}(6)، فقال: إن الله معنا وفينا، وقد فسر العلماء أن ذلك علمه، ثم قال في آخرها {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
فلو كان إنما عَلِمَ ذلك بالمشاهدة، لم يكن له فضل على الخلائق، وبطل فضل علمه بعلم الغيب(7).
ثم ذكر رحمه الله قول من قال: إنه علمه، فذكر ما تقدم عن نعيم بن حماد(8)، (ق79 /ب) والضحاك بن مزاحم(9)، وسفيان الثوري(10)، وأحمد بن حنبل(11)، وإسحاق بن راهويه(12)، بأسانيده إليهم.
__________
(1) انظر الإبانة (تتمة الرد على الجهمية)، (3/136)،
وانظر مختصر الصواعق (2/214).
(2) الآية 4 من سورة الحديد.
(3) الآية 3 من سورة الأنعام.
(4) في (ج) "معناه أنه إله في السموات وهو إله في الأرض".
(5) الآية 84 من سورة الزخرف.
(6) الآية 7 من سورة المجادلة.
(7) انظر كتاب الإبانة (تتمة الرد على الجهمية)، (3/143-145)، وقد نقله المصنف هنا بشيء من الاختصار.
(8) المصدر السابق (3/146، برقم106).
(9) المصدر السابق (3/146، برقم109).
(10) المصدر السابق (3/146، برقم111).
(11) المصدر السابق (3/146، برقم113، و114، و115، و116، و117).
(12) المصدر السابق (3/146، برقم118).
(2/14)
ابن بطة من كبار الأئمة و(1) الزهاد والحفاظ، ألف كتاب الإبانة المذكور -أربع مجلدات-(2)، أتى فيه بمذاهب أهل السنة، التي يخالفون فيها المبتدعة من الجهمية، والحرورية، والقدرية، والرافضة، والمرجئة، والمعتزلة، دل على علم واسع، وكثرة من الحديث والآثار، توفي بعد الثمانين وثلاثمائة، سمع البغوي(3) وذويه.
[الإمام أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده (395هـ)]
__________
(1) "و" ساقطة من (ب) و(ج).
(2) كتاب الإبانة طبع منه:
1ـ الكتاب الأول: كتاب الإيمان، وهو المجلد الأول، ويضم الأجزاء السبعة الأولى من الكتاب، وقد قام الدكتور رضا نعسان معطي بتحقيقه.
2ـ الكتاب الثاني: كتاب القدر، وهو من المجلد الثاني، ويضم الأجزاء من الثامن إلى الحادي عشر، وقد قام الدكتور عثمان آدم بتحقيقه.
3ـ الكتاب الثالث: الرد على الجهمية، وهو المجلد الثاني، ويضم الأجزاء من الثاني عشر إلى الرابع عشر، وقد قام الدكتور يوسف الوابل بتحقيقه.
وقد ذكر الدكتور يوسف الوابل في مقدمته (1/179) أن الكتاب لا يوجد منه إلا المجلد الأول والثاني.
وذكر أن الكتاب يتكون من ثلاثة مجلدات، وهذه المعلومة تتعارض مع ما ذكره المصنف هنا أن الكتاب أربع مجلدات، ولم يذكر الوابل مصدره في تلك المعلومة، والله أعلم بالصواب.
وطبع جزء من المختار من الإبانة بتحقيق الوليد بن محمد نبيه، وهناك الإبانة الصغرى أو ما يسمى الشرح الإبانة وقد طبع بتحقيق د/ رضا بن نعسان معطي.
(3) عبد الله بن محمد البغوي، تقدمت ترجمته.
(2/15)
260- وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن منده الحافظ(1)، في "كتاب الصفات" له(2) بعد أن قال: روى أبو نعيم(3)، [عن](4) حماد، عن جرير بن عبد الحميد(5)، عن ليث(6)، عن بشر(7)، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أراد الله أن ينزل عن عرشه نزل بذاته"(8)
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) ذكر الدكتور علي بن محمد ناصر الفقيهي -محقق كتاب الإيمان، وكتاب التوحيد، وكتاب الرد على الجهمية لابن منده-، أن كتاب الصفات لابن منده في حكم المفقود. انظر كتاب الإيمان (1/73).
(3) الحافظ أبو نعيم الأصبهاني، صاحب الحلية، تقدمت ترجمته.
(4) في (أ) "بن".
(5) تقدمت ترجمته.
(6) ليث بن أبي سليم، تقدمت ترجمته.
(7) بشر، صاحب أنس، قيل هو ابن دينار، مجهول، من الخامسة. التقريب (ص171).
(8) أخرجه بنحو هذا اللفظ أبو نعيم الأصبهاني في كتابه "ذكر أخبار أصبهان" (2/197) من طريق البشر عن أنس.
وأورده القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات (1/265، برقم263)، وعزاه لإبراهيم بن الجنيد الختلي في كتاب العظمة.
وأورده شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح حديث النزول (ص196) وقال: "ضَعَّف أبو القاسم إسماعيل التيمي، وغيره من الحفاظ هذا اللفظ مرفوعاً، ورواه ابن الجوزي في الموضوعات. وقال أبو القاسم التيمي: "ينزل"، معناه صحيح أنا أقر به، لكن لم يثبت مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يكون المعنى صحيحاً، وإن كان اللفظ نفسه ليس بمأثور، كما لو قيل إن الله هو بنفسه وبذاتِه خلق السموات والأرض، وهو بنفسه وذاته كلم موسى تكليماً، وهو بنفسه وذاته استوى على العرش، ونحو ذلك من أفعاله التي فعلها هو بنفسه، وهو نَفْسُهُ فعلها، فالمعنى صحيح، وليس كل ما بُيِّنَ به معنى القرآن والحديث من اللفظ يكون في القرآن ومرفوعاً" اهـ.
وأورده ابن القيم كما في مختصر الصواعق (ص366) وقال: "هذا اللفظ لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يحتاج إثبات هذا المعنى إليه، فالأحاديث الصحيحة صريحة وإن لم يذكر فيها لفظ الذات" اهـ.
(2/16)
.
قال رحمه الله: "فهو عز وجل موصوف غير مجهول، وهو موجود غير مدرك، ومرئي غير محاط به لقربه كأنك تراه، غير ملاصق، وبعيد غير منقطع، يسمع، ويرى، وهو بالمنظر الأعلى، وعلى العرش استوى، فالقلوب تعرفه، والعقول لا تكيفه، وهو بكل شيء محيط".
قلت: والحديث المذكور (1)، عن بشر، عن أنس لا يثبت(2).
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتاني (ق80/أ) جبريل بمثل المرآة، فقلت ما هذه؟ قال: الجمعة، وهو يوم المزيد، إن ربك اتخذ في الجنة وادياً أفيح من(3) مسك أبيض(4)، فإذا كان يوم الجمعة نزل عن كرسيه".
وذكر الحديث بطوله، وقد تقدم(5).
قلت: هذا حديث محفوظ عن أنس رضي الله عنه من غير وجه.
أخرجه الإمام عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل في كتاب "الرد على الجهمية"(6)، عن عبد الأعلى [النرسي](7)، عن عمر بن يونس(8)، وأبو بكر النجاد (9) في أماليه، عن الحسن بن مكرم(10)، عن عمر بن يونس
__________
(1) في (ب) "المذكور المشهور" وفي (ج) "المشهور المذكور".
(2) مقصود المؤلف حديث "إذا أراد الله أن ينزل عن عرشه نزل بذاته" الذي تقدم.
(3) "من" تكررت مرتين في (ج).
(4) "أبيض" ساقطة من (ج).
(5) تقدم برقم (38).
(6) انظر السنة لعبد الله بن الإمام أحمد (1/250-251، برقم460)، والرد على الجهمية لابن منده (ص101، ح92).
(7) في (أ) و(ب) و(ج) "القرشي" والصواب ما أثبته، وهو عبد الأعلى بن حماد النرسي، تقدمت ترجمته.
(8) في (ب) و(ج) "عن يونس" واسمه عمر بن يونس بن القاسم اليمامي، ثقة، مات سنة (206هـ). التقريب (ص729)، التهذيب (7/506).
(9) في (ب) و(ج) "الوخاد". واسمه أحمد بن سليمان النجاد، تقدمت ترجمته.
(10) الحسن بن مكرم بن حسان، أبو علي البزار، قال الخطيب البغدادي: "وكان ثقة" ولد سنة (182هـ) وتوفي سنة (274هـ). تاريخ بغداد (7/432)، السير (13/192).
(2/17)
ووقع(1) لنا بعلو، عن جهضم [بن](2) عبد الله(3)، حدثني أبو
طيبة(4)، عن عثمان بن عمير(5)، عن أنس(6).
وأخرجه الحافظ أبو أحمد العسال، عن محمد بن العباس بن أبي أيوب(7)، عن محمد بن المثنى(8)، عن عمر بن يونس وهو ابن القاسم الحنفي به.
وعن موسى بن إسحاق الأنصاري(9)، عن عثمان بن أبي شيبة(10)، حدثنا جرير، عن ليث، عن عثمان بن أبي حميد -وهو ابن عمير- عن أنس.
__________
(1) في (ب) و(ج) "ووضع" وهو خطأ.
(2) جاء في (أ) "عن" وهو خطأ
(3) تقدمت ترجمته.
(4) تقدمت ترجمته.
(5) تقدمت ترجمته.
(6) أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في السنة (1/250-251، ح460)، وابن منده في الرد على الجهمية (ص101، ح92)، وأورده الذهبي في العلو (ص28).
(7) محمد بن العباس بن أيوب بن الأخرم، الحافظ الأصبهاني، توفي سنة (301هـ)، واختلط قبل موته بسنة، كان أحد الفقهاء بأصبهان وله وصية أكثرها على قواعد السلف، ذكر أخبار أصبهان (2/224)، السير (14/144).
(8) محمد بن المثنى بن عبيد العنزي، أبو موسى البصري، المعروف بالزمن، مشهور بكنيته وباسمه، ثقة، ثبت، من العاشرة، مات سنة (252هـ). روى له الجماعة. التقريب (ص892).
(9) موسى بن إسحاق بن موسى بن عبد الله أبو بكر الأنصاري، قاضي الري والأهواز، وكان عفيفاً، ديناً، فاضلاً، ثبتاً في الحديث، توفي سنة (297هـ)، تاريخ بغداد (13/52)، السير (13/579.
(10) تقدمت ترجمته.
(2/18)
ورواه عن العباس بن علي النسائي(1)، حدثنا الحسين بن نصر(2)، حدثنا سلام بن [سليمان](3) المدائني(4)، حدثنا شعبة(5)، وورقاء(6)، وإسرائيل(7)، وجرير(8)، عن ليث(9)، عن عثمان بن عمير، عن أنس(10).
ورواه أيضاً عن محمد بن العباس (ق80/ب) بن أيوب، عن ابن المثنى(11)، حدثنا يعمر بن بشر(12)، أخبرني الفضل بن موسى السيناني(13)، حدثنا محمد
__________
(1) العباس بن علي بن العباس بن واضع، يعرف بالنسائي، ذكره الخطيب في تاريخ بغداد (12/154) وقال: "وكان ثقة".
(2) الحسين بن نصر المؤدب، يعرف بالخرسي، حدث عن سلام بن سليمان المدائني، وغيره، روى عنه العباس بن علي النسائي، وأحمد بن محمد بن إسماعيل الآدمي. تاريخ بغداد (8/143).
(3) في (أ) و(ب) و(ج) "سليم" والصواب ما أثبته.
(4) سلام بن سليمان بن سوار المدائني، ابن أخي شبابة، نزيل دمشق، وقد ينسب إلى جده، ضعيف، من صغار التاسعة، مات سنة (210هـ) أو بعدها، أخرج له ابن ماجة. التقريب (ص425).
(5) "شعبة" ساقطة من (ج)، وقد تقدمت ترجمته.
(6) ورقاء بن عمر اليشكري، أبوبشر الكوفي، نزيل المدائن، صدوق، في حديثه عن منصور لين، من السابعة، وقال وكيع: "ثقة"، التقريب (1036)، التهذيب (11/100).
(7) تقدمت ترجمته.
(8) جرير بن عبد الحميد الضبي، الكوفي، تقدم قريباً.
(9) ليث بن أبي سليم، تقدم قريباً
(10) أخرجه من طريق سلام بن سليمان: الدارقطني في الرؤية (ص76-77، برقم69)، وأورده الذهبي في العلو (ص30) وعزاه للعسال في كتاب المعرفة.
(11) محمد بن المثنى، تقدم قريباً.
(12) يعمر بن بشر الخراساني، أبو عمرو المروزي، من كبار أصحاب ابن المبارك، ذكر ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل (9/313)، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وقال الدارقطني: "ثقة ثقة". تاريخ بغداد (14/457-458).
(13) الفضل بن موسى السيناني، أبو عبد الله المروزي، ثقة ثبت، وربما أغرب، من كبار التاسعة، مات سنة (192هـ)، من رجال الجماعة. التقريب (ص784).
(2/19)
ابن أبي مريم(1)، عن عثمان بن أبي [حميد](2)، عن أنس.
وهذه الطرق كلها في كتاب "المعرفة في صفات الله تعالى"، له.
وأخرجه الحافظ أبو الحسن الدارقطني في كتاب "الرؤية" له، من رواية شجاع بن الوليد(3)، عن زياد بن خيثمة(4)، عن عثمان بن أبي سليم(5)، عن أنس(6).
ومن رواية حمزة بن واصل(7)، عن قتادة(8)، عن أنس(9).
__________
(1) محمد بن أبي مريم الطائطي، روى عن الزهري، وروى عنه الفضل بن موسى، قال ابن أبي حاتم الجرح والتعديل (8/107): "سمعت أبي يقول: هو مجهول"، وذكره البخاري في التاريخ الكبير (1/1/248) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً.
(2) في (أ) "الحرار" وفي (ب) "الحداد" وفي (ج) "الحوراء" وهو خطأ، والصواب ما أثبته.
(3) شجاع بن الوليد بن قيس السكوني، أبو بدر الكوفي، صدوق، ورع، له أوهام، من التاسعة، مات سنة (204هـ). التقريب (ص432).
(4) في (ب) "خشيمة" وهو زياد بن خيثمة الجعفي الكوفي، ثقة، من السابعة، أخرج له مسلم والأربعة. التقريب (ص344).
(5) في التوحيد لابن منده (2/40، ح397): "وعثمان بن أبي مسلم هو ابن عمير"، ولعل الصواب: عن ليث بن أبي سليم، عن عثمان بن عمير، كما هو في الروايات الأخرى، فحصل تقديم وتأخير وتداخل في السند، والله أعلم.
أما عثمان بن أبي سليم أو عثمان بن أبي مسلم، فلم أقف على ترجمتهما.
(6) لم أجد هذه الرواية في كتاب الرؤية للدارقطني، وإنما هي موجودة في كتاب التوحيد لابن منده (2/40، ح397).
(7) حمزة بن واصل البصري، ذكره العقيلي في الضعفاء، وقال: "حديثه غير محفوظ". الضعفاء للعقيلي (1/292)، الميزان (1/608).
(8) تقدمت ترجمته.
(9) انظر كتاب الرؤية للدارقطني (ص82، برقم75)،
وأورده الذهبي في ميزان الاعتدال (10/608-609) في ترجمة حمزة بن واصل: "وقال العقيلي ليس له أصل من حديث قتادة، بل هو حديث أبي اليقظان عثمان بن عمير، عن أنس، بأنقص من هذا".
(2/20)
ومن رواية عنبسة الرازي(1)، عن عثمان بن عمير، عن أنس(2).
وأخرجه الحافظ بن مندة المذكور، من رواية البخاري، حدثنا ليث ابن(3) أبي سليم، عن عثمان بن عمير(4) عن أنس(5).
ومن رواية أبي يوسف(6) -صاحب أبي حنيفة-، [عن صالح](7) بن حيان، عن [عبد الله] (8) بن بريدة، عن أنس(9).
__________
(1) عنبسة بن سعيد بن الضريس، الأسدي، أبو بكر، الكوفي، سكن الري وتولى قضاءها فقيل له الرازي، ثقة، من الثامنة، تهذيب الكمال (22/406)، تقريب التهذيب (ص756).
(2) انظر كتاب الرؤية للدارقطني (ص80، برقم72).
(3) في (ب) و(ج) "عن" وهو خطأ.
(4) أخرجه ابن منده في الرد على الجهمية (ص101، ح92).
(5) "عن أنس" ساقطة من (ب) و(ج).
(6) أبو يوسف، تقدمت ترجمته.
(7) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب) و(ج)، والتصويب من التوحيد لابن منده، وصالح بن حيان هو القرشي الكوفي، ضعيف، من السادسة. التقريب (ص444).
(8) في (أ) "عن بن بريدة" وفي (ب) "عن أبي بريدة" وفي (ج) "عن أبي هريرة"، والتصويب من التوحيد لابن منده. عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي، أبو سهل المروزي، قاضيها، ثقة، من الثالثة، مات سنة (105هـ) وقيل بل (115هـ) وله مائة سنة، أخرج له الجماعة. التقريب (ص493).
(9) أخرجه ابن منده في التوحيد (2/40-41، ح398)، وأورده الذهبي في العلو (ص29) وقال :"صالح ضعيف، تفرد به عن القاضي أبي يوسف".
(2/21)
ومن رواية الوليد بن مسلم(1) عن ابن ثوبان(2)، عن سالم بن عبد الله(3)، عن أنس(4).
ومن رواية الصعق بن حزن(5)، حدثنا علي بن الحكم(6)، عن عبد الملك بن عمير(7) عن أنس(8)
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان العنسي، الدمشقي، الزاهد، صدوق، يخطئ، ورمي بالقدر، وتغير بآخره، من السابعة، مات سنة (165هـ) وهو ابن تسعين سنة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، والأربعة. التقريب (ص572).
(3) سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، العدوي القرشي، أبو عبد الله المدني، أحد الفقهاء السبعة، وكان ثقة، ثبتاً، مات آخر سنة (106هـ)، السير (4/457)، تهذيب التهذيب (3/436).
(4) أخرجه الطبراني في الأوسط(ح945، 4880) قال: "حدثنا محمد بن أبي زرعة الدمشقي، ثنا هشام بن عمار، ثنا الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن سالم بن عبد الله، أنه سمع أنس بن مالك، فذكره مرفوعاً" اهـ.
وقال أبو حاتم في العلل (1/206): "سالم بن عبد الله ليس ابن عبد الله بن عمر" اهـ.
وقال الذهبي في العلو (ص31): "غريب تفرد به الوليد".
(5) الصعق بن حزن بن قيس البكري، أبو عبد الله البصري، صدوق يهم، وكان زاهداً، من السابعة. التقريب (ص453).
(6) علي بن الحكم البناني، أبو الحكم البصري، ثقة، ضعفه الأزدي بلا حجة، من الخامسة، مات سنة (131هـ)، أخرج له البخاري والأربعة .التقريب (ص694).
(7) عبد الملك بن عمير بن سويد اللخمي، الكوفي، ثقة، فصيح، عالم، تغير حفظه وربما دلس، مات سنة (130هـ). التقريب (ص625).
(8) أخرجه أبو يعلى في مسنده (7/228، ح4228)، والبزار، انظر كشف الأستار (رقم3519).
وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (10/421)، وقال: "رجال أبي يعلى رجال الصحيح".
وقد صحح البوصيري إسناده وقال الحافظ: "إسناده أجود من الأول" يعني حديث أبي بكر. انظر المطالب العالية (1/159).
ولكن يلاحظ أن رواية أبي يعلى معلولة، حيث رواها شيبان بن فروخ، فأسقط الواسطة وهي هنا (عثمان بن عمير) بين علي بن الحكم وأنس، وأثبتها محمد بن الفضل عارم، وهو أوثق من شيبان، والراوي عنه هنا هو الإمام البخاري رحمه الله، وتابع عارم على هذا النحو سعيد بن زيد أيضاً، عند ابن أبي حاتم في العلل (1/199) وقال: "قال أبو زرعة عن رواية الصعق: "هذا خطأ".
(2/22)
.
ورواه الدارقطني من رواية محمد بن شعيب بن [شابور](1)، حدثنا عمر بن عبد الله مولى غفرة(2)، عن أنس(3).
وهذا الحديث يحسنه الترمذي، وغيره، لكثرة طرقه(4).
وأما ابن منده، فهو حافظ زمانه، طاف البلاد، وسمع بأصبهان، والشام، (ق81/أ) والعراق، ومصر، والثغور، والحجاز، وجمع ما لم يجمع غيره، وشيوخه نحو ألف وسبعمائة شيخ، كتب عن(5) خيثمة(6) الأطرابلسي(7) ألف جزء، وعن الأصم(8) ألف جزء، وعن ابن الأعربي ألف جزء ، وعن إسماعيل الصفار أو ابن البختري -أشك- ألف جزء(9) وعن الهيثم بن [كليب](10)
__________
(1) في (أ) و(ب) و(ج) "سابور" وهو خطأ.
وهو محمد بن شعيب بن شابور، الأموي، نزيل بيروت، صدوق صحيح الكتاب، من كبار التاسعة، مات سنة (197هـ) وقيل (198هـ). التقريب (ص854).
(2) عمر بن عبد الله المدني، مولى غفرة، ضعف، وكان كثير الإرسال، من الخامسة، مات سنة (146هـ). انظر التقريب (723).
(3) الرؤية للدارقطني (ص84، برقم76). والتوحيد لابن منده (2/41، برقم399).
(4) جمع شيخ الإسلام ابن تيمية طرق الحديث ومال إلى تقويتها. انظر مجموع الفتاوى (6/410-416).
وقال ابن القيم في حادي الأرواح (ص391): "هذا حديث كبير الشأن، رواه أئمة السنة وتلقوه بالقبول، وجمل به الشافعي مسنده"، وقد تتبع طرقه وتكلم عليها طويلاً.
وقال الحافظ ابن كثير في النهاية (2/485) بعد أن ذكر طرق هذا الحديث: "فهذه طرق جيدة عن أنس، شاهد لرواية عثمان بن عمير".
(5) في (ب) و(ج) "على".
(6) خيثمة بن سليمان بن حيدرة، أبو الحسن القرشي الطرابلسي، الإمام ، محدث الشام، أحد الثقات، قال عنه الخطيب: "ثقة ثقة"، مات سنة (343هـ)، تذكرة الحفاظ (3/858-859)، شذرات الذهب (2/365).
(7) في (ب) "الأطرابلس" وفي (ج) "طرابلس".
(8) تقدمت ترجمته.
(9) قوله "وعن الأصم ألف جزء، وعن ابن الأعربي ألف جزء ، وعن إسماعيل الصفار أو ابن البختري ـ أشك ـ ألف جزء" ساقط من (ب)و (ج)
(10) في (أ) و(ب) و(ج) "خالد" والصواب ما أثبته.
وهو أبو سعيد الهيثم بن كليب بن شريح بن معقل المعقلي، الشاشي، الحافظ، المحدث، الثقة، محدث ما وراء النهر، ومؤلف المسند الكبير، مات سنة (335هـ). تذكرة الحفاظ (3/848-849).
(2/23)
بشاش(1) ألف جزء، ومات بأصبهان سنة خمس وتسعين(2) وثلاثمائة، وألف كتاب "معرفة الصحابة وكتاب(3) التوحيد"(4)، وكتاب "الكنى"(5)، وكتاب "الصفات"، وأشياء كثيرة، رحمه الله ورضي عنه.
[أبو بكر الباقلاني (403هـ)]
261- وقال أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني(6) الذي ليس في متكلمي(7) الأشاعرة أفضل منه، لا قبله ولا بعده في كتاب
"الإبانة"(8) -تأليفه-: "فإن قيل فما الدليل على أن لله وجهاً ويداً؟
قيل له: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}(9)، وقوله {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}(10)، فأثبت لنفسه وجهاً ويداً.
فإن قيل: فما أنكرتم أن يكون وجهه ويده جارحة، إذا كنتم لا تعقلون وجهاً ويداً(11) إلا جارحة؟
__________
(1) في (ج) "البشاش".
(2) في (ب) و(ج) "خمس وسبعين".
(3) جاء في (ب) و(ج) "وألف كتاب معرفة التوحيد".
(4) كتاب التوحيد ومعرفة أسماء الله عز وجل وصفاته على الاتفاق والتفرد، طبع بتحقيق الدكتور علي بن محمد بن ناصر الفقيهي، ونشرته الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية.
(5) كتاب الكنى، ذكر الدكتور علي الفقيهي أن لابن منده كتاب فتح الباب في الكنى والألقاب، وأن له نسخة مخطوطة في برلين برقم (9917. -299 ق-)، ولم يجزم هل هو كتاب الكنى المذكور أم أنه كتاب آخر، انظر الإيمان لابن منده (1/66-67).
(6) محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم، البصري، ثم البغدادي، أبو بكر ابن الباقلاني، صاحب التصانيف، مات سنة (403هـ)، تاريخ بغداد (5/379)، السير (17/190).
(7) في (ب) (ج) "متكلم".
(8) كتاب الإبانة غير مطبوع، وقد ذكره شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (5/98)، وابن كثير في البداية (11/350).
(9) الآية 27 من سورة الرحمن.
(10) الآية 75 من سورة ص.
(11) في (ج) "ولا يداً".
(2/24)
قلنا: لا يجب هذا، كما لا يجب [إذا لم نعقل](1) حياً، عالماً، قادراً إلا جسماً، أن نقضي نحن وأنتم على الله سبحانه وتعالى؛ وكما لا يجب في كل شيء كان قائماً بذاته، أن يكون جوهراً، لأنا وإياكم لم نجده قائماً بنفسه في شاهدنا إلا كذلك. وكذلك الجواب لهم إن قالوا فيجب(2) أن (ق81/ب) يكون علمه وحياته وكلامه وسمعه وبصره وسائر صفات ذاته عرضاً ، واعتلوا بالوجود.
فإن قيل: هل تقولون إنه في كل مكان؟
قيل له: معاذ الله، بل هو مستو على عرشه، كما أخبر في كتابه فقال:(3) {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}(4)، وقال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}(5)، وقال: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء}(6)، ولو كان في كل مكان، لكان في بطن الإنسان، وفمه، والحشوش، ولوجب أن يزيد بزيادة(7) الأماكن، إذا خلق منها ما لم يكن، ولصح أن يرغب إليه إلى نحو الأرض، وإلى خلفنا ، وإلى يميننا، وشمالنا(8)، وهذا قد أجمع المسلمون على خلافه وتخطئة قائله.
ثم قال بعد ذلك: وصفات ذاته لم تزل ولا يزال موصوفاً بها، وهي: الحياة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام، والإرادة، والوجه، واليدان، والعينان، والغضب، والرضا(9).
وقال رحمه الله في كتاب "التمهيد"(10) مثل هذا القول وأكثر.
__________
(1) في(أ) و (ب) و(ج) "أن لا يعقل" وما أثبته من مجموع الفتاوى (5/98).
(2) في (ج) "يلزم".
(3) "فقال" ساقطة من(ج).
(4) الآية 5 من سورة طه.
(5) الآية 10من سورة فاطر.
(6) الآية 16 من سورة الملك.
(7) في (ب) و(ج) "بزيادات".
(8) في (ج) "إلى شمالنا".
(9) هذا الكلام ذكره ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/98-99)، وقد نقله الذهبي هنا بنصه، ونقله مختصراً في سير أعلام النبلاء (17/558-559).
(10) الكتاب مطبوع باسم (تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل).
(2/25)
وشهرته تغني عن التعريف به، وهو بصري سكن بغداد، وسمع بها من القطيعي(1)، وابن ماسي(2)، وكان أعرف الناس بالكلام، وله التصانيف الكثيرة في الرد على المخالفين، من الرافضة، والمعتزلة، والجهمية، وغيرهم. قاله(3) الخطيب.(4)
توفي سنة (ق82/أ) ثلاث وأربعمائة، كما أن أبا(5) العباس بن سريج(6) عُدَّ على رأس الثلاثمائة، والشافعي على رأس المائتين، وعمر بن عبد العزيز على رأس المائة رحمة الله عليهم(7). [هذا تكرار]
[أبو بكر بن فورك (410هـ)]
263- وقال الإمام أبو بكر بن فورك(8)، المتكلم، فيما حكاه(9) عنه البيهقي في "الصفات" له، أنه قال: "استوى بمعنى علا، وقال في قوله: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء}(10) أي: فوق السماء(11).
ثم احتج البيهقي كذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ حين حكم في بني قريظة "لقد حكمت فيهم بحكم الله الذي حكم به من(12) فوق سبع سموات"(13)، [وقول](14) ابن عباس الذي تقدم "أن بين السماء السابعة إلى كرسيه سبعة آلاف نور، وهو فوق ذلك"(15). على رأس الثلاثمائة، والشافعي على رأس المائتين، وعمر بن عبد العزيز على رأس المائة رحمة الله عليهم(16).
[أبو بكر بن فورك (410هـ)]
__________
(1) أحمد بن حعفر بن حمدان بن مالك البغدادي، أبو بكر القطيعي الحنبلي، راوي مسند الإمام أحمد، العالم، المحدث، ولد سنة (274هـ)، وتوفي سنة (368هـ). تاريخ بغداد (4/73)، السير (16/210).
(2) تقدمت ترجمته.
(3) انظر تاريخ بغداد (5/379).
(4) تقدمت ترجمته.
(5) "أبا" ساقطة من (ب) و(ج).
(6) في (ب) و(ج) "شريح" وقد تقدمت ترجمته.
(7) في (ج) "رحمهم الله".
(8) تقدمت ترجمته.
(9) في (ج) "حكى".
(10) الآية 16 من سورة الملك.
(11) انظر الأسماء والصفات للبيهقي (2/309).
(12) "من" ساقطة من (ب) و (ج)
(13) تقدم تخريجه في الفقرة (32).
(14) في (أ) و (ب) و (ج) "وقال" ولعل الصواب ما أثبته.
(15) تقدم تخريجه في الفقرة (111).
(16) في (ج) "رحمهم الله".
(2/26)
وقال الإمام أبو بكر بن فورك(1)، المتكلم، فيما حكاه(2) عنه البيهقي في "الصفات" له، أنه قال: "استوى بمعنى علا، وقال في قوله {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء}(3) أي: فوق السماء(4).
ثم احتج البيهقي كذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ حين حكم في بني قريظة "لقد حكمت فيهم بحكم الله الذي حكم به من(5) فوق سبع سموات"(6)، [وقول](7) ابن عباس الذي تقدم "أن بين السماء السابعة إلى كرسيه سبعة آلاف نور، وهو فوق ذلك"(8).
وأما الأستاذ ابن فورك فإنه أفضل المتكلمين بعد القاضي أبي بكر، ألف في أصول الدين، والفقه، ومعاني القرآن قريباً من مائة مصنف.
[ابن أبي زيد القيرواني (386هـ)]
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) في (ج) "حكى".
(3) الآية 16 من سورة الملك.
(4) انظر الأسماء والصفات للبيهقي (2/309).
(5) "من" ساقطة من (ب) و (ج)
(6) تقدم تخريجه في الفقرة (32).
(7) في (أ) و (ب) و (ج) "وقال" ولعل الصواب ما أثبته.
(8) تقدم تخريجه في الفقرة (111).
(2/27)
264- 1- وقال الإمام أبو محمد بن أبي زيد المالكي المغربي(1) في رسالته(2) في مذهب مالك(3)، أولها: "وأنه فوق عرشه المجيد بذاته(4)، وأنه في كل مكان بعلمه"(5).
وقد تقدم هذا القول، عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، إمام أهل الكوفة في وقته(6) ومحدثها(7).
2- وممن قال إن الله على عرشه بذاته، يحيى بن عمار(8)، شيخ أبي(9) إسماعيل الأنصاري(10) شيخ الإسلام، قال ذلك في رسالته(11).
__________
(1) أبو محمد عبد الله بن أبي زيد عبد الرحمن النفزي، القيرواني، المالكي، فقيه، فسر، مشارك، له مصنفات كثيرة منها، كتاب النوادر والزيادات، ومختصر المدونة، وكتاب الرسالة، وإعجاز القرآن، توفي سنة (386هـ). السير (17/10)، شذرات الذهب (3/131).
(2) كتاب الرسالة طبع عدة طبعات.
(3) "مذهب مالك" ساقطة من (ج).
(4) في (ج) "أنه فوق العرش بذاته".
(5) انظر رسالة القيرواني (ص4)، باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات، ط: مطبعة مصطفى الحلبي، الطبعة الثانية (1368هـ)، وأورده ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/189). أورده الذهبي في العلو (ص171)، وأورده ابن القيم كما في مختصر الصواعق (2/134) وقال: "فصرح به أبو محمد ابن أبي زيد في ثلاثة مواضع من كتبه أشهرها الرسالة، وفي كتاب جامع النوادر، وفي كتاب الآداب".
(6) انظر الفقرة رقم (233).
(7) "ومحدثها" ساقطة من (ب) و (ج).
(8) أبو زكريا يحيى بن عمار الشيباني السجستاني، الواعظ، نزيل هراة، كان بارعاً في التفسير والسنة، توفي رحمه الله سنة (422هـ). العبر (3/151)، شذرات الذهب (2/226).
(9) في (ب) و (ج) "بني".
(10) هو أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري ستأتي ترجمته في الفقرة (279).
(11) سيأتي كلامه في الفقرة (266).
(2/28)
3- وكذلك الإمام أبو (ق82/ب) نصر السجزي(1) الحافظ، في كتاب "الإبانة"(2) له، فإنه قال: "وأئمتنا الثوري، ومالك، وابن عيينة، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وابن المبارك، وفضيل بن عياض(3)، وأحمد، وإسحاق ، متفقون (4) على أن الله فوق عرشه بذاته، وأن علمه بكل مكان"(5).
4- وكذلك قال شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري، فإنه قال: "في أخبار شتى إن الله في السماء السابعة، على العرش بنفسه"(6).
5- وكذلك قال [صاحبه](7) الكرجي(8) في عقيدة أصحاب الحديث، فإنه قال فيها: [تُطبع في ملف الجداول]
__________
(1) عبيد الله بن سعيد بن حاتم السجزي الوائلي، أبو نصر، محدث، حافظ، صنف، وخرج، وعالماً بالأصول والفروع، توفي في الحرم سنة (444هـ). تذكرة الحفاظ (3/1118)، السير (17/654)
(2) اسم الكتاب كاملاً (الإبانة في الرد على الزائغين في مسألة القرآن)، والكتاب في عداد الكتب المفقودة. انظر مقدمة محقق كتاب (الرد على من أنكر الحرف والصوت) للسجزي (ص38-39)، بتحقيق الدكتور محمد باكريم باعبد الله.
(3) الفضيل بن عياض بن مسعود التميمي، أبو علي الزاهد، المشهور، أصله من خراسان، وسكن مكة، ثقة، عابد، إمام، مات سنة (187هـ) وقيل بعدها.
السير (8/421).
(4) في (ب) "متفرقون".
(5) أورده ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (6/250)،
وكذلك في نقض تأسيس الجهمية (2/38، 416-417)، ومجموع الفتاوى (5/190). وأورده الذهبي في العلو (ص172)، وفي سير أعلام النبلاء (17/656)، وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص246)، وأورده أيضاً كما في مختصر الصواعق (2/214).
(6) سيأتي الكلام في الفقرة (279).
(7) في (أ) و(ب) و(ج) "صاحب" والصواب ما أثبته. والكرجي صاحب شيخ الإسلام الهروي.
(8) أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي، الفقيه، الشافعي، شيخ الكرج، وعالمها، ومفتيها، ولد سنة (458هـ) وتوفي سنة (532هـ). طبقات الشافعية لابن شهبة (1/310)، شذرات الذهب (4/100).
(2/29)
عقائدهم أن الإله بذاته
على عرشه مَعْ علمه بالغوائب(1)
وموجود بها الآن نسخ من بعضها نسخة بخط الشيخ(2) تقي الدين ابن الصلاح(3)، على أولها مكتوب: هذه عقيدة أهل السنة وأصحاب الحديث، بخطه(4) رحمه الله.
6- وكذلك قال الحافظ أحمد الطرقي(5)، وشيخ الإسلام المتفق على هدايته وتواتر كرامته الشيخ عبد القادر الجيلي(6)، وعبد العزيز ا[بن](7) محمد القحيطي(8)، وغيرهم. كما سيأتي إن شاء الله.
وأما ابن أبي زيد، فإنه من كبار الأئمة [بالمغرب](9)، وشهرته تغني عن ذكر فضله، وكان يلقب مالكاً الصغير(10)، واجتمع [فيه](11) العقل والدين والورع والعلم، وكان نهاية في علم الأصول.
ذكره ابن عساكر في "تبيين كذب المفتري" فيما نسبه إلى الأشعري، ولم يذكر له وفاة، ثم وجدته قد توفي سنة ست وثمانين وثلاثمائة بالقيروان.
[الإمام أبو القاسم هبة الله اللالكائي (418هـ)]
__________
(1) سيأتي ذكرها في فقرة رقم (282).
(2) عبارة "نسخ من بعضها نسخة بخط الشيخ" ساقطة من (ب) و(ج).
(3) عثمان بن صلاح الدين عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الكردي، الشهرزوري، أبو عمرو الموصلي، الشافعي، ولد سنة (577هـ)، الإمام الحافظ، العلامة، شيخ الإسلام، صاحب التصانيف البديعة، ومنها "علوم الحديث"، توفي سنة (643هـ). طبقات الشافعية (8/326)، السير (23/140).
(4) في (ب) "بحفظ".
(5) تقدمت ترجمته.
(6) عبد القادر بن أبي صالح عبد الله بن جنكي دوست الجيلي، أبو محمد الحنبلي، شيخ بغداد، الإمام، الزاهد، العارف، القدوة، ولد سنة (471هـ)، وتوفي سنة (561هـ). ذيل طبقات الحنابلة (1/290)، السير (20/439).
(7) "بن" ساقطة من (أ) و(ب) و(ج) والصواب ما أثبته.
(8) لم أقف له على ترجمة.
(9) في (أ) و (ب) "بالغرب" وما أثبته من (ج).
(10) في(ب) و(ج) "يقلب مالكاً الصغيرة".
(11) في (أ) و(ب) و(ج) "في" والصواب ما أثبته.
(2/30)
264- وقال (ق83/أ) الإمام أبو القاسم هبة الله بن الحسن(1) اللالكائي الشافعي، في كتاب "شرح أصول السنة"(2) له: "سياق ما روي في قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (3)، و[أن](4) الله على عرشه في السماء، قال عز وجل: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}(5)، وقال:{أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء}(6)، وقال {وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}(7)، قال: فدلت هذه الآيات أنه في السماء وعلمه محيط بكل مكان، وروي ذلك عن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وأم سلمة، ومن التابعين ربيعة، وسليمان التيمي، ومقاتل [بن] حيان(8)، وبه قال مالك، والثوري، وأحمد بن حنبل(9).
__________
(1) في (ب) و(ج) "حسين".
(2) الكتاب مطبوع باسم (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم) بتحقيق د/ أحمد بن سعد الغامدي.
(3) الآية 5 من سورة طه.
(4) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و (ب) و(ج)، وأثبته من شرح السنة للالكائي.
(5) الآية 10 من سورة فاطر.
(6) الآية 16 من سورة الملك.
(7) الآية 61 من سورة الأنعام.
(8) في (أ) و (ب) و(ج) "مقاتل وبن حيان"، والصواب ما أثبته، وقد تقدمت ترجمته.
(9) انظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/387-388).
(2/31)
قلت: توفي اللالكائي(1) سنة ثمان عشرة وأربعمائة، وكان إماماً، حافظاً، ذكره النواوي(2)، في طبقات الفقهاء الشافعية، وألف كتاباً في "السنن"(3)، وكتاباً في "معرفة أسماء من في الصحيحين"(4)، وكتاب "كرمات الأولياء"(5)، وغير ذلك.
أثنى عليه الخطيب في تاريخه(6) والذهلي(7) وغيرهما.
[أبو نعيم الأصبهاني (430هـ)]
__________
(1) "اللالكائي" ساقطة من(ج).
(2) يحيى بن شرف بن مرِّي بن حسن الحزامي، الحوراني، النووي الشافعي، أبو زكريا، علامة بالفقه والحديث، من أشهر مصنفاته شرحه على صحيح مسلم والمجموع شرح المهذب، توفي سنة (676هـ). تذكرة الحفاظ (4/1470)، طبقات الشافعية (8/385).
(3) ذكره الخطيب في تاريخه (14/70)، والكتاني في الرسالة المستطرفة (25-29) ومعجم المؤلفين (13/136).
(4) ذكره الخطيب في تاريخه (14/70)، والزركلي في الأعلام (9/57).
(5) طبع بتحقيق الدكتور أحمد بن سعد الغامدي.
(6) انظر تاريخ بغداد (14/70).
(7) في (ب) "الذهني" وفي (ج) "الذهبي".
(2/32)
265- وقال الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني(1)، في مصنف(2) "حلية الأولياء"، في الاعتقاد الذي جمعه: "طريقنا طريق السلف المتبعين للكتاب والسنة وإجماع الأمة، ومما اعتقدوه: أن الله لم يزل كاملاً بجميع صفاته القديمة، لا يزول ولا يحول(3)، لم(4) يزل عالماً بعلم، بصيراً ببصر، سميعاً بسمع، متكلماً بكلام، ثم أحدث الأشياء (ق83/ب) من غير شيء، وأن القرآن كلامه، وكذلك سائر كتبه المنزلة، كلامه غير مخلوق، وأن القرآن في جميع الجهات مقروءاً، ومتلواً، ومحفوظاً، ومسموعاً، ومكتوباً، وملفوظاً، كلام الله حقيقة، لا حكاية، ولا ترجمة، وأنه بألفاظنا كلام الله غير مخلوق، وأن الواقفة، واللفظية(5)، من الجهمية، وأن من(6) قصد القرآن بوجه(7) من الوجوه [يريد به](8) خلق كلام الله، فهو عندهم من الجهمية(9)، وأن الجهمي عندهم كافر".
وذكر أشياء إلى أن قال: "إن الأحاديث التي ثبتت(10) عن النبي صلى الله عليه وسلم في العرش، واستواء الله عليه، يثبتونها، من غير تكييف، ولا تمثيل، وأن الله تعالى(11) بائن من خلقه، والخلق بائنون منه، لا يحل فيهم ولا يمتزج [بهم](12)، وهو مستو على عرشه في سمائه دون أرضه"(13).
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) في (ج) "مصنفه".
(3) في (ب) و(ج) "لا يحول ولا يزول".
(4) في (ج) "ولم".
(5) في (ب) و(ج) "الوقفه واللفظه".
(6) "من" ساقطة من (ب) و(ج)
(7) في (ب) و(ج) "وجه".
(8) في (أ) "وبدنه و" والتصويب من مصادر التخريج
(9) عبارة "يريد به خلق كلام الله، فهو عندهم من الجهمية" ساقطة من (ب) و(ج).
(10) في (ج) "تثبت".
(11) "تعالى" ساقطة من (ج).
(12) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب) و(ج)، وأثبته من المصدر السابق.
(13) أوردها ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (6/252)، وفي الفتوى الحموية (ص100-101)، وفي مجموع الفتاوى (5/190-191). وأوردها ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص279)، وانظر مختصر الصواعق (2/214).
(2/33)
وذكر سائر اعتقاد السلف(1) وإجماعهم على ذلك.
وأبو نعيم هذا سبط(2) محمد بن يوسف البنا(3) الزاهد، شيخ أصبهان بلا مدافعة(4)، جمع الله له بين العلو في الرواية والحفظ(5) والدراية، فكان يشد إليه الرحال ويهاجرُ إلى بابه(6) الأئمة والحفاظ.
ذكره ابن عساكر في "تبيين كذب المفتري" في أصحاب أبي الحسن الأشعري، فقال: كتب إلي عبد الغافر بن إسماعيل(7) يذكر(8)، قال أحمد بن عبد الله بن أحمد بن [إسحاق](9) بن(10) موسى بن مهران، الإمام أبو نعيم الحافظ، واحد(11) عصره، (ق84/أ) في فضله، وجمعه، ومعرفته، صنف التصانيف المشهورة(12).
كحلية الأولياء، وغير ذلك من الكتب الكثيرة في أنواع علوم الحديث والحقائق وشاع ذكره في الآفاق ، واستفاد الناس من تصانيفه، توفي في صفر سنة ثلاثين وأربعمائة وله أربع وتسعون سنة إلا شهرا.
__________
(1) في (ب) و(ج) "وذكر السلف واعتمادهم".
(2) عبارة "هذا سبط" ساقطة من (ب) و(ج).
(3) محمد بن يوسف بن معدان، أبو عبدالله الأصبهاني، المعروف بالبناء، كان رئيساً في التصوف ولقي أكثر من ستمائة شيخ كما كان راوية، حافظاً، توفي سنة (286هـ) تاريخ أصبهان (2/220)،حلية الأولياء (10/402)،صفة الصفوة (4/63).
(4) في (ب) "مزاحمة".
(5) "والحفظ" ساقطة من (ب) و(ج).
(6) في (ج) "باب".
(7) في (ب) و(ج) "عبد الغفار".
وهو عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر بن محمد، الفارسي، أبو الحسن النيسابوري، صاحب "المفهم لشرح مسلم"، ولد سنة (451هـ) وتوفي سنة (529هـ). السير (20/16)، شذرات الذهب (4/93).
(8) في (ج) "يذكره".
(9) في (أ) و(ب) و(ج) "إسماعيل" والتصويب من مصادر ترجمته.
(10) "بن" ساقطة من (ج).
(11) في (ج) "واحد في عصره".
(12) تبيين كذب المفتري (ص246).
(2/34)
وسمعت من يحكي عن ألفاظ أبي بكر الخطيب قال : لم ألق من شيوخي أحفظ من أبي نعيم وأبي حازم العبدوي ،كتب إلي عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي ، سمعت أبا صالح المؤذن(1) يقول: كتبت عن عشرة من شيوخي عشرة آلاف جزء، سوى ما اشتريته، فذكر منهم أبا بكر
[الإسماعيلي](2)، وأبا أحمد الحاكم(3)، قال عبد الغفار: وانتخب عليه أبو عبد الله الحاكم(4)، وحدث عنه، وتوفي في ثاني شوال(5) سنة سبع عشرة فجأة رحمه الله.
[الإمام أبو زكريا يحيى بن عمار السجستاني (442هـ)]
__________
(1) قوله : "كحلية الأولياء ، وغير ذلك من الكتب الكثيرة في أنواع علوم الحديث والحقائق وشاع ذكره في الآفاق ، واستفاد الناس من تصانيفه ، توفي في صفر سنة ثلاثين وأربعمائة وله أربع وتسعون سنة إلا شهرا ، وسمعت من يحكي عن ألفاظ أبي بكر الخطيب قال : لم ألق من شيوخي أحفظ من أبي نعيم وأبي حازم العبدوي، كتب إلي عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي ، سمعت أبا صالح المؤذن" ساقط من (ب) و (ج).
(2) في (ب) "إسماعيل" وفي (ج) "ابن إسماعيل"، وقد تقدمت ترجمته.
(3) محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق، أبو أحمد النيسابوري الكرابيسي، المعروف بالحاكم الكبير، ولد سنة (285هـ) وتوفي سنة (378هـ)، وهو محدث خراسان في عصره، من كتبه الأسماء والكنى. السير (16/370)، شذرات الذهب (3/93).
(4) صاحب المستدرك تقدمت ترجمته.
(5) "في ثاني شوال" ساقطة من (ب) و ( ج ).
(2/35)
266- وقال الإمام الأوحد أبو زكريا يحيى بن عمار السجستاني(1)، في رسالته: "لا نقول كما قال الجهمية، إنه مداخل للأمكنة، وممازج لكل شيء ولا نعلم أين هو، بل هو بذاته على العرش، وعلمه محيط بكل شيء، و[علمه](2)، وسمعه، وبصره، وقدرته، مدركة لكل شيء، وهو معنى قوله {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}، وهو بذاته على عرشه كما قال سبحانه (ق84/ب) وكما قال رسوله(3) صلى الله عليه وسلم"(4).
[كان](5) يحيى بن عمار من كبار أئمة(6) الهدى، جمع بين العلم والرواية والإتقان(7) والزهد، توفي سنة ثلاثين وأربعمائة، وهو أجل شيخ لإسماعيل(8) الأصبهاني الأنصاري(9) شيخ الإسلام، وصاحب "منازل السائرين"، وشيخ(10) الإمام أبي نصر السجزي(11).
[معمر بن أحمد بن زياد الأصبهاني (418هـ)]
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و (ب) و(ج) وأثبته من العلو للذهبي (ص178).
(3) "رسوله" ساقطة من (ج) وفي (ب) "نبيه" بدل "رسوله".
(4) أورده ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/191). وأورده الذهبي في العلو (177-178). وأورده ابن القيم مختصرا في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص279).
(5) في (ب) "إن" وهي ساقطة من (ج)، ولعل الصواب ما أثبته.
(6) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب).
(7) "والإتقان" ساقطة من (ب) و (ج).
(8) في (ب) "وهو أجل لشيخ إسماعيل" وفي (ج) "وهو أحد الشيخ إسماعيل".
(9) ستأتي ترجمته في الصفحة (365).
(10) "وشيخ" ساقطة من (ب) و (ج).
(11) تقدمت ترجمته.
(2/36)
267- وقال الإمام العارف معمر بن أحمد بن زياد الأصبهاني(1)، شيخ الصوفية في عصر يحيى بن عمار، وأبي نعيم، وقبيل ذلك: "أحببت أن أوصي أصحابي بوصية من السنة، وأجمع ما كان عليه(2) أهل الحديث، وأهل المعرفة والتصوف، من المتقدمين والمتأخرين".
فذكر أشياء في الوصية، إلى(3) أن قال فيها: "وإن الله استوى على(4) عرشه، بلا كيف، ولا تشبيه، ولا تأويل، والاستواء معقول، والكيف مجهول، وأنه مستو على عرشه، بائن من خلقه، والخلق بائنون منه، بلا حلول، ولا ممازجة، ولا ملاصقة، وأنه سبحانه سميع، بصير، عليم، خبير، يتكلم، ويرضى، ويسخط، ويضحك، ويتعجب، ويتجلى لعباده يوم القيامة ضاحكاً، وينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا(5) كيف شاء بلا كيف(6) ولا تأويل، فمن أنكر النزول أو تأول فهو ضال مبتدع"(7).
[أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني (449هـ)]
268- وقال الإمام أبو عثمان إسماعيل (ق85/أ) بن عبد الرحمن الصابوني النيسابوري (8)
__________
(1) معمر بن أحمد بن زياد الأصبهاني، أبو منصور الزاهد، كان كبير الصوفية في أصفهان، روى عن الطبراني وعن أبي الشيخ، مات سنة (418هـ). شذرات الذهب (3/211).
(2) بعده في (ب) و(ج) كلمة "من" زائدة. انظر مجموع الفتاوى (5/191)
(3) في (ب) و(ج) "إلا".
(4) "على" ساقطة من (ب).
(5) "الدنبا" ساقطة من (ب) و(ج)
(6) "بلا كيف" ساقطة من (ب) و (ج)
(7) أوردها ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (6/256-257)، وفي الفتوى الحموية (ص101-102)، وفي مجموع الفتاوى (5/191).
(8) في (ب) "البناوي".
وهو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد النيسابوري الصابوني، إمام، علامة، قدوة، مفسر، محدث، مات سنة (449هـ). سير أعلام النبلاء (18/40)، طبقات المفسرين للداودي (1/107).
(2/37)
، في كتاب "الرسالة في السنة" له: "ويعتقد أصحاب الحديث ويشهدون، أن الله فوق سبع سمواته، على عرشه(1) كما نطق به كتابه(2) وعلماء الأمة، وأعيان الأئمة من السلف، لم يختلفوا أن الله عز وجل على عرشه، فوق سمواته.
وإمامنا(3) أبو عبد الله محمد(4) بن إدريس الشافعي احتج في كتابه المبسوط(5)، في مسألة إعتاق(6) الرقبة المؤمنة في الكفارة، وأن الرقبة الكافرة لا يصح التكفير بها بخبر معاوية بن الحكم، فإنه أراد أن يعتق الجارية السوداء عن الكفارة، فسأل رسول(7) صلى الله عليه وسلم عن إعتاقه إياها(8)، فامتحنها ليعرف(9) أنها مؤمنة أم لا، فقال لها أين ربك؟، فأشارت إلى السماء، فقال اعتقها فإنها مؤمنة، فحكم بإيمانها لما أقرت(10) بأن ربها في السماء، وعرفت ربها بصفة العلو والفوقية(11).
وأبو عثمان الصابوني هذا من كبار الأئمة، كان فقيهاً، محدثاً حافظاً، صوفياً، واعظاً، شيخ نيسابور في وقته(12)، توفي سنة بضع وأربعين وأربعمائة رحمه الله، وله تصانيف حسنة.
[أبو الفتح سليم بن أيوب الرازي (447هـ)]
__________
(1) "على عرشه" ساقطة من (ب) و( ج ).
(2) انظر كتاب عقيدة السلف وأصحاب الحديث (ص175). وانظر مجموع الفتاوى (5/192).
(3) في (ب) و(ج) "وأما".
(4) في (ب) و(ج) "أحمد".
(5) ما بين المعكوفتين ساقط من (ب) و(ج). وانظر في هذه المسألة الأم للشافعي (5/266-267).
(6) ما بين المعكوفتين ساقط من (ب) و(ج).
(7) في (ب) و(ج) "النبي".
(8) في (ب) و(ج) "لها".
(9) في (ب) و(ج) "حتى يعرف".
(10) "لما أقرت" ساقطة من (ب) و(ج).
(11) انظر عقيدة السلف للصابوني (ص188)، مع ملاحظة أن هناك اختلافاً يسيراً في العبارة.
(12) في (ج) "وأعظم شيخ بنيسابور في وقته".
(2/38)
269- وقال(1) الإمام الفقيه أبو الفتح(2) سليم بن أيوب الرازي(3)، صاحب الشيخ أبي حامد الإسفراييني(4)، في تفسير القرآن له(5) في قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}(6): "قال أبو عبيدة(7): علا، وقال غيره استقر".
وقال في قوله {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (8): "عن(9) قتادة(10) قال: اليوم السابع(11)".
وقال في (ق85/ب) قوله {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء}(12): "أي ربكم الذي في السماء إن عصيتموه أن يخسف بكم الأرض". وذكر(13) مثل هذا القول في باقي الآيات الدالة على أن الله فوق العرش(14).
وأبو الفتح سليم(15) هذا إمام كبير عالم بالتفسير، والحديث، والفقه، وغير ذلك، شيخ أبي الفتح نصر(16) المقدسي(17)، توفي في حدود الأربعين وأربعمائة.
[أبو نصر عبيد الله بن سعيد السجزي (444هـ)]
__________
(1) في (ج) "قال".
(2) "أبو الفتح" ساقطة من (ج).
(3) سليم بن أيوب بن سليم، أبو الفتح الرازي الشافعي، إمام، ثقة، فقيه، مقريء، محدث، مفسر، مات سنة (447هـ). سير أعلام النبلاء (17/645)، طبقات المفسرين للداودي (1/196)، طبقات الشافعية للسبكي (4/388).
(4) تقدمت ترجمته.
(5) "له" ساقطة من (ب) و (ج).
(6) الآية 5 من سورة طه.
(7) تقدمت ترجمته.
(8) الآية 4 من سورة الحديد.
(9) "عن" ساقطة من (ب) و(ج).
(10) تقدمت ترجمته.
(11) تفسير ابن أبي حاتم (5/1497، رقم8576). وأورده السيوطي في الدر المنثور (3/91)، وعزاه لابن أبي حاتم.
(12) الآية 16 من سورة الملك.
(13) "وذكر" مكررة في ( ب).
(14) أورده الذهبي في العلو (ص1870).
(15) "سليم" ساقطة من (ب) و (ج).
(16) في (ج) "النصر".
(17) نصر بن إبراهيم بن نصر بن اٍبراهيم بن داود النابلسي، أبو الفتح المقدسي، الفقيه الشافعي، الإمام العلامة القدوة، المحدث، صاحب التصانيف والأمالي، توفي سنة (490هـ). طبقات الشافعية (5/351)، السير (19/136).
(2/39)
270- وقال الإمام أبو نصر [عبيد الله بن سعيد](1) السجزي(2)، في كتابه "الإبانة" الذي ألفه في السنة: "أئمتنا كسفيان الثوري، ومالك، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وعبد الله بن المبارك، والفضيل بن عياض، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، متفقون على أن الله سبحانه وتعالى بذاته فوق العرش، وأن علمه بكل مكان، وأنه يُرَى(3) يوم القيامة بالأبصار، وأنه ينزل إلى سماء(4) الدنيا، وأنه(5) يغضب ويرضى، ويتكلم بما شاء(6)"(7).
وأبو النصر هذا إمام(8)، حافظ، فقيه جليل، أقام(9) بمكة مدة، روى عن شيخ الإسلام وغيره، توفي في حدود الأربعين وأربعمائة رحمه الله.
[الحافظ البيهقي (458هـ)]
__________
(1) في (أ) و(ب) و(ج) "عبد الله بن سعد" وهو خطأ، والصواب ما أثبته.
(2) تقدمت ترجمته.
(3) في (ب) "ويرضى" وفي (ج) "ويرى".
(4) في (ج) "إلى السماء".
(5) في (ب) "وأن".
(6) "بما شاء" ساقطة من (ج).
(7) أورده شيخ الإسلام ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (6/250)، وفي مجموع الفتاوى (5/190)، وفي نقض تأسيس الجهمية (2/38،416-417).
وأورده الذهبي في العلو (ص180)، وفي سير أعلام النبلاء (17/656).
وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص246)، ومختصر الصواعق (2/214).
(8) "هذا إمام" غير واضحة في(ب).
(9) في (ج) "قام".
(2/40)
271- وقال الإمام أبو بكر بن الحسين البيهقي(1) -صاحب السنن الكبير، وغيره- في كتاب "الاعتقاد"(2): "في باب القول في الاستواء" قال الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}(3)،{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}(4) {وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}(5)،{يَخَافُونَ رَبَّهُم مِنْ فَوْقِهِم}(6)،{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}(7)،{أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء}(8)، وأراد من فوق السماء، كما قال {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ (ق86/أ) فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}(9) بمعنى على جذوع النخل، وقال: {فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ}(10) بمعنى على الأرض(11) وكل ما علا فهو سماء، والعرش على السموات، فمعنى الآية أأمنتم من على العرش، كما صرح [به](12) في سائر الآيات.
وفيما كتبنا(13) من الآيات دلالة على إبطال [قول](14) من زعم من الجهمية أن الله بذاته في كل مكان.
وقوله(15) {وَهُوَ مَعَكُم أَيْنَمَا كُنْتُم} إنما أراد [به](16) بعلمه لا بذاته"(17).
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) كتاب الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد، طبع بتحقيق أحمد عصام الكاتب، ونشرته دار الأفاق الجديدة.
(3) الآية 5 من سورة طه.
(4) الآية 59 من سورة الفرقان.
(5) الآية 18 من سورة الأنعام
(6) الآية 50 من سورة النحل.
(7) الآية 10 من سورة فاطر.
(8) الآية 16 من سورة الملك.
(9) الآية 71 من سورة طه.
(10) الآية 2 من سورة التوبة.
(11) "بمعنى على الأرض" ساقطة من (ب) و(ج).
(12) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب) و(ج) وأثبته من الاعتقاد للبيهقي.
(13) في (ب) "وفيه كتبنا" وفي (ج) "في كثير".
(14) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب) و(ج) وأثبته من الاعتقاد للبيهقي.
(15) في (ب) و(ج) "وهو قوله" ولعل الصواب ما أثبته.
(16) ما بين المعكوفتين ساقط من (ب) و(ج) وأثبته من الاعتقاد للبيهقي.
(17) الاعتقاد للبيهقي (ص112-115). وأورده الذهبي في العلو (ص 184ـ185).
(2/41)
شهرة البيهقي تغني عن التعريف به، توفي في(1) سنة ثمان وخمسين وأربعمائة، وله أربع وثمانون سنة رحمه الله.
[الإمام أبو عمر بن عبد البر (463هـ)]
272- 1- وقال الإمام، حافظ المغرب، أبو عمر بن عبد البر(2)، صاحب "الإستيعاب"، و"التمهيد"، والمصنفات النفيسة، لما شرح "ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا ..." الذي(3) في الموطأ قال: "هذا الحديث لم يختلف أهل الحديث في صحته، وفيه دليل على أن الله في السماء على العرش من فوق سبع سموات، كما قالت الجماعة، وهو [من](4) حجتهم على المعتزلة(5)، وهذا أشهر عند العامة وأعرف من أن يحتاج إلى أكثر من حكايته، لأنه اضطرار لم [يؤنبهم](6) عليه أحد، ولا أنكره عليهم مسلم"(7).
وقال أيضاً: "أجمع(8) علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل، قالوا في تأويل قوله {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ } هو على العرش، وعلمه بكل مكان، وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله"(9) (ق86/ب).
2- وقال أيضاً: "أهل السنة [مجمعون](10) على الإقرار بالصفات الواردة في الكتاب والسنة، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا أنهم لم يكيفوا شيئاً من ذلك. وأما الجهمية والمعتزلة والخوارج فكلهم ينكرها، ولا يحمل منها شيء على الحقيقة، [ويزعمون](11) أن من أقر بها مشبه، وهم(12) عند من أقر بها نافون للمعبود"(13).
__________
(1) "في" ساقطة من (ج).
(2) تقدمت ترجمته.
(3) "الذي" ساقطة من (ج).
(4) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب) و(ج) وأثبته من التمهيد (7/129).
(5) التمهيد (7/129).
(6) في (أ) و(ب) و(ج) "لم يوافقهم" والتصويب من التمهيد (7/134).
(7) التمهيد (7/134).
(8) في (ب) و(ج) "أحمد".
(9) التمهيد (7/138-139).
(10) في (أ) "مجتمعون" وفي (ب) و(ج) "يجتمعون". والتصويب من التمهيد (7/145).
(11) في (أ) و(ب) و(ج) "يزعم" والتصويب من التمهيد.
(12) في (ج) "فهم".
(13) التمهيد (7/145) وأورده الذهبي في العلو (ص 181ـ182).
(2/42)
أبو عمر هذا إمام أهل المغرب، من أعيان الحفاظ والأئمة القائمين بمذهب مالك رحمه الله، توفي سنة ثلاث وستين وأربعمائة.
[أبو بكر الخطيب (463هـ)]
273- وفيها توفي حافظ المشرق أبو بكر الخطيب(1)، وهو القائل ما أخبرناه إسماعيل بن عبد الرحمن(2)، أنبأنا عبد الله بن أحمد المقدسي(3) سنة سبع عشرة وستمائة، عن المبارك بن علي الصيرفي(4)
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) إسماعيل بن عبد الرحمن بن عمرو، أبو الفداء المرداوي ثم الصالحي الحنبلي الفراء المعروف بابن المنادي، شيخ صالح، ولد سنة (610هـ) وتوفي سنة (700هـ). معجم شيوخ الذهبي (1/175)، ذيل طبقات الحنابلة (2/465).
(3) عبد الله بن أحمد بن أبي بكر محمد بن إبراهيم السعدي المقدسي، أبو محمد الصالحي الحنبلي، المحدث، الرحال، مفيد الطلبة، توفي سنة (658هـ) وله أربعون سنة. السير (23/375)، ذيل طبقات الحنابلة (2/268).
(4) أبو طالب المبارك بن علي الصيرفي، وفي ذيل تاريخ بغداد (15/337، ت1239): "وكان ثقة، توفي في ذي الحجة سنة اثنتين وستين وخمسمائة فجأة".
وانظر السير (21/487)، مختصر تاريخ دمشق لابن منظور (24/82).
(2/43)
، أنبأنا أبو الحسن محمد بن مرزوق الزعفراني(1)، أنبأنا أبو بكر الخطيب قال: "[أما](2) الكلام في الصفات، فأما ما روي منها في السنن الصحاح، فمذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيف والتشبيه عنها(3)، والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، ونحتذي في ذلك حذوه ومثاله، وإذا كان معلوماً أن إثبات رب العالمين إنما هو إثبات وجود لا إثبات(4) تحديد وتكييف، فكذلك إثبات صفاته فإنما هو إثبات وجود (ق87/أ) لا إثبات تحديد وتكييف، فإذا قلنا: يد وسمع وبصر، فإنما هو إثبات صفات أثبتها الله لنفسه، ولا نقول إن معنى اليد: القدرة، ولا نقول: إن معنى السمع والبصر: العلم، ولا نقول: إنها جوارح وأدوات الفعل، ونقول: إنما وجب إثباتها لأن التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها، لقوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}(5)، وقوله {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ }(6)"(7).
[أبو سليمان الخطابي (388هـ)]
__________
(1) محمد بن مرزوق بن عبد الرزاق بن محمد البغدادي، أبو الحسن الزعفراني، الحلاّب، الشافعي، ولد سنة (442هـ) وكان تاجراً، جوّالاً، فقيهاً، محدثاً، ثبتاً، صالحاً، مات ببغداد سنة (517هـ). السير (19/471)، شذرات الذهب (4/57).
(2) في (أ) و(ب) و(ج) "إمام" والصواب ما أثبته.
(3) في (ج) "عنه".
(4) في (ب) "ثبات".
(5) الآية 11 من سورة الشورى.
(6) الآية 4 من سورة الإخلاص.
(7) هذا النص ورد في جواب أبي بكر الخطيب البغدادي عن سؤال أهل دمشق في الصفات، وقد طبع بذيل كتاب اعتقاد أهل السنة للإسماعيلي، انظر: (ص64-65) بتحقيق: جمال عزون، الناشر: دار الريان. وأخرجها الذهبي في سير أعلام النبلاء (18/283-284)، وفي تذكرة الحفاظ (3/1142-1143)، وفي العلو (ص185).
(2/44)
274- وقال مثل هذا القول(1) قبله(2) الإمام أبو سليمان الخطابي(3) في "الغنية عن الكلام" له، وهو: "فأما(4) ما سألت عنه من(5) الكلام في الصفات، وما جاء(6) منها في الكتاب وروي في السنن الصحاح".
وقال: "مذاهب(7) السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها"(8).
[الإمام أبو القاسم إسماعيل بن محمد التيمي (535هـ)]
__________
(1) "القول" ساقطة من (ج).
(2) في (ج) "مثله".
(3) حَمْدُ بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي الخطابي -نسبة إلى عمر، أو زيد بن الخطاب رضي الله عنهما- الشافعي، صاحب التصانيف، إمام علامة، لغوي، توفي سنة (388هـ). سير أعلام النبلاء (17/23)، طبقات الشافعية (3/282).
(4) "فأما" ساقطة من (ج).
(5) في (ب) و(ج) "في".
(6) في (ب) و(ج) "كان".
(7) في (ج) "مذهب".
(8) أورده ابن تيمية في الحموية (ص99-100) بأطول مما هنا. أورده الذهبي في العلو (ص172-173)، وفي الأربعين في صفات رب العالمين (ص93-94، برقم97) وبلفظ أتم مما ههنا.
(2/45)
275- وقال مثل هذا القول بعدهما، الإمام أبو القاسم إسماعيل بن محمد التيمي(1)، صاحب "الترغيب والترهيب"، وقد سئل عن صفات الرب تعالى فقال: "مذهب مالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن سعيد(2)، وعبد الرحمن بن مهدي، وإسحاق بن راهويه، أن صفات الله التي وصف بها نفسه، أو وصفه(3) بها رسوله، من السمع، والبصر، والوجه، واليدين، وسائر أوصافه، إنما هي على ظاهرها المعروف المشهور، من غير كيف يتوهم فيه، ولا تشبيه ولا تأويل، قال (ق87/ب) سفيان بن عيينة: "كل شيء وصف الله به نفسه فقراءته تفسيره"(4) أي على ظاهره، لا يجوز صرفه إلى المجاز بنوع من التأويل"(5).
[القاضي أبو يعلى الفراء (458هـ)]
__________
(1) إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي القرشي، أبو القاسم التيمي، ثم الطلحي، الأصبهاني، الملقب بقوام السنة، صاحب كتاب الترغيب والترهيب، إمام علامة، حافظ، شيخ الإسلام، ولد سنة (457هـ) وتوفي سنة (535هـ). السير (20/80)، طبقات المفسرين للداودي (1/112).
(2) يحيى بن سعيد بن فرّوخ التميمي، أبو سعيد القطان البصري، ثقة، متقن، حافظ، إمام قدوة، توفي سنة (198هـ) وله ثمان وسبعون سنة. السير (9/175).
(3) في (ج) ( وصف ).
(4) أخرجه الدارقطني في الصفات (ص70 برقم61). وابن منده في كتاب التوحيد (3/307، برقم895). واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/431، برقم736). والصابوني في عقيدة أهل الحديث،(ص 248). والبيهقي في الأسماء والصفات (2/307، برقم869)، وفي الاعتقاد (ص118).
(5) أورده الذهبي في العلو (ص192).
(2/46)
276- 1- وقال القاضي أبو يعلى الفراء(1) في كتاب "إبطال التأويل" له: "لا يجوز [رد](2) هذه الأخبار، ولا التشاغل بتأويلها، والواجب حملها على ظاهرها، وأنها صفات لله لا تُشبَّه بسائر صفات الموصوفين بها من الخلق(3). ويدل على إبطال التأويل، لأن (4) الصحابة و(5) من بعدهم من التابعين حملوها على [ظاهرها](6)، ولم يتعرضوا لتأويلها، ولا صرفها عن ظاهرها، فلو كان التأويل سائغاً لكانوا إليه أسبق لما فيه من إزالة التشبيه"(7)
يعني على زعم من قال إن ظاهرها التشبيه(8).
2- وقال بعد أن ذكر حديث الجارية: "اعلم أن الكلام في هذا الخبر في فصلين: أحدهما: في جواز السؤال عنه سبحانه بأين هو؟، وجواز الإخبار عنه بأنه في السماء"(9).
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و (ب) وفي (ج) ( تأويل )، وما أثبته من إبطال التأويلات (1/43).
(3) انظر إبطال التأويلات (1/43).
(4) في (ج) "أن".
(5) "و" ساقطة من (ب)
(6) في (أ) و(ب) "ظواهرا" وما أثبته من (ج).
(7) انظر إبطال التأويلات (1/71)، وأورده الذهبي في العلو (ص 183)
(8) عبارة "يعني على زعم من قال إن ظاهرها التشبيه" ساقطة من (ج).
(9) إبطال التأويلات (1/232).
(2/47)
وذكر أشياء، إلى أن قال: "وقد أطلق أحمد بذلك فيما أخرجه في "الرد على الجهمية" فقال(1): فقد أخبرنا بأنه(2) في السماء فقال {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء}(3)، وقال {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}(4)، وقال {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}(5) فقد أخبر الله عز وجل أنه في السماء وهو على عرشه"(6).
وذكر كلاماً طويلاً ليس هذا موضعه.
وأما (ق88/أ) القاضي هذا فهو أجل الحنابلة في وقته، وأعلم بمذهب أحمد، وباختلاف العلماء، صنف كتباً كثيرة في المذهب، والخلاف، والأصول، رحمه الله، توفي قبل الستين وأربعمائة.
[أبو القاسم سعد بن علي الزنجاني (471هـ)]
277- وقد تقدمت فتيا الإمام أبي القاسم سعد بن علي الزنجاني(7)، وأنه أجاب بنص قول الإمام أبي العباس بن سريج(8).
__________
(1) في (ب) و(ج) تكررت عبارة: "فقد أخبرنا بأنه في السماء وقال {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} وقال {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ }" وهو خطأ، والتصويب من إبطال التأويلات.
(2) في (ج) "أنه".
(3) الآية 16 من سورة الملك.
(4) الآية 10 من سورة فاطر.
(5) الآية 55 من سورة آل عمران.
(6) انظر إبطال التأويلات (1/233).
(7) تقدمت ترجمته.
(8) تقدمت ترجمته. أما كلامه فقد تقدم في الفقرة (239).
(2/48)
أبو القاسم هذا إمام كبير، حافظ، فقيه، صوفي، ذكره ابن الجوزي(1) في "صفة الصفوة" فقال: "سعد بن علي، طاف الآفاق، ورأى المشايخ، وسكن مكة فصار شيخ الحرم، وكان إذا خرج إلى الحرم يترك الناس الطواف ويقبلون يده أكثر من تقبيل الحجر، وكانت له كرامات، وتوفي سنة سبعين وأربعمائة"(2).
لكن في النفس شيء من عزو الفتيا التي ذكرها إلى ابن سريج، فإني لا أرى عليها لوائح صحة الإسناد والله أعلم، على(3) أنني أجزم أن ابن سريج لم يكن يخالف تيك(4) الأصول.
[أبو المعالي الجويني (478هـ)]
278- وقال الإمام أبو المعالي الجويني(5) في كتاب "رسالة النظامية":
"اختلف مسالك العلماء في هذه الظواهر، فرأى بعضهم تأويلها، والتزم ذلك في [آي](6) الكتاب وما يصح من السنن، وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل، وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب عز وجل(7).
__________
(1) عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي القرشي البغدادي، أبو الفرج، علاّمة عصره في التاريخ والحديث، كثير التصانيف، ولد سنة (508هـ) وتوفي سنة (597هـ)، له نحو ثلاثمائة مصنف. السير (21/365)، فوات الوفيات (1/271).
(2) انظر صفة الصفوة (2/266-267، ت224)، الناشر: دار الوعي بحلب، الطبعة الأولى (1390هـ).
(3) "على" ساقطة من (ب) و(ج).
(4) في (ب) و(ج) "تلك".
(5) عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله الجويني، أبو المعالي النيسابوري، الشافعي، الملقب بإمام الحرمين، صاحب التصانيف في علم الكلام وغيره، وهو من متأخري الأشاعرة ولد سنة (419هـ) وتوفي سنة (478هـ). طبقات الشافعية (5/165)، السير (18/617).
(6) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب) و(ج) وما أثبته من العقيدة النظامية
(7) "عز وجل" ساقطة من (ج).
(2/49)
والذي نرتضيه رأياً، وندين الله به (ق88/ب) عقيدةً، اتباع سلف الأمة، والدليل القاطع السمعي في ذلك أن إجماع الأمة حجة متبعة، فلو كان تأويل هذه الظواهر مسوغاً أو محتوماً، لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشرع، وإذا انصرم عصر الصحابة والتابعين على الإضراب عن التأويل، كان ذلك هو الوجه(1) المتبع"(2).
انتهت معرفة مذهب الشافعي إلى أبي المعالي هذا، وصنف كتباً كثيرة وكان بحراً في دقائق الفقه وفروعه، ومعرفة أصوله، توفي سنة تسع وسبعين وأربعمائة رحمه الله تعالى.
[الإمام أبو إسماعيل الأنصاري (481هـ)]
279- و[قال](3) الإمام العارف شيخ الإسلام أبو إسماعيل عبد الله ابن محمد الأنصاري(4) في كتاب "الصفات" له: "باب إثبات استواء الله على عرشه فوق السماء السابعة، بائناً من خلقه، من الكتاب والسنة".
فذكر رحمه الله دلالات ذلك من الكتاب والسنة، إلى أن قال: "في أخبار شتى أن الله عز وجل في السماء السابعة على العرش بنفسه، وهو ينظر كيف تعملون، علمه، وقدرته، واستماعه، ونظره، ورحمته، في كل مكان"(5).
__________
(1) "الوجه" ساقطة من (ج).
(2) انظر العقيدة النظامية (ص32-33)، بتحقيق د/ أحمد حجازي السقا. وانظر مجموع الفتاوى لابن تيمية (5/100-101). وانظر سير أعلام النبلاء (18/473-474). والعلو (ص187-188).
(3) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ)
(4) عبد الله بن محمد بن علي الأنصاري، أبو إسماعيل الهروي، شيخ خراسان، إمام قدوة، حافظ كبير، توفي سنة (481هـ) وله أربع وثمانون سنة ونيف. الأنساب (1/367)، السير (18/503).
(5) أورده الذهبي في العلو (ص189).
(2/50)
أبو إسماعيل الأنصاري هذا معروف عند مشايخ الطريق، مصنف(1) "منازل السائرين (ق89/أ) إلى الله"، كان عالماً بالحديث صحيحه وسقيمه، وآثار السلف، وبلغات العرب واختلافها، وتفسير الكتاب ومعانيه، وأقوال المفسرين، وبأحوال القلوب، وكان له كرامات معروفة، وقد جمع عبد القادر الرهاوي كتاباً سماه "المادح والممدوح" لعل معظم الكتاب(2) في ترجمته، فمن طالع ذلك عرف منزلته وجلالته في الأمة، افتتح القرآن يفسره إلى قوله {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ}(3) فافتتح تجريد المجالس في الحقيقة والمحبة وأنفق على هذه الآية مدة طويلة من عمره، وكذا في قوله عز وجل {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى}(4) بقي يفسر فيها ثلاثمائة وستين مجلساً، وقد كان في وقته، مثل الجنيد(5) في وقته، وبشر الحافي(6) في وقته، توفي رحمه الله تعالى سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، وله خمس وثمانون سنة.
[الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي (510هـ)]
280- 1- وقال الإمام محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي(7) في تفسيره "معالم التنزيل"، عند قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ }(8): "قال الكلبي(9)، ومقاتل(10): استقر. وقال أبو عبيدة(11): صعد. وأولت المعتزلة الاستواء بالاستيلاء، وأما أهل السنة فيقولون: الاستواء (ق89/ب) على العرش صفة لله، بلا كيف، يجب الإيمان به"(12).
__________
(1) "مصنف" ساقطة من (ب) و(ج).
(2) في (ب) و(ج) "الكتابة".
(3) الآية 165 من سورة البقرة.
(4) الآية 101 من سورة الأنبياء.
(5) تقدمت ترجمته.
(6) تقدمت ترجمته.
(7) تقدمت ترجمته.
(8) الآية 54 من سورة الأعراف.
(9) محمد بن السائب بن بشر بن عمرو، أبو النضر الكوفي النسابة، المفسر، متهم بالكذب ورمي بالرفض، مات سنة (146هـ). التقريب (ص847).
(10) مقاتل بن حيان، تقدمت ترجمته.
(11) تقدمت ترجمته.
(12) انظر تفسير البغوي (2/165) في تفسير الآية 54 من سورة الأعراف.
(2/51)
2-وقال رحمه الله تعالى في قوله تعالى{اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِي َدُخَانٌ}(1) قال ابن عباس وأكثر مفسري السلف: ارتفع إلى السماء(2).
3- وقال في قوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ}(3) :"الأولى(4) في هذه الآية وما شاكلها أن يؤمن الإنسان بظاهرها، ويكل علمها إلى الله تعالى ويعتقد أن الله منزه عن سمات الحدث، على ذلك مضت أئمة السلف وعلماء السنة"(5).
4- وقال في قوله {وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ}(6): "يعني وهو إله في السموات والأرض، قال الزجاج(7): فيه تقديم وتأخير تقديره، وهو الله يعلم سركم وجهركم في السموات والأرض(8)"(9).
5- وقال في قوله {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ }(10): "[في العلم](11)"(12).
أبو محمد البغوي هذا من كبار الأئمة والفقهاء الشافعية، مصنف "شرح السنة"، وكتاب "التفسير" وغير ذلك، شهرته تغني عن التعريف به، توفي رحمه الله سنة خمس عشرة وخمسمائة.
[أبو إسحاق الثعلبي (427هـ)]
__________
(1) الآية 11 من سورة فصلت.
(2) انظر تفسير البغوي (1/59) في تفسير الآية 29 من سورة البقرة.
(3) الآية 210 من سورة البقرة.
(4) "الأولى" ساقطة من (ج).
(5) تفسير البغوي (1/184) عند تفسير الآية (210) من سورة البقرة.
(6) الآية 3 من سورة الأنعام.
(7) إبراهيم بن محمد بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج، عالم بالنحو واللغة، مات ببغداد سنة (311هـ)، من مصنفاته (معاني القرآن) و(الاشتقاق)، وغيرهما. تاريخ بغداد (6/89)، السير (14/360).
(8) في (ج) "وفي الأرض".
(9) تفسير البغوي (2/84-85) عند تفسير الآية (3) من سورة الأنعام.
(10) الآية 7 من سورة المجادلة.
(11) في (ب) "في بالعلم" وفي (أ) و (ج) ( بالعلم )، وما أثبته من تفسير البغوي.
(12) تفسير البغوي (4/307).
(2/52)
281- وقال أبو إسحاق الثعلبي(1) في تفسيره(2) لهذا الموضع نحواً من هذا القول.
[الإمام أبو الحسن الكرجي (532هـ)]
282- وقال الإمام أبو الحسن محمد بن عبد الملك [الكرجي](3) صاحب (90/أ) شيخ الإسلام(4) في عقيدته المعروفة التي أولها:
وشيب [فَوْدي](5) شيب وصل الحبائب
محاسن جسمي بدلت بالمعايب
إلى أن قال:
على منهج في الصدق والصبر لاحب
وأفضل زاد في المعاد عقيدة
بأرباب دين الله أسنى المراتب](6)
[عقيدة أصحاب الحديث فقد سمت
على عرشه مع علمه بالغوائب
عقائدهم أن الإ له بذاته
ويجهل فيه الكيف جهل الشهارب
وأن استواء الرب يعقل كونه
من مائتي بيت.
وكان أبو الحسن هذا إماماً، زاهداً(7)، شافعي المذهب، معاصراً للشيخ أبي محمد البغوي(8) وذويه، وهذه القصيدة مشهورة عند الخاصة والعامة في بلاد المشرق.
[الإمام عبد القادر الجيلي (561هـ)]
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) تفسيره المسمى "الكشف والبيان في تفسير القرآن" وهو مخطوط وتوجد منه نسخة مصورة في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية.
(3) في (أ) و(ب)و(ج) "الكرخي" وهو خطأ، وقد تقدمت ترجمته.
(4) أبو إسماعيل الأنصاري الهروي، تقدمت ترجمته.
(5) في (أ) و (ب) (ج) "فؤادي" والصواب ما أثبته، والفود: ناحيتي الرأس، وقيل: معظم الرأس. النهاية (3/478).
(6) ما بين المعكوفتين ساقط من (ب) و(ج)
(7) في (ب) (ج) "زاي هدا".
(8) تقدمت ترجمته.
(2/53)
283- وقال الإمام شيخ الإسلام صفوة العارفين، أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح الجيلي(1) الحنبلي(2)، في كتاب "الغنية" له، الموجود بأيدي الناس: "أما معرفة الصانع بالآيات والدلالات على وجه الاختصار فهو أن [يعرف ويتيقن](3) أن الله واحد أحد". إلى أن قال: "وهو بجهة العلو مستو على العرش، محتو على الملك، محيط علمه بالأشياء، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}(4)، {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ (ق90/ب) مِّمَّا تَعُدُّونَ}(5)، ولا يجوز وصفه بأنه في كل مكان، بل يقال إنه في السماء على العرش كما قال {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}(6)، وينبغي إطلاق صفة الاستواء(7) من غير تأويل، وأنه استواء(8) الذات على العرش، وكونه سبحانه وتعالى على العرش مذكور في كل كتاب أنزل على كل نبي أرسل بلا كيف"(9).
وذكر كلاماً طويلاً اختصرته. رحمة الله عليه.
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) "الحنبلي" ساقطة من (ب) و (ج)
(3) في ( أ ) و(ب) و(ج) "تعرف وتيقن" وما أثبته من العلو للذهبي.
(4) الآية 10 من سورة فاطر.
(5) الآية 5 من سورة السجدة.
(6) الآية 5 من سورة طه.
(7) في (ب) و(ج) "الأشياء" وهو خطأ.
(8) في (ج) "استوى".
(9) انظر كتاب الغنية لطالبي طريق الحق لعبد القادر الجيلاني (1/54-57)، ط: الحلبي. وطبقات الحنابلة (1/296). ومجموع الفتاوى (5/85). والعلو للذهبي (ص193). واجتماع الجيوش الإسلامية (ص277).
(2/54)
سمعت شيخنا أبا الحسن اليونيني(1) يقول سمعت الشيخ عز الدين بن عبد السلام(2) بمصر يقول: ما نعرف أحداً كراماته متواترة إلا الشيخ(3) عبد القادر، وقد صنف العلماء كتباً في كراماته وفضائله ومكاشفاته المدهشة، مات سنة(4) إحدى وستين وخمسمائة رضي الله عنه.
__________
(1) علي بن محمد بن أحمد الحنبلي. تقدمت ترجمته.
(2) عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي الدمشقي، عز الدين، الملقب بسلطان العلماء، فقيه شافعي، بلغ رتبة الإجتهاد، ولد بدمشق سنة (577هـ) وتوفي بها سنة (660هـ)، من مصنفاته "قواعد الأحكام"، "وبداية السول"، وغيرها. طبقات الشافعية (5/80)، فوات الوفيات (1/287).
(3) في (ج) "للشيخ".
(4) "سنة" ساقط من (ب) و(ج).
(2/55)
[إبراهيم بن محمد بن عرفة (323هـ)]
1- وقال الإمام أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي نفطويه(1)، في كتاب "الرد على الجهمية" تأليفه: حدثنا داود بن علي(2) قال: "كنا عند ابن الأعرابي(3) فأتاه رجل فقال: ما معنى قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، قال: هو على عرشه استوى، كما أخبر. فقال: هو ليس كذلك، إنما معناه استولى. قال ابن الأعرابي: اسكت ما يدريك ما هذا، العرب لا تقول للرجل استولى على الشيء حتى يكون له فيه(4) مضاد، فأيهما غلب قيل استولى عليه، والله لا مضاد له، هو على عرشه كما أخبر"(5).
2- [وذكر محمد بن أحمد بن النضر(6)، عن ابن أبي دؤاد(7)] أنه طلب من ابن الأعرابي أن يطلب له في بعض لغات العرب ومعانيها، أن الاستواء في حق الله بمعنى الاستيلاء، فذكر ابن الأعرابي أن ذلك لا يجده(8).
__________
(1) أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي، الملقب: نفطويه النحوي الواسطي، له التصانيف الحسان في الآدب، وكان عالماً بارعاً، ولد سنة (244هـ)وقيل سنة (250هـ)، توفي سنة (323هـ) وقيل (324هـ). السير (15/75)، تاريخ بغداد (6/159).
(2) داود بن علي بن خلف الأصبهاني، وقد تقدمت ترجمته.
(3) تقدمت ترجمته.
(4) "فيه" ساقطة من (ج).
(5) سبق تخريجه في (7). وانظر العلو للذهبي (ص133). واجتماع الجيوش الإسلامية (ص265-266).
(6) هذا النص ليس هذا موضعه في (أ) (ب) (ج) فقد جاء ذكره في معرض ذكر قول أبي الحسن الأشعري وليس له علاقة هناك فنقلته إلى هذا الموضع. وما بين المعكوفتين أضفته لمجيئه في رقم (8) حتى يستقيم الكلام. وقد تقدم تخريجه في رقم (8)
(7) تقدمت ترجمته.
(8) تقدمت ترجمته.
(3/1)
3- وسمعت داود بن علي يقول: كان المريسي(1) يقول: سبحان ربي الأسفل، وهذا جهل من قائله، ورد لنص كتاب الله إذ يقول: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء}(2).
أبو عبد الله هذا من أئمة العربية واللغة المعروفين، وهو معاصر لابن أبي دؤاد(3) وذويه.
[يحيى بن محمد بن صاعد (318هـ)]
وقال أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد(4) الحافظ: "هذه الفضيلة في القعود على العرش (ق68/أ) لا ندفعها، ولا نماري فيها، ولا نتكلم في حديث فيه فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم بشيء".
روى هذا الكلام عنه الآجري في كتاب "الشريعة" في باب ما خص الله به محمداً صلى الله عليه وسلم من المقام المحمود، بعد حديث مجاهد هذا الذي تقدم(5).
وابن صاعد هذا من كبار حفاظ الحديث المشهورين، توفي سنة ثماني عشرة وثلاثمائة رحمه الله.
[أبو الحسن الأشعري (324هـ)]
__________
(1) تقدمت ترجمته في الفقرة (103).
(2) أورده الذهبي في العلو (ص158)، وعزاه لابن عرفة في كتاب الرد على الجهمية.
وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص266-267)، وعزاه لابن عرفة وعقب على قول ابن عرفة بقوله "ورحمه الله لقد لين القول في المريسي صاحب هذا التسبيح، ولقد كان جديرا بما هو أليق به من الجهل".
وقد تقدم في رقم (212) عن يزيد بن هارون بنحوه.
(3) في (ب) و(ج) "داود".
(4) يحيى بن محمد بن صاعد، أبو محمد مولى أبي جعفر المنصور، كان أحد حفاظ الحديث، وممن عني به ورحل في طلبه، ولد سنة (228هـ) وتوفي سنة (318هـ). تاريخ بغداد (4/231)، السير (14/501).
(5) انظر الشريعة للآجري (4/1616-1617، برقم1106).
(3/2)
1- وقال أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري رحمه الله(1) في كتابه الذي صنفه، في "اختلاف المصلين ومقالات الإسلاميين"(2)، بعد أن ذكر فيه فرق الروافض، والخوارج، والجهمية، وغيرهم -إلى أن قال-: "ذكر مقالة أهل السنة وأصحاب الحديث، وجملة قولهم: الإقرار بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وبما جاء عن الله، وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لا يردون من ذلك شيئاً". إلى أن قال: "وأن الله على عرشه، كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}(3)، وأن له يدين بلا كيف، كما قال تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}(4)، وأن أسماء الله لا يقال إنها غير الله، كما قالت المعتزلة والخوارج، وأقروا أن لله علماً كما قال: { أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ}(5)، {وَمَا (ق68/ ب) تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ}(6)، وأثبتوا السمع والبصر، ولم ينفوا ذلك عن الله كما نفته المعتزلة، وقالوا إنه لا يكون في الأرض من خير ولا شر إلا ما شاء الله، وأن الأشياء تكون بمشيئة الله، كما قال ربنا: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ
__________
(1) في (ب) "ابن الحسن" وهو أبو الحسن، علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري، كان في أول أمره معتزلياً، ثم تاب من الاعتزال، وأخذ بقول الكلابية، ثم رجع إلى معتقد أهل السنة في مجمل المسائل، توفي سنة (324هـ). انظر تاريخ بغداد (11/346)، سير أعلام النبلاء (15/85).
(2) جاء في (أ) و(ب) و (ج) في هذا الموطن الكلام التالي "أنه طلب من ابن الأعرابي أن يطلب له بعض لغات العرب ومعانيها أن الاستواء في حق الله بمعنى الاستيلاء، فذكر ابن الأعرابي أن ذلك لا يجده"، وواضح أن العبارة ليس لها علاقة بالسياق الوارد هنا وهي مقحمة فنقلتها إلى الموضع المناسب لها في قول ابن الأعرابي السابق ذكره. انظر الفقرة (246).
(3) الآية 5 من سورة طه.
(4) الآية 75 من سورة ص.
(5) الآية 166 من سورة النساء.
(6) الآية 47 من سورة فصلت وهي ساقطة من (ب).
(3/3)
أَن يَشَاء اللَّهُ }(1)".
إلى أن قال: "ويقولون إن القرآن كلام الله غير مخلوق، ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن الله ينزل إلى سماء(2) الدنيا فيقول: "هل من مستغفر"(3)، كما جاء الحديث، ويقرون أن الله يجيء يوم القيامة كما قال: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}(4)، وأن الله يقرب من خلقه كيف شاء(5)، كما قال:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}(6)".
وذكر أشياء كثيرة من أصول السنة -إلى أن قال-: "فهذه(7) جملة ما يأمرون به ويستعملونه ويرونه، وأنه لا يجوز الاستواء بمعنى الاستيلاء. وبكل ما ذكرنا(8) من قولهم نقول، وإليه نذهب، وما توفيقنا إلا بالله"(9).
2- وذكر رحمه الله في هذا الكتاب في باب هل الباري عز وجل في مكان دون مكان أم لا في مكان؟ أم في كل مكان؟(10) قال: اختلفوا في ذلك على(11) سبع عشرة مقالة(12):
__________
(1) الآية 30 من سورة الإنسان.
(2) في (ب) و(ج) "السماء".
(3) أخرجه مسلم في صحيحه، القدر، باب تصريف الله تعالى القلوب كيف يشاء،(ح2654).
(4) الآية 22 من سورة الفجر.
(5) في (ب) و(ج) "يشاء".
(6) الآية 16 من سورة ق.
(7) في (ب) و(ج) "وهذه".
(8) في (ب) "ذكرناه".
(9) انظر مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري (ص290-297).
(10) جاء في (ب) و(ج) "هل الباري عز وجل في كل مكان؟".
(11) "على" ساقطة من (ب) و(ج).
(12) انظر مقالات الإسلاميين (ص210).
(3/4)
منها قال(1) أهل السنة وأصحاب الحديث: ليس بجسم(2)، ولا يشبه الأشياء، وأنه على العرش، كما قال:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}(3) ولا نتقدم بين يدي الله (ق69/أ) بالقول، بل نقول استوى بلا كيف، وأن الله له يدين كما قال {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}(4) وأنه ينزل إلى سماء(5) الدنيا كما جاء في الحديث(6).
وقال المعتزلة: استوى على العرش بمعنى: استولى.
وقالت المعتزلة: اليد بمعنى: النعمة، وقوله {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}(7) أي بعلمنا(8).
3- وقال أبو الحسن الأشعري في كتاب "جمل المقالات"، رأيته بخط [أبي](9) علي بن شاذان(10)، وقد كتبه(11) في سنة نيف وسبعين وثلاثمائة، نحو هذا الكلام ومعناه في مقالة أصحاب الحديث تركته خوف الإطالة.
4- وقال رحمه الله في كتاب "الإبانة في أصول الديانة"، في باب الاستواء، إن قائلاً قال: ما تقولون في الاستواء؟ قيل نقول: إن الله مستو على العرش، كما قال {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}(12) وقال {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}(13)، وقال {بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ}(14)، وقال حكاية عن
فرعون{يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ. أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا}(15)، كذَّب موسى في قوله إن الله في السموات.
__________
(1) "قال" ساقطة من (ب) و(ج).
(2) انظر:قسم الدراسة، فقد خصصنا مطلباً في بيان حكم مثل هذا الألفاظ المجملة.
(3) الآية 5 من سورة طه.
(4) الآية 75 من سورة ص.
(5) في (ب) و(ج) "السماء".
(6) تقدم تخريجه
(7) الآية 14 من سورة القمر.
(8) انظر مقالات الإسلاميين (ص211)
(9) "أبي" ساقطة من (أ) و(ب) و(ج).
(10) تقدمت ترجمته.
(11) في (ب) و(ج) "كتب".
(12) الآية 5 من سورة طه.
(13) الآية 10من سورة فاطر.
(14) الآية 158 من سورة النساء.
(15) الآية 36-37 من سورة غافر
(3/5)
وقال عز وجل {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ }(1) فالسموات فوقها العرش، فلما كان العرش فوق السموات، وكل ما علا فهو سماء، يعني جميع السموات، وإنما أراد العرش الذي هو أعلى السموات، ألا ترى أنه ذكر السموات فقال {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا}(2)، ولم (ق69/ب) يرد أنه يملأهن جميعاً.
ورأينا المسلمين جميعاً يرفعون أيديهم -إذا دعوا- نحو السماء، لأن الله مستو على العرش الذي هو فوق السموات، فلولا أن الله على العرش، لم يرفعوا أيديهم نحو العرش، وقد قال قائلون(3) من المعتزلة، والجهمية، والحرورية، إن معنى استوى: استولى وملك وقهر، وأن الله في كل مكان وجحدوا أن يكون على العرش كما قال أهل الحق، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة، فلو كان كما قالوا، كان لا فرق بين العرش والأرض السابعة، لأن الله قادر على كل شيء، فالأرض [شيء](4)، فالله قادر عليها وعلى الحشوش، وكذا لو كان مستوياً على العرش بمعنى الاستيلاء، لجاز أن(5) يقال: مستو على الأشياء كلها، ولم يجز عند أحد من المسلمين أن يقول: إن الله مستو على الحشوش والأخلية، فبطل أن يكون الاستواء على العرش الاستيلاء"(6).
وذكر أدلة من الكتاب، والسنة، والعقل، وغير ذلك.
__________
(1) الآية من 16 سورة الملك.
(2) الآية 16 من سورة نوح.
(3) في (ب) و(ج) "وقد قالت القائلون".
(4) ما بين اامعكوفتين ساقط من (أ) و(ب) و(ج)، وما أثبته من الإبانة.
(5) في (أ) "من" وهو خطأ.
(6) انظر الإبانة عن أصول الديانة (ص85-87) ط: مكتبة دار البيان.
(3/6)
5- ونقل الإمام أبو بكر بن فورك(1) المقالة التي تقدمت عن أصحاب الحديث، عن الإمام أبي الحسن الأشعري، في كتاب "المقالات والخلاف بين الأشعري وأبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب"(2) تأليفه. فقال: "الفصل الأول؛ في ذكر ما حكى شيخنا أبو الحسن رحمه الله، في كتاب "المقالات" في جمل مذاهب أصحاب الحديث، وما أبان في آخره أنه يقول بجميع ذلك".ثم سرد ابن فورك المقالة بعينها. (ق70/أ)
ثم قال في آخرها: "فهذا تحقيق لك من ألفاظه، أنه معتقد لهذه الأصول، التي هي قواعد أصحاب الحديث وأساس توحيدهم"(3).
6- وقال الحافظ أبو العباس أحمد بن ثابت الطرقي(4): قرأت في كتاب أبي الحسن الأشعري، [الموسوم](5) "بالإبانة": "[أدلة](6) على إثبات الاستواء، قال في جملة ذلك: ومن دعاء أهل الإسلام إذا هم رغبوا إلى الله يقولون: يا ساكن العرش، ومن حلفهم: لا والذي احتجب بسبع سموات"(7).
قال الطرقي: و(8) هذا مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق سبع سموات ثم اختار العليا فسكنها"(9).
__________
(1) أحمد بن موسى بن مردوية بن فورك الأصبهاني، صاحب التفسير الكبير، حافظ، مجود، علامة، من قدماء الأشاعرة، توفي سنة (410هـ). تاريخ أصبهان (1/168)، سير أعلام النبلاء (17/308).
(2) عبد الله بن سعيد بن كلاب بن القطان البصري، رأس الكلابية، صنف كتباً في الرد على المعتزلة، وكان رأس المتكلمين بالبصرة، توفي بعد المائتين وخمسين. سير أعلام النبلاء (20/554)، منهاج السنة (1/312).
(3) أورده الذهبي في العلو (ص161). وأورده في الأربعين في صفات رب العالمين (ص89، برقم94).
(4) أحمد بن ثابت بن محمد الأصبهاني، أبو العباس الطرقي، كان يقول بقدم الروح، وله تصانيف، توفي سنة (521هـ). الأنساب (8/235)، السير (19/528).
(5) في (أ) و(ب) "المسوم" وهو خطأ وما أثبته من (ج).
(6) في (أ) (ب) "أوله" وما أثبته من (ج).
(7) انظر الإبانة (ص91).
(8) "و" ساقطة من (ب) و(ج).
(9) سبق تخريجه في الفقرة (31).
(3/7)
7- وقال أبو القاسم القشيري(1) رحمه الله في شكاية(2) أهل السنة: "وما نقموا من أبي الحسن الأشعري إلا أنه قال بإثبات القدر لله، وإثبات صفات الجلال، من قدرته، وعلمه، وحياته، وسمعه، وبصره، ووجهه، ويده، وأن القرآن كلامه غير مخلوق"(3).
رواه عنه الفراوي(4).
8- وروى عنه قال: سمعت أبا علي الدقاق(5)، يقول: سمعت زاهر ابن أحمد الفقيه(6)، يقول: مات الأشعري ورأسه في حجري وكان يقول شيئاً في حال نزعه "لعن الله المعتزلة [موهوا ومخرقوا](7)"(8).
__________
(1) عبد الكريم بن هوزان بن عبد الملك بن طلحة القشيري، أبو القاسم، الخراساني، الشافعي، الصوفي، المفسر، صاحب "الرسالة"، ولد سنة (375هـ)، وتوفي سنة (465هـ). تاريخ بغداد (11/83)، السير (18/227).
(2) في (ج) "حكاية".
(3) انظر تبيين كذب المفتري (ص111).
(4) في (ب) "الفراء" وهو خطأ.
أما الفراوي فهو محمد بن الفضل بن أحمد بن محمد الصاعدي، أبو عبد الله، الفراوي، النيسابوري، الشافعي، مسند خراسان، وفقيه الحرم، ولد سنة (441هـ) وتوفي سنة (530هـ). السير (19/615)، وفيات الأعيان (4/290).
(5) الحسن بن علي بن محمد بن إسحاق، أبو علي الدقاق النيسابوري، متصوف على مذهب الأشعري، توفي سنة (405هـ) وقيل (406هـ). الوافي بالوفيات (12/165)، تبيين كذب المفتري (226).
(6) زاهر بن أحمد بن محمد بن عيسى، أبو علي السرخسي، العلامة، فقيه خراسان، شيخ القراء والمحدثين، ولد سنة (304هـ) وتوفي سنة (389هـ). السير (16/476)، شذرات الذهب (3/131).
(7) في (أ) و(ب) "موحوا وحرفوا" وفي (ج) "موجوا وحرفوا" والتصويب من تبين كذب المفتري.
(8) انظر تبيين كذب المفتري (ص148). ط: دار الكتاب العربي.
(3/8)
9- وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر(1) في تبيين كذب المفتري(2) -تأليفه-: "فإذا كان أبو الحسن (ق70/ب) كما ذكر عنه من حسن الاعتقاد، مصوب المذهب عند أهل المعرفة والانتقاد، يوافقه أكثر ما يذهب إليه أكابر أكثر(3) العباد، ولا يقدح في مذهبه غير أهل الجهل والعناد، فلابد أن يحكى عنه معتقده على وجهه بالأمانة، ليعلم حاله في صحة عقيدته في الديانة، فاسمع ما ذكره في كتاب الإبانة فإنه قال: "الحمد لله الواحد، العزيز، الماجد، المتفرد بالتوحيد، المتمجد بالتمجيد، الذي لا يبلغه(4) صفات العبيد، وليس له مثل، ولا نديد، -وذكر أشياء- إلى أن قال بعد أن رد في الخطبة على المعتزلة والقدرية والجهمية والرافضة(5): "فإن(6) قال قائل: قد(7) أنكرتم قول المعتزلة، والقدرية، والجهمية، والحرورية، والرافضة(8)، والمرجئة، فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون(9).
قيل له: قولنا الذي به نقول، وديانتنا التي بها ندين، التمسك بكتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وما روي عن الصحابة، والتابعين، وأئمة الحديث ونحن بذلك معتصمون، وبما كان عليه أحمد بن حنبل -نضَّر الله وجهه- قائلون، ولمن خالف قوله مجانبون، لأنه الإمام الفاضل، والرئيس (ق71/أ) الكامل، الذي أبان الله به الحق عند ظهور الضلال، وأوضح به المنهاج، وقمع به المبتدعين، وزيغ الزائغين، وشك الشاكين، فرحمة الله عليه من إمام مقدم، وكبير [مفخَّم](10)، وعلى جميع أئمة المسلمين.
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) انظر النص في تبيين كذب المفتري (ص152-163).
(3) "أكثر" ساقطة من (ج).
(4) في (ب) و(ج) "تبلغه".
(5) في (ب) "والروافضة".
(6) في (ب) و(ج) "فإنه".
(7) في (ب) و(ج) "قيل".
(8) في (ب) و(ج) "والروافض".
(9) في (ب) "تدينوان".
(10) في (أ) و(ب) "فقهم" وفي (ج) ( فقيه )والتصويب من الإبانة (ص17).
(3/9)
وجملة قولنا: إنا نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله، وما جاء من عند الله، وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا نرد من ذلك شيئاً، وأن الله إله واحد أحد، فرد صمد، لا إله غيره، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة [حق](1)، والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأن الله تعالى مستو على عرشه كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}(2)، وأن لله وجهاً كما قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ](3)}(4)، وأن له يدين كما قال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}(5) وقال: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}(6)، وأن له عينين بلا كيف كما قال: { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}(7)، وأن من زعم أن أسماء الله غيره كان ضالاً(8)، وأن لله علماً كما قال: {أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ}(9)".
إلى أن قال: "وندين بأن الله يُرى بالأبصار يوم القيامة، كما يُرى القمر ليلة البدر يراه المؤمنون(10)".
إلى أن قال: "وندين بأنه يقلب القلوب، وأن القلوب بين أصبعين من أصابعه(11)، وأنه يضع السموات على أصبع، والأراضين على أصبع، كما جاءت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"(12).
__________
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ).
(2) الآية 5 من سورة طه.
(3) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ).
(4) الآية 27 من سورة الرحمن.
(5) الآية 64 من سورة المائدة.
(6) الآية 75 من سورة ص.
(7) الآية 14 من سورة القمر.
(8) في (ب) و(ج) "فهو ضال".
(9) الآية 166 من سورة النساء.
(10) انظر الحديث في صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب قوله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ} (ح7434، ص1557).
(11) تقدم تخريجه.
(12) انظر الحديث في صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} (ص1563-1564، ح7451). وصحيح مسلم، كتاب صفة المنافقين، باب صفة القيامة والجنة والنار، برقم (2786).
(3/10)
إلى أن قال: (ق71/ب) "ونصدق بجميع(1) الرواية التي يثتبها(2) أهل النقل من النزول إلى السماء الدنيا، وأن الرب يقول "هل من سائل، هل من مستغفر"(3) خلافا لما قال أهل الزيغ والتضليل، ونُعَّول(4) فيما اختلفنا فيه على كتاب ربنا عز وجل، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وإجماع المسلمين(5)، وما كان في معناه، ونقول إن الله يجيء يوم القيامة(6)، كما قال: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ً}(7)، وأنه يقرب من عباده كيف يشاء، كما قال:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}(8) وكما قال: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى}(9).
ونرى مفارقة كل داعية لبدعة، ومجانبة أهل الأهواء(10)، وسنحتج(11) لما ذكرناه من قولنا، وما بقي منه، [مما لم نذكره](12) باباً باباً، وشيئاً شيئاً"(13).
قال ابن عساكر : فتأملوا رحمكم الله هذا الاعتقاد ما أوضحه وأبينه، واعترفوا بفضل هذا الإمام الذي شرحه وبينه(14).
10- وقال الحافظ ابن عساكر: قال أبو الحسن في كتابه الذي سماه "العمد في الرؤية": "ألفنا كتاباً كبيراً في الصفات، تكلمنا فيه على أصناف المعتزلة والجهمية وفيه فنون كثيرة من الصفات في إثبات الوجه لله، واليدين، وفي استوائه على العرش"(15).
__________
(1) في (ج) "جميع".
(2) في (ب) و(ج) "يكتبها".
(3) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين، باب الترغيب في الدعاء والذكر آخر الليل، (ح158-170-172)
(4) في (ب) و(ج) "نقول".
(5) في (ب) "المسلمون".
(6) "القيامة" ساقطة من (ب) و(ج).
(7) الآية 22 من سورة الفجر.
(8) الآية 16 من سورة ق.
(9) الآيتان 8-9 من سورة النجم.
(10) "أهل الأهواء"ساقط من (ب) و(ج).
(11) في (ب) (ج) "ومن احتج".
(12) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب) و(ج) وما أثبته من الإبانة.
(13) انظر الإبانة (ص17-29).
(14) تبيين كذب المفتري (ص152-163).
(15) انظر تبيين كذب المفتري (ص129). ونقض تأسيس الجهمية لابن تيمية (2/335).
(3/11)
)ق72/أ) ولد الأشعري سنة ستين ومائتين(1)، ومات سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، بالبصرة رحمه الله، وكان معتزلياً ثم تاب، ووافق أصحاب الحديث في أشياء يخالفون فيها المعتزلة، ثم وافق أصحاب الحديث في أكثر ما يقولونه، وهو ما [ذكرناه](2)، عنه من أنه نقل إجماعهم على ذلك، وأنه موافق لهم في جميع ذلك.
فله ثلاثة أحوال: حال كان معتزلياً، وحال كان سنياً في بعض(3) دون البعض، وكان في غالب الأصول سنياً، وهو الذي علمناه من حاله، فرحمه الله وغفر له ولسائر المسلمين.
[ابن غانم المقدسي]
قال القاضي أبو أحمد العسال ( شعر ) من(4) كلام ابن غانم المقدسي رحمه الله:
قل لمن يفهم عني ما أقولل
أقصر القول فذا شرح يطول
ثَمَّ سر غامض من دونه
ضربت والله أعناق الفحول
أنت لا تعرف إياك ولا
تَدَّرِي من أنت ولا كيف الوصول
لا ولا تدري صفات رُكِّبت
فيك حارت في خفاياها العقول
أين منك الروح في جوهرها
هل تراها فترى كيف تجول؟
هذه الأنفاس هل تحصرها
لا ولا تدْري متى عنك تزول
أين منك العقل والفهم إذا
غلب النوم فقل لي يا جهول (ق72/ب)
أنت أكل الخبز ما تعرفه
كيف يجري منك أو كيف تبول
فإذا كانت طواياك التي
بين جنبيك كذا فيها ضلول
كيف تدري من على العرش استوى
لا تقل كيف استوى كيف النزول
كيف تحكي أم ترى كيف ترى(5)
ولعمري ليس ذا إلا فضول
هو لا أين ولا كيف له
وهو رب الكيف والأين يحول
هو فوق الفوق لا فوق له
وهو في كل النواحي لا يزول(6)
جل ذاتاً وصفاتٍ وسما
__________
(1) في (ب) و(ج) "ست وثمانين".
(2) في (أ) "ذناه" وفي(ب) "دناه" وهو خطأ، وما أثبته من (ج).
(3) في (ب) و(ج) "البعض".
(4) في (ج) "ومن".
(5) كذا في (أ) و(ب) و(ج)، وجاء في شرح جوهرة التوحيد: كيف يحكي الرب أم كيف يرى
(6) إذا كان قصده أن الله تعالى مع خلقه بذاته فهذا قول حلولية الجهمية وهو قول باطل، وقد تقدم الرد عليه مفصلاً في القسم الدراسي.
(3/12)
فتعالى قدره عما أقول(1)
[أبو بكر بن أبي داود (316 هـ)]
أخبرنا الشيخ أبو الحسن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد المعروف بابن رزقويه(2)، في(3) يوم الاثنين، سلخ صفر، سنة سبع وأربعمائة، قرئ عليه في مسجده ببغداد وأنا أسمع، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد العسكري الصفار(4)، قال: أنشدنا أبو بكر عبد الله بن أبي(5) داود سليمان بن الأشعث السجستاني(6) لنفسه رحمه الله في السنة: "شعر".
ولا تك بدعيا لعلك تفلح
تمسك بحبل الله واتبع الهدى
أتت عن رسول الله تنجو وتربح
ودن بكتاب الله والسنن التي
بذلك دان الأتقياء وأفصحوا
وقل: غير مخلوق كلام مليكنا
كما قال أتباع جهم(7) وأسمجوا(ق73/أ)
ولا تك في القرآن بالوقف قائلاً
فإن كلام الله باللفظ يوضح (8)
ولا تقل القرآن خلق قراءة
كما البدر لا يخفى وربك أوضح
__________
(1) في هامش الصفحة من النسخة (ب) العبارة التالية "حديث الجارية يرده حيث قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أين الله؟ قالت: في السماء، فقال:"اعتقها فإنها مؤمنة، وأثبت إيمان الجارية التي بأصبعها نحو السماء تشير" اهـ.
والمقصود هنا الرد على قول الشاعر في القصيدة "وهو لا أين"، وقد أوضح المصنف في بداية الكتاب صحة السؤال عن الله بأين.
والأبيات ذكرها صاحب الكتاب تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد ص 92، 93 وعزاها للغزالي.
(2) محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزق البغدادي، أبو الحسن البزار، المعروف بابن رزقويه، ولد سنة (325هـ) قال الخطيب: "كان ثقة صدوقاً، كثير السماع والكتابة، حسن الاعتقاد، توفي سنة (412هـ). تاريخ بغداد (1/351)، السير (17/258).
(3) "في" ساقطة من (ب) و(ج).
(4) أبو بكر محمد بن أحمد بن محموية العسكري الصفّار،ترجمته في تاريخ دمشق (51/153).
(5) "أبي" ساقطة من (ب).
(6) أبو بكر عبد الله بن أبي داود، تقدمت ترجمته في الفقرة (289).
(7) في (ب) و(ج) "لجهم".
(8) الأبيات الخمسة السابقة ساقطة من (ج).
(3/13)
فقل يتجلى الله للخلق(1) جهرةً
وليس له مثل تعالى المسبح
وليس بمولود وليس بوالد
بمصداق ما قلنا حديث مصرح
وقد ينكر الجهمي هذا وعندنا
فقل مثل ما قد قال في ذاك تنجح
رواه جرير عن مقال محمد
وكلتا يديه بالفواضل تنفح
وقد ينكر الجهمي أيضا يمينه
بلا كيف جل الواحد المتمدح
وقل: ينزل الجبار في كل ليلة
فتفرج أبواب السماء وتفتح
إلى طبق الدنيا يمن بفضله
ومستمنح خيراً ورزقاً فيمنح
يقول ألا مستغفر يلق غافراً
ألا خاب قوم كذبوهم وقبحوا
روى ذاك قوم لا يرد حديثهم
وزيراه قدماً ثم عثمان الأرجح
وقل إن خير الناس بعد محمد
عليّ حليف الخير بالخير منجح
ورابعهم خير البرية بعدهم
على نجب الفردوس في الخلد يسرح(2)
وإنهم للرهط لا ريب فيهم
وعامر فهر و الزبير الممدح
سعيد وسعد وابن عوف وطلحة
ولا تك طعاناً تعيب وتجرح
وقل خير قول في الصحابة كلهم
وفي الفتح آي للصحابة تمدَحُ (ق73/ب)
فقد نطق الوحي المبين بفضلهم
دعامة عقد الدين والدين أفيح
وبالقدر المقدور أيقن فإنه
ولا الحوض والميزان إنك تنصح
ولا تنكرن(3)جهلا نكيراً ومنكراً
من النار أجساداً من الفحم(4)تطرح
وقل يخرج الله العظيم بفضله
كحبة حمل السيل إذ جاء يطفح
على النهر في الفردوس تحيا بمائه
وقل في عذاب القبر قول موضح (5)
وأن رسول الله للخلق شافع
فكلهم يعصي وذو العرش يصفح
ولا تكفرن أهل الصلاة وإن عصوا
مقال لمن يهواه يردي ويفضح
ولا تعتقد رأي الخوارج إنه
ألا إنما المرجي بالدين يمزح(6)
ولا تك مرجياً لعوباً بدينه
وفعل على قول الرسول مصرح
وقل إنما الإيمان قول ونية
بطاعته ينمو وفي الوزن يرجح
وينقص طوراً بالمعاصي وتارة
فقول رسول الله أزكى وأشرح
ودع عنك أراء الرجال وقولهم
فتطعن في أهل الحديث وتقدح
__________
(1) في (ب) و(ج) "للحق".
(2) في (ب) و(ج) "تسرح".
(3) في (ب) و(ج) "ولا تنكر".
(4) في (ب) "الحم".
(5) الأبيات من (10-25) ساقطة من (ج).
(6) البيتان (27-28) ساقطان من (ج).
(3/14)
ولا تك من قوم تَلَهَّوْا بدينهم
فأنت على خير تبيت وتصبح (1)
إذا ما اعتقدت الدهر يا صاح هذه
قال الإمام أبو بكر بن [أبي](2) داود رحمه الله: "هذا قولي وقول أبي وقول أحمد بن حنبل، وقول من أدركنا من أهل العلم، وقول من لم ندرك ممن بلغنا عنه، فمن قال غير هذا فقد كذب. آخرها والحمد لله (ق74/أ) أولا وآخراً، وباطناً وظاهراً(3)، وصلى الله على سيدنا محمد النبي المصطفى، وأصحابه الأزكياء الأتقياء، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، وحسبنا الله ونعم الوكيل"(4) (5).
[أبو أحمد العسال (349هـ)]
وقال القاضي أبو أحمد العسال الحافظ الأصبهاني(6)، في كتاب "المعرفة" -تأليفه- في الصفات، في تفسير قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}(7) فنقل ما فيه من أقوال الأئمة مثل قول ربيعة(8)، ومالك(9)، والضحاك(10)، وأبي عيسى يحيى بن رافع(11)، وعبد الله بن المبارك(12)، وكعب الأحبار(13).
وحديث ابن مسعود الذي فيه "ما بين الكرسي إلى الماء خمسمائة عام والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم".
وإسناده صحيح(14)، وقد(15) تقدم جميع ذلك عنهم على طبقاتهم.
__________
(1) الأبيات من (30-33) ساقطة من (ج).
(2) "أبي" ساقطة من (أ) و(ب) والصواب ما أثبته.
(3) في (ب) و(ج) "وظاهراً وباطناً".
(4) تقدم عزو القصيدة في الفقرة (244).
(5) من قوله "قال الإمام أبو بكر بن أبي داود ..." إلى هنا، ساقط من (ج).
(6) تقدمت ترجمته.
(7) الآية 5 من سورة طه.
(8) تقدم برقم (146).
(9) تقدم بالأرقام (155-156-157).
(10) تقدم بالأرقام (136-137).
(11) تقدم بالأرقام (143-144).
(12) تقدم بالأرقام (161-162-163).
(13) تقدم بالأرقام (161-164).
(14) تقدم تخريجه برقم (105).
(15) "قد" ساقطة من (ج).
(3/15)
وهذا الكتاب "كتاب المعرفة" من أجل كتاب صنف في صفات الرب عز وجل، إذا نظر فيه البصير بهذا الشأن(1)، علم منزلة مصنفه، وجلالته رحمه الله، وقد توفي(2) سنة نيف وأربعين وثلاثمائة، وطاف البلاد، وسمع الكثير من مثل أبي مسلم الكجي(3)، ومحمد بن أيوب الرازي(4)، و ابن أبي عاصم(5).
__________
(1) في (ب) "اللسان".
(2) في (ج) "توفي في".
(3) تقدمت ترجمته.
(4) محمد بن أيوب بن يحيى الضريس الرازي، الحافظ، أبو عبد الله، مصنف فضائل القرآن، ولد على رأس المائتين، وثقه ابن أبي حاتم والخليلي، مات يوم عاشوراء سنة (294هـ). الجرح والتعديل (7/198)، تذكرة الحفاظ (2/643).
(5) تقدمت ترجمته.
(3/16)
[عاصم بن علي الواسطي (221هـ)]
204- وعن عاصم بن علي(1) -شيخ البخاري- قال: "ناظرت جهمياً، فتبين من كلامه [أنه](2) لا يؤمن أن في السماء ربّاً"(3).
عاصم بن علي، إمام، حافظ، ثقة، حدث عن شعبة(4)، وابن أبي ذئب(5)، والليث(6)، ونحوهم، توفي سنة إحدى وعشرين ومائتين.
وروى الخطيب(7) في ترجمته قال: "[وجه](8) المعتصم(9)
__________
(1) عاصم بن علي بن عاصم بن صهيب الواسطي، أبو الحسن التيمي مولاهم، إمام حافظ، ثقة، مات سنة (221هـ)، أخرجه له البخاري والترمذي وابن ماجة،. التقريب (472)، تاريخ بغداد (12/247).
(2) في (ب) و(ج) "أن".
(3) أورده ابن تيمية في مجموع الرسائل الكبرى (1/449). أورده الذهبي في العلو (ص122). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص217-218).
(4) تقدمت ترجمته في الفقرة (73).
(5) محمد بن عبد الرحمن بن الغيرة بن الحارث، ابن أبي ذئب، أبو الحارث القرشي المدني، ثقة فقيه فاضل، من السابعة، رمي بالقدر، فهجره مالك لأجله، مات سنة (158هـ) وقيل (159هـ)، من رواة الجماعة. التقريب (ص871).
(6) تقدمت ترجمته في الفقرة (149).
(7) أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد البغدادي، المعروف بأبي بكر الخطيب، صاحب التاريخ، والتصانيف الكثيرة، إمام أوحد، ثقة، علامة، حافظ متقن، توفي سنة (463هـ). السير (18/284)، وفيات الأعيان (1/92).
(8) في (أ) (ب) "وحّب" وفي (ج ) "وجب" والتصويب من تاريخ بغداد.
(9) محمد بن هارون الرشيد بن المهدي بن منصور،أبو إسحاق المعتصم بالله، العباسي خليفة، من أعظم خلفاء بني العباس، بويع له سنة (218هـ)، باني مدينة سامراء، امتحن الناس في فتنة القول بخلق القرآن، مات سنة (227هـ).
تاريخ بغداد (3/342)، السير (10/290).
(4/1)
من يحزر(1) مجلسه، في رحبة النخل، في جامع الرصافة، وكان عاصم يجلس على سطح الرحبة، ويجلس الناس في الرحبة وما يليها، فعظم الجمع مرة جدًا، حتى قال أربع عشرة مرة حدثنا الليث بن سعد، والناس لا يسمعون لكثرتهم، وكان هارون المستملي(2) يركب نخلة يستملي عليها، فحزروا المجلس، فكان عشرين ومائة ألف"(3).
وقال يحيى بن معين(4) فيه(5): (ق54/ب) عاصم بن علي، سيدالمسلمين(6).
[عبد العزيز بن يحيى الكناني (240هـ)]
205- وقال عبد العزيز بن يحيى الكناني(7) -صاحب الحيدة(8)
__________
(1) في (ج) "يحري".
(2) جاء في ترجمة عاصم بن علي من تاريخ بغداد (12/248) : "قال ابن المنادي ... كان يستملي عليه هارون الديك وهارون مكحلة"، فهارون المستملي هنا يحتملهما الاثنين.
فأما الأول: هارون الديك، فاسمه هارون بن سفيان بن بشير، أبو سفيان، توفي سنة (251هـ). انظر ترجمته في تاريخ بغداد (14/25).
أما هارون مكحلة، فاسمه هارون بن سفيان بن راشد، أبو سفيان، توفي سنة (247هـ). انظر ترجمته في تاريخ بغداد (14/24-25).
(3) تاريخ بغداد (12/248).
(4) يحيى بن معين بن عون الغطفاني مولاهم، أبو زكريا البغدادي، ثقة حافظ مشهور، إمام الجرح والتعديل، مات سنة (233هـ) بالمدينة النبوية وله بضع وسبعون سنة. تاريخ بغداد (14/177)، السير 11/71)
(5) في (ج) "في".
(6) انظر تاريخ بغداد (12/248).
(7) عبد العزيز بن يحيى بن عبد العزيز بن مسلم الكناني المكي، كان من أهل العلم والفضل، وله مصنفات عدة، وكان ممن تفقه بالشافعي واشتهر بصحبته، وكانت وفاته سنة (240هـ). تاريخ بغداد (10/449)، شذرات الذهب (2/95).
(8) كتاب الحيدة و الاعتذار في الرد على من قال بخلق القرآن، طبع عدة طبعات منها طبعة بتحقيق الدكتور علي بن محمد بن ناصر فقيهي، وقد قدم له بمقدمة تؤيد صحة نسبة الكتاب للكناني.
وقد طبع الكتاب مركز شؤون الدعوة بالجامعة الإسلامية.
(4/2)
، والمناظرة في خلق القرآن مع بشر المريسي(1)، بين يدي المأمون بن هارون الرشيد(2)، وينبغي أن يكون ذلك [-يعني المناظرة-] (3) في سنة ثمان عشرة ومائتين، فإن فيها أحدث المأمون امتحان الناس في القرآن، وفي أواخرها توفي المريسي- قال في كتاب "الرد على الجهمية" له: "باب [قول](4) الجهمي في قوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} زعمت الجهمية أنما معنى استوى: استولى، من قول العرب: استوى فلان على مصر، يريد استولى عليها.
__________
(1) تقدمت ترجمته في الفقرة (103).
(2) عبد الله بن هارون الرشيد بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور، أبو العباس، سابع الخلفاء العباسيين، وأحد أعظم الملوك، كان مقربا للعلماء والأدباء والشعراء، وامتحن الناس على خلق القرآن في آخر حياته، توفي سنة (218هـ). تاريخ بغداد (10/183)، السير (10/272).
(3) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ)، وجاء في (ج) "مناظرته"، وما أثبته من (ب).
(4) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب) و(ج).
(4/3)
والبيان لذلك يقال له: هل يكون خلق من خلق الله أتت عليه مدة ليس [الله](1) بمستول(2) عليه؟، فإذا قال: لا، قيل له: فمن زعم ذلك فمن قوله، فمن زعم ذلك فهو كافر، فيقال له: يلزمك أن تقول إن العرش قد أتت عليه مدة ليس الله بمستول عليه، وذلك لأنه أخبر سبحانه وتعالى أنه خلق العرش قبل خلق السموات والأرض ثم استوى عليه بعد خلقهن، فيلزمك أن تقول المدة التي كان العرش قبل خلق السموات والأرض ليس الله بمستول عليه(3)".
ثم ذكر كلاماً طويلاً في تقرير ذلك والاحتجاج له بالكتاب والسنة(4).
قلت: وكذلك يلزم من قال إنه بمعنى ملك وقهر، أن يكون الله غير مالك ولا قاهر للعرش قبل خلق السموات والأرض(5).
[عبد العزيز بن الزبير الحميدي (219هـ)]
206- أخبرنا إسماعيل بن الفراء(6)
__________
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) وأثبته من النسخ الأخرى.
(2) في (ج) "بمستو".
(3) عبارة "فإذا قال: لا، قيل له: فمن زعم ذلك فمن قوله، فمن زعم ذلك فهو كافر، فيقال له: يلزمك أن تقول إن العرش قد أتت عليه مدة ليس الله بمستول عليه، وذلك لأنه أخبر سبحانه وتعالى أنه خلق العرش قبل خلق السموات والأرض ثم استوى عليه بعد خلقهن، فيلزمك أن تقول المدة التي كان العرش قبل خلق السموات والأرض ليس الله بمستول عليه" ساقطة من (ب) و(ج).
(4) أورده شيخ الإسلام ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (6/115-119) وقال: "قال في الرد على الزنادقة والجهمية ..." وذكره. وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص219-220). وكذلك أورده القاسمي في محاسن التأويل (7/279). وهذا الكتاب ليس هو كتاب الحيدة وإنما هو كتاب آخر.
(5) "والأرض" ساقطة من (ج).
(6) إسماعيل بن محمد بن إسماعيل مجد الدين، أبو محمد الفراء الحنبلي، ولد سنة (645هـ) بحرّان، محاسنه كثيرة، توفي سنة (729هـ).
معجم الشيوخ للذهبي 1/179)، ذيل طبقات الحنابلة (2/408).
(4/4)
، حدثنا محمد بن أحمد بن محمد(1)بن قدامة(2) سنة سبعة عشر وستمائة، أنبأنا سعد الله بن نصر الدجاجي(3)، أنبأنا [أبو](4) منصور الخياط(5)، حدثنا أبو طاهر عبد الغفار ابن محمد(6)، / أنبأنا أبو علي بن الصواف(7)، أنبأنا بشر بن موسى(8)
__________
(1) "محمد" ساقطة من (ب).
(2) محمد بن أحمد بن محمد أبو عمر بن قدامة الجماعيلي الأصل، الدمشقي، الفقيه الحنبلي، كان قدوة صالحاً عابداً قانتاً، كبير القدر، توفي سنة (607هـ).
السير (22/5)، شذرات الذهب (4/212).
(3) سعد الله بن نصر بن سعيد، المعروف بابن الدجاجي، وبابن الحيواني، الفقيه الحنبلي، المقريء، الواعظ الصوفي، الأديب، أبو الحسن، ولد سنة (482هـ) وتوفي سنة (564هـ). ذيل طبقات الحنابلة (1/302)، شذرات الذهب (4/212).
(4) في (ب) و(ج) "ابن".
(5) محمد بن أحمد بن علي بن عبد الرزاق البغدادي، أبو منصور الخياط، الزاهد، المقريء، القدوة، ولد سنة (401هـ) وتوفي سنة (499هـ).
السير (19/222)، شذرات الذهب (3/406).
(6) عبد الغفار بن محمد بن جعفر بن زيد البغدادي، أبو طاهر المؤدب قال عنه الخطيب: "كتبت عنه وسمعت أبا عبد الله الصوري يغمزه ويذكره بما يوجب ضعفه"، ولد سنة (345هـ) وتوفي سنة (42هـ) وقال الذهبي: "ضعفه أبو عبد الله الصوري بشيء ما".
تاريخ بغداد (11/116-117)، تاريخ الإسلام (29/238).
(7) محمد بن أحمد بن الحسن بن إسحاق البغدادي، أبو علي الصوّاف، الشيخ الإمام المحدث، الثقة الحجة، وثقه الدارقطني وغيره، مات سنة (350هـ).
تاريخ بغداد (1/289)، السير (16/184).
(8) بشر بن موسى بن صالح، أبو علي الأسدي، قال الخطيب: "كان ثقة أمينا، عاقلاً ركيناً"، توفي سنة (288هـ).
تاريخ بغداد (7/86)، السير (13/352).
(4/5)
، أنبأنا الحميدي(1)، قال: "أصول السنة -فذكر أشياء- ثم قال: "وما نطق به القرآن والحديث مثل{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ}(2)، ومثل{السَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}(3)، وما أشبه هذا من القرآن والحديث لا نزيد فيه، و لا نفسره، ونقف عند ما وقف عليه القرآن والسنة، ونقول:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}(4) ومن زعم غير هذا فهو مبطل جهمي"(5).
هذا حديث ثابت عن الحميدي أبي بكر(6) عبد الله بن الزبير، إمام أهل مكة في الفقه والحديث توفي(7) على رأس العشرين ومائتين رحمه الله(8)، أخذ عن سفيان بن عيينة، والشافعي وغيرهما، وصدَّر البخاري صحيحه بروايته عنه.
[أبو عبيد القاسم بن سلاّم (224هـ)]
__________
(1) عبد الله بن الزبير الحميدي الأسدي، أبو بكر، أحد الأئمة في الحديث، من أهل مكة، لزم الشافعي إلى أن مات، وهو أجل أصحاب ابن عيينة، توفي بمكة سنة (219هـ) وله "المسند" مطبوع. تهذيب التهذيب (5/215)، السير (10/616).
(2) الآية 64 من سورة المائدة.
(3) الآية 67 من سورة الزمر.
(4) الآية 5 من سورة طه.
(5) ذكر الحميدي هذا الكلام في نهاية كتابه المسند (2/457)، حيث كتب رسالة سماها "أصول السنة" ضمنها عقيدته.
وأورده ابن تيمية في مجموع الفتاوى(4/6).
وأورده الذهبي في تذكرة الحفاظ (2/414)، وفي العلو (ص122-123)، وفي الأربعين (ص84-85، برقم87).
وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص220-221).
(6) في (أ) و(ب) و(ج) "أبي بكر بن عبد الله" والصواب ما أثبته.
(7) "توفي" ساقطو من (ب) و(ج).
(8) "رحمه الله" ساقطة من (ب) و(ج).
(4/6)
207- أخبرنا القاضي أبو محمد بن علوان(1) ببعلبك، أنبأنا عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي(2)، أنبأنا عبد المغيث بن زهير الحافظ(3)، أنبأنا أحمد بن عبيد الله بن كادش(4)
__________
(1) عبد الخالق بن عبد السلام بن سعيد بن علوان، تقدمت ترجمته في الفقرة (56).
(2) عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد المقدسي، أبو محمد الحنبلي، شارح المقنع، ولد سنة (555هـ) كان فقيها إماما مناظرًا، توفي سنة (624هـ).
السير (22/269)، شذرات الذهب (5/114).
(3) عبد المغيث بن زهير بن علوى، أبو العز البغدادي الحربي، ولد سنة (500هـ) محدّث، صالح، متبع، بقية السلف، متمسك بالسنن، توفي سنة (583هـ).
السير (21/159)، شذرات الذهب (4/275).
(4) أحمد بن عبيد الله بن محمد بن عبيد الله، أبو العز المعروف بابن كادش، ولد سنة (432هـ) اتهموه بالكذب والتخليط، توفي سنة (526هـ).
الميزان (1/118)، السير 19/558).
(4/7)
، أنبأنا محمد بن علي الحربي(1)،أنبأنا الحافظ أبو الحسن الدارقطني(2)، حدثنا محمد بن مخلد(3)، حدثنا العباس الدوري(4)، سمعت أبا عبيد القاسم بن سلاّم(5) -وذكر الباب الذي(6) يروي فيه الرؤية، والكرسي موضع القدمين، وضحك ربنا، وأين كان ربنا- فقال: "هذه أحاديث صحاح، حملها أهل الحديث، والفقهاء، بعضهم عن بعض، وهي عندنا حق، لا شك فيها؛ ولكن إذا قيل كيف وضع قدمه؟ وكيف يضحك؟ قلنا لا نفسر هذا ولا سمعنا أحداً يفسره".
هكذا أخرجه الدارقطني في "الصفات" له(7).
وأبو عبيد من أخيار(8) هذه الأمة، توفي سنة أربع وعشرين ومائتين، وولد والشافعي سنة خمسين ومائة، وإسناده (ق55/ب) صحيح عنه .
ومن جلالته في العلم قال فيه إسحاق بن راهويه: "الله يحب الإنصاف، أبو عبيد أعلم مني، ومن الشافعي، ومن أحمد بن حنبل".
[نعيم بن حماد الخزاعي (228هـ)]
__________
(1) محمد بن علي بن الفتح الحربي، أبو طالب العشاري الحنبلي، قال الخطيب: "كتبت عنه وكان ثقة صالحا"، ولد سنة (360هـ)، وتوفي سنة (451هـ). تاريخ بغداد (3/107)، السير (18/48).
(2) تقدمت ترجمته في الفقرة (6).
(3) محمد بن مخلد العطار الخطيب، محدث بغداد، مات سنة (331هـ) وله سبع وتسعون سنة. انظر ترجمته في دول الإسلام للذهبي (ص204).
(4) تقدمت ترجمته في الفقرة (188).
(5) أبو عبيد القاسم بن سلاّم -بالتشديد-، الإمام المشهور، ثقة، فاضل، مصنف، علامة، مات(224). تاريخ بغداد (12/403-416)، تقريب التهذيب (278).
(6) جاء في (ب) و(ج) زيادة "فيه" بعد "الذي" .
(7) أخرجه الدارقطني في الصفات (ص68-69، برقم57).
وأورده القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات (1/48، برقم17).
وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/198 رقم760).
وأورده ابن تيمية في الفتوى الحموية (ص89) وعزاه للبيهقي في الأسماء والصفات وصحح إسناده.
وأخرجه الذهبي في العلو (ص127) وفي الأربعين (ص85، برقم88)، وفي سير أعلام النبلاء (10/505).
(8) في (ب) و(ج) "أحبار".
(4/8)
208- قال ابن بطة(1)، حدثنا ابن مخلد(2)، حدثنا الرمادي(3)، سمعت نعيم بن حماد(4) في قوله {وَهُوَ مَعَكُم}(5): "أنه لا يخفى عليه خافية بعلمه(6)، ألا ترى قوله {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ}(7) الآية، أراد: أنه لا يخفى عليه خافية"(8).
نعيم بن حماد نزيل مصر، أحد شيوخ البخاري، من كبار أئمة الحديث، توفي سنة ثمان وعشرين ومائتين.
__________
(1) تقدمت ترجمته في الفقرة (108).
(2) محمد بن مخلد العطار، تقدمت ترجمته في الفقرة (207).
(3) أحمد بن منصور الرمادي، أبو بكر البغدادي، حافظ، ثقة، رحل في طلب الحديث، وأكثر الكتابة والسماع، وصنف المسند، توفي سنة (265هـ).السير (12/389).
(4) تقدمت ترجمته في الفقرة (143).
(5) الآية 4 من سورة الحديد.
(6) في (ب) و(ج) "يعلمه".
(7) الآية 7 من سورة المجادلة.
(8) أخرجه ابن بطة في الإبانة (تتمة الرد على الجهمية)، (3/146، برقم106).
وأورده الذهبي في العلو (ص126)، وفي سير أعلام النبلاء (10/611)، وفي الأربعين في صفات رب العالمين(ص64، برقم48). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص221). وقال الألباني في مختصر العلو (ص184): (السند صحيح).
(4/9)
209- وهو القائل ما(1) أخبرنا ابن الفراء(2)، أنبأنا ابن قدامة(3)، انبأنا ابن البطي(4)، أنبأنا ابن خيرون(5)، أنبأنا ابن شاذان(6)، أنبأنا ابن زياد(7)، حدثنا محمد بن إسماعيل(8)، سمعت نعيم بن حماد(9)، يقول: "من شبه الله بشيء من خلقه فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله(10) تشبيها"(11).
وكلا القولين صحيح عنه.
[عبد الله بن أبي جعفر الرازي ( مات بعد المائتين )]
210- وقال صالح بن [الضريس](12)
__________
(1) "ما" ساقطة من (ج).
(2) تقدمت ترجمته في الفقرة (206).
(3) محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة، تقدمت ترجمته في الفقرة (206).
(4) محمد بن عبد الباقي المعروف بابن البطي، تقدمت ترجمته في الفقرة (56).
(5) تقدمت ترجمته في الفقرة (56).
(6) تقدمت ترجمته في الفقرة (56).
(7) أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد، أبو سهل القطان، تقدمت ترجمته في الفقرة (56).
(8) محمد بن إسماعيل بن يوسف السلمي، أبو إسماعيل الترمذي، نزيل بغداد، ثقة حافظ، من الحادية عشرة، توفي سنة (280هـ)، أخرج له الترمذي والنسائي. التقريب (826).
(9) تقدمت ترجمته في الفقرة (143).
(10) "ولا رسوله" ساقطة من (ب) و(ج).
(11) أورده ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/196). وأورده الذهبي في العلو (ص126). وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص221).
(12) في (أ) و(ب) ( الضرلين ) وفي (ج) "الضرا ـن" وهوخطأ.
وهو صالح بن الضريس، أخو يحيى بن الضريس، عم أبي محمد بن أيوب، روى عن الفضيل بن عياض، ويحيى بن الضريس، وروى عنه محمد بن أيوب، ولم يذكر ابن أبي حاتم تاريخ وفاته. الجرح والتعديل (4/406-407).
(4/10)
: جعل عبد الله بن أبي جعفر الرازي(1) يضرب قرابة له بالنعل على رأسه، يرمى برأي جهم(2) ويقول: "لا حتى تقول {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ [اسْتَوَى](3)} بائن من خلقه"(4).
رواه ابن أبي حاتم في كتاب "الرد على الجهمية"، عن محمد بن يحيى(5) عن صالح.
[هشام بن عبد الله الرازي ( بعد المائتين )]
__________
(1) عبد الله بن أبي جعفر الرازي، وثقه الذهبي وقال فيه شيء، وقال ابن حجر: "صدوق يخطىء"، وعده ابن حجر من الطبقة التاسعة، وهو من مات بعد المائتين. التقريب (ص497)، والكاشف (2/70).
(2) جهم بن صفوان، تقدمت ترجمته في الصفحة (163).
(3) ما بين المعكوفتيبن ساقط من (أ).
(4) أورده ابن تيمية في درء تعارض العقل والتقل (6/265). وأورده الذهبي في العلو (ص119). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص221).
(5) محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذهلي النيسابوري الزهري، ثقة، حافظ، جليل، من الحادية عشرة، مات ستة (258هـ) على الصحيح وله ست وثمانون سنة. التقريب (ص907)، السير (12/273).
(4/11)
211- وقال حدثنا علي بن الحسن بن يزيد السلمي(1)، سمعت أبي(2) يقول: سمعت هشام بن عبد الله الرازي(3)، يقول: حُبس رجل(4) في التجهم، فتاب، فجيء به إلى هشام ليمتحنه- فقال له: "أتشهد أن الله على عرشه بائن من خلقه؟. قال: لا أدري ما بائن من خلقه. فقال: رُدَّه فإنه لم يتب(5) بعد"(6).
هشام بن [عبد الله](7) من أئمة الفقه على مذهب أبي حنيفة، (ق56/أ) أخذ عن محمد بن الحسن(8) وغيره وهو معروف عند الفقهاء، ذكره أبو إسحاق في طبقات الفقهاء. توفى محمد بن الحسن(9) في منزله.
[يزيد بن هارون الواسطي (206هـ)]
212- وعن يزيد بن هارون(10)، وسأله رجل من أهل بغداد فقال: "سمعت المريسي(11) يقول في سجوده: سبحان ربي الأسفل. فقال يزيد: إن كنت صادقاً إنه كافر بالله العظيم".
أخرجها ابن أبي حاتم في كتابه.
[عبد الله بن مسلمة القعنبي (221هـ)]
213- وقال بيان بن أحمد(12)
__________
(1) لم أقف له على ترجمة.
(2) ما بين المعكوفتين ساقط من (ب) و(ج).
(3) هشام بن عبد الله الرازي، فقيه حنفي، من أهل الرأي، أخذ عن أبي يوسف ومحمد ابن الحسن صاحبي أبي حنيفة. قال الذهبي: "كان داعية إلى السنة ومحطاً على الجهمية". تذكرة الحفاظ (1/387-388)، ميزان الاعتدال (3/254).
(4) في (ب) "الرجل".
(5) في (ب) "يثبت".
(6) أورده ابن تيمية في الحموية (ص88)، وعزاه لابن أبي حاتم، وفي درء تعارض العقل و النقل (6/265)، وفي نقض تأسيس الجهمية (2/526). وأورده الذهبي في العلو (ص123). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص140-141).
(7) في (أ) و(ب) "عبيد الله" وما أثبته من (ب).
(8) تقدمت ترجمته في الفقرة (170).
(9) عبارة "وغيره وهو معروف عند الفقهاء، ذكره أبو إسحاق في طبقات الفقهاء. توفى محمد بن الحسن" ساقطة من (ب) و(ج).
(10) تقدمت ترجمته في الفقرة (69).
(11) تقدمت ترجمته في الفقرة (103).
(12) بيان بن أحمد بن خفاف، من الطبقة الأولى من الحنابلة، ذكره أبو بكر الخلال مع من روى عن أحمد.
طبقات الحنابلة (1/119، برقم139).
(4/12)
، كنا عند القعنبي(1) فسمع رجلاً من الجهمية يقول: الرحمن على العرش استولى، فقال القعنبي(2): "من لا يؤمن أن الرحمن على العرش استوى، كما تقرر في قلوب العامة، فهو جهمي"(3).
أخرجها عبد العزيز القحيطي(4) في تصانيفه.
[أبو معمر إسماعيل القطيعي (236هـ)]
214- وقال أبو معمر القطيعي(5): "آخر كلام الجهمية أنه ليس في السماء إله"(6).
ذكره ابن أبي حاتم في كتابه.
[الإمام يحيى بن معين (233هـ)]
215- وقال يحيى بن معين(7): "إذا قال لك الجهمي: كيف ينزل؟ فقل: كيف صعد؟".
__________
(1) عبد الله بن مسلمة بن قعنب الحارثي، من رجال الحديث الثقات، من أهل المدينة، سكن البصرة وتوفي بها، روى عنه البخاري 123 حديثًا، ومسلم 70 حديثًا، قال عنه الذهبي: "كان القعنبي من أئمة الهدى، حتى لقد تغالى فيه بعض الحفاظ وفضله على مالك الإمام، توفي سنة إحدى وعشرين ومائتين، عن بضع وثمانين سنة، وهو أكبر شيخ لمسلم مطلقا".
العلو (ص121)، تهذيب التهذيب (6/31).
(2) عبارة "فسمع رجلاً من الجهمية يقول: الرحمن على العرش استولى، فقال القعنبي" ساقطة من (ب) و(ج).
(3) أورده الذهبي في العلو (ص121) وقال: المراد بالعامة عامة أهل العلم. وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص216).
(4) لم أقف له على ترجمته.
(5) إسماعيل بن إبراهيم بن معمر الهروي القطيعي، من أهل بغداد، عالم بالحديث، وكان مسند العراق في عصره، قال عنه الذهبي: أبو معمر من شيوخ البخاري ومسلم، مات سنة (236)، وكان من أئمة السنة. انظر العلو (ص129)، تاريخ بغداد (6/266)، تذكرة الحفاظ (2/471).
(6) أورده الذهبي في تذكرة الحفاظ (2/472)، وأورده في سير أعلام النبلاء (11/70)، وفي العلو (ص129). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص222). وقال الألباني في مختصر العلو (ص188): "وسائر الرجال ثقات".
(7) تقدمت ترجمته في الفقرة (204).
(4/13)
أخرجه ابن بطة في "الإبانة"(1) عن النجاد(2)، عن جعفر بن أبي عثمان الطيالسي(3) عن يحيى بن معين رحمه الله.
[بشر بن الحارث الحافي (227هـ)]
216- وقال بشر بن الحارث الحافي(4) في عقيدته -وذكر أشياء- فيها: "والإيمان بأن الله على عرشه استوى(5) كما شاء، وأنه عالم بكل مكان، وأن الله يقول، ويخلق، فقوله كن ليس بمخلوق"(6).
رواها ابن بطة في "الإبانة" وغيره.
[حرب بن إسماعيل الكرماني (280هـ)]
__________
(1) أخرجه ابن بطة في الإبانة (تتمة الرد على الجهمية)، (3/206، برقم161). وأورده القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات (1/51، برقم23). وأخرجه اللالكائي في السنة (3/453، برقم776) بلفظ: "إذا سمعت الجهمي يقول: أنا كفرت برب ينزل، فقل: أنا أومن برب يفعل ما يشاء". وعنه أورده ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/378). وأورده الذهبي في الأربعين في صفات رب العالمين (ص701، برقم58). وأورده أيضا في العلو (ص129)، وعلق بعده بقوله: "قلت: الكيف في الحالين منفي عن الله تعالى لا مجال للعقل فيه". وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص228-229). وانظر غنية الطالبين للجيلاني (ص28-ف89- الإمام ).
(2) أبو بكر أحمد بن سلمان النجاد، تقدمت ترجمته في الفقرة (109).
(3) جعفر بن محمد بن أبي عثمان الطيالسي، أبو الفضل، قال عنه الخطيب: "ثقة ثبت". تاريخ بغداد (7/188).
(4) بشر بن الحارث بن عبد الرحمن، أبو نصر المروزي البغدادي الحافي، إمام، ورع، زاهد، مات سنة سبع وعشرين ومائتين، وله خمس وسبعون سنة. تاريخ بغداد (7/67)، السير (10/469).
(5) "استوى" ساقطة من (ب) و(ج).
(6) أوردها الذهبي في العلو (ص127)، وفي الأربعين (ص43).
(4/14)
217- و[قال](1) حرب بن إسماعيل(2): "قلت لإسحاق بن راهويه(3) في قول الله: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ}(4): كيفتقول(5) فيه؟ قال: حيث ما / كنت(6) فهو أقرب إليك من حبل الوريد، وهو بائن من خلقه" ثم ذكر عن ابن المبارك(7): "هو على عرشه بائن من خلقه" ثم قال: وأعلى شيء من ذلك وأثبته قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }"(8).
رواه الخلال في "السنة" له عن حرب(9).
[الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (241هـ)]
__________
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب)، وما أثبته من (ب).
(2) حرب بن إسماعيل بن خلف الحنظلي الكرماني، صاحب الإمام أحمد، ومن أئمة الحنابلة، توفي سنة (280هـ). طبقات الحنابلة (1/145-146)، شذرات الذهب (2/176).
(3) تقدمت ترجمته في الفقرة (2).
(4) الآية 7 من سورة المجادلة.
(5) في (ب) "يقول".
(6) في (ج) "حيث ما كنت فيه".
(7) تقدمت ترجمته في الفقرة (143).
(8) الآية 5 من سورة طه.
(9) أورده ابن بطة في الإبانة (تتمة الرد على الجهمية)، (3/161، برقم118). أورده الذهبي في سير أعلام النبلاء (11/370). وأورده في العلو (ص131) وعزاه للخلال في السنة. وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص226). وقال الألباني في مختصر العلو (191، ح233): "قلت: وأخرجه الهروي أيضا في ذم الكلام (6/120/1) عن حرب به نحوه".
(4/15)
218- وقال أبو طالب(1) سألت أحمد بن حنبل عن رجل قال: إن الله معنا، وتلا: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ}(2). قال: "قد تجهم هذا، يأخذون بآخر الآية، ويدعون أولها [هلا](3) قرأت عليه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ}(4) فالعلم معهم، وقال في [سورة](5) (ق): {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}(6) فعلمه معهم".
رواه ابن بطة في "الإبانة"(7).
219- وقال المروزي(8): قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل، إن رجلاً قال: أقول كما قال الله: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ}(9)، أقول هذا ولا أجاوزه إلى غيره. فقال أبو عبد الله: "هذا كلام الجهمية". قلت: فكيف نقول؟ قال: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُم} علمه في كل مكان وعلمه معهم" ثم قال: "أول الآية يدل على أنه علمه".
__________
(1) أبو طالب، هو أحمد بن حميد المشكاني، كان الإمام أحمد يكرمه ويعظمه. طبقات الحنابلة (1/39).
(2) الآية 7 من سورة المجادلة.
(3) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) (ب) و(ج)، وما أثبته من اجتماع الجيوش الإسلامية.
(4) الآية 7 من سورة المجادلة.
(5) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ).
(6) الآية 16 من سورة ق.
(7) رواه ابن بطة في الإبانة (تتمة الرد على الجهمية)، (3/159-160، برقم116). وأورده بنحوه القاضي في إبطال التأويلات (2/289، برقم286). وأورده الذهبي في العلو (ص130)، وفي الأربعين (ص64-65، برقم49). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص200-201).
(8) تقدمت ترجمته في الفقرة (188).
(9) الآية 7 من سورة المجادلة.
(4/16)
رواه ابن بطة عن عمر بن محمد(1) حدثنا محمد بن داود(2) عن المروزي(3).
220- قال حنبل(4): "قلت لأبي عبد الله(5): ما معنى قوله {وَهُوَ مَعَكُم}، و{ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ (ق57/أ) هُوَ رَابِعُهُمْ }؟. قال: علمه محيط بـ"الكل"، وربنا على العرش بلا حد ولا صفة".
أخرجه اللالكائي في "السنة"(6).
__________
(1) عمر بن محمد بن رجاء، أبو حفص العكبري، قال الخطيب: "روى عنه ابن بطة العكبري، وكان عبداً صالحاً، ديناً، صدوقاً"، توفي سنة (329هـ). تاريخ بغداد (11/239).
(2) لم يتبين لي من هو.
(3) رواه ابن بطة في الإبانة (تتمة الرد على الجهمية)، (3/160-161، برقم117). وأورده الذهبي في العلو (ص130). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (201).
(4) "حنبل" ساقطة من (ب). وهو حنبل بن إسحاق بن حنبل بن هلال الشيباني، أبو علي البغدادي، ابن عم الإمام أحمد، إمام حافظ ثقة، له كتاب التاريخ والفتن ومحنة الإمام أحمد، توفي بواسط سنة (273هـ). تاريخ بغداد (8/286-287)، تذكرة الحفاظ (2/600).
(5) في (ب) "لأبي عبد الله أحمد بن حنبل".
(6) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/402، برقم675). وأورده ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص116، برقم95). وأورده الذهبي في العلو (ص130)، وفي الأربعين في صفات رب العالمين (ص65، برقم 50). وأورده ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/496). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (200) وعزاه للالكائي. وانظر مختصر الصواعق (2/213)، وقال ابن القيم: "أراد أحمد بنفي الصفة نفي الكيفية والتشبيه، وبنفي الحد حد يدركه العباد ويحدونه". وانظر في مسألة الحد نقض تأسيس الجهمية (2/162).
(4/17)
221- وقال يوسف بن موسى القطان(1): "وقيل لأبي عبد الله(2): الله(3) فوق السماء السابعة على عرشه، بائن من خلقه، وعلمه وقدرته بكل مكان؟ قال: نعم".
رواه الخلال، عن يوسف(4).
222- وقال سلمة بن شبيب(5): "كنت عند أحمد بن حنبل، فدخل رجل عليه أثر السفر، فقال: من فيكم أحمد بن حنبل؟ فأشاروا إليه، فقال: إني ضربت(6) البر والبحر(7) من أربعمائة فرسخ(8)، أتاني الخضر عليه السلام فقال: إيت أحمد بن حنبل، فقل له(9): إن ساكن السماء راض عنك لما بذلت نفسك في هذا الأمر"(10)
__________
(1) يوسف بن موسى بن راشد بن بلال القطان، أبو يعقوب الكوفي، سكن الري ثم انتقل إلى بغداد ومات بها، صدوق من العاشرة، مات سنة (253هـ). التقريب (ص1096).
(2) في (ب) "لأبي عبد الله أحمد بن حنبل".
(3) "الله" ساقطة من (ج).
(4) أخرجه ابن بطة في الإبانة (تتمة الرد على الجهمية)، (3/159، ح115). أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/401-402، برقم674). وأورده ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/421). وأخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص116، برقم96). وأورده الذهبي في العلو (130). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص200) وعزاه للخلال في كتاب السنة له.
(5) سلمة بن شبيب النيسابوري، أبو عبد الرحمن الحجري المسمعي، نزيل مكة، ثقة من كبار الحادية عشرة، مات سنة بضع وأربعين ومائتين، أخرج له مسلم والأربعة. التقريب (ص400).
(6) في (ب) "خربت".
(7) في (ج) "البحر والبر".
(8) في (ج) "فراسخ".
(9) في (ج) "فقلت له".
(10) ذكرها ابن أبي حاتم في تقدمة كتاب الجرح والتعديل (1/309-310). وذكر هذه الحكاية القاضي ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/18). وأوردها الذهبي في العلو (ص130-131).
أما مسألة حياة الخضر فقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والصواب الذي عليه المحققون أنه ميت، وأنه لم يدرك الإسلام"، مجموع الفتاوى (27/100).
وقال أيضاً عندما سئل عن الخضر وإلياس هل هما معمران؟ فأجاب: "إنهما ليسا في الأحياء ولا معمران، وقد سأل إبراهيم الحربي أحمد بن حنبل عن تعمير الخضر وإلياس وأنهما باقيان يريان ويروى عنهما، فقال الإمام أحمد: من أحال على غائب لم ينصف منه؛ وما ألقى هذا إلا شيطان.
وسئل البخاري عن الخضر وإلياس هل هما في الأحياء؟ فقال: كيف يكون هذا؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو على وجه الأرض أحد.
وقال أبو الفرج ابن الجوزي قوله تعالى {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الخُلْدَ} ليسا هما في الأحياء والله أعلم". مجموع الفتاوى (4/337).
وقد أفرده ابن حجر في رسالة سماها "الزهر النضر في نبأ الخضر". وهي مطبوعة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية (2/195-234).
(4/18)
.
رواه ابن أبي حاتم في مناقب أحمد عن محمد بن مسلم(1) عن سلمة.
[ذو النون المصري (245هـ)]
223- وقال عمر بن بحر الأسدي(2): "سمعت ذا النون المصري(3) يقول: أشرقت لنوره السموات، وأنار لوجهه الظلمات، وحُجِبَ جلالُه عن العيون، وناجاه على عرشه ألسنة الصدور".
أخرجها أبو الشيخ في كتاب "العظمة"(4).
[أحمد بن حنبل]
224- وقال الإمام(5) أحمد بن حنبل رحمه الله في كتاب الرد على الجهمية مما جمعه(6) ورواه عبد الله ابنه عنه:
"باب بيان ما أنكرت الجهمية أن يكون الله على العرش"، قلت لهم: أنكرتم أن يكون الله على العرش، وقد قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}(7)؟
فقالوا: هو تحت الأرض السابعة، كما هو على العرش، وفي(8) السموات وفي(9) الأرض.
__________
(1) محمد بن مسلم بن عثمان بن عبد الله الرازي، المعروف بابن وارة، ثقة، حافظ، من الحادية عشرة، مات سنة (270هـ) وقيل قبلها. الجرح والتعديل (8/79)، التقريب (ص897).
(2) قال الألباني في مختصر العلو (ص198): "عمر بن بحر الأسدي لم أعرفه".
(3) في (ب) "المصر". وذكره الذهبي في الميزان فقال: "ذو النون المصري الزاهد العارف، قال الدارقطني: روى عن مالك أحاديث فيها نظر، قلت: اسمه ثوبان بن إبراهيم، ويقال: الفيض بن أحمد، ويقال كنيته أبو الفيض، ويقال أبو الفياض". مات سنة (245هـ). ميزان الاعتدال (2/33).
(4) أخرجه أبو الشيخ في كتاب العظمة (1/398). وأورده الذهبي في العلو (ص134). وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص271).
(5) "الإمام" ساقطة من ( ب) و(ج).
(6) "مما جمعه" ساقطة من (ب).
(7) الآية 5 من سورة طه.
(8) في (ج) "وفوق".
(9) "في" ساقطة من (ب) و(ج).
(4/19)
فقلنا: قد عرف المسلمون أماكن كثيرة ليس فيها (ق57/ب) منعظمة الرب شيء، أجسامكم وأجوافكم والحشوش(1) والأماكنالقذرة ليس فيها من عظمته شيء، وقد أخبرنا عز وجل أنه فيالسماء فقال تعالى: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَفَإِذَا هِيَ تَمُورُ. أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا}(2)،{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ](3)}(4)، {إِنِّي مُتَوَفِّيكَوَرَافِعُكَ إِلَيّ}(5)، {بَلْ رَفَعَهُ الله إِلَيْهِ}(6), {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِنْ فَوْقِهِم }(7) فقد أخبر(8) سبحانه أنه في السماء"(9).
أخرجه كله أبو بكر الخلال في "السنة"، وخرج أكثره مفرقا في غير موضع القاضي أبو يعلى الفراء في كتاب "إبطال التأويل" له.
[إسحاق بن راهويه (256هـ)]
__________
(1) "والحشوش" ساقطة من (ب) و(ج).
(2) الآيتان 16-17 من سورة الملك.
(3) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ).
(4) الآية 10 من سورة فاطر.
(5) الآية 55 من سورة آل عمران.
(6) الآية 158 من سورة النساء.
(7) الآية 50 من سورة النحل.
(8) في (ب) و(ج) "أخبرنا".
(9) انظر الرد على الجهمية للإمام أحمد بن حنبل (ص92-93، -ضمن عقائد السلف). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص201-202).
(4/20)
225- وقال أحمد بن سلمة(1): "سمعت إسحاق بن راهويه يقول: جمعني وهذا المبتدع -يعني إبراهيم بن أبي صالح-(2) مجلس الأمير عبد الله ابن طاهر(3)، فسألني الأمير عن أخبار النزول فسردتها.قال(4) ابن أبي
صالح: كفرت برب ينزل من سماء إلى سماء. فقال: آمنت برب يفعل ما يشاء"(5).
رواه البيهقي عن الحاكم سمعت محمد بن صالح بن هاني(6) سمعت أحمد بن سلمة فذكره.
[عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق (251هـ)]
__________
(1) أحمد بن سلمة النيسابوري، البزار، أبو الفضل، الحافظ، الحجة، العدل، المأمون، المجود، رفيق مسلم في الرحلة، سمع خلقا كثيرا، وجمع وصنف. السير (13/373)، تاريخ بغداد (4/186).
(2) إبراهيم بن أبي صالح، قال عنه مسلم بن الحجاج: "جهمي لا يكتب حديثه"، وقال الحاكم: "كذبه إسحاق بن راهويه في مجلس عبد الله بن طاهر"، واسم أبي صالح: هاشم. المغني في الضعفاء (ص17)، لسان الميزان (1/96).
(3) عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب، أبو العباس، الأمير العادل، حاكم خراسان وما وراء النهر، مات سنة ثلاثين ومائتين وله ثمان وأربعون سنة. تاريخ بغداد (9/452)، السير (10/684).
(4) في (ج) "فقال".
(5) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة(3/452) برقم(774).
والبيهقي في الأسماء والصفات (2/375-376، برقم951). وأورده الذهبي في العلو (ص131)، وفي السير (11/376)، وفي تاريخ الإسلام في حوادث وفيات (231-240، ص89)، وأورده في الأربعين (ص71، برقم59) وقال: "رواها الحاكم بإسناد صحيح عنه".
(6) "هاني" ساقطة من (ب) و(ج).
وهو محمد بن صالح بن هاني، أبو جعفر الوراق، ثقة، حافظ، زاهد، كان لا يأكل إلا من كسب يده، ولا يقطع صلاة الليل. البداية (11/225)، طبقات الشافعية (3/174).
(4/21)
226- وقال عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق(1) لما روى حديث ابن عباس "ما بين السماء السابعة إلى كرسيه سبعة آلاف(2) نور، وهو فوق ذلك"(3) قال: "من زعم أن الله هاهنا فهو جهمي خبيث، إن الله فوق العرش، وعلمه محيط بالدنيا والآخرة"(4).
عبد الوهاب هذا، ثقة، حافظ، روى عنه أبو داود، والترمذي، والنسائي، مات سنة خمسين ومائتين.
وقيل للإمام أحمد من (ق58/أ) نسأل بعدك؟. فقال(5): "سلوا عبد الوهاب". وأثنى عليه في غير موضع.
[المزني (264هـ)]
__________
(1) عبد الوهاب بن عبد الحكم بن نافع النسائي، ثم البغدادي، أبو الحسن الوراق، صحب الإمام أحمد وسمع منه، وكان صالحاً، ورعاً، زاهداً، توفي سنة (251هـ) على القول الراجح. طبقات الحنابلة (1/209-212)، التقريب (ص633).
(2) في (ب) "الألفاف".
(3) تقدم تخريجه برقم (111).
(4) أورده الذهبي في العلو (ص142)، وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص232)، وقال: "صح ذلك عنه، حكاه عنه محمد بن أحمد بن عثمان -يعني الذهبي- في رسالته الفوقية وقال: ثقة حافظ، روى عنه أبو داود والترمذي والنسائي، مات سنة خمسين ومائتين" اهـ.
قلت: هذا النص يؤكد أن ابن القيم استفاد كثيراً من كتاب العرش وكان يعتمده، فالعبارة كما ترى مطابقة لما في النص، وأما عبارة العلو فهي "كان عبد الوهاب ثقة حافظاً، كبير القدر، حدث عنه أبو داود والنسائي والترمذي، توفي سنة ".
(5) في (ب) و(ج) "قال".
(4/22)
227- حدثنا أبو الحسين اليونيني(1) الحافظ، عن جعفر الهمداني(2)، أنبأنا السلفي(3)، أنبأنا عبد الملك بن الحسن(4) الأنصاري(5) بمكة، أنبأنا الحسين بن علي الفقيه النسوي(6)، أنبأنا إسماعيل بن رجاء العسقلاني(7)
__________
(1) علي بن محمد بن الحسين بن أحمد بن عبد الله، الحافظ، أبو الحسين الحنبلي، الفقيه البعلبكي اليونيني، الإمام المحدث الفقيه الأوحد، شيخ الذهبي، ولد سنة (621هـ) وتوفي سنة (701هـ). معجم شيوخ الذهبي (2/40)، شذرات الذهب (6/3).
(2) جعفر بن علي بن هبة الله بن جعفر بن يحيى الهمداني، أبو الفضل الأسكندراني المالكي، إمام مقرئ مجود، محدث، فقيه، بقية السلف، ولد سنة (546هـ) وتوفي سنة (636هـ). السير (23/36)، شذرات الذهب (5/180).
(3) تقدمت ترجمته في الصفحة (210).
(4) في (ب) "الحسين" وهو خطأ.
(5) عبد الملك بن الحسن بن بتنة، أبو محمد الأنصاري، شيخ صالح، مجاور بمكة، توفي في حدود الخمسمائة. معجم السفر للسلفي (ص200)، تاريخ الإسلام (34/349-350).
(6) الحسين بن علي، أبو عبد الله النسوي، الفقيه، توفي سنة (444هـ) أو بعدها. تاريخ دمشق (14/283)، بغية الطلب في تاريخ حلب (6/2723).
(7) إسماعيل بن رجاء بن سعيد بن عبيد الله، أبو محمد العسقلاني، الأديب، توفي في رمضان سنة (423هـ).
تاريخ دمشق (8/403)، تاريخ الإسلام (29/103-104).
(4/23)
بها، أنبأنا أبو الحسين محمد بن أحمد الملطي(1)، وأبو أحمد محمد بن محمد القيسراني(2)، قالا: أنبأنا أحمد بن بكر(3) اليازوري(4)
__________
(1) محمد بن أحمد بن عبد الرحمن، أبو الحسين الملطي العسقلاني، عالم بالقراءات، من فقهاء الشافعية، توفي بعسقلان سنة (377هـ) صاحب التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع. طبقات الشافعية (2/112)، الأعلام (5/311).
(2) محمد بن محمد بن عبد الرحيم بن محمد بن أبي ربيعة، أبو أحمد القيساراني، توفي بعد الثمانين وثلاثمائة. تاريخ دمشق (55/183)، معجم البلدان (4/422).
(3) في (ب) "ابن أبي بكر".
(4) أحمد بن محمد بن بكر الرملي، القاضي أبو بكر اليازوري، الفقيه. يروي عن الحسن ابن علي اليازوري، وحكى عنه أسود بن الحسن البرذعي، وأبو القاسم علي بن محمد بن زكريا الصقلي، الرملي، أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الحافظ. معجم البلدان (5/425)، تاريخ دمشق (5/226)، وجاء فيه "الباروذي" وهو خطأ.
قال أحمد تيمور باشا في كتابه "ضبط الأعلام" (ص164): "الغالب في كتب التاريخ المطبوعة تصحيفه بالبازوري (بالموحدة)، فالينتبه له".
(4/24)
الفقيه، [حدثنا الحسن بن علي اليازوري](1)، حدثني على بن عبد الله الحلواني(2) قال: كنت بطرابلس المغرب، فذكرت أنا وأصحاب لنا السنة، إلى أن ذكرنا المزني(3) رحمه الله، فقال بعض أصحابنا: بلغني أنه يتكلم في القرآن ويقف عنده، وذكر [آخر](4) أنه يقوله(5)، إلى أن اجتمع منا قوم آخر فكتبنا إليه كتاباً نريد أن نستعلم منه، فكتب إلينا شرح السنة، فكتب إلينا: "عصمنا الله وإياكم بالتقوى، ووفقنا وإياكم لموافقة الهدى، أما بعد: فإنك سألتني أن أوضح لك من السنة أمراً تصبر نفسك على التمسك به، وتدرأ عنك به شبه الأقاويل، وزيغ محدثات الضالين، فقد شرحت لك منها ما جاء موضحا(6) لم آل نفسي وإياك [فيه](7) نصحا، بدأت فيه بحمد ذي الرشد والتسديد.
__________
(1) ساقط من (أ) و(ب)، وأثبته من رسالة "شرح السنة" للمزني (ص72). قال محقق الرسالة (ص53-54): "ولم أجد عنه شيئاً سوى ما ذكره ابن عساكر وياقوت قالا: أحمد بن محمد بن بكر، أبو بكر القاضي اليازوري الفقيه، حدث عن الحسن بن علي اليازوري".كما وصف في السند أنه: "الحسن بن علي اليازوري الفقيه".
(2) لم أقف له على ترجمة.
(3) إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المزني، أبو إبراهيم المصري، تلميذ الشافعي، إمام علامة فقيه،كان زاهدا عالما مجتهدا، قوي الحجة، توفي سنة (264هـ).السير (12/492)
(4) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب)، والتصويب من شرح السنة للمزني.
(5) في (أ) " من أنه يقوله " وفي (ب) "أنه يقول" والتصويب من المصدر السابق.
(6) جاء في (ب) و(ج) "فقد شرحت لك منهاجا موضحاً".
(7) ما بين المعكوفتين غير واضح في (أ).
(4/25)
الحمد لله أحق ما بدىء، وأولى من شكر، و[عليه](1) أثني، الواحد الصمد، ليس له صاحبة ولا ولد، جل عن المثل فلا شبيه له ولا عديل، السميع البصير العليم الخبير المنيع الرفيع، عالٍ على عرشه(2)، (58/ب) فهو دان بعلمه من خلقه" -إلى أن قال-: "والقرآن كلام الله ومن الله، ليس بمخلوق فيبيد، وقدرة الله، ونعته(3) وصفاته [كاملات](4) غير مخلوقات، دائمات أزليات ليست محدثات فتبيد، ولا كان ربنا ناقصاً فيزيد، جلت صفاته عن شبه المخلوقين، عالٍ على العرش(5)، بائن من خلقه". وذكر باقي الاعتقاد(6).
[أبو حاتم الرازي (277هـ)]
[أبو زرعة الرازي (264هـ)]
228- أجاز لنا أحمد بن سلامة(7)، عن أبي القاسم بن بَوْش(8)، أنبأنا أبو طالب اليوسفي(9)
__________
(1) في (أ) و(ب) و(ج) "وعلى" والتصويب من شرح السنة للمزني.
(2) في (ج) "العرش".
(3) في (ب) "بعثه".
(4) في (أ) و(ب) و(ج) "كلمات" والتصويب من شرح السنة للمزني.
(5) في (ب) "العر".
(6) أورده الذهبي في العلو (ص135)، وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص166-170).
(7) أحمد بن أبي الخير سلامة الدمشقي الحداد، تقدمت ترجمته في الصفحة (93).
(8) يحيى بن أسعد بن يحيى بن محمد بن بَوْش، أبو القاسم البغدادي الأزجي الخبّاز، صحيح السماع ولم يكن عنده علم، توفي سنة (593هـ). السير (21/243)، شذرات الذهب (4/315).
(9) في (ب) و(ج) "السيوفي" وهو خطأ، والصواب ما أثبته.
وهو عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن محمد، أبو طالب اليوسفي البغدادي، ولد سنة نيف وثلاثين وأربعمائة، قال السمعاني: "شيخ صالح، ثقة، ديّن" توفي سنة (516هـ). السير (19/386)، شذرات الذهب (4/49).
(4/26)
، أنبأنا [أبو](1) إسحاق البرمكي(2)، أنبأنا علي بن عبد العزيز(3)، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم(4) قال: "سألت أبا حاتم(5) وأبا زرعة(6) الرازيين رحمهما الله عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين، وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار، وما يعتقدان من ذلك، فقالا: أدركنا العلماء في جميع الأمصار، حجازاً، وعراقاً، ومصراً، وشاماً، ويمناً، وكان من مذهبهم أن الله على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه بلا كيف، أحاط بكل شيء علماً"(7).
__________
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب) و(ج)، والتصويب من روائع التراث.
(2) إبراهيم بن عمر بن أحمد بن إبراهيم البرمكي، أبو إسحاق، البغدادي، الحنبلي، ولد سنة (361هـ) قال الخطيب: "كتبت عنه وكان صدوقا ديّنا فقيها على مذهب أحمد وله حلقة للفتوى"، توفي سنة (445هـ). تاريخ بغداد (6/139)، السير (17/605).
(3) علي بن عبد العزيز بن مردك بن أحمد بن سندوية، أبو الحسن، البرذعي، البزار، البغدادي، قال عنه الخطيب: "ثقة"، توفي في المحرم سنة (387هـ). تاريخ بغداد (12/30-31).
(4) تقدمت ترجمته.
(5) تقدمت ترجمته.
(6) تقدمت ترجمته.
(7) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/176-179، برقم321)، وقد ذكر الاعتقاد بتمامه والنص المذكور هنا تجده في (ص177). وأخرجه الذهبي في سير أعلام النبلاء (13/84) بالسند المذكور هنا، وأخرجه في العلو (ص137-138) وقد ساقها بأسانيد ثلاثة. وأخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص125، برقم110). وأورده ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (6/257).
قال الألباني في مختصر العلو (ص204-205): "قلت: هذا صحيح ثابت عن أبي زرعة وإبي حاتم رحمة الله عليهما ..." إلى أن قال: "ورسالة ابن أبي حاتم محفوظة في المجموع (11) في الظاهرية في آخر كتاب (زهد الثمانية من التابعين").
وقد طبعت ضمن " روائع التراث " تحقيق محمد عزيز شمس، ونشرته الدار السلفية بالهند. انظر (ص19-26)
(4/27)
أبو حاتم هو محمد بن إدريس(1) الحنظلي، إمام أهل الري(2) في الحفظ والإتقان، وممن طاف العراق والشام والحجاز وخراسان في طلب العلم، وشهرتهما عند أهل العلم تغني عن التعريف بحالهما.
وروى عن أبي حاتم من الأئمة، أبو داود، والنسائي، وابن ماجة.
وروى عن أبي زرعة، مسلم، والترمذي، والنسائي.
[الإمام أبو عبد الله البخاري (256هـ)]
229- (ق59/أ) وقال أبو(3) عبد الله البخاري(4)، في كتاب الرد على الجهمية، الذي في آخر الصحيح في باب قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ}(5): "قال أبو العالية(6): استوى إلى السماء: ارتفع، وقال مجاهد(7): علا على العرش، وقالت زينب(8) زوج النبي صلى الله عليه وسلم: زوجني الله من فوق سبع سموات"(9).
وَبَوَّبَ على أكثر ما ينكر الجهمية وتناوله، من العلو، والكلام، واليدين، والعين، ونحو ذلك محتجاً بآيات الصفات وأحاديثها، فمن تبويبه:
باب قوله {إِلَيْهِ يَصْعَدُ اَلكَلِمُ اَلطَّيِّب}(10).
وباب قوله {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}(11).
وباب قوله {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}(12).
وباب كلام الرب مع الأنبياء وغيرهم(13).
ونحو ذلك مما إذا تدبره اللبيب، علم بتبويبه رحمه الله وذكره لمثل تلك [الآيات](14) والأحاديث أن الجهمية تنكر ذلك وتحرفه.
__________
(1) "إدريس" ساقطة م (ب) و(ج).
(2) في (ب) "الرأي".
(3) "أبو" ساقطة من (ج).
(4) تقدمت ترجمته.
(5) الآية 7 من سورة هود.
(6) تقدمت ترجمته.
(7) تقدمت ترجمته.
(8) تقدمت ترجمتها.
(9) انظر صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب (22)، (ص1554-1555)، ط: دار السلام.
(10) الآية 10 من سورة فاطر، وانظر صحيح البخاري كتاب التوحيد، باب (23)، (ص1556).
(11) الآية 75 من سورة ص، وانظر صحيح البخاري كتاب التوحيد، باب (19)، (ص1552).
(12) الآية 39 من سورة طه، وانظر صحيح البخاري كتاب التوحيد، باب (17)، (ص1551).
(13) انظر صحيح البخاري كتاب التوحيد، باب (36)، (ص1574).
(14) في (ب) (ج) "الآية".
(4/28)
[عثمان بن سعيد الدارمي (280هـ)]
230- قال عثمان بن سعيد الدارمي(1) أحد الأئمة، وحفاظ أهل المشرق، توفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين، وسمع سعيد بن أبي مريم(2)، ونعيم بن حماد(3)، وموسى بن إسماعيل(4)، وفروة بن أبي المغراء(5)، وعبد الله بن رجاء(6)، ومسلم بن إبراهيم(7)، وغيرهم من الأئمة.
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم الجمحي بالولاء، أبو محمد المصري، ثقة ثبت فقيه، من كبار العاشرة، مات سنة (224هـ) وله ثمانون سنة، أخرج له الجماعة. التقريب (ص375).
(3) تقدمت ترجمته.
(4) موسى بن إسماعيل المنقري مولاهم، أبو سلمة التبوذكي، مشهور بكنيته واسمه، ثقة ثبت، من صغار التاسعة، ولا التفات إلى قول خراش: (تكلم فيه الناس)، مات سنة (223هـ)، أخرج له الجماعة. التقريب (ص977).
(5) فروة بن أبي المغراء، واسم أبيه معدي كرب الكندي، يكنى أبا القاسم، كوفي صدوق، من العاشرة، مات سنة (225هـ)، أخرج له البخاري والترمذي. التقريب (ص780-781)
(6) عبد الله بن رجاء بن عمر الغُداني، بصري، صدوق يهم قليلا، من التاسعة، مات سنة (220هـ) وقيل قبلها، أخرج له البخاري والنسائي وابن ماجة. التقريب (ص505).
(7) مسلم بن إبراهيم الأزدي الفراهيدي مولاهم، أبو عمرو البصري، ثقة مأمون مكثر، عمي بآخره، من صغار التاسعة، مات سنة (222هـ)، أخرج له الجماعة. التقريب (ص937).
(4/29)
الذي قال فيه البخاري: "ما رأيت مثل عثمان بن سعيد، ولا (ق59/ب) رأى عثمان مثل نفسه"(1)؛ أخذ الأدب عن ابن الأعرابي(2)، والفقه عنالبويطي(3)،والحديث عن يحيى بن معين(4)، وعلي بن المديني(5)، فتقدم في هذه العلوم، وقد أثنى عليه غير واحد من أهل العلم، وألف كتاب "النقض على بشر المريسي" مجلداً مما فيه:
1- "قد اتفقت الكلمة من المسلمين، أن الله بكماله فوق عرشه، فوق سمواته"(6).
2- وقال أيضاً في موضع آخر من الكتاب: "[و](7) قال أهل السنة: إن الله بكماله فوق عرشه، يعلم ويسمع من فوق العرش، لا يخفى عليه خافية من خلقه، ولا يحجبهم عنه شيء"(8).
[أبو عيسى الترمذي (279هـ)]
231- وقال [الترمذي](9) لما روى حديث أبي هريرة "إن الله يقبل الصدقة، ويأخذها بيمينه فيربيها"(10)
__________
(1) في تذكرة الحفاظ (2/622) عزا القول إلى أبي الفضل يعقوب بن إسحاق القراب.
(2) تقدمت ترجمته.
(3) أبو يعقوب يوسف بن يحيى المصري البويطي، صاحب الشافعي، امتحن مع من امتحن في فتنة خلق القرآن، وتوفي سنة (231هـ) في القيد. تاريخ بغداد (14/299)، تهذيب التهذيب (11/427).
(4) تقدمت ترجمته.
(5) تقدمت ترجمته.
(6) انظر الرد على بشر المريسي (ص408 -ضمن عقائد السلف). وأورده الذهبي في السير (13/325). وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص228). وانظر مختصر الصواعق (2/213).
(7) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ).
(8) انظر الرد على بشر المريسي (ص438 -ضمن عقائد السلف) مع تقديم وتأخير.
(9) ما بين المعكوفتين سقط من (أ) و(ب) وجاء مكانه ( أيضاً ) وما أثبته من (ج)، وقد تقدمت ترجمة الترمذي.
(10) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب (23)، (ح7430، ص1556-1557)، ط: دار السلام،
وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب (19)، قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها (2/702).
(4/30)
: "هذا حديث صحيح روي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث، وما يشبهه من الصفات، ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا قالوا: قد(1) ثبتت الروايات في هذا، ونؤمن به، ولا نتوهم، ولا يقال كيف هذا.
وروي عن مالك، وابن عيينة، وابن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمروها بلا كيف.
وهكذا قول أهل العلم، من أهل السنة والجماعة.
وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات، وقالوا: هذا تشبيه، (60/أ) وفسروها على غير ما فسر أهل العلم، وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده، وإنما معنى اليد ها هنا النعمة، وقال إسحاق بن راهويه: إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيد، أو(2) مثل يد، وسمع كسمع".
هكذا قال رحمه الله في باب أفضل(3) الصدقة من جامعه(4).
وروى أيضا حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يمين الله ملأى سحاء(5)، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات، فإنه لم ينقص ما في يمينه، وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع"(6).
قال هذا في تفسير {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ}(7) الآية، "وهذا الحديث قالت الأئمة: نؤمن به كما جاء من غير تفسير، قاله غير واحد، منهم سفيان الثوري، ومالك، وابن عيينة، وابن المبارك، أنه تروى هذه الأشياء ونؤمن بها ولا يقال كيف".
ذكر هذا في تفسير سورة المائدة(8).
[حرب بن إسماعيل الكرماني (280هـ)]
__________
(1) "قد" ساقطة من (ج).
(2) ما بين المعكوفتين ساقط من (ب).
(3) في (ب) "فضل".
(4) انظر سنن الترمذي، كتاب الزكاة، باب فضل الصدقة، (3/50-51).
(5) "سحاء": أي دائمة الصب والهطل والعطاء. النهاية (2/345).
(6) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب (22)، (ح7419، ص1554-1555). وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب(12) الحث على النفقة(2/362).
(7) الآية 64 من سورة المائدة.
(8) سنن الترمذي، كتاب التفسير، باب ومن سورة المائدة (5/251).
(4/31)
232- وقال حرب بن إسماعيل الكرماني(1) -من أصحاب أحمد- من(2) طبقة المروزي(3) والأثرم(4): "الجهمية أعداء الله، وهم الذين يزعمون أن القرآن مخلوق(5)، وأنه لايعرف لله مكان، وليس على عرش ولا كرسي، وهم كفار فاحذروهم".
رواه عنه ابن أبي حاتم في كتابه(6).
[محمد بن عثمان بن أبي شيبة (297هـ)]
233- وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة(7)، في كتاب "العرش"(8) له: "ذكروا أن الجهمية يقولون: ليس بين الله وبين (60/ب) خلقه حجاب، وأنكروا العرش، وأن يكون الله فوقه، وقالوا إنه في كل مكان".
وذكر أشياء إلى أن قال: "فسرت العلماء {هُوَ مَعَكُم} يعني بعلمه".
"[توافرت](9) الأخبار أن الله خلق العرش فاستوى عليه بذاته، فهو فوق العرش بذاته، متخلصا من خلقه بائنا منهم"(10).
محمد بن عثمان هذا، حافظ أهل الكوفة، توفي على رأس الثمانين ومائتين(11)، سمع عامة شيوخ الأئمة، وهذا كتاب مروي عنه بإسناد صحيح.
[ابن ماجة (273هـ)]
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) في (ب) "بن".
(3) تقدمت ترجمته.
(4) أحمد بن محمد بن هانىء، أبو بكر الطائي البغدادي الإسكافي الأثرم، فقيه حافظ ثقة، صاحب الإمام أحمد، مات سنة (273هـ) وله عدة تصانيف. الأنساب (1/134)، التقريب (98).
(5) جاء في النسخ الأخرى "أن كلام الله مخلوق".
(6) أورده الذهبي في العلو (ص143).
(7) أبو جعفر محمد بن عثمان بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستي، العبسي مولاهم، الكوفي، الحافظ المسند البارع، محدث الكوفة، جمع وصنف وكان من أوعية العلم، بصيرا بالحديث والرجال،توفي سنة (297هـ). تاريخ بغداد (3/42-47)، سير أعلام النبلاء (14/21).
(8) كتاب العرش وما روى فيه، قمت بتحقيقه، وقام بنشره مكتبة الرشد بالرياض.
وقد قمت بدراسة شاملة عن موضع الكتاب، وعن مؤلفه.
(9) في (أ) و(ب) و(ج) "تواترت"، وما أثبته من كتاب العرش لابن أبي شيبة.
(10) كتاب العرش ص 276- 292.
(11) الصواب أن وفاته سنة (297هـ). انظر: تاريخ بغداد (3/47)، السير (14/21).
(4/32)
234- وقال أبو عبد الله بن ماجة(1) الحافظ المشهور، في سننه، في أول كتاب السنة، فذكر أشياء منها:
قال رحمه الله: "باب فيما أنكرت الجهمية"(2).
فروى في ذلك(3) حديث أبي رزين "أين كان ربنا يا رسول الله؟"(4).
وحديث جابر "بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤسهم، فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم"(5).
وحديث "يطوي السموات بيمينه"(6).
وحديث "الأوعال وعلى ظهورهن العرش ثم الله فوق ذلك"(7).
وحديث "إن الله يضحك إلى ثلاثة"(8).
وحديث "ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن"(9).
وحديث "أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض، فإنه لم ينقص ما في يده"(10) ونحو ذلك من الصفات.
[عبد الله بن أحمد بن حنبل (290هـ)]
235- 1ـ وقد تقدم(11) (ق61/أ) قول أبي عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد(12) في حديث مجاهد "أن الله يقعد محمداً معه على العرش" وأنه قال: "أنا منكر على من رد هذا الحديث، وما رأيت أحدا من المحدثين ينكره، وكان عندنا وقت ما سمعناه من المشايخ أنه إنما ينكره الجهمية".
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) انظر سنن ابن ماجة (1/34)، المقدمة، باب(13).
(3) "ذلك" ساقطة من (أ) (ب).
(4) انظر سنن ابن ماجة (1/35، ح170)، وقد تقدم تخريج الحديث برقم (15).
(5) انظر سنن ابن ماجة (1/36، ح172)، وقد تقدم تخريج الحديث برقم (34).
(6) انظر سنن ابن ماجة (1/37، ح180)، والحديث أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب صفة القيامة والجنة والنار (8/126).
(7) انظر سنن ابن ماجة (1/37-38، ح181)، وقد تقدم تخريج الحديث برقم(24).
(8) انظر سنن ابن ماجة (1/39، ح188)، وفي الزوائد في إسناده مقال.
(9) انظر سنن ابن ماجة (1/39، ح187)، وفي الزوائد إسناده صحيح. وأخرجه أحمد في المسند (4/182).
(10) انظر سنن ابن ماجة (1/38، ح185). وأخرجه مسلم في صحيحه،كتاب الزكاة، باب الحث على النفقة (3/78).
(11) تقدم برقم (190).
(12) تقدمت ترجمته.
(4/33)
وقد تقدم غير حديث وأثر، معزو إلى كتاب عبد الله بن أحمد رحمهما الله في الرد على الجهمية أخرجه أبو بكر المروزي صاحب الإمام أحمد، ومن أجلِّ ما رووا عنه في كتاب فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم تأليفه(1).
2ـ ونقل في هذا الكتاب نحواً من هذا القول عن الإمام أبي داود السجستاني(2) مؤلف السنن، استفتاه المروزي، فأفتاه أن الخبر يسلم كما جاء ولا يعارض(3).
3ـ وكذا أفتاه عباس الدوري(4) الحافظ أحد الشيوخ الأئمة(5) روى عنه الترمذي، وأبوداود، والنسائي، وابن ماجة.
4ـ وكذا أفتاه إبراهيم الحربي(6)، أحد الفقهاء والأئمة ببغداد في هذا العصر، ذكره أبو إسحاق الشيرازي(7)، في طبقات أصحاب الإمام أحمد بن حنبل، وقال فيه: إمام في(8) الحديث وله مصنفات كثيرة، مات سنة خمس(9) وثمانين ومائتين(10).
5ـ وممن أفتاه من الأئمة بنحو ذلك يحيى بن أبي طالب(11)، وهو محدث، حافظ، سمع يزيد بن هارون(12) وطبقته.
__________
(1) أشار ابن القيم إلى هذا الكتاب في بدائع الفوائد (4/39) حيث قال: "قال القاضي: صنف المروذي كتابا في فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيه إقعاده على العرش".
(2) تقدمت ترجمته.
(3) انظر الأثر في السنة للخلال (1/244، برقم279).
(4) تقدمت ترجمته.
(5) انظر الأثر في السنة للخلال (1/258، برقم311)، و(1/217، برقم250).
(6) إبراهيم بن إسحاق الحربي، تقدمت ترجمته. انظر الأثر الوارد عنه في السنة للخلال (1/235، برقم270)، و(1/219، برقم254).
(7) إبراهيم بن علي بن يوسف الفيروزأبادي الشيرازي، أبو إسحاق الشافعي، العلامة، المناظر،الفقيه، الأصولي، مات ببغداد سنة (476هـ) له "المهذب في الفقه" الذي شرحه النووي في المجموع وغيره كثير. طبقات الشافعية (3/88)، السير (18/452).
(8) "في" ساقطة من (ب).
(9) في (ب) و(ج) "خمسين".
(10) انظر طبقات الفقهاء للشيرازي (ص171).
(11) تقدمت ترجمته. وانظر الأثر الوارد عنه في السنة للخلال (1/233، برقم268)، و(1/215، برقم247).
(12) تقدمت ترجمته.
(4/34)
6ـ ومحمد بن إسماعيل السلمي(1) الحافظ، أحد (ق61/ب) أئمة الحديث، والمكثرين منه، روى عنه الترمذي، والنسائي، توفي سنة ثمانين(2).
7ـ وأبو جعفر محمد بن عبد الملك الدقيقي الواسطي(3)، ثقة روى عنه أبو داود، وابن ماجة.
8ـ وأبو عبد الله محمد بن بشر بن شريك بن عبد الله القاضي(4)، وأبو قلابة عبد الملك بن محمد(5)
__________
(1) تقدمت ترجمته. وانظر الأثر الوارد عنه في السنة للخلال (1/236، برقم272)، و(1/218، برقم250).
(2) يعني ومائتين.
(3) تقدمت ترجمته. وانظر الأثر الوارد عنه في السنة للخلال (1/217، برقم250).
(4) تقدمت ترجمته. وانظر الأثر الوارد عنه في السنة للخلال 1/250، برقم311)، وميزان الاعتدال (3/491).
(5) في (ب) و(ج) "محمد بن عبد الملك". وانظر الأثر الوارد عنه في السنة للخلال (1/254-255).
واسمه عبد الملك بن محمد الرقاشي، أبو قلابة، صدوق يخطيء، تغير حفظه لما سكن بغداد، من الحادية عشرة، مات سنة (276هـ). التقريب (ص626).
(4/35)
الرقاشي، وأبو بكر بن حماد المقري(1)، وعلي بن داود القنطري(2)، ومحمد بن عمران الفارسي الزاهد(3)، وإسماعيل بن إبراهيم الهاشمي(4)، ومحمد بن يونس البصري(5)، وأحمد ابن أصرم المزني(6)، وحمدان بن علي(7)، وأبو بكر بن صدقة(8)، وعلي بن [سهل](9)، والحسن بن
__________
(1) انظر الأثر الوارد عنه في السنة للخلال (1/217، برقم250). واسمه محمد بن حماد، ذكره الخلال فقال: "كان جميل الوجه في وجهه النور، عالما بالقرآن وأسبابه، وكان أحمد يصلي خلفه".طبقات الحنابلة(1/292)، تاريخ بغداد (4/9).
(2) انظر الأثر الوارد عنه في السنة للخلال (1/234، برقم269). وهو علي بن داود بن يزيد القنطري الأدمي، صدوق، توفي سنة (272هـ). التقريب (ص695).
(3) في (أ) و(ب) (ج) "بن أبي عمران" تقدمت ترجمته. وانظر الأثر الوارد عنه في السنة للخلال (1/239، برقم275).
(4) انظر الأثر الوارد عنه في السنة للخلال (1/237، برقم274)، وأبو علي إسماعيل ابن إبراهيم الهاشمي، لم أقف له على ترجمته.
(5) انظر الأثر الوارد عنه في السنة للخلال (1/243، برقم276). وهو محمد بن يونس بن موسى بن سليمان الكنديمي، أبو العباس السامي البصري، ضعيف، من الحادية عشرة، مات سنة (286هـ).التقريب (ص912).
(6) انظر السنة للخلال (1/215، برقم247). وهو محمد بن أصرم بن خزيمة، أبو العباس المزني، قال عنه الخلال: "رجل ثقة"، توفي سنة (285هـ). تاريخ بغداد (4/44-45).
(7) انظر السنة للخلال (1/218). وهو محمد بن علي المعروف بحمدان، أبو جعفر الوراق، كان فاضلا ثقة. طبقات الحنابلة (1/308)، تاريخ بغداد (3/61).
(8) انظر السنة للخلال (1/220). واسمه أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة، أبو بكر الحافظ، قال عنه الدارقطني: "ثقة ثقة" توفي سنة (293هـ). تاريخ بغداد (5/40-41).
(9) انظر السنة للخلال (1/255، برقم304). في (أ) "سهيل" وما أثبته من (ب) و(ج)، واسمه علي بن سهل بن المغيرة البزار، ثقة، من الحادية عشرة . التقريب (ص697).
(4/36)
الفضل(1)، وهارون بن العباس الهاشمي(2)، وأبو عبد الله بن عبد النور(3)، وإبراهيم الأصبهاني(4).
9ـ وكذلك أفتى من الأئمة قبل هذه الطبقة إسحاق بن راهويه(5)،
وأبو عبيد القاسم بن سلاَّم(6)، ومحمد بن مصعب العابد(7)، وبشر الحافي(8)، وهارون بن معروف(9)، وجماعة غيرهم من أئمة الحديث والفقه يطول ذكرهم، اختصرت نصوص قولهم، لكنهم يقولون ما معناه أن هذا الخبر يسلم كما جاء ولا يعارض -يعني خبر مجاهد.
[ عبد الله بن مسلم بن قتيبة (276هـ) ]
__________
(1) انظر السنة للخلال (1/259، برقم314). وهو الحسن بن الفضل بن السمح، أبو علي الزعفراني، ذكره الخطيب فقال: "أكثر الناس عنه، ثم انكشف ستره فتركوه". تاريخ بغداد (7/204).
(2) انظر الأثر الوارد عنه في السنة للخلال (1/237، برقم273)، و(1/243، برقم277). وهو أبو العباس هارون بن العباس الهاشمي، ثقة، توفي سنة (276هـ). تاريخ بغداد (14/27).
(3) في (ب) و(ج) "أبو عبد الله بن عبد الثوري"، ولم أقف على ترجمته.
(4) انظر السنة للخلال (1/217، برقم250).في (ج) "الأصفهاني".واسمه إبراهيم بن محمد بن الحارث الأصبهاني، لم تذكر حالته. طبقات الحنابلة (1/96)، والمنهج الأحمد (1/373).
(5) انظر السنة للخلال (1/217، برقم250).
(6) تقدمت ترجمته في الفقرة (207).
(7) انظر السنة للخلال(1/218). وقد تقدمت ترجمة محمد بن مصعب في الفقرة (185).
(8) تقدمت ترجمته.
(9) انظر السنة للخلال (1/218، برقم253). وقد تقدمت ترجمة هارون بن معروف في الفقرة (188).
(4/37)
236- 1ـ وقال الإمام أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة(1) في كتاب "مختلف الحديث"(2) له: "نحن نقول في قوله {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ}(3) إنه معهم يعلم ما هم عليه، كما تقول للرجل وجّهته إلى بلد شاسع، احذر التقصير فإني معك، تريد أنه لا يخفى عليَّ [تقصيرك](4).(62/أ)
وكيف يسوغ لأحد أن يقول: إنه سبحانه بكل مكان على الحلول فيه مع قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}(5) ومع قوله {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}(6)؟ و(7) كيف يصعد إليه شيء هو معه؟ وكيف تعرج الملائكة إليه وهي معه؟
ولولا(8) أن هؤلاء رجعوا إلى فطرهم، وما ركبت عليه خِلَقُهم(9) من معرفة الخالق لعلموا أن الله هو العلي وهو الأعلى، وأن الأيدي ترتفع بالدعاء إليه، والأمم كلها أعجميها(10) وعربيها، تقول: إن الله في السماء. ما تركت على فطرها(11)"(12).
__________
(1) عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، أبو محمد، الإمام الحافظ الأديب، من المصنفين المكثرين، ولد ببغداد سنة (213هـ)، وتوفي بها سنة (276هـ)، من كتبه: المعارف، وأدب الكاتب، وتأويل مختلف الحديث، وغيرها. تاريخ بغداد (10/170)، السير (13/296).
(2) كتاب تأويل مختلف الحديث في الرد على أعداء أهل الحديث، والجمع بين الأخبار التي ادعوا عليها التناقض والاختلاف، والجواب عما أوردوه من الشبه على بعض الأخبار المتشابهة أو المشكلة بادي الرأي. وقد طبع الكتاب عدة طبعات.
(3) الآية 7 من سورة المجادلة.
(4) في (ب) و(ج) "تقصيري".
(5) الآية 5 من سورة طه.
(6) الآية 10 من سورة فاطر.
(7) "و" ساقطة من(ب) و(ج).
(8) في (ج) "ولو".
(9) في (ج) "خلقتهم".
(10) في (ب) "عجميها".
(11) في (ج) "فطرتها".
(12) انظر كتاب تأويل مختلف الحديث (ص182-183).
(4/38)
2ـ وفي الإنجيل أن المسيح قال للحواريين: "إن أنتم غفرتم للناس فإن أباكم الذي في السماء يغفر لكم ظلمكم، انظروا إلى طير السماء فإنهن لا يزرعن ولا يحصدن، وأبوكم الذي في السماء هو يرزقهن".
ومثل(1) هذا في الشواهد كثير(2).
[عمرو بن عثمان المكي (297هـ)]
237- وقال الإمام العارف أبو عبد الله عمرو(3) بن عثمان(4) [في كتاب](5) "آداب المريدين والتعرف لأحوال العبَّاد" في باب ما يجيء به الشيطان للتائبين إذا هم امتنعوا عليه واعتصموا بالله، فإنه يوسوس لهم في أمر [الخالق](6) ليفسد عليهم أحوال(7) التوحيد، وذكر كلاما طويلا إلى أن قال: "وهذا من أعظم ما يوسوس به في التوحيد بالتشكيل(8)، أو في صفات الرب بالتمثيل والتشبيه، أو بالجحد لها والتعطيل، وأن يدخل عليهم مقاييس عظمة الرب بقدر عقولهم فيهلكوا (ق62/ب) إن قبلوا، أو [يضعضع](9) أركانهم إن لم يلجؤوا بذلك إلى العلم، وتحقيق المعرفة لله عز وجل من حيث أخبر عن نفسه ووصف به نفسه، وما وصف(10) رسوله".
__________
(1) في (ب) و(ج) "ومن مثل".
(2) المصدر السابق (ص184). وأورده الذهبي في العلو (ص145).
(3) في (ب) و(ج) "عمر".
(4) أبو عبد الله عمرو بن عثمان المكي، صوفي، عالم بالأصول، من أهل مكة، له مصنفات في التصوف، زار أصبهان، ومات ببغداد سنة (297هـ) وقيل بمكة. تاريخ بغداد (12/223)، الحلية (10/291).
(5) في (ب) "في كتابه في كتاب".
(6) في (أ) و(ب) "الخلائق"، وما أثبته من (ج).
(7) كذا في الأصل، وفي نقض تأسيس الجهمية "أصول".
(8) هكذا في (أ) و(ب) و(ج)، وفي اجتماع الجيوش ( بالتشكيك ).
(9) في (أ) و(ب) و(ج) "يتضعضع" وما أثبته من اجتماع الجيوش الإسلامية.
(10) في (ج) "وصف به".
(4/39)
إلى أن قال: "فهو تعالى القائل {أَنَا الله} لا الشجرة؛ الجائي قبل أن يكون جائياً لا أمره، المستوي(1) على عرشه بعظمة جلاله دون كل مكان، الذي كلم موسى تكليماً، وأراه من آياته عظيما، فسمع موسى كلام(2) الله الوارث لخلقه، السميع لأصواتهم، الناظر بعينه إلى أجسامهم، يداه مبسوطتان، وهما غير نعمته وقدرته، خلق آدم بيده".
وذكر أشياء أخر(3).
عمرو المكي(4) هذا من(5) نظراء الجنيد(6)، ومن كبار الصوفية وأعيانهم، توفي سنة إحدى وتسعين ومائتين ببغداد، وشهرته عند مشايخ الطرق تغني عن التعريف بحاله رضي الله عنه.
[ابن أبي عاصم النبيل (287هـ)]
238- وقال الإمام أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل(7)
__________
(1) في (ب) و(ج) "لا مرة أن يستوي".
(2) في (ب) "كلا".
(3) وأورده ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/62-65). وفي نقض تأسيس الجهمية (2/527). أورده الذهبي في العلو (ص155). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص274-275).
(4) انظر ترجمته في طبقات الصوفية (200-205)، تاريخ بغداد (12/223- 225)، حلية الأولياء (10/291)، الأعلام (5/252-253).
(5) "من" ساقطة من (ج).
(6) الجنيد بن محمد الجنيد البغدادي الخزاز، أبو القاسم صوفي مشهور، وعده العلماء شيخ مذهب التصوف مع تمسك بالكتاب والسنة، توفي ببغداد سنة (297هـ)، الحلية (10/255)، تاريخ بغداد (7/241).
(7) في (ب) (ج) "النبيلي" وهو خطأ.
وهو أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل، أبو بكر الشيباني، قال فيه أبو الشيخ الأصبهاني: "كان من الصيانة والعفة بمحل عجيب"، وقال ابن مردوية: "حافظ كثير الحديث صنف المسند والكتب"، توفي سنة (287هـ). طبقات المحدثين بأصبهان (ص214)، السير (13/430).
(4/40)
-أحد الأئمة والحفاظ و(1) المصنفين بأصبهان، على رأس التسعين ومائتين-:"[وجميع ما في](2) كتابنا "كتاب السنة الكبير"(3) الذي فيه الأبواب من الأخبار التي ذكرنا أنها توجب العلم، فنحن نؤمن بها لصحتها، وعدالة ناقليها، ويجب التسليم لها على ظاهرها، وترك تكلف الكلام في كيفيتها".
فذكر في ذلك النزول إلى سماء(4) الدنيا(5)، والاستواء على العرش(6)، وغير ذلك.
أخرجه(7) (ق63/أ) ابن بطة في "الإبانة"، فقال: حدثتنا عاتكة بنت أحمدابن [عمرو](8) بن [أبي](9) عاصم(10)، قالت: حدثنا أبي رحمه الله.
[أحمد بن عمر بن سريج (306هـ)]
__________
(1) "و" ساقطة من (ب) و(ج).
(2) في (أ) "وجمع في كتابنا"، و(ب) (ج) "وجمع ما في كتابنا" والتصويب من العلو للذهبي.
(3) كتاب السنة مطبوع بتحقيق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، ونشره المكتب الإسلامي.
(4) في (ب) و(ج) "السماء".
(5) انظر كتاب السنة (1/216)، باب (105)، (ذكر نزول ربنا تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا ... )
(6) انظر كتاب السنة (1/215)، باب (104)، (ما ذكر أن الله تعالى في سمائه دون أرضه). وأورده الذهبي في العلو (ص146).
(7) في (ج) "خرجه".
(8) في (أ) "عمر".
(9) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب).
(10) أم الضحاك، عاتكة بنت أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد الشيبانية، تروي عن أبيها وعنها ابن بطة وأبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري وغيرهما. السير (16/437)، بغية الطلب في تاريخ حلب (4/1406)، (10/4337).
(4/41)
239- وقال أبو القاسم سعد بن علي الزنجاني(1) الإمام المشهور: سألت أيدك الله بيان ما صح لدي من مذهب السلف، وصالح الخلف، في الصفات، فاستخرت الله، وأجبت بجواب بعض الفقهاء.
وهو أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج(2).
__________
(1) سعيد بن علي بن محمد بن الحسين، -أبو القاسم- الزنجاني، رحل إلى الآفاق، وسمع الكثير، وكان إماماً حافظاً متعبداً، ثم انقطع في آخر عمره بمكة، وكان من دعاة السنة وأعداء البدعة، ولد سنة (381هـ)، وتوفي سنة (471هـ). البداية (12/120)، سير أعلام النبلاء (18/385-389).
(2) أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج، الفقيه الشافعي، كان من عظماء الشافعيين، وأئمة المسلمين، توفي سنة (306هـ). تاريخ بغداد (4/287)، طبقات السبكي (2/87).
(4/42)
وقد سأل ابن سريج عن صفات الله فقال: "حرام(1) على العقول أن تمثل الله، وعلى الأوهام أن تحده، وعلى الألباب أن تصف، إلا ما وصف به نفسه في كتابه، أو على(2) لسان رسوله؛ وصح عند جميع أهل الديانة والسنة إلى زماننا أن جميع الآي والأخبار الصادقة عن(3) رسول الله صلى الله عليه وسلم يجب على المسلم الإيمان بكل واحد منه كما ورد، وأن السؤال(4) عن معانيها بدعة، والجواب كفر وزندقة، مثل قوله تعالى {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ}(5) وقوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}(6) {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}(7) ونظائرها مما نطق بها القرآن كالفوقية، والنفس، واليدين، والسمع، والبصر، وصعود الكلام الطيب إليه، والضحك، والتعجب، والنزول كل (ق/63 ب) ليلة" إلى أن قال: "اعتقادنا فيه وفي الآي(8) المتشابهة في القرآن، أن نقبلها ولا نردها، ولا نتأولها بتأويل المخالفين، ولا نحملها على تشبيه المشبهين، ولا نترجم عن صفاته بلغة(9) غير العربية، ونسلم الخبر لظاهره والآية لظاهر تنزيلها".
وذكر أشياء اختصرتها(10).
توفي ابن سريج سنة ست وثلاثمائة ببغداد. ذكره أبو إسحاق(11) في طبقات الفقهاء فقال: كان من عظماء الشافعيين وأئمة المسلمين، وكان يفضل على جميع أصحاب الشافعي حتى على المزني(12).
__________
(1) في (ب) و(ج) "حراماً".
(2) في (ج) "وعلى".
(3) في (ب) و(ج) "قال".
(4) في (ب) "السأل".
(5) الآية 210 من سورة البقرة.
(6) الآية 5 من سورة طه.
(7) الآية 22 من سورة الفجر.
(8) في (ب) و(ج) "الآية".
(9) في (ب) و(ج) "بلفظ".
(10) أورده الذهبي في العلو (152-153)، وفي الأربعين (ص90-91، برقم95)، وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص171-173).
(11) انظر طبقات الفقهاء لأبي إسحاق الشيرازي (ص109).
(12) تقدمت ترجمته.
(4/43)
وسمعت أبا الحسن الشيرجي(1) يقول: إن فهرست(2) كتب أبي العباس تشتمل على أربعمائة مصنف، وكان أبو حامد الإسفرائيني(3)، يقول: نحن نجري مع أبي العباس في ظواهر الفقه دون الدقائق(4).
أخذ عن أبي القاسم الأنماطي(5)، وعنه انتشر فقه الشافعي في أكثر الآفاق. رحمه الله.
[زكريا بن يحيى الساجي (307هـ)]
240- وقال ابن بطة حدثنا أبو الحسن أحمد بن زكريا بن يحيى الساجي(6)، قال: قال أبي(7): "القول في السنة التي رأيت عليها أصحابنا أهل الحديث، أن الله تعالى على عرشه، في سمائه، يقرب من خلقه كيف شاء" وذكر سائر الاعتقاد(8).
__________
(1) ذكره الشيرازي في طبقات الفقهاء (ص118) في ترجمة أبي العباس بن سريج فقال: "أبو الحسن الشيرجي صاحب أبي الحسين بن اللبان"، وذكره في (ص128) في ترجمة أبي الحسين بن اللبان الفرضي فقال: "وممن أخذ عنه شيخنا أبو الحسن الشيرجي" اهـ. ولم أجد عنه غير هذا.
(2) في (ج) "فهرس".
(3) أحمد بن أبي طاهر محمد بن أحمد الإسفراييني، أبو حامد البغدادي، شيخ الشافعية، إمام ثقة، مات سنة (406هـ) وله (62 سنة). تاريخ بغداد (4/368)، السير (17/193).
(4) انظر السير (14/202).
(5) عثمان بن سعيد بن بشار البغدادي، الفقيه، الأنماطي، أبو القاسم الأحول، الإمام العلامة، شيخ الشافعية، توفي سنة (288هـ). تاريخ بغداد (11/292)، السير (13/429).
(6) قال عنه الألباني في مختصر العلو (ص223): "لم يعرف أحمد هذا ولا ذكر في الرواة عن أبيه".
(7) زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن بن مجمد بن عدي الضبي البصري الساجي، أبو يحيى، محدث البصرة في عصره، وكان من الحفاظ الثقات، كان مولده (220هـ) وتوفي سنة (307هـ). طبقات الشافعية (2/226)، البداية (11/131).
(8) أورده ابن تيمية في نقض تأسيس الجهمية (2/527-528). وأورده الذهبي في العلو (ص150)، وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص245-246).
(4/44)
توفي زكريا (ق64/أ) بن يحيى الساجي شيخ أبي الحسن الأشعري(1) في الفقه والحديث، وإمام أهل البصرة في وقته سنة سبع وثلاثمائة. ذكره أبو إسحاق(2) فقال: أخذ عن الربيع(3) والمزني(4)، وله كتاب "اختلاف الفقهاء"، وكتاب "علل الحديث".
[محمد بن إسحاق بن خزيمة (311هـ)]
241- وقال الحاكم(5) سمعت محمد بن صالح بن هانيء(6) يقول: سمعت إمام الأئمة أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول(7): "من لم يقر أن الله على عرشه، استوى فوق سبع(8) سمواته، بائن من خلقه، فهو كافر يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه وألقي على(9) مزبلة لئلا يتأذى برائحته أهل القبلة وأهل الذمة"(10).
توفي [ابن](11) خزيمة سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة.
ذكره أبو إسحاق فقال: حكى عنه أبو بكر النقاش(12)، أنه قال: "ما قلدت أحداً منذ بلغت ست عشرة سنة".
__________
(1) ستأتي ترجمته عند ذكر قوله، انظر الفقرة (248).
(2) انظر طبقات الفقهاء لأبي إسحاق الشيرازي (ص173).
(3) الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي، أبو محمد المصري المؤذن، صاحب الشافعي ورواي كتبه، ثقة، مولده ووفاته بمصر، توفي سنة (270هـ). السير (12/587)، تهذيب التهذيب (3/245).
(4) تقدمت ترجمته.
(5) تقدمت ترجمته.
(6) تقدمت ترجمته.
(7) تقدمت ترجمته.
(8) "سبع" ساقطة من (ج).
(9) في (ج) "في".
(10) أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث (ص84). وعنه أبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف (ص29) وعزاه للحاكم في التاريخ. وأخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص127، برقم112). وأورده ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (6/264) وقال: "وهذا معرف عنه، رواه الحاكم في تاريخ نيسابور وأبو عثمان النيسابوري في رسالته المشهورة"، وفي نقض تأسيس الجهمية (2/528)، وفي الفتوى الحموية (ص35) وصححه. وأورده الذهبي في العلو (ص152). وأورده ابن القيم في الصواعق. انظر مختصر الصواعق (2/212)، وعزاه للحاكم في علوم الحديث والتاريخ.
(11) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ).
(12) تقدمت ترجمته.
(4/45)
أخذ الفقه عن المزني، وقال فيه المزني: "هو أعلم بالحديث مني"(1).
قلت: ولا أعلم في وقته مثله في معرفته بالفقه والحديث(2)، وربما في وقته أفقه منه من غير علم بالحديث، أو بالعكس، أما من جمع بينهما في زمانه مثله فلا أعلم، فرضي الله عنه وعن جميع أئمة المسلمين.
[محمد بن جرير الطبري (310هـ)]
242- 1ـ أخبرنا(3) أحمد بن هبة الله بن عساكر(4)، أنبأنا زين الأمناء الحسن بن محمد(5)، أنبأنا أبو القاسم الحسين بن الحسن الأسدي(6) سنة ثمان وأربعين (ق64/ب) وخمسمائة، أنبأنا ابن [أبي] العلاء(7)
__________
(1) انظر طبقات الفقهاء للشيرازي (ص105-106).
(2) في (ج) "ولا أعلم في وقته مثله بالفقه والحديث مثله في معرفته".
(3) في (ب) و(ج) "أخرجه".
(4) أحمد بن هبة الله بن أحمد بن محمد بن الحسن بن عساكر، أبو الفضل، شيخ، مسند، أجل، مات سنة (699هـ) وله خمس وثمانون سنة. تذكرة الحفاظ (4/1487)، شذرات الذهب (5/395).
(5) الحسن بن محمد بن الحسن بن هبة الله، أبو البركات الدمشقي الشافعي، الشيخ العالم الجليل، المسند، العابد، الخير، ولد سنة (544هـ) وتوفي سنة (627هـ). السير (22/284)، شذرات الذهب (5/123).
(6) الحسين بن الحسن بن محمد الأسدي الدمشقي، أبو القاسم، الشافعي، المعروف بابن البن، شيخ فقيه، مسند، صدوق، كثير الرواية، ولد سنة (466هـ) وتوفي سنة (551هـ). طبقات الشافعية للأسنوي (1/255)، السير (20/246).
(7) في (أ) و(ب) و(ج) "بن العلاء".
وهو علي بن محمد بن علي بن أحمد بن أبي العلاء المصيصي، أبو القاسم، الشافعي، الفرضي، الإمام المفتي، مسند دمشق، ولد سنة (400هـ) وتوفي سنة (487هـ). السير (19/12)، شذرات الذهب (3/381).
(4/46)
، أنبأنا ابن أبي نصر(1)، أنبأنا أبو سعيد الدينوري(2) مستملي محمد بن جرير قال: قريء على أبي جعفر محمد بن جرير الطبري(3) وأنا أسمع بعقيدته منها "وحسب امرئ أن يعلم أن ربه هو الذي على العرش استوى، فمن يجاوز(4) غير ذلك فقد خاب وخسر"(5).
محمد بن جرير، هو أحد الأئمة الكبار في وقته، في التفسير، والحديث والفقه، والتاريخ، وأحد المجتهدين، توفي بغداد سنة عشر وثلاثمائة، وله التفسير والتاريخ(6)، والمصنفات الكثيرة.
__________
(1) عبد الرحمن بن أبي نصر عثمان بن القاسم بن معروف التميمي، أبو محمد الدمشقي الملقب بالشيخ العفيف، الإمام المعدّل، مسند الشام، ولد سنة (327هـ) وتوفي سنة (420هـ). السير (17/366)، شذرات الذهب (3/215).
(2) عمرو بن محمد بن يحيى، أبو سعيد، الدينوري، وراق محمد بن جرير الطبري، توفي في ربيع الأول سنة (341هـ)، قال عنه الكتاني: "وهو ثقة مأمون". تاريخ دمشق (46/326)، تاريخ الإسلام (25/247).
(3) تقدمت ترجمته.
(4) في (ب) و(ج) "تجاوز".
(5) انظر صريح السنة للطبري (ص27) بتحقيق بدر بن يوسف المعتوق. وأخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/186،برقم325). وأخرجها الذهبي في سير أعلام النبلاء (14/280) بالسند المذكور هنا، وكذلك في العلو (ص150).
(6) عبارة "وأحد المجتهدين، توفي بغداد سنة عشر وثلاثمائة، وله التفسير والتاريخ" ساقطة من (ب) و(ج).
(4/47)
ذكره أبو إسحاق فقال: كان على [مذهبه](1) القاضي أبي الفرج المعافى بن زكريا النهرواني(2)، ويعرف بابن [الطرار](3)، قال: وكان أبو الفرج هذا فقيهاً أديباً شاعراً عالماً بكل علم(4).
وذكره الخطيب -أعني الطبري- فقال(5): كان أحد العلماء يُحكم بقوله، ويُرجع إلى رأيه، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره، وكان عارفاً بالقرآن، بصيراً بالمعاني، فقيهاً في أحكام القرآن، عالماً بالسنن وطرقها، وصحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، عارفا بأقوال الصحابة والتابعين في الأحكام، والحلال والحرام(6).
سمعت علي بن عبد الله [اللغوي](7)، يحكي أن محمداً بن جرير مكث أربعين سنة (ق65/أ)، يكتب في كل يوم منها أربعين ورقة(8).
وقال أبو حامد الأسفراييني(9) الفقيه: لو سافر رجل إلى الصين، حتى يحصل له كتاب تفسير محمد بن جرير لم يكن كثيراً، أو كلاماً هذا معناه(10).
وقال إمام الأئمة ابن خزيمة: "ما على أديم الأرض أعلم من محمد ابن جرير".
قلت: فمن أراد الإنصاف فليطالع تفسيره في آيات الصفات والعلو، في مواردها. فمن ذلك:
__________
(1) في(أ) و(ب) (ج) "مذهب" وهو خطأ، لأن المعافى هذا من أتباعه.
(2) المعافى بن زكريا بن يحيى بن حميد، أبو الفرج النهرواني الجريري نسبة إلى رأي ابن جرير، ويقال له ابن الطرار، الفقيه الحافظ، عالم عصره، توفي سنة (390هـ). تاريخ بغداد (13/230)، السير (16/544).
(3) في (أ) "طرارا"، وفي (ب) و(ج) ( ظرار ) والصواب ما أثبته.
(4) انظر طبقات الفقهاء (ص93).
(5) في (ب) و(ج) "وقال".
(6) انظر تاريخ بغداد (2/163).
(7) في (ب) ( الكفوسي )، وفي (أ) و(ج) ( الكفوي ) والتصويب من تاريخ بغداد (2/163).
وهو علي بن عبد الله بن عبد الغفار أبو الحسن اللغوي، المعروف بالسمسماني، قال الخطيب:"كتبت عنه وكان صدوقاً"، توفي سنة (415هـ).تاريخ بغداد(12/10).
(8) انظر تاريخ بغداد (2/163).
(9) تقدمت ترجمته.
(10) انظر تاريخ بغداد (2/163).
(4/48)
قوله {ُثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}(1)، نقل فيه عن الربيع بن أنس(2) أنه "بمعنى: ارتفع"(3).
وقال في تفسير قوله {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}(4) في كل مواضعه(5) "أي علا وارتفع"(6).
وقال في قوله {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}(7) قال: "يجلسه معه على العرش". رواه عن مجاهد من غير وجه(8).
ثم قال: "ليس في فرق الإسلام من ينكر هذا، لا(9) من يقر أن الله فوق العرش، ولا من(10) ينكره من الجهمية وغيرهم(11)"(12).
__________
(1) الآية 29 من سورة البقرة.
(2) تقدمت ترجمته.
(3) انظر تفسير الطبري (1/191)، وقد تقدم برقم (10).
(4) الآية 59 من سورة الفرقان.
(5) انظر تفسير الطبري (1/192، 13/94، 19/28).
(6) عبارة "وقال في تفسير قوله {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} في كل مواضعه أي علا وارتفع" ساقطة من (ب).
(7) الآية 79 من سورة الإسراء.
(8) تقد تخريجه برقم (129).
(9) في (ب) "إلا".
(10) ما بين المعكوفتين ساقط من (ب) و(ج).
(11) في (ب) و(ج) "وغيره".
(12) وانظر تفسير الطبري (15/147-148)، وقد تقدم برقم (195).
(4/49)
2ـ وقال في كتاب "التبصرة(1) في معالم الدين" له: "القول فيما أدرك علمه من الصفات [خبراً](2)، وذلك نحو إخباره تعالى أنه سميع بصير، وأن له يدين بقوله {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}(3)، وأن له وجهاً بقوله {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ }(4)، (65/ب) وأن له قدماً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "حتى يضع الرب فيها قدمه"(5)، وأنه يضحك بقوله: "لقي الله وهو يضحك إليه"(6)، وأنه(7) يهبط إلى سماء(8) الدنيا لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وأن له أصبعاً بقول رسوله: "ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن"(9).
__________
(1) كذا في الأصل، وطبع الكتاب باسم "التبصير" وهو كذلك في العلو (ص150-151).
(2) في (ب) و(ج) "خبر".
(3) الآية 64 من سورة المائدة.
(4) الآية 27 من سورة الرحمن.
(5) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التفسير، باب قوله {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيد}، (6/245). وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة، باب النار يدخلها الجبارون، (4/2187-2188).
(6) قطعة من حديث أخرجه سعيد بن منصور في سننه برقم (2566). والإمام أحمد في مسنده (5/287). والدارمي في الرد على الجهمية (ص535). وابن أبي عاصم في كتاب الجهاد (برقم228). وأبو يعلى الموصلي في مسنده (6/219). والبيهقي في الأسماء والصفات (برقم986)،
وللاستزادة، انظر حاشية كتاب التبصرة (ص134-136).
(7) في (ب) "وأن" وهو خطأ.
(8) في (ب) و(ج) "السماء".
(9) أخرجه الإمام أحمد في المسند (4/183). وابن ماجة في السنة (1/39)، المقدمة، باب ما أنكرت الجهمية (ح187).
(4/50)
فإن هذه المعاني التي وُصِفَتْ ونظائرَهَا، كما(1) وصف الله به نفسه، مما [لا تدرك](2) حقيقة علمه بالفكر والرَّوِيَّةِ، لا نكفر(3) بالجهل بها أحداً إلا بعد انتهائها إليه"(4).
أخرج هذا الكلام عنه القاضي أبو يعلى الفراء في "إبطال التأويل" له(5).
[أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكجي (292هـ)]
243- وقال أبو محمد بن ماسي(6)، حدثني أبو مسلم الكجي(7)، قال: خرجت يوماً، فإذا بحمَّام(8) قد فتح سَحَراً، فقلت للحمامي: أدخل أحد الحمام؟ فقال: لا، فدخلت، فساعة فَتَحْتُ الباب(9) قال قائل: أبو مسلم، أسلم تسلم، ثم أنشأ(10) يقول:
لك الحمد إما على نعمة
وإما على نقمة تدفع
تشاء فتفعل ما شئته
وتسمع من حيث لا يسمع
__________
(1) في التبصير "مما".
(2) في (أ) و(ب) و(ج) "مما أثبتت" والتصويب من التبصير.
(3) في (ج) "ولا نكفر".
(4) التبصرة في معالم الدين للطبري (132-138، فقرة رقم15)، مع تقديم وتأخير وتصرف في العبارة. طبع الكتاب بتحقيق علي بن عبد العزيز الشبل، طبعته دار العاصمة. وأورده الذهبي في العلو (ص150-151)، وكذلك في الأربعين في صفات رب العالمين (ص91-92)، وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص195) وعزاه إلى القاضي أبي يعلى في إبطال التأويلات.
(5) انظر كتاب إبطال التأويلات (1/48-49).
(6) عبد الله بن إبراهيم بن أيوب بن ماسي، أبو محمد البزار، قال عنه الخطيب: (وكان ثقة ثبتاً) ولد سنة (369هـ) وله نيف وتسعين سنة. تاريخ بغداد (9/408)، السير (16/252).
(7) أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله بن مسلم الكجي البصري، ولد حوالي سنة (200هـ)، وروى عن الأصمعي وغيره، ويوصف بأنه صاحب السنة، وقد امتدحه البحتري بقصيدته، توفي ببغداد سنة (292هـ). تاريخ بغداد (6/120-124)، شذرات الذهب (2/210).
(8) في (ب) و(ج) "الحمام".
(9) في (ب) "الأبواب".
(10) في (ب) "أنشد".
(4/51)
قال: فبادرت فخرجت وأنا جزع، فقلت للحمامي: أليس زعمت أنه ليس بالحمام أحد؟. فقال لي: هل سمعت شيئا؟، فأخبرته بما (ق66/أ) كان، فقال لي: ذلك جني يترايا لنا في كل حين ينشدنا الشعر. قال: فقلت هل عندك من شعره؟ قال: نعم، أنشد يقول:
أيها المذنب المفرِّط مهلاً
كم تمادى وتكسب الذنب جهلاً
كم وكم تسخط الجليل بفعل(1)
سمج وهو يحسن الصنع فضلاً
كيف تهدا جفون من ليس يدري
أرضي عنه من على العرش أم لا؟
رواه الخطيب في "التاريخ"، عن عبد الله [بن علي](2) بن محمد القرشي(3) عن ابن ماسي(4).
[أبو جعفر أحمد بن سلامة الطحاوي (321هـ)]
__________
(1) في (ب) "بقول".
(2) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب) و(ج)، وأثبته من تاريخ بغداد (6/122).
(3) عبد الله بن علي بن محمد بن عبد الله بن بشران، أبو محمد الشاهد، ولد سنة (355هـ)، قال الخطيب: "كتبت عنه وكان سماعه صحيحاً" توفي سنة (429هـ). تاريخ بغداد (10/14).
(4) أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (6/122)، وأورده الذهبي في العلو (ص148-149)،
وقال الألباني في مختصر العلو (ص222): "إسناد هذه القصة إلي الكجي صحيح، رجاله ثقات".
وأوردها ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص326-327).
(4/52)
244- قال أبو جعفر أحمد بن سلامة الطحاوي(1) رحمه الله في العقيدة التي له: "ذكر بيان السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة(2)، وأبي يوسف(3)، ومحمد بن الحسن(4)، رضي الله عنهم(5) نقول في توحيد الله معتقدين، أن الله واحد لا شريك له، ولا شيء مثله، مازال بصفاته قديماً قبل خلقه، وأن القرآن كلام الله، منه بدأ بلا كيفية قولاً، وأنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم وحياً، وصدقت المؤمنون على ذلك حقاً، وأيقنوا أنه كلام الله بالحقيقة ليس بمخلوق ومن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، والرؤية حق لأهل الجنة بغير إحاطة ولا كيفية، وكل ما في ذلك من الصحيح عن رسول الله (66/ب) صلى الله عليه وسلم فهو كما قال، ومعناه على ما أراد، لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا، ولا يثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام، فمن رام ما حظر عنه علمه، ولم يقنع بالتسليم فهمه، حجبه مرامه عن خالص التوحيد وصحيح الإيمان، ومن لم يتوق النفي والتشبيه زل ولم يصب التنزيه". إلى أن قال: "والعرش والكرسي حق كما بين في كتابه، وهو مستغن عن العرش وما دونه، محيط بكل شيء وفوقه". وذكر سائر الاعتقاد(6).
__________
(1) أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك الأزدي الطحاوي الحجري، ولد سنة (239هـ)، وكان رحمه الله عالماً بالفقه والحديث، توفي سنة (321هـ). البداية (11/174)، السير (15/27).
(2) تقدمت ترجمته.
(3) تقدمت ترجمته في الفقرة (168).
(4) تقدمت ترجمته.
(5) في (ب) "رحمهم الله تعالى".
(6) انظر بيان أهل السنة والجماعة ( وتعرف باسم عقيدة الطحاوي )، (ص2-6).
وقد شرحت هذه العقيدة عدة شروح أفضلها شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي.
وقد أوردها الذهبي في العلو (ص157-158). وأوردها ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص247-248).
(4/53)
وذكر الطحاوي، أبو إسحاق(1) في طبقات الفقهاء فقال: "إليه انتهت رئاسة أصحاب أبي حنيفة بمصر، أخذ العلم عن أبي جعفر بن أبي عمران(2)، وعن أبي خازم(3) وغيرهما(4) وكان شافعياً يقرأ على المزني(5)، فقال له يوما والله لا جاء منك شيء، فغضب وانتقل إلى [ابن](6) أبي عمران فلما صنف مختصره قال: "[رحم](7) الله المزني لو
كان حياً لكفر عن يمينه".
وصنف اختلاف العلماء. مات سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، و [له] (8)ثمانون سنة(9).
[أبو بكر بن أبي داود السجستاني (316هـ)]
245- وقال الحافظ ابن الحافظ(10) أبو بكر بن أبي داود سليمان (ق67/أ) بن الأشعث السجستاني رحمه الله(11) شعراً:
تمسك بحبل الله واتبع الهدى
ولا تك بدعيا لعلك تفلح
ودن بكتاب الله والسنن التيي
أتت عن رسول الله تنجو تربح
وقل غير مخلوق كلام مليكنا
بذلك دان الأتقياء وأفصحوا
ولا تك في القرآن بالوقف قائلاً
كما قال(12) أتباع لجهم وأسمجوا
ولا تقل القرآن خلق [قراءة](13)
فإن كلام الله باللفظ يوضح
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) أحمد بن موسى بن عيسى، أبو جعفر الفقيه المصري الضرير، قال عنه الخطيب: "كان ثقة"، توفي بمصر سنة(280هـ).تاريخ بغداد (5/141)، السير (13/334).
(3) عبد الحميد بن عبد العزيز السكوني البصري، أبو خازم الحنفي القاضي، الفقيه العلامة، وكان ثقة ديناً، ورعاً، كامل العقل مع الذكاء، بارعاً في المذهب، توفي سنة (292هـ). طبقات الفقهاء (141)، السير (13/539).
(4) في (ب) "وغيره".
(5) تقدمت ترجمته.
(6) ساقط من (أ) و(ب) و(ج)
(7) في (ب) "رحمه".
(8) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب) و(ج)
(9) انظر طبقات الفقهاء (ص142). والعلو للذهبي (ص157-158).
(10) "ابن الحافظ" ساقطة من (ب) و(ج).
(11) أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني، ابن أبي داود، الإمام الحافظ الكبير، صاحب سنة، توفي سنة (316هـ).
تاريخ بغداد (5/141)، السير (13/334).
(12) في (ب) "قا".
(13) جاء في (أ) "قرانه"
(4/54)
وقد أنكر الجهمي أيضا يمينه
وكلتا يديه بالفواضل تنفح
وقل ينزل الجبار في كل ليلة
بلا كيف جل الواحد المتمدح
إلى طبق الدنيا يمن بفضله
فتفرج أبواب السماء وتفتح
روى ذلك قوم لا يرد حديثهم
ألا خاب قوم كذبوهموقبحوا(1)
في أبيات أخر اختصرتها.
قال ابن أبي داود: "هذا قولي، وقول أبي، وقول شيوخنا، وقول من لقيناهم من أهل العلم، وقول العلماء ممن لم نرهم كما بلغنا عنهم، فمن قال غير ذلك فقد كذب".
روى هذا الاعتقاد والإجماع عنه غير واحد، منهم ابن بطة في "الإبانة"، والآجري(2)، وصنف كذلك شرحاً(3).
وأبو بكر هذا من كبار أئمة المحدثين، وهو مثل والده في الحفظ ومعرفة (ق67/ب) الحديث، وله كتاب "المصاحف"، وكتاب "شريعة المقاري"، أتى فيه بآثار وغرائب تدل على اتساع روايته وفضيلته رحمه الله، توفي سنة ست عشرة وثلاثمائة.
__________
(1) في (ج) "وأقبح" وهو خطأ.
(2) محمد بن الحسين بن عبد الله، أبو بكر الآجري، فقيه، شافعي، محدث، بغدادي، توفي سنة (306هـ) وله تصانيف كثيرة منها: أخلاق حملة القرآن، وأخلاق العلماء، وكتاب الشريعة، وغيرها. تاريخ بغداد (2/243)، السير (16/133).
(3) ذكرها الذهبي في العلو (ص153-154) وقال: "هذه القصيدة متواترة عن ناظمها، رواها الآجري وصنف فيها شرحاً، وأبو عبد الله بن بطة في الإبانة". وذكرها الذهبي في سير أعلام النبلاء (13/233-236). وذكرها ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (2/53). وابن شاهين في الكتاب اللطيف لشرح مذاهب أهل السنة (254-257)،. وشرحها السفاريني واسم كتابه (لوائح الأنوار السنية ولواقح الأفكار السنية شرح قصيدة ابن أبي داود الحائية في عقيدة أهل الأثر السلفية)، وقام بتحقيق هذا الكتاب الدكتور عبد الله بن محمد بن سليمان البيصري، -رسالة دكتوراة-، وطبعته مكتبة الرشد. وسيورد المصنف القصيدة بكاملها برقم (249).
(4/55)
[أقوال التابعين]
ومما حفظ عن التابعين رضي الله عنهم في أن الله على عرشه:
[كعب الأحبار]
121- ما رواه يونس(1) عن الزهري(2) عن ابن المسيب(3) عن كعب الأحبار(4) قال: "قال الله في التوراة: أنا الله فوق عبادي، وعرشي فوق خلقي، وأنا على عرشي، أدبر أمر عبادي، (ق42/أ) ولا يخفى عليَّ شيء في السماء، ولا في الأرض"(5)
__________
(1) يونس بن يزيد بن أبي النجاد الأيلي، ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهمًا قليلاً، وفي غير الزهري خطأ، من كبار السابعة، مات سنة (159هـ) على الصحيح، أخرج له الجماعة. انظر تهذيب التهذيب (11/450).
(2) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري، الفقيه الحافظ المدني، متفق على جلالته وإتقانه، مات سنة (125هـ). انظر تهذيب التهذيب(9/445).
(3) سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب القرشي، المخزومي، أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار، من كبار الثانية، اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل، وقال ابن المديني: "لا أعلم في التابعين أوسع علمًا منه"، مات بعد التسعين وقد ناهز الثمانين، أخرج له الجماعة. التقريب (ص388)، تهذيب التهذيب (4/84).
(4) كعب بن مانع الحِميري، أبو إسحاق، أسلم في خلافة الصديق رضي الله عنه، ومات في خلافة عثمان رضي الله عنه، وقد جاوز المائة. انظر الكاشف (3/9)، التقريب (ص812).
(5) أخرجه أبو الشيخ في العظمة (2/625-626، ح244). وابن بطة في الإبانة -الرد على الجهمية-، (3/185-186، برقم137). وأبو نعيم في الحلية (6/7). وأورده القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات (ق149/ب) وعزاه لابن بطة في الإبانة. وأورده الجيلاني في الغنية لطالبي طريق الحق (1/57). وأورده الذهبي في العلو (ص92)، وقال: "رواته ثقات"، وفي الأربعين (ص45). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص129، و260)، وقال قبله: "وروى أبو نعيم بإسناد صحيح عن كعب" وذكره. وأورده ابن القيم كذلك في مختصر الصواعق (2/373) وعزاه لأبي الشيخ وابن بطة وغيرهما بإسناد صحيح. وصححه الألباني في مختصر العلو (ص128).
(5/1)
.
رواه أبو الشيخ الأصبهاني، وابن بطة العكبري، وغيرهما، بإسناد صحيح من حديث أبي صفوان الأموي(1) أحد رجال مسلم، واسمه عبد الله بن سعد بن عبد الملك بن مروان، عن يونس بن زيد، فذكره.
[الحسن البصري 110هـ)]
122- عن الحسن البصري(2) قال سمع يونس عليه السلام تسبيح الحصا والحيتان، فجعل يسبح، وكان يقول في دعائه: سيدي(3) في السماء مسكنك، وفي الأرض قدرتك" وذكر الحديث.
رواه ابن قدامة في "صفة العلو"(4) بإسناد صحيح.
123- وعنه قال: ليس شيء عند ربك أقرب إليه من إسرافيل، وبينه وبينه سبع حجب، كل حجاب خمسمائة عام، وهو دون هؤلاء الحجب، ورجلاه في تخوم الثرى، ورأسه من تحت العرش"(5).
__________
(1) عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي، الدمشقي، أبو صفوان، نزيل مكة، ثقة ، من التاسعة، مات على رأس المائين، وروى له البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة والنسائي. تهذيب التهذيب (5/238)، والتقريب (ص511).
(2) تقدمت ترجمته.
(3) في (ب) ( سيد ).
(4) أخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص96، برقم59). وأورده الذهبي في العلو (ص55-56) وقال قبله: "حديث أبي حذيفة البخاري" وذكره، ثم قال بعده: (أبو حذيفة كذاب). وأورده الذهبي في الأربعين في صفات رب العالمين (ص57-58، برقم35)، وقال: "إسناده صحيح".
(5) أخرجه أبو الشيخ في كتاب العظمة (2/686-687، برقم278) عن أبي بكر الهذلي مطولاً. وأخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص111-112، برقم85) عن أبي بكر الهذلي عن الحسن. وأورده الذهبي في العلو (ص93) وقال قبله: "روينا بإسناد حسن عن أبي بكر الهذلي عن الحسن البصري" ثم ذكره، وقال بعده: "أبو بكر واه". وأورده السيوطي في اللآلي المصنوعة (1/18).
(5/2)
رويناه بإسناد صحيح عن أبي بكر الهذلي(1) عن الحسن.
[كعب الأحبار]
124- وعن كعب الأحبار أنه [أتاه](2) رجل وهو في نفر فقال كعب: دعوا الرجل، فإنه إن كان جاهلا تعلم، وإن كان عالمًا ازداد علماً، ثم قال كعب: أخبرك أن الله خلق سبع سموات، ومن الأرض مثلهن، ثم جعل ما بين كل سماءين(3) كما بين السماء والأرض، وجعل كثفها مثل ذلك، ثم رفع العرش فاستوى عليه".
رواه أبو الشيخ في كتاب "العظمة" بإسناد صحيح(4).
[مسروق بن الأجدع الهمداني 62هـ)]
__________
(1) أبو بكر الهذلي اسمه سُلْمى وقيل روح بن عبد الله بن بنت حميد الحميري، ضعفه أبو زرعة وابن المديني والجوزجاني وابن عمار، وقال الدارقطني: "متروك". تهذيب التهذيب (12/45)، التقريب (ص1120).
(2) في (أ) و(ب) "أتا" وما أثبته من (ج).
(3) في (ب) "سماء بين".
(4) أخرجه أبو الشيخ في كتاب العظمة (2/610-611، ح234). والدارمي في الرد على الجهمية (ص276-277 -ضمن عقائد السلف). وابن جرير الطبري في تفسيره (25/7). وأورده الذهبي في العلو (ص92) وقال: "وذكر -أي كعب- كلمة منكرة لا تسوغ لنا، والإسناد نظيف، وأبو صالح لينوه وما هو بمتهم، بل سيئ الإتقان" ا.هـ. ولعل مقصوده (بكلمة منكرة) ما قاله كعب (من ثقل الجبار تبارك وتعالى فوقهن). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص129، وص259-260).
(5/3)
125- وثبت عن مسروق(1) (ق42/ب) أنه كان إذا حدث عن عائشة(2) رضي الله عنها قال: حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله، المبرأة من فوق سبع سموات"(3).
126- وقد قال لها ابن عباس رضي الله عنهم، وقد دخل عليها يعودها. في حديث طويل: وكان من أمر مسطح(4) ما كان فأنزل الله براءتك من فوق سبع سموات"(5).
[سالم بن أبي الجعد الأشجعي 97هـ تقريباً)]
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) عائشة بنت أبي بكر الصديق، أم المؤمنين، الحميراء، أفقه النساء مطلقًا، وأفضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلا خديجة ففيها خلاف شهير ماتت سنة (57هـ) على الصحيح. الإصابة (4/348).
(3) وأخرجه ابن سعد في الطبقات (8/66). والآجري في الشريعة (5/2404، برقم1886). وأبو نعيم في الحلية (2/44) من طريقين أحدهما صحيح. وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص110، برقم83). وأورده الذهبي في العلو (ص92) وقال: "إسناده صحيح"، وفي السير (2/181) عن ابن قدامة. وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص127، وص259)، وأورده أيضا كما في مختصر الصواعق (2/210).
(4) مِسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي المطلبي، اسمه عوف، وأما مسطح فهو لقبه، كان رضي الله عنه ممن خاض في الإفك فجلده النبي صلى الله عليه وسلم، مات سنة (34هـ) ويقال عاش إلى خلافة علي. الإصابة (رقم7937).
(5) وأخرجه ابن سعد في الطبقات (8/75). وأحمد في المسند (1/276، 349)، وفي فضائل الصحابة (1639). والبخاري مختصرا (8/482-483). والدارمي في الرد على الجهمية (ص275-276 -ضمن عقائد السلف)، وكذلك في الرد على المريسي (ص105). والحاكم في المستدرك (4/8) وصححه ووافقه الذهبي. وأبو نعيم في الحلية (2/45). وابن قدامة في إثبات صفة العلو (107-108، برقم80). وأورده الذهبي في العلو (ص 96) وعزاه للدارمي في الرد على بشر المريسي. وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص123-124).
(5/4)
127- وعن سالم بن أبي الجعد(1) {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصَاَدِ{(2) قال: ومن وراء(3) الصراط ثلاثة جسور، جسر عليه الأمانة، وجسر عليه الرحم، وجسر عليه الرب عز وجل"(4).
رواه أبو أحمد العسال بإسناد صحيح من رواية الأعمش(5)، عن سالم بن أبي(6) الجعد.
وصح عن إبراهيم بن الحكم(7)، عن أبيه(8)، وكلاهما ضعيف.
[عكرمة بن عبد الله مولى ابن عباس 106هـ)]
__________
(1) سالم بن أبي الجعد رافع الأشجعي مولاهم، الكوفي الغطفاني، ثقة كان يرسل كثيرًا، من الثالثة، مات سنة (97، أو98هـ) وقيل مائة أو بعد ذلك ولم يثبت أنه جاوز المائة، وهو من رجال الجماعة. تهذيب التهذيب (3/432)، التقريب (ص359).
(2) الآية 14 من سورة الفجر.
(3) جاء في (ب) (ج) "قال ومن وراي قال ومن وراء".
(4) ذكره البيهقي مرسلاً وموقوفًا.
فقد أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/344-345، برقم914) عن عبد الله، وقال البيهقي: "هذا موقوف على عبد الله، قيل هو ابن مسعود رضي الله عنه، ومرسل بينه وبين سالم بن أبي الجعد، ورواه أبو زفرة عن سالم بن أبي الجعد من قوله غير مرفوع إلى عبد الله" اهـ. وأخرجه موقوفا الحاكم في المستدرك (2/523) وقال: (صحيح الإسناد) ووافقه الذهبي. وأورده الذهبي في العلو (ص96)، وقال: "رواه العسال بإسناد صحيح". وقال الألباني في مختصر العلو (ص131): "قلت: فهو ضعيف عن ابن مسعود وصحيح عن سالم، والعهدة فيه على المصنف".
(5) تقدمت ترجمته.
(6) أبي ) ساقطة من (ب) و(ج).
(7) إبراهيم بن الحكم بن أبان العدني، ضعيف وصل مراسيل، من التاسعة، أخرج له ابن ماجة في التفسير. التقريب (ص106).
(8) الحكم بن أبان العدني، أبو عيسى، صدوق عابد وله أوهام، من السادسة، مات سنة (154هـ)، أخرج له البخاري في جزء القراءة والأربعة. التقريب (ص261).
(5/5)
128- وعن عكرمة(1) قال: بينما رجل في الجنة، فقال في نفسه: لو أن الله يأذن لي لزرعت، فلا يعلم إلا والملائكة على أبوابه، فيقولون: سلام عليك، يقول لك ربك تمنيت في نفسك شيئًا فقد عَلِمْتُه، وقد بعث معنا البذر(2)؛ فيقول: ابذروا، فيخرج أمثال الجبال، فيقول له الرب من فوق عرشه: كل ابن آدم فإن ابن آدم لا يشبع"(3).
[مجاهد بن جبر المكي 104هـ)]
129- وعن مجاهد (4) في قوله تعالى: {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}(5) قال: يجلسه معه على العرش"(6).
رواه إسحاق بن راهويه(7)، [وابن نمير](8)
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) البذر ) ساقطة من (ج).
(3) أخرجه أبو نعيم في الحلية (3/334). وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص110-111، رقم84). وأورده الذهبي في العلو(ص96) وقال: "إسناده ليس بذاك". وفيه إبراهيم بن الحكم بن أبان وهو ضعيف، وأبوه صدوق له أوهام.
(4) تقدمت ترجمته.
(5) الآية 79 من سورة الإسراء.
(6) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (11/436، ح11698). وابن جرير الطبري في تفسيره (15/145). وأبو بكر الخلال في السنة (ص213، ح241، 242، 243، 244). والآجري في الشريعة (4/1614-1615، برقم1101، 1102، 1103، 1104، 1105). وأورده الذهبي في العلو (ص94، وص125). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص194)، وعزاه للطبري. وقال الذهبي في العلو (ص94): "ولهذا القول طرق خمسة، وأخرجه ابن جرير في تفسيره، وعمل فيه المروزي مصنفًا"، وقال في (ص99): "وهذا مشهور من قول مجاهد".
(7) تقدمت ترجمته.
(8) في (أ) و(ب) و(ج) ( ابن تميم ) وهو خطأ، والصواب ما أثبته.
وهو محمد بن عبد الله بن نمير الهمداني الكوفي، أبو عبد الرحمن، لقبه درة العراق، ثقة حافظ فاضل، من العاشرة، توفي سنة (234هـ)، من رجال الجماعة. التقريب (ص866).
(5/6)
، عن ابن فضيل(1)، عن ليث(2) عنه.
وسيأتي [قول الأئمة](3) فيه في آخر هذا الجزء إن شاء الله تعالى(4).
وعنه(5) في قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِم خَلْفٌ}(6). قال: هم في هذه الأمة يتراكبون كما تراكب(7) الحمر والأنعام في الطرق، (ق43/أ) ولا يستحيون الناس في الأرض، ولا يخافون الله في السماء"(8).
أخرجه الهيثم بن خلف الدوري(9) في أول كتاب "ذم اللواط".
[سعيد بن جبير 95هـ)]
131- وعن سعيد بن جبير(10) قال: قحط الناس في زمن ملك من ملوك بني إسرائيل سنين، فقال الملك: ليرسلن علينا السماء أو لنؤذينه. فقال جلساؤه: وكيف تقدر وهو في السماء؟ فقال: أقتل أولياءه، فأرسل الله عليهم السماء"(11).
[قتادة بن دعامة السدوسي 113هـ تقريبًا)]
__________
(1) محمد بن فضيل بن غزوان الضبي مولاهم، أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق عارف، رمي بالتشيع، من التاسعة، مات سنة (195هـ) من رجال الجماعة. التقريب (ص889).
(2) ليث بن أبي سليم، تقدمت ترجمته.
(3) في (أ) "قول الآية"، وفي (ب) "قوله الآية" وما أثبته من (ج).
(4) انظر (188-إلى-198).
(5) أي عن مجاهد بن جبر المكي-رحمه الله.
(6) الآية 59 من سورة مريم.
(7) في (ج) "يتراكب".
(8) أخرجه الطبري في تفسيره (16/75). وانظر تفسير مجاهد (ص387). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص256) وعزاه لهيثم بن خلف الدوري في كتاب تحريم اللواط.
(9) الهيثم بن خلف بن محمد بن عبد الرحمن بن مجاهد، أبو محمد الدوري، الحافظ الثقة، توفي سنة (307هـ). تاريخ بغداد (14/63)، تذكرة الحفاظ (ص765).
(10) تقدمت ترجمته.
(11) أخرجه أبو نعيم (4/282). وأخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص97، برقم61). وأورده الذهبي في العلو (ص92) وقال قبله: "حديث نسيت إسناده". وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص257). وقال محقق العلو لابن قدامة: "إسناده ضعيف، لضعف محمد بن حميد، وهو الرازي، كما في التهذيب والتقريب لابن حجر" انظر التقريب (ص839).
(5/7)
132- وصح عن قتادة(1) قال: قالت بنو إسرائيل يا رب أنت في السماء ونحن في الأرض، فكيف لنا أن نعرف رضاك وغضبك؟ قال: إذا رضيت عليكم استعملت عليكم(2) خياركم، وإذا غضبت عليكم استعملت عليكم شراركم".
أخرجه عثمان(3) بن سعيد الدارمي من كتاب "النقض على المريسي" له(4).
[ثابت بن أسلم البناني 123هـ تقريبًا)]
133- وصح عن ثابت البناني(5) قال: كان داود عليه السلام يطيل الصلاة، ثم يركع، ثم يرفع رأسه إلى السماء، ثم يقول: إليك رفعت رأسي [يا عامر السماء](6)، نظر العبيد إلى أربابها يا ساكن السماء".
رواه اللالكائي بإسناد صحيح عن ثابت(7).
[مالك بن دينار البصري 127هـ)]
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) في (ج) ( عليه ) وهو خطأ.
(3) في (أ) "أخرجه عثمان عثمان"، وفي(ب) و(ج) "أخرجه عثمان عن عثمان"، ولعل الصواب ما أثبته.
(4) وأخرجه الدارمي في الرد على الجهمية (ص276). وأحمد في الزهد (ص337) وفيه: "قال موسى بن عمران". وأورده الذهبي في العلو (ص96) وقال: "هذا ثابت عن قتادة أحد الحفاظ الكبار"، وأورده في الأربعين في صفات رب العالمين (ص58، برقم36) وقال قبله: "وصح عن قتادة". وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص256).
(5) تقدمت ترجمته.
(6) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب) و(ج)، وأثبته لوروده في المصادر الأخرى.
(7) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/400، ح669). و أحمد في الزهد (ص111). و ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص95-96، برقم58). وأورده الذهبي في العلو (ص55، وص96) وقال في الموضع الأول: "إسناده صالح" وقال في الموضع الثاني:"حديث صح في السنة للالكائي". وأورده في الأربعين في صفات رب العالمين (ص58، برقم37). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص268) وعزاه للالكائي، وأحمد في الزهد.
(5/8)
134- وعن مالك بن دينار(1) أنه كان يقول: جُدُّوا، ويقرأ ويقول: [اسمعوا](2) إلى قول الصادق من فوق عرشه".
رواه أبو نعيم في "الحلية" بإسناد صحيح عنه(3).
135- وعنه أيضاً قال: قرأت في بعض الكتب أن الله يقول يا ابن آدم خيري ينزل عليك، وشرك (ق43/ب) يصعد إليَّ، وأتحبب إليك بالنعم، وتتبغض إلي بالمعاصي، ولا يزال ملك كريم قد عرج منك إليَّ(4) بعمل قبيح".
__________
(1) تقدمت ترجمته في الصفحة (72).
(2) في (أ) و(ب) "اسعوا" وما أثبته من (ج).
(3) أخرجه أبو نعيم في الحلية (2/358). وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص97، برقم 86). وأورده الذهبي في العلو (ص97) وعزاه للحلية، وقال: "إسناده صحيح"، وأورده في السير (3/363). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص268)، وقال: "رواه أبو نعيم في الحلية بإسناد صحيح عنه"، وأورده في (ص132-133)، وأورده أيضاً كما في مختصر الصواعق (2/211) وقال: "ذكره أبونعيم في الحلية بإسناد صحيح".
وقال الألباني في مختصر العلو (ص131، برقم109) معقبا على تصحيح الذهبي: "كذا قال، ووافقه ابن القيم، وفيه نظر، فإنه في الحلية (2/358) من طريقين عن سيار، ثنا جعفر، قال سمعت مالك بن دينار به قلت: وسيار الراوي عن جعفر -وهو ابن سليمان الضبعي- هو ابن حاتم العنزي أبو سلمة البصري، وهو كما قال الحافظ في التقريب: "صدوق له أوهام"، وقد أورده المصنف في الميزان وقال: "صالح الحديث، وثقه ابن حبان". إلى أن قال: "فمثله لايصح إسناده، بل لعل القول بتحسينه لا يخلو من تسامح، ولا بأس منه إن شاء الله في غير الأحاديث المرفوعة والله أعلم" ا.هـ.
(4) في (ب) و(ج) "إليَّ منك".
(5/9)
رواه ابن أبي الدنيا(1) في تصانيفه(2)، عن أبي علي المدائني(3)، حدثنا
إبراهيم بن الحسن(4)، عن أبي جعفر(5) شيخ من قريش، عن مالك.
[الضحاك بن مزاحم الهلالي بعد المائة)]
136- وعن الضحاك(6)، من رواية مقاتل بن حيان(7) عنه، في قوله: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} الآية(8). قال: هو على عرشه وعلمه معهم".
137- رواه أبو عمر بن عبد البر(9) وأبو عبد الله بن بطة بأسانيد جيدة(10).
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الشكر (43). وأبو نعيم في الحلية (2/378). والبيهقي في الشعب (2/1/140). وابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/194). وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص112-113، برقم87). وأورده الذهبي في العلو (ص97)، وعزاه لابن أبي الدنيا وقال: "إسناده مظلم"، وأورده في الأربعين (ص48-49، ح23). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص133، وص268) وقال: "وكان مالك بن دينار وغيره من السلف يذكرون هذا الأثر".
(3) في (ج) "المديني" وهو خطأ. وهو زكريا بن يحي بن أيوب، أبو علي المدائني المكفوف، توفي سنة (257هـ)، محله الصدق. تاريخ بغداد (8/457)، تاريخ الإسلام (19/143).
(4) لم أقف له على ترجمته.
(5) لم أقف له على ترجمته.
(6) الضحاك بن مزاحم الهلالي، أبو محمد، أو أبو القاسم، الخراساني، من أئمة المفسرين، صدوق كثير الإرسال، من الخامسة، مات بعد المائة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة. التقريب (ص459).
(7) مقاتل بن حيان النبطي، أبو بسطام البلخي الخزاز، مولى بكر بن وائل، صدوق فاضل، أخطأ الأزدي في زعمه أن وكيعاً كذبه، وإنما كذب مقاتل بن سليمان الأزدي، من السادسة، مات قبل الخمسين ومائة بأرض الهند، أخرج له مسلم، والأربعة. تهذيب التهذيب (10/277)، التقريب (968).
(8) الآية 7 من سورة المجادلة.
(9) انظر التمهيد (7/139).
(10) أخرجه ابن بطة في الإبانة -تتمة الرد على الجهمية-(3/152-153، برقم109).
(5/10)
وأخرجه أبو أحمد العسال ولفظه قال: هو فوق العرش وعلمه معهم أينما كانوا"(1).
[سليمان بن طرخان التيمي 143هـ)]
138- ورُوِّينا بإسناد صحيح عن صدقة(2) عن سليمان التيمي(3) قال سمعته يقول: لو سئلت أين الله؟ لقلت في السماء"(4).
__________
(1) ووصله كل من: أحمد في السنة (ص71). وعنه أبو داود في المسائل (ص263). وابن أبي حاتم كما في مجموع الفتاوى (5/495). وابن جرير في تفسيره (28/12-13). والآجري في الشريعة (3/1079، رقم655). واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/400، برقم670) عن مقاتل. وابن أبي يعلى في الطبقات (1/252). والبيهقي في الأسماء والصفات (2/341-342، رقم909). وأورده ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص113). وابن تيمية في شرح حديث النزول (ص126). وأورده الذهبي في العلو (ص98-99) وقال: "أخرجه أبو أحمد العسال، وأبو عبد الله بن بطة، وأبو عمر بن عبد البر بإسناد جيد، ومقاتل ثقة إمام" ا.هـ.
وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص131، وص257)، وأورده أيضاً كما في مختصر الصواعق (2/112) وقال: "وصح عن الضحاك".
(2) صدقة بن المنتصر أبو شعبة الشعباني، قال أبو زرعة: "لا بأس به". انظر الجرح والتعديل (2/1/434).
(3) سليمان بن طرخان التيمي أبو المعتمر البصري، ولم يكن من بني تيم وإنما نزل فيهم، ثقة عابد، من الرابعة، مات سنة (143هـ)، وهو ابن سبع وتسعين سنة، أخرج له الجماعة. تهذيب التهذيب (4/201)، التقريب (ص409).
(4) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/401، ح671).
والبخاري في خلق أفعال العباد (ص11). وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص114، برقم91). وأورده الذهبي في العلو (ص99). وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص269)، وعزاه للبخاري في خلق أفعال العباد. وانظر مختصر العلو للألباني (ص133، برقم114)
(5/11)
139- وعن شريح بن عبيد(1) أنه كان يقول: ارتفع إليك ثغاء(2) التسبيح، وصعد إليك وقار التقديس، سبحانك ذا(3) الجبروت، بيدك الملك، والملكوت، والمفاتيح، والمقادير"(4).
رواه أبو الشيخ بإسناد صحيح، من رواية صفوان بن عمرو(5)، عن شريح بن عبيد.
[عبيد بن عمير الليثي 68هـ)]
140- وعن عبيد بن عمير(6) قال: ينزل الرب عز وجل شطر الليل إلى السماء الدنيا فيقول: من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، حتى إذا كان الفجر صعد الرب عز وجل".
__________
(1) شريح بن عبيد بن شريح بن عبد بن عريب الحضرمي المقرائي، أبو الطيب وأبو الصواب، الحمصي، ثقة، من الثالثة، وكان يرسل كثيرا، مات بعد المائة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة. التقريب (ص434).
(2) الثغاء: صوت الغنم. النهاية (1/214).
(3) في (ب) و(ج) "ذو".
(4) أخرجه أبو الشيخ في كتاب العظمة (1/397، برقم107). وأورده الذهبي في العلو (ص93) وقال: "إسناده صحيح". وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية(ص269) وقال:"بإسناد صحيح".
(5) صفوان بن عمرو بن هرم السكسكي، ثقة، من الخامسة، مات سنة خمسين ومائة أو بعدها. التهذيب (4/428)، التقريب (ص454).
(6) عبيد بن عمير الليثي، قاص مكة، توفي سنة (68هـ)، مجمع على ثقته. انظر الكاشف (2/209)، تقريب التهذيب (ص651).
(5/12)
رواه حجاج(1)، عن ابن جريج(2)، عن عطاء(3)، عن عبيد بن عمير.
أخرجه عبد الله بن أحمد (ق44/أ) في كتاب "الرد على الجهمية"(4).
[وهب بن منبه اليماني 113هـ تقريبًا)]
__________
(1) حجاج بن محمد المصيصي الأعور، أبو محمد، ترمذي الأصل نزل بغداد ثم المصيصة، ثقة ثبت، لكنه اختلط في آخر عمره لما قدم بغداد قبل موته، من التاسعة، مات سنة (206هـ) ببغداد، من رجال الجماعة. التقريب (ص224).
(2) عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي مولاهم المكي، أبو الوليد، وأبو خالد الفقيه، ثقة فاضل، كان يدلس ويرسل، مات سنة (150هـ) أو بعدها وقد جاوز التسعين، من رجال الجماعة. التقريب (ص624).
(3) عطاء بن أبي رباح أسلم القرشي مولاهم المكي، ثقة فقيه فاضل، لكنه كثير الإرسال، من الثالثة، مات سنة (114هـ) على المشهور، وقيل إنه تغير بآخره ولم يكثر ذلك منه، من رجال الجماعة. التقريب (ص677-678).
(4) أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في السنة (1/272، ح507). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص259).وأورده الذهبي في العلو (ص93) وعزاه لعبد الله بن الإمام أحمد في كتاب الرد على الجهمية.
(5/13)
141- وعن وهب بن منبه(1) قال: وجدت في التوراة، كان الله ولم يكن شيء قبله، ولا يقال كيف كان، وأين كان، وحيث كان، لمن كيَّف الكيف، وأيَّن الأين، وحيَّث الحيث، فأول شيء خلق من الأشياء، أنه قال له كن [فيكون](2). الكرسي، ثم استوى على العرش على مقدار ما أراد، ثم قال تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}(3) والكيف مجهول، والجواب فيه بدعة، والسؤال فيه تكلف"(4). وذكر الحديث بطوله.
أخرجه أبو الشيخ فقال حدثنا عبد الله بن [سلم](5)
__________
(1) وهب بن منبه بن كامل بن شيخ اليماني الذماري، ثقة، من الثالثة، مات سنة بضع عشرة ومائة، أخرج له الجماعة، اشتهر برواية الإسرائيليات. تهذيب التهذيب (11/166)، التقريب (ص1045).
(2) في (أ) و(ب) "فكون"، وما أثبته من (ج).
(3) الآية 5 من سورة طه.
(4) أخرجه أبو الشيخ في كتاب العظمة (2/705-708، ح294). وأورده الذهبي في العلو (ص95) وقال: "هذا أحسبه من وضع غلام الخليل، وهو كلام ركيك، نعم لا يقال أين كان الله قبل أن يخلق شيئًا؟ أما قول الإنسان أين الله؟ فهو حق، قد سأل النبي صلى الله عليه وسلم الجارية أين الله؟ فقالت في السماء، فحكم بأنها مؤمنة" اهـ.
فهو موضوع لأن في إسناده أحمد بن محمد بن غالب الباهلي غلام خليل، كان ممن يفتعل الحديث. وأيضا محمد بن إبراهيم بن العلاء منكر الحديث.
(5) في (أ) و(ب) و(ج) "عبد الله بن سليم" وهو خطأ، والصواب ما أثبته.
وهو عبد الله بن محمد بن سلم الهَمَذاني -بالهاء والميم المفتوحتين والذال المنقوطة بعدها نون، وهي مدينة بالجبال، مشهورة على طريق الحاج والقوافل، أبو محمد، ثقة. انظر: الأنساب(13/424) وطبقات المحدثين (ص273)، وأخبار أصبهان (2/59).
(5/14)
، عن أحمد بن محمد بن غالب(1)، حدثنا محمد بن إبراهيم بن العلاء(2)، حدثنا إسماعيل ابن عبد الكريم الصنعاني(3)، حدثني عبد الصمد بن معقل(4)، عن وهب.
وهو خبر غريب عجيب، وفيه دليل إن صح أنه لا يجوز أن يُقال: أين كان الله قبل أن يخلق العرش والعما المذكور في حديث أبي رزين(5) حيث قال: يا(6) رسول الله صلى الله عليه وسلم أين كان ربنا؟ قال: "كان في عما ثم خلق العرش فارتفع عليه"(7).
فقبل خلق العماء لا يقال أين كان الله توفيقا بين هذا الأثر وبين حديث أبي رزين.
وأما أن يقال:(8) أين الله؟ فقد تقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله، وأجيب أنه في السماء عز وجل في عدة أحاديث(9).
[جرير بن عطية الخطفَى 110هـ)]
__________
(1) أحمد بن محمد بن غالب بن خالد بن مرداس، أبو عبد الله الزاهد، الباهلي، البصري، المعروف بغلام خليل، سكن بغداد وحدث بها، قال ابن أبي حاتم: "سئل أبي عنه فقال: روى أحاديث مناكير عن شيوخ مجهولين، ولم يكن محله عندي ممن يفتعل الحديث، كان رجلاً صالحًا".
وقال أبو داود: "أخشى أن يكون هذا -يعني غلام خليل- دجال بغداد". انظر الجرح والتعديل (2/73)، الكامل (1/198)، ميزان الاعتدال (1/141).
(2) محمد بن إبراهيم بن العلاء الشامي الدمشقي، منكر الحديث، من التاسعة، روى عنه ابن ماجة. تهذيب التهذيب (9/14)، تقريب التهذيب (ص820).
(3) إسماعيل بن عبد الكريم بن معقل بن منبه، أبو هشام الصنعاني، صدوق، من التاسعة، أخرج له أبو داود وابن ماجة في التفسير. التقريب (ص141).
(4) عبد الصمد بن معقل بن منبه اليماني ابن أخي وهب، صدوق معمر، من السابعة، مات سنة (183هـ)، أخرج له ابن ماجة في التفسير. التقريب (ص610).
(5) تقدمت ترجمته.
(6) " يا " ساقطة من (ب) و(ج).
(7) تقدم تخريجه في الفقرة (15).
(8) "أن يقال" ساقطة من (ب) و(ج).
(9) انظر ما تقدم برقم (13، 14، 16، 20، 21).
(5/15)
142- وعن جرير بن الخَطَفى(1) أنه لما قصد عبد الملك(2) ليمدحه قال: ما (ق44/ب) جاء بك يا جرير؟ فقال في أبيات أُخر:
[أتاكبِيَ الله الذي فوق عرشه
ونور إسلام عليك دليل](3)
هذه رواية صحيحة عن حميد(4) [و](5) عن جرير، وهي(6) في نسخة قديمة في كتاب "إصلاح المنطق"(7)
__________
(1) جرير بن عطية بن حذيفة الخطفى بن بدر الكلبي اليربوعي من تميم، أشعر أهل عصره، ولد باليمامة عام (28هـ) وتوفي بها عام (110هـ) له نقائض مع الفرزدق والأخطل مشهورة وكان يكنى بأبي حَزَرة. الشعر والشعراء (179)، وفيات الأعيان (1/102).
(2) عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي، تقدمت ترجمته في الصفحة (123).
(3) ما بين معكوفتين ساقط من (أ) و(ب) و(ج) والإكمال من العلو (ص98).
(4) حميد بن ثور بن حزن الهلالي العامري أبوالمثنى، شاعر مخضرم عاش زمنًا في الجاهلية وشهد حنين مع المشركين وأسلم ووفد على النبي صلى الله عليه وسلم، ومات في خلافة عثمان وقيل أدرك زمن عبد الملك بن مروان. الإصابة (رقم1834).
(5) ساقطة من (أ) و(ب) و(ج).
(6) وهي ) ساقطة من (ج).
(7) أورده الذهبي في العلو (ص98) وعزاه إلى كتاب إصلاح المنطق.
وأورده ابن القيم كما في مختصر الصواعق (2/211).
وقد بحثت عن البيت في كتاب إصلاح المنطق لأبي يوسف يعقوب بن السكيت ولم أقف عليه.
والذي وقفت عليه في تهذيب إصلاح المنطق (1/64) لأبي زكريا التبريزي: "أن البيت لحميد بن ثور يمدح عبد الله بن جعفر ويقال: إنه قال ذلك لعبد الملك بن مروان، وذلك أنه دخل عليه فقال له: ما أتى بك؟ فقال:
أَتَاكَ بِيَ اللهُ الذِي نَوَّر الهُدَى
ونورٌ وإِسلامٌ عليكَ دَليلُ"
انظر تهذيب إصلاح المنطق، لأبي زكريا التبريزي، بتحقيق د/ فوزي عبد العزيز مسعود، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة (1986م).
والبيت كذلك في ديوان حميد بن ثور الهلالي، بتحقيق عبد العزيز الميمني، القاهرة(1951م).
وشرح أبيات إصلاح المنطق، لابن السيرافي، بتحقيق: ياسين محمد السواس، الناشر: مركز جمعة الماجد، دبي (1412هـ، 1992م).
(5/16)
.
[أبو عيسى يحي بن رافع الثقفي]
143- وقال أبو الشيخ في كتاب "العظمة"، حدثنا الوليد ابن أبان(1)، حدثنا أبو حاتم(2)
__________
(1) الوليد بن أبان بن بونة، الحافظ المجوّد، العلامة، أبو العباس الأصبهاني، صاحب المسند الكبير و التفسير، توفي سنة (310هـ). السير (14/288)، شذرات الذهب (2/261).
(2) محمد بن إدريس بن المنذر بن داود الحنظلي الرازي، أحد الأئمة الحفاظ، قال الخطيب: كان أحد الأئمة الحفاظ الأثبات مشهور بالعلم، مذكور بالفضل، وثقه النسائي وغيره، مات بالري سنة (277هـ).
تاريخ بغداد (3/73)، تذكرة الحفاظ (2/567).
(5/17)
، حدثنا نعيم بن حماد(1)،[حدثنا](2) ابن المبارك(3)، حدثنا سفيان(4)، عن إسماعيل بن أبي خالد(5)، عن أبي عيسى(6)، رحمه الله(7) قال: [إن](8) ملكاً لما استوى الرب على كرسيه سجد، فلم يرفع رأسه ولا يرفعه(9) حتى تقوم الساعة، فيقول يوم القيامة: لم أعبدك حق عبادتك".
وهذا إسناد كلهم أئمة(10).
144- وأخرجه أبو(11) أحمد العسال، ولفظه لما علا الكرسيَ الربُ عز وجل".
__________
(1) نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي، أبو عبد الله المروزي، نزيل مصر، صدوق يخطىء كثيرًا، فقيه عارف بالفرائض، من العاشرة، مات سنة (228هـ) على الصحيح، أخرج له البخاري مقرونا، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة. التقريب (1006).
(2) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب) و(ج).
(3) عبد الله بن المبارك المروزي الحنظلي مولاهم، أبو عبد الرحمن، التميمي، الحافظ، شيخ الإسلام، المجاهد، صاحب التصانيف والرحلات، ولد سنة (118هـ) وتوفي سنة (181هـ). تذكرة الحفاظ (1/253)، التقريب (ص540).
(4) سفيان، هو سفيان بن سعيد الثوري.
(5) إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي مولاهم البجلي، ثقة من الرابعة، مات سنة (146هـ)، أخرج له الجماعة. التقريب (ص138).
(6) يحي بن رافع أبو عيسى الثقفي، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/143) وسكت عنه، وذكره ابن حبان في الثقات (5/526-527). وانظر المعرفة والتاريخ (3/235).
(7) "رحمه الله" ساقطة من (ج).
(8) في (أ) و(ب) و(ج) "إن كان" والتصويب من كتاب العظمة.
(9) "ولا يرفعه" ساقطة من (ب) و(ج).
(10) أخرجه أبو الشيخ في كتاب العظمة (2/639، ح254، وح516). وأخرجه ابن المبارك في الزهد (ص75، برقم224). وأورده الذهبي في العلو (ص95) وقال: "أبو عيسى هو يحيى بن رافع أدرك عثمان رضي الله عنه". وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص261) وعزاه لأبي الشيخ في العظمة، والعسال في المعرفة. وأورده السيوطي في الدر المنثور (3/96) وعزاه لعبد بن حميد.
(11) "أبو" ساقطة من (ج).
(5/18)
وأبو عيسى هو يحيى بن رافع من قدماء التابعين، سمع من(1) عثمان ابن عفان(2) رضي الله عنه.
[مجاهد بن جبر المكي]
145- وعن مجاهد(3) في قوله تعالى {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّا}(4) قال: بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب، فما زال يقرب موسى عليه السلام حتى كان بينه وبينه حجاب(5) [واحد](6)، فلما رأى مكانه وسمع(7) صريف [القلم](8) قال: رب أرني أنظر إليك".
أخرجه البيهقي من رواية شبل(9) عن ابن(10) أبي نجيح(11) (12).
[ربيعة بن أبي عبد الرحمن 136هـ)]
__________
(1) في (ب) "عن".
(2) ما بين المعكوفيتن ساقط من (ب)، وما أثبته من (ج)
(3) تقدمت ترجمته.
(4) الآية 52 من سورة مريم.
(5) عبارة "فما زال يقرب موسى عليه السلام حتى كان بينه وبينه حجاب" ساقطة من (ب) و(ج).
(6) ما بين المعكوفتين ساقطة من (أ) و(ب) و(ج)، والتصويب من المصادر الأخرى.
(7) في (أ) و(ب) "وسمع وسمع" تكررت مرتين.
(8) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب)، وما أثبته من (ج).
(9) شبل بن عباد المكي القارىء، ثقة رمي بالقدر، من الخامسة، قيل مات سنة (148هـ)وقيل بعد ذلك، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة في التفسير. التقريب (ص430).
(10) "ابن" ساقطة من (ج).
(11) عبد الله بن أبي نجيح يسار المكي، أبو يسار الثقفي مولاهم، ثقة رمي بالقدر، وربما دلس، من السادسة، مات سنة (131هـ) أو بعدها، من رجال الجماعة. التقريب (ص552).
(12) أخرجه ابن جرير في تفسيره (16/71). وأخرجه أبو الشيخ في العظمة (2/690، ح280).
وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/294، رقم855). وأورده الذهبي في العلو (ص97-98) وقال: "هذا ثابت عن مجاهد إمام التفسير، أخرجه البيهقي في كتاب الأسماء والصفات". وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص255-256). وأورده السيوطي في الدر المنثور (4/373)، وعزاه لابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة، والبيهقي في الأسماء والصفات. وصححه الألباني في مختصر العلو (ص132).
(5/19)
146- وثبت عن سفيان بن عيينة(1) قال: لما سئل ربيعة بن أبي(2) عبد الرحمن(3) كيف استوى؟ قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ وعلينا التصديق"(4).
[عباس القمى]
__________
(1) سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي، أبومحمد الكوفي، ثم المكي، ثقة، حافظ، فقيه، إمام، حجة، إلا أنه تغير حفظه بآخره، وكان ربما دلس لكن عن الثقات، من رؤوس الطبقة الثامنة، مات في رجب سنة (195هـ)، أخرج له الجماعة. السير (8/454)، التقريب (ص395).
(2) مابين المعكوفتين ساقط من (ب).
(3) ربيعة بن أبي عبد الرحمن التيمي، أبو عثمان، المدني، ثقة، فقيه، مشهور، مات سنة ست وثلاثين ومائة.سير أعلام النبلاء (6/90)، الكاشف(1/307)، تقريب التهذيب(ص322).
(4) أخرجه ابن بطة في الإبانة -تتمة كتاب الرد على الجهمية-(3/163-164، برقم121). واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/398، ح665). والبيهقي في الأسماء والصفات (2/306، رقم868). وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص114، برقم90). وأورده شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية. وانظر مجموع الفتاوى (5/40) وقال: "وروى الخلال بإسناد كلهم أئمة ثقات عن سفيان بن عيينة قال: سئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن..." ثم ذكره.
وأخرجه الذهبي في العلو(ص98)، وصححه الألباني، انظر مختصر العلو (ص132ح 111). وأورده في سير أعلام النبلاء (6/90) وعزاه للعجلي في تاريخه. وفي كتاب الأربعين في صفات رب العالمين (ص39، رقم9). وأورده السيوطي في الدر المنثور (3/91) وعزاه للالكائي.
(5/20)
147- (ق45/أ) وعن عباس القُمِّي(1) قال: بلغني أن داود عليه السلام كان يقول في دعائه: سبحانك اللهم أنت ربي، تعاليت فوق عرشك، وجعلت خشيتك على من في السموات(2) والأرض".
رواه ابن أبي شيبة في كتاب "العرش" له بإسناد صحيح(3).
[عمر بن عبد الرحمن بن محيصن السهمي 123هـ)]
__________
(1) هكذا في (أ) و(ب) و(ج) "القمي" وكذا في كتاب العرش لابن أبي شيبة، وفي اجتماع الجيوش الإسلامية. وجاء في المصنف لابن أبي شيبة وفي الدر المنثور للسيوطي "العمِّى" بالعين. قال يحي بن معين: "قد روى عوف عن شيخ بصري يقال له عباس العمِّى: وليس به بأس"، انظر التاريخ لابن معين (4602)، وثقات ابن شاهين (ص149).
(2) في (ج) "السماء".
(3) أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب العرش (برقم20). وفي المصنف، كتاب الدعاء، باب دعاء داود عليه السلام(10/277،برقم9430). وأخرجه الدارمي في مسنده (1/97). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص261-262) وقال: "قول عباس العمى وإن لم يكن من المشهورين بالتفسير، روى ابن أبي شيبة في كتاب العرش بإسناد صحيح عنه ..." وذكره. وأورده أيضاً في الصواعق كما في مختصر الصواعق (2/211). وأورده السيوطي في الدر المنثور (5/250)، وعزاه لابن أبي شيبة، وأحمد في الزهد.
(5/21)
148- وقرأ بن محيصن(1) {وَفِي السَّمَاءِ[رَازِقُكُمْ](2)وَمَا تُوعَدُون}(3)(4).
__________
(1) عمر بن عبد الرحمن بن محيصن السهمي، قارىء أهل مكة، ويقال اسمه محمد، مات سنة (123هـ)، مقبول من الخامسة، أخرج له مسلم والترمذي والنسائي. انظر الكاشف (2/317)، التفريب (ص723).
(2) في (أ) و(ب) "رزقكم" وما أثبته من (ج). وقال أحمد بن محمد البنا في كتاب إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر (2/492): "وعن ابن محيصن من المبهج من رواية البزي {وَفِي اَلسَّمَاءِ رَازِقُكُم} اسم فاعل، وعنه من رواية غير البزي من المفردة {أَرْزَاقُكُم} جمع رزق" اهـ. وقال الشوكاني في فتح القدير (5/85): "قرأ الجمهور {رِزْقُكُم} بالإفراد، وقرأ يعقوب، وابن محيصن، ومجاهد {أَرْزَاقُكُم} بالجمع" ا.هـ. ط: عالم الكتب، بتحقيق: شعبان محمد إسماعيل.
(3) الآية 22 من سورة الذاريات.
(4) وذكره الذهبي في العلو (ص98)، وفي الأربعين (ص50). وانظر كتاب إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر (2/492)، وكتاب القراءات الشاذة وتوجيهها من لغة العرب (ص84)، تأليف عبد الفتاح القاضي.
(5/22)
قلت: محمد بن عبد الرحمن بن محيصن في طبقة ابن كثير(1) بالمدينة، قرأ على مجاهد(2)، وسعيد بن جبر(3)، وله رواية حسنة نقلها سبط الخياط(4) في "المبهج"(5)، والهذلي(6) قبله في "الكامل".
قال ابن مجاهد(7): كان عالمًا بالأثر والعربية
قال ابن شبل(8): قرأت على ابن محيصن وابن كثير فقالا لي: رب احكم، فقلت [له](9): إن أهل العربية لا يعرفون ذلك، فقالا: مالنا وللعربية، هكذا سمعنا أئمتنا(10).
[أيوب بن أبي تميمة السختياني 131هـ)]
__________
(1) عبد الله بن كثير بن المطلب، أبو معبد مولى عمرو بن علقمة الكتاني، الداري، المكي، إمام المكيين في القراءة، ثقة، أحد الأئمة، مات سنة (120هـ)، أخرج له الجماعة، السير (5/318)، التقريب (ص537).
(2) تقدمت ترجمته.
(3) تقدمت ترجمته.
(4) عبد بن علي بن أحمد، أبو محمد سبط الإمام أبي منصور الخياط، الشيخ الإمام العلامة، مقرئ العراق، شيخ النحاة، ولد سنة (464هـ)، وتوفي سنة (541هـ). السير (20/120).
(5) "المبهج في القراءات السبع"، قال بشار عواد في مقدمة السير (1/21): "يوجد له نسخة في معهد إحياء المخطوطات برقم (75 قراءات وتجويد) وهو كتاب نفيس للغاية" ا.هـ
(6) يوسف بن علي بن حبادة بن محمد الهذلي البسكري، أبو القاسم المغربي، المقرئ صاحب الكامل في القراءات، توفي سنة (465هـ)، تاريخ الإسلام (30/503)، شذرات الذهب (3/324).
(7) أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد البغدادي الإمام المقرئ المحدث النحوي، مصنف كتاب "السبعة"، ولد سنة (245هـ)، وتوفي سنة (324هـ). تاريخ بغداد (5/144)، السير (15/272).
(8) هكذا في (أ) وفي(ب) "ابن سند" وفي (ج) "ابن سيد".
(9) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ).
(10) في (ب) و(ج) "مشايخنا".
(5/23)
149- أنبأنا أحمد بن أبي الخير(1)، عن محمد بن أبي(2) زيد(3)، أنا محمود(4) ابن الصيرفي(5)، [أخبرنا ابن فاذشاة(6)، أخبرنا أبو القاسم الطبراني(7)،حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي(8)](9)، أنبأنا سليمان بن حرب(10)،
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) "أبي" ساقطة في (ج)
(3) محمد بن أبي زيد بن حمد الكراني، أبو عبد الله الخباز الأصبهاني المسند، شيخ معمِّر، عالي الإسناد، ولد سنة (497هـ) وتوفي سنة (597هـ). تاريخ الإسلام (42/314-315)، شذرات الذهب (4/332).
(4) في (ج) "محمد" وهو خطأ.
(5) محمود بن إسماعيل بن محمد الأصبهاني، أبو منصور الصيرفي الأشقر، روى كتاب المعجم الكبير عن ابن فاذشاة ولد سنة (421هـ) وتوفي سنة (514هـ) قال عنه السِّلفي: (كان رجلاً صالحاً). السير (19/428)، شذرات الذهب (5/221).
(6) أحمد بن محمد بن الحسين بن فاذشاة، أبو الحسين الأصبهاني التاني، راوي معجم الطبراني الكبير وغيره من كتبه، كان يرمى بالاعتزال والتشيع، مات سنة (433هـ). السير (17/515)، شذرات الذهب (3/250).
(7) تقدمت ترجمته.
(8) العباس بن الفضل الأسفاطي، أبو الفضل البصري، قال الصفدي: (كان صدوقًا حسن الحديث) جاور بمكة، توفي سنة (283هـ). الوافي بالوفيات (16/658)، تهذيب ابن عساكر (7/255).
(9) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب) و(ج) والزيادة من العلو (ص98)، والسير (6/24).
(10) سليمان بن حرب الأزدي الواشحي البصري، قاضي مكة، ثقة إمام حافظ، من التاسعة، مات سنة(224هـ) وله ثمانون سنة، أخرج له الجماعة. التقريب (ص406).
(5/24)
سمعت حماد بن زيد(1)، سمعت أيوب السختياني(2)، وذكر المعتزلة وقال: إنما مدار القوم على أن يقولوا ليس في السماء شيء".
أخرجه الطبراني في كتاب "السنة"(3) له(4).
[فصل]
وهذه جملة من أقوال التابعين، وهو أول وقت سمعت مقالة من أنكر أن الله تعالى فوق العرش، هو الجعد بن درهم(5) وكذلك أنكر جميع الصفات لله تعالى، من السمع، والبصر، والكلام، واليد، والوجه، وغير ذلك فقتله خالد بن عبد الله القسري(6)، وقصته مشهورة(7)
__________
(1) حماد بن زيد بن درهم الأزدي الجهضمي، أبو إسماعيل البصري الأزرق، ثقة ثبت فقيه، من كبار الثامنة، مات سنة (179هـ)، أخرج له الجماعة. التقريب (ص268).
(2) أيوب بن أبي تميمة كيسان السختياني، أبو بكر البصري، ثقة ثبت حجة، من كبار الفقهاء العباد، من الخامسة، مات سنة (131هـ) وله خمس وستون، من رجال الجماعة. التقريب (ص158).
(3) في (ج) "الصفة".
(4) أخرجه الذهبي في العلو (ص98) وقال: "هذا إسناد كالشمس وضوحا، والاسطوانة ثبوتا عن سيد أهل البصرة وعالمهم".وكذلك أخرجه في السير (6/24).
(5) الجعد بن درهم، من الموالي، وهو أول من أنكر الصفات وأظهر مقالة التعطيل، وقد قتل بسبب ذلك على يد خالد القسري بأمر من هشام بن عبد الملك، وكان قتله قبل سنة (120هـ).
وقد كتبت بحثاً عن الجعد بن درهم وبدعه، وهو بعنوان "مقالة التعطيل والجعد بن درهم" نشرته مكتبة أضواء السلف بالرياض.
وانظر ترجمته في ميزان الاعتدال (1/185)، والكامل لابن الأثير (5/160).
(6) خالد بن عبد الله بن يزيد بن أسد بن كرز البجلي، القسري، الدمشقي، أمير العراقين لهشام بن عبد الملك، كان جواداً ممدحاً معظماً، عالي الرتبة من نبلاء الرجال. انظر سير أعلام النبلاء (5/425-432).
(7) انظر في قصة قتل الجعد الكتب التالية:
خلق أفعال العباد للبخاري (ص7)، التاريخ الكبير للبخاري (1/1/64 ت143، و1/2/158 ت542). والرد على الجهمية للدارمي (ص7)، والرد على بشر المريسي (ص118). السنة للخلال (5/87-88، برقم169). والرد على من يقول القرآن مخلوق للنجاد (ص54). الشريعة للآجري (3/1122، رقم694)، و(5/2560-2561، رقم2072) والإبانة لابن بطة (الكتاب الثالث الرد على الجهمية) (2/120 برقم386). وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (2/319 برقم512). والأسماء والصفات للبيهقي (1/617-618، رقم563)، والسنن الكبرى له (10/205). وتاريخ بغداد للخطيب (12/425). تاريخ دمشق لابن عساكر (5/487). واللباب لابن الأثير (3/392). ومنهاج السنة لابن تيمية (3/165-166). وتهذيب الكمال للمزي (8/118). الصواعق المرسلة لابن القيم (3/1071). والبداية والنهاية لابن كثير (10/21) وعزاه لابن أبي حاتم في السنة. شذرات الذهب لابن العماد (1/169).
(5/25)
.
وأخذ هذه المقالة عنه الجهم(1) بن صفوان(2) إمام الجهمية ومنتسبهم، فأظهرها، واحتج لها بالشبهات العقلية وأوَّل (ق45/ب) قول الله تعالى أنه استوى على العرش بمعنى استولى، وكان ذلك في آخر عصر التابعين، فأنكر مقالته أئمة ذلك العصر مثل الأوزاعي(3)، وأبي حنيفة(4)، ومالك(5)، والليث بن سعد(6)، والثوري(7)، وحماد بن زيد(8)، وحماد بن سلمة(9)، وابن المبارك(10)، ومن بعدهم من أئمة الهدى.
[عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (157هـ)]
__________
(1) في (ب) "الجمعه".
(2) الجهم بن صفوان، أبو محرز الراسبي مولاهم، السمرقندي، المتكلم الضال، رأس الجهمية، وأساس البدعة، وكان جهم ينكر صفات الرب عزوجل، ويقول بخلق القرآن، ويزعم أن الله ليس على العرش بل في كل مكان، وقيل كان يبطن الزندقة. قتله سلم بن أحوز عام (128هـ). انظر تاريخ الإسلام، حوادث ووفيات (121-140).
(3) تقدمت ترجمته في الفقرة (94).
(4) الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت التيمي مولاهم، الكوفي، فقيه العراق، وأحد أئمة الإسلام، والسادة الأعلام، وأحد الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتنوعة، أدرك عصر الصحابة ورأى أنس وغيره، وروى عن جماعة من التابعين.
قال الثوري وابن المبارك: "كان أبو حنيفة أفقه أهل الأرض في زمانه". ولد سنة ( 80 هـ )، وتوفي سنة ( 150 هـ ) على القول الصحيح. تاريخ بغداد 13/323، سير أعلام النبلاء 6/390.
(5) تقدمت ترجمته في الفقرة (13).
(6) تقدمت ترجمته في الفقرة (182).
(7) تقدمت ترجمته في الفقرة (64).
(8) تقدمت ترجمته في الفقرة (149).
(9) تقدمت ترجمته في الفقرة (70).
(10) تقدمت ترجمته في الفقرة (143).
(5/26)
150- فقال الأوزاعي(1) إمام أهل الشام على رأس الخمسين ومائة عند ظهور هذه المقالة، ما أخبرناه(2) عبد الواسع الأبهري(3) وغيره كتابة عن أبي الفتح المندائي(4)، أنا عبيد الله بن محمد بن الإمام أبي بكر البيهقي(5)، أخبرنا جدي(6)، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ(7)، أخبرني محمد ابن علي الجوهري(8) ببغداد، ثنا إبراهيم بن الهيثم(9)، ثنا محمد بن كثير المصيصي(10)، سمعت الأوزاعي يقول: "كنا والتابعون متوافرون، نقول: إن الله فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته".
__________
(1) تقدمت ترجمته في الفقرة (94).
(2) في ( ب ) و ( ج ) [أخبرنا].
(3) عبد الواسع بن عبد الكافي، أبو محمد الأبهري شمس الدين الشافعي، القاضي الأوحد، نزيل دمشق، ولد سنة (599هـ)وتوفي سنة (690هـ). معجم الشيوخ للذهبي (1/426)، شذرات الذهب (5/414).
(4) محمد بن أحمد بن بختيار بن علي بن محمد، أبو الفتح المندائي الواسطي، الإمام القاضي، مسند العراق، ولد سنة (517هـ) وتوفي سنة (605هـ). السير (21/438)، شذرات الذهب (5/17).
(5) عبيد الله بن محمد بن أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، أبو الحسن الخسروجردي، ولد سنة (449هـ)، وتوفي سنة (523هـ)، روى عن جده كتبا. السير (19/503)، الميزان (3/15).
(6) الإمام أبو بكر البيهقي، تقدمت ترجمته في الفقرة (5).
(7) أبو عبد الله الحاكم، صاحب المستدرك، تقدمت ترجمته في الفقرة (29).
(8) محمد بن أحمد بن علي بن مخلد البغدادي، أبو عبد الله الجوهري المحتسب، عرف بابن محرم، إمام مفتي، من تلاميذ ابن جرير الطبري، عمَّر طويلاً، قال الدارقطني: "لا بأس به"، مات سنة (357هـ). تاريخ بغداد (1/320)، تاريخ الإسلام (26/167).
(9) إبراهيم بن الهيثم بن المهلب، أبو إسحاق البلدي البغدادي، قال عنه الخطيب: "ثقة ثبت"، توفي سنة (277هـ). تاريخ بغداد (6/206)، السير (13/411).
(10) تقدمت ترجمته في الفقرة (94).
(5/27)
أخرجه البيهقي في "الصفات"(1)، ورواته أئمة ثقات.
[الإمام أبو حنيفة (150هـ)]
__________
(1) أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/304، رقم865). وأخرجه ابن بطة في الشرح والإبانة (ص229). وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية، انظر مجموع الفتوى (5/39)، وصحح إسناده.
وقال: "وإنما قال الأوزاعي هذا بعد ظهور جهم المنكر لكون الله فوق عرشه، والنافي لصفاته، ليعرف الناس أن مذهب السلف خلاف ذلك". وأخرجه الذهبي في السير (7/120-121، 8/402). وأورده في تذكرة الحفاظ (1/179-180)، وفي الأربعين (ص42، برقم13). وفي العلو (ص102)، وعزاه للبيهقي في الأسماء والصفات. وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص131، 135) وصحح إسناده. وأورده ابن حجر في فتح الباري (13/406).
(5/28)
151- وبه قال البيهقي أنا أبو بكر بن الحارث(1)، أخبرنا ابن حيان(2)، أنا أحمد بن جعفر بن نصر(3)، ثنا يحيى بن يعلى(4)، سمعت نعيم ابن حماد(5) يقول: سمعت نوح بن أبي مريم(6) يقول: "كنا عند أبي حنيفة رحمه الله أول ما ظهر، إذ جاءته امرأة من ترمذ كانت تجالس جهما(7)، فدخلت الكوفة، فأظنني أقل ما رأيت عليها عشرة آلاف من الناس، تدعو إلى رأيها، فقيل لها: إن ههنا رجلا(8) قد نظر في المعقول يقال له أبو حنيفة، فأتته وقالت: أنت الذي تعلم الناس المسائل / وقد تركت دينك، أين إلهك الذي تعبده؟ فسكت عنها، ثم مكث سبعة أيام لا يجيبها، ثم خرج إلينا وقد وضع كتابا أن الله في السماء دون الأرض، فقال له رجل: أرأيت قول الله تعالى {وَهُوَ مَعَكُم}(9) قال: هو كما تكتب إلى الرجل(10) إني معك وأنت غائب عنه"(11)
__________
(1) أبو بكر أحمد بن محمد بن الحارث الفقيه، هو التميمي الأصبهاني المقرئ، المحدث، الدين، الزاهد، كان عارفًا بالحديث كثير السماع، صحيح الأصول، سكن نيسابور، وروى عن الدارقطني كتاب السنن. انظر: العبر (3/170)، وشذرات الذهب (3/245).
(2) عبد الله بن محمد الأصبهاني، أبو الشيخ، تقدمت ترجمته في الفقرة (86).
(3) أحمد بن جعفر بن نصر الجمال الرازي، أبو العباس، كذا ذكره في اللباب في تهذيب الأنساب (1/291).
(4) لم أقف عل ترجمته.
(5) تقدمت ترجمته في الفقرة (143).
(6) نوح بن أبي مريم، أبو عصمة المروزي القرشي مولاهم، مشهور بكنيته ويعرف بالجامع، لجمعه العلوم، لكن كذبوه في الحديث، وقال ابن المبارك: (كان يضع)، من السابعة، مات سنة (173هـ)، أخرج له الترمذي وابن ماجة في التفسير، التقريب (ص1010).
(7) تقدمت ترجمته في الفقرة (149).
(8) في ( ب ) و ( ج ) [إن رجلاً ههنا].
(9) الآية 4 من سورة الحديد.
(10) في (ب) "هو كما يكتب الرجل".
(11) أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/383 ). وأورده الذهبي في العلو (ص101). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص137-138)، وإسناده ضعيف جدا لأن نوح بن أبي مريم كذاب وضاع.
(5/29)
.
قال البيهقي: لقد أصاب أبو حنيفة رحمه الله فيما نفى عن الرب من الكون في الأرض، وأصاب فيما ذكر من تأويل الآية، وتبع مطلق السمع بأن الله تعالى في السماء(1).
152- وروى أبو مطيع الحكم(2) بن عبد الله البلخي(3) في الفقه الأكبر فقال: "[سألت أبا حنيفة عمن يقول: لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض](4) فقال: [من لم يقر أن الله على العرش](5) قد كفر لأن الله تعالى يقول {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}(6) وعرشه فوق سبع سموات، فقلت: إنه يقول {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، ولكن لايدري العرش في السماء أم في الأرض. فقال: إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر"(7).
__________
(1) الأسماء والصفات للبيهقي (ص539-540).
(2) في (ب) "عبد الحكم" وهو خطأ.
(3) الحكم بن عبد الله بن مسلم، أبو مطيع البلخي الخراساني، الفقيه، صاحب أبي حنيفة، قال الذهبي: "كان بصيرا بالرأي علامة كبير الشأن ولكنه واه في ضبط الأثر". الميزان (1/574).
(4) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب)، والتصويب من المصادر الأخرى.
(5) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ)، وما أثبته من (ب).
(6) الآية 5 من سورة طه.
(7) الفقه الأبسط (ص49) رواية أبي مطيع البلخي. وشرح الفقه الأبسط لأبي الليث السمرقندي (ص17). ومجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (5/48) وقال: "وروى هذا اللفظ بإسناد عنه شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري الهروي في كتاب الفاروق". العلو للذهبي (101) وعزاه لصاحب الفاروق. وانظر اجتماع الجيوش الإسلامية لابن القيم (ص139)، ومختصر الصواعق (2/213). وشرح العقيدة الطحاوية (ص322-323). ولوائح الأنوار السنية للسفاريني (1/356). وروح المعاني للألوسي (7/115)، وجلاء العينين (ص356). وغاية الأماني في الرد على النبهاني (444-449).
(5/30)
153- وسمعت القاضي أبا محمد المعري(1) ببعلبك، يقول: سمعت الإمام أبا محمد بن قدامة المقدسي(2) سنة إحدى عشر وستمائة، يقول: بلغني عن أبي حنيفة أنه قال: "من أنكر أن الله في السماء فقد كفر"(3).
[عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (157هـ)]
154- وروى أبو إسحاق الثعلبي(4) قال: سئل الأوزاعي(5) عن قوله {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ}(6)؟ فقال: "هو على العرش كما وصف نفسه"(7).
[الإمام مالك بن أنس (179هـ)]
155- وروى عبد الله بن نافع(8) قال: قال مالك بن أنس: "الله في السماء وعلمه في كل مكان".
__________
(1) عبد الخالق بن عبد السلام بن سعيد بن علوان القاضي، تاج الدين أبو محمد، المعري ثم البعلبكي الشافعي الأديب، وكان خيرا صالحاً متواضعا، زاهداً، توفي سنة (696هـ)، معجم الشيوخ للذهبي (1/351)، شذرات الذهب (5/435).
(2) تقدمت ترجمته في الفقرة (37).
(3) أورده ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص116-117). وأورده الذهبي في العلو (ص101-102) وعزاه لابن قدامة. وأورده في الأربعين في صفات رب العالمين (ص59، برقم38). وأورده السفاريني في لوائح الأنوار السنية (1/357)، وعزاه للذهبي في كتاب العرش حيث قال: "قال الإمام الحافظ الذهبي في كتاب العرش ..." وذكره.
(4) أحمد بن محمد بن إبراهيم، أبو إسحاق النيسابوري الثعلبي، صاحب التفسير المشهور وعالم بالعربية، حافظ ثقة، مات سنة (427هـ). الأنساب (3/129)، السير (17/435).
(5) تقدمت ترجمته في الفقرة (94).
(6) الآية 54 من سورة الأعراف.
(7) أورده الثعلبي في تفسيره عند تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ} من سورة الأعراف. والكتاب مخطوط وله مصورات في قسم المخطوطات بالجامعة الإسلامية.
وأورده الذهبي في العلو (ص102).
(8) عبد الله بن نافع الصائغ المدني، روى عن مالك، ثقة صحيح الكتاب، في حفظه لين، مات سنة (206هـ). التقريب (ص552).
(5/31)
هذا حديث ثابت عن مالك رحمه الله، أخرجه عبد الله بنأحمد بن حنبل في كتاب "الرد على الجهمية"(1) عن أبيه، عن سريج بن النعمان(2)، عن عبد الله بن نافع تلميذ مالك وخصيصه.
__________
(1) أخرجه أبو داود في مسائل الإمام أحمد (ص263)، ط:دار المعرفة.
وأخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في السنة (1/106-107، برقم11، و1/280، برقم532). والآجري في الشريعة (3/1076-1077، برقم652-653). وابن بطة في الإبانة (-تتمة الرد على الجهمية-)، (3/153، ح110). وابن مندة في التوحيد (3/307، برقم893). واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/401). وابن عبد البر في التمهيد (7/138). والقاضي عياض في ترتيب المدارك (2/43). وأورده ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/53)، وفي درء تعارض العقل والنقل (6/262)، وقال: "كل هذه الأسانيد صحيحة". وأورده الذهبي في العلو (ص103)، وفي سير أعلام النبلاء (8/101)، وأورده في الأربعين في صفات رب العالمين (ص59، برقم39) و (ص63، برقم45). وأورده ابن القيم كما في مختصر الصواعق (2/213) وقال: "ذكره الطلمنكي وابن عبد البر وعبد الله بن أحمد وغيرهم". وصححه الألباني في مختصر العلو (ص140).
(2) سريج بن النعمان (بسين مهملة بعدها جيم) ابن مروان الجوهري، البغدادي، روى عنه أحمد بن حنبل، ثقة يهم قليلا، مات سنة (217هـ). التقريب (ص366)، الميزان (2/116).
(5/32)
156- (ق46/ب) وقال ابن وهب(1): "كنا عند مالك، فدخل رجل فقال: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}(2) كيف استوى؟ فأطرق مالك وأخذته الرحضاء(3)، ثم رفع رأسه وقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كما وصف نفسه، ولا يقال كيف؟ وكيف عنه مرفوع، وأنت [رجل سوء](4) صاحب بدعة، أخرجوه".
رواه البيهقي بإسناد صحيح عن ابن وهب(5)
__________
(1) عبد الله بن وهب بن مسلم المصري القرشي، ثقة حافظ عابد، مات سنة سبع وتسعين ومائة. ميزان الاعتدال (2/521)، التقريب (ص556).
(2) الآية 5 من سورة طه.
(3) الرحضاء: عرق يغسل الجلد لكثرته، النهاية (2/208).
(4) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب)، والتصويب من المصادر الأخرى.
(5) هذا الأثر رواه عن مالك غير واحد منهم:
1ـ عبد الله بن وهب
وهو الأثر المذكور هنا وقد أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/304-305، رقم866). وأورده الذهبي في العلو (ص103) وحكم بصحته. وكذلك في الأربعين في صفات رب العالمين (ص80، رقم7). ونقله عنه ابن عبد الهادي في إرشاد السالك (ص56). والحافظ ابن حجر في الفتح (13/406-407). وانظر مختصر العلو للألباني (ص141).
2ـ يحيى بن يحيى الليثي، وهي التي ذكرها المصنف بعد هذا الأثر
3ـ عبد الله بن نافع ونصها:
"قيل لمالك: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟ فقال مالك رحمه الله: استواؤه معقول، وكيفيته مجهولة، وسؤالك عن هذا بدعة، وأراك رجل سوء".
ذكره ابن عبد البر في التمهيد(7/138).
4ـ مهدي بن جعفر ونصها:
عن مالك بن أنس، أنه سأله عن قول الله عز وجل {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟ قال: فأطرق مالك، ثم قال: "استواؤه غير مجهول، والفعل منه غير معقول، والمسألة عن هذا بدعة"
ذكره ابن عبد البر في التمهيد (7/151).
5ـ أيوب بن صالح المخزومي
قال: "كنا عند مالك إذ جاءه عراقي فقال له: يا أبا عبد الله، مسألة أريد أن أسألك عنها؟ فطأطأ مالك رأسه، فقال يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟ قال: سألت عن غير مجهول، وتكلمت في غير معقول، إنك امرؤ سوء، أخرجوه، فأخذوا بضبعيه فأخرجوه"
ذكره ابن عبد البر في التمهيد (7/151).
6ـ سفيان بن عيينة
قال سأل رجل مالكًا فقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى يا أبا عبد الله؟ فسكت مالك مليًا حتى علاه الرحضاء، وما رأينا مالكاً وجد من شيء وجده من تلك المقالة، وجعل الناس ينظرون ما يأمر به، ثم سري عنه، فقال: "الاستواء منه معلوم، والكيف منه غير معقول، والسؤال عن هذا بدعة، والإيمان به واجب، وإني لأظنك ضالا، أخرجوه. فناداه الرجل: يا أبا عبد الله، والله الذي لا إله إلا هو لقد سألت عن هذه المسألة أهل البصرة، والكوفة، والعراق، فلم أجد أحدا وفق لما وفقت إليه"
ذكره القاضي عياض في ترتيب المدارك (2/39) ونقله عنه الذهبي في السير (8/106-107).
وابن عبد الهادي في إرشاد السالك (ص51-52). 7ـ عن جعفر بن ميمون
قال: "سئل مالك بن أنس عن قوله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟ قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا ضالاً وأمر به أن يخرج من مجلسه"
رواه الصابوني في عقيدة السلف (ص180-181). وذكره في العتبية كما في البيان والتحصيل، (11/367-368).
8 ـ جعفر بن عبد الله
قال: "جاء رجل إلى مالك بن أنس، يعني يسأله عن قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَ } قال: فما رأيته وجد من شيء كوجده من مقالته، علاه الرحضاء، وأطرق القوم، فجعلوا ينتظرون الأمر فيه، ثم سري عن مالك فقال: الكيف غير معلوم، والاستواء غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وإني لأخاف أن تكون ضالا، ثم أمر به فأخرج".
رواه الدارمي في الرد على الجهمية (ص55-56، برقم104). رواه ابن أبي زيد القيرواني في كتاب الحامع (ص123). واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/398، برقم664). رواه الصابوني في عقيدة السلف (ص17-19، برقم25-26). وأبو نعيم في الحلية (6/326). وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص172، برقم88).
9ـ سحنون
قال: "أخبرني بعض أصحاب مالك أنه كان قاعدا عند مالك، فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله مسألة، فسكت عنه، ثم قال له: مسألة، فسكت عنه، ثم عاد، فرفع إليه مالك رأسه كالمجيب له، فقال له السائل: يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف كان استواؤه؟ فقال: فطأطأ مالك رأسه ساعة ثم رفعه فقال: سألت عن غير مجهول، وتكلمت في غير معقول، ولا أراك إلا امرأ سوء، أخرجوه".
ذكره في البيان والتحصيل (16/367-368).
(5/33)
.
157- ورواه عن يحيى بن يحيى(1) أيضا، ولفظه فقال: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة"(2).
وقد تقدم نحوه عن أم سلمة(3)، ووهب بن منبه(4)، وربيعة الرأي(5).
فانظر إليهم كيف أثبتوا الاستواء لله، وأخبروا أنه معلوم لا يحتاج لفظه إلى تفسير، ونفوا الكيفية عنه، وأخبروا أنها مجهولة.
[سفيان الثوري (161هـ)]
158- وعن معدان(6)
__________
(1) يحيى بن يحيى بن كثير الليثي، صدوق فقيه، قليل الحديث، له أوهام، من رواة الموطأ، مات سنة (226هـ). التقريب (ص1069)، إتحاف السالك (ق65/ب).
(2) أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/305-306، رقم867).
وأورده الذهبي في العلو (ص104) وقال: "هذا ثابت عن مالك، وتقدم نحوه عن ربيعة شيخ مالك، وهو قول أهل السنة قاطبة أن كيفية الاستواء لا نعقلها، بل نجهلها، وأن الاستواء معلوم كما أخبر في كتابه، وأنه كما يليق به، لا نتعمق، ولا نتحذلق، ولا نخوض في لوازم ذلك نفيا ولا إثباتا، بل نسكت ونقف كما وقف السلف، ونعلم أنه لو كان له تأويل لبادر إلى بيانه الصحابة والتابعون، ولما وسعهم إقراره وإمراره والسكوت عنه، ونعلم يقينا مع ذلك أن الله جل جلاله لا مثل له في صفاته، ولا في استوائه، ولا في نزوله، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا" اهـ.
وقد تقدم تخريج الأثر في الذي قبله (برقم156).
(3) تقدمت برقم (117).
(4) تقدمت برقم (141).
(5) تقدمت برقم (146).
(6) ورد في السنة لعبد الله بن الإمام أحمد (1/307) قال عبد الله بن المبارك: (إن كان بخراسان أحد من الأبدال فمعدان) اهـ.
وقال الألباني في مختصر العلو (ص139): "ومعدان هذا لم أعرفه".
(5/34)
قال: "سألت سفيان الثوري (1) عن قوله {وَهُوَ مَعَكُم أَيْنَمَا كُنْتُم}(2) قال: علمه"(3).
ومعدان هذا قال فيه ابن المبارك: "هو أحد الأبدال"(4)
__________
(1) تقدمت ترجمته في الفقرة (64).
(2) الآية 4 من سورة الحديد.
(3) أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (ص8). وأخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في السنة (1/306-307، ح597). والآجري في الشريعة (3/1078، برقم654). وأخرجه ابن بطة في الإبانة -تتمة الرد على الجهمية-، (3/154-155، ح111). واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/401، ح672). والبيهقي في الأسماء والصفات (2/341، رقم908). وابن عبد البر في التمهيد (7/139) و(7/142). وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص115-116، برقم94)، و(ص113،برقم89). وأورده الذهبي في العلو (ص103)، وفي الأربعين (ص63-64، برقم46)، وفي سير أعلام النبلاء (7/274).
(4) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتوى (11/433-434): "أما الأسماء الدائرة على ألسنة كثير من النساك والعامة مثل "الغوث" الذي بمكة، و "الأوتاد الأربعة"، و"الأقطاب السبعة"، و"والأبدال الأربعين"، و"النجباء الثلاثمائة"، فهذه أسماء ليست موجودة في كتاب الله تعالى، ولاهي أيضا مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح ولا ضعيف يحمل عليه ألفاظ الأبدال. فقد روي فيهم حديث شامي منقطع الإسناد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن فيهم -يعني أهل الشام- الأبدال الأربعين رجلا كلما مات رجل أبدل الله تعالى مكانه رجلاً".
ولا توجد هذه الأسماء في كلام السلف، كما هي على هذا الترتيب، ولا هي مأثورة على هذا الترتيب والمعاني عن المشايخ المقبولين عند الأمة قبولا عاما، إنما توجد على هذه الصورة عن بعض المتوسطين من المشايخ، وقد قالها إما آثرا لها عن غيره أو ذاكرا" اهـ.
وقال أيضاً: "ولم ينطق السلف بشيء من هذه الألفاظ إلا بلفظ "الأبدال" وروى فيهم حديث "أنهم أربعون رجلاً، وأنهم بالشام". وهو في المسند من حديث علي رضي الله عنه، وهو حديث منقطع ليس بثابت". الفتاوى (11/167).
والحديث الذي ذكره ابن تيمية هنا أخرجه أحمد في المسند (2/171، ح896) بتحقيق أحمد شاكر، وقال: (إسناده ضعيف لانقطاعه،.شريح بن عبيد الحمصي لم يدرك عليا، بل لم يدرك إلا بعض متأخري الوفاة من الصحابة)، ثم ذكر بعض الروايات وضعفها.
وقال ابن الجوزي في الموضوعات (3/400) بعد أن أورد جملة من الأحاديث الواردة في الأبدال: "وليس في هذه الأحاديث شيء يصح".
(5/35)
.
وهذا الأثر ثابت عن معدان رواه غير واحد عنه.
[مقاتل بن حيان (قبل 150هـ)]
159- وعن مقاتل بن حيان(1) في قوله تعالى {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ}(2) قال:"هو على عرشه وعلمه معهم"(3).
وهذا ثابت عن مقاتل، (ق47/أ) رواه عبد الله بن أحمد، عن أبيه، عن نافع ابن ميمون(4)، عن بكير بن معروف(5)، عنه(6).
[حماد بن زيد الأزدي (179هـ)]
160- وقال ابن أبي حاتم (7)
__________
(1) تقدمت ترجمته في الفقرة (136).
(2) الآية 7 من سورة المجادلة.
(3) أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في السنة (1/304، برقم592). والطبري في تفسيره (28/12). والآجري في الشريعة (3/1078-1079، برقم655). وابن بطة في الإبانة (-تتمة الرد على الجهمية-) (3/152-153، برقم109). واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/400، برقم670). والبيهقي في الأسماء والصفات (2/341-342، رقم909). وابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/253). وابن قدامة في إثبات صفة العلو (118، برقم103). وأورده الذهبي في العلو (ص102)، وفي الأربعين (ص64، برقم47). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص131).
(4) هكذا في (أ) و(ب)، وفي السنة ( نوح ) بدل نافع.
ونوح هو بن ميمون بن عبد الحميد العجلي المضروب، ثقة ثقة، من كبار العاشرة، مات سنة (218هـ). التقريب (ص1011).
(5) بكير بن معروف الأسدي، أبو معاذ النيسابوري، صاحب التفسير، روى عن مقاتل وغيره، صدوق فيه لين، مات سنة (163هـ). التقريب (ص178).
(6) في هامش (أ) كتبت الأبيات التالية:
عن بعض أهل العلم والإيمان
[وكذاك قال الترمذي بجامعه
مع خلقه تفسير ذي إيمان
الله فوق العرش لكن علمه
كذا في النونية لابن القيم]. وانظر الأبيات في شرح النونية للهراس (1/234).
(7) عبد الرحمن بن إدريس (أبو حاتم) بن المنذر التميمي الحنظلي،أبو محمد الرازي، ولد سنة (240هـ)، إمام حافظ ناقد شيخ الإسلام، توفي سنة (327هـ).
تذكرة الخفاظ (3/829)، طبقات الحنابلة (9/55).
(5/36)
، حدثنا أبي(1)، حدثنا سليمان بن حرب (2)، سمعت حماد بن زيد (3) يقول: "إنما يريدون يدورون على أن يقولوا ليس في السماء إله"(4).
[عبد الله بن المبارك (181هـ)]
161- وثبت عن علي بن الحسن بن شقيق(5)، شيخ البخاري، قال: "قلت لعبد الله بن المبارك(6) كيف نعرف ربنا؟ قال: في السماء السابعة على عرشه".
__________
(1) تقدمت ترجمته في الفقرة (143).
(2) تقدمت ترجمته في الفقرة (149).
(3) تقدمت ترجمته في الفقرة (149).
(4) أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (ص119 -ضمن عقائد السلف). أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في السنة (1/117-118، ح41). وأخرجه الخلال في السنة (5/91، برقم1695، 1696)،و(5/127،برقم1781). وأخرجه ابن بطة في الإبانة (كتاب الرد على الجهمية ) (2/95، برقم329)، و(3/194، برقم148). وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص118،برقم102). وأورده ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/52) وقال: "روي بإسناد صحيح"، وكذلك (5/138، و183-184)، وكذلك في درء تعارض العقل والنقل (6/261-262)، وفي بيان تلبيس الجهمبة (2/42)، وفي المراكشية (ص64). وأورده الذهبي في تذكرة الحفاظ (1/229)، وكذلك في سير أعلام النبلاء (7/164)، وكذلك في العلو (ص106-107) وعزاه لابن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية. وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص136) وعزاه لابن خزيمة، وفي الصواعق المرسلة (4/1296، 1397).
وقال الألباني في مختصر العلو (ص147): "إسناده صحيح".
(5) علي بن الحسن بن شقيق بن دينار، أبو عبد الرحمن العبدي المروزي، إمام حافظ، ثقة، مات سنة خمس عشرة ومائتين. السير (10/349)، التقريب (692).
(6) تقدمت ترجمته في الفقرة (143).
(5/37)
وفي لفظ "على السماء السابعة على عرشه، ولا نقول كما تقول الجهمية إنه ها هنا في الأرض"(1) فقيل لأحمد بن حنبل، فقال: "هكذا هو
عندنا"(2).
هذا صحيح ثابت عن ابن المبارك، وأحمد رضي الله عنهما.
وقوله "في السماء" رواية أخرى توضح لك أن مقصوده بقوله "في السماء" أي: على السماء، كالرواية الأخرى الصحيحة التي كتب بها
__________
(1) أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (ص8). والدارمي في الرد على المريسي (ص103)، والرد على الجهمية (ص50). وعبد الله بن الإمام أحمد في السنة (1/111،ح22)، و(1/174-175، ح216). وابن بطة في الإبانة (3/155-156، ح112). وابن منده في التوحيد (3/308، برقم899). والصابوني في عقيدة السلف (ص20، برقم28). والبيهقي في الأسماء والصفات (2/336، رقم903). وابن عبد البر في التمهيد (7/142). وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص117-118 ،ح99،100). وابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (6/264)، وعزاه للبخاري في خلق أفعال العباد. وأورده كذلك في الفتوى الحموية (ص91) وقال: "وروى عبد الله بن الإمام أحمد وغيره بأسانيد صحيحة عن ابن المبارك" وذكره، وأورده في نقض تأسيس الجهمية (2/525). وأورده الذهبي في العلو (ص110)، وفي سير أعلام النبلاء (8/402)، وفي الأربعين في صفات رب العالمين (ص40، برقم10). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص134-135) وقال: "روى الدارمي، والحاكم والبيهقي، وغيرهم، بأصح إسناد إلى علي بن الحسين بن شقيق" وذكره، وفي (ص213-214) وقال: "وقد صح عنه صحة قريبة من التواتر"، وعزاه للبيهقي، والحاكم، والدارمي. وأورده أيضاً في الصواعق كما في مختصر الصواعق (2/212).
(2) روى ذلك عنه تلميذه أبو بكر بن الأثرم. ونقله ابن أبي يعلى في الطبقات عن الأثرم (1/267). والعلو لابن قدامة (ص117). انظر مجموع الفتوى (5/52)، ودرء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (2/34).
(5/38)
إلى يحيى بن منصور الفقيه(1).
162- أخبرنا الحافظ عبد القادر الرُّهاوي(2)، أنبأنا محمد بن أبي نصر بأصبهان(3)، أنبأنا الحسين بن عبد الملك الخلال(4)، أنبأنا عبد الله بن شعيب(5)، أنبأنا أبو عمر السلمي(6) أنبأنا أبو الحسين اللنباني(7)، حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب "الرد على الجهمية"، حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي(8)، حدثنا علي بن الحسين بن شقيق، سألت ابن المبارك: "(ق47/ب) كيف ينبغي لنا أن نعرف ربنا؟. قال: على السماء السابعة، على عرشه، ولا نقول كما تقول الجهمية إنه ها هنا في الأرض"(9).
163- وروى عبد الله بن أحمد أيضًا في الرد على الجهمية بإسناده، عن عبد الله بن المبارك أن رجلاً قال له: "يا أبا عبد الرحمن قد خفت الله
__________
(1) يحيى بن منصور بن الحسن السلمي، أبو سعد الهروي، وصفه الذهبي بالإمام الحافظ، الثقة، الزاهد، القدوة، محدث هراة، توفي سنة (292هـ). تاريخ بغداد (14/225)، السير (13/570).
(2) عبد القادر بن عبد الله الرُّهاوي، أبو محمد الحنبلي السفار، إمام حافظ، محدث، رحال، جوّال، محدث الجزيرة، ولد سنة (536هـ)، وتوفي سنة (612هـ). السير (22/71)، ذيل طبقات الحنابلة (2/82).
(3) تقدمت ترجمته في الفقرة (83).
(4) تقدمت ترجمته في الفقرة (83).
(5) تقدمت ترجمته في الفقرة (83).
(6) تقدمت ترجمته في الفقرة (83).
(7) تقدمت ترجمته في الفقرة (83).
(8) أحمد بن إبراهيم بن كثير بن زيد الدورقي النكري البغدادي، ثقة، حافظ، من العاشرة، مات سنة (246هـ)، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة. التقريب (ص85).
(9) أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة (1/111، ح22). وأورده الذهبي في العلو (ص110)، والسير (8/402-403). وقد تقدم تخريجه في الذي قبله.
(5/39)
من كثرة ما أدعو على الجهمية قال: لا تخف، فإنهم(1) يزعمون أن إلهك الذي في السماء ليس بشيء"(2).
[جرير بن عبد الحميد الضبي (188هـ)]
164- وقال جرير(3) بن عبد الحميد: "كلام الجهمية أوله عسل وآخره سم، وإنما يحاولون أن يقولوا ليس في السماء إله"(4).
__________
(1) في ( ب) و ( ج ) [إنهم].
(2) أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل في كتاب السنة (1/110، ح18). وأخرجه ابن بطة في الإبانة (الرد على الجهمية) (2/95، برقم328)، وفي -تتمة كتاب الرد على الجهمية- (3/195، برقم149). وابن تيمية في الفتاوى (5/184). وأورده الذهبي في العلو (ص11)، وفي سير أعلام النبلاء (8/403). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص135)، وعزاه لابن خزيمة.
وقال الألباني في مختصر العلو(ص152، ح152):"ورجاله ثقات إلا الرجل الذي لم يسم". والرجل الذي لم يسم هو يحيى بن إبراهيم، أبو سهل راهوية، كما في السنة لعبد الله ابن أحمد (1/110).
(3) في (ب) و(ج) ( الحريري ) وهو خطأ.
وهو جرير بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي، نزيل الري وقاضيها، ثقة، مات سنة ثمان وثمانين ومائة، وله إحدى وسبعون سنة، من رجال الجماعة. تاريخ بغداد (7/253)، التقريب (ص196).
(4) ذكره ابن تيمية في المراكشية (ص65-66)، ودرء تعارض العقل والنقل (6/ 265).
وأورده الذهبي في العلو (ص110)، وعزاه لابن أبي حاتم، وأورده في الأربعين في صفات رب العالمين (ص60، برقم41). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص220) وعزاه لابن أبي حاتم.
(5/40)
أخرجه عبد الرحمن بن أبي حاتم، في كتاب "الرد على الجهمية"، عن أبي هارون محمد بن خالد(1)،عن يحيى بن المغيرة(2)، سمعت جريراً يقول، فذكره.
[مقاتل بن حيان (150هـ)]
165- وروى (3) بكير بن معروف(4)، عن مقاتل بن حيان(5) قال: "بلغنا -والله أعلم- في قوله {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ}(6) هو الأول قبل كل شيء، والآخر بعد كل شيء، والظاهر فوق كل شيء، والباطن أقرب من كل شيء، وإنما يعني بالقرب بعلمه(7) وقدرته وهو فوق عرشه، وهو بكل شيء عليم".
رواه البيهقي بإسناده (ق48/أ) عنه(8).
[محمد بن إسحاق (150هـ)]
__________
(1) محمد بن خالد أبو هارون الخراز الرازي، قال عنه ابن أبي حاتم: "صدوق"، كان يختم القرآن في يوم وليلة. الجرح والتعديل (7/245).
(2) يحيى بن المغيرة السعدي الرازي، قال يحيى بن معين: "لم أر أحدًا آثر عند جرير منه، كان يقربه ويدنيه" وقال أبو حاتم: "رازي صدوق". الجرح والتعديل (9/191).
(3) في (ب) و (ج) "ورواه".
(4) تقدمت ترجمته في الفقرة (159).
(5) تقدمت ترجمته في الفقرة (136).
(6) الآية 3 من سورة الحديد.
(7) في ( ج ) "علمه".
(8) أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/342، رقم910). وأورده الذهبي في العلو (ص102-103) وعزاه للبيهقي وقال: "مقاتل هذا ثقة، إمام، معاصر للأوزاعي، وماهو بابن سليمان، ذاك مبتدع ليس بثقة". وأورده كذلك في الأربعين في صفات رب العالمين (ص64، برقم47). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (130). وأخرجه بنحوه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص118-119).
(5/41)
166- وقال محمد بن إسحاق(1): "بعث الله ملكًا من الملائكة -يعني إلى بختنصر(2) - فقال: هل تعلم يا عدو الله كم بين السماء إلى(3) الأرض؟ قال: لا، فقال له: إن بين الأرض إلى السماء الدنيا مسيرة خمسمائة سنة(4)، وغلظها مثل ذلك" وذكر الحديث إلى أن ذكر حملة العرش فقال: "وفوقهم يبدو العرش، عليه ملك الملوك تبارك وتعالى؛ أي عدو الله فأنت تطلع إلى ذلك؟ ثم بعث الله عليه البعوضة فقتلته".
أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب "العظمة"، فقال: حدثنا إسحاق بن أحمد(5)، حدثنا ابن حميد(6)، حدثنا [سلمة] بن الفضل(7)
__________
(1) تقدمت ترجمته في الفقرة (19).
(2) بختنصر، أحد القادة البابليين الذي خرَّب بيت المقدس بعد موسى عليه السلام زمن النبي أرميا أحد أنبياء بني إسرائيل. انظر خبره في البداية والنهاية (2/41 وما بعدها).
(3) في (ب) و(ج) [والأرض].
(4) في (ب) و (ج) [عام] .
(5) إسحاق بن أحمد بن زيرك الفارسي، أبو يعقوب، توفي في رجب سنة (309هـ). تاريخ الإسلام (23/249).
(6) محمد بن حميد بن حيان الرازي، أبو عبد الله التميمي، حافظ، ضعيف، وكان ابن معين حسن الرأي فيه، من العاشرة، مات سنة (248هـ). التقريب (ص839).
(7) في (أ) و(ب) و(ج) ( مسلمة ) وهو خطأ والتصويب من العظمة.
وهو سلمة بن الفضل الأبرش الأنصاري مولاهم، أبو عبد الله الأزرق، قاضي الري، صدوق، كثير الخطأ، مات بعد التسعين ومائة، وقد جاوز المائة. التقريب (ص401).
(5/42)
، حدثني [محمد بن](1) إسحاق فذكره(2).
وهذا إسناد جيد.
[حماد بن سلمة (167هـ)]
167- وقال عبد العزيز بن المغيرة(3)، حدثنا حماد بن سلمة(4) بحديث "ينزل الله إلى السماء الدنيا"(5) فقال: "من رأيتموه ينكر هذا فاتهموه".
رواه أبو أحمد العسال في كتاب "المعرفة"(6).
[أبو يوسف صاحب أبي حنيفة (182هـ)]
168- وقصة أبي يوسف(7) صاحب أبي حنيفة، مشهورة في استتابته لبشر المريسي، لما أنكر أن يكون الله فوق العرش.
__________
(1) ما بين المعكوفتين ساقطة من (أ) و(ب) و(ج)
(2) أخرجه أبو الشيخ في العظمة (3/1054-1055، برقم571). وأورده الذهبي في العلو (ص108)،وقال: (كذا قال بختنصر، والمحفوظ أن صاحب القصة نمرذ). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص262)، وقال: "رواه أبو الشيخ في كتاب العظمة بإسناد جيد إلى ابن إسحاق"، وقال محقق كتاب العظمة: "لكن في هذا الإسناد محمد بن حميد الرازي، ضعيف، وسلمة بن الفضل، صدوق كثير الخطأ، فكيف يكون إسناده جيدًا، بل هو ضعيف".
(3) عبد العزيز بن المغيرة بن أمَيَّ المنقري، أبو عبد الرحمن الصفّار البصري، نزيل الري، صدوق، من صغار التاسعة، أخرج له ابن ماجة فقط. التقريب (ص616).
(4) تقدمت ترجمته في الفقرة (70).
(5) تقدم تخريجه في الفقرة (71).
(6) أورده الذهبي في العلو (ص105). وأورده في الأربعين في صفات رب العالمين (ص70، برقم55). وأورده في سير أعلام النبلاء (7/451).
(7) يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري، القاضي، أبو يوسف الكوفي، صاحب الإمام أبي حنيفة، المجتهد، العلامة، المحدث، أفقه أهل الرأي بعد أبي حنيفة، ولد سنة (113هـ)، وتوفي سنة (182هـ). تاريخ بغداد (14/242)، السير(8/535).
(5/43)
رواها عبد الرحمن بن أبي حاتم وغيره في كتبهم(1).
169- وصح وثبت عن أبي يوسف رحمه الله أنه قال: "من طلبالدين(2) بالكلام تزندق(3)، ومن طلب المال بالكمياء(4) أفلس،ومن تتبع
__________
(1) أوردها ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/45)، وفي نقض تأسيس الجهمية (2/525-526)، وعزاها لابن أبي حاتم في كتاب الرد على الجهمية، وساق الأثر بسنده. وأوردها الذهبي في العلو (ص112). وأوردها ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص222)، وقال: "وهي قصة مشهورة ذكرها عبد الرحمن بن أبي حاتم". وأوردها أيضاً كما في مختصر الصواعق (2/212) وقال: "وبشر لم ينكر أن الله أفضل من العرش، وإنما أنكر ما أنكرته المعطلة أن ذاته تعالى فوق العرش". وأوردها شارح الطحاوية (ص323). والقصة سيذكرها المصنف برقم (177).
(2) في (ب) و(ج) ( الدنيا )
(3) الزنديق: القائل ببقاء الدهر، فارسي معرب.
وزندقة الزنديق: عدم إيمانه بالآخرة ولا وحدانية الخالق، وليس في كلام العرب زنديق، وإنما تقول العرب: زندق، وزندقي، إذا كان شديد البخل.
والمشهور على ألسنة الناس أن الزنديق هو الذي لا يتمسك بشريعة الله، ويقول بدوام الدهر، والعرب تعبر عن هذا بقولهم: ملحد أي طاعن في الأديان.
انظر لسان العرب (1/51)، والمصباح المنير (1/256).
(4) في (ب) "الكيمان".
والكمياء: الحيلة والحذق، وكان يراد بها عند القدماء: تحويل بعض المعادن إلى بعض، وعلم الكمياء عندهم علم يعرف من طرق سلب الخواص من الجواهر المعدنية وجلب خاصة جديدة إليها، ولا سيما تحويلها إلى ذهب، وعند المحدثين علم يبحث عن خواص العناصر المادية والقوانين التي تخضع لها في الظروف المختلفة، وخاصة عند اتحاد بعضها ببعض، أو تخليص بعضها من بعض.
انظر القاموس المحيط -بترتيب الزاوي- (4/108)، والمعجم الوسيط (2/814).
(5/44)
غريب الحديث كذب"(1).
[محمد بن الحسن الشيباني (189هـ)]
__________
(1) أخرجه ابن بطة في الإبانة (2/537-538). وأخرجه بنحوه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (1/147، برقم305). وأخرجه أبو بكر الخطيب البغدادي في كتاب شرف أصحاب الحديث (ص5). وابن عساكر في تبين كذب المفتري (ص334). وأورده قوام السنة الأصبهاني في الحجة في بيان المحجة (1/106). وأورده الذهبي في العلو (ص112) وقال قبله: "وثبت عن أبي يوسف أنه قال ..." وذكره. وأورده في السير أيضا (8/537) قال: "قال بشر بن الوليد: سمعت أبا يوسف ..." وذكره. وقال الألباني في مختصر العلو: "أخرجه الهروي في -ذم الكلام- (6/104/1) من طريقين عن أبي يوسف. وقد جزم بنسبته إليه ابن تيمية في -الجواب الفاصل. ثم أخرجه الهروي (5/94/2) عن مالك مثله.
(5/45)
170- روى عبد الله بن أبي حنيفة الدبوسي(1)، قال سمعت(2) محمد ابن الحسن(3) يقول: "اتفق الفقهاء كلهم، من المشرق إلى المغرب (ق48/ب)، على الإيمان بالقرآن، والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفة الرب عز وجل من غير تفسير(4)، ولا وصف، ولا تشبيه، فمن فسر شيئاً من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وفارق الجماعة، فإنهم لم يصفوا، ولم يفسروا، ولكن آمنوا بما في الكتاب والسنة، ثم سكتوا، فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة، لأنه(5) وصفه بصفة لا شيء"(6).
__________
(1) لم أقف له على ترجمته.
(2) سمعت] ساقطة من (ب) و (ج).
(3) محمد بن الحسن بن فرقد، أبو عبد الله الشيباني، الكوفي، الفقيه، صاحب أبي حنيفة، الإمام المجتهد، من كبار أئمة أهل الرأي، ولد سنة (131هـ)، وتوفي سنة (189هـ). تاريخ بغداد (2/172)، السير (9/134).
(4) أراد به تفسير الجهمية المعطلة، الذين ابتدعوا تفسير الصفات، بخلاف ما كان عليه الصحابة والتابعون من الإثبات. انظر مجموع الفتاوى (5/50).
(5) في (ب) و (ج) [فإنه] .
(6) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/432-433، برقم740).
وأورده الحافظ عبد الغني في عقيدته (ص109-110، برقم217). وأخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص117، برقم98). وأورده ابن تيمية في مجموع الفتاوى (4/4-5)، وحكم بثبوته، و(5/50)، وضمن مجموعة الرسائل الكبرى (1/446-447). وأورده الذهبي في العلو (ص113)، وفي الأربعين في صفات رب العالمين (ص82-83، برقم83). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص222). وأورده ابن حجر في فتح الباري (13/407). والسيوطي في الإتقان (3/13).
(5/46)
171- وقال محمد بن الحسن في الأحاديث التي جاءت "أن الله يهبط إلي السماء الدنيا"، ونحو هذا: "إن(1) هذه الأحاديث قد روتها الثقات، فنحن نرويها ونؤمن بها ولا نفسرها"(2).
روى هذا الإجماع عن محمد بن الحسن، أبو القاسم اللالكائي، وأبو محمد بن قدامة في كتابيهما.
[الوليد بن مسلم القرشي (194هـ)]
__________
(1) في (ب) و(ج) [وأن]
(2) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/433، برقم741). وأخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص117، برقم98). وأورده الذهبي في العلو (ص113)، وفي الأربعين في صفات رب العالمين (ص70، برقم56). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص223) وعزاه لللالكائي.
(5/47)
172- وقال الوليد بن مسلم(1): "سألت الأوزاعي(2)، ومالك بن أنس(3)، وسفيان الثوري(4)، والليث بن سعد(5)، عن هذه الأحاديث التي فيها الصفة؟ فقالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف"(6).
__________
(1) الوليد بن مسلم القرشي، مولاهم، أبو العباس الدمشقي، الحافظ، عالم أهل دمشق، ثقة، مات آخر سنة أربعين وتسعين ومائة. انظر الكاشف (3/242)، التقريب (ص1041).
(2) تقدمت ترجمته في الفقرة (94).
(3) تقدمت ترجمته في الفقرة (13).
(4) تقدمت ترجمته في الفقرة (64).
(5) تقدمت ترجمته في الفقرة (149).
(6) أخرجه أبو بكر الخلال في السنة (1/259، برقم313). وأخرجه الآجري في الشريعة (3/1146، رقم720). وأخرجه الدارقطني في الصفات (ص44، برقم67). وأخرجه ابن بطة في الإبانة (تتمة كتاب الرد على الجهمية)، (3/241-242، برقم183). وأخرجه ابن مندة في التوحيد (3/307، برقم894). وأخرجه اللالكائي في السنة (930). والصابوني في عقيدة السلف (ص70، برقم90). وأورده أبو يعلى في إبطال التأويلات (1/47، برقم16). وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/377)، وفي الإعتقاد (ص118)، وسننه (3/2). وابن عبد البر في التمهيد (7/149، 158). وأورده الذهبي في العلو (ص104، و105)، بسنده من طريق الدارقطني، وأورده في سير أعلام النبلاء (8/105)، وتذكرة الحفاظ (1/304)، وأورده في الأربعين في صفات رب العالمين (ص82، برقم82). وقال قبله: "صح عن الوليد"، وعلق بعده بقوله: "قلت: مالك في وقته إمام أهل المدينة، والثوري إمام أهل الكوفة، والأوزاعي إمام أهل دمشق، والليث إمام أهل مصر، وهم من كبار أتباع التابعين". وأورده السيوطي في الأمر بالإتباع والنهي عن الإبتداع (ص206، برقم326).
(5/48)
رواه أبو أحمد العسال،عن محمد بن أيوب(1)، عن الهيثم بن خارجة(2)، حدثنا الوليد بن مسلم.
[وكيع بن الجراح الرؤاسي (197هـ)]
173- وقال أحمد بن حنبل، حدثنا وكيع(3)، عن إسرائيل(4) بحديث: "إذا جلس الرب على الكرسي"، فاقشعر رجل عند وكيع، فغضب وكيع وقال: "أدركنا الأعمش(5)، وسفيان(6)، يحدثون بهذه الأحاديث ولا ينكرونها".
أخرجه عبد الله في كتاب "الرد على الجهمية" عن أبيه(7).
[عبد الرحمن بن مهدي العنبري (198هـ)]
وعن عبد الرحمن بن مهدي(8) قال: (ق49/أ) "إن الجهمية أرادوا أن
ينفوا أن يكون الله كلم موسى، وأن يكون على العرش، نرى أن يستتابوا، فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم"(9)
__________
(1) محمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس الرازي، أبو عبد الله البجلي، صاحب فضائل القرآن ثقة حافظ محدث، مصنف، عمَّر طويلاً، توفي سنة (304هـ). الجرح والتعديل(7/198)، السير (13/449).
(2) الهيثم بن خارجة المروذي، أبو أحمد أو أبو يحيى، نزيل بغداد، صدوق، من كبار العاشرة، مات سنة (227هـ) في آخر يوم منها. أخرج له البخاري والنسائي وابن ماجة. التقريب (ص1030).
(3) تقدمت ترجمته في الفقرة (98).
(4) تقدمت ترجمته في الفقرة (98).
(5) تقدمت ترجمته في الفقرة (64).
(6) تقدمت ترجمته في الفقرة (82).
(7) أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة (1/302، برقم 587). وأورده الذهبي في العلو (ص117)، وأورده كذلك في السير (9/165).
(8) تقدمت ترجمته في الفقرة (99).
(9) أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (ص17). وعبد الله بن أحمد في السنة (1/121، برقم48) بلفظ مقارب. وابن بطة في الإبانة (تتمة الرد على الجهمية) (2/94-95، برقم327) بنحوه، وأيضا (برقم255). وأبو نعيم في الحلية (9/7-8). والبيهقي في الأسماء والصفات (1/546، 608).
وأورده ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (6/261-262) وصحح إسناده، وأورده أيضا في الفتوى الحموية (ص84). وأورده الذهبي في العلو (ص118)، وأورده في الأربعين في صفات رب العالمين (ص41، برقم11). وأورده في سير أعلام النبلاء (9/199-200). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (214-215).
(5/49)
.
رواه غير واحد بإسناد صحيح عن عبد الرحمن قال: "الذي قال فيه ابن المديني(1): لو حلفت بين الركن والمقام، لحلفت أني ما رأيت أعلم منه"(2).
[خالد بن سليمان البلخي (؟؟)]
__________
(1) علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم، أبو الحسن بن المديني البصري، ثقة ثبت، إمام، أعلم أهل عصره بالحديث وعلله، عابوا عليه إجابته في المحنة، لكنه تنصل وتاب واعتذر بأنه كان خاف على نفسه، مات سنة (234هـ) على الصحيح. تاريخ بغداد (11/458)، السير (11/41).
(2) ذكره الخطيب في التاريخ بنحوه. تاريخ بغداد (10/244-245).
(5/50)
175- قال ابن أبي حاتم، حدثنا زكريا بن داود(1) بن بكر(2) (3)، سمعت أبا قدامة السرخسي(4)، سمعت أبا معاذ البلخي(5) رحمه الله -يعني خالد بن سليمان- بفرغانة يقول: "كان جهم(6) على معبر ترمذ، وكان فصيح اللسان، [و](7) لم يكن له علم ولا مجالسة أهل العلم، فكلم السُمَنية(8)، فقالوا له: صف لنا ربك الذي تعبده. فدخل البيت لا يخرج، ثم خرج إليهم بعد أيام فقال: هو هذا الهواء مع كل شيء، وفي كل شيء، ولا يخلو منه شيء(9)". قال أبو معاذ: "كذب عدو الله، إن(10) الله في السماء على العرش كما وصف نفسه"(11).
وهذا ثابت عن أبي معاذ أحد الأئمة رحمه الله.
[شجاع بن أبي نصر البلخي (؟؟)]
__________
(1) في (ج) "اين أبي داود" وهو خطأ.
(2) في (ب) "بكير".
(3) زكريا بن داود بن بكر أبو يحيى، النيسابوري، الخفاف، الحافظ الكبير، قال الحاكم: "هو المقدم في عصره، صاحب التفسير الكبير"، توفي سنة (286هـ). تاريخ بغداد (8/462)، تذكرة الحفاظ (2/676).
(4) عبيد الله بن سعيد بن يحيى اليشكري، أبو قدامة السرخسي، نزيل نيسابور، ثقة مأمون سنّي، من العاشرة، مات سنة (241هـ)، أخرج له البخاري ومسلم والنسائي. التقريب (ص639).
(5) خالد بن سليمان، أبو معاذ البلخي، ضعفه ابن معين، ومشاه غيره، روى عن الثوري ومالك. الميزان (1/631).
(6) الجهم بن صفوان، تقدمت ترجمته في الفقرة (149).
(7) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب) (ج) ، والتصويب من المصادر الأخرى.
(8) السمنية: ديانة بوذية، كانت منتشرة في بلاد ما وراء النهر. انظر الفهرست للنديم (ص532).
(9) في (ج) "كل شيء".
(10) "إن" مكررة في (ب).
(11) ساق الإمام أحمد القصة في كتاب الرد على الجهمية (ص65-66-ضمن عقائد السلف). أخرجها البيهقي في الأسماء والصفات(2/337، رقم904). وأوردها ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص224). وأخرجها ابن بطة في الإبانة (كتاب الرد على الجهمية) (2/76-79، برقم317)، ولكن بطريق آخر عن مقاتل بن سليمان.
(5/51)
176- وقال ابن أبي حاتم، حدثنا عبد الله بن محمد بن الفضل الأسدي(1)، ثنا يحيى(2) بن أيوب(3)، حدثنا أبو نعيم البلخي(4) -وكان قد أدرك جهما- قال: "كان لجهم صاحب يكرمه ويقدمه(5) على غيره، فإذا هو قد صَيَّح به، وبدر به، ووقع فيه، قال أبو نعيم: فقلت له: لقد كان يكرمك. فقال إنه قد جاء منه ما لا يحتمل، بينا هو يقرأ طه، والمصحف في حجره، فلما أتى على هذه الآية: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قال: لو(6) وجدت السبيل إلى أن أحكها من المصاحف. فاحتملت هذه، ثم إنه بينا هو (ق49/ب) يقرأ آية إذ قال: ما أظرف محمداً حين قالها. ثم إنه بينا هو يقرأ طسم -[سورة](7) القصص- والمصحف في حجره إذ مر بذكر موسى عليه السلام، فدفع المصحف بيده ورجله، وقال: أي شيء هذا ذكره هنا، فلم يتم ذكره".
هكذا(8) أخرجه ابن أبي حاتم، وأخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب "الرد على الجهمية"، عن [الصاغاني](9)
__________
(1) عبد الله بن محمد بن الفضل بن الشيخ بن عميرة الأسدي، أبو بكر، قال عنه أبو حاتم: (صدوق)،. الجرح والتعديل (5/163).
(2) يحيى] ساقطة من (ب) و(ج).
(3) يحيى بن أيوب المقابري البغدادي، العابد، ثقة، من العاشرة، مات سنة (234هـ)، وله سبع وسبعون سنة . التقريب (ص1050).
(4) شجاع بن أبي نصر البلخي، أبو نعيم المقرئ صدوق، من التاسعة، أخرج له البخاري تعليقا. التقريب (ص431).
(5) في (ب) و(ج) "ويدمه".
(6) كلمة [لو] ساقطة في (ب) (ج).
(7) ما بين المعكوفتين ساقط من ( أ )
(8) هكذا] ساقطة من (ب) و(ج)
(9) في ( أ ) الصنعاني وهو خطأ.
وهو محمد بن إسحاق بن جعفر وقيل بن محمد، أبو بكر الصاغاني، قال الخطيب: "كان أحد الأثبات المتقنين مع صلابة في الدين، واشتهار بالسنة، واتباع في الرواية"، توفي سنة (270هـ)، تاريخ بغداد (1/240)، السير (12/592).
(5/52)
، عن يحيى بن أيوب، واسم أبي نعيم شجاع بن أبي نصر(1).
[أبو يوسف صاحب أبي حنيفة (182هـ)]
177- وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن [الحسين](2) بن مهران(3)،
حدثنا بشار(4) بن موسى الخفاف(5)، قال جاء بشر بن الوليد(6) إلى أبي يوسف(7) فقال له: "تنهاني عن الكلام وبشر المريسي(8)، وعلي الأحول(9)، وفلان يتكلمون، فقال: وما يقولون؟ قال: يقولون [إن](10) الله في كل مكان. فبعث أبو يوسف فقال: علي بهم، فانتهوا إليهم، وقد قام بشر، فجيء بعلي الأحول والشيخ -يعني الآخر-، فنظر أبو يوسف إلى الشيخ وقال: لو أن فيك موضع أدب لأوجعتك، فأمر به إلى الحبس، وضرب عليا الأحول وطوف به"(11).
[سلام بن أبي مطيع الخزاعي (164هـ)]
__________
(1) أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (ص20، برقم55). وأخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة (1/167، برقم190). وأخرجه ابن بطة في الإبانة (كتاب الرد على الجهمية)(2/92-93،برقم322-323). وأورده الذهبي في العلو (ص114). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص224-225).
وقال الألباني في مختصر العلو (ص163): "سنده صحيح".
(2) في (أ) و(ب) و (ج) " الحسن " والتصويب من مصادر ترجمته.
(3) علي بن الحسين بن مهران، أبو الحسن النيسابوري الصفار، أثنى عليه إبراهيم بن أبي طالب، توفي سنة (295هـ). تاريخ الإسلام (22/209).
(4) في (ج) "بشر" وهو خطأ.
(5) بشار بن موسى الخفاف الشيباني عجلي بصري، نزل بغداد، ضعيف، كثير الغلط، كثير الحديث، من العاشرة أخرج له ابن ماجة في التفسير. التقريب (ص167).
(6) بشر بن الوليد بن خالد، أبو الوليد الكندي القاضي، الفقيه، صاحب أبي يوسف، وكان عالما دينًا، توفي ببغداد سنة (238هـ)، تاريخ بغداد (7/80)، السير (10/673).
(7) تقدمت ترجمته في الفقرة (168).
(8) تقدمت ترجمته في الفقرة (103).
(9) لم أقف له على ترجمة.
(10) ما بين المعكوفتين ساقط من ( ا ) و (ب)، وما أثبته من (ج).
(11) تقدم تخريجها برقم (168).
(5/53)
178- وقال ابن أبي حاتم(1)، حدثنا أبو زرعة(2)، حدثنا هدبة بن خالد(3)، سمعت سلام بن أبي مطيع(4) يقول: "ويلهم ما ينكرون من هذا الأمر؟ والله ما في الحديث شيء إلا وفي القرآن أثبت منه يقول الله تعالى {إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِير}(5) {وَيُحَذِّرُكُم الله نَفْسَهُ}(6) {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}(7) {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}(8) / {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}(9) {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}(10) فما زال في ذا من العصر إلي المغرب"(11).
[يزيد بن هارون الواسطي (206هـ)]
179- وقال شاذ بن يحيى(12) سمعت يزيد بن هارون(13) يقول: "من زعم أن الرحمن على العرش على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي"
__________
(1) تقدمت ترجمته في الفقرة (160).
(2) عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ، أبو زرعة الرازي، كان إماما ربانيا، متقنا، حافظا، مكثرا، صادقا، توفي سنة(264هـ)، وولد سنة (200هـ). تاريخ بغداد (10/326)، السير (13/65).
(3) هدبة بن خالد بن الأسود القيسي، الثوباني، أبو خالد البصري، يقال له هدَّاب، ثقة، عابد، تفرد النسائي بتليينه،من صغار التاسعة، مات سنة بضع وثلاثين ومائتين. التقريب (ص1018).
(4) سلام بن أبي مطيع، أبو سعيد الخزاعي مولاهم، البصري، ثقة، صاحب سنة، من التاسعة، مات سنة (164هـ) وقيل بعدها. التقريب (ص426).
(5) الآية 1 من سورة المجادلة.
(6) الآية 28 من سورة آل عمران.
(7) الآية 67 من سورة الزمر.
(8) الآية 75 من سورة ص.
(9) الآية 164 من سورة النساء.
(10) الآية 54 من سورة الأعراف.
(11) أخرجه ابن منده في كتاب التوحيد (3/308، برقم898). وأورده الذهبي في العلو (ص105).
وقال الألباني في مختصر العلو (ص144): "هذا إسناد صحيح".
(12) شاذ بن يحيى الواسطي، مقبول، من العاشرة. التقريب (ص429).
(13) تقدمت ترجمته في الفقرة (69).
(5/54)
رواها عبد الله في كتاب "السنة" له، عن عباس العنبري(1)، عن شاذ ابن يحيى(2).
ويزيد بن هارون شيخ أهل واسط، وأجلهم علماً وزهداً على رأس المائتين، وله مناقب كثيرة رحمه الله.
__________
(1) في (ب) و(ج) "ابن عباس العنبري" وهو خطأ.
وهو العباس بن عبد العظيم العنبري تقدمت ترجمته في الفقرة (98).
(2) أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (ص11). وأبو داود في المسائل (ص268). وأخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة (1/123، برقم54)، و(2/482، برقم1110). وابن بطة في الإبانة (تتمة كتاب الرد على الجهمية) (3/164-165، برقم122). وأورده أبو يعلى في إبطال التأويلات (ق149/ب). وأورده ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/184). وأورده الذهبي في العلو (ص116-117). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص214) وقال عقبه: "قال شيخ الإسلام -يعني ابن تيمية- والذي تقرر في قلوب العامة هو ما فطر الله تعالى عليه الخليقة من توجهها إلى ربها تعالى عند النوازل والشدائد والدعاء والرغبات إليه تعالى نحو العلو، لا يلتفت يمنة ولا يسرة من غير موقف وقفهم عليه، ولكن فطرة الله التي فطر الناس عليها، وما من مولود إلا هو يولد على هذه الفطرة يجهمه وينقله إلى التعطيل من يقيض له" اهـ.
وقال الألباني في المختصر (ص168): "إسناده جيد".
(5/55)
وهذا الذي قاله هو الحق، لأنه لو كان معناه على خلاف ما يقر(1) في القلوب السليمة(2) [من](3) الأهواء، والفطرة الصحيحة من الأدواء، لوجب على الصحابة والتابعين أن يبينوا أن استواء الله على عرشه على خلاف ما فطر الله عليه خلقه، وجبلهم على اعتقاده؛ اللهم إلا أن يكون في بعض الأغبياء من يفهم من أن الله في السماء أو على العرش [أنه محيز وأنهما حيز له](4)، وأن العرش محيط به(5)، فكيَّف ذلك في ذهنه وبفهمه، كما بَدَر في الشاهد(6) من أي جسم كان، على أي جسم(7)، فهذا حال جاهل، و[ما](8) أظن أن أحدا اعتقد ذلك من العامة ولا قاله، وحاشا يزيد بن هارون أن يكون مراده هذا، وإنما مراده ما تقدم، وقد قال مثل قوله عبد الله بن [مسلمة] القعنبي(9)، شيخ البخاري ومسلم، وغيره، وسيأتي إن شاء الله فيما بعد(10).
[سعيد بن عامر الضبعي (208هـ)]
180- وعن سعيد بن عامر الضبعي(11) -إمام أهل البصرة على رأس المائتين- أنه ذكر عنده الجهمية، قال: "هم شَرٌّ قولاً من اليهود والنصارى، اجتمع أهل الأديان مع المسلمين أن الله على العرش، وقالوا هم: ليس على العرش شيء".(ق50/ب)
__________
(1) جاء في هامش ( ا ) العبارة التالية: "بالتخفيف من وقر وقاراً إذا سكن وثبت، معناه من النهاية".
(2) في (ب) "السلمة".
(3) مابين المعكوفتين ساقط من ( أ )
(4) في (أ) و(ب) و ( ج ) "أنه ماحيز وإن حيز له" ولعل الصواب ما أثبته.
(5) "به" ساقطة من (ب).
(6) في (ب) "الشهادة".
(7) عبارة [على أي جسم] ساقطة من (ب) و (ج)
(8) في (ب) و(ج) "من" .
(9) في (أ) و (ب) "مسلم"، وما أثبته من (ج). وستأتي ترجمته في الفقرة (213).
(10) قول القعنبي سيأتي برقم (213).
(11) سعيد بن عامر الضبعي -نسبة إلي قبيلة ضبيعة-، ثقة، صالح، مات سنة (208هـ) وله ثمانون سنة، إمام أهل البصرة على رأس المائتين. انظر الكاشف (2/179)، التقريب (381).
(5/56)
رواه ابن أبي حاتم في كتابه(1).
[عباد بن العوام الكلابي (185هـ)]
181- وقال عباد بن العوام(2) -أحد الأئمة بواسط-: "كلَّمت بِشْراً المريسي وأصحابه، فرأيت آخر كلامهم ينتهي أن يقولوا ليس في السماء شيء، أرى -والله أعلم- أن لا يناكحوا، ولا يورثوا"(3).
وقد تقدم نحوه عن جرير(4)، وحماد بن زيد(5).
[عبد الملك بن قُريب الأصمعي (215هـ)]
__________
(1) أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (ص9). وأورده ابن تيمية في الفتاوى (5/52).
ودرء تعارض العقل والنقل (6/261). وأورده الذهبي في العلو (ص117). وكذلك في الأربعين في صفات رب العالمين (ص42، برقم14). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص215)، وعزاه لابن أبي حاتم، وأورده أيضاً في الصواعق كما في مختصر الصواعق (2/213-214).
(2) عباد بن العوام بن عمر الكلابي، أبو سهل الواسطي، ثقة، مات سنة (185هـ). التقريب (ص482)، وانظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (8/511).
(3) أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة (1/126-127، برقم65) و(1/170، برقم199) و(1/275، برقم516). وأخرجه الخلال في السنة (5/113، برقم1753) و(5/115، برقم1756). وأورده ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/185)، ودرء تعارض العقل والنقل (6/261). وأورده الذهبي في العلو (ص112). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص215-216).
(4) تقدم برقم (164).
(5) تقدمت ترجمته في الفقرة (149)، وتقدم قوله في الفقرة (160).
(5/57)
182- وعن الأصمعي(1) قال: "قدمت امرأة جهم، وقال رجل عندها الله على عرشه، فقالت: محدود على محدود. قال الأصمعي: هي كافرة بهذه المقالة"(2).
[علي بن عاصم الواسطي (201هـ)]
183- وقال يحيى بن علي بن عاصم(3): "كنت عند أبي(4)، فاستأذن عليه المريسي، فقلت له: يأبه مثل هذا يدخل عليك! فقال(5): وماله؟؛ قلت: إنه يقول: إن القرآن مخلوق، ويزعم أن الله معه في الأرض، وكلاما ذكرته، فما رأيته اشتد عليه مثل ما اشتد عليه في القرآن أنه مخلوق، وأنه معه في الأرض"(6).
أخرجها واللتين قبلها ابن أبي حاتم في كتابه في "الرد على الجهمية".
وعلي بن عاصم أحد الأئمة في طبقة يزيد بن هارون، ووكيع(7) توفي سنة إحدى و[مائتين](8)، وله أربع وتسعون سنة.
وقال: "أعطاني أبي مائة ألف درهم، فرجعت من رحلتي وقد كتبت مائة ألف حديث"(9).
__________
(1) أبوسعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع، المعروف بالأصمعي، الباهلي، كان صاحب لغة ونحو، وإماما في الأخبار والنوادر والملح والغرائب، توفي سنة (215هـ). انظر (وفيات الأعيان (3/170-176)، الكاشف (2/213).
(2) وأورده ابن تيمية في الفتاوى (5/53). أورده الذهبي في العلو (ص118)، وكذلك في الأربعين في صفات رب العالمين (ص41). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص225) وعزاه لابن أبي حاتم.
(3) يحيى بن علي بن عاصم الواسطي، روى عن أبيه. انظر الثقات لابن حبان (9/ 258).
(4) علي بن عاصم بن صهيب الواسطي التيمي مولاهم، صدوق يخطىء ويصر، رمي بالتشيع، من التاسعة، مات سنة إحدى ومائتين، وقد جاوز التسعين. التقريب (ص699)، تاريخ بغداد (11/446).
(5) في (ب) "فقلت".
(6) أورده الذهبي في العلو (ص116). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص216-217) وعزاه لابن أبي حاتم.
(7) وكيع] ساقطة من (ب) و(ج)
(8) في (أ) و(ب) و (ج) "ثمانين" وهو خطأ. والتصويب من مصادر ترجمته.
(9) انظر تاريخ بغداد (11/447).
(5/58)
[وهب بن جرير الأزدي (206هـ)]
184- أخبرنا بلال المغيثي(1) بمصر، أنبأنا عبد الوهاب بن رواج(2)، أنبأنا أبو طاهر السِّلفي(3)، أنبأنا مكي بن منصور(4)، أنبأنا أبو بكر الحيري(5)، حدثنا حاجب الطوسي(6)، حدثنا محمد بن حماد(7)، سمعت وهب بن(8) جرير(9) يقول: "إياكم ورأي
__________
(1) الأمير الكبير، أبو الخير بلال المغيثي الطواشي الحبشي الصالحي، ذكره ابن العماد في وفيات (699هـ) وقال: "روى عن عبد الوهاب بن رواج، توفي بعد الهزيمة بالرملة، وهو في عشر المائة". شذرات الذهب (5/446).
(2) المحدث رشيد الدين، أبو محمد عبد الوهاب بن ظافر بن علي بن فتوح الإسكندراني المالكي، ولد سنة (554هـ)، وسمع الكثير من السلفي وطائفة، ونسخ الكثير، وخرج الأربعين، وكان ذا فقه وتواضع، توفي سنة (648هـ). انظر الشذرات (5/242).
(3) أحمد بن محمد بن سلفة الأصبهاني، أبو طاهر صدر الدين السِّلفي، حافظ مكثر، من أهل أصبهان، رحل وصنف كثيرا، له معجم شيوخ أصبهان، ومعجم شيوخ بغداد، توفي بالأسكندرية سنة (576هـ). السير (21/5)، وفيات الأعيان (1/31).
(4) مكي بن محمد بن علاَّن، أبو الحسن الكرجي، المعتمد، المعروف بالسّلاّر، الشيخ الجليل، المسند، المعمر، مات بأصبهان سنة (491هـ). السير (19/71)، شذرات الذهب (3/397).
(5) أبو بكر الحيري، هو القاضي أحمد بن الحسن بن أحمد الحرشي، قاضي نيسابور، وكان فاضلا غزير العلم، من شيوخ الحاكم والبيهقي، مات سنة(421هـ). السير (17/356).
(6) حاجب بن أحمد بن يرحم بن سفيان، أبو محمد النيسابوري الطوسي، وثقه ابن منده واتهمه الحاكم، مات سنة (336هـ). الميزان (1/429)، السير (15/336).
(7) محمد بن حماد الأبيوردي الزاهد، ثقة، من العاشرة، مات سنة ثمان أو تسع وأربعين ومائتين. التقريب (ص838).
(8) بن] ساقطة من (ب).
(9) هو وهب بن جرير بن حازم بن زيد الأزدي، أبو العباس البصري، الحافظ، ثقة، من التاسعة، مات سنة (206هـ)، من رواة الجماعة. التقريب (ص1043).
(5/59)
جهم(1)، فإنهم يجادلون أنه ليس في السماء شيء، وما هو إلا من وحي إبليس، وما هو إلا الكفر"(2).
[محمد بن مصعب العابد (228هـ)]
185- وقال أبو الحسن بن العطار(3)،(ق51/أ) سمعت محمد بن مصعب العابد(4)، يقول: "من زعم أنك لا تتكلم ولا تُرى في الآخرة، فهو كافر بوجهك، [ولا يعرفك](5)، أشهد أنك فوق العرش".
رواه الدارقطني في "الصفات"، وعبد الله بن أحمد في "السنة"، بإسناد صحيح(6).
[يحيى بن زياد الفراء (207هـ)]
__________
(1) تقدمت ترجمته في الفقرة (149).
(2) علقه البخاري في خلق أفعال العباد (ص9، برقم6). وأورده ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص118، برقم101). وأورده الذهبي في العلو (ص118). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص217)، وصححه وعزاه للذهبي. وانظر مختصر العلو (ص170).
(3) في (ج) "عطار".
وهو محمد بن محمد بن عمر بن الحكم، أبو الحسن بن العطار، قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: "كان ثقة أمينا"، توفي سنة (268هـ). تاريخ بغداد (3/203-204).
(4) محمد بن مصعب أبو جعفر الدعاء، أحد العباد المشهورين، وهو من القراء المعروفين، توفي في بغداد سنة ثمان وعشرين ومائتين. انظر ترجمته في تاريخ بغداد (3/279).
(5) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب) و(ج)، وأثبتها من مصادر التخريج.
(6) أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في السنة (1/173، برقم210). وأخرجه الدارقطني في الصفات (ص72-73، برقم64). والخطيب في تاريخ بغداد (3/280). وأورده الذهبي في العلو (ص124). وأورده ابن القيم كما في مختصر الصواعق (2/212).
(5/60)
186- وقال محمد بن الجهم(1)، حدثنا يحيى بن زياد الفراء(2) قال: "وقد قال عبد الله بن عباس: {ثُمّ اسْتَوَى} صعد، وهو كقولك للرجل كان قاعدا فاستوى قائماً، وكان قائمًا فاستوى قاعدًا، وكل في كلام العرب جائز".
أخرجه البيهقي في "الصفات"(3)، فقال: أنبأنا الحاكم(4)،حدثنا الأصم(5)، حدثنا محمد بن الجهم، فذكره.
[نوح بن أبي مريم المروزي (173هـ)]
187- وقال أحمد بن سعيد الدارمي(6) -أحد شيوخ مسلم-، سمعت أبي(7)، يقول: سمعت أبا عصمة نوح بن أبي مريم(8)، وسأله رجل عن الله عز وجل في السماء هو؟، فحدث بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حين سأل الأمة "أين الله؟ قالت: في السماء، قال: اعتقها فإنها مؤمنة"(9). قال: "سماها رسول صلى الله عليه وسلم مؤمنة أن عرفت أن الله في السماء".
رواه عبد الله بن أحمد في كتاب "السنة" عن أحمد بن سعيد(10).
[محمد بن مصعب العابد (228هـ)]
__________
(1) محمد بن الجهم بن هارون، أبو عبد الله، الكاتب السمري، راوي كتب الفراء، وثقه الدارقطني، وقال عبد الله بن أحمد: "صدوق ما أعلم إلا خيرا"، توفي في رجب سنة (277هـ). تاريخ بغداد (2/161).
(2) تقدمت ترجمته في الفقرة (5).
(3) أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/310 رقم871). وأورده الذهبي في العلو (ص118-119).
(4) تقدمت ترجمته في الفقرة (29).
(5) محمد بن يعقوب بن يوسف النيسابوري، أحد الأعلام، توفي سنة (346هـ). تذكرة الحفاظ (3/860)، السير (15/452).
(6) أحمد بن سعيد بن صخر الدارمي، أبو جعفر، ثقة حافظ، من الحادية عشرة، مات سنة ثلاث وخمسين ومائتين. انظر تهذيب التقريب (ص89).
(7) سعيد بن صخر الدارمي، روى عن حماد بن سلمة قال أبو حاتم: (مجهول). الجرح والتعديل (4/34).
(8) تقدمت ترجمته في الفقرة (151).
(9) تقدم تخريجه في (13).
(10) أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة (1/306، برقم596).
وأورده الذهبي في العلو (ص111).
(5/61)
188- وقال المروزي(1)، [سمعت أبا عبد الله الخفاف(2)](3)، سمعت ابن مصعب(4) وقرأ {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}(5) فقال: "نعم يقعده معه على العرش".
قال أحمد بن حنبل -وذكر ابن مصعب-، فقال: "قد كتبت عنه وأي رجل"(6).
هكذا (ق51/ب) أخرجه أبو بكر المروزي صاحب الإمام أحمد، وهو من أجل من أخذ الفقه عنه، ألف هذا الكتاب في حدود السبعين ومائتين، لما أنكر بعض الجهمية أن الله يقعد محمداً صلى الله عليه وسلم على العرش، واستفتى من كان في عصره في ذلك.
__________
(1) أحمد بن محمد بن الحجاج المروزي، شيخ الإسلام، وصاحب الإمام أحمد، إمام فقيه، قدوة، مات سنة (275هـ). السير (13/73)، طبقات الحنابلة (1/56).
(2) لم أقف له على ترجمة.
(3) في (أ) و(ب) و(ج) "وقال المروزي الخفاف"، والتصويب من السنة للخلال (1/218).
(4) محمد بن مصعب العابد تقدمت ترجمته في الفقرة (185).
(5) الآية 79 من سورة الإسراء.
(6) أخرجه أبو بكر الخلال في السنة (1/218، برقم250-251). وأورده الذهبي في العلو (ص124) وقال: "فأما قضية قعود نبينا على العرش، فلم يثبت في ذلك نص، بل في الباب حديث واه، وما فسر به مجاهد الآية كما ذكرنا، فقد أنكره بعض أهل الكلام، فقام المروزي وقعد، وبالغ في الانتصار لذلك وجمع فيه كتاباً ...".
(5/62)
وهذا حديث ثابت عن مجاهد(1)، رواه عنه ليث بن أبي(2) سليم(3)، وعطاء بن السائب(4)، وجابر بن يزيد(5)، وأبو يحيى القتات(6)، وغيرهم(7).
ورواه عن ليث(8)، محمد بن فضيل(9)، وعبد الله بن إدريس الأودي(10)، واشتهر عن محمد بن فضيل، عن ليث، فرواه أبو بكر بن أبي
__________
(1) تقدمت ترجمته في الفقرة (1).
(2) "أبي" ساقطة من (ب) (ج).
(3) انظر السنة للخلال (1/251، برقم297)،وقد تقدمت ترجمة ليث في الفقرة(97).
(4) انظر السنة للخلال (1/251، برقم294)، و(1/252، برقم297)، وقد تقدمت ترجمة عطاء في الفقرة (70).
(5) انظر السنة للخلال (1/251، برقم297)، وجابر هو جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي، أبو عبد الله الكوفي، ضعيف، رافضي، من الخامسة، مات سنة (127هـ)، وقيل سنة (132هـ). التقريب (192).
(6) انظر السنة للخلال (1/252، برقم296).
وأبو يحيى القتات، اسمه زاذان، وقيل دينار وقيل مسلم وقيل يزيد وقيل زبّان، وقيل عبد الرحمن، لين الحديث، من السادسة. التقريب (ص1224).
(7) أشار إلى هذه الطرق الذهبي في العلو (ص125). وكذلك الخلال في السنة وانظر (ص296، إلى 301).
(8) في (أ) و(ب) و(ج) "ليث بن محمد بن فضيل" وهو خطأ والصواب ما أثبته.
(9) محمد بن فضيل بن غزوان الضبي مولاهم، أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق عارف، رمي بالتشيع، من التاسعة، مات سنة (195هـ)، أخرج له الجماعة. التقريب (889).
(10) عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي، أبو محمد الكوفي، ثقة فقيه، عابد، من الثامنة، مات سنة (192هـ)، وله بضع وسبعون سنة. التقريب (ص491).
(5/63)
شيبة(1)، وأخوه عثمان(2)، وحدثا به على رؤوس الناس ببغداد(3).
وحدث به عنه أيضا(4) إسحاق بن راهوية(5)، ومحمد بن عبد الله بن نمير(6)، وخلاد بن أسلم(7)، وإسماعيل بن حفص الأيلي(8)، وسفيان بن وكيع(9)، ومحمد بن حسان(10)، والحسن بن الزبرقان أبو الخزرج(11)
__________
(1) عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، إبراهيم بن عثمان الواسطي الأصل، ثقة، حافظ، صاحب تصانيف، توفي سنة (235هـ)، أخرج له الجماعة إلا الترمذي. تهذيب التهذيب (6/2)، السير(11/122).
(2) تقدمت ترجمته في الفقرة (67).
(3) انظر السنة للخلال (1/219، برقم254)، وانظر الأرقام التالية (215-242-243-246-282).
(4) في (ب) و(ج) [وحدث به أيضاً عنه]
(5) انظر السنة للخلال (1/248، برقم287)، وتقدمت ترجمة إسحاق في الفقرة رقم (2).
(6) انظر السنة للخلال (1/246، برقم282).
ومحمد بن عبد الله بن نمير، هو الهمداني، أبو عبد الرحمن الكوفي، ثقة حافظ، فاضل، من العاشرة، مات سنة (234هـ)، أخرج له الجماعة. التقريب (ص866).
(7) انظر السنة للخلال (1/255، برقم304). والشريعة للآجري (4/1615، برقم1104).
وخلاد بن أسلم، هو البغدادي، أبو بكر الصفار، يقال أصله مروزي، ثقة، من العاشرة، مات سنة (249هـ)، أخرج له الترمذي. التقريب (ص303).
(8) إسماعيل بن حفص بن عمر بن دينار الأبلي، أبو بكر الأودي، صدوق، من العاشرة، مات سنة نيف وخمسين ومائتين. التقريب (ص138).
(9) سفيان بن وكيع، أبو محمد الرؤاسي الكوفي، كان صدوقا إلا أنه ابتلي بوراقه فأدخل عليه ما ليس من حديثه، فنصح فلم يقبل، فسقط حديثه، من العاشرة. التقريب (ص395).
(10) جاء في السنة للخلال (1/248)، يحيى بن حسان، انظر رقم (288)، وفي (أ) و(ب) "محمد ابن حسان" ولعله خطأ.
ويحيى بن حسان، هو التنيسي، أصله من البصرة، ثقة ، من التاسعة، مات سنة (208)، وله أربع وستون سنة. التقريب (ص1051).
(11) في (أ) و(ب) "الحسن بن الزبرقاني أبو الخنرحي" وهو خطأ.
وهو الحسن بن الزبرقان الكوفي تيمي، سكن قزوين، ويكنى بأبي الخزرج، سئل عنه أبو حاتم فقال: "هو شيخ". الجرح والتعديل (3/15).
(5/64)
، والحارث بن شريح(1)، وعلي بن حرب(2)، وعلي بن المنذر الطريقي(3)، والعباس بن يزيد البحراني(4)، ولفظهم(5) "يجلسه معه على العرش".
ولفظ الباقين، أخبرني ابني أبي شيبة(6)، وعبد الرحمن بن صالح(7)، وهارون بن معروف(8)، وإبراهيم بن موسى الرازي(9)، وواصل (ق52/أ) بن عبد الأعلى(10)
__________
(1) الذي في الميزان (1/433): الحارث بن سريج النقال، أحد الفقهاء، ضعفه غير واحد، توفي سنة (236هـ). تاريخ بغداد (8/209).
(2) علي بن حرب بن محمد بن علي الطائي، صدوق، فاضل، من صغار العاشرة، مات سنة (265هـ) وقد جاوز التسعين. أخرج له النسائي فقط. التقريب (ص691).
(3) في (أ) و(ب) "الضريفي" وهو خطأ.
وهو علي بن المنذر الطريقي، صدوق، يتشيع، من العاشرة، مات سنة (256هـ)، أخرج له الترمذي والنسائي وابن ماجة. التقريب (ص705).
(4) العباس بن يزيد أبي حبيب البحراني البصري، يلقب عباسويه ويعرف بالعبدي، كان قاضي همذان، صدوق يخطىء من صغار العاشرة، أخرج له ابن ماجة فقط. التقريب (ص489).
(5) في (ب) "ولفظهم".
(6) هما أبو بكر وعثمان، أبو بكر تقدم قريبا، وعثمان في الفقرة (67). انظر السنة للخلال (1/245-246، برقم282).
(7) الشريعة للآجري (4/1615، برقم1105). وعبد الرحمن بن صالح، هو الأزدي العتكي الكوفي، نزيل بغداد، صدوق يتشيع، من العاشرة، مات سنة (235هـ). التقريب (ص582).
(8) انظر السنة للخلال (1/232-233،برقم267)، و(1/235، برقم270، وبرقم314).
وهارون بن معروف هو المروزي، أبو علي الخزاز الضرير، نزيل بغداد، ثقة، مات سنة (231هـ)، من العاشرة. التقريب (ص1015).
(9) انظر السنة للخلال (1/214، برقم244).
وإبراهيم بن موسى، هو ابن يزيد التميمي، أبو إسحاق الفراء الرازي، يلقب بالصغير، ثقة حافظ، من العاشرة، مات بعد العشرين ومائتين. التقريب (ص117).
(10) انظر السنة للخلال (1/246، برقم282).
واصل بن عبد الأعلى، هو ابن هلال الأسدي، أبو القاسم أو أبو محمد الكوفي، ثقة من العاشرة، مات سنة (244هـ). التقريب (ص1032).
(5/65)
، ويحيى بن عبد المجيد الحماني(1)، وعبيد بن يعيش(2)، وجعفر بن محمد بن الحداد(3)، "يجلسه على العرش".
والزيادة صحيحة مقبولة.
ورفعه بعضهم من حديث ابن عمر وإسناده واه لا يثبت(4)، وأما عن مجاهد فلا شك في ثبوته.
وممن أفتى المروزي(5) بأن الخبر يسلم كما جاء و لا يعارض: أبو داود صاحب السنن(6)، وعبد الله بن الإمام أحمد(7)، وإبراهيم الحربي(8)
__________
(1) انظر السنة للخلال (1/246، برقم282).
يحيى بن عبد المجيد، هو أبو عبد الرحمن بن بشمين الحمّاني الكوفي، حافظ، إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث، من صغار التاسعة، مات سنة (228هـ). التقريب (ص1060).
(2) انظر السنة للخلال (1/246، برقم282).
عبيد بن يعيش، هو المحاملي، أبو محمد الكوفي العطار، ثقة، من صغار العاشرة، مات سنة (228هـ) أو بعدها بسنة. التقريب (ص653).
(3) انظر السنة للخلال (1/246، برقم282).
وجعفر بن محمد بن الحداد، لم أقف له على ترجمة.
(4) أورده ابن بطة في الشرح والإبانة (ص250، برقم278).
وأخرجه القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات (2/476، برقم440) و(1/266، برقم264).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "حديث قعود الرسول صلى الله عليه وسلم على العرش، رواه بعض الناس من طرق كثيرة مرفوعة، وهي كلها موضوعة، وإنما الثابت أنه عن مجاهد، وغيره من السلف، وكان السلف والأئمة يروونه ولا ينكرونه ويتلقونه بالقبول"، درء تعارض العقل والنقل (5/237). وعزاه السيوطي في الدر المنثور (5/326-328) إلى ابن مردوية والديلمي.
(5) ذكر ابن القيم في بدائع الفوائد(4/39) أسماء من ذكرهم المروزي.
(6) انظر الأثر الوارد عنه في السنة للخلال (1/236، برقم271).
(7) انظر الأثر الوارد عنه في السنة للخلال (1/244، برقم279).
(8) انظر الأثر الوارد عنه في السنة للخلال (1/235، برقم270).
وهو إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم أبو إسحاق البغدادي الحربي، ولد سنة (198هـ)، وكان إماما في العلم، رأسا في الزهد، حافظا للحديث، جماعا للغة، توفي سنة (285هـ). تاريخ بغداد (6/27)، السير (13/356).
(5/66)
، ويحيى بن أبي طالب(1)، وأبو جعفر الدقيقي(2)، ومحمد بن إسماعيل السلمي الترمذي(3)، وعباس بن محمد الدوري(4)، ومحمد بن بشر بن شريك بن عبد الله النخعي(5).
189- واحتج بما رواه أحمد بن الفرج الطائي(6) وغيره، حدثنا [عباد](7)
__________
(1) انظر الأثر الوارد عنه في السنة (1/233، برقم268).
ويحيى بن أبي طالب، هو يحيى بن جعفر بن عبد الله بن الزبرقان، أبو بكر، أصله من واسط، قال عنه أبو حاتم: "محله الصدق"، وقال موسى بن هارون: "أشهد على يحيى بن أبي طالب أنه يكذب"، وقال الدارقطني: "لا بأس به عندي ولم يطعن فيه أحد بحجة". الجرح والتعديل (9/134)، تاريخ بغداد (14/220).
(2) انظر الأثر الوارد عنه في السنة (1/217، برقم250).
وأبو جعفر، هو محمد بن عبد الملك بن مروان، الواسطي، أبو جعفر الدقيقي، صدوق، من الحادية عشرة، مات سنة (266هـ). التقريب (ص873).
(3) انظر الأثر الوارد عنه في السنة (1/236، برقم272)، (1/218، برقم250).
وهو محمد بن إسماعيل بن يوسف السلمي، أبو إسماعيل الترمذي، الحافظ، نزيل بغداد، ثقة حافظ، من الحادية عشرة، مات سنة (280هـ)، أخرج له الترمذي. التقريب (ص826).
(4) انظر الأثر الوارد عنه في السنة (1/258، برقم311).
وهو عباس بن محمد بن حاتم الدوري، أبو الفضل، البغدادي خوارزمي الأصل، ثقة، حافظ، من الحادية عشرة، مات سنة (271هـ)، وقد بلغ ثمانية وثمانين سنة. التقريب (ص488).
(5) انظر الأثر الوارد عنه في السنة (1/250-251 برقم294).
وانظر ترجمته في الميزان (3/491) قال عنه الذهبي: "شيخ لابن عقدة ما هو بعمدة".
(6) في (ب) و(ج) "الضيائي".
أحمد بن الفرج الطائي، لعله أبو عتبة المعروف بالحجازي، انظر ترجمته في الجرح والتعديل (2/67)، وإن كان غيره فلم أهتد إليه.
(7) في (أ) و(ب) (ج) "عبادة" والتصويب من السنة للخلال (1/251).
عباد بن أبي روق، قال يحيى بن معين: "قد رأيته وليس بثقة"، وقال ابن عدي: "له أحاديث، وما يرويه لا يتابع عليه". الميزان (2/365).
(5/67)
بن أبي روق، سمعت أبي(1) يحدث عن الضحاك(2)، عن ابن عباس في قوله {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا}. قال: "يقعده على العرش"(3).
190- حتى إن عبد الله بن الإمام أحمد قال عقيب حديث مجاهد: "وأنا منكر على من رد هذا الحديث، وهو عندي رجل سوء، متهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمعت هذا الحديث من جماعة، وما رأيت أحداً من المحدثين ينكره، وكان عندنا وقت ما سمعناه من المشايخ أنه إنما ينكره الجهمية"(4).
191- وحدثنا هارون بن معروف(5)، حدثنا ابن فضيل(6)، عن ليث(7)، عن مجاهد(8) في قوله {عَسَى (ق52/ب) أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} قال: "يقعده على العرش".
فحدث به أبي رحمه الله فقال: كان ابن فضيل يحدث به فلم يُقدَّر لي أن أسمعه منه(9).
__________
(1) اسمه عطية بن الحارث، أبو روق الهمداني، صاحب التفسير، صدوق. التقريب (680).
(2) تقدمت ترجمته في الفقرة (114).
(3) أخرجه الخلال في السنة (1/251-252، برقم295). وذكره القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات (2/494، برقم469). أخرجه الذهبي في العلو (ص99) وقال: "إسناده ساقط، وعمر هذا الرازي متروك، وفيه جويبر قال: متكلم، اللام في العرش ليست للمعهود بل للجنس، قلت: هذا مشهور من قول مجاهد، ويروى مرفوعا وهو باطل" اهـ.
(4) أورده الخلال في السنة (1/244، برقم279). وأورده الذهبي في العلو (ص125).
(5) تقدمت ترجمته في الفقرة (188).
(6) محمد بن فضيل بن غزوان، تقدمت ترجمته في الفقرة (129).
(7) ليث بن أبي سليم، تقدمت ترجمته في الفقرة (97).
(8) تقدمت ترجمته في الفقرة (1).
(9) أورده الخلال في السنة (1/244، برقم277). وأورده بنحوه القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات (2/479، برقم445).
(5/68)
192- وقال المروزي(1): وحدثني إبراهيم بن عرفة(2)، سمعت أبا عمير(3) يقول: سمعت أحمد بن حنبل وسئل عن حديث مجاهد "يقعد محمدًا صلى الله عليه وسلم على العرش" فقال: قد تلقته(4) العلماء بالقبول(5).
193- قال المروزي: وقال أبو داود -يعني صاحب السنن- فيما احتج به، حدثنا [محمد](6) بن أبي صفوان الثقفي(7)، حدثنا يحيى بن كثير(8)، [قال ثنا سلم بن جعفر(9)، ثنا سعيد الجريري(10)](11)
__________
(1) تقدمت ترجمته في الفقرة (188).
(2) لعله إبرهيم بن محمد بن عرفة، المعروف بنفطويه، ترجمته في السير (13/73)، وإن كان غيره فلم أهتد إليه.
(3) في (أ) و(ب) "أبي عمير" والتصويب من إبطال التأويلات. وأبو عمير هذا لم أقف له على ترجمة.
(4) في (ب) و(ج) [قال تلقته].
(5) أورده الخلال في السنة (1/246-247، برقم283). وأخرجه القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات (2/480، برقم448). وانظر طبقات الحنابلة (1/56).
(6) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و (ب)وما أثبته من (ج).
(7) محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي، وقد ينسب إلي جده، ثقة، من الحادية عشرة، مات سنة (252هـ)، أخرج له أبو داود والنسائي. التقريب (ص877).
(8) في (ب) و(ج) "يحيى بن أبي كثير" وهو خطأ.
وهو يحيى بن كثير بن درهم العنبري مولاهم، البصري، أبو غسّان، ثقة، من التاسعة، مات سنة (206هـ)، أخرج له الجماعة. التقريب (ص1064).
(9) سلم بن جعفر البكراوي، أبو جعفر الأعمى، قال ابن المديني: "من أهل اليمن، صدوق، تكلم فيه الأزدي بغير حجة"، من الثامنة، أخرج له أبو داود والترمذي. التقريب (ص396).
(10) سعيد بن إياس الجريري، أبو مسعود البصري، ثقة، من الخامسة، اختلط قبل موته بثلاث سنين، مات سنة (144هـ). أخرج له الجماعة. التقريب (ص374).
(11) ما بين المعكوفتين سقط من (أ) و(ب) و(ج).
والتصويب من السنة للخلال (1/211)، والسنة لابن أبي عاصم (2/365).
(5/69)
، حدثنا سيف [السدوسي](1)، عن عبد الله بن سلام(2) رضي الله عنه قال: "إذا كان يوم القيامة(3) جيء بنبيكم صلى الله عليه وسلم حتى يجلس بين يدي الله على كرسيه، فقلت يا أبا مسعود: إذا كان على كرسيه أليس هو معه؟، قال: ويلك(4) هذا أقر حديث في الدنيا لعينيّ.
أبو مسعود(5)
__________
(1) في ( أ ) "السدسوي" وفي (ب) "السدودي"، وفي (ج) "السددوي"، ولعل الصواب ما أثبته.
وذكره المزي في تهذيب الكمال (15/75) في الرواة عن عبد الله بن سلام، لكن لم أقف له على ترجمة.
(2) عبد الله بن سلام الإسرائيلي، أبو يوسف حليف بن الخزرج، قيل كان اسمه الحصين فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله، صحابي مشهور، له أحاديث وفضل، مات بالمدينة سنة (43هـ). الإصابة (رقم4725).
(3) "يوم القيامة" ساقطة من (ج).
(4) في (ج) "ويحك".
(5) أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (2/365، برقم365).
وقال الألباني في تخريجه: "رجال إسناده ثقات غير سيف السدوسي، فلم أجده ." إلى أن قال: "وقد وجدت لهذا الحديث طريقا آخر عن عبد الله بن سلام، يرويه عنه بشر بن شغاف في حديث له طويل موقوف وفيه "حتى ينتهي إلى ربه عزوجل، فيلقى له كرسي عن يمين الله عزوجل" الحديث، أخرجه الحاكم (4/568-569) وقال: "صحيح الإسناد، وليس بموقوف، فإن عبد الله بن سلام من الصحابة، وقد أسنده بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير موضع" اهـ.
وأخرجه ابن جرير في تفسيره (15/148). وأورده الخلال في كتاب السنة له (1/233، برقم267)، (1/211-212، برقم237-238). وأخرجه الآجري في الشريعة (4/1609، برقم1097). وأخرجه أبو يعلى في إبطال التأويلات (2/477، برقم444)، (1/72، برقم52).
(5/70)
هو(1) سعيد [بن](2) إياس الجريري راوي(3) الحديث من التابعين، سمع أبا الطفيل(4)، وروى عنه شعبة(5)، والثوري(6).
194- قال أبو داود: وما ظننت أن أحدًا يذكر بالسنة يتكلم(7) في هذا الحديث، إلا أنا علمنا أن الجهمية تنكره(8).
195- وقد رواه محمد بن جرير الطبري(9) في تفسيره لهذه الآية عن مجاهد وغيره، وقال: "ليس في فرق المسلمين من ينكر هذا، لا(10) من يقر(11) أن الله فوق العرش ولا من ينكره"(12)
__________
(1) في (ب) و(ج) "فهو".
(2) في (أ) (ب) "سعيد بن إبي إياس"، والتصويب من مصادر ترجمته.
(3) في (ب) "روى" وهو خطأ.
(4) عامر بن وائلة بن عبد الله بن عمرو بن جحش الليثي، أبو الطفيل، وربما سمي عمرا، ولد عام أُحد، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم وروى عن أبي بكر فمن بعده، وعمّر إلى أن مات سنة (110هـ) على الصحيح، وهو آخر من مات من الصحابة، قاله مسلم وغيره. الإصابة (4/113).
(5) تقدمت ترجمته في الفقرة (73).
(6) تقدمت ترجمته في الفقرة (64).
(7) في (ب) و(ج) "تكلم".
(8) السنة للخلال (1/214)، وفتح الباري (11/267).
(9) في (أ) "الطبراني" وهو خطأ والتصويب من (ب).
وهو محمد بن جرير تقدمت ترجمته في الفقرة (3).
(10) في (ب) و(ج) ( إلا ).
(11) في (ب) ( يقول ).
(12) تفسير الطبري (15/147-148).
وقال الطبري بعد أن رجح تفسير الآية بأن المقام المحمود هو الشفاعة: "وهذا وإن كان الصحيح من القول في تأويل قوله {عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامَاً مَحْمُودًا} لما ذكرنا من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين، فإن ما قاله مجاهد من أن الله يقعد محمداً صلى الله عليه وسلم على عرشه، قول غير مرفوض صحته، لا من جهة خبر ولا نظر، وذلك لأنه لا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، ولا من التابعين بإحالة ذلك ..." إلى أن قال: "فقد تبين إذا بما قلنا أنه غير محال في قول أحد ممن ينتحل الإسلام ما قاله مجاهد من أن الله يقعد محمدًا على عرشه" اهـ.
وأورده الذهبي في العلو (ص125).
(5/71)
.
وكذلك(1) أخرجه أبو بكر النقاش(2) في تفسيره لها.
وكذلك رد(3) الخلال(4) وأبو العباس بن سريج(5) الفقيهان (ق53/أ) المتعاصران على من أنكره.
196- حتى قال أبو بكر النجاد(6) الفقيه -صاحب أبي داود-: "لو أن حالفًا حلف بالطلاق ثلاثًا أن الله يقعد محمدًا معه على العرش، واستفتاني، لقلت له: صدقت وبررت".
وذكره عند(7) القاضي أبي يعلى الفراء(8).
__________
(1) في (ب) و(ج) "وهكذا".
(2) محمد بن الحسن بن محمد الموصلي البغدادي أبو بكر النقاش، مقرئ، مفسر، مات سنة (351هـ) وله خمس وثمانون سنة.
تذكرة الحفاظ (3/908)، طبقات المفسرين للداودي (2/131).
(3) "رد" ساقطة من (ب).
(4) أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد البغدادي الخلال توفي سنة (311هـ)، تقدمت ترجمته في الفقرة (62) وكتابه السنة مطبوع وقد عقد فصلاً لهذه المسألة في كتابه هذا. انظر (1/209-268).
(5) أحمد بن عمر بن سريج، أبو العباس البغدادي، فقيه الشافعية في عصره، ولد سنة (249هـ) وتوفي سنة (306هـ) ببغداد له نحو 400 مصنف، كان يلقب بالباز الأشهب نصر المذهب الشافعي، ونشره في أكثر الأفاق. تاريخ بغداد (4/287)، طبقات الشافعية (2/87).
(6) تقدمت ترجمته في الفقرة (109).
(7) في (ج) "عنه".
(8) أورده في كتاب إبطال التأويلات لأخبار الصفات (2/485، برقم457) وعزاه لابن بطة في الإبانة.
وأورده الذهبي في العلو (ص126).
(5/72)
197- وروى أبو بكر الخلال في "السنة" له، أخبرني الحسن(1) بن صالح العطار(2)، عن محمد بن علي السراج(3)، قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقلت: يا رسول الله إني أريد أن أقول شيئا، فأقبل علي وقال: قل؛ فقلت: إن الترمذي يقول: إن الله لا يقعدك معه على العرش، ونحن نقول إن الله يقعدك معه على العرش فكيف نقول(4)، فأقبل عليَّ شبيه المغضب(5) وهو يشير بيده اليمنى عاقدًا بها أربعين، وهو يقول: بلى والله بلى والله بلى والله(6) يقعدني معه على العرش. فانتبهت"(7).
الترمذي ليس هو أبو عيسى صاحب "الجامع" أحد الكتب الستة، وإنما هو رجل في عصره من الجهمية ليس بمشهور اسمه.
198- وقال محمد بن [عمران](8) الفارسي(9)، عقيب حديث مجاهد: "بلغني أن مسلوبا من الجهال أنكر ذلك، فنظرت في إنكاره، فإن كان قصد مجاهداً رحمه الله، فابن عباس رضي الله عنهما قصد، وإن كان لابن(10) عباس قصد فعلى [قول](11) رسول الله صلى الله عليه وسلم رد"(12).
__________
(1) جاء في (ب) و(ج) "أبو الحسن"، ولم أقف له على ترجمة.
(2) لم أقف له على ترجمة.
(3) لم أقف له على ترجمة.
(4) عبارة "ونحن نقول إن الله يقعدك معه على العرش فكيف نقول" ساقطة من (ب) و(ج).
(5) في (ب) "الغضب".
(6) في (ب) وردت "بلى والله" مرتين، وفي (ج) مرة واحدة.
(7) انظر كتاب السنة لأبي بكر الخلال (1/221، برقم257). وأورده أبو يعلى في إبطال التأويلات (2/485، برقم458).
أورده الذهبي في العلو (ص125).
(8) في (أ) و(ب) و(ج) "عمر" والتصويب من السنة للخلال (1/239).
(9) محمد بن عمران الفارسي، الخياط، أبو جعفر، كان من خيار الناس. طبقات الحنابلة (1/314).
(10) في (ب) "ابن".
(11) ما بين المعكوفتين من (ج)، وجاء في (أ) و(ب) "فعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رد قول محمد بن".
(12) أورده الخلال في السنة (1/239، برقم275).
(5/73)
199- وروى شعبة، عن [عبيد الله بن عمران](1) قال: "سمعت مجاهدا يقول: صحبت ابن عمر(2) لأخدمه فكان هو يخدمني"(3).
وسنذكر من أفتى المروزي(4) بأن الخبر يمر كما جاء، وأنه متلقى بالقبول (ق53/ب)، في موضع طبقاتهم إن شاء الله تعالى.
[الإمام الشافعي (204هـ)]
200- وروى الحافظ عبد الغني المقدسي(5)، وشيخ الإسلام أبو الحسن الهكاري(6) رحمه الله، وغيرهما، في جمعهم عقيدة الشافعي(7)
__________
(1) في (أ) و(ب) و(ج) "عبد الله بن عمر" والتصويب من السنة للخلال(1/222).
وهو عبيد الله بن عمران القريعي، قال أبو حاتم: (شيخ) وذكره ابن حبان في الثقات. الجرح والتعديل (5/329)، الثقات (7/148)، تعجيل المنفعة (1/844).
(2) في (أ) و(ب) "أبا عمر" والتصويب من (ج).
(3) أخرجه الخلال في السنة (1/222، برقم262).
(4) تقدمت ترجمته في الفقرة (188).
(5) عبد الغني بن عبد الواحد بن علي المقدسي، الفقيه الحافظ، صاحب التصانيف المشهورة، ولد سنة (541هـ) وتوفي سنة (600هـ).
تذكرة الحفاظ (4/1372)، سير أعلام النبلاء (21/443-471).
(6) في (ب) و(ج) "الشافعي" بدل "الهكاري".
وهو علي بن أحمد بن يوسف بن جعفر بن عرفة الأموي، أبو الحسن الهكاري، شيخ الإسلام، العالم الزاهد، عرف بكثرة العبادة، توفي سنة (486هـ) وله سبع وسبعون سنة، السير (19/67)، شذرات الذهب (3/378).
(7) تقدم ترجمته في الفقرة (38).
(5/74)
بأسانيدهم إلى أبي ثور(1)، وأبي شعيب، كلاهما عن الإمام(2) أبي عبد الله الشافعي رحمه الله(3) قال: "القول في السنة التي أنا عليها، رأيت(4) أهل الحديث عليها، الذين رأيتهم، مثل سفيان(5)، ومالك، وغيرهما: الإقرار بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله -وذكر أشياء- ثم قال: "وأن(6) الله على عرشه في سمائه(7)، يقرب من خلقه كيف شاء، وينزل إلى سماء(8) الدنيا كيف شاء" وذكر سائر الاعتقاد(9).
201- وروى الحسن بن هشام البلدي(10)
__________
(1) أبو ثور، هو إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان الكلبي، أبو عبد الله البغدادي، الفقيه، مفتي العراق، أحد الثقات المأمونين، ومن الأئمة الأعلام في الدين، له تصانيف كثيرة، توفي سنة (240هـ). تاريخ بغداد (6/65)، السير (12/72).
(2) "الإمام" ساقطة من (ب) و(ج).
(3) عبارة "بأسانيدهم إلى أبي ثور وأبي شعيب كلاهما عن أبي عبد الله الشافعي رحمه الله" ساقطة من (ج).
(4) في (ج) "ورأيت".
(5) في (أ) و(ب) "سفيان سفين" وما أثبته من (ج).
(6) في (ج) "فإن".
(7) في (ب) و(ج) "في عرشه على سمائه".
(8) في (ب) و(ج) "السماء".
(9) أورده ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص123-124، برقم108). وأورده ابن تيمية في مجموع الفتاوى (4/182-183). وأورده الذهبي في سير أعلام النبلاء (10/79) وجزم بعدم صحتها، وفي العلو (ص120) وقال: "إسناده واه". وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص165)، وأوردها أيضا كما في مختصر الصواعق (2/213) وقال: "ذكره الحافظ عبد الغني في كتاب اعتقاد الشافعي". وأورده السيوطي في كتاب الأمر بالإتباع والنهي عن الابتداع (ص207-210، برقم 328-329).
(10) في (ب) "البدر" وفي (ج) "البدري".
وهو الحسن بن هشام بن عمرو، أبو علي البلدي، ذكره ابن العديم في من روى عن أبي جعفر أحمد بن النضر بن بحر السكري، العسكري، المقرئ. انظر بغية الطلب في تاريخ حلب (3/1184).
وذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق (6/56)، وقال فيه: "الحسن بن هاشم".
(5/75)
قال: "هذه وصية محمد بن إدريس الشافعي، أوصى أنه(1) يشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له" -وذكر الوصية- إلى أن قال فيها "والقرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الله يرى في الآخرة عيانًا، ينظر [إليه](2) المؤمنون، ويسمعون كلامه، وأنه تعالى فوق العرش"(3) وذكر سائر الوصية.
رواها الهكاري، والحافظ عبد الغني في العقيدة له.
202- قال أبو عبد الله الحاكم(4)، سمعت الأصم(5) يقول: سمعت الربيع(6) يقول: "سمعت الشافعي، وقد روى حديثا صحيحا، [فقال له رجل: أتأخذ بهذا يا أبا عبد الله؟. فقال: إذا رويت حديثا](7) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أخذ به، فأشهدكم أن عقلي قد ذهب"(8).
__________
(1) في (ج) "أن".
(2) في (ب) "إلي".
(3) أخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص121-123، برقم107).
وأورده الذهبي في العلو (ص120) وقال عنه وعن الذي قبله: "إسنادهما واه".
وقال في سير أعلام النبلاء (10/79): "وكذا وصية الشافعي من رواية الحسين بن هشام البلدي غير صحيحة".
وأورده ابن القيم كما في مختصر الصواعق (2/212-213)، وقال ذكره الحاكم والبيهقي في مناقب الشافعي.
(4) تقدمت ترجمته في الفقرة (29).
(5) تقدمت ترجمته في الفقرة (186).
(6) الربيع بن سليمان، أبو محمد المرادي، صاحب الشافعي، ومحدث الديار المصرية، توفي سنة (270هـ). انظر الجرح والتعديل (1/2/464)، وتذكرة الحفاظ (2/586).
(7) ما بين المعكوفتين سقط من (أ) و(ب) و(ج)، والتصويب من العلو للذهبي وغيره.
(8) أخرجه ابن أبي حاتم في آداب الشافعي ومناقبه (ص67) عن الربيع. وأبو نعيم في الحلية (9/106)، من طريق إبراهيم بن ميمون الصواف عن الربيع. والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى (ص205، برقم250) من طريق الحاكم بسنده عن الربيع، وفي مناقب الشافعي (1/474). والخطيب في الفقيه والمتفقه (1/150) من طريق محمد بن إسماعيل البرقي، عن الربيع. وأورده الذهبي في العلو (ص121).
(5/76)
203- وعن [ابن](1) أبي حاتم سمعت يونس(2)، قال: (ق54/أ) سمعت الشافعي يقول: "لله أسماء وصفات لا يسع أحدا قامت عليه الحجة ردها، فإن خالف بعد ثبوت الحجة عليه(3) فهو كافر، فأما قبل ثبوت الحجة عليه فمعذور بالجهل، لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل، ولا بالروية والفكر، ونثبت هذه الصفات وننفي عنها التشبيه، كما نفى عن نفسه، قال {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}"(4).
رواه شيخ الإسلام في [عقيدة](5) الشافعي، وغيره، بإسناد كلهم ثقات.
والكلام في مثل هذا كثير من الشافعي، فقد جمع شيخ الإسلام أبو الحسن الهكاري، والحافظ أبو محمد عبد الغني، وأبو الحسن بن شكر(6) وغير واحد أقوال الشافعي في أصول الاعتقاد، وذلك موجود بأيدي الناس.
__________
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب) و(ج)، والصواب ما أثبته.
(2) يونس بن عبد الأعلى بن ميسرة الصدقي، أبو موسى البصري، ثقة، من صغار العاشرة، مات سنة (264هـ)، وله ست وتسعون سنة. التقريب (ص1098)، السير (12/348).
(3) في (ج) ( عليها ) وهو خطأ.
(4) وأورده بن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/283-284). أخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (123-125، برقم 108-109). وأورده الذهبي في العلو (ص121)، وفي الأربعين (ص84، برقم86)، وفي السير (10/79-80) من طريق الهكاري. وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص165).
(5) في (أ) "العقيدة"، وما أثبته من (ب) و(ج).
(6) لم أقف له على ترجمته.
(5/77)
[أقوال الصحابة]
ذكر ما حفظ عن الصحابة رضي الله عنهم من أقوالهم بأن الله في السماء على العرش، وذلك في حكم الأحاديث المرفوعة، لأنهم رضي الله عنهم لم يقولوا شيئًا من ذلك إلا وقد أخذوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم لا مساغ لهم في الاجتهاد في ذلك، ولا أن يقولوه بآرائهم، وإنما تلقوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنه:
[أبو بكر الصديق(1) رضي الله عنه]
101- قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه لما مات النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان يعبد محمدًا فإنه قد مات، ومن كان يعبد الذي في السماء فإنه حي لا يموت".
أخرجه هكذا الدارمي(2) بإسناد صحيح(3)، والبخاري في تاريخه من حديث نافع(4)، عن ابن عمر.
[عمر بن الخطاب رضي الله عنه]
__________
(1) عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب التيمي، أبو بكر بن أبي قحافة، الصديق الأكبر، وقيل اسمه (عتيق)، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة وله ثلاث وستون سنة. الإصابة (برقم4817).
(2) عثمان بن سعيد بن خالد، أبو سعيد، التميمي السجستاني، الدارمي نسبة إلى بني دارم، إمام علامة حافظ، مات سنة (280هـ) وقد جاوز الثمانين. طبقات الحنابلة (1/221)، السير (13/319).
(3) أخرجه الدارمي في الرد على المريسي (ص463 -ضمن عقائد السلف).وأخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص101-102، برقم70).وأورده الذهبي في العلو (ص62) وعزاه لابن قدامة في العلو، وأورده أيضًا في الأربعين (ص56-57، برقم33).وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص119) وعزاه للبخاري في تاريخه.وأصله في صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت بعد الموت (ح1242، ص244)، ط:دار السلام، وفيه "ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت".
(4) نافع، أبو عبد الله المدني، مولى ابن عمر، ثقة ثبت فقيه مشهور، من الثالثة، مات سنة (117هـ) أو بعد ذلك، من رجال الجماعة. التقريب (ص996).
(6/1)
102- وعن عبد الرحمن بن غُنْم(1) قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "ويل لديان من في الأرض، من ديان من في السماء يوم يلقونه، إلا من أمر بالعدل، وقضى بالحق، ولم يقض على هوى، ولا على قرابة، ولا على رغب، ولا رهب، وجعل كتاب الله مرآة بين عينيه"(2).
__________
(1) في (ب) و(ج) ( غانم )، وهو عبد الرحمن بن غنم الأشعري، مختلف في صحبته، وذكره العجلي في كبار ثقات التابعين، مات سنة (78هـ). الإصابة (رقم 5183).
(2) أخرجه الدارمي في الرد على المريسي (ص462، -ضمن عقائد السلف)، وفي الرد على الجهمية (ص104).وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص120)، وعزاه إلى أبي نعيم.وأورده الذهبي في العلو (ص63)، وعزاه إلى سمويه في فوائده، من طريق الحافظ أبي نعيم بسنده الذي ذكره هنا، وقال أيضًا: "رواه بنحوه عقبة بن علقة البيروتي، عن سعيد بن عبد العزيز عالم أهل دمشق في عصر مالك، والليث، والحمادين".وقال الألباني: "إسناده صحيح". انظر مختصر العلو (ص103).
(6/2)
قال ابن غنم: "فحدثت (ق39/أ) بهذا الحديث عثمان(1)، ومعاوية(2)، ويزيد(3)، وعبد الملك(4)".
__________
(1) عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي، أبو ليلى، أمير المؤمنين، ذو النورين، أحد السابقين الأولين والخلفاء الأربعة، والعشرة المبشرة، استشهد في ذي الحجة بعد عيد الأضحى سنة (35هـ)، وكانت خلافته 12 سنة وعمره 80 سنة، وقيل أكثر من ذلك، وقيل أقل. الإصابة (برقم5450).
(2) معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب، بن أمية الأموي، أبو عبد الرحمن الخليفة، صحابي جليل، أسلم قبل الفتح وكتب الوحي ومات في رجب سنة (60هـ) وقد قارب الثمانين. الإصابة (رقم8070).
(3) يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي، أبو خالد، ولي الخلافة سنة ستين، ومات قبل المائة، سنة أربع وستين ولم يكمل الأربعين. الكامل لابن الأثير (4/49)، الأعلام (8/189).
(4) عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي، أبو الوليد المدني ثم الدمشقي، كان طالب علم قبل الخلافة ثم اشتغل بها فتغير حاله، ملك ثلاث عشرة سنة استقلالا، وقبلها منازعا لابن الزبير تسع سنين، مات دون المائة وقد جاوز الستين. تاريخ بغداد (10/388)، الأعلام (4/165).
(6/3)
أخرجه أبو نعيم الحافظ(1)، عن ابن فارس(2)، عن سمويه(3)، عن أبي مسهر(4)، عن سعيد بن عبد العزيز(5)، عن إسماعيل بن عبيد الله(6)، [عن](7) ابن غنم.
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، أبو محمد، الأصبهاني، الشيخ، الإمام، المحدث، الصالح، مسند أصبهان، انتهى إليه علو الإسناد، ولد سنة (248هـ)، توفي سنة (346هـ)، السير (15/535)، شذرات الذهب (2/372).
(3) إسماعيل بن عبد الله بن مسعود، العبدي، أبو بشر، الأصبهاني المعروف بسمويه، الحافظ المتقن الطواف، صاحب الفوائد، توفي سنة (297هـ)، تذكرة الحفاظ (ص566).
(4) عبد الأعلى بن مسهر الغساني، أبو مسهر الدمشقي، ثقة فاضل، من كبار العاشرة، مات سنة (218هـ) وله ثمان وسبعون سنة، من رجال الجماعة، التقريب (ص 562).
(5) سعيد بن عبد العزيز بن أبي يحي التنوخي، أبو محمد ويقال أبو عبد العزيز، الدمشقي، ثقة إمام سواه أحمد بالأوزاعي، وقدمه أبو مسهر، لكنه اختلط في آخر عمره، من السابعة، مات سنة (167هـ) وقيل بعدها، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، والأربعة. التقريب (ص383).
(6) إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي مولاهم، الدمشقي أبو عبد الحميد، ثقة، من الرابعة، مات سنة (131هـ) وله سبعون سنة، أخرج له الجماعة إلا الترمذي. التقريب (ص142).
(7) ساقطة من (أ) و(ب) وما أثبته من (ج).
(6/4)
103- وعن عمر أيضًا أنه مر بعجوز(1) فاستوقفته فوقف يحدثها فقال له رجل: "يا أمير المؤمنين حبست الناس على هذه العجوز" فقال: "ويلك أتدري ما هي؟، هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سموات، هذه خولة(2) التي أنزل الله فيها {قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ اَلتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} (3)".
أخرجه عثمان الدارمي في "الرد على المريسي"(4).
[عثمان بن عفان رضي الله عنه]
104- وعن عبد الرحمن بن عوف(5) رضي الله أنه لما أخذ البيعة لعثمان رضي الله عنه وبايعه الناس، رفع رأسه إلى سقف المسجد وقال: "اللهم اشهد".
__________
(1) في (ب) "بعجرور".
(2) خولة بنت مالك بن ثعلبة بن أسرم الأنصارية الخزرجية، صحابية مشهورة، هي التي ظاهر منها زوجها فنزلت فيها سورة {قَدْ سَمِعَ}، ويقال لها خويلة، وزوجها هو أوس بن الصامت.الإصابة (4/282).
(3) الآية 1 من سورة المجادلة.
(4) أخرجه البخاري في التاريخ (7/245).وأخرجه عمر بن شبه في أخبار المدينة (2/394-395، 773-774).وأخرجه الدارمي في الرد على الجهمية (ص274 -ضمن عقائد السلف).وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/322، رقم886).وأورده ابن عبد البر في الاستيعاب (4/291 بهامش الإصابة).وأخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص102-103، برقم 72).وأورده الذهبي في العلو (ص63) وقال: "هذا إسناد صالح فيه انقطاع، أبو زيد لم يلق عمر".وأورده ابن كثير في التفسير (8/60-61) وعزاه لابن أبي حاتم وقال: "هذا منقطع بين أبي زيد وعمر، وقد روي من غير هذا الوجه".وأوردهما ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص120-121).وله طريق آخر عن قتادة.
(5) عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة القرشي، الزهري، أحد العشرة المبشرين، أسلم قديما ومناقبه شهيرة، مات سنة (32هـ) وقيل غير ذلك. الإصابة (رقم5181).
(6/5)
رويناه في جزء فيه مقتل عمر رضي الله عنه(1).
[عبد الله بن مسعود رضي الله عنه]
105- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "ما بين السماء القصوى والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء كذلك، والعرش فوق الماء والله فوق العرش، ولا يخفى عليه شيء من أعمالكم".
رواه اللالكائي(2) (3)، والبيهقي(4)، بإسناد صحيح عنه(5).
__________
(1) أورده الذهبي في العلو (ص63)، وقال قبله: "حديث في شأن بيعة عثمان، لا يصح إسناده وقال بعده رواه علماؤنا في جزء فيه مقتل عمر".
(2) هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري، أبو القاسم اللالكائي، نسبته إلى بيع اللوالك -وهي التي تلبس في الأرجل-، الشافعي، إمام حافظ، مجود، صاحب شرح أصول اعتقاد أهل السنة، توفي سنة (418هـ). تاريخ بغداد (14/70)، السير (17/419).
(3) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/395-396، ح659).
(4) الأسماء والصفات (2/186-187، برقم751).
(5) أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية (ص275 -ضمن عقائد السلف).وأخرجه ابن خزيمة في التوحيد (1/242-243، ح149).وأخرجه الطبراني في الكبير (9/228).وأخرجه أبو الشيخ في العظمة (2/688-689، ح279).وأخرجه ابن عبد البر في التمهيد (7/139).وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص104-105، ح75).وأورده الذهبي في العلو (ص64)، وعزاه لعبد الله بن الإمام أحمد في السنة، وأبو بكر بن المنذر، وأبو أحمد العسال، وأبو القاسم الطبراني، وأبو الشيخ، واللالكائي، وأبو عمر الطلمنكي، وأبو عمر بن عبد البر، وقال: "وإسناده صحيح".
وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص122)، وفي مختصر الصواعق (2/210).
وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (1/86)، وعزاه للطبراني وقال: "رجاله رجال الصحيح".
(6/6)
ورواه أيضا (ق39/ب) أبو بكر بن المنذر(1)، وعبد الله بن أحمد بن حنبل(2)، وأبو القاسم الطبراني(3)، وأبو عمر بن عبد البر(4)، وأبو عمر الطلمنكي(5)، وغيرهم، وأبو أحمد العسال(6).
106- وعن ابن مسعود أنه قال: "من قال: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، تلقاهن ملك فعرج بهن إلى الله تعالى، فلا يمر بملأ من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن، حتى يجيء بهن وجه الرحمن".أخرجه العسال، وإسناده كلهم ثقات(7).
107- وعنه أنه قال: "إن العبد ليهمُّ بالأمر من التجارة والإمارة، حتى إذا تيسر له، نظر الله إليه من فوق سبع سموات، فيقول للملائكة: اصرفوه عنه، فإنه إن يسرته له أدخله النار".
__________
(1) محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، أبو بكر المكي، فقيه مجتهد، من الحفاظ، صاحب الكتب التي لم يصنف مثلها، توفي بمكة سنة (319هـ). السير (14/490)، طبقات الشافعية (2/126).
(2) تقدمت ترجمته.
(3) سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير، أبو القاسم اللخمي الشامي، الحافظ، صاحب المعاجم الثلاثة، توفي سنة (360هـ). السير (16/119)، تهذيب ابن عساكر (6/240).
(4) تقدمت ترجمته.
(5) أحمد بن محمد بن عبد الله، أبو عمر المعافري الأندلسي الطلمنكي، بحر من بحور العلم، إمام مقرئ محدث مفسر، مات سنة (429هـ) وقد قارب التسعين. السير (17/566)، طبقات المفسرين للداودي (1/77).
(6) تقدمت ترجمته.
(7) أورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص252)، وقال أخرجه العسال بإسناد كلهم ثقات.
(6/7)
رواه أبو القاسم اللالكائي الشافعي، وغيره بإسناد صحيح عن خيثمة(1) عنه(2).
108- وعنه قال(3): "إن الله يبرز لأهل جنته في كل جمعة في كثيب من كافور أبيض، فيحدث لهم من الكرامة ما لم يروا مثله، ويكونوا في الدنو منه كمسارعتهم إلى الجمع".
أخرجه ابن بطة(4) بإسناد صحيح، عن عمرو بن قيس(5)، عن ابن مسعود(6)
__________
(1) خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي الكوفي، ثقة، وكان يرسل، من الثالثة، مات دون المائة بعد سنة ثمانين، من رجال الجماعة. التقريب (ص304).
(2) أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية ( -ضمن عقائد السلف- ص274- 275).وأخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (4/668، ح1219). وأورده الذهبي في العلو (ص64) وعزاه للالكائي وقال: "أخرجه اللالكائي بإسناد قوي، رواه الثوري عن الأعمش عن خيثمة". وأورده ابن القيم كما في مختصر الصواعق وقال: (إسناده صحيح)، (2/210)، وأورده أيضا في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص122-و254).
(3) قال ) ساقطة من (ب).
(4) عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري أبو عبد الله، ابن بطة الحنبلي مصنف كتاب الإبانة المشهور، إمام قدوة عابد، فقيه محدث، مات سنة (387هـ) وله أربع وثمانون سنة. طبقات الحنابلة (2/114)، السير (16/529).
(5) لم أقف على من اسمه عمرو بن قيس في طبقة من يروي عن ابن مسعود إلا عمرو ابن قيس الذي ترجم له الذهبي في الميزان (3/285)، قال: "تابعي قديم، ذكره ابن المديني في المجاهيل". وقال ابن الجوزي في الضعفاء والمتروكين (2/231) في ترجمة عمرو بن قيس الكندي: "وجملة من يأتي في الحديث (عمرو بن قيس) خمسة ليس فيهم من طعن فيه غير هذا"، أي عمرو بن قيس الكندي.
(6) أخرجه ابن بطة في الإبانة (تتمة الرد على الجهمية)، (3/42، ح31).
والدارقطني (ح165)، من طريق ابن المبارك، أخبرنا المسعودي به، وهو حديث حسن لغيره و(ح166)، من طريق الحسن بن عرفة حدثني شبابة بن سوار، عن المسعودي عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال: "قال عبد الله بن مسعود." فذكره. وعبد الله بن أحمد في السنة (1/259، ح476). والطبراني في الكبير (9/273، ح9169)، من طريق أبي نعيم ثنا المسعودي به. وأبو يعلى في إبطال التأويلات (2/287، برقم285). قال الهيثمي:"رواه الطبراني في الكبير، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه". المجمع (2/178). والمسعودي كان قد اختلط، إلا أن رواية أبي نعيم عنه صحيحة، لأنها قديمة قبل الاختلاط. وقد روي مرفوعا بلفظ: "إن الناس يجلسون من الله يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعات". رواه ابن ماجه(1094) بسند فيه مقال. وقد ضعفه الألباني في ظلال الجنة(620). وللحديث شواهد من حديث أنس وحذيفة وابن عباس عند ابن بطة في الإبانة (تتمة الرد على الجهمية) (برقم24، 26، 30). وأورده الذهبي في العلو (ص65) وعزاه لابن بطة في الإبانة الكبرى. ولم أقف عليه بالإسناد الذي ذكره الذهبي (عمرو بن قيس عن ابن مسعود).
(6/8)
.
[عبد الله بن عمرو(1) رضي الله عنهما]
109- وعن عبد الله بن عمرو أنه قال: "إذا مكثت النطفة في رحم المرأة أربعين ليلة، جاءها ملك فاختلجها، ثم عرج بها إلى الرحمن عز وجل، فيقول: اخلق يا أحسن الخالقين، فيقضي الله فيها ما يشاء، فيقطع رزقه وخلقه، فيهبط الملك بهما جميعا".
رواه أبو بكر النجاد(2) من حديث ابن لهيعة(3) وحديثه فوق (ق40/أ) الضعيف ودون الحسن، ولهذا الحديث(4) شواهد في الصحيح(5).
[أبو هريرة رضي الله عنه]
110- عن أبي هريرة قال: "يحشر الناس حفاة، عراة، مشاة، قياما، أربعين سنة، شاخصة أبصارهم إلى السماء ينظرون فصل القضاء، وقد ألجمهم العرق من شدة الكرب، وينزل الله في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي(6)".
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) في (ج) ( النجادي ).
وهو أحمد بن سليمان بن الحسن بن إسرائيل، أبو بكر النجاد، شيخ العلماء ببغداد في عصره، حنبلي من حفاظ الحديث، كُف بصره في آخر عمره، توفي سنة (348هـ). تاريخ بغداد (4/189)،طبقات الحنابلة (2/7).
(3) عبد الله بن لهيعة بن عقبة الحضرمي، أبو عبد الرحمن المصري القاضي، قال الذهبي: "العمل على تضعيف حديثه"، وقال ابن حجر: "صدوق اختلط بعد احتراق كتبه"، مات سنة (174هـ) وقد ناف الثمانين. الكاشف (2/122)، التقريب (ص538).
(4) في (ج) "دون الحسن، وللحديث".
(5) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (4/674-675، ح1236). وإسناده ضعيف لأن فيه جعفر بن محمد الخراساني وهو مجهول، انظر الميزان (1/415).
(6) أورده الذهبي في العلو (ص65) وعزاه للعسال في كتاب المعرفة. وأورده ابن كثير في النهاية (2/205)، بتحقيق محمد عبد العزيز. وأورده السيوطي في البدور السافرة في أمور الآخرة (ص90، باب29، ح6) وعزاه للبيهقي.
(6/9)
أخرجه أبو أحمد العسال من حديث المنهال بن عمرو(1)، عن عبد الله بن الحارث(2)، عن أبي هريرة.
[عبد الله بن عباس رضي الله عنهما]
111- وعن عبد الله بن عباس قال: "فكروا(3) في كل شيء ولا تفكروا في ذات الله، فإن بين السموات إلى كرسيه سبعة آلاف نور، وهو فوق ذلك سبحانه وتعالى".
رواه البيهقي في "الصفات" وأبو الشيخ الأصبهاني(4) في كتاب "العظمة" وغيرهما بإسناد حسن عنه(5).
__________
(1) جاء في (أ) و(ب) و(ج) "المنهال عن بن عمرو عن عبد الله بن الحارث"، والتصويب من العلو للذهبي (ص65). وهو المنهال بن عمرو الأسدي مولاهم، الكوفي، قال الذهبي: "وثقه ابن معين"، وقال ابن حجر: "صدوق ربما وهم"، من الخامسة، أخرج له البخاري والأربعة. الكاشف (1/177)، التقريب (ص974).
(2) عبد الله بن الحارث الأنصاري البصري، أبو الوليد، نسيب ابن سرين، ثقة من الثالثة، من رجال الجماعة. التقريب (ص498).
(3) في (ج) "تفكروا".
(4) في (ج) "الأصفهاني" وهو خطأ. وهو عبد الله بن محمد، تقدمت ترجمته.
(5) أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب العرش (برقم16). والأصبهاني في الترعيب والترهيب (2/173). وأبو الشيخ في العظمة (1/212). والبيهقي في الأسماء والصفات (2/323، رقم887).
وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص106-107). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص123)، وعزاه لعبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة وأورده ابن حجر في فتح الباري (13/383) وقال: "موقوف وإسناده جيد". وقال السخاوي في المقاصد الحسنة (ص159) بعد أن ذكر من أخرج الحديث: "وأسانيدها ضعيفة ولكن باجتماعها تكتسب قوة، والمعنى صحيح". وأورده السيوطي في الجامع الصغير (1/132)، وسكت عنه، كما سكت عنه المناوي في فيض القدير (3/292). وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (4/396)، وضعيف الجامع (3/39).
(6/10)
112- وعنه أنه جاءه رجل فقال: "إني أجد شيئا يختلف، أسمع الله يقول {أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا}(1) إلى قوله {بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا}(2) فذكر الله تعالى خلق السماء قبل الأرض ثم قال في آية أخرى {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ}(3) إلى قوله {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء}(4) فذكر هنا خلق الأرض قبل السماء. فقال ابن عباس: أما قوله {أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا} فإنه خلق الأرض قبل السماء ثم (0ق40/ب) استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات ثم نزل إلى الأرض فدحاها".
أخرجه البخاري في صحيحه(5).
__________
(1) من الآية 27 إلى الآية 30 من سورة النازعات.
(3) من الآية 9 إلى الآية 10 من سورة فصلت.
(5) أخرجه البخاري في صحيحيه كتاب التفسير باب تفسير سورة حم السجدة (ص1028-1029) ط:دار السلام. وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص249-250) وقال: "وهذه الزيادة وهي قوله -ثم نزل إلى الأرض- ليست عند البخاري وهي صحيحة".
(6/11)
113- وعن عبد الله بن أبي سلمة(1) "أن ابن عمر بعث إلى ابن عباس يسأله: هل رأى محمد ربه؟ فبعث إليه أن نعم، فأرسل إليه ابن عمر: كيف رآه؟ فقال: رآه على كرسي من ذهب تحمله أربعة من الملائكة(2)".
أخرجه أبو عبد الله بن بطة(3) في كتاب "الإبانة"، من حديث محمد ابن إسحاق(4)، وهو [على](5) شرط أبي داود والنسائي وغيرهما.
114- وصح عن جويبر(6)، عن الضحاك(7)، عن ابن عباس قال: "قالت امرأة العزيز ليوسف: إني كثيرة الدر والياقوت، فأعطيك ذلك
__________
(1) عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، التيمي مولاهم، ثقة، من الثالثة، مات سنة (106)، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي. التقريب (ص512).
(2) أخرجه ابن أبي شيبة في العرش (ح38). وعبد الله بن الإمام أحمد في السنة (1/175-176، ح217). وابن خزيمة في التوحيد (1/483-484، رقم275). والآجري في الشريعة (3/1543 برقم 1034، و1035). والبيهقي في الأسماء والصفات (2/361-362، رقم934) وقال: "هذا حديث تفرد به محمد بن إسحاق بن يسار، وقد مضى الكلام في ضعف ما يرويه إذا لم يبين سماعه فيه، وفي هذه الرواية انقطاع بين ابن عباس وبين الراوي عنه، وليس بشيء من هذه الألفاظ في الروايات الصحيحة عن ابن عباس". وأورده ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/24). وأورده السيوطي في الدر المنثور (7/648) وعزاه لابن إسحاق.
(3) تقدمت ترجمته.
(4) تقدمت ترجمته.
(5) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب) و(ج)، والصواب ما أثبته.
(6) جويبر بن سعيد يقال اسمه جابر وجويبر لقب، الأزدي، أبو القاسم البلخي نزيل الكوفة، راوي التفسير ضعيف جدًا، من الخامسة، مات بعد الأربعين ومائة. التقريب (ص205).
(7) جاء في (أ) (ب) "عن الضحاك وعن ابن عباس" والتصويب من العلو للذهبي (ص88). أما الضحاك فهو ابن مزاحم الهلالي، أبو القاسم أو أبو محمد الخراساني، صدوق كثير الإرسال، من الخامسة، مات بعد المائة، وهو مفسر، ولم يثبت له سماع من أحد من الصحابة. التقريب (ص459).
(6/12)
حتى تنفق في مرضاة سيدك الذي في السماء"(1).
115- وعنه أنه قيل له إن ناساً يقولون بالقدر فقال: "يكذبون بالكتاب، لئن [أخذت](2) شعر أحدهم لأنصُوَنَّه(3)، إن الله كان على عرشه، وكتب ما هو كائن، وإنما يجري الناس على أمر قد [قضي](4) [و](5) فرغ(6) منه"(7).
رواه سفيان الثوري وغيره، عن أبي هاشم(8)، عن مجاهد(9) عنه.
__________
(1) أخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص96، 97) بسنده عن ابن عباس. وأورده الذهبي في العلو (ص88) وقال: (حديث جويبر بن سعيد -وهو واه- عن الضحاك عن ابن عباس) وذكره وقال بعده: "إسناده قوي عن جويبر". وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص250).
(2) في (أ) و(ب) "أحدث" وما أثبته من (ج).
(3) يقال نَصَوْتُ الرَّجُلَ أنْصُوهُ نَصْوًا، إذا مددت ناصيته، والمراد هنا أي أخذت بناصيته، وهي مقدمة رأسه. انظر النهاية (5/68)، واللسان (15/327).
(4) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ).
(5) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب)، والتصويب من المصادر الأخرى.
(6) في (ج) "على أمر قد فرغ".
(7) أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب العرش (ح5). والدارمي في الرد على الجهمية (ص266). وابن جرير في تفسيره (29/17). والآجري في الشريعة (2/770، برقم351). وابن بطة في الإبانة الكبرى (2/106، ح98). واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/396،ح660). وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص105-106 برقم77). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص124).
(8) إسماعيل بن كثير الحجازي، أبو هاشم المكي، ثقة من السادسة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد والأربعة. التقريب (ص143).
(9) تقدمة ترجمته في الفقرة (1).
(6/13)
116- وروى عكرمة(1) في قوله {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ}(2) عن ابن عباس قال: "لم يستطع (ق41/أ) أن يقول من فوقهم، علم أن الله من فوقهم"(3).
رواه إبراهيم بن الحكم بن أبان(4) وهو ضعيف، عن أبيه(5)، عن عكرمة.
[أم سلمة(6) رضي الله عنها]
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) الآية 17 من سورة الأعراف.
(3) أخرجه ابن جرير (8/137) من طريق حفص، عن عمر بن الحكم بن أبان بلفظ "لم يقل من فوقهم، لأن الرحمة تنزل من فوقهم". واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/396-397،ح661). وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص106، ح78). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص124). وأورده السيوطي في الدر المنثور (3/73) وعزاه إلى عبد بن حميد.
(4) إبراهيم بن الحكم بن أبان العدني، ضعيف، وصل مراسيل، من التاسعة.التقريب (ص106).
(5) الحكم بن أبان العدني، أبو عيسى، صدوق عابد، له أوهام، من السادسة، مات سنة (154هـ) وكان مولده سنة ثمانين، روى له البخاري في جزء القراءة والأربعة. التقريب (ص261).
(6) أم سلمة هند بنت أبي أمية، أم المؤمنين وكانت قبل النبي عند أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد، توفيت سنة (62هـ) ودفنت بالبقيع، وهي آخر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم موتا وقيل ميمونة. الإصابة (4/407-408).
(6/14)
117- وعن محمد بن أشرس الكوفي(1)، حدثنا أبو المغيرة النضر بن
إسماعيل الحنفي(2)، حدثنا قرة(3)، عن الحسن(4)، عن [أمه](5)، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإقرار به إيمان واجب(6)، والجحود به كفر".
__________
(1) محمد بن أشرس الكوفي. وقع في الإبانة أبو كنانة محمد بن الأشرس. وفي التوحيد لابن منده محمد بن أشرس الكوفي. وفي شرح أصول اعتقاد أهل السنة أبو كنانة محمد بن الأشرس الأنصاري. وعند ابن قدامة في إثبات صفة العلو أبو كنانة محمد بن أشرس الأنصاري. وهو ضعيف، ضعفه الذهبي كما جاء في تعليقه على هذا الأثر، ولم أقف له على ترجمة. أما من أحال على الميزان (3/485)، أو لسان الميزان (5/49) فذاك رجل آخر، نيسابوري سلمي، كناه ابن الجوزي في الضعفاء والمتروكين (3/43) بأبي عبد الله. ولم يذكر أحد ممن ترجم له أنه يروي عن أبي المغيرة النضر بن إسماعيل الحنفي. والله أعلم.
(2) وقع في الإبانة (3/162، رقم120) عمير بن عبد الحميد الثقفي. وفي شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/397، برقم663)، أبو عمير الحنفي. وكذا في العلو للذهبي (ص65). وفي إثبات صفة العلو لابن قدامة (ص109، برقم82). وأما في التوحيد لابن منده (3/302، برقم887) فسماه أبو المغيرة كما وقع هنا. وهو النضر بن إسماعيل بن حازم البجلي، أبو المغيرة الكوفي القاصّ، ليس بالقوي، من صغار الثامنة، مات سنة (182هـ)، أخرج له الترمذي والنسائي. التقريب (1001).
(3) قرة بن خالد السدوسي البصري، ثقة ضابط، من السادسة، مات سنة (155هـ)، من رجال الجماعة. التقريب (ص800).
(4) الحسن هو البصري، تقدمت ترجمته.
(5) في (أ) و(ب) (عن أبيه)، وما أثبته من (ج) وهو الصواب كما في مصادر التخريج الآتية. وأمه هي خيرة أم الحسن البصري مولاة أم سلمة، مقبولة، من الثانية، أخرج لها مسلم والأربعة. التقريب (ص1352).
(6) واجب ) ساقطة من (أ) و(ب).
(6/15)
رواه ابن منده(1) واللالكائي وغيرهما بأسانيد صحاح عن محمد بن أشرس أبي كنانة الكوفي وهو رواه(2).
[أنس بن مالك رضي الله عنه]
__________
(1) محمد بن إسحاق بن محمد بن يحي بن منده، أبو عبد الله العبدي الأصبهاني الحنبلي، الحافظ، الإمام، الجوال، المحدث، مات سنة (395هـ) وله خمس وثمانون سنة. طبقات الحنابلة (2/167)، السير (17/28)
(2) أخرجه ابن بطة في الإبانة في تتمة الرد على الجهمية (3/162-163 برقم120). وابن منده في كتاب التوحيد (3/302-303، برقم 887). واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/397، ح663). وأورده أبو يعلى في إبطال التأويلات، (1/71، برقم51)، و(ق150/أ-ب)، وعزاه في الموضعين للخلال. وأبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف (ص179). وأورده الحافظ عبد الغني المقدسي في عقيدته (ص42-43، برقم 16). وأخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص109، برقم82). وقال ابن تيمية رحمه الله بعد ذكر قول مالك في الاستواء: "وقد روي هذا الجواب عن أم سلمة رضي الله عنها موقوفا ومرفوعاً، ولكن ليس له إسناد يعتمد عليه". الفتاوى (5/365). وأخرجه الذهبي في العلو (ص65) وقال: "هذا القول محفوظ عن جماعة كربيعة الرأي، ومالك الإمام، وأبي جعفر الترمذي، فأما عن أم سلمة فلا يصح، لأن أبا كنانة ليس بثقة وأبو عمير لا أعرفه" اهـ. وأورده ابن حجر في الفتح (13/406).
(6/16)
118- وعن أنس بن مالك قال: "قال أبو بكر لعمر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق بنا إلى أم أيمن(1) [نزورها](2) كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما انتهيا إليها بكت، فقلنا ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله، فقالت: صدقتما ولكن أبكي أن الوحي انقطع عنا من [السماء](3)، فهيجتهما(4) على البكاء".
رواه مسلم(5).
__________
(1) أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وحاضنته واسمها بركة بنت ثعلبة وهي أم أسامة بن زيد بن حارثة. الإصابة (4/415-416).
(2) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ).
(3) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ)، وفي (ب) "من به"، وما أثبته من (ج).
(4) في (ب) "فهيجتها".
(5) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أم أيمن رضي الله عنها (7/144، 145). وأخرجه ابن ماجة في سننه، أبواب ما جاء في الجنائز (65)، باب ذكر وفاته ودفنه صلى الله عليه وسلم (1/300، ح1636).
(6/17)
119- وعن أبي مالك(1)، وأبي صالح(2)، عن ابن عباس، وعن مرة(3) [عن ابن مسعود و](4) عن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء}: "إن الله كان على عرشه على الماء، ولم يخلق شيئاً قبل الماء، فلما أراد أن يخلق الخلق، أخرج من الماء دخاناً فارتفع [فوق الماء فسما عليه، فسماه سماء](5)، ثم أيبس الماء فجعله أرضاً، ثم فتقها فجعلها سبع أراضين" إلى أن قال "فلما فرغ الله من خلق ما أحب استوى على العرش"(6).
__________
(1) غزوان الغفاري، أبو مالك الكوفي، مشهور بكنيته، ثقة، من الثالثة، أخرج له البخاري تعليقا وأبو داود والترمذي والنسائي. التقريب (ص776).
(2) باذام بالذال المعجمة ويقال آخره نون، أبو صالح مولى أم هانئ، ضعيف مدلس، من الثالثة، أخرج له الأربعة. التقريب (ص163).
(3) مرة بن شراحيل الهمْداني، أبو إسماعيل الكوفي هو الذي يقال له مرة الطيب، ثقة عابد، من الثانية، مات سنة ست وسبعين وقيل بعد ذلك، من رجال الجماعة. التقريب (ص930).
(4) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب) و(ج) والتصويب من تفسير الطبري، انظر (1/435).
(5) ما بين المعكوفتين سقط من (أ) و(ب) و(ج)، والتصويب من مصادر التخريج.
(6) أخرحه الطبري في تفسيره (1/435-436)، وقد تكلم الشيخ أحمد شاكر رحمه الله على هذا السند مطولاً، انظر (1/156-160). وابن خزيمة في التوحيد (2/886-888). والبيهقي في الأسماء والصفات (2/243-244، برقم807). وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص252-253). وأورده ابن كثير في تفسيره (1/67-68). وأورده السيوطي في الدر المنثور (1/42-43)، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات.
(6/18)
أخرجه محمد بن جرير الطبري (ق41/ب) في تفسيره، عن موسى بن هارون(1)، حدثنا عمرو بن حماد(2)، حدثنا أسباط(3)، عن السدي(4).
فبين فيه أن خلق العرش قبل سائر الخلق، وأن استواءه عز وجل عليه كان بعد ذلك، ومن ذلك: قوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}(5).
120- وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كان الله ولا شيء معه، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض(6)".
أخرجه البخاري(7).
فخلق العرش قبل خلق السموات والأرض، [ثم خلق السموات والأرض](8) بنص الكتاب والسنة، هذا لاشك فيه.
__________
(1) موسى بن هارون الهمداني، قال الشيخ أحمد شاكر: "رحمه الله ما وجدت له ترجمة ولا ذكرا فيما بين يدي من المراجع إلا ما يرويه عنه الطبري أيضاً في تاريخه...وما بنا حاجة لترجمته من جهة الجرح والتعديل، فإن هذا التفسير الذي يرويه عن عمرو بن حماد معروف عند أهل العلم بالحديث وما هو إلا رواية كتاب لا رواية حديث بعينه" اهـ. تفسير الطبري (1/153، في الهامش).
(2) عمرو بن حماد بن طلحة القناد، أبو محمد، الكوفي، وقد ينسب إلى جده، صدوق رمي بالرفض، من العاشرة، مات سنة (222هـ). التقريب (ص733).
(3) أسباط بن نصر الهمداني، أبو يوسف ويقال أبو نصر، صدوق كثير الخطأ، يغرب، من الثامنة، أخرج له البخاري تعليقا ومسلم والأربعة. التقريب(ص124).
(4) إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السُّدِّي، أبو محمد الكوفي، صدوق يهم رمي بالتشيع، من الرابعة، مات سنة (127هـ).التقريب (ص141).
(5) الآية 7 من سورة هود.
(6) عبارة "ثم خلق السموات والأرض" ساقطة من (ب) و(ج).
(7) أخرجه البخاري في صحيحه، كتب التوحيد، باب {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ} (ح7418)، وقد تقدم تخريجه برقم (89).
(8) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ).
(6/19)
وقد قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} فلو كان الاستواء هنا بمعنى الاستيلاء أو القهر، ونحو ذلك، على ما حرفته الجهمية والمعتزلة، لكان الله تعالى غير مستول على العرش ولا قاهر له قبل خلق السموات والأرض، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
فتدبر ذلك، وحاسب نفسك، واتق الله فيما تقوله، ودع الهوى واتبع الإنصاف وقول الحق، جعلنا الله(1) ممن استمع القول فاتبع أحسنه.
__________
(1) لفظة "الله" ساقطة من (ب) و(ج).
(6/20)
(ق30/أ) 64- وعنه قال سمعت(1) النبي صلى الله عليه وسلم يقول(2): "رب يمين لا تصعد إلى الله في هذه البقعة، فرأيت فيها النجاسة"(3).
رواه الثوري(4)، عن عاصم بن عبيد الله بن حفص(5)، عن عبيد بن أبي عبيد(6)، عن أبي هريرة وهو غريب.
65- وخرج عبد أسود لبعض أهل خيبر في غنم له حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "من هذا؟ قالوا: رسول الله، قال: الذي في السماء؟ قالوا: نعم. فقال: أنت رسول الله؟ قال: "نعم" قال: الذي في السماء؟ قال: "نعم" فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهادة، فتشهد فقاتل حتى استشهد".
__________
(1) سمعت) ساقطة من (ب) و(ج).
(2) يقول) ساقطة من (ج).
(3) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (2/303) بلفظ "رُب يمين لا تصعد إلى الله عز وجل بهذه البقعة، فرأيت فيها النخاسين بعد".والديلمي في الفردوس (2/270، ح 3254).أورده الذهبي في العلو (ص52) وقال: "هذا حديث منكر".وقال الحافظ ابن حجر كما في مختصر إتحاف المهرة (7/115، 5515): "رواه أبو يعلى الموصلي بسند ضعيف لضعف عاصم بن عبيد الله".
(4) سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله، أمير المؤمنين في الحديث، كان سيد أهل زمانه في علوم الدين والتقوى، من رؤوس الطبقة السابعة، وكان ربما دلس، مات سنة (161هـ) وله أربع وستون سنة، من رجال الجماعة. تاريخ بغداد (9/151)، التقريب (ص394).
(5) عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب، العدوي، المدني، ضعيف، من الرابعة،مات في أول دولة بني العباس، سنة (132هـ)، أخرج له البخاري تعليقا وأبو داود والترمذي والنسائي في عمل اليوم والليلة وابن ماجة. التقريب(ص472).
(6) عبيد بن أبي عبيد، واسم أبي عبيد كثير، مولى أبي رُهْم، -بضم الراء وسكون الهاء-، لقبه (أشياخ كوثا)، مقبول من الثالثة، روى له أبو داود وابن ماجة. التقريب (ص651).
(7/1)
أخرجه الأموي(1) في "المغازي" عن محمد بن إسحاق(2).
66- وعن عدي بن عميرة الكندي(3) قال: "كان بأرضنا حبر من اليهود يقال له [ ابن الشهلاء](4)، فالتقيت أنا وهو، فقال: إني أجد في كتاب الله أن أصحاب الفردوس قوم يعبدون ربهم على وجوههم، لا والله، ما أعلم هذه الصفة إلا فينا معشر اليهود، وأجد نبيها(5) يخرج من اليمن، لا نراه يخرج إلا منا(6)، قال عدي: فوالله ما لبثت حتى بلغنا أن رجلا من بني هاشم قد تنبأ فذكرت حديث [ابن الشهلاء](7) فخرجت إليه صلى الله عليه وسلم فإذا هو ومن معه يسجدون على وجوههم ويزعمون أن إلههم في السماء" /.
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) أخرجه ابن إسحاق في مغازيه كما في كل من سيرة ابن هشام (3(ق30/ب)397-398).
وإثبات صفة العلو لابن قدامة (ص50-51، برقم20).والاستيعاب لابن عبد البر (1/87).وابن حجر في الإصابة (1/38).واسم العبد: أسلم الراعي، كما في الاستيعاب والإصابة والعلو لابن قدامة.وقال محقق إثبات صفة العلو لابن قدامة: "والحديث إسناده ضعيف لإعضاله، فإن محمد بن إسحاق لم يذكر واسطته في هذه القصة، فهي على الأقل اثنان من الرواة، والله أعلم" ا.هـ. وأورده الذهبي في العلو (ص53)، وقال قبله: "حديث في المغازي لابن إسحاق بلا إسناد" وذكره.
(3) في (أ) و(ب) و(ج) "عدي بن أبي عميرة العدوي". والصواب عدي بن عميرة بفتح أوله، ابن فروة بن زرارة الكندي، صحابي معروف يكنى أبا زرارة، مات سنة أربعين. الإصابة (رقم5489).
(4) في (أ) و(ب) و(ج) "ابن سهلاء". والتصويب من مصادر التخريج.
(5) في (ب) و(ج) (نبياً).
(6) في (ج) "لانراه إلا أن يخرج منا".
(7) في (أ) و(ب) و(ج) "ابن سهلاء". والتصويب من مصارد التخريج.
(7/2)
رواه الأموي في المغازي(1) من حديث محمد بن إسحاق، حدثنييزيد بن سنان(2)، عن سعيد بن الأجيرد(3)، عن العرس بن قيس الكندي(4)، عن عدي بن عميرة.
67- وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله(5) صلى الله عليه وسلم حدثني عن ربه عز وجل قال: "وعزتي وجلالي، وارتفاعي فوق عرشي، ما من أهل قرية ولا بيت ولا رجل ببادية كانوا على ما كرهت من معصيتي، فتحولوا عنها إلى ما أحببت من طاعتي، إلا تحولت لهم عما يكرهون من عذابي، إلى ما يحبون من رحمتي".
__________
(1) أخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص51-52، برقم21).وأخرجه الذهبي في العلو (ص25،31)، وقال: "هذا حديث غريب".وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص127) وعزاه ليحي بن سعيد الأموي في مغازيه.وأورده ابن حجر في الإصابة (2/463) في ترجمة عدي بن عميرة، وعزاه لابن إسحاق.
(2) يزيد بن سنان، لم أقف على ترجمته.
(3) سعيد بن الأجيرد، لم أقف على ترجمته.
(4) العرس بن قيس بن سعيد بن الأرقم، بن النعمان، الكندي، ذكره ابن عبد البر فقال: "مذكور في الصحابة ولا أعرفه"، وقال أبو حاتم: "لأهل الشام عرسان، عرس بن عميرة له صحبة، وعرس بن قيس لا صحبة له، وزعم العسكري أنهما واحد وأن عميرة أمه وقيسا أبوه، وزعم ابن قانع أن قيساً أبوه وعميرة جده، فالله أعلم". الإصابة (رقم5507)، وقال في التقريب (ص673): (صحابي مُقِلٌّ).
(5) و(ج) "النبي".
(7/3)
أخرجه ابن أبي شيبة(1) في كتاب "العرش"(2)، عن الحسن بن علي(3)، حدثنا الهيثم(4) بن الأشعث السلمي(5)، حدثنا أبو حنيفة [اليمامي](6)،
عن عمر بن عبد الملك(7)
__________
(1) محمد بن عثمان بن أبي شيبة العبسي مولاهم، الكوفي، الإمام الحافظ، محدث الكوفة، مات سنة (297هـ). تاريخ بغداد (3/42-47)
(2) أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب العرش (ح19).وابن بطة في الإبانة، كتاب الرد على الجهمية (3/177-178، ح134).وأورده الذهبي في العلو (ص53).وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص106).وأورده ابن كثير في تفسيره (2/504).وأورده السيوطي في الدر المنثور (4/48) وعزاه لابن أبي شيبة في كتاب العرش، وأبو الشيخ وابن مردويه.وقال الذهبي في العلو: "إسناده ضعيف".وعلة ضعفه جهالة ابن الأشعث وأبي حنيفة اليمامي.
(3) الحسن بن علي بن محمد الهذلي، أبو علي، الخلال الحُلواني، نزيل مكة، ثقة، حافظ، له تصانيف، مات سنة (242هـ). تهذيب التهذيب (2/302).
(4) في (أ) (ج) "القاسم".والتصويب من (ب).
(5) الهيثم بن الأشعث أبو محمد، السلمي، روى عنه الحسن بن علي الحلواني، وعثمان ابن الهيثم، مجهول، وقال العقيلي في الضعفاء: "يخالف حديثه ولا يصح إسناده". ميزان الاعتدال (4/319)، لسان الميزان (6/203).
(6) في (أ) و(ب) (ج) "اليماني".والصواب ما أثبته، وأبو حنيفة، اليمامي لم يذكروا فيه سوى أن ابن المبارك وعبد الحكم بن أعين المصري رويا عنه. الاستغناء (ت 1531).وسماه الحافظ ناشرة بن عبد الله، يروي عن ابن طاووس، وقال: "يخطئ في روايته، قاله ابن حبان في الثقات". اللسان (6/144).وقال البخاري في التاريخ -الكنى- (ص25): "أبو حنيفة اليمامي روى عنه ابن المبارك وابنه إبراهيم بن أبي حنيفة اليمامي" ا.هـ
(7) كذا في (أ) و(ب) و(ج).وفي الإبانة لابن بطة "عمر بن عبد الملك"، وكذا في العلو للذهبي.
وفي العرش لابن أبي شيبة "عمير بن عبد الله".وفي اجتماع الجيوش الإسلامية (ص106) "عدي بن عميرة الكندي".وفي تفسير ابن كثير "عمير بن عبد الملك".ولعل ما ذكره ابن القيم هو الصواب وقد تقدمت ترجمته قريباً.
(7/4)
قال: "خطبنا علي ." فذكره.
ورواه أبو أحمد العسال في كتاب "المعرفة" له، عن أحمد بن حسن [الطائي](1)، عن الحلواني(2) به(3).
68- وروى مالك بن دينار(4) عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخبرني جبرائيل عن الله عز وجل أنه يقول: وعزتي وجلالي واستوائي على عرشي وارتفاع مكاني إني لأستحيي من عبدي وأمتي يشيبان في الإسلام أن أعذبهما".
رواه الحافظ أبو نعيم(5) في كتبه(6)، عن أبي بكر ابن السندي(7)
__________
(1) في (أ) و(ب) و(ج) "الطاري". والتصويب من العلو للذهبي، ولم أقف له على ترجمة.
(2) الحسن بن علي بن محمد الهذلي المتقدم قريباً.
(3) انظر العلو للذهبي (ص53).
(4) مالك بن دينار، البصري، كان عالما زاهدًا كثير الورع، معدود في ثقات التابعين. توفي سنة (127هـ).انظر سير أعلام النبلاء(5/363-364)،التقريب (ص915).
(5) أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني المهراني الصوفي، صاحب الحلية، إمام حافظ، ثقة علامة، محدث عصره، مات سنة (430هـ). السير (17/453)، طبقات الحفاظ (1/423).
(6) أخرجه أبو نعيم في الحلية (2/387)، وقال: "لم يروه عن مالك إلا أبو سلمة الأنصاري، تفرد به عنه يحي بن خذام" اهـ.وأخرجه ابن حبان في المجروحين (2/267) عن محمد بن المسيب، عن يحي بن خذام به.وأخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص65، برقم35).وأخرجه الذهبي في الميزان (3/600)من طريق ابن قدامة، وقال: "رواه جماعة عن يحي بن خذام".
(7) أورده الذهبي في العلو (ص43) وقال: "أخرجه أبو نعيم الحافظ في "الحلية"، وعداده في الموضوعات، وهذا الأنصاري ليس بثقة".
أحمد بن سندي بن الحسن بن بحر أبو بكر، الحدّاد، قال الخطيب: "حدث عنه أبو نعيم الأصبهاني وكان ثقة، صادقاً، خيراً، فاضلاً" ووثقه غيره،مات سنة(359هـ). تاريخ بغداد (4/187).
(7/5)
، (ق31/أ) حدثنا جعفر بن محمد بن الصياح(1)، حدثنا يحي بن خذام(2)، حدثنا محمد ابن عبد الله بن زياد الأنصاري(3)، عن مالك بن دينار.
69- وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جمع الله الخلائق حاسبهم، فميز بين أهل الجنة والنار، وهو في جنته على عرشه"(4).
هذا حديث محفوظ عن نوح بن قيس(5)، عن يزيد الرقاشي(6)، رواه يزيد بن هارون(7) وغيره عنه.
__________
(1) جعفر بن أحمد بن محمد بن الصياح، أبو الفضل، الجرجاني، قال عنه الدارقطني: (ثقة). سؤالات السهمي للدارقطني (ص191).
(2) يحي بن خذام -بكسر المعجمة- ابن منصور السقطي، البصري، مقبول، من التاسعة، مات سنة (252هـ)، أخرج له ابن ماجه. التقريب (ص1053).
(3) محمد بن عبد الله بن زياد، الأنصاري، أبو سلمة، البصري، مشهور بكنيته، ومنهم من سماه محمد بن عمر بن عبد الله، كَذَّبوهُ، من الثامنة، جاوز المائة، أخرج له ابن ماجة في التفسير. التقريب (ص861).
(4) أورده ابن القيم في كتابه اجتماع الجيوش الإسلامية (ص109-110) وقال: "قال محمد بن عثمان الحافظ: هذا حديث صحيح".
(5) نوح بن قيس بن رباح الأزدي أبو روح، أخو خالد، صدوق، رمي بالتشيع، من الثامنة، مات سنة (184هـ). التقريب (ص1010).
(6) يزيد بن أبان الرقاشي، أبو عمرو البصري، القاص الزاهد، ضعيف، من الخامسة، مات قبل العشرين ومائة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد والترمذي وابن ماجة. التقريب (ص1071).
(7) يزيد بن هارون بن وادي، ويقال زاذان بن ثابت السلمي، مولاهم، أبو خالد، الواسطي، أحد الأعلام الحفاظ المشاهير، ثقة متقن، عابد، من التاسعة، مات سنة (206هـ)، وقد قارب التسعين، أخرج له الجماعة. تاريخ بغداد (14/337)، التقريب (ص1084).
(7/6)
70- وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مررت ليلة أسري بي برائحة طيبة، فقلت لجبريل ما هذه [الرائحة الطيبة](1)؟. فقال: ماشطة بنت فرعون، كانت تمشطها فوقع المشط من يدها، فقالت: باسم الله، فقالت ابنة فرعون: أبي، قالت: ربي ورب أبيك، قالت: أقول له إذاً، قالت: قولي له، فقال لها: أولك رب غيري، قالت: ربي وربك الله الذي في السماء. فأحمي لها [بنقرة](2) من نحاس، فألقى ولدها واحدًا واحدًا، فكان آخرهم صبي، فقال: يا أماه اصبري فإنك على الحق"(3).
هذا حديث حسن من حديث عطاء بن [السائب](4)، عن سعيد بن جبير(5).
__________
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ).
(2) في (أ) (بقرة)، والنقرة: قدر يسخن فيه الماء وغيره، ويقال (النقرة). النهاية (5/105).
(3) أخرجه الإمام أحمد في المسند (1/309) وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند.والدارمي في الرد على الجهمية (ص25).وابن حبان في صحيحه (رقم36 -موارد).والطبراني في الكبير (450-451، رقم12279).وأورده الذهبي في العلو (ص45-46).وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (1/65) وعزاه لأحمد والبزار والطبراني في الأوسط والكبير، وقال: "فيه عطاء بن السائب، وهو ثقة ولكنه اختلط".وقال الألباني: "رجاله ثقات إلا أن عطاء بن السائب كان اختلط وقد روى عنه حماد في حال الاختلاط". وانظر الرد على الجهمية للدارمي (ص25).وقال الذهبي في العلو (ص46): "هذا حديث حسن".وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص113)، وعزاه للدارمي.
(4) في (أ) و(ب) و(ج) "عطاء بن يسار" وهو خطأ، والصواب ما أثبته.
وهو عطاء بن السائب أبو محمد، ويقال أبو السائب الثقفي، الكوفي، صدوق قد اختلط، من الخامسة، مات سنة (136هـ). التقريب (ص678).
(5) سعيد بن جبير الأسدي، مولاهم، الكوفي، ثقة ثبت فقيه، من الثالثة، قتل بين يدي الحجاج سنة (95هـ) ولم يكمل الخمسين. تهذيب الكمال (10/358)، التقريب (ص374).
(7/7)
رواه أبو يعلى الموصلي(1) في مسنده(2)، عن هدبة(3)، عن حماد بن سلمة(4) عنه.
__________
(1) أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي، إمام، حافظ، مشهور، مجمع على ثقته وإمامته وعدله، صاحب المسند، مات سنة (307). السير (14/174).
(2) المسند لأبي يعلى (4/294-295، رقم2517).
(3) في (ب) "هذابة".
وهو هدبة بن خالد بن الأسود القيسي، أبو خالد، البصري، ويقال له هدّاب، ثقة عابد، تفرد النسائي بتليينه، من صغار التاسعة، مات سنة (241هـ)، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود. التقريب (ص1018).
(4) في (ب) "مسلمة".وهو حمّاد بن سلمة بن دينار البصري، أبو سلمة، مولى تميم، ويقال مولى قريش، وقيل غير ذلك، ثقة عابد تغير حفظه بآخره، من كبار الثامنة مات سنة (167هـ)، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم والأربعة. التقريب (ص268).
(7/8)
71- وعن عبادة بن الصامت(1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فينزل الله كل ليلة إلى سماء(2) الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: ألا عبد من عبادي يدعوني، (ق31/ب)فأستجيب له، ألا ظالم لنفسه يدعوني فأفكه(3)، فيكون كذلك إلى مطلع الصبح ويعلو على كرسيه"(4).
__________
(1) عبادة بن الصامت بن قيس، الأنصاري، الخزرجي، أبو الوليد، المدني، أحد النقباء، بدري، مشهور، مات سنة (34هـ) وقيل عاش إلى خلافة معاوية. الإصابة (رقم4497).
(2) في (ج) "السماء".
(3) في (ج) "فأكفيه".
(4) أخرجه الطبراني في الأوسط (6/159، رقم6079).والآجري في الشريعة (3/1143-1144، برقم717).وأورده الذهبي في العلو(ص53) وقال: "إسحاق ضعيف لم يدرك جد أبيه" ا.هـ.وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص107).وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (10/154) وقال: "رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ويحي ابن إسحاق لم يسمع عبادة ولم يرو عنه غير موسى بن عقبة، وبقية رجال الكبير رجال الصحيح" اهـ.وقوله: (يحي بن إسحاق) كذا في المجمع المطبوع، وهو تصحيف، والصواب (إسحاق بن يحي بن الوليد بن عبادة بن الصامت).وأورده ابن حجر في فتح الباري (13/468) وقال: "ومن حديث عبادة بن عاصم وفي آخره "ثم يعلو ربنا على كرسيه" وهو من رواية إسحاق بن يحي عن عبادة ولم يسمع منه" اهـ.
(7/9)
72- وفي صحيح مسلم "لا أسأل عن عبادي غيري"(1)، تفرد به موسى ابن عقبة(2)، عن إسحاق بن يحي(3)، عن عبادة.
والحجة فيه قوله "يعلو على كرسيه".
وأما قوله "ينزل الله إلى سماء الدنيا(4)" فقد رواه نيِّف وعشرون من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أفردت لذلك جزءاً(5)
__________
(1) لم أقف عليه في صحيح مسلم.وأخرجه أحمد في مسنده (4/16).وابن ماجة في سننه، كتاب إقامة الصلاة (1/435).وعثمان الدارمي في الرد على المريسي (19-20).وابن خزيمة في التوحيد (1/312-314، ح37، 195).والآجري في الشريعة (3/1138، ح710).والدارقطني في النزول (ص145، 149).واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/440-441).وأورده الذهبي في الأربعين في صفات رب العالمين (ص70)، وعزاه لمسلم كما جاء هنا.
(2) موسى بن عقبة أبي عياش، (بتحتانية ومعجمة)، الأسدي، مولى آل الزبير، ثقة، فقيه، من الخامسة، لم يصح أن ابن معين لينه، مات سنة (141هـ) وقيل بعد ذلك. انظر التهذيب (10/360)، التقريب (ص983).
(3) إسحاق بن يحي بن الوليد بن عبادة بن الصامت، أرسل عن عبادة، وهو مجهول الحال، من الخامسة، قتل سنة (131هـ). انظر التهذيب (1/257)، التقريب (ص133).
(4) في (ب) و(ج) "ينزل إلى السماء الدنيا".
(5) أشار المصنف إلى ذلك أيضًا في كتابه الأربعين في صفات رب العالمين (ص70).أما الصحابة الذين رووا الحديث فهم:
1ـ أبو بكر الصديق رضي الله عنه
رواه الدارمي في الرد على الجهمية (ص44).وابن أبي عاصم في السنة (1/222، ح509).والبزار كما في كشف الأستار (2/435).وابن خزيمة في التوحيد (1/325، 626، ح48-200).والعقيلي في الضعفاء (3/29).وابن عدي في الكامل (5/1946).والدارقطني في النزول (ص155-157، ح75).واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/438-439، ح750).والهيثمي في مجمع الزوائد (8/65) من طرق متعددة.ولفظه: "إذا كان ليلة النصف من شعبان نزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا". الحديث.
2ـ حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
رواه الإمام أحمد في المسند (1/120).والدارمي في سننه (1/87).والدارمي (عثمان بن سعيد) في الرد على الجهمية (ص40).والدارقطني في النزول (89-90، برقم1).وأخرجه أبو يعلى في المسند (11/447-448).والخطيب في تاريخ بغداد (4/255، رقم6576).والهيثمي في مجمع الزوائد (10/154) وقال: "رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه، وزاد "ألا تائب" ورجالهما ثقات، وقد صرح ابن إسحاق بالسماع".وقال أحمد شاكر في تعليقه على المسند (2/203): "إسناده صحيح، ولفظه "إذا مضى ثلث الليل الأول، أو نصف الليل، هبط الله - تعالى - إلى السماء الدنيا"...الحديث".
3ـ حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
رواه أحمد في المسند (1/388-403) و(1/446).والدارمي في الرد على الجهمية (ص40).وابن خزيمة في التوحيد (1/319-320، ح42-198).والآجري في الشريعة (3/1140، ح713) و(3/1141-1142، ح714).والدارقطني في النزول (ص98-100، ح8،9،10، 11، 12).واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/443، ح757).وأبو يعلى في المسند (9/219، رقم5319).وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (10/153) وقال: "رواه أحمد وأبو يعلى، ورجالهما رجال الصحيح".وقال ابن القيم كما في مختصر الصواعق (ص374): "هذا حديث حسن ورجاله أئمة)، ولفظه "إن الله عزوجل يفتح أبواب السماء ثلث الليل الباقي، ثم يهبط إلى السماء الدنيا..." الحديث".
4ـ حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:
رواه الدارمي في الرد على الجهمية (ص41).وابن أبي عاصم في السنة (1/224، برقم513).وقال الألباني في تخريج السنة: "إسناده صحيح".ولفظه عند الدارمي "إن الله يمهل حتى إذا مضى ثلث الليل هبط إلى سماء الدنيا ..." الحديث.ولفظه عند ابن أبي عاصم "إن الله ليمهل في شهر رمضان كل ليلة حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول هبط إلى السماء..." الحديث.
5- حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه:
رواه عبد الرزاق (5/15-16، رقم8830).والطبراني في الكبير (12/425-426، برقم13566).رواه البزار كما في كشف الأستار (2/8-9).وابن حبان في صحيحه -موارد- (ص239-240).والهيثمي في مجمع الزوائد (3/274) وعزاه للطبراني في الكبير والبزار، ولفظه "فإن الله تبارك وتعالى يهبط إلى سماء الدنيا...".وقال الهيثمي: "رجال البزار موثوقون".
6ـ حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه:
رواه أحمد في المسند (4/22).وابن أبي عاصم في السنة (1/222 ح508).وابن خزيمة في التوحيد (1/321 برقم43).والطبراني في المعجم الكبير (9/45) رواه البزار في مسنده (6/308، رقم2320).والدارقطني في النزول (ص150 ح72).وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (10/153) وعزاه لأحمد والبزار والطبراني.ولفظه عند ابن خزيمة والطبراني "ينزل الله تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا كل ليلة ..." الحديث.وعند أحمد والباقين "يناد مناد كل ليلة..." الحديث.وقال الهيثمي: "ورجالهما أي أحمد والبزار رجال الصحيح، غير علي بن زيد، وقد وثق وفيه ضعف".
7ـ حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه:
رواه ابن أبي عاصم في السنة (1/224 ح512).وابن حبان في صحيحه -موارد- (ص488).والطبراني في المعجم الكبير (20/108)، وفي الأوسط (7/36، برقم6776).والدارقطني في النزول (ص158 برقم77).وأبو نعيم في الحلية (5/1901).وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (8/65)، وقال: "رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجالهما ثقات".وقال الألباني في تخريج كتاب السنة: "حديث صحيح، ورجاله موثقون، لكنه مقطوع بين مكحول ومالك بن يخامر، ولولا ذلك لكان حسنًا ولكنه صحيح بشواهده المتقدمة" اهـ.ولفظه "يطلع الله إلى خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا مشركًا و مشاحناً".
8ـ أبو أمامة صدي بن عجلان رضي الله عنه:
أخرجه الشجري الشيعي في كتاب الأمالي (2/100).وذكره ابن القيم كما في مختصر الصواعق (ص382)، من طريق جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة ولفظه "إذا كان ليلة النصف من شعبان، هبط الله إلى سماء الدنيا فيغفر لأهل الأرض إلا لكافر أو مشاحن".والقاسم هو ابن عبد الرحمن الدمشقي، صدوق يرسل كثيرًا، كما في التقريب (ص792).وجعفر بن الزبير: متروك الحديث، كما في التقريب (ص199).فالحديث ضعيف جدًا بهذا الإسناد لأجله.
9ـ حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه:
أخرجه الدارقطني في كتاب النزول (ص140-141، ح65)، وقال: فيه نظر.ولفظه "إذا مضى ثلث الليل، أو قال نصف الليل ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا..." الحديث.وأخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/446 ح762).
10ـ حديث أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه:
رواه ابن أبي عاصم في السنة (1/223-224 برقم511).والدارقطني في النزول (ص160 ح80).واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/445 برقم760).وقال الألباني في ظلال الجنة: "حديث صحيح رجاله ثقات غير الأحوص بن حكيم فإنه ضعيف الحفظ، كما في التقريب، فمثله يستشهد به فيتقوى بالطرق التي بعده وبالشواهد المتقدمة". -يعني ما ورد في كتاب السنة لابن أبي عاصم.
11ـ حديث رفاعة بن عرابة الجهني رضي الله عنه:
وقد تقدم تخريج حديثه برقم (72).
12ـ حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه:
وقد تقدم تخريج حديثه برقم (71).
13ـ حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه:
رواه الإمام أحمد في المسند (4/385).والدارقطني في النزول (ص142-144 برقم66-67).واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/445-446 برقم761).جميعهم من طريق سليم بن عامر عن عمرو بن عبسة.وفيه "إن الله عز وجل يتدلى من جوف الليل الآخر...".وفي سنده انقطاع لأن سليم بن عامر لم يدرك عمرو بن عبسة.
14ـ حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
أخرجه مالك في الموطأ (1/214).والإمام أحمد في المسند (2/264).ومسلم في صحيحه، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في الدعاء والذكر (1/521، ح758).وأبو داود في سننه،كتاب الصلاة، باب أي الليل أفضل (2/76 ح135).والترمذي في سننه، كتاب الدعوات (5/526 ح3498).والدارمي في سننه (1/286).والآجري في الشريعة (3/1129-1132 ح 699، 700، 701، 702).وأبو نعيم في كتاب أخبار أصبهان (4/254).جميعهم من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة.وأخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التهجد، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل (3/59 ح1145).وابن ماجة في سننه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في أي ساعات الليل أفضل (1/435 ح1366).وابن أبي عاصم في السنة (1/217 ح493).وابن خزيمة في التوحيد (1/290-309).والدارقطني في النزول (ص102 برقم13).واللالكائي في شرح السنة (3/435-436 ح742-745).والبيهقي في السنن الكبرى (3/2)، وفي الأسماء والصفات (2/372، ح946).جميعهم من طريق سلمة بن عبد الرحمن وأبي عبد الله الأغر.ولفظه "ينزل ربنا -تبارك وتعالى- كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر" الحديث.
15ـ حديث أبي الدرداء رضي الله عنه:
رواه الدارمي في الرد على الجهمية (ص39).وابن خزيمة في التوحيد (1/322-324 ح199).والعقيلي في الضعفاء الكبير (2/93).والدارقطني في النزول (ص151-152).واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/442 ح756).وفيه زياد بن محمد "منكر الحديث".قال الذهبي في الميزان (2/98): "فهذه ألفاظ منكرة لم يأت بها غير زياد" اهـ.ولفظه "إن الله ينزل في ثلاث ساعات من الليل..." الحديث.
16ـ حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه:
رواه ابن ماجة في سننه، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في ليلة النصف من شعبان (1/445 ح1390).وابن أبي عاصم في السنة (1/223).والدارقطني في النزول (ص173).
واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/447).جميعهم من طريق الضحاك بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي موسى.قال البوصيري في مصباح الزجاجة (2/10): "إسناد حديث أبي موسى ضعيف لضعف عبد الله بن لهيعة وتدليس الوليد بن مسلم".وقال الألباني في ظلال الجنة: "إسناده ضعيف لجهالة عبد الرحمن وهو ابن عزوب، وضعف ابن لهيعة".ولفظه "ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا ليلة النصف من شعبان" الحديث.
17ـ حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه:
أخرجه البزار كما في كشف الأستار (2/28) من طريق أيوب، عن أبي الزبير، عن جابر.وابن حبان في صحيحه (248) -موارد.وأخرجه أبو يعلى في المسند (4/69-70)، كلاهما من طريق هشام الدستوائي عن أبي الزبير عن جابر.وأخرجه ابن خزيمة في الصحيح (4/263).والبغوي في شرح السنة (7/159).واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/439 برقم751-752).وابن عبد البر في التمهيد (1/120).جميعهم من طريق مرزوق الباهلي، عن أبي الزبير عن جابر.ولفظه "إذا كان يوم عرفة إن الله ينزل إلى سماء الدنيا..." الحديث.
وقال الألباني: "إسناده ضعيف لعنعنة أبي الزبير"، انظر: صحيح ابن خزيمة (4/263).
18ـ حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه:
أخرجه أحمد في المسند (4/81).والدارمي في سننه (1/221).وابن أبي عاصم في السنة (1/221-222 ح507).والنسائي في عمل اليوم الليلة (ص342).وابن خزيمة في التوحيد (1/315-316 برقم39).والطبراني في المعجم الكبير (2/134، برقم1566).والآجري في الشريعة (3/1142-1143 برقم715-716).ورواه البزار في مسنده (8/361، برقم3439).والدارقطني في النزول (ص93 ح4-5).واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/443 برقم758-759).وأبو يعلى في مسنده (13/404-405، برقم7408).والبيهقي في الأسماء والصفات (2/196).وأورده ابن القيم كما في مختصر الصواعق (ص374) وقال: "هذا حديث صحيح رواه النسائي".
وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (10/154) وقال: "رواه أحمد، والبزار، وأبو يعلى، ورجالهم رجال الصحيح ورواه الطبراني".ولفظه "ينزل الله عز وجل كل ليلة إلى سماء الدنيا"
19ـ حديث أنس بن مالك:
رواه البزار كما في كشف الأستار (2/9-10) من طريق إسماعيل بن رافع، عن أنس، وفيه "وأما وقوفك عشية عرفة، فإن الله تبارك وتعالى يهبط إلى السماء الدنيا.." الحديث.وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (3/276) وقال: (رواه البزار وفيه إسماعيل بن رافع وهو ضعيف).
20ـ حديث عائشة رضي الله عنها:
أخرجه مسلم في صحيحه، باب فضل الحج والعمرة يوم عرفة (2/982ح1348).وابن ماجة في سننه، كتاب المناسك، باب الدعاء في عرفة (2/1003 ح3014).والنسائي في سننه، كتاب مناسك الحج، باب ما ذكر في عرفة (5/251-252).وابن خزيمة في صحيحه (4/259).والبيهقي في السنن (5/118).جميعهم من طريق ابن المسيب عن عائشة.ولفظه "وإنه عز وجل ليدنو ثم يباهي..." الحديث.
21ـ حديث أم سلمة رضي الله عنها:
أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/450 ح767-768).ولفظه "إن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل عرفة ملائكته " الحديث.وفي إسناده ضعف.أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية (287 -ضمن عقائد السلف).وانظر في مسألة النزول شرح حديث النزول لابن تيمية، ومختصر الصواعق المرسلة للموصلي.
(7/10)
.
73- وروى شعبة(1)، عن الحكم(2)، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليشرف على حاجة من حاجات الدنيا، فيذكره الله فوق سبع سموات، فيقول: ملائكتي، إن عبدي قد أشرف على حاجة من حوائج(3) الدنيا، فإن فتحتها له فتحت بابا من أبواب النار، ولكن أزوها عنه، فيصبح العبد عاضاً على أنامله يقول من دهاني؟، ما هي إلا رحمة رحمه الله بها"(4).
__________
(1) شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي، مولاهم، أبو بسطام، الواسطي ثم المصري، ثقة حافظ متقن كان الثوري يقول: "هو أمير المؤمنين في الحديث" وكان عابدًا، من السابعة، مات سنة (160هـ). التقريب (ص436).
(2) الحكم بن عتيبة، أبو محمد، الكندي الكوفي، ثقة ثبت فقيه، إلا أنه ربما دلس، من الخامسة مات سنة ثلاث عشرة ومائة أو بعدها، من رجال الجماعة.التقريب (ص263).
(3) في (ب) و(ج) "من حاجات".
(4) أخرجه أبو نعيم في الحلية (3/305، 7/208).
وقال في الموضع الأول: "هذا حديث غريب من حديث شعبة عن الحكم عن مجاهد، لم نكتبه إلا من حديث علي بن معبد عن صالح".وقال في الموضع الثاني: "غريب من حديث شعبة، تفرد به صالح".وأخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص63، برقم33) وقال: "هذا حديث غريب من حديث شعبة عن الحكم عن مجاهد، قال أبو نعيم: لم نكتبه إلا من حديث علي بن معبد عن صالح" اهـ.وأخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/317).وأورده الذهبي في العلو (ص44) وقال: "صالح تالف ولا يحتمل شعبة هذا".
(7/11)
تفرد به علي بن [معبد](1) أحد شيوخ النسائي، عن صالح بن بيان(2) وليس بعمدة عن شعبة.
74- وروى شهر بن حوشب(3)، عن يزيد(4) قال: سمعت رسول اللهصلى الله عليه وسلم يقول: "يهبط الرب تبارك وتعالى من السماء السابعة (ق32/أ) إلى المقام الذي هو قائمه، ثم يخرج عنق من النار فيظل الخلائق كلهم، فيقول أمرت بكل جبار عنيد، ومن زعم أنه عزيز كريم، ومن دعى مع الله إلها آخر"(5).
أخرجه أبو أحمد العسال من حديث أبان(6) وهو ضعيف عن شهر.
__________
(1) في (أ) و(ب) و(ج) "سعيد" والصواب ما أثبته.وهو علي بن معبد بن نوح البغدادي، نزيل مصر، وهو الصغير، ثقة، من الحادية عشر، مات سنة (259هـ)، أخرج له النسائي فقط. التقريب (ص705).
(2) صالح بن بيان الثقفي، ويقال العبدي، ويعرف بالساحلي، ولي قضاء سيراف، ضعيف،يروي المناكير عن الشيوخ الثقات، وقال الدارقطني: صالح بن بيان: متروك. تاريخ بغداد (9/310).
(3) شهر بن حوشب الأشعري، أبو سعيد، الشامي، مولى أسماء بنت يزيد بن السكن، صدوق، كثير الإرسال والأوهام، من الثالثة، مات سنة (112هـ)، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم والأربعة. التقريب (ص441).
(4) هكذا في الأصل، ولعل الصواب: أسماء بنت يزيد بن السكن، وهي أسماء بنت يزيد ابن السكن الأنصارية، أم سلمة الأوسية، الأشهلية، من المبايعات، روى عنها شهر ابن حوشب، قال ابن السكن: "وهو أروى الناس عنها". الإصابة (4/229).
(5) أخرجه بنحوه أحمد في مسنده (2/326، 3/40، 6/110).
والترمذي في سننه في كتاب صفة جهنم، باب ما جاء في صفة النار (4/701 ح2572).
(6) أبان بن صالح بن عمير بن عبيد القرشي مولاهم، ثقة، من الأئمة ووهم ابن حزم فجهله، وابن عبد البر فضعفه، من الخامسة، مات سنة بضع عشرة ومائة، وهو ابن خمس وخمسين، أخرج له البخاري تعليقا والأربعة. التقريب (ص103).
(7/12)
75- وعن ابن المنكدر(1)، عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الملك يرفع العمل للعبد يرى أن في يديه(2) منه سرورًا، حتى ينتهي إلى الميقات الذي وصف الله فيضع العمل فيه، فيناديه الجبار من فوقه: ارم بما معك في سجين فيقول ما رفعت إليك إلا حقًا(3)، فيقول: صدقت ارم بما معك في سجين".
أخرجه أبو أحمد العسال، [من حديث أبي العسال](4)، من حديث أبي الخطاب النجم بن إبراهيم(5)، عن ابن المنكدر(6).
76- وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم أربعين سنة، شاخصة أبصارهم إلى السماء، ينظرون [إلى](7) فصل القضاء، فينزل الله من العرش إلى الكرسي في ظلل من الغمام".
__________
(1) محمد بن المنكدر، تقدمت ترجمته.
(2) في (ب) و(ج) (يديه).
(3) عبارة (فيقول ما رفعت إليك إلا حقاً)ساقطة من (ب) و(ج).
(4) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ)، وما أثبته من (ب) و(ج).وفي العلو (لأبي حميد العسال)، ولم أقف له على ترجمة.
(5) النجم بن إبراهيم، أبو الخطاب، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، وقال: "روى عن محمد بن المنكدر، روى عنه عبد الجبار بن عاصم". الجرح والتعديل (8/501).
(6) أورده الذهبي في العلو(ص53، 54)،وقال:"حديث منكر لا يثبت مثله، ونجم لا أعرفه".وجاء بنحو عن يحي بن أبي كثير قال: "إن الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجاً حتى إذا انتهى إلى ربه قال اجعلوه في سجين -أي لم أرد بهذا".أخرجه ابن المبارك في الزهد زوائد نعيم بن حماد (ص17، برقم71).وأبو نعيم في الحلية (3/70) ط: دار الكتب العلمية، بيروت.وابن الضراب في ذم الرياء (ص108، برقم13).
(7) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ).
(7/13)
هذا حديث حسن تفرد به أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود(1)، فرواه مسروق(2)، (ق32/ب) عن ابن مسعود(3).
77- وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه، إن رحمتي سبقت غضبي" متفق عليه(4).
أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الرد على الجهمية.
__________
(1) أبو عبيدة، بن عبد الله بن مسعود، مشهور بكنيته، والأشهر أنه لا اسم له غيرها، ويقال اسمه عامر، كوفي، ثقة من كبار الثالثة، والراجح أنه لا يصح سماعه من أبيه، مات قبل المائة، من رجال الجماعة. التقريب (ص1174).
(2) مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني، الوادعي، أبو عائشة، الكوفي، ثقة فقيه عابد، مات سنة اثنتين، وقيل ثلاث وستين، أخرج له الجماعة. التقريب (ص935).
(3) أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة (206).وابن خزيمة في كتاب التوحيد (1/215-217، ح123).والآجري في الشريعة (2/1019-1022، ح610).والحاكم في المستدرك (4/589-590)، وقال: (صحيح ولم يخرجاه).واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/485).وأورده الذهبي في العلو (ص54)، وقال: "فيه انقطاع محتمل"، وأورده في الأربعين (ص135-137 ح131).
(4) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب (15) (ح7404). وانظر (ح 3194، 7453، 7553، 7554).وأخرجه مسلم في صحيحه، التوبة، باب في سعة رحمة الله وأنها سبقت غضبه (8/95).
(7/14)
78- ورواه أبو(1) أحمد العسال من حديث النعمان بن بشير(2) موقوفا عليه قال: "إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق السموات والأرض فهو معه على العرش فأنزل منه آيتين فختم بهما سورة البقرة، وإن الشيطان لا يدخل بيتاً قرءتا فيه"(3).
79- وأخرج البخاري في باب قوله {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} عن ابن عباس قال: بلغ أبا ذر(4) مبعث النبي صلى الله عليه وسلم فقال لأخيه: "اعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء".
هكذا أخرجه في كتاب الرد على الجهمية من صحيحه(5).
__________
(1) لفظة (أبو) ساقطة من (ب) و(ج).
(2) النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة، الأنصاري، الخزرجي، له ولأبويه صحبة، ثم سكن الشام، ثم ولي إمرة الكوفة، ثم قتل بحمص سنة (65هـ)، وله أربع وستون سنة. الإصابة (رقم8730).
(3) أخرجه أحمد في المسند (4/274).وأخرجه الترمذي مرفوعا، كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء في آخر سورة البقرة، وقال: "هذا حديث حسن غريب". (5/159-160، ح2882).والدارمي (3390).والنسائي في عمل اليوم والليلة (ص536، 537، ح966، 967).وابن حبان في صحيحه -موارد- (1726).والحاكم في المستدرك (2/260) مرفوعاً.والبيهقي في الأسماء والصفات (1/564-565، برقم490).وأورده السيوطي في الدر المنثور (1/378) وعزاه لأبي عبيد، والدارمي، والترمذي، والنسائي، وابن الضريس، ومحمد بن نصر، والحاكم وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات.
(4) أبو ذر الغفاري، الصحابي المشهور، اسمه جندب بن جنادة على الأصح، تقدم إسلامه وتأخرت هجرته، فلم يشهد بدرًا، ومناقبه كثيرة جدًا، مات سنة (32هـ) في خلافة عثمان. الإصابة (4/63).
(5) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، قول الله تعالى: {تَعْرُجُ اَلملاَئِكَةُ وَالرُوحُ إِلَيْهِ}، وقوله جل ذكره: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ اَلكِلِمُ اَلطِّيبُ} (ص1556)، ط: دار السلام.
(7/15)
80- وعن جابر بن عبد الله قال: بلغني حديث في القصاص بمصر فقلت لراويه: بلغني عنك في القصاص، قال: نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يبعثكم يوم القيامة حفاة عراة غرلاً بهماً، [ثم يجمعكم](1)، ثم ينادي وهو قائم على عرشه بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب، أنا الملك أنا الديان (ق33/أ)"(2).
__________
(1) ساقطة من (أ) و(ب) و(ج)، والتصويب من مصادر التخريج.
(2) أخرجه الخطيب البغدادي في الرحلة في طلب الحديث (33)، وقال الحافظ في الفتح (1/174) عن سند الخطيب: "وفي إسناده ضعف"، لأن فيه عمر بن الصبح وهو كذاب، متهم بالوضع. انظر الميزان (3/206).وأخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص72، 73، برقم42).وفي إسناده إسحاق بن بشر وهو وضاع كما في الميزان (1/186).وأورده أبو يعلى الحنبلي في إبطال التأويلات (ق152/ب - 153/أ).وأورده الذهبي في العلو (ص56) وقال: "حديث المبتدأ لإسحاق بن بشر وهو كذاب -كما قدمنا-" ثم ذكره وقال: "فهذا شبه موضوع".وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص114،115) وقال: "احتج به أئمة السنة أحمد بن حنبل وغيره".وأورده الزبيدي في إتحاف السادة المتقين (10/479).وأما رحلة جابر بن عبد الله فهي ثابتة، والشطر المرفوع الذي رواه ليس فيه ذكر العرش، وقد أخرجه الإمام أحمد في المسند (3/495)، والبخاري في الأدب المفرد (970)، وغيرهما بإسناد حسن.
(7/16)
هذا حديث محفوظ عن جابر بن عبد الله، رواه عنه عبد الله بن محمد بن عقيل(1)، ومحمد بن المنكدر(2)، وأبو الجارود العبدي(3)، وله طرق يصدق بعضها بعضاً.
__________
(1) عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي، أبو محمد، المدني، أمه زينب بنت علي، صدوق، في حديثه لين ويقال تغير بآخره، من الرابعة، مات بعد الأربعين ومائة. التقريب (ص542).
(2) تقدمت ترجمته.
(3) قال صاحب الفهرست (ص253): "أبو الجارود، ويكنى أبا النجم، زياد بن المنذر، العبدي، من علماء الزيدية".وجاء في الميزان (2/93) وتهذيب الكمال (9/517): "زياد بن المنذر الهمداني، ويقال النهدي، ويقال الثقفي، أبو الجارود الكوفي الأعمى".وهو مترجم في التقريب (ص348) وقال عنه: "رافضي كذبه يحي بن معين، من السابعة، مات بعد الخمسين ومائة".وجاء في كتاب الرحلة في طلب الحديث (ص115)، العبسي (بالسين).وقال المحقق نورالدين عتر: "أبو الجارود العبسي بالباء واضح جداً في المخطوطتين وضبطه ابن حجر في الفتح (1/127-128) فقال: (وهو بالنون الساكنة)، وأياً ما كان فإن أبا جارود هذا ليس في رأينا هو زياد بن المنذر الأعمى المترجم في التقريب والتهذيب وغيرهما، وذلك لأسباب منها:
1- أن أبا جارود الذي في هذا الحديث تابعي متقدم يروي عن جابر ويروي عنه مقاتل بن حيان، أما زياد بن المنذر فمتأخر لا رواية له عن الصحابة.
2- أن أبا جارود نسب هنا عبسياً، وأما زياد بن المنذر فإنه نهدي أو همداني.
3- أن الحافظ قال: "في سند هذا الحديث الذي من طريق أبي جارود وفيه ضعف" أما زياد بن المنذر فكذاب وضاع لا يصلح أبداً أن يقال في إسناده فيه ضعف، بل يقال واهٍ أو ما في هذا المعنى مما يفيد الوهن الشديد".انظر هامش كتاب الرحلة في طلب الحديث (ص115-116).
(7/17)
81- وأخرج البخاري تعليقًا منه قوله: "ينادي بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان" في كتاب الرد على الجهمية من صحيحه(1) في إذا تكلم الله بالوحي، وقد جمع ألفاظ أحاديث الصوت، وقد ورد في ذلك بضعة عشر حديثاً مرفوعة(2) من سوى أقوال الصحابة والتابعين، وقد تتبعتها وجمعتها في جزء أصحها ما أورده البخاري بعد هذا الحديث فقال:
82- حدثني عمر بن حفص(3)، ثنا أبي(4)، ثنا الأعمش(5) حدثناأبو صالح(6)، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله: يا آدم. فيقول: لبيك وسعديك، فينادي بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار"(7).
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: {وَلاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَن أَذِنَ لَه}. انظر فتح الباري (13/452، 453).وقد أخرجه الإمام أحمد في المسند (3/495).والحاكم في المستدرك، كتاب الأهوال (4/574)، وصححه ووافقه الذهبي.وابن أبي عاصم في السنة (1/225 ح514)، وقال الألباني في تخريجه: "صحيح".
(2) في (ب) "مرفوعاً".
(3) عمر بن حفص بن غياث بن الطلق، الكوفي ثقة ربما وهم، من العاشرة، مات سنة (222هـ)، أخرج له البخاري، ومسلم، وأبوداود، والترمذي، والنسائي.التقريب (ص716).
(4) حفص بن غياث بن الطلق بن معاوية النخعي، أبو عمر الكوفي، القاضي، ثقة فقيه، تغير حفظه قليلا في الآخر، من الثامنة، مات سنة أربع أو خمس وتسعين ومائة. التقريب (ص260).
(5) سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي، أبو محمد، الكوفي، الملقب بالأعمش، ثقة حافظ، مات سنة (148هـ)، وله ثمانون سنة، من رجال الجماعة. التقريب (ص414).
(6) تقدمت ترجمته.
(7) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب (32) (ص1570، ح748)، ط: دار السلام.
(7/18)
83- وما رواه أحمد بن حنبل لما سأله ابنه عبد الله(1) عن قوم يقولون: إن الله لم يتكلم بصوت، فقال: "بلى تكلم بصوت".
[حدثنا المحاربي(2)، عن الأعمش] (3)، عن أبي الضحى(4)، عن مسروق(5)، عن عبد الله(6) قال: "إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السموات".
وقال أحمد: "هذه (ق33/ب) الجهمية تنكره، وهؤلاء كفار يريدون أن يموهوا على الناس".
__________
(1) عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، أبو عبد الرحمن، ولد الإمام، ثقة، من الثانية عشر، مات سنة تسعين ومائتين وله بضع وسبعون، أخرج له النسائي. التقريب (ص490).
(2) في (أ) و(ب) "البخاري". والتصويب من السنة لعبد الله بن أحمد.وهو عبد الرحمن بن محمد بن زياد المحاربي، أبو محمد الكوفي، لا بأس به، وكان يدلس، قاله أحمد، من التاسعة، مات سنة (195هـ)، من رجال الجماعة. التقريب (ص598).
(3) في (أ) و(ب) و(ج) "عن الأعمش حدثنا البخاري عن أبي الضحى".والتصويب من كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد (1/281)، حيث قال: "حدثني أبي، نا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الأعمش عن مسلم".
(4) مسلم بن الصبيح أبو الضحى الهمداني الكوفي، العطار، مشهور بكنيته، ثقة، فاضل، من الرابعة، مات سنة مائة، من رجال الحماعة. التقريب (ص939).
(5) تقدمت ترجمته.
(6) هو عبد الله بن مسعود.
(7/19)
رواه عبد الله بن أحمد في كتاب "السنة"(1) الذي أجازه لي غير واحد منهم ابن أبي الخير(2)، عن أبي زرعة الكفتواني (3)، أنبأنا أبو عبد الله الخلال(4)، أنبأنا أبو المظفر بن شبيب(5)، أنبأنا أبو عمر السلمي(6)
__________
(1) انظر كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد (1/280-281) برقم (533، 534،536، 537).والرد على من يقول بخلق القرآن لابن النجاد (ص31).وابن مندة كما في ذيل طبقات الحنابلة (1/133).والحديث أخرجه البخاري تعليقًا في صحيحه، كتاب التوحيد، باب(32) قول الله تعالى: {وَلاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَن أَذِنَ لَه} (ص1569) ط: دار السلام.ووصله مرفوعا أبو داود في السنة باب في القرآن (5/105، ح4738).والبيهقي في الأسماء والصفات (1/506-511، 432، 433، 434).وقال الألباني في الصحيحة (برقم1293): (إسناده صحيح على شرط الشيخين، وأخرجه ابن أبي حاتم وابن مردوية، ذكر ذلك في الدر المنثور (6/697).
(2) أحمد بن أبي الخير، سلامة بن إبراهيم الدمشقي، الحداد، الحنبلي، ولد سنة (589هـ)، وتوفي سنة (678هـ). شذرات الذهب (5/360).
(3) هكذا في (أ) و(ب) و(ج).ولم أقف له على ترجمته، والذي وقفت عليه في شيوخ أحمد بن أبي الخير هو محمد ابن أبي نصر شجاع بن أحمد بن علي اللَّفتُواني، أبو بكر الأصبهاني، الإمام المحدث المفيد، ولد سنة (467هـ) وتوفي سنة (533هـ). الأنساب (11/218)، تاريخ الإسلام (36/334). والله أعلم.
(4) الحسين بن عبد الملك بن الحسين بن محمد بن علي، أبو عبد الله الأصبهاني، الخلال، الأديب، النحوي، البارع، المحدث، الأثري، توفي سنة (532هـ). الوافي بالوفيات (12/420).
(5) عبد الله بن شبيب بن عبد الله الضبي، أبو المظفر، الأصبهاني المقرىء، مقرىء أصبهان وخطيبها وواعظها وشيخها وزاهدها، توفي سنة (451هـ). شذرات الذهب (3/288).
(6) عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب السلمي، أبو عمر، الأصبهاني، المقريء، الوراق، توفي سنة (394هـ). تاريخ الإسلام (27/302)، شذرات الذهب (3/144).
(7/20)
، أنبأنا أحمد بن محمد اللنباني(1) عنه.
وهذا الحديث على شرط الصحيحين.
رجعنا إلى ما وضع الكتاب له.
84- فعن جابر بن سليم(2) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن رجلا ممن كان قبلكم لبس بردين [ فتبختر](3)، فنظر الله إليه من فوق عرشه فمقته، فأمر الأرض فأخذته فهو يتجلجل فيها ".(4)
__________
(1) في (ب) و(ج) (البناني).وهو أحمد بن محمد بن عمر بن أبان، أبو الحسن العبدي اللنباني، الأصبهاني، سمع المسند كله من عبد الله بن الإمام أحمد، توفي سنة (332هـ). تاريخ الإسلام (25/71)، ذكر أخبار أصبهان (1/137).
(2) جابر بن سليم، أبو جُرَيْ، (بالتصغير)، الهجيمي، وقيل اسمه سليم بن جابر، وقال البخاري: الأول أصح، له صحبة، وهو من بني أنمار بن الهجيم بن عمرو بن تميم. الإصابة، (4/32)، تهذيب الكمال (33/188).
(3) في (أ) و(ب) و(ج) (فتختر) والصواب ما أتبته. والتبختر: هي مشية المتكبر المعجب بنفسه. النهاية (1/101).
(4) أخرجه الدارمي في الرد على المريسي (ص407 -ضمن عقائد السلف-).وأخرجه قوام السنة في الحجة في بيان المحجة (2/123).وأخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص66، 67 برقم36).وأورده الذهبي في العلو (ص36) وقال: (إسناده لين).وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص107).وهو عند ابن قدامة والذهبي بتمامه، وإنما أورد المصنف هنا الشطر الأخير منه، وأما أصل الحديث -بدون ما ذكر هنا- فقد رواه :أحمد (5/63، 64)وأبو داود برقم (4084).والترمذي (2722).وابن حبان -موارد- (866).والحاكم (4/186).وابن الأثير في أسد الغابة (1/303).من طرق عن جابر بن سليم، دون ذكر الشطر المذكور.
(7/21)
رواه سهل بن بكار شيخ البخاري(1)، عن عبد السلام بن عجلان(2)، عن عبيدة [ الهجيمي](3) قال: قال أبو جُرَيْ جابر بن سليم فذكره(4).
85- وعن تميم الداري(5) قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معانقة الرجل للرجل إذا لقيه؟ فقال: "إن أول من عانق إبراهيم، وذلك أنه خرج يرتاد لماشيته في جبل من جبال بيت المقدس، فسمع صوتا يقدس الله، فذهل عما كان يطلب، وقصد الصوت فإذا هو برجل أهلب(6) طوله [ثمانية عشر](7) ذراعاً يقدس الله؛ فقال له إبراهيم: يا شيخ من ربك؟
قال: الذي (ق34/أ) في السماء" وذكر الحديث(8)
__________
(1) سهل بن بكار بن بشر، الدارمي، البصري، أبو بشر، المكفوف، ثقة ربما وهم، من العاشرة، مات سنة (227هـ) أو (228هـ)، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي. التقريب (ص418).
(2) عبد السلام بن عجلان، ويقال ابن غالب، صاحب الطعام، كناه مسلم أبا الخليل، وكناه غيره أبا الجليل، قال أبو حاتم: (يكتب حديثه)، وتوقف غيره في الاحتجاج به، وذكره ابن حبان في الثقات فقال: "يروي عن أبي عثمان النهدي، وعبيدة الهجيمي" ثم قال: "يخطىء ويخالف". لسان الميزان (4/16).
(3) في (أ) (المجيمي) والصواب ما أثبته.وهو عبيدة أبو خداش الهجيمي، البصري، مجهول، من السادسة، أخرج له أبو داود والنسائي. التقريب (ص655)، وقال في تعجيل المنفعة (1/785-786): "وليس هو بمجهول فقد أخرج له أبو داود، والنسائي، وروى عنه أيضا عبد السلام أبو الخليل" انتهى كلام الحافظ.
(4) هذا سند الدارمي في الرد على بشر المريسي (ص407).
(5) تميم بن أوس بن خارجة الداري، أبو رقية، صحابي جليل أسلم سنة (9هـ)، نزل بيت المقدس، وتوفي بها سنة (40هـ)، وله أخبار عديدة في الزهد.الإصابة(رقم837).
(6) أي كثير الشعر، والهُلْبُ: الشَّعَرُ.
(7) في (أ) و(ب) و(ج) "ثماني عشرة" والصواب ما أثبته.
(8) أورده ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص93، 95 برقم57)، وعزاه لكتاب العروس.
وأورده الذهبي في العلو (ص56)، وقال قبله: "حديث باطل طويل.".وعلته كما أشار المصنف هنا هو عثمان بن عطاء الخراساني، فقد ضعفه جماعة من العلماء، قال النسائي وابن البرقى: "ليس بثقة"، وقال الحاكم أبو عبد الله: "يروي عن أبيه أحاديث موضوعة". انظر التهذييب لابن حجر (7/138).
(7/22)
.
تفرد به عثمان بن عطاء الخراساني(1)، عن أبيه(2)، عن أبي سفيان الألهاني(3)، عن تميم.
86- وعن أبي وائل(4)، عن ابن مسعود قال: قال رجل: يا رسول الله ما المقام المحمود؟ قال: "يوم ينزل الله على عرشه".
رواه ابن حيان(5) في كتاب "العظمة" له(6).
__________
(1) عثمان بن عطاء بن أبي مسلم الخراساني، أبو مسعود الدمشقي، ضعيف، من السابعة، مات سنة خمس وخمسين وقيل إحدى وخمسين ومائة. التقريب(ص666).
(2) عطاء بن أبي مسلم الخراساني، واسم أبيه ميسرة، وقيل عبد الله، صدوق يهم كثيرًا، ويرسل، ويدلس، من الخامسة، مات سنة (135هـ)، لم يصح أن البخاري أخرج له. التقريب (679).
(3) محمد بن زياد الألهاني، أبو سفيان الحمصي، ثقة، من الرابعة، أخرج له البخاري والأربعة. التقريب (845).
(4) شقيق بن سلمة الأسدي، أبو وائل، الكوفي، ثقة، من الثانية، مخضرم ، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز وله مائة سنة، من رجال الجماعة. التقريب (ص439).
(5) عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الحافظ، كنيته أبو محمد، ولقبه أبو الشيخ، ولد سنة (274هـ)، وتوفي سنة(369هـ). ذكر أخبار أصبهان (2/90)، السير(16/276).
(6) أخرجه أبو الشيخ في العظمة (2/594، 595، ح225).وأخرجه أبو محمد الدارمي في سننه، كتاب الرقاق، باب في شأن الساعة ونزول الرب (2/325).وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/364) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وخالفه الذهبي فقال: "لا والله فعثمان ضعفه الدارقطني والباقون ثقات".وأورده الذهبي في العلو (ص54) وعزاه لأبي الشيخ في كتاب العظمة وقال: "وعثمان ضعيف".وأورده السيوطي في الدر المنثور (4/198) وعزاه للديلمي، وعزاه مطولاً(5/326) لابن المنذر، وابن مردوية.وأخرجه بنحوه أحمد في المسند (1/398).وابن جرير في تفسيره (15/146).والآجري في الشريعة (4/1607-1608، برقم1096).
(7/23)
87- وعن عوانة بن الحكم(1) قال: "لما استخلف عمر بن عبد العزيز(2) وفد إليه الشعراء، فأقاموا ببابه أياماً لا يؤذن لهم، فبينا هم كذلك مر بهم عدي بن أرطأة(3)، فدخل على عمر فقال: الشعراء ببابك يا أمير المؤمنين وسهامهم مسمومة، فقال: ويحك مالي وللشعراء. فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد امتدح فأعطاه، امتدحه العباس بن مرداس السلمي(4) فأعطاه حلة(5). قال: أو تروي من شعره(6) شيئاً. قال: نعم. فأنشده [عدي](7) بن أرطأة قوله في النبي صلى الله عليه وسلم:
رأيتك يا خير البرية كلها
نشرت كتابا جاء بالحق معلما
شرعت لنا دين الهدى بعد جورنا
عن الحق لما أصبح الحق مظلمًا (8)
تعالى علوًا فوق عرش إلهنا
وكان مكان الله أعلى وأعظما
__________
(1) عوانة بن الحكم بن عوانة بن عياض، الأخباري، المشهور، الكوفي، وهو كثير الرواية عن التابعين، قل أن روى حديثا مسندا وأكثر المدائني عنه، وكان عثمانيًا يضع الأخبار لبني أمية، مات سنة (158هـ)، لسان الميزان (4/386).
(2) عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص، الأموي، أمير المؤمنين، ولي إمرة المدينة للوليد، وكان مع سليمان كالوزير، وولي الخلافة بعده، فعدّ من الخلفاء الراشدين، مات في رجب سنة (101هـ)، وله أربعون سنة، ومدة خلافته سنتان ونصف. السير (5/114).
(3) عدي بن أرطأة الفزاري، الدمشقي، أمير البصرة لعمر بن عبد العزيز، مقبول، من الرابعة، قتل سنة (102هـ). السير (5/53)، التقريب (ص671).
(4) العباس بن مرداس بن أبي عامر السلمي، صحابي، مشهور، أسلم بعد يوم الأحزاب، وسكن البصرة بعد ذلك. الإصابة (رقم4511).
(5) في (ب) "حلته".
(6) في (ب) "شعر".
(7) في (أ) و(ب) و(ج) "علي" والصواب ما أثبته.
(8) في (ب) أسقط عجز البيت الأول وكذا البيت الثاني.
(7/24)
رواه الهيثم بن عدي(1) عن عوانة بن الحكم(2).
88- وعن سهل بن سعد(3) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دون الله سبعون ألف حجاب من نور وظلمة، ما [تسمع](4) من نفس (ق34/ب) شيئًا من حس(5) تلك الحجب إلا زهقت(6) نفسه".
تفرد به موسى بن عبيدة(7)، عن أبي حازم(8)، عن سهل.
__________
(1) الهيثم بن عدي الطائي، أبو عبد الرحمن المنبجي، ثم الكوفي، قال البخاري: "ليس بثقة كان يكذب"، وقال أبو داود: "كذاب"، وضعفه غيرهما. مات سنة (207هـ)، وله 93 سنة. لسان الميزان (6/209-211).
(2) أخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص68، 69، برقم38).وأورده الذهبي في العلو (ص42)، وعزاه لابن قدامة، وقال في أوله: (قال الهيثم بن عدي وهو إخباري، ضعيف).
(3) سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة، الأنصاري، الساعدي، من مشاهير الصحابة، وهو آخر من مات من الصحابة في المدينة، مات سنة إحدى وتسعين، وقيل قبل ذلك. انظر الإصابة (رقم3533).
(4) في (أ) (سمع)، وفي (ب) و (ج) "نسمع" والصواب ما أثبته.
(5) في (ب) و(ج) "حسن".
و(الحس)، هو الصوت الخفي،. لسان العرب (6/49، مادة -حسس).
(6) زهقت)، هلكت وماتت. النهاية (2/322).
(7) موسى بن عبيدة بن نشيط، الربذي أبو عبد العزيز المدني، ضعيف، وكان عابداً، من صغار السادسة، مات سنة (153هـ)، أخرج له الترمذي، وابن ماجة. التقريب (ص983).
(8) تقدمت ترجمته.
(7/25)
رواه البيهقي في كتاب "الصفات"(1)
__________
(1) أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/292-293، ح854)، وقال: "تفرد به موسى بن عبيدة الربذي، وهو عند أهل العلم بالحديث ضعيف".وأخرجه ابن أبي عاصم في كتاب السنة (2/367 برقم788).وأخرجه العقيلي في الضعفاء (3/152).وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (6/182 برقم5802).وأخرجه أبو الشيخ في كتاب العظمة (2/667-668 ح263).وأخرجه أبو يعلى في مسنده (693).وأورده الذهبي في العلو (ص54)، وعزاه للبيهقي.ورواه ابن الجوزي في الموضوعات (1/116) وقال: "هذا حديث لا أصل له، فأما موسى بن عبيدة، فقال أحمد بن حنبل: لايحل عندي الرواية عنه، وقال يحيى: ليس بشيء، وأما عمر بن الحكم فقال البخاري: هو ذاهب الحديث".وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/79): "رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير عن عبد الله بن عمرو وسهل أيضًا، وفيه موسى بن عبيدة لايحتج به".وتعقب السيوطي على ابن الجوزي في حكمه على هذا الحديث بالوضع، ودافع عن موسى بن عبيدة الربذي، وذكر أن للحديث شواهد كثيرة تقضي أن له أصلاً، فإن أبا الشيخ في العظمة ذكر حجب ربنا تبارك وتعالى، وبدأ بهذا الحديث.ثم سرد من رواية أبي الشيخ حوالي خمسة عشر حديثًا وأثراً وقال في آخره: (فهذه الطرق تقوي الحديث ويتعذر معها الحكم عليه بالوضع). انظر اللآلي المصنوعة (1/15-18).وقال ابن عراق في تنزيه الشريعة (1/142): "سبق الذهبي إلى تعقبه، فقال في تلخيص الموضوعات للجوزقاني: ينبغي أن يحول من الموضعات إلى الواهية" والله أعلم.وقال الألباني في تخريج السنة: "إسناده ضعيف، موسى بن عبيدة هو الربذي، ضعيف، وسائر رواته ثقات" اهـ.هذا وقد رواه حبيب بن أبي حبيب، قال: حدثنا هشام بن سعد وعبد العزيزبن أبي حازم عن أبي حازم عن سهل بن سعد مرفوعا. أخرجه الدارقطني في الأفراد (ق131/أ)تفرد به حبيب بن أبي حبيب: قال أحمد بن حنبل ليس بثقة كان يكذب، وقال ابن عدي: كان يضع الحديث. انظر الموضوعات لابن الجوزي (1/116)، واللآلي المصنوعة (1/14).
(7/26)
.
89- وعن عمران بن حصين(1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقبلوا البشرى يا بني تميم قالوا: قد بشرتنا فاقض لنا(2) هذا الأمر كيف كان؟ فقال: كان الله على العرش وكان قبل كل شيء، وكتب في اللوح كل شيء يكون"(3).
هذا حديث صحيح أخرجه البخاري بغير هذا اللفظ(4).
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) في (أ) (فاقض لنا على).
(3) وأورده الذهبي في العلو (ص54)، وقال: (هذا حديث صحيح قد خرجه البخاري في مواضع).
أورده بهذا اللفظ ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص107)، وقال: "حديث صحيح أصله في صحيح البخاري".
(4) لفظ البخاري "كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء"، كتاب التوحيد، باب وكان عرشه الماء، (ح7418)، وانظر (3190، 3191، 4365، 4386).
وانظر تعليقي على كتاب العرش لابن أبي شيبة (ح رقم 1).
(7/27)
90- أخبرنا أحمد بن عبد الحميد المقدسي(1)، أنبأنا أبو محمد بن قدامة(2) سنة سبع عشرة وستمائة، أخبرتنا شهدة(3)، أنبأنا أبو عبد الله النعالي(4)، أنبأنا أبو الحسين(5) بن بشران(6)، أنبأنا ابن البختري(7)، حدثنا الدقيقي(8)، حدثنا أبو علي الحنفي(9)، حدثنا فرقد بن الحجاج(10)
__________
(1) أحمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة عز الدين بن العماد، المقدسي، أبو العباس، الصالحي المسند الكبير، توفي سنة (700هـ). الوافي بالوفيات (7/33)، شذرات الذهب (5/455).
(2) تقدمت ترجمته.
(3) شهدة بنت أبي نصر أحمد بن الفرج بن عمر الأبري، فقيهة، محدثة، أصلها من الدينور، ومولدها، ووفاتها ببغداد سنة (574هـ)، سمع عليها خلق كثير وتعرف بالكتابة لجودة خطها. السير (20/541)، وفيات الأعيان (1/226).
(4) الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة، أبو عبد الله، البغدادي الحمَّامي، النعالي، الشيخ المعمر مسند العراق، مات سنة (493هـ) عن أرجح من تسعين سنة. السير (19/101)، شذرات الذهب (3/399).
(5) في (ج) (أبو الحسن).
(6) علي بن محمد بن عبد الله، أبو الحسين، الأموي البغدادي المعدل، قال عنه الخطيب: "وكان صدوقاً ثقة ثبتا حسن الأخلاق"، ولد سنة (328هـ) ببغداد وتوفي بها سنة (415هـ) ". تاريخ بغداد (12/98-99)، السير (17/311).
(7) محمد بن عمرو بن البختري بن مدرك بن أبي سليمان أبو جعفر، الرزاز، ولد سنة (251هـ) قال عنه الخطيب: (ثقة ثبت)، مات سنة (339هـ). تاريخ بغداد (3/132)، السير (15/385).
(8) محمد بن عبد الملك بن مروان الواسطي، أبو جعفر، الدقيقي، صدوق، من الحادية عشرة، مات سنة (266هـ). انظر التقريب (ص873)، التهذيب (9/317).
(9) عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي، أبو علي، البصري، صدوق، لم يثبت أن يحيى بن معين ضعفه، مات سنة (209هـ)، روى له الجماعة. التهذيب (7/34)، التقريب (ص642).
(10) فرقد بن الحجاج، قال أبو حاتم: (مجهول)، وقال عنه الذهبي: "وأما فرقد فقد حدث عنه ثلاثة من الثقات، وما علمت فيه قدحًا". الميزان (3/84).
(7/28)
، سمعت عقبة بن أبي الحسناء(1) قال: سمعت أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا جمع الأولين والأخرين يوم القيامة جاء الرب إلى المؤمنين فوقف عليهم على كور".
فقالوا لعقبة(2): ما الكور؟ قال: المكان المرتفع، فيقول: "هل تعرفون ربكم؟ قالوا: إن عرفنا نفسه عرفناه، فيتجلى لهم ضاحكاً في وجوههم، فيخرون له سجداً".
أخرجه ابن خزيمة في "التوحيد" له عن عمرو بن علي(3)، عن الحنفي وفيه "فتوقف (ق35/أ) على كوم"(4).
91- وعن عبد الله بن رواحة(5) أنه مشى ليلة إلى أمة له [فنالها](6)، فرأته امرأته فلامته، فجحدها، فقالت: له إن كنت صادقاً فاقرأ القرآن(7) فإن الجنب لا يقرأ القرآن فقال: (شعر)
شهدت بأن وعد الله حق
وأن النار مثوى الكافرينا
وأن العرش فوق الماء طاف
وفوق العرش رب العالمينا
فقالت امرأته: صدق الله وكذبت عيني، وكانت لا تحفظ القرآن، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم [بذلك](8) فضحك وقال: "غفر لك كذبك بتمجيدك ربك".
__________
(1) عقبة بن أبي الحسناء، مجهول، قاله الكتاني، وكذا قال ابن المديني: "عقبة مجهول" ووثقه ابن حبان. انظر الميزان (3/84).
(2) عقبة بن أبي الحسناء.
(3) عمرو بن علي بن بحر بن كنيز، (بنون وزاي) أبو حفص، الفلاس، السيرفي، الباهلي، البصري، ثقة حافظ، من العاشرة، مات سنة (249هـ). انظر التقريب (ص741).
(4) أخرجه ابن خزيمة في كتاب التوحيد (2/575، برقم 13-338).وأخرجه الذهبي في العلو (ص25) بالسند المذكور هنا.
(5) عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس الخزرجي، الأنصاري، الشاعر، أحد السابقين، شهد بدرًا واستشهد بمؤتة وكان ثالث الأمراء بها في جمادى الأولى سنة ثمان. الإصابة (رقم4676).
(6) في (أ) (ب) (فناله) وما أثبته من (ج).
(7) في (ب) و(ج) "اقرأ القرآن إن كنت صادقا".
(8) ساقطة من (أ) و(ب)، وما أثبته من (ج).
(7/29)
روي من وجوه صحاح مرسلة عن عبد الله بن رواحة، أخرجه أبو عمر بن عبد البر في كتاب "الاستيعاب" له(1).
__________
(1) الاستيعاب (1/296) بهامش الإصابة وقال: "روينا من وجوه صحاح.".وأسنده ابن عساكر في تاريخه (9/109/ب)، (جزء عبد الله بن جابر - عبد الله بن زيد).وأورده ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص99 برقم 67)، وعزاه لابن عبد البر.وأورده الذهبي في العلو (ص41، 42)، وعزاه لابن عبد البر وقال: "قلت: روي من وجوه مرسلة منها يحيى بن أيوب المصري، حدثنا عمارة بن غزية عن قدامة بن محمد ابن إبراهيم الحاطبي فذكره، فهو منقطع"، وفي السير (1/238).وأورده السبكي في طبقات الشافعية (1/264، 265)، عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عمن حدثه عن عبد الله بن رواحة، وإسناده ضعيف لجهالة من حدثه ولإعضاله لأن عبد العزيز من أتباع التابعين.وقال النووي في المجموع (2/163): )(إسناد هذه القصة ضعيف ومنقطع)(.ورواه الدارمي في الرد على الجهمية (82) من طريق آخر، وفيه يحيى بن أيوب صدوق ربما أخطأ، وقدامة بن إبراهيم مقبول كما في التقريب يعني حيث يتابع وإلا فلين، وفيه انقطاع بين قدامة وابن رواحة.
(7/30)
92- قرأت على عبد الحافظ بن بدران(1) بنابلس، أنبأنا موسى بن عبد القادر الجيلي(2)، أنبأنا سعيد بن أحمد البنا(3)، أنبأنا أبوالقاسم علي بن أحمد البسرى(4)، أنبأنا المخلِّص(5)، حدثنا البغوي(6)، حدثنا عبد الجبار بن عاصم(7)، حدثنا مبشِّر بن إسماعيل الحلبي(8)
__________
(1) عبد الحافظ بن بدران بن شبل بن طرخان، الإمام عماد الدين أبو محمد النابلسي، الحنبلي، الزاهد، ولد سنة (610هـ)، وتوفي سنة (698هـ)، بدمشق. معجم الشيوخ للذهبي (1/347).
(2) في (ب) (موسى بن أبي عبد القادر الجيلي)، وهو موسى بن عبد القادر بن أبي صالح البغدادي الجيلي الحنبلي، شيخ أجلٌّ، أصيل، مات سنة (618هـ)، وله تسع وتسعون. السير (22/150).
(3) سعيد بن أحمد بن الحسن بن أحمد بن البنا، أبو القاسم، البغدادي الحنبلي، الشيخ الصالح الخير الصدوق، مسند بغداد، توفي سنة (550هـ). السير (20/264)، شذرات الذهب (4/455).
(4) في (ب) (البشرى)، وهو علي بن أحمد بن محمد بن علي بن البسرى، أبو القاسم البغدادي البندار، العالم الصدوق، مسند العراق، قال الخطيب: "كتبت عنه وكان صدوقا"، توفي سنة (474هـ). تاريخ بغداد (11/335)، السير (18/402).
(5) محمد بن عبد الرحمن بن العباس بن عبد الرحمن، أبو طاهر، المخلِّص، قال الخطيب: (ثقة)، ولد سنة (305هـ)، ومات سنة (393هـ). تاريخ بغداد (2/322-323)، السير (16/418).
(6) عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، المرزبان، أبو القاسم، البغوي الأصل، البغدادي، الحافظ، الثقة الكبير، مسند العالم، توفي ليلة عيد الفطر سنة (317هـ). تذكرة الحفاظ (ص737).
(7) عبد الحبار بن عاصم أبو طالب النسائي، قال ابن أبي حاتم: "روى عن عبيد الله بن عمرو، وموسى بن أعين، ومحمد بن سلمة الحراني، وإسماعيل بن عياش، وبقية، روى عنه أبوزرعة، وموسى بن إسحاق الأنصاري، وذكر أنه كان جلاداً فتاب الله عليه". الجرح والتعديل (6/33)، السير (11/95).
(8) مبشِّر بن إسماعيل الحلبي، أبو إسماعيل الكلبي، مولاهم، صدوق، من التاسعة، مات سنة (200هـ)، من رجال الجماعة. التقريب (ص919).
(7/31)
، حدثنا تمام بن نجيح(1)، عن الحسن(2)، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من حافظين يرفعان إلى الله ما حفظا(3)، (ق35/ب) يرى في أول الصحيفة خيراً، وفي آخرها خيراً، إلا قال الله لملائكته أشهدكم أني قد غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة"(4).
93- وعن ابن مسعود، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء"(5).
هذا حديث حسن الإسناد رواه جرير بن عبد الله(6)، وعبد الله بن عمرو، وابن مسعود رضي الله عنهم، وحديث عبد الله بن عمرو(7) أصح الثلاثة وقد تقدم(8).
__________
(1) تمام بن نجيح الأسدي الدمشقي، نزيل حلب، ضعيف، من السابعة، أخرج له البخاري في رفع اليدين، وأبو داود، والترمذي. التقريب (ص181).
(2) الحسن هو البصري، تقدمت ترجمته.
(3) في (ب) و(ج) (ما حفظ).
(4) أخرجه الذهبي في العلو (ص24، 25)، وقال: "تفرد به تمام أحد الضعفاء".
(5) أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية (ص273) موقوفاً.وأخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/394 ح655، وموقوفا 3/395 ح657).وأورده الذهبي في العلو (ص20) وقال: "رواه عمار بن رزيق عن أبي إسحاق مرفوعا، والوقف أصح، مع أن رواية أبي عبيدة عن والده فيها إرسال" وذكره في (ص64) وقال: "وقد ذكرنا هذا بإسناد آخر" اهـ.وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص254).
(6) جرير بن عبد الله البجلي، صحابي جليل، اختلف في وقت إسلامه، وكان له بلاء حسن في الفتوحات، مات سنة (51هـ)، وقيل (54هـ). الإصابة رقم 1136).
(7) في (ج) "وحديث ابن عمرو".
(8) تقدم برقم (18).
(7/32)
94- أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن بن عمرو(1)، أنبأنا الحسين بن هبة الله البلدي(2)
__________
(1) إسماعيل بن عبد الرحمن بن عمرو بن موسى، العدل المعمر، عز الدين أبو الفداء، المرداوي، ثم الصالحي، الحنبلي، الفرّاء والده، ويعرف بابن المنادي، ولد سنة (610هـ)، وتوفي سنة (700هـ)، معجم الشيوخ للذهبي (1/175).
(2) الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن الحسن أبو القاسم البلدي، الدمشقي، ابن صَصْرى، الشيخ الجليل القاضي، مسند الشام، توفي سنة (626هـ).
السير (22/282)، النجوم الزاهرة (6/272).
(7/33)
، أنبأنا علي بن عساكر(1)، أنبأنا [الحسن](2) بن أبي الحديد سنة ثمانين وأربعمائة(3)، أنبأنا المسدد بن علي الأملوكي(4)، أنبأنا إسماعيل بن القاسم الحلبي(5) بحمص، حدثنا يعقوب بن إسحاق(6) بعسقلان، حدثنا جعفر بن هارون الفراء(7)، حدثنا محمد بن كثير(8)، عن الأوزاعي(9)
__________
(1) علي بن الحسن بن هبة الله بن الحسين الدمشقي، الشافعي، أبو القاسم، بن عساكر، الإمام الكبير حافظ الشام، الثقة، الثبت، الحجة، صاحب تاريخ دمشق ولد سنة (499هـ)، ومات سنة (571هـ). تذكرة الحفاظ (4/1328)، طبقات الشافعية (7/215).
(2) في (أ) و(ب) و(ج) "الحسين" وهو خطأ، انظر العلو (ص27).وهو الحسن بن أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد أبو عبد الله، بن أبي الحسن ابن أبي الحديد السلمي الخطيب المعدَّل، ولد سنة (416هـ)، وتوفي ستة (482هـ). تاريخ دمشق (13/19).
(3) يظهر والله أعلم أن هناك سقط في السند لأن ابن عساكر ولد سنة (499هـ).
(4) المسدد بن علي أبو المعتمر الأملوكي الحمصي، أبو معمر، خطيب حمص، قال الكتاني: "كان فيه تساهل"، مات سنة (431هـ). السير (17/518)، شذرات الذهب (3/249).
(5) إسماعيل بن القاسم بن إسماعيل، الإمام أبو القاسم الحلبي، الخياط، المؤذن، وبعضهم ينسبه المصري، توفي سنة (370هـ). بغية الطلب في تاريخ حلب (4/1746).
(6) يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد، النيسابوري الأصل، أبو عوانة الأسفراييني، صاحب المسند الصحيح، الإمام الحافظ الكبير، الجوَّال، توفي سنة (316هـ). السير (14/417)، وفيات الأعيان (6/393).
(7) جعفر بن هارون الفراء، قال الذهبي في الميزان: "جعفر بن هارون عن محمد بن كثير الصنعاني أتى بخبر موضوع" اهـ.الميزان (1/420).
(8) محمد بن كثير بن أبي عطاء الثقفي، مولاهم، أبو أيوب، الصنعاني، نزيل المصيصة، يقال هو من صنعاء دمشق، صدوق كثير الغلط من صغار التاسعة، مات سنة بضع عشرة ومائتين، روى له أبو داود، والترمذي، والنسائي. التقريب (ص891).
(9) عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرو الأوزاعي أبو عمرو، الفقيه، ثقة، جليل، من السابعة، مات سنة (157هـ)، من رجال الجماعة. التقريب (ص593).
(7/34)
، عن يحي(1)، عن أبي سلمة(2)، عن أبي هريرة قال: "لما خطب عليُّ فاطمة(3) رضي الله عنها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخل عليها فقال:" أي بنيَّة إن ابن عمك قد خطبك فما تقولين"؟ فبكت ثم قالت: يا أباه(4) كأنك إنما ادخرتني لفقير قريش، فقال: "والذي بعثني بالحق ما تكلمت في هذا حتى أذن الله فيه (ق36/أ) من السماء" فقالت: رضيت بما رضي الله لي منه(5)")(6).
__________
(1) يحي بن أبي كثير الطائي مولاهم أبو نصر اليمامي ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل مات سنة (132هـ) التقريب (ص 1065).
(2) أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، تقدمت ترجمته.
(3) فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم الحسنين، تزوجها علي في السنة الثانية من الهجرة، وماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر وقد جاوزت العشرين بقليل. الإصابة (4/365).
(4) في (ج) (يا أبت).
(5) منه) ساقطة من (ج).
(6) أخرجه الذهبي في العلو (ص27، 28) وقال: "هذا حديث منكر، لعل محمد بن كثير افتراه فإنه متهم، فإن الأوزاعي ما نطق به قط، ولم أرو هذا إلا للتزييف والكشف، والفراء ليس بثقة". وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص108).
(7/35)
95- قرأت على عمر بن عبد المنعم(1)، عن أبي [اليمن](2) الكندي(3)، أنبأنا أبو الفتح البيضاوي(4)، أنبأنا ابن النقور(5)، أنبأنا أبو القاسم بن الجراح(6)، حدثنا البغوي(7)، حدثنا أبو كامل الجحدري(8)، حدثنا جعفر بن سليمان(9)، عن ثابت(10)
__________
(1) عمر بن عبد المنعم بن عمر الطائي، الدمشقي، أبو حفص القوَّاس، مسند الوقت، كان خيرًا دينًا متواضعًا، مات سنة (698هـ) وله ثلاث وتسعون سنة. معجم الشيوخ (2/74)، شذرات الذهب (5/442).
(2) في (ب) و(ج) (اليمين).
(3) زيد بن الحسن بن زيد الكندي البغدادي، أبو اليمن، المقرىء النحوي الحنفي، شيخ، إمام، علامة، مفتي، مات سنة (613هـ) وله ثلاث وتسعون سنة. السير (22/34)، بغية الوعاة (1/570).
(4) عبد الله بن محمد بن محمد أبو الفتح، الفارسي، البغدادي، البيضاوي، الحنفي، الإمام القاضي، شيخ صالح متواضع، توفي سنة (537هـ). السير (20/182)، الأنساب (2/368).
(5) في (ب) (المنقور)، وهو أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن النقور، أبو الحسين البغدادي البزاز، مسند العراق، قال الخطيب: "كان صدوقاً، ووثقه ابن خيرون"، توفي سنة (471هـ)عن تسعين سنة. تاريخ بغداد (4/381-382)، السير (18/372).
(6) عيسى بن علي بن عيسى بن داود بن الجراح، أبو القاسم البغدادي، ولد سنة (302هـ)، قال الخطيب: "كان ثبت السماع صحيح الكتاب"، توفي سنة (391هـ). تاريخ بغداد (11/179-180)، السير (16/549).
(7) عبد الله بن محمد البغوي، صاحب معجم الصحابة، تقدمت ترجمته.
(8) الفضيل بن الحسين بن طلحة، أبو كامل، الجحدري البصري، ثقة حافظ، من العاشرة، مات سنة (237هـ)، وله أكثر من ثمانين سنة، أخرج له البخاري تعليقًا، ومسلم، وأبو داود، والنسائي. التقريب (ص785).
(9) جعفر بن سليمان الضبعي أبو سليمان، البصري، صدوق زاهد، لكنه كان يتشيع، من الثامنة مات سنة (178هـ)، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، والأربعة. التقريب (ص199).
(10) ثابت بن أسلم البناني، تقدمت ترجمته.
(7/36)
، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أمطرت السماء حسر عن منكبيه حتى يصيبه المطر ويقول: "إنه حديث عهد بربه".
هذا حديث صحيح(1).
96- وعن عثمان بن عمير(2)، [عن](3) أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم الجمعة نزل الله عز وجل من عليين على كرسيه، ثم حف الكرسي بمنابر من نور، ثم جاء النبيون حتى يجلسوا عليها، ثم حفها بكراسي من ذهب، ثم جاء الصديقون والشهداء حتى يجلسوا عليها، ثم يجيء أهل الجنة حتى يجلسوا على الكثيب، فيتجلى لهم ربهم عز وجل حتى ينظروا إلى وجهه وهو يقول: أنا الذي صدقتكم وعدي فسلوني، فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم، فيفتح لهم عند ذلك ما لا عين رأت، ولا (ق37/أ) أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، إلى مقدار منصرف الناس يوم الجمعة، ثم يصعد على كرسيه، فيصعد معه الصديقون والشهداء". وذكر الحديث.
هذا حديث محفوظ له شواهد في السنن(4)
__________
(1) أحرجه مسلم في صحيحه، كتاب الاستسقاء، (3/26).وأورده الذهبي في العلو (ص46) وعزاه لمسلم.
(2) عثمان بن عمير بالتصغير ويقال: ابن قيس، والصواب أن قيسًا جد أبيه، وهو عثمان بن أبي حميد أيضا، البجلي، أبو يقظان، الكوفي الأعمى، ضعيف واختلط وكان يدلس ويغلو في التشيع، من السادسة، مات في حدود (150هـ). التقريب (ص667).
(3) في (أ) و(ب) (عند) وما أثبته من (ج).
(4) رواه عن أنس كل من:
1- عثمان بن عمير وسيأتي تخريجه.
2- عمر بن عبد الله مولى غفرة. انظر الرد على الجهمية للدارمي (ص44)، والرد على بشر المريسي (ص431)، والعلو للذهبي (ص30).
3- عبد الله بن عبيد بن عمر، العلو لابن قدامة (ص70، ح40)، والعلو للذهبي (ص29، 30).والحديث أورده السيوطي في الدر المنثور (6/108) وعزاه للشافعي في الأم، وابن أبي شيبة، والبزار، وأبي يعلى، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة، وابن جرير،، وابن المنذر، والطبراني في الأوسط، وابن مردوية والآجري في الشريعة، والبيهقي في الرؤية، والسجزي في الإبانة).والحديث تقدم تخريجه برقم (38).
(7/37)
، أخرجه عبد الله بن أحمد ابن حنبل في كتاب "الرد على الجهمية" له(1)، عن عبد الأعلى بن حماد(2)، حدثنا عمر بن يونس(3)، عن جهضم بن عبد الله القيسي(4)، حدثنا أبو طيبة(5)، عن عثمان بن عمير.
97- ورواه ليث بن أبي سليم(6)، عن عثمان بن عمير وفيه "ثم يرتفع تبارك وتعالى على كرسيه ويرتفع معه النبيون".
__________
(1) أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة (1/250، ح460).وأخرجه الذهبي في العلو (ص28، 29)، وقال: "هذا حديث مشهور وافر الطرق، أخرجه عبدالله ابن الإمام أحمد في كتاب السنة له ..." اهـ.وقال ابن القيم: "هذا حديث كبير عظيم الشأن، رواه أئمة السنة، وتلقوه بالقبول، وجمَّل الشافعي به مسنده". حادي الأرواح (ص391).
(2) عبد الأعلى بن حماد النرسي، نسبة إلى نرس نهر بالكوفة، الباهلي البصري، أبو يحي، لا بأس به، مات سنة (237هـ). انظر التقريب (ص561)، التهذيب (6/93).
(3) عمر بن يونس بن قاسم اليمامي، ثقة، مات سنة (206هـ). التقريب (ص729)، التهذيب (7/506).
(4) جهضم بن عبد الله القيسي اليماني، صدوق يكثر عن المجاهيل، من الثامنة. التقريب (ص204)، التهذيب (2/120).
(5) أبو ظبية، ويقال أبو طيبة السُّلفي الحمصي، نزل حمص، مقبول من الثانية، قال الأنصاري:ثقة، وقال الدارقطني: لا بأس به. التهذيب (12/157).
(6) ليث بن أبي سليم، زنيم، (مصغرًا)، القرشي مولاهم، صدوق، اختلط أخيراً، ولم يتميز حديثه فترك، من السادسة، مات سنة (148هـ). التقريب (ص817).
(7/38)
أخرجه الحافظ أبو أحمد العسال، عن موسى بن إسحاق(1)، عن عثمان بن أبي شيبة(2)، عن جرير(3)، عن ليث به(4)
__________
(1) موسى بن إسحاق بن موسى الأنصاري، الخطمي، قاضي الري، قال عنه ابن أبي حاتم: "كتبت عنه وهو ثقة صدوق"، مات سنة (297هـ). الجرح والتعديل (8/135)، تاريخ بغداد (13/52-54).
(2) تقدمت ترجمته.
(3) جرير بن عبد الحميد بن قُرْط الضبي الكوفي، نزيل الري وقاضيها، ثقة صحيح الكتاب، قيل كان في آخر عمره يهم من حفظه، مات سنة (188هـ)، من رجال الجماعة. التقريب (ص196).
(4) أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب العرش (ح88).وأخرجه الدارمي في الرد على الجهمية (ص45).وأورده الذهبي في العلو (ص30)، وعزاه للعسال في المعرفة.وإسناده ضعيف، لأن فيه ليث بن أبي سليم، وهو صدوق اختلط ولم يتميز حديثه فترك، وفيه عثمان بن أبي حميد، وهو ضعيف، وقد تقدم تخريجه برقم (38)، (96).
(7/39)
98- وروى العباس بن عبد العظيم العنبري(1)، عن أبي أحمد الزبيري(2)، عن إسرائيل(3)، عن أبي إسحاق(4)، عن عبد الله بن خليفة(5)، عن عمر(6) قال: "أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: ادعُ الله أن يدخلني الجنة. فعظم الرب، فقال: "إن كرسيه (ق37/ب) فوق السموات، وإنه يقعد عليه فما يفضل منه إلا أربع أصابع"(7)
__________
(1) العباس بن عبد العظيم بن إسماعيل العنبري، أبو الفضل البصري، ثقة حافظ،من كبار الحادية عشرة، مات سنة (240هـ)، وأخرج له البخاري تعليقًا، ومسلم والأربعة. التقريب (ص487).
(2) محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن درهم الأسدي، أبوأحمد الزبيري، الكوفي ، ثقة ثبت إلا أنه يخطىء في حديث الثوري، من التاسعة مات سنة (203هـ). التقريب (ص861).
(3) إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، السبيعي الهمداني، أبو يوسف، الكوفي، ثقة، تكلم فيه بلا حجة، مات سنة (160هـ) وقيل بعدها، وروى له الجماعة. التهذيب (1/261).
(4) عمر بن عبد الله بن عبيد، ويقال علي، ويقال بن أبي شعيرة الهمداني، أبو إسحاق السبيعي، ثقة مكثر عابد، من الثالثة، اختلط بآخره، مات سنة (129هـ) وقيل قبل ذلك، أخرج له الجماعة. التقريب (739).
(5) عبد الله بن خليفة، هو الهمداني الكوفي، لم يوثقه غير ابن حبان، قال الحافظ ابن كثير في التفسير (1/310): "وليس بذاك المشهور، وفي سماعه من عمر نظر"، وقال الذهبي في الميزان (2/414): "لا يكاد يعرف".
(6) عمر بن الخطاب بن عبد العزى بن رياح، القرشي، العدوي، يقال له الفاروق أمير المؤمنين، مشهور، جمّ المناقب، استشهد في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، وولي الخلافة عشر سنين ونصفا. الإصابة (رقم5738).
(7) أخرجه الدارمي في الرد على المريسي (ص74)، مرسلا.وابن أبي عاصم في السنة (1/251-252، برقم574).وعبد الله بن أحمد في السنة (1/301، ح585) موقوفا من قول عمر.وابن جرير في تفسيره (3/11) من طريق عبد الله بن أبي الزناد، قال: ثنا يحي بن أبي بكير، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة الهمداني، عن عمر.وقد أخرجه ابن خزيمة في كتاب التوحيد (1/244، 245 برقم150)وقال: "وقد روى إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة أظنه عن عمر "- وذكره.وقال: حدثنا، يعقوب بن إبراهيم الدورقي، قال حدثنا يحي بن أبي بكير، قال: ثنا إسرائيل، قال أبو بكر: ما أدري، الشك والظن أنه عن عمر، هو من يحي بن أبي بكير، أم من إسرائيل.قد رواه وكيع بن الجراح مرسلاً ليس فيه ذكر عمر لا بيقين ولا ظن، وليس هذا الخبر من شرطنا، لأنه غير متصل الإسناد، لسنا نحتج في هذا الجنس من العلم بالمراسيل المنقطعات" اهـ.والبزار في مسنده (1/457، برقم325).وأخرجه الدارقطني في الصفات (ص48) موقوفا.وابن بطة في الإبانة (كتاب الرد على الجهمية) (3/178-180).والخطيب في تاريخه (8/52) مرسلا.وأورده ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/5) وقال بعد سياقه للحديث: "هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسناده مضطرب جدًا، وعبد الله بن خليفة ليس من الصحابة، فتارة يرويه ابن خليفة عن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتارة يقفه على عمر، وتارة يوقف على ابن خليفة" اهـ.وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (1/84) وقال: "رواه البزار ورجاله رجال الصحيح".وأورده ابن كثير في تفسيره (1/310) وعزاه للبزار في مسنده، وعبد بن حميد، وابن جرير في تفسيرهما، والطبراني، وابن أبي عاصم في كتاب السنة لهما، والحافظ الضياء في كتاب المختارة. وقال ابن كثير: "من حديث أبي إسحاق السبيعي، عن عبد الله بن خليفة وليس بذاك المشهور، وفي سماعه من عمر نظر، ثم منهم من يرويه عن عمر موقوفاً، ومنهم من يرويه عن عمر مرسلاً، ومنهم من يزيد في متنه زيادة غريبة ومنهم من يحذفها" اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "حديث عبد الله بن خليفة المشهور الذي يروى عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رواه أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي في "مختاره". وطائفة من أهل الحديث ترده لاضطرابه، كما فعل ذلك أبو بكر الإسماعيلي، وابن الجوزي، وغيرهم. لكن أكثر أهل السنة قبلوه.وفيه قال "إن عرشه" أو "كرسيه" "وسع السموات والأرض، وإنه يجلس عليه فما يفضل منه قدر أربع أصابع" أو "فما يفضل منه إلا قدر أربع أصابع" "وإنه ليئط به أطيط الرحل الجديد براكبه".ولفظ (الأطيط) قد جاء في حديث جبير بن مطعم. الذي رواه أبو داود في السنن. وابن عساكر عمل فيه جزءاً، وجعل عمدة الطعن في ابن إسحاق. والحديث قد رواه علماء السنة كأحمد، وأبي داود، وغيرهما، وليس فيه إلا ما له شاهد من رواية أخرى. ولفظ "الأطيط" قد جاء في غيره.وحديث ابن خليفة رواه الإمام أحمد وغيره مختصراً، وذكر أنه حدث به وكيع. لكن كثيراً ممن رواه رووه بقوله: "إنه ما يفضل منه إلا أربع أصابع"، فجعل العرش يفضل منه أربعة أصابع. واعتقد القاضي، وابن الزاغوني، ونحوهما، صحة هذا اللفظ، فأمروه وتكلموا على معناه بأن ذلك القدر لا يحصل عليه الاستواء. وذكر عن ابن العايذ أنه قال: "هو موضع جلوس محمد صلى الله عليه وسلم". والحديث قد رواه ابن جرير الطبري في تفسيره وغيره، ولفظه "وإنه ليجلس عليه، فما يفضل منه قدر أربع أصابع" بالنفي.فلو لم يكن في الحديث إلا اختلاف الروايتين -هذه تنفي ما أثبتت هذه-. ولا يمكن مع ذلك الجزم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد الإثبات، وأنه يفضل من العرش أربع أصابع لا يستوي عليها الرب. وهذا معنى غريب ليس له قط شاهد في شيء من الروايات. بل هو يقتضي أن يكون العرش أعظم من الرب وأكبر. وهذا باطل، مخالف للكتاب والسنة، وللعقل.ويقتضي أيضاً أنه إنما عرف عظمة الرب بتعظيم العرش المخلوق وقد جعل العرش أعظم منه. فما عظم الرب إلا بالمقايسة بمخلوق وهو أعظم من الرب. وهذا معنى فاسد، مخالف لما علم من الكتاب والسنة والعقل. فإن طريقة القرآن في ذلك أن يبين عظمة الرب، فإنه أعظم من كل ما يعلم عظمته. فيذكر عظمة المخلوقات ويبين أن الرب أعظم منها. كما في الحديث الآخر الذي في سنن أبي داود، والترمذي، وغيرهما (حديث الأطيط) لما قال الأعرابي: "إنا نستشفع بالله عليك، ونستشفع بك على الله تعالى، فسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ثم قال: "ويحك! أتدري ما تقول؟ أتدري ما الله؟ شأن الله أعظم من ذلك. إن عرشه على سمواته هكذا" -وقال بيده مثل القبة- "وإنه ليأط به أطيط الرحل الجديد براكبه".فبين عظمة العرش، وأنه فوق السموات مثل القبة. ثم بين تصاغره لعظمة الله، وأنه يأط به أطيط الرحل الجديد براكبه، فهذا فيه تعظيم العرش، وفيه أن الرب أعظم من ذلك كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتعجبون من غيرة سعد! لأنا أغير منه، والله أغير مني". وقال: "لا أحد أغير من الله. من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن". ومثل هذا كثير.وهذا وغيره يدل على أن الصواب في روايته النفي، وأنه ذكر عظمة العرش، وأنه مع هذه العظمة فالرب مستوٍ عليه كله لا يفضل منه قدر أربعة أصابع. وهذه غاية ما يقدر به في المساحة من أعضاء الإنسان، كما يقدر في الميزان قدره فيقال: (ما في السماء قدر كف سحاباً). فإن الناس يقدرون الممسوح بالباع والذراع، وأصغر ما عندهم الكف. فإذا أرادوا نفي القليل والكثير قدروا به، فقالوا: (ما في السماء قدر كف سحاباً)، كما يقولون في النفي العام {إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَةٍ} و {لاَ يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِير}، ونحو ذلك. فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا يفضل من العرش شيء ولا هذا القدر اليسير الذي هو أيسر ما يقدر به وهو أربعة أصابع. وهذا معنى صحيح موافق للغة العرب، وموافق لما دل عليه الكتاب والسنة، موافق لطريقة بيان الرسول صلى الله عليه وسلم، له شواهد. فهو الذي يجزم بأنه في الحديث.ومن قال: (ما يفضل إلا مقدار أربع أصابع) فما فهموا هذا المعنى، فظنوا أنه استثنى، فاستثنوا، فغلطوا. وإنما هو توكيد للنفي وتحقيق للنفي العام. وإلا فأي حكمة في كون العرش يبقى منه قدر أربع أصابع خالية، وتلك الأصابع أصابع من الناس، والمفهوم من هذا أصابع الإنسان. فما بال هذا القدر اليسير لم يستو الرب عليه؟.والعرش صغير في عظمة الله تعالى. وقد جاء حديث رواه ابن أبي حاتم في قوله {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارَُ} لمعناه شواهد تدل على هذا فينبغي أن نعتبر الحديث، فنطابق بين الكتاب والسنة. فهذا هذا والله أعلم.قال حدثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}، قال: "لو أن الجن والإنس والشياطين والملائكة منذ خلقوا إلى أن فنوا، صفوا صفاً واحداً ما أحاطوا بالله أبداً".وهذا له شواهد، مثل ما في الصحاح في تفسير قوله تعالى {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ }، قال ابن عباس: "ما السموات السبع والأراضون السبع ومن فيهن في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم".ومعلوم أن العرش لا يبلغ هذا، فإن له حملة وله حول. قال تعالى {اَلذِينَ يَحْمِلُونَ العَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ}".اهـ.مجموع الفتاوى (16/434-439). وانظر المسألة كذلك في منهاج السنة (2/628-631).
(7/40)
.
هذا حديث محفوظ من(1) حديث(2) أبي إسحاق السبيعي إمام الكوفيين في وقته، سمع من غير واحد من الصحابة، وأخرجا حديثه في الصحيحين، وتوفي سنة سبع وعشرين ومائة.
تفرد بهذا الحديث عن عبد الله بن خليفة من قدماء التابعين، لا نعلم حاله بجرح ولا تعديل، لكن هذا الحديث حدث به أبو إسحاق السبيعي مقرًا له كغيره من أحاديث الصفات، وحدث به كذلك سفيان الثوري وحدث به أبو أحمد الزبيري، ويحي بن أبي بكير(3)، ووكيع(4)، عن إسرائيل.
99- وأخرجه أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب "السنة والرد على الجهمية" له، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن مهدي(5)، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق السبيعي(6)، عن عبد الله ابن خليفة(7)، عن عمر رضي الله عنه، ولفظه "إذا جلس الرب على الكرسي، سمع له أطيط(8)
__________
(1) في (ج) (عن).
(2) حديث) ساقطة من (ب) و(ج).
(3) يحي بن أبي بكير، واسمه نسر الكرماني، كوفي الأصل، نزل ببغداد، ثقة، من التاسعة، مات سنة ثمان أو تسع ومائتين، من رجال الجماعة. التقريب (ص1050).
(4) وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي، أبو سفيان، الكوفي، ثقة حافظ عابد، من كبار التاسعة، مات في آخر سنة أو أول سنة (197هـ)، وله سبعون سنة، من رجال الجماعة التقريب (1037).
(5) عبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري مولاهم، أبو سعيد البصري، ثقة ثبت حافظ عارف بالرجال والحديث،من التاسعة، مات سنة (198هـ) وهو ابن ثلاث وستين سنة، من رجال الجماعة.التقريب (ص601).
(6) تقدمت ترجمته.
(7) تقدمت ترجمته.
(8) الأطيط: نقيض صوت المحامل والرحال إذا ثقل عليها الركبان. وأط الرحل والنسع يئط أطاً وأطيطاً: صَوَّتَ، وكذلك كل شيء أشبه صوت الرحل الجديد. لسان العرب (1/92) -مادة أطط.
قال الذهبي في العلو (ص39): "الأطيط الواقع بذات العرش من جنس الأطيط الحاصل في الرحل، فذاك صفة للرحل والعرش، ومعاذ الله أن نعده صفة لله عز وجل".
(7/41)
كأطيط الرحل(1) الجديد"(2).
ورواه أيضا عن أبيه، حدثنا وكيع (ق38/أ) بحديث إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمر "إذا جلس الرب على الكرسي" فاقشعر رجل سماه أبي عند وكيع، فغضب وكيع، وقال: أدركنا الأعمش(3) وسفيان يحدثون [بهذه الأحاديث](4) ولا ينكرونها(5).
قلت: وهذا الحديث صحيح عند جماعة من المحدثين، أخرجه الحافظ ضياء الدين المقدسي(6) في صحيحه، وهو من شرط ابن حبان(7) فلا أدري أخرجه أم لا؟، فإن عنده أن العدل الحافظ إذا حدث عن رجل لم يعرف بجرح، فإن ذلك إسناد صحيح.
فإذا كان هؤلاء(8) الأئمة: أبو إسحاق السبيعي، والثوري، والأعمش، وإسرائيل، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبو أحمد الزبيري، ووكيع، وأحمد بن حنبل، وغيرهم ممن يطول ذكرهم وعددهم الذين هم سُرُج الهدى ومصابيح الدجى قد تلقوا هذا الحديث بالقبول وحدثوا به، ولم ينكروه، ولم يطعنوا في إسناده، فمن نحن حتى ننكره ونتحذلق عليهم؟، بل نؤمن به ونكل علمه إلى الله عز وجل.
__________
(1) الرَّحْل: الكُورُ، وهو سَرْجُ الناقة. منال الطالب لابن الأثير (ص168).
(2) أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة (1/301 ح585).
(3) تقدمت ترجمته.
(4) في (أ) و(ب) و(ج) (بهذا الحديث)، والتصويب من كتاب السنة.
(5) أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة(1/302، ح587).
(6) محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن السعدي، المقدسي الأصل، الصالحي، الحنبلي، أبو عبد الله ضياء الدين،عالم بالحديث، مؤرخ، من أهل دمشق، ولد بها سنة (569هـ)، وتوفي بها سنة (643هـ). ذيل طبقات الحنابة (2/236)، شذرات الذهب (5/224).
(7) محمد بن حبان بن معاذ بن معبد التميمي، أبوحاتم البستي، مؤرخ، علامة جغرافي، محدث، كثير الرحلة والتصنيف، توفي سنة (354هـ)، وله كتاب الصحيح، والثقات وغيرهما كثير. تذكرة الحفاظ (ص920)، شذرات الذهب (3/16).
(8) في (ب) و(ج) (هذه).
(7/42)
قال الإمام أحمد: "لا نزيل عن ربنا صفة من صفاته لشناعة شنِّعت وإن نَبَت عن الأسماع"(1).
فانظر إلى وكيع بن الجراح الذي خلف سفيان الثوري في علمه وفضله، وكان يشبه (ق38/ب) به في سمته وهديه، كيف أنكر على ذلك الرجل، وغضب لما رآه قد تلون لهذا الحديث.
__________
(1) أخرجه ابن بطة في الإبانة (كتاب الرد على الجهمية)، (3/326-327، برقم252).والخلال في السنة (ق157/أ).والقاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات (1/44، برقم6).وأورده شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تليبس الجهمية (1/431)، ودرء تعارض العقل و النقل (2/31، 32).وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص212) من رواية حنبل بن إسحاق.وانظر كتاب المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة(1/277، 278).
(7/43)
قسم التحقيق
[المقدمة]
(ق 2/أ) بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي ارتفع على عرشه في السماء، وجَلَّى باليقين(1) قلوب صفوته الأتقياء، وبلى(2) خلقه بالسعادة والشقاء.
وأشهد أن لا إله إلا الله، حده لا شريك له، شهادة مؤمن بالحشر واللقاء.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الشهيد على الأمة الشهداء، المبعوث بالبينات والهدى وترك المراء، صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم صلاة دائمة إلى يوم الدين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
فصل
الدليل على أن الله تعالى فوق العرش، فوق المخلوقات، مباين(3) لها، ليس بداخل في شيء منها، على(4) أن علمه في كل مكان.
الكتاب، والسنة، وإجماع الصحابة(5)، والتابعين، والأئمة المهديين.
[الأدلة من القرآن]
أما الكتاب:
فقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (6).
وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (7) في ستة مواضع(8).
__________
(1) في (ب) و(ج) عبادرة "وجلى باليقين" غير واضحة.
(2) في (ب) و(ج) كلمة "بلى" غير واضحة.
(3) لفظة "بائن" لم تكن معروفة على عهد الصحابة رضوان الله عليهم، ولم يتلفظوا بها في أقوالهم عند الكلام على مسألة العلو.
وقد كان السبب في استعمال السلف لها هو ابتداع الجهمية لقولهم: إنَّ الله بذاته في كل مكان، فاقتضت الضرورة البيان والإيضاخ أن يتلفظ بعض أئمة السلف بهذه اللفظة، وقد تتابع استعمالها منهم دون أن ينكر أحد منهم ذلك.
(4) في (ج) "وعلى".
(5) في (ب) "الصاحبة" وهو خطأ.
(6) الآية 5 من سورة طه.
(7) الآية 54 من سورة الأعراف.
(8) المواضع هي: الأعراف (54)، يونس(3)، الرعد(2)، الفرقان(59)، السجدة (4)، الحديد(4).
(8/1)
1- قال البخاري(1) في صحيحه: قال مجاهد(2) :
"استوى: علا على العرش"(3) .
2- وقال إسحاق بن راهويه(4): [(5) سمعت بشر(6) بن عمر] قال(7) : سمعت غير واحد من المفسرين يقول: "{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} أي ارتفع"(8).
3- وقال محمد بن جرير الطبري(9)
__________
(1) أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه الجعفي البخاري، كان مولده سنة(194هـ)، صاحب الصحيح، كان يقول: "أحفظ مائة ألف حديث صحيح ومائتي ألف حديث غير صحيح"، توفي سنة(256هـ) انظر تذكرة الحفاظ(2/122).
(2) مجاهد بن جبر المكي، تابعي إمام في التفسير، مات في السجود عام(104هـ) وقيل (103هـ). انظر التذكرة(92)، والتهذيب(10/42).
(3) انظر صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب {وَكَاَنَ عَرْشُهُ عَلَى المَاَءِ} (ص 1554)ط:دار السلام.
(4) إسحاق بن إبراهيم بن مخلد، المعروف بابن راهويه المروزي.
قال عنه الخطيب البغدادي:"كان أحد أئمة المسلمين، وعلماً من أعلام الدين، اجتمع له الحديث، والفقه، والحفظ، والصدق، والورع، والزهد" توفي سنة (238هـ). انظر تاريخ بغداد(6/345).
(5) ما بين المعكوفتين ساقط من(أ) و(ب) و(ج)، والتصويب من شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي.
(6) بشر بن عمر بن الحكم الزهرانب الأزدي، ثقة، مات سنة نيف ومائتين. انظر الكاشف (1/156)، وتقريب التهذيب(ص45).
(7) ساقطة من(ب).
(8) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة(3/397 برقم662) وأورده الذهبي في الأربعين في صفات رب العالمين(ص36، برقم3).
(9) في(ب) "الطبراني" وهو تحريف.
وهو محمد بن جرير الطبري، المؤرخ، المفسر، الإمام، كان مولده سنة أربع وعشرين ومائتين، روى الكثير عن الجم الغفير، صنف التاريخ الحافل، وله التفسير الكامل الذي لا يوجد له نظير، توفي سنة عشر وثلاثمائة للهجرة.
انظر البداية(11/145-147).
(8/2)
في قوله {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَن} (1) :"أي علا وارتفع"(2).
4- وقال أبو عبيدة(3): "أي صعد".
ذكره البغوي(4) في تفسيره(5).
(ق 2/ب) 5- وقال الفراء(6): {ثُمَّ اسْتَوَى} أي صعد(7)، قاله ابن عباس(8) وهو كقولك: الرجل كان قاعداً ثم استوى قائما".
رواه عنه البيهقي(9) في الصفات له(10)
__________
(1) الآية 59 من سورة الفرقان.
(2) تفسير الطبري(1/192، 13/94، 19/28).
(3) معمر بن المثنى التيمي بالولاء، البصري، أبو عبيدة النحوي، من أئمة العلم بالأدب واللغة ولد سنة(110هـ) بالبصرة وتوفي بها سنة (209هـ)، له مصنفات منها: معاني القرآن وإعراب القرآن، والأمثال، وغيرها. انظر وفيات الأعيان(5/235-243)، الأعلام (7/272).
(4) أبو محمد، الحسين بن مسعود بن محمد البغوي، الفقيه، الشافعي، المحدث، المفسر، كان بحراّ في العلوم، من مصنفاته "معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم"، و"التهذيب"، و"شرح السنة"، وغير ذلك توفي سنة(510هـ). الوفيات(2/136-137)، طبقات السبكي(4/214).
(5) انظر تفسير البغوي(2/165) ط: دار المعرفة.
(6) أبو زكريا، يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الأسلمي المعروف بالفراء، الديلمي، الكوفي، كان أبرع الكوفيين وأعلمهم بالنحو واللغة والفنون والأدب، ولد سنة (144هـ) وتوفي سنة(207هـ). انظر تاريخ بغداد(14/149)، تهذيب التهذيب(11/212).
(7) في(ب) (قعد).
(8) عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولد قبل الهجرة بثلاث سنوات في الشعب، أثناء الحصار، وكان رضي الله عنه ترجمان القرآن وحبر الأمة لعلمه وفهمه، توفي سنة(84هـ). الإصابة(رقم 4781).
(9) أحمد بن الحسين بن علي بن موسى البيهقي النيسابوري، حافظ علامة ثبت فقيه، من قدماء الأشاعرة، مات سنة ثمان وحمسين وأربعمائة.
انظر تذكرة الحفاظ(3/1132)، وسير أعلام النبلاء(18/163).
(10) الأسماء والصفات للبيهقي(2/310).
وذكره ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية(ص264) وقال: "قلت: مراد الفراء اعتدال القائم والقاعد في صعوده عن الأرض".
(8/3)
.
6- وروى الدارقطني(1)، عن إسحاق الكاذي(2) قال: سمعت أبا العباس ثعلبا(3) يقول في {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}: "علا، واستوى الوجه: اتصل، واستوى القمر: امتلأ، واستوى زيد وعمرو: تشابها، واستوى إلى السماء: أقبل. هذا الذي نعرف من كلام العرب"(4)
__________
(1) علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي الدارقطني الشافعي، محدث، فقيه، مقرئ أخباري، لغوي، ولد سنة(306هـ) وتوفي في بغداد سنة(385هـ)
من مصنفاته: "السنن"، و "المعرفة بمذهاب الفقهاء". سير أعلام النبلاء(10/259-262).
(2) إسحاق بن أحمد بن إبراهيم الكاذي ـ نسبة إلى قرية من قرى بغداد يقال لها كاذة ـ ثقة، زاهد، توفي سنة ست وأربعين وثلاثمائة.
انظر تاريخ بغداد(6/399)، الأنساب(10/312)، ومعجم البلدان(4/428).
(3) كتب في هامش الصفحة من(أ) و(ب) "هو أحمد بن يحيى الشيباني إمام الكوفيين في النحو واللغة، كان حجة، ثقة، [ديناً]، صالحاً، مشهورا بالحفظ وصدق اللهجة، [مقدماً عند الشيوخ مُذْ هو حدث] توفي في سنة إحدى وتسعين ومائتين".
وانظر ترجمته في تاريخ بغداد(5/204). وما بين المعكوفتين من تاريخ بغداد.
(4) انظر شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي(3/399-400).
والعلو للذهبي(ص155)، والأربعين في صفات رب العالمين(ص37) برقم(5).
واجتماع الجيوش الإسلامية(ص264-265).
التعليق: قال ابن القيم رحمه الله: "إن لفظ (الاستواء) في كلام العرب الذي خاطبنا الله بلغتهم، وأنزل به كلامه نوعان: مطلق، ومقيد.
أ- فالمطلق: ما لم يوصل معناه بحرف مثل قوله تعالى: {وَلَمَابَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} الآية 14 من سورة القصص. وهذا معناه: كمل وتم، يقال استوى النبات، واستوى الطعام.
ب – وأما المقيد فثلاثة أضرب:
أحدها: مقيد بإلى كقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} الآية(29) من سورة البقرة، واستوى فلان إلى السطخ وإلى الغرفة، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى المعدى بإلى في موضعين من كتابه:
الأول: في سورة البقرة في قوله: {هُوَ اَلّذِيِ خَلَقَ لَكُم مَا ِفي اَلأرضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ }.
الثاني: في سورة فصلت(الآية11) { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} وهذا بمعنى العلو والارتفاع بإجماع السلف.
والثاني: المقيد بعلى، كقوله تعالى: {لِتَسْتَوا عَلَى ظُهُورِهِ} (الآية13 من سورة الزخرف)، وقوله: {وَاسْتَوَت عَلَى الجُودِيّ} (الآية 44 من سورة هود)، وقوله: {فَاسْتَوَى، عَلَى سُوقِهِ} (الآية29 من سورة الفتح) وهذا أيضاً معناه العلو والارتفاع والاعتدال بإجماع أهل اللغة.
الثالث: المقرون بواو "مع" التي تعدي الفعل إلى المفعول معه، نحو استوى الماء والخشبة، بمعنى ساواها.
وهذه معاني الاستواء المعقولة في كلامهم". انظر مختصر الصواعق المرسلة(2/126-127).
(8/4)
.
7- وقال داود بن علي(1): كنا عند ابن الأعرابي(2) فأتاه رجل فقال: "ما معنى قوله: {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}"؟. قال: "هو على عرشه كما أخبر. فقال: با أبا عبد الله إنما معناه استولى. فقال: "اسكت لا يقال استولى على الشيء [حتى](3) يكون له مضاد فإذا غلب أحدهما قيل: استولى"(4).
8- وقال محمد بن أحمد بن [النضر](5) سمعت ابن(6) الأعرابي(7) صاحب اللغة يقول: أرادني ابن أبي [دؤاد](8)
__________
(1) داود بن علي بن خلف الأصبهاني، الملقب بالظاهري، أبو سليمان، أحد الأئمة المجتهدين، ولد بالكوفة(201هـ) وتوفي ببغداد سنة(270هـ).
انظر وفيات الأعيان(2/255)، تاريخ بغداد(8/369).
(2) أبو عبد الله، محمد بن زياد ـ المعروف بابن الأعرابي ـ الكوفي، صاحب اللغة، كان أحد العالمين باللغة المشهورين بمعرفتها. ولد سنة(150هـ) وتوفي سنة (231هـ) على القول الصحيح. انظر وفيات الأعيان(4/309).
(3) في (أ) (ب) "أو"، وما أثبته من (ج).
(4) أخرجه من هذا الطريق اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/399) رقم (666).
والبيهقي في الأسماء والصفات(2/314) برقم(879).
والخطيب في تاريخ بغداد (5/283-284).
وابن قدامة في إثبات صفات العلو (ص119-120 برقم105).
والعلو للذهبي(ص133). وقال الألباني في المختصر(ص196): "هذا إسناد صحيح".
والأربعين في صفات رب العالمين للذهبي(ص38برقم 7).
وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص265).
وأورده ابن حجر في فتح الباري (13/406) وعزاه إلى كتاب الفاروق للهروي.
(5) في (أ) و(ب) و(ج) "النصر"، والصواب ما أثبته.
وهو محمد بن أحمد بن النضر الأزدي، ذكره ابن حبان في الثقات (9/152) وقال: "كتب عنه أصحابنا". ونقل الخطيب عن عبد الله بن أحمد ومحمد بن عبدوس يقولان: "ثقة لا بأس به" تاريخ بغداد (1/364).
(6) سبقت ترجمته في الفقرة (2).
(7) جاء في هامش (أ) "ابن الأعرابي كان رأساً في علم الغريب…".
(8) في (أ) و(ب) و(ج) "داود"، والصواب ما أثبته.
وهو أبو عبد الله أحمد بن أبي دؤاد فرج بن جرير بن مالك القاضي، كان من أصحاب واصل بن عطاء، فصار إلى الاعتزال، واتصل بالمأمون، فأصبح من جلسائه ومستشاريه، وهو ممن قاد فتنة القول بخلق القرآن وحسنها للمأمون ثم المعتصم من بعده ثم الواثق، وبعد وفاة المأمون تولى رئاسة القضاء إلى نهاية خلافة الواثق ثم عزل في أول خلافة المتوكل، وكانت وفاته سنة(240هـ).
انظر تاريخ الطبري(11/49)، الوفيات (1/81-91).
(8/5)
(1) أن أطلب له في بعض لغات العرب ومعانيها {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} بمعنى استولى.فقلت: "والله ما يكون هذا ولا أصبته"(2).
9- وقال أبو العالية الرياحي(3): "{اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ}(4) أي ارتفع".
نقله البخاري عنه في صحيحه(5).
__________
(1) جاء في هامش (أ) "ابن أبي دؤاد أحمد القاضي المشهور بالقيام على الإمام أحمد بن حنبل في المحنة، وكان في جماعة من موافقيه، فدعى كل منهم على نفسه بشيء عينه [ ] قولهم بخلق القرآن، ومامنهم من أحد إلا وأصابه [ ] ما دعى على نفسه، وكان هذا القاضي دعى على نفسه بالفالج، فمات بعد أن أسخط الله عليه الخليفة المتوكل الذي أظهر السنة ونصرها" ما بين المعكوفتين لم أستطع قراءته.
(2) أورده ابن بطة في الإبانة "تتمة كتاب الرد على الجهمية" (3/166-167) رقم (124).
والخطيب في تاريخ بغداد (5/283).
وأخرجه من هذا الطريق اللالكائي في شرح أول الاعتقاد (3/399) برقم (667).
وأخرجه الذهبي في العلو (ص133) من طريق الخطيب.
وقال الألباني في المختصر (ص195): "إسناده حسن".
وأورده ابن حجر في فتح الباري(13/406)وعزاه لأبي إسماعيل الهروي في كتاب الفاروق.
وله طريق ثالث عن صالح بن محمد أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/314، برقم879) وإسناده صحيح.
التعليق: انظر مسألة إبطال التأويل الاستواء بالاستيلاء كتاب مجموع الفتاوى لابن تيمية(5/144-149)، ومختصر الصواعق المرسلة (2/126-152).
(3) أبو العالية، رفيع ـ بضم الراء - الرياحي، مولى امرأة من بني رياح، قال أبو بكر ابن أبي داود: "ليس أحد أعلم بالقرآن بعد الصحابة من أبي العالية"، توفي عام (93هـ). انظر التذكرة (61)، طبقات ابن سعد (7/112)، واللباب (2/46).
(4) الآية 29 من سورة البقرة.
(5) انظر صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب "وكان عرشه على الماء" (ص1554).
(8/6)
10- ورواه محمد بن جرير الطبري(1) في تفسيره عن الربيع بن أنس(2) عنه(3).
11- وقال البغوي فيه: قال ابن عباس وأكثر مفسري السلف(4): ارتفع إلى السماء(5).
12- وقال الخليل بن أحمد(6) في {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء}: "ارتفع إلى السماء(7)". رواه (ق21/أ) أبو عمر(8) بن عبد البر(9) في شرح الموطأ له(10).
وقال تعالى: {إِلِيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيّبُ} (11).
{إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}(12).
{بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ}(13).
__________
(1) في (ب) "الطبراني" تحريف.
(2) الربيع بن أنس البكري أو الحنفي، بصري نزيل خراسان، صدوق له أوهام، رمي بالتشيع، مات سنة أربعين ومائة أو قبلها. انظر الكاشف (1/303)، تقريب التهذيب (ص318).
(3) "عنه" ساقطة من (ب). وانظر تفسير الطبري (1/191).
(4) لفظة "السلف" ساقطة من (ب). وفي (ج) "القرآن".
(5) تفسير البغوي المسمى "معالم التنزيل" (1/59) عند تفسير قوله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنُ سَبْعَ سَمَواتٍ} الآية 29 من سورة البقرة.
(6) أبو عبد الرحمن، الخليل بن حمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي، من أئمة اللغة، وهو أستاذ سيبويه، وأول من استخرج العروض وحصّن به أشعار العرب، ولد سنة (100هـ) وتوفي سنة (170هـ) له من الكتب المصنفة كتاب العين. انظر وفيات الأعيان (2/244-248)، والفهرست للنديم (ص63-64).
(7) عبارة "إلى السماء" ساقطة من (ب).
(8) في (ج) "أبو عمرو". وهو تحريف.
(9) أبو عمر، يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، إمام عصره في الحديث والأثر وما يتعلق بهما، قال الباجي: "أبو عمر أحفظ أهل المغرب"، من مؤلفاته: "التمهيد"، و"الاستيعاب"، و"جامع بيان العلم وفضله"، ولد سنة (368هـ) وتوفي سنة (463هـ). انظر الوفيات (7/66-72) وتذكرة الحفاظ(1128).
(10) التمهيد (7/132).
(11) الآية 10 من سورة فاطر.
(12) الآية 55 من سورة آل عمران.
(13) الآية 158 من سورة النساء.
(8/7)
{يَخَافُونَ رَبَّهُم مِنْ فَوْقِهِم}(1).
{ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيهِ}(2).
{أَأَمِنتُمْ مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأّرضَ } (3)الآية(4).
{ذِي الْمَعَارِجِ . تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ }(5).
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ. أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا}(6).
يعني: أظن موسى كاذباًَ أن إلهه(7) في السماء، ولو لم يكن موسى عليه السلام يدعوه إلى إله في السماء لما قال هذا؛ إذ لو كان موسى قال له: إن الإله(8) الذي أدعوك إليه، ليس في السماء، لكان هذا القول من فروعون عبثاً، ولكان بناؤه القصر جنوناً(9).(10)
__________
(1) الآية 50 من سورة النحل.
(2) الآية 5 من سورة السجدة.
(3) الآية 16 من سورة الملك.
(4) "الآية" ساقطة من (ب).
(5) الآيتان 3-4 من سورة المعارج.
(6) الآيتان 36-37 من سورة غافر.
(7) في (ج) "الله".
(8) في (ب) "إلا إله"، وفي (ج) "الله".
(9) انظر في هذه المسألة مجموع الفتاوى (5/172-173).وأعلام الموقعين لابن القيم (2/302).
(10) التعليق: ما ذكره المصنف هنا من الآيات الدالة على إثبات العلو هو بمثابة الإرشادات وإلا فالقرآن مليء بالأدلة على إثبات صفة العلو.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وصف الله نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، بالعلو والاستيلاء على العرش والفوقية في كتابه في آيات كثيرة، حتى قال بعض أكابر أصحاب الشافعي: "في القرآن ألف دليل أو أزيد تدل على أن الله عال على الخلق، وأنه فوق عباده"، وقال غيره: "فيه ثلاثمائة دليل تدل على ذلك" اهـ. مجموع الفتاوى (5/226).
فالقرآن الكريم من أوله إلى آخره مليء بما هو إما نص ظاهر في أن الله فوق كل شيء، وأنه عال على خلقه ومستو على عرشه، وقد تنوعت تلك الدلالات، فوردت بأصناف من العبارات. وقد أشار العلماء إلى ذلك التنوع في العبارة، ومن ذلك:
1-التصريح بالفوقية مقرونة بأداة (من) المعينة لفوقية الذات نحو:{يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ} [النحل:50].
2-ذكرها مجردة عن الأداة، كقوله:{وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام:18].
3- التصريح بالعروج إليه، نحو{تَعْرُجُ المَلاَئِكَةُ وَالرُّوُحُ إِلَيْهِ} [المعارج:4].
4- التصريح بالصعود إليه، كقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ اَلكَلِمُ الطّيّبُ} [فاطر:10].
5- التصريح برفعه بعض المخلوقات إليه، كقوله:{بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ} [النساء:158]، وقوله: {إِنّي مُتَوفَيّكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}[آل عمران:55].
6-التصريح بالعلو المطلق الدال على جميع مراتب العلو، ذاتاً، وقدراً، وشرفاً، كقوله: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} {إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}.
7- التصريح بتنزيل الكتاب منه كقوله:{تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الزمر: 1]، {تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42]، {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ }[النحل: 102].
8-التصريح باختصاص بعض المخلوقات بأنها عنده، وأن بعضها أقرب إليه من بعض، كقوله:{فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ} [فصلت:38]، وقوله {وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ } [الأنبياء:19].
9- التصريح بأنه سبحانه في السماء، كقوله تعالى:{أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ }[الملك: 16].
10- التصريح بالاستواء مقروناً بأداة (على) مختصاًُ بالعرش الذي هو أعلى المخلوقات مصاحباً في الأكثر لأداة (ثم) الدالة على الترتيب والمعنى، كقوله تعالى {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54].
11- إخباره سبحانه عن فرعون أنه رام الصعود إلى السماء ليطلع إلى إله موسى فيكذبه فيما أخبر به من أنه سبحانه فوق السموات فقال: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ. أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر:36-37]، فكذب فرعون موسى في إخباره إياه بأن ربه فوق السماء.انظر أعلام الموقعين عن رب العالمين (2/300-302)، بتصرف يسير.
(8/8)
[الأدلة من السنة]
وأما الأحاديث المتواترة المتوافرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكثر من أن تستوعب، فمنها:
13- حديث معاوية بن الحكم السلمي(1) قال: "كانت لي غنم بين أُحُد(2) والجَوَّانِيَّةِ(3)، فيها جارية لي، فأطلعتها ذات يوم، فإذا الذئب قد ذهب منها بشاة فصككتها،(ق21/ب) فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فعظم ذلك عليّ(4)، فقلت: "يا رسول الله أفلا أعتقها؟"، قال: "ادعها"، فدعوتها، فقال لها: "أين الله؟" قالت: "في السماء". قال: "من أنا؟"، قالت: "رسول الله". قال: "أعتقها فإنها مؤمنة".
هذا حديث صحيح؛ رواه مسلم(5)
__________
(1) معاوية بن الحكم السلمي، صحابي سكن المدينة. أسد الغابة (5/95).
(2) أُحُدٌ: جبل معروف شمال المدينة. معجم البلدان (1/109). ووفاء الوفاء للسمهودي (3/937).
(3) الجَوَّانِيَّةِ: بالفتح وتشديد الواو وكسر النون وياء مشددة، وحكي تخفيفها. موضع قرب أحد في شمال المدينة النبوية بطرق الحرة الشرقية مما يلي الشام. انظر وفاء الوفاء للسمهودي (4/1180).
(4) في (ج) "عليه".
(5) مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري، أبو الحسين النيسابوري، حافظ، من أئمة المحدثين، صاحب الصحيح المشهور، توفي بنيسابور سنة (261هـ).
تذكرة الحفاظ (2/150)، تهذيب التهذيب (10/126).
(8/9)
،(1) وأبو داود(2)،(3) والنسائي(4)،(5) ومالك(6) في الموطأ(7).
__________
(1) أخرجه في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة (1/382).
(2) سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد الأزدي السجستاني، ثقة حافظ، مصنف السنن وغيرها، من كبار العلماء، من الحادية عشرة، مات سنة(275هـ). تذكرة الحفاظ (2/152)، تاريخ بغداد (9/55).
(3) سنن أبي داود (1/572) كتاب الصلاة، "باب 171 تشميت العاطس في الصلاة" رقم (930).
(4) أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار، أبو عبد الرحمن، النسائي، الحافظ، صاحب السنن وغيرها، مات سنة(303هـ) وله ثمان وثمانون سنة. تذكرة الحفاظ (2/241)، وفيات الأعيان (1/21).
(5) سنن النسائي (3/14-18).
(6) مالك بن أنس إمام دار الهجرة، وأحد أئمة السنة المشهورين، وإليه تنسب المالكية، له مؤلفات عدة، على رأسها "الموطأ" الكتاب المشهور، ولد بالمدينة وتوفي بها عام (179هـ). الديباج المذهب (1/82-135)، البداية (10/174).
(7) كتاب العتق، باب ما يجوز من العتق في الرقاب الواجبة (ص552-553، ح1464).وأخرجه الإمام أحمد في المسند (5/447).وابن أبي عاصم في السنة (1/215).وابن خزيمة في التوحيد (1/278-280، ح178).واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/392).والذهبي في العلو (ص16)، وانظر مختصر العلو للذهبي (ص81).
(8/10)
14- وفي السنن عن محمد بن الشريد(1) أن أمه أوصته أن يعتق عنها رقبة مؤمنة، فقال: "يا رسول الله، إن أمي أوصت بكذا(2)، وهذه جارية سوداء نوبيّة أتجزئُ عني، قال: "إيتني بها" فقال لها: "أين الله؟" قالت: "في السماء"، قال: "من أنا؟" قالت: "أنت(3) رسول الله"، قال: "أعتقها فإنها مؤمنة"(4).
وهذه الجارية، غير جارية معاوية بن الحكم(5).
15- وعن أبي رزين العقيلي(6) قال: "قلت يا رسول الله: أين كان ربنا قبل أن يخلق السماء والأرض؟" قال: "كان في عما(7) ما فوقه هواء وما تحته هواء، ثم خلق العرش ثم استوى عليه".
__________
(1) محمد بن شريد بن سويد الثقفي. صحابي على رأي ابن الأثير انظر أسد الغابة (5/95). وذكره ابن حجر فيمن هو مختلف في صحبته انظر الإصابة (رقم8426).
(2) في (ب) و(ج) "بهذا".
(3) "أنت" ساقطة من (ب) و (ج).
(4) أخرجه أبو داود (3/558)، (في الإيمان والنذور، باب 19،في الرقبة المؤمنة).والنسائي (6/252)، في الوصايا، (باب8)، فضل الصدقة على الميت.وأخرجه ابن خزيمة في كتاب التوحيد (1/238،ح181).وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (7/388-389) بسنده عن الشريد بن سويد الثقفي.وأورده الذهبي في العلو (ص18) وقال: "كذا روي هذا الحديث، وليس إسناده بالقائم، ويروى نحوه عن محمد بن الشريد بن سويد الثقفي عن أبي هريرة مرفوعاً، وقيل: صوابه عمر بن الرشيد. فالله أعلم" اهـ.وقال ابن حجر في الإصابة في ترجمة سويد (رقم8426) بعد ذكر بعض طرق هذا الحديث غير هذه الطريق: "وكل ذلك غير محفوظ، والمحفوظ (هذه الطريق").
(5) سبقت ترجمته في ص(21).
(6) لقيط بن عامر بن المنتفق، أبو رزين، العقيلي، وافد بني المنتفق، وقيل اسمه لقيط بن صبرة، ويقال إنه جده واسم أبيه عامر، صحابي مشهور. انظر الإصابة (رقم7557).
(7) العما: السحاب الأبيض، كذا فسره الأصمعي. انظر كتاب العظمة لأبي الشيخ (1/365-366)، والعرش لابن أبي شيبة(رقم8)، والحد للدشتي (ق15/ب).
(8/11)
وفي لفظ آخر "ثم كان على العرش فارتفع على عرشه".
وهذا حديث حسن(ق22/ب) رواه [الترمذي](1)(2) وغيره(3)
__________
(1) في (أ) و(ب) و(ج) "أبو داود"، وهو تحريف، والصواب ما أثبته.
(2) محمد بن عيس بن سورة بن موسى السلمي، البوغي الترمذي، من أئمة علماء الحديث، وحفاظه، ولد سنة (209هـ)، تلميذ البخاري، وله رحلات عديدة، وكان يضرب به المثل في الحفظ، من تصانيفه الجامع الذي يعرف "بسنن الترمذي"، و"الشمائل المحمدية"، توفي بترمذ سنة (279هـ). تذكرة الحفاظ(2/187).
(3) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب التفسير، باب سورة هود (5/288،رقم3109).والإمام أحمد في مسنده (4/11-12).وابن أبي شيبة في العرش (ح7). وابن ماجه في سننه، المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية (1/64).وابن أبي عاصم في السنة (1/271).وابن جرير الطبري في تفسيره (12/4) وفي تاريخه (1/19).والحكيم الترمذي في الرد على المعطلة (ق106/ أ).وأبو الشيخ في كتاب العظمة (1/363-364، ح83).وابن بطة في الإبانة (تتمة الرد على الجهمية، 3/168، ح125).وابن أبي زمنين في أصول السنة (ص89، ح31).والبيهقي في الأسماء والصفات (2/235-236، ح801 و2/303، ح864).قال الترمذي: حديث حسن.وقال الذهبي في العلو (ص19) إسناده حسن.وقال الألباني: "في تصحيحه نظر، فإن مداره على وكيع بن عدس ويقال حدس، وهو مجهول، لم يرو عنه غير يعلى بن عطاء، ولا وثقه غير ابن حبان".
التعليق: اختلف في لفظة "عما" من حيث الشكل ومن حيث المعنى المراد بها.
فالأصمعي، وأبو عبيد القاسم بن سلام، والأزهري وغيرهم يرون أن لفظة "عما" هي من حيث الشكل بالمد، وليست بالقصر، وأن معناها المراد في الحديث السحاب الأبيض، لأنه هذا هو معنى الكلمة في كلام العرب المنقول عنهم. ومما يشهد لذلك قول الحارث بن حلزة اليشكري:
وكأن المنون تردى بنا
أعصم ينجاب عنه العما
ومعنى البيت: أن الشاعر يقول هو في ارتفاعه، قد بلغ السحاب ينشق عنه، ويقول نحن في عزنا مثل الأعصم، فالمنون إذا أرادتنا فكأنما تريد أعصم (أي الجبل الشاهق).
وقال الأزهري: "ولا يدرى كيف ذلك العما بصفة تحصره ولا نعت يحده، ويقوي هذا القول قول الله تعالى {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ} الآية 210 من سورة البقرة، فالغمام معروف في كلام العرب، إلا أنا لا ندري كيف الغمام الذي يأتي الله ـ عز وجل ـ يوم القيامة في ظلل منه، فنحن نؤمن به ولا نكيف صفته، وكذلك سائر صفات الله عز وجل". تهذيب اللغة (3/246).
وهذا القول ليس فيه دليل، على قول الفلاسفة الدهرية القائلين بقدم العالم، وأن مادة السموات والأرض ليست مبتدعة، وذلك أن الله سبحانه أخبرنا في كتابه بابتداء الخلق الذي يعيده، وأخبر بخلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام في غير موضع، وجاءت بذلك الأحاديث الكثيرة، وأخبر أيضاً أنه يغير هذه المخلوقات.
ويرى يزيد بن هارون، وأقره على ذلك الترمذي أن لفظة "عما" هي من حيث الشكل بالمد، ولكن معناها في هذه الحديث هو: "أي ليس مع الله شيء" وعلى هذا يكون معنى الحديث أن الله كان ولم يكن شيء معه، ويشهد لهذا المعنى ما جاء في حديث عمران بن حصين من قوله صلى الله عليه وسلم: "كان الله ولم يكن شيء معه".
وهناك رأي ثالث في المسألة، يخالف القولين الأولين من حيث الشكل والمعنى: فمن حيث اللفظ يرى أنه بالقصر، وليس بالمد.
وعلى هذا يكون المعنى: أنه كان حيث لا تدركه عقول بني آدم، ولا يبلغ كنهه وصف، وذلك لأن كل أمر لا يدركه القلوب بالعقول فهو عمى.
انظر: غريب الحديث لأبي عبيد (2/8-9)، تهذيب اللغة (3/246)، نقص تأسيس الجهمية (1/591).
(8/12)
.
16- وعن أبي هريرة(1)، أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم بجارية سوداء، أعجمية فقال: "يا رسول الله إن عليّ عِتْقَ رقبة مؤمنة فقال لها: "أين الله؟"، فأشارت بالسبابة إلى السماء، فقال لها: "من أنا؟" فأشارت بإصبعها إليه، وإلى السماء، أي أنت رسول الله، فقال: "أعتقها"(2).
هذا حديث حسن، رواه القاضي أبو أحمد العسال(3) في كتاب المعرفة له، عن محمد بن عمرو(4)، عن أبي سلمة(5)، عن أبي هريرة.
__________
(1) أبو هريرة، الدوسي الصحابي الجليل، أحفظ الصحابة، اختلف في اسمه واسم أبيه، والأشهر أنه عبد الرحمن بن صخر، أسلم عام خيبر، ولزم النبي صلى الله عليه وسلم ملازمة تامة، فكان أكثر الصحابة حفظاً للحديث، ورواية له، توفي في المدينة سنة (59هـ) وهو ابن ثمان وسبعين سنة. الإصابة الكنى ترجمة رقم(1791).
(2) أخرجه أحمد في المسند (2/291).وأبو داود في سننه (3/588) كتاب الأيمان والنذور.وابن خزيمة في التوحيد (1/284-285، ح182).واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/392).والبيهقي في دلائل النبوة (7/388) وفي السنن الكبرى (7/388).وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص47-48 برقم 17).
(3) محمد بن أحمد بن إبراهيم، أبو أحمد، الأصبهاني، الحافظ، المعروف بالعسال، صاحب التصانيف، إمام، ثقة، حافظ، متقن، مات سنة (349هـ) وله ثمانون سنة. تاريخ بغداد (1/270)، السير (16/6).
(4) محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني، صدوق له أوهام، من السادسة، مات سنة (145هـ) على الصحيح، أخرج له الجماعة. التقريب(ص884).
(5) أبو سلمة، بن عبد الرحمن بن عوف، الزهري المدني، قيل اسمه عبد الله وقيل إسماعيل، ثقة، مكثر، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين أو أربع ومائة، وكان مولده سنة بضع وعشرين، من رواة الجماعة. التقريب (ص1155).
(8/13)
ورواه أحمد(1)، والبرتي(2)، في مسنديهما(3)، من حديث المسعودي(4).
17- وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يتعاقبون(5) فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة العصر، والفجر، ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم الله ـ وهو أعلم بهم ـ كيف تركتم عبادي؟، فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون".
متفق على صحته(6).
__________
(1) أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، أبو عبد الله، المروزي، الإمام المشهور في الفقه، والحديث، ونصرة الإسلام، إمام أهل السنة، والجماعة، أعز الله به السنة وقمع به البدعة، وفضائله أكثر من أن تحصر، توفي سنة (241هـ). تاريخ بغداد (4/312)، طبقات الحنابلة(1/4، وما بعدها).
(2) في (أ) "البوني" وفي (ب) و(ج) "اليوني" وهو تحريف، والصواب ما أثبته. وهو القاضي أبو العباس، أحمد بن محمد بن عيسى، الفقيه الحافظ، ولي قضاء بغداد، وكان ثقة، ثبتاً، حجة، يذكر بالصلاح والعبادة، مات سنة (280هـ)، وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ: "قلت سمعت مسند أبي هريرة للبرتي بسند عالٍ". انظر تذكرة الحفاظ (2/596)، والأنساب (2/135).
(3) كذا عزاه أيضاً ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص48).
(4) عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، الكوفي، المسعودي، صدوق، اختلط قبل موته، مات سنة (165هـ). التهذيب (11/366).
(5) أي أن كل طائفة منهم تأتي عقب الأخرى، فتحل محلها بحيث لا تترك المكان خالياً. انظر النهاية لابن الأثير (3/268).
(6) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة العصر، (ح555 ص114) ط: دار السلام.وأخرجه مسلم في صحيحه (1/439) كتاب المساجد.
(8/14)
18- وعن عبد الله بن عمرو(1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ارحموا من في (ق22/ب) الأرض يرحمكم من في السماء".
رواه الترمذي وصححه(2).
19- وعن جبير بن مطعم(3)، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي في حديث الاستسقاء: "ويحك أتدري(4) ما الله؟ إن شأنه أعظم من أن يستشفع به(5) على أحد، إنه لفوق عرشه على سمواته".
__________
(1) عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل السهمي أبو محمد، وقيل أبو عبد الرحمن، القرشي أحد السابقين المكثرين من الصحابة، وأحد العبادلة الفقهاء، مات في ذي الحجة ليال الحرة على الأصح بالطائف على الراجح. الإصابة (رقم4847).
(2) أخرجه الحميدي في مسنده (برقم 591).وأحمد في مسنده (2/160).والبخاريخ في التاريخ / الكنى (ص64).وأبو داود في سننه (5/231، ح 4941).الترمذي في سننه (4/323-324، ح1924) وقال حديث حسن صحيح.والدارمي في الرد على المريسي (ص104)، والرد على الجهمية برقم (69).والرامهرمزي في المحدث الفاصل (برقم 775).والحاكم في المستدرك (4/159) وصححه.والبيهقي في الأسماء والصفات (2/328، ح893).والخطيب في تاريخ بغداد (3/160).وابن قدامة في العلو (ص45).وأورده الذهبي في العلو (ص19-20) وقال: "أخرجه أبو داود والترمذي وصححه، تفرد به سفيان".وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني برقم (925).
(3) جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، القرشي ، النوفلي، صحابي عارف بالأنساب، مات سنة ثمان أو تسع وخمسين. الإصابة (رقم1091).
(4) "أتدري" ساقطة من (ب).
(5) "به" ساقطة من (ب) و(ج).
(8/15)
رواه أبو داود، وغيره، في الرد على الجهمية(1)، بإسناد حسن عنده من حديث محمد بن إسحاق بن يسار(2)(3).
__________
(1) سنن أبي داود (5/94-96، ح4726).
(2) عبارة "محمد بن إسحاق بن يسار" غير واضحة في (ج)، وهو محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار نزيل العراق، إمام المغازي، مات سنة خمسين ومائة. انظر تهذيب التهذيب (9/38).
(3) الحديث أخرجه كذلك الدارمي في الرد على بشر المريسي (ص447). وابن أبي عاصم في السنة (1/252).وابن خزيمة في التوحيد (1/239-240، ح147).والطبراني في المعجم الكبير (2/132، برقم 1547).وأبو الشيخ في العظمة (2/554-556، ح198).والدراقطني في الصفات (ص51، ح38).وابن منده في التوحيد (1/188، برقم 643).واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/394).والبيهقي في الأسماء والصفات (2/317-318، ح883).وقد تكلم بعض الأئمة على هذا الحديث:فقال الذهبي في العلو (ص39): "هذا الحديث غريب جداً فرد، وابن إسحاق حجة في المغازي إذا أسند، وله مناكير وعجائب، فالله أعلم أقال النبي صلى الله عليه وسلم هذا أم لا؟ وأما الله فليس كمثله شيء جل جلاله، وتقدست أسماؤه ولا إله غيره" انتهى كلامه.واستغربه الحافظ ابن كثير في تفسير آية الكرسي من تفسيره (1/310).ثم إن في إسناده اختلافاً.هذا وقد تكلم ابن القيم في تهذيب السنن (7/95-117) بكلام طويل نصر فيه تصحيح الحديث، ورد المطاعن التي طعن بها هذا الحديث، وبخاصة عن ابن إسحاق.والصواب أن هذا الحديث بهذا الإسناد ضعيف، ولا سيما أن جبير بن محمد قال فيه الحافظ ابن حجر: "مقبول" يعني إذا توبع ولم يتابع هنا.
التعليق: منهج السلف في إيراد مثل هذه الأحاديث التي في إسنادها مقال إنما هو من باب التأكيد لا من باب التأييد، وهذا الحديث إنما ساقه الكثير من السلف لما فيه من تواتر علو الله تعالى فوق عرشه مما يوافق آيات القرآن والأحاديث الصحيحة.
(8/16)
20- وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه [أتاه](1) رجل، فقال: على أمه رقبة، وقد ماتت، وأتاه بجارية أعجمية فقال لها: "من أنا؟" قالت: رسول الله، قال: "فأين الله؟" فأشارت إلى السماء، فقال: "أعتقها فإنها مؤمنة"(2)(3).
أخرجه العسال بإسناد صحيح، عن أبي سعد(4) البقال(5)، عن عكرمة(6)، عن ابن عباس.
__________
(1) في (أ) "أتا" والتصويب من (ب).
(2) أخرجه الهروي في الأربعين في دلائل التوحيد (ص53) وقال: "حديث معاوية بن الحكم أصح إسناداً من هذا".
(3) هكذا جاء الحديث في (أ).
وجاء في (ب) و(ج) "فقال لها: "أين الله؟" فأشارت بيدها إلى السماء، وقال لها: "من أنا؟" قالت: رسول الله، فقال: "أعتقها فإنها مؤمنة".
(4) في (أ) و(ب) و(ج) "سعيد" وهو تحريف.
(5) سعيد بن المرزبان العبسي، أبو سعد، البقال، الكوفي الأعور، مولى حذيفة، ضعيف، مدلس، من الخامسة، مات سنة بضع وأربعين ومائة. انظر التهذيب (4/79-80).
(6) عكرمة أبو عبد الله، مولى ابن عباس، أصله بربري، ثقة ثبت، عالم بالتفسير. تقريب التهذيب ص(687).
(8/17)
21- وقال يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب(1): جاء حاطب(2) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجارية له، فقال: "يا رسول الله إن [عليّ](3) رقبة فهل تجزيء هذه عني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أنا؟" قالت: أنت رسول الله، قال: "أين ربك؟" فأشارت إلى السماء. قال: (ق23/ب) "أعتقها فإنها مؤمنة"(4)(5).
تفرد به أسامة بن زيد(6) عن يحيى بن عبد الرحمن.
أخرجه أبو أحمد الحافظ(7) بإسناد صحيح عنه.
22- وقال سمحج(8) الجني(9): "قلت يا رسول الله: أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض؟ قال: "على حوت من نور".
__________
(1) يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة، أبو محمد، أو أبو بكر المدني ثقة، من الثالثة، مات سنة (104هـ). التقريب ص(1060).
(2) حاطب بن أبي بلتعة بن عمرو بن سلمة بن صعب بن سهل اللخمي، حليف بني أسد بن عبد العزى، صحابي بدري، جاء ذكره في "الصحيحين" دون رواية، مات سنة ثلاثين، وله سبعون سنة. الإصابة (رقم1538).
(3) في (أ) "عليه".
(4) أورده الذهبي في العلو (ص18-19) وعزاه للعسال في كتاب المعرفة.وفي النسخة الخطية للعلو (ق69-70) زيادة "وهو مرسل".وللحديث علة أخرى، وهي أن يحيى بن عبد الرحمن لم يدرك جده.
(5) هكذا جاء الحديث بهذه الصيغة في (أ) وجاء في (ب) و(ج) "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أين ربك؟" قالت: "في السماء"، فقال: "ومن أنا؟" قالت: "أنت رسول الله" قال: "أعتقها فإنها مؤمنة".
(6) أسامة بن زيد الليثي مولاهم، أبو زيد المدني، صدوق يهم من السابعة، مات سنة (153هـ) وهو ابن بضع وسبعين. انظر التقريب (ص124).
(7) محمد بن أحمد العسال. تقدمت ترجمته ص(26).
(8) في (ب) "سمج"، وفي (ج) "سميح".
(9) سمحج) ويقال بالهاء بدل الحاء، الجني. انظر الإصابة (برقم 3472).
(8/18)
هذا الحديث(1) في "الغيلانيات"(2)، وسنذكره فيما بعد.
وهذه سبعة أحاديث تدل على جواز السؤال [بأين](3) الله(4)
__________
(1) كلمة "الحديث" ساقطة من (ب).
(2) أخرجه أبو بكر الشافعي في الغيلانيات (2/219، برقم 689)، بتحقيق الدكتور مرزوق بن هياس الزهراني. ط: دار المأمون للتراث.وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص327، 328).وأورده ابن حجر في الإصابة (2/77) وعزاه للشيرازي في الألقاب وللطبراني في الكبير وقال: "وعبد الله بن الحسين من شيوخ الطبراني، وقد ذكره ابن حبان في كتاب الضعفاء فقال: يقلب الأخبار ويسرقها، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد".وأورده الدميري في حياة الحيوان (1/295).وأورده القاضي في إبطال التأويلات (1/237 برقم 228).
(3) في (أ) و (ب) "أين"، وما أثبته من (ج).
(4) من المعلوم أن مذهب عامة أهل السنة، وسلف الأمة، وأئمتها أنهم يرون إثبات السؤال عن الله تعالى (بأين)، ولا ينفون ذلك عنه مطلقاً، وذلك لثبوت النصوص الصريحة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك سؤالاً وجواباً. وقد ذكر المصنف هنا جملة منها.
والسلف يقولون: إن من نفى السؤال بأين، لا بد له من دليل يستدل به على انتفاء ذلك، ولا دليل لهم، ذلك لأنها مسألة إثبات الشرع، فمن أنكرها فإنما ينكر المصطفى".
وقد خالف السلف في قولهم هذا الجهمية، والمعتزلة، ومتأخرة الأشاعرة، الذين يزعمون أنه لا يجوز السؤال عن الله تعالى بأين؛ لأن في ذلك سؤالاً عن المكان، وهم يزعمون أن الله ليس في مكان، لأن المكان لا يكون إلا للجسم، والله ليس بجسم، لأن الجسم لا يكون إلا محدثاً ممكناً ويظهر توضيح هذا الرأي في قول ابن الأثير في النهاية (3/304) "ولا بد في قوله "أين كان ربنا؟" من تقدير مضاف محذوف، كما حدث في قوله تعالى {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ} ونحوه فيكون التقدير: أين كان عرش ربنا؟ يدل عليه قوله {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ}".
فقول ابن الأثير "أنه لا بد من تقدير مضاف محذوف" الذي دفعه إليه هو اعتقاده بأنه لا يجوز السؤال عن الله تعالى بأين، لأنه يترتب على ذلك إثبات الجهة والمكان لله تعالى، وهي منفية عنه كما هو مذهب الأشاعرة المتأخرين الذين يعد ابن الأثير واحداً منهم. ومما يجدر ذكره أن ما هرب إليه ابن الأثير من تقدير المضاف لا ينجيه مما هرب منه، لأنه إذا أثبت الجهة لعرشه سبحانه وتعالى ثبتت له أيضاً لكونه مستوياً عليه". انظر الاستقامة لابن تيمية (1/126-127).
وقال الذهبي في العلو (ص26) بعد ذكر حديث الجارية: "وهكذا رأينا في كل من يُسأل أين الله، يبادر بفطرته ويقول في السماء. في الخبر مسألتان إحداهما: شرعية قول المسلم (أين الله)؟ وثانيهما: قول المسؤول (في السماء) فمن أنكر هاتين المسألتين فإنما ينكر على المصطفى صلى الله عليه وسلم" ا.هـ.
وانظر كلام القاضي أبي يعلى الحنبلي الذي أورده المصنف برقم (275).
(8/19)
، وجواز الإخبار بأنه في السماء سبحانه وتعالى.
23- وعن جابر(1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم عرفات: "ألا هل بلغت؟ فقالوا: نعم، فجعل يرفع أصبعه إلى السماء وينكبها إليهم ويقول: "اللهم اشهد".
رواه مسلم(2).
24- وعن العباس(3) بن عبد المطلب(4) قال: كنا بالبطحاء(5) فمرت سحابة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هل تدرون بعد ما بين السماء والأرض؟" قالوا: لا، قال: "إما واحدة، وإما [اثنتان](6) أو ثلاث وسبعون سنة" ثم عد سبع سموات، ثم قال: "فوق السابعة بحر بين أسفله، وأعلاه كما بين السماء إلى سماء، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال(7) بين أظلافهم، وركبهم كما بين سماء، إلى سماء ثم(8) على ظهورهم العرش، ثم الله فوق ذلك، وهو يعلم ما أنتم عليه".
__________
(1) جابر بن عبد الله الأنصاري، شهد العقبة الثانية وهو صغير، وشهد المشاهد كلها بعد أحد، وكان من المكثرين الحفاظ للسنة، توفي سنة (74هـ) وقيل غير ذلك. الإصابة (رقم1026).
(2) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم (4/41).
(3) في (ب) و(ج) "عن ابن العباس" وهو تحريف.
(4) العباس بن عبد المطلب بن هاشم القرشي، عم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولد قبل الرسول صلى الله عليه وسلم بسنتين، يقال إنه أسلم وكتم إسلامه، هاجر إلى المدينة قبل الفتح بقليل، وشهد حنين، وثبت يوم حنين، مات بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين. الإصابة (رقم4507).
(5) البطحاء: هو مسيل واسع فيه دقاق الحصى، وهو موضع معروف بمكة، انظر لسان العرب (1/299).
(6) في (أ) و (ب) و(ج) "اثنان"، وهو تحريف والصواب ما أثبته.
(7) الأوعال جمع وعل بكسر العين، وهو تيس الجبل. النهاية (5/207).
(8) "ثم" ساقطة من (ج).
(8/20)
رواه أبو داود بإسناد حسن وفوق الحسن(1).
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في المسند (1/207).وأبو داود في سننه، كتاب السنة، باب في الجهمية (5/93، برقم 4723).وأخرجه ابن ماجه في سننه، المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية (1/69).وأخرجه الترمذي في سننه، كتاب التفسير، باب سورة الحاقة (5/424-425، برقم3320).والدارمي في الرد على بشر المريسي (ص448).وابن أبي عاصم في السنة (1/253).وابن خزيمة في كتاب التوحيد (1/234-235، ح144).والآجري في الشريعة (3/1089-1090، ح665).وابن منده في التوحيد (1/117).واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/390).والذهبي في العلو (ص49).ومدار الحديث من جميع طرقه على "عبد الله بن عميرة" وعبد الله فيه جهالة، ولذلك قال الألباني في تخريج السنة (1/254): "إسناده ضعيف، وعبد الله بن عميرة، قال الذهبي: فيه جهالة، وقال البخاري: لا نعلم له سماعاً من الأحنف بن قيس". انتهى كلامه.ولكن الجوزقاني صرح في الأباطيل (1/79) بصحة الحديث. وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (3/192) حيث قال: "إن هذا الحديث قد رواه إمام الأئمة ابن خزيمة في كتاب التوحيد الذي اشترط فيه أنه لا يحتج فيه إلا بما نقله العدل عن العدل موصولاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والإثبات مقدم على النفي، والبخاري إنما نفى معرفة سماعه من الأحنف، ولم ينف معرفة الناس بهذا، فإذا عرف غيره كإمام الأئمة ابن خزيمة ما ثبت به الإسناد، كانت معرفته وإثباته مقدماً على نفي غيره وعدم معرفته". انتهى كلامه. وكذلك مال تلميذه ابن القيم إلى تصحيحه. انظر تهذيب السنن (7/92-93).
(8/21)
25- وروى الترمذي نحوه من حديث (ق23/ب) أبي هريرة وفيه "بعد ما بين سماء إلى سماء خمسمائة عام"(1).
ولا منافاة بينهما؛ لأن تقدير ذلك بخمسمائة عام هو على سير [العادة](2) مثلاً، ونيف وسبعون سنة، على سير البريد، لأنه يصح أن يقال: بيننا وبين مصر عشرون يوماً، باعتبار سير العادة، وثلاثة أيام باعتبار سير البريد(3).
26- وعن زينب بنت جحش(4) أنها كانت تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: "زوجنيك الرحمن من فوق عرشه"(5).
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد في المسند (2/370).والترمذي في سننه، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الحديد (5/403-404، ح3298) وقال: "هذا حديث غريب من هذا الوجه. قال: ويروى عن أيوب ويونس بن عبيد وعلي بن زيد قالوا: لم يسمع الحسن من أبي هريرة".وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/287-288، ح849).وأورده الذهبي في العلو (ص60) وعزاه للبيهقي وقال: "رواته ثقات، وقد رواه أحمد في مسنده عن سريج بن النعمان عن الحكم بن عبد الملك عن قتادة، وهو في جامع الترمذي، لكن الحسن مدلس والمتن منكر".
(2) في (أ) و(ب) "الجادة" وما أثبته من (ج).
(3) انظر كذلك في هذه المسألة (تهذيب السنن لابن القيم 7/94).
(4) زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهي بنت عمته أميمة بنت عبد المطلب، توفيت بالمدينة. الإصابة (4/307-308).
(5) رواه الطبري بلفظ مقارب في التفسير (22/14).وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/25).وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص61، برقم31).وابن كثير في تفسيره (3/492).والذهبي في العلو(ص40) و(ص20).وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (1/125).وابن حجر في الفتح (13/412) وقال: "وفي مرسل الشعبي قالت زينب… فذكره، ثم قال: أخرجه الطبري وأبو القاسم الطحاوي في كتاب الحجة والتبيان له".وقال الذهبي: "وهذا مرسل" أي أنه منقطع بين الشعبي وزينب.
(8/22)
وفي لفظ للبخاري كانت تقول: "إن الله أنكحني من فوق سبع سموات"(1).
27- وعن أبي سعيد الخدري(2) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا تأمنوني، وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحاً ومساءً".
متفق عليه(3).
28- وعن أبي هريرة(4) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشها، فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها، حتى يرضى عنها".
رواه مسلم(5).
29- وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الميت تحضره الملائكة، فإذا كان الرجل الصاح قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة كنتِ في الجسد الطيب، أبشري برَوْحٍ ورَيْحَان وربٍ (ق24/أ) غير غضبان، فلا يزال يقال لها ذلك، حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح، فيقال: من؟ فيقال: فلان، فيقال: مرحباً بالنفس الطيبة، فلا يزال يقال لها ذلك، حتى ينتهي بها إلى السماء التي فيها الله تعالى" وذكر الحديث.
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب(22) {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ} (ح7421، ص1555) ولفظه "إن الله أنكحني في السماء".
(2) سعد بن مالك بن سنان الأنصاري، أبو سعيد الخدري، شهد الغزوات بعد أحد، وكان من أفاضل الصحابة، وحفظ حديثاً كثيراً، توفي سنة (74هـ) وقيل غير ذلك. انظر الإصابة (رقم3196).
(3) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازيي (5/326).وأخرجه مسلم في صحيحه (2/742) كتاب الزكاة.
(4) سبقت ترجمته ص(25).
(5) أخرجه مسلم في صحيحه (2/1436) كتاب النكاح.
(8/23)
هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم، رواه أحمد في مسنده(1) والحاكم(2) في مستدركه(3).
__________
(1) مسند الإمام أحمد (2/364، 6/140)
(2) محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم الضبي، الطهماني النيسابوري، الشهير بالحاكم ويعرف بابن البيع، أبو عبد الله، من أكابر حفاظ الحديث، والمصنفين فيه، صاحب "المستدرك على الصحيحين" توفي سنة (405هـ). طبقات الشافعية (3/64)، تاريخ بغداد (5/473).
(3) أخرجه الحاكم في المستدرك (1/37-40) وقال بعد أن ساقه بعدة أسانيد: "هذه الأسانيد التي ذكرتها كلها صحيحة على شرط الشيخين"، والحديث أخرجه كذلك عبد الله بن الإمام أحمد في السنة (ص254-257، 261).وابن خزيمة في التوحيد (1/276-277، ح18).والآجري في الشريعة (3/1354، ح 923).والبيهقي في إثبات عذاب القبر (ص35).وابن قدامة في العلو (ص54-55، برقم 24).وقال أبو نعيم فيما نقله عنه شيخ الإسلام في شرح حديث النزول (ص87): "هذا حديث متفق على عدالة ناقليه"، وعنه ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص36) "صحيح صححه جماعة من الحفاظ".وأورده الذهبي في العلو وعزاه للإمام أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه وقال: "هو على شرط البخاري ومسلم، ورواه أئمة عن ابن أبي ذئب" العلو (ص22).وقال البوصيري في الزوائد (4/250): "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات".
(8/24)
30- وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان ملك الموت يأتي الناس عياناً، فأتى موسى عليه السلام، فلطمه [موسى](1) فذهب بعينه، فعرج إلى ربه، فقال: بعثتني إلى موسى، فلطمني فذهب بعيني، ولولا كرامته عليك، لشققت عليه، قال: ارجع إلى عبدي، فقل له: فليضع يده على ثور فله بكل شعرة وارت كفه سنة يعيشها، فأتاه فبلغه ما أمره به ربه فقال: ما بعد ذلك، قال: الموت. قال: الآن، [فأتاه بشيء من الجنة](2) فشمه شمة قبض فيها روحه، ورد الله على ملك الموت بصره".
هذا حديث صحيح(3).
__________
(1) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ).
(2) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ).
(3) أخرجه أحمد في المسند (2/533).والبخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة، (ص263، ح1339). ط: دار السلام بنحوه.ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل باب فضائل موسى" . انظر صحيح مسلم بشرح النووي (15/127-128) بنحوه.وعند البخاري ومسسلم بلفظ "فرجع إلى ربه".وأورده الذهبي في العلو (ص22).
(8/25)
31- وروي عن عبد الله بن بكر(1) السهمي(2)، حدثنا يزيد بن عوانة(3)، عن محمد بن ذكوان(4)، عن عمرو بن دينار(5) عن ابن عمر(6) قال: "كنا جلوساً ذات يوم بفناء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مرت امرأة من بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو سفيان(7): "ما مثل محمد في بني هاشم (ق24/ب) إلا كمثل الريحانة في وسط الزبل"، فسمعت، فأبلغته رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج فصعد على(8) منبره وقال: "ما بال أقوال تبلغني عن أقوام، إن الله خلق سموات سبع(9) فاختار العليا، فسكنها، وأسكن سماواته من شاء من خلقه، ثم اختار خلقه، فاختار بني آدم فاختار العرب، فاختار مضر، فاختار قريشاً، فاختار بني هاشم، فاختارني، فلم أزل خياراً من خيار، فمن أحب قريشاً فبحبي
__________
(1) في (ب) "بكري" وهو تحريف.
(2) عبد الله بن بكر بن حبيب السهمي الباهلي، أبو وهب، البصري، نزيل بغداد، امتنع من القضاء، ثقة حافظ، من التاسعة، مات في المحرم سنة (208هـ). التقريب (ص494).
(3) يزيد بن عوانة الكلبي، عن محمد بن ذكوان، قال العقيلي: " لا يتابع عليه"، ثم ساق له هذا الحديث. لسان الميزان (6/292).
(4) محمد بن ذكوان البصري الأزدي الجهضمي مولاهم، ضعيف، من السابعة. تقريب التهذيب (ص843).
(5) عمرو بن دينار المكي، أبو محمد، الأثرم الجمحي مولاهم، ثقة ثبت، من الرابعة، مات سنة (126هـ). الكاشف (2/328)، التقريب (ص734).
(6) عبد الله بن عمر بن الخطاب، ولد بعد البعثة بثلاث سنوات، وهاجر وهو ابن عشر سنين، وقد كان من أشد الصحابة تتبعاً للسنن، ومن أكثرهم عبادة مع زهد وورع، توفي سنة (84هـ). الإصابة (2/338-341).
(7) صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، صحابي، من سادات قريش في الجاهلية، أسلم يوم فتح مكة، وأبلي بعد إسلامه البلاء الحسن، شهد حنيناً والطائف، توفي بالمدينة وقيل بالشام سنة (31هـ). الإصابة (ت رقم4041).
(8) في (ب) "وصعد إلى".
(9) في (ب) و(ج) " سبع سموات".
(8/26)
أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم"(1).
تفرد به محمد بن ذكوان، وهو ضعيف، ورواه عنه حماد بن واقد(2)، وغيره، أخرجه أبو أحمد العسال(3) في "المعرفة" له.
__________
(1) أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/388).والطبراني في الكبير (12/455).وابن عدي في الكامل (6/2207).والحاكم في المستدرك بروايات مختلفة (4/73، 86، 87).وابو نعيم في الدلائل (1/67).والبيهقي في مناقب الشافعي (1/29-40)، وفي شعب الإيمان كما في الجامع الكبير للسيوطي (1/168).وابن قدامة في العلو (ص74-75، ح43).وأورده الذهبي في الأربعين في صفات رب العالمين (ص57، برقم 34)، وقال: "تفرد به محمد بن ذكوان، عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، رواه عنه غير واحد من أهل العلم، وهو مقال الأنبياء والأمم الماضية".وقد ضعفه الألباني، انظر: سلسلة الأحاديث الضعيفة (ص344-345)، ودلائل النبوة (ص25).وقال الذهبي في العلو (ص22-23): "حديث منكر".وقال أبو حاتم الرازي في علل الحديث (2/368): "حديث منكر".
(2) حماد بن واقد العيشي "بالتحتانية والمعجمة"، أبو عمر، الصفار البصري، ضعيف، من الثامنة. تقريب التهذيب (ص269).
(3) في (ب) و(ج) "محمد بن العسال".
(8/27)
32- وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه(1) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد ـ يعني ابن معاذ ـ(2): "لقد حكمت فيهم ـ يعني بني قريظة ـ(3) بحكم الملك من فوق سبع سموات".
هذا حديث صحيح(4).
__________
(1) سعد بن أبي وقاص واسم أبيه مالك بن أهيب، وكان سابع من أسلم، وقد شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها، وأحد العشرة، وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله، توفي سنة (54هـ). الإصابة(رقم3194).
(2) سعد بن معاذ بن النعمان، الأنصاري الأشهلي، أبو عمرو، سيد الأوس، شهد بدراً، واستشهد من سهم أصابه بالخندق، ومناقبه كثيرة. الإصابة (رقم3197).
(3) هم من اليهود الذين كانوا بالمدينة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت اليهود في المدينة ثلاثة (قريظة، والنضير، وقينقاع). انظر فتح الباري (7/330).
(4) أخرجه النسائي في الكبرى كما في تحفة الأشراف (3/293) وفي فضائل الصحابة (ص36 ح رقم119).والبيهقي في الأسماء والصفات (2/321، ح885).وأورده الذهبي في العلو (ص32) من طريق عن محمد بن صالح التمار عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن سعد مرفوعاً به وإسناده لا بأس به. وقال الذهبي في العلو: "هذا حديث صحيح أخرجه النسائي من طريق أبي عامر عبدالملك بن عمر العقدي عن محمد بن صالح التمار وهو صدوق".
(8/28)
33- وقد رواه الأموي(1) في المغازي عن ابن إسحاق(2) عن معبد ابن كعب بن مالك(3) " أن سعد بن معاذ لما حكم في بني قريظة، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبع(4) أرقعة(5)"(6).
وحديث [سعد](7) بن أبي وقاص أصح.
__________
(1) يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص الأموي، أبو أيوب، الكوفي، نزيل بغداد، لقبه الجمل، صدوق يغرب، من كبار التاسعة، مات سنة (194هـ) وله ثمانون سنة، من رجال الجماعة. تاريخ بغداد (14/132)، التقريب (ص1055).
(2) في (ب) "ابن عباس" وهو خطأ، وابن إسحاق سبقت ترجمته ص (28).
(3) معبد بن كعب بن مالك الأنصاري السلمي المدني، مقبول من الثالثة. تقريب التهذيب (ص958).
(4) معنى (سبع أرقعة) أي سبع سموات، وكل سماء يقال لها رقيع والجمع أرقعة، وقيل: الرقيع اسم السماء الدنيا، فأعطى كل سماء اسمها". النهاية لابن الأثير(2/251)، وقيل سميت رقيع لأنها رقعت بالنجوم، كذا في فتح الباري لابن حجر (7/412).
(5) جاء في أصل المخطوط "سبعة" والصواب ما أثبته.
(6) أخرجه ابن إسحاق في مغازيه، كما في سيرة ابن هشام (3/146).وأخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص69، برقم39).وأورده الذهبي في العلو (ص32) وقال: "هذا مرسل"، يعني لانقطاعه بين معبد وبين سعد بن معاذ، فسعد توفي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كما هو معلوم، والراوي عنه لم يدرك القصة لأنه تابعي، ولكنه يتقوى بالذي قبله.وأورده ابن حجر في الفتح (7/412) وعزاه لابن إسحاق.
(7) في (ب) "سعيد" تحريف.
(8/29)
34- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينا أهل الجنة في نعيمهم (ق25/أ) إذ سطع لهم نور، فرفعوا رؤوسهم، فإذا الرب(1) قد أشرف عليهم من فوقهم، فقال: "السلام عليكم [يا أهل الجنة وقال](2)، وذلك قوله تعالى {سَلاَمٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ}(3)".
__________
(1) في (ب) و(ج) "الرب تعالى".
(2) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب) و(ج)، والتصويب من سنن ابن ماجه.
(3) الآية 58 من سورة يس.
(8/30)
رواه ابن ماجه(1) في سننه في باب ما(2) أنكرت الجهمية(3) عن ابن أبي الشوارب(4) عن أبي(5) عاصم العبَّادي(6)، عن(7) الفضل الرقاشي(8)، عن ابن المنكدر(9)
__________
(1) محمد بن يزيد الربعي القزويني، أبو عبد الله، ابن ماجه، الحافظ، صاحب السنن، أحد الأئمة، حافظ، صنف "السنن" و"التفسير" و"التاريخ"، مات سنة (273هـ) وله أربع وستون سنة. تهذيب التهذيب (9/530)، تذكرة الحفاظ (2/189).
(2) "ما" ساقطة من (ب) و(ج).
(3) انظر سنن ابن ماجه (1/36، ح172).وأخرجه البزار (4/2253ـ زوائد).والعقيلي في الضعفاء (2/274-275).والآجري في الشريعة (2/1027-1028، ح615).والدارقطني في الرؤية (ص71-72، برقم 61).وأبو نعيم في الحلية (6/208-209)، وفي صفة الجنة (91).وابن عدي في الكامل (6/2039-2040).واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/482).وابن الجوزي في الموضوعات (3/261-262).وأورده الذهبي في العلو (ص32) وعزاه لابن ماجه وقال: "إسناده ضعيف".وأورده القاضي في إبطال التأويلات (2/365، برقم344)، وعزاه لابن المنذر.وقال الألباني: "ضعيف"، انظر شرح الطحاوية بتحقيق الألباني (ص316)، ومختصر العلو (ص219)، وحكم عليه ابن الجوزي بالوضع. وأورده السيوطي في الدر(7/65) وعزاه لابن أبي الدنيا في صفة الجنة، وابن أبي حاتم، وابن مردويه.
(4) في (ب) "عن أبي الشوارب" وهو تحريف، وهو محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، الأموي البصري، صدوق، من كبار العاشرة، مات سنة أربع وأربعين ومائتين. تقريب التهذيب (ص873).
(5) "أبي" ساقطة من (ب) و(ج).
(6) في (ب) و (ج) "العبداني". واسمه عبد الله بن عبيد الله أو بالعكس، ويقال ابن عبد، بغير إضافة، لين الحديث، من الثامنة. تقريب التهذيب (ص1168).
(7) "عن" ساقطة من (ج).
(8) الفضل بن عيسى بن أبان الرقاشي، أبو عيسى البصري، الواعظ، منكر الحديث، رمي بالقدر، من السادسة. تقريب التهذيب (ص783).
(9) محمد بن المنكدر بن عبد الله التيمي المدني، ثقة فاضل، من الثالثة. تقريب التهذيب (ص899).
(8/31)
، عن جابر.
35- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ـ ولا يصعد إلى الله إلا الطيب ـ فإنه يقبلها بيمينه، ويربيها لصاحبه حتى تكون مثل الجبال".
متفق على صحته(1).
36- وعن أبي موسى الأشعري(2) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل، حجابه النار والنور لو كشفه، لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره".
متفق عليه(3).
37- وعن أبي هريرة [رضي الله عنه] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما قال عبد مخلصاً: لا إله إلا الله، إلا صعدت لا يردها حجاب، فإذا وصلت إلى الله (ق25/ب) نظر إلى قائلها، وحق على الله لا ينظر إلى مُوَحِّد إلا رحمه".
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب (23) قول الله تعالى:{تََعْرُجُ اَلمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إلَيْه}. (ص1556-1557، ح7430) ط: دار السلام.وأخرجه مسسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، انظر صحيح مسلم بشرح النووي (7/99).وأورده الذهبي في العلو (ص23) وقال: أخرجه الشيخان.
(2) عبد الله بن قيس بن سليم بن حضّار، أبو موسى، الأشعري، صحابي مشهور، أمّره عمر ثم عثمان، وهو أحد الحكمين بصفين، مات سنة (50هـ) وقيل بعدها. الإصابة (رقم 4899).
(3) كذا في الأصل، والحديث جاء في صحيح مسلم، كتاب الإيمان (1/162، باب 79، ح293).
(8/32)
رواه ابن قدامة(1)، في صفة العلو(2)، من حديث يزيد بن كيسان(3)، عن أبي حازم(4) عن أبي هريرة.
38- وعن أنس(5) رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن يوم الجمعة: "هو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش".
__________
(1) عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي، ثم الدمشقي، أبو محمد الصالحي الحنبلي، شيخ الإسلام، صاحب المغني، إمام ثقة، حجة، قدوة، ورع عابد، مات سنة (620هـ) وقد قارب الثمانين. السير (22/165)، طبقات الحنابلة (2/123).
(2) انظر كتاب صفة العلو (ص84، برقم48).والحديث أخرجه الذهبي في العلو (ص36) من طريق ابن قدامة به وقال: "هذا حديث غريب وراه الترمذي بنحوه من طريق الوليد بن القاسم وحسنه". انتهى كلامه.وأخرجه الخطيب في تاريخه (11/394) من طريق علي بن الفضل به.
وقد خالف الترمذي والنسائي على بن الحسين الصدائي فروياه عن أبيه بلفظ "ما قال عبد لا إله إلا الله قط مخلصاً إلا فتحت له أبواب السماء حتى تفضي إلى العرش، ما اجتنبت الكبائر "، أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (833) والترمذي (3590) وقال: حسن غريب.
(3) يزيد بن كيسان اليشكري أبو إسماعيل، أو أبو مُنَين الكوفي، صدوق يخطئ، من السادسة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم والأربعة.التقريب(ص1081).
(4) اسمه سلمان الأشجعي، أبو حازم، الكوفي، ثقة، من الثالثة، مات على رأس المائة، أخرج له الجماعة. التقريب (ص398).
(5) أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم خدمه عشر سنين، صحابي مشهور، مات سنة اثنتين وقيل ثلاث وتسعين وقد جاوز المائة. الإصابة (رقم277).
(8/33)
رواه الشافعي(1) في مسنده(2).
__________
(1) محمد بن إدريس الشافعي، الإمام المشهور، أحد الأئمة الأربعة، ولد بغزة بفلسطين ثم سافرت به أمه إلى مكة، كان ذكياً، فطناً، برع في الأدب واللغة، ثم أقبل على الحديث والفقه، له مصنفات عدة من أشهرها "الأم" و"الرسالة" توفي بمصر سنة (204هـ). تاريخ بغداد (2/56)، تذكرة الحفاظ (367).
(2) أخرجه الشافعي في مسنده (ص70) وفي الأم (1/208-209).وعبد الله بن الإمام أحمد في السنة (ص56).والبزار كما في كشف الأستار (4/194).والآجري في الشريعة (2/1022-1026، ح612).والدارقطني في كتاب الرؤية له (ص76-85) رقم (69، 70، 71، 72، 73،74، 75، 76).وابن منده في الرد على الجهمية (ص101).والدارمي في الرد على الجهمية (145).وابن قدامة في العلو (ص70-71، ح40).والذهبي في العلو (ص29)، وفي الأربعين في صفات رب العالمين (ص35).وقال الذهبي في العلو (ص30): "إبراهيم وموسى ضعفاء، أخرجه محمد بن إدريس في مسنده".وقال بعد أن ذكر إخراج الداقطني والعسال له: "وهذه الطرق يعضد بعضها بعضاً، رزقنا الله وإياكم لذة النظر إلى وجهه الكريم " اهـ.وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (10/421)، وقال: " رواه البزار والطبراني في الأوسط بنحوه، وأبو يعلى باختصار، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح".وانظر في المسألة كتاب "التصديق بالنظر إلى الله تعالى في الآخرة" لأبي بكر محمد بن الحسين الآجري، وكتاب "رؤية الله جل وعلا" للدارقطني، وكتاب "أحاديث الجمعة" لعبد القدوس محمد نذير، و"صحيح الترغيب" (ح691).وقال ابن القيم: "هذا حديث كبير عظيم الشأن، رواه أئمة السنة، وتلقوه بالقبول، وجمل الشافعي به مسنده"، حادي الأرواح (ص391).وقد جمع شيخ الإسلام ابن تيمية طرق الحديث، ومال إلى تقويتها، انظر مجموع الفتاوى (6/410-416).
(8/34)
39- عن أبي كعب(1) مولى علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنه [عن مولاه؟(2) عن ابن عباس(3)](4) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو على كل شيء قدير، إلا خرقت السموات حتى تفضي إلى الله عز وجل"(5).
__________
(1) أبو كعب، عن مولاه علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وعنه ثعلبة بن مسلم الخثعمي وغيره، فيه جهالة، قال أبو زرعة: "لا يسمى ولا يعرف إلا في هذا الحديث". انظر تعجيل المنفعة (ص338، برقم 384).
(2) علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي، أبو محمد، ثقة عابد، من الثالثة، مات سنة (118هـ) على الصحيح. التقريب (ص247).
(3) تقدمت ترجمته.
(4) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و (ب) و(ج)، والتصويب من العلو للذهبي.
(5) أورده الذهبي في العلو (ص32) وقال: "ليس إسناده بقوي من قبل إسماعيل بن قيس بن عد بن زيد بن ثابت فإنه ضعيف" والحديث له شاهد تقدم.وله شاهد آخر عند النسائي في عمل اليوم والليلة (ص150، ح28) ولفظه: "ما قال عبد قط لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، مخلصاً بها روحه، مصدقاً بها قلبه لسانه، إلا فتق له أبواب السماء حتى ينظر الله إلى قائلها، وحق لعبد نظر الله إليه أن يعطيه سؤله".
(8/35)
أخرجه أبو أحمد العسال(1) عن ابن صاعد(2)، عن بكر بن أخت الواقدي(3)، عن إسماعيل بن قيس(4)، عن أبي كعب.
40- وبإسناد صح عن زائدة بن أبي الرقاد(5) وهو رواه [عن](6) زياد النميري(7) عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة قال: "فأدخل على ربي عزل وجل، وهو على عرشه". وذكر الحديث(8).
41- أخرجه البخاري في الصحيح من حديث قتادة(9) عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي".
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) يحيى بن محمد بن صاعد، أبو محمد الهاشمي مولاهم، البغدادي الحافظ، له كتاب "السنن" عارف بالعلل والرجال، توفي سنة (318هـ). تذكرة الحفاظ (776)، تاريخ بغداد (14/231).
(3) بكر بن عبد الوهاب بن محمد بن الوليد بن نجيح المدني، ابن أخت الواقدي، صدوق، من الحادية عشر، مات سنة بضع وخمسين ومائتين، أخرج له ابن ماجه. التقريب (ص176).
(4) إسماعيل بن قيس بن سعد بن زيد بن ثابت الأنصاري، أبو مصعب، قال البخاري والدارقطني: "منكر الحديث"، وقال النسائي وغيره: "ضعيف". انظر: اللسان (1/429-430)، والكامل لابن عدي (1/296-297).
(5) زائدة بن أبي الرقاد الباهلي، أبو معاذ البصري، الصيرفي، منكر الحديث، من الثمانية. التقريب (ص333).
(6) "عن" ساقطة من (أ) و (ب) و(ج).
(7) زياد بن عبد الله النميري البصري، ضعيف من الخامسة. التقريب ص(110).
(8) أخرجه ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص71-72، برقم 41).وأخرجه الذهبي في العلو (ص32) وقال: " زائدة ضعيف، والمتن بنحوه في صحيح البخاري".
(9) قتادة بن دعامة بن قتادة السدوسي، أبو الخطاب البصري، ثقة ثبت، يقال ولد أكمه، وهو رأس الطبقة الرابعة، مات سنة بضع عشرة ومائة، أخرج له الجماعة. التقريب (ص798).
(8/36)
متفق عليه(1).
42- وأخرجه العسال من حديث ثابت البناني(2) بإسناد صحيح وفيه: "فآتي باب الجنة فيفتح لي، فآتي ربي ـ تبارك وتعالى ـ وهو على كرسيه (ق26/أ) أو سريره، فأخر له ساجدا". الحديث(3).
43- وعن ابن عباس حدثني رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنهم بينما(4) هم جلوس ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ رمي بنجم فاستنار، فقال: "ما كنتم تقولون إذ رمي مثله؟" قالوا: كنا نقول: ولد الليلة عظيم، أو(5) مات عظيم. فقال: "إنها لم ترم لموت أحد ولا لحياته ولكن ربنا إذا قضى أمراً سبحت حملة العرش، حتى يسبحوا أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح أهل السماء الدنيا، فيقول الذين يلون حملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيستخبر أهل السموات بعضهم بعضاً، حتى يبلغ الخبر أهل الدنيا، فيخطف الجن السمع فيلقونه(6) إلى أوليائهم، فما جاءوا به على وجهه، فهو الحق، ولكنهم(7) يفرقون ويزيدون".
__________
(1) كذا جاء في المخطوط عبارة "متفق عليه" والحديث أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب (24)، (ص1560-1561، ح7440). ط: دار السلام.وأخرجه أحمد في مسنده (3/244).وابن خزيمة في التوحيد (2/605-606، ح353).
(2) ثابت بن أسلم البناني، أبو محمد، البصري، ثقة عابد، من الرابعة، مات سنة بضع وعشرين ومائة. تقريب التهذيب (ص185).
(3) أورده الذهبي في العلو (ص32-33)، وقال: "وأخرجه أبو أحمد العسال في كتاب المعرفة بإسناد قوي عن ثابت عن أنس".
(4) في (ب) و(ج) "أنه بينما هم".
(5) في (ب) و(ج) "وإما".
(6) في (ب) "فيلقون".
(7) في (ب) و(ج) "ولكن".
(8/37)
رواه مسلم(1).
44- وعن أبي هريرة أن رسول الله(2) صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أحب الله عبداً نادى جبريل فقال: إني أحب عبدي فأحبوه، فينوه بها جبريل في حملة العرش فيسمع أهل السماء لفظ حملة(3) العرش(4)، فيحبه أهل السماء السابعة، ثم سماءٍ سماءٍ(5)، حتى ينزل إلى السماء الدنيا، ثم يهبط إلى الأرض، فيحبه أهل الأرض"(6) (ق26/ب).
وهذا صحيح كالذي قبله.
45- وعن أنس، وغيره، في حديث الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ربه عز وجل، فذكر الحديث، وقال فيه: "فانطلق بي جبريل حتى أتى بي السماء الدنيا فاستفتح، فقيل من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟
__________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان. انظر شرح النووي (14/225).والإمام أحمد في المسند (1/218).والترمذي في سننه، كتاب التفسير، باب سورة سبأ (5/362، برقم 2324).والدارمي في الرد على الجهمية (ص78).والطحاوي في المشكل (3/113).والبيهقي في الأسماء والصفات (1/512-513، ح436).وأبو نعيم في الحلية (3/143).
(2) في (ب) و(ج) "أن النبي".
(3) في (أ) "حملة"، وفي (ب) "الحملة".
(4) "العرش" ساقطة من (ب) و(ج).
(5) في (ج) "ثم سماء إلى سماء".
(6) أخرجه بنحوه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب كلام الرب مع جبريل، (ص1570، ح7485)ط: دار السلام.ومسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب إذا أحب الله عبداً حببه إلى عباده (4/2030، ح157).وأخرجه الترمذي بنحوه في سننه، كتاب تفسير القرآن، باب (20) ومن سورة مريم (5/317-318، ح3161)، وقال: "حديث حسن صحيح، وقد روى عبدالرحمن ابن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه".وصححه الألباني، انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة (2207)، وصحيح سنن الترمذي (3/76، 2528-3384).وأورده الذهبي في العلو (ص37) وقال: "هذا حديث محفوظ ثابت لا استحضر إسناده".
(8/38)
قال: محمد. قيل: مرحباً به(1)، ونعم المجيء جاء، ففتح فإذا فيها آدم ثم صعد حتى أتى السماء الثانية" إلى أن قال: "ثم صعد حتى أتى السماء السابعة فإذا إبراهيم، ثم رفعت إلى سدرة المنتهى"(2).
46- ولفظ البخاري: "ثم دنا فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى" كما في القرآن. قال(3): "ففرض عليّ الصلاة خمسين، فرجعت، فمررت على موسى، فقال: إن أمتك(4) لا تطيق ذلك، ورجعت(5) إلى ربي، فوضع عني عشراً"(6).
47- وفي لفظ آخر للبخاري "فالتفت إلى جبريل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار نعم إن شئت، فَعَلا به جبريل حتى أتى به الجبار تبارك وتعالى وهو في مكانه"(7) وذكر الحديث بطوله.
متفق على صحته(8).
48- وثبت عن ابن عباس في قوله {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى. عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى}(9). قال: "دنا(10) ربه فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى".
__________
(1) "به" ساقطة من (ب) و(ج).
(2) أخرجه الإمام أحمد في المسند (4/208، 210).والبخاري في صحيحه، كتاب مناقب الأنصار، باب المعراج (ص794-796، ح3887)، وكتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة (ص656-657، ح3207).ط: دار السلام.وأخرجه مسلم في صحيحه (1/145-147).وأورده الذهبي في العلو (ص33-35).
(3) "قال" ساقطة من (ج).
(4) في (ب) و(ج) " إني أشك".
(5) في (ب) و(ج) "فرجعت".
(6) انظر صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب ما جاء في قول الله عز وجل {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً}، (ص1576-1578، ح5716) ط:دار السلام.
(7) انظر المصدر السابق.
(8) وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب (74) الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السموات (1/148).
(9) الآيتان (13-14) من سورة النجم.
(10) في (ب) و(ج) "رأى".
(8/39)
أخرجه البيهقي في كتاب الأسماء، والصفات(1).
وأكثر الصحابة على أنه صلى الله عليه وسلم رأى (ق27/أ) ربه(2)
__________
(1) كتاب الأسماء والصفات للبيهقي (2/360، ح933).وأخرجه الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب (54) (5/395، ح3280)، وقال حديث حسن، وابن أبي عاصم في السنة (1/191).وأخرجه ابن جرير في تفسيره (27/52).وابن حبان في صحيحه (1/253-254، برقم57).والطبراني في الكبير (10/363).والآجري في الشريعة (3/1541-1542، ح1032).واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/518).
(2) قال المصنف في كتابه العلو (ص81): "في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلتئذ اختلاف:
1-فذهب جماعة من السلف إلى أنه رأى ربه عز وجل.
2-وذهب آخرون كأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وغيرها إلى أنه لم يره بعد.
3-وذهب طائفة إلى السكوت والوقف.
4-وقال قوم: رآه بعين قلبه".
ولمسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا عدة جوانب:
1.مسألة رؤيته في الأرض بعينه
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد اتفق المسلمون على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه بعينيه في الأرض وكل حديث فيه "أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعينه في الأرض" فهذا كذب باتفاق المسلمين وعلمائهم، وهذا شيء لم يقله أحد من علماء المسلمين ولا رواه واحد منهم". انظر مجموع الفتاوى (3/386-389).
2.مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء عندما عرج به إلى السماء.وهذه المسألة التي وقع فيها النزاع بين الصحابة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وإنما كان النزاع بين الصحابة أن محمداً "هل رأى ربه ليلة المعراج"؟. مجموع الفتاوى (3/386).
القول الأول: صح عن عائشة وابن مسعود وأبي هريرة في أحد قوليه أنهم أنكروا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة المعراج.
القول الثاني: صح عن ابن عباس وعن أبي ذر وأبي هريرة في رواية عنهما أنهم أثبتوا رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه.ولكن الرواية عن ابن عباس جاءت مطلقة، ولم يثبت عنه لفظ صريح بأنه رآه بعينه. انظر مجموع الفتاوى (6/509).
القول الثالث: صح عن ابن عباس أنه قال: رآه بفؤاده.وبناءً على ذلك حصل الاختلاف بين العلماء في إثبات ذلك، ونفيه، وقد انقسم العلماء بعد ذلك إلى ثلاث طوائف:
الطائفة الأولى: أثبتت الرؤية البصرية، ومن هؤلاء ابن خزيمة، وقد أطنب في الاستدلال لها.
الطائفة الثانية: توقفت بحجة أنه ليس في الباب دليل قطعي، وأن غاية ما استدل به للطائفتين ظواهر متعارضة قابلة للتأويل، لأنها من المسائل الاعتقادية التي لا بد فيها من الدليل القطعي، وإلى هذا القول، ذهب القرطبي وعزاه إلى جماعة من المحققين.
الطائفة الثالثة: نفت الرؤية البصرية وأثبتت الرؤية القلبية، وهذا القول هو إحدى الروايتين عن أحمد، وقد ذهب إليه ابن حجر للجمع بين القولين، حيث قال: "وقد جاءت عن ابن عباس أخبار مطلقة، وأخرى مقيدة، فيجب حمل مطلقها على مقيدها". وعلى هذا يمكن الجمع بين إثبات ابن عباس، ونفي عائشة لأن يحمل نفيها على رؤية البصر، وإثبات رؤية القلب. ثم إن المراد برؤية الفؤاد: رؤية القلب، لا مجرد حصول العلم لأنه "كان عالماً بالله على الدوام، بل مراد من أثبت له أنه رآه بقلبه أن الرؤية التي حصلت له خلقت في قلبه كما يخلق الرؤية بالعين لغيره، والرؤية لا يشترط فيها شيء مخصوص عقلاً ولو جرت العادة بخلقها بالعين.وانظر تفاصيل هذه المسألة في مجموع الفتاوى (3/386) و(6/509-511).والبداية والنهاية (3/112).وكتاب التوحيد لابن خزيمة (1/477-547).والشريعة للآجري (3/1541-1545).وشرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (3/512).وزاد المعاد (3/36).وفتح الباري (8/608).وشرح الطحاوية (ص213).
3.مسألة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام.
وهذه المسألة ليست محل خلاف وقد وردت فيها عدة أحاديث،قال ابن القيم: "قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد صح عنه أنه قال: "رأيت ربي تبارك وتعالى". ولكن لم يكن هذا في الإسراء، ولكن كان في المدينة لما احتبس عنهم في صلاة الصبح، ثم أخبرهم عن رؤية ربه تبارك وتعالى الليلة في منامه، وعلى هذا بنى الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وقال: رآه حقاً، فإن رؤيا الأنبياء حق، ولا بد".زاد المعاد(3/37).وانظر مجموع الفتاوى (3/387).
(8/40)
.
49- قال ابن عباس: "أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى، والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم"(1).
قلت: لأنه رآه في عالم البقاء، حين(2) خرج من عالم الفناء، وارتقى فوق السموات السبع.
__________
(1) أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1/192)، وقال الألباني: "إسناده صحيح على شرط البخاري".وعبد الله بن الإمام أحمد في السنة(1/299).والنسائي في الكبرى (تحفة الأشراف 5/165).وابن خزيمة في التوحيد (1/479، ح272).والآجري في الشريعة (3/1541، ح1031).وأخرجه الدارقطني في الرؤية (ص85، ح77) بسنده عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "جعل الله الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم".وابن منده في الإيمان (3/740)، وفي التوحيد (3/146-147، برقم 581).والحاكم في المستدرك (1/65) وصححه ووافقه الذهبي.واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/515).وأورده الهندي في كنز العمال (14/447) وعزاه السيوطي لابن عساكر.وأورده الذهبي في سير أعلام النبلاء (14/45).وأورده ابن حجر في الفتح (7/218) وعزاه للطبراني في الأوسط، وقال في (8/608): "أخرجه النسائي بسند صحيح" ا.هـ.
(2) في (ب) و(ج) "حتى".
(8/41)
فهذا الحديث أيضاً دال على أنه سبحانه وتعالى فوق السموات، وفوق جميع المخلوقات، لولا ذلك لكان معراج النبي صلى الله عليه وسلم إلى فوق السماء السابعة إلى سدرة المنتهى، ودنو الجبار منه، وتدليه سبحانه وتعالى بلا كيف، حتى كان من النبي صلى الله عليه وسلم قاب قوسين أو أدنى، وأنه رآه تلك الليلة، وأن جبريل علا به، حتى أتى به إلى الله تعالى، وهذه المقتضيات كلها التي أفادتنا أنه فوق السماء، باطلة لا تفيد شيئاً، على زعم من قال: إنه في كل مكان بذاته، الذين يلزم من دعواهم أنه في الكنف(1)، والبطون، والأرحام، وغير ذلك مما طبع الله بني آدم على خلافه، بل إنما فطرهم على أنه فوق العرش، فوق السماء السابعة، وأرسل رسله بتقرير ذلك، ولم يرسلهم بأنه ليس على العرش، ولا بأنه داخل العالم، ولا خارجه، وسنوضح هذا فيما بعد إن شاء الله تعالى، ونجيب عن المعارضات والشبه التي توردها الجهمية، لأنا الآن في معرض نقل النصوص.
50-(ق27/ب) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما ألقي إبراهيم في النار، قال: اللهم إنك واحد في السماء، وأنا واحد في الأرض أعبدك"(2).
__________
(1) الكَنَف بالتحريك: الجانب والناحية. النهاية (4/205)، قال الحافظ في الفتح (8/320): والكُنُف بضمتين جمع كنيف وهو السائر، والمراد هنا المكان المتخذ لقضاء الحاجة" ا.هـ.
(2) أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية (75).والبزار كما في كشف الأستار (3/103).وأبو نعيم في الحلية (1/19).والخطيب في تاريخه (10/346).وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص93، برقم56).وأورده ابن كثير في تفسيره (5/345) وعزاه لأبي يعلى.وأورده الذهبي في العلو (ص21) وقال: "هذا حديث حسن الإسناد، رواه جماعة عن إسحاق"، وأورده في الأربعين في صفات رب العالمين (ص55، برقم29)، وقال: "إسناده حسن".اهـ.وأورده الهيثمي في المجمع (2/202) وعزاه إلى البزار، وحسنه المناوي في التيسير (2/302).
(8/42)
هذا حديث حسن، من حديث أبي جعفر الرازي(1)، عن عاصم(2)، عن أبي صالح(3) عن أبي هريرة.
__________
(1) أبو جعفر، الرازي، التيمي، مولاهم، مشهور بكنيته، واسمه عيسى بن أبي عيسى عبد الله بن ماهان وأصله من مرو، وكان يتجر إلى الري، صدوق، سيء الحفظ، من كبار السابعة، مات في حدود الستين والمائة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد والأربعة. التقريب (1126).
(2) عاصم بن بهدلة بن أبي النجود الأسدي مولاهم، الكوفي، أبو بكر، المقريء، صدوق، له أوهام حجة في القراءة، وحديثه في الصحيحين مقرون، مات سنة (128هـ)، من السادسة، أخرج له الجماعة. التقريب (ص471).
(3) ذكوان أبو صالح، السمّان، الزيات، المدني، ثقة، ثبت، وكان يجلب الزيت إلى الكوفة، من الثالثة، مات سنة (101هـ)، من رجال الجماعة. التقريب (ص313).
(8/43)
51- وعن أبي الحجاج الثمالي(1) قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وضع الميت في قبره، يقول له القبر: ابن آدم ما غرك بي إذ تمر بي، أما علمت أني بيت الوحدة، والوحشة؟ فإن كان مصلحاً أجاب عنه مجيب القبر، أرأيت إن كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فيقول القبر: إذاً أعود عليه خضراًَ، ويعود جسده نوراً، ويصعد [بروحه](2) إلى رب العالمين"(3).
__________
(1) أبو الحجاج، الثمالي، عبد بن عوف، ويقال عبد الله بن عبد، له صحبة، يعد في الشاميين، وقيل اسمه عبد الله بن عائذ الأزدي. الاستيعاب (4/47-48بحاشية الإصابة).
(2) في (أ) و(ب) و(ج) "بنوره"، والصواب ما أثبته.
(3) الحديث رواه الطبراني في المعجم الكبير(22/377، رقم942)، وفي مسند الشاميين (1499).وأبو أحمد الحاكم في الكنى (4/86-87).وابن مندة في معرفة الصحابة (ق191) نقلاً عن كتاب الأيمان لابن مندة (1/67).وأبو نعيم في الحلية (6/90).وأبو يعلى في مسنده (12/285، رقم6870).والهيثمي في مجمع الزوائد (3/45-46)، وفي المقصد العلي رقم (471).وذكره الحافظ ابن حجر في المطالب العالية (4/364، رقم4609).وقال الهيثمي: وفيه "أبو بكر بن أبي مريم" وفيه ضعف لاختلاطه.وقال البوصيري في مختصر إتحاف المهرة (3/169، برقم2391): "رواه أبو يعلى بسند ضعيف لتدليس بقية بن الوليد".والحق إعلال الحديث بأبي بكر وتدليس بقية.وأورده ابن عبد البر في الاستيعاب (4/47-48).والقرطبي في التذكرة (ص98-99).وأخرجه الذهبي في العلو(ص26-27) وقال: "هذا حديث غريب، وابن أبي مريم ضعيف من قبل حفظه"اهـ.وذكره كذلك ابن رجب في أهوال القبور (ص18).والحديث أورده السيوطي في شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور (ص47-48)، باب مخاطبة القبر للميت وقال: "وأخرج ابن أبي الدنيا، والحكيم الترمذي، وأبو يعلى، وأبو أحمد الحاكم في الكنى، والطبراني في الكبير، وأبو نعيم عن أبي الحجاج الثمالي،…" وذكره.
(8/44)
رواه "بقية"(1)، عن أبي بكر بن أبي مريم(2)، عن الهيثم بن مالك(3)، عن عبد الرحمن بن عائذ(4)، عن أبي الحجاج.
وهو حديث شامي تفرد به "بقية" فيما أعلم، ويصلح للإعتبار، والإستشهاد.
52- وعن أبي الدرداء(5) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اشتكى منكم فليقل: ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء، اغفر لنا حوبنا(6) وخطايانا، أنت رب الطيبين، أنزل رحمة من رحمتك، وشفاء من شفائك على هذا الوجع، فيبرأ".
__________
(1) بقية بن الوليد بن صائد بن كعب الكلاعي أبو يُحْمِد، الميتمي، صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، من الثامنة، مات سنة (197هـ) وله سبع وثمانون، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم والأربعة. التقريب (ص174).
(2) أبو بكر، بن عبد الله بن أبي مريم الغساني الشامي، وقد ينسب إلى جده، وقيل اسمه بكير وقيل عبد السلام، ضعيف، وكان قد سُرق بيته فاختلط، من السابعة مات سنة (156هـ). أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجه. التقريب (ص396).
(3) الهيثم بن مالك الطائي، أبو محمد، الشامي الأعمى، ثقة، من الخامسة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد. التقريب (ص1031).
(4) عبد الرحمن بن عائذ ويقال الكندي، الحمصي، ثقة، من الثالثة، ووهم من ذكره في الصحابة قال أبو زرعة: "لم يدرك معاذاً"، أخرج له الأربعة. التقريب (ص584).
(5) صحابي من الأنصار مختلف في اسمه واسم أبيه، مات بعد الثلاثين. الاستيعاب (4/1646).
(6) في (ب) و(ج) "ذنوبنا".
(8/45)
رواه أبو داود وغيره(1).
53- وأخبرنا بإسناد / صحيح ثابت، عن حبيب بن أبي ثابت(2)، أن حسان بن ثابت(3) أنشد للنبي صلى الله عليه وسلم:
شهدت بإذن الله أن محمداً
رسول الذي فوق السموات من عَلُ
وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما
له عمل من ربه متقبل
وأن أخا الأحقاف إذ قام فيهم
يقوم بذات الله فيهم ويعدل
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده (6/21).وأبو داود في سننه، كتاب الطب (4/218).والدارمي في الرد على الجهمية (ص18).والنسائي في عمل اليوم والليلة (1038).وابن حبان في الضعفاء (1/108).وابن عدي في الكامل (3/1054).والحاكم في المستدرك (1/343-344)، وصححه.واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/389).وأبو يعلى في إبطال التأويلات (ق153/ب).والبيهقي في الأسماء والصفات (2/327، ح892).وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص48، برقم 18).وأخرجه قوام السنة الأصبهاني في الحجة في بيان المحجة (2/105، برقم 59)، و(2/111-112، برقم 65).وأورده الذهبي في العلو (ص27)، وقال: "وزيادة لين الحديث".ورد الذهبي تصحيح الحاكم له بقوله: "زيادة، قال البخاري وغيره منكر الحديث"، وذكر في ترجمته في الميزان (2/98) أنه انفرد بهذا الحديث فالإسناد ضعيف.
(2) حبيب بن أبي ثابت، أبو يحيى الكوفي، ثقة فقيه جليل، وكان كثير الإرسال والتدليس، مات سنة (119هـ). التقريب (ص218).
(3) حسان بن ثابت بن المنذر الخزرجي الأنصاري، أبو الوليد، الصحابي، شاعر النبي صلى الله عليه وسلم أحد المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، توفي بالمدينة سنة (54هـ) وبها كان مسكنه. الإصابة (رقم1704).
(8/46)
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وأنا"(1).
54- وقد أنشد شعر أمية بن أبي الصلت(2) عند(3) النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "آمن شعره وكفر قلبه". وهو:
مجدوا الله فهو للمجد أهل
ربنا في السماء أمسى كبيرا
بالبناء الأعلى الذي سبق الخلق
وسوى فوق السماء سريرا
شرجعا ما يناله بصر العين
ترى دونه الملائك صورا(4)
__________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (8/507).وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص67-68 برقم37)، و(ص100 برقم68). وابن عساكر في تاريخ ابن عساكر (4/129).والذهبي في العلو (ص40)، وقال: "هذا مرسل".وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص307).وابن أبي العز في شرح الطحاوية بتحقيق الألباني (ص315-316)، وقال الألباني: " ضعيف، رواه ابن سعد في الطبقات بسند ضعيف ومنقطع ".وأورده الهيثمي في المجمع (1/24)، وقال: " رواه أبو يعلى، وهو مرسل ".وانظر: ديوان حسان (ص186).
(2) أمية بن عبد الله، أبي الصلت، بن ربيعة بن عوف الثقفي، شاعر جاهلي حكيم، من أهل الطائف، أدرك الإسلام ولم يسلم، مات سنة خمس من الهجرة. انظر: تهذيب ابن عساكر (3/118-131).
(3) في الأصل: "عن" والصواب ما أثبته.
(4) أورده ابن قتيبة في الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة (ص240).وأبو يعلى في إبطال التأويلات (ق154/أ).وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص100-101، برقم69).والذهبي في العلو (ص42-43)، قال: "إسناده منقطع".وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص310).وعزاه السيوطي في الجامع الصغير (1/57بشرح الفيض) إلى أبي بكر الأنباري في المصاحف، والخطيب في تاريخه وابن عساكر.وذكر المناوي في الفيض (1/59) إسناد الأنباري وقال: "فيه أبو بكر الهذلي وهو متروك الحديث كما في التقريب لابن حجر، ثم ذكر إخراج الخطيب وابن عساكر وقال: "بإسناد ضعيف وعزا الحديث ابن حجر في الإصابة (4/376) إلى الفاكهي بإسناد فيه الكلبي، وهو متهم بالكذب، ورمي بالرفض".
(8/47)
قوله: "شرجعاً": أي طويلاً.
و"صوراً": جمع أصور، وهو المائل العنق.
55- وعن عمران بن حصين(1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي(2): "كم تعبد اليوم إلهاً؟"، قال: " ستة في الأرض، وواحد في السماء " قال: "فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك"، قل: "الذي في السماء"(3) قال: "أما إنك لو أسلمت علمتك كلمتين ينفعانك". فلما أسلم قال: "يا رسول الله، علمني الكلمتين اللتين(4) وعدتني" قال: "قل اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي"
رواه الترمذي وحسنه(5) من حديث الحسن عن عمران بن حصين
__________
(1) عمران بن حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي، أبو نُجَيْد، أسلم عام خيبر وصحب، وكان فاضلاً مات سنة (52هـ) بالبصرة. الإصابة (برقم6012).
(2) حصين بن عبيد بن خلف الخزاعي، والد الصحابي عمران بن حصين، اختلف في إسلامه. الإصابة (رقم1735).
(3) قوله: "قال فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك قال: الذي في السماء: ساقطة من (ب)
(4) من (ج) وفي الأصل: ((التي)).
(5) أخرجه أحمد في مسنده (2/160). والبخاري في خلق أغعال العباد (134). وأبو داود في سننه (5/231) كتاب الأدب والترمذي في سننه (4/323) كتاب البر، وقال: "هذا حديث حسن صحيح" والدارمي في الرد على المريسي (ص104) والحاكم في المستدرك (4/159) وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات (2/329، ح894) وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص66-67) وقوام السنة للأصبهاني في الحجة في بيان المحجة (2/111، برقم 64) والذهبي في الأربعين (ص56، برقم31)، وفي العلو (ص24)، وقال: "شبيب ضعيف"
(8/48)
56- ورواه خالد بن طليق(1)، عن أبيه(2)، أتم من هذا فيما أخبرنا عبد الخالق بن عبد السلام(3) ببعلبك(4)، أنا عبد [الله](5) بن أحمد الفقيه(6) سنة إحدى عشر وستمائة، أنا محمد بن عبد الباقي(7)، أنا أبو الفضل (ق28/ب) بن خيرون(8)، أخبرنا ابن شاذان(9)
__________
(1) خالد بن طليق بن محمد بن عمران بن حصين، قال الدرقطني: "ليس بالقوي"، وذكره ابن أبي حاتم ولم يذكره بشيء، وقال الساجي: "صدوق يهم"، وعده ابن حبان في الثقات. الميزان (1/633)، لسان الميزان (2/379).
(2) طليق بالتصغير بن محمد بن عمران بن حصين، قال الذهبي: "طليق بن محمد بن عمران بن حصين، وقال الدارقطني: لا يحتج به"، ووثقه ابن حبان. الميزان (2/345).
(3) عبد الخالق بن عبد السلام بن سعيد بن علوان، أبو محمد، البعلبكي، القاضي الفقيه، عالم جيد المشاركة في الفنون، ذو حظ من عبادة وتواضع، توفي سنة (696هـ). العبر (3/387)، شذرات الذهب (5/435).
(4) مدينة قديمة شامية، تقع في شمال غرب دمشق، وتبعد عنها مسيرة ثلاثة أيام، وهي اليوم إحدى مدن الجمهورية اللبنانية. معجم البلدان (1/453)، أطلس التاريخ الإسلامي(ص9).
(5) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب) و(ج).
(6) المراد به ابن قدامة المقدسي، وقد سبقت ترجمته.
(7) محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سليمان أبو الفتح، الحاجب، ابن البطي، مسند العراق، الحافظ الشيخ الجليل العالم الصدوق، توفي سنة (564هـ). السير (20/481)، شذرات الذهب (4/213-214).
(8) أحمد بن الحسن بن أحمد بن خيرون البغدادي بن الباقلاني، أبو الفضل، الحافظ العالم الناقد، توفي سنة (488هـ) عن أربع وثمانين سنة وشهر. تذكرة الحفاظ (ص1207).
(9) الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان البغدادي أبو علي، البزار، مسند العراق، ولد سنة (339هـ) قال الخطيب: "كتبنا عنه وكان صحيح السماع، صدوقاً، يفهم الكلام على مذهب أبي الحسن الأشعري" توفي سنة (425هـ) وله سبع وثمانون سنة. تاريخ بغداد (7/279)، تذكرة الحفاظ(ص1075)، السير(17/415).
(8/49)
، أنا أبو سهل القطان(1)، أخبرنا عبد الكريم الديرعاقولي(2)، ثنا رجاء بن محمد البصري(3)، ثنا عمران بن خالد بن طليق(4)، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده(5) قال: "اختلفت قريش إلى حصين، والد عمران فقالوا: إن هذا الرجل يذكر آلهتنا، فنحب أن تكلمه، وتعظه، فمشوا معه إلى قريب من باب النبي صلى الله عليه وسلم، فجلسوا، ودخل حصين، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أوسعوا للشيخ" فقال: "ما هذا الذي يبلغنا عنك أنك تشتم آلهتنا، وتذكرهم؟ وقد كان أبوك جفنة(6) وخبزاً(7)" فقال: "إن أبي وأباك في النار يا حصين، كم تعبد إلهاً [في](8) اليوم؟" قال: "[ستة](9) في الأرض، وإله في السماء" قال: "فإذا أصابك الضيق بمن تدعو؟" قال: "الذي في السماء" وذكر باقي الحديث وإسلامه.
__________
(1) أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد بن عباد القطان، أبو سهل، البغدادي، الإمام المحدث الثقة، توفي في شعبان سنة (350هـ). السير(15/521)، تاريخ بغداد(5/45-46).
(2) عبد الكريم بن الهيثم بن زياد الدير عاقولي، أبويحيى، البغدادي القطان، الحافظ، الصدوق، مات سنة (278هـ)، قال الخطيب: "ثقة ثبت". تاريخ بغداد(11/78)، تذكرة الحفاظ(2/602).
(3) رجاء بن محمد بن رجاء العُذري، أبو الحسن البصري السَّقطي، ثقة، من الحادية عشر، مات بعد سنة أربعين ومائتين. التقريب (ص324).
(4) عمران بن خالد بن طليق بن محمد بن عمران بن حصين، قال أحمد: "متروك الحديث"، وقال أبو حاتم: "ضعيف"، وقال أبو حبان: "لا يجوز الاحتجاج به". الميزان(3/236)، لسان الميزان(4/345).
(5) عمران بن حصين، تقدمت ترجمته.
(6) قال ابن الأثير: كانت العرب تدعو السيد المِطعام جَفْنَة، لأنه يضعها ويطعم الناس فيها، فسمي باسمها. النهاية (1/280).
(7) في (ج) "وخيراً".
(8) من (ج).
(9) في (أ) (ب) "سبعة"، وما أثبته من (ج).
(8/50)
أخرجه إمام الأئمة ابن خزيمة في التوحيد(1) له بهذا الإسناد، وطليق هو ابن محمد بن عمران بن حصين.
57- وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة: "فآتي باب الجنة، فأقرع الباب، فيقال: من أنت؟ فأقول: محمد، فإذا ربي على كرسيه، فيتجلى لي فأخر ساجداًَ"(2).
وهذا حديث صحيح.
__________
(1) التوحيد لابن خزيمة (1/278، ح177).وأخرجه الترمذي في سننه، كتاب الدعوات، باب(70). انظر(5/519-520، ح3483)، وقال: هذا حديث غريب، وقد روي هذا الحديث عن عمران بن حصين من غير هذا الوجه.والدارمي في الرد على المريسي (ص383، ضمن عقائد السلف).والبيهقي في الأسماء والصفات (2/329، ح849).والطبراني في الكبير (8/174).وابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص49-50، ح19).والذهبي في العلو (ص23-23، وقال: "عمران ضعيف".
(2) أخرجه أحمد في المسند (1/281-282، 295-296)، مطولاً.والدارمي في الرد على بشر المريسي (ص371 ضمن عقائد السلف).وابن ابي شيبة في كتاب العرش (رقم46).جميعهم من طريق حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي نضرة، عن ابن عباس مرفوعاً. ورجاله ثقات إلى علي بن زيد ففيه ضعف، ولكن الحديث له شواهد ذكرتها في تعليقي على كتاب العرش لابن أبي شيبة.
(8/51)
58- وعن ابن مسعود(1) قال: "كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً فتبسم، (ق29/أ) ثم قال: "عجباً للمؤمن، وجزعه من السقم، ولو كان يعلم ما له في(2) السقم أحب أن يكون سقيماً حتى يلقى ربه، وعجبت من ملكين، نزلا يلتمسان عبداً في مصلاه، كان(3) يصلي فيه فلم يجداه، فعرجا إلى الله فقالا(4): يا رب، عبدك فلان، كنا نكتب له من العمل فوجدناه قد حبسته في حبالك، فقال اكتبوا لعبدي عمله الذي كان يعمل(5)، في يومه وليلته، ولا تنقصوا منه شيئاً، فعلي أجر ما حبسته، وله أجر ما كان يعمل(6)"(7).
__________
(1) عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي، أبو عبد الرحمن، من السابقين الأولين، هاجر الهجرتين، وشهد بدراً وما بعدها، وكان أول من جهر بالقرآن بمكة، وكان من كبار فقهاء الصحابة، توفي سنة (32هـ). الإصابة (رقم4954).
(2) في (ج) "ما في".
(3) في (ج) "وكان".
(4) في (ج) "فقال".
(5) في (ج) "يعمله".
(6) في (ب) و(ج) "يعمل لي".
(7) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (4/266).والطيالسي في مسنده(برقم 348).وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص114)، وعزاه لابن أبي الدنيا وقال: "له شاهد في البخاري" ا.هـ.وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (2/204) وعزاه للطبراني والبزار.وابن حجر في المطالب العالية (برقم531).والزبيدي في كتابه إتحاف السادة المتقين (9/141).والسيوطي في الحبائك في أخبار الملائك (ص102 رقم375)، وعزاه للطيالسي والبيهقي.وصاحب كنز العمال (برقم6665)، وانظر الأحكام النبوية (1/131).وله شاهد في مسند الإمام أحمد (2/159، 194، 198).
(8/52)
أخرجه أبو بكر بن أبي الدنيا(1)، في كتاب "المرض والكفارات" عن محمد بن يوسف(2)، عن ابن وهب(3)، عن محمد بن أبي حميد(4)، عن عون ابن عبد الله(5)، عن أبيه(6)، عن ابن مسعود.
ومحمد بن أبي حميد ضعيف.
59- وعن سلمان الفارسي(7) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ربكم كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه يدعوه أن يردهما صفراً ليس فيهما شيء".
__________
(1) عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن أبي الدنيا، حافظ للحديث، مكثر من التصنيف، ولد سنة (208هـ) وتوفي سنة (281هـ). تذكرة الحفاظ (2/224).
(2) محمد بن يوسف بن الصباح الغضيضي، قال عنه الخطيب: "كان ثقة"، توفي سنة (239هـ). تاريخ بغداد (3/392).
(3) عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي مولاهم، أبو محمد المصري، الفقيه، ثقة حافظ عابد، من التاسعة، مات سنة (197هـ) وله اثنتان وسبعون سنة. التقريب(ص556).
(4) محمد بن أبي حميد إبراهيم الأنصاري الزرقي، أبو إبراهيم المدني، لقبه حمّاد، ضعيف من السابعة، أخرج له الترمذي وابن ماجه. التقريب (ص839).
(5) عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، أبو عبد الله الكوفي، ثقة عابد، من الرابعة، مات قبل سنة عشرين ومائة، أخرج له مسلم والأربعة. التقريب(ص758).
(6) عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي ابن أخي عبد الله بن مسعود، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ووثقه العجلي وجماعة، وهو من كبار الثانية، مات بعد السبعين، أخرج له الجماعة إلا الترمذي. التقريب (ص525).
(7) سلمان، أبو عبد الله الفارسي رضى الله عنه ويقال له سلمان بن الإسلام، وسلمان الخير، أصله من أصبهان، وقيل رامهرمز، أول مشاهده الخندق، مات سنة (24هـ). الإصابة (رقم3357).
(8/53)
وهذا حديث صحيح، رواه جماعة من الصحابة، علي بن أبي طالب(1) وعبد الله بن عمر(2)، وسلمان الفارسي وأنس بن مالك(3)، وغيرهم(4)
__________
(1) علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي (حيدرة، أبو تراب، أبو الحسنين)، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوج ابنته، من السابقين الأولين، وهو أحد العشرة، مات سنة (40هـ) وله ثلاث وستون سنة على الأرجح. الإصابة (رقم5690).
(2) تقدمت ترجمته.
(3) تقدمت ترجمته.
(4) حديث: "إن الله حيي كريم يستحيي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً".
روي من:
أ- حديث سلمان الفارسي رضى الله عنه.
أخرجه الإمام أحمد (5/438).وابن ماجه (رقم3865).والترمذي (رقم 3556).والطبراني في الكبير (6/314 رقم6184)، وفي كتاب الدعاء (رقم203).وابن حبان في صحيحه (رقم2400)- موارد.وابن عدي في الكامل (2/562).والحاكم في المستدرك (1/497).والقضاعي في مسند الشهاب (2/165).والبيهقي في الأسماء والصفات (2/434، ح1014).والخطيب في تاريخ بغداد (3/235-236).كلهم من طريق جعفر بن ميمون به، وقال الترمذي: حسن غريب ورواه بعضهم ولم يرفعه اهـ.وقد اختلف فيه على أبي عثمان، فرواه جعفر بن ميمون الأنماطي عن أبي عثمان عن سلمان مرفوعاً، وتابعه أبو المعلى يحيى بن ميمون العطار، عن أبي عثمان.أخرجه الخطيب في التاريخ (8/317)، والبغوي في شرح السنة (5/185).وخالفهما حميد الطويل، وثابت البناني، وسعيد بن إياس الجريري، فرووه عن أبي عثمان ، عن سلمان أنه قال: أجد في التوراة …الخ.وتابعهم على ذلك يزيد بن أبي صالح، حدثني أبو عثمان، عن سلمان موقوفاً.أخرجه وكيع في كتاب الزهد (رقم504)، وهناد بن السري في الزهد أيضاً (رقم1361). ويزيد بن أبي صالح هو الدباغ، ثقة مترجم في الجرح والتعديل (9/272)، وتعجيل المنفعة (2/372).ورواه سليمان التيمي عن أبي عثمان وقد اختلف فيه، فرواه يزيد بن هارون، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان قوله.أخرجه أحمد (5/438).والحاكم (1/497).والبيهقي في الأسماء والصفات (برقم1013).وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي.وخالفه محمد بن الزبرقان أبو همام الأهوازي، فرواه عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان مرفوعاً.أخرجه الطبراني في الكبير (6/309)، وفي الدعاء (رقم202).وابن حبان (برقم2399)- موارد.والحاكم (1/535).والقضاعي في مسند الشهاب (2/165)، من طرق عن جميل بن الحسن، عن محمد ابن الزبرقان به، وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"اهـ.ولكن يزيد بن هارون قد خالف محمد الزبرقان، فرواه عن سليمان التيمي موقوفاً، موافقاً لرواية الجماعة. و"يزيد" ثقة حافظ متقن، وابن الزبرقان قال فيه الحافظ في التقريب: "صدوق ربما وهم". فعلى هذا فرواية سليمان التيمي الموافقة لرواية الجماعة هي الأرجح.وبعد هذا كله يتبين لنا مما تقدم أن حميداً الطويل وثابتاً البناني وسعيداً الجريري ويزيد بن أبي صالح وسليمان التيمي رووه عن أبي عثمان عن سلمان موقوفاً، وخالفه جعفر بن ميمون الأنماطي وأبو المعلى العطار فروياه عن أبي عثمان عن سلمان مرفوعاً، وجعفر ضعيف وأبو المعلى ثقة وأولئك أحفظ وأكثر عدداً فروايتهم هي المحفوظة ورواية هذين تعتبر شاذة، والله أعلم.وقال الحافظ ابن حجر في الفتح(11/143) بعد أن ذكره من حديث سلمان: "وسنده جيد"اهـ.وهذا الكلام فيه نظر لما سبق بيانه، والحديث صححه الألباني كما في صحيح الجامع (رقم1757).
ب- حديث أنس بن مالك رضى الله عنه.
روي الحديث مرفوعاً من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه بسند حسن.قال الحاكم في المستدرك (1/497) بعد أن ذكر حديث سلمان من رواية جعفر بن ميمون: "وله شاهد بإسناد صحيح من حديث أنس أخبرناه أبو عبد الله الصفار، حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا، حدثنا بشر بن الوليد القاضي، حدثنا عامر بن يساف، عن حفص بن عمر بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري قال: حدثني أنس بن مالك رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله رحيم حيي كريم يستحيي من عبده أن يرفع إليه يديه ثم لا يضع فيهما خيراً" اهـ.وهذا حديث إسناده حسن.أبو عبد الله الصفار، شيخ الحاكم، الإمام المحدث، القدوة، محمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني الزاهد، ترجمته في سير أعلام النبلاء (15/437، 438)، وطبقات الشافعية (3/178، 179).وابن أبي الدنيا تقدمت ترجمته قريباً فلا داعي للإعادة.وبشر بن الوليد القاضي هو الكندي، حسن الحديث، مترجم في تاريخ بغداد (7/80-84).وعامر بن يساف، هو ابن عبد الله بن يساف، حسن الحديث أيضاً، ترجمته في لسان الميزان (3/224 رقم 1001).وحفص بن عمر الأنصاري قال الدرقطني: "ثقة"، وقال أبو حاتم: "صالح الحديث"، وذكره ابن حبان في الثقات كما في تهذيب التهذيب، والحديث صححه الألباني كما في صحيح الجامع (رقم1768).وللحديث طرق أخرى عن أنس:فأخرجه عبد الرزاق في المصنف (2/251) وفي الجامع بآخر المصنف (10/443)، ومن طريقه البغوي في شرح السنة (5/186) عن معمر عن أبان عن أنس مرفوعاً.وأبان هو ابن أبي عياش، متروك الحديث.وأخرجه أيضاً أبو نعيم في الحلية (8/131) من طريق فضيل بن عياض عن أبان به وقال: "كذا رواه فضيل عن أبان وهو غريب مشهور من حديث أبي عثمان الهندي عن سلمان" ا.هـ.وأخرجه أيضاً الطبراني في كتاب الدعاء (رقم204و205) من طريق حبيب كاتب مالك عن هشام بن سعيد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بنحوه.وحبيب متروك، كذبه أبو داود وجماعة.
ج- حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنه.
وللحديث شاهد من حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنه.أخرجه أبو يعلى في مسنده (3/391) وعنه ابن عدي في الكامل(7/2613) قال: "حدثنا عبيد الله بن معاذ قال: ذكر أبي عن يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر بن عبد الله مرفوعاً به قال عبيد الله: ولم أسمعه من أبي" ا.هـ.ويوسف بن محمد بن المنكدر، ضعيف كما في التقريب.وبقية رجاله ثقات، فهو شاهد لا بأس به.
د- حديث عبد الله بن عمر.
وروي من حديث ابن عمر مرفوعاً، ولكنه مما لا يفرح به لشدة ضعف إسناده.أخرجه الطبراني في الكبير (12/423 رقم 13557).وابن عدي في الكامل (2/595).من طريق الجارود بن يزيد، عن عمر بن ذر، عن مجاهد، عن ابن عمر.والجارود بن زيد متروك متهم بالكذب كما في ميزان الاعتدال (1/384 برقم1428) وقد ساق له هذا الحديث وعده من بلاياه.وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/169): "رواه الطبراني وفيه الجارود بن يزيد وهو متروك".
هـ- حديث علي بن أبي طالب رضى الله عنه.
وأما حديث علي بن أبي طالب رضى الله عنه، فقد عزاه الهندي في كنز العمال (2/87) إلى الدارقطني في الأفراد وهو بلفظ: "إن ربكم عز وجل كريم يستحيي إذا رفع العبد يديه أن يردهما صفراً لا خير فيهما فليعط الله العبدُ من نفسه الجهدة وإذا حزبه أمر فليقل: حسبي الله ونعم الوكيل".
والخلاصة أن الحديث بمجموع طرقي أنس وجابر حسناً على أقل الأحوال، والله أعلم.
(8/54)
.
60- وعن أبي هريرة قال: أخبرنا(1) رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن أهل الجنة إذا دخلوها [نزلوا فيها](2) بفضل أعمالهم، فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة، [فيزورون](3) الله، فيبرز لهم عرشه، ويتبدى لهم في روضة (ق29/ب) من رياض الجنة، فيوضع(4) لهم منابر من ذهب، ويجلس أدناهم، وما فيهم دني على كثبان المسك ما يرون بأن أصحاب الكراسي بأفضل(5) منهم مجلساً". فذكره إلى أن قال فيه: "فننصرف إلى منازلنا، فتتلقانا أزواجنا ويقلن: مرحباًَ وأهلاً لقد جئت وإن بك من الجمال أفضل مما فارقتنا، فنقول(6): إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار، ويحق لنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا".
رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما(7).
61- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله ملائكة سيارة يتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلس ذكر جلسوا معهم، فإذا تفرقوا صعدوا إلى ربهم"(8).
__________
(1) في (ب) "خبرنا".
(2) ما بين المعكوفتين ساقط من (أ) و(ب) و(ج)، والتصويب من سنن الترمذي وابن ماجه.
(3) في (أ) و(ب) و(ج) "فيرون"، والتصويب من سنن الترمذي وابن ماجه.
(4) في (ب) و(ج) "فيضع".
(5) في (ب) و(ج) "بفضل".
(6) كذا في (ج).
(7) أخرجه ابن ماجه في سننه، أبواب الزهد، باب صفة الجنة (2/456-457، ح4392). والترمذي في سننه، كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في سوق الجنة (4/685-686، ح2549) وقال: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقد روى سويد ابن عمرو عن الأوزاعي شيئاً من هذا الحديث"اهـ.
(8) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الذكر والدعاء، باب فضل مجالس الذكر (ح2689). والذهبي في العلو (ص35) بنحوه.
(8/55)
رواه [سهيل](1) ابن أبي صالح(2) عن أبيه(3) عن أبي هريرة.
62- وعن قتادة بن النعمان(4) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لما فرغ الله من خلقه استوى على عرشه".
رواه الخلال(5) في السنة(6) بإسناد صحيح على شرط الصحيحين.
63- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك، لا يصعد إليَّ من الرياء شيء"(7).
__________
(1) في (أ) و(ب) و(ج) "سهل" والصواب ما أثبته.
(2) سهيل بن أبي صالح ذكوان السّمان، أبو يزيد، المدني، تغير حفظه بآخره، روه له البخاري مقروناً وتعليقاً، من السادسة، مات في خلافة المنصور، من رجال الجماعة. التقريب (ص421).
(3) تقدمت ترجمته.
(4) قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر الأنصاري الظَّفري، يقال له ذو العينين، صحابي جليل، شهد بدراً، وهو أخو أبي سعيد لأمه، مات سنة (23هـ) على الصحيح. الإصابة (رقم7078).
(5) أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد البغدادي الخلال، أبو بكر، العلامة الحافظ، الفقيه، شيخ الحنابلة وعالمهم، مات سنة(311هـ) وله كتاب السنة المشهور. السير(14/297)، طبقات الحنابلة(2/12).
(6) أورده الذهبي في العلو (52) وقال: "رواته ثقات، رواه أبو بكر الخلال في كتاب السنة له".وابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص108)، وعزاه للخلال وقال: "وروى الخلال في كتاب السنة بإسناد صحيح على شرط البخاري".
(7) رواه تمام في فوائده باب تحريم الرياء، (ح1671).وفي إسناده قيس بن الربيع، وهو رديء الحفظ وكذا أبو قلابة، قال الحافظ في التقريب (ص804): "قيس بن الربيع الأسدي، أبو محمد الكوفي، صدوق يخطئ، تغير حفظه لما سكن بغداد وهذا مما حدث به فيها".وأورده الذهبي في العلو (ص52) وقال: "حديث قيس بن الربيع وهو رديء الحفظ"، وأورده في الأربعين في صفات رب العالمين (ص48، برقم22).والحديث أصله في صحيح مسلم، كتاب الزهد، (4/2289) دون قوله: " لا يصعد إليَّ من الرياء شيء ".
(8/56)
محفوظ من حديث قيس بن الربيع، عن أبي حَصين(1)، عن أبي
صالح(2)، عن أبي هريرة.
__________
(1) عثمان بن عاصم بن حَصين الأسدي الكوفي، أبو حَصين، ثقة ثبت، سني، وربما دلس، من الرابعة، مات سنة (127هـ) ويقال بعدها، من رجال الجماعة. التقريب (ص664).
(2) تقدمت ترجمته في الفقرة (50).
(8/57)
القسم الثاني: التعريف بالمؤلف والكتاب
ويحتوي على فصلين:
الفصل الأول: التعريف بالمؤلف
أولاً: اسمه وكنيته(1)
هو الشيخ الإمام الحافظ الكبير، مؤرخ الإسلام، شيخ المحدثين، محدث العصر، وخاتمة الحفاظ، شمس الدين، أبو عبد الله، محمد بن أحمد ابن عثمان بن قايماز بن عبد الله الذهبي التركماني الفارقي ثم الدمشقي، الشافعي، المقرئ.
ثانياً: أصله
يرجع الذهبي إلى أصول تركمانية، فقد قال الذهبي عن جد أبيه قايماز: "قايماز ابن الشيخ عبد الله التركماني الفارقي، جد أبي ..."(2) وكذا قال في جده عثمان(3).
فهو من أسرة تركمانية الأصل، سكنت مدينة مَيَّافارقين من أشهر مدن ديار بكر(4).
ويرجع في ولائه(5)
__________
(1) من مصادر ترجمته: الوافي بالوفيات للصفدي (2/163).البداية لابن كثير (14/225).شذرات الذهب لابن العماد (6/153).طبقات الحفاظ للسيوطي (ص517).طبقات الشافعية الكبرى (9/100، ترجمة رقم 1306).الدرر الكامنة لابن حجر (3/426).البدر الطالع للشوكاني (2/110).غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري (2/71).النجوم االزاهرة (10/182).نكت الهميان للصفدي (ص241).ذيل تذكرة الحفاظ للحسيني (ص34، 347).الرد الوافر لابن ناصر الدين (ص31-32).رونق الألفاظ لسبط ابن حجر (ق180).مقدمة سير أعلام النبلاء لبشار عواد (1/7-146).الذهبي ومنهجه في كتابه التاريخ لبشار عواد.
طبقات الشافعية للأسنوي (1/558، ترجمة رقم 514).الدارس في أخبار المدارس (1/78).وفيات الأعيان (2/370، ترجمة رقم 391).الدليل الشافي على المنهل الصافي (2/591، ترجمة رقم 2029).هدية العارفين (8/289).الأعلام (6/222).معجم المؤلفين (8/289).
(2) أهل المائة فصاعداً للذهبي (ص137).
(3) معجم الشيوخ (1/436، ت رقم 495)
(4) معجم البلدان (4/703).
(5) الولاء على ثلاثة أقسام:
أ- ولاء عتق: وهو الغالب بحيث ينسب إلى من أعتقه.
ب- ولاء إسلام: وذلك بأن يسلم العجمي على يد العربي.
ج- ولاء حلف: وذلك بأن يكون الشخص حليفاً لقبيلة فينسب إليها.
انظر المنهل الراوي من تقريب النواوي (ص199-200).
(9/1)
إلى بني تميم، فقد ذكر بشار عواد في ترجمته للذهبي أن الذهبي كتب بخطه على طرة المجلد التاسع عشر من "تاريخ الإسلام" (نسخة أياصوفيا 3012)، "تأليف محمد بن أحمد بن عثمان ابن قايماز مولى بني تميم"(1).
ثالثاً: نسبته
الذهبي نسبة إلى صناعة الذهب، فقد كان والده شهاب الدين أحمد يمتهن صناعة الذهب المدقوق وقد برع بها وتميز، وعُرِف بالذهبي(2).
وعرف "محمد" بابن الذهبي، نسبة إلى صناعة أبيه، وكان هو يقيد اسمه "بابن الذهبي"(3).
وقد عُرِف عند بعض معاصريه بـ "الذهبي" مثل: الصلاح الصفدي(4)، وتاج الدين السبكي(5)، والحسيني(6)، وابن كثير(7).
رابعاً: مولده:
ولد في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وستمائة(8).
وذكر ابن حجر أن مولده في الثالث من الشهر المذكور(9).
وكان مولده في مدينة دمشق(10).
خامساً: أسرته
عاش الذهبي في أجواء أسرة متدينة متعلمة ميسورة الحال، الأمر الذي ساعده على التحصيل العلمي منذ نعومة أظفاره.
فمن جهة والده، كان والده شهاب الدين أحمد بن عثمان قد طلب العلم، وسمع الصحيح من المقداد القيسي سنة (666هـ)، وقد ترجم له الذهبي في معجم شيوخه(11)، وقد توفي والده سنة (697هـ).
__________
(1) سير أعلام النبلاء (1/15).
(2) معجم الشيوخ (1/75، ت رقم60).
(3) المصدر السابق (1/21).وانظر مقدمة سير أعلام النبلاء (1/16).
(4) الوافي (2/163).ونكت الهميان (ص241).
(5) طبقات الشافعية الكبرى (9/100).
(6) ذيل تذكرة الحفاظ (ص34).
(7) البداية (14/225).
(8) انظر: طبقات القراء (ص459).والوافي بالوفيات (2/164).ونكت الهميان (ص242).ذيل تذكرة الحفاظ (34/348).طبقات الحفاظ للسيوطي (ص518، ت رقم 1146).شذرات الذهب (6/154).
(9) الدرر الكامنة (3/426).
(10) ذيل تذكرة الحفاظ (34).
(11) معجم شيوخ الذهبي (1/75، ت رقم 60).
(9/2)
وكذلك استفاد الذهبي من عمته ست الأهل بنت عثمان بن قايماز، وهي أمه من الرضاعة، وكان قد أجاز لها ابن أبي اليسر، وجمال الدين بن مالك، وزهير بن عمر الزرعي، وجماعة. وسمعت من عمر بن القواس وغيره.
فروى الذهبي عنها، وكانت وفاتها سنة (729هـ)(1).
ولكن لم تكن أسرة والده عريقة في العلم مشهورة به، فجد الذهبي عثمان ابن قايماز يقول عنه الذهبي: "رجل أُمِّيٌّ" وكان نجاراً، وقد توفي سنة (683هـ)، وقد ترجم له الذهبي في معجم الشيوخ(2).
وكذلك جد أبيه قايماز بن عبد الله، فلم يذكر الذهبي أن له اشتغالاً بالعلم، وذكر أنه توفي عن مائة وتسع سنين، وقد عُمِّرَ وأضر بآخره، وكانت وفاته سنة إحدى وستين وستمائة(3).
وأما من جهة والدته: فإنها ابنة علم الدين، أبو بكر سنجر بن عبد الله الموصلي، قال عنه الذهبي: "كان خيراً، عاقلاً، مديراً للمناشير بديوان الجيش، مات سنة (680هـ")(4).
وقد أفاد الذهبي من خاله علي بن سنجر بن عبد الله الموصلي، وقال في ترجمته: "الحاج المبارك، أبو إسماعيل -خالي-، مولده في سنة ثمان وخمسين وستمائة، وسمع بإفادة مؤدبه ابن الخباز من أبي بكر الأنماطي، وبهاء الدين أيوب الحنفي، وست العرب الكندية. وسمع معي ببعلبك من التاج عبد الخالق وجماعة، وكان ذا مروءَةٍ وكد على عياله، وخوف من الله. توفي في الثالث والعشرين من رمضان سنة ست وثلاثين وسبعمائة"(5).
وفي محيط أسرته استفاد الذهبي من زوج خالته فاطمة، واسمه أحمد ابن عبد الغني بن عبد الكافي الأنصاري الذهبي، المعروف بابن الحرستاني، وقد سمع الحديث ورواه، وكان حافظاً للقرآن الكريم، كثير التلاوة له. توفي بمصر سنة (700هـ)(6).
__________
(1) المصدر السابق (1/284-285، ت رقم 311).
(2) المصدر السابق (1/436، ت رقم 495).
(3) أهل المائة فصاعداً (ص137).معجم الشيوخ (1/436).
(4) معجم الشيوخ (1/275-276، ت رقم305).
(5) المصدر السابق (2/27-28، ت رقم529).
(6) المصدر السابق (1/68-69، ت رقم54).
(9/3)
سادساً: نشأته في طلب العلم:
كانت أهم العوامل التي أثرت في التكوين العلمي للإمام الذهبي في بداية طلبه للعلم، أسرته وبلده.
أما أسرته، فهو كما أسلفنا من أسرة متدينة متعلمة، ميسورة الحال، الأمر الذي ساعد -بعد توفيق الله تعالى- على دفع الذهبي إلى كتاتيب تعليم القرآن في صغره، والتفرغ بعد ذلك لطلب العلم وتحصيله من ريعان شبابه، بدلاً من الانشغال في تحصيل قوته وطلب رزقه. ولم يكن يكدر صفو هذه النعمة إلا امتناع والده عن السماح له بالرحلة في طلب العلم إلا في رحلات قصيرة لا تتجاوز أربعة أشهر، وذلك لخوفه عليه وشدة تعلقه به.
وقد عبر الذهبي عن تحسره لعدم الالتقاء ببعض الشيوخ لهذا المانع ومن ذلك قوله: "وكنت أتحسر على الرحلة إليه، وما أتجسر خوفاً من الوالد، فإنه كان يمنعني"(1) وقال في موضع آخر: "ولم يكن الوالد يمكنني من السفر"(2).
وأما العامل الثاني، فهو بلده دمشق التي كانت تجمع في ذلك العصر شموس العلم من أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية، والحافظ المزي وغيرهما، فقد حظي الذهبي برفقة هؤلاء والإفادة منهم، وأضف إلى ذلك اشتهار دمشق في ذلك الحين بكبريات دور الحديث، كدار الحديث الظاهرية، ودار الحديث السكرية، ودار الحديث الأشرفية، وغيرها. فقد كانت دمشق في ذلك العصر مركز إشعاع علمي وخاصة في علوم الحديث، وخير شاهد على ذلك ما نراه بين أيدينا من مؤلفات وموسوعات علمية كتبت في تلك الحقبة الزمنية التي عاشها الذهبي.
وقد بدأ الذهبي بدايته العلمية بحفظ كتاب الله تعالى، وتعلم مبادىء القراءة والكتابة، وذلك على يد أحد المؤدبين، واسمه علاء الدين علي بن محمد الحلبي، المعروف بالبصبص، حيث أقام الذهبي في مَكْتَبِه أربعة أعوام(3).
__________
(1) معرفة القراء للذهبي (ص556).
(2) المصدر السابق (ص551).
(3) معجم الشيوخ (2/52-53، ت رقم555).
(9/4)
ثم انتقل الذهبي بعدها إلى الشيخ مسعود بن عبد الله الأغزازي، فلقنه جميع القرآن، ثم قرأ عليه نحو من أربعين ختمة(1).
تلك هي بواكير دراسته، والتي تبعها بعد ذلك جلوسه في مجالس الشيوخ، وذلك ببلوغ سن الثامنة عشرة(2)، حيث تعتبر هذه السن عند الذهبي بداية مرحلة العناية بطلب العلم، وقد ركز في تلك المرحلة على علمين شريفين عظيمين هما:
علم القراءات وعلم الحديث، فلازم كبار علماء القراءات في عصره، حتى أصبح متقناً لهذا الفن وأصوله ومسائله، مما حذا بالشيخ محمد ابن عبد العزيز الدمياطي -وهو من المقرئين المجودين- أن يتنازل له عن حلقته بالجامع الأموي، عقب مرض الشيخ، الذي توفي على إثره سنة (693هـ)(3).
وإن كان الذهبي لم يستمر في ذلك المنصب إلا قرابة السنة بسبب انشغاله بالرحلة إلى طلب العلم(4).
قال عنه السيوطي: "وتلا بالسبع وأذعن له الناس"(5).
وأما علم الحديث، فقد كان له النصيب الأوفر عند الذهبي، حيث اعتنى به العناية الفائقة حتى أصبح هذا العلم هو شغله الشاغل طيلة حياته، فقد سمع الذهبي مئات الكتب والأجزاء الحديثية، ولعل نظرة في معجم شيوخه (المعجم الكبير) تبرهن لك على سعة اطلاعه وغزارة تحصيله في هذا الجانب، فضلاً عن نتاجه الذي يشهد بتبوئه المنزلة العالية والمقام الرفيع بين مصاف أكابر هذا الفن.
قال عنه السيوطي: "وطلبَ الحديث وله ثماني عشرة سنة، فسمع الكثير، ورحل، وعني بهذا الشأن، وتعب فيه وخدمه إلى أن رسخت فيه
قدمه"(6).
ومع عناية الذهبي بعلمي القراءات والحديث في تلك المرحلة، إلا أنه لم يهمل علوم العربية والأدب والتاريخ، فقد عني بدراسة النحو، فسمع
__________
(1) المصدر السابق (2/339-340، ت رقم 917).
(2) ذيل تذكرة الحفاظ للحسيني (ص34).الدرر الكامنة (3/426).تذكرة الحفاظ للسيوطي (517-518).
(3) معجم الشيوخ (2/218-219، ت رقم769).
(4) معرفة القراء (ص600).
(5) طبقات الحفاظ (ص518).
(6) تذكرة الحفاظ للسيوطي (ص518).
(9/5)
" الحاجبية " على شيخه موفق الدين أبي عبد الله محمد بن أبي العلاء- النصيبي المتوفى سنة (695هـ)(1).
كما دَرَسَ على شيخ العربية، وإمام أهل الأدب في مصر آنذاك، الشيخ محمد بن إبراهيم بن النحاس الحلبي المتوفى سنة (698هـ)(2).
"إضافة إلى سماعه لعدد كبير من مجاميع الشعر واللغة والأدب"(3)، وقد تعاطى الشعر، ونظم اليسير منه.
"واهتم بالكتب التاريخية، فسمع عدداً كبيراً منها على شيوخه، في المغازي، والسيرة، والتاريخ العام، ومعجمات الشيوخ والمشيخات، وكتب التراجم الأخرى"(4).
وفي العموم فقد اعتنى الذهبي في فترة تحصيله بشتى العلوم الدينية مع ما تحتاجه تلك العلوم من علوم الآلة ونحوها من العلوم المساعدة مع أنه لم ينقطع عن التحصيل والسماع طوال حياته، يشهد لذلك معجمات شيوخه ومؤلفاته الموسوعية التي تؤكد دراسته لعدد ضخم من المؤلفات في العقيدة، والتفسير، والحديث، والفقه، والتاريخ، واللغة، والأدب، وغيرها.
وقد انعكس هذا التحصيل الواسع على مؤلفاته التي تشهد له بسعة الإطلاع وغزارة الإنتاج مع القوة والتمكن في مختلف العلوم.
سابعاً: رحلاته:
مع ما أسلفنا من أن والد الذهبي كان يمنعه من السفر والرحلة في طلب العلم وهو في مقتبل شبابه، إلا أن ذلك المنع لم يكن بالكلية، فقد سمح له والده ببعض الرحلات القصيرة، تمكن من خلالها الالتقاء ببعض العلماء خارج محيط بلده دمشق، ومن بين تلك الرحلات التي قام بها أثناء حياة والده، رحلته إلى بعض المدن الشامية، ومنها: بعلبك، وحلب، وحمص، وحماة، وطرابلس، والكرك، والمعرة، وبصرى، ونابلس، والرملة، والقدس، وتبوك(5).
__________
(1) معجم الشيوخ (2/323-324، ت رقم895).
(2) المصدر السابق (2/136-137، ت رقم659).
(3) مقدمة سير أعلام النبلاء (1/32).
(4) المصدر السابق (1/32).
(5) انظر مقدمة سير أعلام النبلاء (1/26).
(9/6)
لكن أبرز رحلاته في هذه الفترة كانت إلى مصر، التي زارها في الفترة من رجب إلى ذي القعدة من عام (695هـ) مروراً بفلسطين، وكان قد وعد والده أن لا يقيم في هذه الرحلة أكثر من أربعة أشهر(1)، وبسبب ذلك لم تطل فترة رحلته، ولكنه استفاد كثيراً حيث سمع من شيوخها وكبار علمائها.
وفي سنة (698هـ) أي بُعيد وفاة والده، رحل الذهبي للحج وسمع بمكة، وعرفة، ومنى، والمدينة من مجموعة من الشيوخ(2).
كما كانت له بعض الرحلات في تلك الفترة انحصرت في محيط البلاد الشامية.
قال عنه ابن الصفدي: "وارتحل وسمع بدمشق، وبلعبك، وحمص، وحماة، وحلب، وطرابلس، ونابلس، والرملة، وبِلبِس، والقاهرة، والأسكندرية، والحجاز، والقدس، وغير ذلك"(3).
ثامناً: شيوخه:
ذكر الصفدي أن عدد شيوخ الذهبي وصل إلى ألف وثلاثمائة شيخ(4).
وقد حرص الذهبي على تدوين أسماء شيوخه الذين استفاد منهم عن طريق السماع أو الإجازة، فكتب معجم الشيوخ الكبير، والأوسط، والصغير (اللطيف)(5).
وقد طبع معجم الشيوخ الكبير بتحقيق الدكتور محمد الحبيب الهيلة.
وقال الذهبي في مقدمته: "أما بعد فهذا معجم العبد المسكين محمد ابن أحمد بن عثمان" إلى أن قال: "يشتمل على ذكر من لقيته أو كتب إلي بالإجازة في الصغر، وعلى كثير من المجيزين لي في الكبر ولم استوعبهم، وربما أجاز لي الرجل ولم أشعر به، بخلاف ما سمعته منه فإني أعرفه"(6).
__________
(1) معرفة القراء (ص558).
(2) مقدمة سير أعلام النبلاء (1/31).
(3) نكت الهميان (ص242).وانظر شذرات الذهب (6/154-155).وذيل تذكرة الحفاظ (ص34).
(4) انظر نكت الهميان (ص243).
(5) توجد له نسخة في (الظاهرية: مجموع:12).
(6) معجم الشيوخ الكبير (1/12)، وقد ذكر محقق الكتاب أن مجموع ما اشتمل عليه الكتاب من التراجم (1042) حسب نسخة دار الكتب المصرية، وأما نسخة استنبول فقد احتوت على (1278) ترجمة.
(9/7)
ولسنا بصدد ذكر الجم الغفير من شيوخ الذهبي، ولكن نشير إلى أن الذهبي حظي برفقة ثلاثة من مشاهير عصره الذين طبّقت سمعتهم الآفاق وهم:
1ـ شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية (661هـ-728هـ).
2ـ العلامة الحافظ جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن المزي (654هـ-742هـ).
3ـ العلامة الحافظ علم الدين القاسم بن محمد البرزالي (665هـ-739هـ).
وكان للذهبي مع هؤلاء الأعلام صحبة وملازمة، وكان الذهبي أصغر الجميع سناً، وكان أبو الحجاج المزي أكبرهم، وكان بعضهم يقرأ على بعض، فهم شيوخ وأقران في الوقت ذاته، يجمعهم التمسك بعقيدة السلف الصالح والرغبة في تعلمها ونشرها والدفاع عنها، وحبهم لعلم الحديث والاشتغال به وحرصهم على اتِّباع آثار السلف الصالح.
وقد تركت تلك الصحبة آثارها القوية على شخصية الذهبي وتكوينه العلمي، ويظهر ذلك جلياً في كتاباته.
وقد ساعد على تكوين الذهبي لتلك العلاقة والصلة الوثيقة بهؤلاء الأعلام - مع أن فارق السن كان بينه وبين المزي تسع عشرة سنة، وبينه وبين ابن تيمية اثنتا عشرة سنة - ما حباه الله به من الذكاء وقوة الحافظة، الأمر الذي ساعده على ملازمة هؤلاء الأعلام ومجاراتهم مع ما تميزوا به من علم واسع، وذكاء مفرط.
وقد أثنى الذهبي الثناء العطر على هؤلاء الأعلام وامتدحهم في كتاباته، واعترف لهم بالفضل والجميل(1).
تاسعاً: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه
تصدر الذهبي مرتبة الإمامة في عدد من العلوم، فهو إمام في علم القراءات، وإمام في علوم الحديث، وإمام في علم التاريخ.
أما في علم القراءات:
فقد قال عنه ابن ناصر الدين المتوفي سنة (842هـ): "كان إماماً في القراءات"(2).
وقال ابن الجزري: "الأستاذ، الثقة الكبير"(3).
__________
(1) انظر معجم الشيوخ (1/56-57) و(2/115-117) و(2/389-390).
(2) الرد الوافر (ص31).
(3) انظر غاية النهاية في طبقات القراء (2/71).
(9/8)
وقد اعتنى الذهبي بهذا الفن في مرحلة مبكرة من حياته. ومن مؤلفاته في ذالك، كتاب "التلويحات في علم القراءات"، وكتاب "معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار" إلا أنه مع إتقانه لهذا الفن لكنه لم يتفرغ له كما ذكر ذلك ابن الجزري(1)، ولعل ذلك بسبب انشغاله بعلوم الحديث.
أما في علوم الحديث:
فقد تفانى الذهبي في خدمة علوم الحديث، وأكثر من التصنيف فيها، ولقيت مؤلفاته القبول عند الناس، فهذا ابن حجر يقول: "ورغب الناس في تواليفه، ورحلوا إليه بسببها، وتداولوها قراءة ونسخاً وسماعاً"(2) ولا غرابة في ذلك فالإمام الذهبي بلغ منزلة عالية ودرجة رفيعة بسبب ما حباه الله من صفات وخصائص علمية تميز بها.
واسمع إلى وصف بعض تلاميذه له -وهو صلاح الدين الصفدي- حيث قال: "محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز، الشيخ الإمام العالم العلامة الحافظ، أبو عبد الله الذهبي، حافظ لا يجارَى، ولافظ لا يبارى، أتقن الحديث ورجاله، ونظر علله وأحواله، وعرف تراجم الناس، وأزال الإبهام في تواريخهم والإلباس، مع ذهن يتوقد ذكاؤه، ويصح إلى الذهب نسبته وانتماؤه، جمع الكثير، ونفع الجم الغفير، وأكثر من التصنيف ووفر بالاختصار مؤونة التطويل في التأليف". إلى أن قال: "ولم أجد عنده جمود المحدثين، ولا كوذنة -(أي بلادة)- النقلة، بل هو فقيه النظر، له دربة بأقوال الناس، ومذاهب أئمة السلف، وأرباب المقالات. وأعجبني ما يعانيه في تصانيفه من أنه لا يتعدى حديثاً يورده حتى يبين ما فيه من ضعف متن، أو ظلام إسناد، أو طعن في رواةٍ، وهذا لم أر غيره يعاني هذه الفائدة فيما يورده"(3).
وإمامة الذهبي في هذا الشأن لا يختلف فيها اثنان، ولذلك قال السيوطي: "إن المحدثين الآن عيال في الرجال وغيرها من فنون الحديث على أربعة: المزي، والذهبي، والعراقي، وابن حجر"(4).
__________
(1) المصدر السابق.
(2) الدرر الكامنة (3/427).
(3) نكت الهميان (ص241-242).
(4) تذكرة الحفاظ للسيوطي (ص518).
(9/9)
وقال عنه التاج السبكي: "شيخنا وأستاذنا، محدث العصر، اشتمل عصرنا على أربعة من الحفاظ -وبينهم عموم وخصوص- المزي، والبرزالي، والذهبي، والشيخ الوالد، لا خامس لهم في عصرنا، فأما أستاذنا أبو عبد الله فبصر لا نظير له وكنز، هو الملجأ إذا نزلت المعضلة، إمام الوجود حفظاً، وذهب العصر معنى ولفظاً، وشيخ الجرح والتعديل، ورجل الرجال في كل سبيل، كأنما جمعت الأمة في صعيد واحد فنظرها، ثم أخذ يخبر عنها إخبار من حضرها، وكان محط رحال المعنت، ومنتهى رغبات من تعنت، تعمل المطي إلى جواره، وتضرب البزل المهارى أكبادها فلا تبرح أو تبيد نحو داره، وهو الذي خَرَّجَنا في هذه الصناعة وأدخلنا في عداد الجماعة". إلى أن قال "وسمع منه الجم الكثير، ومازال يخدم هذا الفن حتى رسخت فيه قدمه، وتعب الليل والنهار وما تعب لسانه وقلمه، وضربت باسمه الأمثال، وسار اسمه مسير لقبه الشمس إلا أنه لا يتقلص إذا نزل المطر، ولا يدبر إذا أقبلت الليال، وأقام بدمشق يُرحل إليه من سائر البلاد وتناديه السؤالات من كل ناد"(1).
وقال عنه البدر النابلسي: "كان علامة زمانه في الرجال وأحوالهم، حديد الفهم، ثاقب الذهن، وشهرته تغني عن الإطناب فيه"(2).
وقال ابن حجر: "ومهر في فن الحديث، وجمع فيه المجاميع المفيدة والكثيرة"(3).
ومن أشهر كتبه في هذا المجال "ميزان الاعتدال في نقد الرجال".
وأما علم التاريخ والتراجم:
__________
(1) طبقات الشافعية (9/100).وشذرات الذهب (6/153-155).
(2) الدرر الكامنة (3/427).
(3) المصدر السابق (3/426).
(9/10)
فالذهبي صاحب الموسوعات الكبار في هذا المجال، والتي أهمها "تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام"، و"سير أعلام النبلاء"، و"العبر"، و"دول الإسلام"، و"تذكرة الحفاظ"، وغيرها كثير، وقد أظهر الذهبي في تلك المؤلفات براعة في العرض، ودقة في التحليل والنقد، مع غزارة في المعلومات، تشهد له بالذكاء والعبقرية وقوة الحافظة، لدرجة أن ابن حجر -مع فضله وجلالة قدره- شرب ماء زمزم سائلاً الله أن يصل إلى مرتبة الذهبي في الحفظ والفطنة(1).
وقد عول الكتاب والعلماء على مؤلفاته، وأصبحت عمدة لهم فيما كتبوا وألفوا من بعده.
وقد عد الذهبي والمزي أكبر المؤرخين في القرن الثامن(2).
عاشراً: عقيدته
عُرف الذهبي رحمه الله بمواقفه التي تدعو إلى التمسك بعقيدة السلف الصالح علماً واعتقاداً وعملاً ودعوة وتعليماً، ويظهر ذلك جلياً لمن اطلع على مصنفاته سواء ما يتعلق منها بمسائل الاعتقاد مثل كتاب "العلو"، وكتاب "العرش"، وكتاب "الأربعين في صفات رب العالمين"، ورسالة "التمسك بالسنن والتحذير من البدع وغيرها"، أو كتبه الأخرى في علوم الحديث وغيرها.
فقد سطر الذهبي بيراعه معتقد السلف وأثبته في تلك الكتب، ونافح ودافع عن عقيدة أهل السنة وأثنى على أهلها بما يستحقونه من الأوصاف، كما أبرز جهودهم العلمية والعملية في نشر السنة ونصرتها، وفي الوقت ذاته سلط قلمه على أهل البدع والأهواء، فما يمر على صاحب بدعة إلا ويشير إلى بدعته، ويبين وجه انحرافه، وقول أهل السنة فيه وفي بدعته، وإن كان في بعض الأحيان يوجد في كلامه بعض التساهل مع بعض المبتدعة لكنه قليل ومحدود.
__________
(1) الإعلام للسخاوي (ص472).
(2) المصدر السابق (ص604).
(9/11)
والحقيقة التي يجب الإشارة إليها والإشادة بها في هذا المقام، أن الذهبي قام رحمه الله على ثغرة عظيمة، هي علم الرجال والتراجم، فاعتنى بها واهتم بأمرها اهتماماً كبيراً، حتى أصبحت محور تفكيره وأساس كثير من كتبه، فقام بخدمة هذا الجانب خير قيام، وذلك وفق منهج أهل السنة والجماعة، على غرار ما فعل شيخه وصاحبه شيخ الإسلام ابن تيمية في خدمة مسائل الاعتقاد والرد على أصحاب المقالات، فكل من الإمامين قام على ثغرة، وقام بأكبر خدمة.
فقد شوه أصحاب البدع وأرباب المقالات حقائق التاريخ وسير العلماء بما دسوا فيها من الأكاذيب والأباطيل، كما فعلوا في مسائل الاعتقاد الأمر ذاته.
فتصدى الذهبي رحمه الله تعالى للجانب التاريخي فوضع الأمور في نصابها وأوضح بجلاء سير أعلام السنة على وجهها الصحيح وحلاها بأجمل الحلل وكساها أبهى العبارات.
وقام في الوقت ذاته بفضح أهل البدع والأهواء وكشف باطلهم، الأمر الذي أثار حفيظة أهل البدع والأهواء ونقمتهم على كتب الإمام الذهبي لما لها من ثقل ووزن في فنها، فهي تعد غصة في حلوق أهل الكلام والمتصوفة والرافضة ومن على شاكلتهم، لكونها كشفت عورات زعمائهم وأظهرت بطلان عقائدهم.
وكان الذهبي معروفاً في حياته بمواقفه الصلبة من العقائد المنحرفة وأهلها، كما اشتهر عنه صلته الوثيقة وموافقته لشيخ الإسلام ابن تيمية في نصرة السنة ومحاربة البدعة، الأمر الذي جعل الأشاعرة من الشافعية بدمشق يمانعون في توليه لمشيخة أكبر دار للحديث بدمشق حينذاك، وهي دار الحديث الأشرفية، التي شغرت مشيختها بعد وفاة رفيقه المزي سنة (742هـ)، رغم ترشيح قاضي القضاة علي بن عبد الكافي السبكي أن يعين الذهبي لها، وكان السبب في رفضهم كون الذهبي ليس بأشعري(1).
ومعلوم أن الصراع كان على أشده في ذلك الحين بدمشق بين أنصار المنهج السلفي وخصومهم من أهل الكلام والمتصوفة.
__________
(1) انظر طبقات الشافعية للسبكي (6/170-171).
(9/12)
والكتاب الذي بين أيدينا يعطي صورة واضحة للمنهج الذي سار عليه الذهبي، فقد تبع طريقة أهل الحديث في تقرير المسائل والاستدلال عليها، فذكر معتقد أهل السنة في مسألة العلو واستدل لقولهم بنصوص الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ومن سلك سبيلهم وسار على نهجهم، ناصراً بذلك قولهم وراداً على من خالفهم، كما سيأتي تفصيله. فرحم الله الذهبي وجزاه عن السنة وأهلها خير الجزاء. ولكن مع ذلك كله فاللذهبي بعض المواقف المخالفة في المسائل المتعلقة بالقبور وتعظيمها لا يُقر عليها ولا يُوافق(1).
الحادى عشر: مؤلفاته
أشتهر الذهبي بكثرة التصنيف(2) حتى قال عنه ابن حجر: "كان أكثر أهل عصره تصنيفاً"(3).
وقد اجتهد الدكتور بشار عواد في جمع أسماء مؤلفات الذهبي في كتابه "الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام"، وقد بلغ مجموع ما سمى من مؤلفاته (215) مؤلفاً. ونظراً لكثرتها فإني أحيل القارئ إلى الكتاب المذكور إذا أراد الاستزادة في هذا الجانب.
وسأكتفي بذكر أسماء مؤلفاته في علم العقيدة فقط وهي على النحو التالي:
1ـ العلو للعلي الغفار.
وقد طبع عدة طبعات، وقام الشيخ محمد ناصر الدين الألباني باختصاره.
2ـ كتاب العرش.
وهو الكتاب الذي بين أيدينا
3ـ كتاب الأربعين في صفات رب العالمين.
ويتكون من أكثر من جزء، وتوجد له نسخة في الظاهرية تحتوي على الجزء الأول فقط، وقد قام الدكتور عبد القادر بن محمد عطا صوفي بتحقيق هذا الجزء، ونشرته مكتبة العلوم والحكم.
4ـ المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال -مطبوع-.
وهو مختصر لكتاب "منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية".
5ـ كتاب الكبائر.
وقد طبع عدة طبعات.
6ـ رسالة في الإمامة العظمى.
__________
(1) انظر ذلك على سبيل المثال معجم الشيوخ (1/73).والسير (10/107، 4/484-485).
(2) نكت الهميان (ص241).
(3) الدرر الكامنة (3/426).
(9/13)
جاء في أولها "هذا كلام لخصته من كلام ابن حزم وغيره في الإمامة العظمى ...".
ذكرها الدكتور رمضان ششن في كتابه نوادر المخطوطات العربية في مكتبات تركيا (2/22)، وأشار إلى وجود نسخة لها في (رئيس الكتاب، رقم 1185/2، كتبت في القرن الثاني عشر، من 126/ب إلى 133/ب).
وله نسخة مصورة في قسم المخطوطات بعمادة شئون المكتبات بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية برقم (9573/4).
7ـ كتاب أحاديث الصفات.
ذكره ابن العماد في شذرات الذهب (6/156).
وابن تغرى بردى في المنهل الصافي (ق70).
وسبط ابن حجر في رونق الألفاظ (ق181).
8ـ جزء في الشفاعة.
ذكره ابن تغرى بردى في المنهل الصافي (ق7).
وابن العماد في شذرات الذهب (6/156).
وسبط ابن حجر في رونق الألفاظ (ق181).
9ـ صفة النار.
ذكره ابن تغرى بردى في المنهل الصافي (ق71).
وابن العماد في شذرات الذهب (6/156) وأشار إلى أنه جزءان.
وسبط ابن حجر في رونق الألفاظ (ق181).
10ـ مسألة الغيبة.
ذكره ابن تغرى بردى في المنهل الصافي (ق71).
وابن العماد في شذرات الذهب (6/156).
وسبط ابن حجر في رونق الألفاظ (ق180).
11ـ كتاب رؤية الباري.
ذكره ابن تغرى بردى في المنهل الصافي (ق70).
وذكره ابن العماد في شذرات الذهب (6/156).
12ـ كتاب الموت وما بعده.
ذكره الصفدي في نكت الهميان (ص243)، وفي الوافي (2/164)
وذكره ابن العماد في شذرات الذهب (6/156).
وابن شاكر الكتبي في عيون التواريخ (ق87).
وابن تغرى بردى في المنهل الصافي (ق70).
وسبط ابن حجر في رونق الألفاظ (2/180).
والبغدادي في هدية العارفين (2/154).
13ـ طرق حديث النزول.
ذكره الذهبي في كتاب العرش(1)، وفي كتاب العلو (ص73)، وفي الأربعين (ص70).
وذكره ابن العماد في شذرات الذهب (6/156).
14ـ طرق أحاديث الصوت.
ذكره الذهبي في كتاب العرش(2) .
15ـ مسألة دوام النار.
ذكره الذهبي في السير (18/126).
__________
(1) انظر الفقرة رقم (72).
(2) انظر الفقرة رقم (81).
(9/14)
وذكره ابن العماد في شذرات الذهب (6/156).
وابن تغرى بردى في المنهل الصافي (ق71).
وسبط ابن حجر في رونق الألفاظ (ق180).
16ـ كتاب التمسك بالسنن.
ذكره ابن العماد في شذرات الذهب (6/156).
وقام بتحقيقه الدكتور محمد باكريم محمد باعبد الله، ونشر في مجلة الجامعة الإسلامية العدد (103).
17ـ مختصر كتاب الزهد للبيهقي.
ذكره ابن العماد في شذرات الذهب (6/156).
وذكر بشار عواد أن له نسخة في مكتبة عارف حكمت بالمدينة النبوية.
18ـ مختصر كتاب القدر للبيهقي.
ذكره الصفدي في نكت الهميان (ص243).
وذكره ابن العماد في شذرات الذهب (6/156).
19ـ مختصر كتاب البعث والنشور للبيهقي.
ذكر ابن العماد في شذرات الذهب (6/156).
20ـ كتاب الروع والإوجال في بقاء الدجال.
ذكره الصفدي في الوافي (2/164)، وفي نكت الهميان (ص243)
والسبكي في الطبقات (9/105).
والزركشي في عقود الجمان (ق79).
وذكره ابن العماد في شذرات الذهب (6/156).
وابن تغرى بردى في المنهل الصافي (ق70).
وسبط ابن حجر في رونق الألفاظ (ق180).
وحاجي خليفة في كشف الظنون (1/933).
والبغدادي في هداية العارفين (2/154).
21ـ مختصر الرد على ابن طاهر لابن المجد.
وهو في بيان مسألة السماع، رد فيه على من جوزه.
ذكره بشار عواد في كتابه الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام (ص240).
22ـ كتاب تشبيه الخسيس بأهل الخميس.
وهو في بيان بدعة التشبه بالنصارى في أعيادهم .
والكتاب مطبوع بتحقيق علي حسن عبد الحميد، نشرته دار عمار بالأردن سنة (1408هـ).
الثاني عشر: تلاميذه
تتلمذ على يد الذهبي المئات من التلاميذ، وقد قال عنه تلميذه الحسيني: "وحمل عنه الكتاب والسنة خلائق"(1).
وقال السبكي: "وسمع منه الجم الكثير"(2).
ومن ينظر في كتب القرن الثامن يجدها زاخرة بمئات من التلاميذ الذين استفادوا من الذهبي ولعل من أشهر من استفاد وسمع منه من نظرائه:
__________
(1) ذيل تذكرة الحفاظ (ص36).
(2) انظر شذرات الذهب (6/154).
(9/15)
1ـ الحافظ عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير، المتوفى سنة (774هـ) صاحب كتاب "تفسير القرآن العظيم"، وكتاب "البداية والنهاية"(1).
2ـ الحافظ زين الدين عبد الرحمن بن الحسن بن محمد السلامي البغدادي، الشهير بابن رجب الحنبلي، المتوفى سنة (795هـ)(2).
ومن أشهر تلاميذه:
3ـ صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، المتوفى سنة (764هـ) صاحب كتاب "الوافي بالوفيات".
4ـ شمس الدين أبو المحاسن، محمد بن علي بن الحسن الحسيني، الدمشقي، الشافعي، المتوفى سنة (765هـ)، صاحب "ذيل تذكرة الحفاظ".
5ـ تاج الدين أبو نصر، عبد الوهاب بن علي السبكي، المتوفى سنة (771هـ) صاحب "طبقات الشافعية الكبرى".
الثالث عشر: وفاته
توفي الذهبي رحمه الله تعالى قبل منتصف ليلة الاثنين، ثالث ذي القعدة، سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، وكان قد بلغ من العمر حينذاك خمسة وسبعين عاماً وسبعة أشهر.
وكانت وفاته بدمشق، ودفن رحمه الله بمقبرة الباب الصغير، وحضر الصلاة عليه جملة من العلماء، وكان رحمه الله قد كف بصره قبل موته بسبع سنين. قال تلميذه الحسيني: "أضر في سنة إحدى وأربعين، ومات في ليلة الاثنين ثالث ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة بدمشق، ودفن في مقبرة الباب الصغير رحمه الله تعالى"(3).
الفصل الثاني
التعريف بالكتاب
أولاً: اسم الكتاب
ثانياً: توثيق نسبة الكتاب للمؤلف
ثالثاً: الفرق بين كتاب العرش وكتاب العلو
رابعاً: موارد كتاب العرش
خامساً: منهج المصنف في الكتاب
سادساً: أهمية الموضوع والكتاب
سابعاً: دراسة النسخة الخطية
ثامناً: عملي في الكتاب
أولاً: اسم الكتاب
جاء على طرة النسخة المخطوطة (أ) عبارة (كتاب العرش للذهبي).
كما جاء في آخرها ( تم كتاب العرش للذهبي ).
وجميع من ذكر الكتاب ممن ترجم للذهبي أطلق عليه هذه التسمية.
__________
(1) المصدر السابق (6/231).
(2) الدرر الكامنة (2/321).
(3) ذيل تذكرة الحفاظ (ص36).
(9/16)
ولم أقف على خلاف ذلك إلا ما ذكره ابن القيم في كتابه اجتماع الجيوش الإسلامية -بعد ما نقل نصاً من الكتاب- حيث قال: "حكاه عنه محمد بن أحمد بن عثمان في رسالته في الفوقية"(1). ولعل هذا تصرف من ابن القيم حيث أطلق عليه اسم مضمونه بدلاً عن اسمه الصحيح.
وأيضاً ما جاء في الجزء الموجود من مختصر هذا الكتاب والذي توجد قطعة منه في المكتبة الظاهرية بدمشق ضمن مجموعة برقم (47- مجاميع)، ولها نسخة مصورة بقسم المخطوطات بالجامعة الإسلامية برقم (1506- مكبر) فقد سماه مختصره "مختصر الذهبية" ولم يتبين لي سبب هذه التسمية.
ثانياً: توثيق نسبة الكتاب للمؤلف
إثبات نسبة الكتاب للمؤلف مسألة واضحة تؤكدها الحقائق التالية:
أ- ما جاء في أول وآخر النسخة الخطية (أ) التي اعتمدت عليها من التصريح بنسبة الكتاب للمؤلف.
ب- تصريح عدد من المؤرخين الذين ذكروا مؤلفات الذهبي، باسم الكتاب، ونسبوه للذهبي، ومنهم:
1ـ ابن تغرى بردى في "المنهل الصافي" (ق70).
2ـ سبط ابن حجر في "رونق الألفاظ" (ق180).
3ـ ابن العماد في "شذرات الذهب" (6/156).
4ـ حاجي خليفة في "كشف الظنون" (2/1438).
5ـ البغدادي في "هدية العارفين" (2/154).
6ـ بروكلمان في "تاريخ التراث العربي" (الملحق 1/47، بالألمانية).
7ـ بشار عواد في كتابه "الذهبي ومنهجه في كتابه التاريخ" (ص148).
فجميع هذه المصادر ذكرت الكتاب وأكدت نسبته للذهبي.
جـ- تصريح من نقل أو استفاد من الكتاب بنسبته إلى الذهبي. ومن أولئك:
* ابن القيم الذي اعتمد في كتاب "اجتماع الجيوش الإسلامية" على كتاب العرش فيما نقله من نصوص عن الذهبي ولم يعتمد على كتاب العلو.
وقد نبهت على ذلك في بعض المواطن داخل النص المحقق، وانظر على سبيل المثال ما علقته في الفقرة (226).
* وكذلك السفاريني في كتابه "لوائح الأنوار السنية" فقد استفاد
__________
(1) انظر اجتماع الجيوش الإسلامية (ص232).
(9/17)
من الكتاب ونقل منه فقال: "قال الإمام الحافظ الذهبي في كتاب العرش ..."، انظر (1/356).
* وذكره أيضا في كتابه "لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية" (1/196) فقال: "وكتاب العرش للحافظ شمس الدين الذهبي صاحب الأنفاس العلية".
د- رواية المصنف لبعض الأحاديث والآثار بأسانيدها المتصلة عن شيوخه الذين اشتهر بالرواية عنهم إلى أصلها الذي أخذت منه.
فتلك الأسانيد تدل على صحة نسبة الكتاب له.
هـ- ذكر المصنف لبعض المصنفات التي ألفها في ثنايا الكتاب ومنها:
1ـ "طرق أحاديث النزول"، انظر الفقرة رقم (72).
2ـ "طرق أحاديث الصوت"، انظر الفقرة رقم (81).
و- تطابق بعض التعليقات في كتاب "العرش" مع ما ورد في كتاب الذهبي "العلو" و"الأربعين في صفات رب العالمين". وهذا التطابق يؤكد نسبة الكتاب إليه.
ثالثاً: الفرق بين كتاب العرش وكتاب العلو
يتساءل الكثير من الباحثين عند سماعه باسم الكتابين عن الفرق بينهما.
(فهذا بروكلمان في كتابه: "تاريخ التراث العربي" (الملحق 1/ 47)، تسائل عند ذكره لكتاب العرش، هل هو كتاب العلو أم أنه غيره؟)(1).
وكذلك فإن بشار عواد في كتابه "الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام" (ص148) يقول إنه لم يستطع التفريق بين الكتابين لأنه لم يستطع الوقوف على كتاب العرش.
وعذر بروكلمان وبشار عواد واضح لكونهما لم يطلعا على نسخة لكتاب العرش.
ومع عدم ظهور طبعة لكتاب (العرش) لم يزل الالتباس قائماً بسبب عدم تمكن البعض من الاطلاع على نسخة لكتاب العرش، أو لعدم معرفتهم بوجود كتاب للذهبي يحمل عنوان "كتاب العرش".
وممن وقع في اللبس في هذه المسألة فضيلة الشيخ الألباني حيث جزم في مقدمة كتابه "مختصر العلو للعلي الغفار" بأن "كتاب العلو" هو "كتاب العرش" الذي ذكره ابن العماد في "الشذرات" والسفاريني في "لوامع الأنوار"(2).
__________
(1) نقلاً عن كتاب "الذهبي ومنهجه في كتاب تاريخ الإسلام" (ص148).
(2) انظر مختصر العلو (ص5).
(9/18)
وهذا القول للشيخ الألباني -حفظه الله- شاع بين طلبة العلم وأشاع مقولة أن الكتابين كتاب واحد. وهذا خلاف الصواب.
فمن خلال معايشتي لتحقيق كتاب "العرش" والمقارنة بينه وبين كتاب "العلو"، أود أن أوضح وأجلي ما وقع من لبس وخطأ في هذه المسألة وأبين الحقائق التالية:
أولاً: من الناحية التاريخية:
فرق سبط ابن حجر في كتابه "رونق الألفاظ" (ق180) بين الكتابين فذكر "كتاب العرش" باسم مستقل و"كتاب العلو" باسم مستقل، وقد أشار بشار عواد إلى هذه المعلومة في كتابه "الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام"(1).
وكذلك فعل إسماعيل باشا البغدادي في كتابه "هدية العارفين" (6/154) عند ذكره لمؤلفات الذهبي فقد فرق بين الكتابين فقال "كتاب العرش وصفته" وقال كتاب "العلو للعلي الأعلى الغفار في إيضاح الأخبار".
ثانياً: إنه بعد ظهور نسخة لكتاب "العرش" وصدورها بإذن الله مطبوعة، لم يبق مجال للتشكيك في الفرق بين الكتابين فمن يطلع على هذا الكتاب ويقارن بينه وبين كتاب العلو يجد صدق ما نقول.
ثالثاً: مع أن الكتابين ليسا كتاباً واحداً إلا أن هناك أوجه تشابه كبيرة بين محتوى الكتابين، وذلك يرجع للأسباب التالية:
1ـ كون مؤلف الكتابين واحد.
2ـ أن كلا الكتابين يبحثان في موضوع واحد ألا وهو مسألة إثبات علو الله واستوائه على عرشه وتقرير ذلك وفق عقيدة السلف الصالح.
3ـ سار المؤلف في منهجه وطريقة عرضه للموضوع على نسق واحد في كلا الكتابين، حيث بدء بذكر النصوص القرآنية ثم الأحاديث النبوية ثم أقوال الصحابة ثم أقوال التابعين ثم أتباع التابعين ثم من بعدهم من الطبقات.
رابعاً: مع وجود أوجه للتشابه بين الكتابين إلا أن هناك فوارق واضحة بين الكتابين منها:
1ـ مقدمة الكتابين ليست واحدة، فكل من الكتابين له مقدمة تختلف عن مقدمة الكتاب الآخر.
__________
(1) انظر (ص148).
(9/19)
2ـ اختلفت طريقة عرض الفصل الأول من "كتاب العرش" والمتعلق بالأدلة من الكتاب عن طريقة كتاب "العلو".
3ـ مع الاشتراك في كثير من الأحاديث في الفصل المتعلق بالأدلة من السنة إلا أن كل كتاب انفرد ببعض الأحاديث مع اختلاف في تعليقات الذهبي على أحاديث الكتابين مما يترتب عليه أن كل كتاب احتوى على فوائد لا توجد في الكتاب الآخر.
4ـ ما حصل في فصل الأدلة من السنة ينسحب على بقية فصول ومحتويات الكتاب، فكل كتاب ينفرد ببعض الآثار والفوائد التي لا توجد في الكتاب الآخر.
وأضرب لك على سبيل المثال لا الحصر مثالاً لفائدة انفرد بها كتاب "العرش" ولا توجد في كتاب "العلو".
قوله في أبي الحسن الأشعري: "وكان معتزلياً ثم تاب، ووافق أصحاب الحديث في أشياء يخالفون فيها المعتزلة، ثم وافق أصحاب الحديث في أكثر ما يقولونه، وهو ما دوناه عنه من أنه نقل إجماعهم على ذلك، وأنه موافق لهم في جميع ذلك، فله ثلاثة أحوال: حال كان معتزلياً، وحال كان سنياً في البعض دون البعض، و حال كان في غالب الأصول سنياً، وهو الذي علمناه من حاله، فرحمه الله وغفر له ولسائر المسلمين"(1).
والفوائد التي انفرد بها الكتاب من جنس هذه كثيرة، يدرك قيمتها من احتاج إليها.
خامساً: قول المصنف في مقدمة كتاب العلو: "فإني كنت في سنة ثمان وتسعين وستمائة جمعت أحاديث وآثاراً في مسألة العلو، وفاتني الكلام على بعضها، ولم أستوعب ما ورد في ذلك، فذيلت على ذلك مؤلفاً أوله (سبحان الله العظيم وبحمده على حلمه بعد علمه)، والآن فأرتب المجموع وأوضحه هنا ...".
ليس فيه إشارة واضحة إلى أن كتاب العرش هو المسودة الأولى لكتاب العلو، فالمؤلف لم ينص على اسم الكتاب ولم يذكر مقدمته.
__________
(1) انظر نهاية الفقرة (247)، وانظر التعليق عليها.
(9/20)
ومن المؤكد أنه ليس هو المسودة الثانية التي أشار المؤلف إلى مقدمتها وهي غير مقدمة العرش التي أولها (الحمد لله الذي ارتفع على عرشه في السماء)، وفي اعتقادي لو كان الكتاب مسودة لما اعتمد عليه ابن القيم في "اجتماع الجيوش الإسلامية"، وكذلك السفاريني في "لوائح الأنوار" ولما شاع ذكره في كتب التراجم. والله أعلم.
وخلاصة النتيجة التي توصلت إليها واقتنعت بها: أنه من الحيف والخطأ اعتبار الكتابين كتاباً واحداً، أو ادعاء أن أحد الكتابين يغني عن الآخر، فكل من الكتابين انفرد بفوائد وفوارق لا توجد في الآخر.
ولذلك من الخطأ أن يحجب كتاب العرش عن الوصول لأيدي القراء ففي ذلك حرمان لهم من الفوائد والفرائد التي احتواها الكتاب في فنون شتى.
والذهبي يتميز بتعليقاته المفيدة والتي هي في اعتقادي تكثر في كتاب العرش عنها في كتاب العلو.
وهذه التعليقات مهمة ومفيدة وقد تميزت بها مؤلفات الذهبي، فهذا تلميذه الصفدي يقول عنه: "وأعجبني ما يعانيه في تصانفيه من أنه لا يتعدى حديثاً يورده حتى يبين ما فيه من ضعف متن، أو إظلام إسناد، أو طعن في رواة، وهذا لم أر غيره يعاني هذه الفائدة فيما يورده"(1).
رابعاً: موارد كتاب العرش
عرف عن الذهبي سعة اطلاعه ومعرفته للكثير من كتب أهل العلم المتقدمين، ويظهر ذلك جلياً في الكتاب الذي بين أيدينا، فقد رجع فيه الذهبي إلى جملة كبيرة من كتب المتقدمين، البعض منها نعده اليوم في عداد المفقودات. ولذلك من المفيد حصر هذه المصادر التي اعتمد عليها ليستفيد منها من أراد الرجوع إليها والتوثيق منها. وهذه المصادر هي:
الإبانة عن أصول الديانة -لأبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري- (ت324هـ).
الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية -لأبي عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن بطة العكبري- (ت387هـ).
الإبانة -لأبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني- (ت403هـ).
__________
(1) نكت الهميان (ص242).
(9/21)
الإبانة في الرد على الزائغين في مسألة القرآن -لأبي نصر عبيد الله بن سعيد بن حاتم السجزي- (ت444هـ).
إبطال التأويلات لأخبار الصفات -لأبي يعلى محمد بن الحسين ابن محمد بن الفراء- (ت458هـ).
إثبات صفة العلو -لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي- (ت620).
آداب المريدين والتعرف لأحوال العباد -لعمرو بن عثمان المكي- (ت297هـ).
الاستيعاب في معرفة الأصحاب -لأبي عمر يوسف بن عبد الله ابن محمد بن عبد البر- (ت463هـ).
الأسماء والصفات -لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي- (ت458هـ).
إصلاح المنطق -لأبي يوسف يعقوب بن السكيت.
الاعتقاد على مذهب السلف أهل السنة والجماعة -لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي- (ت458هـ).
تأويل مختلف الحديث- لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (ت276هـ).
تاريخ بغداد -لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي- (ت463هـ).
التاريخ الكبير -لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري- (ت254هـ).
التبصير في معالم الدين -لمحمد بن جرير الطبري- (ت 310هـ).
تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام الأشعري -لأبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر- (ت571هـ).
التفسير -لأبي بكر محمد بن الحسن النقاش- (ت351هـ).
تفسير القرآن -لسليم بن أيوب الرازي- (ت447هـ).
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد -لأبي عمر يوسف ابن عبد الله بن محمد بن عبد البر- (ت463هـ).
التوحيد -لمحمد بن إسحاق بن يحي بن منده- (ت 395هـ).
التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل -لمحمد بن إسحق ابن خزيمة- (ت311هـ).
تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل -لأبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني- (ت403هـ).
جامع البيان عن تأويل آي القرآن -لمحمد بن جرير الطبري- (ت310هـ).
جمل المقالات -لأبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري- (324هـ).
جواب أبي بكر الخطيب البغدادي عن سؤال أهل دمشق في الصفات.
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء -لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني- (ت430هـ).
(9/22)
الحيدة والاعتذار في الرد على من قال بخلق القرآن -لأبي الحسن عبد العزيز بن يحي الكناني- (ت240هـ).
ذم اللواط -للهيثم بن خلف الدوري-.
الرؤية -لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني- (ت 385هـ).
الرد على الجهمية -لإبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه النحوي.
الرد على الجهمية -لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي- (ت327).
الرد على بشر المريسي -لعثمان بن سعيد الدارمي- (ت280هـ).
الرد على الجهمية -لعثمان بن سعيد الدارمي- (ت280هـ).
رسالة يحي بن عمار السجستاني (ت442هـ).
الرسالة -لأبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني- (ت 386هـ).
الرسالة النظامية -لعبد الملك بن عبد الله أبو المعالي الجويني- (ت478هـ).
السنة -لعبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل- (ت290هـ).
السنة -لأبي بكر أحمد بن محمد بن هارون الخلال- (ت 311هـ).
السنة -لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني- (ت 360هـ).
السنة -لأبي بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم- (ت 287هـ).
السنن -لأبي داود سليمان بن الأشعث- (ت275هـ).
السنن -لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي- (ت297هـ) (الجامع الصحيح).
السنن -لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي- (ت 303هـ).
السنن -لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني ابن ماجه- (ت275هـ).
شرح السنة -لإسماعيل بن يحي المزني- (ت264هـ).
الشريعة -لأبي بكر محمد بن الحسين الآجري- (ت360هـ).
الشكر -لأبي بكر عبد الله بن محمد المعروف بابن أبي الدنيا- (ت281هـ).
شكاية أهل السنة -لأبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري- (ت465هـ).
الصحيح -لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري- (ت 254هـ).
الصحيح -لأبي الحجاج مسلم بن الحجاج القشيري- (ت261هـ).
الصحيح (الأحاديث المختارة) -الضياء محمد بن عبد الواحد المقدسي- (ت643هـ).
صريح السنة -لمحمد بن جرير الطبري- (ت310هـ).
الصفات -لمحمد بن إسحاق بن يحي بن منده- (ت 395هـ).
(9/23)
الصفات -لأبي إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي- (ت481هـ).
الصفات -لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني- (ت 385هـ).
صفة الصفوة -لجمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي- (ت597هـ).
طبقات الفقهاء - لأبي إسحاق الشيرازي- (ت ).
العرش وما ورد فيه -لأبي جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة- (ت297هـ).
العظمة -لأبي الشيخ عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأصبهاني- (ت369هـ).
عقيدة أئمة الحديث -لأبي بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي- (ت371هـ).
عقيدة أصحاب الحديث - للأبي الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي- (ت532هـ).
عقيدة السلف وأصحاب الحديث -لأبي عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني- (ت449هـ).
عقيدة الشافعي -لأبي الحسن الهكاري- (ت 486هـ).
عقيدة الشافعي -لأبي محمد عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي- (ت600هـ).
عقيدة الطحاوي -لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي- (ت321هـ).
العمد في الرؤية -لأبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري- (ت324هـ).
الغنية -لأبي محمد عبد القادر بن أبي صالح الجيلي- (ت 471هـ).
الغنية عن الكلام -لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي- (ت388هـ).
الغيلانيات -لأبي بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي- (ت354هـ).
فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم -لأبي بكر أحمد بن محمد المروزي- (ت 275هـ).
الفقه الأكبر -لأبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي- .
المبهج في القراءات السبع -لأبي محمد عبد الله بن علي بن أحمد الخياط- (ت 541هـ).
المسند -لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل- (ت 241هـ).
المسند -لأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي- (ت 204هـ).
المسند -لأبي يعلى أحمد بن علي بن المثنى التميمي الموصلي- (ت307هـ).
مسند أبي هريرة -للبرتي- (ت 280هـ).
المستدرك على الصحيحين -لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم- (ت405هـ).
المرض والكفارات -لأبي بكر بن أبي الدنيا- (ت281هـ).
(9/24)
معالم التنزيل -لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي- (ت516هـ).
المعجم الكبير -لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني- (ت360هـ).
المعرفة -للعسال- (ت 349هـ).
المغازي -للأموي- (ت 194هـ).
مشكل الآيات -لعلي بن محمد بن مهدي الطبري-.
معرفة علوم الحديث -لأبي عبد الله محمد بن عبدالله الحاكم- (ت405هـ).
مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين -لأبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري- (ت324هـ).
المقالات والخلاف بين الأشعري وأبي محمد عبد الله بن سعيد ابن كلاب -لأبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك- (ت410هـ). وله كتاب "مجرد مقالات أبي الحسن الأشعري" – مطبوع -، فلعله هو.
مناقب الإمام أحمد -لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي- (ت327هـ).
مناقب الإمام أحمد -لأبي بكر أحمد بن محمد المروزي-
(ت 275هـ).
الموطأ -لأبي عبد الله مالك بن أنس الأصبحي- (ت 179هـ).
خامساً: منهج المصنف في الكتاب
1ـ استهل المصنف كتابه هذا بمقدمة قصيرة ضمنها الحمد لله تعالى والثناء عليه، والشهادة له بالتوحيد، ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
ثم عقد بعد ذلك فصلاً ذكر فيه أن الأدلة التي يستدل بها على إثبات علو الله وارتفاعه فوق عرشه هي نصوص الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين والأئمة المهديين.
ثم شرع في ذكر الآيات القرآنية الواردة في إثبات صفة العلو، وبدأ بذكر آيات الاستواء ونصوص العلماء في تفسيرها، ثم سرد عدداً من الآيات في المسألة.
وبعد ذلك شرع في ذكر الأحاديث في الباب بعد أن قال: "وأما الأحاديث المتواترة المتوافرة عن رسول الله، فأكثر من أن تستوعب فمنها: ...".
(9/25)
ومنهج المصنف في إيراده للأحاديث أنه يعزوها للكتب التي أخرجتها، وقد يروي بعضها بأسانيده، وغالباً ما يعلق على الحديث ويبين درجته من الصحة والضعف، أو يشير إلى بعض طرقه إذا لزم الأمر، وقد يتكلم على بعض رجال الإسناد وغير ذلك من المسائل والتعليقات المفيدة. وهذه الأحاديث تبدأ من الفقرة (13 -إلى- 100).
وبعد ذلك أورد المصنف جملة من الآثار المحفوظة عن الصحابة من أقوالهم بأن الله سبحانه في السماء على العرش، وبين أن تلك الأقوال لها حكم الأحاديث المرفوعة؛ لأنهم رضي الله عنهم لم يقولوا شيئاً من ذلك إلا وقد أخذوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم لا مساغ لهم في الاجتهاد في ذلك، ولا أن يقولوه بآرائهم، وإنما تلقوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وسرد جملة طيبة من تلك الآثار تبدأ من الفقرة (101 -إلى- 120)، متبعاً الأسلوب ذاته من حيث العزو والحكم عليها.
ثم أعقب المصنف ذلك بأقوال التابعين وذكر جملة صالحة من أقوالهم بدايتها من الفقرة (121 -إلى- 149) وسلك فيها نفس المسلك من عزوها والحكم عليها.
ثم عقد فصلاً استهله ببيان وقت ظهور مقالة التعطيل وأنها ظهرت في آواخر عصر التابعين وأن أول من تكلم فيها هو الجعد بن درهم، وأشار إلى قصة قتله، وذكر أن تلميذه الجهم بن صفوان أخذ عنه هذه المقالة وقام بنشرها والاحتجاج لها بالشبه العقلية، وذكر موقف أئمة ذلك العصر من مقالته وإنكارهم لها.
ثم ذكر أقوال أتباع التابعين في المسألة.
وهكذا استمر المؤلف يذكر أقوال العلماء طبقة بعد طبقة مع عزو أقوالهم والحكم على أسانيد آثارهم مع إعقاب ذلك بالكلام على منزلتهم العلمية وذكر طرف من سيرة بعضهم وتواريخ وفاتهم ونحو ذلك، مع ما يتخلل ذلك من فوائد وتعليقات.
(9/26)
2ـ سلك المصنف منهج وطريقة العرض في توضيح المسائل العقدية، وذلك بالاكتفاء ببيان الحق في المسألة والاستدلال لها بنصوص الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح وأئمة هذا الدين. دون التعمق في عرض أقوال المخالفين وذكر شبههم، وإيراد اعتراضاتهم.
ومن نظمه رحمه الله في هذا المنهج قوله:
العلم قال الله قال رسوله
إن صح والإجماع فاجهد فيه
وحذار من نصب الخلاف جهالة
بين الرسول وبين رأي فقيه(1)
ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن لعلماء السنة طريقتان في تأليفهم لكتب الاعتقاد هي:
1ـ طريقة العرض:
وهي الطريقة التي سار عليها المصنف في كتابه هذا. وهي تتميز كما أسلفنا بالتوسع في ذكر الحق المستمد من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين لهم بإحسان. دون التعمق في عرض الأقوال المخالفة وذكر اعتراضاتهم وشبههم.
ومن الكتب المماثلة في ذلك:
أ- كتاب السنة للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله (241هـ)
ب- كتاب التوحيد لابن خزيمة (311هـ)
جـ- كتاب التوحيد لابن منده (395هـ)
2ـ طريقة الرد:
وهذه الطريقة تجمع بين بيان الحق وذكر دليله وذكر أقوال المخالفين والتوسع في إيراد شبههم والرد عليها وبيان فسادها ووجه بطلانها.
ومن الكتب المؤلفة على هذه الطريقة:
أ- الرد على الزنادقة والجهمية للإمام أحمد بن حنبل.
ب- الرد على الجهمية والرد على بشر المريسي لعثمان بن سعيد الدارمي (280هـ)
جـ- تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (276هـ)
3ـ اعتمد المؤلف على قاعدة عريضة من المؤلفات التي سبقت عصره.
وقد تقدم الإشارة إلى تلك الكتب عند الحديث عن مصادر الكتاب. وهذا التوسع في المصادر أعطى الكتاب قوة وغزارة في المعلومات، تجعل من الكتاب مرجعاً أساسياً لمن أراد البحث في مسألة العلو ودراستها. والمصنف يشير غالباً إلى أسماء الكتب التي استفاد منها.
__________
(1) شذرات الذهب (6/156-157).
(9/27)
4ـ استشهد المصنف بأقوال بعض متقدمي الأشاعرة لكونهم وافقوا الحق في هذه المسألة وأثبتوا العلو لله على خلقه. وهذا لا يعني أنهم موافقون لأهل السنة في كل المسائل.
وهذه الطريقة سار عليها من قبله ابن تيمية في الفتوى الحموية الكبرى، وسار عليها كذلك ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية.
فلا ينبغي أن يفهم من ذلك أنهم من أهل السنة المحضة، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد يراد به (أي لفظ أهل السنة) أهل الحديث والسنة المحضة، فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات لله تعالى ويقول: إن القرآن غير مخلوق، وأن الله يُرى في الآخرة، ويثبت القدر، وغير ذلك من الأصول المعروفة عند أهل الحديث والسنة"(1).
سادساً: أهمية الموضوع والكتاب.
يبحث الكتاب في مسألة عظيمة وخطيرة من مسائل الصفات، دار فيها جدل كبير وعميق، واختلفت حولها الآراء، وتشعبت فيها المذاهب، وزلت فيها أقدام كثير من الناس قديماً وحديثاً، واستمر الخلاف والتنازع فيها من بداية القرن الثاني حتى وقتنا الحاضر.
وقد نتج عن هذا الخلاف نشوء فرق مستقلة بذاتها من جراء ما ذهب إليه البعض من أقوال في المسألة.
فمسألة علو الله من أهم مسائل الصفات وأكبرها لتعلقها الوثيق بمسألة الإيمان بوجود الله تعالى، فمن أقر بعلو الله أقر بوجوده حقيقة. ومن أنكر علو الله، فهو بين أحد أحوال ثلاثة:
الحال الأول: إنكار وجوده حقيقة والقول بأن وجوده مجرد خيال في الذهن.
الحال الثاني: القول باتحاده بالخلق وأن عين وجود الخالق هو عين وجود المخلوق، كما هو قول الاتحادية.
الحال الثالث: القول بالحلول أي أنه حال في كل شيء وأنه بذاته في كل مكان.
وهذه الأقوال باطلة حاصلها إنكار وجود الله حقيقة وأنه والعدم سواء.
__________
(1) منهاج السنة (2/221).
(9/28)
ولأهمية هذه المسألة في عقيدة المسلم، كان لزاماً أن يقوم علماء السلف والأئمة بالكتابة والتأليف في هذا الموضوع الهام، ليبينوا للمسلمين منهج القرآن والسنة في هذه المسألة، وليوضحوا لهم الأدلة الصحيحة الصريحة في ذلك.
ويتأكد هذا الأمر وتشتد الحاجة إليه مع اتساع رقعة الخلاف، وتشعب الأقوال، وتعدد الشبه، وازدياد أعوان المخالفين وأنصارهم في هذا الأمر، فكان لزاماً الرد على كل أولئك المخالفين وتفنيد مزاعمهم، وإبطال شبههم وافتراءاتهم حفاظاً على عقيدة المسلمين من الانحراف، إذ أي خلل في مسألة العلو قد يقلب كثيراً من الأمور الاعتقادية، ويميل بها عن جانب الصواب ولاشك أن المخرج من دوامة الضياع ومزالق الضلال، يكون بتوضيح عقيدة أهل السنة والجماعة المستندة إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
وقد جلى الذهبي في كتاب العرش جوانب هذا الموضوع وجمع في سبيل ذلك العشرات من الأدلة والأقوال المأثورة، التي هي قرة عين كل موحد، وغصة في حلق كل معطل.
وكتاب الذهبي يعد أوسع ما صنف في هذا المجال هو كتابه الآخر "العلو" إلا أنه ليس بالكتاب الأول في بابه فقد سبقه الحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة (297هـ) فألف كتاب "العرش وما روي فيه"، وكذلك ابن قدامة (620هـ) فله كتاب "إثبات صفة العلو".
وعلى العموم فإن كتاب العرش للذهبي يعد مرجعاً من المراجع المهمة التي تبين موقف السلف في قضية العلو والاستواء وما يتعلق بذلك من المسائل. كما يمكن اعتباره مرجعاً في علم الحديث لاحتوائه على العشرات من الأحاديث والآثار وبيان حكمها ودرجتها.
فجزى الله الإمام الذهبي خير الجزاء على ما قدم وأجزل له المثوبة وجعل هذا العمل في ميزان حسناته.
سابعا: دراسة النسخة الخطية
(9/29)
من المعلوم أن تعدد النسخ للمخطوطة المراد تحقيقها يسّهل على الباحث مشكلة تقويم النص وتلافي ما قد يقع فيه من السهو أو الشطب أو الطمس أو غير ذلك من المشكلات الأخرى المتعلقة بالنص.
وأما إذا لم تتوفر سوى نسخة واحدة للكتاب فسيكون من الصعوبة بمكان تلافي تلك المشكلات ومعالجاتها.
وعند عزمي على تحقيق كتاب العرش وقفت على نسخة مصورة له أصلها محفوظ بمكتبة دار العلوم ندوة العلماء -بلكنهو- الهند، برقم (1221 حديث).
وله صورة فيلمية محفوظة في قسم المخطوطات في عمادة شؤون المكتبات بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية تحت رقم (564).
وخلال بحثي عن نسخة أخرى للكتاب، وقفت على كلام لبشار عواد في كتابه "الذهبي ومنهجه في كتابه التاريخ" (ص148) قال فيه: "وذكر بروكلمان أن من كتاب "العرش" نسخة في رامبور، وأخرى في آصف باشا".
فرجعت إلى فهرس المخطوطات العربية في مكتبة رضا برامبور قسم الصلاة وأصول الدين (ص316-317) فتبين لي أن المقدمة المذكورة لأول الكتاب في الفهرس ونصها (الحمد لله العلي العظيم رب العرش العظيم) هي مقدمة كتاب "العلو" وليست مقدمة كتاب "العرش" والتي نصها (الحمد لله الذي ارتفع على عرشه في السماء)، فعلى هذا فالكتاب الموجود في مكتبة رضا برامبور هو كتاب "العلو" وليس كتاب "العرش".
وأما نسخة مكتبة آصف باشا التي أشار إليها بروكلمان وذُكِرَت كذلك في فهرس مكتبة رامبور فقد حصلت على مصورة لها بواسطة الأخ عبد الله بن صالح البراك المحاضر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، والذي تكرم مشكوراً بتزويدي بصورة منها وعند اطلاعي عليها تبين لي أنها نسخة أخرى لكتاب العرش.
وقد حرصت على الحصول على مزيد من النسخ فرجعت إلى ما ذكره بشار عواد حيث أشار إلى أن في دار الكتب الظاهرية بدمشق قسم من "رسالة في أن الله على العرش"، وقال: "ولدى مطالعتها تبين أنها غير كتاب "العلو" فلعلها هي كتاب "العرش"".
(9/30)
وهذا القسم من الرسالة المذكورة موجود ضمن مجموع برقم (47 -مجاميع)، وله صورة مكبرة محفوظة في قسم المخطوطات بعمادة شؤون المكتبات بالجامعة الإسلامية برقم (1506) (ق94-102) (ق112-113).
وعند الاطلاع عليه وجدت أنه قد كتب في أوله (مختصر في الذهبية) وفي آخره (آخر الذهبية)، وعند مقارنتي لها بكتاب "العرش" وجدت أن هذا الجزء هو عبارة عن مختصر لكتاب "العرش" يبدأ من ذكر ظهور مقالة التعطيل وذكر أقوال أتباع التابعين إلى آخر الكتاب، قام المختصر بحذف بعض الأسانيد والتعليقات واكتفى بذكر الآثار وعزوها مع التصرف أحياناً في عبارات المصنف وحذف بعض الآثار أو اختصارها الاختصار الشديد.
ولذلك لم أنتفع بهذا المختصر ولم أستفد منه في المقابلة لكونه على الحال التي ذكرت.
فلم يكن أمامي إلا الاعتماد على النسختين اللتين عثرت عليهما والتي سبق الإشارة إليهما، وإليك وصفهما:
1ـ نسخة مكتبة دار العلوم:
عدد لوحاتها: 94 لوحة.
عدد الأسطر: يبلغ عدد الأسطر ما بين خمسة عشر إلى ستة عشر سطراً في الوجه الواحد.
عدد الكلمات: متوسط عدد الكلمات في كل سطر، سبع كلمات.
اسم الناسخ: محمد بن محمد بن سالم بن علي، وساعده عبيد بن محمد بن سالم بن علي.
تاريخ النسخ: لم يذكر تاريخ النسخ.
نوع الخط ووصفه: كتبت هذه النسخة بخط نسخي عادي، منقوط، ولم تسلم من الأخطاء، وهي كثيرة نسبياً، إضافة إلى كون بعض الكلمات غير مقروءة، مع وجود سقط لبعض العبارات، إضافة إلى التصحيف في بعض الكلمات.
وقد أمكن التغلب على أكثرها بالرجوع إلى النسخة الأخرى وإلى المصادر الأصلية التي وردت تلك النقول فيها.
2ـ نسخة آصف باشا:
عدد لوحاتها: 47 لوحة.
عدد الأسطر: 22 سطر.
عدد الكلمات في السطر: 20 كلمة.
اسم الناسخ: لم أستطع قراءة الاسم لعدم وضوح الخط ولعله (وحيد الزمان).
تاريخ النسخ: يوم الاثنين 10/ ذو القعدة/ 1293هـ.
(9/31)
نوع الخط: كتبت هذه النسخة بخط فارسي جيد ومنقوط ولم تسلم من الأخطاء كالنسخة السابقة ويظهر لي -والله أعلم- أن كلتا النسختين نقلت من أصل واحد فهما يشتركان في كثير من الأخطاء والسقط.
3- نسخة مكتبة برنستون:
وفي أثناء عملي في الكتاب وقفت على نسخة ثالثة له، وهي نسخة (مكتبة برنستون) بالولايات المتحدة الأمريكية، وإليك وصفها:
عدد لوحاتها: 70 لوحة.
عدد الأسطر: يبلغ عدد الأسطر سبعة عشر سطراً في الوجه الواحد.
عدد الكلمات: متوسط عدد الكلمات في كل سطر، تسع كلمات.
اسم الناسخ: أبو عبد الله محمد بن محمد بن سليمان المجد الصالحي الدمشقي.
تاريخ النسخ: يوم الاثنين مستهل شهر ربيع الأول سنة 822هـ.
نوع الخط ووصفه: كُتبت هذه النسخة بخط نسخ عادي، منقوط، وهي واضحة وقليلة الأخطاء بالمقارنة مع النسختين المذكورتين.
وهذه النسخة في ضمن مجموع يضم: قاعدة في الصبر لشيخ الإسلام ابن تيمية، ولمعة الاعتقاد لابن قدامة، وكتابنا المذكور، وقد جاء اسمه في طرة الغلاف بعبارة (وفيه كتاب العرش للذهبي في العلو)، وجاء في (ق19) عبارة (كتاب العرش للذهبي) قبل البدء في مقدمة الكتاب.
وبذلك يكون العمل في الكتاب قد تم على ثلاث نسخ خطية، كما هو موضح في نماذج النسخ الخطية، وحواشي التحقيق.
ثامناً: عملي في الكتاب
1ـ اعتمدت نسخة (مكتبة برنستون) وجعلتها أصلاً ورمزت لها بحرف (أ)، وقابلتها على نسخة (مكتبة دار العلوم) ورمزت لها بحرف (ب)، ونسخة ( آصف باشا ) التي رمزت لها بحرف (ج).
والذي دعاني لاعتماد نسخة (مكتبة برنستون) هو كونها أقدم النسخ وأقلها تصحيفاً.
2ـ اجتهدت في قراءة نص المخطوط، ومقابلته، ونسخته حسب قواعد الإملاء الحديثة وأثبت الفوارق بين النسختين.
(9/32)
3ـ قومت النص المخطوط، وأصلحت ما فيه من سقط أو خطأ أو تصحيف، وجعلت التصويب بين معكوفتين [ ]، فأثبت الصواب في المتن، وأنبه على الخطأ الواقع في الحاشية، ثم أذكر مصادر التصويب التي صوبت منها، أو أنبه على أن السياق يقتضي ذلك التصويب.
4ـ حاولت قدر الطاقة إخراج النص على أقرب صورة تركها المصنف. فقد قابلت بين النسختين ورجعت إلى أصول النصوص المذكورة في الكتاب وقابلتها بأصولها التي أخذت منها، فالمصنف غالباً ما يذكر مصدر المعلومة التي أوردها، ففي حال وجود المصدر أرجع إليه وأقابله بالمخطوط.
وكذلك مما سهل عليَّ كثيراً أمر المقابلة تشابه كثير من النصوص بكتاب "العلو"، وبخاصة في أسانيد المؤلف وكلامه الخاص به.
5ـ أدخلت بعض العناوين داخل النص المحقق وجعلتها ما بين
معكوفتين [ ].
6ـ أشرت إلى بداية كل صحفة من المخطوط بوضع خط مائل في
النص ( / ) والإشارة أمامه في الحاشية إلى رقم اللوحة والوجه على الشكل الآتي (ق4/ب)، فالرقم يشير إلى رقم اللوحة، والحرف يشير إلى أحد وجهي اللوحة.
7ـ وضعت أرقاما تسلسلية جانبية للأحاديث والآثار والنقولات.
8ـ عزوت الآيات القرآنية الواردة في النص فأشرت في الحاشية إلى مواضعها من القرآن الكريم، ذاكراً رقم الآية واسم السورة.
9ـ خرجت الأحاديث النبوية الواردة في هذا الكتاب من دواوين السنة المختلفة، فأعزو الحديث إلى من أخرجه، مراعياً في العزو ترتيبها حسب التسلسل الزمني لوفيات مؤلفيها، وغالباً ما أذكر كلام أهل العلم في الحكم على الحديث.
10ـ خرجت الآثار الواردة في هذا الكتاب، واجتهدت في عزوها إلى الكتب التي تروي بالسند.
11ـ وثقت النقولات التي أوردها المصنف من الكتب التي عزاها إليها، وفي حال كونها مفقودة اجتهدت في تتبعها وعزوها من الكتب التي ذكرتها.
(9/33)
12ـ ترجمت للأعلام الوارد ذكرهم في متن الكتاب، واعتنيت ببيان وفاياتهم، مع مراعاة الإيجاز في تراجمهم، وتوثيق ذلك من مصدر أو مصدرين من المصادر المعتمدة في بيان تراجمهم.
وفي حالة تكرر اسم العلم مرة أخرى بعد ترجمته، أحيل إلى الموطن الأول بعبارة ( تقدمت ترجمته في الصفحة ( ) ).
13ـ شرحت بعض الكلمات الغريبة وعرفت ببعض الأماكن التي تحتاج إلى توضيح.
14ـ علقت على بعض المسائل التي يذكرها المؤلف ورأيت الحاجة ماسة إلى التعليق عليها.
15ـ ذيلت الكتاب بوضع الفهارس التالية:
1ـ فهرس للآيات القرآنية.
2ـ فهرس للأحاديث المرفوعة.
3ـ فهرس للآثار الموقوفة.
4ـ فهرس للأعلام.
5ـ فهرس للألفاظ الغريبة.
6ـ فهرس للأبيات الشعرية.
7ـ فهرس للمؤلفات الواردة في الكتاب.
8ـ فهرس للطوائف والقبائل والجماعات.
9ـ فهرس للمواضع والأماكن والبلدان.
10ـ فهرس للمصادر والمراجع.
11ـ فهرس لموضوعات الكتاب
فهرس الموضوعات
فهرس الموضوعات
المقدمة ... 7
القسم الدراسي 19
القسم الأول: الدراسة الموضوعية.21
الباب الأول: أقوال الناس في أسماء الله وصفاته ... .23
الفصل الأول: معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته 25
المبحث الأول: التعريف بأهل السنة والجماعة ... 27
المبحث الثاني: معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته 30
الفصل الثاني: أقوال المعطلة في أسماء الله وصفاته 35
المبحث الأول: التعريف بالمعطلة 37
تمهيد 39
المطلب الأول: الفلاسفة 41
المطلب الثاني: أهل الكلام 48
المبحث الثاني: درجات تعطيلهم 73
المطلب الأول: درجات التعطيل في باب الأسماء والصفات عموماً 75
المطلب الثاني: درجات تعطيلهم في باب الأسماء الحسنى 78
المطلب الثالث: درجات تعطيلهم في باب صفات الله تعالى 86
الفصل الثالث: المشبهة 106
المبحث الأول: التعريف بالتمثيل والتشبيه 115
المبحث الثاني: التعريف بالمشبهة 125
الباب الثاني: الأقوال في صفتي العلو والاستواء ... 145
(9/34)
الفصل الأول: الأقوال في صفة العلو 147
المبحث الأول: قول أهل السنة والجماعة ومن وافقهم ... 149
المبحث الثاني: أقوال المخالفين155
الفصل الثاني: الأقوال في صفة الاستواء 185
المبحث الأول: مذهب السلف في الاستواء 187
المبحث الثاني: أقوال المخالفين ... 195
الفصل الثالث: مسائل متعلقة بصفتي العلو والاستواء ... 221
المبحث الأول: هل يخلو العرش منه حال نزوله 223
المبحث الثاني: مسائل الحد والمماسة 235
المطلب الأول: حكم الألفاظ المجملة 237
المطلب الثاني: مسألة الحد 251
المطلب الثالث: مسألة المماسة ... 261
الباب الثالث: العرش وما يتعلق به من مسائل ... 267
الفصل الأول: تعريف العرش ... 269
المبحث الأول: المعنى اللغوي لكلمة العرش 271
المبحث الثاني: المذاهب في تعريف العرش 277
الفصل الثاني: الأدلة على إثبات العرش من الكتاب والسنة 293
المبحث الأول: الأدلة القرآنية على إثبات العرش 295
المبحث الثاني: الأدلة من السنة على إثبات العرش 299
الفصل الثالث: صفة العرش وخصائصه 305
المبحث الأول: خلق العرش وهيئته 307
المبحث الثاني: مكان العرش 317
المبحث الثالث: خصائص العرش 323
الفصل الرابع: الكلام على حملة العرش وعلى الكرسي 335
المبحث الأول: الكلام على حملة العرش 337
المبحث الثاني: الكلام على الكرسي 347
القسم الثاني: التعريف بالمؤلف والكتاب 357
الفصل الأول: التعريف بالمؤلف 359
أولاً: اسمه وكنيته 361
ثانياً: أصله 362
ثالثاً: نسبته 363
رابعاً: مولده 364
خامساً: أسرته ... 364
سادساً: نشأته في طلب العلم 366
سابعاً: رحلاته ... 371
ثامناً: شيوخه 372
تاسعاً: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه 375
عاشراً: عقيدته ... 379
إحدى عشر: مؤلفاته 382
اثنا عشر: تلاميذه 387
ثلاثة عشر: وفاته 389
الفصل الثاني: التعريف بالكتاب 391
أولاً: اسم الكتاب 393
ثانياً: توثيق نسبة الكتاب للمؤلف 394
(9/35)
ثالثاً: الفرق بين كتاب العرش وكتاب العلو 397
رابعاً: موارد كتاب العرش 403
خامساً: منهج المصنف في كتاب العرش 413
سادساً: أهمية الموضوع والكتاب 418
سابعاً: دراسة النسخة الخطية 420
ثامناً: عملي في الكتاب 426
نماذج من المخطوط 431
فهرس الموضوعات 443
P433))
(p434)
p435))
(p436)
(p437)
((p438
(p439)
(9/36)
الفصل الثالث: مسائل متعلقة بالعلو والاستواء
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: هل يخلو العرش منه حال نزوله
لأهل السنة في المسألة ثلاثة أقوال:
القول الأول: ينزل ويخلو منه العرش(1).
وهو قول طائفة من أهل الحديث(2).
القول الثاني: ينزل ولا يخلو منه العرش(3).
وهو قول جمهور أهل الحديث(4).
ومنهم الإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه، وحماد بن زيد، وعثمان ابن سعيد الدارمي وغيرهم(5).
القول الثالث: نثبت نزولاً، ولا نعقل معناه هل هو بزوال أو بغير زوال.
وهذا قول ابن بطة والحافظ عبد الغني المقدسي وغيرهما(6).
أما القول الأول: وهو أنه ينزل ويخلو منه العرش، فمن قال به: أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق بن منده(7) (8).
__________
(1) شرح حديث النزول (ص161، 201).
مختصر الصواعق (2/253).
(2) شرح حديث النزول (ص201).
(3) شرح حديث النزول (ص161، 201).
مختصر الصواعق (2/253).
(4) شرح حديث النزول (ص201)، ومنهاج السنة (2/638).
(5) مجموع الفتاوى (5/375).
(6) شرح حديث النزول (ص161).
مختصر الصواعق (2/254).
(7) عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن منده العبدي الأصبهاني، قال عنه الذهبي: (الحافظ العالم المحدث)، وقال عنه إسماعيل التيمي كما في طبقات الحنابلة: (خالف أباه في مسائل وأعرض عنه مشايخ الوقت)، وقال شيخ الإسلام عبد الله بن محمد الأنصاري: (كانت مضرته في الإسلام أكثر من منفعته)، وقال ابن رجب: (وهذا ليس بقادح -إن صح- فإن الأنصاري والتيمي وأمثالهما يقدحون بأدنى شيء ينكرونه من مواضع النزاع، كما هجر التيمي عبد الجليل الحافظ على قوله: (ينزل بالذات)، وهو في الحقيقة يوافقه في اعتقاده، لكن أنكر إطلاق اللفظ لعدم ورود الأثر به) ا.هـ. توفي سنة (470هـ).
انظر تذكرة الحفاظ (3/1156)، وذيل طبقات الحنابلة (1/26).
(8) شرح حديث النزول (ص201).
(10/1)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد صنف أبو القاسم عبد الرحمن ابن أبي عبد الله بن محمد بن منده، مصنفاً في الإنكار على من قال لا يخلو منه العرش وسماه " الرد على من زعم أن الله في كل مكان، وعلى من زعم أن الله ليس له مكان، وعلى من تأول النزول على غير النزول"(1).
وقد لخص شيخ الإسلام جملة ما احتج به أبو القاسم ابن منده وبين أنه احتج بأحاديث النزول، وببعض أقوال السلف العامة كقولهم:(يفعل ما يشاء) وذكر بعض اعتراضاته على بعض النقول الواردة عن الأئمة(2).
وأوضح شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لم ينقل على أحد من الأئمة المعروفين بالسنة بإسناد صحيح ولا ضعيف أن العرش يخلو منه(3).
وذكر أن كلام أبو القاسم بن منده من جنس كلام طائفة تظن أنه لا يمكن إلا أحد القولين:
1 قول من يقول: إنه ينزل نزولاً يخلو منه العرش.
2 وقول من يقول: ما ثم نزول أصلاً، كقول من يقول: ليس له فعل يقوم بذاته واختياره.
وهاتان الطائفتان ليس عندهما نزول إلا النزول الذي يوصف به أجساد العباد الذي يقتضي تفريغ مكان وشغل آخر.
ثم منهم من ينفي النزول عنه، وينزهه عن مثل ذلك.
ومنهم من أثبت له نزولاً من هذا الجنس، يقتضي تفريغ مكان وشغل آخر(4).
والقول بخلو العرش حال نزوله مرتبط(5) بمسألة: هل يقال في النزول والإتيان والمجيء إنه بحركة وانتقال؟.
وقد اختلف أصحاب الإمام أحمد وغيرهم من المنتسبين إلى السنة والحديث في المسألة على ثلاثة أقوال ذكرها القاضي أبو يعلى في كتاب "اختلاف الروايتين والوجهين"(6)
__________
(1) شرح حديث النزول (ص161-162).
(2) شرح حديث النزول (ص161-201).
(3) شرح حديث النزول (ص201).
(4) شرح حديث النزول (ص201).
(5) ربط شيخ الإسلام بين المسألتين في شرح حديث النزول (ص210-211)، وكذا ابن القيم كما في مختصر الصواعق (2/253).
(6) قام الدكتور سعود بن عبد العزيز الخلف بتحقيق الجزء المتعلق بمسائل أصول الديانات من كتاب "الروايتين والوجهين"، وطبعته مكتبة أضواء السلف.
وانظر المسألة (ص52-57) من الكتاب المذكور.
(10/2)
، وهذه الأقوال هي:
1 أنه نزول انتقال وهو قول أبي عبد الله بن حامد.
2 أنه نزول بغير انتقال وهو قول أبي الحسن التميمي وأهل بيته، وأن معناه: قدرته(1).
3 الإمساك عن القول في المسألة، وهو قول أبي عبد الله بن بطة(2) وغيره. ثم هؤلاء فيهم من يقف عن إثبات اللفظ مع الموافقة على المعنى وهو قول كثير منهم، ومنهم من يمسك عن إثبات المعنى وعن اللفظ(3).
والذي يخصنا من الأقوال الثلاثة قول ابن حامد الذي ذهب إلى أنه نزول انتقال وقال لأن هذا حقيقة النزول عند العرب، وهو نظير قوله في الاستواء بمعنى قعد.
قال القاضي أبو يعلى: "فذهب شيخنا أبو عبد الله -يعني ابن حامد- أنه نزول انتقال، وقال: لأن هذا حقيقة النزول عند العرب، وهذا نظير قوله في الاستواء، يعني قعد، وهذا على ظاهر حديث عبادة بن الصامت(4)، ولأن أكثر ما في هذا أنه من صفات الحدث في حقنا، وهذا لا يوجب كونه في حقه محدثاً، كما الاستواء على العرش، هو موصوف به مع اختلافنا في صفته، وإن كان هذا الاستواء لم يكن موصوفاً به في القدم، وكذلك نقول تكلم بحرف وصوت، وإن كان هذا يوجب الحدث في صفاتنا، ولا يوجبه في حقه، كذلك النزول"(5).
__________
(1) انظر الرد على هذا القول في مختصر الصواعق (2/259-262).
(2) قال ابن بطة: (فنقول كما قال: ( ينزل ربنا عز وجل ) ولا نقول: إنه يزول، بل ينزل كيف يشاء، ولا نصف نزوله، ولا نحده، ولا نقول إن نزوله زواله).
انظر المختار من الإبانة (ص240).
(3) شرح حديث النزول (ص210-211).
مختصر الصواعق (2/253-254).
(4) يعني بحديث عبادة بن الصامت الذي فيه "ثم يعلو تبارك وتعالى على كرسيه".
(5) كتاب اختلاف الروايتين والوجهين -مسائل من أصول الديانات- (ص55).
(10/3)
وقال ابن القيم رحمه الله: "أما قول ابن حامد أنه نزول انتقال فهو موافق لقول من يقول يخلو منه العرش، والذي حمله على هذا إثبات النزول حقيقة، وأن حقيقته لا تثبت إلا بالانتقال، ورأى أنه ليس في العقل ولا في النقل ما يحيل الانتقال عليه، فإنه كالمجيء والإتيان والذهاب والهبوط، وهذه أنواع الفعل اللازم القائم به، كما أن الخلق، والرزق، والإماتة، والإحياء، والقبض، والبسط أنواع للفعل المتعدي، وهو سبحانه موصوف بالنوعين، وقد يجمعهما كقوله {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف 54 ].
والانتقال جنس لأنواع المجيء، والإتيان، والنزول، والهبوط، والصعود، والدنو، والتدلي ونحوها؛ وإثبات النوع مع نفي جنسه جمع بين النقيضين.
قالوا: وليس في القول بلازم النزول والمجيء والإتيان والاستواء والصعود محذور البتة ولا يستلزم ذلك نقصاً، ولا سلب كمال، بل هو الكمال نفسه، وهذه الأفعال كمال ومدح، فهي حق دل عليه النقل ولازم الحق حق"(1).
القول الثاني: أنه ينزل ولا يخلو منه العرش.
وهذا القول ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قول جمهور أهل الحديث(2).
وقال: "ونقل ذلك عن الإمام أحمد بن حنبل في رسالته إلى مسدد، وعن إسحاق بن راهويه، وحماد بن زيد، وعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهم"(3).
قال القاضي أبو يعلى: "وقد قال أحمد في رسالته إلى مسدد: إن الله عز وجل ينزل في كل ليلة إلى السماء الدنيا ولا يخلو من العرش. فقد صرح أحمد بالقول إن العرش لا يخلو منه"(4).
__________
(1) مختصر الصواعق (2/254-255).
(2) شرح حديث النزول (ص201)، ومنهاج السنة (2/638).
(3) المصدر السابق (ص149).
(4) إبطال التأويلات (1/261).
(10/4)
وسأل بشر بن السري حماد بن زيد، فقال: "يا أبا إسماعيل، الحديث الذي جاء "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا" يتحول من مكان إلى مكان؟ فسكت حماد بن زيد، ثم قال: هو في مكانه يقرب من خلقه كيف يشاء"(1).
وقال إسحاق بن راهويه: "دخلت على عبد الله بن طاهر، فقال: ما هذه الأحاديث التي تروونها؟
قلت: أي شيء أصلح الله الأمير؟
قال: تروون أن الله ينزل إلى السماء الدنيا.
قلت: نعم، رواه الثقات الذين يروون الأحكام.
قال: أينزل ويدع عرشه؟
قال: فقلت: يقدر أن ينزل من غير أن يخلو العرش منه؟
قال: نعم.
قلت: ولم تتكلم في هذا؟"(2).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن قول إسحاق وقول حماد بن زيد: "وهذه والتي قبلها حكايتان صحيحتان رواتهما ثقات، فحماد بن زيد يقول: هو في مكانه، يقرب من خلقه كيف يشاء، فأثبت قربه مع كونه فوق عرشه.
وعبد الله بن طاهر وهو من خيار من ولي الأمر بخراسان كان يعرف أن الله فوق العرش، وأشكل عليه أنه ينزل، لتوهمه أن ذلك يقتضي أن يخلو منه العرش، فأقره الإمام إسحاق على أنه فوق العرش، وقال له: يقدر أن ينزل من غير أن يخلو منه العرش؟ فقال له الأمير: نعم. فقال له إسحاق: لم تتكلم في هذا؟
__________
(1) أخرجه العقيلي في الضعفاء (1/143).
وأخرجه ابن بطة في الإبانة، كما في المختار من الإبانة (ص203-204، برقم15).
وأورده ابن تيمية في شرح حديث النزول (ص150-151)، وفي درء تعارض العقل والنقل (2/24)، وفي الأصفهانية (ص25)، وعزاه للخلال في السنة وابن بطة في الإبانة.
(2) أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/386) مختصراً.
وأخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/452).
وأورده ابن تيمية في شرح حديث النزول (ص152) وصحح إسناده.
(10/5)
يقول: فإذا كان قادراً على ذلك لم يلزم من نزوله خلو العرش منه، فلا يجوز أن يعترض على النزول بأنه يلزم منه خلو العرش، وكان هذا أهون من اعتراض من يقول: ليس فوق العرش شيء، فينكر هذا وهذا"(1).
القول الثالث: من يقول نثبت نزولاً ولا نعقل معناه، هل هو بزوال أو بغير زوال.
وهذا القول قال به ابن بطة(2)، وعبد الغني المقدسي(3)، وغيرهما.
قال ابن بطة: "فنقول كما قال: "ينزل ربنا عزوجل" ولا نقول: إنه يزول، بل ينزل كيف يشاء، لا نصف نزوله ولا نحده، ولا نقول: إن نزوله زواله".
وروى بسنده عن حنبل بن إسحاق قال: "قلت لأبي عبد الله: ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا؟
قال: نعم.
قلت: نزوله بعلمه أم بماذا؟
قال: فقال لي: اسكت عن هذا، وغضب غضباً شديداً، وقال: مالك ولهذا؟ أمض الحديث كما روي بلا كيف" (4).
وقال القاضي أبو يعلى: "وحكى شيخنا -يعني ابن حامد- عن طائفة أخرى من أصحابنا أنهم قالوا: نثبت نزولاً لا يعقل معناه هل هو زوال أو بغير زوال، كما جاء الخبر، ومثل هذا ليس يمتنع في صفاته، كما يثبت له ذاتاً ينفي عنها ماهيتها، وهذه الطريقة هي المذهب، وقد نص أحمد عليها في مواضع" (5). وذكر الأثر الذي ذكره ابن بطة عن حنبل.
قال ابن القيم رحمه الله: "وأما الذين أمسكوا عن الأمرين وقالوا: لا نقول يتحرك وينتقل، ولا ننفي ذلك عنه، فهم أسعد بالصواب والاتباع، فإنهم نطقوا بما نطق به النص، وسكتوا عما سكت عنه، وتظهر صحة هذه الطريقة ظهوراً تاماً فيما إذا كانت الألفاظ التي سكت عنها النص مجملة، محتملة المعنيين صحيح وفاسد، كلفظ (الحركة)، و(الانتقال)، و(الحوادث)، و(العلة)، و(التغير)، و(التركيب)، ونحو ذلك من الألفاظ التي تحتها حق وباطل.
__________
(1) شرح حديث النزول (ص153).
(2) انظر المختار من الإبانة (ص240).ومجموع الفتاوى (5/402).
(3) شرح حديث النزول (ص161).
(4) المختار من الإبانة (ص240-242).
(5) كتاب الروايتين والوجهين (ص56-57).
(10/6)
فهذه لا تقبل مطلقاً، ولا ترد مطلقاً، فإن الله سبحانه لم يثبت لنفسه هذه المسميات، ولم ينفيها عنه، فمن أثبتها مطلقاً فقد أخطأ، ومن نفاها مطلقاً فقد أخطأ، فإن معانيها منقسمة إلى ما يمتنع إثباته لله، وما يجب إثباته له.
فإن الانتقال يراد به:
1 انتقال الجسم والعرض من مكان هو محتاج إليه إلى مكان آخر يحتاج إليه. وهو يمتنع إثباته للرب تبارك وتعالى، وكذلك الحركة إذا أريد بها هذا المعنى امتنع إثباتها لله تعالى.
2 ويراد بالحركة والانتقال حركة الفاعل من كونه غير فاعل إلى كونه فاعلاً، وانتقاله أيضاً من كونه غير فاعل إلى كونه فاعلاً. فهذا المعنى حق في نفسه لا يعقل كون الفاعل فاعلاً إلا به فنفيه عن الفاعل نفي لحقيقة الفعل وتعطيل له.
3 وقد يراد بالحركة والانتقال ما هو أعم من ذلك، وهو فعل يقوم بذات الفاعل يتعلق بالمكان الذي قصد له وأراد إيقاع الفعل بنفسه فيه.
وقد دل القرآن والسنة والإجماع على أنه سبحانه يجيء يوم القيامة، وينزل لفصل القضاء بين عباده، ويأتي في ظلل من الغمام والملائكة، وينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا، وينزل عشية عرفة، وينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة، وينزل إلى أهل الجنة. وهذه أفعال يفعلها بنفسه في هذه الأمكنة فلا يجوز نفيها عنه بنفي الحركة والنقلة المختصة بالمخلوقين، فإنها ليست من لوازم أفعاله المختصة به، فما كان من لوازم أفعاله لم يجز نفيه عنه، وما كان من خصائص الخلق لم يجز إثباته له.
وحركة الحي من لوازم ذاته، ولا فرق بين الحي والميت إلا بالحركة والشعور، فكل حي متحرك بالإرادة وله شعور فنفي الحركة عنه كنفي الشعور، وذلك يستلزم نفي الحياة" (1)
المبحث الثاني
مسائل الحد والمماسة
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: حكم الألفاظ المجملة.
المطلب الثاني: مسألة الحد.
المطلب الثالث: مسألة المماسة.
المطلب الأول
حكم الألفاظ المجملة
__________
(1) مختصر الصواعق (2/257-258).
(10/7)
قبل الحديث عن المسائل المتعلقة بالحد والمماسة والمباينة وغيرها من الألفاظ المجملة، يحسن توضيح بعض القواعد المتعلقة بذلك وهي على النحو التالي:
أولاً: يجب أن يعلم أن توحيد الأسماء والصفات يشتمل على ثلاثة أبواب:
الباب الأول: باب الأسماء.
الباب الثاني: باب الصفات.
الباب الثالث: باب الإخبار(1).
ثانياً: إن باب الأسماء هو أخص تلك الأبواب، فما صح اسما، صح صفة وصح خبراً وليس العكس.
وباب الصفات أوسع من باب الأسماء، وأخص من باب الإخبار، فما صح صفة فليس شرطاً أن يصح اسماً، فقد يصح وقد لا يصح، مع أن الأسماء جميعها مشتقة من صفاته، وكل صفة يصح الإخبار بها وليس العكس.
وباب الإخبار أوسع من باب الصفات وباب الأسماء، فالله يخبر عنه بالاسم والصفة، وبما ليس باسم ولا صفة كألفاظ (الشيء) و(الموجود) و(القائم بنفسه) و(المعلوم)، فإنه يخبر بهذه الألفاظ عنه ولا تدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العلى، ولكن يشترط في اللفظ أن لا يكون معناه سيئاً(2).
ثالثاً: إن باب الأسماء والصفات توقيفيان.
فالأصل في إثبات الأسماء والصفات أو نفيهما عن الله تعالى هو كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فما ورد إثباته من الأسماء والصفات في القرآن والسنة الصحيحة فيجب إثباته، وما ورد نفيه فيهما فيجب نفيه.
وأما ما لم يرد إثباته ونفيه فلا يصح استعماله في باب الأسماء والصفات إطلاقاً(3).
قال الإمام أحمد رحمه الله: "لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا نتجاوز القرآن والسنة".
__________
(1) انظر في هذه المسألة ما كتبته في كتاب "معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى" (ص55-64).
(2) انظر مجموع الفتاوى (6/142-143). وبدائع الفوائد (1/161).
(3) رسالة في العقل والروح لشيخ الإسلام ابن تيمية، مطبوعة ضمن مجموعة الرسائل المنيرية (2/46-47).
(10/8)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وطريقة سلف الأمة وأئمتها أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم"(1).
رابعاً: أما باب الإخبار فالسلف لهم فيه قولان:
القول الأول: أن باب الإخبار توقيفي، فإن الله لا يخبر عنه إلا بما ورد به النص، وهذا يشمل الأسماء والصفات، وما ليس باسم ولا صفة مما ورد به النص ك (الشيء) و(الصنع) ونحوها.
وأما ما لم يرد به النص فإنهم يمنعون استعماله(2).
القول الثاني: إن باب الإخبار لا يشترط فيه التوقيف، فما يدخل في الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته.
ك (الشيء) و(الموجود) و(القائم بنفسه)، فإنه يخبر به عنه ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا، فالإخبار عنه قد يكون باسم حسن، أو باسم ليس بسيء، أي باسم لا ينافي الحسن، ولا يجب أن يكون حسناً. ولا يجوز أن يخبر عن الله باسم سيء(3) فيخبر عن الله بما لم يرد إثباته ونفيه بشرط أن يستفصل عن مراد المتكلم فيه، فإن أراد به حقاً يليق بالله تعالى فهو مقبول، وإن أراد به معنى لا يليق بالله عز وجل وجب رده(4).
وبناءً على ما تقدم يمكن تقسيم الألفاظ المجملة -أي التي يرد استعمالها في النصوص- على النحو التالي:
1 ألفاظ ورد استعمالها ابتداءً في بعض كلام السلف.
ومن أمثلة ذلك لفظ (الذات) ولفظ (بائن).
وهذه الألفاظ تحمل معان صحيحة دلت عليها النصوص.
وهذا النوع من الألفاظ يجيز جمهور أهل السنة استعمالها.
وهناك من يمنع ذلك بحجة أن باب الإخبار توقيفي كسائر الأبواب.
والصواب أنه ما دام المعنى المقصود من ذلك اللفظ يوافق ما دلت عليه النصوص، واستعمل اللفظ لتأكيد ذلك فلا مانع.
كقول أهل السنة: "إن الله استوى على العرش بذاته".
__________
(1) منهاج السنة (2/523).
(2) انظر رسالة في العقل والروح (2/46-47).
(3) بدائع الفوائد (1/161)، مجموع الفتاوى (6/142-143).
(4) رسالة في العقل والروح (2/46-47).
(10/9)
فلفظة (بذاته) مراد بها أن الله مستو على العرش حقيقة وأن الاستواء صفة له.
وكقولهم: "إن الله عالٍ على خلقه بائن منهم".
فلفظة (بائن) يراد بها إثبات العلو حقيقة، والرد على زعم من قال إن الله في كل مكان بذاته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والمقصود -هنا- أن الأئمة الكبار كانوا يمنعون من إطلاق الألفاظ المبتدعة المجملة، لما فيها من لبس الحق بالباطل، مع ما تُوقعه من الاشتباه والاختلاف والفتنة، بخلاف الألفاظ المأثورة، والألفاظ التي بينت معانيها، فإن ما كان مأثوراً حصلت به الألفة، وما كان معروفاً حصلت به المعرفة"(1).
وقال أيضاً: "فطريقة السلف والأئمة أنهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل.
ويراعون أيضاً الألفاظ الشرعية، فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلا.
ومن تكلم بما فيه معنى باطل يخالف الكتاب والسنة ردوا عليه.
ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقاً وباطلاً نسبوه إلى البدعة، وقالوا إنما قابل البدعة ببدعة ورد باطلاً بباطل"(2).
فيستفاد من كلام شيخ الإسلام المتقدم أن الألفاظ على أربعة أقسام:
القسم الأول: الألفاظ المأثورة، وهي التي وردت بها النصوص.
القسم الثاني: الألفاظ المعروفة، وهي التي بُيِّنَت معانيها.
القسم الثالث: الألفاظ المبتدعة، التي تدل على معنى باطل.
القسم الرابع: الألفاظ المبتدعة، التي تحتمل الحق والباطل.
فلفظ (الذات) و(بائن) هي من القسم الثاني.
وهذه الألفاظ كما أسلفنا إنما تستعمل في باب الإخبار ولا تستعمل في باب الأسماء والصفات.
__________
(1) درء تعارض العقل والنقل (1/271).
(2) درء تعارض العقل والنقل (1/254).
(10/10)
ولذلك لما اعترض الخطابي على استعمالها بقوله: "وزعم بعضهم أنه جائز أن يقال له تعالى حد لا كالحدود كما نقول يد لا كالأيدي فيقال له: إنما أُحْوِجْنَا إلى أن نقول يد لا كالأيدي لأن اليد قد جاء ذكرها في القرآن وفي السنة فلزم قبولها ولم يجز رَدُّها. فأين ذكر الحد في الكتاب والسنة حتى نقول حد لا كالحدود، كما نقول يد لا كالأيدي؟!"(1).
فرد شيخ الإسلام ابن تيمية على قول الخطابي من وجوه منها:
"أن هذا الكلام الذي ذكره إنما يتوجه لو قالوا: إن له صفة هي الحد، كما توهمه هذا الراد عليهم. وهذا لم يقله أحد، ولا يقوله عاقل؛ فإن هذا الكلام لا حقيقة له؛ إذ ليس في الصفات التي يوصف بها شيء من الموصوفات -كما وصف باليد والعلم- صفة معينة يقال لها الحد، وإنما الحد ما يتميز به الشيء عن غيره من صفته وقدره"(2).
فأهل السنة لم يثبتوا بهذه الألفاظ صفة زائدة على ما في الكتاب والسنة، بل بينوا بها ما عطله المبطلون من وجود الرب تعالى ومباينته من خلقه وثبوت حقيقته"(3).
2 ألفاظ ورد استعمالها في كلام بعض السلف تارة لإثباتها وتارة لنفيها.
ومن أمثلة ذلك: لفظ (الحد) ولفظ (المماسة) وسيأتي بيان حكمها بالتفصيل.
3 ألفاظ ورد استعمالها في كلام بعض السلف وفي كلام خصومهم.
ومن أمثلة ذلك: لفظة (الجهة).
4 ألفاظ ورد استعمالها في كلام الخصوم ولم يرد استعمالها في كلام السلف.
ومن أمثلة ذلك: لفظ (الجسم) و(الحيز) و(واجب الوجود) و(الجوهر) و(العرض).
وأما النوع الثالث والرابع فالجواب عن ذلك أن نقول الأصل في هذا الباب أن الألفاظ نوعان:
النوع الأول: نوع مذكور في كتاب الله وسنة رسوله وكلام أهل الإجماع.
__________
(1) نقض تأسيس الجهمية (1/442).
(2) نقض تأسيس الجهمية (1/442-443).
(3) نقض تأسيس الجهمية (1/445).
(10/11)
فهذا يجب اعتبار معناه، وتعليق الحكم به، فإن كان المذكور به مدحاً استحق صاحبه المدح، وإن كان ذماً استحق الذم، وإن أثبت شيئاً وجب إثباته، وإن نفى شيئاً وجب نفيه، لأن كلام الله حق، وكلام رسوله حق، وكلام أهل الإجماع حق.
وهذا كقوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص 1-4]، وقوله تعالى: {هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ. هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ} [الحشر 22-23]، ونحو ذلك من أسماء الله وصفاته.
وكذلك قوله تعالى: {ليَْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء} [الشورى 11]، وقوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام 103]، وقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ.إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}[القيامة22-23]، وأمثال ذلك مما ذكره الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا كله حق.
النوع الثاني: الألفاظ التي ليس لها أصل في الشرع.
فتلك لا يجوز تعليق المدح والذم والإثبات والنفي على معناها، إلا أن يبين أنه يوافق الشرع، والألفاظ التي تعارض بها النصوص هي من هذا الضرب، كلفظ (الجسم) و(الحيز) و(الجهة) و(الجوهر) و(العرض")(1). فإن هذه الألفاظ يدخلون في مسماها الذي ينفونه أموراً مما وصف الله به نفسه، ووصفه به رسوله، فيدخلون فيها نفي علمه وقدرته وكلامه، ويقولون إن القرآن مخلوق، ولم يتكلم الله به، وينفون رؤيته لأن رؤيته على اصطلاحهم لا تكون إلا لمتحيز في جهة وهو جسم، ثم يقولون: والله منزه عن ذلك فلا تجوز رؤيته.
وكذلك يقولون إن المتكلم لا يكون إلا جسماً متحيزاً، والله ليس بجسم متحيز فلا يكون متكلماً.
__________
(1) درء تعارض العقل والنقل (1/241).
(10/12)
ويقولون: لو كان فوق العرش لكان جسماً متحيزاً، والله ليس بجسم متحيز، فلا يكون متكلماً فوق العرش وأمثال ذلك"(1).
الموقف من هذا النوع:
"إذا كانت هذه الألفاظ مجملة -كما ذُكر- فالمخاطب لهم إما:
1 أن يفصل لهم ويقول: ما تريدون بهذه الألفاظ؟
فإن فسروها بالمعنى الذي يوافق القرآن قُبلت. وإن فسروها بخلاف ذلك رُدَّت.
2 وإما أن يمتنع عن موافقتهم في التكلم بهذه الألفاظ نفياً وإثباتاً. ولكن يلاحظ أن الإنسان إذا امتنع عن التكلم بها معهم فقد ينسبونه إلى الجهل والانقطاع.
وأن الإنسان إذا تكلم بها معهم نسبوه إلى أنه أطلق تلك الألفاظ التي تحتمل حقاً وباطلاً، وأوهموا الجهال باصطلاحهم أن إطلاق تلك الألفاظ يتناول المعاني الباطلة التي ينزه الله عنها.
ولعل الراجح في المسألة أن الأمر يختلف باختلاف المصلحة.
1 فإن كان الخصم في مقام دعوة الناس إلى قوله وإلزام الناس بها أمكن أن يقال له: لا يجب على أحد أن يجيب داعياً إلا إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما لم يثبت أن الرسول دعا الخلق إليه لم يكن على الناس إجابة من دعا إليه، ولا له دعوة الناس إلى ذلك، ولو قدر أن ذلك المعنى حق.
وهذه الطريق تكون أصلح إذا لبس ملبس منهم على ولاة الأمور، وأدخلوه في بدعتهم، كما فعلت الجهمية بمن لبسوا عليه من الخلفاء حتى أدخلوه في بدعتهم من القول بخلق القرآن وغير ذلك، فكان من أحسن مناظرتهم أن يقال: ائتونا بكتاب أو سنة حتى نجيبكم إلى ذلك وإلا فلسنا نجيبكم إلى ما لم يدل عليه الكتاب و السنة.
وهذا لأن الناس لا يفصل بينهم النزاع إلا كتاب منزل من السماء، وإذا ردوا إلى عقولهم فلكل واحد منهم عقل، وهؤلاء المختلفون يدعي أحدهم أن العقل أدَّاه إلى علم ضروري ينازعه فيه الآخر، فلهذا لا يجوز أن يجعل الحاكم بين الأمة في موارد النزاع إلا الكتاب والسنة.
__________
(1) درء تعارض العقل والنقل (1/228).
(10/13)
وبهذا ناظر الإمام أحمد الجهمية لما دعوه إلى المحنة، وصار يطالبهم بدلالة الكتاب والسنة على قولهم.
فلما ذكروا حججهم كقوله تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام 102]، وقوله: {مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ} [الأنبياء 2]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "تجيء البقرة وآل عمران"، وأمثال ذلك من الأحاديث.
أجابهم عن هذه الحجج بما بين به أنها لا تدل على مطلوبهم.
ولما قالوا: ما تقول في القرآن أهو الله أو غير الله؟
عارضهم بالعلم فقال: ما تقولون في العلم أهو الله أو غير الله؟
ولما ناظره أبو عيسى محمد بن عيسى برغوث -وكان من أحذقهم بالكلام- ألزمه التجسيم، وأنه إذا أثبت لله كلاماً غير مخلوق لزم أن يكون جسماً.
فأجابه الإمام أحمد: بأن هذا اللفظ لا يُدرى مقصود المتكلم به، وليس له أصل في الكتاب والسنة والإجماع، فليس لأحد أن يلزم الناس أن ينطقوا به ولا بمدلوله.
وأخبره أني أقول: هو أحد، صمد، لم يلد ولم يلد، ولم يكن له كفواً أحد، فبين أني لا أقول هو جسم ولا ليس بجسم، لأن كلا الأمرين بدعة محدثة في الإسلام، فليست هذه من الحجج الشرعية التي يجب على الناس إجابة من دعا إلى موجبها، فإن الناس إنما عليهم إجابة الرسول فيما دعاهم إليه وإجابة من دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا إجابة من دعاهم إلى قول مبتدع، ومقصود المتكلم بها مجمل لا يُعرف إلا بعد الاستفصال والاستفسار، فلا هي معروفة في الشرع، ولا معروفة بالعقل إن لم يستفسر المتكلم بها.
فهذه المناظرة ونحوها هي التي تصلح إذا كان المناظر داعياً.
2 وأما إذا كان المناظر معارضاً للشرع بما يذكره، أو ممن لا يمكن أن يرد إلى الشريعة.
مثل من لا يلتزم الإسلام ويدعو الناس إلى ما يزعمه من العقليات أو ممن يدَّعي أن الشرع خاطب الجمهور، وأن المعقول الصريح يدل على باطن يخالف الشرع، ونحو ذلك. أو كان الرجل ممن عرضت له شبهة من كلام هؤلاء.
(10/14)
فهؤلاء لابد في مخاطبتهم من الكلام على المعاني التي يدّعونها إما:
1 بألفاظهم.
2 وإما بألفاظ يوافقون على أنها تقوم مقام ألفاظهم، وحينئذ يقال لهم الكلام إما:
أ- أن يكون في الألفاظ.
ب- وإما أن يكون في المعاني.
ج- وإما أن يكون فيهما.
فإن كان الكلام في المعاني المجردة من غير تقييد بلفظ كما تسلكه المتفلسفة ونحوهم ممن لا يتقيد في أسماء الله وصفاته بالشرائع بل يسميه علة وعاشقاً ومعشوقاً ونحو ذلك.
فهؤلاء إن أمكن نقل معانيهم إلى العبارة الشرعية كان حسناً.
وإن لم يمكن مخاطبتهم إلا بلغتهم، فبيان ضلالهم ودفع صيالهم عن الإسلام بلغتهم أولى من الإمساك عن ذلك لأجل مجرد اللفظ. كما لو جاء جيش كفار ولا يمكن دفع شرهم عن المسلمين إلا بلبس ثيابهم، فدفعهم بلبس ثيابهم خير من ترك الكفار يجولون في خلال الديار خوفاً من التشبه بهم في الثياب.
وأما إذا كان الكلام مع من قد يتقيد بالشريعة.
فإنه يقال له: إطلاق هذه الألفاظ نفياً وإثباتاً بدعة، وفي كل منها تلبيس وإيهام، فلابد من الاستفسار والاستفصال. أو الامتناع عن إطلاق كلا الأمرين في النفي والإثبات.
وقد ظن طائفة من الناس أن ذم السلف والأئمة للكلام إنما لمجرد ما فيه من الاصطلاحات المحدثة كلفظ (الجوهر) و(الجسم) و(العرض)، وقالوا: إن مثل هذا لا يقتضي الذم، كما لو أحدث الناس آنية يحتاجون إليها، أو سلاحاً يحتاجون إليه لمقاتلة العدو، وقد ذكر هذا صاحب الإحياء وغيره.
وليس الأمر كذلك: بل ذمهم للكلام لفساد معناه أعظم من ذمهم لحدوث الألفاظ، فذموه لاشتماله على معان باطلة مخالفة للكتاب والسنة، ومخالفته للعقل الصريح، ولكن علامة بطلانها مخالفتها للكتاب والسنة، وكل ما خالف الكتاب والسنة فهو باطل قطعاً.
ثم من الناس من يعلم بطلانه بعقله، ومنهم من لا يعلم ذلك.
(10/15)
وأيضاً: فإن المناظرة بالألفاظ المحدثة المجملة المبتدعة المحتملة للحق والباطل إذا أثبتها أحد المتناظرين ونفاها الآخر كان كلاهما مخطئاً، وأكثر اختلاف العقلاء من جهة اشتراك الأسماء، وفي ذلك من فساد العقل والدين ما لا يعلمه إلا الله.
فإذا رد الناس ما تنازعوا فيه إلى الكتاب والسنة فالمعاني الصحيحة ثابتة فيهما، والمحق يمكنه بيان ما يقوله من الحق بالكتاب والسنة"(1).
المطلب الثاني
مسألة الحد(2)
"الحد في اللغة: الحاجز بين الشيئين، الذي يُمَيِّزُ بينهما، لئلا يختلط أحدهما بالآخر، أو لئلا يتعدى أحدهما على الآخر، وهو مأخوذ من حد الشيء عن غيره يَحُدُّهُ حَدًّا إذا ميزه"(3).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الحد ما يتميز به الشيء عن غيره من صفته وقدره"(4).
سبق أن أسلفنا أن إطلاق السلف للحد ليس من باب الصفات وإنما هو من باب الإخبار ولهم فيه استعمالان:
الاستعمال الأول: في حال الإثبات.
__________
(1) درء تعارض العقل والنقل (1/228-233).
(2) الأقوال في هذه المسألة على النحو التالي:
القول الأول: قول من يقول هو فوق العرش ولا يوصف بالتناهي ولا بعدمه إذ لايقبل واحداً منهم فعندهم أن الله فوق العرش ولا يوصف بأن له قدراً وهذا يقوله بعض أهل الكلام والفقه والحديث والتصوف من الكلابية والكرامية والأشعرية ومن وافقهم من أتباع الأئمة من أصحاب أحمد ومالك والشافعي وغيرهم.
القول الثاني: قول من يقول هو غير متناه إما من جانب وإما من جميع الجوانب، وهذا يقوله أيضاً طوائف من أهل الكلام والفقهاء وغيرهم وحكاه الأشعري في المقالات عن الطوائف.
القول الثالث: قول السلف والأئمة وأهل الحديث والكلام والفقه والتصوف الذين يقولون: له حد لا يعلمه غيره. انظر درء تعارض العقل والنقل (6/300-301).
(3) انظر الصحاح للجوهري (2/462)، ولسان العرب (3/140).
(4) نقض تأسيس الجهمية (1/443).
(10/16)
ومن الآثار الواردة في ذلك ما رواه الخلال بسنده عن محمد بن إبراهيم القيسي، قال: "قلت لأحمد بن حنبل: يحكى عن ابن المبارك -وقيل له: كيف نعرف ربنا؟- قال: في السماء السابعة على عرشه بحد. فقال أحمد: هكذا هو عندنا"(1).
وعن حرب بن إسماعيل قال: "قلت لإسحاق -يعني ابن راهويه-: هو على العرش بحد؟ قال: نعم بحد".
وذكر عن ابن المبارك قال: "هو على عرشه بائن من خلقه بحد"(2).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن كثيراً من أئمة السنة والحديث(3) أو أكثرهم يقولون إنه فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه بحد"(4).
الاستعمال الثاني: في حال النفي.
__________
(1) أخرجه القاضي أبو يعلى في إبطال التأويلات (ق151/ب)، وفي الروايتين والوجهين (ص49). وابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/267).
وأورده شيخ الإسلام ابن تيمية في نقض تأسيس الجهمية (1/428).
(2) نقض تأسيس الجهمية (2/34).
(3) كعثمان بن سعيد الدارمي، وعبد الله بن المبارك، ورواية عن الإمام أحمد بن حنبل، والخلال، وحرب الكرماني، وإسحاق بن راهويه، وابن بطة، وأبي إسماعيل الأنصاري الهروي، وإبي القاسم ابن منده، وقوام السنة الأصبهاني، وإسماعيل بن الفضل التيمي، والقاضي أبي يعلى، وأبي الحسن بن الزاغوني، والحافظ أبي العلاء الهمداني، وغير هؤلاء.
انظر الرد على بشر المريسي (ص23-24)، والرد على الجهمية له (ص5)، والتمهيد لابن عبد البر (7/142)، وإثبات الحد لله تعالى لمحمود بن أبي القاسم الدشتي (ق3-6)، ودرء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (2/33-34، 56-60)، ونقض تأسيس الجهمية (1/397، 426-433) و(2/160، 180).
(4) نقض تأسيس الجهمية (1/397).
(10/17)
قال حنبل: "قلت لأبي عبد الله: ما معنى قوله {وَهُوَ مَعَكُم}، و{مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ}؟. قال: علمه محيط بالكل، وربنا على العرش بلا حد و لا صفة"(1).
وفي رسالة الإصطخري قال الإمام أحمد: "والله عز وجل على عرشه ليس له حد، والله أعلم بحده"(2).
"توضيح المسألة"
أما الاستعمال الأول: فهو استعماله في حال الإثبات.
فقد استعمل في مسألة إثبات علو الله على خلقه وتميزه وانفصاله عنهم وعدم اختلاطه بهم أو حلوله فيهم، فلما زعم الجهمية أن الخالق في كل مكان وأنه غير مباين لخلقه ولا متميز عنهم، قال بعض أئمة السلف: إن الله سبحانه عالٍ على خلقه، مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، وذكروا الحد، لأن الجهمية زعموا أنه ليس له حد وما لا حد له لايباين المخلوقات ولا يكون فوق العالم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولما كان الجهمية يقولون ما مضمونه إن الخالق لا يتميز عن الخلق فيجحدون صفاته التي تميز بها، ويجحدون قَدْرَهُ؛ حتى يقول المعتزلة إذا عرفوا أنه حي، عالم، قدير: قد عرفنا حقيقته وماهيته، ويقولون إنه لا يباين غيره. بل إما أن يصفوه بصفة المعدوم؛ فيقولوا: لا داخل العالم ولا خارجه، ولا كذا ولا كذا. أو يجعلوه حالاً في المخلوقات أو وجوده وجود المخلوقات.
__________
(1) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/402، برقم675).وأورده ابن قدامة في إثبات صفة العلو (ص116، برقم95).
وأورده الذهبي في العلو (ص130)، وفي الأربعين في صفات رب العالمين (ص65، برقم 50).
وأورده ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/496).
وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (200) وعزاه لللالكائي.
وانظر في مسألة الحد نقض تأسيس الجهمية (2/162).
(2) طبقات الحنابلة (1/29).
(10/18)
فبين ابن المبارك أن الرب سبحانه وتعالى على عرشه مباين لخلقه منفصل عنه، وذكر الحد. لأن الجهمية كانوا يقولون ليس له حد، وما لا حد له لا يباين المخلوقات ولا يكون فوق العالم لأن ذلك مستلزم للحد"(1).
وبناءً على ما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية فقد أثبت السلف الحد لما في إثبات هذا اللفظ من رد على الجهمية فيما زعموا، ولما في معنى (الحد) من إثبات مباينة الله لخلقه، وعلوه عليهم، واستوائه على عرشه.
وإن كان السلف يقولون إنه حد لا يعلمه إلا الله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن نقل الآثار الواردة عن السلف في إثبات الحد: "فهذا وأمثاله مما نقل عن الأئمة، كما قد بسط في غير هذا الموضع، وبينوا أن ما أثبتوه له من الحد لا يعلمه غيره، كما قال مالك وربيعة وغيرهما: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، فبين أن كيفية استوائه مجهولة للعباد، فلم ينفوا ثبوت ذلك في نفس الأمر، ولكن نفوا علم الخلق به، وكذلك مثل هذا في كلام عبد العزيز بن عبد الله بن الماجشون وغير واحد من السلف، والأئمة ينفون علم الخلق بقدره وكيفيته"(2).
الاستعمال الثاني: استعماله في حال النفي
وذلك في مسألة نفي الإحاطة بالله علماً وإدراكاً، فلا منازعة بين أهل السنة بأن الله تعالى غير مدرك الإحاطة والخلق عاجزون عن الإحاطة به، فهم لا يستطيعون أن يحدوا الخالق جل وعلا، أو يُقَدِّرُوه، أو يبلغوا صفته، فمن نفى الحد على هذا المعنى فهو مصيب.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "المحفوظ عن السلف والأئمة إثبات حد لله في نفسه، وقد بينوا مع ذلك أن العباد لا يحدونه ولا يدركونه، ولهذا لم يتناف كلامهم في ذلك كما يظنه بعض الناس، فإنهم نفوا أن يَحُد أحدٌ الله"(3).
__________
(1) نقض تأسيس الجهمية (1/442-443).
(2) درء تعارض العقل والنقل (2/35).
(3) نقض تأسيس الجهمية (2/162).
(10/19)
وقال أيضاً: "وقوله بلا حد ولا صفة" نَفَى به إحاطة علم الخلق به، وأن يحدوه أو يصفوه على ما هو عليه، إلا بما أخبر عن نفسه، ليبين أن عقول الخلق لا تحيط بصفاته، كما قال الشافعي في خطبة "الرسالة": "الحمد لله الذي هو كما وصف به نفسه، وفوق ما يصفه به خلقه"(1) ولهذا قال أحمد: "لا تدركه الأبصار بحد ولا غاية" فنفى أن يدرك له حد أو غاية"(2).
وهذا المحفوظ عن السلف والأئمة من إثبات حد لله في نفسه قد بينوا مع ذلك أن العباد لا يحدونه ولا يدركونه؛ ولهذا لم يتناف كلامهم في ذلك كما يظنه بعض الناس، فإنهم نفوا أن يحد أحد الله كما ذكره حنبل عنه في كتاب السنة والمحنة.
وقد رواه الخلال في "كتاب السنة" أخبرني عبد الله بن حنبل حدثني حنبل بن إسحاق، قال: قال عمي: "نحن نؤمن بالله عز وجل على عرشه كيف شاء وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد، فصفات الله عز وجل منه وله، وهو كما وصف نفسه، لا تدركه الأبصار بحد ولا غاية، وهو يدرك الأبصار، وهو عالم الغيب والشهادة، علام الغيوب، ولا يدركه وصف واصف، وهو كما وصف نفسه، وليس من الله شيء محدود، ولا يبلغ علمه وقدرته أحد، غلب الأشياء كلها بعلمه وقدرته وسلطانه، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وكان الله قبل أن يكون شيء، والله الأول، وهو الآخر، ولا يبلغ أحد حد صفاته، فالتسليم لأمر الله والرضا بقضائه، نسأل الله التوفيق والسداد، إنه على كل شيء قدير.
وذلك أن لفظ (الحد) عند كل من تكلم به يراد به شيئان:
يراد به حقيقة الشيء في نفسه
ويراد به الوجود العيني أو الوجود الذهني
__________
(1) الرسالة للشافعي (ص8).
(2) درء تعارض العقل والنقل (2/33)
(10/20)
فأخبر أبو عبد الله أنه على العرش بلا حد يحده أحد أو صفة يبلغها واصف، وأتبع ذلك بقوله: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} بحد ولا غاية، وهذا التفسير الصحيح للإدارك: أي لا تحيط الأبصار بحده ولا غايته؛ ثم قال: {وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} وهو عالم الغيب والشهادة، علام الغيوب، ليتبين أنه عالم بنفسه وبكل شيء.
وقال الخلال: "وأخبرني علي بن عيسى أن حنبلا حدثهم، قال: سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التي تروى "أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا" و"أن الله يضع قدمه" وما أشبه هذه الأحاديث، فقال أبو عبد الله: نؤمن بها، ونصدق بها ولا كيف، ولا معنى، ولا نرد منها شيئاً، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق إذا كانت بأسانيد صحاح، ولا نرد على الله قوله، ولا يوصف بأكثر مما وصف به نفسه ولا حد ولا غاية، ليس كمثله شيء.
قال: وقال حنبل في موضع آخر قال: ليس كمثله شيء في ذاته، كما وصف به نفسه، فقد أجمل تبارك وتعالى بالصفة لنفسه فحد لنفسه صفة، ليس يشبهه شيء، فيعبد الله بصفاته غير محدودة ولا معلومة إلا بما وصف نفسه، قال تعالى {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير}.
(10/21)
قال: وقال حنبل في موضع آخر: قال: فهو سميع بصير بلا حد ولا تقدير، ولا يبلغ الواصفون صفته، وصفاته منه وله، ولا يتعدى القرآن والحديث، فنقول كما قال، ونصفه كما وصف نفسه، ولا يتعدى ذلك، ولا تبلغه صفة الواصفين، نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه، ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت، وما وصف به نفسه من كلام ونزول وخلوه بعبده يوم القيامة ووضعه كنفه عليه، هذا كله يدل على أن الله يُرى في الآخرة، والتحديد في هذا بدعة، والتسليم لله بأمره بغير صفة ولا حد إلا ما وصف به نفسه، سميع بصير، لم يزل متكلماً، عالماً غفوراً، عالم الغيب والشهادة، علام الغيوب، فهذه صفات وصف بها نفسه لا تدفع ولا ترد، وهو على العرش بلا حد، كما قال {ثُمَّ اسْتَوى عَلَى العَرْش} كيف شاء، المشيئة إليه عز وجل، والاستطاعة له {لَيْسَ كَمِثلِهِ شَيء} وهو خالق كل شيء، وهو كما وصف نفسه، سميع بصير بلا حد ولا تقدير، قول إبراهيم لأبيه: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ} فثبت أن الله سميع بصير صفاته منه، لا تعدى القرآن والحديث والخبر، يضحك الله ولا نعلم كيف ذلك إلا بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وتثبيت القرآن، ولا يصفه الواصفون، ولا يحده أحد، تعالى الله عما يقول الجهمية والمشبهة"(1).
قال ابن القيم: "أراد أحمد بنفي الصفة نفي الكيفية والتشبيه، وبنفي الحد حدّاً يدركه العباد ويحدونه"(2).
المطلب الثالث
مسألة المماسة(3)
__________
(1) انظر درء تعارض العقل والنقل (2/30-32)
(2) انظر مختصر الصواعق (2/213).
(3) الناس لهم في هذه المسألة أقوال:
القول الأول: منهم من يقول هو نفسه فوق العرش غير مماس ولا بينه ولا بين العرش فرجة، وهذا قول ابن كلاب، والحارث المحاسبي، وأبي العباس القلانسي، والأشعري، وابن الباقلاني، وغير واحد من هؤلاء وقد وافقهم على ذلك طوائف كثيرون من أصناف العلماء من أتباع الأئمة الأربعة وأهل الحديث والصوفية وغيرهم.
وهؤلاء يقولون: هو بذاته فوق العرش وليس بجسم، ولا هو محدود ولا متناه.
ومنهم من يقول: هو نفسه فوق العرش، وإن كان موصوفاً لقدر له لا يعلمه غيره. ثم من هؤلاء من لا يجوز عليه مماسة العرش، ومنهم من يجوز ذلك. وهذا قول أئمة أهل الحديث والسنة وكثير من أهل الفقه والصوفية والكلام غير الكرامية، فأما أئمة أهل السنة والحديث وأتباعهم فلا يطلقون لفظ الجسم نفياً ولا إثباتاً، وأما كثير من أهل الكلام فيطلقون لفظ الجسم كهشام بن الحكم، وهشام الجواليقي وأتباعهما. درء تعارض العقل والنقل (6/288-289).
(10/22)
لهذا اللفظ في كلام الأئمة موقفان:
1 استعملوه على سبيل النفي في مسائل العلو.
2 منعوه على سبيل الإثبات في مسائل الاستواء.
أما الأول:
فقد ورد في كلام الأئمة استعمال كلمة (مماسة) في باب النفي، ومن ذلك قول الإمام أحمد رحمه الله: "إن الله عز وجل على عرشه فوق السماء السابعة، يعلم ما تحت الأرض السفلى، وإنه غير مماس لشيء من خلقه، وهو تبارك وتعالى بائن من خلقه، وخلقه بائنون منه"(1).
وهذا الكلام ذكره الإمام أحمد في معرض تقرير علو الله على خلقه، وأنه بائن من خلقه، والخلق بائنون منه، وأنه ليس بذاته في كل مكان كما هو زعم الجهمية، فمن المتقرر في عقيدة السلف الصالح إثبات علو الله تعالى على خلقه وأنه بائن منهم وليس بمماس لهم ولا محايث.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإن الذين نقلوا إجماع السلف أو إجماع أهل السنة أو إجماع الصحابة والتابعين على أن الله فوق العرش بائن من خلقه لا يحصيهم إلا الله، وما زال علماء السلف يثبتون المباينة ويردون قول الجهمية بنفيها"(2).
ومن المعلوم أن طوائف المعطلة من الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم من متأخري الأشاعرة والماتريدية ينكرون المباينة بالجهة.
فبعضهم ينفي المباينة والمحايثة، فيقولون: لا داخل العالم، ولا خارجه، ولا فوقه، ولا تحته، ولا مباين له، ولا محايث له. وهؤلاء هم نظارهم.
وبعضهم يثبت المحايثة فيقولون: إنه بذاته في كل مكان، وهذا قول طوائف من علمائهم وعبادهم.
والاتحادية من المعطلة قالوا: إنه نفس وجود الأمكنة(3).
ورداً على مزاعم هؤلاء الباطلة أطلق من أطلق من علماء السلف لفظ المباينة وعدم المماسة تقريراً منهم لإثبات علو الله على خلقه واستوائه على عرشه ومباينته من خلقه.
وقد افترق الناس في هذا المقام أربع فرق:
__________
(1) أورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص201).
(2) نقض تأسيس الجهمية (2/531).
(3) نقض تأسيس الجهمية (2/531) بتصرف.
(10/23)
القسم الأول: الجهمية النفاة، الذين يقولون: ليس داخل العالم، ولا خارج العالم، ولا فوق ولا تحت، ولا يقولون بعلوه ولا بفوقبته.
القسم الثاني: يقولون: إنه بذاته في كل مكان، كما يقوله النجارية، وكثير من الجهمية، عبادهم، وصوفيتهم، وعوامهم.
القسم الثالث: من يقول هو فوق العرش وهو في كل مكان، ويقول أنا أقر بهذه النصوص، وهذه لا أصرف واحداً منها عن ظاهره.
وهذا قول طوائف ذكرهم الأشعري في مقالاته وهو موجود في كلام طائفة من السالمية والصوفية.
القسم الرابع: وهم سلف الأمة وأئمتها، أئمة العلم والدين من شيوخ العلم والعبادة، فإنهم أثبتوا أن الله فوق سمواته وأنه على عرشه بائن من خلقه وهم منه بائنون، وهو أيضاً مع العباد عموماً بعلمه، ومع أنبيائه وأوليائه بالنصر والتأييد والكفاية، وهو أيضاً قريب مجيب"(1).
ومن تقرير فهم السلف استعمل من استعمل من العلماء لفظ (المماسة) ليثبتوا أن الله بائن من الخلق وهم منه بائنون.
الموقف الثاني:
منعهم لاستعمال لفظ (المماسة) في مسألة الاستواء على العرش، وذلك رداً على الكرامية الذين خاضوا في شأن الكيفية وتعمقوا فيها.
وفي هذا يقول السجزي: "واعتقاد أهل الحق أن الله سبحانه فوق العرش بذاته من غير مماسة، وأن الكرامية ومن تابعهم على قول المماسة ضُلال"(2).
وقال قوام السنة الأصبهاني: "قال أهل السنة: خلق الله السموات والأرض، وكان عرشه على الماء مخلوقاً قبل خلق السموات والأرض ثم استوى على العرش بعد خلق السموات والأرض وليس معناه المماسة، بل هو مستو على العرش بلا كيف كما أخبر عن نفسه"(3).
وقال الإمام أبو القاسم عبد الله بن خلف المقري: "إن الله تعالى في السماء على العرش فوق سبع سموات من غير مماسة ولا تكييف"(4).
__________
(1) نقض تأسيس الجهمية (1/555-556).
(2) الرد على من أنكر الحرف والصوت (ص126-127).
(3) الحجة في بيان المحجة (2/113-114).
(4) اجتماع الجيوش الإسلامية (ص55).
(10/24)
وقال الإمام سعد بن علي الزنجاني: "ليس معنى استواء الله على عرشه بأنه مستول عليه، ولا معناه بأنه مماس للعرش، فإن ذلك ممتنع في وصفه جل وعلا، ولكنه تعالى مستو على عرشه بلا كيف كما أخبر بذلك عن نفسه"(1).
فهذه النصوص تدل دلالة واضحة أن السبب في منع استعمال هذا اللفظ لما فيه من التعمق في شأن الكيفية، ومن عادة السلف أنهم عند تقريرهم لصفة الاستواء ولسائر الصفات لا يتعمقون في شأن الكيفية ويكلون علم ذلك لله عز وجل، وسأورد لك بعض النقول التي توضح مدى التزام السلف بالتقييد بهذا الضابط في تقريرهم لصفة الاستواء فمن ذلك:
1 ما جاء في عقيدة أبي حاتم وأبي زرعة الرازيين وفيها "أن الله عز وجل على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه في كتابه بلا كيف"(2).
2 قول الطلمنكي "وأن الله تعالى فوق السموات بذاته مستو على عرشه كيف شاء"(3).
وبناءً على ما تقدم من أقوال الأئمة يتضح حرص السلف على عدم الخوض في شأن الكيفية، وبذلك منعوا استعمال لفظ (المماسة) في هذه المسألة لهذا السبب.
الباب الثالث
العرش وما يتعلق به من مسائل
وفيه أربعة فصول:
الفصل الأول: تعريف العرش.
الفصل الثاني: الأدلة على إثبات العرش من الكتاب
والسنة.
الفصل الثالث: صفة العرش وخصائصه.
الفصل الرابع: الكلام على حملة العرش والكرسي.
الفصل الأول
تعريف العرش
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: المعنى اللغوي لكلمة العرش.
المبحث الثاني: المذاهب في تعريف العرش.
المبحث الأول
المعنى اللغوي لكلمة العرش
قال ابن فارس: ""ع ر ش" العين، والراء، والشين أصل صحيح واحد، يدل على ارتفاع في شيء مبني، ثم يستعار في غير ذلك"(4).
والعرش في كلام العرب يطلق على عدة معاني:
1- سرير الملك:
قال الخليل: "العرش: السرير للملك"(5).
__________
(1) اجتماع الجيوش السلامية (ص74).
(2) شرح أصول اعتقاد أهل السنة برقم (321).
(3) العلو للذهبي (ص178).
(4) معجم مقاييس اللغة (4/264).
(5) كتاب العين (1/291).
(10/25)
وقال الأزهري: "والعرش في كلام العرب: سرير الملك، يدلك على ذلك سرير ملكة سبأ، سماه الله جل وعز عرشاً فقال: {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل 23]"(1).
2- سقف البيت:
قال الخليل والجوهري: "عرش البيت: سقفه"(2).
وقال الزبيدي: "والعرش من البيت سقفه ومنه الحديث "أو كالقنديل المعلق بالعرش" يعني: السقف، وفي حديث آخر: "كنت أسمع قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم على عرشي" أي: سقف بيتي. وبه فسر قوله تعالى: {وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [البقرة 259]، أي: صارت على سقوفها كما قال عز من قائل: فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا [الحجر:74]. أراد أن حيطانها قائمة وقد تهدمت سقوفها فصارت في قرارها وانقعرت الحيطان من قواعدها فتساقطت على السقوف المتهدمة قبلها، ومعنى الخاوية والمنقعرة واحد وهي المنقلعة من أصولها"(3).
3- ركن الشيء:
قال الزبيدي: "والعرش ركن الشيء، قاله الزجاج والكسائي، وبه فسر قوله تعالى: {وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا}، أي وخرت على أركانها"(4).
4- الملك:
قال الأزهري: "قال: والعرش الملك، يقال: ثل عرشه، أي زال ملكه وعزه.
قال زهير:
تداركتما الأحلاف قد ثل عرشها
وذبيان إذ زلت بأقدامها النعل"(5)
قال الزبيدي: "قال ابن الأعرابي: العرش الملك، بضم الميم، وهو كناية ..."(6).
5- قوام أمر الرجل:
قال ابن فارس: "استعيرت كلمة عرش هنا، فقيل لأمر الرجل وقوامه: عرش، وإذا زال عنه ذلك، قيل: ثل عرشه.
قال زهير:
تداركتما الأحلاف قد ثل عرشها
وذبيان إذ زلت بأقدامها النعل"(7)
__________
(1) تهذيب اللغة (1/413).
(2) كتاب العين (1/291)، الصحاح (ص722).
(3) تاج العروس (4/321).
(4) المصدر السابق.
(5) تهذيب اللغة (1/414).
(6) تاج العروس (4/321).
(7) معجم مقاييس اللغة (4/264) -بتصرف.
(10/26)
قال الزبيدي: "قولهم: ثل عرشه أي: عدم ما هو عليه من قوام أمره، وقيل: وهي أمره، وقيل: ذهب عزه، ومنه حديث عمر رضي الله عنه أنه رُئي في المنام، فقيل له: ما فعل بك ربك؟ قال: لولا أن تداركني لثل عرشي"(1).
6- عرش السماك:
قال ابن فارس: "ويقال: إن عرش السماك، أربعة كواكب، أسفل من العواء على صورة النعش، ويقال: هي عجز الأسد، قال ابن أحمر:
باتت عليه ليلة عرشية
شربت وبات إلى نقا متهدم"(2)
7- عرش البئر:
قال الأزهري: "وقال أبو عبيد: قال أبو زيد: بئر معروشة، وهي التي تطوى قدر قامة من أسفلها بالحجارة ثم يطوى سائرها بالخشب وحده، فذالك الخشب هو العرش، يقال منه: عرشت البئر، أعرشها، فإذا كانت كلها بالحجارة فهي مطوية وليست بمعروشة.
وقال غيره: المثاب: مقام الساقي فوق العروش، ومنه قول الشاعر:
وما لم ثابات العروش بقية
إذا استل من تحت العروش الدعائم
وقال ابن الأعرابي: العرش بناء فوق البئر يقوم عليه الساقي، وأنشد -أكل يوم عرشها مقيل"(3).
8- عرش القدم:
قال الخليل: "العرش في القدم، ما بين الحمار والأصابع من ظهر القدم، والحمار: المرتفع من ظهر القدم، وجمعه: عرشه وأعراش"(4).
وقال ابن الأعرابي: "ظهر القدم: العرش، وباطنه: الأخمص"(5).
قلت: ومن المعلوم أن معرفة كل معنى من تلك المعاني إنما يتحدد بحسب ما أضيف إلى الكلمة، والمعنى المقصود في عرش الرحمن من تلك المعاني السابقة، هو سرير الملك، ذلك لأن النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة قد جاءت معينة لهذا المعنى وحده دون غيره من المعاني، وهذا ما سيأتي بيانه.
أما زعم الجهمية بأن معنى العرش في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه 5]، يحتمل عدة معاني، فلا يُعرف أي هذه المعاني هو المراد؟
__________
(1) تاج العروس (4/321).
(2) معجم مقاييس اللغة (4/267)
(3) تهذيب اللغة (1/416).
(4) كتاب العين (1/293).
(5) لسان العرب (4/2882).
(10/27)
فقد أجاب عنه ابن القيم بقوله: "هذا تلبيس منك على الجهال، وكذب ظاهر، فإنه ليس لعرش الرحمن الذي استوى عليه إلا معنى واحد، وإن كان للعرش من حيث الجملة عدة معانٍ، فاللام للعهد وقد صار بها العرش معيناً، وهو عرش الرب تعالى الذي هو سرير ملكه، التي اتفقت عليه الرسل، وأقرت به الأمم، إلا من نابذ الرسل ..."(1).
المبحث الثاني
المذاهب في تعريف العرش
أولاً: مذهب السلف:
قال الطبري عند قوله تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر 75] "يعني بالعرش: السرير".
ثم ذكر بسنده عن السدي في تفسير هذه الآية قوله: "محدقين حول العرش قال: العرش: السرير"(2).
وقال الطبري في موضع آخر {ذُو العَرْشِ} [غافر 15] يقول: "ذو السرير المحيط بما دونه"(3).
وقال البيهقي: "وأقاويل أهل التفسير على أن العرش هو السرير وأنه جسم مجسم خلقه الله وأمر ملائكته بحمله وتعبدهم بتعظيمه والطواف به كما خلق في الأرض بيتاً وأمر بني آدم بالطواف به واستقباله في الصلاة، وفي الآيات والأحاديث والآثار دلالة واضحة على ما ذهبوا إليه"(4).
وقال أيضاً: "العرش هو السرير المشهور فيما بين العقلاء"(5).
وقال ابن كثير: "هو سرير ذو قوائم تحمله الملائكة وهو كالقبة على العالم، وهو سقف المخلوقات"(6).
وقال الذهبي -بعد أن ذكر سرر أهل الجنة-: "فما الظن بالعرش العظيم الذي اتخذه العلي العظيم لنفسه في ارتفاعه وسعته، وقوائمه وماهيته وحملته، والكروبيين الحافين من حوله، وحسنه ورونقه وقيمته، فقد ورد أنه من ياقوتة حمراء"(7).
__________
(1) مختصر الصواعق المرسلة (1/17-18).
(2) تفسير الطبري (24/37-38).
(3) تفسير الطبري (24/49).
(4) الأسماء والصفات (2/272).
(5) الاعتقاد (112).
(6) البداية (1/12).
(7) العلو (ص57).
(10/28)
قلت: وهذا الذي ذكره الطبري والبيهقي وابن كثير والذهبي في تعريف العرش، هو الذي جاءت به الآيات والأحاديث والآثار، وهو ما ذهب إليه سلف الأمة وأئمتها في عرش الله، فهم يعتقدون أن عرش الرحمن هو:
( سرير:
قال ابن قتيبة: "وطلبوا للعرش معنى غير السرير، والعلماء في اللغة لا يعرفون للعرش معنى إلا السرير، وما عرش من السقوف وأشباهها، قال أمية بن أبي الصلت:
مجدوا الله وهو للمجد أهل
ربنا في السماء أمسى كبيرا
بالبناء الأعلى الذي سبق الن
اس وسوى فوق السماء سريرا
شرجعاً لا يناله بصر العي
ن ترى دونه الملائك صورا"(1)
وقال ابن كثير: "العرش في اللغة عبارة عن السرير الذي للملك، كما قال تعالى {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل 23]. وليس هو فلكاً ولا تفهم منه العرب ذلك، والقرآن إنما نزل بلغة العرب، فهو سرير ذو قوائم ..."(2).
( وأنه ذو قوائم:
قال شارح الطحاوية: "قد ثبت في الشرع أن له قوائم تحمله الملائكة، كما قال صلى الله عليه وسلم: "فإن الناس يصعقون، فأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور"(3) (4).
( وأنه مخلوق:
قال الحافظ ابن حجر: "قوله {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة 129]، إشارة إلى أن العرش مربوب، وكل مربوب مخلوق. وفي إثبات القوائم للعرش دلالة على أنه جسم مركب له أبعاض وأجزاء، والجسم المؤلف محدث مخلوق"(5).
( وأن الله سبحانه قد أمر ملائكته بحمله وتعبدهم بتعظيمه:
__________
(1) الاختلاف في اللفظ (ص240).
(2) البداية (1/11-12).
(3) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الخصومات، باب ما يذكر في الأشخاص والخصومة بين المسلم واليهودي. انظر فتح الباري (5/70).
ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل (4/101-102).
(4) شرح العقيدة الطحاوية (ص310-311).
(5) فتح الباري (13/405).
(10/29)
قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [غافر 7]، وقال تعالى: {َيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة 17].
وعن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام"(1).
( وهو أعلى المخلوقات، وأعظمها، وسقفها، وهو كالقبة على العالم وما تحته بالنسبة إليه كحلقة في فلاة:
قال أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي زمنين في كتابه "أصول السنة": "ومن قول أهل السنة أن الله عز وجل خلق العرش واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق ..."(2).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما العرش فإنه مقبب، لما روي في السنن لأبي داود عن جبير بن مطعم قال: "أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال: يا رسول جهدت الأنفس، وجاع العيال -وذكر الحديث إلى أن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -: إن الله على عرشه وإن عرشه على سمواته وأرضه كهكذا"(3) وقال بأصابعه مثل القبة ... وفي علوه قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه وسط الجنة وأعلاها وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة"(4).
فقد تبين بهذه الأحاديث أنه أعلى المخلوقات، وسقفها، وأنه مقبب ..."(5).
__________
(1) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب السنة، باب في الجهمية (5/96، ح4727).
أورده ابن كثير في تفسير (4/414) وعزاه لابن أبي حاتم وقال: (إسناده جيد ورجاله كلهم ثقات).
(2) أصول السنة (ص88).
(3) سيأتي تخريجه في قسم التحقيق برقم (19).
(4) أخرجه البخاري في صحيحيه، كتاب التوحيد، باب {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى اَلمَاءِ}. فتح الباري (13/404).
(5) الفتاوى (5/151).
(10/30)
وفي حديث أبي ذر المشهور قال: قلت يا رسول الله أيما أنزل عليك أعظم؟ قال: "آية الكرسي، ثم قال: يا أبا ذر ما السموات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة"(1).
وهذا القول للسلف في عرش الله هو ما جاءت به الآيات والأحاديث الصحيحة، وقد كان سلف الأمة وأئمتها دائماً يصرحون بذلك في كتبهم عند الحديث عن هذه المسألة.
وقد وافقهم في هذا القول في عرش الله الكلابية، والكرامية، ومتقدموا الأشاعرة، وبعض الجهمية، والمعتزلة(2).
ثانياً: أقوال المخالفين:
القول الأول:
ما زعمه طائفة من الجهمية، والمعتزلة، والماتريدية(3)، وعامة متأخري الأشاعرة(4)، من أن معنى العرش في قوله تعالى {لرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} هو الملك.
__________
(1) أخرجه: ابن أبي شيبة في كتاب العرش رقم (58). وابن حبان في صحيحه (1/76-79). وأبو الشيخ في العظمة (2/648-649، ح259). وأبو نعيم في الحلية (1/166). والبيهقي في الأسماء والصفات (2/300-301، ح862).
وللحديث أيضاً طرق أخرى ذكرها الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (109)، وقال: (وجملة القول أن الحديث بهذه الطرق صحيح)، وصححه أيضاً في تعليقه على شرح العقيدة الطحاوية (ص312)، وتخريجه لأحاديث كتاب "ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة القويمة البرهان" للألوسي (ص140).
وقد نقل الحافظ ابن حجر في فتح الباري (13/411) عن ابن حبان تصحيح الحديث وقال: (وله شاهد عن مجاهد أخرجه سعيد بن منصور في تفسيره بسند صحيح عنه).
(2) شرح أصول الخمسة (ص226)، أصول الدين للبغدادي (ص112)، الفرق بين الفرق (ص215-216)، شرح جوهرة التوحيد (ص181)، نقض التأسيس (1/396، 2/14-15).
(3) هم أتباع أبو منصور، محمد بن محمد الماتريدي، السمرقندي.
انظر قولهم في هذه المسألة في "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (1/85).
(4) التبصير في الدين للإسفرائيني (158).
(10/31)
قال الدارمي في كتابه "الرد على الجهمية": "باب الإيمان بالعرش وهو أحد ما أنكرته المعطلة. فادعت هذه العصابة أنهم يؤمنون بالعرش ويقرون به.
فقلت لبعضهم: ما إيمانكم به إلا كإيمان {لّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ} [المائدة 41]، وكالذين {َإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة 14]، أتقرون أن لله عرشاً معلوماً، موصوفاً فوق السماء السابعة، تحمله الملائكة، والله فوقه كما وصف نفسه، بائن من خلقه؟
فأبى أن يقر به كذلك، وتردد في الجواب وخلط ولم يصرح.
قال أبو سعيد: فقال لي زعيم منهم كبير: لا، ولكن لما خلق الله الخلق يعني السموات والأرض وما فيهن سمى ذلك كله عرشاً له، واستوى على جميع ذلك كله"(1).
وقال ابن تيمية -في سياق كلامه على حملة العرش-: "ثم إن قوله تعالى: {لَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [غافر 7]، وقوله: {َيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة 17]، يوجب أن لله عرشاً يحمل، يوجب أن ذلك العرش ليس هو الملك، كما تقوله طائفة من الجهمية"(2).
وقال الزمخشري: "إنه لما كان الاستواء على العرش وهو سرير الملك مما يرادف الملك جعلوه كناية عن الملك، فقالوا: استوى فلان على العرش يريدون ملك، وإن لم يقعد على السرير البتة، وقالوه أيضاً في شهرته في ذلك المعنى ومساواته ملك في مؤداه، وإن كان أشرح، وأبسط، وأدل، على صورة الأمر"(3).
__________
(1) الرد على الجهمية (ص12-13).
(2) نقض تأسيس الجهمية
(3) الكشاف (2/530).
(10/32)
وقال البغدادي: "والصحيح عندنا تأويل العرش في هذه الآية على معنى الملك، كأنه أراد أن الملك ما استوى لأحد غيره، وهذا التأويل مأخوذ من قول العرب: ثُلَ عرش فلان، إذا ذهب ملكه، قال متمم بن نويرة في هذا المعنى:
عروشٌ تفانوا بعد عز وأمة
هووا بعد ما نالوا السلامة والبقا
وأراد بالعروش، ملوكاً انقرضوا.
وقال سعيد بن زائدة الخزاعي في النعمان بن المنذر:
قد نال عرشاً لم ينله حائل
جن ولا إنس ولا ديار
وأراد بالعرش، الملك والسلطان.
وقال النابغة:
بعد ابن جفنة وابن هاتك عرشه
والحارثين يؤمنون فلاحا
وأراد بهاتك عرش ابن جفنة سالب ملكه، فصح بهذا تأويل العرش على الملك في آية الاستواء على ما بيناه"(1).
الرد عليهم:
ما ذهب إليه هؤلاء المخالفون من تفسير معنى العرش الوارد في الآيات بمعنى الملك، إنما هو تأويل باطلٌ، وصرف للفظ عن معناه إلى معنى آخر لا يحتمله.
والمتأمل لهذا القول يرى ما فيه من التلبيس والمخالفة.
فقد سبق أن ذكرنا في المبحث اللغوي لكلمة (عرش)، أن لهذه الكلمة عدة معاني في اللغة العربية، ومن المعلوم أن معرفة المعنى المراد من تلك المعاني لهذه الكلمة أو غيرها، إنما يتحدد بحسب سياق الكلمة وبحسب ما أضيفت إليه. وليس في سياق الآيات ما يثبت صحة ما ذهبوا إليه، كما أن ما استدل به هؤلاء المخالفون من الأبيات الشعرية ليس إلا دليلا على أن الملك هو من المعاني اللغوية لكلمة (عرش)، وهذا أمر لا خلاف فيه.
__________
(1) أصول الدين (ص112).
وانظر أيضاً التفسير الكبير للرازي (14/115)، وروح المعاني (11/65).
(10/33)
وهذا الاستدلال يماثل ما لو استدللنا على أن من معاني كلمة العرش: السقف، بقوله تعالى: {َهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [البقرة 259]، فليس في هذه الأبيات أي إشارة لا من قريب ولا من بعيد على أن الملك هو المعنى المراد في الآيات الواردة في العرش. بل إن المتأمل للآيات والأحاديث الواردة في هذه المسألة يرى أنها تدل دلالة واضحة وصريحة على أن المراد بالعرش هو ذلك المخلوق العظيم الذي خلقه الله تعالى فوق العالم كله، ثم استوى عليه بعد أن خلق السموات والأرض، وكذلك ترد على هؤلاء المخالفين زعمهم الباطل الذي هو في الحقيقة تحريف لكلام الله.
فيا ترى ماذا يصنع ذلك المخالف الذي يزعم أن العرش إنما هو كناية عن الملك والسلطان بقوله تعالى: {َكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء} [هود7]، هل يزعم أن الملك كان على الماء؟
وكذلك ماذا يصنع بقوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة 17]، أيقول: ويحمل ملكه يومئذ ثمانية؟
وقوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش"(1). أيقول آخذ بقائمة من قوائم الملك؟
وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: "اهتز عرش الرحمن"(2)، أيقول: اهتز ملكه وسلطانه؟
القول الثاني:
زعم طائفة من الفلاسفة أن العرش فلك مستدير من جميع الجوانب محيط بالعالم من كل جهة، وهو محدود الجهات، وربما سموه الفلك الأطلس، أو الفلك التاسع، أو الأثير، أو الفلك الأعلى(3).
__________
(1) تقدم تخريجه في (ص7).
(2) أخرجه سعيد بن منصور في سننه (2/371). وأحمد في المسند (3/316)، وفي فضائل الصحابة (2/818). والبخاري في صحيحه، كتاب مناقب الأنصار، باب مناقب سعد بن معاذ رضي الله عنه، مثله. فتح الباري (7/122-123). ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة (7/150). وابن ماجة في سننه، المقدمة (1/56).
(3) البداية (1/11)، الرسالة العرشية (ص2)، مفردات (ص329)، روح المعاني (24/45).
(10/34)
وفي ذلك يقول ابن سينا في رسالته " إثبات النبوات وتأويل رموزهم وأمثالهم": "ومن السهل عليك أن تفهم كيف أن العرش بنص القرآن يحمله ثمانية، فهذه الثمانية هي: الثمانية أفلاك التي تحت هذا الفلك المحيط"(1).
الرد عليهم:
إن المتأمل لكلام هؤلاء الفلاسفة كابن سينا وأمثاله يرى مدى انحرافهم، حتى إنهم وصلوا إلى درجة اعتقادهم أنه لا موجود إلا ما علموه.
ولهذا كان هؤلاء الذين عرفوا ما عرفته الفلاسفة إذا سمعوا إخبار الأنبياء بالملائكة والعرش والكرسي والجنة والنار، صاروا حائرين ومتأولين لكلام الأنبياء على ما عرفوه وعلى ما تعلموه، وإن كان هذا التأويل لا دليل لهم عليه سوى ظنهم الفاسد بأنه لا موجود إلا ما عرفوه، فقالوا العرش هو: الفلك التاسع، والكرسي هو: الفلك الثامن. فنفوا ما ليس لهم به علم(2) فانطبق عليهم قوله تعالى {بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} [يونس 39].
وقد ثبت أنه ليس لهؤلاء دليل يتمسكون به لا من الشرع ولا من العقل، وأن الذي دفعهم إلى هذا القول هو أنهم نظروا في علم الهيئة وعلوم الفلسفة فرأوا أن الأفلاك تسعة، وأن التاسع وهو الأطلس محيط بها ومستدير كاستدارتها وهو الذي يحركها الحركة الشوقية، وأن لكل فلك حركة تخصه غير هذه الحركة العامة، ثم سمعوا في أخبار الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ذكر عرش الله، وذكر السموات السبع، فقالوا بطريق الظن أن العرش هو الفلك التاسع، لاعتقادهم أنه ليس وراء التاسع شيء، إما مطلقاً وإما أنه ليس وراءه مخلوق(3).
__________
(1) نقلاً عن كتاب "ابن سينا بين الدين والفلسفة" (ص137-139).
(2) الفتاوى (17/335-336).
(3) الرسالة العرشية (ص2-3).
(10/35)
وهم معترفون بأنه لم يقم لديهم دليل عقلي على صحة قولهم هذا، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن أئمة الفلاسفة مصرحون بأنه لم يقم عندهم دليل على أن الأفلاك هي تسعة فقط، بل يجوز أن تكون أكثر من ذلك، ولكن دلتهم الحركات المختلفة والكسوفات ونحو ذلك على ما ذكروه، وما لم يكن لهم دليل على ثبوته فهم لا يعلمون ثبوته ولا انتفاءه.
مثال ذلك: أنهم علموا أن هذا الكوكب تحت هذا بأن السفلي يكسف العلوي من غير عكس، فاستدلوا بذلك على أنه من فلك فوقه، كما استدلوا بالحركات المختلفة على أن الأفلاك مختلفة حتى جعلوا في الفلك الواحد عدة أفلاك، كفلك التدوير وغيره، فأما ما كان موجوداً فوق هذا ولم يكن لهم ما يستدلون به على ثبوته، فهم لا يعلمون نفيه ولا إثباته بطريقهم. وإذا كان هؤلاء ليس عندهم ما ينفي وجود شيء آخر فوق الأفلاك التسعة، كان الجزم بأن ما أخبرت به الرسل من أن العرش هو الفلك التاسع رجماً بالغيب وقولاً بلا علم"(1).
ومع عدم وجود الدليل العقلي عند هؤلاء على صحة زعمهم فكذلك الأدلة الشرعية ترد زعمهم هذا وتبطله.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض رده على هؤلاء الفلاسفة المتكلمين في رسالته العرشية أن الآيات والأحاديث قد دلت على أن العرش مباين لغيره من المخلوقات وأن الله قد اختصه وميزه بأمور كثيرة منها: أن له حملة يحملونه اليوم ويوم القيامة، وأن الله قد أخبر بوجوده قبل خلق السموات والأرض وقبل وجود الأفلاك وأن الله سبحانه تمدح نفسه بأنه ذو العرش، ووصف العرش بأنه مجيد، وعظيم، وكريم، فكل هذه الميزات والخصائص تبطل قول المنازع لأنه يقول بأن نسبة الفلك الأعلى إلى ما دونه كنسبة الآخر إلى ما دونه، ذلك لأنه لو كان العرش من جنس الأفلاك لكان إلى ما دونه كنسبة الآخر إلى ما دونه، وهذا لا يوجب خروجه عن الجنس وتخصيصه بالذكر(2).
__________
(1) الرسالة العرشية (ص2).
(2) المصدر السابق (ص3-7).
(10/36)
كما أن مما يدل على فساد قولهم ما ثبت في الشرع من أن للعرش قوائم وأنه يهتز، ومعلوم أن الأفلاك مستديرة وليس لها قوائم، كما أنها متحركة دائماً بحركة متشابهة لا تتغير، كما ثبت أيضاً أن العرش أثقل الأوزان، وهم يقولون إن الفلك لا ثقيل ولا خفيف(1).
فعلم مما تقدم انتفاء الدليل العقلي عند هؤلاء كما علم مخالفتهم للأدلة الشرعية وإبطالها لأقوالهم، ويضاف إلى هذا مخالفتهم للغة العرب، فالعرب لا تفهم من كلمة العرش هذا المعنى ولا هو مستعمل في لغتها، والقرآن إنما نزل بما يفهمون.
وبعد هذا كله لا تبقى أدنى شبهة في فساد هذا القول وبطلانه والله أعلم.
الفصل الثاني
الأدلة على إثبات العرش
من الكتاب والسنة
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: الأدلة القرآنية على إثبات العرش.
المبحث الثاني: الأدلة من السنة على إثبات العرش.
المبحث الأول
الأدلة القرآنية على إثبات العرش
لقد جاء ذكر عرش الرحمن في القرآن الكريم في واحد وعشرين موضعاً:
1- قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف 54]
2- وقال تعالى: {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة 129].
3- وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} [يونس 3].
__________
(1) جلاء العينين في محاكمة الأحمدين (ص363).
(10/37)
4- وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [هود 7].
5- وقال تعالى: {اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى} [الرعد 2].
6- وقال تعالى: {قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً} [الإسراء 42].
7- وقال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه 5].
8- وقال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ } [الأنبياء 22].
9- وقال تعالى:{قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [المؤمنون 86].
10- وقال تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لاَ إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون 116].
11- وقال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان 59].
12- وقال تعالى: {اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } [النمل 26]
13- وقال تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} [السجدة 4].
14- وقال تعالى: {وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزمر 75].
(10/38)
15- وقال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر 7].
16- وقال تعالى {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ } [غافر 16].
17- وقال تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ } [الزخرف 82].
18- وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد 4].
19- وقال تعالى {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } [الحاقة 17].
20- وقال تعالى {ذو قُوة ٍعِنْدَ ذِي العرشِ مَكِين} [التكوير 20].
21- وقال تعالى {ذُو العرشِ المجِيد} [البروج 15].
المبحث الثاني
الأدلة من السنة على إثبات العرش
أورد الذهبي -رحمه الله- في كتابه "العرش" جملة طيبة من الأحاديث والآثار الواردة في العرش وصفته، وفي هذا المبحث لن نذكر تلك الأحاديث والآثار التي أوردها لأنها ستأتي، وإنما سنورد ههنا بعض الأحاديث الصحيحة في العرش وصفته التي لم يذكرها الذهبي في كتابه، وهذه الأحاديث كثيراً ما يوردها السلف في كتبهم ويستدلون بها لما فيها من الصحة والقوة، ولما فيها من الصفات الدالة على عرش الخالق سبحانه وتعالى.
(10/39)
1- فقد جاء في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، جاء يهودي فقال: يا أبا القاسم ضرب وجهي رجل من أصحابك، فقال: من؟ قال: رجل من الأنصار، قال: ادعوه، فقال: أضربته؟ فقال: سمعته بالسوق يحلف والذي اصطفى موسى على البشر، قلت: أي خبيث على محمد صلى الله عليه وسلم، فأخذتني غضبة فضربت وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تخيروا بين الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من تنشق عنه الأرض، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أكان صعق أم حوسب بصعقته الأولى" (1).
والشاهد لنا من هذا الحديث قوله: "فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش"، حيث إن للعرش قوائم، ولم يرد في الشرع تحديد عدد لها، وهذا الحديث هو من أقوى الأدلة على أن العرش ليس المراد به الملك أو الفلك التاسع.
2- وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء"(2).
وفي الحديث دلالة واضحة على أن العرش كان مخلوقاً على الماء قبل خلق السموات.
3- وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عن الكرب: "لا إله إلا الله العليم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم"(3).
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه (5/70 مع الفتح) كتاب الخصومات باب ما يذكر في الأشخاص والخصومة بين المسلم واليهودي.ومسلم في صحيحه (4/101-102) كتاب الفضائل.
(2) أخرجه مسلم في القدر (8/51).
(3) أخرجه البخاري في التوحيد، باب وكان عرشه على الماء، واللفظ له. فتح الباري (13/405). مسلم في الذكر والدعاء (8/85).
(10/40)
4- وعن ابن عباس عن جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال: "ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟"، قالت: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن، سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته"(1).
قال ابن تيمية: "فهذا يبين أن زنة العرش أثقل الأوزان"(2).
5- وعن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام"(3).
6- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من آمن بالله ورسوله، وأقام الصلاة، وصام رمضان، كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، هاجر في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها، قالوا: يا رسول الله أفلا ننبىء الناس بذلك؟ قال: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة"(4).
7- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله"(5).
__________
(1) أخرجه مسلم في الذكر (8/83) واللفظ له.وأخرجه أبو داود في تخريج أبواب الوتر، باب التسبيح بالحصى (2/171).وأخرجه الترمذي في الدعوات، وقال: (حديث حسن صحيح). (5/556).
(2) الرسالة العرشية (ص8).
(3) تقدم تخريجه في ص 241.
(4) أخرجه البخاري في التوحيد، باب وكان عرشه على الماء. انظر:فتح الباري (13/404).
(5) أخرجه مسلم في البر والصلة (8/7).
(10/41)
8- وعن أبي ذر رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس: "أتدري أين تذهب؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن فلا يؤذن لها، فيقال لها: ارجعي من حيث جئتي فتطلع من مغربها، فذلك قوله تعالى {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }"(1).
9- وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما قضى الله الخلق كتب في كتابه، فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي"(2).
10- وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المتحابون في الله يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله"(3).
الفصل الثالث
صفة العرش وخصائصه
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: خلق العرش وهيئته.
المبحث الثاني: مكان العرش.
المبحث الثالث: خصائص العرش.
المبحث الأول
خلق العرش وهيئته
إن أول صفة نذكرها لعرش البارئ سبحانه وتعالى كونه مخلوقاً من مخلوقات الله تعالى، ذلك لأن كل ما على الوجود هو مخلوق خلقه الله تعالى وأوجده، قال الله تعالى {ذَلكُمُ الله رَبُّكم لا إِلهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيء} [الأنعام 102]، فكل شيء في هذا الكون مخلوق والعرش من ضمن هذا الكون فهو مخلوق أيضاً.
__________
(1) أخرجه البخاري في المغازي، باب صفة الشمس والقمر. فتح الباري (6/297).
(2) أخرجه البخاري في بدء خلق، باب ما جاء في قوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}. فتح الباري (6/287).وأخرجه مسلم في التوبة، باب في سعة رحمة الله أنها سبقت غضبه. (8/95).
(3) أخرجه أحمد في المسند (5/229، 236، 237). وابن حبان (2510). والحاكم (4/169-170). وابن المبارك في الزهد (ص715) من طريقين صحيحين عنه.
(10/42)
وسلف الأمة وأئمتها يقولون: إن القرآن والسنة قد دلا على أن العرش مخلوق من مخلوقات الله تعالى خلقه وأوجده، قال تعالى {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة 129]، فالعرش موصوف بأنه مربوب وكل مربوب مخلوق، فالعرش مخلوق من مخلوقات الله.
وقد دلت الآيات والأحاديث على أن خلق العرش متقدم على خلق السموات والأرض، قال تعالى {وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء} [هود 7]، فالآية تدل على أن العرش كان موجوداً على الماء قبل خلق السموات والأرض ويؤيد تفسير الآية بهذا المعنى حديث عمران بن حصين رضي الله عنه الذي جاء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض"(1).
وأما مسألة خلق العرش فقد جاء ذكرها في حديث أبي رزين العقيلي قال: قلت: يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: "كان في عما ما تحته هواء وما فوقه هواء، ثم خلق عرشه على الماء"(2).
هذه الأدلة التي استدل بها السلف على إثبات خلق العرش، فيها أبلغ الرد على من زعم من الفلاسفة أن العرش هو الخالق الصانع، أو أنه لم يزل مع الله تعالى.
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قوله تعالى {وَهُوَ اَلّذِي يَبْدَأُ اَلخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيهِ}. انظر: فتح الباري (6/286، رقم 3190).
(2) سيأتي تخريجه في التحقيق برقم (15).
(10/43)
ولقد خالف السلف في قولهم هذا بعض أهل الكلام الذين زعموا أن السموات والأرض كانتا مخلوقتين قبل العرش، وهم بزعمهم هذا الذي لا دليل لهم عليه إنما يحاولون به إخراج الاستواء عن حقيقته في قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف 54]، ليكون معنى الاستواء في الآية على زعمهم بمعنى القدرة على العرش والاستيلاء عليه، ذلك لأنهم لو سلموا أن العرش مخلوق قبل السموات والأرض لقيل لهم إنكم تزعمون أن (استوى) بمعنى استولى، فلماذا تأخر الاستيلاء إلى ما بعد خلق السموات مع أنه كان موجوداً قبل ذلك، فهم فراراً من هذا الأمر ادعوا أن العرش مخلوق بعد السموات والأرض.
وقد رد ابن القيم رحمه الله على زعمهم هذا بقوله: "إن هذا لم يقله أحد من أهل العلم أصلاً، وهو مناقض لما دل عليه القرآن والسنة وإجماع المسلمين أظهر مناقضة، فإنه تعالى أخبر أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام وعرشه حينئذ على الماء، وهذه واو الحال، أي خلقها في هذه الحال، فدل على سبق العرش والماء للسموات والأراضين وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: "قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء"(1) (2).
وكذلك فيما ذكرناه من أدلة على سبق خلق العرش للسموات والأرض فيه رد على زعم هؤلاء ومدى مخالفة قولهم للكتاب والسنة.
وبعد أن علمنا أسبقية خلق العرش على خلق السموات والأرض وإجماع سلف الأمة على ذلك، نود أن نتطرق في هذا البحث أيضاً إلى ترتيب خلق العرش مع غيره من المخلوقات من حيث الأولوية في الخلق.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على عدة أقوال:
القول الأول:
__________
(1) تقدم تخريجه ص 261.
(2) مختصر الصواعق (2/131).
(10/44)
إن القلم أول المخلوقات، وأنه أسبق في الخلق من العرش، وهذا القول هو اختيار ابن جرير الطبري(1) وابن الجوزي(2) وهو ما يفهم في الظاهر من قول من صنف في الأوائل كابن أبي عروبة الحراني، وأبو القاسم الطبراني(3).
والدليل على هذا القول حديث عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: رب ماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة ..." الحديث(4).
قال ابن جرير عند تخريج هذا القول: "وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رويناه عنه أولى قول في ذلك بالصواب لأنه كان أعلم قائل في ذلك قولاً بحقيقته وصحته من غير استثناء منه شيئاً من الأشياء أنه تقدم خلق الله إياه خلق القلم، بل عم بقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أول شيء خلقه الله القلم"، كل شيء وأن القلم مخلوق قبله من غير استثنائه من ذلك عرشاً ولا ماء ولا شيئاً غير ذلك"(5).
القول الثاني:
إن الماء أول المخلوقات، وإنه مخلوق قبل العرش.
وهذا القول ذكره ابن جرير ونقله عنه ابن كثير(6)، وذكره أيضاً ابن حجر(7)، واستدل له بما رواه أحمد والترمذي وصححه من حديث أبي رزين العقيلي مرفوعاً "إن الماء خلق قبل العرش".
وقال ابن حجر: "وروى السدي في تفسيره بأسانيد متعددة "أن الله لم يخلق شيئاً مما خلق قبل الماء" ".
القول الثالث:
أن أول شيء خلقه الله عز وجل من خلقه النور والظلمة.
وهذا القول ذكره ابن جرير وعزاه إلى ابن إسحاق(8).
القول الرابع:
أن العرش هو أول المخلوقات.
__________
(1) تاريخ الطبري (1/36).
(2) البداية والنهاية (1/8).
(3) توضيح المقاصد وتصحيح القواعد.
(4) أخرجه أحمد في مسنده (5/317). وأبو داود في سننه (5/76، رقم4700). الترمذي في سننه (5/424، رقم3319).
(5) تاريخ الطبري (1/35،36).
(6) البداية والنهاية (1/9).
(7) فتح الباري (6/289).
(8) تاريخ الطبري (1/33).
(10/45)
وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية(1)، وابن القيم(2)، وابن كثير(3)، وشارح العقيدة الطحاوية(4)، ونسبه ابن كثير وابن حجر -نقلاً عن أبي العلاء الهمداني- إلى الجمهور، ومال إليه ابن حجر أيضاً(5).
واستدلوا على قولهم هذا بما رواه مسلم في صحيحه بسنده عن عبدالله بن عمرو بن العاص مرفوعاً قال: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء"(6).
ففي هذا الحديث تصريح بأن التقدير وقع بعد خلق العرش وحديث عبادة صريح بأن التقدير وقع عند أول خلق القلم، فدل ذلك على أن العرش سابق على القلم.
ومما يؤيد هذا القول أيضاً حديث عمران بن حصين: "كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض" (7).
فالحديث يدل على أن العرش كان موجوداً قبل كتابة المقادير.
وهذا هو الراجح من الأقوال.
وأما القول الثاني (أن الماء أول المخلوقات) واستدلال ابن حجر بحديث أبي رزين (أن الماء خلق قبل العرش) فغير صحيح، لأنه لم يرد في حديث أبي رزين هذا اللفظ، وإنما ورد فيه (ثم خلق عرشه على الماء) وليس في هذا ما يدل على أولية الماء.
وأما ما رواه السدي فهو أيضاً لا يصلح للاحتجاج لكونه أثراً ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك
__________
(1) مجموع الفتاوى (18/213).
(2) اجتماع الجيوش الإسلامية (253-254). وانظر مختصر الصواعق المرسلة (2/323).
(3) البداية والنهاية (1/9).
(4) شرح العقيدة الطحاوية (ص295).
(5) فتح الباري (6/289).
(6) تقدم تخريجه ص 261.
(7) تقدم تخريجه قريباً ص 267.
(10/46)
وأما القول الثالث: وهو قول ابن إسحاق فهو أيضاً غير صحيح، ولعله أخذه من الإسرائيليات كما أخذ غيره من الأمور، وقد قال ابن جرير في هذا القول: "وأما ابن إسحاق فإنه لم يسند قوله الذي قاله في ذلك إلى أحد، وذلك من الأمور التي لا يدرك علمها إلا بخبر من الله عز وجل أو من خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم"(1).
أما القول الأول فقد أجاب الجمهور على استدلالهم بحديث عبادة ابن الصامت بقولهم لا يخلو قوله "أول ما خلق الله القلم ... الخ" من أن يكون جملة أو جملتين، فإن كان جملة -وهو الصحيح- كان معناه أنه عند أول خلقه قال له (اكتب) كما في اللفظ، (أول ما خلق الله القلم قال له اكتب) بنصب (أول) و (القلم) فعلى هذا تكون الأولية راجعة إلى الكتابة لا إلى الخلق.
وإن كانت جملتين وهو مروي برفع (أول) و (القلم) فيتعين حمله على أنه أول المخلوقات من هذا العالم، فيتفق بهذا الحديثان، إذ حديث عبد الله بن عمرو صريح في أن العرش سابق على التقدير، والتقدير مقارن لخلق القلم(2).
أما هيئة العرش: فقد دلت الأحاديث على أنه مقبب الشكل وأنه على هذا العالم المكون من السموات والأرض وما فيهما كهيئة القبة وهذا ما يدل عليه حديث الأعرابي الذي جاء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن عرشه على سمواته وأراضيه هكذا" وأشار بأصابعه مثل القبة.
ويؤيد وصف هيئة العرش بهذه الصفة ما جاء في الحديث الآخر "إذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه وسط الجنة وأعلاها وفوقه عرش الرحمن". فالحديث يبين أن الفردوس أوسط الجنة وأعلاها كما جاء في الحديث الآخر: "مائة درجة ومابين كل درجة ودرجة كما بين السموات والأرض".
فكون العرش سقفاً للفردوس الذي هو أوسط الجنة وأعلاها يدل على أنه مقبب لأن هذه الصفة لا تكون إلا في المستدير.
__________
(1) تاريخ الطبري (1/33).
(2) شرح العقيدة الطحاوية (ص295-296).
اجتماع الجيوش الإسلامية (ص253-254).
(10/47)
والعرش له قوائم كما جاء في الحديث الصحيح "لا تخيروا بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون، فأكون أول من يفيق، فإذا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش" الحديث.
وفي إثبات كون العرش مقبباً وأن له قوائم تحمله، رد على من زعم من الفلاسفة أن العرش فلك من الأفلاك أو أنه الفلك التاسع، وقد تقدم الرد على زعم هؤلاء.
وكذلك فيه رد على من زعم أن العرش بمعنى الملك لأنه لا يعقل أن يكون ماسكاً بقائمة من قوائم الملك.
وقد ذكر ابن كثير والذهبي أن العرش من ياقوتة حمراء(1) وقد استدلوا لهذا القول بما رواه إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت سعداً الطائي يقول: "العرش ياقوتة حمراء" (2).
المبحث الثاني
مكان العرش
إن الآيات والأحاديث التي جاء فيها ذكر عرش الرحمن تبارك وتعالى لتدل دلالة واضحة على أن لعرش الرحمن مكاناً قبل وجود السموات والأرض وبعد خلقهما، فأما مكانه قبل خلق السموات والأرض فالآيات والأحاديث تبين لنا أن مكانه على الماء، فالله سبحانه يقول في كتابه الكريم {وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء}.[هود:7]
قال الطبري في تفسير هذه الآية: "وقوله { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء } يقول وكان عرشه على الماء قبل أن يخلق السموات والأرض وما فيهن، وعن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله { وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء }قبل أن يخلق شيئاً"(3).
وأما الأدلة من السنة على ذلك فكثيرة منها حديث عمران بن حصين الذي جاء فيه: "كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، ثم خلق السموات والأرض".
وكذلك ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء".
__________
(1) تفسير ابن كثير (4/74). العلو للذهبي (ص57)
(2) أخرجه: ابن أبي شيبة في كتاب العرش (ص413-414،ح47).
(3) تفسير الطبري (12/4).
(10/48)
وكذلك حديث أبي رزين العقيلي قال: قلت يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: "كان في عما ما تحته هواء وما فوقه هواء ثم خلق عرشه على الماء".
فكل من الآية والأحاديث تدل دلالة قاطعة على أن مكان العرش منذ خلقه على الماء، وليس مراد بالماء هنا ماء البحر لأن ماء البحر إنما وجد بعد خلق السموات والأرض، وإنما الماء المذكور هنا ماء آخر تحت العرش على ما شاء الله تعالى (1).
وقد سئل حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء} على أي شيء كان الماء؟ قال: "كان على متن الريح"(2).
وعن سليمان التيمي أنه قال: "ولو سئلت أين الله؟ لقلت: في السماء، فإن قال: فأين كان عرشه قبل السماء؟ لقلت: على الماء، فإن قال: فأين كان عرشه قبل الماء؟ لقلت: لا أعلم، قال أبو عبد الله: وذلك لقوله تعالى {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء} [البقرة 255]"(3).
هذا مكان العرش قبل خلق هذا الكون الذي هو عبارة عن السموات والأرض، أما مكانه بعد خلق السموات والأرض فالحديث عنه من جانبين:
الجانب الأول: مكانه بالنسبة إلى الله تعالى مع غيره من المخلوقات.
والجانب الثاني: مكانه بالنسبة إلى السموات والأرض بعد خلقهما.
__________
(1) فتح الباري (13/411).
(2) أخرجه ابن جرير في تفسيره (15/249). والدارمي في الرد على بشر المريسي (ص445). وابن أبي عاصم في السنة (1/258). والحاكم في المستدرك (2/341). والبيهقي في الأسماء والصفات (2/237، رقم802).
كلهم بإسنادهم عن سفيان عن الأعمش بنحوه.
قال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي.
وإسناده جيد موقوف.
(3) خلق أفعال العباد (127).
(10/49)
أما مكان العرش بالنسبة إلى الله تعالى مع غيره من المخلوقات فهو أقربها إليه سبحانه، وذلك لأن الله سبحانه قد أخبر أنه مستو على عرشه في أكثر في موضع في القرآن الكريم، قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ففي إثبات الاستواء على العرش دليل على قربه إليه لأنه سبحانه مستو على أعلى مخلوقاته وأقربها إليه، وهذه ميزة امتاز بها العرش على ما سواه.
ومما يؤيد كون العرش أقرب المخلوقات إلى الله ما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولكن ربنا تبارك وتعالى اسمه إذا قضى أمراً سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا، ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم ماذا قال"(1).
فالحديث يدل على أن حملة العرش هم أول من يتلقى أمر الله، ثم يبلغونه للذين يلونهم من أهل السموات، فكونهم أقرب الخلق إلى الله دليل على أن العرش أقرب منهم إليه سبحانه لأنهم إنما يحملونه.
أما مكان العرش بالنسبة للسموات والأرض بعد خلقهما، وهل مازال على الماء؟
__________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب السلام، باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان، (14/225). والترمذي في سننه، كتاب التفسير، باب سورة سبأ، (5/362 رقم 2324). والإمام أحمد في مسنده (1/218). والدارمي في الرد على الجهمية (ص78). وابن منده في التوحيد (ق16/ب). والبيهقي في الأسماء والصفات (1/512-513، رقم436). والطحاوي في المشكل (3/113). وأبو نعيم في الحلية (3/ 143).
كلهم بإسنادهم عن الزهري عن علي بن الحسين به، وبألفاظ متقاربة.
وقال الترمذي: (هذا حديث حسن صحيح).
(10/50)
فالجواب ما يلي: إن العرش ما يزال على الماء المذكور في الآية والأحاديث بدليل ما جاء في أحاديث الأوعال، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ثم فوق السماء السابعة بحر بين أعلاه وأسفله مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ذلك كله ثمانية أملاك أوعال ما بين أظلافهم إلى ركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ظهورهم العرش".
فالحديث يُشير كما أسلفنا إلى وجود ذلك الماء الذي تحت العرش، وإلى أنه ما زال موجوداً إلى ما بعد خلق السموات والأرض.
أما مكان العرش بالنسبة إلى السموات والأرض فهو أعلى منها وفوقها، وهو كالقبة عليها كما جاء في الحديث: "إن عرشه على سمواته وأراضيه هكذا" وأشار بأصابعه مثل القبة.
وكذلك ما جاء في حديث العباس بن عبد المطلب الذي يسمى بحديث الأوعال، فكلا الحديثين يدلان على أن العرش فوق السموات والأرض وأعلى منهما وهو كالسقف عليهما، بل هو سقف للجنة كما في حديث: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن"(1).
فمكان العرش فوق السموات والأرض وفوق الجنة وهو أعلى المخلوقات وأرفعها، وجميع المخلوقات دونه في العلو والارتفاع. والله أعلم.
المبحث الثالث
خصائص العرش
خص الخالق سبحانه وتعالى عرشه الكريم بخصائص عديدة ميزته على كثير من المخلوقات الأخرى، وذلك لما للعرش من المكانة الرفيعة عند البارئ عز وجل، وقد ذكر عرش الرحمن في واحد وعشرين موضعاً من القرآن الكريم، ومجيء ذكر العرش بهذا العدد يدل على ما له من مكانة ومنزلة عالية عند الخالق سبحانه وتعالى.
__________
(1) تقدم تخريجه ص 245.
(10/51)
فالله سبحانه وتعالى قد مدح نفسه في أكثر من موضع من كتابه الكريم بأنه صاحب العرش العظيم والكريم والمجيد، قال تعالى: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}، وقال تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}، وقال تعالى {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ}.
فالله سبحانه يصف لنا في هذه الآيات وغيرها العرش بأنه عظيم، وكريم، ومجيد، فهو عظيم لكونه أكبر المخلوقات وأعظمها وأعلاها، وذلك لما خص الله به هذا العرش من الاستواء عليه، ومجيد وكريم لما له من منزلة تميز بها عما سواه من المخلوقات، فهو إنما اتصف بهذه الصفات لجلالته وعظيم قدره. كما أن في قوله تعالى {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ} إخبار منه تعالى عن عظمته وكبريائه وارتفاع عرشه العظيم العالي على جميع خلقه، ومما يدل أيضاً على عظمة هذا العرش اقترانه باسم (الرحمن) كثيراً في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، وقوله تعالى {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا }.
ففي هذا الاقتران بين اسم الرحمن والعرش حكمة وهي إخباره عز وجل بأنه قد استوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات، ذلك لأن العرش محيط بالمخلوقات وقد وسعها، والرحمة بالخلق واسعة لهم(1)، كما قال تعالى {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف 156].
وسنذكر في هذا المبحث بعض الخصائص التي اختص بها العرش وكرم بها، والتي جعلته يوصف بهذا الوصف في القرآن الكريم ويجعل له تلك المنزلة الرفيعة.
أولاً: الاستواء عليه:
__________
(1) مدارج السالكين (1/33-34)
(10/52)
يعتبر استواء الله سبحانه وتعالى على العرش أعظم الخصائص التي اختص بها العرش، بل إن ما سواها من الخصائص الأخرى التي تميز بها العرش إنما جعلت له لأجل استواء الله عز وجل عليه، وذلك أن الله تعالى لما اختصه بهذا الأمر جعل له من الخصائص والصفات كارتفاعه وعظم خلقه وكبره وثقل وزنه؛ لكي يتناسب مع ما ميز وشرف به من الاستواء عليه.
ومسألة الاستواء على العرش ثابتة في الكتاب والسنة، فقد جاء ذكر الاستواء في القرآن الكريم في سبعة مواضع، ومجيء ذكر الاستواء في القرآن بهذا العدد إنما هو ليؤكد عظم هذا الأمر وأهميته، وأما السنة فهي مليئة بالأحاديث والآثار التي تثبت الاستواء وتؤكده.
وإن مذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين وغيرهم من أهل العلم رضوان الله عليهم أجمعين أنهم يقولون: إن الله استوى على عرشه بلا تكييف ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل، فهو سبحانه مستو على عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته، واستواؤه حقيقة لا مجاز كما يزعم الجهمية وأتباعهم الذين ينكرون العرش وأن يكون الله فوقه، وأما كيفية ذلك الاستواء فهي مجهولة لدينا والسؤال عن كيفية ذلك الاستواء بدعة، لأن الله سبحانه لم يطلعنا على كيفية ذاته فكيف يكون لنا أن نعرف كيفية استوائه، وهو سبحانه وتعالى يقول: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء}.
ثانياً: العرش أعلى المخلوقات أرفعها وسقفها.
إن مما اختص به الخالق سبحانه وتعالى العرش مع استوائه عليه كونه أعلى المخلوقات وأرفعها وأقربها إلى الله تعالى، فقد ثبت أن العرش أعلى من السموات والأرض والجنة وأنه كالسقف عليها، والأدلة على هذا الأمر كثيرة وقد سبق أن أوردنا جزءاً منها خلال حديثنا عن مكان العرش.
والقول بأن العرش أعلى المخلوقات هو قول السلف الذي قالوا به وذهبوا إليه:
(10/53)
قال محمد بن عبد الله بن أبي زمنين في كتابه " أصول السنة ": "ومن قول أهل السنة أن الله عز وجل خلق العرش واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق، ثم استوى عليه كيف شاء"(1).
وكون العرش أعلى المخلوقات يدل على أنه أقرب إلى الله تعالى وهذه ميزة أخرى تضاف إلى الخصائص التي انفرد بها العرش، ويدل على هذا الأمر ما جاء في حديث الأوعال: "ثم فوق ظهورهم العرش بين أعلاه وأسفله مثل ما بين سماء إلى سماء والله تعالى فوق ذلك"(2).
وكذلك ما جاء عن ابن مسعود: "بين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي إلى الماء خمسمائة عام، والعرش على الماء، والله فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه"(3).
ثالثاً: العرش أكبر المخلوقات وأعظمها وأثقلها.
إن عرش الرحمن تبارك وتعالى يعتبر أكبر مخلوقات الله وأوسعها وأعظمها على الإطلاق، فقد خص الله عز وجل العرش بهذه الميزة العظيمة وشرفه بها مع غيرها من الميزات لكي يتناسب مع ذلك الشرف العظيم ألا وهو استواء البارئ عز وجل عليه.
وعظم العرش وسعة خلقه قد دل عليهما القرآن والسنة، فالله سبحانه وتعالى يقول في محكم التنزيل: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}، فالله سبحانه وصف العرش في هذه الآية وغيرها بكونه عظيماً في خلقه وسعته، قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "أي هو مالك كل شيء وخالقه لأنه رب العرش العظيم الذي هو سقف المخلوقات، وجميع الخلائق من السموات والأرضين وما فيهما تحت العرش مقهورين بقدرة الله تعالى"(4).
__________
(1) أصول السنة (ص88).
(2) سيأتي تخريجه في قسم التحقيق برقم 24.
(3) أخرجه الدارمي في الرد على الجهمية (ص26، 27).
واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (3/396).
وأورده ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (ص100) وقال: ((رواه سنيد بن داود بإسناد صحيح)).
(4) تفسير ابن كثير (2/404).
(10/54)
ومما يشهد لعظم العرش وسعة خلقه الأحاديث والآثار التي تتحدث عن كبر حجمه وسعته، فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن عرشه على سمواته وأرضه هكذا" وأشار بأصابعه مثل القبة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يشبه العرش أنه كالقبة على هذا العالم المكون من السموات والأرض وما فيهما وكالسقف عليهما.
وفي هذا بيان واضح على عظم العرش وكبر مساحته.
وفي حديث أخر يبين لنا مدى عظم العرش وكبر مساحته، فليس العرش أكبر من السموات والأرض فقط، بل هو من الكبر وسعة الحجم بحيث لا تعدل السموات والأرض على سعة حجمهما بجانبه شيئاً يذكر، فعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا أبا ذر ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة".
وفي رواية "ما السموات السبع والأراضون السبع وما بينهن وما فيهن في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وإن الكرسي بما فيه بالنسبة إلى العرش كتلك الحلقة في تلك الفلاة".
فالحديث كما أسلفنا دليل واضح على سعة العرش وعظم خلقه، وأما مقدار ذلك الحجم وتلك السعة فلا يعلمها إلا الله تعالى.
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى"(1)
__________
(1) أخرجه الدارمي في الرد على بشر المريسي (ص71، 73، 74). وعبد الله بن أحمد في السنة (ص70، 142). وابن جرير في التفسير (3/10). والطبراني في المعجم الكبير (12/39، برقم 12404). والدارقطني في الصفات (ص30). والحاكم في المستدرك (2/283). والخطيب البغدادي في تاريخه (9/251-252) من أوجه. والهروي في الأربعين (ص125).
كلهم من طريق سفيان الثوري عن عمار الذهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفاً.
قال الحاكم: (صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي. وذكر ه الذهبي في العلو (ص61) وقال: (رواته ثقات). وقال الألباني: (هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات، وتابعه يوسف بن أبي إسحاق عن عمار الذهني) انظر مختصر العلو (ص102). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/323): (رجاله رجال الصحيح).
(10/55)
.
والعرش يمتاز مع كبر حجمه وسعته، بكونه أثقل المخلوقات وزنته أثقل الأوزان، فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجويرية: "لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن، سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد
كلماته".
قال ابن تيمية: "فهذا يبين أن زنة العرش أثقل الأوزان"(1).
رابعاً: العرش ليس داخلا فيما يقبض ويطوى.
لقد خص الله سبحانه وتعالى العرش بخصائص منها ما انفرد بها العرش عن غيره من المخلوقات، ومنها ما اشترك بها العرش مع بعض المخلوقات الأخرى، ولقد سبق الحديث عن بعض الخصائص التي انفرد بها العرش، وأود هاهنا أن أبين بعض ما اشترك به العرش مع غيره من المخلوقات من الخصائص.
فقد سبق أن علمنا أن العرش مخلوق قبل السموات والأرض فهو بهذا ليس داخلا فيما خلق في الأيام الستة، ومعلوم أن الله سبحانه قد أخبر في كتابه وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه يقبض يوم القيامة السموات والأرض ويطويها ويبدلها، قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر 67]، وقال تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إبراهيم 48]، وقال تعالى: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء 104]، وقال تعالى: {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ. وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق 1-2]، وقال تعالى: {إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ} [الانفطار 1].
__________
(1) الرسالة العرشية (ص8).
(10/56)
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض"(1).
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يطوي الله السموات والأرض ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول: أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون"(2).
فالآيات والأحاديث السابقة تدل على أن السموات والأرض وما فيهما تقبض وتطوى وتبدل.
وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى كالجنة والنار والعرش(3).
فعلى هذا يكون العرش ليس داخلا فيما يقبض ويطوى ويبدل، والأدلة على بقاء العرش كثيرة في الكتاب والسنة، فالله سبحانه وتعالى يقول مخبرا عن بقاء عرشه يوم القيامة: {وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة 14-17].
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، انظر فتح الباري (13/367).
ومسلم في صحيحه، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، (8/126).
(2) صحيح مسلم كتاب صفة القيامة (8/126).
(3) الفتاوى (18/307).
(10/57)
وكذلك ما جاء في سورة الزمر من إخباره تعالى بقبضه للأرض وطيه للسموات بيمينه وذكر نفخ الصور وصعق من في السموات والأرض إلا ما شاء الله، ثم ذكر النفخة الثانية التي يقومون بها، وأن الأرض تشرق بنور ربها وأن الكتاب يوضع، ويجاء بالنبيين والشهداء، وأنه توفى كل نفس ما عملت، وذكر سوق الكفار إلى النار، وسوق المؤمنين إلى الجنة إلى أن قال تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ. وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزمر 74-75].
فالآيات فيها إخبار عن الموقف يوم القيامة وفيها شاهد على أن العرش باق حتى بعد انتهاء الحساب.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما العرش فلم يكن داخلا فيما خلقه في الأيام الستة ولا يشقه ويفطره، بل الأحاديث المشهورة دلت على
ما دل عليه القرآن من بقاء العرش، فقد ثبت في الصحيح أن جنة عدن سقفها عرش الرحمن قال صلى الله عليه وسلم: "إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة وفوقه عرش الرحمن" "(1).
الفصل الرابع
الكلام على حملة العرش وعلى الكرسي
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: الكلام على حملة العرش.
المبحث الثاني: الكلام على الكرسي.
المبحث الأول
الكلام على حملة العرش
__________
(1) نقض التأسيس (1/155).
(10/58)
إن كون عرش الرحمن له حملة يحملونه هو أمر ثابت في الكتاب والسنة، فقد جاء ذكر حملة العرش في موضعين من القرآن الكريم قال تعالى:{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}، وقال تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}.
فالآيتان تدلان على أن لعرش الله حملة يحملونه اليوم ويوم القيامة، قال شيخ الإسلام: "إن قوله: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ}، وقوله: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}، يوجب أن لله عرشا يحمل، ويوجب أن ذلك العرش ليس هو الملك كما تقوله طائفة من الجهيمة، فإن الملك هو مجموع الخلق فهنا دلت الآية على أن لله ملائكة من جملة خلقه يحملون عرشه، وآخرون يكونون حوله، وعلى أنه يوم القيامة يحمله ثمانية"(1).
وأما السنة فهي مليئة بالأحاديث والآثار الدالة على أن لعرش الرحمن حملة من الملائكة يحملونه، فعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام"(2).
وكذلك ما جاء في حديث الأوعال: "ثم فوق ذلك ثمانية أملاك أوعال ما بين أظلافهم إلى ركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء ثم فوق ظهورهم العرش".
والقول بأن حملة العرش هم من الملائكة هو قول السلف الذين يثبتون العرش على أنه جسم عظيم خلقه الله فوق العالم وأن الله استوى عليه بعد أن خلق السموات والأرض، وهذا ما جاء به القرآن والسنة وأجمع عليه السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم.
__________
(1) نقض التأسيس (1/575).
(2) سيأتي تخريجه في قسم التحقيق برقم 24.
(10/59)
وأما الذين أنكروا استواء الله على عرشه وقالوا: إن استوى بمعنى استولى، وأن المراد بالعرش الملك، فإنهم أنكروا أيضا كون حملة العرش هم من الملائكة، فقالوا: إن قوله: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}، {َيَحْمِلُ} بالجذب، {عَرْشَ رَبِّك} ملك ربك للأرض والسموات، {فَوْقَهُم} أي فوق الملائكة الذين هم على أرجائها يوم القيامة، {ثَمَانِيَةٌ} أي السموات السبع والأرض(1)، وقيل المراد بالثمانية: السموات والكرسي(2).
فقد أولوا هذه الآية كما أولوا آيات الاستواء والآيات التي جاء فيها ذكر عرش الرحمن تبارك وتعالى.
أما الصنف الآخر الذين زعموا أن العرش المذكور في الآيات المراد به الفلك التاسع، وهم الفلاسفة، فهم يقولون: إن المراد بالحملة الثمانية في قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}، الثمانية أفلاك التي تحت الفلك المحيط أو ما يسمونه الفلك التاسع(3).
وقد تقدم الرد على كلا الفريقين أثناء الكلام على الأقوال في العرش.
فمما تقدم تقرر أن لعرش الله حملة من الملائكة يحملونه بقدرة الله، وقد أخبرنا الله تعالى أنهم يوم القيامة ثمانية، ولكن اختلف في هؤلاء الثمانية هل هم ثمانية أملاك أم ثمانية أصناف أم صفوف وهل هم اليوم ثمانية أم أقل على عدة أقوال:
القول الأول:
إن المراد بالثمانية: ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله، و هذا القول مروي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} قال: "ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله" (4)
__________
(1) تفسير القاسمي (16/5915).
(2) الفصل (2/126).
(3) تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات (رسالة في النيوات) (87).
(4) أخرجه ابن جرير في تفسيره (29/58).وأورده الذهبي في العلو (ص88).
وأورده ابن كثير في تفسيره (4/414).جميعهم من طريق الحكم بن ظهير عن السدي عن أبي مالك عن ابن عباس بمثله.وأورده السيوطي في الدر المنثور (6/261)، وفي الحبائك (ص50)، عن ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس من طرق بمثله.
(10/60)
.
وهو أيضاً مروي عن سعيد بن جبير(1)، والشعبي وعكرمة
والضحاك وابن جرير(2).
القول الثاني:
إن المراد بالثمانية: أنهم ثمانية أجزاء من تسعة أجزاء من الملائكة، وهذا القول مروي عن ابن عباس(3)، وقال به مقاتل(4)، والكلبي(5).
القول الثالث:
إن حملة العرش هم اليوم ويوم القيامة ثمانية من الملائكة.
ويستدل لهذا القول بحديث العباس بن عبد المطلب الذي جاء فيه: "ثم فوق ذلك ثمانية أملاك أوعال ما بين أظلافهم إلى ركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ظهورهم العرش".
الحديث يدل على أن حملة العرش هم اليوم ثمانية.
وروي عن العباس بن عبد المطلب في قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}، قال: "ثمانية أملاك في صورة أوعال بين أظلافهم وركبهم مسيرة ثلاث وستين أو خمس وستين سنة"(6)
__________
(1) أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة (ص166) بسنده من طريق عبد الأعلى بن حماد عن يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير مثله.
وأورده الذهبي في العلو (ص88) عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير مثله.
وأورده ابن كثير في تفسيره (4/214) من طريق ابن أبي حاتم بسنده عن جرير عن أشعث عن جعفر بن سعيد بن جبير بمثله مقطوعاً، وإسناده جيد، ورجاله كلهم ثقات سوى جعفر بن أبي المغيرة فإنه صدوق يهم.
(2) تفسير ابن كثير (4/414).
(3) أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب العرش (ح27).
(4) زاد المسير (8/351).
(5) فتح القدير (5/282).
(6) أخرجه الدارمي في الرد على بشر المريسي (ص449)، ولفظه (ثمانية أملاك في صورة الأوعال) اهـ. وأخرجه ابن خزيمة في التوحيد (ص109). وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/378) وقال: (حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي.
جميعهم من طريق شريك بن سماك عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس موقوفاً.
وأورده السيوطي في الحبائك (ص46) من طريق عبد بن حميد وعثمان بن سعيد الدارمي، وأبو يعلى، وابن المنذر، وابن خزيمة، وابن مردويه، والحاكم وصححه، وإسناده ضعيف لجهالة عبد الله بن عميرة.
(10/61)
.
وكذلك ما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "حملة العرش ثمانية ما بين موق أحدهم إلى مؤخرة عينه مسيرة مائة عام"(1).
وعن الربيع بن أنس في قوله تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ}، قال: "ثمانية من الملائكة"(2).
وعن شهر بن حوشب قال: "حملة العرش ثمانية، أربعة منهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك، وأربعة يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على عفوك بعد
قدرتك"(3)
__________
(1) ذكره ابن كثير في تفسيره عن ابن أبي حاتم (4/414).
(2) أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب العرش (ح31).
وأورده السيوطي في الدر المنثور (6/261) من طريق عبد بن حميد عن الربيع بن أنس مثله.إسناده منقطع وفيه ضغف لسوء حفظ أبي جعفر الرازي.
(3) أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب العرش (ح24). وأخرجه عبد الرزاق في تفسيره (ق284/ب). والطبري في تفسيره (19/7).
كلاهما من طريق جعفر بن سليمان عن هارون بن رباب عن شهر بن حوشب من قوله.
وعند عبد الرزاق زيادة في آخره ( كلهم ينظرون إلى أعمال بني قدرتك ) بدل قوله ( كانوا يرون أنهم يرون ذنوب بني آدم ).
أما في تفسير ابن جرير فوقف على قوله ( على عفوك بعد قدرتك ) وقد روى الحديث من وجه آخر عن هارون بن رباب.
وأخرجه أبو الشيخ في العظمة (ق85/ب) بسنده عن رواد بن الجراح عن الأوزاعي عن هارون بن رباب نحوه.
والبيهقي في شعب الإيمان (1/1/91/ب، نسخة الشيخ حماد الأنصاري) بسنده عن العباس بن الوليد بن مزيد قال: أخبرني أبي قال: سمعت الأوزاعي قال: حدثني هارون بن رباب بنحوه.
وأورده السيوطي في الدر المنثور (5/346)، والحبائك (ص47)، وعزاه إلى ابن المنذر، وأبي الشيخ، والبيهقي في شعب الإيمان.
وجاء عندهم جميعاً زيادة ( يتجاوبون بصوت حزين رخيم ).
وروي أيضاً من وجه آخر عن حسان بن عطية.
أخرجه أبو نعيم في الحلية (6/74) عن أحمد بن إسحاق، ثنا عبد الله، ثنا عباس بن الوليد، أخبرني أبي، ثنا الأوزاعي، عن حسان بن عطية بنحوه.
وأورده الذهبي في العلو (ص58) قال: الوليد بن مزيد العذري، حدثنا الأوزاعي، عن حسان بن عطية، ثم ذكر نحوه، وقال: (إسناده قوي).
(10/62)
.
القول الرابع:
إن حملة العرش اليوم أربعة من الملائكة ويوم القيامة ثمانية.
وهذا القول رجحه ابن كثير(1)، وابن الجوزي(2) وقال هو قول الجمهور(3).
ويستدل لهذا القول بعدة أدلة منها ما رواه الطبري بسنده عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحمله اليوم أربعة ويوم القيامة ثمانية"(4).
وروى الطبري أيضاً بسنده عن ابن إسحاق قال: بلغنا أن رسول لله صلى الله عليه وسلم قال: "هم اليوم أربعة" يعني حملة العرش "وإذا كان يوم القيامة أيدهم الله بأربعة آخرين فكانوا ثمانية"(5).
واستدلوا أيضاً بما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق أمية بن أبي الصلت في شيء من شعره فقال:
رجل وثور تحت رجل يمينه
والنسر للأخرى وليث مرصد
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق"(6).
واستدلوا أيضاً بما جاء في حديث الصور المشهور فقد جاء فيه: "ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية، وهم اليوم أربعة، أقدامهم على تخوم الأرض السفلى، والسموات إلى حجزهم، والعرش على مناكبهم"(7)
__________
(1) تفسير ابن كثير (4/71).
(2) زاد المسير (7/208).
(3) زاد المسير (8/350).
(4) رواه الطبري من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خبر مقطوع (29/59)، وإسناده ضعيف.
(5) انظر تفسير الطبري (29/59).
(6) أخرجه أحمد في مسنده (1/256). والدارمي في سننه كتاب الإستئذان (2/296).
والبيهقي في الأسماء والصفات (2/206-207، رقم771).
وأورده ابن كثير في النهاية (1/12)، وقال: (حديث صحيح الإسناد، ورجاله ثقات وهو يقتضي أن حملة العرش اليوم أربعة).
(7) أخرجه ابن جرير في تفسيره (24/30).
وأورده ابن كثير في النهاية (1/172-176)، وعزاه للحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده، وقال: (رواه جماعة من الأئمة في كتبهم كابن جرير في تفسيره، والطبراني في المطولات وغيرها، والحافظ البيهقي في كتاب البعث والنشور، والحافظ أبي موسى المديني في المطولات أيضاً من طرق متعددة عن إسماعيل بن رافع قاص المدينة، وقد تكلم فيه بسببه، وفي بعض سياقاته نكارة واختلاف).
(10/63)
.
ولعل هذا القول هو الأقرب إلى الصواب، ولكن ليس هناك نص صريح عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسألة. والله أعلم.
المبحث الثاني
الكلام على الكرسي
لما كان موضوع البحث في الكلام على العرش وما يتعلق به، كان لزاماً عليَّ أن أتحدث عن الكرسي، وذلك لما بين الاثنين من علاقة، فالكرسي بالنسبة إلى العرش كالمرقاة إليه.
وقد جاء ذكر الكرسي في موضع واحد في القرآن الكريم وهو قوله تعالى: {اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [ البقرة 255 ].
وهذه الآية هي أفضل الآي، وقد سميت بآية الكرسي، وقد تضمنت العديد من المعاني، قال ابن القيم في شرحها: "ففي آية الكرسي ذكر الحياة التي هي أصل جميع الصفات، وذكر معها قيوميته المقتضية لدوامه وبقائه وانتفاء الآفات جميعها عنه، ومنها النوم والسنة والعجز وغيرها، ثم ذكر كمال ملكه، ثم عقبه بذكر وحدانيته في ملكه وأنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، ثم ذكر سعة علمه وإحاطته، ثم عقبه بأنه لا سبيل للخلق إلى علم شيء من الأشياء إلا بعد مشيئته لهم أن يعلموه، ثم ذكر سعة كرسيه منبهاً على سعته سبحانه وعظمته وعلوه، وذلك توطئة بين يدي علوه وعظمته، ثم أخبر عن كمال اقتداره وحفظه للعالم العلوي والسفلي من غير اكتراث ولا مشقة ولا تعب"(1).
وأما الأحاديث والآثار الواردة في الكرسي فهي كثيرة جداً.
وقد تعددت الأقوال واختلفت في الكرسي كما تعددت واختلفت من قبل في العرش. والأقوال في الكرسي هي:
__________
(1) انظر مختصر الصواعق (1/288).
(10/64)
القول الأول: أن المراد بالكرسي: العلم.
وهذا القول هو قول الجهمية(1)، فقد أولوا الكرسي بمعنى العلم كما أولوا العرش بمعنى الملك، وكل ذلك فراراً منهم عن إثبات علو الله واستوائه على عرشه.
وقد استدلوا بما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}، قال: "كرسيه علمه"(2).
وهذا القول قد رجحه الطبري بقوله: "وأما الذي يدل على صحته ظاهر القرآن، فقول ابن عباس الذي رواه جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد ابن جبير عنه أنه قال: هو علمه"(3).
القول الثاني: أن المراد بالكرسي هو العرش نفسه.
__________
(1) انظر التنبيه والرد (ص104)، والكشاف (1/385-386)، ومجموع الفتاوى (5/60)، والرد على بشر المريسي (ص71)، وتفسير روح المعاني (3/10).
(2) أخرجه الطبري في تفسيره (3/9). وعبد الله بن الإمام أحمد في كتاب السنة (2/167). وابن منده في الرد على الجهمية (ص45).
وأورده ابن كثير في تفسيره (1/309)، وعزاه إلى ابن أبي حاتم وجميعهم من طريق مطرف عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عنه، وهو حديث غير صحيح.
وقال الدارمي: (هو من رواية جعفر الأحمر، وليس جعفر ممن يعتمد على روايته إذا قد خالفه الرواة المتقنون).
وقال ابن منده: (لم يتابع عليه جعفر وليس هو بالقوي في سعيد بن جبير).
(3) تفسير الطبري (3/11).
(10/65)
وهذا القول مروي عن الحسن البصري، فقد روى ابن جرير بسنده عن جويبر عن الضحاك قال: كان الحسن يقول: "الكرسي هو العرش"، وقد مال ابن جرير إلى هذا القول(1)، واعتمد في ذلك على حديث عبد الله بن خليفة قال: أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أدع الله أن يدخلني الجنة، فعظم الرب تعالى ذكره، ثم قال: "إن كرسيه وسع السموات والأرض وإنه ليقعد عليه فما يفضل منه مقدار أربع أصابع، ثم قال بأصابعه فجمعها: وإن له أطيط كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله"(2).
القول الثالث: أن المراد بالكرسي قدرته التي يمسك بها السموات والأرض(3).
ويقول هؤلاء: إن العرب تسمي أصل كل شيء الكرسي، كقولك: اجعل لهذا الحائط كرسياً، أي اجعل له ما يعمده ويمسكه(4).
القول الرابع: أن الكرسي هو الفلك الثامن، أو ما يسمونه فلك البروج، أو فلك الكواكب الثوابت(5).
وقد قال بهذا القول بعض المتكلمين في علم الهيئة من الفلاسفة المنسوبين للمسلمين كابن سينا وغيره وهؤلاء هم الذين قالوا أن العرش هو الفلك التاسع.
__________
(1) في كلام ابن جرير في هذه المسألة تناقض، فقد ذكر أولاً أن هذا القول هو أولى بتأويل الآية، ثم نقض كلامه فقال: (أما الذي يدل على صحته ظاهر القرآن فقول ابن عباس أنه علم الله سبحانه)، وقد تكلم محمود شاكر في تعليقه على تفسير الطبري على هذا التناقض وبين عدم أرجحية كلا القولين. انظر تفسير الطبري (5/401) طبعة دار المعارف المصرية.
(2) سيأتي تخريجه في قسم التحقيق برقم (98).
(3) انظر تفسير القرطبي (3/276)، تهذيب اللغة (10/53)، أقاويل الثقات في تأويل آيات الأسماء والصفات (ص116)، لسان العرب (6/194).
(4) تفسير القرطبي (3/276)، غرائب القرآن ورغائب الفرقان (3/18)
(5) كتاب الكليات (4/122)، البداية والنهاية (1/14)، تفسير ابن كثير (1/310).
(10/66)
القول الخامس: إن الكرسي جسم عظيم مخلوق بين يدي العرش، والعرش أعظم منه، وهو موضع القدمين للبارئ عز وجل(1).
وهذا القول هو مذهب السلف من الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم واقتدى بسنتهم، وهذا هو ما دل عليه القرآن والسنة والإجماع ولغة العرب التي نزل القرآن بها.
فالأحاديث والآثار الثابتة على هذا وبينته بياناً واضحاً لا يدعو إلى الشك أو الارتياب، ومن تلك الأحاديث والآثار:
حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: دخلت المسجد الحرام فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده فجلست إليه، فقلت يا رسول الله: أيما أنزل عليك أفضل؟ قال: "آية الكرسي، وما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة"(2).
وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (رقم109) بعد أن سرد الطرق لهذا الحديث: "وجملة القول أن الحديث بهذه الطرق صحيح، والحديث خرج مخرج التفسير لقوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} وهو صريح في كون الكرسي أعظم المخلوقات بعد العرش، وأنه قائم بنفسه وليس شيئاً معنوياً وفيه رد على من تأوله بمعنى الملك وسعة السلطان".
وأيضاً ما جاء عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ}، قال: "الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قدره أحد"(3).
__________
(1) الفتاوى (5/54)، تفسير ابن كثير (1/309)، أقاويل الثقات (116)، الأسماء والصفات (510)، شرح العقيدة الطحاوية (ص313).
(2) تقدم تخريجه ص246.
(3) تقدم تخريجه قريباً.
(10/67)
وهذا ثابت عن ابن عباس في تفسير معنى الكرسي الوارد في الآية، وهذا القول في الكرسي نقل عن كثير من الصحابة والتابعين منهم ابن مسعود(1)، وأبو موسى الأشعري(2)، ومجاهد(3)، وغيرهم.
ولذلك فقد ذكر كثير من العلماء أن هذا القول في الكرسي قد حصل عليه إجماع السلف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الكرسي ثابت بالكتاب والسنة وإجماع السلف"(4).
وقال شارح العقيدة الطحاوية: "وإنما هو -الكرسي- كما قال غير واحد من السلف بين يدي العرش كالمرقاة إليه"(5).
وقال محمد بن عبد الله بن زمنين: "ومن قول أهل السنة أن الكرسي بين يدي العرش وأنه موضع القدمين"(6).
وقال القرطبي: "والذي تقتضيه الأحاديث أن الكرسي مخلوق بين يدي العرش، والعرش أعظم منه"(7).
__________
(1) تقدم تخريج الأثر الوارد عنه في (ص283).
(2) أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب العرش برقم (60). وعبد الله بن أحمد في السنة (ص70،143) عن أبيه. وابن جرير في تفسيره (3/9) عن علي بن مسلم الطوسي. وابن منده في الرد على الجهمية (ص46) عن علي بن مسلم. والبيهقي في الأسماء والصفات (ص509-510) عن هارون بن عبد الله.
كلهم عن عبد الصمد بن عبد الوارث به. وأورده الذهبي في العلو (ص84).
وقال الألباني في مختصر العلو (ص123-124): (رجاله كلهم ثقات معروفون).
(3) أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب العرش برقم (45). والدارمي في الرد على بشر المريسي (ص74). وعبد الله بن أحمد في السنة (ص71). والبيهقي في الأسماء والصفات (ص511).
وأورده الذهبي في العلو (ص94).
وأورده ابن حجر في فتح الباري (13/411) وقال: (أخرجه سعيد بن منصور في تفسيره بسند صحيح عنه.
(4) الفتاوى (6/584).
(5) شرح العقيدة الطحاوية (ص313).
(6) أصول السنة (ص96).
(7) تفسير القرطبي (3/276).
(10/68)
كما أن أهل اللغة لا يعرفون معنى الكرسي غير هذا المعنى، قال الزجاج: "والذي نعرفه من الكرسي في اللغة: الشيء الذي يعتمد ويجلس عليه، فهذا يدل على أن الكرسي عظيم دونه السموات والأرض"(1).
وقال ثعلب: "الكرسي ما تعرفه العرب من كراسي الملوك"(2).
ومن هذا كله يتبين لنا مدى صحة هذا القول وموافقته للكتاب والسنة وإجماع الأمة، ومطابقته لما جاء في لغة العرب، وأما الأقوال الأخرى فهي أقوال باطلة ومخالفة لما عليه جمهور أهل السنة من سلف الأمة وخلفها.
وأما ما استدل به أهل القول الأول من قول ابن عباس، فهو غير صحيح كما بيناه في تخريجه، والصحيح عن ابن عباس هو قوله: "الكرسي موضع القدمين ...."، وهذه رواية اتفق أهل العلم على صحتها.
وأما القول الثاني: إن الكرسي هو العرش نفسه، فلم يثبت عن الحسن البصري، لأن في إسناده جوبيراً وهو متفق على ضعفه، وقال فيه الحافظ ابن حجر: "ضعيف جداً".
وقال ابن كثير: "رواه ابن جرير من طريق جوبير، وهو ضعيف، وهذا لا يصح عن الحسن بل الصحيح عنه وعن غيره من الصحابة والتابعين أنه غيره"(3).
وقال البيهقي عند الكلام على هذا القول: "هذا ليس بمرضي، والذي تقتضيه الأحاديث أن الكرسي مخلوق بين يدي العرش، والعرش أعظم منه"(4).
ومساندة ابن جرير الطبري لهذا القول غير صحيحة، لأن حديث عبد الله بن خليفة ضعيف كما تقدم.
أما القول الثالث: فهو قول مخالف لما دلت عليه الأحاديث والآثار، ومخالف لما عليه الجمهور من أهل السنة والجماعة ومخالف للغة العربية، وهو تأويل باطل ترده الأحاديث، وهو أيضاً تكذيب بالكرسي، وتكذيب للأحاديث الصحيحة التي دلت على وجود الكرسي.
__________
(1) تهذيب اللغة (10/53).
(2) تهذيب اللغة (10/53).
(3) البداية والنهاية (1/13).
(4) الأسماء والصفات
(10/69)
وأما القول الرابع: فيكفي في إثبات بطلانه أن جماعة من أنفسهم ردوا عليهم هذا القول كما ذكره ابن كثير وبالإضافة إلى ذلك فإن أصحاب هذا القول ليس لديهم أي دليل على قولهم هذا كما سبق وأن بيناه في قولهم في العرش.
(10/70)
الباب الثاني: الأقوال في صفتي العلو والاستواء
وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: الأقوال في صفة العلو
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: قول أهل السنة والجماعة ومن وافقهم
يؤمن أهل السنة بعلو الله على خلقه واستوائه على عرشه، وأنه بائن من خلقه وهم بائنون منه.
وقد وافقهم على قولهم في إثبات العلو عامة الصفاتية، كأبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب وأتباعه، وأبي العباس القلانسي(1)، وأبي الحسن الأشعري والمتقدمين من أصحابه.
وهو قول الكرامية ومتقدمي الشيعة الإمامية(2).
وقد استدل أهل السنة والجماعة على إثبات صفة العلو بالقرآن، والسنة، والإجماع، والعقل، والفطرة.
وقد أورد الذهبي رحمه الله في كتاب "العرش" الكثير من الأدلة من القرآن، والسنة، وإجماع سلف الأمة، وأئمتها، فلا حاجة إلى تكرار ذلك. فقد وفى هذا الجانب حقه.
وسأشير هنا إلى دليل العقل، والفطرة.
أما الأدلة العقلية فهي كثيرة وسأورد ههنا ثلاثة منها:
الدليل الأول: قول الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "إذا أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب على الله تعالى حين زعم أنه في كل مكان ولا يكون في مكان دون مكان فقل له: أليس كان الله ولا شيء؟
فسيقول: نعم.
فقل له: حين خلق الشيء هل خلقه في نفسه؟ أم خارجاً عن نفسه؟
فإنه يصير إلى ثلاثة أقوال:
واحد منها: إن زعم أن الله خلق الخلق في نفسه، كفر حين زعم أنه خلق الجن والشياطين وإبليس في نفسه.
وإن قال: خلقهم خارجا عن نفسه ثم دخل فيهم، كان هذا أيضاً كفر حين زعم أنه في كل مكان وحش قذر رديء.
__________
(1) قال عنه ابن عساكر في تبيين كذب المفتري (ص298): ((أبو العباس أحمد بن عبدالرحمن بن خالد القلانسي الرازي، من معاصري أبي الحسن الأشعري رحمه الله لا من تلاميذه، كما قال الأهوازي، وهو من جلة العلماء الكبار الأثبات ، واعتقاده موافق لاعتقاده في الإثبات، (أي موافق لاعتقاد الأشعري))).
(2) انظر مجموع الفتاوى (2/297)، ونقض تأسيس الجهمية (1/127، 2/14).
(11/1)
وإن قال: خلقهم خارجاً عن نفسه ثم لم يدخل فيهم، رجع عن قوله كله أجمع"(1)
الدليل الثاني: قول ابن القيم: "إن كل من أقر بوجود رب للعالم مدبرله، لزمه الإقرار بمباينته لخلقه وعلوه عليهم.
فمن أقر بالرب، فإما أن يقر بأن له ذاتاً وماهية مخصوصة أو لا؟
فإن لم يقر بذلك، لم يقر بالرب، فإن رباً لا ذات له ولا ماهية له هو والعدم سواء، وإن أقر بأن له ذاتاً مخصوصة وماهية، فإما أن يقر بتعينها أو يقول إنها غير معينة؟
فإن قيل إنها غير معينة كانت خيالاً في الذهن لا في الخارج، فإنه لا يوجد في الخارج إلا معيناً، لا سيما وتلك الذات أولى من تعيين كل معين فإنه يستحيل وقوع الشركة فيها، وأن يوجد لها نظير، فتعيين ذاته سبحانه واجب.
وإذا أقر بأنها معينة لا كلية، والعالم مشهود معين لا كلي، لزم قطعاً مباينة أحد المتعينين للآخر، فإنه إذا لم يباينه لم يعقل تميزه عنه وتعينه.
فإن قيل: هو يتعين بكونه لا داخلاً فيه ولا خارجاً عنه.
قيل: هذا -والله أعلم- حقيقة قولكم، وهو عين المحال، وهو تصريح منكم بأنه لا ذات له ولا ماهية تخصه، فإنه لو كان له ماهية يختص بها لكان تعينها لماهيته وذاته المخصوصة، وأنتم إنما جعلتم تعيينه أمراً عدمياً محضاً ونفياً صرفاً وهو كونه لا داخل العالم ولا خارجا عنه، وهذا التعيين لا يقتضي وجوده مما به يصح على العدم المحض.
وأيضاً فالعدم المحض لا يعين المتعين، فإنه لاشيء وإنما يعينه ذاته المخصوصة وصفاته، فلزم قطعاً من إثبات ذاته تعيين تلك الذات، ومن تعيينها مباينتها للمخلوقات، ومن المباينة العلو عليها لما تقدم من تقريره"(2).
__________
(1) الرد على الزنادقة والجهمية (ص95-96).
(2) مختصر الصواعق (1/279-280).
(11/2)
الدليل الثالث: أنه قد ثبت بصريح المعقول أن الأمرين المتقابلين إذا كان أحدهما صفة كمال والآخر صفة نقص، فإن الله يوصف بالكمال منهما دون النقص، فلما تقابل الموت والحياة، وصف بالحياة دون الموت، ولما تقابل العلم والجهل، وصف بالعلم دون الجهل، ولما تقابل القدرة والعجز، وصف بالقدرة دون العجز، ولما تقابل المباينة للعالم والمداخلة له، وصف بالمباينة دون المداخلة، وإذا كان مع المباينة لا يخلو إما أن يكون عالياً على العالم أو مسامتا له، وجب أن يوصف بالعلو دون المسامتة، فضلاً عن السفول.
والمنازع يسلم أنه موصوف بعلو المكانة وعلو القهر، وعلو القهر، وعلو المكانة معناه أنه أكمل من العالم، وعلو القهر مضمونه أنه قادر على العالم، فإذا كان مبايناً للعالم كان من تمام علوه أن يكون فوق العالم، ولا محاذياً له ولا سافلا عنه.
ولما كان العلو صفة كمال، وكان ذلك من لوازم ذاته، فلا يكون مع وجود غيره إلا عالياً عليه، ولا يكون قط غير عالٍ عليه(1).
وبهذه النماذج التي أوردناها عن الأدلة العقلية يتضح لنا مدى دلالة المعقول الصريح على إثبات علو الله ومباينته لخلقه وكذلك مدى مخالفة أقوال المعطلة والحلولية لصريح المعقول وصحيح المنقول.
أما دليل الفطرة:
فمن المعلوم أن الفطرة السليمة قد جبلت على الاعتراف بعلو الله سبحانه وتعالى، ويظهر هذا الأمر عندما يجد الإنسان نفسه مضطراً إلى أن يقصد جهة العلو ولو بالقلب حين الدعاء، وهذا الأمر لا يستطيع الإنسان دفعه عن نفسه فضلاً عن أن يرد على قائله وينكر هذا الأمر عليه.
__________
(1) درء تعارض العقل والنقل (7/5-6).
(11/3)
ومن أجل ذلك لم يجد الجويني -إمام الحرمين- جواباً حين سأله الهمداني محتجاً عليه بها، فقد ذكر محمد بن طاهر المقدسي أن الشيخ أبا جعفر الهمداني حضر مجلس الاستاذ أبا المعالي الجويني المعروف بإمام الحرمين، وهو يتكلم في نفي صفة العلو ويقول: "كان الله ولا عرش، وهو الآن على ما كان". فقال الشيخ أبو جعفر: "يا أستاذ دعنا من ذكر العرش -يعني لأن ذلك إنما جاء في السمع- أخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا، فإنه ما قال عارف قط: يا الله، إلا وجد من قلبه ضرورة تطلب العلو لا يلتفت يمنة ولا يسرة، فكيف تدفع هذه الضرورة على قلوبنا؟
قال: فلطم أبو المعالي على رأسه، وقال: حيرني الهمداني، حيرني
الهمداني"(1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "علو الخالق على المخلوق وأنه فوق العالم، أمر مستقر في فطر العباد، معلوم لهم بالضرورة، كما اتفق عليه جميع الأمم، إقراراً بذلك، وتصديقاً من غير أن يتواطؤا على ذلك ويتشاعروا، وهم يخبرون عن أنفسهم أنهم يجدون التصديق بذلك في فطرهم.
وكذلك هم عندما يضطرون إلى قصد الله وإرادته، مثل قصده عند الدعاء والمسألة، يضطرون إلى توجه قلوبهم إلى العلو، فكما أنهم مضطرون إلى أن يوجهوا قلوبهم إلى العلو إليه، لا يجدون في قلوبهم توجهاً إلى جهة أخرى، ولا استواء الجهات كلها عندها وخلو القلب عن قصد جهة من الجهات بل يجدون قلوبهم مضطرة إلى أن تقصد جهة علوهم دون غيرها من الجهات.
فهذا يتضمن بيان اضطرارهم إلى قصده في العلو وتوجههم عند دعائه إلى العلو، كما يتضمن فطرتهم على الإقرار بأنه في العلو والتصديق بذلك" (2).
المبحث الثاني
أقوال المخالفين
القول الأول:
__________
(1) مجموع الفتاوى (4/44، 61)، وشرح العقيدة الطحاوية (ص325-326).
(2) انظر درء تعارض العقل والنقل (7/5) بتصرف.
(11/4)
قول المعطلة من الفلاسفة(1)، والجهمية(2)، والمعتزلة(3)، ومتأخري الأشاعرة(4)، والقرامطة الباطنية(5).
وهؤلاء جميعاً ينفون علو الله وارتفاعه فوق خلقه، وكل ذلك تحت دعوى التوحيد والتنزيه ونفي التشبيه، فهم يزعمون أن إثبات العلو لله تعالى فيه إثبات للجهة، والمحايثة، والحد، والحركة، والانتقال، وهذه الأمور على زعمهم تستلزم الجسمية، والأجسام حادثة، والله منزه عن الحوادث فمن أجل ذلك نفوا العلو، وأولوا النصوص الثابتة فيه بأن المراد بها علو القهر والغلبة.
وقد انقسم الجهمية المعطلة النافون لعلو الله إلى فريقين في هذه المسألة:
الفريق الأول:
وهم الذين يقولون أن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا هو مباين له ولا محايث له.
وهذا القول هو ما يذهب إليه النظار والمتكلمون من هؤلاء المعطلة(6)، وهم بقولهم هذا قد نفوا الوصفين المتقابلين اللذين لا يخلو موجود منهما، وذلك خشية منهم أن يشبهوا، فهم قالوا بهذه المقالة هرباً منهم -على حد زعمهم- من إثبات الجهة والمكان والحيز، لأن فيها كما يدعون تجسيماً وهو تشبيه، فقالوا: يلزمنا في الوجود ما يلزم مثبتي الصفات فنحن نسد الباب بالكلية.
__________
(1) النجاة لابن سينا (ص37).
(2) مجموع الفتاوى (2/297-298)، (5/122).
(3) مجموع الفتاوى (2/297-298)، (5/122).
(4) تأويل مشكل الحديث لابن فورك (ص63)، الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي (29، 34).
(5) درء تعارض العقل والنقل (5/178)، والقرامطة من الباطنية وهم ينتسبون إلى حمدان بن الأشعث الذي كان يلقب بقرمط لقرمطة في خطه أو خَطْوِه، انظر الفرق بين الفرق (281، 293)، المنتظم لابن الجوزي (5/110، 111).
(6) الرسالة الأضحوية (نقلا عن مختصر الصواعق 1/237)، والاقتصاد في الاعتقاد (ص34)، تأويل مشكل الحديث (ص63-64)، مجموع الفتاوى (2/297-298، 5/122-124)، نقض التأسيس (1/6-7).
(11/5)
وقد استند أصحاب هذا القول في قولهم هذا على حجج زعموا أنها عقلية أسسوها وابتدعوها وجعلوها مقدمة كل نص، وليس لهؤلاء أي دليل من القرآن أو السنة على صحة قولهم هذا. وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وجميع أهل البدع قد يتمسكون بنصوص، كالخوارج والشيعة والقدرية والمرجئة وغيرهم إلا الجهمية، فإنهم ليس معهم عن الأنبياء كلمة واحدة توافق ما يقولونه في النفي" (1).
وسنأتي بعد ذكر القول الثاني إلى ذكر بعض تلك الحجج التي زعمها هؤلاء.
القول الثاني:
وهم الذين يقولون بأن الله بذاته في كل مكان.
وهذا القول هو ما يذهب إليه النجارية(2)، وكثير من الجهمية وبخاصة عبادهم وصوفيتهم وعوامهم وأهل المعرفة والتحقيق منهم(3).
ويحتج هؤلاء ببعض الحجج العقلية المزعومة بالإضافة إلى بعض الآيات القرآنية الدالة على المعية والقرب.
وقد يجمع كثير من هؤلاء المعطلة بين القولين، فهو في حالة نظره وبحثه يقول بسلب الوصفين المتقابلين كليهما، فيقول لا هو داخل العالم ولا خارجه.
وفي حالة تعبده وتألهه يقول بأنه في كل مكان ولا يخلو منه شيء(4).
شبهة المعطلة العقلية:
__________
(1) مجموع الفتاوى (5/122).
(2) هم أتباع حسين بن محمد بن عبد الله بن النجار، وقد كان أكثر معتزلة الري ومن حولها على مذهبه، وقد نقل الشهرستاني في الملل والنحل (1/113-114) عن الكعبي قوله: (إن النجار كان يقول: إن الباري بكل مكان وجودا لا معنى العلم والقدرة).
وانظر مقالات الإسلاميين (1/135-137، 283-285)، والفرق بين الفرق (126-127)، وأصول الدين للبغدادي (ص334)، والتبصير في الدين (101، 102، 103).
(3) انظر نقض التأسيس(1/7).
(4) المصدر السابق.
(11/6)
إن جل ما اعتمد عليه هؤلاء المعطلة من أدلة على نفي صفة العلو وغيرها من الصفات إنما هو عبارة عن حجج عقلية مزعومة ومبتدعة بناها هؤلاء المعطلة على أصول فلسفية كانوا قد تأثروا بها، وليس لهؤلاء المعطلة في نفيهم هذا أساس من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد جعل هؤلاء المعطلة لتلك الحجج حكم الأمر المحكم الذي يجب اتباعه واعتقاد موجبه والتسليم به، وقد بلغ من تقديسهم لها أنهم جعلوها مقدمة على الكتاب والسنة فإذا ورد النص من الكتاب أو السنة عرضوه على تلك الأسس العقلية، فإن وافقها احتجوا به اعتضادا لا اعتمادا، وإن خالفها فهم يحرفون الكلم عن مواضعه فيؤولون نصوص القرآن ويطعنون في نصوص السنة، وكل ذلك تحت دعوى التنزيه والتوحيد ونفي التشبيه.
وقد أفرط هؤلاء المعطلة في هذا الجانب -أي جانب نفي التشبيه- فجعلوا من قوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى 11] جنة يتترسون بها لنفي علو الله سبحانه فوق عرشه وتكليمه لرسله وإثبات صفات كماله، وغير ذلك مما أخبر الله به عن نفسه، أو أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم، حتى إنه قد آل ببعض هؤلاء المعطلة إلى نفي ذاته خشية التشبيه فقالوا: هو وجود محض لا ماهية له، ونفى آخرون وجوده بالكلية خشية التشبيه -على حد زعمهم- حيث قالوا: يلزمنا في الوجود ما يلزم مثبتي الصفات والكلام والعلو فنحن نسد الباب بالكلية(1).
وسوف نتعرض في هذا البحث لبعض أسس تلك الشبه العقلية المزعومة التي جعلها هؤلاء المعطلة مستندا لهم في نفي صفة العلو وغيرها من الصفات، ونبين ما فيها من مخالفة لكتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم مع بيان ما في تلك الأسس من تناقض وبخاصة من الناحية العقلية.
ونظراً لتعدد مذاهب المعطلة واختلاف بعضها عن بعض في القول والرأي، فسوف نعرض شبهة كل فرقة من الفرق السابقة الذكر على حدة فنبدأ أولاً بـ:
__________
(1) مختصر الصواعق (1/285).
(11/7)
1ـ شبهة الفلاسفة(1):
الفلاسفة ينفون صفة العلو وباقي صفات الباري عز وجل -كما سبق أن ذكرنا- تحت دعوى التوحيد والتنزيه عن مشابهة المخلوقين، فابن سينا يقول: "إن واجب الوجود بذاته واحد بسيط لا تكثر فيه بوجه من الوجوه، فهو ليس بجسم، ولا صورة جسم، ولا مادة معقولة لصورة معقولة، ولا صورة معقولة في مادة معقولة، ولا له قسمة في الكلم ولا في المبادىء المقومة له، ولا في قول الشارح ولا غير ذلك مما ينافي وحدة واجب الوجود وبساطته المطلقة"(2).
والمتأمل لهذه العبارات التي أوردها ابن سينا يعرف أنها إنما هي مجرد اصطلاحات اصطلحها هو وأمثاله من الفلاسفة الذين تأثروا بفلسفة اليونان، فجعلوا من تلك العبارات المبتدعة ما أسموه بالتوحيد، وادعوا أن ما تضمنته هو التنزيه، مع أنها في الحقيقة متضمنة لنفي جميع الصفات بما فيها العلو والاستواء.
فقوله: (إن واجب الوجود بذاته واحد بسيط لا تكثر فيه بوجه من الوجوه) يعني به أنه ليس لله تعالى صفة ولا قدر، لأن ذلك على رأيه يستلزم التجسيم والتجزئة والتركيب فيلزم نفيه، لأنه يلزم من ذلك الحدوث والافتقار وذلك ينافي واجب الوجود.
فابن سينا وأمثاله من الفلاسفة يعتمدون في نفي الصفات على حجة التركيب والتي هي: (أنه لو كان له صفة لكان مركباً، والمركب يفتقر إلى جزئيه، وجزءاه غيره، والمفتقر إلى غيره لا يكون واجباً بنفسه) وهم بهذا الكلام تجدهم قد نفوا صفات الباري جميعها.
ولو توقفنا عند العبارة السابقة وهي قوله: (أن واجب الوجود بذاته واحد بسيط ...) من أجل بيان ما فيها من مخالفة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وحتى مخالفتها للعقل الذي يقدمه هؤلاء على كل شيء. لوجدنا هذه العبارة هي تفسير للواحد بما لا أصل له في الكتاب أو السنة، بل هو تفسير باطل شرعاً وعقلاً ولغة.
__________
(1) أقصد بهم فلاسفة المسلمين كابن سينا والفارابي.
(2) النجاة لابن سينا (ص37).
(11/8)
أما في اللغة: فإن أهل اللغة مطبقون على أن هذا القول ليس هو معنى الواحد في اللغة، إذ القرآن ونحوه من الكلام العربي متطابق على ما هو معلوم بالاضطرار في لغة العرب وسائر اللغات أنهم يصفون كثيراً من المخلوقات بأنه واحد ويكون ذلك جسماً، إذ المخلوقات إما أجسام وإما أعراض عند من يجعلها غيرها أو زائدة عليها.
وإذا كان أهل اللغة متفقين على تسمية الجسم الواحد واحداً، امتنع أن يكون في اللغة معنى الواحد الذي لا ينقسم إذا أريد بذلك أنه ليس بجسم وأنه لا يشار إلى شيء منه دون شيء، ولا يوجد في اللغة اسم الواحد إلاّّ على ذي صفة ومقدار لقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء 1]، ومعلوم أن النفس الواحدة المراد بها هنا آدم عليه السلام، وحواء خلقت من ضلع آدم، فمن جسده خلقت لا من روحه حتى لا يقول القائل: الوحدة هي باعتبار النفس الناطقة التي لا تركيب فيها، وإذا كانت حواء خلقت من جسد آدم، وجسد آدم جسم من الأجسام التي سماها الله نفساً واحدة علم أن الجسم قد يوصف بالوحدة. وأبلغ من ذلك ما ذكره الإمام أحمد وغيره من قوله تعالى {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدثر 11]، فإن الوحيد مبالغة في الواحد فإذا وصف البشر الواحد بأنه وحيد في صفة فإنه واحد من باب أولى، ومع هذا فهو جسم من الأجسام.
وأما في العقل:
فإن الواحد الذي وصفوه يقول لهم فيه أكثر العقلاء وأهل الفطر السليمة إنه أمر لا يعقل، ولا له وجود في الخارج، وإنما هو أمر مقدر في الذهن، فليس في الخارج شيء موجود لا يكون له صفات ولا قدر ولا يتميز من شيء عن شيء بحيث يمكن أن يرى ولا يدرك ولا يحاط به وإن سماه المسمى جسماً.
وأما في الشرع:
(11/9)
فنقول: إن مقصود المسلمين أن الأسماء المذكورة في القرآن والسنة وكلام المؤمنين المتفق عليه بمدح أو ذم، تعرف مسميات تلك الأسماء حتى يعطوها حقها، ومن المعلوم بالاضطرار أن اسم (الواحد) في كلام الله لم يقصد به سلب الصفات وسلب إدراكه بالحواس ولا نفي الحد والقدر ونحو ذلك من المعاني التي ابتدعها هؤلاء(1).
وأما حجة التركيب التي اعتمد عليها هؤلاء الفلاسفة في نفي الصفات وهي قولهم: (إنه لو كان صفة لكان مركبا والمركب يفتقر إلى جزئيه وجزءاه غيره، والمفتقر إلى غيره لا يكون واجباً بنفسه) فهي تتكون من ألفاظ مجملة بمعنى أن كل لفظة منها تحتمل عدة معان فلا بد من توضيح المراد من كل لفظ أولاً حتى يتكلم فيه.
فلفظ (المركب) مثلاً: قد يراد به ما ركبه غيره، أو ما كان مفترقاً فاجتمع، أو ما يقبل التفريق، والله منزه عن هذه المعاني باتفاق.
وأما الذات الموصوفة بصفاتها اللازمة لها فإذا سميتم هذا تركيباً كان ذلك اصطلاحاً لكم، وليس هو المفهوم من لفظ المركب ولن تستطيعوا أيها الفلاسفة إقامة الدليل على نفيه.
وأما قولهم: (لكان مركباً) فإن أرادوا لكان غيره ركبه، أو لكان مجتمعاً بعد افتراقه، أو لكان قابلاً للتفريق. فاللازم باطل فإن الكلام إنما هو في الصفات اللازمة للموصوف الذي يمتنع وجوده بدونها.
وإن أراد بالمركب الموصوف أو ما يشبه ذلك فلِم قالوا أن ذلك يمتنع؟!
وأما قولهم (والمركب مفتقر إلى غيره) فالجواب عنه: أما المركب بالتفسير الأول فهو مفتقر إلى ما يباينه وهذا ممتنع على الله تعالى.
وأما الموصوف بصفات الكمال اللازمة لذاته الذي سميتموه أنتم مركباً فليس في اتصافه هذا ما يوجب كونه مفتقراً إلى مباين له.
__________
(1) انظر نقض التأسيس (1/482، 484، 488).
(11/10)
وإن قالوا: هي غيره وهو لا يوجد إلا بها وهذا افتقار إليها، قيل لهم: إن أرادوا بقولهم هي غيره أنها مباينة له فذلك باطل. وإن أرادوا أنها ليست إياه، قيل لهم: إذا لم تكن الصفة هي الموصوف فأي محذور في هذا.
وإذا قالوا: هو مفتقر إليها، قيل: أتريدون بالافتقار أنه مفتقر إلى فاعل يفعله أو محل يقبله؟ أم تريدون أنه مستلزم لها فلا يكون موجوداً إلا وهو متصف بها؟
أما الثاني فأي محذور فيه؟ وأما الأول فباطل إذ الصفة اللازمة للموصوف لا يكون فاعلاً لها(1).
أما قولهم: (أنه لو كان صفة لكان مركباً والمركب مفتقر إلى
جزئيه)، فهذا القول لا يتم إلا عند من يثبت الجوهر الفرد، أما نفاته فعندهم أن الجسم في نفسه واحد بسيط ليس مركباً من الجواهر المنفردة.
وهذه المسألة خلافية قد توقف فيها أذكى المتأخرين من الأشعرية وإمامهم أبو المعالي الجوني(2) وكذلك أذكى متأخري المعتزلة أبو الحسين البصري(3) وكذلك الرازي(4) فهي مقدمة ممنوعة لا تصلح دليلا لوجود النزاع فيها حتى بين الفلاسفة أنفسهم(5).
2ـ شبهة المعتزلة:
__________
(1) انظر منهاج السنة (1/188-190) بتصرف.
(2) ستأتي ترجمته في قسم التحقيق.
(3) أبو الحسين محمد بن علي الطيب البصري، من متأخري المعتزلة ومن أئمتهم، توفي سنة (436هـ).
انظر الملل والنحل (1/130-131)، ولسان الميزان (5/597).
(4) أبو عبد الله، فخر الدين محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري الرازي، ويعرف بابن الخطيب، وبابن خطيب الري، ولد سنة (544هـ) وتوفي سنة (606هـ)، من أئمة الأشاعرة الذين مزجوا المذهب الأشعري بالفلسفة والاعتزال.
انظر ترجمته في وفيات الأعيان (3/381-385)، شذرات الذهب (5/21)، طبقات الشافعية (5/33-40).
(5) نقض التأسيس (1/495-496).
(11/11)
وأما شبهة المعتزلة التي اعتمدوا عليها في نفي صفات الباري عز وجل بما فيها صفة العلو فهي ما تسمى بطريقة الأعراض، ذلك أنهم يزعمون أن الصفات إنما هي أعراض، والأعراض لا تقوم إلا بجسم، والأجسام حادثة، والله منزه عن الحوادث، ومن أجل ذلك كان قول المعتزلة في الله: إنه قديم واحد ليس معه في القدم غيره، فلو قامت به الصفات لكان معه غيره(1) ولكان جسماً إذ إن ثبوت الصفات يقتضي كثرة وتعدداً في ذاته ويقتضي أنه جسم وذلك خلاف التوحيد.
فهم يزعمون أن توحيد الله وتنزيهه متوقف على أنه ليس بجسم، وكونه ليس بجسم موقوف على عدم قيام الأعراض والحوادث به التي هي الصفات والأفعال، ونفي ذلك عندهم موقوف على ما يدل عليه حدوث الأجسام، والذي دلهم على حدوث الأجسام أنها لا تخلو من الحوادث، وما لا يخلو عن الحوادث لا يسبقها، وما لا يسبق الحوادث فهو حادث.
ويزعمون أيضاً أن الأجسام لا تخلو من الأعراض، والأعراض لا تبقى زمانين فهي حادثة، فإذا لم تخل الأجسام منها لزم حدوثها.
ويزعمون أيضاً أن الأجسام مركبة من الجواهر المفردة، والمركب مفتقر إلى جزئيه وجزءاه غيره، وما افتقر إلى غيره لم يكن إلا حادثاً مخلوقاً، فالأجسام متماثلة فكل ما صح على بعضها صح على جميعها، وقد صح على بعضها التحليل والتركيب والاجتماع والافتراق فيجب أن يصح على جميعها(2).
والمعتزلة يقولون أننا بهذا الطريق أثبتنا حدوث العالم ونفي كون الصانع جسماً وإمكان المعاد.
الرد عليهم:
__________
(1) بالإضافة إلى زعم المعتزلة أن الصفات لا تقوم إلا بأجسام، فهم أيضاً يزعمون أن في إثبات الصفات قول بكثرة وتعدد ذات الله، لأنهم يقولون: (إن من أثبت لله صفة أزلية قديمة فقد أثبت إلهين)، كما اعتقدوا أن الصفات لو شاركته في القدم لشاركته في الألوهية.
انظر الملل للشهرستاني (1/44-46)، مقالات الإسلاميين (1/245)، منهاج السنة (2/169).
(2) انظر مختصر الصواعق (1/254).
(11/12)
مما تقدم نعلم أن المعتزلة إنما بنوا دليلهم في نفي الصفات على أن القديم لا يكون محلا للصفات والحركات فلا يكون جسماً ولا محيزاً لأن الصفات أعراض وهم يستدلون على حدوث الجسم بحدوث الأعراض والحركات، وأن الجسم لا يخلو منها، وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث.
فهم بهذا القول نفوا صفات الباري وجعلوا نفيها يتوقف عليه ثبوت الصانع وحدوث العالم، فإذا جاء في القرآن والسنة ما يدل على إثبات الصفات لم يمكن القول بموجبه.
والمتدبر لحجج المعتزلة يرى فيها الأمور التالية:
أولاً: أنهم يستدلون لأقوالهم بعبارات مبتدعة وفيها الكثير من الاشتباه والإجمال، وذلك كلفظ العرش والجسم والحيز والمركب وغير ذلك، فهم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ليخدعوا به جهال الناس بما يشبهون عليهم، وهذه الألفاظ المجملة تتضمن معاني باطلة ومعاني أخرى صحيحة فهم بهذا ينفون كلا المعنيين الحق والباطل.
وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ما في هذه الألفاظ من معانٍ، وما تدل عليه من عبارات(1)، وكيف استعملها هؤلاء المعطلة في نفي صفات الباري عز وجل حيث ادعوا أن هذه الأمور من مستلزمات الجسمية، والله منزه من ذلك، وقد بين شيخ الإسلام أن استعمال هذه الألفاظ نفياً وإثباتاً لم يرد عن السلف ولا جاء به أثر صحيح ولم يستعملها الأقدمون بالمعنى الاصطلاحي الذي اتفق عليه هؤلاء، بل جميعهم معترفون بأن العلو صفة كمال كما أن السفل صفة نقص، وما ثبت لله من العلو فهو العلو المناسب لكمال ذاته المنزهة عن اعتبارات المحدثين ومماثلتهم.
__________
(1) انظر شرح ابن تيمية لهذه العبارات في نقض التأسيس الجهمية (1/504، 511)، وفي مجموع الفتاوى (5/418-430).
(11/13)
ومعلوم أن القول بأن العلو يستلزم هذه المعاني المبهمة إنما هو مأخوذ من قياس الغائب على الشاهد، ومحاولة تطبيق الاعتبارات الإنسانية على الصفات الإلهية، وهذا قياس خاطئ إذ ليس معنى كونه في السماء أن السماء تحويه وتحيط به وتحصره، أو هي محل وظرف له، بل هو سبحانه محيط بكل شيء وسع كرسيه السموات والأرض، وهو فوق كل شيء وعالٍ على كل شيء(1).
ثانيا: أن ما استدل به المعتزلة لا أصل له من الكتاب أو السنة بل هو مأخوذ من كلام الفلاسفة الذين يزعمون أن للعالم صانعاً ليس بعالم ولا قادر ولا حي(2).
كما أن مذهب المعتزلة في الذات قريب من مذهب اليونان القائلين بأن ذات الله واحدة لا كثرة فيها بوجه من الوجوه(3).
__________
(1) انظر كتاب موقف شيخ الإشلام ابن تيمية من قضية التأويل (381-385).
(2) مقالات الإسلاميين (2/177)، وموقف المعتزلة من السنة النبوية (53).
(3) موقف المعتزلة من السنة النبوية (53).
(11/14)
ثالثاً: أن أصل هذه القاعدة التي اعتمد عليها المعتزلة في نفي الصفات إنما هي مأخوذة من قولهم في دليل حدوث العالم(1) الذي أثبتوا فيه حدوث العالم بحدوث الأجسام. وهذا الدليل قد بين الأشعري في رسالته إلى أهل الثغر: أنه دليل محرم في شرائع الأنبياء، ولم يستدل به أحد من الرسل ولا أتباعهم(2)، فهي بهذا طريق يحرم سلوكها لما فيها من الخطر والتطويل وما يلزم عليها من لوازم باطلة لأنها مستلزمة لنفي الصانع بالكلية، وهي مستلزمة لنفي صفاته ونفي أفعاله ونفي المبدأ والمعاد، فهذه الطريق لا تتم إلا بنفي سمع الرب وبصره وقدرته وحياته وإرادته وكلامه فضلاً عن نفي علوه على خلقه ونفي الصفات الخبرية من أولها إلى آخرها، فلو صحت هذه الطريقة لنفت الصانع وأفعاله وصفاته وكلامه وخلقه للعالم وتدبيره له.
وما يثبته أصحاب هذه الطريقة من ذلك لا حقيقة له بل هو لفظ لا معنى له، وأن الله بذاته في كل مكان، وقال إخوانهم إنه ليس داخل العالم ولا خارج العالم، وقالوا بخلق القرآن إلى غير ذلك من اللوازم الباطلة(3).
3ـ شبه متأخري الأشاعرة:
وهم أيضاً ينفون صفة العلو لأنها من الصفات الخبرية(4)، ومعلوم أن مذهب متأخري الأشاعرة في الصفات أنهم يثبتون سبع صفات فقط وهي ما يسمونها بصفات المعاني وهي العلم والقدرة والإرادة والحياة والسمع والبصر والكلام، وهم يثبتون لهذه الصفات أربعة أحكام هي:
__________
(1) انظر الكلام على دليل حدوث العالم في مجموع الفتاوى (13/153).
(2) انظر كتاب رسالة إلى أهل الثغر (ص164-172) تحقيق عبد الله شاكر الجنيدي، رسالة ماجستير من قسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية.
(3) مختصر الصواعق (1/256، 257)، ودرء تعارض العقل والنقل (1/38-40).
(4) الصفات الخبرية وتسمى الصفات السمعية وهي: ما كان الدليل عليها مجرد خبر الرسول دون استناد إلى نظر عقلي كالاستواء والنزول والمجيء وغير ذلك.
(11/15)
1ـ أن هذه الصفات ليست هي الذات بل زائدة عليها فصانع العالم عندهم عالم بعلم وحي بحياة وقادر وهكذا.
2ـ أن هذه الصفات كلها قائمة بذات الله تعالى ولا يجوز أن يقوم شيء منها بغير ذاته لأن الدليل دل على أنه متصف بها ولا معنى لاتصافه بها إلا قيامها بذاته، حتى لو قلنا: إنه عالم كان هو بعينه مفهوم قولنا قام بذاته علم، فلا تكون الصفة لشيء إلا إذا قامت به لا بغيره.
3ـ أن هذه الصفات كلها قديمة لأنها إن كانت حادثة كان القديم محلاً للحوادث وهذا محال، أو متصف بصفة لا تقوم به وذلك أظهر استحالة.
4ـ أن الأسماء المشتقة لله تعالى من هذه الصفات السبع صادقة عليه أزلاً وأبداً فهو في القدم كان حياً قادراً عليماً سميعاً بصيراً متكلماً(1).
فهم على قولهم هذا لا يثبتون سوى هذه الصفات السبع فقط لأنها قديمة. أما باقي الصفات التي يسمونها الصفات الخبرية فهم ينفونها جميعها، بدعوى تنزيه ذات الله عن الحوادث.
ومتأخرو الأشاعرة هؤلاء وإن كانوا يخالفون المعتزلة في جعلهم الصفة غير الذات كما في الحكم الأول فيثبتون الصفات القديمة من هذا الباب، إلا أنهم قد وافقوا المعتزلة في دليلهم المسمى بدليل نفي الحوادث فنفوا باقي الصفات الأخرى، ذلك لأن قولهم في الحكم الثالث من الأحكام الأربعة التي أوردناها إنها لو كانت حادثة لكان القديم محلا للحوادث، هو بعينه ما استدل به المعتزلة على نفي الصفات(2).
ويقول متأخرو الأشاعرة في دليلهم العقلي على نفي العلو إن إثبات العلو يقتضي إثبات الجهة وإثبات الجهة يقتضي كونه جسماً، وكونه جسماً يقتضي كونه مركباً، والمركب مفتقر إلى جزئيه، والمفتقر إلى جزئيه لا يكون إلا حادثا والله سبحانه منزه عن الحوادث(3).
__________
(1) انظر الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي (ص84-101)، بتصرف.
(2) مختصر الصواعق (1/255).
(3) نقض التأسيس (1/503).
(11/16)
فعلى قولهم هذا يكونون هم والمعتزلة على دليل واحد، وقد سبق أن ذكرنا الرد على المعتزلة فيكون الرد على هؤلاء من جنس الرد على أولئك، ويضاف إلى ذلك أن القول في الصفات التي نفاها هؤلاء هو كالقول في الصفات التي أثبتوها، فإن كان هذا تجسيماً وقولا باطلاً فهذا كذلك.
وإن قالوا: إن إثباتها على الوجه الذي يليق بالرب.
قيل لهم: وكذلك هذا.
فإن قالوا: نحن نثبت تلك الصفات وننفي التجسيم.
قيل لهم: وهذا كذلك، فليس لكم أن تفرقوا بين المتماثلين(1).
4ـ شبه النفاة السمعية في نفي صفة العلو:
لقد سبق وأن ذكرنا أن المعطلة قد انقسموا في هذه المسألة إلى فريقين:
فأما الفريق الأول: وهم القائلون بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته وهؤلاء كما سبق أن ذكرنا ليس لهم دليل واحد من الكتاب أو السنة.
__________
(1) مجموع الفتاوى (13/165).
(11/17)
وأما الفريق الثاني: وهم القائلون بأن الله بذاته في كل مكان فقد احتجوا لقولهم هذا بنصوص "المعية" و"القرب" الواردة في القرآن الكريم مثل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة 7]، وقوله تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُم} [النساء 108]، وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[الحديد 4]، وقوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} [التوبة 40]، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق 16]، وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف 84]، وقوله تعالى: {وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} [الأنعام3].
وقد زعم حلولية الجهمية أن المراد بهذه النصوص معية الذات وقرب الذات، فلذلك قالوا: إن الله بذاته في كل مكان.
الرد عليهم:
(11/18)
قد أبطل علماء السلف زعم هؤلاء الجهمية واستدلالهم بهذه الآيات ويبينوا أن كل نص يحتجون به هو في الحقيقة حجة عليهم، فنصوص المعية التي استدلوا بها لا تدل بأي حال من الأحوال على ما زعمه هؤلاء، وذلك لأن كلمة (مع) في لغة العرب لا تقتضي أن يكون أحد الشيئين مختلطاً بالآخر، وهي إذا أطلقت فليس ظاهرها في اللغة إلا المقارنة المطلقة من غير وجوب مماسة أو محاذاة عن يمين أو شمال، فإذا قيدت بمعنى من المعاني دلت على المقارنة في ذلك المعنى.
ولفظ المعية قد استعمل في الكتاب والسنة في مواضع واقتضت في كل موضع أموراً لم تقتضها في الموضع الآخر، وذلك بحسب اختلاف دلالتها في كل موضع وهي قد وردت في القرآن بمعنيين هما:
المعنى الأول: المعية العامة
والمراد بها أن الله معنا بعلمه، فهو مطلع على خلقه شهيد عليهم، ومهيمن وعالم بهم، وهذه المعية هي المرادة بقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
فالله سبحانه وتعالى قد افتتح الآية بالعلم وختمها بالعلم ولذلك أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم تفسير القرآن على أن تفسير الآية هو أنه معهم بعلمه، وقد نقل هذا الإجماع ابن عبد البر(1)، وأبو عمرو الطلمنكي، وابن تيمية(2)، وابن القيم(3).
وعلى هذا فلا حجة للمخالفين في ظاهر هذه الآية.
__________
(1) التمهيد (7/138).
(2) مجموع الفتاوى (5/193)، و(5/519)، و(11/249-250).
(3) اجتماع الجيوش الإسلامية (ص44).
(11/19)
وكذلك أيضاً ما جاء في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
فظاهر الآية دال على أن المراد بهذه المعية هو علم الله تبارك وتعالى واطلاعه على خلقه، فقد أخبر الله تعالى في هذه الآية بأنه فوق العرش يعلم كل شيء، وهو معنا أينما كنا، فجمع تعالى في هذه الآية بين العلو والمعية، فليس بين الاثنين تناقض البتة، وهو كقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الأوعال: "والله فوق العرش يعلم ما أنتم عليه".
المعنى الثاني: المعية الخاصة
وهي معية الاطلاع والنصرة والتأييد، وسميت خاصة لأنها تخص أنبياء الله وأولياءه مثل قوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}، وقوله تعالى {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} [النحل 128].
فهذه المعية على ظاهرها وحكمها في هذه المواطن النصر والتأييد.
ولفظ المعية على كلا الاستعمالين ليس مقتضاه أن تكون ذات الرب عز وجل مختلطة بالخلق، ولو كان معنى المعية أنه بذاته في كل مكان لتناقض الخبر العام والخبر الخاص، ولكن المعنى أنه مع هؤلاء بنصره وتأييده دون أولئك(1).
وأما استدلالهم بقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}، فقد أجاب عنه شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: "إن هذه الآية لا تخلوا من أن يراد بها قربه سبحانه أو قرب ملائكته كما قد اختلف الناس في ذلك.
__________
(1) مجموع الفتاوى (11/250)، و(5/104).
(11/20)
فإن أريد بها قرب الملائكة: فدليل ذلك من الآية قوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ. إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} ففسر ذلك القرب الذي هو حين يتلقى المتلقيان، فيكون الله سبحانه قد أخبر بعلمه هو سبحانه بما في نفس الإنسان، {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} وأخبر بقرب الملائكة الكرام الكاتبين منه، {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} وعلى هذا التفسير تكون هذه الآية مثل قوله تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف 80].
أما إذا كان المراد بالقرب في الآية قربه سبحانه، فإن ظاهر السياق في الآية دل على أن المراد بقربه هنا قربه بعلمه، وذلك لورود لفظ العلم في سياق الآية {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ}" (1).
وأما استدلالهم بقوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ}، فمعنى الآية: أي هو إله من في السموات وإله من في الأرض.
قال ابن عبد البر: "فوجب حمل هذه الآية على المعنى الصحيح المجتمع عليه، وذلك أنه في السماء إله معبود من أهل السماء، وفي الأرض إله معبود من أهل الأرض، وكذلك قال أهل العلم بالتفسير" (2).
وقال الآجري: "وقوله عز وجل {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} فمعناه: أنه جل ذكره إله من في السموات وإله من في الأرض، وهو الإله يعبد في السموات، وهو الإله يعبد في الأرض، هكذا فسره العلماء"(3).
وروى الآجري بسنده في تفسيره هذه الآية عن قتادة قوله: "هو إله يعبد في السماء، وإله يعبد في الأرض" (4).
__________
(1) الفتاوى (6/19-20).
(2) التمهيد (7/134).
(3) الشريعة (3/1104).
(4) الشريعة (3/1104-1105).
(11/21)
وأما استدلالهم بقوله تعالى {هُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} فقد فسرها أئمة العلم كالإمام أحمد وغيره أنه المعبود في السموات والأرض(1).
وقال الآجري: "وعند أهل العلم من أهل الحق {وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرّكُمْ وَجَهْرَكُم وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُون} هو كما قال الحق {يَعْلَمُ سِرّكُمْ} فما جاءت به السنن أن الله عز وجل على عرشه، وعلمه محيط بجميع خلقه، يعلم ما تسرون وما تعلنون، ويعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون"(2).
القول الثاني:
وهو قول من يقول: إن الله بذاته فوق العرش وهو بذاته في كل مكان.
هذا قول جماعة من أهل الكلام والتصوف كأبي معاذ التومنى(3)، وزهير الأثري(4)، وأصحابهما(5)، وهو موجود في كلام السالمية(6)
__________
(1) الرد على الزنادقة والجهمية للإمام أحمد (ص92-93)، ومجموع الفتاوى (11/250).
(2) الشريعة (3/1104).
(3) أبو معاذ التومني من أئمة المرجئة ورأس فرقة التومنية منها.
انظر ترجمته ومذهبه في مقالات الأشعري (1/204، 326) ،(2/232)، والملل والنحل (1/128).
(4) زهير الأثري، لم أقف على ترجمته، وقد تكلم الأشعري عن آرائه بالتفصيل في المقالات (1/326).
(5) انظر نقض تأسيس الجهمية (1/6)، والفتاوى (2/299)، ومقالات الإسلاميين (1/326).
(6) هم أتباع أبي عبد الله محمد بن أحمد بن سالم المتوفى سنة (297هـ) وابنه أبي الحسن أحمد بن محمد بن سالم المتوفى سنة (350هـ)، وقد تتلمذ أحمد بن محمد بن سالم على سهل بن عبد الله التستري، ويجمع السالمية بين كلام أهل السنة وكلام المعتزلة مع ميل إلى التشبيه ونزعة صوفية اتحادية.
انظر شذرات الذهب (3/36)، وطبقات الصوفية (ص414-416)، والفرق بين الفرق (ص157-202).
(11/22)
كأبي طالب المكي(1) وأتباعه كأبي الحكم برجان(2) وأمثاله ما يشير إلى نحو هذا. كما يوجد في كلامهم ما يناقض هذا(3) فهم يقولون بأن الله في كل مكان، وأنه مع ذلك مستو على عرشه وأنه يرى بالأبصار بلا كيف، وأنه موجود الذات بكل مكان، وأنه ليس بجسم ولا محدود ولا يجوز عليه الحلول ولا المماسة، ويزعمون أنه يجيء يوم القيامة كما قال تعالى: {وَجَاَءَ رَبُّكَ} [الفجر 22]، وقولهم هذا يشبه قول بعض مثبتة الجسم الذين يقولون إنه لا نهاية له(4).
والفرق بين هذا القول وقول الجهمية: بأن الله في كل مكان هو أن هؤلاء يثبتون العلو ونوعا من الحلول، أما الجهمية فلا يثبتون العلو على مقصود هؤلاء من الاستواء على العرش والمباينة.
ويزعم أصحاب هذا القول أنهم بقولهم هذا قد اتبعوا النصوص كلها سواء كانت نصوص علو أو معية أو قرب.
الرد عليهم:
إنهم بقولهم هذا جمعوا بين كلام أهل السنة وكلام الجهمية، ولذلك كان قولهم ظاهر الخطأ وغاية في التناقض.
__________
(1) أبو طالب، محمد بن علي بن عطية الحارثي المكي، صوفي نشأ واشتهر بمكة، وهو صاحب كتاب "قوت القلوب" في التصوف وهو من أكبر رجال السالمية، قال عنه الخطيب البغدادي: (ذكر فيه أشياء مستشنعة في الصفات)، توفي سنة (386هـ).
انظر ترجمته في تاريخ بغداد (3/89)، وميزان الاعتدال (3/655)، ولسان الميزان (5/300).
(2) أبو الحكم، عبد السلام بن عبد الرحمن بن محمد اللخمي الإشبيلي، متصوف، توفي سنة (536هـ) بمراكش.
انظر ترجمته في لسان الميزان (4/13-14)، فوات الوفيات (1/569)، الاعلام (4/129).
(3) مجموع الفتاوى (2/299).
(4) نقض تأسيس الجهمية (2/6).
(11/23)
أما بيان خطئه فيكمن في أن كل من قال بأن الله بذاته في كل مكان فهو مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها مع مخالفته لما فطر الله عليه عباده، ولصريح المعقول وللأدلة الكثيرة، فالقرآن الكريم مملوء بالآيات التي تنص على علو الله بذاته فوق خلقه واستوائه على عرشه وبينونته من خلقه، كما أن السنة قد تحدثت عن هذا المعنى في كثير من الأحاديث، كقصة المعراج وصعود الملائكة ونزولها من عند الله وعروج الروح إليه واستوائه على عرشه، ونزوله إلى السماء الدنيا، فكل هذه الأدلة تبين بطلان هذا القول ومخالفته.
وأما استدلال هؤلاء بنصوص المعية والقرب، فقد بينا خطأ هذا الاستدلال وبطلانه عند الرد على الأدلة السمعية لمذهب الجهمية، وقد بينا أنه ليس للمخالفين أي متمسك في جعلها لمعية الذات أو قرب الذات.
أما بيان تناقض هذا القول: فهو واضح من أقوالهم، فهم يجمعون بين أقوال متناقضة، فهم تارة يقولون إنه بذاته فوق العرش، وتارة يقولون إنه فوق العرش ونصيب العرش فيه كنصيب قلب العارف -كما يذكر ذلك أبو طالب المكي وغيره-، ومعلوم أن قلب العارف نصيبه منه المعرفة والإيمان وما يتبع ذلك.
فإن قالوا: إن العرش كذلك، فقد نقضوا قولهم بأنه بنفسه فوق العرش.
وإن قالوا بحلول ذاته في قلوب العارفين، كان ذلك قولا بالحلول الخاص، وهذا ما وقع فيه طائفة من الصوفية ومنهم صاحب منازل السائرين(1).
الفصل الثاني
الأقوال في صفة الاستواء
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: مذهب السلف في الاستواء.
المبحث الثاني: أقوال المخالفين.
المبحث الأول
مذهب السلف في الاستواء
والمقصود بالسلف هم الصحابة والتابعون ومن سار على نهجهم.
ولقد كان قولهم في الاستواء كقولهم في سائر صفات الله فهم وسط بين طائفتين هم المعطلة والمشبهة.
فهم لا يمثلون صفات الله بصفات خلقه، ولا ذاته بذوات خلقه كما يفعل المشبهة.
__________
(1) مجموع الفتاوى (5/122-131).
(11/24)
وكذلك لا ينفون عن الله ما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، فيعطلون أسماءه وصفاته، ويحرفون الكلم عن مواضعه، ويلحدون في أسمائه وآياته كما فعل المعطلة.
بل كان مذهبهم في سائر الصفات -بما في ذلك الاستواء- أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه في كتابه أو على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم نفياً وإثباتاً.
وطريقتهم في الإثبات أنهم يثبتون ما أثبته الله من الصفات من غير تكييف لها، ولا تحريف، ولا تمثيل، ولا تعطيل.
وطريقتهم في النفي أنهم ينفون عن الله ما نفاه عن نفسه مع إثبات كمال ضد ذلك المنفي.
فطريقة السلف هي إثبات أسماء الله وصفاته مع نفي مماثلة المخلوقين، إثبات بلا تشبيه وتنزيه بلا تعطيل كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى 11]، ففي قوله تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} رد للتشبيه والتمثيل، وفي قوله {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} رد للإلحاد والتعطيل(1).
ولقد كانت هذه طريقة السلف في جميع الصفات دون تفريق بين صفة وصفة، وفي ذلك يقول الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا نتجاوز القرآن والسنة"(2).
وبناءاً على هذه القاعدة كان مذهب السلف في صفة الاستواء أنهم يثبتون استواء الله على عرشه استواءاً يليق بجلاله وعظمته، ويناسب كبريائه، وهو بائن من خلقه وخلقه بائنون منه.
فالاستواء صفة ثابتة في القرآن والسنة وقد أجمع سلف الأمة على إثباتها.
وذكر صفة الاستواء جاء في سبعة مواضع من القرآن الكريم، وسيأتي ذكرها كما أن السنة مليئة بالأحاديث الثابتة الصحيحة الدالة على علو الله واستوائه على عرشه.
__________
(1) انظر الرسالة التدمرية (ص4-7)، المطبعة السلفية، الفتوى الحموية الكبرى (16-17)، المطبعة السلفية.
(2) مجموع الفتاوى (5/26).
(11/25)
والسلف يقولون إن معنى هذا الاستواء الوارد في الكتاب والسنة معلوم في اللغة العربية، كما قال ربيعة بن عبد الرحمن، والإمام مالك: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة".
فقولهم: (الاستواء معلوم): أي أن معنى الاستواء معلوم في اللغة، وهو ههنا بمعنى العلو والارتفاع.
قال ابن القيم رحمه الله: "إن لفظ الاستواء في كلام العرب الذي خاطبنا الله بلغتهم وأنزل به كلامه نوعان: مطلق، ومقيد.
فالمطلق: ما لم يوصل معناه بحرف مثل قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} [القصص 14]، وهذا معناه: كمل وتم، ويقال: استوى النبات، واستوى الطعام.
وأما المقيد فثلاثة أضرب:
أحدها: مقيد "بإلى" كقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء}، واستوى فلان إلى السطح وإلى الغرفة، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى المعدى بإلى في موضعين من كتابه، الأول في سورة البقرة في قوله {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء}[البقرة 29]، والثاني في سورة فصلت {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَان}[فصلت 11]، وهذا بمعنى العلو والارتفاع بإجماع السلف.
الثاني: المقيد "بعلى" كقوله تعالى {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ} [الزخرف 13]، وقوله {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} [هود 44]، وقوله {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} [الفتح 29]، وهذا أيضاً معناه العلو والارتفاع والاعتدال بإجماع أهل اللغة.
الثالث: المقرون "بواو مع" التي تعدى الفعل إلى المفعول معه نحو استوى الماء والخشبة، بمعنى ساواها وهذه معاني الاستواء المعقولة في كلامهم"(1).
ومما يؤكد أيضاً أن السلف يعلمون معنى الاستواء قول ابن عبد البر: "والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم، وهو العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكن فيه".
__________
(1) انظر مختصر الصواعق المرسلة (2/126-127).
(11/26)
قال أبو عبيدة في قوله {اسْتَوَى} قال: علا، قال: وتقول العرب: استويت فوق الدابة واستويت فوق البيت، وقال غيره: استوى أي انتهى شبابه واستقر فلم يكن في شبابه مزيد، والاستواء الاستقرار في العلو، وبهذا خاطبنا الله عز وجل فقال: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ}، وقال: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ}، وقال: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} [المؤمنون 28].
وقال الشاعر:
فأوردتهم ماء بضبضاء قفرة
وقد حلق النجم اليماني فاستوى
وهذا لا يجوز أن يتأول فيه أحد: استولى؛ لأن النجم لا يستولي.
وقد ذكر النضر بن شميل -وكان ثقة مأموناً جليلاً في علم الديانة واللغة- قال: "حدثني الخليل -وحسبك بالخليل- قال: أتيت أبا ربيعة الأعرابي وكان من أعلم من رأيت، فإذا هو على سطح، فسلمنا فرد علينا السلام وقال لنا: استووا فبقينا متحيرين ولم ندر ما قال؟ فقال لنا أعرابي إلى جنبه: إنه أمركم أن ترتفعوا، قال الخليل: هو من قول الله عز وجل: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَان} فصعدنا إليه" (1).
وقال ابن القيم: "إن ظاهر الاستواء وحقيقته هو العلو والارتفاع كما نص عليه جميع أهل اللغة والتفسير المقبول" (2).
ولما كان هذا هو معنى الاستواء في لغة العرب فقد تكلم السلف والمفسرون بهذا المعنى عند تفسير هذه الآية، فقد روي عن مجاهد في تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْش} قال: علا على العرش(3).
وقد روى ابن أبي حاتم في تفسيره بسنده عن أبي العالية في تفسير الآية السابقة الذكر قال: ارتفع(4).
وقد روي عن الحسن البصري والربيع بن أنس مثله(5).
__________
(1) التمهيد (7/131-132).
(2) انظر مختصر الصواعق (2/145).
(3) انظر فتح الباري (13/403).
(4) مجموع الفتاوى (5/519).
(5) مجموع الفتاوى (5/519).
(11/27)
وقد روى اللالكائي بسنده عن بشر بن عمر قال: "سمعت غير واحد من المفسرين يقولون: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، قال: على العرش استوى: ارتفع" (1).
وفي هذا التفسير لمعنى الاستواء من قبل السلف رد على من زعم أن مذهب السلف هو التقيد باللفظ مع تفويض المعنى المراد، وأنهم كانوا لا يفسرون الاستواء ولا يتكلمون فيه، فمن خلال ما تقدم من الأقوال التي نقلت عن السلف يتضح كذب هؤلاء وزيف ادعائهم.
ومما ينبغي معرفته أن السلف مع إثباتهم لمعنى الاستواء واعتقادهم بأن الله مستو على عرشه ومرتفع عليه، إلا أنهم يكلون علم كيفية ذلك الاستواء إلى الله عز وجل لأن أمره هو مما استأثر الله بعلمه. وفي ذلك يقول القرطبي: "ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة وإنما جهلوا كيفية الاستواء فإنه لا تعلم حقيقته كما قال الإمام مالك: (الاستواء معلوم -يعني في اللغة- والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة") (2).
وقال ابن القيم: "إن العقل قد يئس من تعرف كنه صفات الله وكيفيتها، فإنه لا يعلم كيف الله إلا الله. وهذا معنى قول السلف (بلا كيف)، أي: بلا كيف يعقله البشر، فإنه من لا تعلم حقيقة ذاته وماهيته، كيف تعرف كيفية نعوته وصفاته؟ ولا يقدح ذلك في الإيمان بها، ومعرفة معانيها، فالكيفية وراء ذلك. كما أنا نعرف معاني ما أخبر الله به من حقائق ما في اليوم الآخر، ولا نعرف كيفيتها مع قرب ما بين المخلوق والمخلوق، فعجزنا من معرفة كيفية الخالق وصفاته أعظم وأعظم" (3).
المبحث الثاني
أقوال المخالفين
الفريق الأول: نفاة الاستواء
__________
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/397).
(2) تفسير القرطبي.
(3) مدارج السالكين (3/359).
(11/28)
سبق أن ذكرنا أن المعطلة من الفلاسفة، والجهمية، و الأشاعرة، والماتريدية، على الرغم من أن لكل واحد منهم منهجاً مستقلاً في مسألة الصفات يتفقون جميعاً على إنكار الصفات الاختيارية بما فيها صفة الاستواء، ويذهبون إلى تأويل الآيات القرآنية الواردة في إثباتها إلى ما أدت إليه عقولهم من المعاني الفاسدة التي يزعمون أن في ذلك تنزيهاً لله عن مشابهة المخلوقين.
وإن سبب ذلك التأويل الباطل هو اعتقاد هؤلاء المعطلة أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها النصوص، وذلك بسبب الشبهات الفاسدة التي شاركوا فيها إخوانهم من الفلاسفة، فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر -وكان مع ذلك لابد للنصوص من معنى- بقوا مترددين بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى، وهي التي يسميها هؤلاء المعطلة طريقة السلف، وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع من التكلف، وهي التي يسمونها طريقة الخلف.
وبهذا يتبين لنا أن هذا الباطل الذي ذهب إليه هؤلاء المعطلة إنما هو مركب من فساد العقل والكفر بالسمع، وذلك لأنهم إنما اعتمدوا في نفي تلك الصفات على شبه عقلية ظنوها بينات وهي في الحقيقة شبهات.
وبناء على المسلك الثاني الذي سلكه هؤلاء المعطلة من تأويل تلك النصوص، فقد تعددت أقوالهم واختلفت في المعنى الذي يجب أن يؤول إليه لفظ الاستواء الوارد في الآيات إلى عدة أقوال منها:
القول الأول:
من هؤلاء المعطلة من يؤول معنى الاستواء في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} على الاستيلاء والقهر والغلبة.
وهذا القول يذهب إليه كثير من الجهمية(1)، والمعتزلة(2)، والحرورية(3)، وكثير من متأخري الأشاعرة(4)، كسيف الدين الآمدي(5)،
__________
(1) انظر مجموع الفتاوى (5/96)، ومختصر الصواعق (2/144).
(2) متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار (1/73، 351).
(3) انظر مجموع الفتاوى (5/66)، ومختصر الصواعق (2/144).
(4) انظر تحفة المريد على شرح جوهرة التوحيد (ص54).
(5) انظر غاية المرام (ص141).
(11/29)
والغزالي(1)، والبغدادي(2)، وغيرهم.
وقد استدل هؤلاء المعطلة على صحة زعمهم هذا بأن تأويل الاستواء بالاستيلاء أمر مشهور في لغة العرب من ذلك:
قول الشاعر:
قد استوى بشر على العراق
من غير سيف ولا دم مهراق
وقال الآخر:
هما استويا بفضلهما جميعاً
على عرش الملوك بغير زور
وقال الآخر:
فلما علونا واستوينا عليهم
تركناهم صرعى لنسر كاسر
وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر -رحمه الله تعالى- أن بعضهم قد احتج بما رواه عبد الله بن داود الواسطي عن إبراهيم بن عبد الصمد عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، قال: "استولى على جميع بريته فلا يخلو منه مكان"(3).
ومن هؤلاء المعطلة من يبقي كلمة العرش الواردة في الآية على معناها الحقيقي الثابت، ويقول إنما خصص العرش بالذكر من بين جميع المخلوقات لكونه أعظم المخلوقات وأرفعها وأوسطها فخصص بالذكر تنبيهاً على ما دونه.
__________
(1) انظر الاقتصاد في الاعتقاد (ص104).
(2) شرح الأصول الخمسة (ص226).
(3) التمهيد (7/132).
وقد أجاب ابن عبد البر على استدلالهم هذا بقوله: ((إن هذا الحديث منكر على ابن عباس رضي الله عنهما، ونقلته مجهولون وضعفاء، فأما عبد الله بن داود الواسطي وعبد الوهاب بن مجاهد فضعيفان، وإبراهيم بن عبد الصمد مجهول لا يعرف، وهم لا يقبلون أخبار الآحاد العدول، فكيف يسوغ لهم الاحتجاج بمثل هذا الحديث لو عقلوا وأنصفوا)) ا.هـ.
(11/30)
ومنهم من يؤول العرش الوارد في الآية بمعنى الملك(1)، ويزعم أن معنى الآية استولى واستعلى على الملك، ويقول أصحاب هذا القول إن الله قد عبر بالعرش كناية على الملك، لأنه يخاطب الناس على الوجه الذي ألفوه من ملوكهم، واستقر في قلوبهم، ذلك أن العرش في كلامهم هو السرير الذي يجلس عليه الملوك، فجعل العرش كناية عن نفس الملك. ويستدل هؤلاء بأن هذا الأمر مشهور في اللغة، وكذلك بقوله تعالى في سورة يونس {ثُم اسْتَوَى عَلَى العَرْش يُدَبِّرُ الأَمْرَ}، فقالوا: إن قوله يدبر الأمر جرى مجرى التفسير لقوله: {َاسْتَوَى عَلَى العَرْش }(2).
الرد عليهم:
لقد أجمع السلف على أن هذا التأويل الذي ذهب إليه هؤلاء الجهمية، والمعتزلة، والخوارج، ومتأخرو الأشاعرة، هو تأويل باطل ترده نصوص القرآن والسنة وإجماع الأمة، وهو قول لا أصل له في لغة العرب، بل هو تفسير لكلام الله بالرأي المجرد، لم يذهب إليه صاحب ولا تابع، ولا قاله إمام من أئمة المسلمين، ولا أحد من أهل التفسير الذين يحكون قول السلف.
ولبيان فساد هذا القول على وجه التفصيل نقول:
أولاً: أنه من المعلوم أن لفظ الاستواء قد ورد في القرآن الكريم في سبعة مواضع، وهذه المواضع جميعها قد اطرد فيها لفظ الاستواء دون الاستيلاء، وكذلك الأمر بالنسبة لما ورد في السنة، فلو كان معناه استولى -كما يزعم هؤلاء- لكان استعماله في أكثر موارده كذلك، فإذا جاء في موضع أو موضعين بلفظ استوى حمل على معنى استولى لأنه المألوف المعهود.
__________
(1) انظر شرح الأصول الخمسة (ص226)، تفسير الرازي (14/15)، وأصول الدين للبغدادي (ص112).
(2) تفسير الرازي (14/115).
(11/31)
أما أن يُؤتى إلى لفظ قد اطرد استعماله في جميع موارده على معنى واحد فيدعى صرفه في الجميع إلى معنى لم يعهد استعماله فيه، فهذا أمر في غاية الفساد ولم يقصده ويفعله من قصد البيان، هذا لو لم يكن في السياق ما يأبى حمله على غير معناه الذي اطرد استعماله فيه، فكيف وفي السياق ما يأبى ذلك(1).
ثانياً: ومما يرد هذا التأويل الباطل أن كلمة استوى قد جاءت بعد "ثم" التي حقها الترتيب والمهلة، فلو كان المعنى القدرة على العرش والاستيلاء عليه لم يتأخر ذلك إلى ما بعد خلق السموات والأرض، فإن العرش كان موجوداً قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف عام كما ثبت في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء" (2).
وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء}.
وفي صحيح البخاري عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء ثم خلق السموات والأرض" (3).
فالآيات والحديثان يدلان دلالة واضحة على أن العرش كان موجوداً قبل خلق السموات والأرض فكيف يجوز أن يكون غير قادر ولا مستولٍ على العرش إلى أن خلق السموات والأرض(4).
__________
(1) انظر مختصر الصواعق المرسلة (2/128-129).
(2) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب القدر (8/51).
(3) سيأتي تخريجه في قسم التحقيق فقرة (120).
(4) مجموع الفتاوى (5/145).
(11/32)
ثالثاً: أن الاستيلاء سواء كان بمعنى القدرة أو القهر أو نحو ذلك عام في المخلوقات كالربوبية، والعرش وإن كان أعظم المخلوقات ونسبة الربوبية إليه لا تنفي نسبتها إلى غيره كما في قوله تعالى {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}، فلو كان استوى بمعنى استولى كما هو عام في المخلوقات كلها لجاز مع إضافته للعرش أن يقال: استوى على السماء وعلى الهواء وعلى البحار والأرض، وعليها ودونها ونحوها إذ هو مستو على العرش. فلما اتفق المسلمون على أن يقال: استوى على العرش، ولا يقال استوى على هذه الأشياء مع أنه يقال: استولى على العرش والأشياء، علم أن معنى استوى خاص بالعرش وليس عاما كعموم الأشياء(1).
رابعاً: أنه إذا فسر الاستواء بالغلبة والقهر عاد معنى الآيات كلها إلى أن الله تعالى أعلم عباده بأنه خلق السموات والأرض ثم غلب على العرش بعد ذلك وقهره وحكم عليه! أفلا يستحي من الله من في قلبه أدنى وقار لله ولكلامه أن ينسب ذلك إليه وأنه أراد بقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}: أي اعلموا يا عبادي أني بعد فراغي من خلق السموات والأرض غلبت عرشي وقهرته واستوليت عليه(2).
خامساً: إن ما يستند إليه هؤلاء المعطلة في زعمهم هذا من قولهم أن تفسير استوى باستولى أمر مشهور في اللغة، هو قول باطل مردود لأنه لم يثبت عند أحد من أهل اللغة أن لفظة استوى يصح استعمالها بمعنى استولى بل إن هذا القول منكر عند اللغويين.
فهذا ابن الأعرابي أحد علماء اللغة أتاه رجل فقال له: ما معنى قول الله عز وجل {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}؟ فقال: "هو كما أخبر عز وجل"، فقال: يا أبا عبد الله ليس هذا معناه، إنما معناه استولى، قال: "اسكت ما أنت وهذا، لا يقال استولى على الشيء إلا أن يكون له مضاداً فإذا غلب أحدهما قيل استولى، أما سمعت النابغة:
__________
(1) المصدر السابق (5/144).
(2) مختصر الصواعق (2/140-141).
(11/33)
إلا لمثلك أو من أنت سابقة
سبق الجواد إذا استولى على الأمد (1)
"وقد سئل الخليل بن أحمد: هل وجدت في اللغة استوى بمعنى استولى؟
فقال: (هذا ما لا تعرفه العرب ولا هو جائز في لغتها).
والخليل إمام في اللغة على ما عرف من حاله، فحينئذ حمله على ما لا نعرف في اللغة هو قول باطل"(2).
وكذلك فإنه قد روي عن جماعة من أهل اللغة قالوا: لا يجوز استوى بمعنى استولى إلا في حق من كان عاجزاً ثم ظهر، والله سبحانه لا يعجزه شيء والعرش لا يغالبه في حال، فامتنع أن يكون بمعنى استولى.
وقد روي عن أبي العباس ثعلب أنه قال: "استوى: أقبل عليه وإن لم يكن معوجاً، {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} [البقرة 29]، و{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْش}:علا، واستوى الوجه: اتصل، واستوى القمر: امتلأ، واستوى زيد وعمرو: تشابها واستوى فعلاهما وإن لم تتشابه شخوصهما، هذا الذي نعرفه من كلام العرب"(3).
فبما تقدم من أقوال علماء اللغة يتضح لنا فساد زعم هؤلاء المعطلة وكذب ادعائهم بأن هذا القول مشهور في اللغة.
وأما ما استدل به هؤلاء من أبيات، كقول الشاعر:
قد استوى بشر على العراق
من غير سيف ولا دم مهراق
وقول آخر:
هما استويا بفضلهما جميعاً
على عرش الملوك بغير زور
فهذان البيتان لم يثبت نقل صحيح على أنهما شعر عربي، وكان غير واحد من أئمة اللغة أنكروهما.
قال ابن فارس: "هذان البيتان لا يعرف قائلهما" (4).
فهما على هذا بيتان مصنوعان، ومعلوم أنه لو احتج بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحتاج إلى صحته، فكيف ببيت من الشعر لا يعرف إسناده وقد طعن فيه أئمة اللغة.
__________
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (2/399).
(2) مجموع الفتاوى (5/144، 149)
(3) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (2/399-400).
(4) زاد المسير لابن الجوزي.
(11/34)
قال أبو عمر بن عبد البر: "وأما ادعائهم المجاز في الاستواء وقولهم في تأويل استوى: استولى، فلا معنى له لأنه غير ظاهر في اللغة، ومعنى الاستيلاء في اللغة المغالبة، والله لا يغالبه أحد ولا يعلوه أحد، وهو الواحد الصمد، ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز، إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك، وإنما يوجه كلام الله إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم. ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبارات، وجل الله عز وجل أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطبتها، مما يصح معناه عند السامعين، والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم، وهو العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكن فيه. قال أبو عبيدة في قوله تعالى {اسْتَوَى} قال: وتقول العرب استويت فوق الدابة واستويت فوق البيت، وقال غيره: استوى: أي انتهى شبابه واستقر فلم يكن في شبابه مزيد"(1).
وأما ما استدل به المعطلة من قول ابن عباس رضي الله عنهما فقد بين ابن عبد البر أنه مكذوب على ابن عباس ورواته مجهولون وضعفاء كما تقدم ذكره.
القول الثاني:
أن معنى استوى: أقبل على خلق العرش وعمد إلى خلقه كقوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَان} [فصلت 11]، أي عمد إلى خلق السماء.
وهذا هو قول بعض الجهمية(2)، وإليه ذهب الفراء(3)، والأشعري، وابن الضرير، واختاره الثعلبي(4).
الرد عليهم:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهذا الوجه من أضعف الوجوه، فإنه قد أخبر أن العرش على الماء قبل خلق السموات والأرض.
__________
(1) التمهيد (7/131).
(2) مختصر الصواعق (2/126).
(3) ستأتي ترجمته في قسم التحقيق.
(4) انظر الإتقان في علوم القرآن للسيوطي (2/8-9).
(11/35)
وكذلك ثبت في صحيح البخاري عن عمران عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء ..." فإذا كان العرش مخلوقاً قبل خلق السموات والأرض، فكيف يكون استواؤه عمده إلى خلقه له؟!
هذا لو كان يعرف في اللغة أن استوى على كذا، بمعنى أنه عمد إلى فعله، فكيف إذا كان لا يعرف قط في اللغة لا حقيقة ولا مجازاً ولا في نظم ولا في نثر.
ومن قال استوى بمعنى عمد ذكره في قوله {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَان} لأنه عدى بحرف الغاية، كما يقال: عمدت إلى كذا وقصدت إلى كذا، ولا يقال عمدت على كذا ولا قصدت عليه، مع أن ما ذكر في تلك الآية لا يعرف في اللغة أيضاً ولا هو قول أحد من مفسري السلف بل المفسرون من السلف بخلاف ذلك"(1).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: "إن قولهم هذا يتضمن أن يكون خلقه بعد خلق السموات والأرض، وهذا بخلاف إجماع الأمة، وخلاف ما دل عليه القرآن والسنة، وإن ادعى بعض الجهمية المتأخرين أنه خلق بعد خلق السموات والأرض وادعى الإجماع على ذلك، وليس العجيب من جهله، بل من إقدامه على حكاية الإجماع على ما لم يقله مسلم" (2).
القول الثالث:
أن استوى بمعنى علا في هذه الآية، ولكن ليس المراد علو المسافة والمكان، وإنما المراد علو المكانة والقهر، وقد ذهب إلى هذا القول جماعة من الأشاعرة منهم أبو بكر بن فورك(3)، وهم بهذا القول جعلوا الاستواء صفة ذات وليست صفة فعل.
الرد عليهم:
__________
(1) مجموع الفتاوى (5/520-521).
(2) مختصر الصواعق المرسلة (2/143).
(3) كتاب مشكل الحديث لابن فورك (ص193)، والأسماء والصفات للبيهقي (ص518).
(11/36)
أن الآيات والأحاديث قد أثبتت استواء الله على العرش حقيقة، ولو كان معنى الاستواء ههنا المراد به علو المكانة فإن الله لم يزل متعالياً على الأشياء قبل خلق العرش، فلما أضاف الاستواء على العرش فيجب على ذلك أن يكون لهذا التخصيص فائدة(1).
القول الرابع:
وهو قول من يثبت الاستواء على أنه صفة للعرش وليس صفة لله تعالى.
وأصحاب هذا القول يقولون: إن الاستواء فعل يفعله الرب في العرش بمعنى أنه يحدث في العرش قرباً فيصير مستوياً عليه من غير أن يقوم به -أي بالله- فعل اختياري.
وهذا القول هو ما يقول به ابن كلاب، والأشعري(2)، وأئمة أصحابه المتقدمين كالباقلاني وغيره، وهو أيضاً قول القلانسي، ومن وافق هؤلاء من أتباع الأئمة وغيرهم من أصحاب الإمام أحمد كالقاضي أبي يعلى وابن الزاغوني وابن عقيل في كثير من أقواله(3).
والسبب الذي جعل هؤلاء القوم يمنعون جعل الاستواء صفة لله تعالى هو قولهم بنفي قيام الأفعال الاختيارية بذاته سبحانه وتعالى ولذلك يجعلون أفعاله اللازمة لذاته –كالنزول والاستواء- كأفعاله المتعدية -كالخلق والإحسان-، وقولهم في نفي الأفعال الاختيارية راجع إلى قولهم في صفات الله.
وهم يقولون: "إن الله هو الموصوف بالصفات، لكن ليست الصفات أعراضاً، إذ هي قديمة أزلية" (4).
__________
(1) المعتمد في أصول الدين للقاضي أبي بعلى (ص54).
(2) هذا القول لأبي الحسن الأشعري قاله عندما كان على قول ابن كلاب من نفي الأفعال الاختيارية عن الله تعالى.
(3) مجموع الفتاوى (5/386، 437، 466)، (16/393).
الأسماء والصفات (517).
اجتماع الجيوش الإسلامية (ص64، 65).
(4) مجموع الفتاوى (6/36).
(11/37)
وحجتهم في منع قيام الحوادث بذات الله تعالى أنهم يقولون: "إن كل ما صح قيامه بالباري تعالى فإما أن يكون صفة كمال أو لا يكون فإن كان صفة كمال استحال أن يكون حادثاً، وإلا كانت ذاته قبل اتصافه بتلك الصفة خالية من صفة الكمال، والخالي من الكمال الذي هو ممكن الاتصاف به ناقص، والنقص على الله محال بإجماع الأمة.
وإن لم يكن صفة كمال استحال اتصاف الباري بها لأن إجماع الأمة على أن صفات الباري بأسرها صفات كمال، فإثبات صفة لا من صفات الكمال خرق للإجماع وهو أمر غير جائز" (1).
الرد عليهم:
لقد اعتمد أصحاب هذا القول في منعهم كون الاستواء صفة لله تعالى على حجة منع قيام الحوادث بذاته تعالى، وهي حجة واهية وقد رد عليها شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: "إن المقدمة التي اعتمد عليها هؤلاء وهي قولهم: إن الخالي من الكمال الذي يمكن الاتصاف به ناقص. فيقال لهم: معلوم أن الحوادث المتعاقبة لا يمكن الاتصاف بها في الأزل، كما لا يمكن وجودها في الأزل، وعلى هذا فالخلو عنه في الأزل لا يكون خلواً عما يمكن الاتصاف به في الأزل.
ثم إنه لم يثبت امتناع ما ذكر من النقص بدليل عقلي ولا بنص من كتاب ولا سنة، بل بما ادعوه من إجماع، وإذاً فمعلوم أن المنازعين في اتصافه بذلك هم من أهل الإجماع فكيف يحتج بالإجماع في مسألة النزاع.
وقولهم بإجماع الأمة على أن صفاته صفات كمال، فإن قصد بذلك صفاته اللازمة لم يكن في هذا حجة لهم، وإن قصد بذلك ما يحدث بمشيئته وقدرته لم يكن هذا إجماعاً فإن أهل الكلام يقولون أن صفة الفعل ليست صفة كمال ولا نقص والله موصوف بها بعد أن لم يكن موصوفاً.
__________
(1) انظر كتاب ابن تيمية السلفي (ص130).
(11/38)
ثم إن هذا الإجماع الذي ادعوه حجة عليهم فإنا إذا عرضنا على العقول موجودين: أحدهما يمكنه أن يتكلم ويفعل بمشيئته كلاماً وفعلاً، والآخر لا يمكنه ذلك، بل لا يكون كلامه إلا غير مقدور ولا مراد أو يكون بائناً عنه، لكانت العقول تقضي بأن الأول أكمل من الثاني.
وكذلك إذا عرضنا على العقول موجودين من المخلوقين أو مطلقاً أحدهما يقدر على الذهاب والمجيء والتصرف بنفسه والآخر لا يمكنه ذلك لكانت العقول تقصي بأن الأول أكمل، فنفس ما به يعلم أن اتصافه بالحياة والقدرة صفات كمال، به يعلم أن اتصافه بالأفعال والأقوال الاختيارية التي تقوم به والتي يفعل بها المفعولات المباينة له صفات كمال"(1).
وكذلك مما يرد به على هذا القول ما قاله ابن القيم: "إنه لو كان الاستواء عائداً على العرش لكانت القراءة برفع العرش، ولم تكن بخفضة، فلما كانت بخفض العرش دل على أن الاستواء عائد إلى الله تعالى"(2).
الفريق الثاني: القول بالتفويض
ويذهب أصحاب هذا القول إلى إثبات لفظ الاستواء فقط مع التوقف في المعنى المراد، فهم يقولون: إن الاستواء ثابت في القرآن حيث إنه قد ورد في سبع آيات، وكذلك قد وردت به الأخبار الصحيحة وقبوله من جهة التوقف واجب، والبحث عنه وطلب الكيفية غير جائز وهو استواء لا نعلمه(3).
وقد ذهب إلى هذا القول البيهقي في كتابه الاعتقاد(4) وهو أحد قولي الرازي(5).
وهؤلاء في الحقيقة ينفون صفة الاستواء ولكن يتوقفون في المعنى الذي على زعمهم يجب تأويل اللفظ إليه.
__________
(1) الموافقة بين صريح العقل وصحيح النقل (2/73-175)، ط: دار الكتب.
(2) انظر اجتماع الجيوش الإسلامية (ص64-65).
(3) الاعتقاد للبيهقي (ص115).
(4) المصدر السابق.
(5) تلخيص المحصل (ص114).
(11/39)
وقد زعم كثير من الأشاعرة أن القول بالتفويض هو قول السلف(1).
ويستدلون على نسبة هذا القول إلى السلف بعبارات نقلت عن السلف ظنوا أنها ترمي إلى القول بالتفويض كقول الأوزاعي: "كنا والتابعون متوافرون نقول أن الله تعالى ذكره فوق عرشه، ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته جل وعلا".
وقول ربيعة بن عبد الرحمن، والإمام مالك: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب".
والقول بالتفويض هو مقصود هؤلاء القوم في قولهم: (إن طريقة السلف أسلم)، حيث إنهم ظنوا أن طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك، بمنزلة الأميين الذين قال الله فيهم: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيََّ} [البقرة 78].
الرد عليهم:
معلوم أن نسبة هذا القول إلى السلف إنما هي محض كذب وافتراء، ومن نسب هذا القول إلى السلف فإنما هو جاهل بطريقة السلف الذين لم يقولوا بهذا القول، ولم يرد عن واحد منهم أنه فوض معنى الاستواء، بل أن الوارد عنهم جميعاً أنهم يفسرون الاستواء بالمعنى المراد وهو العلو والارتفاع على العرش ويؤمنون بأن الله مستو على العرش حقيقة.
قال شيخ الإسلام: "وهذا القول على الإطلاق كذب صريح على السلف، أما في كثير من الصفات فقطعاً مثل أن الله فوق العرش فإن من تأمل كلام السلف المنقول عنهم علم بالاضطرار أن القوم كانوا مصرحين بأن الله فوق العرش حقيقة، وأنهم ما قصدوا خلاف هذا قط، وكثير منهم صرح في كثير من الصفات بمثل ذلك" (2).
__________
(1) الاعتقاد للبيهقي (ص117)، الإتقان في علوم القرآن (2/6)، مناهل العرفان (2/183-183)، تحفة المريد (ص91-92)، شرح الخريدة البهية (ص75)، الأسماء والصفات (ص517).
(2) الفتوى الحموية (ص64).
(11/40)
وقال في موضع آخر: "وقد فسر الإمام أحمد النصوص التي نسميها متشابهات فبين معانيها آية آية، وحديثاً حديثاً ولم يتوقف فيها هو والأئمة قبله مما يدل على أن التوقف عن بيان معاني آيات الصفات وصرف الألفاظ عن ظواهرها لم يكن مذهباً لأهل السنة وهم أعرف بمذهب السلف، وإنما مذهب السلف إجراء معاني آيات الصفات على ظاهرها بإثبات الصفات له حقيقة، وعندهم قراءة الآية والحديث تفسيرها وتمر كما جاءت دالة على المعاني لا تحرف ولا يلحد فيها" (1).
ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "تنازع الناس في كثير من الأحكام ولم يتنازعوا في آيات الصفات وأخبارها في موضع واحد، بل اتفق الصحابة والتابعون على إقرارها وإمرارها مع فهم معانيها وإثبات حقائقها، أعني فهم أصل المعنى لا فهم الكنه والكيفية" (2).
وأما بالنسبة إلى ما استدل به أصحاب هذا القول على أن القول بالتفويض هو مذهب السلف وذكرهم لقول الإمام مالك: (الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة)، فليس المراد ههنا تفويض معنى الاستواء ولا نفي حقيقة الصفة، ولو كان المراد الإيمان بمجرد اللفظ من غير فهم على ما يليق بالله لما قال: (الكيف مجهول)، لأنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى(3).
والاستواء على هذا المعنى لا يكون معلوما بل هو مجهول بمنزلة حروف المعجم، لكن الأمر على عكس ذلك، فنفى علم الكيفية؛ لأنه أثبت الصفة وأراد بقوله الاستواء معلوم معناه في اللغة التي نزل بها القرآن فعلى هذا يكون معلوماً في القرآن.
__________
(1) مجموع الفتاوى (17/414).
(2) مختصر الصواعق (1/15).
(3) الفتوى الحموية (ص25).
(11/41)
ومعلوم أن ادعاء هؤلاء أن مذهب السلف إنما هو القول بالتفويض سببه اعتقاد هؤلاء أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها هذه النصوص، فلما اعتقدوا انتفاء الصفات في نفس الأمر -كان مع ذلك لا بد للنصوص من معنى- فبقوا مترددين بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى وبين صرف اللفظ إلى معان بنوع من التكلف. وهذا التردد هو الذي وقع فيه من قال بالتفويض من هؤلاء كالبيهقي والرازي، فهم لم يلتزموا بهذا القول مطلقاً بل غالباً ما يخالفونه كما فعل الرازي في تأسيسه حيث جنح إلى التأويل وترك القول بالتفويض.
الفريق الثالث: قول المشبهة
والمقصود بهم الهشامية(1) من الروافض، والكرامية(2)، وغيرهم.
وهؤلاء يثبتون استواء الله وارتفاعه فوق عرشه، إلا أنهم تعمقوا في الكلام على كيفية ذلك الاستواء.
فالهشامية مثلاً يقولون: إن الله تعالى مماس لعرشه لا يفضل منه شيء في العرش ولا يفضل عن العرش شيء منه(3).
وأما الكرامية فقد تعددت أقوالهم في كيفية استوائه:
فمنهم من يقول: إنه على بعض أجزاء العرش.
ومنهم من يقول: إن العرش مكان له وإن العرش امتلأ به.
ومنهم من يقول: إنه لو خلق بازاء العرش عروشاً موازية لعرشه لصارت العروش كلها مكاناً له لأنه أكبر منها كلها.
ومنهم من يقول: إن بينه وبين العرش من البعد والمسافة ما لو قدر مشغولا بالجواهر لاتصلت به(4).
وقول هؤلاء المشبهة إنما هو نتيجة لازمة لأقوالهم في صفات الله وكلامهم في ذاته.
__________
(1) هم أصحاب هشام بن عبد الحكم الرافضي من الإمامية، وتنسب إليه وإلى هشام بن سالم الجواليقي أحيانا، من الإمامية المشبهة.
انظر المقالات (1/31-34)، الملل والنحل (1/144-147).
(2) هم أصحاب محمد بن كرام وهم طوائف يبلغ عددهم اثنتي عشرة فرقة وأصولها ستة هي: العابدية، والنونية، والزرينية، والإسحاقية، والواحدية، وأقربهم الهيصمية.
انظر الملل والنحل (1/144-147).
(3) الملل والنحل (2/22).
(4) الملل والنحل (1/144-147).
(11/42)
فالهشامية يقولون: "إن الله جسم ذو أبعاض له قدر من الأقدار، ولكن لا يشبه شيئاً من المخلوقات، ولا يشبهه شيء".
ونقل عنهم أنهم قالوا إنه سبعة أشبار بشبر نفسه، وإن له مكاناً مخصوصاً ووجهة مخصوصة وإنه يتحرك وحركته فعله، وليست من مكان إلى مكان وهو متناه بالذات غير متناه بالقدرة، وإنه مماس لعرشه ولا يفضل منه شيء من العرش ولا يفضل عن العرش شيء منه"(1).
وأما الكرامية فيقول ابن كرام: "إن معبوده مستقر على العرش استقراراً وإنه بجهة فوقَ ذاتاً وإنه أُحدي الذات أُحدي الجوهر وإنه مماس للعرش من الصفحة العليا".
ولهم في معنى العظم خلاف فقال بعضهم: "إنه مع وحدته على جميع أجزاء العرش والعرش تحته وهو فوقه كله على الوجه الذي هو فوق جزء منه".
وقال بعضهم: "أنه يلاقى مع وحدته من جهة واحدة أكثر من واحد، وهو يلاقى جميع أجزاء العرش وهو العلي العظيم".
وقالت المهاجرية منهم: إنه لا يزيد على عرشه في جهة المماسة ولا يفضل منه شيء على العرش، وهذا يقتضي أن يكون عرضه كعرض العرش.
وصار المتأخرون منهم إلى أنه تعالى بجهة فوق وأنه محاذ للعرش"(2).
الرد عليهم:
هذا القول للمشبهة يتضمن حقاً وباطلاً.
فالحق فيه هو: اعترافهم بعلو الله واستوائه على عرشه وأنه بائن من خلقه والخلق بائنون عنه.
وأما الباطل فهو: كلامهم في ذات الله والتعرض لكيفية استوائه، وهو كلام باطل وفاسد ليس لهم به دليل من القرآن أو السنة، بل هو قول على الله بغير علم فالله سبحانه وتعالى لم يطلعنا على كيفية ذاته فأنّى لنا أن نعلم كيفية صفاته، وأمر الكيفية هو مما استأثر الله بعلمه قال تعالى: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء} [البقرة 255].
__________
(1) المصدر السابق (2/22).
(2) انظر كتاب التجسيم عند المسلمين (ص205).
(11/43)
ومما يدلنا على فساد هذا القول وعدم وجود دليل لأصحابه على ما يقولون هو اختلاف آرائهم وأقوالهم عند الحديث عن ذات الله وكيفية استواءه. فمن خلال عرض أقوالهم يتضح اختلافهم وتناقضهم، وما ذاك إلا لأنّهم يفترون على الله الكذب قال تعالى {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيراً} [النساء 82].
والسؤال الذي ينبغي أن يوجه إلى هؤلاء المشبهة في هذا المقام هو: أين الدليل من الكتاب أو السنة على ما تزعمون؟
والجواب معروف وهو أنه لا دليل لهم على ذلك لا من القرآن ولا من السنة.
ومما ينبغي معرفته أن الكلام على كيفية ذات الله أو كيفية استوائه أو غيرها من الصفات هو أمر غير جائز عند السلف ويحرم الخوض فيه بل يبدعون السائل عن ذلك، ولذلك بدع الإمام مالك السائل الذي سأله عن كيفية استواء الباري عز وجل، حيث قال له: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب، وما أراك إلا رجل سوء، وأمر بإخراجه)، وما قاله الإمام مالك هو الذي جاءت به النصوص وهو الذي سار عليه السلف جميعاً.
(11/44)
كتاب العرش
تأليف: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (748هـ)
دراسة وتحقيق: د. محمد بن خليفة التميمي
الأستاذ بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران 102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء 1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
وبعد:
فإن عقيدة أهل السنة والجماعة هي عقيدة الطائفة المنصورة الباقية، كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة"(1).
__________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ... الخ".
وانظر صحيح مسلم بشرح النووي (13/66).
(12/1)
وهي الفرقة الناجية التي قال عنها صلى الله عليه وسلم: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة" قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: "من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي"(1).
فعلامتهم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يكونون على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فتلك ميزة تميزت بها عقيدة أهل السنة والجماعة لا توجد عند غيرهم، فعقيدتهم تتميز بأصولها التي تُستمدُ منها كل مسائل هذا العلم.
فالقرآن الكريم الذي هو حبل الله المتين، والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، هو الأصل الأول من أصول أهل السنة والجماعة.
__________
(1) أخرجه أبو داود (5/4) رقم (4596، 4597).
والترمذي (5/25-26) رقم (2640، 2641).
وابن ماجة (2/1321) رقم (3991-3993).
والإمام أحمد (2/332)، (3/120، 145)، (4/120).
والحاكم في المستدرك (1/128) وقال: (صحيح على شرط مسلم، و(2/480) وقال: صحيح الإسناد.
والدارمي (2/158) رقم (2521).
والطبراني في الكبير (8/321، رقم8035)، (8/327، رقم8051)، (8/178، رقم7659)، (10/271-272، رقم211، 212)، وفي الصغير (1/224).
والآجري في الشريعة (1/304-315، رقم 21-29).
وابن أبي عاصم في السنة (1/32-35).
واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (1/100-102).
والطبري (27/239).
ورواه ابن بطة في الإبانة (1/367-375، رقم263-275).
وأبو يعلى في مسنده (6/340-342، رقم3668).
وابن حبان في صحيحه (8/48، رقم6214).
وابن أبي شيبة في المصنف (15/308، رقم19738).
والمروزي في السنة (ص18، 19).
وقال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: (هو حديث صحيح مشهور). انظر المسائل (2/83)، والفتاوى (3/345).
واعتنى به الشاطبي في الاعتصام.
وأورده ابن كثير في تفسيره (1/390).
وأورده الشيخ الألباني في السلسة الصحيحة (3/480).
(12/2)
والأصل الثاني السنة النبوية الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد أوجب الله على الناس اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بسنته، قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر 7]، وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب 21].
فأهل السنة والجماعة كان اعتصامهم بالكتاب والسنة "بخلاف أهل البدعة والفرقة، فإن عمدتهم في الباطن ليست على القرآن والسنة، ولكن على أصول ابتدعها شيوخهم عليها يعتمدون في التوحيد والصفات والقدر والإيمان بالرسول وغير ذلك، ثم ما ظنوا أنه يوافقها من القرآن احتجوا به، وما خالفها تأولوه؛ فلهذا تجدهم إذا احتجوا بالقرآن والحديث لم يعتنوا بتحرير دلالتهما، ولم يستقصوا ما في القرآن من ذلك المعنى؛ والآيات والأحاديث التي تخالفهم يشرعون في تأويلها شروع من قصد ردها كيف أمكن، فليس مقصودهم أن يفهموا مراد الله ومراد رسوله، بل أن يدفع منازعه عن الاحتجاج بها"(1).
وأما أهل السنة والجماعة فأصولهم التي اعتمدوا عليها هي الكتاب والسنة ومرادهم اتباع شرع الله الذي شرعه على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: "آمنت بما جاء عن الله، وبما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراد رسول الله"(2).
ولذلك لم يستقلوا بفهومهم وإنما اعتمدوا في فهم تلك الأصول على ما فهمه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، الذين عاشوا فترة نزول الوحي، وعلموا مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه ميزة ثانية، فإذا كانت أصول أهل السنة واحدة وهي الكتاب والسنة فكذلك أئمة أهل السنة هم السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم، فعلى علمهم وفهمهم يعولون وعن قولهم يصدرون.
__________
(1) مجموع الفتاوى (13/58-59) بتصرف.
(2) مجموع الفتاوى (4/2).
(12/3)
قال الإمام أحمد رحمه الله: "أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بهم وترك البدع، وكل بدعة فهي ضلالة، وترك الخصومات والجلوس مع أصحاب الأهواء، وترك المراء والجدال والخصومات في الدين.
والسنة عندنا آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسنة تفسر القرآن، وهي دلائل القرآن، وليس في السنة قياس، ولا تضرب لها الأمثال، ولا تدرك بالعقول والأهواء، إنما هي الاتباع وترك الهوى"(1).
فأمور هذا الدين ترجع إلى سند متصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك كان لأهل السنة سندهم المتصل، ولذلك يقال لأهل البدع هذه هي أصولنا وأسانيدنا ترجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيا ترى أصول أهل البدع إلى أي شيء ترجع ؟!
ومن هذا المنطلق كان الاعتناء بالمأثور عن سلف الأمة سمة بارزة من سمات أهل السنة والجماعة ولذلك زخرت مؤلفاتهم بالمأثور من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقوال السلف من الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم واقتدى طريقهم، وسلك سبيلهم.
ويحق لكل صاحب سنة أن يفخر بما تركه علماء السنة من تراث عظيم حوى منهج أهل الحق وتضمن أقوال علماء وأئمة شرحوا طريق الهدى ونافحوا ودافعوا عن العقيدة الصحيحة لكي تبقى نقية صافية، كما تركها لنا النبي صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (1/156).
(12/4)
ويصدق على أولئك الأئمة الأعلام وصف الإمام أحمد رحمه الله تعالى حيث قال: "الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل، بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين"(1).
فلله در أولئك الأئمة الذين حموا حياض هذا الدين ودافعوا عن صراط الله المستقيم، وتركوا لنا تراثاً عظيماً سطروا فيه بيراعهم منهج الحق القويم وأبطلوا فيه شبهات حزب الشيطان الرجيم.
فحري بذلك التراث أن يخدم وأن يخرج من خزائن المكتبات وحيز المخطوطات.
وهذا وإن من بين تراثنا السلفي الجدير بالعناية والاهتمام، كتاب ظل حبيس عالم المخطوطات ردحاً طويلاً من الزمن، ألا وهو كتاب "العرش" للإمام الذهبي، وهو كتاب نفيس في بابه، حشد فيه المؤلف العشرات من النصوص والآثار التي توضح عقيدة أهل السنة والجماعة في مسألة من كبريات مسائل توحيد الأسماء والصفات ألا وهي مسألة إثبات علو الله على خلقه واستوائه على عرشه.
وقد دفعني لخدمة هذا الكتاب وإخراجه ما تضمنه من مادة علمية مهمة في بابها، وإضافة إلى المنهج السلفي الذي سلكه هذا الإمام في تقرير الحق وإثباته.
__________
(1) الرد على الزنادقة والجهمية (ص52 - ضمن عقائد السلف).
(12/5)
وقد حرصت على إخراج الكتاب على أفضل صورة وأبهى حلة، فنهجت المنهج العلمي في تحقيق نصه وضبطه، وتخريج أحاديثه وآثاره، والترجمة لأعلامه، وشرح غريبه، ووضع فهارس فنية لمحتوياته.
ونظراً لأهمية الكتاب وموضوعه فقد خدمت الكتاب بدراسة موضوعية احتوت على الأمور التالية.
القسم الأول: الدراسة الموضوعية
الباب الأول: أقوال الناس في أسماء الله وصفاته.
الفصل الأول: معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته.
المبحث الأول: التعريف بأهل السنة والجماعة.
المبحث الثاني: معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته .
الفصل الثاني: أقوال المعطلة في أسماء الله وصفاته.
المبحث الأول: التعريف بالمعطلة.
تمهيد.
المطلب الأول: الفلاسفة .
المطلب الثاني: أهل الكلام.
المبحث الثاني: درجات تعطيلهم.
المطلب الأول: درجات التعطيل في باب الأسماء والصفات عموماً.
المطلب الثاني: درجات تعطيلهم في باب الأسماء الحسنى.
المطلب الثالث: درجات تعطيلهم في باب صفات الله تعالى.
الفصل الثالث: المشبهة .
المبحث الأول: التعريف بالتمثيل والتشبيه .
المبحث الثاني: التعريف بالمشبهة.
الباب الثاني: الأقوال في صفتي العلو والاستواء.
الفصل الأول: الأقوال في صفة العلو.
المبحث الأول: قول أهل السنة والجماعة ومن وافقهم .
المبحث الثاني: أقوال المخالفين.
الفصل الثاني: الأقوال في صفة الاستواء.
المبحث الأول: مذهب السلف في الاستواء .
المبحث الثاني: أقوال المخالفين.
الفريق الأول: نفاة الاستواء .
الفريق الثاني: القول بالتفويض .
الفريق الثالث: قول المشبهة.
الفصل الثالث: مسائل متعلقة بالعلو والاستواء .
المبحث الأول: هل يخلو العرش منه حال نزوله.
المبحث الثاني: مسائل الحد والمماسة .
المطلب الأول: حكم الألفاظ المجملة .
المطلب الثاني: مسألة الحد .
المطلب الثالث: مسألة المماسة.
الباب الثالث: العرش وما يتعلق به من مسائل.
الفصل الأول: تعريف العرش.
(12/6)
المبحث الأول: المعنى اللغوي لكلمة العرش.
المبحث الثاني: المذاهب في تعريف العرش.
الفصل الثاني: الأدلة على إثبات العرش من الكتاب والسنة.
المبحث الأول: الأدلة القرآنية على إثبات العرش.
المبحث الثاني: الأدلة من السنة على إثبات العرش.
الفصل الثالث: صفة العرش وخصائصه .
المبحث الأول: خلق العرش وهيئته.
المبحث الثاني: مكان العرش .
المبحث الثالث: خصائص العرش .
الفصل الرابع: الكلام على حملة العرش و على الكرسي .
المبحث الأول: الكلام على حملة العرش .
المبحث الثاني: الكلام على الكرسي.
القسم الثاني: التعريف بالمؤلف والكتاب.
الفصل الأول: التعريف بالمؤلف.
أولاً: اسمه وكنيته.
ثانياً: أصله.
ثالثاً: نسبته.
رابعاً: مولده.
خامساً: أسرته.
سادساً: نشأته في طلب العلم.
سابعاً: رحلاته.
ثامناً: شيوخه.
تاسعاً: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه.
عاشراً: عقيدته.
الحادي عشر: مؤلفاته .
الثاني عشر: تلاميذه.
الثالث عشر: وفاته.
الفصل الثاني: التعريف بالكتاب.
أولاً: اسم الكتاب.
ثانياً: توثيق نسبة الكتاب للمؤلف .
ثالثاً: الفرق بين كتاب العرش وكتاب العلو.
رابعاً: موارد كتاب العرش.
خامساً: منهج المصنف في الكتاب .
سادساً: أهمية الموضوع والكتاب .
سابعا: دراسة النسخة الخطية .
ثامناً: عملي في الكتاب.
وبعد: فهذا جهد المقل، أضعه بين يدي القارئ الكريم، وقد بذلت فيه قصارى جهدي، وغاية وسعي، فما كان فيه من صواب وحق فالحمد لله على توفيقه، وذلك من فضله ومنّه، وما كان فيه من خطل، أو زلل، أو خلل، فأستغفر الله من كل ذنب وخطيئة.
وأستسمح القارئ الكريم عذراً إذا ما وجد في عملي هذا تقصيراً، فهذا جهد البشر، فأرجو من كل من اطلع على خطأ أو قصور أن يبادرني النصيحة مشكوراً مأجوراً.
والله أسأل أن ينفع بهذا العمل ويبارك فيه، وأن يجعله عملاً صالحاً ولوجهه خالصاً وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
القسم الدراسي
القسم الأول
(12/7)
الدراسة الموضوعية
وتحتوي على ثلاثة أبواب:
الباب الأول: أقوال الناس في أسماء الله وصفاته.
الباب الثاني: الأقوال في صفتي العلو والاستواء.
الباب الثالث: العرش وما يتعلق به.
الباب الأول
أقوال الناس في أسماء الله وصفاته
وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته.
الفصل الثاني: أقوال المعطلة في أسماء الله وصفاته.
الفصل الثالث: أقوال المشبهة في أسماء الله وصفاته.
الفصل الأول: معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: التعريف بأهل السنة والجماعة
المقصود بأهل السنة والجماعة: الصحابة، والتابعون، وتابعوهم، ومن سلك سبيلهم، وسار على نهجهم، من أئمة الهدى، ومن اقتدى بهم من سائر الأمة أجمعين.
فيخرج بهذا المعنى كل طوائف المبتدعة وأهل الأهواء.
فالسنة هنا في مقابل البدعة، والجماعة هنا في مقابل الفُرقة.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}[آل عمران 106] قال: "تبيض وجوه أهل السنة، وتسود وجوه أهل البدعة والفُرقة"(1).
والجدير بالذكر هنا أن نعرف أن العلماء يستعملون هذه العبارة لمعنيين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فلفظ أهل السنة يراد به:
1ـ من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة، فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلا الرافضة(2).
__________
(1) تفسير ابن كثير (1/390).
(2) قال شيخ الإسلام: ( ولا ريب أنهم ( أي الرافضة ) أبعد طوائف المبتدعة عن الكتاب والسنة، ولهذا كانوا هم المشهورين عند العامة بالمخالفة للسنة، فجمهور العامة لا تعرف ضد السني إلا الرافضي، فإذا قال أحدهم أنا سني فإنما معناه لست رافضياً ). مجموع الفتاوى (3/356).
(12/8)
2ـ وقد يراد به أهل الحديث والسنة المحضة، فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات لله تعالى ويقول: "إن القرآن غير مخلوق، وإن الله يُرَى في الآخرة، ويثبت القدر، وغير ذلك من الأصول المعروفة عند أهل الحديث والسنة"(1).
ومقصودنا بعبارة أهل السنة هو المعنى الثاني الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، ذلك أن لأهل السنة أصولهم التي اتفقوا عليها ونصوا عليها في كتب الاعتقاد المعروفة.
ولأهل السنة عدة مسميات منها: أهل الحديث، الفرقة الناجية، الجماعة، وغير ذلك.
ويمكن حصر قواعد منهج أهل السنة في النقاط التالية:
أولاً: ضبط نصوص الكتاب والسنة وفهم معانيها.
ثانياً: التقيد في ذلك بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في معاني القرآن والحديث. وذلك يتم بـ:
أ- الاجتهاد في تمييز صحيحيه من سقيمه.
ب- الاجتهاد في الوقوف على معانيه وتفهمه(2).
ثالثاً: العمل بذلك والاستقامة عليه اعتقاداً، وتفكيراً، وسلوكاً، وقولاً، والبعد عن كل ما يخالفه ويناقضه.
رابعاً: الدعوة إلى ذلك باللسان والبنان.
فمن التزم هذه القواعد في الاعتقاد، والعمل، فهو على نهج أهل السنة بإذن الله.
المبحث الثاني: معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته
معتقد أهل السنة في أسماء الله وصفاته، يقوم على أساس الإيمان بكل ما وردت به نصوص القرآن والسنة الصحيحة إثباتاً ونفياً، فهم بذلك:
1ـ يسمون الله بما سمى به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يزيدون على ذلك ولا ينقصون منه.
__________
(1) منهاج السنة (2/221) ط: جامعة الإمام محمد بن سعود.
(2) بيان فضل علم السلف على الخلف لابن رجب (ص150-152)، وأصول اعتقاد أهل السنة للالكائي (1/9-10).
(12/9)
2ـ ويثبتون لله عز وجل الصفات ويصفونه بما وصف به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف(1)، ولا تعطيل(2)، ومن غير تكييف(3)، ولا تمثيل(4).
3ـ وينفون عن الله ما نفاه عن نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، مع اعتقاد أن الله موصوف بكمال ضد ذلك الأمر المنفي.
فأهل السنة سلكوا في هذا الباب منهج القرآن والسنة الصحيحة، فكل اسم أو صفة لله سبحانه وتعالى وردت في الكتاب والسنة الصحيحة فهي من قبيل الإثبات فيجب بذلك إثباتها.
وأما النفي فهو أن ينفى عن الله عز وجل كل ما يضاد كماله من أنواع العيوب والنقائص مع وجوب اعتقاد ثبوت كمال ضد ذلك المنفي.
قال الإمام أحمد: "لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا نتجاوز القرآن والسنة".
__________
(1) التحريف لغة: التغير والتبديل. والتحريف في باب الأسماء والصفات هو: تغيير ألفاظ نصوص الأسماء والصفات أو معانيها عن مراد الله بها.
(2) التعطيل لغة: مأخوذ من العطل الذي هو الخلو والفراغ والترك، والتعطيل في باب الأسماء والصفات هو: نفي أسماء الله وصفاته أو بعضها.
(3) التكييف لغة: جعل الشيء على هيئة معينة معلومة، والتكييف في صفات الله هو: الخوض في كنه وهيئة الصفات التي أثبتها الله لنفسه.
(4) التمثيل لغة: من المثيل وهو الند والنظير، والتمثيل في باب الأسماء والصفات هو: الاعتقاد في صفات الخالق أنها مثل صفات المخلوق.
راجع في معاني هذه الألفاظ ما ذكرناه في كتابنا ((معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات)) (ص70-81).
(12/10)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وطريقة سلف الأمة وأئمتها أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف، و لا تعطيل، ولا تكييف، و لا تمثيل، إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل، إثبات الصفات ونفي ممثالة المخلوقات قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}(1) فهذا رد على الممثلة {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}(2) رد على المعطلة.
وقولهم في الصفات مبني على أصلين:
أحدهما: أن الله سبحانه وتعالى منزهٌ عن صفات النقص مطلقاً كالسِّنَةِ، والنوم، والعجز، والجهل، وغير ذلك.
والثاني: أنه متصف بصفات الكمال التي لا نقص فيها، على وجه الاختصاص بما له من الصفات، فلا يماثله شيء من المخلوقات في شيء من الصفات"(3).
ويمكن إجمال معتقد أهل السنة في أسماء الله في النقاط التالية:
1ـ الإيمان بثبوت الأسماء الحسنى الواردة في القرآن والسنة، من غير زيادة ولا نقصان.
2ـ الإيمان بأن الله هو الذي يسمي نفسه، ولا يسميه أحد من خلقه، فالله عز وجل هو الذي تكلم بهذه الأسماء، وأسماؤه منه، وليست محدثة مخلوقة كما يزعم الجهمية، والمعتزلة، والكلابية، والأشاعرة، والماتريدية.
3ـ الإيمان بأن هذه الأسماء دالة على معانٍ في غاية الكمال، فهي أعلام وأوصاف، وليست كالأعلام الجامدة التي لم توضع باعتبار معانيها، كما يزعم المعتزلة.
4ـ احترام معاني تلك الأسماء، وحفظ ما لها من حرمة في هذا الجانب، وعدم التعرض لتلك المعاني بالتحريف والتعطيل كما هو شأن أهل الكلام.
5ـ الإيمان بما تقتضيه تلك الأسماء من الآثار وما ترتب عليها من الأحكام(4).
ويمكن إجمال معتقد أهل السنة في "صفات الله" في النقاط التالية:
__________
(1) الآية 11 من سورة الشورى.
(2) الآية 11 من سورة الشورى.
(3) منهاج السنة (2/523).
(4) انظر تفاصيل هذه المسألة في كتابنا ((معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى)).
(12/11)
1ـ إثبات تلك الصفات لله عز وجل حقيقةً على الوجه اللائق به، وأن لا تعامل بالنفي والإنكار.
2ـ أن لا يتعدى بها اسمها الخاص الذي سماها الله به، بل يحترم الاسم كما يحترم الصفة، فلا يعطل الصفة، ولا يغير اسمها ويعيرها اسماً آخر.
كما تسمي الجهمية المعطلة سمعه، وبصره، وقدرته، وحياته، وكلامه أعراضاً.
ويسمون وجهه ويديه وقدمه -سبحانه- جوارح وأبعاضاً، ويسمون حكمته وغاية فعله المطلوبة: عللاً وأعراضاً.
ويسمون أفعاله القائمة به: حوادث.
ويسمون علوه على خلقه واستواءه على عرشه: تحيزاً. ويتواصون بهذا المكر الكُبَّار إلى نفي ما دل عليه الوحي والعقل والفطرة، وآثار الصنعة من صفاته.
فيسعون بهذه الأسماء التي سموها هم وأباؤهم على نفي صفاته وحقائق أسمائه.
3ـ عدم تشبيهها بما للمخلوق. فإن الله سبحانه ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.
4ـ اليأس من إدراك كنهها وكيفيتها. فالعقل قد يئس من تعرف كنه الصفة وكيفيتها. فإنه لا يعلم كيف الله إلا الله، وهذا معنى قول السلف بلا كيف أي بلا كيف يعقله البشر فإن من لا تعلم حقيقة ذاته وماهيته، كيف تعرف كيفية نعوته وصفاته؟. ولا يقدح ذلك في الإيمان بها، ومعروفة معانيها، فالكيفية وراء ذلك"(1).
5ـ الإيمان بما تقتضيه تلك الصفات من الآثار وما يترتب عليها من الأحكام.
وقد بسطت معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته في الدراسة الأولى من سلسلة "دراسات في مباحث توحيد الأسماء والصفات"، فمن أراد الاستزادة والتوسع فليرجع إلى تلك الدراسة.
الفصل الثاني
أقوال المعطلة في أسماء الله وصفاته
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: التعريف بالمعطلة.
المبحث الثاني: درجات تعطيلهم.
المبحث الأول
التعريف بالمعطلة
وفيه تمهيد ومطلبان:
المطلب الأول: الفلاسفة.
المطلب الثاني: أهل الكلام.
وسيأتي تفصيل ذلك في المطالب المندرجة تحت هذا المبحث
المطلب الأول
__________
(1) انظر مدارج السالكين (3/358-359).
(12/12)
الفلاسفة
"الفلاسفة، اسم جنس لمن يُحِبُ الحكمة ويُؤثِرُها.
وقد صار هذا الاسم في عرف كثير من الناس مختصاً بمن خرج عن ديانات الأنبياء، ولم يذهب إلا إلى ما يقتضيه العقل في زعمه.
وأخص من ذلك أنه في عرف المتأخرين اسم لأتباع أرسطو، وهم المَشَّاؤُون خاصة وهم الذين هذب ابن سينا طريقتهم وبسطها وقررها. وهي التي يعرفها، بل لا يعرفُ سواها، المتأخرون من المتكلمين"(1).
أما الفلاسفة فإن إيمانهم بالله تبارك وتعالى لا يكاد يتعدى الإيمان بوجوده المطلق، -أي بوجوده في الذهن والخيال دون الحقيقة-، وأما ما عدا ذلك فلا يكادون يتفقون على شيء، فالمباحث العقدية عندهم من أسخف وأفسد ما قالوا به.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أما الإلهيات فكلياتهم فيها أفسد من كليات الطبيعة، وغالب كلامهم فيها ظنون كاذبة فضلاً عن أن تكون قضايا صادقة"(2).
ويتجلى فساد معتقد الفلاسفة في الله أكثر عندما نعرض لك بعض أقوالهم في ذات الله وصفاته.
فالفلاسفة يطلقون على الله مسمى (واجب الوجود)، وتوحيد واجب الوجود عندهم يكفي مجرد تصوره للعلم الضروري بفساده.
فالتوحيد عندهم يقتضي تجريده من كل صفات الكمال اللازمة له، فهو ليس له حياة ولا علم ولا قدرة ولا كلام، ولا غير ذلك من الصفات، ويقولون بدلاً من ذلك: ( إنه عاقل ومعقول وعقل، ولذيذ وملتذ ولذة، وعالم ومعلوم وعلم )، وجعلوا كل ذلك أموراً عدمية.
ودفعهم إلى ذلك زعمهم أن تعدد الصفات موجب للتركيب في حق الله، وفساد هذا القول جلي واضح.
فالله وصف نفسه بالصفات، ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم وثبت ذلك في الكتاب والسنة نقلاً.
كما أن العقل يشهد بفساد قولهم، فإن تعدد الصفات لم تقل لغة ولا شرع ولا عقل سليم إنه يوجب تركيب الموصوف إلا عند الفلاسفة(3).
__________
(1) إغاثة اللهفان 2/257).
(2) الرد على المنطقيين (ص114).
(3) انظر الرد على المنطقيين ص314.
(12/13)
ومن شنيع كلامهم كذلك زعمهم أن الله لا يعلم الجزئيات، فهو عندهم لا يعرف عين موسى، ولا عيسى، ولا محمداً عليهم الصلاة والسلام، فضلاً عن الوقائع التي قصها القرآن وغيرها من أمور المخلوقات. وفساد هذا القول واضح جلي في النقل والعقل.
أما النقل فالله يقول: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [الأنعام 59]. وكذا العقل أيضاً شاهد بفساد هذا المعتقد، فكيف يجهل الله أموراً سيرها بأمره وأجراها بقدره وأخبر عنها في كتابه(1).
ومن شنيع قولهم ما قالوه في قدرة الله من أنه فاعل بالطبع لا بالاختيار لأن الفاعل بالطبع يتحد فعله، والفاعل بالاختيار يتنوع فعله، وما دروا أنهم بهذا جعلوا الإنسان الفاعل بالاختيار أكمل من الله الفاعل بالطبع على حد زعمهم. وهذا القول مردود بقول الله {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَار}[القصص 68]. ومردود بالعقل لأن الله هو أكمل الفاعلين فكيف يُشبَّه فعله بفعل الجماد.
والفلاسفة يدأبون حتى يثبتوا واجب الوجود، ومع إثباتهم له فهو عندهم وجود مطلق، لا صفة له ولا نَعْتَ، ولا فعل يقوم به، لم يخلق السموات والأرض بعد عدمها، ولا له قدرة على فعل، ولا يعلم شيئاً.
ولا شك أن الذي كان عند مشركي العرب من كفار قريش وغيرهم أهون من هذا، فعباد الأصنام كانوا يثبتون رباً خالقاً عالماً قادراً حياً، وإن كانوا يشركون معه في العبادة.
ففساد أقوال الفلاسفة في الله لا يضاهيه فساد، وسنعرض لأقوالهم في أسماء الله وصفاته فيما بعد إن شاء الله تعالى.
فهذا ما عند هؤلاء من خبر الإيمان بالله عز وجل.
__________
(1) انظر الرد على المنطقيين ص461.
(12/14)
"وأما الإيمان بالملائكة فهم لا يعرفون الملائكة، ولا يؤمنون بهم. وإنما الملائكة عندهم ما يتصوره النبيُّ بزعمهم في نفسه من أشكال نُورانِية، هي العقول عندهم، وهي مجرَّدات ليست داخل العالم، ولا خارجه، ولا فوق السموات ولا تحتها، ولا هي أشخاص تتحرك، ولا تصعد، ولا تنزل، ولا تدبِّر شيئاً، ولا تتكلم، ولا تكتب أعمال العبد، ولا لها إحساس ولا حركة البتة، ولا تنتقل من مكان إلى مكان، ولا تُصَفُّ عند ربها، ولا تصلي، ولا لها تصرف في أمر العالم البتة، فلا تقبض نفس العبد، ولا تكتب رزقه وأجله وعمله، ولا عن اليمين وعن الشمال قعيد، كل هذا لا حقيقة له عندهم البتة.
وربما تقرب بعضهم إلى الإسلام، فقال: الملائكة هي القوى الخَيِّرة الفاضلة التي في العبد، والشياطين هي القوى الشريرة الرَّديئة، هذا إذا تقربوا إلى الإسلام وإلى الرسل.
وأما الكتب فليس لله عندهم كلام أنزله إلى الأرض بواسطة الملك، فإنه ما قال شيئاً، ولا يقول، ولا يجوز عليه الكلام. ومن تقرب إليهم ممن ينتسب للمسلمين يقول: الكتب المنزلة فَيْضٌ فاضَ من العقل الفَعَّال على النفس المستعدة الفاضلة الزكية، فتصورت تلك المعاني، وتشكلت في نفسه بحيث توهم أصواتاً تخاطبه، وربما قَوِيَ الوهم حتى يراها أشكالا نورانية تخاطبه، وربما قوي ذلك حتى يُخَيِّلها لبعض الحاضرين، فيرونها ويسمعون خطابها، ولا حقيقة لشيء من ذلك في الخارج.
وأما الرسل والأنبياء فللنبوة عندهم ثلاث خصائص، من استكملها فهو نبيُّ:
أحدها: قوة الحدس، بحيث يدرك الحد الأوسط بسرعة.
الثانية: قوة التخيل والتخييل، بحيث يتخيل في نفسه أشكالاً نورانية تخاطبه، ويسمع الخطاب منها، ويخيلها إلى غيره.
الثالثة: قوة التأثير بالتصرف في هيولى العالم. وهذا يكون عنده بتجرد النفس عن العلائق، واتصالها بالمفارقات، من العقول والنفوس المجردة.
(12/15)
وهذه الخصائص تحصل بالاكتساب. ولهذا طلبَ النبوة من تصوف على مذهب هؤلاء كابن سبعين، وابن هود، وأضرابهم. والنبوة عند هؤلاء صنعةٌ من الصنائع، بل من أشرف الصنائع، كالسياسة، بل هي سياسة العامة، وكثير منهم لا يرضى بها، ويقول: الفلسفة نبوة الخاصة. والنبوة: فلسفة العامة.
وأما الإيمان باليوم الآخر فهم لا يقرون بانفطار السموات، وانتثار الكواكب، وقيامة الأبدان، ولا يقرون بأن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام، وأوجد هذا العالم بعد عدمه.
فلا مبدأ عندهم، ولا معاد، ولا صانع، و لا نبوة، ولا كتب نزلت من السماء، تكلم الله بها، ولا ملائكة تنزلت بالوحي من الله تعالى.
فدين اليهود والنصارى بعد النسخ والتبديل خير من دين هؤلاء.
وحَسبُكَ جهلاً بالله تعالى، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، من يقول: إنه سبحانه لو علم الموجودات لحقه الكلال والتعب، واستكمل بغيره. وحسبك خذلاناً، وضلالاً وعمى: السير خلف هؤلاء، وإحسان الظن بهم، وأنهم أولو العقول"(1).
والذي ينبغي معرفته أن الفلاسفة لا يؤمنون بوجود الله حقيقة، ولا يؤمنون بوحي ولا نبوة ولا رسالة، وينكرون كل غيب، فالمبادىء الفلسفية جميعها تقوم على أصلين هما:
الأصل الأول: أن الأصل في العلوم هو عقل الإنسان، فهو عندهم مصدر العلم.
الأصل الثاني: أن العلوم محصورة في الأمور المحسوسة المشاهدة فقط.
فتحت الأصل الأول أبطلوا الوحي، وتحت الأصل الثاني أبطلوا الأمور الغيبية بما فيها الإيمان بالله واليوم الآخر.
وقد تسلط الفلاسفة على المسائل الاعتقادية وزعموا أنها مجرد أوهام وخيالات لا حقيقة لها ولا وجود لها في الخارج، فلا الله موجود حقيقة، ولا نبوة ولا نبي على التحقيق، ولا ملائكة، ولا جنة ولا نار، ولا بعث ولا نشور.
المطلب الثاني
أهل الكلام
__________
(1) إغاثة اللهفان (2/261-262).
(12/16)
وأما أهل الكلام فقد شاركوا الفلاسفة في بعض أصولهم، وأخذوا عنهم القواعد المنطقية والمناهج الكلامية، وتأثروا بها إلى درجة كبيرة.
وسلكوا في تقرير مسائل الاعتقاد المسلك العقلاني على حد زعمهم، وهم وإن كانوا يخالفون الفلاسفة في قولهم إن هذه الحقائق مجرد وهم وخيال، إلا أنهم شاركوهم في تشويه كثير من الحقائق الغيبية، فلا تجد في كتب أهل الكلام على اختلاف طوائفهم تقريراً لمسائل الاعتقاد كما جاءت بها النصوص الصحيحة، فبدل أن تسمع أو تقرأ "قال الله" أو "قال رسوله صلى الله عليه وسلم" أو "قال الصحابة"، فإنك لا تجد في كتبهم إلا "قال الفضلاء"، "قال العقلاء"، "قال الحكماء"، ويعنون بهم فلاسفة اليونان من الوثنيين، فكيف جاز لهم ترك كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم والأخذ بكلام من لا يعرف الله ولا يؤمن برسوله؟!
والمطَّلِع على كتب أهل الكلام يدرك عِظَم الضرر الذي جَنَتْهُ على الأمة المسلمة، إذ تسببت تلك الكتب في حجب الناس عن المعرفة الصحيحة لله ورسوله ولدينه، وجُعِلَ بدل ذلك مقالات التعطيل والتجهيل والتخييل.
وأهل الكلام ليسوا صنفاً واحداً بل هم عدة أصناف، وهم:
1ـ الجهمية، 2ـ المعتزلة، 3ـ الكلابية، 4ـ الأشاعرة، 5ـ الماتريدية.
وهذه الأصناف الخمسة كل له قوله ورأيه بحسب الشبه العقلية التي استند إليها.
أولاً: فأما الجهمية فهم أتباع جهم بن صفوان الذي أخذ عن الجعد ابن درهم مقالة التعطيل عندما التقى به بالكوفة(1)، وقد نشر الجهم مقالة التعطيل وامتاز عن شيخه الجعد بمزية المغالاة في النفي وكثرة إظهار ذلك والدعوة إليه نظراً لما كان عليه من سلاطة اللسان وكثرة الجدال والمراء.
من أشهر معتقداتهم:
1ـ إنكارهم لجميع الأسماء والصفات كما سيأتي تفصيله.
2ـ أنهم في باب الإيمان مرجئة، يقولون: إن الإيمان يكفي فيه مجرد المعرفة القلبية، وهذا شر أقوال المرجئة.
__________
(1) مختصر تاريخ دمشق (6/50)، والبداية (9/350).
(12/17)
3ـ أنهم في باب القدر جبرية، ينكرون قدرة العبد واختياره في فعله.
4ـ ينكرون رؤية الخلق لله يوم القيامة.
5ـ يقولون أن القرآن مخلوق.
6ـ يقولون بفناء الجنة والنار.
إلى غير ذلك من المعتقدات الباطلة التي قال بها الجهمية.
ثانياً: المعتزلة، وهم أتباع واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد، وهم فرق كثيرة يجمعها ما يسمونه بأصولهم الخمسة وهي:
1ـ التوحيد، 2ـ العدل، 3ـ الوعد والوعيد، 4ـ المنزلة بين المنزلتين، 5ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
والاعتزال في حقيقته يحمل خليطاً من الآراء الباطلة التي كانت موجودة في ذلك العصر، فقد جمع المعتزلة بين أفكار الجهمية، والقدرية، والخوارج، والرافضة.
فقد شاركوا الجهمية في بعض أصولهم، فوافقوهم في إنكار الصفات، فزعموا أن ذات الله لا تقوم بها صفة ولا فعل، كما سيأتي تفصيله. وقالوا بإنكار رؤية الله يوم القيامة وقالوا إن القرآن مخلوق إلى غير ذلك.
كما شاركوا القدرية في إنكارهم لقدرة الله في أفعال العباد، وأخذوا عنهم القول بأن العباد يخلقون أفعالهم.
كما شاركوا الخوارج في مسألة الإيمان، وقالوا بقولهم إن الإيمان قول، واعتقاد، وعمل، لا يزيد ولا ينقص، وأنه إذا ذهب بعضه زال كلّه.
وبناءً على ذلك شاركوهم في مسألة مرتكب الكبيرة، فالمعتزلة وإن قالوا بأن مرتكب الكبيرة في منزلة بين المنزلتين في الدنيا، لكنهم وافقوا الخوارج في قولهم بأن مرتكب الكبيرة في الآخرة خالد مخلد في النار.
وأخذوا كذلك عن الخوارج رأيهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
كما أنهم شاركوا الروافض في الطعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان من كلام واصل بن عطاء في أهل صفين قوله: "إن كليهما فاسق لابعين" وقوله عن علي ومعاوية رضي الله عنهما: "لو أن كليهما جاء عندي يشهد على حزمة بقل ما قبلت شهادتهما"، وأواخر المعتزلة كانوا أقرب إلى التشيع.
(12/18)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقدماء الشيعة كانوا مخالفين للمعتزلة بذلك (يعني مسائل الصفات والقدر)، فأما متأخروهم من عهد بني بويه ونحوهم من أوائل المائة الرابعة ونحو ذلك، فإنهم صار فيهم من يوافق المعتزلة في توحيدهم وعدلهم، والمعتزلة شيوخ هؤلاء إلى ما يوجد في كلام ابن النعمان المفيد وصاحبيه أبي جعفر الطوسي، والملقب بالمرتضى ونحوهم هو من كلام المعتزلة، وصار حينئذ في المعتزلة من يميل إلى نوع من التشيع إما تسوية علي بالخليفتين، وإما تفضيله عليهما، وإما الطعن في عثمان، وإن كانت المعتزلة لم تختلف في إمامة أبي بكر وعمر.
وقدماء المعتزلة كعمرو بن عبيد وذويه كانوا منحرفين عن علي حتى كانوا يقولون: لو شهد هو وواحد من مقاتليه شهادة لم نقبلها، لأنه قد فسق أحدهما لا بعينه. فهذا الذي عليه متأخرو الشيعة والمعتزلة خلاف ما عليه أئمة الطائفتين وقدماؤهم"(1).
كما أخذوا عن الشيعة الرافضة أكثر آرائهم الخاصة بالإمامة.
وعلى هذا فأفكار المعتزلة إنما هي خليط من آراء الفرق المخالفة في عصرهم.
وأفكار المعتزلة يحملها اليوم كل من: الرافضة الإمامية، والزيدية، والإباضية، وكذلك من يسمون بالعقلانيين.
ثالثاً: متكلمة الصفاتية (الكلابية -الأشاعرة -الماتريدية).
1ـ أما الكلابية:
وهم أتباع أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب القطان(2) (ت 243هـ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "كان الناس قبل أبي محمد بن كلاب صنفين:
فأهل السنة والجماعة يثبتون ما يقوم بالله تعالى من الصفات والأفعال التي يشاؤها ويقدر عليها.
والجهمية من المعتزلة وغيرهم تنكر هذا وهذا.
فأثبت ابن كلاب قيام الصفات اللازمة به، ونفى أن يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال وغيرها. ووافقه على ذلك أبو العباس القلانسي، وأبو الحسن الأشعري وغيرهما.
__________
(1) نقض تأسيس الجهمية (1/54-55).
(2) مجموع الفتاوى (5/555).
(12/19)
وأما الحارث المحاسبي فكان ينتسب إلى قول ابن كلاب، ولهذا أمر أحمد بهجره، وكان أحمد يحذر عن ابن كلاب وأتباعه ثم قيل عن الحارث: إنه رجع عن قوله"(1).
فهذا النهج الذي أحدثه ابن كلاب هو ما صار يعرف فيما بعد بمنهج متكلمة الصفاتية لأن ابن كلاب كان في طريقته يميل إلى مذهب أهل الحديث والسنة، لكن كان في طريقته نوع من البدعة، لكونه أثبت قيام الصفات بذات الله، ولم يثبت قيام الأمور الاختيارية بذاته.
وقد كانت له جهود في الرد على الجهمية(2) ولكنه ناظرهم بطريق قياسية سلم لهم فيها أصولاً هم واضعوها من امتناع تكلمه تعالى بالحروف، وامتناع قيام الصفات الاختيارية بذاته مما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال والكلام وغير ذلك.(3) فأصبح بعد ذلك قدوة وإماماً لمن جاء بعده من هذا الصنف الذين أثبتوا الصفات وناقضوا نفاتها، لكن شاركوهم في بعض أصولهم الفاسدة التي أوجبت فساد بعض ما قالوه من جهة المعقول ومخالفته لسنة الرسول".(4)
فابن كلاب أحدث مذهباً جديداً، فيه ما يوافق السلف وفيه ما يوافق المعتزلة و الجهمية. وبذلك يكون قد أسس مدرسة ثالثة وهي مدرسة «الصفاتية» التي اشتهرت بمذهب الإثبات، لكن في أقوالهم شيء من أصول الجهمية(5).
وقد سار على هذا النهج القلانسي، والأشعري، والمحاسبي، وغيرهم، وهؤلاء هم سلف الأشعري والأشاعرة القدماء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وكان أبو محمد بن كلاب هو الأستاذ الذي اقتدى به الأشعري في طريقه هو وأئمة أصحابه، كالحارث المحاسبي، وأبي العباس القلانسي، وأبي سليمان الدمشقي، وأبي حاتم البستي"(6)
فابن كلاب هو إمام الأشعرية الأول، وكان أكثر مخالفة للجهمية، وأقرب إلى السلف من الأشعري(7).
__________
(1) درء تعارض العقل والنقل (2/1).
(2) مجموع الفتاوى (12/366).
(3) مجموع الفتاوى (12/376).
(4) مجموع الفتاوى (12/366).
(5) مجموع الفتاوى (12/206).
(6) منهاج السنة (2/327).
(7) مجموع الفتاوى (12/202، 203).
(12/20)
ولكن هذا النهج الكلابي ابتعد شيئاً فشيئاً عن منهج السلف، وأصبح يقرب أكثر فأكثر إلى نهج المعتزلة وذلك على يد وارثيه من الأشاعرة.
فابن كلاب كما أسلفنا كان أقرب إلى السلف من أبي الحسن الأشعري، وأبو الحسن الأشعري أقرب إلى السلف من القاضي أبي بكر الباقلاني، والقاضي أبو بكر وأمثاله أقرب إلى السلف من أبي المعالي الجويني وأتباعه(1).
ولهذا يوجد في كلام الرازي والغزالي ونحوهما من الفلسفة مالا يوجد في كلام أبي المعالي الجويني وذويه، ويوجد في كلام الرازي والغزالي والجويني من مذهب النفاة المعتزلة ما لا يوجد في كلام أبي الحسن الأشعري وقدماء أصحابه، ويوجد في كلام أبي الحسن الأشعري من النفي الذي أخذه من المعتزلة ما لا يوجد في كلام أبي محمد بن كلاب الذي أخذ أبو الحسن طريقته.
ويوجد في كلام ابن كلاب من النفي الذي قارب فيه المعتزلة ما لا يوجد في كلام أهل الحديث والسنة والسلف والأئمة. وإذا كان الغلط شبراً صار في الأتباع ذراعاً ثم باعاً حتى آل إلى هذا المآل والسعيد من لزم السنة(2).
وقد تلاشت الكلابية كفرقة، لكن أفكارها حملت بواسطة الأشاعرة، فقد احتفظ الأشعري وقدماء أصحابه بأفكار الكلابية ونشروها، وبذلك اندرست المدرسة الكلابية الأقدم تاريخاً والأسبق ظهوراً في الأشعرية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والكلابية هم مشايخ الأشعرية، فإن أبا الحسن الأشعري إنما اقتدى بطريقة أبي محمد بن كلاب، وابن كلاب كان أقرب إلى السلف زمناً وطريقة. وقد جمع أبو بكر بن فورك (ت406هـ) كلام ابن كلاب والأشعري وبين اتفاقهما في الأصول"(3).
فالكلابية أسبق في الظهور من الأشاعرة والماتريدية، فقد نشأت الكلابية في منتصف القرن الثالث، وهي أول الفرق الكلامية بعد الجهمية والمعتزلة، فقد توفي ابن كلاب سنة (243هـ).
__________
(1) مجموع الفتاوى (12/203).
(2) بغية المرتاد (ص451).
(3) الاستقامة (1/105).
(12/21)
وفي أول القرن الرابع الهجري نشأت بقية فرق أهل الكلام وهم الأشاعرة المنتسبون إلى أبي الحسن الأشعري المتوفى سنة (324هـ) والماتريدية: أتباع أبي منصور الماتريدي المتوفى سنة (333هـ) وهي الفرق القائمة حتى زماننا هذا.
2ـ الأشعرية:
يعتبر أبو الحسن الأشعري امتداداً للمذهب الكلابي فأبو الحسن الأشعري الذي عاش في الفترة ما بين (260هـ -324هـ) كان معتزلياً إلى سن الأربعين، حيث عاش في بيت أبي علي الجبائي شيخ المعتزلة في البصرة، ثم رجع عن مذهب المعتزلة وسلك طريقة ابن كلاب وتأثر بها مدة طويلة، ولعل السبب في ذلك أنه وجد في كتب ابن كلاب وكلامه بغيته من الرد على المعتزلة وإظهار فضائحهم وهتك أستارهم، وكان ابن كلاب قد صنف مصنفات رد فيها على الجهمية والمعتزلة وغيرهم. ولكن فات الأشعري أن ابن كلاب وإن رد على المعتزلة وكشف باطلهم وأثبت لله تعالى الصفات اللازمة، فقد وافقهم في إنكار الصفات الاختيارية التي تتعلق بمشيئته تعالى وقدرته، فنفى كما نفت المعتزلة أن الله يتكلم بمشيئته وقدرته. كما نفى أيضاً الصفات الاختيارية مثل الرضى، والغضب، والبغض، والسخط وغيرها.
وقد مضى الأشعري في هذا الطور نشيطاً يؤلف ويناظر ويلقى الدروس في الرد على المعتزلة سالكاً هذه الطريقة.
ثم التقى بزكريا بن يحي الساجي فأخذ عنه ما أخذ من أصول أهل
السنة والحديث(1)، وكان الساجي شيخ البصرة وحافظها(2) ثم لما قدم بغداد أخذ عن حنبلية بغداد أموراً أخرى وذلك بآخر أمره.
ولكن كانت خبرته بالكلام خبرة مفصلة، وخبرته بالسنة خبرة مجملة، فلذلك وافق المعتزلة في بعض أصولهم التي التزموا لأجلها خلاف السنة واعتقد أنه يمكنه الجمع بين تلك الأصول، وبين الانتصار للسنة، كما فعل في مسألة الرؤية والكلام، والصفات الخبرية وغير ذلك(3).
__________
(1) مجموع الفتاوى (5/386)، تذكرة الحفاظ (2/907).
(2) العلو (ص150)، تذكرة الحفاظ (2/907).
(3) مجموع الفتاوى (12/204).
(12/22)
وقال عنه السجزي: "رجع في الفروع وثبت في الأصول"(1) أي أصول المعتزلة التي بنوا عليها نفي الصفات، مثل دليل الأعراض وغيره(2).
وقال ابن تيمية: "أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كُلاَّب البصري، وأبو الحسن الأشعري كانا يخالفان المعتزلة ويوافقان أهل السنة في جمل أصول السنة. ولكن لتقصيرهما في علم السنة وتسليمهما للمعتزلة أصولاً فاسدة، صار في مواضع من قوليهما مواضع فيها من قول المعتزلة ما خالفا به السنة، وإن كانا لم يوافقا المعتزلة مطلقاً"(3).
وقال أيضاً: "والذي كان أئمة السنة ينكرونه على ابن كلاب والأشعري بقايا من التجهم والاعتزال، مثل اعتقاد صحة طريقة الأعراض وتركيب الأجسام، وإنكار اتصاف الله بالأفعال القائمة التي يشاؤها ويختارها، وأمثال ذلك"(4).
وقد مرت الأشعرية بأطوار ومراحل كان أولها زيادة المادة الكلامية، ثم الجنوح الكبير للمادة الاعتزالية، ثم خلط هذه العقيدة بالمادة الفلسفية.
فالأشعرية المتأخرة مالوا إلى نوع التجهم بل الفلسفة وفارقوا قول الأشعري وأئمة أصحابه(5).
فقدماء الأشاعرة يثبتون الصفات الخبرية بالجملة، كأبي الحسن الأشعري وأبي عبد الله بن مجاهد، وأبي الحسن الباهلي والقاضي أبي بكر الباقلاني، وأبي إسحاق الاسفرائيني، وأبي بكر بن فورك، وأبي محمد بن اللبان، وأبي علي بن شاذان، وأبي القاسم القشيري، وأبي بكر البيهقي وغير هؤلاء(6).
لكن المتأخرين من أتباع أبي الحسن الأشعري كأبي المعالي الجويني وغيره لا يثبتون إلا الصفات العقلية، وأما الخبرية فمنهم من ينفيها ومنهم من يتوقف فيها كالرازي والآمدي وغيرهما.
ونفاة الصفات الخبرية منهم من يتأول نصوصها ومنهم من يفوض معناها إلى الله تعالى.
__________
(1) الرد على من أنكر الحرف والصوت (ص168).
(2) موقف ابن تيمية من الأشاعرة (1/367).
(3) الاستقامة (1/212).
(4) درء تعارض العقل والنقل (7/97).
(5) درء تعارض العقل والنقل (7/97).
(6) مجموع الفتاوى (4/147، 148).
(12/23)
وأما من أثبتها كالأشعري وأئمة أصحابه. فهؤلاء يقولون: تأويلها بما يقتضي نفيها تأويل باطل، فلا يكتفون بالتفويض بل يبطلون تأويلات النفاة(1).
وهذا الاضطراب في العقيدة الأشعرية بين المتقدمين والمتأخرين سببه ما أسلفنا من ميل الأشاعرة بأشعريتهم إلى الإعتزال أكثر فأكثر بل إنهم خلطوا معها الفلسفة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فالأشعرية وافق بعضهم المعتزلة في الصفات الخبرية، وجمهورهم وافقهم في الصفات الحديثية، وأما الصفات القرآنية فلهم قولان:
فالأشعري والباقلاني وقدماؤهم يثبتونها، وبعضهم يقر ببعضها؛ وفيهم تجهم من جهة أخرى.
فإن الأشعري شرب كلام الجبائي شيخ المعتزلة، ونسبته في الكلام إليه متفق عليها عند أصحابه وغيرهم.
وابن الباقلاني أكثر إثباتاً بعد الأشعري، وبعد ابن الباقلاني ابن فورك، فإنه أثبت بعض ما في القرآن.
وأما الجويني ومن سلك طريقته فمالوا إلى مذهب المعتزلة فإن أبا المعالي كان كثير المطالعة لكتب أبي هاشم، قليل المعرفة بالآثار، فأثر فيه مجموع الأمرين(2).
فما إن جاء أبوبكر الباقلاني (ت403هـ)، فتصدى للإمامة في تلك الطريقة وهذبها ووضع لها المقدمات العقلية التي تتوقف عليها الأدلة، وجعل هذه القواعد تبعاً للعقائد الإيمانية من حيث وجوب الإيمان بها(3) وأسهم إلى حد كبير في تنظير المذهب الأشعري الكلامي وتنظيمه مما أدى إلى تشابه منهجي بين المذهب الأشعري والمذهب المعتزلي فقد كان الأشعري يجعل النص هو الأساس والعقل عنده تابع، أما الباقلاني فالعقيدة كلها بجميع مسائلها تدخل في نطاق العقل(4) ويعتبر الباقلاني المؤسس الثاني للمذهب الأشعري(5).
__________
(1) منهاج السنة (2/223، 224).
(2) منهاج السنة (2/223، 224).
(3) مقدمة ابن خلدون (ص465)، ط: مصطفى محمد.
(4) مقدمة التمهيد للباقلاني (ص15)، بتحقيق الخضيري وأبو ريدة.
(5) نشأة الأشعرية وتطورها (ص320).
(12/24)
ثم جاء بعده إمام الحرمين الجويني (ت478هـ) فاستخدم الأقيسة المنطقية في تأييد هذه العقيدة، وخالف الباقلاني في كثير من القواعد التي وضعها. وإن كان الجويني قد استفاد أكثر مادته الكلامية من كلام الباقلاني، لكنه مزج أشعريته بشيء من الاعتزال استمده من كلام أبي هاشم الجبائي المعتزلي على مختارات له، وبذلك خرج عن طريقة القاضي وذويه في مواضع إلى طريقة المعتزلة.
وأما كلام أبي الحسن الأشعري فلم يكن يستمد منه، وإنما ينقل كلامه مما يحكيه عنه الناس(1) وعلى طريقة الجويني اعتمد المتأخرون من الأشاعرة، كالغزالي (ت505هـ) وابن الخطيب الرازي (ت606هـ) وخلطوا مع المادة الاعتزالية التي أدخلها الجويني مادة فلسفية، وبذلك ازدادت الأشعرية بعداً وانحرافاً.
فالغزالي مادته الكلامية من كلام شيخه الجويني في "الإرشاد" و"الشامل" ونحوهما مضموماً إلى ما تلقاه من القاضي أبي بكر الباقلاني. ومادته الفلسفية من كلام ابن سينا، ولهذا يقال أبو حامد أمرضه "الشفا"، ومن كلام أصحاب رسائل إخوان الصفا ورسائل أبي حيان التوحيدي ونحو ذلك.
وأما الرازي فمادته الكلامية من كلام أبي المعالي والشهرستاني فإن الشهرستاني أخذه عن الأنصاري النيسابوري عن أبي المعالي، وله مادة اعتزالية قوية من كلام أبي الحسين البصري (ت436هـ)، وفي الفلسفة مادته من كلام ابن سينا والشهرستاني ونحوهما(2).
والأشعرية الأغلب عليهم أنهم مرجئة في باب الأسماء والأحكام وجبرية في باب القدر، وأما الصفات فليسوا جهمية محضة بل فيهم نوع من التجهم، ولا يرون الخروج على الأئمة بالسيف موافقة لأهل الحديث وهم في الجملة أقرب المتكلمين إلى أهل السنة والحديث(3).
وهناك عدة عوامل أدت إلى انتشار الأشعرية واشتهارها لعل من أبرزها ما يلي:
__________
(1) بغية المرتاد (ص448، 451)، بتصرف.
(2) بغية المرتاد (ص448)، بتصرف.
(3) مجموع الفتاوى (6/55).
(12/25)
أولاً: نشأةُ المذهب في "بغداد" التي كانت حاضرة الخلافة العباسية ومحط أنظار طلاب العلم الذين كانوا يفدون إليها من شتى الأقطار، فهذا العامل أدى بدوره إلى تبني البعض للمذهب الأشعري والسعي لنشره في الأقطار الأخرى(1) بسبب تواجد كثير من أعيان المذهب الأشعري في بغداد في ذلك الحين.
ثانياً: التقارب الذي كان موجوداً بين الأشعرية والحنبلية وما نفقت الأشعرية وراجت إلا بتوالفها مع الحنبلية. ولولا ذلك لكان مصيرها مصير المعتزلة الذين كان للحنابلة دور كبير في مقاومتهم والرد عليهم. وقد كان بين الأشعرية والحنبلية شيء من التوالف والمسالمة وكانوا قديما متقاربين.
فإن أبا الحسن الأشعري ما كان ينتسب إلا إلى مذهب أهل الحديث، وإمامهم عنده أحمد بن حنبل، وكان عداده في متكلمي أهل الحديث.
والأشعرية فيما يثبتونه من السنة فرع على الحنبلية كما أن متكلمة الحنبلية فيما يحتجون به من القياس العقلي فرع عليهم.
وإنما وقعت الفرقة بسبب فتنة القشيري(2) وكان تلميذاً لابن فورك الذي كان من أشعرية خراسان الذين انحرفوا إلى التعطيل، فلما صنف القاضي أبو يعلى الحنبلي كتابه «إبطال التأويلات» رد فيه على ابن فورك شيخ القشيري وكان الخليفة وغيره مائلين إليه. فلما صار للقشيرية دولة بسبب السلاجقة جرت تلك الفتنة(3).
ثالثاً: انتساب بعض الأمراء والوزراء للمذهب الأشعري وتبنيهم له ومن أبرزهم:
أـ الوزير نظام الملك الذي تولى الوزارة لسلاطين السلاجقة فتولى الوزارة لألب أرسلان وملكشاه مدة ثلاثين سنة وذلك من سنة (455هـ إلى 485هـ).
وفي عهده أنشئت المدارس النظامية نسبة إليه وذلك في عدة مدن منها البصرة، وأصفهان، وبلخ، وهراة، ومرو، والموصل، وأهمها وأكبرها المدرسة النظامية في نيسابور وبغداد.
__________
(1) انظر كتاب موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الأشاعرة (2/499).
(2) مجموع الفتاوى (6/52-53).
(3) مجموع الفتاوى (6/52-54).
(12/26)
وكان نظام الملك معظماً للصوفية والأشعرية، إذ كان هؤلاء الذين يلقون الدروس في هذه المدارس، فكان لذلك دوره الكبير في نشر أصول العقيدة الأشعرية(1).
ب- المهدي بن تومرت (524هـ) صاحب دولة الموحدين واسمه أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت، الذي تلقب بالمهدي، وكان قد ظهر في المغرب في أوائل المائة الخامسة، وكان قد دخل إلى بلاد العراق، وتعلم طرفاً من العلم، وكان فيه طرف من الزهد والعبادة، ولما رجع إلى المغرب صعد إلى جبال المغرب ونشر دعوته بين أناس من البربر وغيرهم من الجهال الذي لا يعرفون من دين الإسلام إلا ما شاء الله فعلمهم بعض شرائع الإسلام واستجاز أن يظهر لهم أنواعاً من المخاريق ليدعوهم بها إلى الدين، وادعى أنه المهدي الذي بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعظم اعتقاد أتباعه فيه، واستحلوا بسبب ما علمهم من المعتقد الأشعري والفلسفي دماء ألوف مؤلفة من أهل المغرب المالكية الذين كانوا على معتقد أهل السنة واتهموهم زوراً وبهتاناً أنهم مشبهة مجسمة ولم يكونوا من أهل هذه المقالة(2).
فكان ابن تومرت هو السبب في إدخال العقيدة الأشعرية في بلاد المغرب التي كانت قبل ذلك سنية سلفية فحسبنا الله ونعم الوكيل.
جـ- صلاح الدين الأيوبي، وكان صلاح الدين الأيوبي أشعرياً، فقد حفظ في صباه عقيدة ألفها له قطب الدين أبو المعالي مسعود بن محمد بن مسعود النيسابوري أحد أعلام الأشعرية وصار يحفظها صغار أولاده، ولذلك نشأ هو وأولاده على المعتقد الأشعري، فحمل صلاح الدين الكافة على عقيدة أبي الحسن الأشعري، وتمادى الحال على ذلك في جميع أيام ملوك بني أيوب، ثم في أيام مواليهم الملوك من الأتراك(3).
__________
(1) انظر موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الأشاعرة (2/500).
(2) انظر مجموع الفتاوى (11/475).
(3) الخطط للمقريزي (2/358).
(12/27)
وقد كان لذلك دوره الكبير في نشر الأشعرية في سائر أنحاء العالم الإسلامي، فمصر التي كانت مقر الدولة الأيوبية كانت هي حاضرة العلم في تلك العصور وقد كان للأزهر دور كبير في نشر العقيدة الأشعرية التي ادخلها صلاح الدين في مصر بعد أن قضى على الدولة العبيدية الإسماعلية، ومنذ زمن صلاح الدين والأزهر يقرر عقيدة الأشاعرة إلى يومنا هذا.
والأشاعرة يخالفون أهل السنة في الكثير من مسائل الاعتقاد.
ومنها على سبيل المثال:
1ـ أن مصدر التلقي عندهم في قضايا الإلهيات (أي التوحيد) والنبوات هو العقل وحده، فهم يقسمون أبواب العقيدة إلى ثلاثة أبواب: إلهيات، نبوات، سمعيات، ويقصدون بالسمعيات ما يتعلق بمسائل اليوم الآخر من البعث والحشر والجنة والنار وغير ذلك.
وسموها سمعيات لأن مصدرها عندهم النصوص الشرعية وأما ما عداها أي الإلهيات والنبوات فمصدرهم فيها العقل.
2ـ زعمهم أن الإيمان هو مجرد التصديق، فأخرجوا العمل من مسمى الإيمان.
3ـ بناءً على تعريفهم للإيمان فقد أخرجوا توحيد الألوهية من تقسيمهم للتوحيد، فالتوحيد عندهم هو أن الله واحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في أفعاله لا شريك له، وواحد في صفاته لا نظير له. وهذا التعريف خلا من الإشارة إلى توحيد الألوهية، فلذلك فإن أي مجتمع أشعري تجد فيه توحيد الإلهية مختلاً، وسوق الشرك والبدعة رائجة لأن الناس لم يعلّموا أن الله واحد في عبادته لا شريك له.
4ـ وبناءً كذلك على تعريفهم للإيمان فقد أخرجوا الاتباع من تعريفهم للإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم فحصروا الإيمان بالنبي في الأمور التصديقية فقط، ومن أجل ذلك انتشرت البدع في المجتمعات الأشعرية.
5ـ خالفوا أهل السنة في أسماء الله وصفاته وهذا سيأتي بيانه.
6ـ خالفوا أهل السنة في باب القدر، فقولهم موافق لقول الجبرية.
7ـ خالفوا أهل السنة في مسألة رؤية الله من جهة كونهم يقولون يرى لا في مكان.
(12/28)
8ـ خالفوا أهل السنة في مسألة الكلام، فهم لا يثبتون صفة الكلام على حقيقتها بل يقولون بالكلام النفسي. إلى غير ذلك من أنواع المخالفات.
3ـ الماتريدية:
تعد الماتريدية شقيقة الأشعرية، وذلك لما بينهما من الائتلاف والاتفاق حتى لكأنهما فرقة واحدة، ويصعب التفريق بينهما. ولذلك يصرح كل من الأشاعرة والماتريدية بأن كلاً من أبى الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي هما إماما أهل السنة على حد تعبيرهم(1).
ولعل هذا التوافق مع كونه يرجع إلى سبب رئيسي وهو توافق أفكار الفرقتين وقلة المسائل الخلافية بينهما وخاصة مع الأشعرية المتأخرة، إلا أن هناك أسباب مهمة يرجع إليها ويجب اعتبارها وأخذها في الحسبان ولعل أهمها التزامن في نشأة الفرقتين مع كون كل فرقة استقلت بأماكن نفوذ لم تنازعها فيها الفرقة الأخرى. فالماتريدية انتشرت بين الأحناف الذين كانوا متواجدين في شرق العالم الإسلامي وشماله فقل أن تجد حنفياً على عقيدة الأشاعرة إلا ما ذكر من أن أبا جعفر السمناني -وهو حنفي- كان أشعرياً.
بينما نجد الأشعرية قد انتشرت بين الشافعية والمالكية وهم اليوم يتواجدون في وسط وغرب وجنوب وجنوب شرق العالم الإسلامي، فجل الشافعية والمالكية على الأشعرية. ولست اعني بذلك عوامهم وإنما الطبقة المثقفة منهم.
__________
(1) مفتاح السعادة (2/151، 152) تأليف: طاش كبرى زاده
(12/29)
والماتريدية تنسب إلى أبي منصور محمد بن محمد بن محمود بن محمد الماتريدي المتوفى سنة (333هـ)(1) كان معدوداً في فقهاء الحنفية، وكان صاحب جدل وكلام ولم يكن له دراية بالسنن والآثار(2)، وقد نهج منهجاً كلامياً في تقرير العقيدة يشابه إلى حد كبير منهج متأخري الأشاعرة، وعداده في أهل الكلام من الصفاتية من أمثال ابن كلاب وأبي الحسن الأشعري وأمثالهما. وقد تابع الماتريدي ابن كلاب في مسائل متعددة من مسائل الصفات وما يتعلق بها(3).
ومن المعلوم أن الأحناف وأهل المشرق عموماً كانوا من أسبق الناس تأثراً بعلم الكلام، فقد كانت بداية الجهم من تلك الجهات، وفي هذا يقول الإمام أحمد في معرض كلامه عن الجهم: "وتبعه على قوله رجال من أصحاب أبي حنيفة وأصحاب عمرو بن عبيد بالبصرة ..."(4).
فبشر بن غياث المريسي (228هـ) والقاضي أحمد بن أبي دؤاد (240هـ) وغيرهما كانوا من الأحناف، فلا غرابة أن يكون الماتريدي الحنفي من أولئك الذين ناصروا علم الكلام وسعوا في تأسيسه وتقعيده، إلى أن أصبح علماً من أعلامه وصاحب إحدى مدارس الكلام التي صارت فيما بعد تعرف باسمه.
__________
(1) انظر ترجمته في كتاب الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات (1/209) للدكتور شمس الدين الأفغاني.
(2) العقيدة السلفية في كلام رب البرية (ص279) تأليف: عبد الله بن يوسف الجديع.
(3) مجموع الفتاوى (7/433)، كتاب الإيمان (ص414)، منهاج السنة (2/362).
(4) الرد على الجهمية (ص103-105).
(12/30)
فالماتريدي لا يبعد كثيراً عن أبي الحسن الأشعري (في طوره الثاني) فهو خصم لَدُود للمعتزلة، إلا أنه كان متأثراً بالمنهج الكلامي على طريقة ابن كلاب من الاعتماد على المناهج الكلامية في تقرير المسائل الاعتقادية شأنه في ذلك شأن أبي الحسن الأشعري، فكلاهما يعتبر امتداداً لمدرسة ابن كلاب التي عرفت كمدرسة ثالثة بعد أن كان الخلاف دائراً بين أهل السنة والجماعة من جهة، والجهمية والمعتزلة من جهة أخرى، فجاء ابن كلاب وأحدث منهجاً ثالثاً حاول فيه التلفيق بين النصوص الشرعية والمناهج الكلامية كما سبق الإشارة إلى ذلك عند الحديث عن الكلابية.
فالمذهب الكلابي كان له وجوده في العراق والري وخراسان وكان له انتشار في بلاد ما وراء النهر التي كانت تغص بمختلف الطوائف والفرق(1).
ولم تتعرض الماتريدية للتطور الذي حصل على العقيدة الأشعرية والذي سبق بيانه في الحديث عن الأشعرية فالماتريدية بقيت على ما كانت عليه.
المبحث الثاني
درجات تعطيلهم
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: درجات تعطيلهم في باب الأسماء والصفات عموماً.
المطلب الثاني: درجات تعطيلهم في باب الأسماء الحسنى.
المطلب الثالث: درجات تعطيلهم في باب صفات الله تعالى.
المطلب الأول
درجات التعطيل في باب الأسماء والصفات عموماً
من سبر أقوال أهل التعطيل يجدها من حيث العموم تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: نفي جميع الأسماء والصفات.
وهذا قول الجهمية أتباع جهم بن صفوان(2)، والفلاسفة، سواء كانوا أصحاب فلسفة محضة كالفارابي(3)، أو فلسفة باطنية إسماعيلية قرمطية كابن سينا(4)، أو فلسفة صوفية اتحادية كابن عربي وابن سبعين وابن الفارض.
__________
(1) انظر أحسن التقاسيم للمقدسي (ص323).
(2) مجموع الفتاوى (6/135، 5/355، 13/131)، درء تعارض العقل والنقل (3/367).
(3) منهاج السنة (2/523، 524).
(4) شرح العقيدة الأصفهانية (ص76).
(12/31)
قال شيخ الإسلام ابن تيميه: " والتحقيق أن التجهم المحض وهو نفي الأسماء والصفات، كما يُحكي عن جهم والغالية من الملاحدة ونحوهم من نفي أسماء الله الحسنى، كفر بين مخالف لما علم بالاضطرار من دين الرسول "(1)
القسم الثاني: نفي الصفات دون الأسماء.
وهذا قول المعتزلة، ووافقهم عليه ابن حزم الظاهري(2)، والزيدية، والرافضة الإمامية، والإباضية. فالمعتزلة يجمعون على تسمية الله بالاسم ونفي الصفة عنه.
يقول ابن المرتضى المعتزلي: " فقد أجمعت المعتزلة على أن للعالم مُحدثاً قديماً قادراً عالماً حياًّ لا لمعان....."(3).
القسم الثالث: إثبات الأسماء وبعض الصفات ونفي البعض الآخر.
وهذا قول الكلابية والأشاعرة والماتريدية.
فالكلابية وقدماء الأشاعرة: يثبتون الأسماء والصفات ما عدا الصفات الاختيارية(4) (أي التي تتعلق بمشيئته واختياره) فهم إما يؤولونها أو يثبتونها على اعتبار أنها أزلية وذلك خوفاً منهم على حد زعمهم من حلول الحوادث بذات الله(5) أو يجعلونها من صفات الفعل المنفصلة عن الله التي لا تقوم به(6).
__________
(1) النبوات (ص198).
(2) درء تعارض العقل والنقل (5/249، 250).
(3) كتاب باب ذكر المعتزلة من كتاب المنيه والأمل (ص6).
وانظر شرح الأصول الخمسة (ص151)، ومقالات الإسلاميين (ص164، 165)، مجموع الفتاوى (5/355).
(4) مجموع الفتاوى (13/131).
(5) موقف ابن تيمية من الأشاعرة (2/506).
(6) المصدر السابق (2/544).
(12/32)
وأما الأشاعرة المتأخرون ومعهم الماتريدية، فهم يثبتون الأسماء وسبعاً من الصفات هي (الحياة، العلم، القدرة، السمع، البصر، الإرادة، الكلام) ويزيد بعض الماتريدية صفة ثامنة هي (التكوين)(1) وينفون باقي الصفات ويؤولون النصوص الواردة فيها ويحرفون معانيها.
المطلب الثاني
درجات تعطيلهم في باب الأسماء الحسنى.
القول الأول: من يقول إن الله لا يسمى بشيء.
وهذا قول الجهمية أتباع جهم بن صفوان، والغالية من الملاحدة كالقرامطة الباطنية والفلاسفة.
وهؤلاء المعطلة لهم في تعطيلهم لأسماء الله أربعة مسالك هي:
المسلك الأول: الاقتصار على نفي الإثبات فقالوا: لا يسمى بإثبات.
المسلك الثاني: أنه لا يسمى بإثبات ولا نفي.
المسلك الثالث: السكوت عن الأمرين الإثبات والنفي.
المسلك الرابع: تصويب جميع الأقوال بالرغم من تناقضها.
فهذا الصنف من المعطلة اتفقوا على إنكار الأسماء جميعها، ولكن تنوعت مسالكهم في الإنكار.
1ـ فأصحاب المسلك الأول: اقتصروا على قولهم: بأنه ليس له اسم كالحي والعليم ونحو ذلك. وشبهتهم في ذلك:
أ- أنه إذا كان له اسم من هذه الأسماء لزم أن يكون متصفا بمعنى الاسم كالحياة والعلم، فإن صدق المشتق -أي الاسم كالعليم- مستلزم لصدق المشتق منه -أي الصفة كالعلم- وذلك محال عندهم.
ب- ولأنه إذا سمي بهذه الأسماء فهي مما يسمى به غيره. والله منزه عن مشابهة الغير(2).
__________
(1) انظر تحفة المريد (ص63)، وإشارات المرام (ص107، 114)، وكتاب الماتريدية دراسة وتقويم (ص239)، وكتاب الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات (2/430)، ومنهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة في توحيد الله (ص401).
(2) انظر مجموع الفتاوى (6/35، 3/100)، ودرء تعارض العقل والنقل (3/367)، وكتاب الصفدية (1/88-89، 96-97).
(12/33)
فهؤلاء المعطلة المحضة -نفاة الأسماء- يسمون من سمى الله بأسمائه الحسنى مشبهاً. فيقولون: إذا قلنا حي عليم فقد شبهناه بغيره من الأحياء العالمين وكذلك إذا قلنا هو سميع بصير فقد شبهناه بالإنسان السميع البصير، وإذا قلنا رؤوف رحيم فقد شبهناه بالنبي الرؤوف الرحيم، بل قالوا إذا قلنا موجود فقد شبهناه بسائر الموجودات لاشتراكهما في مسمى الوجود(1).
وهذا المسلك ينسب لجهم بن صفوان، قال شيخ الإسلام
ابن تيمية: " جهم كان ينكر أسماء الله تعالى فلا يسميه شيئاً لا حيا ولا غير ذلك إلا على سبيل المجاز "(2) وهو قول الباطنية من الفلاسفة والقرامطة فهم يقولون لا نسميه حيًّا ولا عالماً ولا قادراً ولا متكلماً إلا مجازاً بمعنى السلب والإضافة: أي هو ليس بجاهل ولا عاجز(3) وهذا كذلك قول ابن سينا وأمثاله(4).
2ـ وأما أصحاب المسلك الثاني: فقد زادوا في الغلو فقالوا: لا يسمى بإثبات ولا نفي، ولا يقال موجود ولا لا موجود ولا حي ولا لاحي. لأن في الإثبات تشبيهاً بالموجودات، وفي النفي تشبيهاً له بالمعدومات. وكل ذلك تشبيه. وهذا المسلك ينسب لغلاة المعطلة من القرامطة الباطنية والمتفلسفة(5).
3ـ وأما أصحاب المسلك الثالث فيقولون: نحن لا نقول ليس بموجود ولا معدوم، ولا حي ولا ميت، فلا ننفي النقيضين، بل نسكت عن هذا وهذا، فنمتنع عن كل من المتناقضين، لا نحكم بهذا ولا بهذا، فلا نقول ليس بموجود ولا معدوم، ولكن لا نقول هو موجود ولا نقول هو معدوم.
ومن الناس من يحكى هذا عن الحلاج، وحقيقة هذا القول هو الجهل البسيط والكفر البسيط، الذي مضمونه الإعراض عن الإقرار بالله ومعرفته وحبه وذكره وعبادته ودعائه(6).
__________
(1) منهاج السنة (2/523، 534).
(2) مجموع الفتاوى (12/311).
(3) مجموع الفتاوى (5/355).
(4) الصفدية (1/299-300).
(5) مجموع الفتاوى (6/35، 3/100)، شرح الأصفهانية (ص76، 80).
(6) كتاب الصفدية (1/96-98)، شرح الأصفهانية (ص84).
(12/34)
وأصحاب هذا المسلك هم المتجاهلة اللاأدرية.
وأصحاب المسلك الثاني هم المتجاهلة الواقفة الذين يقولون لا نثبت ولا ننفي.
وأصحاب المسلك الأول هم المكذبة النفاة.
والملاحظ أن كل فريق من هؤلاء يهدم ما بناه من قبله فلما اقتصر أصحاب المسلك الأول على النفي وامتنعوا عن الإثبات بحجة أن في الإثبات تشبيهاً له بالموجودات جاء أصحاب المسلك الثاني فزادوا في الغلو وزعموا أن في النفي كذلك تشبيهاً له بالجمادات فمنعوا النفي أيضا ثم جاء أصحاب المسلك الثالث فاتهموا أصحاب المسلك الثاني بأنهم شبهوه بالممتنعات لأن قولهم يقوم على نفي النقيضين وهذا ممتنع.
4ـ وهناك مسلك رابع: وهو مسلك أصحاب وحدة الوجود الذين يعطون أسماءه سبحانه لكل شيء في الوجود، إذ كان وجود الأشياء عندهم هو عين وجوده ما ثمت فرق إلا بالإطلاق والتقييد(1).
وهذا منتهى قول طوائف المعطلة(2) وغاية ما عندهم في الإثبات قولهم هو: (وجود مطلق) أي وجود خيالي في الذهن، أو وجود مقيد بالأمور السلبية (3).
القول الثاني: أن الله يسمى باسمين فقط هما: "الخالق" و "القادر".
وهذا القول منسوب للجهم بن صفوان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "كان الجهم وأمثاله يقولون: إن الله ليس بشيء، وروى عنه أنه قال: لا يسمى باسم يسمى به الخلق، فلم يسمه إلا "بالخالق" و"القادر" لأنه كان جبريا يرى أن العبد لا
قدرة له"(4).
وقال رحمه الله: "ولهذا نقلوا عن جهم أنه لا يسمي الله بشيء، ونقلوا عنه أنه لا يسميه باسم من الأسماء التي يسمى بها الخلق: كالحي، والعالم، والسميع، والبصير، بل يسميه قادراً خالقاً، لأن العبد عنده ليس بقادر، إذ كان هو رأس الجهمية الجبرية "(5).
__________
(1) شرح القصيدة النونية للهراس (2/126).
(2) الصفدية (1/98، 99).
(3) الصفدية (1/116، 117).
(4) منهاج السنة (2/526، 527)، وانظر الأنساب للسمعاني (2/133).
(5) درء تعارض العقل والنقل (5/187)، مجموع الفتاوى (8/460).
(12/35)
القول الثالث: إثبات الأسماء مجردة عن الصفات.
وهذا قول المعتزلة ووافقهم عليه ابن حزم الظاهري. وتبع المعتزلة على ذلك الزيدية، والرافضة الإمامية، وبعض الخوارج.
فالمعتزلة يجمعون على تسمية الله بالاسم ونفي الصفة عنه.
يقول ابن المرتضى المعتزلي: "فقد أجمعت المعتزلة على أن للعالم مُحدثاً قديماً، قادراً، عالماً، حياًّ لا لمعان"(1).
وابن حزم وافق المعتزلة في ذلك فهو يرى أن الأسماء الحسنى كالحي، والعليم، والقدير، بمنزلة أسماء الأعلام التي لا تدل على حياة ولا علم، ولا قدرة، وقال: "لا فرق بين الحي وبين العليم في المعنى أصلاً"(2).
والمعتزلة لهم في نفيهم لتضمن الأسماء للصفات مسلكان:
المسلك الأول: من جعل الأسماء كالأعلام المحضة المترادفة التي لم توضع لمسماها باعتبار معنى قائم به. فهم بذلك ينظرون إلى هذه الأسماء على أنها أعلام محضة لا تدل على صفة. و(المحضة) الخاصة الخالية من الدلالة على شيء آخر، فهم يقولون: إن العليم والخبير والسميع ونحو ذلك أعلام لله ليست دالة على أوصاف، وهي بالنسبة إلى دلالتها على ذات واحدة هي مترادفة، وذلك مثل تسميتك ذاتاً واحدة (بزيد وعمرو ومحمد وعلي) فهذه الأسماء مترادفة وهي أعلام خالصة لا تدل على صفة لهذه الذات المسماة بها(3).
والمسلك الثاني: من يقول منهم إن كل عَلَم منها مستقل، فالله يسمى عليماً وقديراً، وليست هذه الأسماء مترادفة، ولكن ليس معنى ذلك أن هناك حياة أو قدرة(4) ولذلك يقولون عليم بلا علم، قدير بلا قدرة، سميع بلا سمع، بصير بلا بصر.
القول الرابع: إثبات الأسماء الحسنى مع إثبات معاني البعض وتحريف معاني البعض الآخر.
__________
(1) كتاب ذكر المعتزلة (ص6)، وانظر شرح الأصول الخمسة (ص151)، مقالات الإسلاميين (ص164-165).
(2) الفصل (2/161)، وانظر شرح الأصفهانية (ص76)، درء تعارض العقل والنقل (5/249-250).
(3) التحفة المهدية شرح الرسالة التدمرية (1/46).
(4) التحفة المهدية (1/46).
(12/36)
وهذا قول الكلابية والأشاعرة والماتريدية.
فهؤلاء وإن كانوا يوافقون أهل السنة والجماعة في إثبات ألفاظ الأسماء الحسنى لكنهم يخالفونهم في إثبات بعض معاني تلك الأسماء.
فمن المعلوم أن كل اسم من أسماء الله متضمن لصفة. وللكلابية والأشاعرة والماتريدية قول في الصفات يخالف قول أهل السنة والجماعة. فالكلابية وقدماء الأشاعرة ينفون صفات الأفعال الاختيارية وبالتالي لا يثبتون الصفات التي تضمنتها الأسماء إذا كانت من هذا القبيل كالخالق والرزاق ونحوها، على تفصيل سيأتي ذكره عند الحديث عن موقفهم من الصفات.
وأما المتأخرون من الأشاعرة ومعهم الماتريدية، فإنهم لا يثبتون من الصفات سوى سبع صفات هي (العلم، القدرة، الحياة، السمع، البصر، الإرادة، الكلام) ويزيد بعض الماتريدية صفة ثامنة هي (التكوين). فالاسم عندهم إن دل على ما أثبتوه من الصفات، أثبتوا ما دل عليه من المعنى، وإن كان دالاً على خلاف ما أثبتوه صرفوه عن حقيقته وحرفوا معناه.
ومعلوم أنه لم يرد في باب الأسماء من تلك الصفات التي ذكروها إلا خمسة فقط وهي (العليم) و (القدير) و (الحي) و(السميع) و(البصير) فهذه الخمسة يثبتون معانيها، وإن كان هناك من يرجع صفتي (السمع) و(البصر) إلى (العلم)، ولكن جمهورهم على خلاف ذلك(1).
وأما بقية الأسماء التي لا تتفق مع ما أثبتوه من الصفات، فإنهم لا يثبتون ما دلت عليه من المعاني، بل يحرفونها كتحريفهم لمعنى (الرحمة) في اسمه (الرحمن) إلى إرادة الثواب أو إرادة (الإنعام)، و(الود) في (الودود) بـ(إرادة إيصال الخير)(2).
المطلب الثالث
درجات تعطيلهم في باب صفات الله تعالى.
__________
(1) لباب العقول للمكلاتي (ص213، 214)، شرح الأصفهانية (ص445)، المسايرة لابن الهمام ص67، الماتريدية دراسة وتقويم (ص264)، الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات (2/413)، منهج أهل السنة ومنهج الأشاعرة في التوحيد (ص409).
(2) شرح الأسماء الحسنى للرازي (ص287).
(12/37)
القول الأول: نفاة جميع الصفات
وهذا قول الغلاة من المعطلة، ومنهم الجهمية أتباع جهم والفلاسفة سواء كانوا أهل فلسفة محضة كالفارابي أو فلسفة باطنية رافضية إسماعيلية كابن سينا وإخوان الصفا أو فلسفة صوفية اتحادية كابن عربي وابن سبعين.
وهذا القول بنفي الصفات هو قول المعتزلة ومن تبعهم كالزيدية والرافضة الإمامية والخوارج الإباضية وكذلك هو قول النجارية والضرارية.
فهؤلاء جميعاً لا يثبتون الصفات لله تعالى، وقد تنوعت أساليب تعطيلهم وطرق إنكارهم لها، ويمكن تصنيفهم إلى صنفين:
1ـ غلاة المعطلة
2ـ المعتزلة ومن وافقهم.
1ـ فغلاة المعطلة: يمنعون الإثبات بأي حال من الأحوال ولهم في النفي درجات:
الدرجة الأولى: درجة المكذبة النفاة.
وهي التي عليها الجهمية وطائفة من الفلاسفة(1) وهو كذلك قول ابن سينا وأمثاله(2).
فهم يصفون الله بالصفات السلبية على وجه التفصيل ولا يثبتون له إلا وجوداً مطلقاً لا حقيقة له عند التحصيل وإنما يرجع إلى وجود في الأذهان، يمتنع تحققه في الأعيان(3) فهؤلاء وصفوه بالسلوب والإضافات دون صفات الإثبات وجعلوه هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق، وقد علم بصريح العقل أن هذا لا يكون إلا في الذهن، لا فيما خرج عنه من الموجودات(4).
الدرجة الثانية: المتجاهلة الواقفة.
الذين يقولون لا نثبت ولا ننفي، وهذه الدرجة تنسب لغلاة المعطلة من القرامطة الباطنية المتفلسفة(5).
__________
(1) مجموع الفتاوى (3/7-8).
(2) الصفدية (1/299، 300).
(3) مجموع الفتاوى (3/7)، شرح الأصفهانية (ص51، 52).
(4) مجموع الفتاوى (3/8).
(5) شرح العقيدة الأصفهانية (ص76).
(12/38)
فهؤلاء هم غلاة الغلاة(1) لأنهم يسلبون عنه النقيضين فيقولون: لا موجود، ولا معدوم، ولا حي ولا ميت، ولا عالم ولا جاهل، لأنهم يزعمون أنهم إذا وصفوه بالإثبات شبهوه بالموجودات، وإذا وصفوه بالنفي شبهوه بالمعدومات فسلبوا النقيضين، وهذا ممتنع في بداهة العقول؛ وحرفوا ما أنزل الله من الكتاب وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فوقعوا في شر مما فروا منه، فإنهم شبهوه بالممتنعات إذ سلب النقيضين كجمع النقيضين، كلاهما من الممتنعات(2).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " فالقرامطة الذين قالوا لا يوصف بأنه حي ولا ميت، ولا عالم ولا جاهل، ولا قادر ولا عاجز، بل قالوا لا يوصف بالإيجاب ولا بالسلب، فلا يقال حي عالم ولا ليس بحي عالم، ولا يقال هو عليم قدير ولا يقال ليس بقدير عليم، ولا يقال هو متكلم مريد، ولا يقال ليس بمتكلم مريد، قالوا لأن في الإثبات تشبيهاً بما تثبت له هذه الصفات، وفي النفي تشبيه له بما ينفي عنه هذه الصفات "(3).
الدرجة الثالثة: المتجاهلة اللاأدرية.
الذين يقولون: نحن لا نقول ليس بموجود ولا معدوم ولا حي ولا ميت، فلا ننفي النقيضين، بل نسكت عن هذا وهذا، فنمتنع عن كل من المتناقضين، لا نحكم بهذا ولا بهذا، فلا نقول: ليس بموجود ولا معدوم ولكن لا نقول هو موجود ولا نقول هو معدوم.
ومن الناس من يحكي نحو هذا عن الحلاج، وحقيقة هذا القول هو الجهل البسيط والكفر البسيط، الذي مضمونه الإعراض عن الإقرار بالله ومعرفته وحبه وذكره وعبادته ودعائه(4).
الدرجة الرابعة: أهل وحدة الوجود
الذين لا يميزون الخالق بصفات تميزه عن المخلوق، ويقولون بأن وجود الخالق هو وجود المخلوق. فعلى سبيل المثال هم يقولون بأن الله هو المتكلم بكل ما يوجد من الكلام وفي ذلك يقول ابن عربي:
ألا كل قول في الوجود كلامه
سواء علينا نثره ونظامه
__________
(1) مجموع الفتاوى (3/100).
(2) مجموع الفتاوى (3/7-8).
(3) شرح العقيدة الأصفهانية (ص76).
(4) الصفدية (1/96، 98).
(12/39)
يعم به أسماع كل مكون
فمنه إليه بدؤه وختامه(1)
فيزعمون أنه هو المتكلم على لسان كل قائل. ولا فرق عندهم بين قول فرعون: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [ النازعات 24 ]و {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص 28] وبين القول الذي يسمعه موسى {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [ طه 14]. بل يقولون: إنه الناطق في كل شيء، فلا يتكلم إلا هو، ولا يسمع إلا هو، حتى قول مسيلمة الكذاب، والدجال، وفرعون، يصرحون بأن أقوالهم هي قوله"(2).
وهذا قول أصحاب وحدة الوجود كابن عربي، وابن سبعين وابن الفارض، والعفيف التلمساني.
وأصل مذهبهم: أن كل واحد من وجود الحق، وثبوت الخلق يساوى الآخر ويفتقر إليه، وفي هذا يقول ابن عربي:
فيعبدني وأعبده
ويحمدني وأحمده(3)
ويقول: إن الحق يتصف بجميع صفات العبد المحدثات، وإن المحدث يتصف بجميع صفات الرب، وإنهما شيء واحد إذ لا فرق في الحقيقة بين الوجود والثبوت.(4) فهو الموصوف عندهم بجميع صفات النقص والذم والكفر والفواحش والكذب والجهل، كما هو الموصوف عندهم بصفات المجد والكمال فهو العالم والجاهل، والبصير والأعمى، والمؤمن والكافر، والناكح والمنكوح، والصحيح والمريض، والداعي والمجيب، والمتكلم والمستمع، وهو عندهم هوية العالم ليس له حقيقة مباينة للعالم، وقد يقولون لا هو العالم ولا غيره، وقد يقولون: هو العالم أيضا وهو غيره، وأمثال هذه المقالات التي يجمع فيها في المعنى بين النقيضين مع سلب النقيضين(5).
وهؤلاء الاتحادية يجمعون بين النفي العام والإثبات العام فعندهم أن ذاته لا يمكن أن ترى بحال وليس له اسم ولا صفة ولا نعت، إذ هو الوجود المطلق الذي لا يتعين، وهو من هذه الجهة لا يرى ولا اسم له.
__________
(1) الفتوحات المكية (4/141) ط:دار صادر، بيروت.
(2) بغية المرتاد (ص349).
(3) فصوص الحكم (1/83).
(4) بغية المرتاد (ص397، 398).
(5) بغية المرتاد (ص408).
(12/40)
ويقولون: إنه يظهر في الصور كلها، وهذا عندهم هو الوجود الاسمي لا الذاتي، ومن هذه الجهة فهو يرى في كل شيء، ويتجلى في كل موجود، لكنه لا يمكن أن ترى نفسه، بل تارة يقولون كما يقول ابن عربي: ترى الأشياء فيه، وتارة يقولون يرى هو في الأشياء وهو تجليه في الصور، وتارة يقولون كما يقول ابن سبعين:
عين ما ترى ذات لا ترى
وذات لا ترى عين ما ترى
وهم مضطربون لأن ما جعلوه هو الذات عدم محض، إذ المطلق لا وجود له في الخارج مطلقاً بلا ريب، لم يبق إلا ما سموه مظاهر ومجالي، فيكون الخالق عين المخلوقات لا سواها، وهم معترفون بالحيرة والتناقض مع ما هم فيه من التعطيل والجحود(1).
وفي هذا يقول ابن عربي:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيداً
وإن قلت بالتشبيه كنت محدداً
وإن قلت بالأمرين كنت مسدداً
وكنت إماماً في المعارف سيداً
فمن قال بالإشفاع كان مشركاً
ومن قال بالإفراد كان موحداً
فإياك والتشبيه إن كنت ثانياً
وإياك والتنزيه إن كنت مفرداً
فما أنت هو بل أنت هو وتراه
في عين الأمور مسرحا ومقيداً(2)
خلاصة أقوال غلاة المعطلة:
كلام غلاة المعطلة المتقدم ذكره يدور على أحد أصلين:
1ـ الأصل الأول:
النفي والتعطيل الذي يقتضي عدمه، بأن جعلوا الحق لا وجود له، ولا حقيقة له في الخارج أصلاً وإنما هو أمر مطلق في الأذهان. وهذا الذي عليه المكذبة النفاة، والمتجاهلة الواقفة، والمتجاهلة اللاأدرية.
2ـ الأصل الثاني:
أن يجعلوا الحق عين وجود المخلوقات، فلا يكون للمخلوقات خالق غيرها أصلاً، ولا يكون رب كل شيء ولا مليكه. وهذا الذي عليه حال أهل وحدة الوجود الاتحادية في أحد حاليهم فهذا حقيقة قول القوم وإن كان بعضهم لا يشعر بذلك.
__________
(1) بغية المرتاد (ص473).
(2) بغية المرتاد (ص527).
(12/41)
ولذلك كان الغلاة من القرامطة والباطنية والفلاسفة والاتحادية نسخة للجهمية الذين تكلم فيهم السلف والأئمة، مع كون أولئك كانوا أقرب إلى الإسلام. فقد كان كلام الجهمية يدور أيضاً على هذين الأصلين فهم يظهرون للناس والعامة أن الله بذاته موجود في كل مكان، أو يعتقدون ذلك.
وعند التحقيق يصفونه بالسلب الذي يستوجب عدمه كقولهم: ليس بداخل العالم ولا خارجه، ولا مباين له ولا محايث، ولا متصل به ولا منفصل عنه، وأشباه هذه السلوب.
فكلام أول الجهمية وآخرهم يدور على هذين الأصلين:
1ـ إما النفي والتعطيل الذي يقتضي عدمه.
2ـ وإما الإثبات الذي يقتضي أنه هو المخلوقات. أو جزء منها أو صفة لها.
وكثير منهم يجمع بين هذا النفي وهذا الإثبات المتناقضين، وإذا حوقق في ذلك قال: ذاك السلب مقتضى نظري. وهذا الإثبات مقتضى شهودي وذوقي. ومعلوم أن العقل والذوق إذا تناقضا لزم بطلانهما أو بطلان أحدهما(1)
وهذا حال الجهمية دائماً يترددون بين هذا النفي العام المطلق، وهذا الإثبات العام المطلق، وهم في كليهما حائرون ضالون لا يعرفون الرب الذي أمروا بعبادته(2).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والجهمية نفاة الصفات تارة يقولون بما يستلزم الحلول والاتحاد، أو يصرحون بذلك. وتارة بما يستلزم الجحود والتعطيل، فنفاتهم لا يعبدون شيئاً، ومثبتتهم يعبدون كل شيء"(3).
ولا ريب أن هؤلاء المعطلة بصنيعهم هذا قد أعرضوا عن أسمائه وصفاته وآياته وصاروا جهالاً به، كافرين به، غافلين عن ذكره، موتى القلوب عن معرفته ومحبته وعبادته، وهذا هو غاية القرامطة الباطنية والمعطلة الدهرية أنهم يبقون في ظلمة الجهل وضلال الكفر، لا يعرفون الله ولا يذكرونه(4).
2ـ المعتزلة ومن وافقهم:
__________
(1) بغية المرتاد (ص410، 411).
(2) نقض تأسيس الجهمية (2/467).
(3) مجموع الفتاوى (6/39).
(4) مجموع الفتاوى (6/48) بتصرف.
(12/42)
المعتزلة ومعهم النجارية، والضرارية، والرافضة، الإمامية، والزيدية، والإباضية وغيرهم. وهؤلاء مشتركون مع الجهمية والفلاسفة في نفي الصفات(1) وإن كان بين الفلاسفة والمعتزلة نوع فرق(2) فالمعتزلة تجمع على غاية واحدة وهي نفي إثبات الصفات حقيقة في الذات ومتميزة عنها. ولكنهم سلكوا طريقين في موقفهم من الصفات.
الطريق الأول: الذي عليه أغلبيتهم وهو نفيها صراحة فقالوا: إن الله عالم بذاته لا بعلم وهكذا في باقي الصفات.
والطريق الثاني: الذي عليه بعضهم وهو إثباتها اسماً ونفيها فعلاً فقالوا: إن الله عالم بعلم وعلمه ذاته وهكذا بقية الصفات، فكان مجتمعاً مع الرأي الأول في الغاية وهي نفي الصفات.
والمقصود بنفي الصفات عندهم: هو نفي إثباتها حقيقة في الذات ومتميزة عنها، وذلك أنهم يجعلونها عين الذات فالله عالم بذاته بدون علم أو عالم بعلم وعلمه ذاته(3).
وهناك آراء أخرى للمعتزلة لكنها تجتمع في الغاية مع الرأيين الأولين، وهو التخلص من إثبات الصفات حقيقة في الذات ومتميزة عنها(4).
وهذه الآراء للمعتزلة حملها عنهم الزيدية، والرافضة الإمامية(5) والإباضية. وابن تومرت(6)، وابن حزم(7).
فالمعتزلة يرون امتناع قيام الصفات به، لاعتقادهم أن الصفات أعراض، وأن قيام العرض به يقتضي حدوثه فقالوا حينئذ إن القرآن مخلوق، وإنه ليس لله مشيئة قائمة به، ولا حب ولا بغض ونحو ذلك.
__________
(1) مجموع الفتاوى (13/131).
(2) مجموع الفتاوى (6/51).
(3) المعتزلة وأصولهم الخمسة (ص100).
(4) المصدر السابق (ص101).
(5) لم يكن في قدماء الرافضة من يقول بنفي الصفات بل كان الغلو في التجسيم مشهوراً عن شيوخهم هشام بن الحكم وأمثاله، شرح الأصفهانية (ص68).
(6) كان أبو عبد الله محمد بن تومرت على مذهب المعتزلة في نفي الصفات، شرح الأصفهانية (ص23).
(7) درء تعارض العقل والنقل (5/249، 250).
(12/43)
وردوا جميع ما يضاف إلى الله إلى إضافة خلق، أو إضافة وصف من غير قيام معنى به(1).
النجارية:
وهم أتباع حسين بن محمد بن عبد الله النجار المتوفى سنة (220هجرية) تقريباً. وكان يزعم أن الله سبحانه لم يزل جواداً بنفي البخل عنه، وأنه لم يزل متكلماً بمعنى أنه لم يزل غير عاجز عن الكلام، وأن كلام الله سبحانه محدث مخلوق، وكان يقول بقول المعتزلة في التوحيد، إلا في باب الإرادة والجود، وكان يخالفهم في القدر ويقول بالإرجاء(2).
الضرارية:
وهم أتباع ضرار بن عمرو الغطفاني المتوفى سنة (190هجرية) تقريباً، وكان يزعم أن معنى أن الله عالم قادر أنه ليس بجاهل ولا عاجز، وكذلك كان يقول في سائر صفات الباري لنفسه(3).
فكل من النجارية والضرارية يحملون النصوص الثبوتية على المعاني السلبية، كما قال البغدادي عنهم: "من غير إثبات معنى أو فائدة سوى نفي الوصف بنقيض تلك الأوصاف عنه"(4).
وكان الجهمية والمعتزلة والنجارية والضرارية هم خصوم أهل السنة زمن فتنة القول بخلق القرآن(5).
القول الثاني: نفي الصفات الاختيارية المتعلقة بالمشيئة.
__________
(1) مجموع الفتاوى (6/147، 148، 359).
(2) مقالات الإسلاميين (1/341-342)، وانظر الفرق بين الفرق (ص207)، والملل والنحل (1/89، 90).
(3) مقالات الإسلاميين (1/339).
(4) الفرق بين الفرق (ص215).
(5) مجموع الفتاوى (14/351، 352).
(12/44)
وهو قول الكلابية: أتباع أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب،وقول الحارث المحاسبي(1) وأبي العباس القلانسي، وأبي الحسن الأشعري في طوره الثاني، وقدماء الأشاعرة كأبي الحسن الطبري، والباقلاني، وابن فورك، وأبي جعفر السمناني ومن تأثر بهم من الحنابلة كالقاضي أبي يعلى، وابن عقيل، وأبي الحسن بن الزاغوني، والتميميين وغيرهم(2).
وهؤلاء يسمّون الصفاتية لأنهم يثبتون صفات الله تعالى خلافاً للمعتزلة، لكنهم لم يثبتوا لله أفعالاً تقوم به تتعلق بمشيئته وقدرته، بل ولا غير الأفعال مما يتعلق بمشيئته وقدرته(3).
وأصلهم الذي أصلوه في هذا أن الله لا يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته(4) لا فعل ولا غير فعل(5).
والفرق بينهم وبين المعتزلة:
__________
(1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وكان الحارث المحاسبي يوافقه -أي يوافق ابن كلاب- ثم قيل إنه رجع عن موافقته؛ فإن أحمد بن حنبل أمر بهجر الحارث المحاسبي وغيره من أصحاب ابن كلاب لما أظهروا ذلك، كما أمر السري السقطي الجنيد أن يتقى بعض كلام الحارث؛ فذكروا أن الحارث رحمه الله تاب من ذلك. وكان له من العلم والفضل والزهد والكلام في الحقائق ما هو مشهور وحكى عنه أبوبكر الكلاباذي صاحب (مقالات الصوفية): "أنه كان يقول إن الله يتكلم بصوت"، وهذا يوافق قول من يقول: إنه رجع عن قول ابن كلاب". مجموع الفتاوى (6/521، 522).
(2) مجموع الفتاوى (5/411، 6/52، 53، 4/147)، شرح الأصفهانية (ص 78).
(3) مجموع الفتاوى (6/520).
(4) مجموع الفتاوى (6/524).
(5) مجموع الفتاوى (6/522).
(12/45)
أن المعتزلة تقول: (لا تحله الأعراض والحوادث) فالمعتزلة لا يريدون [بالأعراض] الأمراض والآفات فقط، بل يريدون بذلك الصفات. ولا يريدون [بالحوادث] المخلوقات، ولا الأحداث المحيلة للمحل ونحو ذلك -مما يريده الناس بلفظ الحوادث- بل يريدون نفي ما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال وغيرها فلا يجوزون أن يقوم به خلق، ولا استواء، ولا إتيان، ولا مجيء، ولا تكليم، ولا مناداة، ولا مناجاة، ولا غير ذلك مما وصف بأنه مريد له قادر عليه.
ولكن ابن كلاب ومن وافقه خالفوا المعتزلة في قولهم: "لا تقوم به الأعراض" وقالوا: "تقوم به الصفات ولكن لا تسمى أعراضاً".
ووافقوا المعتزلة على ما أرادوا بقولهم: لا تقوم به الحوادث من أنه لا يقوم به أمر من الأمور المتعلقة بمشيئته(1).
ففرقوا بين الأعراض -أي الصفات- والحوادث -أي الأمور المتعلقة بالمشيئة(2) (3)
__________
(1) مجموع الفتاوى (6/520، 521).
(2) مجموع الفتاوى (6/525).
(3) تتميماً للفائدة فإن الخلاف في هذه المسألة على أربعة أقوال:
1ـ قول المعتزلة ومن وافقهم: إن الله لا يقوم به صفة ولا أمر يتعلق بمشيئته واختياره وهو قولهم: (لا تحله الأعراض ولا الحوادث).
2ـ قول الكلابية ومن وافقهم: التفريق بين الصفات والأفعال الاختيارية فأثبتوا الصفات، ومنعوا أن يقوم به أمر يتعلق بمشيئته وقدرته لا فعل ولا غير فعل.
3ـ قول الكرامية، ومن وافقهم: يثبتون الصفات ويثبتون أن الله تقوم به الأمور التي تتعلق بمشيئته وقدرته، ولكن ذلك حادث بعد أن لم يكن، وأنه يصير موصوفا بما يحدث بقدرته ومشيئته بعد أن لم يكن كذلك، وقالوا: لا يجوز أن تتعاقب عليه الحوادث، ففرقوا في الحوادث بين تجددها ولزومها، فقالوا بنفي لزومها دون حدوثها.
4ـ قول أهل السنة والجماعة: أثبتوا الصفات والأفعال الاختيارية وأن الله متصف بذلك أزلاً، وأن الصفات الناشئة عن الأفعال موصوف بها في القدم، وإن كانت المفعولات محدثة.
وهذا هو الصحيح. مجموع الفتاوى (6/520، 525).
(12/46)
.
فالكلابية ومن تبعهم ينفون صفات أفعاله(1)، ويقولون: "لو قامت به لكان محلاً للحوادث. والحادث إن أوجب له كمالاً فقد عدمه قبله وهو نقص، وإن لم يوجب له كمالاً لم يجز وصفه به(2).
ولتوضيح قولهم نقول: إن المضافات إلى الله سبحانه في الكتاب والسنة لا تخلو من ثلاثة أقسام:
أحدها: إضافة الصفة إلى الموصوف
كقوله تعالى: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ} [البقرة 255]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات 58]، فهذا القسم يثبته الكلابية ولا يخالفون فيه أهل السنة، وينكره المعتزلة.
والقسم الثاني: إضافة المخلوق.
كقوله تعالى: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس 13]، وقوله تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج 26]، وهذا القسم لا خلاف بين المسلمين في أنه مخلوق.
والقسم الثالث: -وهو محل الكلام هنا- ما فيه معنى الصفة والفعل.
كقوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء 164]، وقوله تعالى: {إنّ الله يَحكمُ ما يُريد} [المائدة 1]، وقوله تعالى: {فَبَاءُوا بِغضبٍ على غَضَب} [البقرة 90].
فهذا القسم الثالث لا يثبته الكلابية ومن وافقهم على زعم أن الحوادث لا تحل بذاته. فهو على هذا يلحق عندهم بأحد القسمين قبله فيكون:
1ـ إما قديماً قائماً به.
2ـ وإما مخلوقاً منفصلاً عنه.
__________
(1) الصفات الفعلية: هي التي تتعلق بمشيئته، أو التي تنفك عن الذات: كالاستواء، والنزول، والضحك، والإتيان، والمجيء، والغضب والفرح. مجموع الفتاوى (6/68، 5/410).
(2) مجموع الفتاوى (6/69)، وانظر الرد على هذه الشبهة (6/105).
(12/47)
ويمتنع عندهم أن يقوم به نعت أو حال أو فعل ليس بقديم ويسمون هذه المسألة: (مسألة حلول الحوادث بذاته)(1) وذلك مثل صفات الكلام، والرضا، والغضب، والفرح، والمجيء، والنزول والإتيان، وغيرها. وبالتالي هم يؤولون النصوص الواردة في ذلك على أحد الوجوه التالية:
1ـ إرجاعها إلى الصفات الذاتية واعتبارها منها، فيجعلون جميع تلك الصفات قديمة أزلية، ويقولون: نزوله، ومجيئه وإتيانه، وفرحه، وغضبه، ورضاه، ونحو ذلك: قديم أزلي(2) وهذه الصفات جميعها صفات ذاتية لله، وإنها قديمة أزلية لا تتعلق بمشيئته واختياره(3).
2ـ وإما أن يجعلوها من باب "النسب" و"الإضافة" المحضة بمعنى أن الله خلق العرش بصفة تحت فصار مستوياً عليه، وأنه يكشف الحجب التي بينه وبين خلقه فيصير جائياً إليهم ونحو ذلك. وأن التكليم إسماع المخاطب فقط(4).
فهذه الأمور من صفات الفعل منفصلة عن الله بائنة وهي مضافة إليه، لا أنها صفات قائمة به. ولهذا يقول كثير منهم: "إن هذه آيات الإضافات وأحاديث الإضافات، وينكرون على من يقول آيات الصفات وأحاديث الصفات"(5).
3ـ أو يجعلوها "أفعالاً محضة" في المخلوقات من غير إضافة ولا نسبة(6).
مثل قولهم في الاستواء إنه فعل يفعله الرب في العرش بمعنى أنه يحدث في العرش قرباً فيصير مستوياً عليه من غير أن يقوم بالله فعل اختياري(7).
وكقولهم في النزول إنه يخلق أعراضاً في بعض المخلوقات يسميها نزولاً(8).
ونفاة الصفات الاختيارية يثبتون الصفات التي يسمونها عقلية وهي الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام. واختلفوا في صفة البقاء.
__________
(1) مجموع الفتاوى (6/144، 147).
(2) مجموع الفتاوى (5/412).
(3) مجموع الفتاوى (5/410).
(4) مجموع الفتاوى (6/149).
(5) مجموع الفتاوى (5/411، 412).
(6) مجموع الفتاوى (6/149).
(7) مجموع الفتاوى (5/437)، الأسماء والصفات للبيهقي (ص517).
(8) مجموع الفتاوى (5/386).
(12/48)
ويثبتون في الجملة الصفات الخبرية كالوجه، واليدين، والعين ولكن إثباتهم لها مقتصر على بعض الصفات القرآنية، على أن إثبات بعضهم لها من باب التفويض.
وأما الصفات الخبرية الواردة في السنة كاليمين، والقبضة، والقدم، والأصابع فأغلب هؤلاء يتأولها(1).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "بل أئمة المتكلمين يثبتون الصفات الخبرية في الجملة، وإن كان لهم فيها طرق كأبي سعيد بن كلاب وأبي الحسن الأشعري، وأئمة أصحابه: كأبي عبد الله بن مجاهد وأبي الحسن الباهلي، والقاضي أبي بكر بن الباقلاني، وأبي إسحاق الاسفرائيني، وأبي بكر بن فورك، وأبي محمد بن اللبان، وأبي علي بن شاذان، وأبي القاسم القشيري، وأبي بكر البيهقي، وغير هؤلاء. فما من هؤلاء إلا من يثبت من الصفات الخبرية ما شاء الله تعالى. وعماد المذهب عندهم: إثبات كل صفة في القرآن.
وأما الصفات التي في الحديث فمنهم من يثبتها ومنهم من لا يثبتها"(2).
القول الثالث: من يقول بإثبات سبع صفات فقط أو ثمان ونفي ما عداها.
وهذا قول المتأخرين من الأشاعرة والماتريدية الذين لم يثبتوا من الصفات إلا ما أثبته العقل فقط، وأما ما لا مجال للعقل فيه عندهم فتعرضوا له بالتأويل والتعطيل.
ولا يستدل هؤلاء بالسمع في إثبات الصفات، بل عارضوا مدلوله بما ادعوه من العقليات.
وهذا القول لمتأخري الأشاعرة إنما تلقوه عن المعتزلة، لما مالوا إلى نوع التجهم، بل الفلسفة، وفارقوا قول الأشعري وأئمة أصحابه، الذين لم يكونوا يقرون بمخالفة النقل للعقل، بل انتصبوا لإقامة أدلة عقلية توافق السمع، ولهذا أثبت الأشعري الصفات الخبرية بالسمع، وأثبت بالعقل الصفات العقلية التي تعلم بالعقل والسمع، فلم يثبت بالعقل ما جعله معارضاً للسمع، بل ما جعله معاضداً له، وأثبت بالسمع ما عجز عنه العقل.
__________
(1) مجموع الفتاوى (6/52)، وموقف ابن تيمية من الأشاعرة (3/1034، 1036).
(2) مجموع الفتاوى (4/147، 148).
(12/49)
وهؤلاء خالفوه وخالفوا أئمة أصحابه في هذا وهذا، فلم يستدلوا بالسمع في إثبات الصفات، وعارضوا مدلوله بما ادعوه من العقليات(1).
فالصفات الثبوتية عند متأخري الأشاعرة هي: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام(2) وزاد الباقلاني وإمام الحرمين الجويني صفة ثامنة هي الإدراك(3).
والصفات الثبوتية عند الماتريدية(4) هي ثمان: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام، والتكوين(5) وهم قد خصوا الإثبات بهذه الصفات دون غيرها، لأنها هي التي دل العقل عليها عندهم، وأما غيرها من الصفات فإنه لا دليل عليها من العقل عندهم، فلذا قالوا بنفيها(6).
وهؤلاء لا يجعلون السمع طريقاً إلى إثبات الصفات ولهم فيما لم يثبتوه طريقان:
1ـ منهم من نفاه.
2ـ ومنهم من توقف فيه فلم يحكم فيه بإثبات ولا نفي، ويقولون بأن العقل دلّ على ما أثبتناه ولم يدل على ما توقفنا فيه(7).
والصفات السبع التي يثبتها هؤلاء يسمونها صفات المعاني.
وضابطها في اصطلاحهم هي: ما دل على معنى وجودي قائم بالذات، ولم يقر هؤلاء إلا بسبعة منها هي: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام. ونفوا ما عداها من صفات المعاني كالرأفة والرحمة والحلم(8).
وقد زاد بعضهم في عده للصفات فأوصلها إلى عشرين صفة وقسمها إلى أربعة أقسام:
1ـ صفات المعاني
__________
(1) درء تعارض العقل والنقل (7/97).
(2) مجموع الفتاوى (6/358، 359).
(3) تحفة المريد (ص76)، وبعض الأشاعرة توقف فيها والبعض نفاها.
(4) انظر إشارات المرام (ص107، 114)، جامع المتون (1208)، نظم الفرائد (ص24)، الماتريدية دراسة وتقويم (ص239).
(5) أثبت الماتريدية صفة التكوين وعليه فهي صفة قديمة قائمة بذاته تعالى. وأما الأشاعرة فقد نفوها. انظر تحفة المريد (ص75).
(6) الماتريدية دراسة وتقويم (ص239).
(7) شرح الأصفهانية ص9، مجموع الفتاوى (6/359).
(8) منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات (ص5).
(12/50)
2ـ الصفات المعنوية
3ـ الصفات السلبية
4ـ الصفة النفسية.
فصفات المعاني تقدم ضابطها وعدها. وهي القدر الذي عند هؤلاء من الإثبات، أما الأقسام الثلاثة الباقية فليس فيها إثبات على الحقيقة.
القسم الثاني: الصفات المعنوية
وهي الأحكام الثابتة للموصوف بها معللة بعلل قائمة بالموصوف وهي كونه "حياً، عليماً، قديراً، مريداً، سميعاً، بصيراً، متكلماً" وهذا العد لا وجه له لأنه في الحقيقة تكرار لصفات المعاني المتقدم ذكرها.
ثم إن من عدها من هؤلاء عدوها بناءً على ما يسمونه الحالة المعنوية التي يزعمون أنها واسطة ثبوتية لا معدومة ولا موجودة(1).
والتحقيق أن هذا خرافة وخيال، وأن العقل الصحيح لا يجعل بين الشيء ونقيضه واسطة البتة، فكل ما ليس بموجود فهو معدوم قطعاً، وكل ما ليس بمعدوم فهو موجود قطعاً، ولا واسطة البتة كما هو معروف عند العقلاء(2).
3ـ الصفات السلبية:
وضابطها عندهم: ما دل على سلب ما لا يليق بالله عن الله من غير أن يدل على معنى وجودي قائم بالذات.
والذين قالوا هذا جعلوا الصفات السلبية خمساً لا سادس لها(3) وهي عندهم: القدم، البقاء، والمخالفة للحوادث، والوحدانية، والغنى المطلق الذي يسمونه القيام بالنفس الذي يعنون به الاستغناء عن المخصص والمحل(4).
وعلى ضابطهم الذي ذكروه فإن هذه الخمس لا تتضمن معنى وجودياً. وإنما تتضمن أمراً سلبياً فعلى سبيل المثال:
القدم: المقصود بها نفي الحدوث.
والبقاء: المقصود بها نفي الفناء.
والوحدانية: المقصود بها نفي النظير المساوي له.
والقيام بالنفس: عدم افتقاره للمحل وعدم افتقاره للمخصص: أي الموجد.
4ـ الصفة النفسية:
__________
(1) تحفة المريد (ص77).
(2) منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات (ص10).
(3) يرى بعضهم أنها ليست منحصرة في هذه الخمسة، إلا أن ما عداها راجع إليها ولو بالالتزام، أو أن هذه مهماتها. انظر تحفة المريد (ص54).
(4) منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات (ص8).
(12/51)
وضابطها هي: كل صفة إثبات لنفس لازمة ما بقيت النفس غير معللة بعلل قائمة بالموصوف.
وهي عندهم صفة واحدة هي: الوجود. وهي عندهم لا تدل على شيء زائد على الذات.
يقول شارح جوهرة التوحيد: "واعلم أن الوجود صفة نفسية وإنما نسبت للنفس أي الذات، لأنها لا تعقل إلا بها فلا تعقل نفس إلا بوجودها، والمراد بالصفة النفسية: صفة ثبوتية يدل الوصف بها على نفس الذات دون معنى زائد عليها.
فقولنا: (صفة) كالجنس.
وقولنا: (ثبوتية) يخرج السلبية كالقدم والبقاء.
وقولنا: (يدل الوصف بها على نفس الذات) معناه أنها لا تدل على شيء زائد على الذات.
وقولنا: (دون معنى زائد عليها) تفسير مراد لقولنا (على نفس الذات) ويخرج بذلك المعاني لأنها لا تدل على معنى زائد على الذات، وكذلك «المعنوية» فإنها تستلزم المعاني فهي تدل على معنى زائد على الذات لاستلزامها المعاني"(1).
وبهذا يعلم أنه ليس عند هؤلاء من الإثبات إلا الصفات السبع التي يسمونها صفات المعاني وهي: الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، والكلام وما عداها من الصفات الثبوتية لا يثبتونها ولهم في نصوصها أحد طريقين إما التأويل أو التفويض وفي هذا يقول قائلهم:
وكل نص أوهم التشبيها
أوله أو فوضه ورم تنزيها(2)
فنصوص الصفات التي وردت في إثبات ما عدا الصفات السبع التي يثبتونها، يسمونها نصوصاً موهمة للتشبيه، فهم يصرفونها عن ظاهرها، ولكنهم تارة يعينون المراد كقولهم استوى: استولى، واليد: بمعنى النعمة والقدرة؛ وتارة يفوضون فلا يحددون المعنى المراد ويكلون علم ذلك إلى الله عز وجل.
ولكنهم يتفقون على نفي الصفة لأن ناظمهم يقول: (ورم تنزيهاً) وشارح الجوهرة يقول: (أو فوض) أي بعد التأويل الإجمالي الذي هو صرف اللفظ عن ظاهره، فبعد هذا التأويل فوض المراد من النص الموهم إليه تعالى(3).
__________
(1) تحفة المريد شرح جوهرة التوحيد (ص54).
(2) المصدر السابق (ص91).
(3) تحفة المريد (ص91)
(12/52)
فهم بذلك متفقون على نفي تلك الصفات، ويخيرون في تحديد المعنى المراد أو السكوت عن ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأبو المعالي وأتباعه نفوا هذه الصفات -أي الصفات الخبرية- موافقة للمعتزلة والجهمية. ثم لهم قولان:
أحدهما: تأويل نصوصها، وهو أول قولي أبي المعالي، كما ذكره في الإرشاد.
والثاني: تفويض معانيها إلى الرب، وهو آخر قولي أبي المعالي كما ذكره في "الرسالة النظامية" وذكر ما يدل على أن السلف كانوا مجمعين على أن التأويل ليس بسائغ ولا واجب.
ثم هؤلاء منهم من ينفيها ويقول: إن العقل الصريح نفى هذه الصفات. ومنهم من يقف ويقول: ليس لنا دليل سمعي ولا عقلي، لا على إثباتها ولا على نفيها، وهي طريقة الرازي والآمدي"(1)
الفصل الثالث
المشبهة
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: التعريف بالتمثيل والتشبيه.
المبحث الثاني: التعريف بالمشبهة.
المبحث الأول
التعريف بالتمثيل والتشبيه
المثيل لغة: الند والنظير.
والمماثلة: هي مساواة الشيء لغيره من كل وجه.
والمشابهة: هي مساواة الشيء لغيره من أغلب الوجوه.
والتمثيل: هو الاعتقاد في صفات الخالق أنها مثل صفات المخلوق.
وهو كقول الممثل: له يد كيدي، وسمع كسمعي، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.
والتمثيل والتشبيه هنا بمعنى واحد وإن كان هناك فرق بينهما في أصل اللغة(2).
والمقصود بالتشبيه هنا: هو التمثيل في نفس الذوات أو بالصفات القائمة بالذوات.
وهذا التشبيه منتف عن الله، وإنما خالف فيه المشبهة الممثلة الذين وصفهم الأئمة وذموهم. كما قال الإمام أحمد: "المشبه الذي يقول بصر كبصري، ويد كيدي، وقدم كقدمي، ومن قال هذا فقد شبه الله بخلقه"(3).
فكل قول يتضمن إثبات شيء من خصائص المخلوقين لله، فهذا هو التشبيه الممتنع على الله تعالى(4).
الفرق بين التمثيل والتكييف:
__________
(1) درء تعارض العقل والنقل (5/249).
(2) القواعد المثلى (ص27).
(3) نقض تأسيس الجهمية (1/476-477).
(4) درء تعارض العقل والنقل (4/146).
(12/53)
قيل أن التكييف هو: جعل الشيء على حقيقة معينة من غير أن يقيدها بمماثل(1).
كقول الهشامية: "طوله طول سبعة أشبار بشبر نفسه"، وقولهم: "طوله كعرضه"(2).
فالتكييف على هذا التعريف ليس فيه تقييد بمماثل.
وأما التمثيل: فهو اعتقاد أنها تماثل صفات المخلوقين.
ولعل الصواب أن التكييف أعم من التمثيل، فكل تمثيل تكييف لأن من مثل صفات الخالق بصفات المخلوقين فقد كيف تلك الصفة أي جعل لها حقيقة معينة مشاهدة.
وليس كل تكييف تمثيلاً؛ لأن من التكييف ما ليس فيه تمثيل بصفات المخلوقين كقولهم: "طوله كعرضه".
معنى قول أهل السنة (من غير تمثيل ولا تكييف)
مقصود أهل السنة بنفي المماثلة: أن خصائص الرب تعالى لا يوصف بها شيء من المخلوقات، ولا يماثله شيء من المخلوقات في شيء من صفاته وهذا ما دل عليه القرآن، قال تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيء} فهذا رد على المشبهة.
فمن جعل صفات الخالق مثل صفات المخلوقين فهو المشبه المبطل المذموم، ومن جعل صفات المخلوق مثل صفات الخالق فهو نظير النصارى في كفرهم"(3).
ومعنى قول أهل السنة (من غير تكييف) أي من غير كيف يعقله البشر، وليس المراد من قولهم (من غير تكييف) أنهم ينفون الكيف مطلقاً، فإن كل شيء لابد أن يكون على كيفية ما، ولكن المراد أنهم ينفون علمهم بالكيف إذ لا يعلم كيفية ذاته وصفاته إلا هو سبحانه(4).
فمن المعلوم أنه لا علم لنا بكيفية صفاته عز وجل لأنه تعالى أخبرنا عن الصفات ولم يخبرنا عن كيفيتها، فيكون تعمقنا في أمر الكيفية قفواً لما ليس لنا به علم، وقولاً بما لا يمكننا الإحاطة به.
وقد أخذ العلماء من قول الإمام مالك: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة" قاعدة ساروا عليها في هذا الباب.
مقصود المخالفين بنفي التشبيه:
__________
(1) القواعد المثلى (ص27).
(2) مقالات الإسلاميين (ص31).
(3) شرح الطحاوية (ص99).
(4) شرح العقيدة الطحاوية (ص21).
(12/54)
التشبيه في اصطلاح المتكلمين وغيرهم هو التمثيل، والمتشابهان هما المتماثلان، وهما ما سد أحدهما مسد صاحبه وقام مقامه وناب منابه(1).
ومقصود المتكلمين بنفي التشبيه: أن يراد به أنه لا يثبت لله شيء من الصفات، فلا يقال له قدرة، ولا علم، ولا حياة، لأن العبد موصوف بهذه الصفات، ولازم هذا القول أنه لا يقال له حي، عليم، قدير، لأن العبد يسمى بهذه الأسماء وكذلك كلامه وسمعه وبصره وإرادته وغير ذلك(2).
وأصل الخطأ والغلط توهمهم أن هذه الأسماء العامة الكلية يكون مسماها المطلق الكلي هو بعينه ثابتاً في هذا المعين وليس كذلك، فإن ما يوجد في الخارج لا يوجد مطلقاً كلياً، بل لا يوجد إلا معيناً مختصاً، وهذه الأسماء إذا سمي الله بها كان مسماها معيناً مختصاً به.
فإذا سمي بها العبد كان مسماها مختصاً به، فوجود الله وحياته لا يشاركه فيها غيره، بل وجود هذا الموجود المعين لا يشاركه فيه غيره، فكيف بوجود الخالق.
وبهذا ومثله يتبين لك أن المشبهة أخذوا هذا المعنى فزادوا فيه على الحق فضلوا. وأن المعطلة أخذوا نفي المماثلة بوجه من الوجوه وزادوا فيه على الحق حتى ضلوا. وإن كتاب الله دل على الحق المحض الذي تعقله العقول السليمة الصحيحة، وهو الحق المعتدل الذي لا انحراف فيه(3).
أقسام التمثيل:
قال ابن القيم: "حقيقة الشرك هو:
1ـ التشبه بالخالق.
2ـ التشبيه للمخلوق به.
هذا هو التشبيه في الحقيقة"(4).
وإذا كان التشبيه هو حقيقة الشرك كما ذكر ابن القيم، فإنه يمكن توضيح صوره بناءً على أقسام التوحيد الثلاثة المعروفة وذلك على النحو التالي:
أولاً: التمثيل في جانب الربوبية
وينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: التشبيه للمخلوق به، ومثاله:
1ـ شرك القدرية القائلين بأن العبد هو الذي يخلق أفعال نفسه، وأنها تحدث بدون مشيئة الله وقدرته.
__________
(1) نقض تأسيس الجهمية (1/476).
(2) شرح العقيدة الطحاوية (ص99).
(3) شرح الطحاوية (ص104) بتصرف.
(4) الجواب الكافي (159).
(12/55)
2ـ شرك غلاة عباد القبور الذين يعتقدون في أصحاب القبور أنهم يتصرفون وينفعون ويضرون من دون الله.
ولا شك أن من خصائص الرب التفرد بملك الضر والنفع والعطاء والمنع، وذلك يوجب تعليق الدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل به وحده. فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق، وجعل ما لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، -فضلاً عن غيره- شبيهاً لمن له الأمر كله، فأزمة الأمور كلها بيده، ومرجعها إليه، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع.
فمن أقبح التشبيه: تشبيه هذا العاجز الفقير بالذات، بالقادر الغني بالذات(1).
القسم الثاني: التشبه بالخالق، ومن أمثلته:
1ـ من تعاظم وتكبر ودعا الناس إلى إطرائه في المدح والتعظيم(2).
ففي الصحيح عنه رضي الله عنه قال: "يقول الله عز وجل: العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحداً منهما عذبته".
ثانياً: التمثيل في جانب الألوهية
وينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: التشبيه للمخلوق به، ومن أمثلة ذلك:
السجود لغير الله، والذبح لغير الله، والتوبة لغير الله، والحلف بغير الله.
فمن خصائص الإلهية، العبودية التي قامت على ساقين لا قوام لها بدونهما:
1ـ غاية الحب
2ـ مع غاية الذل
هذا تمام العبودية، وتفاوت منازل الخلق فيها بحسب تفاوتهم في هذين الأصلين. فمن أعطى حبه وذله وخضوعه لغير الله فقد شبهه في خالص حقه.
فإذا عرف هذا، فمن خصائص الإلهية السجود، فمن سجد لغيره فقد شبه المخلوق به.
ومنها التوكل، فمن توكل على غيره فقد شبهه به.
ومنها التوبة، فمن تاب لغيره فقد شبهه به.
ومنها الحلف باسمه تعظيماً وإجلالاً له، فمن حلف بغيره فقد شبهه به(3).
القسم الثاني: التشبه به، ومثاله:
__________
(1) الجواب الكافي (ص159-160).
(2) المصدر السابق (ص161).
(3) انظر الجواب الكافي (ص160-161).
(12/56)
من دعا الناس إلى تعليق القلب به خوفاً، ورجاءً، وتوكلاً، والتجاءً، واستعانةً(1)، كما يفعله بعض مشايخ طرق الصوفية مع مريديهم.
أقسام التمثيل في باب الأسماء والصفات:
ينقسم التمثيل في باب الأسماء والصفات إلى قسمين:
القسم الأول: تمثيل المخلوق بالخالق
وهذا ما زعمه النصارى في شأن عيسى عليه السلام إذ أعطوه خصائص الخالق عز وجل وجعلوه إلهاً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والنصارى يصفون المخلوق بصفات الخالق التي يختص بها، ويشبهون المخلوق بالخالق، حيث قالوا: إن الله هو المسيح بن مريم، وإن الله ثالث ثلاثة، وقالوا المسيح ابن الله"(2).
ومن هذا القسم كذلك السبيئة(3) من غلاة الروافض: الذين شبهوا علياً رضي الله عنه بالله، وجعلوه إلهاً، وقالوا: أنت الله حتى حرقهم، فإنه خرج ذات يوم فسجدوا له. فقال لهم: ما هذا؟ فقالوا: أنت هو. قال: من أنا؟ قالوا: أنت الله الذي لا إله إلا هو.
فقال: ويحكم هذا كفر، فارجعوا عنه، وإلا ضربت أعناقكم، فصنعوا به في اليوم الثاني والثالث كذلك، فأخرهم ثلاثة أيام -لأن المرتد يستتاب ثلاثة أيام- فلما لم يرجعوا، أمر بأخاديد من نار فخدت عند باب كندة، وقذفهم في تلك النار، وروي عنه أنه قال:
لما رأيت الأمر أمراً منكراً
أججت ناري ودعوت قنبراً"(4)
القسم الثاني: تشبيه الخالق بالمخلوق
__________
(1) المصدر السابق (ص161).
(2) منهاج السنة (5/169).
(3) السبيئة: نسبة إلى عبد الله بن سبأ اليهودي، الذي أظهر الإسلام، وكاد للمسلمين كيداً عظيماً، وهو الذي قال لعلي: أنت الله. انظر: الفرق بين الفرق (ص233)، والملل والنحل (1/174).
(4) منهاج السنة (1/307).
(12/57)
وهذا ما زعمه اليهود قاتلهم الله إذ وصفوا الخالق ببعض صفات المخلوقين، كما ذكر الله ذلك عنهم في كتابه العزيز حيث قال: {لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء} [آل عمران:181]، وقال تعالى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ} [المائدة:64].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فاليهود تصف الرب بصفات النقص التي يتصف بها المخلوق، كما قالوا: إنه بخيل، وإنه فقير، وإنه لما خلق السموات والأرض تعب"(1).
وإنّه رمد وعادته الملائكة وإنّه بكى على طوفان نوح عليه السلام(2).
ويدخل في هذا القسم المشبهة الذين جعلوا ما ورد من صفات الله جل وعلا مماثلاً ومشابهاً لصفات المخلوقين كقولهم له يد كيدي، وسمع كسمعي، وبصر كبصري.
المبحث الثاني
التعريف بالمشبهة
توحيد الأسماء والصفات له ضدان هما:
1ـ التعطيل
2ـ التمثيل
ولذلك ذم السلف والأئمة، المعطلة النفاة للصفات، وذموا المشبهة أيضاً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن السلف والأئمة كثر كلامهم في ذم الجهمية النفاة للصفات، وذموا المشبهة أيضاً، وذلك في كلامهم أقل بكثير من ذم الجهمية، لأن مرض التعطيل أعظم من مرض التشبيه".
وتقوم عقيدة أهل التمثيل على دعواهم أن الله عز وجل لا يخاطبنا إلا بما نعقل، فإذا أخبرنا عن اليد فنحن لا نعقل إلا هذه اليد الجارحة، فشبهوا صفات الخالق بصفات المخلوقين، فقالوا له يد كيدي، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
لكن المشبهة لا يمثلون الخالق بالمخلوق من كلّ وجه وإنما قالوا بإثبات التماثل من وجه والاختلاف من وجه.
__________
(1) منهاج السنة (5/168).
(2) منهاج السنة (2/627).
(12/58)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "مع أن مقالة المشبهة الذين يقولون: يد كيدي، وقدم كقدمي، وبصر كبصري، مقالة معروفة، وقد ذكرها الأئمة كيزيد بن هارون، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم، وأنكروها وذموها، ونسبوها إلى مثل داود الجواربي البصري وأمثاله. ولكن مع هذا صاحب هذه المقالة لا يمثله بكل شيء من الأجسام، بل ببعضها، ولابد مع ذلك أن يثبتوا التماثل من وجه، لكن إذا أثبتوا من التماثل ما يختص بالمخلوقات كانوا مبطلين على كل حال"(1).
وأكثر من عرف بمقالة التشبيه قدماء الرافضة:
فأول من تكلم في التشبيه هم طوائف من الشيعة(2) وإن التشبيه والتجسيم المخالف للعقل والنقل لا يُعرف في أحد من طوائف الأمة أكثر منهم في طوائف الشيعة.
وهذه كتب المقالات كلها تخبر عن أئمة الشيعة المتقدمين من المقالات المخالفة للعقل والنقل في التشبيه والتجسيم بما لا يعرف نظيره عن أحد من سائر الطوائف.
وقدماء الإمامية ومتأخروهم متناقضون في هذا الباب، فقدماؤهم غلو في التشبيه والتجسيم، ومتأخروهم غلو في النفي والتعطيل"(3).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فهذه المقالات التي نقلت في التشبيه والتجسيم لم نر الناس نقلوها عن طائفة من المسلمين أعظم مما نقلوها عن قدماء الرافضة. ثم الرافضة حُرِموا الصواب في هذا الباب كما حُرِموه في غيره، فقدماؤهم يقولون بالتجسيم الذي هو قول غلاة المجسمة، ومتأخروهم يقولون بتعطيل الصفات موافقة لغلاة المعطلة من المعتزلة ونحوهم، فأقوال أئمتهم دائرة بين التعطيل والتمثيل، لم تعرف لهم مقالة متوسطة بين هذا وهذا"(4).
وأما قدماؤهم فهم:
__________
(1) درء تعارض العقل والنقل (4/145).
(2) نقض تأسيس الجهمية (1/54)، ومنهاج السنة (2/217).
(3) منهاج السنة (2/103).
(4) منهاج السنة (2/242-243).
(12/59)
1ـ البيانية: من غالية الشيعة وهم أتباع بيان بن سمعان التيمي الذي كان يقول: إن الله على صورة الإنسان وإنه يهلك كله إلا وجهه، وادعى بيان أنه يدعو الزُهَرَة فتجيبه، وأنه يفعل ذلك بالاسم الأعظم، فقتله خالد ابن عبد الله القسري(1).
2ـ المغيرية: وهم أصحاب المغيرة بن سعيد، ويزعمون أنه كان يقول إنه نبي وإنه اسم الله الأكبر وإن معبودهم رجل من نور على رأسه تاج، وله من الأعضاء والخلق مثل ما للرجل، وله جوف وقلب تنبع منه الحكمة، وإن حروف (أبي جاد) على عدد أعضائه، قالوا: والألف موضع قدمه لاعوجاجها، وذكر الهاء فقال: لو رأيتم موضعها منه لرأيتم أمراً عظيما، يعرِّض لهم بالعورة وبأنه قد رآه، لعنه الله وأخزاه(2).
3ـ الهشامية: ويسمون بالهشامية نسبة إلى هشام بن الحكم الرافضي، وأحياناً تنسب إلى هشام بن سالم الجواليقي، وكلاهما من الإمامية المشبهة، والجدير بالذكر أن الرافضة الإمامية كان ينتشر فيهم التشبيه وهذا في أوائلهم(3).
4ـ الجواربية: أتباع داود الجواربي الذي وصف معبوده بأن له جميع أعضاء الإنسان إلا الفرج واللحية(4).
وقال: "أعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عما وراء ذلك"(5). تعالى الله عما يقوله علواً كبيراً.
وقال الأشعري في المقالات: "وقال داود الجواربي: إن الله جسم، وأن له جُثةٌ وأنه على صورة الإنسان له لحم ودم وشعر وعظم، له جوارح وأعضاء من يد ورجل ولسان ورأس وعينين، وهو مع هذا لا يشبه غيره ولا يشبهه غيره"(6).
وحكي عن داود الجواربي أنه كان يقول: إنه أجوف من فِيهِ إلى صدره، مُصْمَتٌ ما سوى ذلك(7).
__________
(1) مقالات الإسلاميين (ص5)، منهاج السنة (2/502).
(2) مقالات الإسلاميين (ص7)، منهاج السنة (2/503-504).
(3) شرح الأصفهانية (ص65).
(4) الفرق بين الفرق (ص228)، مقالات الإسلاميين (1/183)، ودرء تعارض العقل والنقل (4/145).
(5) الملل والنحل للشهرستاني (1/105).
(6) المقالات (1/209).
(7) منهاج السنة (2/618).
(12/60)
قال أبو الحسن الأشعري في كتاب "مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين": "اختلف الروافض وأصحاب الإمامة في التجسيم وهم ست فرق:
فالفرقة الأولى: (الهشامية)، أصحاب هشام بن الحكم الرافضي.
يزعمون أن معبودهم جسم، وله نهاية وحَدٌّ، طويل، عريض، عميق، طوله مثل عرضه، وعرضه مثل عمقه، لا يُوفي بعضه على بعض، وزعموا أنه نور ساطع، له قدر من الأقدار، في مكان دون مكان، كالسبيكة الصافية، يتلألأ كاللؤلؤة المستديرة من جميع جوانبها، ذو لون وطعم، ورائحة، ومجسَّة، لونه هو طعمه، وطعمه هو رائحته" وذكر كلاماً طويلاً.
وذكر عن هشام أنه قال في ربه في عام واحد خمسة أقاويل، زعم مرة أنه كالبلورة، وزعم مرة أنه كالسبيكة، وزعم مرة أنه غير صورة، وزعم مرة أنه بشبر نفسه سبعة أشبار ثم رجع عن ذلك وقال: هو جسم لا كالأجسام.
الفرقة الثانية: من الرافضة يزعمون أن ربهم ليس بصورة ولا كالأجسام، وإنما يذهبون في قولهم: إنه جسم، إلى أنه موجود، ولا يثبتون الباري ذا أجزاء مؤتلفة وأبعاض متلاصقة ويزعمون أن الله على العرش مستو بلا مماسة ولا كيف.
الفرقة الثالثة: من الرافضة، يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان، ويمنعون أن يكون جسماً.
الفرقة الرابعة: من الرافضة (الهشامية) أصحاب هشام بن سالم الجواليقي، يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان وينكرون أن يكون لحماً ودماً. ويقولون: هو نور ساطع يتلألأ بياضاً، وأنه ذو حواس خمس كحواس الإنسان، له يد، ورجل، وأنف، وأذن، وعين، وفم، وأنه يسمع بغير ما يبصر به وكذلك سائر حواسه متغايرة عنده.
وحكى أبو عيسى الوراق أن هشام بن سالم كان يزعم أن لربه وَفْرَة(1) سوداء وأن ذلك نور أسود.
__________
(1) الوفرة، الشعر المجتمع على الرأس، أو ما سال على الأذنين، أو ما جاوز شحمة الأذن. القاموس المحيط.
(12/61)
الفرقة الخامسة: يزعمون أن لرب العالمين ضياءً خالصاً، ونوراً بحتاً، وهو كالمصباح الذي من حيث جئته يلقاك بأمر واحد، وليس بذي صورة ولا أعضاء، ولا اختلاف في الأجزاء. وأنكروا أن يكون على صورة الإنسان أو على صورة شيء من الحيوان.
الفرقة السادسة: من الرافضة يزعمون أن ربهم ليس بجسم ولا بصورة ولا يشبه الأشياء ولا يتحرك ولا يسكن ولا يماس. وقالوا في التوحيد بقول المعتزلة والخوارج، وهؤلاء قوم من متأخريهم، فأما أوائلهم فإنهم كانوا يقولون ما حكينا عنهم من التشبيه.
قال شيخ الإسلام: "وأما متأخريهم من عهد بني بويه ونحوهم من أوائل المائة الرابعة ونحو ذلك فإنهم صار فيهم من يوافق المعتزلة في توحيدهم وعدلهم"(1).
وقال أيضاً: "وكتب الشيعة مملوءة بالاعتماد في ذلك -يعنى مسائل الصفات والقدر- على طرق المعتزلة وهذا كان في أواخر المائة الثالثة، وكثر في المائة الرابعة لما صنف لهم المفيد وأتباعه كالموسوي والطوسي.
وأما قدماء الشيعة فالغالب عليهم ضد هذا القول، كما هو قول الهشامية وأمثالهما.
فالرافضة الإمامية وكذلك الزيدية على عقيدة المعتزلة في مسائل الصفات إلى يومنا هذا.
غلاة المتصوفة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "قال الأشعري: وفي الأمة قوم ينتحلون النسك، يزعمون أنه جائز على الله تعالى الحلول في الأجسام، وإذا رأوا شيئاً يستحسنونه قالوا: لا ندري، لعل، ربما، هو.
ومنهم من يقول: إنه يرى الله في الدنيا على قدر الأعمال، فمن كان عمله أحسن رأى معبوده أحسن.
ومنهم من يجوِّز على الله تعالى المعانقة والملامسة والمجالسة في الدنيا، ومنهم من يزعم أن الله تعالى ذو أعضاء وجوارح وأبعاض: لحم ودم على صورة الإنسان له ما للإنسان من الجوارح.
وكان من الصوفية رجل يُعرف بأبي شعيب يزعم أن الله يسر ويفرح بطاعة أوليائه، ويغتم ويحزن إذا عَصَوْهُ.
__________
(1) نقض تأسيس الجهمية (1/54).
(12/62)
وفي النسَّاك قوم يزعمون أن العبادة تبلغ بهم إلى منزلة تزول عنهم العبادات، وتكون الأشياء المحظورات على غيرهم -من الزنا وغيره- مباحات لهم. وفيهم من يزعم أن العبادة تبلغ بهم إلى أن يروا الله، ويأكلوا من ثمار الجنة، ويعانقوا الحور العين في الدنيا، ويحاربوا الشياطين.
ومنهم من يزعم أن العبادة تبلغ بهم إلى أن يكونوا أفضل من النبيين والملائكة المقربين.
وقلت: هذه المقالات التي حكاها الأشعري -وذكروا أعظم منها- موجودة في الناس قبل هذا الزمان. وفي هذا الزمان منهم من يقول بحلوله في الصور الجميلة، ويقول إنه بمشاهدة الأمرد يشاهد معبوده أو صفات معبوده أو مظاهر جماله، ومن هؤلاء من يسجد للأمرد. ثم من هؤلاء من يقول بالحلول والاتحاد العام، لكنه يتعبد بمظاهر الجمال، لما في ذلك من اللذة له، فيتخذ إلهه هواه، وهذا موجود في كثير من المنتسبين إلى الفقر والتصوف. ومنهم من يقول إنه يرى الله مطلقاً ولا يعيِّن الصورة الجميلة، بل يقولون إنهم يرونه في صور مختلفة. ومنهم من يقول: إن المواضع المخضرَّة خطا عليها، وإنما اخضرت من وطئه عليها، وفي ذلك حكايات متعددة يطول وصفها.
وأما القول بالإباحة وحل المحرمات -أو بعضها- للكاملين في العلم والعبادة فهذا أكثر من الأول، فإن هذا قول أئمة الباطنية القرامطة الإسماعيلية وغير الإسماعيلية وكثير من الفلاسفة، ولهذا يُضرب بهم المثل فيقال: فلان يستحل دمي كاستحلال الفلاسفة محظورات الشرائع، وقول كثير ممن ينتسب إلى التصوف والكلام، وكذلك من يفضل نفسه أو متبوعه على الأنبياء، موجود كثير في الباطنية والفلاسفة وغلاة المتصوفة وغيرهم، وبسط الكلام على هذا له موضع آخر.
ففي الجملة هذه مقالات منكرة باتفاق علماء السنة والجماعة، وهي -وأشنع منها- موجودة في الشيعة.
(12/63)
وكثير من النسَّاك يظنون أنهم يرون الله في الدنيا بأعينهم، وسبب ذلك أنه يحصل لأحدهم في قلبه بسبب ذكر الله تعالى وعبادته من الأنوار ما يغيب به عن حسه الظاهر، حتى يظن أن ذلك شيء يراه بعينه الظاهرة، وإنما هو موجود في قلبه.
ومن هؤلاء من تخاطبه تلك الصورة التي يراها خطاب الربوبية ويخاطبها أيضاً بذلك، ويظن أن ذلك كله موجود في الخارج عنه، وإنما هو موجود في نفسه، كما يحصل للنائم إذا رأى ربه في صورة بحسب حاله. فهذه الأمور تقع كثيراً في زماننا وقبله، ويقع الغلط منهم حيث يظنون أن ذلك موجود في الخارج.
وكثير من هؤلاء يتمثل له الشيطان، ويرى نوراً أو عرشاً أو نوراً على العرش، ويقول: أنا ربك. ومنهم من يقول: أنا نبيك، وهذا قد وقع لغير واحد. ومن هؤلاء من تخاطبه الهواتف بخطاب على لسان الإلهية أو غير ذلك، ويكون المخاطب له جنياًّ، كما قد وقع لغير واحد.
لكن بسط الكلام على ما يُرى ويُسمع وما هو في النفس والخارج، وتمييز حقه من باطله ليس هذا موضعه، وقد تكلمنا عليه في غير هذا الموضع.
وكثير من الجهَّال أهل الحال وغيرهم يقولون: إنهم يرون الله عياناً في الدنيا، وأنه يخطو خطوات"(1).
فأدخلوا في ذلك من الأمور ما نفاه الله ورسوله، حتى قالوا: إنه يُرى في الدنيا بالأبصار، ويصافح، ويعانق، وينزل إلى الأرض، وينزل عشية عرفة راكباً على جمل أورق يعانق المشاة ويصافح الركبان. وقال بعضهم: إنه يندم ويبكى ويحزن، وعن بعضهم أنه لحم ودم، ونحو ذلك من المقالات التي تتضمن وصف الخالق جل جلاله بخصائص المخلوقين.
__________
(1) منهاج السنة (2/622-625).
(12/64)
والله سبحانه منزه عن أن يوصف بشيء من الصفات المختصة بالمخلوقين، وكل ما اختص بالمخلوق فهو صفة نقص، والله تعالى منزَّه عن كل نقص ومستحق لغاية الكمال، وليس له مثل في شيء من صفات الكمال، فهو منزه عن النقص مطلقاً، ومنزه في الكمال أن يكون له مثل، كما قال تعالى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ . اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص 1-4]، فبين أنه أحدٌ صمدٌ، واسمه الأحد يتضمن نفي المثل، واسمه الصمد يتضمن جميع صفات الكمال، كما قد بيَّنا ذلك في الكتاب المصنَّف في تفسير قل هو الله أحد"(1).
من نُسب إلى التشبيه:
الكرامية:
الفرق بين التشبيه والتجسيم:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وفي الجملة الكلام في التمثيل والتشبيه ونفيه عن الله مقام، والكلام في التجسيم ونفيه مقام آخر.
فإن الأول دل على نفيه الكتاب والسنة وإجماع السلف والأئمة، واستفاض عنهم الإنكار على المشبهة الذين يقولون: يد كيدي، وبصر كبصري، وقدم كقدمي.
وقد قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيء} [الشورى 11]، وقال تعالى: {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص 4]، وقال: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِّيَا} [مريم 65]، وقال تعالى {فَلاَ تَجْعَلُوا لله أَنْدَاداً} [البقرة 22]. وأيضا فنفي ذلك معروف بالدلائل العقلية التي لا تقبل النقيض، وأما الكلام في الجسم والجوهر، ونفيهما أو إثباتهما، فبدعة ليس لها أصل في كتاب الله ولا سنة رسوله، ولا تكلم أحد من السلف والأئمة بذلك نفياً ولا إثباتاً.
والنزاع بين المتنازعين في ذلك: بعضه لفظي، وبعضه معنوي، أخطأ هؤلاء من وجه وأخطأ هؤلاء من وجه.
فإن كان النزاع مع من يقول: هو جسم أو جوهر، إذا قال: لا كالأجسام ولا كالجواهر، وإنما هو في اللفظ.
فمن قال: هو كالأجسام والجواهر، يكون الكلام معه بحسب ما يفسره من المعنى.
__________
(1) منهاج السنة (2/528-530).
(12/65)
فإن كان فسر ذلك بالتشبيه الممتنع على الله تعالى، كان قوله مردوداً.
وذلك بأن يتضمن قوله إثبات شيء من خصائص المخلوقين لله، فكل قول تضمن هذا فهو باطل.
وإن فسر قوله: جسم لا كالأجسام بإثبات معنى آخر، مع تنزيه الرب عن خصائص المخلوقين، كان الكلام معه في ثبوت ذلك المعنى وانتفائه.
فلابد أن يلحظ في هذا إثبات شيء من خصائص المخلوقين للرب أولا، وذلك مثل أن يقول: أصفه بالقدر المشترك بين سائر الأجسام والجواهر، كما أصفه بالقدر المشترك بينه وبين سائر الموجودات، وبين كل حي عليم سميع بصير، وإن كنت لا أصفه بما تختص به المخلوقات، وإلا فلو قال الرجل: هو حي لا كالأحياء، وقادر لا كالقادرين، وعليم لا كالعلماء، وسميع لا كالسمعاء، وبصير لا كالبصراء، ونحو ذلك، وأراد بذلك نفي خصائص المخلوقين، فقد أصاب.
وإن أراد نفي الحقيقة التي للحياة والعلم والقدرة ونحو ذلك، مثل أن يثبت الألفاظ وينفي المعنى الذي أثبته الله لنفسه، وهو من صفات كماله، فقد أخطأ.
إذا تبين هذا فالنزاع بين مثبتة الجوهر والجسم ونفاته، يقع من جهة المعنى فسر شيئين: أحدهما: أنهم متنازعون في تماثل الأجسام والجواهر على قولين معروفين.
فمن قال بتماثلها، قال: كل من قال: إنه جسم لزمه التمثيل.
ومن قال إنها لا تتماثل، قال: إنه لا يلزمه التمثيل.
ولهذا كان أولئك يسمون المثبتين للجسم مشبهة، بحسب ما ظنوه لازماً لهم، كما يسمى نفاة الصفات لمثبتيها مشبهة ومجسمة، حتى سموا جميع المثبة للصفات مشبهة، ومجسمة، وحشوية، وغثاء، وغثراء، ونحو ذلك، بحسب ما ظنوه لازماً لهم.
لكن إذا عرف أن صاحب القول لا يلتزم هذه اللوازم، لم يجز نسبتها إليه على أنها قول له، سواء كانت لازمة في نفس الأمر أو غير لازمة، بل إن كانت لازمة مع فسادها، دل على فساد قوله.
التعريف بالكرامية:
الكرامية(1)
__________
(1) يبلغ عدد طوائف الكرامية اثنتا عشرة فرقة وأصولها ستة هي:
1- العابدية، 2- النونية، 3- الزرينية، 4- الإسحاقية، 5- الواحدية، 6- الهيصمية.
"وهم في باب الإيمان مرجئة يقولون: إن الإيمان هو القول فقط فمن تكلم به فهو مؤمن كامل الإيمان، لكن إن كان مقراً بقلبه كان من أهل الجنة، وإن كان مكذباً بقلبه كان منافقاً مؤمناً من أهل النار، وبعض الناس يجكي عنهم أنه من تكلم به بلسانه دون قلبه فهو من أهل الجنة، وهو غلط عليهم، بل يقولون إنه مؤمن كامل الإيمان وإنه من أهل النار". انظر مجموع الفتاوى (13/56).
وانظر الكلام عن الكرامية في الفصل لابن حزم (4/45، 204-205)، لسان الميزان (5/353-356)، والفرق بين الفرق (ص130-137)، والملل والنحل (1/180-193).
(12/66)
هم أتباع محمد بن كرام بن عراق بن حزبة السجستاني المتوفى سنة (255هـ).
وهم في باب الصفات يثبتونها ولكنهم خالفوا أهل السنة في مسألتين:
المسألة الأولى: أنهم يبالغون في الإثبات ويخوضون في شأن الكيفية، ودخل عليهم ذلك من جهة إطلاقهم لألفاظ مبتدعة كلفظ (الجسم)، و(المماسة).
ومن بدع الكرامية أنهم يقولون في المعبود إنه جسم لا كالأجسام(1).
ومن بدعهم قولهم: إن الأزلي الخالق جسم لم يزل ساكنا(2).
ويقولون: إن الله جسم قديم أزلي، وإنه لم يزل ساكناً ثم تحرك لما خلق العالم، ويحتجون على حدوث الأجسام المخلوقة بأنها مركبة من الجواهر المفردة، فهي تقبل الاجتماع والافتراق، ولا تخلوا من اجتماع وافتراق، وهي أعراض حادثة لا تخلو منها، ومالا يخلو من الحوادث فهو حادث.
وأما الرب فهو عندهم واحد لا يقبل الاجتماع والافتراق، ولكنه لم يزل ساكناً. والسكون عندهم أمر عدمي، وهو عدم الحركة عمَّا من شأنه أن يتحرك، كما يقول ذلك من يقوله من المتفلسفة. وهؤلاء يقولون: إن الباري لم يزل خالياً من الحوادث حتى قامت به، بخلاف الأجسام المركَّبة من الجواهر المفردة، فإنها لا تخلو من الاجتماع والافتراق(3).
ويقولون: إن الصفات والأفعال لا تقوم إلا بجسم، ويجوزون وجود جسم ينفك من قيام الحوادث به ثم يحدث فتقوم به بعد ذلك(4).
ويقول ابن كرام: إن الله مماس للعرش من الصفحة العليا(5).
ويقول كذلك: له حد من الجانب الذي ينتهي إلى العرش ولا نهاية له(6).
وقد غالى أتباع ابن كرام في شأن الكيفية فزعم بعضهم أنه تعالى على بعض أجزاء العرش(7).
__________
(1) لسان الميزان (5/354).
(2) درء تعارض العقل والنقل (3/6).
(3) درء تعارض العقل والنقل (7/227).
(4) المصدر السابق (5/246).
(5) الفرق بين الفرق (ص198)، والملل والنحل (1/108-109).
(6) التبصير في الدين (ص112).
(7) الملل والنحل (1/109).
(12/67)
وادعى بعضهم أن العرش امتلأ به بحيث لا يزيد على عرشه من جهة المماسة، ولا يفضل منه شيء على العرش(1).
المسألة الثانية: إن الكرامية يثبتون الصفات بما فيها أن الله تعالى تقوم به الأمور التي تتعلق بمشيئته وقدرته، ولكن ذلك عندهم حادث بعد أن لم يكن، أنه يصير موصوفاً بما يحدث بقدرته ومشيئته بعد أن لم يكن كذلك، وقالوا: لا يجوز أن تتعاقب عليه الحوادث، ففرقوا في الحوادث بين تجددها ولزومها، فقالوا بنفي لزومها دون حدوثها.
فعندهم أن الله يتكلم بأصوات تتعلق بمشيئته وقدرته، وأنه تقوم به الحوادث المتعلقة بمشيئته وقدرته، لكن ذلك حادث بعد أن لم يكن، وأن الله في الأزل لم يكن متكلماً إلا بمعنى القدرة على الكلام، وأنه يصير موصوفاً بما يحدث بقدرته ومشيئته بعد أن لم يكن كذلك(2).
ومعلوم أن عقيدة السلف تقوم على إثبات جميع الصفات الذاتية منها والفعلية، وأثبتوا أن الله متصف بذلك أزلاً، وأن الصفات الناشئة عن الأفعال موصوف بها في القدم، وإن كانت المفعولات محدثة(3).
مقاتل بن سليمان:(4)
__________
(1) الفرق بين الفرق (ص199)، وأصول الدين للبغدادي (ص73، 112)، والملل والنحل (1/109).
(2) انظر مجموع الفتاوى (6/524-525)، ودرء تعارض العقل والنقل (2/76).
(3) انظر مجموع الفتاوى (6/149، 520-525).
(4) هو أبو الحسن مقاتل بن سليمان بن بشير، الأزدي بالولاء، البلخي، الخراساني، المروزي، أصله من بلخ وانتقل إلى البصرة ودخل بغداد وحدث بها. ذكره الذهبي في آخر ترجمة ابن حيان (تذكرة الحفاظ 1/174) وقال: (فأما مقاتل بن سليمان المفسر فكان في هذا الوقت، وهو متروك الحديث، وقد لطخ بالتجسيم مع أنه كان من أوعية العلم بحراً في التفسير). وقد توفي بالبصرة سنة (150هـ). وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب (10/279-285)، ميزان الاعتدال (3/196-197)، تاريخ بغداد (13/160-169)، وفيات الأعيان (4/341-343).
(12/68)
نُسب إلى مقاتل بن سليمان المفسر أنه من المشبهة وذكروا أنه هو الذي قال فيه الإمام أبو حنيفة: "أتانا من المشرق رأيان خبيثان؛ جهم معطل، ومقاتل مشبه"(1).
وقال ابن حبان:"كان يأخذ من اليهود والنصارى من علم القرآن الذي وافق كتبهم، وكان يشبه الرب بالمخلوقات وكان يكذب في الحديث"(2).
وقال أبو الحسن الأشعري في "المقالات": "وقال داود الجواربي ومقاتل بن سليمان: إن الله جسم وإنه جثة على صورة الانسان لحمٌ ودمٌ وشعر وعظم، له جوارح وأعضاء من يد ورجل ولسان وعينين وهو مع هذا لا يشبه غيره ولا يشبهه"(3).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما مقاتل فالله أعلم بحقيقة حاله، والأشعري ينقل هذه المقالات من كتب المعتزلة، وفيهم انحراف على مقاتل بن سليمان، فلعلهم زادوا في النقل عنه، أو نقلوا عنه، أو نقلوا عن غير ثقة، وإلا فما أظنه يصل إلى هذا الحد. وقد قال الشافعي: من أراد التفسير فهو عيال على مقاتل، ومن أراد الفقه فهو عيال على أبي حنيفة. ومقاتل بن سليمان وإن لم يكن ممن يحتج به في الحديث -بخلاف مقاتل بن حيان فإنه ثقة- لكن لا ريب في علمه في التفسير وغيره واطلاعه، كما أن أبا حنيفة وإن كان الناس خالفوه في أشياء وأنكروها عليه، فلا يستريب أحد في فقهه وفهمه وعلمه، وقد نقلوا عنه أشياء يقصدون بها الشناعة عليه، وهي كذب عليه قطعاً، مثل مسألة الخنزير البري ونحوها، وما يبعد أن يكون النقل عن مقاتل من هذا الباب"(4).
وجاء في "وفيات الأعيان" في ترجمة مقاتل بن سليمان: "حكي عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه قال: الناس كلهم عيال على ثلاثة، على مقاتل بن سليمان في التفسير، وعلى زهير بن أبي سلمى في الشعر، وعلى أبي حنيفة في الكلام"(5).
__________
(1) لسان الميزان (10/281).
(2) ميزان الاعتدال (4/175).
(3) المقالات (ص209).
(4) منهاج السنة (2/618-620).
(5) وفيات الأعيان (4/341).
(12/69)