قال الشهاب محمود في تاريخه: كان بداية أمره خطيباً بجبلة من أعمال الساحل، ثم اتصل بالملك الناصر صلح الدين يوسف وصار من خواصه، ولما ملك دمشق ولاه شد الدواوين، وكان عز الدين المذكور يظهر النسك، ولما انقضت الدولة الناصرية وافتضت المملكة إلى الملك الظاهر بيبرس البندقداري ولاه وزارة الشام، فلما ولي الأمير جمال الدين أقوش النجيبي نيابة الشام حصل بينهما وحشة، فإن الأمير أقوش كان من أهل السنة وابن وداعة المذكور عنده تشيع، فكان الأمير أقوش في كل وقت يسمعه من الكلام ما يؤلمه، فكتب عز الدين المذكور إلى الملك الظاهر يذكر أن الأموال تنكر ويساق إلى الباقي، وتحتاج الشام إلى مشد تركي شديد البأس والمهابة، وتكون الولايات والعزل راجعة إليه، وكان قصده بذلك رفع يد الأمير أقوش عن ذلك، وتوهم أن المشد الذي يتولى يكون بحكمه، وكان في الشد حسام الدين المسعودي، وهو شيخ عاقل، فرتب الملك الظاهر في الشد الأمير علاء الدين كشتغدي الشقيري، فلم يلبث أن وقع بين عز الدين وبين كشتغدي المذكور أيضاً وصار كشتغدي يهينه بأنواع الهوان، فيشكو ما يلقي إلى الأمير أقوش، فيقول له أنت طلبت مشداً تركياً، ثم إن كشتغدي الشقيري كتب في حق عز الدين إلى الملك الظاهر وأوغر صدره عليه، فورد عليه الجواب بمصادرته، فأخذ خطه بجملة عظيمة يقصر عنها ماله، وأفض به الحال إلى أن ضربه وعصره وعلقه، وجرى عليه من المكاره مالاً يوصف وباع موجوده وأماكن كان وقفها، ثم طلب إلى الديار المصرية فتوجه إليها، وحدثته نفسه بالعود إلى رتبته فأدركته منيته بالديار المصرية، ولم يخلف ولداً، ولا رزقه الله عمرة، وله وقف على وجوه البر، وبنى بجبل قاسيون تربة ومسجداً عمارة حسنة، وتوفي سنة ست وستين وستمائة رحمه الله.
؟1448 - سبط ابن الجوزي
... - 666ه؟ ... - 1267م
عبد العزيز بن يوسف بن قزاغلي، الإمام عز الدين بن العلامة أبي المظفر سبط ابن الجوزي صاحب مرآة الزمان.
مولده بدمشق، وتفقه وبرع في المذهب، وعد من الفقهاء الحنفية، ودرس بالعزية التي تعرف بالميدان الكبير بعد والده، وكان ذكياً وله فهم جيد وتصور صحيح، واشتغال كبير، تفقه على والده وغيرهن وبرع في الفقه، وشارك في عدة علوم، ومات سلخ شوال سنة ست وستين وستمائة، ودفن عند والده، رحمهما الله تعالى.
؟1449 - تاج الدين الأسلمي
... - 860ه؟ ... - 456م
عبد العظيم بن صدقة، الملقب تاج الدين القبطي الأسلمي، ناظر ديوان المفرد.
ولي المذكور عدة وظائف بالطالع والنازل، وقاسى خطوب الدهر ألواناً، وهو معدود من الكتاب عند أبناء جنسه، وكان هو وزين الدين يحيى - قريب ابن أبي الفرح - إستادار زماننا هذا في أيام خمولهما كفرسي رهان، وكان يقع بينهما في تلك الأيام مقالات ومفاوضات وكل منهما كان يسعى على الآخر ويرافع فيه ويعزله، وكان الغالب في الغالب عبد العظيم هذا إلى أن تعلق زين الدين يحيى بأذيال الأمير قيزطوغان العلائي - لما ولى الإستادارية - وصار زين الدين المذكور ناظر ديوان المفرد، فمن يومئذ تأخر عبد العظيم هذا وتقدم زين الدين إلى أن صار كل منهما إلى ما آل أمره إليه، وتقهقر عبد العظيم في الدولة إلى أن بقي من مخاميل الأقباط الذين عليهم الغلاسة بالقناطير، فإنه كان في أيام سعادته وولايته وثروته دنساً مظلماً ليس عليه نورانية الإسلام: فلما عزل وافتقر زادت دناسته أضعاف ما كانت عليه أولاً، وهو حي يرزق: إلى يومنا هذا، عامله الله بعدله.
1450 - ابن أبي الأصبع
585 - 654ه؟ 1189 - 1256م
عبد العظيم بن عبد الواحد بن ظافر بن عبد الله بن محمد، الإمام المفنن البارع الأديب البليغ زكي الدين أبو محمد، المعروف بابن أبي الأصبع العدواني المصري، الشاعر المشهور، صاحب التصانيف في الأدب وغيره.
وله الشعر الرائق الفائق إلى الغاية، من ذلك قوله:
تصدق بوصلي إن دمعي سائل ... وزود فؤادي نظرة فهو راحل
جعلتك بالتمييز نصباً لناظري ... فلم لا رفعت الهجر والهجر فاعل
وله قصيدة يمدح بها الملك الأشرف موسى شاه أرمن:
فضحت الحيا والبحر جوداً فقد بكى ال؟؟ ... حياء من حياء منك والنظم البحر(2/132)
عيونٌ معانيها صحاحٌ وأعين ال؟ ... ملاح مراض في لواحظها كسر
هي السحر فاعجب لأمرئ جاء يب؟ ... تغي عواطف من موسى وصنعته السحر
قال زكي الدين: وقع لي في هذه الأبيات ست عشر ضرباً من البديع: اتفقت فيه الاستعارة في ثلاثة مواضع في افتضاح الحياء وبكائه وحيائه والمبالغة إذ جعلت الممدوح يفضح الحياء والبحر بجوده، والتفسير في قولي جوداً، وقولي من حياء منك، ولإغراق لما في جملة القافية من زيادة المبالغة، والترشيح بذكر الاستعارة الأولى للاستعارة الثانية، والتجنيس بين الحياء والحياء، والتورية في قول النظم الحبر، والترشيح للنورية بذكر البكاء فإن ذكره هو الذي رشح النورية، وصحة التقسيم في حصر القسمين الذي يضرب بهما المثل في الجود ولا ثالث لهما، والتصدير كون البحر مذكوراً في صدر البيت وهو قافيته والتعليل في كون العلة في بكاء الحياء والنظام البحر فضحهما بجوده، والتسهيم في كون صدر البيت نقيض العجز ويدل عليه، وحسن النسق في كون جمل البيت معطوف بعضها على بعض بأصح ترتيب، والإرداف لأني عبرت عن عظم الجود ببكاء الحياء من الحياء والنظام البحر، فهذا ما في تفاصيل البيت، وأما ما في جملة فبالمساواة لكون لفظه تالياً لمعناه وائتلاف لفظه مع معناه في كون ألفاظ البيت متلائمة مختارة لا يصلح موضع كل لفظة غيرها، ولم يحصل فيه من تعقيد السبك والتقديم والتأخير وسوء الجواز ما يوجب له الاشتغال، والإبداع لكون كل لفظة من مفرداته تتضمن نوعاً أو نوعين من البديع، انتهى ما قاله زكي الدين عن نفسه.
قلت: وكانت وفاته سنة أربع وخمسين وستمائة، ولما مات حضر السراج الوراق مع عفيف الدين بن عدلان وأبي الحسين الجزار قبر الزكي المذكور، فقال السراج وقد كانا كتماه: إن ذلك اليوم مأتم زكي الدين، وكتماه قصيدتين في رثاه:
ماذا أقول وقول وقد أتاك مرثياً ... ملك النحاة وسيد الشعراء
رثياك بالدر النظيم فهذه ... الدال قانية وذى للراءِ
؟ومدحنا نثر العقيق مدمعاً إذ كنت لم تتصف بنظم رثاء
يا من طوى بفضائل وفواضل ... ذكرين للطائي بعد الطائي
؟غادرتني وأنا الحبيب مودةً صباً قد استغذيت ما بكاء
فسقاك فضل الله فيض عطائه ... فلقد أقمت قيامة الشعراء
انتهى.
؟1451 - الحافظ المنذري
581 - 656ه؟ 1185 - 1258م
عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد بن سعيد، الإمام الحافظ زكي الدين أبو محمد المنذري الدمشقي ثم المصري الشافعي.
ولد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة غرة شعبان بالقاهرة، وقرأ القرآن على الأرتاحي، وتفقه على أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد القرشي، وتأدب على أبي الحسين بن يحيى النحوي، وسمع من أبي عبد الله الأرتاحي، وعبد المجيد بن زهر، وإبراهيم بن البتيت، ومحمد بن سيد المأموني، والمطهر بن أبي بكر البيسقي، وربيعة اليمني الحافظ، وأبي القاسم عبد الرحمن بن عبد الله، وأبي الجود غياث بن فارس، والحافظ بن الفضل، وبه تخرج وهو شيخه، وبمكة من يونس الهاشمي، وأبي عبد الله بن البنا، وبالمدينة من جعفر بن محمد بن أموسان، ويحيى بن عقيل بن رفاعة، وبدمشق من ابن طبرزد، ومحمد بن الزيف، والخضر بن كامل، والكندي، وعبد الجليل بن مندوبه، وسمع بحران والرها وإسكندرية وأماكن. وخرج لنفسه معجماً كبيراً.
وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبي: وروى عنه الدمياطي، والشريف عز الدين وأبو الحسين ابن اليونيني، والشيخ محمد القزاز، والفخر إسماعيل بن عساكر، وسنجر الدواداري، وقاضي القضاة تقي الدين بن دقيق العيد، وإسحق بن الوزيرين والعماد محمد بن الجرائدي، وأحمد الدفوفي، ويوسف بن الختني، وطائفة، ودرس بالجامع الظافري بالقاهرة، ثم ولي مشيخة الكاملية للحديث وانقطع بها نحواً من عشرين سنة منكباً على التصنيف والتخريج والإفادة الرواية، انتهى.
قال الحافظ شرف الدين الدمياطي: هو شيخي أتيته مبتدئاً فارقته معيداً، انتهى.
قال الذهبي: ووقع بينهما كما جرت العادة بها بين المتناظرين في الطلب والاشتغال، رحمهما الله تعالى: وكانت وفاة الحافظ زكي الدين المنذري سنة ست وخمسين وستمائة، ورثاه السراج الوراق بقصيدة أولها.(2/133)
؟ما اقتضى حظنا بقاءك فينا ليتنا فيك ليتنا لو كفنيا رحمه الله تعالى وعفا عنه.
؟1452 - ابن نوح
... - 708ه؟ ... - 1308م
عبد الغفار بن أحمد بن عبد المجيد الدوري الأصل، الأقصري المولد، القوسي الدار، الشيخ عبد الغفار الشهير بابن نوح.
صحب الشيخ أبا العباس الملثم، والشيخ عبد العزيز المتوفي، وتجرد وتعبد، وسمع من الدمياطي بالقاهرة وحدث عنه بقوص، وسمع بمكة من محب الدين الطبري، وصنف كتاباً سماه الوحيد في التوحيد، وكان له شعر وقدرة على الكلام، وحال في السماع، له كرامات، وكان ينكر كثيراً من المنكرات ويأمر بالمعروف بفصاحة لسان وقوة جنان، وله بظاهر قوص ربط، وكان النصارى قد أحضروا إلى قوص مرسوماً بفتح الكنائس بها، فقام شخص في السحر وقرأ " إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم " وقال: يا أصحابنا الصلاة في هذه الكنائس، فلم يأت الظهر إلى وقد هدمت ثلاث عشرة كنيسة ونسب ذلك إليه، ثم إن الرشيدي إستادار سلار توجه إلى قوص - وكان بخدمته نصراني - فتكلم في القضية، فاجتمع العوام ورجموه إلى أن وصل الرجم إلى حرافة الرشيدي، فاتهم الشيخ أيضاً بذلك، ثم بعد أيام حضر أمير إلى قوص وأمسك جماعة من الفقراء وضربهم، وأخذ الشيخ عبد الغفار هذا معه إلى القاهرة ورسم له بأن يقيم بمصر، فحصل بعد أيام للرشيدي مرض، واستمر في أسوأ حال حتى توفي.
وكان للشيخ عبد الغفار - صاحب الترجمة - شعر جيد، من ذلك قوله:
أنا أفتى أن ترك الحب ذنب ... آثم في مذهبي من لا يحب
ذق على أمري مرارات الهوى ... فهو عذب وعذاب الحب عذب
كل قلب ليس فيه ساكن ... صبوة عذريةٌ ما ذاك قلب
توفي الشيخ عبد الغفار المذكور بمصر في سنة ثمان وسبعمائة، رحمه الله تعالى ونفعنا ببركته.
؟1453 - ابن الهيصم
... - 813ه؟ ... - 1410م
عبد الغني بن الهيصم، وقيل إن اسم الهيصم إبراهيم، الرئيس مجد الدين، ناظر الحواص، الشهير بابن الهيصم، وهو أخو الصاحب تاج الدين عبد الرزاق المتقدم ذكره، يقال إن الهيصم من ذرية المقوقس.
نشأ مجد الدين هذا بالقاهرة، ومهر في قلم الديونة والحساب، وكتب في عدة جهات إلى أن ولي استيفاء الديوان المفرد، ثم استقر به الملك الناصر فرج بن برقوق في وظيفة نظر الخاص، بعد القبض على جمال الدين يوسف البيري الأستادار في يوم الثلاثاء رابع جمادى الأولى سنة اثنتي عشرة وثمانمائة، فاستمر المذكور في وظيفة الخاص إلى أن توفي ليلة الأربعاء عشرين شعبان سنة ثلاث عشرة وثمانمائة.
قال المقريزي رحمه الله: وكان من ظلمة الأقباط. انتهى.
قلت: وهذا والد الصاحب أمين الدين إبراهيم بن عبد الغني بن الهيصم - وزير زماننا هذا - ذكرناه في حرف الهمزة في مكانه.
1454 - ابن أبي الفرج
784 - 821ه؟ 1382 - 1418م
عبد الغني بن عبد الرزاق بن أبي الفرج بن نقولا الأرمني الأصل القبطي، الأمير فخر الدين بن الوزير تاج الدين، الشهير بابن أبي الفرج.(2/134)
قال الشيخ تقي الدين المقريزي: كان جده من جملة نصارى الأرمن وأسلم، وكان أبوه ممن ولي الوزارة والإستادارية، ومولد فخر الدين هذا في شوال سنة أربع وثمانين وسبعمائة، وعرف الحساب، وكتب الخط الجيد، ولما نقل أبوه من ولاية قطيا إلى الوزارة في الأيام الظاهرية برقوق ولاه موضعه بقطيا، وحملت إليه الخلعة في أول يوم من جمادى الأولى سنة إحدى وثمانمائة فباشر ولاية قطيا ونظرها مدة وزارة أبيه، ثم صرف عنها وأعيد إليها عدة مرات في الأيام الناصرية فرج، ثم ولي كشف الشرقية في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، فوضع السيف في العرب، وأسرف في سفك الدماء وأخذ الأموال، وتجاوز عن الحد والمقدار في الظلم، ثم طلب الزيادة في الظلم والفساد وبذل للناصر أربعين ألف دينار، فولاه وظيفة الأستادارية، عوضاً عن تاج الدين عبد الرزاق بن الهيصم في يوم الثلاثاء ثالث عشر شهر ربيع الآخرة سنة أربع عشرة وثمانمائة، فوضع يده في الناس بأخذ أموالهم بغير شبهة من شبهة الظلمة حتى داخل الرعب كل بريء، وكثر الشناعة عليه وساءت القالة فيه، فصرف في ذي الحجة من السنة وسر الناس بعزله سروراً كثيراً، وعوقب عقوبة لم تعهد مثلها في الكثرة حتى أيس منه كل أحد ورق له أعداؤه، وهو في ذلك يظهر من قوة النفس وشدة الجلد مالاً يوصف، ثم خلى عنه وعاد إلى ولاية قطيا، ثم صرف عنها، وخرج مع الناصر إلى دمشق من غير وظيفة، وشهد واقعته بها، فلما قتل الناصر تعلق بحواشي الأمير شيخ وقدم معهم إلى القاهرة وأعيد إلى كشف الوجه البحري. انتهى كلام المقريزي باختصار.
قلت: واستمر فخر الدين المذكور في كشف الوجه البحري إلى أن قبض الملك المؤيد شيخ على الأمير بدر الدين حسن بن محب الدين في ثامن شهر ربيع الآخر سنة تسع عشرة وثمانمائة ورسم بإرسال تشريف الأستادارية إلى فخر الدين هذا - وهو بالبحيرة - فحمل إليه، وقدم فخر الدين إلى القاهرة في يوم خامس عشرين شهر ربيع الآخر المذكور، واستقر أستاداراً على ما بيده من كشف الوجه البحري، وسلمه ابن محب الدين وأمره بعقوبته، فعوقب ابن محب الدين المذكور وصودر وأخذت منه أموال لا تحصى.
واستمر فخر الدين في الأستادارية، وعظم أمره. وزادت حرمته، وظهر من الملك المؤيد إقبال زائد إليه لكثرة ما يحمله لخزانته من الأموال والتقادم والتحف، لكنه أخرب من مدته اليسيرة كثيراً من بلاد الصعيد، وأفتى بالقتل خلائق من مشايخ عربانها، ثم سافر المذكور إلى البحيرة وعاد في يوم السبت... ذي القعدة من سنة تسع عشرة، ففي يوم قدومه أخلع عليه خلعة الوزارة مضافاً إلى الأستادارية، بعد موت تقي الدين عبد الوهاب بن أبي شاكر، فباشر الوظيفتين مدة، ثم بلغه عن الملك المؤيد ما داخله الخوف منه، فاختفى وفر إلى بغداد وأقام بها مدة، ثم قدم بعد أن أرسل إليه الملك المؤيد أماناً، وأعيد إلى الأستادارية، واستمر أستاداراً إلى أن توفي يوم الاثنين نصف شوال سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، وجفن بمدرسته التي أنشأها بين السورين بظاهر القاهرة، وصولح السلطان على تركته بمائتي مثقال.
قال المقريزي: وكان جباراً قاسياً، شديداً جلداً، عبوساً، بعيداً عن الترف، قتل من عباد الله ما لا يحصى، وخرب إقليم مصر بكماله، وأفقر أهله ظلماً وعتواً وفساداً في الأرض ليرضي سلطانه فأخذه الله أخذاً وبيلاً، انتهى كلام المقريزي.
قلت: لا ينكر عليه ما كان يفعله من الظلم والجور، فإنه كان من بيت ظلم وعسف، وكان عنده جبروت الأرمن، ودهاء النصارى، وشيطته الأقباط، وظلم المكسة، فإن أصله من الأرمن، وربي مع النصارى وتدرب بالأقباط، ونشأ مع المكسة بقطيا، فاجتمع فيه من قلة الدين وخصائل السوء ما لا يوصف كثرة، لعمري هو أحق بقول القائل:
مساوئ لو قسمن على الغوني ... لما مهرن إلا بالطلاق
قيل إنه لما دفن بمدرسته سمعه جماعة من الصوفية وغيرهم وهو يصيح في قبره، وتداول هذا الخبر على أفواه الناس، قلت: وما خفاهم أعظم إن شاء الله تعالى، فلله الحمد والمنة بهلاك مثل هذا الظالم في عنفوان شبيبته إذ لو طال عمره لكان ظلمه وجوره يملأ الأقطار.(2/135)
وهو بن الوزير تاج الدين عبد الرزاق، وأخو ناصر الدين محمد الأستادار - الذي هو الآن نقيب الجيوش المنصورة - ووالد زين الدين عبد القادر الأستادار، وقريب زين الدين يحيى أستادار زماننا هذا، فنسأل الله تعالى أن يلحق به من بقي من أقاربه وذريته فإنهم شر عصابة وعار على بني آدم، آمين. انتهى.
؟1455 - شرف الدين الحراني
646 - 709ه؟ 1248 - 1309م
عبد الغني بن يحيى بن محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن نصر بن أبي بكر بن محمد، قاضي القضاة شرف الدين أبو محمد بن بدر الدين أبي زكريا بن قاضي القضاة شمس الدين الحراني الحنبلي.
ذكره الذهبي في معجمه، وأثنى عليه، وذكره أيضاً ابن رافع في معجمه وقال: سمع بدمشق من شيخ الشيوخ، ومن النجيب عبد اللطيف الحراني، والشيخ شمس الدين محمد بن إبراهيم المقدسي، وأجاز له عقيب ولادته: الشيخ مجد الدين عبد السلام بن تيمية، وأخوه عبد القادر، وعيسى الحافظ، وجماعة، وحدث مراراً بالقاهرة ودمشق، وسمع منه أبو حيان وذكره في معجمه.
قال البرزالي في تاريخه: إنه خرج من حران سنة ست وخمسين وستمائة فأقام بدمشق سنين، وتوجه إلى مصر واستمر بها، وولي نظر الخزانة، ثم ولي منصب الحكم بالديار المصرية على مذهب أحمد بن حنبل، ودرس بالناصرية والصالحية، وكان مشكور السيرة، مليح الهيئة بشوش الوجه، مولده في ليلة الثلاثاء رابع عشر شهر رمضان سنة ست وأربعين وستمائة، وتوفي ليلة الجمعة رابع عشر شهر ربيع الأول سنة تسع وسبعمائة، ودفن من الغد بالقرافة، رحمه الله تعالى.
؟1456 - ابن الملك المغيث
642 - 737ه؟ 1244 - 1337م
عبد القادر بن عبد العزيز بن عيسى بن أبي بكر بن محمد بن أيوب بن شادي ابن مروان الإمام العالم الفقيه المحدث أسد الدين أبو محمد بن الملك المغيث ابن الملك المعظم بن الملك العادل الأيوبي الحنفي.
كان من فقهاء أولاد السلاطين، ومن بيت علم وفضل، مولده بالكرك سنة اثنتين وأربعين وستمائة، وتفقه على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه وبرع وسمع الكثير، وحدث، وسمع سيرة ابن هشام من أبي عبد الله محمد ابن إسماعيل المقدسي، وسمع من محمد وبعد المجيد ابني عبد الهادي، وإبراهيم ابن خليل الدمشقي، وابن عبد الواحد، وعبد اللطيف الحراني، وحدث، وسمع منه الحافظ عبد القادر الحنفي - صاحب الطبقات - وغيره، وكتب وحصل وأفاد، وأقرأ، وكان من محاسن الدنيا ديناً وعلماً وتواضعاً وبراً وإحساناً إلى أن توفي يوم سلخ شهر رمضان سنة سبع وثلاثين وسبعمائة. وحمل إلى بيت المقدس ودفن به، رحمه الله تعالى.
؟1457 - ابن أبي الفرج
... - 833ه؟ ... - 1429م
عبد القادر بن عبد الغني بن عبد الرزاق بن أبي الفرج بن نقولا الأرمني الأصل القبطي، الأمير زين الدين بن الأمير فخر الدين المقدم ذكره أنفاً ابن الصاحب تاج الدين، الشهير بابن أبي الفرج.
مولده بالقاهرة في أوائل القرن تخميناً، ونشأ بها، وباشر بعد موت والده عدة جهات إلى أن ولي شد الخاص وأستادارية المقام الناصري محمد بن السلطان الملك الأشرف برسياي في ثالث عشر جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وثمانمائة، واستمر على ذلك إلى يوم الخميس عاشر شعبان من السنة طلب وأخلع عليه باستقراره أستاداراً، عوضاً عن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله الفوي، بحكم عجزه عن القيام بالكلف السلطانية، فباشر عبد القادر هذا وظيفة الأستادارية مدة سنين، وقاس فيها من الذل والهوان والعجز ما لا يوصف، وافتقر، واستعفى منها غير مرة، والملك الأشرف لا يرق لحاله، وأخرب في أيام مباشرته بلاداً كثيرة حتى يقوم بما عليه من الجوامك والكلف، ثم إن الملك الأشرف رحمه وعزله بالأمير آقبغا الجمالي الكاشف في يوم السبت خامس عشرين شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، ورسم عليه وطولب بالحساب غير مرة، وبينا هو في ذلك إذا خلصه الله بالموت بالطاعون في يوم الأربعاء سابع عشرين جمادى الآخرة من سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة.
وكان شاباً جميلاً ، خفيف اللحية، جسيماً، متواضعاً، قضى عمره بالكد والقهر والخوف، وهو أصلح حالاً من أبيه وجده، بل بالنسبة إليهما كان صالحاً، على أنه كان متأصلاً في الظلم والعسف ويعرف طرق ذلك جيداً لكن لم تنله السعادة في مباشرته، رحمه الله تعالى.(2/136)
؟1458 - محيي الدين الشريف
791 - 827ه؟ 1389 - 1423م
عبد القادر بن أبي الفتح محمد بن أبي المكارم أحمد بن أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن، القاضي محيي الدين الشريف الحسني الفاسي الأصل المكي الحنبلي، ابن السيد شهاب الدين، وأخو قاضي القضاة سراج الدين عبد اللطيف الحنبلي.
ولد في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، قاله الشيخ تقي الدين الفاسي في تاريخه، ورأيت حاشية بخط صاحبنا الإمام المحدث الفاضل سراج الدين عمر بن فهد رأيت باسمه استدعاء مؤرخاً في العشر الأخير من شهر ربيع الآخر سنة ثمان وثمانين وسبعمائة. انتهى.
قلت: وقرا وتفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، وناب في الحكم من أخيه شقيقه القاضي سراج الدين عبد اللطيف المذكور في سنة عشرة وثمانمائة، وتوفي بمكة في يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شعبان سنة سبع وعشرين وثمانمائة، ودفن بالمعلاه، رحمه الله تعالى.
1459 - تاج الدين العقيلي
623 - 693ه؟ 1226 - 1294م
عبد القادر بن محمد بن أبي المكارم عبد الرحمن بن علوي بن المعلي بن علوي ابن جعفر، القاضي تاج الدين بن القاضي عز الدين، العقيلي السنجاري الحنفي.
ولد بدمشق في شهر رجب سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة، وتوفي سنة ست وتسعين وستمائة، هكذا وجدته في تاريخ الشيخ صلاح الدين الصفدي بخطه، ولعله وهم لأني وقفت على ترجمة المذكور في غير تاريخ الصفدي فوجدت مولده في شهر رجب سنة ثلاث وعشرين وستمائة، ووفته في ثامن عشرين شعبان سنة ست وتسعين وستمائة، ووفاته في ثامن عشرين شعبان سنة ست وتسعين وستمائة، كما ذكر الصفدي لكن الصفدي لم يذكر شعبان انتهى.
قال:وقرأ واشتغل وتفقه، وبرع في المذهب، وولي قضاء الحنفية بحلب،ونظر الأوقف والمدرسة العصرونية، وأفتى ودرس، وقدم دمشق في آخر عمره، وحدث بها بالمائة البخاري، ورجع إلى حلب وتوفي بها.
وكان سمع في مبدأ أمره من ابن الزبيدي الصحيح، وسمع من الإمامين جمال الدين الحصيري وتقي الدين ابن الصلاح وغيرهم، انتهى.
؟1460 - محيي الدين المقريزي
677 - 732ه؟ 1288 - 1331م
عبد القادر بن محمد بن تميم، الفقيه المحدث محيي الدين المقريزي البعلبكي الحنبلي، جد الشيخ تقي الدين المقريزي المؤرخ.
تفقه وسمع ببلده من زينب بنت كندي، وبدمشق من ابن عساكر وابن القواص، وبالقاهرة من البهاء بن القيم وسبط زيادة، وبحلب، وبالحرمين. وكتب وحصل، وصار شيخ دار الحديث للبهاء بن عساكر، توفي سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة عن خمسين سنة، رحمه الله تعالى.
؟1461 - ابن عبد القادر
757 - 793ه؟ 1356 - 1391م
عبد القادر بن محمد بن عبد القادر، قاضي القضاة شرف الدين بن شمس الدين الحنبلي النابلسي، المعروف بابن عبد القادر.
أخذ عن أبيه وغيره من مشايخ القدس ودمشق والقاهرة، وبرع في مذهبه، وشارك في عدة علوم، وتولى قضاء الحنابلة بدمشق، وحمدت سيرته إلى أن توفي سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، وولي من بعده قاضي القضاة علاء الدين ابن منجا، رحمه الله تعالى.
؟1462 - الحافظ شمس الدين
صاحب الطبقات
696 - 774ه؟ 1393 - 1472م
عبد القادر بن محمد بن محمد بن نصر اله بن سالم بن أبي الوفا القرشي المصري الحنفي، الشيخ الإمام العلامة الحافظ المتقن شمس الدين أبو محمد.(2/137)
مولده في العشرين من شعبان سنة ست وتسعين وستمائة، وسمع من أبي الحسن ابن الصواف مسموعه من النسائي، ومن العماد بن السكري مشيخة ابن الجميزي، ومن الشريف عز الدين الحسين صحيح مسلم، ومن حسن بن عمر الكردي والمرسوي أيضاً الموطأ لمالك رواية يحيى بن بكير، ومن الحجار ووزيره صحيح البخاري، ومن الرشيد ابن المعلم ثلاثيات البخاري، ومن المعلم بن النصير بن أمين الدولة، والشريف علي بن عبد العظيم الزينبي، والكمال عبد الرحيم، وعلي بن عمر الداني، ويوسف بن عمر الختني، وأبي الحسين علي بن قريش، وعبد الله بن علي الصنهاجي، ومؤنسة ست الأجناس، وخلق كثير سواهم، وأخذ من الرضى الطبري، وأجاز له الدمياطي، وحفظ القرآن العظيم، وتفقه وبرع، وتصدر للإقراء، وأفتى ودرس، وجمع وصنف، وله تواليف عدة من ذلك: كتاب البستان في مناقب النعمان، وكتاب الطرق والرسائل إلى معرفة أحاديث خلاصة الدلائل، وكتاب طبقات الحنفية سماه الجواهر المضية في طبقات الحنفية، وتخريج أحاديث الهداية للفرغاني، وتخريج أحاديث معاني الآثار للطحاوي، وكتب وفيات من سنة مولده إلى سنة ستين عول فيها على وفيات ابن الحسين بن أيبك.
وكان ذا عناية بالفقه والحديث، وله مشاركة جيدة في عدة علوم، ولديه فضيلة، ودرس وأفتى سنين، وسمع منه الفضلاء، وتفقه به جماعة من الأعيان، وانتفع به الطلبة، وكان خطه في غاية الحسن على طريق السلف، وتوفي بعد أن تغير وأضر في شهر ربيع الأول سنة أربع وسبعين وسبعمائة، وقال المقريزي في سنة خمس وسبعين، والله أعلم.
1463 - جمال الدين الزهيري
... - 740ه؟ ... - 1339م
عبد القاهر بن محمد بن عبد الواحد بن محمد بن إبراهيم بن موسى بن جعفر ابن بسر، الأديب جمال الدين أبو محمد وأبو بكر الزهيري، التبريزي الأصل، الحراني، الدمشقي المنشأ، الشافعي، الأديب الشاعر.
أصله من بخارى، وقدم مع والده وعمره ست سنين، وكان أبوه فقيهاً تاجراً استوطن دمشق ومات عن نيف وثلاثين سنة، وبقي جمال الدين هذا في حجر ابن عم أبيه شرف الدين محمد الخجندي التاجر، وقرأ القرآن على الشيخ يحيى السلاوي، وجود على الشيخ زين الدين بن عمرو، وقرأ التنبيه، وتفقه بقاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، وتردد إلى حلقه الشيخ تاج الدين الفزاري، وجود المنسوب على الشيخ شمس الدين حسين السهروردي، وقرأ مقدمة ابن الحاجب، وبرع في الإنشاء والأدب، ومات في تاسع عشر جمادى الآخرة سنة أربعين وسبعمائة بثغر دمياط، ودمياط بالدال المهملة.
ومن شعره قوله:
؟وجدي وتصبري قليلٌ وكثير ... والقلب ومدمعي طليق وأسير
والكون وحسنكم جليل وحقير ... والعبد وأنتم غني وفقير
انتهى، رحمه الله تعالى.
؟1464 - البجائي
743 - 816ه؟ 1342 - 1413م
عبد القوي بن محمد بن عبد القوي البجائي، المغربي الأصل والمولد والمنشأ، نزيل مكة، أبو محمد المالكي.
حدثني ولده الشيخ قطب الدين أبو الخير من لفظه قال: مولد والدي في سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة ببجاية من بلاد الغرب، ورحل من بلده وعمره ثمانية عشر سنة، وقدم إلى القاهرة، وحج في سنة أربع وستين، ثم عاد إلى القاهرة، ثم حج حجة ثانية وعاد إلى القاهرة، وسكن بالجامع الأزهر،ثم حج في سنة سبعين، ووطن بمكة إلى أن مات وليلة الأربعاء ثالث شوال سنة ست عشرة وثمانمائة بمكة، ودفن بالمعلاه، انتهى.
وقال الشيخ تقي الدين الفاسي: قدم إلى ديار مصر في شبيبته فخذ بها عن الشيخ يحيى الرهوني وغيره من علماء عصره، ثم انتقل إلى مكة وأخذ بها عن الشيخ موسى المراكشي وغيره، وسمع بها من النشاوري، وسعد الدين الأسفراييني وغيرهما، ودرس بالحرم الشريف، وأفتى باللفظ قليلاً تورعاً، وكان ذا معرفة بالفقه، ويستحضر كثيراً من الأحاديث والحكايات والأشعار المستحسنة، وله حظ من العبادة والخير، رحمه الله تعالى.
؟1465 - النشادر
عبد القوي المعروف بالنشادر، صاحب أبي الحسن علي الحصري المعروف بالقواس.
كانا يتجاريان في ميدان الخلاعة، ويتجاذبان أعنة المجون،وينظمان البلاليق المطبوعة، ولهما مدائح كثيرة في الملك العزيز بن صلاح الدين، وفي أولاد الملك العادل.
وله أيضاً يمدح الملك الأشرف موسى شاه أرمن صاحب ميافارقين:(2/138)
بي أسمر يحكي الأسمر ... عنج أحور
الهلال يبدو في سعدو ... والجمال الباهر عبدو
وقد رقم في صفحة خدو ... طراز عنبر
أي رشيق حلو القامة ... لو ترى فوق خدو شامة
قد رشق قلبي صصامة ... بها نقير
قد رماني حكم المقدور ... في هوى ذي الظبي اليعفور
قد تركني هايم مهجور ... وما أعذر
ردني حبه نتقلا ... يحمر هجرو والذلا
قاتل الله نور الفلا ... بها تهجر
قلت لو محبوب زرني ... قال لي أيا زول عني
الوصال بيش تطلب مني ... وتتأمر
أعديم تطلب بالأشعار ... الوصال يا مله محتار
لك قطاع أو عندك دينار ... مليح أصفر
قلت لو بنى تنهزا ... والنبي ليس عندي رزا
غير عنقي نعطيك وزا ... ونتمسخر
هز خصرو وأبرز ردفو ... وانبرم وعطاني كتفو
وجعلني نجر خلفو ... ونتعتر
قلت لو محبوبي أتوقف ... الذهب نعطيك والقرقف
بنوال الملك الأشرف ... عليك ننصر
ولد سيف الدين العادل ... الهمام الليث الباسل
الفقير يعطي والسائل ... وما يضجر
1466 - زين الدين السبكي
... - 734ه؟ ... - 1333م
عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف، القاضي زين الدين بن القاضي ضياء الدين الأنصاري الخزرجي السبكي الشافعي.
مولده بسبك، وتفقه بها، وقدم القاهرة، وناب في الحكم، وحسنت سيرته، وكان خبيراً بالأحكام وسمع الكثير، وروى، وكان له نظم ونثر، مات بالمحلة من قرى الغربية من أعمال القاهرة في سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
؟1467 - ابن الغنام
... - 823ه؟ ... - 1420م
عبد الكريم بن أبي شاكر بن عبد الله بن غنام، الصاحب الوزير كريم الدين القبطي المصري، المعروف بابن الغنام، وزير الديار المصرية.
ولي الوزر أولى وثانية، وبنى مدرسة بالقرب من جامع الأزهر وبه تعرف، ثم عزل وتعطل مدة، وعمر دهراً طويلاً إلى أن توفي بالقاهرة في رابع عشرين شوال سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة، وقد أناف على المائة سنة وحواسه سليمة.
1468 - ابن عبد العزيز ناظر الجيش
736 - 807ه؟ 1335 - 1404م
عبد الكريم بن أحمد بن عبد العزيز بن عبد الكريم بن أبي طالب بن علي بن سيدهم، القاضي كريم الدين ناظر الجيوش، المعروف بابن عبد العزيز، النستراوي الأصل المصري.
ولد سنة ست وثلاثين وسبعمائة بنستراوة من المزاحميتين من أعمال القاهرة. وقدم القاهرة على عمه بدر الدين حسن بن عبد العزيز بن عبد الكريم - وهو يباشر بديوان الجيش - فنشأ تحت كنفه، وورثه لما مات في سنة أربع وسبعين، وخدم في ديوان الجيش إلى أن ولي صحابة الديوان، ثم ولي نظر الجيش، عوضاً عن جمال الدين محمود العجمي خامس عشر صفر سنة اثنتين وتسعة وسبعمائة، فباشر الجيش مدة وعزل، واستمر بطالاً إلى أن مات في آخر شهر ربيع الأول سنة سبع وثمانمائة.
وكان سمع من جمال الدين بن نباتة، وعمه بدر الدين، وابن النوري بالإسكندرية، وسمع عليه صهره شيخنا حافظ العصر شهاب الدين بن حجر قليلاً.
قال المقريزي: وكان رئيساً محباً في أهل الخير، وكان جارنا مدة، ثم صارت بيننا وبينه صهاره رحمه الله فما كان أكثر رياضة أخلاقه، وملاحة وجهه، وعذوبة كلامه، انتهى.
؟1469 - ابن كاتب جكم
... - 833ه؟ ... - 1429م
عبد الكريم بن بكرة، القاضي كريم الدين بن سعد الدين، ناظر الخواص القبطي المصري، المعروف بابن كاتب جكم.(2/139)
مولده بالقاهرة، وبها نشأ، وعرف قلم الديونة، وتنقل في عدة خدم، وباشر في دواوين الأمراء، واتصل بخدمة الملك الأشرف برسباي، - لما كان دوادارا - فلما تسلطن أخلع عليه باستقراره في نظر الدولة، فباشر وظيفة النظر مدة، وأخلع عليه باستقراره في نظر الخاص، عوضاً عن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله الفوي بحكم انتقال بدر الدين إلى الأستادارية عوضاً عن ولده صلاح الدين محمد بحكم عزله وذلك في يوم الاثنين ثاني عشر جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وثمانمائة، واستقر في نظر الدولة من بعده القاضي أيمن الدين إبراهيم بن عبد الغني بن الهيصم، فباشر كريم الدين المذكور الخاص مدة سنين، ونالته السعادة، وعظم أو ثرى، ومشى حال الخاص في أيامه حتى قيل إنه منذ ولي الخاص إلى أن توفي لم يبطل الواصل عنه يوماً واحداً مبالغة.
وكان مشكور السيرة، متواضعاً، كريماً، وعنده معرفة وعقل، وصارت له منزلة عند الملك الأشرف إلى أن توفي بالقاهرة في ليلة الجمعة سادس عشرين شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، بغير طاعون، بل بمرض تمادى به أشهراً، وتولى الخاص من بعده ابنه سعد الدين إبراهيم المقدم ذكره في محله، ويأتي ذكر ولده الصاحب جمال الدين يوسف ناظر الخواص في موضعه إن شاء الله تعالى.
؟1470 - كريم الدين الآملي
... - 710ه؟ ... - 1310م
عبد الكريم بن حسن، الشيخ كريم الدين الآملي، ينتمي إلى سعد الدين حمويه.
كان شيخ خانقاة سعيد السعداء بالقاهرة، وكان من كبار القوم، وكان له صورة كبيرة عند الأعيان.
وكان الشيخ تقي الدين أحمد بن تيمية كثير الحظ عليه.
قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي: أثبت الصوفية فسقه من ستة عشر وجهاً، ومات في شوال سنة عشرة وسبعمائة، وولي مكانه بدر الدين بن جماعة. انتهى.
1471 - الحافظ قطب الدين الحنفي
664 - 735ه؟ 1265 - 1334م
عبد الكريم بن عبد النور بن منير، الشيخ الإمام الحافظ المتقن مفيد الديار المصرية قطب الدين أبو علي الجلقي ثم المصري الحنفي.
مولده سنة أربع وستين وستمائة، وحفظ القرآن الكريم وتلاه بالسبع على أبي طاهر إسماعيل المليجي، صاحب أبي الجود، وتلا على خاله الزاهد الشيخ نصر المنجي، وبخاله المذكور كانت شهرته، وانتفع بصحبته، وسمع عن العز الحراني، وغازي، وابن خطيب المزة، والقاضي شمس الدين ابن العماد وطبقتهم، وشرح شطر صحيح البخاري، وتاريخ مصر في عدة مجلدات بيض أوائله وغير ذلك، وهذا مع الحفظ والذكاء، والبصر بالرجال، والمشاركة في الفقه وغير ذلك، وحج مرات، وروى الكثير لكنه قليل في سعد ما سمع، وعلق عن الحافظ الذهبي في تاريخه، وما عنده عنه إلا الإجازة، وكان فيه تواضع وحسن سيرة، ولعل شيوخه تبلغ ألفاً، خرج لنفسه أربعين تساعيات، أخذ عنه المحدثون النقي بن رافع، وابن أيبك الدمياطي، وعمر بن العجمي، والحافظ علاء الدين مغلطاي، وابن السروجي، وعدة كثيرة، وتوفي بالقاهرة سنة خمس وثلاثين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
؟1472 - ابن مكانس
... - 803ه؟ ... - 1400م
عبد الكريم بن بعد الرزاق، الصاحب كريم الدين أبو الفضائل القبطي المصري، المعروف بابن مكانس، وزير الديار المصرية، وناظر خاصها.
مولده بمصر، وتنقل في الخدم الديوانية إلى أن اتصل بخدمة الأمير يلبغا الناصري في الدولة الأشرفية شعبان، بن حسين واستمر عنده حتى قتل الملك الأشرف شعبان وصار تدبير المملكة للأمير بن بركة وبرقوق، قام بنو مكانس كريم الدين هذا وأخوه فخر الدين عبد الرحمن وزين الدين نصر الله بمرافعة الوزير شمس الدين عبد الله المقسي فقبض برقوق عليه، وتولى كريم الدين المذكور الحوطة على حواصله، وتولى عوضه ناظر الخواص في يوم الاثنين ثامن عشر جمادى الأولى سنة ثمانين وسبعمائة مضافاً لما بيده من الوزارة، فباشر كريم الدين هذا مدة، وغضب عليه برقوق في تاسع شعبان منها وأمر به وبفخر الدين عبد الرحمن فألقيا في الأرض وضربا، فقال شهاب الدين أحمد بن العطار في المعنى:
تاسع شعبان تولى بني ... مكانس برقوق بالضرب
فصاح فخر الدين من قلبه ... بالأرض والصاحب بالجنب(2/140)
وسبب قبض برقوق عليه أنه لما ولي الوزر والخاص أخذ في تجديد مظالم كان أبطلها الأتابكي يلبغا العمري الخاصكي - يعني أستاذ برقوق - من ذلك أنه ألزم جمالة الحجاز بإحضار أوراق الجمال التي معهم ليعرف المكس من ذلك، وكان يلبغا قد أبطل المكس من مكة والمدينة، فكثرة القالة فيه فأمسك بهذا المقتضى، وتولى تاج الدين الملكي الوزارة، وأعيد شمس الدين عبد الله المفسي إلى نظر الخاص، وتسلم الحاج سيف الدين المقدم بني مكانس، ثم أفرج عنهم في يوم الخميس سادس عشرين ذي الحجة سنة ثمانين.
واستمر كريم الدين هذا بطالاً إلى يوم الأربعاء سابع عشرين ذي القعدة سنة إحدى وثمانين وسبعمائة طلب الأمير بركة الوزراء البطالين وهم: كريم الدين ابن الرويهب، وكريم الدين بن الغنام، وكريم الدين بن مكانس هذا، فعري ابن الرويهب من ثيابه ليضرب ثم ألبسها من غير ضرب ومر بنفيه إلى طرسوس، وضرب كريم الدين صاحب الترجمة بالمقارع نحو العشرين شيباً، وكتب ابن الغنام خطبه بأن كل ما يملكه يكون للسلطان، فتعصب له الأمير أيتمش حتى أخرج إلى القدس من غير أن يؤخذ منه شيء، وقام يلبغا الناصري مع ابن مكانس هذا وأطلقه، ولزم داره إلى أن قتل بركة سعى في نظر الخاص فأجيب وولي في نصف جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، وقبض على شمس الدين عبد الله المقسي، ثم أخذ الوزر أيضاً ثانياً، فلما استقر في وظيفتي الوزر والخاص فتك أيضاً في الناس، وساءت سيرته، وأخذ أموال تجار الكارم، وظلم وأفحش، فعزل من الخاص بسعد الدين ابن البقري في يوم الخميس ثالث شهر رمضان من السنة، وأبقيت معه الوزارة، وجعل الأمير جاركس الخليلي، - مشير الدولة - لا يتصرف الوزر إلا بأمره، فدام الأمر على ذلك إلى يوم الأربعاء سادس عشرين ذي القعدة قبض على بني مكانس الثلاثة، ولبس علم الدين سن إبره الوزارة، واستمر ابن مكانس في الترسيم إلى أن هرب من ميضأة جامع الصالح - خارج باب زويلة - واختفى مدة، ثم ظهر ودام معزولاً إلى أن صار يلبغا الناصري مدبر المملكة بالديار المصرية - بعد خلع برقوق وحبسه بالكرك - في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة فصار ابن مكانس هذا عند يلبغا كمشير المملكة، وجرى على عادته في التهور وسرعة الحركة إلى أن زالت دولة الناصري، وتخومل إلى أن مات بعد خطوب قاساها في يوم الثلاثاء رابع عشرين جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانمائة.
وكان من أعاجيب الزمان من خفة العقل والطيش وسرعة الحركة وكثرة التقلب، يقال إنه لما أعيد إلى الوزارة قال لبعض من معه من حواشيه وهو نازل في موكبه بالخلعة إلى داره والناس بين يديه: يا فلان ما هذه الركبة غالية بعلقة مقارع.
1473 - ابن كتب المناخ
... - 852ه؟ ... - 1448م
عبد الكريم بن عبد الرزاق بن عبد الله بن عبد الوهاب، الصاحب كريم الدين ابن الصاحب تاج الدين بن شمي الدين بن علم الدين، الشهير بابن كاتب المناخ، القبطي الأصل المصري.
ولد بالقاهرة، وأمه أم ولد رومية، ونشأ بها تحت كنف والده، وعرف قلم الديونة بحسب الحال، وخدم في عدة جهات، وباشر عند جماعة من أعيان الأمراء، ثم ولي نظر الديوان المفرد، ثم ولي الوزر بعد عزل الأمير أرغون شاه النوروزي الأعور - في حياة والده - وبعد استعفاء والده من الوزر بأشهر، فإن والده كان عزل عن الوزر بأرغون شاه في يوم الاثنين ثامن ذي الحجة سنة خمس وعشرين وثمانمائة، وكان لبس الصاحب كريم الدين هذا للوزر في ثامن عشرين شوال سنة ست وعشرين وثمانمائة.
أخبرني الصاحب كريم الدين قال: لما وليت الوزر دخلت إلى والدي أسلم عليه، فقال لي: يا عبد الكريم أنا وليت الوزر ومعي خمسين ألف دينار، وأنت تعلم كيف خرجت منها فقيراً لا أملك شيئاً، فأنت من أين تسد؟ فقلت: يا سيدي من أضلاع المسلمين،على سبيل المداعبة، فصاح من كلامي واستغاث، انتهى.(2/141)
قلت: ولما ولي الصاحب كريم الدين الوزر نالته السعادة في مباشرته، وقام بالكلف السلطانية أتم قيام، فطالت أيامه، ثم أضيف إليه نظر ديوان المفرد مدة، ثم عزل عن النظر وانفرد بالوزر إلى بعد سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة أضيف إليه الأستادارية على كره منه بعد أقبغا الجمالي، فباشرهما معاً مدة، ثم استعفى من الأستادراية فأعفى واستقل بالوزر مدة كما كان أولاً إلى أن أخلع عليه الملك الأشرف برسباي باستقراره في كتابة السر بالديار المصرية مضافاً على الوزر، بعد موت القاضي شهاب الدين أحمد بن السفاح في أوائل سنة ست وثلاثين وثمانمائة تخميناً، فباشرهما أشهراً، وعزل عن كتابة السر بالقاضي كما الدين محمد بن البارزي، وأبقى معه الوزر، ودام على ذلك مدة، وقبض عليه وصودر وعوقب بالمقارع، وعزل بالصاحب أمين الدين إبراهيم بن عبد الغني بن الهيصم ناظر الدولة، ثم أفرج عنه بعد أن حمل إلى الخزانة الشريفة نحو، العشرين ألف دينار.
واستمر بطالاً مدة إلى أن أخلع عليه باستقراره ملك الأمراء بالوجه القبلي، فتوجه إلى الصعيد، وباشر الشف، وهو على ري المباشرين إلى أن طلب إلى القاهرة وأخلع عليه بنظر بندر جدة، وجعل مشد جدة معه الأمير يلخجا الساقي - أحمد أمراء العشرات ورأس نوبة - فتوجه المذكور إلى جدة، وعاد إلى القاهرة بعد موسم سنة ثمان وأربعين وثمانمائة، وقد تولى الوزر من بعده جماعة كثيرة: الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم، ثم الصاحب جمال الدين يوسف بن كاتب جكم، ثم التاج الخطير، ثم الأمير غرس الدين خليل بن شاهين - نائب الإسكندرية - ثم عبد الباسط بغير خلعة، فلما وصل الوزر إلى عبد الباسط وعجز عن القيام بكلف الدولة أخذ في السعي لعود الصاحب كريم الدين هذا إلى وظيفة الوزر، ولا زال به حتى أذعن ولبس، واستقر الصاحب أمين الدين بن الهيصم ناظر الدولة معه على عادته أولاً، واستمر من حينئذ وذلك سنة تسع وثلاثين إلى أن استعفى من الوزر في الدولة الظاهرية جقمق، فأعفي في يوم الاثنين ثامن جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، بحكم تعلله ولزومه للفراش أشهراً، وولي الوزر الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم ثانياً.
واستمر الصاحب كريم الدين المذكور مريضاً وعوفي وانتكس غير مرة إلى أن مات في يوم الأحد حادي عشرين شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وكثر أسف الناس عليه، ودفن بالصحراء بتربته التي جددها بجوار تربة الأمير بجاس.
وكان لا بأس به في أيام عمله لقلة ظلمه بالنسبة إلى غيره من الظلمة، وكان صحيح الإسلام لكون أن أمه كانت أم ولد كما تقدم. وكذلك جدته لأبيه كانت أيضاً أم ولد رومية، وكان يتجنب النسوة النصارى، وكان جميع زوجاته من المسلمات، فلهذا المقتضى كان لا يفعل ما تفعله الأقباط من طريقتهم السيئة كالغناشية ومواسم النصارى وغير ذلك، وكان طوالاً، رقيقاً، عاقلاً، ساكناً، صاحب رأي وتدبير، ومعرفة تامة بتنفيذ أمور الدولة وما يتعلق بها، وكان عنده سياسة وفطنة ونهضة مع معرفة بأخذ خواطر الناس وقضاء حوائجهم رحمه الله تعالى وعفا عنه.
1474 - كريم الدين الموصلي
632 - ... ه؟ 1334 - ... م
عبد الكريم بن محمود مودود بن بلدجي، الشيخ الإمام كريم الدين أبو الفضل الموصلي البغدادي الحنفي.
تقدم ذكر أخويه عبد الله وعبد الدائم، وباقي ذكر والده محمود إن شاء الله تعالى.
مولده في سنة ثنتين وثلاثين وستمائة بالموصل، وتفقه على أبيه وغيره، وبرع في المذهب، ودرس بمشهد لإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، وكان من الفقهاء العلماء المفسرين.
؟1475 - كريم الدين الكبير
... - 724ه؟ ... - 1323م
عبد الكريم بن هبة الله بن السديد، الرئيس الجليل كريم الدين أبو الفضائل القبطي المصرين المعروف بكريم الدين الكبير، ناظر الخواص.
كان وكيل الملك الناصر محمد بن قلاوون وناظر خواصه ومدبر مملكته، بلغ فوق ما يبلغه الوزراء، ونال فوق ما يناله غيره من أعيان الدولة.(2/142)
قال الصفدي: أسلم كهلاً أيام بيبرس الجاشنكير، وكان كاتبه، وكان لا يصرف على السلطان شيئاً يطلبه إلا يقلم القاضي كريم الدين هذا، وكان الناصر إذ ذاك تحت حجر الجاشنكير، يقال: إنه طلب مرة وزة، ولم يكن كريم الدين حاضراً، فلم تصرف له ولما انقضت دولة الجاشنكير على ما ذكرناه، ورد السلطان من الكرك طلبة كثيراً، واختفى كريم الدين المذكور مدة ثم طلع مع الأمير طغاي الكبير، فأرقفه طغاي ثم دخل إلى السلطان وهو يضحك وقال له: إن حضر كريم الدين إيش تعطيني؟ ففرح وقال: أعندك هو؟ أ؛ضره، فخرج وأحضره، وقال له: مهما قل لك السلطان قل له السمع والطاعة، ودعني أرجو أمرك، فلما تمثل بين يدي السلطان قال له - بعد أن استشاط غضباً - أخرج وأحمل ألف ألف دينار، فقال: نعم، وأراد الخروج، فقال له السلطان: لا كثير أجمل خمسمائة ألف دينار، فقال له كما قال أولاً، ولا زال السلطان ينقص من نفسه إلى أن ألزمه بمائة ألف دينار، فلما خرج على أن يحمل مائة ألف دينار قال له طغاي المذكور: لا تصقع ذقنك وتحضر الجميع لآن، ولكن هات منها عشرة آلاف دينار وأدخل بها على السلطان، وصار يأتيه بالنقدة من ثلاث آلاف دينار إلى ما دونها، ولما بقي بعضها أخذ طغاي والقاضي فخر الدين ناظر الجيش في إصلاح أمره، ولا زال حتى أنعم عليه السلطان بما بقي عليه واستخدمه ناظر الخاص، وهو أول من باشر هذه الوظيفة بتجمل، ولم تكن تعرف أولاً.
ثم تقدم عند السلطان وأحبه محبة لم يحبها لآخر مثله، وكان يخلع عليه أطلس أبيض، والفوقاني بطرز، والتحتاني بطرز، والقبع زركش، على ما استفاض، والخزائن جميعها عنده في بيته، وإذا أراد السلطان شيئاً أرسل إليه مملوكاً إلى بيته واستدعى منه ما يريده، وكان يخلع على الأمراء الطبلخانات من عنده، وقيل إن السلطان نزل يوماً من الصيد فقال له يا قاض اعرض أنت صيود الأمراء فإن لي ضرورة، ودخل الدهليز، ووقف القاضي كريم الدين على باب الدهليز وبقي الأمراء يحضرون صيودهم على طبقاتهم بين يديه وهو يخلع عليهم.
وحج هو والخوند طغاي - زوجة السلطان - واحتفل بأمرها وكان كل سماط من الغداء والعشاء يحضر لها فيه أصناف البقول طرية والجبن المقلي سخناً، وكان قد أخذ معه الأبقار الحلابة، وحمل الخضر في مزارعها بالطين على الجمال.
وكان يخدم كل أحد من الأمراء الكبار المشايخ والخاصكية وأرباب الوظائف والجمدارية الصغار وكل أحد حتى الأوجافية، وكان يركب في خدمته سبعون مملوكاً بكنابيش عمل الدار وطروز ذهب، الأمراء تركب في خدمته.
وقيل إن السلطان طلبه يوماً إلى الدور فدخل وبقيت خزندارة خوند تروح وتجيء مرات فيما تطلبه خوند طغاي، وطال الأمر، فقال له السلطان: يا قاض إيش حاجته لهذا التطويل؟ بنتك ما تختبي منك، ادخل إليها أبصر ما تريده افعله فقام ودخل إليها، وسير من قال لها: أبوك هنا ابصري له ما يأكل، فأخرجت له طعاماً، وقام السلطان إلى كرمة في الدور قطع منها عنباً وأحضره، وهو ينفخه من الغبار، وقال: يا قاض كل من عنب دورنا، وكان إذا أراد أن يعمل سوءاً ويراه قد أقبل يقول: جاء القاضي، ويدع ما كان يريد يفعله، فيحدثه كريم الدين في إبطال ما كان قد هم به من الشر، ومدة حياته لم ير من السلطان إلا خيراً.
وأما مكارمه فتخرج عن الحد، وقيل إنه كان قليل يحاسب صيرفية فيجد في الوصولات وصولات ليست بخطه، ثم بعد حين وقع بالمزور،فقال له ما حملك على هذا؟ فقال: الحاجة، فقال له: كلما احتجت إلى شيء اكتب به خطك على عادتك على هذا الصيرفي، ولكن ارفق فإن علينا كلف كثيرة. قال: وهو الذي صدق أخبار البرامكة.
ومن رئاسته أنه كان إذا قال: نعم، كانت نعم، وإذا قال: لا، فهي لا، وهذه تمام الرئاسة، وقدم من الثغر نوبة حريق القاهرة ونسبت إلى النصارى فغوت به الغوغاء ورجموه فغضب السلطان وقطع أيدي أربعة، ثم إنه مرض في ذلك العام الماضي قبل هذه الواقعة، ولما عوفي زينت القاهرة، وتزاحم الخلق، واختنق رجل، وقيل إنه شرب مرة دواء فجمع كل ما دخل القاهرة ومصر من الورد وحمل إلى داره، وبسط إلى كراسي بيت الماء، وداس الناس ما داسوه، وأخذوا ما فضل أباعه الغلمان للبيمارستان بمبلغ ثلاثة آلاف درهم.(2/143)
وكان وقوراً، عاقلا، داهية، جزل الرأي، بعيد الغور، عمر بالزريبة جامعاً، وعمر في طريق الرملة البيارات، وأصلح الطرق، وعمر جامع القبيبات والقابون ووقف عليهما وقفاً.
ثم انحرف عنه السلطان ونكبه، وأقام في بيت الأمير أرغون النائب ثلاثة أيام، وكان الأمير قجليس يروح ويجئ اله في الرسائل عن السطلان، ثم أمر بنزوله إلى القرافة، ثم إنه أخرج إلى الشوبك، ثم إلى القدس، ثم طلب إلى مصر وجهز إلى أسوان، وبعد قليل أصبح مشنوقاً بعمامته.
وكان يحترم العلماء،وسمع البخاري، وقيل إنه لما أحس بقتله صلى ركعتين وقال: هاتوا عشنا سعداء ومتنا شهداء.
وكان الناس يقولون: ما عمل أحد مع أحد ما عمله السلطان مع كريم الدين، أعطاه الدنيا والآخرة، رحمه الله تعالى.
وكانت واقعته سنة أربع وعشرين وسبعمائة، ومناقبه كثيرة إلى الغاية، ومكارمه جزيلة لا تحصى، وهذا نموذج منها.
ومن مدح شرف الدين القدسي فيه قوله:
إذا ما بار فضلك عند قوم ... قصدتهم ولم تظفر بطائل
فخلهم خلاك الذم واقصد ... كريم الدين فهو أبو الفضائل
انتهى كلام الشيخ صلاح الدين بن أيبك الصفدي باختصار، رحمه الله تعالى.
1476 - كمال الدين الطبري قاضي مكة
... - 656ه؟ ... - 1208م
عبد الكريم بن يحيى بن عبد الرحمن بن علي بن الحسين بن علي، قاضي مكة، كمال الدين أبو محمد وأبو أحمد قاضي مكة أبي القاسم الشيباني الطبري المكي الشافعي.
قال القاضي تقي الدين الفاسي في تاريخه: وجدت خطه على مكتوب ثبت عليه في سادس عشر المحرم سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، ولا أدري هل هذه السنة ابتداء ولايته أو قبلها، وأظنه استمر حتى عزل في شوال سنة خمس وأربعين وستمائة، كذا وجدت بخط الشيخ أبي العباس الميورقي في تاريخ عزله، وولي لعزله القاضي عمران الفهري - الآتي ذكره - فدل على أنه كان حاكماً في هذه السنة وكان محققاً حاكماً في سنة خمس وثلاثين، وسبع وثلاثين، وثمان وثلاثين، وسنة أربعين وسنة أربع وأربعين وخمس وأربعين، ومات في شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين وستمائة، كذا وجدت وفاته في تعاليق أبي العباس الميورقي، انتهى كلام الفاسي.
ورأيت بخط صاحبنا الإمام الفاضل المحدث سراج الدين عمر بن فهد قال: رأيت بخط أبي العباس الميورقي ما صورته: سمعت على ابن عبد الله ابن عم قاضي الحرمين الشريفين عز الدين أبي المعالي يحيى بن عبد الرحمن بن علي بن الحسين بن علي بن علي الطبري الشيباني يقول: كان أولاد القاضي أبي المعالي يحيى ثلاثة: القاضي كمال الدين عبد الكريم، والقاضي جمال الدين عبد الله، والقاضي عمر ونائب الحكم عن القاضي عمران بن ثابت القرشي قاضي الحرمين منذ نحو أربع وعشرين سنة، عام سبعين وستمائة.
وتوفي القاضي عبد الكريم وخلف ستة أولاد: محمود، ومحمد، وعلي، وإدريس،وحسن، وأبو المنصور، رحمه الله تعالى.
؟1477 - الوزير ابن الرويهب
... - 748ه؟ ... - 1382م
عبد الكريم بن الرويهب، الصاحب الوزير كريم الدين القبطي المصري، وزير الديار المصرية.
وزر ثلاث مرات، ولم يرزق السعادة في وزارته، وحصل له محن، ونكب غير مرة، ثم عزل ولزم داره إلى أن توجه إلى بلاد الصعيد بسبب رزق له فمرض بها، وانحدر في مركب عائداً إلى القاهرة فمات بها في سابع عشرين شهر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة.
وكان خاملاً في ولايته، غير مشكور السيرة في مباشرته.
؟1487 - معين الدين بن العجمي
812 - 863ه؟ 1409 - 1458م
عبد اللطيف بن أبي بكر بن سليمان، القاضي معين الدين بن القاضي شرف الدين الحلبي الأصل، المصري المولد والمنشأ، الشافعي، نائب كاتب السر بالديار المصرية، وكانت سر حلب، وابن كاتب سرها، المعروف بابن العجمي، وبابن شرف الدين الأشقر، يأتي ذكر والده في الكنى إن شاء الله تعالى.(2/144)
مولده بالقاهرة في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة تخميناً، ونشأ بها تحت كنف والده، وحفظ القرآن العزيز، وصلى بالناس في سنة أربع وعشرين، وحفظ عدة مختصرات، وتفقه على الشيخ شرف الدين السبكي، وقرأ المعقول على شيخنا العلامة تقي الدين الشمني، وعلى الشيخ شمس الدين الورمي، وكتب الخط المنسوب، وشارك في الفقه والعربية، وتدرب بوالده وغيره، وكتب في التوقيع بديوان الإنشاء بالديار المصرية، وخدم عند الأمير تمراز القرمشي رأس نوبة النواب، ثم ولي كتابة سر حلب بعد عزل والده في أواخر الدولة الأشرفية برسباي، فباشر كتابة سر حلب على أحسن وجه، وحظي عند نائبها الأمير تغري برمش بن أحمد، واستمر إلى أن توفي الملك الأشرف وخرج تغري برمش المذكور عن طاعة الملك الظاهر جقمق فعرف المذكور كيف سار في تلك الأيام المفتنة حتى طلب إلى الديار المصرية وعزل عن كتابة سر حلب، وعاد إلى توقيع الدست بالقاهرة، واستمر على ذلك إلى أن توفي والده القاضي شرف الدين الأشقر في شهر رمضان سنة أربع وأربعين وثمانمائة وأخلع عليه واستقر عوضه في نيابة كتابة السر بالديار المصرية.
؟1479 - سراج الدين الفيومي
... - 801ه؟ ... - 1399م
عبد اللطيف بن أحمد، الشيخ سراج الدين المصري الفيومي الشافعي، نزيل حلب.
تفقه بالقاهرة على شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني وغيره، ثم رحل إلى حلب فولي بها قضاء العسكر، ثم عزل عنها، وكان فقيهاً، مشاركاً، بارعاً في الفرائض، وله نظم ونثر، وخمس البردة.
ومن شعره في مدح النحو وذم المنطق:
دع منطقاً فيه الفلاسفة الأولى ... ضلت عقولهم ببحر مغرق
واجنح إلى نحو البلاغة واعتبر ... إن البلاء موكل بالمنطق
وله فيها يحيض من الحيوان الناطق والصامت:
المرأة والخفاش ثم الأرنب ... والضبع الرابع ثم الراب
وفي كتاب الحيوان يذكر ... للجاحظ انقل عنه ما لا ينكر
قتل المذكور في سنة إحدى وثمانمائة خارج دمشق، وهو قاصد الديار المصرية، رحمه الله.
1480 - القاضي تقي الدين
.... - 803ه؟؟ ... - 1400م
عبد اللطيف بن أحمد بن عمر، القاضي تقي الدين أبو محمد، الشيخ شمس الدين أبي العباس ابن الإمام المفتي تقي الدين أبي جعفر الأنصاري الإسنائي الشافعي، ابن أخت الشيخ جمال الدين عبد الرحيم الإسنوي.
كان فقيهاً مشاركاً، ناب في الحكم بالقاهرة ومصر وأعمال الإطفيحية إلى أن مات في القاهرة في يوم السبت ثالث شهر رجب سنة ثلاث وثمانمائة، رحمه الله تعالى.
؟1481 - شمس الدين العجمي
... - 731ه؟ ... - 1330م
عبد اللطيف بن خليفة، القاضي شمس الدين العجمي، أخو وزير غازان نجيب الدولة.
قدم إلى القاهرة واستوطنها، وكان فاضلاً بارعاً في المنطق والمعاني والبيان، وكان معدوداً من أعيان الحنفية، وكان بينه وبين الشيخ علاء الدين القونوي شيخ سعيد السعداء صحبة أكيدة، وكان يسكن بداره على بركة الفيل خارج القاهرة فلما كان يوم الاثنين سلخ المحرم سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة وجدوه غريقاً ببكرة الفيل تحت داره، رحمه الله تعالى.
؟1482 - نجيب الدين أبو الفرج
587 - 672ه؟ 1191 - 1273م
عبد اللطيف بن عبد المنعم بن علي بن نصر بن منصور بن هبة، الشيخ الجليل مسند الديار المصرية نجيب الدين أبو الفرج بن الإمام الواعظ أبو محمد ابن الصيقل النميري الحراني الحنبلي التاجر السفار.
ولد سنة سبع وثمانين وخمسمائة بحران، اسمعه أبوه ببغداد من: عبد المنعم بن كليب، وأبي الطاهر المبارك بن العطوس، وأبي الفرج ابن الجوزي، وأبي القاسم بن السبط، وأبي الفرج بن ملاح الشط، وابن سكينة، وعبد الله بن مسلم بن جوالق، وعبد الملك بن مراهب الوراق، وطائفة سواهم، وأجاز له من أصبهان: أبو جعفر الطرسوسي، ومسعودالجمال، وخليل الرازاني، وأبو المكارم اللبان، وروى الكثير ببغداد، ودمشق ومصر، وانتهى إليه علو الإسناد، ورحل إليه من البلاد، وازدحم عليه الطلبة والثقات، وألحق الأحفاد بالأجداد، وكان يجهز البز ويتكسب بالمتاجر، وله وجاهة وحرمة وافرة عند الدولة، ثم انقطع لرواية الحديث، وولي مشيخة دار الحديث الكاملية بالقاهرة إلى أن مات سنة اثنتين وسبعين وستمائة.(2/145)
وخرج له الشريف عز الدين مشيخة في خمسة أجزاء، وخرج له ثمانيات في أربعة أجزاء،وخرج له ابن الظاهري الموافقات في ثلثاه عشر جزءاً، والإبدال والعوالي في أربعة أجزاء، والمصافحات في جزءين، وغير ذلك وكان سينا صحيح السماع، وجرت عليه محنة من الدولة ولطف الله به، وروى عنه: الدمياطي، وابن الظاهري، وقاضي القضاة نجم الدين، وابن جماعة وقاضي القضاة سعد الدين والد الشيخ كمال الدين بن الشريشي، والشيخ نصر المنيجي، والعفيف أبو بكر الصوفي، ومحمد بن الشرف الميدومي، والصفي محمد، والأرموي، وخلق كثير بمصر والشام وغيرهما، رحمه الله تعالى.
؟1483 - مجد الدين بن تيمية
... - 699ه؟ ... - 1299م
عبد اللطيف بن عبد العزيز، الشيخ مجد الدين بن تيمية الحراني الحنبلي العدل.
روى عن جده، وعن عيسى بن سلامة، وابن عبد الدائم، وخطب بحران، وكان خيراً عدلاً، توفي سنة تسع وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
؟1481 - محيي الدين السلمي
628 - 695ه؟ 1230 - 1295م
عبد اللطيف بن عبد العزيز بن عبد السلام، الفقيه محيي الدين بن الشيخ عز الدين بن عبد السلام السلمي الدمشقي الشافعي.
ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة، وكان أفضل إخوته، توفي سنة خمس وتسعين وستمائة رحمه الله تعالى.
؟1485 - بلبان الكردي
... - 736ه؟ ... - 1335م
عبد اللطيف، الشيخ سيف الدين، شيخ زاوية السعودي بالقاهرة، كان يعرف ببلبان الكردي.
سمع من: المعين أحمد بن علي بن يوسف الدمشقي، وأبي إسحاق إبراهيم ابن عمر بن مضر وغيرهما، وخرجت له مشيخة لطيفة، وكتب خطاً حسناً متوسطاً، ومات بعد الثلاثين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
؟1486 - الشريف قاضي مكة الحنبلي
779 - 853ه؟ 1377 - 1449م
عبد اللطيف بن محمد أبي الفتح بن أبي المكارم احمد بن أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن، السيد الشريف الحسني، قاضي القضاة سراج الدين، الفاسي الأصل، المكي الحنبلي.
ولد بمكة في شعبان سنة تسع وسبعين وسبعمائة، ونشأ بها، وتفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وولي قاضي القضاة الحنابلة بمكة، وإمام مقام الحنابلة بالمسجد الحرام، وهو أول قاضي حنبلي ولي بمكة المشرفة، هكذا حدثني من لفظه، قلت: وطالت مدة ولايته بمكة، فإنه ولي القضاء بمكة في حدود سنة ثمان وثمانمائة أو بعدها بيسير إلى أن توفي بمكة في سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة.
وكان رحمه الله سيداً نبيلاً، كريماً جواداً، مفرط الكرم، متواضعاً، ذا شيبة نيرة ووقار، محبباً للناس، رحل إلى بلد المشرق على القان معين الدين شاه رخ بن تيمور غير مرة،وعلى ابنه ألوغ بك صاحب سمرقند، وكان يعظمانه ويهبان له الألوف من الذهب، وقيل إنه في بعض سفراته رجع إلى مكة بنحو العشرين ألف دينار فلم تأت عليها السنة حتى ذهبت منه وفرقها في المآكل والمشارب، مع عفة عن المنكرات وعن ما يرمي به قضاة السوء من الرشوة وغير ذلك، بل كان لفرط كرمه يهب لمن يأتي إليه في حاجة أو في محاكمة.
ولما جاورت بمكة المشرفة في عام اثنتين وخمسين وثمانمائة صحبني المذكور، وبقي بيننا صحبة أكيدة ومحبة زائدة، وغالب ما تحققته من أحوال ملوك الشرق إنما هو مما حكاه لي عنهم، رحمه الله تعالى.
وكان شيخاً طوالاً، ضخماً، ساكناً، خيراً، ديناً، إلا أنه كان قليل البضاعة. رحمه الله وعفا عنه.
1487 - مقدم المماليك
... - 861ه؟ ... - 1456م
عبد اللطيف بن عبد الله المنجكي العثماني، الأمير زين الدين الطواشي الرومي، مقدم المماليك السلطانية في الدولة الظاهرية جقمق.(2/146)
أصله من خدام الست فاطمة بنت الأمير منجك، ابتاعته وأعتقته، ثم خدم بعد موتها عند الأمير الكبير الطنبغا العثماني، فعرف بالعثماني، ثم انتقل إلى خدمة الأمير جقمق الأرغون شاوي الدوادار نائب الشام إلى أن قتله الملك الظاهر ططر، واستخدم عبد اللطيف هذا وجعله من جملة جمداوية السلطان الخاص، فاستمر المذكور على ذلك سنين وهو ملازم لخدم الفقراء القادرية إلى أن وقع بين الفقراء القادرية والرفاعية كلام في أواخر الدولة الأشرفية برسباي، فشكاه الشيخ حسن نديم الأشرف إليه، فطلبه الملك الأشرف وقال له: أنت جمدار السلطان أم نقيب الفقراء؟ وضربه بالعصى. أخرجه من الجمدارية، ومات الملك الأشرف بعد مدة وآل الأمر إلى الملك الظاهر جقمق فولاه مقدم المماليك السلطانية، بعد القبض على الأمير خشقدم اليشبكي مقدم المماليك وحبسه بثغر الإسكندرية، فاستمر عبد اللطيف في تقدمة المماليك سنين، وحج أمير الركب الأول أولى وثانية، ثم عزل بالطواشي جوهر النوروزي الحبشي نائب مقدم المماليك، في سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، واستمر بطالاً بالقاهرة، ويتردد إلى ثغر دمياط لعمارته هناك ثم يعود إلى القاهرة إلى أن.
؟1488 - ابن الصابوني
657 - 736ه؟ 1259 - 1335م
عبد المحسن بن أحمد بن محمد بن علي، الشيخ المسند أمين الدين أبو الفضل ابن شهاب الدين بن الحافظ جمال الدين أبي حامد، المعروف بابن الصابوني.
ولد سنة سبع وخمسين وستمائة، وتوفي ليلة السبت سادس جمادى الأولى سنة ست وثلاثين وسبعمائة،وصلى عليه من الغد، ودفن بالقرافة، رحمه الله تعالى.
؟1489 - الملك السعيد فتح الدين
.... - 683ه؟ ... - 1284م
عبد الملك بن إسماعيل، الملك السعيد فتح الدين ابن الملك الصالح ابن الملك العادل.
كان صاحب الترجمة من خيار الأمراء، محترماً، جليلاً، رئيساً، فاضلاً، سمع الحديث على المشايخ، وروى موطأ يحيى بن بكير عن مكرم بن أبي الصقر، وسمع ابن اللتي وغيره، ومات في ليلة الاثنين ثالث شهر رمضان سنة ثلاث وثمانين وستمائة، ودفن من الغد بتربة أم الصالح.
؟1490 - الملك القاهر
622 - 676ه؟ 1225 - 1277م
عبد الملك بن عيسى بن أبي بكر بن أيوب، الملك القاهر بهاء الدين ابن الملك المعظم بن الملك العادل.
ولد سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وسمع من ابن اللتي وغيره، وحدث، وكان شجاعاً مقداماً، حسن الأخلاق، سليم الصدر، تعانى زي الأعراب في مركبه ولباسه وخطابه، وكان يتبادى.
قال الشيخ قطب الدين اليونيني: حدثني تاج الدين نوح بن شيخ السلامية أن الأمير عز الدين أيدمر العلائي نائب صفد حدثه قال: كان الظاهر مولعاً بالنجوم فأخبر أنه يموت في هذه السنة بالسم ملك، فوجم لذلك، وكان عنده حسد لمن يوصف بالشجاعة، وكان القاهر ه مع الظاهر بيبرس نوبة الأبلستين وفعل فيها أفاعيل عجيبة، وبين يوم المصاف حتى تعجب الناس منه، فحسده الظاهر، وكان حصل له ندم لتوغله في بلاد الروم، فحدثه القاهر بما فيه نوع إنكار عليه، فأثر عنده، فتخيل في ذهنه أنه إذا سمه كان هو الذي ذكره المنجمون، فأحضره عنده في يوم الخميس ثالث عشر المحرم سنة ست وسبعين وستمائة لشرب القمز، وجعل السقية في ورقة في جيبه، وللسلطان ثلاث هنابات مختصة به، كل هناب مع ساق، فمن أكرمه السلطان ناوله هناباً منها، فاتفق قيام القاهر إلى بيت الماء، فجعل السلطان الورقة في الهناب وأمسكه بيده، وجاء القاهر فناوله الهناب، فقبل الأرض وشربه، وقام السلطان إلى بيت الماء، فأخذ الساقي الهناب من يد القاهر وملأه على العادة وقد بقي فيه بقية جيدة. ووقف حتى أتى السلطان فناوله الهناب فشربه، وهو لا يشعر، فلما شربه أفاق على نفسه وعلم أنه شرب من ذلك الهناب فيه آثار السم، فتخيل وحصل له وعك وتمرض حتى مات بعد أيام قلائل كما ذكرناه في ترجمته وأما القاهر صاحب الترجمة فإنه مات من الغد، ودفن في يومه، رحمه الله، فانظر إلى الجزاء كيف يكون من جنس العمل، فسبحان الحي الذي لا يموت انتهى.
؟1991 - عبد المنعم البغدادي
... - 807ه؟؟ ... - 1404م
عبد المنعم بن محمد بن داود، وقيل ابن سليمان، الشيخ الإمام الفقيه الحنبلي البغدادي، نزيل القاهرة.(2/147)
قدم من بغداد وأخذ الفقه عن قاضي القضاة موفق الدين، وعن غيره، وبرع في الفقه وغيره، وتصدر للإفتاء والتدريس عدة سنين، وتعين لقضاء الحنابلة، وتولى إفتاء دار العدل، وتدريس مدرسة أم السلطان الأشرف شعبان ابن حسين - بخط التبانة - عوضاً عن الشيخ بدر الدين حسن النابلسي - بعد موته - في أوائل جمادى الآخرة سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة، ودام على ملازمة الاشتغال والإشغال إلى أن توفي يوم السبت ثامن عشر شوال سنة سبع وثمانمائة، وقد انتهت إليه رئاسة الحنابلة، رحمه الله تعالى.
؟1492 - قطب الدين أبو البركات
603 - 687ه؟ 1206 - 1288م
عبد المنعم بن يحيى بن إبراهيم بن علي بن جعفر بن عبد الله بن محمد بن سعيد ابن إبراهيم بن سعيد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري، الشيخ قطب الدين أبو البركات، خطيب القدس أربعين سنة.
كان من الصلحاء الكبار، وكان مجموعاً عن الناس، حسن الهيئة، عزيز النفس، يفتي الناس، ويذكر التفسير من حفظه في المحراب بعد صلاة الصبح، وقد سمع الكثير من الحديث، وكان من الأخيار.
مولده سنة ثلاث وستمائة، وتوفي ليلة السابع من شهر رمضان سنة سبع وثمانين وستمائة، وولي خطابة القدس من بعد بدر الدين بن جماعة. انتهى.
؟1493 - الحافظ الدمياطي
613 - 705ه؟ 1216 - 1305م
عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن بن شرف بن الخضر بن موسى، الشيخ الإمام الحافظ شرف الدين أبو محمد الدمياطي النوبي الشافعي، أحد الأئمة الأعلام والحفاظ الثقات.
ولد سنة ثلاث عشرة وستمائة بتونة وهي بليدة في مجيرة تنيس من عمل دمياط، قال الأبيوردي والإربلي: في سنة عشرة وستمائة، واشتغل بدمياط وتفقه به على الأخوين الإمامين: أبي المكارم عبد الله، وأبي عبد الله الحسين ابني الحسين بن منصور بن أبي عبد الله السعدي، وسمع بها منهما، ومن الشيخ أبي عبد الله محمد بن موسى بن النعمان، وهو الذي أرشده إلى طلب الحديث، وكان قد حفظ التنبيه في الفقه، والنحول في أصول الفقه للغزالي.
ثم انتقل إلى القاهرة واجتمع بالحافظ أبي محمد عبدالعظيم المنذري وجالسه مدة سنين، وأخذ عنه علم الحديث، وكتب عنه جملة كبيرة، وأقبل على هذا الشأن، وكان ول طلبه للحديث سنة ست وثلاثين وستمائة، وتميز في حياة شيخه أبي محمد عبد العظيم المذكور، وكان من نبلاء أصحابه، وكان شيخه يثني عليه، وقرأ القرآن العزيز بالروايات على الشيخ كمال الدين أبي الحسن علي بن شجاع القرشي وسمع منه ومن ابن الجميزي، وابن الصواف، وابن المقير،والشاوي، وعبد العزيز بن عبد المنعم بن البقار، وابن الحباب، وابن عمه أبي إبراهيم بن عبد الرحمن، وعبد الكريم بن عبد الرحمن بن أبي القاسم الراني - آخر من حدث بالديار المصرية عن خطوب الموصلي - والحسين بن محمد الكندي، وغيرهم من أصحاب السلفي والبوصيري وابن ياسين.
ثم رحل إلى الإسكندرية فسمع بها من جماعة من أصحاب السلفي منهم: الفارس، وأبو منصور ظافر بن ظاهر، وابن الجيلي، وابن رواح، والسبط، ومنصور بن سدان الدماغ، وعلى بن مختار، ومحمد بن يحيى بن ياقوت، وأبو البركات هبة الله بن محمد بن حسين بن مفرج المقدسي ابن الواعظ، ومظفر بن الفوي، وأبو بكر محمد بن الحسن السفاقسي، ومحمد بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن محارب وغيرهم.
وحج فسمع بمكة من: الإمام أبي عبد الله المرسي، وأبي الحسن محمد بن الأنجب البقال، والزعفراني، وعبد الرحمن بن فتوح، وأبي النعمان يسير بن حامد بن سليمان الجعفري، وغيرهم.
ثم رحل إلى دمشق فسمع بها من: أحمد بن الفرج بن السلمة، وإسماعيل ابن أحمد العراقي، وملى بن علان، ومحمد وعبد الحميد ابني عبد الهادي بن يوسف، ومحمد بن منقذ القدسيين، والكفر طابي، وعبد الله بن الخشوعي،وأبي البركات عمر بن عبد الوهاب البرادعي، وأحمد بن يوسف بن ديري، وعلي ابن السني، والبلداني، ومحمد اليونيني، وإبراهيم بن خليل، ومظفر بن محمد الأنصاري بن الشيرجي، والقوصي في آخرين.
وبمعرة النعمان من: قاضيها أحمد بن مدرك بن سعيد، وأخيه أبي الكسور سعد، وأبي الفتح مظفر بن محمد بن سعيد بن مدرك بن علي التنوخي.
وبحماة من إبراهيم بن بعد الله بن إبراهيم التنوخي، وصفية القرشية.(2/148)
وبحلب من: ابن خليل وأكثر عنه وانقطع إليه مدة، وأخيه يونس، وابن رواحة، وصقر، وأبي الطيب أحمد بن محمد بن يوسف الحنفي، وعمر ابن محسن، وأبي المعالي محمد بن محمد بن عبد الله بن الطرسوسي، وابني أحمد ابن العديم.
ثم توجه إلى بغداد، فسمع بالموصل من القاضي أبي علي الحسن ابن عبد القاهر بن السهروردي، وبي البركات عمار، وأبي حامد محمد ابن الحسن بن علي العبسي، وعبد الكريم بن محمد علوان بن مهاجر، وغيرهم.
وسمع بماردين من: الحافظ أبي محمد، وبحران من: عبد القادر ابن عبد الله بن تيمية، والخياط.
ثم رحل ودخل بغداد، وحدث قديماً سنة ثلاث وأربعين، وسمع منه فيها بعض الحبيبين وفي سنة ست وخمسين سمع منه علي بن المظفر الكندي، وفي سنة إحدى وستين أبو الحسين اليونيني، وأبو المحاسن يوسف بن أحمد اليغموري، وبعد ذلك الميدومي والإربلي هو أحمد بن يونس بن بركة، والفرضي، والمزي، وأبو حيان، وأبو محمد الحلبي، والبرازلي، والذهبي، وابن سيد الناس، وخلق، وكتب عنه أبو حامد بن الصابوني، ومات قبله بسنتين.
وكتب بخطه كثيراً من الكتب والأجزاء ورزق السعادة في إسناده، وازحم الناس على إقرائه بعلم الأنساب، واشتهر بالفضائل ورحل إلى العراق والحجاز والشام وديار بكر، وجمع الجموع الحسنة،وتولي المناصب بالشام ومصر، وأملى وانتفع به الناس.
قال الإسنوي في طبقاته: كان إمام أهل الحديث في زمانه، وكان فقيهاً اصولياً، نحوياً، لغوياً، أديباً، شاعراً، انتهى.
وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبي في طبقات القراء: أراني إجازته في مجلدة بتلاوته على الكمال الضرير، واستغرق في الحديث زمانه، وسمعت الحافظ أبا الحجاج القضاعي يقول: لم ألق أحداً أضبط من الدمياطي، ودخل بغداد مرتين، وحدث هناك في المرة الأخيرة وأملى، ورزق وافراً، وخرج أربعين حديثاً لأمير المؤمنين آخر خلف بني العباس ببغداد المستعصم أبي أحمد عبد الله ابن المستنصر، وصنف تصانيف مفيدة منها: المعجم بالسماع، ومعجم بالإجازة، ونص في معجمه على أنه يشتمل على ألف شيخ ومائتي شيخ وخمسين شيخاً، وله الأربعون المتباينة الإسناد لأعناد الجياد والأربعون الموافقات، والأربعون، التساعيات المطلقة، وقبائل الأوس، وقبائل الخزرج، وكتاب أخبار بني عبد المطلب بن عبد مناف، أخبار بني نوفل، أخبار بني جمح، أخبار بني سهم بن عمرو بن هصص، وكتاب المحاسن البغدادية، وكتاب كشف المغطى في تبين الصلاة الوسطى صنفه بحلب ثم لما دخل بغداد غيره فنقص منه وزاد وحرره، وهو كتاب نفيس، وله حواشي على البخاري بهوامش على نسخته، وكذا على مسلم، وله سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في مجلدة، وكتاب فضل الخيل، وقد سمعت أنا هذا الكتاب بقراءة الحافظ قطب الدين الخيضري في أربع مجالس آخرها في سلخ شعبان سنة خمس وأربعين وثمانمائة بالقاهرة في منزل المسمع بحارة برجوان على الشيخ الإمام العلامة المحدث عمدة المؤرخين تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي الشافعي بسماعة جميعه على الشيخ المسند ناصر الدين محمد بن علي بن يوسف بن الطبردار الحراوي بسماعه جميعه من مؤلفه الحافظ أبي محمد الدمياطي صاحب الترجمة، عفا الله عنه.
قلت: وتوفي الحافظ شرف الدين الدمياطي المذكور فجأة بالقاهرة بعد أن صلى العصر غشي عليه في موضعه فحمل إلى منزله فمات من ساعته في يوم الأحد خامس عشر ذي القعدة سنة خمس وسبعمائة.
ومن شعره: أنشدنا الشيخ تقي الدين المقريزي إجازةً، قال: أنشدنا ناصر الدين محمد بن الطبردار إجازةً، قال: أنشدنا الحافظ شرف الدين عبد المؤمن الدمياطي لنفسه إجازةً إن لم يكن سماعاً: ؟روينا بإسناد عن ابن مغفل حديثاً صحيحاً صح من علة القدح
بأن رسول الله حين مسيره ... لثامنة وافته من ليلة الفتح
1494 - الأستاذ صفي الدين
.... - 693ه؟ ... - 1293م
عبد المؤمن بن فاخر، الإمام العالم المجود الأستاذ صفي الدين عبد المؤمن، إمام أهل عصره في ضرب العود والموسيقى.(2/149)
قال العز الأربلي الطبيب: كان المذكور كثير الفضائل، يعرف علوماً كثيرة منها: العربية، ونظم الشعر، والإنشاء، وكان فيه غاية، وعلم التاريخ، وعلم الخلاف، والموسيقى، ولم يكن في زمانه من يكتب الخط المنسوب سوى الشيخ زكي الدين لا غير وهو بعده، وفاق في فنه الأوائل والأواخر، وبه تقدم عند الخليفة، وكانت آدابه كثيرة، وحرمته وافرة، وأخلاقه حسنة طيبة، ثم قال بعد كلام كثير: واجتمعت به في مدينة تبريز في شهور سنة تسع وثمانين وستمائة، وأخبرني صفي الدين المذكور قال: وردت إلى بغداد صبياً، وأثبت فقيهاً بالمستنصرية، شافعياً أيام المستنصر، واشتغلت بالمحاضرات، والآداب، والعربية، وتجويد الخط، فبلغت منه غاية ليس فوقها غاية، ثم اشتغلت بضرب العود، فكانت قابليتي فيه أعظم من الخط، لكنني اشتهرت بالخط ولم أعرف بغيره في ذلك الوقت. ثم إن الخلافة وصلت إلى المستعصم فعمر خزانتي كتب متقابلتين برواق عزيز، وأمر أن يختار لهما كاتبان يكتبان ما يجده، ولم يكن في ذلك الوقت أفضل من الشيخ زكي الدين، وكنت دونه في الشهرة، فرتبنا في ذلك، ولم يعلم الخليفة أنني أحسن الضرب بالعود، وكانت ببغداد مغنية تعرف بلحاظ فائقة الجمال تغني جيداً، فأحبها الخليفة وأجزل لها العطاء، فكثر خدامها وجواريها وأملاكها، فاتفق أنها غنت يوماً بين يديه بلحن طيب غريب ، فسألها عن ذلك فقالت: هذا الصفي الدين المجود، فقال الخليفة علي به، فأحضرت وضربت بالعود بين يديهن فأعجبه ذلك، وأمرني بملازمة مجلسه، ورسم لي برزق وافر جزيل، غير ما كان ينعم به علي، وصرت أسفر بين يديه، وأقضي للناس عنده حوائج كثيرة، وكان لي مرتب في الديوان كل سنة خمسة آلاف دينار، يكون عنها دراهم مبلغ ستين ألف درهم، وأحصل في قضاء أشغال الناس مثلها، وأكثر منها، وحضرت بين يدي هولاكو وغنيته، وأضعف ما كان لي من الرواتب أيام المستعصم، واتصلت بخدمة الصاحب علاء الدين عطا ملك الجويني وأخيه شمس الدين، ووليت لهما كتابة الإنشاء ببغداد، ورفعاني إلى رتبة المنادمة، وضاعفا علي الإنعام، وبعد موت علاء الدين وقتل شمس الدين زالت سعادتي وتقهقرت إلى وراء في عمري ورزقي وعيشي، وعلتني الديون، وصار لي أولاد وأولاد أولاد، وكبرت سني، وعجزت عن السعي، انتهى كلام العز الإربلي.
وقال الشريف صفي الدين ابن الطقطقي: مات صفي الدين عبد المؤمن محبوساً على دين كان لمجد الدين عبد الحكيم غلام ابن الصباغ، وكان مبلغ الدين ثلاثمائة دينار، وحبسه القاضي في مدرسة الخل، وكانت وفاته يوم الأربعاء ثامن عشرين صفر سنة ثلاث وتسعين وستمائة، وكان ينفق أمواله على الملاذ، ويبالغ في عمل الحضرات البديعة، وكان يكون ثمن المشموم والفاكهة أربعة آلاف درهم،وكان يتنعم كثيراً، انتهى كلام الشريف.
قلت: وهو الأستاذ المعروف، صاحب الأدوار في صناعة الطبقة والطنين وضرب العود وعلمه، وهو صاحب التصانيف البارعة لفي الموسيقى،وبه يضرب المثل في هذا الشأن، وهو أشهر مما يحكى عنه، وكان قدم إلى دمشق صحبة الوزير عطا ملك بتجمل زائد وثروة كبير، ورأى صفي الدين في هذا الفن من الحظ ما لم يره غيره بعد إسحاق بن إبراهيم الموصلي، نديم الرشيد هارون، إلا أن صفي الدين هذا كان تسيء التدبير، مسرفاً على الأموال، تلافاً، وذكره الشهاب محمود وأثنى على فضله وكثرة علومه ورئاسته واتصاله بالخلفاء والملوك، وأثبت شيئاً من إنشائه ونظمه في تاريخه رحمه الله تعالى، وعفا عنه.
1495 - أوحد الدين كاتب السر
... - 786ه؟ ... - 1384م
عبد الواحد بن إسماعيل بن ياسين، القاضي أوحد الدين بن القاضي تاج الدين الحنفي، المصري المولد والدار والوفاة، كاتب السر الشريف بالديار المصرية.(2/150)
كان فقيهاً، عالماً فاضلاً، وله مشاركة في عدة علوم، ودربة ومعرفة بفنون شتى، وكان رئيساً نبيلاً، ولاه الملك الظاهر برقوق كتابة السر بالديار المصرية في تاسع شوال سنة أربع وثمانين وسبعمائة، بعد عزل القاضي بدر الدين محمد بن فضل الله، فباشر الوظيفة بحرمة وافرة، وحسنت سيرته، وعظم وضخم، فعاجلته الممنية، ومات بالقاهرة فييوم السبت ثاني ذي الحجة في سنة ست وثمانين وسبعمائة، وأعيد القاضي بدر الدين بن فضل الله إلى كتابة السر بعد موته، ومات عن سبع وثلاثين سنة في عنفوان شبيبته، وهو سبط قاضي القضاة جمال الدين بن التركماني الحنفي.
قال قاضي القضاة بدر الدين محمود العينين رحمه الله: وكان ذا فضيلة وعرفان، وحسن سياسة وإحسان، ورياضة وأخلاق، وجميل إرفاق، وحذق في أمور الدنيا وأحوالها، وصدق في أعمال الآخرة وأقوالها، وكانت له مشاركة في كل منظوم ومنثور، انتهى كلام العيني باختصار.
وأثنى عليه غير واحد ممن رآه وصبحه، وكان مليح الشكل، بهي الهيئة، متجملاً رئيساً، رحمه الله تعالى.
؟1496 - ابن وهبان
قاضي القضاة أمين الدين
قبيل 730 - 768ه؟ 1329 - 1366م
عبد الوهاب بن أحمد بن وهبان، قاضي القضاة أمين الدين أبو محمد الدمشقي الحنفي، قاضي القضاة حماة.
مولده قبيل الثلاثين وسبعمائة، ونشأ بحماة، وتفقه بها على علماء عصره، وبرع في الفقه، والأصول، والعربية، واللغة، والقراءات، والأدب، ودرس وأفتى عدة سنين، وجمع وكتب وألف، وولي قضاة حماة في سنة ستين وسبعمائة، وحمدت سيرته إلى أن عزل في سنة اثنتين وستين، ثم أعيد في سنة ثلاث وستين، واستمر قاضياً إلى أن توفي بها في ذي الحجة سنة ثمان وستين وسبعمائة.
وكان مشكور السيرة، عفيفاً، ديناً، عالماً رحمه الله تعالى.
1497 - خطيب النيرب
619 - 694ه؟ 1222 - 1294م
عبد الوهاب بن أحمد بن سحنون، الخطيب البارع مجد الدين الدمشقي الحنفي، خطيب النيرب، وروى عن خطيب مراد، وكان له شعر وأدب وفضائل.
كان من فضلاء السادة الحنفية وأذكيائهم، أفتى ودرس مدة طويلة، ودرس بالدامغانية، وعاش خمساً وسبعين سنة، وكان طبيباً ببيمارستان الجبل، وتوفي سنة أربع وتسعين وستمائة.
ومن شعره في ضوبى:
بأبي غزال جاء يحمل مشعلاً ... يكسو الدجا بملاء ثوب أصفر
وكأنه غصن عليه باقةٌ ... من نرجس أو زهرة من نوفر
؟1498 - ابن بنت الأعز
614 - 665ه؟ 1217 - 1266م
بعد الوهاب بن خلف بن دبر العلامي الشافعي، قاضي القضاة تاج الدين أبو محمد، المعروف بابن بنت الأعز.
ولد سنة أربع عشرة وستمائة، وقيل سنة أربع وستمائة، وروى عن جعفر الهمداني وغيره، وكان إماماً فاضلاً، عالماً متبحراً في المذهب،وولي المناصب الجليلة: كنظر الدواوين والوزر، وقضاء القضاة، ودرس: بالصلاحية، وقبة الشافعي رضي الله عنه، وتقدم في الدولة، وكانت له الحرمة الوافرة عند الملك الظاهر بيبرس، وكان ذا ذهن ثاقب، وحدس صائب، وسعد وعزم مع النزاهة المفرطة، والصلابة في الدين، وحسن الطريقة، والتثبت في الأحكام، وتولية الأكفاء، ولا يراعي أحداً ولا يداهنه، ولا يقول شهادة مريب،وكان قوي النفس، يرتفع على الصاحب بهاء الدين بن حنا وغيره.
وهو والد قاضي القضاة صدر الدين عمر قاضي الديار المصرية، ووالد قاضي القضاة تقي الدين عبد الرحمن الذي وزر أيضاً، ووالد القاضي العلامة علاء الدين أحمد الذي دخل اليمن والشام.
ولما زاد قاضي القضاة تاج الدين هذا في التثبت في الأحكام شكا الأمير أيدغدي العزيز إلى الملك الظاهر منه، ورفع قصة من بيت الملك الناصر يوسف أنهم ابتاعوا دار القاضي برهان الدين السنجاري في حياته وبعد وفاته ادعى الورثة وقفيتها، وجرى بسبب ذلك أمور، فقال الأمير جمال الدين أيدغدي المذكور: نترك نحن مذهب الشافعي لك ونولي في مذهب من يحكم بين الناس، فأمر الملك الظاهر بتولية القضاة الأربع، ولم يكن قبل ذلك إلا قاض واحد من مذهب واحد.(2/151)
وكان في ابتداء الإسلام الحكم بالديار المصرية لجماعة من الصحابة والتابعين إلى أن ظهر مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه فصار حكم الديار المصرية بل وسائر الأقطار للقضاة الحنفية شرقاً وغرباً إلى أن ملك الفاطميون الديار المصرية وأبطلوا سائر المذاهب وأظهروا التشيع، وولوا من اختاروه من الشيعة، واستمر ذلك سنين إلى أن زالت دولتهم وملك الديار المصرية بنو أيوب، وكانوا أكراداً شافعية فأقاموا من مذهبهم قاضياً، وكانت القاهرة قد خربت وتلاشى أمرها إلى الغاية، وخرب غالب قراها وأعمالها، وملكت الفرنج بيت المقدس وغالب السواحل سنين عديدة، فلما تسلطن السلطان صلاح الدين يوسف على أنه نائب لنور الدين الشهيد وأخذ في عمل مصالح الديار المصرية، وفتح الفتوحات الهائلة، وقويت شوكته بحسب الحال، ثم ملك من بعده جماعة من بني أيوب إلى أن زالت دولتهم وملكت الأتراك، وآل الأمر إلى سلطنة السلطان الملك الظاهر بيبرس ورتب القضاة الأربع في سنة أربع وستين أو التي قبلها فكان انفراد السادة الشافعية بالحكم في الديار المصرية مائة سنة من سلطنة الملك المنصور أسد الدين شيركوه في سنة أربع وستين وخمسمائة إلى سلطنة الملك الظاهر بيبرس وتولية القضاة الأربعة في سنة أربع وستين وستمائة. انتهى.
قلت: ولما ولى الملك الظاهر القضاة الأربعة قال علم الدين بن شكر - وقد التقى مع قاضي القضاة تاج الدين المذكور في بعض الأماكن - ما مات حتى رأيتك صاحب ربع، انتهى.
وكانت وفاته سنة خمس وستين وستمائة، رحمه الله تعالى.
؟1499 - ابن أبي شاكر
770 - 819ه؟ 1368 - 1416م
عبد الوهاب بن عبد اله بن موسى بن أبي شاكر بن أحمد بن شرف الدولة ابن الشيخ سيف الدولة، الصاحب الوزير تقي الدين بن الوزير فخر الدين ابن الوزير تاج الدين بن علم الدين بن تاج الدين، القبطي الأصل، المصري الحنفي.
مولده بالقاهرة وبها نشأ، وتعالى قلم الديونة، وتفقه على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه، وكان صحيح الإسلام، وتولى في الدولة الناصرية فرج بن برقوق نظر الديوان المفرد، ثم نظر الخاص، ثم عزل في الدولة المؤيدة شيخ عن نظر الخاص وولي أستادارية المقام الصارمي إبراهيم بن الملك المؤيد شيخ، ثم ولي الوزارة بالديار المصرية إلى أن توفي بالقاهرة في يوم الخميس حادي عشر ذي القعدة سنة تسع عشرة وثمانمائة.
وكان رحمه الله حسن الإسلام، جيد الاعتقاد في الفقهاء والصالحين، وكان يتجنب النسوة النصارى ويكره دخولهن إلى داره، وهذا أمر عظيم.
في الأقباط، ومن فعل ذلك منهم يكون قوي الإيمان، وكان فيها الخير، وعمر مدرسة بين السورين ظاهر القاهرة، ووقف عليها عدة أوقاف، وعمر الرباط بمكة مقابلة باب جياد - أحد بواب المسجد الحرام - ولم يكمله، وكمله فخر الدين بن أبي الفرج، انتهى.
1500 - عبد الوهاب الجيلي
522 - 593ه؟ 1128 - 1196م
عبد الوهاب بن الشيخ عبد القادر بن الجبلي الكيلاني الحنبلي.
قرأ الفقه على والده الشيخ عبد القادر الكيلاني حتى برع فيه، ودرس بمدرسة والده في حياته وقد نيف على العشرين سنة، وكان أمير أولاد الشيخ عبد القادر، وكان فقيهاً فاضلاً، مشاركاً، حسن الكلام في مسائل الخلاف، له لسان فصيح في الوعظ، ولوعظه تأثير في القلوب، وكان عنده مروءة وكرم، وتوفي بعد الستمائة، رحمه الله تعالى، وعفا عنه.
؟1501 - تاج الدين السبكي
728 - 771ه؟ 1327 - 1369م
عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي بن علي تمام، قاضي القضاة تاج الدين أبو نصر بن قاضي القضاة تقي الدين أبي الحسن بن زين الدين بن ضياء الدين الأنصاري الخزرجي السبكي الشافعي، قاضي القضاة دمشق.(2/152)
كان إماماً عالماً، بارعاً، فقيها، نحوياً، أصولياً، مولده سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وسمع من القدسي وطبقته بمصر، ومن بنت الكيال، وابن تمام، والمزي، وأجاز له الحجار، وعني بالرواية، وسمع كثيراً، وأخذ عن والده، والشيخ أثير الدين أبي حيان، وغيرهما، وسمع الحديث على الحافظ شمس الدين الذهبي وتخرج، وكان ذكياً، صحيح الذهن وبرع في الفقه وغيره، وأفتى ودرس، وولي قضاء دمشق أربع مرات، وتولي خطابة الجامع الأموي بدمشق، وصنف عدة مصنفات من ذلك: مختصر ابن الحاجب، وشرح منهاج البيضاوي، وجمع الجوامع في الأصول، والتوشيح في الفقه، وطبقات الشافعية في ثلاث مصنفات: كبرى ووسطى وصغرى، وكتاب الأشباه والنظائر، وغير ذلك، وكن له نظم ونثر وإنشاء ، توفي بالدهشة ظاهر دمشق في يوم الثلاثاء سابع ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، ودفن بسفح قاسيون عن أربع وأربعين سنة، رحمه الله تعالى.
؟1502 - ظهير الدين الصاغاني
646 - 752ه؟ 1248 - 1325م
عبد الوهاب بن عمر بن عبد المنعم بن هبة الله بن أمين الدولة، الشيخ ظهير الدين الصاغاني الحنفي الحلبي.
قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي بعد أن ذكر نسبه: الإمام الصاغاني الزاهد الحنفي النحوي ظهير الدين الصوفي،مولده في شهر رجب سنة ست وأربعين وستمائة، وسمع من حسنه الحرانية، وأجازك له شعيب الزعفراني، وأبو الحسن ابن الجميزي، وحدث، وأخذ عنه ابن طغريل وجماعة. انتهى كلام الذهبي باختصار.
قلت: كان رحمه الله من أعيان فقهاء السادة الحنفية، ذكره الحافظ عبد القادر في طبقاته وأثنى عليه، وتوفي بحلب في صفر سنة خمس وعشرين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
1503 - ابن فضل الله
623 - 717ه؟ 1226 - 1317م
عبد الوهاب بن فضل الله بن المجلي بن دعجان بن خلف، القاضي شرف الدين أبو محمد القرشي العمري، نسبته إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
مولده في ثالث ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وستمائة بدمشق، كان إماماً فقيهاً، كاتباً بليغاً، أديباً مترسلاً، كتب المنسوب الفائق، وتنقل في الخدم حتى صار صاحب ديوان الإنشاء بالديار المصرية مدة طويلة، ومكان مخاديمه يعظمونه ويحترمونه مثل: حسام الدين لاجين، والملك الأشرف خليل ابن قلاوون، والملك الناصر محمد بن قلاوون، وكان الأمير تنكز نائب الشام في كل قليل يذكره، ويجعل أفعاله قواعد يمشى عليها، وكان كاملاً في فنه، أحسن من كتب عن ملوك الأتراك، وكان يدور في كلامه ويتحيل حتى يخرج عن ثقل الإعراب وما يلحن، وهو أول كاتب سر ولي بديار مصر من بني فضل الله، وهو أن الملك الأشرف خليل بن قلاوون لما تغير على كاتب سره عماد الدين إسماعيل بن أحمد بن الأثير قال لنائبه الأمير بدر الدين بيدرا: انظر لي غيره، وكان الأمير لاجين السلاح دار حاضراً، فذكر شرف الدين المذكور وأثنى عليه، فأحضره السلطان على البريد من دمشق في ذي الحجة سنة اثنتين وتسعين وستمائة وأخلع عليه، واستقر به في كتابة السر بالديار المصرية، ودام على ذلك حتى نقله الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى كتابة سر دمشق عوضاً عن أخيه يحيى، وولي عوضه القاضي علاء الدين بن الأثير.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: حكى لي القاضي شهاب الدين بن القيسراني قال: كنت يوماً أقرأ البريد على الأمير تنكز فتحرك على دائر المكان طائر فالتفت إلي يسيراً ورجع إلي وقال: كنت يوماً بالمرج وشرف الدين بن فضل الله يقرأ علي بريداً جاء من السطلان، والصبيان قد رموا حلة على عصفور، فاشتغلت بالنظر إليها فبطل القراءة وأمسكني، وقال: يا خوند إذا قرأت عليك كتاب السلطان اجعل بالك كله مني، ويكون ذهنك كله عندي، لا تشتغل بغيري أبداً، وأفهمه لفظة لفظة. انتهى.(2/153)
وكان في مبدأ أمره يلبس القماش الفاخر، ويأكل الأطعمة المنوعة الفاخرة، ويعمل السماعات المليحة، ويعاشر الفضلاء مثل بدر الدين بن مالك وغيره، ثم انسلخ من ذلك كله لما دخل الدولة، وقتر على نفسه، واختصر في ملبسه، وانجمع عن الناس انجماعاً كلياً، وكان قد سمع في الكهولة من ابن عبد الدائم، وأجاز له ابن مسلمة وغيره، وكان السلطان الملك الناصر محمد بن قالاوون قد نقله من مصر إلى الشام عوضاً عن أخيه محيي الدين يحيى، لأن الملك الناصر كان قد وعد القاضي علاء الدين بن الأثير لما كان معه في الكرك بالمنصب، فأقام بدمشق إلى سنة سبع عشرة وسبعمائة، وتوفي رحمه الله في شهر رمضان من السنة وخلف نعمة طائلة.
ورثاه القاضي شهاب الدين محمود وهو بمصر بقصيدة أولها:
لتبك المعالي والعلا الشرف الأعلى ... وتبك الورى الإحسان والحلم والفضلا
ومن شعره يمدح الملك المنصور قلاوون الصالحي الألفي.
تهب الألوف ولا تهاب لهم ... ألفاً إذا لاقيت في الصف
ألف وألف من ندى ووغى ... فلأجل ذا سموك بالألفي
وله لما ختن الملك الناصر محمد بن قلاوون:
لم يروع له الختان جناناً ... قد أصاب الحديد منه حديداً
مثلما تنقص المصابيح بالقط ... فتزداد في الضياء وقودا
ولما توفي تولي بعده كتابة سر دمشق العلامة شهاب الدين أبو الثناء محمود، وكان من كتاب الدرج بالقاهرة، رحمه الله تعالى.
1504 - النشو
... - 740ه؟ ... - 1339م
عبد الوهاب بن فضل الله، القاضي شرف الدين ناظر الخواص، المعروف بالنشو.
كان هو ووالده وأخوته يخدمون الأمير بكتمر الحاجب، فلما انفصلوا من عنده أقاموا بطالين مدة، ثم استخدم النشو هذا الأمير أيدغمش أمير آخور، فقام بخدمته إلى أن جمع الملك الناصر محمد بن قلاوون في بعض لأيام كتاب الأمراء فرآه السلطان وهو واقف وراء الجماعة وهو شاب طويل نصراني حلو الوجه فاستدعاه وقال له: إيش اسمك؟ قال: النشو، فقال: أنا أجعلك نشوى، ورتبه مستوفياً في الجيزة، وأقبلت سعادته، فأرضاه فيما ندبه إليه وملأ عينه، ثم إنه نقله إلى استيفاء الدولة، فباشر ذلك مدة حتى استسلمه على يد الأمير بكتمر الساقي، وسلم إليه ديوان سيدي أنوك ابن الملك الناصر إلى أن توفي القاضي فخر الدين ناظر الجيش نقل الملك الناصر شمس الدين موسى من نظر الخاص إلى نظر الجيش، وولي النشو هذا نظر الخاص على ما بيده من ديوان ابن السلطان، وحج مع السلطان في تلك السنة يعني سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة.(2/154)
قال ابن أيبك: ولما كان في الاستيفاء وهو نصراني كانت أخلاقه حسنة، وفيه بشر وطلاقة وجه وتسرع لقضاء حوائج الناس، وكان الناس يحبونه، فلما تولي الخاص وكثر الطلب عليه، وزاد السلطان في الإنعامات والعمائر وبالغ في أثمان المماليك وزوج بناته واحتاج إلى الكلف العظيمة المفرطة الخارجة عن الحد ساءت أخلاق النشو وأنكر من يعرفه، وفتحت أبواب المصادرات للكتاب، ولمن كان معه مال، وكان الناس يقومون معه ويقعون إلى أن ازداد الشر أضعافه، وهلك أناس كثيرو، وسلب جماعة نعمهم، وزاد الأمر إلى أن دخل الأمير بشتك والأمير قوصون وجماعة من الخاصكية، ومعهم عبد المؤمن إلى السلطان، فلما حضروا أجلسهم، وأخرج عبد المؤمن سكينة عظيمة من غلافها، فارتاع السلطان، فقال عبد المؤمن: أنا الساعة أخرج إلى النشو وأضربه بهذه السكينة وأنت تشنقني وأريح الناس من هذا الظالم، فقال: يا أمراء متى قتل هذا بغتةً راح مالي، ولكن اصبروا حتى نبرم الحال في أمره، فلما كان ليلة الاثنين ثاني صفر سنة أربعين وسبعمائة اجتمع السلطان به وقال له: نريد غداً نمسك فلاناً فاطلع أنت من سحر لتروح تحتاط عليه، واحضر جماعتك ليتوجه كل واحد منهم إلى جهة أعينها له، فلما كان باكر النهار طلع إليه ودخل واجتمع به وقرر معه الأمر، وقال له: أخرج حتى أخرج أنا وأعمل على إمساكه، فخرج وقعد على باب الخزانة، وقال السلطان لبشتك: أخرج إلى النشو وامسكه، فخرج إليه وأمسكه، وأمسك أخاه رزق الله، وصهره، وأخاه الآخر، وجماعتهم، وعبيدهم، ولم ينج منهم إلا المخلص أخو النشو، فإنه كان في بعض الديرة فجهز إليه من أمسكه وأحضره، وجهز رزق الله إلى بيت الأمير قوصون، فلما أصبح وجدوه قد ذبح نفسه، وأما النشو فتسلمه الأمير برسبغا الحاجب ابن الأمير بشتك وعوقب هو وأخوه المخلص ووالدتهما وعبدهم، وماتت والدته وأخوه المخلص تحت العقوبة في المعاصير والمقارع، ثم إن السلطان رق على النشو ورفع عنه العقوبة، ورتب له الجرائحية والشراب والفراريج، فاستشعروا رضى السلطان عليه، فأعيدت عليه العقوبة ومات تحتها.
وقيل إن الذي أخذ منه ومن أخوته وأمه وأخته وصهره وعبيدهم بلغ ثلاثمائة ألف دينار مصرية.
وفي إمساكه نظم القاضي علاء الدين بن فضل الله صاحب ديوان الإنشاء:
في يوم الاثنين ثاني الشهر من صفر ... نادى البشير إلى أن أسمع الفلكا
يا أهل مصر نجا موسى ونيلكم ... وفي فرعون وهو النشو قد هلكا
؟1505 - قاضي القضاة بدر الدين الإخنائي
720 - 789ه؟ 1320 - 1377م
عبد الوهاب بن محمد بن محمد بن عيسى بن أبي بكر بن عيسى، قاضي القضاة بدر الدين الإخناء السعدي المالكي.
ولد في حدود سنة عشرين وسبعمائة، وتفقه بجماعة من العلماء، وتولى نظر الخزانة الخاص، ثم ولاه الملك الأشرف شعبان بن حسين قضاء القضاة المالكية في يوم الخميس حادي عشرين شهر رجب سنة سبع وسبعين وسبعمائة، بعد موت قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن محمد بن أبي بكر الإخنائي، وكان ضعيفاً فجاء التشريف وألقي عليه على لحافه، فلما عوفي من مرضه لبس التشريف وباشر القضاء أحسن مباشرة إلى أن صرف بعلم الدين سيلمان بن خالد بن نعيم البساطي في سابع عشرين ذي القعدة سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، ثم أعيد في صفر سنة تسع وسبعين فباشر القضاء ثانياً إلى أن صرف بالبساطي في يوم الاثنين ثالث شهر رجب من السنة ولزم داره إلى أن توفي بالقاهرة في شهر ربيع الأول سنة تسع وثمانين وسبعمائة.
وكان خيراً ديناً مشكور السيرة في أحكامه، رحمه الله تعالى.
1506 - أيمن الدين الطرابلسي الحنفي
773 - 809ه؟ 1371 - 1416م
عبد الوهاب بن محمد بن أبي بكر، قاضي القضاة أمين الدين ابن قاضي القضاة شمس الدين الطرابلسي الحنفي.(2/155)
ولد بالقاهرة في يوم الثلاثاء ثامن عشرين شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، ونشأ بها تحت كنف والده، وبه تفقه وبغيره، وتولي قضاء العسكر مدة، ثم قضاء القضاة الحنفية بالديار المصرية بعد موت قاضي القضاة جمال الدين يوسف الملطي في ثاني عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانمائة، فسار على سيرة أبيه في العفة والديانة إلى أن صرف في سادس عشرين شهر رجب سنة خمس وثمانمائة بقاضي القضاة كمال الدين عمر بن العديم قاضي حلب، فباشر كمال الدين إلى أن توفي سنة إحدى عشرة وثمانمائة، وتولي من بعده ابنه ناصر الدين محمد مدة يسيرة، وصرف وأعيد صاحب الترجمة في رابع شهر رجب من السنة، فباشر مدة يسيرة هو أيضاً، وصرف بناصر الدين محمد ابن العديم المذكور إلى أن توفي سنة تسع عشرة وثمانمائة، وقد تجاوز الأربعين سنة.
وكان مشكور السيرة، وولي مشيخة الشيخونية بعد عزله ثاني مرة، رحمه الله تعالى.
1507 - نظام الدين الخيمي الحنفي
638 - 720ه؟ 1240 - 1320م
عبد الوهاب بن محمد بن محمد بن محمد بن عثمان، الشيخ الإمام الفقيه النحوي نظام الدين، البلخي الأصل، الخيمي المولد، الحنفي، إمام المدرسة الأشرفية.
مولده في نصف شهر ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين وستمائة، تفقه على أبيه وغيره، وحدث عن والده بجزء ابن نجيد.
قال الحافظ عبد القادر في طبقاته: وكان عنده نباهة وقوة ذهن،مع كبر سن، وهو من بيت علم، كان أبوه من كبار فقهاء السادة الحنفية، ثم قال: وحدث عن والده بجزء ابن نجيد، وسمعته عليه، وكان فقيهاً فاضلاً، انتهى كلام عبد القادر.
قلت: كان المذكور معدوداً من أعيان الحنفية، وأفتى ودرس سنين، وأثنى عليه جماعة من العلماء، وتوفي بالمدرسة الأشرفية خارج القاهرة في سابع عشر شهر رجب سنة عشرين وسبعمائة، وكانت جنازته مشهودة، رحمه الله تعالى وعفا عنه.
1508 - قاضي شهبة
653 - 726ه؟ 1255 - 1326م
عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب بن الشيخ كمال الدين الأسدي الشافعي الدمشقي، الشهير بابن قاضي شهبة.
مولده في سنة ثلاث وخمسين وستمائة، كان فقيهاً عالماً، فاضلاً، بارعاً، تصدر للإفتاء والتدريس مدة طويلة، وانتفع به كثير من الطلبة إلى أن توفي بدمشق في سنة ست وعشرين وسبعمائة، ودفن بمقابر باب الصغير.
1509 - تاج الدين بن نصر الله
760 - 820ه؟ 1359 - 1417م
عبد الوهاب بن نصر الله بن الحسن، القاضي تاج الدين، الفوي الأصل ثم المصري الحنفي، أخو الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله، ووالد القاضي شرف الدين وغيره، مولده سنة ستين وسبعمائة بفوه، وقدم القاهرة واشتغل، وتفقه بجماعة من فقهاء السادة الحنفية، وناب في الحكم سنين، وولي عدة وظائف جليلة: كنظر الأحباس، ووكالة بيت المال، ونظر الكسوة، وتوقيع الدست، وخدم عند عدة من أكابر الأمراء بالديار المصرية.
وكان له وجاهة ووقار في الدولة، وكان جارنا، ونعم الجار كان إلى أن توفي ليلة السبت ثالث عشر جمادى الآخرة سنة عشرين وثمانمائة، وخلف عدة أولاد ذكور وإناث، رحمه الله تعالى وعفا عنه.
1510 - الوزير الشيخ الخطير
... - 865ه؟ ... - 1460م
عبد الوهاب بن الشمس نصر الله بن الوجيه توما، الوزير تاج الدين القبطي الأسلمي، الشهير بالشيخ الخطير، وهو لقب لوالده الشمس نصر الله(2/156)
مولده بالقاهرة، وبها نشأ على دين النصرانية، وبرع في قلم الديونة والمباشرة، وخدم في عدة جهات، ثم أكره حتى أظهر الإسلام، واتصل بخدمة الملك الأشرف برسباي لما كان أميراً، فلما آل أمره إلى السلطنة رقي تاج الدين المذكور حتى جعله ناظر الإسطبل السلطاني، بعد القاضي بدر الدين محمد ابن مزهر لما ولي كتابة السر بالديار المصرية، ثم أضاف إليه التحدث في إقطاع المقام الناصري محمد بن الملك الأشرف برسباي، ثم من بعده لأخيه الملك العزيز يوسف، ثم أضاف إليه عدة جهات أخر، وكان الأشرف ظنيناً بمعرفته ومباشرته إلى أن استعفى الصاحب جمال الدين يوسف بن كريم الدين ابن كاتب جكم عن الوزر وأعفى، طلبه الملك الأشرف في يوم الثلاثاء ثامن عشر جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة وفوض عليه خلعة الوزر، عوضاً عن الصاحب جمال الدين المذكور، فلما ولي التاج هذا الوزر باشر بعجز وتعب وقلة سعادة مع طيش وخفة وحدة مزاج وصياح، قيل إنه كان يوماً في دست مباشرته بقاعة فتح الله الصغيرة فازدحم الناس بالقاعة المذكورة لقضاء حوائجهم على العادة من غير زيادة ازدحام، فلما نظر ذلك ضاق خلقه وأمرهم بالذهاب فلم يلتفتوا لقوله، فإنه كان غير مهاب في الأعين فقام على الفور على باب القاعة وجمع ما كان بباب القاعة من الزراميج والقباقيب في ذيله بالنجاسات والوسخ وخرج بهم إلى الباب البراني وأرماهم من ذيله ثم عاد وقعد في مرتبته، فعند ذلك خرج كل واحدٍ إلى أخذ مداسه، واستراح، وله من هذه الأشياء يطول الشرح في ذكرها، واستمر في الوزر إلى أن استعفى غير مرة، وظهر عنه لكل أحد عدم تدبيره وقلة معرفته وعجزه، وفهم السلطان عنه ذلك وعزله عن الوزر، ولزم داره وتخومل إلى أن مات الملك الأشرف برسباي في ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وآل الأمر بعد ذلك إلى سلطنة الملك الظاهر جقمق قبض عليه وصادره،وامتحن في أيامه ثم ترك بطالاً مخمولاً متعوساً مبعوداً لبغض الناس له، لذميم خلقه، وشراسة خلقه، ولقلة دينه، وكثرة ميله إلى دين النصرانية، يعلم ذلك بمجرد رؤية وجهه، وصفته شيخ قصير، أصفر الوجه، تعلوه ظلمة، وعمامته كعمامة النصارى في ترتيبها غير أنها مبيضة في الظاهر، وهو إلى الآن من جملة الأحياء في حكم الأموات نكالاً من الله.
؟1511 - الوزير علم الدين بن القسيس
... - 791ه؟ ... - 1388م
عبد الوهاب بن القسيس، الوزير الصاحب علم الدين القبطي، عرف بكاتب سيدي.
كان أولاً يلي ديوان المرتجع إلى أن ولاه الملك الظاهر برقوق الوزارة، بعد موت الوزير شمس الدين إبراهيم كاتب أرنان، في سادس عشرين شعبان سنة تسع وثمانين وسبعمائة، فباشر الوزر بكون وقلة ظلم إلى أن عزل وقبض عليه في يوم السبت رابع شهر رمضان سنة تسعين وسبعمائة بالوزير كريم الدين عبد الكريم ابن شاكر بن الغنام وتسلمه، وكان صاحب الترجمة هو الظالم، فإنه أراد في أيام عمله أن يتسلم ابن الغنام ويصادره، فبادر ابن الغنام وسعى في الوزر وتسلمه وصادره، ثم أطلقه فلزم داره حتى مات في أول المحرم سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وكان كاتباً مطيعاً، عفا الله عنه.
؟1512 - تاج الدين اليماني الفقيه المؤرخ
680 - 743ه؟ 1281 - 1342م
عبيد الله بن عبد المجيد بن عبد الله بن أبي المعالي متَّ - بتاء مثناه من فوق مشددة - ابن أحمد، الشيخ تاج الدين أبو المحاسن المخزومي اليمني.
مولده في شهر رجب سنة ثمانين وستمائة بعدن، هكذا ذكره الجندي في تاريخ اليمن وهو أعرف بأحوال اليمنيين من غيره.
وقال البرزالي: ولد بمكة، وتابعه جماعة على ذلك.(2/157)
كان إماماً فقيهاً عالماً، وله مكارم ومعرفة بفنون، وله تواليف كثيرة، وله نظم، وترسل، وخطب، ونثر جيد، وفصاحة، وبلاغة، ومصنفات كثيرة،من ذلك: مختصر الصحاح، وشرح ألفاظ الشفاء للقاضي عياض، وتاريخه المسمى ببهجة الزمن في تاريخ اليمن، وغير ذلك، ورحل، وقدم دمشق في نيابة الأفرم، ونالته السعادة، وأشغل الطلبة بها مدة طويلة في علوم شتى، ثم عاد إلى اليمن ونال بها أيضاً رئاسة وسعادة عند صاحبها الملك المؤيد بن الملك المظفر، ثم وزر له، واستمر على ذلك إلى أن مات المؤيد حصل له نكبة وصودر وجرت عليه خطوب من الملك المجاهد بن المؤيد، ثم عاد إلى الحجاز ثانياً، فإنه كان أقام به أولاً ثمان سنين، وأقام به مدة، ثم قصد الديار المصرية في سنة ثلاثين وسبعمائة فحسن أمره بها، وولي تدريس المشهد النفيس، وشهادة البيمارستان المنصوري بالقاهرة، ثم رحل إلى القدس وتولى تصديراً، ثم عاد إلى القاهرة في آخر سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، ودفن بمقبرة الصوفية، وقيل توفي بالقدس، والأول أرجح، رحمه الله تعالى.
ومن شعره:
لعل رسولاً من سعاد يزور ... فيشفي ولو أن الرسائل زور
يخبرنا عن غادة الحي هل ثوت ... وهل ضربت بالرقمتين خدود
وهل سنحت في الروض غزلان عالج ... وهل أثله بالساريات مطير
ديار لسلمى جادها وأكف الحيا ... إذ ذكرت خلت الفؤاد يطير
كأن غنا الورقاء م فوق دوحها ... قيان وأوراق الغصون ستور
تمايل فيها الغصن من نشوة الصبا ... كأن عليه للسلاف غدير
متى أطلعت فيه الغمائم أنجما ... تلوح ولكن الأكف تغور
1513 - قاضي القرم
بعد 710 - 780ه؟ بعد 1310 - 1378م
عبيد الله بن محمد بن عثمان، شيخ الشيوخ ضياء الدين بن سعد الدين، وكان يقال له ضياء العفيفي القزويني الشافعي القرمي، المعروف بقاضي القرم.
ولد في سنة بضع عشرة وسبعمائة، وأخذ عن والده، وعن القاضي عضد الدين عبد الرحمن في صباه، وسمع من العفيف المطري، وبرع في العلم قديماً حتى كان الشيخ سعد الدين عمر بن مسعود التفتازاني أحد من قرأ عليه وحضر دروسه، ثم قدم القاهرة وعظم عند الملك الأشرف شعبان بن حسين، وتولي تدريس الشافعية بخانقاة شيخو بعد الشيخ بهاء الدين السبكي، ثم ولي مشيخة الخانقاة الركنية بيبرس الجاشنكير، ولما انشأ الملك الأشرف شعبان مدرسته بالصوه - تحت قلعة الجبل تجاه الطبلخاناة السلطانية - ولاه مشيختها وعزل نظام الدين إسحاق.
قلت،: وقد أخرب الملك الناصر فرج هذه المدرسة المذكورة،وهي إلى، بيمارستان الملك المؤيد شيخ، انتهى.
ولما توجه الملك الأشرف من القلعة إلى بركة الحاج يريد الحج في يوم الاثنين رابع عشر شوال سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، دخل قبل توجهه إلى البركة مدرسته المذكورة قبل أن يكمل بناؤها وإما كمل قاعة المشيخة لا غير، وسكنها الشيخ ضياء الدين المذكور واستدعى القضاة الأربع ومد لهم سماطاً عظيماً، وجلس السلطان والشيخ إلى جانبه، فتقدم خادم الخدام الشيخ محمد بن النجار القرافي وأخذ الششني، فمد السلطان يده حينئذ وأكل، ثم جيء بعد السماط بتوقيع الشيخ بمشيخة الشيوخ، وقرأه القاضي فخر الدين محمد القاياتي قاضي مصر، ثم خرج السلطان إلى بركة الحجاج، وكان من أمره ما ذكرناه، ولما قتل الملك الأشرف تسلطن من بعده ولده الملك المنصور علي وقام بتدبير الأمير قرطاي وغيره من الأمراء أخرج الشيخ ضياء الدين من المدرسة الأشرفية إخراجاً مزعجاً، وسكن البيبرسية على عادته أولاً، ولازم التدريس والإقراء، وانتفع به الطلبة، بعلمه وجاهه، وكانت الطلبة تقرأ عليه دواماً حتى في حال ركوبه ومسيره، وكان يقول: أنا حنفي الأصول، شافعي.
الفروع، وكان متضلعاً من العلوم والفنون، يقرئ في غالب الأوقات بلا مطالعة، وكان يستحضر مذهب السادة الحنفية ويفتي فيه، كما يفتي في مذهبه، هذا مع الدين المتين، وكثرة الخير، وقلة الشر، وسلامة الباطن.(2/158)
قال المقريزي: وكانت لحيته طويلة جداً بحيث تصل إلى قدميه، وكان رجلاً تاماً إلى الطول أميل، وإذا نام جعل لحيته في كيس، وكانت العامة إذا رأته حين يمر في الأسواق سبحت الله تعالى، وكان إذا سمع قولهم يقول: هؤلاء مؤمنون حقاً، ولم يزل على حاله حتى توفي بالقاهرة يوم الاثنين ثالث عشرين ذي الحجة سنة ثمانين وسبعمائة، وهو أحد من أخذت عنه. انتهى كلام المقريزي باختصار، رحمه الله تعالى.
؟1514 - البارشاه السمرقندي
... - 701ه؟ ... - 1301م
عبيد الله بن محمد، الشيخ الإمام العابد الزاهد العلامة ركن الدين البارشاه السمرقندي الحنفي، نزيل دمشق، ومدرس الظاهرية، ثم النورية.
كان من أئمة المذهب، مكباً على المطالعة والأشغال مع أوراد هائلة، كان يصلي في اليوم والليلة مائة ركعة دوماً مع تأني وخشوع وله حلقة بالجامع يقرئ الطلبة، وأقام مدة طويلة على ذلك، وانتفع بعلمه ودينه جماعة كبيرة، واستمر على ذلك إلى أن مات خنقاً في سنة إحدى وسبعمائة، أصبح ميتاً ملقى في بركة الظاهرية، فمس طي الحوراني قيم الظاهرية وضرب، فأقر بقتله فشنق في التاريخ. انتهى.
؟؟1515 - تقي الدين الإسعردي
622 - 629ه؟ 1225 - 1293م
عبيد الله بن محمد بن عباس بن محمد بن موهوب، الحافظ المفيد تقي الدين أبو القاسم الإسعردي.
؟ولد سنة اثنتين وعشرين وستمائة بإسعرد، وقدم إلى الديار المصرية في صباه مع أبيه، وسمع من: علي بن مختار، والحسن بن دينار، ويوسف بن المخيلي، وابن رواح، وابن المقير، وسبط السلفي، وجماعة بالثغر، وجماعة بدمشق، وكتب الكثير، وبرع في الحديث والرجال، والتجريح، والعالي والنازل، وخرج لجماعة،وقرأ الكثير، وكان من العارفين مع الثقة والصدق، وسمع منه: ابن الظاهري وولداه، والحراني وولداه، والمزي، وابن منير الحلبي، وابن سيد الناس، والبرزالي، وخلق، وتوفي سنة اثنتين وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى وعفا عنه.
باب العين والتاء
المثناة من فوق
1516 - تقي الدين العدوي
... - 722ه؟ ... - 1322م
عتيق بن عبد الرحمن بن أبي الفتح، الشيخ المحدث الزاهد تقي الدين أبو بكر القرشي العدوي العمري، المصري، الصوفي، المالكي، شيخ خانقاه ابن الخليل.
كان فيه دين وتعبد، مع علم وفضيلة، سمع بمصر والشام والحجاز، وجاوز بمكة مرة، وحدث عن: النجيب عبد اللطيف، وعبد الله بن علاق، ومرض بالفالج مدة، وهو في عشر الثمانين، وكتب عنه الطلبة، وتوفي سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، رحمه الله تعالى، وعفا عنه.
باب العين والثاء المثلثة
1518 - فخر الدين البرماوي
... - 816ه؟ ... - 1413م
عثمان بن إبراهيم بن أحمد، الشيخ الإمام فخر الدين البرماوي الشافعي، شيخ القراء بالمدرسة الظاهرية برقوق.
كان إماماً بارعاً في معرفة القراءات، عالماً بالفقه والحديث والعربية، تصدر للإقراء عدة سنين إلى أن توفي فجأة بعد خروجه من الحمام في يوم الاثنين تاسع عشر شعبان سنة ست عشرة وثمانمائة.
والبرماوي نسبة إلى برمة، بلدة بالغربية من أعمال القاهرة بالوجه، البحري، وإليها ينتسب جماعة كثيرة من الفقهاء وغيرهم، رحمه الله تعالى.
؟1519 - العلامة فخر الدين التركماني الحنفي
660 - 731ه؟ 1261 - 1330م
عثمان بن إبراهيم بن مصطفى بن سليمان، الشيخ الإمام العلامة فخر الدين أبو عمرو المارديني الحنفي، الشهير بالتركماني.
كان إماماً عالماً بارعاً مفنناً، تصدر للإفتاء والتدريس سنين، وكان معظماً عند الملوك، درس بمدرسة الملك المنصور قلاوون بالقاهرة مدة طويلة وشرح الجامع الكبير، وسمع من: أحمد بن عبد الكريم بن غازين وشاكر الله ابن السمعة، وعمر بن عبد العزيز بن رشيق، وغيرهم، وكان من أوعية العلم، مقدماً على أقرانه، فصيح العبارة، عالماً باللغة والعربية والمعاني والبيان، معدوداً من أعيان السادة الحنفية.(2/159)
قال الحافظ عبد القادر الحنفي في طبقاته، عثمان بن مصطفى بن إبراهيم بن سليمان بعكس ما ذكرناه وأظنه وهم في ذلك، أو غلط الكاتب في النسب، قال: الإمام العلامة شيخ الحنفية في زمنه، والد سيدنا ومولانا قاضي القضاة علاء الدين أبي الحسن علي، والعلامة تاج الدين أبي العباس أحمد، ثم قال: وهو أيضاً جد سيدنا قاضي القضاة جمال الدين أبو محمد عبد الله بن علي، وعبد العزيز بن علي، ومحمد بن أحمد، بيت علماء فضلاء أئمة، انتهت إليهم الرئاسة، وسمع الإمام فخر الدين من الدمياطي، وحدث وأفتى، ودرس، وتخرج عليه الخلق من الطلبة، وشرح الجامع الكبير بكماله، وتفقهت عليه، وقرأت عليه قطعة من الهداية بالجامع الحاكي وغيره، انتهى كلام الحافظ عبد القادر.
قلت: وكانت وفاته ليلة السبت حادي عشر شهر رجب سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، رحمه الله تعالى وعفا عنه.
؟1520 - فخر الدين الزرعي
... - 778ه؟ ... - 1376م
عثمان بن أحمد بن أحمد بن عثمان، قاضي القضاة فخر الدين أبو عمرو بن قاضي القضاة صدر الدين أبي المعالي بن القاضي شهاب الدين بن القاضي فخر الدين الزرعي الشافعي، قاضي قضاة حلب.
انتقل إليها من قضاء طرابلس، وطالت مدته فيها، حكمها نحواً من إحدى وعشرين سنة، وكان مشكور السيرة، عالماً، فاضلاً، فقهياً، ورئيساً، توفي بحلب في شعبان سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
؟1521 - أبو العباس الظاهري
670 - 730ه؟ 1271 - 1329م
عثمان بن أحمد بن محمد بن عبد الله، الشيخ الإمام أبو العباس الظاهري الحنفي.
تفقه على والده، وعلى عمه إبراهيم، وأحضره والده على أبي الفتح عبد اللطيف ابن عبد المنعم الحراني، وعبد الله بن علاق، وأسمعه من عبد العزيز بن عبد المنعم الحلاوي، والإمام أبي بكر محمد بن إبراهيم المقدس، سمع الكثير، وكتب بخطه، وقرأ بنفسه على البرزالي.
قال الحافظ عبد القادر الحنفي: ذكر لي والده في سنة خمس وثمانين أن كثرة شيوخ إلى ستمائة شيخ، ثم ازدادوا بعد ذلك، مولده في صفر سنة سبعين وستمائة، وقيل في المحرم، ومات رحمه الله في ليلة يسفر صباحها عن سادس شهر رجب سنة ثلاثين وسبعمائة، بزاوية والده خارج باب البحر، سمعت منه الكثير، وأجاز لي غير مرة، وكتب لي بخطه. انتهى كلام الحافظ عبد القادر، رحمه الله تعالى.
؟1522 - ابن جوشن
... - 707ه؟ ... - 1307م
عثمان بن جوشن، الشيخ الصالح فخر الدين المسعوي.
كان له فضيلة ومشاركة، وللناس فيه اعتقاد حسن، ويقصد للزيارة والتبرك به إلى أن توفي سنة سبع وسبعمائة، ودفن بتربته خارج باب النصر، المعروفة بتربة جوشن، وجلس أحد أولاده مكانه، رحمه الله تعالى.
؟1523 - فخر الدين الكرادي الأشقر
... - 791ه؟ ... - 1389م
عثمان بن سليمان بن رسول بن يوسف بن خليل بن نوح، الشيخ الإمام فخر الدين الكرادي - بتخفيف الراء المهملة - الحنفي، المعروف بالأشقر، إمام الملك الظاهر برقوق.
أصله من البلاد الشمالية، واشتغل بها، ثم قدم القاهرة في عنفوان شبابه في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين، واشتغل بها على علماء عصره، وبرع في مذهبه، وشارك في غيره، وصحب الملك الظاهر برقوق في أيام إمرته، وقيل قبل أن يتأمر، فلما تسلطن الظاهر برقوق عرف له الصحبة وقرره إماماً عنده، وتقدم في دولته، ثم ولاه قضاء العسكر ومشيخة الخانقاة البيبرسية إلى أن توفي يوم الخميس رابع عشرين شهر ربيع الآخر سنة إحدى وتسعن وسبعمائة.
وكان حسن الهيئة، مشاركاً في الفضائل، وهو والد القاضي محب الدين ناظر الجيوش المنصورة المعروف بابن الأشقر، وقد سألت ولده القاضي محب الدين المذكور عن أصله، فقال: أصلنا من بلاد القرم، وكان جدي عالماً مفنتاً، وكان والد جدي ملكاً بتلك البلاد، رحمه الله تعالى.
؟1524 - ابن تولوا الفهري
605 - 658ه؟ 1208 - 1286م
عثمان بن سعيد بن عبد الرحمن بن أحمد تولوا، الأديب الشاعر معين الدين أبو عمرو الفهري المصري.
ولد بتنيس سنة خمس وستمائة، وسمع بدمشق من القاضي أبي نصر بن الشيرازي وغيره، وكان أحد الشعراء في عصره، وعليه تخرج الحكيم شمس الدين محمد بن دانيال، وبه تأدب، وله معه حكايات، وكان يسخر به ويهزأ، ويضحك منه الناس، توفي سنة خمس وثمانين وستمائة، رحمه الله تعالى.(2/160)
ومن شعره:
جمعك بين الكثيب والغصن ... فرق بين الجفون والوسين
يا فتنةً ما وقيت صرعتها ... مع حذري دائماً من الفتن
؟؟باللفظ واللحظ كم ترى أبداً تسحر بي دائماً وتسحرني
وقد ألفت الغرام فيك كما ... فرقت بين الحياة والبدن
وله:
يا أهل مصر وجدت أيديكم ... عن بسطها بالنوال منقبضة
فمذ عدمت الغذاء عندكم ... أكلت كتبي كأنني أرضه
؟1525 - العلامة فخر الدين الضرير
إمام جامع الأزهر
725 - 804ه؟ 1325 - 1401م
عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان، الشيخ الإمام المقرئ الضرير فخر الدين، إمام جامع الأزهر، ومقرئ الديار المصرية.
ولد سنة خمس وعشرين وسبعمائة بمدينة بلبيس، وقرأ القرآن الكريم بالقراءات السبع، والعشر، والشواذ، على جماعة منهم: الكفتي، والحكري، وغيرهما، وأدب الأطفال بمدينة بلبيس دهراً، ثم قدم القاهرة في سنة أربع وأربعين، وأم بالجامع الأزهر زماناً، وأخذ الناس عنه القراءات، ورحلوا إليه من الأقطار، وتخرج به خلائق، وكان خبيراً بالقراءات، عارفاً بتعليقها، صبوراً على الإقراء، خيراً، ديناً، هيناً، معتقداً، تخشع القلوب لقراءته ولنداوة صوته، ولم يزل على ذلك حتى توفي بالقاهرة في يوم الأحد ثاني ذي القعدة سنة أربع وثمانمائة، عن ثمانين سنة.
قال المقريزي: أخبرني شيخنا المسند المعمر أبو عبد الله محمد بن ضرغام أن الشيخ فخر الدين هذا قدم عليه من بلبيس إلى القاهرة في سنة سبع وأربعين وسبعمائة زائراً، وأخبره أن الجان تقرأ عليه القرآن وقد أخبرته أنه يحدث في الناس بديار مصر وباء عظيم في سنة تسع وأربعين وسبعمائة، فكان كذلك، وحدث الفناء الكبير، انتهى.
؟1526 - قاضي القضاة فخر الدين
ابن خطيب جبرين
662 - 739ه؟ 1263 - 1338م
عثمان بن علي بن عثمان بن إسماعيل بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب بن علي ابن هبة الله بن ناجية، قاضي القضاة فخر الدين أبو عمرو بن الخطيب زين الدين أبي الحسن الطائي الحلبي الشافعي، المعروف بابن خطيب جبرين، قاضي حلب.
مولده في العشرين الأواخر من شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وستين وستمائة، بالحسينية ظاهر القاهرة، واشتغل بحلب، وتفقه بها، وبرع في الفقه، والأصول، والنحو والأدب، والحديث والقراءات، وغير ذلك.
قال الأسنوي في طبقات الشافعية له: كان إماماً، عالماً بالفقه والأصول، توفي بالقاهرة بالمدرسة المنصورية ليلة السبت السابع والعشرين من المحرم سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، ودفن بمقابر الصوفية، رحمه الله تعالى.
وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي: كان ينوب للقاضي الشافعي والحنفي، ويحكم لكل منهما بمذهبه، وعنده دين، وبيده سبحة كلما خلا من الكلام سبح بها، كان تلا بالسبع على شمس الدين الخابوري، والبدر التاذفي، وابن بهرام، والكمال الغرناطي،وتفقه بقاضي حلب شمس الدين بن بهرام، وقاضي حماة شرف الدين بن البارزي، وأخذ عن ابن ملي علم الكلام، وتصدر وأقرأ، وتخرج لبه القراء والفقهاء، واشتهر اسمه، وكان عاقلاً ذكياً، قرأت عليه وانتفعت به، وصنف وشرح الشامل الصغير، وشرح التعجيز، ومختصر ابن الحاجب، والبديع لابن الساعاتي، وله نظم في الفرائض وشرحه في مجلد، ومصنف في المناسك، وفي اللغة، وشرح الحاوي في الفقه فيما أظن، تلا عله بالسبع محتسب حلب نجم الدين ابن السفاح الحلبي، والشيخ علي السرميني، وجمال الدين يوسف بن الحسن التركماني، وأحمد بن يعقوب ولم يكمل، وتولى قضاء القضاة الشافعية بحلب سنة ست وثلاثين وسبعمائة، ثم طلبه السلطان وطلب ولده، فروعهما الحضور قدامه لكلام أغلظه لهما، فنزلا مرعوبين ومرضا بالبيمارستان المنصوري بالقاهرة، ومات ولده قبله، وتوفي هو بعده بيوم أو يومين، وكانت مدة مرضهما دون الجمعة، وذلك في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة.
قلت: وهذا بخلاف ما أثبته الإسنوي من وفاته سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، كما تقدم انتهى.
؟1527 - ابن الحاجب النحوي
570 - 646ه؟ 1174 - 1248م
عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس، العلامة المحقق جمال الدين أبو عمرو، المعروف بابن الحاجب الكردي، الدويني الأصل، الإسنائي المولد، المقرئ، النحوي، الأصولي، الفقيه المالكي، صاحب التصانيف المشهورة به.(2/161)
ولد سنة سبعين، أو إحدى وسبعين وخمسمائة، وكان أبوه جندياً كردياً، حاجباً للأمير عز الدين موسك، واشتغل في صغره بالقاهرة، وحفظ القرآن، وأخذ بعض القرآن عن الشاطبي، وسمع منه التيسير، وقرأ بطرق المبهج على أبي الفضل محمد بن يوسف الغزنوي، وقرأ بالسبع على أبي الجود، وسمع من البوصير، وابن ياسين، ودخل دمشق فسمع من، القاسم بن عساكر، وحماد الحراني، وبنت سعد الخير، وجماعة، وتفقه على أبي المنصور الأبياري وغيره، وتأدب على الشاطبي، وابن البنا، ولزم الاشتغال حتى برع في الأصول والعربية، وكان من أذكياء العالم، ثم قدم دمشق ودرس بجامعها في زاوية المالكية، وأخذ الفضلاء عنه، وكان الأغلب عليه النحو، وصنف في الفقه مختصراً، وخالف النحاة، وأورد عليه الإشكالات، والزامات معجمه تعز الإجابة عنها.
قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي: ثم نزح عن دمشق هو والشيخ عز الدين ابن عبد السلام في دولة الملك الصالح إسماعيل، عندما أنكرا عليه، ودخلا مصر وتصدر بالمدرسة الفاضلية، ولازمه الطلبة، وانتقل إلى الإسكندرية، فلم تطل مدته هناك، وتوفي بها في سادس عشرين شوال سنة ست وأربعين وستمائة.
وحدث عنه: المنذري، والدمياطي، والجمال الفاضل، وأبو محمد الجزائري ، وأبو علي بن الجلال، وأبو الفضل الإربلي، وأبو الحسن بن البقال، وطائفة بالإجازة منهم: قاضي القضاة ابن الخويي، والعماد بن البالسي، وكتب المنسوب الفائق، وله شعر، انتهى كلام الذهبي.
قلت: ومن شعره:
كنت إذا ما أتيت غيا ... أقول بعد المشيب أرشد
فصرت بعد ابيضاض شيبي ... أسوأ ما كنت وهو أسود
وله في المعميات:
ربما عالج الحروف رجال ... في القوافي فتلتوي وتلين
طاوعتهم وعين وعين ... وعصتهم نون ونون ونون
قال الشيخ صلاح الدين: كتب هذان البيتان إلى حاذق بإخراج المعميات فأقام ستة أشهر ينظر فيها إلى أن كشفهما، ثم حلف بأيمان مغلظة أنه لا ينظر بعد ذلك في معمى أبداً، ولم يذكر تفسيرهما أصلاً، فأضربت عن النظر فيهما لما تبين من عسرهما من سياق الحكاية، ثم بعد أربعين سنة خطر لي بالليل أن أنظر فيهما، فظهر لي أمرهما وأنه إنما أراد قوله طاوعتهم عين وعين وعين يعني .... يدٍ وغدٍ وددٍ لأنها عينات مطاوعة في القوافي، مرفوعة كانت أو منصوبة أو مجرورة، وكل واحد منها عين لأنها عين الكلمة، لأن وزن غدٍ فع ووزن يدفع ووزن ددفع، وأراد بقوله وعصتهم نون ونون ونون: الحوت لأنه يسمى نوناً، والدواة لأنها تسمى نوناً، والنون الذي هو الحرف، وكلها نونات غير مطاوعة في القوافي، إذ لا يتم واحد منها مع الآخر، ثم نظم ذلك - عفا الله عنه - في بيتين على وزن السؤال، فقال:
أي غدٍ مع يدٍ ددٍ ذو حروف ... لها وعت في الورى وهو عيون
وداواة والحوت والنون نونا ... ت عصتهم وأمرها مستبين
قلت: كان الشيخ صلاح الدين لم يظهر له معنى ه المعمى إلا لما وقف على هذين البيتين، والله أعلم.
؟1528 - فخر الدين أمير آل فضل
... - 787ه؟ ... - 1385م
عثمان بن قارا بن مهنا بن عيسى بن مهنا، الأمير فخر الدين، أمير عرب آل فضل.
مات في شهر ربيع الأول سنة سبع وثمانين وسبعمائة، واستقر عوضه في إمرة العرب الأمير نعير بن حبار، واسم نعير محمد.
؟1529 - قرايلك
... - 839ه؟ ... - 1435م
عثمان ابن قطلوبك، والتركمان يقولون قطبك ابن طور على، الأمير فخر الدين، التركي الأصل، التركماني، الشهير بقرايلك صاحب آمد وماردين وغيرهما، ومتملك غالب ديار بكر بن وائل.(2/162)
كان أبوه من جملة الأمراء في الدولة الأرتفية - أصحاب ماردين - ثم انتمى عثمان هذا لتيمورلنك وصار من أعوانه، ودخل معه البلاد الشامية، لما طرقها تيمور في سنة ثلاث وثمانمائة، ثم رجع إلى بلاده واستولى على آمد، وولاه الملك الناصر فرج نيابة الرها لما قتل جكم وبعث برأسه إلى الملك الناصر، فقوي بذلك وضخم، وصار أمره في نمو إلى أن تجرد السلطان الملك المؤيد شيخ إلى البلاد الشرقية وتوجه إلى ابلستين وعاد إلى كختا وكركر، رحل قرا يوسف ابن قرا محمد صاحب تبريز وبغداد إلى جهة قرايلك هذا. فجهز قرايلك قصاده إلى السلطان وترامى عليه، وكان من جملة كلامه يقول: أن ليس لي ذنب عند السلطان إلا اتحادي لابن نعير، فكان قرايلك قبل تاريخه اتحد ابن نعير لما توجه إلى قتال الأمير حديثة بن سيف المتولي الإمرة من قبل السلطان الملك المؤيد، فلهذا اعتذر قرايلك بما ذكرنا، ولا زالت قصاده تلح على السلطان حتى أرسل يقول: إن لم يعف عني السلطان لا أجد لي بداً إلا موافقة قرا يوسف وانتمائي إيه، فأجابه السلطان إلى ذلك،وجهز إلى قرا يوسف يستعطفه عليه ويأمره بالرجوع عنه وتم الشر والفتن بين قرا يوسف وقرايلك حتى توجه قرايلك ه إلى أرزنكان، وفيها بيرعمر نائب قرا يوسف فخرج إليه بيرعمر وتقاتلا قتالاً شديداً بالقرب منها، فانكسر بيرعمر وقتل، وجهز قرايلك رأسه إلى الملك المؤيد شيخ.
ولما مات قرا يوسف استمرت العداوة بين قرايلك وبين بني قرا يوسف، وتوجه قرايلك إلى أرزنكان وحاصرها ثم أخذها،ووقائعه مع إسكندر بن قرا يوسف مشهورة، طال ذلك بينهما سنين، وكان قرايلك من رجال الدنيا قوة وشجاعة وإقداماً، قتل عدة ملوك مثل الأمير جكم من عوض نائب حلب الملقب بالملك العادل قتل بسهم أصابه في المعركة، ومثل القاضي برهان الدين أحمد صاحب سيواس، ومثل بيرعمر المذكور، وغيرهم.
ولما تسلطن الملك الأشرف برسباي وطالت أيامه وقع بينه وبين قرايلك المذكور، وجهز السلطان الملك الأشرف لقتاله عسكراً غير مرة، وأخذت الرها منه، وقبض على ابنه هابيل، وحبس بقلعة الجبل إلى أن توفي، ثم تجرد هو بنفسه في سنة ست وثلاثين وثمانمائة، وتوجه حتى وصل إلى آمد ونزل عليها، وحصرها نيفاً على ثلاثين يوماً، ثم رحل عنها بعد أن وقع الصلح بينه ويبن قرايلك هذا، وأرسل إليه بخلعة وفرس بسرج ذهب وكنبوش زركش مع القاضي شرف الدين أبو بكر الأشقر، نائب كاتب السر.
واستمر قرايلك بديار بكر على حاله إلى سنة تسع وثلاثين سار إسكندر ابن قرا يوسف من تبريز لقتاله هارباً من أميرزه شاه بن تيمور، إلى أن نزل بالقرب من أرز الروم، فبلغ قرايلك هذا فجهز ابنه علي بك ومعه فرقة من العسكر وهو تابعهم، فالتقوا هم وإسكندر فاستظهر عسكر قرايلك في أول الأمر، ثم إن إسكندر ثبت وحمل بمن معه حملة رجل واحد على عسكر قرايلك فكسرهم، وذلك خارج أرز الروم، وساق إسكندر خلفهم، فقصد عسكر قرايلك أرز الروم ليتحصنوا بها فحيل بنيهم وبينها، فرمى قرايلك بنفسه إلى خندق القلعة ليفوز بمهجته وعليه آلة الحرب، فوق على حجر فشرخ دماغه، ثم حمل وعلق إلى القلعة بحبال، فدام بها أياماً قلائل ومات في العشر الأول من صفر سنة تسع وثلاثين وثمانمائة، بعد أن دام في الإمرة نيفاً عن خمسين سنة، ودفن خارج أرز الروم.
فتتبع إسكندر بن قرا يوسف قبره حتى عرفه ونبش عليه وأخرجه وقطع رأسه ورأس ولديه وثلاثة رؤوس أخر من أمرائه، ممن ظفر بهم إسكندر في المعركة. وأرسل الجميع مع قاصد إلى الملك الأشرف برسباي سلطان الديار المصرية، فجهز نائب حلب صحبة القاصد المذكور الأمير شاهين الإيدكاري أحد حجاب حلب، فوصل بهم شاهين المذكور إلى الديار المصرية في يوم الأربعاء سابع عشر شهر ربيع الآخر من السنة، وكان الملك الأشرف قد خرج من القاهرة ليتصيد بالجوارح، فقدم من الغد في يوم الخميس، وأحضر شاهين المذكور رأس قرايلك وولديه وبقية الرؤوس بين يديه فرآهم، ثم أمر بهم فطيف بهم على رماح، وقد زينت القاهرة لذلك فرحاً بموتهم، ثم علقت على باب زويله ثلاثة أيام ثم دفنت.(2/163)
قلت: وينبغي لكل مسلم أن يفرح بموت مثل ه الظالم المصر على إثارة الفتن والشرور، ولقد قتل في أيامه من الخلائق ما لا يدخل تحت الحصر لطول مدته، وكثرة حروبه مع جماعة من الملوك، وتداول ذلك منه سنين حتى ملك غالب ديار بكر بالقتال والحروب، وأفنى أهله قتلاً وسبياً وجوعاً، عامله الله بعدله وألحق به من بقي من ذريته ليستريح كل أحد من هذه السلالة الملعونة. بمحمد وآله.
؟1530 - فخر الدين بن البارزي
668 - 730ه؟ 1269 - 1329م
عثمان بن محمد بن عبد الرحيم، الإمام العلامة قاضي القضاة فخر الدين أبو عمرو الحموي الشافعي قاضي حلب، المعروف بابن البارزي.
مولده سنة ثمان وستين وستمائة، لحق جده وأخذ عنه، وعن عمه قاضي القضاة شرف الدين وتفقه به، وبرع وأفتى ودرس وناب في الحكم بحماة، ثم ولي قضاء حمص، ثم رجع إلى حماة وولي خطابتها ونيابة القضاء، ثم ولي قضاء حلب استقلالاً، وحمدت سيرته، وكان عنده دين وعدل وصرامة وجودة سيرة، وكان يحفظ الحاوي وينزله على الرافعين وحج غير مرة، وحدث بمسند الشافعي عن ابن النصيب، وتفقه به جماعة.
قلت: وهو من بيت العلم والفضل والأدب والرئاسة قديماً وحديثاً، توفي بحماة بعد أن توضأ وجلس مجلس حكمه ينتظر إقامة صلاة العصر وذلك في صفر سنة ثلاثين وسبعمائة بحلب، رحمه الله تعالى.
؟1531 - صاحب صهيون
... - 691ه؟ ... - 1292م
عثمان بن منكورس بن خمارتكين، الأمير مظفر الدين صاحب صهيون.
كان جده خمارتكين عتيق مجاهد الدين، صاحب صرخد، وملك مظفر الدين هذا صهيون بعد موت والده سنة ست وعشرين وستمائة، وكان عارفاً، يقظاً، حازماً، مهاباً، طالت أيامه وعمر تسعين سنة أو أكثر، وكان بيده صهيون وبرزية وبكسراسل، وكان قد رتب أن لا يحضر أحد من نواحي صهيون وبلادها الشكوى إلا بهدية على قدر الحاجة من راس الغنم إلى الجدي إلى الدجاجة إلى الخبز إلى الخضر، فكان يجتمع له من هذا في اليوم شيء له صورة، ويفرق آخر النهار في بيوت أولاده، وجمع من ذلك أموالاً كثيرة، واستمر على ذلك إلى أن توفي سنة تسع وخمسين وستمائة، ودفن بقلعة صهيون.
وولي صهيون بعده ابنه سيف الدين محمد، فلما ولي جمع أهله وأخوته وشرع في عمل الموكبة، وجمع المطربين من الرجال والنساء، ولم يزل في إنفاق ما ورثه من أبيه في القصف واللهو إلى أن توفي سنة إحدى وسبعين وستمائة بصهيون، وملكها الملك الظاهر بيبرس البندقداري من بعده، ووجه أولاده إلى الشام وأعطاهم أخبازاً من الأربعين إلى العشرة، واستمرت صهيون بأيدي ملوك مصر إلى يومنا هذا، وقد انحط قدرها حتى إنه يليها الأجناد.
؟1532 - صاحب مراكش وفاس
... - 731ه؟ ... - 1330م
عثمان بن يعقوب بن عبد الحق، السلطان أبو سعيد المريني المغربي، صاحب مراكش وفاس وغير ذلك.
ملك بعد أخيه أبي يعقوب يوسف، وامتدت أيامه، واتسعت ممالكه،وكانت دولته اثنتين وعشرين سنة، وتوفي سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، وله بضع وستون سنة، وملك أخوه يوسف قبله خمساً وعشرين سنة لكن كان بينهما الملكان عامر وسليمان.
وكان عثمان صاحب الترجمة ذا حلم وسكون، وإهمال للجهاد، وله نظر في العلوم، ولم تحمد أيامه وحصل فيها غلاة وفتن، وخالف عليه ابنه عمر وتملك سجلماسة، وجرت أمور وخطوب.
ولما مات عثمان هذا ملك بعده ولده الفقيه العالم السلطان العادل أبو الحسن علي، فعظم شأنه، وهابته الملوك لكمال سؤدده، وشدة هيبته، رحمه الله تعالى.(2/164)