المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
والله المستعان
الحمد لله مدبر الدهور، ومدور الأعمار والشهور، مظهر آثار قدمته على صفائح صحائف الأيام، ومبدي أسرار حكمته فيما يجري من حركات الأنام، قلبهم في أطوارها دولاً، وخالف بينهم اعتقادا وقولاً وعملاً، ورفع أقواماً ووضع آخرين، وقصّ علينا في كتابه المبين، أخبار الأوّلين منهم والآخرين، وذكرهم في أجمل كتاب بأفضل خطاب، وجعل قصصهم تبصرة لأولي الأبصار، وتذكرة لأولي الألباب، فسبحان من تنزه عن تأثير الزمان وتقدس من هو كل يوم في شان، أحمده على أن جعلنا خير أمّة وصيرنا من أمّة نبيّ الرحمة، وأشكره على أن أخرنا عن كل الأمم، وتلك لعمري من أجل المنن، وأتمّ النعم، لنشاهد ممن تقدّم آثارهم، ونعاين منازلهم وديارهم، ونسمع كما وقعت وجرت أخبارهم، أعظم بها فضيلة وكرامة جليلة، إذ رأينا منهم ما لم يروه منا، وروينا عنهم ما لم يرووه عنا، وأشهد أن لا إله إلا الله ذو الجلال الذي عرفنا الماضي، والاستقبال لديه بمنزلة الحال، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد الأوّلين والآخرين، المنزل عليه في الكتاب المبين " وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك و جاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين " ، صلى الله عليه صلاة تفوح إلى يوم القيامة أعطار تاريخها، ويجتنى على مدى الأيام ثمار شماريخها، وعلى آله وتابعيه، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد فلما كان من في الأعصار الحالية، والقرون الماضية، وقع لهم وقائع وسير، وحوادث لها أثر، شاع بها التاريخ والسّمر، تخاطب بذلك الأيام من تأخر عصره من الأقوام، بأفواه المحابر وألسن الأقلام، فيطالعها كأنه مجالسهم، ويتأمل ما فيها كأنه مؤانسهم، ليقتدي منهم بجميل الخصال، ونبيل المآثر والنعال، ويتجنب ما صدر منهم من قبيح الخلال، وكنت قد اطلعت على نبذة من سيرهم وأخبارهم، ووقعت في كتب التواريخ على الكثير من آثارهم، فحملني ذلك، على سلوك هذه المسالك، وإثبات شئ من أخبار أمم الممالك، غير مستدعى إلى ذلك من أحد من أعيان الزمان، ولا مطالب به من الأصدقاء والأخوان، ولا مكلف لتأليفه وترصيفه من أمير ولا سلطان، بل اصطفيته لنفسي، وجعلت حديقته مختصة بباسقات غرسي، ليكون في الوحدة لي جليسا، وبين الجلساء مسامراً وانيساً، وسميته: المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي، وابتدأت فيه من أوائل الدولة التركية من المعز أيبك إلى الدولة.
وإذا ذكرت فيه حكاية ماضية، أو واقعة في القرون الحالية، أسندت ذلك إلى ناقله، وربطت جوادها في معاقله، لأخرج عن العهدة في النقل، على ما يقتضيه العقل، ووضعته على الحروف وتواليها، لتقرب ثمرات جناة، من يد جانيها، كما سبقني إلى ذلك جماعة من المتقدمين، وإلى الآن من أرباب الحديث، وطبقات الفقهاء والأعيان، وأكتفي في ذكر الولاد بأسماء الآباء عن الأجداد.
وأستفتح في هذا الكتاب بترجمة المعز أيبك التركمانيّ، ثم أعود إلى ترتيب الحروف على طريقة من تقدّمني وعداني، وبالله المستعان، وعليه التكلان.
ذكر سلطنة الملك المعز عز الدين أيبك التركماني
اشتراه الملك الصالح نجم الدين أيوب في حياة أبيه الملك الكامل محمد، وتنقلت به الأحوال عنده إلى أن جعله جاشنكيره، ولهذا رنكه صورة خونجا، واستمرّ في خدمة أستاذه إلى أن توفي وأقيم بعده في الملك ولده الملك المعظم توران شاه، " ثم قتل توران شاه " بعد مدة، فاجتمع رأي الأمراء الأكابر على سلطنة الملك المعز أيبك هذا فسلطنوه، ولم يكن إذ ذاك من أعيان الأمراء، لكنه كان معروفا بالديانة والصيانة والعقل والسياسة، وذلك في يوم السبت آخر ربيع الأول سنة ثمان وأربعين وستمائة، وقتل في يوم الثلاثاء ثالث عشرين شهر ربيع الأول سنة خمس وخمسين وستمائة كما سيأتي، وركب بشعار السلطنة، وحملت الغاشية بين يديه، وأوّل من حملها الأمير حسام الدين بن أبي علي، وتداولها من بعده أكابر الأمراء واحدا بعد واحد.(1/1)
وكان سبب سلطته أن الأمراء لما أجمعوا على إقامته قالوا: هذا متى أردنا صرفه أمكننا ذلك بسرعة، وتم أمر الملك المعز مدة إلى أن اتفقت المماليك البحرية وقالوا: لا بد لنا من واحد من بني أيوب يجتمع الكل على طاعته، وكان القائم بهذا الأمر الأمير فارس أقطيا الجمدار وبيبرس البندقداري وبلبان الرشيدي وسنقر الرومي، فأقاموا في السلطنة مظفر الدين موسى بن الناصر يوسف بن الملك المسعود بن الكامل، ولقبوه بالملك الأشرف، وكان عند عماته فأحضروه وعمره نحو عشر سنين، وجعلوا الملك المعز أيبك هذا أقابكه، وذلك لخمس مضين من جمادى الأولى بعد سلطنة المعز بخمسة أيام، فصارت التواقيع تخرج وصورتها: رِسم بالأمر العالي المولوي السلطاني الملكي الأشرفي والملكي المعزى، واستمر ذلك والملك المعز يعلم على التواقيع، والملك الأشرف صورة .
فلما ملك الملك الناصر صلاح الدين يوسف دمشق سنة ثمان وأربعين وستمائة خرج الأمير ركن الدين خاص ترك وجماعة من العسكر إلى غزة، فتلقتهم عساكر الملك الناصر المذكور، فاندفعوا راجعين، واتفقوا على مكاتبة الملك المغيث فتح الدين عمر بن العادل أبي بكر بن الكامل صاحب الكرك والشوبك، وخطبوا له بالصالحية لأربع بقين من جمادى الآخرة، ونادى الملك المعز أن البلاد للخليفة والملك نائبه وحث على خروج العسكر، وجددت الأيمان للملك الأشرف بالسلطنة وللمعز المذكور بالأتابكية.
ثم قصد الملك الناصر القاهرة وعمل مصافا مع العساكر المصرية، فانكسروا كسرة شنيعة، ولم يبق إلا الملك الناصر ويخطب له في قلعة الجبل، وتفرقت عساكر الملك الناصر خلف العساكر المصرية لنهبهم، واشتغلوا بذلك، وبقي الملك الناصر في شرذمة قليلة من عسكره، وأمنوا، وانهزم الملك المعز وتحير أين يذهب إذ ليس له جهة يلتجئ إليها، فعزم بمن كان معه من الأمراء على دخول البرية والتوصل إلى مكان يأمنون فيه، فاجتازوا بالناصر على بعد، فرأوه في نفر يسير، فاتفقوا الأمراء وقالوا: عسكرنا قد انكسر وما بقي يجري أعظم من ذلك وهذا الملك الناصر عدونا في نفر قليل، وقد اشتغل عساكره بالنهب، فنحمل عليه حملة واحدة فإما ننتصر عليه وإما نتوجه حيث قصدنا.
فحملوا عليه حملة رجل واحد فانكسر الملك الناصر، وقتل من أمرائه الأمير شمس الدين لؤلؤ الأميني مدبر الدولة أتابك العسكر الناصري، والأمير ضياء الدين القيمري، وهرب الناصر لا يلوي على شئ، وعاد الملك المعز إلى القاهرة مؤيدا منصورا، وخرج الملك الأشرف إلى لقائه، وثبتت أوتاد المعز وعظم شأنه، واستقر الحال على ذلك إلى سنة إحدى وخمسين.
كان الاتفاق بين المعز وبين الملك الناصر صاحب دمشق على أن يكون المعز بالديار المصرية والقدس وغزة، وباقي البلاد الشامية للملك الناصر، وأفرج الملك المعز عن أقارب الملك الناصر الذين أمسكوا في الوقعة المذكورة وهم: الملك المعظم توران شاه بن صلاح الدين، وأخوه نصرة الدين، والملك الأشرف صاحب حمص، وغيرهم، من الاعتقال، وتوجهوا إلى الملك الناصر بدمشق، واستمر الملك المفر بالقاهرة لكن عظم شأن الأمير فارس الدين أقطياالجحدار والتفت عليه البحرية وصاروا يسمونه الملك الجواد، فعمل عليه المعز وقتله كما سنذكره في ترجمته إن شاء الله تعالى، واستمر الملك المعز بمفرده، ثم إن العزيزية عزموا على الفتك به في سنة ثلاث وخمسين، فشعر المعز بذلك فقبض على بعضهم وهرب بعضهم.(1/2)
ثم تزوج الملك المعز بالملكة شجر الدر أم خليل صاحبة الملك الصالح في سنة ثلاث وخمسين أيضا، واستمر على ذلك إلى أن بلغ شجر الدر أن المعز يريد أن يتزوج بنت الأمير بدر الدين صاحب الموصل، فعظم ذلك عليها، وطلبت صفى الدين إبراهيم بن مرزوق، وكان له وجاهة عند الملوك، فاستشارته في الفتك بالمعز، ووعدته أن يكون هو الوزير، فأنكر ذلك عليها ونهاها، فلم تصغ إليه، وطلبت مملوك الطواشي محسن الجوجري الصالحي وعرفته بما عزمت عليه، ووعدته وعدا جميلا إن قتله واتفقت أيضا مع جماعة من الخدام، واستمر الحال إلى يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول سنة خمس وخمسين وستمائة نزل المعز من القلعة ولعب بالكرة في ميدان اللوق، وصعد آخر النهار إلى القلعة، والأمراء في خدمته ووزيره شرف الدين الفائزي والقاضي بدر الدين السنجاري، ودخل داره، وانفض الموكب، ثم دخل الحمام ليستحم، فلما قلع ثيابه وثب عليه سنجر الجوهري والخدام ورموه إلى الأرض وخنقوه، وصارت هي تضربه بالقبقاب إلى أن مات.
ثم طلبت صفي الدين بن مرزوق على لسان المعز فركب حماره وبادر، وكانت عادته ركوب الحمير، فدخل عليها فرآها وهي جالسة والمعز بين يديها ميت، فخاف خوفا شديدا، فاستشارته، فقال: ما أعرف، وكان الأمير أيد غدي العزيزي معتقلا في بعض الآدر مكرما، فأحضرته، وطلبت منه أن يقوم بالأمر، فامتنع، ثم سيرت تلك الليلة إصبع المعز وخاتمه إلى الأمير عز الدين الحلبي الكبير وسألته أن يقوم بالأمر، فلم يوافق أيضا، واستمر الحال تلك الليلة، فلما كان باكر نهار الأربعاء ركب الأمراء إلى الخدمة على العادة، وتحيرت شجر الدر فيما تفعل، فأرسلت إلى الملك المنصور علي بن المعز المذكور تقول له عن أبيه أنه ينزل إلى البحر في جمع من الأمراء لإصلاح الشواني المجهزة إلى دمياط ففعل.
ولما شاع الخبر بقتل الملك المعز أحدق العسكر بالقلعة، ثم دخلها مماليك الملك المعز والأمير بهاء الدين بغدي مقدم الحلقة، وطمع الحلبي في السلطنة، ووافقه جماعة من الصالحية، فلم ينتج أمره، ثم حضر الوزير الفائزي إلى القلعة، واتفقوا على سلطنة الملك المنصور علي بن الملك المعز أيبك المذكور وعمره نحو خمس عشرة سنة، فتسلطن، واستقر في الملك، وامتنعت شجر الدر مع جماعة في دار السلطنة، وطلب مماليك المعز الهجم عليها، فلم يمكنوهم مماليك الملك الصالح من ذلك، وكاد يكون بينهم فتنة عظيمة، ثم اتفق الأمر على أن مماليك المعز حلفوا لها أن لا ينالوها بمكروه، وطلبوا صفي الدين بن مرزوق فحدثهم بالقصة، وهرب سنجر مملوك الجوجري، ثم ظفر به فصلب، ثم دفن الملك المعز رحمه الله.
وكان ملكا شجاعا مقداما، ساكنا عاقلا دينا، لم يشهر عنه ما يشهر به غيره من القبائح.
وأما شجر الدر فوقع لها أمور، ثم آل أمرها إلى الفتك بها - يأتي ذلك في ترجمتها إن شاء الله تعالى - .
ورثى سراج الدين الوراق الملك المعز بقصيدة منها:
نقيم عليه مأتما بعد مأتم ... ونسفح دمعا دون سفح المقطم
ولو أننا نبكي على قدر فقده ... لدمنا عليه نتبع الدمع بالدم
وسل طرفا ينبيك عني أنني ... دعوت الكرى من بعده بالمحرم
ومنها:
بني الله بالمنصور ما هدم الردى ... وإن بناء الله غير مهدم
مليك الورى تسرى لمضمر طاعة ... وتوسى لطاغ في زمانك مجرم
فما للذي قدمت من متأخر ... ولا للذي أخرت من متقدم
حرف الهمزة
باب الهمزة والباء
الشيخ برهان الدين الأسدي
إبراهيم بن إبراهيم بن داود بن حازم، الشيخ برهان الدين الأسدي، أسد خزيمة، الأذرعي الحنفي .
والد قاضي القضاة شمس الدين محمد، وجد أحمد بن محمد - يأتي ذكرهما في محلهما إن شاء الله تعالى - ، وهم من بيت علم وفضل.
وكان فقيها دينا عالما، وعليه تفقه ولده قاضي القضاة شمس الدين رحمه الله.
الأمير مجير الدين الكردي 658ه1260م
إبراهيم بن أبي بكر بن زكريا، الأمير مجير الدين الكردي.(1/3)
كان بخدمة الملك الصالح نجم الدين أيوب في المشرق، وهو من بيت كبير في الأكراد، ثم قدم إلى الملك الصالح إلى الشام، وأقام بخدمته إلى أن قبض الملك الصالح عماد الدين إسماعيل على الملك الصالح نجم الدين بالكرك، فاعتقل الأمير مجير الدين هذا أيضا، ثم أفرج عنه وعاد إلى خدمة الملك الصالح نجم الدين بالديار المصرية، وأستمر عنده إلى أن توفي وقتل ولده الملك المعظم من بعده، ثم اتصل الأمير مجير الدين بالملك الناصر صلاح الدين يوسف، وحج بالناس من دمشق سنة ثلاث وخمسين وستمائة، وفعل من البر والمعروف والإنفاق في تلك الحجة ما هو مشهور عنه.
ولما حصل المصاف بين البحرية وبين عسكر الملك المغيث أمسكوه وأمسكوا معه الأمير ابن الشجاع الأكتع، واعتقلا بالكرك مدة، ثم أفرج عنهما لما حصل بين الملك الناصر وبين الملك المغيث الصلح، فأنعم عليه الملك الناصر بعد ذلك بنابلس،وجعل معه الأمير نور الدين بن الشجاع الأكتع المذكور، فأقاما بها مدة، ثم قدم عليهما جمع عظيم من التتار وهجموا نابلس، فتلقاهم بوجهه ومعه عسكر هين، وأنكى فيهم نكاية كبيرة، وقتل منهم جماعة بيده، ولم يزل يقاتل إلى أن أستشهد، رحمه الله تعالى، واستشهد معه الأمير نور الدين بن الشجاع الأكتع، فقتلا معا في يوم واحد، وكان بينهما اتحاد ومصادقة، وذلك في أحد الربيعين سنة ثمان وخمسين وستمائة.
وكان مجير الدين المذكور أميرا كبيراً فقيها، فاضلا أديبا، كثير الخير والين ممدوحا جوادا، شجاعا مقداما، كثير البر والصداقة.
وله نظم ونثر، من شعره:
قضى البارق النجدي في حالة اللمح ... بقيض دموعي إذ تراءى على السفح
ذبحت الكرى ما بين جفني وناظري ... قمحمر دمعي الآن من ذلك الذبح
صدر الدين البصراوي 609 - 697 ه،1212 - 1247 م
إبراهيم بن أحمد بن عقبة بن هبة الله بن عطا بن ياسين بن زهير بن إسحاق، قاضي القضاة صدر الدين بن الشيخ محي الدين البصراوي الحنفي الشهير بابن عقبه.
مولده ببصري في سنة تسع وستمائة في ربيع الآخر، وبها نشأ.
وكان إماما عالما فقيها، درس وأعاد وأفتى عدة سنين، وتنقل في البلاد، وانتشر فضله، وكان له اليد الطولي في الجبر والمقابلة والفرائض، وتولى قضاء حلب ثم عزل وأقام بدمشق ثم قدم القاهرة، ثم عاد إلى دمشق متوجها لقضاء حلب فأدركته المنية، فمات في يوم السبت حادي عشر شهر رمضان، ودفن من الغد في سنة سبع وتسعين بتقديم السين وستمائة، رحمه الله تعالى.
أبو إسحاق الاشبيلي الغافقي 641 - 710 ه،1243 - 1310م
إبراهيم بن أحمد بن عيسى بن يعقوب، العلامة شيخ القراء والنحاة في زمانه، أبو إسحاق الإشبيلي الغافقي المالكي، شيخ سبتة من بلاد المغرب.
ولد سنة إحدى وأربعين وستمائة، وحمل صغيرا إلى سبتة، وسمع التيسير من محمد بن جوبر الراوي عن ابن أبي جمرة، وسمع الموطأ، وكتاب الشفاء وأشياء كثيرة عن أبي عبد الله الأزدي سنة ستين، وتلا بالروايات عن أبي بكر بن مشليون، وقرأ كتاب سيبوبه تفهما على أبي الحسين بن أبي الربيع، وساد أهل المغرب في العربية، وتخرج به جماعة، وألف كتابا كبيراً في شرح الجمل، وكتابا في قراءة نافع.
وكان إمام عصره في فنون.
توفي سنة عشرة وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
أبو إسحاق الرقي الحنبلي 647 - 703 ه،1249 - 1303م
إبراهيم بن أحمد بن محمد بن معالي، الأمام المذكر القانت أبو إسحاق الرقي، الحنبلي الزاهد، نزيل دمشق.
مولده سنة نيف وأربعين وستمائة، قرأ بالروايات على الشيخ يوسف القفصي، وصحب الشيخ عبد الصمد بن أبي الجيش، وبرع في الفقه والتفسير والتذكير والطب، وشارك في فنون، وله نظم ونثر ومواعظ محركة، وكان عذب العبارة، لطيف الإشارة، وكان يلبس على رأسه طاقية وخرقه صغيرة لا غير، وله تواليف ومختصرات، وألف تفسير فاتحة الكتاب في مجلد، وربما حضر السماع مع الفقراء بأدب وحسن قصد.
توفي سنة ثلاث وسبعمائة.
ومن نظمه:
لولا رجاء نعيمي في دياركم ... بالوصل ما كنت أهوى الدار والوطنا
إن المساكن لا تحلو لساكنها ... حتى يشاهد في أثنائها السكنا
جمال الدين بن المغربي، رئيس الأطباء
...... - 756ه......1355م(1/4)
إبراهيم بن أحمد، المعروف بابن المغربي، الرئيس جمال الدين أبو إسحاق، رئيس الأطباء.
صاحب الرتبة المنيعة والمكانة العالية عند أستاذه الملك الناصر محمد بن قلاون، وكان له الوجاهة في الدولة والحرمة الوافرة لقربه من السلطان وخدمته للأكابر.
وكان توجه صحبه السلطان إلى الكرك، فصارت له بهذا خصوصية ليست لأحد، وكان أبوه شهاب الدين أوحد زمانه في الطب وأنواع الفضائل، لكن كان ولده صاحب الترجمة رزق حظا عظيما، ونال ما لم ينله غيره، وكان السلطان ينادمه وسأله عن أحوال البلد ومن فيه من القضاة، وحال المحتسب ووالي للبلد، وعما يقوله العوام وتستفيض فيه الرعية، ومن لعله وقع في تلك الليلة بحرمة، فلهذا كان المذكور يخشى وتقبل شفاعته، فيحكى كل ذلك للسلطان من غير أن يفهم عنه أحد فلذلك طالت مدته ودامت سعادته، وكان النشو يحرص على رميه من عين السلطان بكل طريق، ورماه بكل قبيح، فلم يؤثر ذلك عند السلطان، بل ربما زادت رتبته بذلك، ومع ذلك كله، من إفراط العلو وقربه عند الملك، كان لا يتكبر، ولا يرى نفسه إلا كأحد الأطباء، ويوقر الجماعة رفقته، ويجل أقدار ذوي السن منهم، ويخاطبهم بالأدب مع أنه وصل موصلا لم ينله رئيس ولا نديم.
وكان له الفضيلة الوافرة في الطب علما وعملا، والخوض في الحكميات، والمشاركة في الهيئة والنجامة، وكان لا يعود مريضا إلا من ذوي السلطان، ولا يأتيه في الغالب إلا مرة واحدة، ثم يقرر عنده طبيبا يواظبه ويأتيه بأخباره.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: وسألته يوما عن السلطان وقد تغير مزاجه، فقال لي: والله ما تقدر نصف له إلا ما يبدأ هو بذكره، ونلاطفه ملاطفة وما نقدر نتمكن من مداواته على ما نحب.
وهو والله أعرف منا بما فيه صلاح مزاجه، انتهى كلام الصفدي.
قلت: وحكى أنه لما ثقل السلطان في مرض موته، كان جمال الدين المذكور أيضا مريضا ولم يحضر، وقيل إنه تمارض بعدا عن التهم، وإن كان كذلك، فهذا لغزارة عقله، أين هو ذا من خضر الحكيم الّذي داخل الرئيس ابن العفيف فرسم بتوسيطه فحضر خضر المذكور فأضافه إلى ابن العفيف فوسطا معاً في طب الملك الأشرف برسباي في مرض موته فيما لا يعنيه، إلى أن انحرف في مزاج الأشرف وتوهم من ابن العفيف، فهذا جزاء من كان عنده طيش وخفة ورقاعة.
توفي الرئيس جمال الدين صاحب الترجمة في سنة نيف وأربعين وسبعمائة تقريبا، رحمه الله وعفا عنه.
زين الدين الإمام الحنفي 604 - 677ه، 1207 - 1278م
إبراهيم بن أحمد بن أبي الفرج بن أبي عبد الله بن السديد الدمشقي الحنفي، العلامة زين الدين أبو إسحاق.
كان إماما بالمقصورة الكندية الشرقية بجامع دمشق، وكان عالما بعدة فنون من العلوم، تصدر للإقراء والتدريس مدة طويلة، وانتفع به الطلبة لا سيما في العربية، فإنه كان فارسها.
قال الحافظ الذهبي رحمه الله: وسمع من المحدث عمر بن بدر الموصلي مسند أبي حنيفة رضي الله عنه رواية ابن البلخي، روى عنه المزي، وابن العطار.
توفي في جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وستمائة بالمزة، ومولده في شعبان سنة أربع وستمائة، رحمه الله تعالى.
ابن حاتم الحنبلي 631 - 712ه،1233 - 1312م
إبراهيم بن أحمد بن حاتم بن علي، الفقيه أبو إسحاق البعلبكي الحنبلي.
مولده سنة إحدى وثلاثين وستمائة، كان فقيها إماما بارعا، وسمع من سليمان الأسعردي، وأبي سليمان بن الحافظ، وخطيب مردا، وأجاز له ابن عبد الرزاق، وابن روزبة، وابن اللتي، وابن الأونى، وابن القبيطى، وعدة، وتفقه على الفقيه اليونيني وصحبه مدة، وكان خيرا دينا، فقيها متواضعا، يبدأ من يلقاه بالسلام، توفي سنة اثنتي عشرة وسبعمائة.
عز الدين العلوي الغرافي الإسكندري 638 - 728ه، 1240 - 1327م
إبراهيم بن أحمد بن عبد المحسن بن أحمد، الشيخ الإمام الفقيه الصالح، بقية المشايخ، عز الدين العلوي الحسيني، هو من ذرية موسى الكاظم رضي الله عنه، يعرف بالعراقي ثم الاسكندري الشافعي الناسخ.(1/5)
مولده بالإسكندرية سنة ثمان وثلاثين وستمائة، وهو أصغر من أخيه تاج الدين بعشر سنين، سمع بدمشق سنة اثنتين وخمسين من حليمة حفيدة جمال الإسلام، ومن البادرائي، والزين خالد، وسمع بحلب من نقيب الأشراف، وأجاز له الموفق بن يعيش النحوي، وابن رواح، والجميزي، وغيرهم، وحدث قديما وهو ابن بضع وعشرين سنة، وأخذ عن الوجيه السبتي، وكان فيه زهد ونزاهة، وولى بعد أخيه شيخ دار الحديث النبيهة، وتوفي سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
برهان الدين الزرعي 688 - 741ه، 1289 - 1340م
إبراهيم بن أحمد بن هلال، القاضي الإمام المفنن برهان الدين الزرعي الحنبلي.
كان إماما فقيها، بصيرا بالفتوى، جيد الإمكان، أتقن فروع مذهبه وأصول الفقه والنحو والفرائض والحساب، وكان يكتب الخط المنسوب المليح إلى الغاية، وكان له قدرة على مناسبات الخطوط وحكاياتها، ويحملون الناس الكتب إليه ليكتب أسماءها لحسن خطه، وناب في الحكم عن القاضي علاء الدين بن المنجا الحنبلي، وولي عدة تداريس ووظائف إلى أن توفي في نصف شهر رجب سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، ومولده سنة ثمان وثمانين وستمائة. رحمه الله تعالى.
الشيخ برهان الدين الباعوني 777 - 870ه، 1375 - 1465م
إبراهيم بن أحمد بن ناصر بن خليفة بن فرج بن عبد الله بن عبد الرحمن، الشيخ الخطيب برهان الدين بن قاضي القضاة شهاب الدين الباعوني الأصل، الدمشقي المولد والمنشأ والدار.
ولد بدمشق في سابع عشرين شهر رمضان سنة سبع وسبعين وسبعمائة، ونشأ بدمشق وطلب العلم، وبرع في عدة علوم من فقه وعربية وأدب، وغلب عليه الأدبيات، وله نظم رائق ونثر فائق، وقفت على عدة كتب من مكاتباته تدل على غزير فضله واتساع باعه، وله رسالة عاطلة من النقط أبدع فيها بأشياء غرائب مع عدم التكلف فيما يرومه فيها من أنواع البديع، وولى خطابة الجامع الأموي بدمشق، وولي مشيخة الخانقاه الباسطية، وسئل بالقضاء فامتنع من قبوله، ووليها أخوه جمال الدين يوسف بعد ذلك بمدة، ويأتي ذكر والده وأخيه في محلهما إن شاء الله تعالى.
برهان الدين البيجوري 750 - 825ه، 1349 - 1421م
إبراهيم بن أحمد بن علي، الشيخ الإمام العالم العلامة فقيه عصره برهان الدين البيجوري الشافعي.
مولده قبل الخمسين وسبعمائة.
قرأت في تاريخ القاضي علاء الدين بن خطيب الناصرية، قال: شيخنا برهان الدين أبو إسحاق: قدم حلب سنة سبع وسبعين وسبعمائة، ونزل بالمدرسة العصرونية، وكتب بخطه شرح الأذرعي على المنهاج المسمى بالقوت، وكان ينظر عليه في أماكن من دماغه على الكتابة، أخبرني أنه نظر إلى كتاب الطلاق ثم تركه حياء من الشيخ شهاب الدين الأذرعي فإنه كان نازلا عنده في المدرسة، وكان تفقه على الشيخ جمال الدين الأسنوي، وبرع في الفقه وأفتى وأشغل الطلبة، حضرت عنده بالقاهرة بالمدرستين الناصرية والسابقية، وقرأت عليه، ورأيته يستحضر كثيراً من الفقه خصوصا من كلام المتأخرين في ذلك، ولم أر في القاهرة في ذلك الوقت - وهو في سنة ثمان أو تسع وثمانمائة - من يستحضر الفقه كاستحضاره، وهو فقير جدا، ووظائفه قليلة، ثم قال: ولقد رأيته يجاري شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني حتى يحرد منه، ويلج هو فلا يرجع، ولا يزال الصواب يظهر معه في النقل، انتهى كلام ابن خطيب الناصرية.
قلت: ودام بعد ذلك دهرا إلى أن بني الأمير فخر الدين عبد الغني بن أبي الفرج الاستادار مدرسته التي بين الصوريين من القاهرة، وأعطى مشيخة المدرسة المذكورة للشيخ شمس الدين محمد البرماوي، فباشرها مدة إلى أن تحول إلى دمشق صحبة قاضي القضاة نجم الدين عمر بن حجي في سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة دفع القاضي نجم الدين المذكور إلى البرماوي مالا وأمره أن ينزل عن المشيخة للشيخ برهان الدين البيجوري هذا، فلما وصل النزول إلى البيجوري امتنع من قبوله حتى ألح الطلبة عليه فقبل، وأمضاه الأمير زين الدين عبد القادر ابن الواقف وجعله مدرسها وشيخها على العادة، ورأيت في بعض الطبقات أن قاضي القضاة ولي الدين أحمد بن العراقي كان لا يزال يصلح في تصانيفه مما ينقله له الطلبة عن البيجوري. انتهى.(1/6)
وقال الشيخ تقي الدين أحمد المقريزي: تصدر للاشتغال عدة سنين، ولم يخلف بعده أحفظ لفروع الفقه مثله، مع إطراح التكلف، وقلة الاكتراث بالملبس، والإعراض عن الرئاسة التي عرضت فأباها.
انتهى كلام المقريزي.
قلت: رأيته مرارا عديدة، كان إماما بارعا، فقيه عصره بلا مدافعة مع علمي بمن عاصره من العلماء، تصدر للتدريس والإفتاء عدة سنين، وانتفع به غالب الطلبة، وقرأ عليه غالب علماء عصرنا، ولم يزل على ذلك إلى أن توفى يوم السبت رابع عشر شهر رجب الفرد سنة خمس وعشرين وثمانمائة، وقد أناف على السبعين.
ونسبته إلى بيجور قرية بالمنوفية من أعمال القاهرة، بباء ثانية الحروف مفتوحة وبعدها ياء آخرة الحروف ساكنة، وجيم مضمومة وواو ساكنة وراء مهملة. انتهى.
ابن فلاح 695 - 778ه، 1295 - 1376م
إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن فلاح بن محمد، الشيخ برهان الدين أبو إسحاق ابن ضياء الدين بن شيخ القراء برهان الدين الجذامي الاسكندري، الدمشقي المولد والمنشأ والدار.
مولده بدمشق في ذي القعدة سنة خمس وتسعين وستمائة، وحضر على عمر ابن القواس، وسمع من الخطيب شرف الدين الفزاري، وابن مشرف، وأبي جعفر بن الموازيني، وغيرهم، وكان ساكنا منجمعا عن الناس، وحدث، سمع منه جماعة من فضلاء دمشق.
توفي يوم الثلاثاء تاسع عشر شهر ذي الحجة سنة ثمان وسبعين وسبعمائة.
قاضي القضاة بدر الدين بن الخشاب 698 - 775ه، 1298 - 1373م
إبراهيم بن أحمد بن عيسى بن عمر بن خالد بن عبد المحسن بن نشوان، قاضي القضاة بدر الدين أبو إسحاق المخزومي المصري الشافعي، الشهير بابن الخشاب.
مولده في رابع عشر شهر ربيع الأول سنة ثمان وتسعين وستمائة، وكان فقيها بارعا محدثا، اشتغل في مبدأ أمره، وطلب الحديث وسمع من جده العلامة مجد الدين عيسى، والحجار، ووزيرة، ومحمد بن علي بن ظافر وغيرهم، وحدث، سمع عليه الحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقي، وولده قاضي القضاة ولي الدين أحمد، والهيثمي وآخرون، وبرع في الفقه وأفتى ودرس وأفاد.
وولي نيابة الحسبة بالقاهرة، ثم ولي القضاة بالموفية من الوجه البحري من أعمال القاهرة، ثم ناب في الحكم بالقاهرة، ثم ولى قضاة حلب عوضا عن قاضي القضاة علاء الدين الزرعي في 18 سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، وباشر أقل من سنة، ثم سعى في عودته إلى القاهرة فعاد إلى نيابة القاهرة، ثم ولي بعد مدة قضاء المدينة الشريفة، فباشر مدة أيضا، ثم عاد إلى القاهرة، ثم وليها ثانيا، فلما قدمها حصل له مرض في أثناء السنة، فعاد قاصدا القاهرة في البحر فتوفى به، ودفن بالقرب منزلة الأزلم بطريق الحجاز، وذلك في شهر ربيع الأول سنة خمس وسبعين وسبعمائة، رحمه الله.
أبو إسحاق المطرزي الدامغاني الحنفي 682 ه، 1283م
إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم، الشيخ الأمام العلامة أبو إسحاق المطرزي الدامغاني الحنفي.
أصله من أهل دامغان وتفقه على علماء بخارى.
ذكره أبو العلاء الفرضي في معجم شيوخه، قال: كان شيخا فقيها عالما فاضلا زاهدا عابدا مدرسا مفتيا عارفا بأصول المذهب وفروعه، ملازما لبيته لا يخرج إلا إلى المسجد أو إلى الجامع، وكان قد رحل إلى بخارى وتفقه بها، ثم رجع إلى بلده، ولم يزل يفتي ويدرس إلى أن توجهت العساكر الأحمدية إلى خراسان فعبروا على دامغان، وكانوا كرجا نصارى، فعذبوا أهلها، وعذب الشيخ في جماعة من عذب، وأصابته جراحا عظيمة فهرب إلى بسطام فتوفي بها ودفن هناك في سنة اثنتين وثمانين وستمائة، رحمه الله.
أبو إسحاق الآمدي الحنفي 695 - 778ه، 1295 - 1376م
إبراهيم بن إسحاق بن يحي بن إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل، القاضي برهان الدين أبو إسحاق ابن أبي محمد فخر الدين بن الإمام المسند عفيف الدين، الآمدى الأصل، الدمشقي المولد، الحنفي، ناظر جيش دمشق.
ولد بدمشق ليلة عاشوراء سنة خمس وتسعين وستمائة، وسمع من أبيه، وابن مشرف، والقاضي سليمان، وسنجر الدوادار، وابن الموازيني، وشهدة بنت ابن العديم، وولي عدة وظايف بدمشق، ولي نظر جيشها وحسبتها وغير ذلك، وخرج له المحدث صدر الدين ابن إمام المشهد مشيخة حدث بها، وسمع منه جماعة إلى أن توفي، وقد ثقل سمعه، في يوم الأحد ثاني شهر ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
مجد الدين القلانسي 756ه، 1363م(1/7)
إبراهيم بن أسعد بن المظفر بن أسعد بن حمزة بن أسد، الشيخ مجد الدين ابن مؤيد الدين التميمي الدمشقي الشافعي، الشهير بابن القلانسي، أخو الصاحب عز الدين.
كان مجيدا للكتابة والأدب وله نظم، خدم في جهات، وكان حسن الشكل والبزة.
قال الشيخ أبو الحسن علي بن محمد بن سليمان اليونيني في مشيخته.
قال: شيخنا مجد الدين، يعني ابن القلانسي هذا، سمعت شيخ الإمام تقي الدين بن تيمية يقول:
من لي بمثل سيرك المدلّل ... تمشي رويدا وتجيء في الأول
انتهى كلام اليونيني.
قلت: وكانت وفاته في يوم الأربعاء أول المحرم سنة خمس وستين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
المسند برهان الدين الدرجي 599 - 681ه، 1202 - 1282م
إبراهيم بن إسماعيل بن يحي بن علوي، الشيخ المسند برهان الدين أبو إسحاق الدرجي القرشي الدمشقي الحنفي، إمام المدرسة العزية بالكحل.
ولد سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وأجاز له أبو جعفر محمد الصيدلاني، وأم هاني عفيفة الفارقانية، ومحمد بن معمر بن أبي نصر اللفتواني، وأبو الفخر أسعد بن سعيد، والمؤيد بن الأخوة، وسمع أجزاء من الكندي، وابن الحرستاني، وأبي الفتوح البكري، وحدث بالمعجم الكبير للطبراني، وكان ثقة فاضلا خيرا دينا، روى عنه الدمياطي، وابن تيمية، ونجم الدين القحفازي والمزي، والبرزالي، وابن العطار، وأجاز الحافظ الذهبي، توفى سنة إحدى وثمانين وستمائة، رحمه الله تعالى.
مجاهد الدين 653ه، 1255م
إبراهيم بن أونبا بن عبد الله الصوابي، الأمير مجاهد الدين، وإلى دمشق، وليها بعد الأمير حسام الدين بن أبي على في سنة أربع وأربعين وستمائة.
وكان أولاد أمير جاندار الملك الصاحي نجم الدين أيوب، وكان أميرا جليلا فاضلا، عاقلا رئيسا، كثير الصمت، وكان يميل إلى فعل الخير، عمر الخانقاه على شرف الميدان القبلي ظاهر دمشق، وبها دفن لما توفى سنة ثلاث وخمسين وستمائة، رحمه الله.
جمال الدين الصفدي 700 - 742ه،1300 - 1341م
إبراهيم بن أيبك بن عبد الله الصفدي، جمال ا لدين أبو إسحاق، هو أخو الشيخ صلاح الدين الصفدي وشقيقه.
قال الشيخ صلاح الدين: ولد في سنة سبعمائة ومضت عليه برهة وهو مشغول باللعب غير ملتفت إلى العلم، وأتقن في ذلك اللعب عدة صنائع، ثم أقبل إقبالا كليا على الطلب في سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، وحفظ ألفية ابن مالك، وثلث التعجيز، ثم عدل إلى الحاوي، وقرأ على الشيخ علي بن الرسام بصفد، وعلى الشيخ شهاب الدين بن المرحل بالقاهرة، وسمع بقراءتي على الشيخ أثير الدين أبي حيان، وعلى الشيخ فتح الدين بن سيد الناس، وغيرهما بالشام وبمصر، وكتب بخطه عدة مجلدات وأتقن وضع الأرباع، وكان فيها ظريف الوضع والدهان، وقرأ الحساب، ورسائل الإسطرلاب، وكان ذهنه في الرياضي جيدا، قابلا، طويل الروح على الإدمان فيه، وعرف الفرائض، وأتقن الشروط، وكان مقبولا بالشام ومصر، يجلس مع العدول.
ثم قال: ولما توفي كتب إلى بدر الدين حسن بن علي الغزي قصيدة يعزيني فيه، وذكرها، وهي طويلة، ثم قال ورثيته أنا بقصيدة،وذكرها، أولها:
إذا لم يذب إنسانُ عيني وأجفاني ... عليك فما أقسى فؤادي وأجفاني
وهي طويلة، ثم رثاه أيضا بعدة مقاطع منها:
سأشرح قصتي للناس حتى ... يؤدبني السؤال إلى خبير
أيمضى الجور حتى في المنايا ... بتقديم الصغير على الكبير؟
قلت: وكانت وفاته في رابع جمادى الآخرة سنة أثنين وأربعين وسبعمائة، ودفن بقابر الصوفية ليلة الجمعة، رحمه الله تعالى.
أبن باباي 821ه، 1418م
إبراهيم بن باباي، الأستاذ صارم الدين العواد.
أحد ندماء الملك المؤيد شيخ ومغنيه، كان أعجوبة زمانه في ضرب العود والغناء، ولم يكن جيد الصوت بل كان رأسا في العود، وفي فن الموسيقى، انتهت إليه الرئاسة في ذلك ولم يخلف بعده مثله.
وكان رومي الأصل، في حديثه باللغة العربية عجمة.
قال الشيخ تقي الدين المقربزي في حوادث سنة إحدى وعشرين وثمانمائة:(1/8)
الأستاذ إبراهيم بن باباي العواد في ليلة الجمعة مستهل شهر ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، وقد انتهت إليه الرئاسة في الضرب بالعود، وكان أبي النفس،من ندماء السلطان، مقريا عنده، وجدد عمارة بستان الحلي المطل على النيل، وخلف مالا جزيلا، انتهى كلام القريزي، رحمه الله.
أبو إسحاق الصوفي 648 - 740ه، 1250 - 1339م
إبراهيم بن بركات بن أبي الفضل، الشيخ الصالح أبو إسحاق الصوفي، يعرف بابن القريشة.
أحد الأخوة، شيخ الخانقاه الأسدية، وأمام تربة بني صصرى، القارئ البعلبكي الحنبلي، سمع من أبن عبد الدائم، وعلى: أبن الأوحد، وأبن أبي اليسر، أبي زكريا بن الصيرفي في عدة، وروى الكثير، وأشتهر، وعاش تسعين سنة أو أكثر، لأن مولده سنة ثمان وأربعين وستمائة، وتوفى سنة أربعين وسبعمائة.
وكان شيخا منور الشيبة، حسن البشرة، مليح الشكل حلو المذاكرات، عليه أنس، صحب المشايخ،وروى عنه البرزالي، ومات قبله، وسمع منه شمس الدين السروجي، وأبن سعيد، ونجم الدين وجماعة أخر.
الصاحب سعد الدين البشري 766 - 818ه، 1364 - 1415م
إبراهيم بن بركة،الصاحب سعد الدين الشهير بالبشيري القبطي المصري.
مولده في ليلة السبت سابع ذي القعدة سنة ست وستين وسبعمائة، وتوفى ليلة الأربعاء رابع عشر صفر سنة ثماني عشرة وثمانمائة.
قاضي تونس 636 - 734ه، 1238 - 1333م
إبراهيم بن الحسن بن علي بن عبد الرفيع الربعي المالكي، الحاكم بتونس من بلاد المغرب.
مولده في سنة ست وثلاثون وستمائة، كان فقيها محدثا عالما فاضلا، وألف أربعين حديثا.
قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي: استفدت منها، وأختصر التفريع لأبن الجلاب سماه السهل البديع، وعمر دهرا، ذكر أنه سمع من محمد بن عبد الجيار الرعيني سنة خمسة وخمسين كتاب البخاري عن أبي محمد بن حوط الله عن أبن بشكوال عن أبن مغيث عن أبي عمر بن الحذاء عن أبي محمد بن أسد بن أبن السكن، وذكر أنه سمع الموطأ عن أبن حوط عن أبي عبد الله بن زرقون قال: سمعت أربعين السلفي بقراءتي سنة ثمان وخمسين على الفقيه عثمان بن تاشفين التميمي عن الحافظ بن المفضل عنه، انتهى كلام الذهبي رحمه الله.
قلت: وكانت وفاته في سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
نجيب الدين الدمشقي الآدمي 575 - 658ه، 1179 - 1259م
إبراهيم بن خليل بن عبد الله، الشيخ الإمام نجيب الدين الدمشقي الآدمي، أخو شمس الدين يوسف بن خليل.
ولد يوم الفطر سنة خمس وسبعين وخمسمائة، وكان فاضلا، وله مشاركة في فنون، حلو المحاضرة، وحدث بدمشق وحلب، وكان ثقة، صحيح السماع، توفي في نوبة التتار سنة ثمان وخمسين وستمائة.
جمال الدين العسقلاني 622 - 692ه، 1225 - 1292م
إبراهيم بن داود بن ظافر بن ربيعة، الشيخ جمال الدين أبو إسحاق العسقلاني، الدمشقي المقرئ الشافعي.
ولد سنة اثنتين وعشرين وستمائة، وسمع من ابن الزبيدي، وابن اللتي، ومكرم والسخاوي، وابن الجميزي، والفخر الأربلي، وطائفة، ولازم السخاوي ثمانية أعوام، وأفرد عليه، ثم جمع السبعة سبع ختمات، وأخذ عنه علما كثيراً من التفسير والحديث والأدب، ثم طلب بنفسه، وكتب وقرأ الكثير على التقي المدائني وطبقته، وقرأ عليه جماعة كثيرة، منهم: الجمال البدوي، والشيخ محمد المصري، والشمس العسقلاني، والبرزالي، والطلبة.
توفي سنة اثنتين وتسعين، بتقديم التاء، وستمائة، ودفن بتربة شيخه السخاوي بقاسيون.
ابن جماعة 596 - 675ه، 1199 - 1276م
إبراهيم بن سعد الله بن جماعة بن علي بن جماعة بن حازم بن صخر، الشيخ الزاهد العابد أبو إسحاق الكتاني الحموي، شيخ البيانية.
كان من العلماء المشهورين بالدين والصلاح والخير، روى عنه ولده قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة، يأتي ذكره في المحمدين إن الله شاء تعالى.
خرج من حماه وودع أهله وقال: أذهب إلى القدس لأموت به، فكان كما قال، وتوفي يوم النحر سنة خمس وسبعين وستمائة، رحمه الله.
رضى الدين الآب كرمي 732ه، 1331م
إبراهيم بن سليمان، الإمام العلامة رضى الدين أبو إسحاق الرومي ثم الحموي الحنفي المنطقي، ويعرف بالآب كرمي، نسبة إلى بلد صغيرة تسمى آب كرم من قونية.(1/9)
كان إماما عالما فاضلا، رأسا في العلوم العقليات، متواضعا دينا، كثير العبادة، قرأ عليه جماعة من فضلاء دمشق وأعيانها ودرس بالقيمازية، ثم تركها لولده، ثم درس بها بعد موت ولده مدة، وطال عمره حتى جاوز الثمانين، وانتفع به الطلبة، وشرح الجامع الكبير في ست مجلدات، وشرح المنظومة في مجلدين، وله تواليف غير ذلك كثيرة مشهورة، وكان فقيها نحويا مفسرا منطقيا، متدينا، أثنى عليه جماعة من العلماء الأعلام وحج سبع مرات.
توفي بدمشق في خامس عشرين شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، ودفن بمقابر الصوفية، وكانت جنازته مشهودة، رحمه الله تعالى.
ابن النجار 590 - 651ه،1193 - 1253م
إبراهيم بن سليمان بن حمزة بن خليفة، الشيخ جمال الدين الشهير بابن النجار القرشي الدمشقي.
مولده بدمشق سنة تسعين وخمسمائة.
قال الشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك: وحدث وكتب على الإجازات.
وكتب عليه أبناء البلد، وكان الشهاب غازي المجود يثني عليه، وله نظم وأدب، وسافر إلى حلب وبغداد وكتب للأمجد صاحب بعلبك، وسافر إلى الإسكندرية وتولى الإشراف بها، وسمع بدمشق من التاج الكندي وغيره.
ومن شعره ما قاله في أسود شائب:
يا رب أسود شائب أبصرته ... وكأن عينيه لظى وقاد
فحسبته فحما بدت في بعضه ... نار وباقيه عليه رماد
قلت: قوله وقاد، الأصل فيه وقادة، لأنه صفة للظى وهي مؤنثة، قال الله تعالى " كلا إنها لظى، نزاعة للشوى " ولكنه ذكره حملا على المعنى، لأن المعنى جمر وقاد.
وله أيضا:
لقد نبتت في صحن خدك لحية ... تأنق فيها صانع الأنس والجن
وما كنت محتاجا إلى حسن نبتها ... ولكنها زادتك حسنا على حسن
قلا: وكانت وفاته سنة إحدى وخمسين وستمائة، رحمه الله تعالى.
ابن سهل 646ه، 1248م
إبراهيم بن سهل الإشبيلى الإسرائيلي.
قال ابن الآبار: في تحفة القادم: كان من الأدباء الأذكياء الشعراء، مات غريقا مع ابن خلاص والى سبتة في الغراب الذي غرق بهم عند قدومهم إلى إفريقية مع أبي الربيع سليمان بن علي الغريغر قبل سنة ست وأربعين وستمائة، انتهى.
قلت: وقيل: سنة تسع وأربعين وستمائة، وقيل بعد الخمسين.
وكان يهوديا فأسلم، ومدح النبي صلى الله عليه وسلم بقصيدة أولها:
وركب دعتهم نحو يثرب نيةُ ... فما خلت إلا سامعا ومطيعا
وكان إبراهيم بن سهل قبل أن يسلم يهوى غلاما يهوديا اسمه موسى، فلما أسلم تركه وهوى مليحا اسمه محمد، فقيل له في ذلك، فأنشد بديها فقال:
تركت هوى موسى لحب محمد ... ولولا هدى الرحمن ما كنت أهتدي
وما عن قِلى مني تركت وإنما ... شريعة موسى عطّلت بمحمد
وكان أكثر شعره قبل إسلامه في موسى المذكور، وكان يقرأ مع المسلمين ويختلط معهم حتى أسلم، وكان شاعرا ماهرا وله ديوان شعر في مجلد، وهو في غاية الحسن.
ومن نظمه القصيدة التي شاع ذكرها في الآفاق، وهي:
ردوا على طرفي النوم الذي سلبا ... وخبروني بقلبي أيّةَ ذهبا
علمت لما رضيت الحب منزلة ... أن المنام على عيني قد غضبا
فقلت واحربا والصمت أجد ربي ... قد يغضب الحب إذ ناديت واحربا
إني له عن دمي المسفوك معتذر ... أقول: حملته في سفكه تعبا
نفسي تلذ الأسى فيه وتألفه ... هل تعلمون لنفسي في الجوى نسبا
قالوا عهدناك من أهل الرشاد فما ... أغواك؟ قلت: اطلبوا في الجوى نسبا
من صاغه الله من ماء الحياة وقد ... جرت بفيته في ثغره شنبا
يا غائبا مقلتي تهمي لغرقته ... والقطر إن حجبت شمس الضحى انسكبا
مرددا في الدجى لهفا ولو نطقت ... شجونها رددت من حالتي عجبا
ماذا ترى في محب ما ذكرت له ... إلا بكى أو شكا أو حن أو طربا
يرى خيالك في الماء الزلال وما ... ذاق الزلال فيروي وهو ما شربا
وهى أطول من هذا، وله موشحة:
يا لحظات للفتن ... في كرها أوفى نصيب(1/10)
ترمي وكلّي مقتل ... وكلها سهم مصيب
اللوم للاحى مباح ... أما قبوله فلا
علقتها وجه صباح ... ريق طلا عيني طلا
كالظبي ثغره أقاح ... بما ارتعاه في الغلا
يا ظبي خذ قلبي وطن ... فأنت في الأنس غريب
وارتع فدمعي سلسل ... ومهجتي مرعى خصيب
بين اللما والحور ... منها الحياة والأجل
سقت مياه الخفر ... في خدها ورد الخجل
زرعته بالنظر ... وأجتنيته بالأمل
في طرفها الساجي وسن ... سهّد أجفان الكئيب
والردف فيه ثقل ... خفّ له عقل اللبيب
أهدت إلى حر العتاب ... برد اللملي وقد وَقَد
فلو لثمته لذاب ... من زفرتي ذاك البرد
ثم لوت جيد كعاب ... ما حليه إلا الغيد
في نزعة الظبي الأغن ... وهزة الغصن الرطيب
يجري لدمعي جدول ... فينثني منها قضيب
أأنت حورا أرسلك ... رضوان صدقا للخبر
قطعت القلوب لك ... وقيل: ما هذا بشر
أم الصفا مضني هلك ... من النوى أو الكدر
حتى تزكيه المحن ... أمر الهوى أمر غريب
كأن عشقي مندل ... زاد بنار الهجر طيب
غربت في الحسن البديع ... فصار دمعي معربا
شمل الهوى عندي جميع ... وأدمعي أيدي سبا
فاستمعي عبدا مطيع ... غنى لنفس الرقبا
هذا الرقيب ما أسوأه يظن ... إيش لو كان إنسان قريب
مولاي قم تانعملو ... ذاك الذي ظن الرقيب
وله موشحة أخرى:
باكر اللذة والاصطباح ... بشرب راح
فما على أهل الهوى ... من جناح
أغنم زمان الوصل قب ... ل الذهاب
فالروض قد روّاه دم ... ع السحاب
وقد بدا في الروض س ... ر عجاب
ورد ونسرين وزهر الأقاح ... كالمسك فاح
والطير تشدو ... باختلاف النواح
انهض وباكر للمدام العتيق
في كأسها تبدو كلون العقيق
بكف ظبي ذي قوام رشيق
مهفهف القامة طاوي الجناح ... كالبدر لاح
عصيت من وجدي ... عليه اللواح
لما رأيت الليل ... أبدى المشيب
والأنجم الزهر ... هوت للمغيب
والورق تبدي ... كل لحن عجيب
ناديت صحبي حين لاح الصباح ... قولا صراح
حي على اللذة ... والاصطباح
سبحان من أبدع هذا الرشا
قلت له والنار حشو الحشا
جد لي بوصل يا مليحا نشا
فسل من جفنيه بيض الصفاح ... يبغي كفاح
فاثخن القلب المعنى ... جراح
أصبحت مضنى وفؤادي عليل
في حب من أضحى بوصلو بخيل
كم قلت: دع هذا العتاب الطويل
أما تراني قد طرحت السلاح ... أي إطراح
أحلى الهوى ما كان ... بالإفتضاح
انتهت ترجمة ابن سهل، ولولا خشية الإطالة لذكرت من شعره اكثر من ذلك.
كاتب أرنان789 ه، 1387م
إبراهيم الوزير، الصاحب شمس الدين المعروف بكاتب أرنان، وزير الديار المصرية.(1/11)
قال الشيخ تقي الدين المقريزي: كان أصله من نصارى مصر، وأظهر الإسلام، وخدم في دواوين الأمراء حتى تعلق بخدمة الملك الظاهر برقوق وهو أمير فولاه نظر ديوانه، ثم فوض إليه الوزارة لما تسلطن، فنفذ الأمور ومشى الأحوال أحسن تمشية مع الغاية، مع وفور الحرمة، ونفوذ الكلمة، والتقلل في الملبس، وسائر أسبابه بحيث أنه كان كهيئة أوساط الكتاب، ودخل في الوزارة وأحوال الوزر غير مستقيمة، وليس للدولة حاصل من عين ولا غلة، وقد استأجر الأمراء النواحي بأجرة قليلة - عجلوها - ، فكف أيدي الأمراء عن المتحصل، ومشى على القواعد القديمة، والقوانين المعروفة، فهابه الخاص والعام، وجدد مطابخ السكر، - ودواليب القنود - ، ومات والحاصل ألف ألف درهم فضة وثلاثمائة ألف وستون ألف أردب غلة، وستة وثلاثون ألف رأس من الغنم، ومائة ألف طائر من الإوز والدجاج، وألفا قنطار من الزيت، وأربعمائة قنطار ماء ورد، قيمة ذلك كله خمسمائة ألف دينار، انتهى كلام المقريزي رحمه الله.
قال قاضي القضاة بدر الدين محمود العيني بمعنى قول المقريزي، إلا أنه زاد: وكان وزيرا ناهضا عارفا مدبرا، لم يأت بعد ابن قروينة مثله بل يفوقه، وأنه قبل أن يتولى الوزارة لم يرض أحد من القبط بالوزارة لعدم كون الحاصل تحت حكم الأمراء، ولما مات ترك هو من الموال شيئا كثيراً، انتهى كلام العيني.
قلت: ومع هذا كان لا يسلم من الملك الظاهر برقوق، بل كان كل قليل يجعل له مندوحة، ويأخذ منه ما شاء الله أن يأخذ من المال، بخلاف زماننا هذا، فإن فيه من المباشرين من هو أكثر مالا من أبن كاتب أرنان، بل ومن أبن قروينة أيضا، وهو يشكو إلى السلطان الفقر مع كثرة عمائره وعظيم بركة الذي لا مزيد عليه، والسلطان يدعو له بالبركة والتوسعة في الرزق،مع علمه بما أعلم، فهذا أعجب وأغرب.
توفى الصاحب شمس الدين المذكور في ليلة الثلاثاء سادس عشر شعبان سنة تسع وثمانين وسبعمائة بالقاهرة. انتهى.
أمير زاه إبراهيم 838ه، 1434م
إبراهيم بن شاه رخ بن تيمورلنك، بقية نسبة تأتي ترجمة جده تيمور، السلطان أمير زاه إبراهيم بن القان معين الدين شاه رخ ابن الطاغية تيمور كوركان.
ملك إبراهيم المذكور شيراز من قبل والده شاه رخ، فأظهر فيها النجابة والعدل، فأضاف إليه ما والى شيراز وأعمالها، وحسنت سيرته في رعيته، وأستمر بها مدة إلى أن أرسل عسكرا إلى البصرة في شعبان من سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة فملكوها له، ثم وقع بينهم وبين أهل البصرة خلاف، فاقتتلوا ليلة عيد الفطر، فهزم أهل البصرة أصحاب أمير زاه إبراهيم هذا، وقتلوا منهم عدة، وصاروا بعد ذلك أمر عظيم من الخوف والرعب من أمير زاه إبراهيم، فورد عليهم في أثناء ذلك خبر موته في شهر رمضان من السنة المذكورة، فسر أهل البصرة بموته سرورا زائدا.
وكان أمير زاه إبراهيم شابا جميلا من عظماء الملوك، وأجل أولاد شاه رخ، وكان له فضيلة تامة، وهو صاحب الخط المنسوب الذي يضرب بحسنه المثل، رحمه الله.
إبراهيم بن الملك المؤيد شيخ 800 - 823ه،1397 - 1420م
إبراهيم بن شيخ، المقام الصارمي صارم الدين بن الملك المؤيد أبي النصر شيخ المحمودي الظاهري.
مولده بالبلاد الشامية في أوائل القرن تقريبا.
ولما تولى أبوه السلطنة كان إبراهيم المذكور سنه دون البلوغ.(1/12)
وكان نبيلا، فأنعم عليه بتقدمة ألف بالديار المصرية، وتجرد صحبة أبيه الملك المؤيد نحو البلاد الشامية، ثم عاد صحبته أيضا، ولما كان سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة جرده والده السلطان الملك المؤيد لفتح البلاد القرمانية، وهز في خدمته عدة من أمراء الألوف والمماليك السلطانية وغيرهم، فكان من أعيان المقدمين الأمير قجقار القردمي أمير سلاح، والأمير ططر أمير مجلس، والأمير جقمق الأرغوني شاوي الدوادار الكبير، وغيرهم من أمراء الطبلخاناه والعشرات، وأستقل بالمسير إلى أن وصل إلى البلاد الشامية توجه صحبته أيضا نوابها في خدمته، ودخل البلاد القرمانية فنزل أولا على قيسارية ففتحها، ثم إلى بلاد نكدة وولى بها نوابا عن السلطان، وأقام بتلك البلاد ثلاثة أشهر، ثم عاد إلى حلب في أثناء شهر رجب ونزل بالقلعة، وأقام بحلب إلى العشر الأخير من شعبان، فورد عليه المرسوم الشريف من والده بالرجوع إلى الديار المصرية، فخرج من حلب وبخدمته العساكر المصرية ونواب البلاد الشامية بتجمل زائد وأبهة عظيمة، واستقل بالمسير إلى إن وصل إلى الديار المصرية، فقبل وصوله إلى القاهرة خرج والده الملك المؤيد شيخ إلى ملاقاته، وذلك في سابع عشرين شهر رمضان، فتوجه السلطان إلى بركة الحجاج واصطاد، ثم مضى إلى مدينة بلبيس، فقدم عليه الحبر بنزول المقام الصارمي بالصالحية، فتقدم الأمراء وأرباب الدولة فوافوه بالخطارة، فسلم على الجميع راكبا إلى أن عاين القاضي ناصر الدين محمد بن البارزي، كاتب السر الشريف، نزل له عن فرسه وتعانقا، لما يعلم من تمكنه عند أبيه، ثم عاد الجميع في خدمته إلى منزلة العكرشة والسلطان على فرسه، فنزل الأمراء القادمون صحبة الصارمي، ثم نزل المقام الصارمي أيضا عن فرسه، وقبل الأرض ثم قام ومشى حتى قبل الركاب الشريف، فبكى السلطان لفرحته به، وبكى الناس لبكائه، فكانت ساعة عظيمة، ثم سارا بموكبيهما إلى خانقاه سرياقوس، وباتا بها ليلة الخميس تاسع عشرينه، وركب السلطان من الليل ورمى الطير بالبركة واصطاد، فقدم الخبر في الوقت بقدوم الأمير تنبك ميق العلائي نائب الشام، فوافى ضحى، وركب أيضا في الموكب، فدخل السلطان إلى القاهرة من باب النصر، وقد زينت للمقام الصارمي وهو بتشريف عظيم، وخلفه الأسرى الذين أخذوا من قلعة نكدة في الأغلال، وهم نحو المائتين نفر، فكان يوما مشهودا، ونزل المقام الصارمي إلى داره، واستمر حاله أولا أشهرا، ثم توعك ولزم الفراش إلى خامس عشرين جمادى الأولى من سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة تحول في اليوم المذكور من الخروبية ببير الجيزة إلى الحجازية ببير بولاق، فنزل له والده وزاره بالحجازية، فأقام الصارمي إبراهيم بالحجازية إلى ثالث عشر جمادى الآخرة، فعادوا به إلى القاهرة وهو محمول على الأكتاف لعجزه عن الركوب في المحفة، فمات ليلة الجمعة خامس عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة.
وكان ملكا شابا حسنا، شجاعا مقداما، كريما ساكنا، وعنده أدب وحشمة ملوكية، خليقا للسلطنة، وكان يميل إلى الخير والعدل والعفة عن أموال الرعية، إلا أنه كان مسرفا على نفسه، سامحه الله ومات وسنة نيف على عشرين سنة، وأمه أم ولد، ماتت قبل سلطنة والده، رحمه الله تعالى، وعفا عنه.
الملك المنصور صاحب حمص 644ه، 1246م
إبراهيم بن شيركوه بن محمد بن شيركوه بن شادي، صاحب حمص، الملك المنصور.
كان مجاهدا شجاعا مقداما، قدم دمشق فنزل ببستان بالنيرب، وكان قد عامل على دمشق، ولو عاش أياما لأخذها، مرض أياما وتوفى بضيعة بقراط ببستان الملك الأشرف بالنيرب، وحمل ما معه إلى حمص، ودفن عند أسلافه.
وكانت وفاته سنة 644، وكانت مدة ولايته عشر سنين، رحمه الله تعالى.
عز الدين بن العجمي 731ه، 1330م
إبراهيم بن صالح بن هاشم، الشيخ الجليل المعمر بقية المشايخ، عز الدين أبو إسحاق بن العجمي الحلبي الشافعي.
وهو من بيت علم ورئاسة وفضل، وكان آخر من روى بالسماع عن الحافظ بن خليل، وسمع بدمشق من خطيب مردا، ولم يكن بالمكثر، حدث بدمشق وحلب.
توفى سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، وهو من أبناء التسعين، رحمه الله.
ابن قدامة 606 - 666ه، 1209 - 1217م(1/13)
إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر، الشيخ الزاهد الخطيب عز الدين أبو إسحاق بن الخطيب شرف الدين أبي محمد بن الزاهد أبي عمرو المقدسي الجماعيلي الأصل الدمشقي الصالحي الحنبلي.
ولد في شهر رمضان سنة ست وستمائة، وسمع من ابن عم أبيه الشيخ الموفق، والشيخ الشهاب بن راجع، والقاضي أبي القاسم الحرستاني، وابن ملاعب، وابن عبدون البنا، والكندي، وأبي محمد بن البن، وأبي الفتح محمد بن عبد الغني، وأبي المجد القزويني، وغيرهم، وسماعه من الكندي حضورا، روى عنه الدمياطي، والقاضي تقي الدين سليمان، وابن الخباز، وابن الزراد، وجماعة، وأجاز له ابن طبرزد، والمؤيد الطوسي.
وكان فقيها عارفا بالمذهب، صاحب عبادة وتهجد وإخلاص.
قال الحافظ الذهبي بعد أن أثنى عليه: وله أحوال وكرامات، وقد جمع ابن الخباز أخباره وفضائله في بضعة عشر كراسا، انتهى كلام الذهبي.
قلت: وكانت وفاته سنة ست وستين وستمائة، رحمه الله.
النميري 712 - 765ه، 1312 - 1363م
إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن موسى، الشيخ أبو إسحاق النميري الأندلسي الغرناطي المغربي.
كان إماما فاضلا عالما، أدبيا شاعرا، قدم القاهرة حاجا سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة.
قال الشيخ صلاح الدين: اجتمعت به وسألته عن مولده قال: في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، وأنشدني من لفظه لنفسه من قصيدة:
هن البدور تغيرت لما رأت ... شعرات رأسي آذنت بتغير
راحت تحب دجى شباب مظلم ... وغدت تعاف ضحى مشيب نير
قلت وأجاد لأن فيه مقابلة خمس بخمس وهو في غاية من البديع ثم قال وأنشدني:
له شفة أضاعوا النشر منها ... بلثم حين سدت ثغر بدري
فما أشهى لقلبي ما أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر
وله بالسند:
وقال عذولي حين لاح عذاوه ... بوجنته: انهره وأنى لقائل
أراني الضحى إذ سال في صحن خده ... أأنهره من بعد ذا وهو سائل
ابن العطار 595 - 649ه، 1198 - 1251م
إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن يوسف، الشيخ الإمام أبو إسحاق الأنصاري السكندري الحنفي عرف بابن العطار.
ولد سنة خمس وتسعين وخمسمائة، وتفقه على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه وبرع في المذهب، وتأدب على أبي زكريا يحيى بن معط النحوي، وجال في بلاد الهند واليمن والشام والعراق، وكان متوصلا عند الملوك خصيصا عندهم.
ذكره أبو المظفر منصور بن سليم في تاريخ الإسكندرية وأثنى على علمه وفضله، وذكر شيئا من نظمه، وقال: رأيته بالموصل وبغداد في خدمة الملك الناصر صلاح الدين، ثم انتقل إلى القاهرة واستوطنها إلى أن مات بها في سنة تسع وأربعين وستمائة.
الكردي المعروف بالهدمة 730ه، 1329م
إبراهيم بن عبد الله، الشيخ الصالح العابد الكردي المشرقي، المعروف بالهدمة.
كان منقطعا بقرية بين القدس والخليل صلى الله عليه وسلم، وأصلح هناك لنفسه مكانا وزرعه،وغرسا شجرا، فأثمر، ثم تأهل بعد الثمانين وستمائة، وجاءته الأولاد، وقصد بالزيارة فظهرت له كرامات، واشتهر اسمه إلى أن توفي سنة ثلاثين وسبعمائة، وقبره يزار هناك، رحمه الله.
ابن الشيخ عبد الله المنوفي 798ه، 1395م
إبراهيم بن عبد الله، الشيخ برهان الدين بن الشيخ المعتقد عبد الله المنوفي. كان فقيها في مذهب المالكية، وكان يخطب بجامع شرف الدين بالحسينية وكان له فضيلة ومشاركة جيدة، توفي ليلة الثلاثاء تاسع شهر رجب سنة ثمان وتسعين وسبعمائة، ودفن بتربة أبيه خارج باب النصر، رحمه الله تعالى، ونفعنا بسلفه.
برهان الدين القيراطي 726 - 781ه، 1325 - 1379م
إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن عسكر بن مظفر بن نجم بن شادي، الشيخ الإمام العالم العلامة برهان الدين ابن مفتي المسلمين شرف الدين الطائي الطريفي، الشهير بالقيراطي المصري، الأديب الشاعر المشهور.(1/14)
مولده في صفر سنة ست وعشرين وسبعمائة، ونشأ بالقاهرة، وحفظ القرآن الكريم، وطلب العلم، ولازم علماء عصره، إلى أن برع في الفقه والأصول والعربية، ودرس بأماكن وسمع صحيح البخاري على ابن شاهد الجيش،وسمع أيضا منه مشيخته، وعلى حسن بن السديد جزء السجستاني وبعض الغيلانيات على بعض أصحاب النجيب وغيره، وحدث بالقاهرة ببعض مروياته، وكثير من نظمه، وكان له النظم الرأيق والنثر الفائق.
قلت: ومذهبي في الشيخ برهان الدين هذا أنه هو شاعر عصره بعد الشيخ جمال الدين بن نباته وأقرب الناس إليه من دون تلامذته ومعاصريه من شعراء عصره، مع علمي بمن عاصره من الشعراء ولا حاجة لنا إلى ذكرهم، فإنه أدق وأحلى وأرشق، وسأذكر شيئا من نظمه بعد إثبات وفاته.
توفي ليلة الجمعة العشرين من شهر ربيع الآخر سنة إحدى وثمانين وسبعمائة بمكة المشرفة، ودفن بالمعلاة بعد صلاة الجمعة، رحمه الله.
والطريفي فخذ من طي، والقيراطي نسبة إلى قيراط وهي بلدة بالشرقية من أعمال الديار المصرية.
ومن نظمه رحمه الله، قصيدته:
قسما بروضة خده ونباتها ... وبآسها المخضل في جنباتها
وبسورة الحسن التي في خده ... كتب العذار بخطه آياتها
وبقامة كالغصن إلا إنني ... لم أجن غير الصد من ثمراتها
لأعزرن غصون بان زورت ... أعطافه بالقطع من عذباتها
وأباكرن رياض وجنته التي ... ما زهرة الدنيا سوى زهراتها
ولأصبحن للذتي متيقظا ... ما دامت الأيام في غفلاتها
كم ليلة نادمت بدر سمائها ... والشمس تشرق في أكف سقاتها
وجرت بنا دهم الليالي للصبا ... وكوؤسنا غرر على جبهاتها
فصرفت ديناري على دينارها ... وقضيت أعوامي على ساعاتها
خالفت في الصهباء كل مقلد ... وسعيت مجتهدا إلى حاناتها
فتحير الخمار أين دنانها ... حتى اهتدى بالطيب من نفحاتها
فشمتها ورأيتها ولمستها ... وشربتها وسمعت حسن صفاتها
وتبعت كل مطاوع لا يخشى ... عند ارتكاب ذنوبه تبعاتها
يأتي إلى اللذات من أبوابها ... ويحج للصهباء من ميقاتها
عرف المدام بحسنها وبنوعها ... وبفضلها وصفاتها وذراتها
يا صاح قد نطق الهزار مؤذنا ... أيليق بالأوتار طول سكاتها
فخذ ارتفاع الشمس من أقداحنا ... وأقم صلاة اللهو في أوقاتها
إن كان عند يا شراب بقية ... مما تزيل به العقول فهاتها
الخمر من أسمائها والدر من ... تيجانها، والمسك من نسماتها
وإذا العقود من الحباب تنظمت ... إياك والتفريط في حباتها
أمحرك الأوتار إن نفوسنا ... سكناتها وقف على حركاتها
دار العذار بحسن وجهك منشدا ... لا تخرج الأقمار عن هالاتها
كسرات جفنك كلمت قلبي فلم ... تأت الصحاح لنا بمثل لغاتها
ومنها:
والبدر يستر بالغيوم وينجلي ... كتنفس الحسناء في مرآتها
وتلا نسيم الروض فيها قارئا ... فأمال من أغصانها ألفاتها
ومليحة أرغمت فيها عاذلي ... قامت إلى وصلي برغم وشاتها
لا مال وجهي عن مطالع حسنها ... وحياة طلعة وجهها وحياتها
يا خجلة الأغصان من خطراتها ... وفضيحة الغزلان من لفتاتها
ما الغصن مياسا سوى أعطافها ... ما الورد محمرا سوى وجناتها
وعدت بأوقات الوصال كأنها ... ظنت سلامتنا إلى أوقاتها
وله أيضا رحمه الله:
لم ينقلوا الغرام مزورا ... ما كان حبكم حديثا ففترى
طلعت بدور التم من أزراركم ... فغدا اصطبار الصب منقصم العرى
يامن هجرت على هواهم عاذلي ... أيحل في شرع الهوى أن أهجرا ؟
أعصى الملام ولا منام يطيعني ... فكأن أذني العين واللوم الكرا(1/15)
في كل هيفاء القوام كأنها ... غصن يحركه النسيم إذا سرا
قالت وقد سمعت بجري مدامعي ... صدق المحدث فالحديث كما جرا
ذكرت فصغّرها العذول جهالة ... حتى بدت للناظرين فكبّرا
وجهلت معنى الحسن حتى أقبلت ... فرأيته فيها يلوح مصوّرا
لا تذكروا الغزلان عند لحظاتها ... أبدا فكل الصيد في جوف الغرا
لما أني الكليم من الهوى ... جعلت جوابي في المحبة لن ترى
ولقد سريت بليل أسود شعرها ... وحمدت عند صباح مبسمها السرا
قامت وقد لبست عقود حليهّا ... فرأيت غصنا بالجواهر مثمرا
يا من إذا ما مر حلو حديثها ... يا صاح عن العتيق واسكرا
ما لاح خصرك بالنحول موشحا ... إلا وأضحى بالصدود مفكرا
أرخصت يوم البين سعر مدامعي ... وتركت قلبي بالغرام مسعرا
لا تطمعي أن تملكي أهل الهوى ... فالناصر السلطان قد ملك الورى
ومن مقاطيعه رحمه الله قوله:
تنفس الصبح فجاءت لنا ... من نحوه الأنفاس مسكيه
وأطربت في العود قمرية ... وكيف لا تطرب عوديه
وله أيضا في طباخ:
هويت طباخا له نصعبة ... نيرانها للقلب جنات
يكسر أجفانا إذا ما رنا ... لها على الأرواح نصبات
وله أيضا رحمه الله:
أنظر إلى شطرنج خد بدت ... من فوقه الشامات مثل النقط
صحت به نسخة حسن لمن ... قد راحت الأرواح فيها غلط
وله أيضا:
قلت له لما زها حسنه ... على بدور التم ما أحسنك
وقلت للعاذل يا لائمي ... في جسمه الناعم ما أخشنك
وله أيضا:
أطربنا العود إلى أن غدا ... مقامنا يرقص مع صحبه
فشمعه قام على ساقه ... وكأسه دار على كعبه
وله وقد كتب به إلى الصلاح الصفدي.
يا صلاح العلي صفا ودادي ... لا يرى عن أبي الصفا تحويلا
فدع العتب إنني لست ممن ... لا يراعي من الأنام خليلا
وله أيضا عفا الله عنه:
جفني وجفن الحب قد أحرزا ... وصفين من نيلك يا مصر
جفني له يوم الوداع الوفا ... وجفنه الساجي له الكسر
الكمال الحنفي 620 - 691ه، 1223 - 1291م
إبراهيم بن عبد الله بن عبد المنعم بن محمد بن هبة الله بن أمين الدولة، الشيخ الإمام كمال الدين أبو إسحاق الحلبي الحنفي، المنعوت بالكمال.
مولده بحلب في سنة عشرين وستمائة.
وذكره الحافظ البرازالي في معجم شيوخه قال: سمع من ابن خليل ودخل بغداد وسمع بها من الكاشغري، ودرس بالحلاوية بحلب، وكان شيخا حسنا فقيها في مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه، من بيت رئاسة وتقدم، مات رحمه الله بالقاهرة، سنة إحدى وتسعين وستمائة، وصلي عليه بجامع الحاكم، ودفن بباب النصر.
وانتهى كلام البرازالي.
وقال حافظ تقي الدين بن رافع في التذييل: كان إماما عالما بارعا في الفقه، رحل إلى بغداد، وسمع من الكاشغري الثلاثيات في سنة اثنتين وأربعين وستمائة، ومن فضل الله بن عبد الرزاق، وموهوب الجوالبقي، وغيره، وبحلب من أبي الحجاج يوسف بن خليل، وكتب عنه، وأبي القاسم عبد الله بن الحسين بن رواحه، من الشيخ موفق الدين بن علي النحوي، وذكر أيضا جماعة كثيرة إلى أن ساق وفاته في التاريخ المذكور، انتهى.
قلت: وأثنى على الشيخ أبي إسحاق المذكور جماعة من العلماء الحنفية والمشايخ، وعلمه مشهور وفضله مأثور، رحمه الله تعالى.
ابن جماعة 725 - 790ه، 1324 - 1388م
إبراهيم بن عبد الرحمن وقيل عبد الرحيم بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة، قاضي القضاة برهان الدين أبو إسحاق الكناني الشافعي قاضي قضاة مصر ثم دمشق.(1/16)
مولده سنة خمس وعشرين وسبعمائة، قلت: وهو خلاف قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن سعد الله بن جماعة السابق، جد عبد الرحمن والد صاحب الترجمة، سمع الكثير بمصر والشام وبرع في الفقه والعربية وغيرهما، وولي خطابة المسجد الأقصى إلى أن صرف الملك الأشرف شعبان بن حسين قاضي القضاة بهاء الدين أبا البقاء عن القضاء بعث يطلب المذكور وولاه قضاء الديار المصرية وذلك في سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، فدام في الوظيفة نحو ست سنين وعزل في سنة تسع وسبعين في شعبان بابن أبي البقاء، توجه إلى القدس وباشر خطابته على عادته إلى أن أعيد لقضاء مصر ثانيا بعد عزل ابن أبي البقاء في سنة إحدى وثمانين وسبعمائة ودام إلى أن صرفه برقوق في سنة أربع وثمانين بقاضي القضاة بدر الدين بن أبي البقاء أيضا، ودام معزولا إلى أن ولاه الظاهر برقوق قضاء دمشق بعد موت ولي الدين بن عبد الله بن أبي البقاء، فتوجه ودام في الوظيفة بدمشق إلى أن توفي في ليلة الجمعة ثامن عشر شعبان سنة تسعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
زين الدين الشيرازي 634 - 714ه، 1236 - 1314م
إبراهيم بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد، الشيخ المسند العدل زين الدين أبو إسحاق بن نجم الدين بن تاج الدين الشيرازي ثم الدمشقي.
مولده سنة أربع وثلاثين وستمائة، كان شيخا بها، كثير التلاوة، سمع من السخاوي، وكريمة، وتاج الدين بن حموية، وطائفة، وخرج له الشيخ صلاح الدين العلائي مشيخة، وتفرد بعدة أجزاء، توفي سنة أربع عشرة وسبعمائة.
برهان الدين الفزاري 660 - 729ه، 1261 - 1328م
إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع بن ضياء، الشيخ الإمام العلامة شيخ الشافعية في زمانه، برهان الدين بن شيخ الإسلام تاج الدين الفزاري، الصعيدي الأصل، الدمشقي المولد والدار والوفاة، يأتي ذكر والده تاج الدين عبد الرحمن في موضعه، إن شاء الله تعالى.
مولده سنة ستين وستمائة، وأمه أم ولد، أسمعه والده الكثير في صغره من بن عبد الدائم،وابن أبي اليسر، وغيرهما، وقرأ الأصول وبعض المنطق، وتفنن، وجود الكتابة، ونشأ في صون وخير وإكباب على طلب العلم، والإفادة، درس واشتغل بعد أبيه وانتهى إليه إتقان غوامض مذهبه، وعلق على التنبيه شرحا حافلا، وكان عذب العبارة، طلق اللسان، كثير الاستحضار إلى الغاية، طويل الدروس يوردها كالفاتحة، يكاد يقول في مسائل الرافعي، هذه المسألة في المجلد الفلاني في الكراس الفلاني في الصفحة الفلانية لأنه دربه وأدمن مطالعته، وفرع من الوسيط دروسا ألقاها، وكان متواضعا يعود المرضى ويشهد الجنائز، وفيه طولة روح على تفهيم الطالب، وكان لطيف المزاج، نحيفا أبيض، حلو الصورة، رقيق البشرة معتدل القامة، قليل الغذاء جدا، يديم التنقل بالخيار شنبر ليذهب يبسه، وربما انزعج في المناظرة.
وقال الحافظ شمس الدين الذهبي: قرأت عليه مشيخة ابن عبد الدائم، وولي الخطابة بجامع الأموي بعد عمه شرف الدين، ثم عزل نفسه بعد شهر، وكان يخالف الشيخ تقي الدين في مسائل، ومع ذلك فما تهاجرا أبدا بل كان كل منهما يحترم الآخرين، انتهى كلام الذهبي.
قلت: وكانت وفاته في سنة تسع وعشرين وسبعمائة، ودفن عند والده بمقابر باب الصغير، وكانت جنازته مشهودة، ووجد أهل دمشق عليه، رحمه الله تعالى.
الأمير كمال الدين نائب الرحبة 674ه، 1275م
إبراهيم بن عبد الرحيم بن علي بن شيث، الأمير كمال الدين نائب الرحبة، ثم نائب بعلبك، أبو إسحاق القرشي الكاتب.
كان أولا في خدمة الملك الناصر داود، وترسل عنه، ثم خدم الملك الناصر يوسف فأعطاه إمرة، وصار يعتمد عليه، وقربه، ثم ولى الرحبة للملك الظاهر، ثم ولاه بعلبك.
وكان له أدب وترسل ومعرفة بالتاريخ والأخبار، وكان فاضلا يحفظ متون الموطأ، له اعتناء بالحديث، وروى عن ابن الحرستاني، وروى عنه اليونيني.
وكان أبوه الأمير جمال الدين من كبار دولة المعظم.
توفي بالساحل سنة أربع وسبعين وستمائة، وقد نيف على الستين، فحمل ودفن ببعلبك، رحمه الله.
ومن شعره:
لا تلحه في وجده تغريه ... دعه ففرط ولوعه يكفيه
حكم الغرام عليه فهو كما ترى ... مغرى بتذكار الحمى يبكيه
يشتاق أيام العقيق وحبذا ... وادي العقيق وحبذا من فيه(1/17)
وإذا النسيم روى سحيرا عنهم ... خبرا فيا طيب الذي يمليه
أبو إسحاق الرسعني الحنفي 642 - 695ه،1244 - 1295م
إبراهيم بن عبد الرزاق بن أبي بكر بن عبد الرزاق بن خلف، الشيخ الإمام أبو إسحاق الرسعني الحنفي، المعروف بابن المحدث.
سمع بالموصل من والده الإمام عز الدين وتفقه عليه غيره، وبرع في الفقه والعربية والأصول، ذكره الحافظ البرزالي في معجم شيوخه وقال: كتبت عنه وقد فاق أبناء جنسه معرفة وذكاء، وكان نبيها فاضلا، نبلا متمكنا، ورعا، حسن الأخلاق وله منظوم ومنثور، وشرح القدوري ولم يتمه، وكتب الإنشاء بديوان الموصل.
أنشدني من شعره كثيراً في كل فن.
مولده في جمادى الأولى سنة اثنتين وأربعين وستمائة بالموصل، وتوفي رحمه الله في شهر رمضان سنة خمس وتسعين وستمائة بدمشق، ودفن بسفح قاسيون، انتهى كلام البرزالي برمته.
رحمه الله.
ابن غراب سعد الدين 808ه، 1405م
إبراهيم بن عبد الرزاق، القاضي الأمير سعد الدين بن علم الدين - بن شمس الدين - الشهير بابن غراب.
أصله من أولاد الكتبة الأقباط بالإسكندرية، ثم اتصل بخدمة الأمير محمود بن علي الأستادار واختص به حتى صار عارفا بجميع أحواله، ثم بسفارته ولي نظر الخاص عوضا عن سعد الدين أبي الفرج بن تاج الدين موسى وذلك في يوم الخميس تاسع عشر ذي الحجة سنة ثماني وتسعين وسبعمائة، وعمره إذ ذاك دون العشرين سنة، ولما استفحل أمره أخذ في المرافعة في أستاذه الأمير محمود الأستادار في الباطن، ولازال على ذلك حتى قبض عليه الملك الظاهر برقوق وصادره، وأجرى عليه أنواع العذاب وانتدب سعد الدين هذا في محاققته، وإظهار خباياه، وصار أشد الناس عليه، ولازال على ذلك حتى هلك محمود تحت العقوبة.
حدثني بعض خواص محمود من خدمه قال: كان أستاذنا - يعني محمود - لما صودر ينظر في وجه سعد الدين ويبكي قهرا منه.
انتهى.
ولما هلك محمود يوم الأحد تاسع شهر رجب سنة تسعة وتسعين وسبعمائة، صار سعد الدين خصيصا عند الملك الظاهر برقوق إلى أن توفي سنة إحدى وثمانمائة، وتسلطن من بعده ابنه الملك الناصر فرج، خلع عليه بنظر الجيش بديار مصر مضافا لما بيده من نظر الخاص وغيره، ثم استقر بأخيه فخر الدين ماجد في الوزر، وصار هو صاحب الحل والعقد في الدولة إلى تاسع عشر شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثمانمائة قبض عليهما وأحيط بموجودهما، وخلع على القاضي بدر الدين محمد الطوخي، واستقر في الوزر عوضا عن فخر الدين ماجد بن غراب، وعلى شرف الدين محمد بن الدماميني، واستقر في نظر الجيش والخاص معا، عوضا عن سعد الدين صاحب الترجمة، وتسلمها الأمير أزبك رأس نوبة، ثم نقلا إلى بيت الأمير قطلوبغا الكركي شاد الشراب خاناه، فأقاما عنده إلى يوم السبت ثامن عشرينه أفرج عنهما وخلع عليهما بوظائفها كما كانا أولاد، وسلم إليهما الوزير الطوخي وابن الدماميني، فصار الطالب مطلوبا، فلم يؤاخذ سعد الدين القاضي شرف الدين بن الدماميني على فعله، بل أفرج عنه واستقر به قاضي قضاة الاسكندرية.
ولما خلع عليه بقضاء الاسكندرية نزل سعد الدين بن غراب وأخوه في خدمته إلى داره، واستمر سعد الدين في وظيفتي الجيش والخاص إلى أن أمسك الأمير يشبك الشعباني الدوادار وسجن بثغر الاسكندرية، اختفى سعد الدين، ثم اختفى أخوه فخر الدين ماجد.(1/18)
وكان فخر الدين قد عزل من الوزر قبل تاريخه بأبي كم بمدة يسيرة، فلما تسحبا أضيف لعلم الدين أبي كم الوزير نظر الخاص عوضا عن سعد الدين المذكور، وخلع علي سعد الدين أبي الفرج بن بنت الملكي صاحب ديوان الجيش، واستقر في نظر الجيش عوضا عن سعد الدين أيضا، وسار سعد الدين متوجها إلى تروجة ومعه مثال سلطاني باستخراج الأموال، ومسيرهم معه إلى الاسكندرية لإخراج يشبك الشعباني والأمراء من السجن بها، ثم توجه إلى الاسكندرية وجمع الزعران وحرضهم على قتل نائب الإسكندرية، فلم ينتج أمره، وأرسل طلب الأمان فكتب السلطان، والأمير جكم من عوض الدوادار لم يكتب، ما خلا جميع الأمراء فإنهم كتبوا له، فلما وصل إليه الأمان قدم إلى القاهرة ليلا ونزل عند صديقه جمال الدين يوسف البيري أستادار بجاس، وهو يومئذ استدار الأمير سودون طاز أمير آخور، فتحدث له جمال الدين مع أستاذة سودون طاز وأوصله إليه، فأكرمه وأنزله عنده يومي الثلاثاء والأربعاء، واسترضى له الأمراء، وأحضره يوم الخميس ثالث عشرين ذي الحجة سنة ثلاث إلى مجلس السلطان فقبل الأرض، وخلع عليه باستقرار في الاستادارية، ونظر الجيش ونظر الخاص، ونزل إلى بيت الأمير جكم فمنعه من الدخول ورده، فلا زال سعد الدين حتى دخل إليه بعد أيام في خدمة الأمير سودون من زاده، وقبل يده وهو لا يلتفت إليه، والتزم عند استقراره بتتمة النفقة، فأعطى كل مملوك ألف درهم، وعندما نزل من القلعة أدركه عدة من المماليك السلطانية ورجموه فرمى بنفسه إلى الأمير نوروز الحافظي مستجيرا به، فأصلح الأمير نوروز أمره، ومشى حاله إلى شهر ربيع الأول سنة أربع، ورغب لأخيه فخر الدين عن نظر الخاص، واستمر على حاله إلى سنة خمس، فلما كان في حادي عشرين شعبان تفاوض مع الأمير سودون الحمزاوي بالكلام في مجلس السلطان، وأغلظ كل منهما على الآخر ونزلا، فعندما نزل سعد الدين من القلعة تجمع عليه عدة من المماليك السلطانية وضربوه بالدبابيس حتى سقطت عمامته عن رأسه، وسقط إلى الأرض فحملوه إلى باب السلسة، وقد احتمى بالأمير إينال باي أمير آخور، ثم توجه إلى داره وانقطع عن الخدمة أياما، ثم ركب واستمر إلى ثاني عشر شهر رمضان، قبض عليه وعلى أخيه فخر الدين واعتقلاه بالزردخانة، وخلع على تاج الدين أبي بكر بن محمد بن عبد الله بن أبي بكر بن محمد الدماميني السكندري، واستقر في نظر الجيش عوضا عنه، وخلع على تاج الدين عبد الله بن الوزير سعد الدين نصر الله بن البقري واستقر في نظر الخاص عوضا عن أخيه فخر الدين، وتسلمهما ابن قايماز، فضرب فخر الدين ضربا مبرحا، وأهان سعد الدين حتى أخذ خطه بألف ألف درهم، وأخذ خط فخر الدين بثلاثمائة ألف، ثم نقلا إلى الأمير يلبغا السالمي ليقتلهما، فلم ينتقم السالمي منهما، وخاف سوء العاقبة، وعاملهما بالإكرام، ولا زال يسعى في أمرهما حتى تخلصا، فلما انتصبا عاملا السالمي بخلاف ذلك، واستمر سعد الدين المذكور إلى شهر ربيع الأول سنة ست وثمانمائة خلع عليه باستقراره في وظيفتي الاستادارية ونظر الجيش، وعزل ابن قايماز عن الاستادارية، واستمر سعد الدين على ذلك إلى أن وقع للأمير يشبك ما وقع، وانهزم إلى الشام، توجه سعد الدين هذا معه، ثم قدم أيضا صحبة الأمراء في وقعة السعيدية، ودخل القاهرة لما دخلها الأمير يشبك المذكور متخفيا وترامى على الأمير إينال باي ووعد السلطان بمبلغ ستين ألف دينار، وتعصب له الأمير جمال الدين الاستادار، فخلع عليه واستقر مشيرا، وعلى أخيه وزيرا، فاستمر على ذلك إلى أن فر الملك الناصر فرج واختفى عنده في يوم الأحد خامس شهر ربيع الأول سنة ثمان وثمانمائة، واستمر الناصر عنده متخفيا إلى أن ظهر وجرى من أمره ما سنحكيه في غير موضوع، وعاد إلى ملكه وخلع علي سعد الدين واستقر به رأس مشورة بعد أن أنعم عليه بأمرة مائة وتقدمة ألف بديار مصر، ولبس سعد الدين الكلفتاه وتقلد بالسيف وترك زي الكتاب.
حدثني بعض خواص سعد الدين قال: لما نزل من الخدمة بزي الأمراء سألني بأن قال يا فلان هذه الصفة أحسن أم تلك الصفة؟ فقلت له: لا والله تلك الصفة أحسن وأجمل وأليق بك، فلم يرد الجواب، انتهى.(1/19)
قلت: ولما نزل سعد الدين إلى داره لم يركب بالكلفتاه بعد أول مرة، ومرض ولزم الفراش إلى أن توفى ليلة الخميس تاسع عشر شهر رمضان سنة ثمانمائة، ولم يبلغ الثلاثين سنة.
وكان شابا جميلا كريما جوادا. ممدحا، رئيسا نالته السعادة في مباشرته، وكان يميل إلى فعل الخير والصدقة لا سيما في الوباء الذي كان في سنة ستة وثمانمائة، فإنه فعل فيه من الخيرات، ما هو مشهور عنه، قيل أنه منذ ولي الوظائف السنية إلى أن مات ما دخل عليه مملوك من المماليك السلطانية في حاجة - كبيراً كان أو صغيرا - إلا وسقاه السكر المذاب ثم يأخذ في قضاء حاجته، رحمه الله تعالى
ابن شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام 611 - 686ه،1214 - 1287م
إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد السلام، الشيخ أبو إسحاق بن شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام السلمي الدمشقي.
كان يخطب بجامع العقبة، ويلبس ثيابا قصيرة، وإذا خطب بكى، كان يتعانى الوعظ، فتألم أبوه لذلك وتركه، وكان يتكلم بكلام مسجوع مثل سجع الكهان، ويزعم أنه يلقى إليه من الجن، وكان فيه سلامة باطن.
وكان مولده سنة إحدى عشرة وستمائة، وتوفي سنة ست وثمانين وستمائة، رحمه الله تعالى
الوزير أمين الدين بن الهيصم 800 - 859ه، 1397 - 1454م
إبراهيم بن عبد الغني بن إبراهيم، الوزير الصاحب أمين الدين بن القاضي مجد الدين وناظر الخواص، الشهير بابن الهيصم، وزير الديار المصرية.
مولده بها في أوائل القرن تخمينا، ونشأ تحت كنف والده ثم عمه الصاحب تاج الدين عبد الرزاق بن الهيصم، ومهر في الكتابة والحساب، وباشر في جهات إلى أن خلع عليه الملك الأشرف برسباي باستقراره في وظيفة نظر الدولة عوضا عن القاضي كريم الدين عبد الكريم الشهير بابن كاتب جكم بحكم انتقاله إلى نظر الخاص عوضا عن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله المستقر استادارا عوضا عن ولده صلاح الدين محمد وذلك في يوم الاثنين ثاني عشر جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وثمانمائة، فاستقر الصاحب أمين الدين هذا في وظيفة نظر الدولة إلى سنة سبع وثلاثين وثمانمائة استقل بوظيفة الوزر بعد عزل الصاحب كريم الدين بن كاتب المناخ واستقلاله بوظيفة الاستادارية فقط، فانه كان جمع بينهما مدة سنين،وباشر الصاحب أمين الدين الوزر مدة أشهر فلم ينتج أمره وضعف حاله عن القيام بكلف الدولة فاستعفى ثم تسحب، واختفى أشهرا إلى أن ولي مكانه الصاحب جمال الدين يوسف بن كاتب جكم الوزر، فتكلم الأمير إينال الأبو بكري في أمره، ولا زال بالسلطان إلى أن ظهر ولزم داره مدة، ووقع له أمور إلى أن آل الأمر إلى إعادته في وظيفة نظر الدولة ثانيا، ودام فيها أيضا عدة سنين إلى يوم الاثنين ثامن جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وثمانمائة خلع عليه باستقراره في الوزر ثانيا عوضا عن الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن كاتب المناخ بحكم تعلله ولزومه الفراش أشهرا، فباشر المذكور الوزر في هذه المدة مباشرة جيدة، وضبط جهات الوزر، وقام بالكلف السلطانية أحسن قيام، واستفحل أمره ونتج، واستمر على ذلك إلى أن وقع الشراقي العظيم بالديار المصرية في سنة أربع وخمسين وثمانمائة، وغلت الأسعار فلم يكترث المذكور بذلك، وفرق إطلاق المماليك السلطانية على العادة(1/20)
- وأرضى كل واحد بحسب حاله، وقام بكلف الإصطبل السلطاني - وبرواتب المماليك السلطانية على العادة، وأظهر من القوة والسداد أمرا عظيما حتى أنه أخلع عليه في هده المدة عدة خلع ذكرناها في وقتها في تاريخنا الحوادث، واستمر على وظيفته إلى أن عجز واستعفى فأعفى، واستقر عوضه في الوزر تغرى بردى الظاهري القلاوي في يوم الخميس رابع شوال سنة ست وخمسين، ثم أعيد إلى الوزر في الدولة المنصورية عثمان بعد أن استعفى القلاوي في يوم الخميس تاسع عشر صفر سنة سبع وخمسين، فباشر الوزر في هذه المرة مدة إلى أن عجز واختفى في يوم الأربعاء أول شهر رمضان في سنة سبع المذكورة، واستقر في الوزر عوضه فرج بن النحال كاتب المماليك ودام هو مختفيا إلى أن ظهر وأعيد أيضا للوزر بعد عزل ابن النحال المذكور في يوم الاثنين حادي عشرين جمادى الأولى سنة ثمان وخمسين فلم تطل مدته فيها واختفى ثانيا في يوم السبت حادي عشر ذي الحجة من سنة ثمان المذكورة، فدام في اختفائه أن مرض ومات في يوم الأحد ثامن عشر صفر من سنة تسع وخمسين وثمانمائة، ولم يخلف بعده مثله في أبناء جنسه، رحمه الله تعالى.
سعد الدين بن كاتب جكم ناظر الخواص قبل 820 - 841ه، 1417 - 1437م
إبراهيم بن عبد الكريم بن بركه، القاضي سعد الدين ناظر الخواص الشريف بن القاضي كريم الدين ناظر الخواص بن سعد الدين الشهير بابن كاتب جكم.
مولده بالقاهرة قبل العشرين وثمانمائة، وأمه بنت الصاحب تاج الدين عبد الرزاق بن الهيصم، ونشأ تحت كنف والده وكتب الخط المنسوب، وتمذهب للشافعي رضي الله عنه، واشتغل يسيرا ومهر في الحساب وصناعة الدّيونة إلى أن استقل بوظيفة نظر الخاص بعد وفاة والده القاضي كريم الدين عبد الكريم في يوم الثلاثاء سلخ شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وسنة نيف على عشرين سنة أو دونها، فباشر وظيفة نظر الخاص بتجمل، ونالته السعادة وحسنت سيرته وشكرت أفعاله بالنسبة إلى غيره من أبناء جنسه، هذا وخلفه مثل الصاحب بدر الدين بن نصر الله المعزول عن الخاص بوالده قبل تاريخه، وقد كان يترقب زوال والده القاضي كريم الدين عبد الكريم، وفي ظنه أن الملك الأشرف برسباي لا يعدل عنه إلى غيره، فوليها بعد موته ولده سعد الدين هذا، وخاب ظن الصاحب بدر الدين بن نصر الله، واستمر سعد الدين في وظيفته وسافر صحبة السلطان الملك الأشرف إلى آمد في سنة ست وثلاثين وثمانمائة، بعد أن قام بالكلف السلطانية أحسن قيام، ثم من بعد عوده إلى القاهرة بمدة حصل عليه من السلطان إخراق،وضرب بسبب امتناعه عن الاستقرار بوظيفة الوزر، وتولى أخوه الصاحب جمال الدين يوسف الوزر كرها من غير إرادة أخيه سعد الدين المذكور، كل ذلك بعد فرار الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم فلم تطل أيام جمال الدين في الوزر، واستعفى وعزل بعد أن ألزم هو وسعد الدين صاحب الترجمة بحمل جملة مستكثرة من الأموال إلى الخزانة الشريفة فحملا ما ألزما به من المال وخلع على سعد الدين بالاستمرار في وظيفة الخاص على عادته، ولزم أخوه جمال الدين داره إلى أن توفي سعد الدين بعد مرض طويل في يوم الخميس سابع عشر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاه المؤمني، ودفن بالقرافة رحمه الله، وتولى أخوه الصاحب جمال الدين الخاص من بعده.
وكان شابا حسن الشكالة، جوادا كريما، وعنده دربة وسياسة ومعرفة وإقدام، إلا أنه كان منهمكا في اللذات التي تهواها النفوس، ومسرفا على نفسه، وعنده قليل تيه وشمم، عفا الله عنه.
ابن النجيب 795ه، 1392م
إبراهيم بن عبد الوهاب، الرئيس سعد الدين أبو الفضائل الشهير بابن النجيب القبطي الميموني.
كان من أعيان الكتبة، وباشر في عدة جهات، ثم تولى مباشرة ديوان الجيوش بالديار المصرية وغيرها، توفى سنة خمس وتسعين وسبعمائة.
أبو إسحاق الكاشغري الزركشي الحنفي 554 - 645ه، 1159 - 1247م
إبراهيم بن عثمان بن يوسف بن أيوب، الشيخ الإمام أبو إسحاق الكاشغري المحدث الحنفي البغدادي الزركشي.
ذكره الحافظ شرف الدين الدمياطي في معجم شيوخه وقال: مولده ببغداد في سنة أربع وخمسين وخمسمائة في الثاني والعشرين في جمادى الأولى، وكان فقيها محدثا دينا، توفى سنة خمس وأربعين وستمائة، إلا أنه كان يتشيع.
انتهى كلام الدمياطي.(1/21)
وكاشغر مدينة بأقصى بلاد تركستان، وهي بفتح الكاف، وبعدها ألف وشين معجمة ساكنة، وغين أيضا معجمة مفتوحة، وراء مهملة.
ابن أبي المنى 744ه، 1343م
إبراهيم بن عرفات بن صالح، القاضي زين الدين الشهير بابن أبي المنى القنائي الشافعي.
قال الأدفوي: كان فقيها حاكما، حسن الاعتقاد والسيرة، وكان له ثروة، ويميل لدين وخير، ويتصدق في كل سنة في عاشوراء بألف دينار، توفى ببلدة قنا في سنة أربع وأربعين وسبعمائة.
الأديب أبو إسحاق المعروف بعين بصل 709ه، 1309م
إبراهيم بن علي بن خليل، الأديب الشاعر أبو إسحاق الحراني المسيدي المعروف بعين بصل.
كان فقيرا ويمدح الأعيان والأكابر، ذكره جماعة من المؤرخين.
ذكره البرزالي في معجمه قال: رجل فقير وله شعر جيد، وهو من أرباب الحرف والتكسب، وذكر لي أن والده كان شواء بحران، سألته في شوال سنة اثنتين وسبعمائة عن سنه، فقال جاوزت السبعين، وكان يلبس القطعة مدة وإذا أفلس باعها، ومد إليها كف نفقته، ثم قال ومن شعره:
جفني بسقم جفونه قد أسقما ... ريم بسهم لحاظه قلبي رما
كالرمح معتدل القوام مهفهف ... مر الجفا لكنه حلو اللما
رشا أحل دمي الحرام وقد رأى ... في شرعه الوصل الحلال محرما
ربّ الجمال بوصله وبهجره ... ألفى وصاله جنة وجهنما
عن ورد وجنته وآس عذاره ... وبسيف نرجس طرفه الساجي حما
عاتبته فقسا، وفيت فخانني ... قربته فنأى، بكيت تبسما
حكمته في مهجتي وحشاشتي ... فجف وجار على حين تحكما
قلت: وهي مطولة جدا، ساقها الحافظ البرزالي بتماما وكمالها، ثم ذكر من شعره غيرها، وشعره كله من هذا المنوال غير متلاحم النسج ولا مستقيم النهج، انتهى.
قلت: وكانت وفاته يوم الخميس منتصف ذي القعدة سنة تسع وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
الحلواني الواعظ 791ه، 1388م
إبراهيم بن علي، الشيخ الإمام برهان الدين أبو إسحاق الواعظ الدمشقي الأصل المصري الدار والمنشأ والوفاة، المعروف بالحلواني.
كان عنده فضيلة ومشاركة جيدة، ولوعظة تأثير في القلوب، وللناس فيه اعتقاد ومحبة، وكان يميل إلى دين وخير، وكان يعظ الناس ويجتمع عليه خلائق.
قال الشيخ تقي الدين المقريزي: توفى بالقاهرة في عاشر صفر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، ولم نر بعده مثله في المواعيد، رحمه الله.
المسند تقي الدين الواسطي 602 - 692ه، 1205 - 1292م
إبراهيم بن علي بن أحمد بن فضل، الشيخ الإمام القدرة الزاهد تقي الدين مسند الشام أبو إسحاق الواسطي الصالحي الحنبلي، أحد الأعلام.
ولد سنة اثنتين وستمائة.
قال الحافظ أبو عبد الله شمس الدين محمد الذهبي رحمه الله، وسمع من أبي القاسم الحرستاني وأبي عبد الله بن البنا، وأبي البركات بن ملاعب، وأبي الفرج ابن الجلاجلي، وموسى بن عبد القادر، وابن راجح، والشيخ الموفق، وابن أبي لقمة، وطائفة سواهم بدمشق، وأبي محمد بن الاستاذ بحلب، والفتح بن عبد السلام، وأبي هريرة بن الوسطاني، وأبي المحاسن، وأبي علي بن الجواليقي، ومحاسن الخراسني، وأبي منصور أحمد بن البراج، وأبي حفص السهروردي، وعمر بن كرم، ومحمد بن أبي الفتح بن عصيبة، وياسمين بنت البيطار، وشرف النساء بنت الأبنوسي، وطائفة، وأجاز له زاهر الثقغي، وأبو الفخر أسعد بن روح، وجماعة من أصبهان، وأبو أحمد بن سكينة، وابن طبرزد، وابن الأخضر، وطائفة من بغداد، وعبد الرحمن بن المعزم من همدان، وانتهت الرحلة في علو الاسناد إليه، وحدث بالكثير، وكان فقيها عارفا بالذهب، ودرس بمدرسة الصالحية بالحبل، وولي مشيخة الحديث بالظاهرية، إستنابه بها عز الدين الفاروثي فباشر إلى أن مات.
وكان صالحا عابدا قانتا خاشعا، آمرا بالمعروف، قوالا بالحق خائفا من الله، كثير التلاوة والأوراد، خشن العيشة.(1/22)
سألت أبا الحجاج - يعني المزي - عنه فقال: أحد المشايخ المشهورين بالعلم والعمل و الاجتهاد، ومن انتهى إليه في عمره علو الأستاذ، ورحل إليه أقطار البلاد، وسمع الكثير بالشام والعراق، ثم قال: وسمع منه البرزالي، وابن سيد الناس، وقطب الدين الحلبي، والمزي، وابنه، والشهاب النابلسي، وابن المهندس، وابن تميية وإخوته، والفجر عبد الرحمن بن محمد البعلبكي، وأخوه عبد الله، وبدر الدين بن غانم، وخلق كثير.
ثم قال الذهبي: ولي منه إجازة، وانتقلى إلى رحمة الله في أواخر يوم الجمعة الرابع والعشرين من جمادى الآخر سنة اثنتين وتسعين وستمائة، ودفن من الغد بتربة الشيخ الموفق. وكان الشيخ عز الدين الفاروثي مع جلالته يمضي إليه، ويجلس بين يديه، ويقرأ عليه الحديث، وكان على كبر سنه يقرأ الختمة في ركعة واحدة، انتهى كلام الذهبي.
قلت: وذكره جماعة من المحدثين وغيرهم، وقد استوفى الذهبي غالب أقوالهم فلا حاجة في إعادتها ثانيا في هذا المحل. انتهى.
قاضي القضاة ابن عبد الحق الحنفي 668 - 744ه، 1269 - 1343م
إبراهيم بن علي بن أحمد بن يوسف بن إبراهيم، المعلامة قاضي القضاة أبو إسحاق الحنفي المعروف بابن عبد الحق.
مولده بدمشق.
كان إماما فقيها بارعا مصنفا، أفتى ودرس، وانتفع به الطلبة، ودام على ذلك بدمشق إلى أن طلبه الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى القاهرة في جمادى الآخرة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وولي بها قاضي قضاة الديار المصرية، بعد وفاة قاضي القضاة شمس الدين الحريري، وحسنت سيرته، ودرس بالقاهرة، وأفاد وأشغل مدة إقامته بها، إلى أن عزل الحسام الغوري: وعاد إلى دمشق ثانيا، وكب على الاشتغال والأشغال، وكان سمع في مبدأ أمره من أبي الحسين علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي، وأبي حفص ابن البخاري وغيرهما، تجمعه المشيخة التي خرجها البرزالي، وحدث بها، وكان فقيها بارعا محدثا، وله التصانيف المفيدة، من ذلك شرحة على الهداية وضمنه الآثار، ومذاهب السلف، واختصر السنن الكبرى للبيهقي في خمس مجلدات، واختصر كتاب التحقيق لابن الجوزي في مجلد، واختصر ناسخ الحديث ومنسوخه لأبي حفص ابن شاهين في مجلد، وله المنتقي من فروع المسائل في مجلد، وله نوازل الوقائع في مجلد، وله إجازة الإقطاع، وله إجازة الأوقاف زيادة على المدة، ومسألة قتل المسلم بالكافر، وغير ذلك، تصدر للإفتاء والتدريس مدة طويلة، وتفقه به جماعة من الأعيان، وكان يقرئ في علوم كثيرة، وله مشاركة في الأدب وغيره.
توفي في ثامن عشرين ذي الحجة سنة أربع وأربعين وسبعمائة بدمشق، وكانت جنازته مشهودة، رحمه الله.
قاضي القضاة نجم الدين الطرسوسي الحنفي 758ه، 1356م
إبراهيم بن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المنعم بن عبد الصمد، العلامة قاضي القضاة نجم الدين أبو إسحاق بن قاضي القضاة عماد الدين أبي الحسن الطرسوسي الحنفي الدمشقي، قاضي القضاة الحنفية بدمشق وعالمها.
مولده سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، ونشأ بدمشق تفقه بها على علماء عصره، وبرع في الفقه والأصول العربية، وشارك في عدة فنون، وتصدر للإفتاء والتدريس مدة طويلة، ثم ولي قضاء القضاة الحنفية بدمشق، وحمدت سيرته مع ملازمته للإقراء والتدريس والتأليف، ومن مصنفاته رفع الكلفة عن الإخوان في ذكر ما قدم فيه القياس على الاستحسان، وكتاب مناسك الحج مطول، وكتاب الاختلافات الواقعة في المصنفات، وكتاب محظورات الإحرام، وكتاب الإشارات في ضبط المشكلات، عدة مجلدات، وكتاب الفتاوى في الفقه، وكتاب الإعلام في مصطلح الشهود والحكام، وكتاب الفوائد المنظومة في الفقه وغير ذلك.
وكان إماما مفتيا دينا خيرا ذكيا، حسن المعاشرة حلو المحاضرة، توفي سنة ثمان وخمسين وسبعمائة بدمشق، بعد أن أقام على القضاء نحوا من أربعين سنة، رحمه الله تعالى.
برهان الدين المحلي التاجر 745 - 806ه، 1344 - 1403م
إبراهيم بن عمر بن علي، التاجر الرئيس برهان الدين المحلي المشهور.
قال المقريزي: ذكر أنه من ذرية طلحة بن عبد الله، وأنه ولد في سنة خمس وأربعين وسبعمائة، فسماه جده لأمه العلامة شمس الدين محمد بن اللبان، انتهى كلام المقريزي.(1/23)
قلت: انتهت إليه رئاسة التجار في زمانه، وبلغ من الحظ في المتجر وسعة المال إلى الغاية، وكان عنده حشمة ومروءة، وخير ومعروف، وجدد عمارة جامع عمرو بن العاص رضي الله عنه بمصر القديمة، وبنى عدة أملاك تعرف به، ولم يزل على رئاسته إلى أن توفي يوم الأربعاء ثاني عشرين شهر ربيع الأول سنة ست وثمانمائة، وخلف مالا جزيلا، رحمه الله تعالى.
برهان الدين الجعبري 640 - 732ه، 1242 - 1331م
إبراهيم بن عمر بن إبراهيم، الشيخ الإمام العلامة ذو الفنون، شيخ القراء، برهان الدين الجعبري الشافعي، بن مؤذن جعبر.
ولد في حدود الأربعين وستمائة، وسمع في حياة ابن خليل، وتلا ببغداد بالسبع على أبي الحسن الوجوهي صاحب الفخر الموصلي، وتلا بالعشر على المنتجب صاحب ابن كدي وأسند القراءات بالإجازة عن الشريف أبي البدر الداعي، وقرأ التعجيز حفظا على مؤلفه تاج الدين بن يونس، وسمع من جماعة.
وقدم إلى دمشق بفضائل ونزل بالسميساطية، وأعاد بالغزالية، وباحث وناظر، ثم ولي مشيخة الحرم بالخليل عليه السلام، فأقام بها بضعا وأربعين سنة، وصنف التصانيف، واشتهر ذكره.
قال الحافظ الذهبي رحمه الله: قرأت عليه نزهة البرزة في القراءات العشرة، وألف شرحا للشاطبية كبيراً، وشرحا للرائية، ونظم في الرسم روضة الطرائف، واختصر مختصر ابن الحاجب، ومقدمته في النحو، وكمل شرح المصنف للتعجيز، وله ضوابط كثيرة نظمها، وله كتاب الإفهام والإصابة في مصطلح الكتابة نظم، ويواقيت المواقيت نظم، والسبيل الأحمد إلى علم الخليل بن أحمد، وتذكرة الحفاظ في مجتبه الألفاظ، وموعد الكرام لمولد عليه السلام، ومناقب الشافعي، وكتاب المناسك، والشرعة في القراءات السبعة، وله الدماثة في القراءات الثلاثة وشرحها، وعقود الجمان في تجود القرآن، وحدود الإتقان في تجويد القرآن والترصيع في علم البديع، والإيجاز في الألغاز، والاهتداء في الوقف والابتداء، انتهى كلام الذهبي.
وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي: رأيته مرة ببلد سيدنا الخليل عليه السلام، وسمعت كلامه، وكان حلو العبارة، ولم يتفق لي أن أروي عنه شيئا.
انتهى كلام الذهبي.
قلت: وذكره غير واحد وأثفى عليه وعلى علمه وفضله، وله شعر جيد، من ذلك قوله:
لما أعلن الله جلّ بلطفه ... لم تسبني بجمالها البيضاء
ووقعت في شرك الردى متحبلا ... وتحكمت في مهجى السوداء
توفي في شهر رمضان سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، عن تسعين سنه، رحمه الله تعالى.
أبو إسحاق الأندلسي 697ه، 1297م
إبراهيم بن عيسى بن يوسف بن أبي بكر، الشيخ الإمام محدث أبو إسحاق المرادي الأندلسي.
كان إماما فقيها سمع كثير من أصحاب السلفة وطبقتهم بعد الأربعين، وكتب الكثير بخطه المتقن المليح، وكان صالحا ورعا إماما بالباذرائية بدمشق.
وذكره الشيخ محي الدين النووي وأثنى عليه وقال: كان بارعا في معرفة الحديث وعلومه وتحقيق ألفاظه لا سيما الصحيحين، وكان ذا عناية باللغة والعربية ومعارف الصوفية من كبار المسلكين، انتهى كلام النووي.
توفي سنة سبع وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
الوزير فخر الدين الشيباني الإسعردي 612 - 693ه، 1215 - 1293م
إبراهيم بن لقمان بن أحمد بن محمد، الوزير الكاتب فخر الدين الشيباني الإسعردي.
ولد سنة اثنتي عشرة وستمائة، تنقل في الخدم، وباشر في جهات، ونالته السعادة والتقدم وطال عمره.
قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي: رأيته شيخا بعمامة صغيرة، وقد حدث عن ابن رواح، وكتب عنه البرزالي والطلبة، وولي وزارة الصحبة للملك السعيد، ثم وزر مرتين للملك المنصور. وأصله من المعدن من أسعود، وكان قليل الظلم، فيه إحسان للرعية، ولما فتح الملك الكامل آمد كان أبى لقمان شابا يكتب على عرصة القمح وينوب عن الناظر، وكان الصاحب بها الدين زهير كثير الإنشاء للكامل، فاستدعى من ناظر آمد حوائج، فكانت الرسالة ترد إليه بخط ابن لقمان، فأعجب البهاء زهير خطه وعبارته فاستحضره، وفوه به، وناب عنه في ديوان الإنشاء، ثم إنه خدم في ديوان الإنشاء في الدولة الصالحية وهلم جرا إلى أوائل الدولة الناصرية، انتهى.
قلت وذكره غير واحد وأثنى عليه بالعلم والفضل.
وكان له نظم ونثر وترسل من ذلك قوله:(1/24)
كن كيف شئت فإنني بك مغرم ... راض بما فعل الهوى المتحكم
ولئن كتمت عن الوشاة صبابتي ... بك فالجوانح بالهوى تتكلم
أشتاق من أهوى وأعلم أنني ... أشتاق من هو في الفؤاد مخيم
يا من يصد عن المحب تدللا ... وإذا بكى وجدا غدا يتبسم
أسكنتك القلب الذي أحرقته ... فحذار من نار به تتضرم
وله في مليح اسمه غلمش:
لو وشى فيه من وشى ... ما تسليت غلمشا
أنا قد بحت باسمه ... يفعل الله ما يشا
توفي بمصر في سنة ثلاث وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
ابن دقماق المؤرخ 750 - 809ه، 1349 - 1406م
إبراهيم بن محمد بن أيدمر بن دقماق، صارم الدين.
كان جده دقماق أحد الأمراء في أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون.
مولده بالديار المصرية في حدود الخمسين وسبعمائة، وتزيا بزي الجند وطلب العلم، وتفقه يسيرا بجماعة من فقهاء الحنفية، ومال إلى الأدب، ثم حبب إليه التاريخ فمال إليه بكليته، وكتب الكثير وصنف.
قال الشيخ تقي الدين المقريزي: ومال إلى فن التاريخ، فأكب عليه حتى كتب نحو المائتين سفر من تأليفه وغير ذلك، وكتب تاريخا كبيراً على السنين، وتاريخ آخر على الحروف، وكتب أخبار الدولة التركية في مجلدين، وأفرد سيرة الملك الظاهر برقوق، وكتب طبقات الحنفية وامتحن بسببها، انتهى كلام المقريزي.
قلت: وتصانيفه جيدة مفيدة، واطلاعه كثيرة، واعتقاده حسن، ولم يكن عنده فحش في كلامه، ولا في خطه.
قال المقريزي أيضا: وكان الصارم عارفا بأمور الدولة التركية، مذاكرا بجملة أخبارها، مستحضرا لتراجم أمرائها، ويشارك في أخبار غيرها مشاركة جيدة، وكان جميل العشرة، فكه المحاضرة، كثير التودد، للسانه من الوقيعة في الناس، لاتراه يذم أحدا من معارفه، بل يتجاوز عن ذكر ما هو مشهور عنهم مما يرمي به أحدهم، ويعتذر عنهم بكل طريق، صحبته مدة، وجاورني سنين، انتهى كلام المقريزي، باختصار.
ثم ولي دمياط فلم ينتج أمره وعزل، وعاد إلى القاهرة، ومات بعد قليل في ليلة الثلاثاء لثمان بقين من ذي الحجة سنة تسع وثمانمائة عن نحو الستين سنة، رحمه الله.
ابن قرناص 671ه، 1272م
إبراهيم بن محمد بن هبة الله بن قرناص، الأديب البارع الشاهد، مخلص الدين الحموي، كان شاعرا ماهرا، وله فضائل ومشاركة، ونظم ونثر وترسل، وله ديوان شعر مشهور.
ومن نظمه قوله:
ليلي وليلك يا سؤلي ويا أملي ... ضدان هذابه طول وذا قصر
وذاك أن جفوني لا يلم بها ... نوم وجفنك لا يحظى به سهر
قلت: وهذا يشبه قول القائل، ولم أدر من هو السابق:
ليلى وليلي نفى نومي اختلافهما ... في الطول والطول يا طوبى لو اعتدلا
بجود بالطول ليلى كلما بخلت ... بالطول ليلى وان جادت به بخلا
وله أيضا:
حاشاك يا ظبية الأنس التي افترست ... أسد العرين من التأثيم حاشاك
يثني تثنيك قضب البان مائسة ... ويبسم الدر عجبا من ثناياك
توفي سنة إحدى وسبعين وستمائة رحمة الله تعالى، وعفا عنه.
أبو إسحاق الغزنوي الفقيه الشاعر 605ه، 1208م
إبراهيم بن محمد، وقيل محمود، الشيخ الإمام أبو إسحاق الأديب الشاعر الغزنوي الحنفي.
طلب العلم وتفقه على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه، وقرأ الأدب، وغلب عليه الشعر وبرع في النظم وسمع من شعره الحافظ شرف الدين الدمياطي، أنشدنا الشيخ تقي الدين أحمد المقريزي إجازة، أنشدنا الحراوي إجازة، أنشدنا الحافظ الدمياطي إجازة إن لم يكن سماعا، أنشدنا أبو إسحاق الفقيه إبراهيم الغز نوي بدمشق لنفسه:
ورشيق دمعي عليه طليق ... وفؤادي العاني لديه أسير
أمروه على الملاح وهذا ... شعره إن شككتم المنشور
كلما جاء بالملام عذ ولي ... قلت ذا منكر وهذا نكير
مولده سنة خمس وستمائة تقريبا، انتهى، هذا الذي وقفت عليه من نظمه.
ابن السويدي 600 - 690ه، 1203 - 1290م(1/25)
إبراهيم بن محمد بن طرخان، الحكيم عز الدين أبو إسحاق الأنصاري، عرف بابن السويدي، شيخ الأطباء بدمشق، قيل إنه من ولد سعد بن معاذ رضي الله عنه. مولده سنة ستمائة بدمشق.
قال ابن أبي اصيبعة: وهو أسرع الناس بديهة في قول الشعر وأحسنهم إنشادا، وكنت أنا وهو في المكتب، وله الباهر في الجواهر، والتذكرة الهادية في الطب، انتهى.
وقال غيره: كان فاضلا أديبا لاسيما في الطب، وله مشاركة جيدة في فنون، وسمع من ابن ملاعب وأحمد ابن عبد الله السلمي، وعلي بن عبد الوهاب أخى كريمة، وتفرد عنه، والحسين بن إبراهيم بن بن سلمة، وزين الامناء بن عساكر، وقرأ لولده البدر محمد علي مكي بن علان، والرشيد العراقي، واستنسخ له الاجزاء، وقرأ المقامات سنة تسع عشرة على التقي خزعل النحوي، وأخبره بها عن متوجهر عن المصنف، وقرأ كتبا في الأدب وفي النحو علي ابن معط، وعلي النجيب يعقوب الكندي، وأخذ الطب عن الدخوار وغيره، وروى عنه البرزالي وابن الحباز وطائفة.
ومن شعره:
وعدته الوصال يقضى وزارت ... فأرته المعدوم بالموجود
فهو لا يطعم الرقاد فيستي ... قظ إلا على قراق جديد
وله:
لو إن تغيير لون شيبي ... يعيد ما فات من شبابي
لما وفى لي بما تلاقي ... روحي من كلفة الخضاب
وله مواليا:
البدر والسعد ذا شبهك ... وذا نجمك
والقد واللحظ ذا رمحك ... وذا سهمك
والبغض والحب ذا قسمي ... وذا قسمك
والمسك والحسن ذا خالك ... وذا عمك
وله أيضا مواليا:
ذي قائلة لأختها والقصد ... تسمعنا
ما النحو؟ قالت: لها نحنا ... بأجمعنا
الرفع والنصب نا وأنتي ... ومن معنا
للجر، والزوج حرف ... جاء للمعنى
توفي سنة تسعين وستمائة، ودفن بتربة إلى جانب الخانقاه الشبلية.
جلال الدين بن القلانسي 654 - 722ه، 1256 - 1322م
إبراهيم بن محمد، جلال الدين بن القلانسي.
قدم الديار المصرية وسكن بالزاوية على بركة الفيل، واشتهر وتردد الناس إليه، وحظي عند الأكابر والأمراء، ثم أخرج بعد مدة إلى القدس بسبب الأمير ناصر الدين بن البابا، فأقام بالقدس - الشريف - إلى أن توفي سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة.
رحمه الله تعالى.
قاضي القضاة الاخنائي المالكي 777ه، 1375م
إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن عيسى بن بدران، قاضي القضاة برهان الدين ابن علم الدين العدني الهدباني الأخنائي المالكي، قاضي قضاة الديار المصرية.
كان فقيها عالما بارعا، باب في الحكم، وتولى نظر الخزانة وغيرها، ثم استقل بوظيفة القضاء بديار مصر عوضا عن أخيه تاج الدين محمد بعد موته، وذلك في حادي عشرين صفر سنة ثلاث وستين وسبعمائة. وكان أولا خليفة أخيه في الحكم، واستمر قاضيا خمس عشرة سنة، وحمدت سيرته إلى أن توفي بالقاهرة في يوم الأربعاء ثالث شهر رجب سنة سبع وسبعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
الحافظ برهان الدين الحلبي المعروف بالقوف 753 - 841ه،1352 - 1437م
إبراهيم بن محمد بن خليل، الشيخ الأمام الحافظ برهان الدين أبو إسحاق الحلبي سبط ابن العجمي.
مولده في ثاني عشرين شهر رجب سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة بحلب، وبها نشأ وطلب العلم وقرأ الحديث على الشيخ كمال الدين عمر بن العجمي والمحدث شرف الدين الحسين بن عمر بن حبيب، وعلى القاضي كمال الدين عمر المعري، وعلى الظهير بن العجمي، وعلى القاضي جمال الدين أبي إسحاق إبراهيم بن العديم، وشهاب الدين أحمد بن عشائر، وابن عبد العزيز القاهري، وبدر الدين محمد بن بشر الحراني، وابن عبد الباقي الصوفي، والخطيب شهاب الدين بن الحنبلي الشافعي، وابني حبيب كمال الدين محمد وبدر الدين الحسن، وشهاب الدين ابن النصيبي، وشهاب الدين بن المرحل، وسليمان الصابوني، ونور الدين ابن العديم، وشرف الدين أبي البركات موسى بن فياض المقدسي الحنبلي، والشيخ شمس الدين محمد بن علي شيخ جبرين بها وغيرهم.(1/26)
قال: القاضي علاء الدين على بن خطيب الناصرية الحلبي في تاريخه: وقرأ النحو على الشيخين أبي جعفر وأبي عبد الله الأندلسي وغيرهما، واشتغل في الفقه والقراءات والتصرف والبديع والتصوف، ورحل، سمع بحماه شرف بنت خطيب المنصورية عمة شيخنا أبي المحاسن يوسف، والقاضي الحنبلي، وبدمشق من ابن المحب الحافظ، وصلاح الدين بن أبي عمر، وابن راجح، وأبي الهول، وغيرهم، وبالقاهرة ناصر الدين الطبردار، وجويرية الهكارية وغيرهم.
ثم أخذ علم الحديث بالقاهرة عن الحافظ كالحافظ زين الدين العراقي، والحافظ سراج الدين بن الملقن، وقرأ على الحافظ العراقي ألفيته في علم الحديث وغيرهم من مصنفاته، وقرأ أيضا على الشيخ العلامة الإمام شيخ الإسلام سراج الدين أبي حفص عمر البلقيني، وسمع بالإسكندرية والقدس وغزة، وبرع في ذلك، وعاد إلى حلب، وصنف وأشغل الطلبة، وهو شيخي عليه قرأت هذا الفن وبه انتفعت وبهديه أقتديت وبسلوكه تأدبت وعليه استفدت.
وهو شيخ إمام عالم عامل، حافظ ورع مفيدة، زاهد على طريق السلف الصالح، ليس مقبلا إلا على شأنه من الإشتغال والإشغال والافادة، لا يتردد إلى أحد، وأهل حلب يعظمونه ويعتقدون بركته، وغالب رؤسائها تلاميذه، وحدث بحلب، وحج في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، ثم عاد من الحجاز إلى حلب، واستمر على طريقته، وحدث بحلب، وسمع عليه جماعة كثيرون منهم الإمام الحافظ قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن حجر قاضي الديار المصرية، قدم حلب سنة ست وثلاثين وثمانمائة، والمحدث الإمام شمس الدين بن ناصر الدين محدث دمشق وحافظها قدم حلب في سنة سبع وثلاثين وثمانمائة، ورحل إليه الطلبة واشتغل عليه كثير من الناس، وانفرد بأشياء سماعا منها مشيخة الفخر بن البخاري وغيرها، وصار رحلة الآفاق وهو على حاله، واصلا من الإشتغال دائما، وعلى طريقة السلف، انتهى كلام ابن خطيب الناصرية.
قلت: كان إماما حافظا، بارعا مفيدا، سمع الكثير، وألف التواليف الحسنة المفيدة، وكتب على صحيح البخاري، وعلى السيرة النبوية لابن سيد الناس، وعلى كتاب الشفا للقاضي عياض، وصنف نهاية السؤل في رواية الستة الأصول، وشرح سنن ابن ماجة، وذيل على كتاب الميزان للذهبي.
ورأيته أنا أيضا بحلب في سنة ست وثلاثين وثمانمائة، ولم يتفق لي أن أروي عنه شيئا، ولكن اجتمعت بغالب طلبته، وممن تخرج به، والجميع يثنون على علمه وفضله وحفظه، واستمر بعد ذلك بحلب إلى أن توفي ضحى يوم الاثنين السادس والعشرين من شوال سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وصلى عليه بالجامع الأموي بعد صلاة الظهر، ودفن عند أقاربه، وكانت جنازته مشهودة، رحمه الله تعالى.
برهان الدين العجلوني ابن خطيب عذراء 752 - 825ه،1351 - 1421م
إبراهيم بن محمد بن عيسى بن عمر بن زياد، الشيخ الإمام العالم برهان الدين أبو إسحاق العجلوني الشافعي الدمشقي الشهير بابن خطيب عذراء.
مولده سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة بعجلون، وحفظ المنهاج في صغره، واشتغل على مشايخ عصره، ودأب في الفقه خصوصا الروضة فإنه كان يستحضر منها كثيراً، وتصدر، للإشغال مدة طويلة، وولي قضاء صفد في الأيام الظاهرية برقوق، ثم عزل، ثم ولي بعد سنة ثلاث وثمانمائة ثانيا، ثم عزل عنها، وقدم دمشق في سنة ست وثمانمائة، وولي بها نيابة الحكم، وأقام على ذلك سنين، ثم تنزه عن ذلك كله، وأكب على الأشغال، وصار يفتي ويدرس إلى أن حصل له فالج في ليلة الاثنين خامس عشر المحرم، فلزم منه الفراش من غير أن يتكلم إلى أن توفي يوم الأربعاء سابع عشرين المحرم من سنة خمس وعشرين وثمانمائة، رحمه الله.
إبراهيم بن الملك الناصر محمد بن قلاوون 738ه، 1337م
إبراهيم بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون، الأمير جمال الدين.(1/27)
كان والده الملك الناصر محمد قد جهزه إلى مدينة الكرك مع أخيه الناصر أحمد والمنصور أبي بكر، فأقاموا بالكرك إلى أن ترعرعوا، أحضر إبراهيم هذا وأبو بكر إلى القاهرة، وأقاما بها إلى أن أمَّرَهما، كل واحد إمرة طبلخاناة، ولم يسم أحد منهم بملك، بل كان الناس يقولون سيدي إبراهيم وسيدي أبو بكر على عادة الأسياد، ثم زوجه والده الملك الناصر محمد بإبنة الأمير جنكلي بن البابا وبنى بها، وأقام إلى أن جدر ولزم الفراش تقدير عشرين يوما، ومات في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، وهو في عنفوان الشبيبة.
صدر الدين بن حمويه 644 - 722ه، 1246 - 1322م
إبراهيم بن محمد، الشيخ الإمام العلامة المحدث، شيخ خراسان صدر الدين أبو المجامع بن الشيخ سعد الدين بن المؤيد بن حمويه الجويني الشافعي الصوفي الزاهد.
مولده سنة بضع وأربعين وستمائة، وسمع من ابن الموفق الأستاذ الأذكاني صاحب المؤيد الطوسي، ومن جماعة بالشام وبالعراق والحجاز، وعني بهذا الشأن جدا، وكتب وحصل، وكان مليح الشكل جيد القراءة، دينا وقورا، وهو الذي أسلم على يده غازان - يأتي ذكره إن شاء الله في محله - وقدم الشام في سنة خمس وتسعين، ثم حج سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، وسمع صحيح مسلم من عثمان بن موافق سنة أربع وستين وستمائة.
ببغداد من الشيخ عبد الصمد، ومن ابن أبي الدِّينة، وابن بلدجي يوسف بن محمد بن سرور الوكيل.
قال الذهبي: أنبأني الظهير الكازروني قال: وفي سنة إحدى وسبعين اتصلت ابنة علاء الدين صاحب الديوان بالشيخ صدر الدين أبي المجامع إبراهيم بن الجويني والصداق خمسة آلاف دينار ذهبا أحمرا، وله إجازة من نجم الدين عبد الغفار صاحب الحاوي، وله مجاميع وتواليف، انتهى كلام الذهبي.
قلت: وله تاريخ في عدة مجلدات باللغة العجمية، وكان معظما في الدولة الغازانية مبجلا إلى الغاية، توفي سنة اثنين وعشرين وسبعمائة.
رحمه الله تعالى.
الشيخ جمال الدين الكبير 715 - 790ه، 1315 - 1388م
إبراهيم بن محمد بن عبد الرحيم بن إبراهيم بن يحيى بن المجد، الشيخ الإمام جمال الدين الأميوطي اللخمي المصري الشافعي نزيل مكة المشرفة.(1/28)
ولد سنة خمس عشرة وسبعمائة بالقاهرة، وسمع بها على أبي العباس الحجار صحيح البخاري في قدمته الثانية إليها وهي سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، وعلى أبي الحسين علي بن عمر الواني صحيح مسلم عن الموسوي والبكري، والبلدانية للسلفي عن سبط السلفي عن جده، وعلى النجم عبد الله بن علي بن عمر الصنهاجي صحيح مسلم عن أحمد بن عبد الدائم، وجامع الترمذي خلا من باب الدعوات إلى آخره عن القطب القسطلاني، والغيلانيات عن ابن مناقب وجماعة عن ابن طبرزد، وعليه وعلى التقي محمد بن عبد الحميد المهلبي الشفا للقاضي عياض عن التاج القسطلاني، والسيرة لأبن إسحاق عن الشريف أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن الحسيني عن ابن بنان الإنباري عن والده عن الحبال، وعلى الصنهاجي، وقاضي القضاة بدر الدين بن جماعة صحيح البخاري، وعلى ابن جماعة بمفرده سنن ابن ماجة، وجامع الأصول لابن الأثير عن ابن أبي الدم عنه، والشاطبية عن ابن الازرق عن المؤلف، وعلى أبي المحاسن يوسف بن عمر الختني معجم المنذري خلا الجزء الحادي عشر والرابع عشر والثامن عشر عنه كذلك، وعلى أبي الحسن علي بن إسماعيل بن قريش سنن الشافعي رضي الله عنه، وأحاديث ابن أحمد الفرضي وأناشيد شجاع بن علي عن ابن المقير، ومشيخه تخريج ابن أيبك وبعض السيرة الهشامية على ابن المقير عن ابن ناصر عن الحبال، وعلى الضياء موسى بن علي الزرزاري كتاب الحلية لأبي نعيم عن النجيب الحراني، وعلى الحافظ بن سيد الناس السيرة في تأليفه، وعلى جماعة سواهم بالقاهرة، وبدمشق سنة أربعين على الحافظ أبي الحجاج المزي الجزء الثاني عشر من كتاب الصيام للحسين بن الحسن المروزي دون ما في آخره من حديث ابن المنذر عن ابن بخارى، وعلى الحافظ شمس الدين الذهبي جزئا من بخريجه، فيه عوالي مالك وآخره تفسير قوله تعالى " لا يحب الله الجهر بالسوء " من القول، وأجاز له أبو بكر بن أحمد بن عبد الدائم، وعيسى بن عبد الرحمن المطّعم، ويحي بن سعد، والقاسم بن عساكر، وابن نصر، والسيرامي، وآخرون من دمشق، وطلب العلم واشتغل بالفقه والعربية والأصلين، وبرع في ذلك، ومن شيوخه: أخذ عن الشيخ مجد الدين الزنكلوني شارح التنبيه، والشيخ تاج الدين التبريزي، والشيخ جمال الدين الأسنائي، ولازمه كثيراً، وأخذ أصول الدين عن الشيخ شهاب الدين بن المليق وصحبه، وناب في الحكم بالحسينية خارج القاهرة عن قاضي القضاة أبي البقاء السبكي، ثم انتقل إلى مكة في سنة سبعين وسبعمائة واستوطنها إلى أن أدركه الأجل في يوم الثلاثاء الثاني من شهر رجب سنة تسعين وسبعمائة، ودفن بالمعلاه، بقرب الفضيل بن عياض واللخمي معروف.
والأميوطي نسبة إلى بلدة من قرى القاهرة بالغربية تسمى أميوط.
أبو إسحاق القابوني الحنفي
إبراهيم بن محمد بن يوسف، الشيخ كمال الدين أبو إسحاق القابوني الحنفي، المعروف جده بإمام الحرمين.
تفقه على مشايخ عصره، وبرع، وغلب عليه الأدب، وقال الشعر الجيد.
قال الحافظ جمال الدين اليغموري أنشدني كمال الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يوسف القابوني سنة ثلاثين وستمائة بدمشق من شعره:
قلت وجفن الليل مغروق ... وموعد الإصباح قد فاتا
ما طال ليلى وجرت دمعتي ... إلا لأن الصبح قد ماتا
وله مليح عليه غيار:
ولما بدت في ثياب ... خضر وأبدى عذاره
فقلت غصن وريق ... بدت به جلناره
قالوا عليه غيار ... فقلت مني استعارة
رضي الدين الطبري 636 - 722ه، 1238 - 1322م
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن محمد، الشيخ الإمام العالم الحافظ رضي الدين أبو إسحاق الطبري الشافعي المكي، إمام مقام إبراهيم عليه السلام بالمسجد الحرام.
مولده سنة ست وثلاثين وستمائة، سمع ما يكثر عدة من الكتب والأجزاء والحديث والفقه والسير واللغة والتصوف، وغير ذلك من عدة من الأئمة الكبار، وأجاز له عدة يطول عدهم، وتفرد في آخر عمره برواية صحيح البخاري.(1/29)
قال اليافعي رحمه الله: وهو أحد شيوخي الذين انتفعت بهم، وكانت قراءتي عليه في أول سنة إحدى وعشرين وسبعمائة إلى أن اشتد به مرض موته في شهر صفر سنة اثنتين وعشرين، يعني وسبعمائة، فقال لي: ياولدي لقد حصلت في هذه السنة ما لم يحصله غيرك في سنين، وقال لي محدث القدس صلاح الدين العلائي رحمه الله: من الشيوخ قريب من ألف شيخ ما فيهم مثل شيخك هذا يعني الطبري، وبلغني عن إمام اليمن وبركة الزمن الشيخ الكبير أحمد بن موسى بن عجيل أنه كان إذا سأله أهل مكة الدعاء يقول عندكم إبراهيم، يعني الطبري.
وكان له نظم جيد، وتواليف، انتهى كلام اليافعي، رحمه الله تعالى.
تقي الدين بن مفلح الحنبلي 751 - 803ه، 1350 - 1400م
إبراهيم بن محمد بن مفلح الحنبلي، قاضي القضاة تقي الدين ين العلامة شمس الدين الحنبلي الدمشقي قاضي قضاة الحنابلة بدمشق.
كان إماما فقيها، عالما فاضلا، دينا، ولي قضاة دمشق، وحمدت سيرته إلى أن امتحن في واقعة تيمورلنك.
ومات في شعبان سنة ثلاث وثمانمائة.
وهلكت أيضا في هذه السنة المذكورة بدمشق وحلب وغيرهما من البلاد الشامية في محنة تيمور بالقتل والجوع والحريق خلائق، ولا يعلمها إلا الله، فإن والدي رحمه الله ولي نيابة دمشق قبل محنة تيمور بأيام قلائل، ثم وليها ثانيا بعد أن خرج تيمور بعساكره عنها، فدخلها فوجدها خرابا، وقد تحير أين يسكن بدمشق، إلى أن أشار عليه أهلها بأن يسكن بالقرمانية فسكنها إلى أن شرع في عمارة دار السعادة، فتحول إليها بعد مدة طويلة.
انتهت ترجمة القاضي تقي الدين بن مفلح.
رحمه الله تعالى.
برهان الدين بن زقاعة 724 - 816 ه 1324 - 1413م
إبراهيم بن محمد بن بهادر بن أحمد، الشيخ الإمام العالم العلامة برهان الدين أبو إسحاق القرشي النوفلي الغزي الشهير بابن زقّاعة.
كان إماما بارعا مفننا في علوم كثيرة لا سيما في معرفة الأعشاب والرياضة وعلم التصوف.
مولده في سنة أربع وعشرين وسبعمائة، وقال المقريزي: مولده سنة خمس وأربعين، والأصح ماقلناه، فإنه ما مات حتى بلغ الشيخوخة.
وكان الناس فيه على أقسام: فمنهم من كان يعتقد صلاحه، ومنهم من كان يطنب في غزير علمه وفضله، ومن الصوفية من كان يزعم أنه يعرف علم الحرف، ويدري الاسم الأعظم.
قال الشيخ تقي الدين المقريزي بعد أن ذكر مولده: وعانى صناعة الخياطة، وأخذ القراءات عن الشيخ شمس الدين الحكري، والفقه على مذهب الشافعي عن بدر الدين القونوي، والتصوف عن الشيخ عمر حفيد الشيخ عبد القادر، وسمع الحديث من نور الدين على الفوى، وقال الشعر ونظر في النجوم وعلم الحرف، وبرع في معرفة الأعشاب، وساح في الأرض، وتجرد وتزهد، فاشتهر في بلاد غزة وعرف بالصلاح، انتهى كلام المقريزي إختصارا.
قلت: بالجملة كانت رئاسة في علوم كثيرة، وحظ زائد عند ملوك مصر الظاهر برقوق وولده الناصر فرج، ونال من الحرمة والوجاهة ما لم ينله غيره من أبناء جنسه، بحيث أنه كان يجلس فوق قضاة القضاة، وقد سألت عنه قاضي القضاة الحافظ شهاب الدين ين حجر فقال: كان قد اشتمل على الملك الظاهر برقوق، وحظي عنده ثم عند ولده الناصر فرج، وكان يعرف الأعشاب، ولم يزد على ذلك، انتهى.
وكان له نظم ونثر، وشعره جيده أكثر من رديئه، رأيت بخط قاضي القضاة جمال الدين بن ظهيرة المكي الشافعي، ما هو: أنشدنا شيخنا الإمام العلامة شيخ الحقيقة والشريعة والطريقة أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن زقاعة الغزي لنفسه من لفظه يوم الثلاثاء مستهل صفر سنة إحدى عشرة وثمانمائة.
ومن عجبي أن النسيم إذا سرى ... سحيرا بعرف البان والرئد والآس
يعيد على سمعي حديث أحبتي ... فيخطر لي أن الأحبة جلاسي
ومن شعره أيضا ما أنشدناه قاضي القضاة جلال الدين أبو السعادات محمد بن ظهيرة قاضي قضاة مكة الشافعي من لفظه قال: أنشدني الإمام العلامة برهان الدين إبراهيم بن زقاعة من لفظه لنفسه:
رأي عقلي ولبي فيه حارا ... فأضرم في صميم القلب نارا
وخلاني أبيت الليل ملقى ... على الأعتاب أحسبه نهارا
إذا لام العوازل فيه جهلا ... أصفه لهم فينقلبوا حيارى
وإذا ذكروا السلو يقول قلبي ... تصامم عن أباطيل النصارى(1/30)
وما علم العوازل أن صبري ... وسلواني قد ارتحلا وسارا
فيا لله من وجد تولى ... على قلبي فأعدمه القرارا
ومن حبي تقادم فيه عهدي ... فاورثني عناء وانكسارا
قضيت هواهم عشرين عاما ... وعشرين ترادفها استتارا
فنم الدمع من عيني فابدى ... سرائر سر ما أخفى جهارا
إذا ما نسمة البنات مرت ... على نجد وصافحت العرارا
وصافحت الحوام وعنقوانا ... وشيخ ثم قبلت الجدارا
جدار ديار من أهوى قديما ... رعى الرحمن هاتيك الديارا
ألا يا لائمي دعني فإني ... رأيت الموت حجا واعتمارا
فأهل الحب قد سكروا ولكن ... صحا كل وفرقتنا سكارى
وله من قصيدة يمدح قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة رحمه الله:
لملة أحمد برهان دين ... يقوم بحفظها في كل ساعة
فمت في حبه إن شئت تحيا ... فذا البرهان قد أحيا جماعة
ومن شعره:
سألتك بالحواتم العظيمة ... وبالسبع المطولة القديمة
وباللامين والفرض المبدا ... به قبل الحروف المستقيمة
وبالقطب الكبير وصاحبيه ... وبالأرض المقدسة الكريمة
وبالغصن الذي عكفت عليه ... طيور قلوب أصحاب العزيمة
وبالسطور في رق المعاني ... وبالمنشور في يوم الوليمة
وبالكهف الذي قد حل فيه ... أبو فتيانها ورأى رقيمه
وبالمعمور من زمن التصابي ... وبأحجار بحجرتها مقيمة
تفجر من فؤادي عين حب ... تروي في مسارحها صميمة
وبعض الصوفية من تلاميذه يزعم أن هذه الأبيات فيها الاسم الأعظم، والله بقولهم أعلم.
ومن شعره أيضا:
ووردي خذ نرجسي لواحظ ... مشايخ علم السحر عن لحظه رووا
وواوات صدغه حكين عقاربا ... من المسك فوق الجلنار قد التووا
ووجنته الحمرا تلوح كجمرة ... عليها قلوب العاشقين قد انكووا
وودي له باقي ولست بسامع ... لقول حسود والعواذل إن عووا
ووالله لا أسلو ولو صرت رمة ... فكيف وأحشائي على حبه انطووا
توفى الشيخ برهان الدين المذكور في ثاني عشرين ذي الحجة، وقيل ثامن عشرين ذي الحجة، وهو الأصح، سنة ست عشرة وثمانمائة، عن اثنتين وتسعين سنة.
وزقاعة بضم الزاي وفتح القاف المشددة وألف عين وهاء.
جمال الدين بن العديم 711 - 787ه،1311 - 1385م
إبراهيم بن محمد بن عمر بن أبي البركات عبد العزيز بن أبي الفضل هبة الله بن محمد بن هبة الله بن أحمد بن يحي بن زهير بن هارون بن موسى بن عيسى بن عبد الله بن عامر بن أبي جرادة بن ربيعة بن خويلد بن عوفر بن عامر بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، قاضي القضاة جمال الدين بن قاضي القضاة ناصر الدين بن قاضي القضاة كمال الدين بن القاضي عز الدين بن الصاحب جمال الدين بن القاضي مجد الدين بن القاضي جمال الدين بن القاضي نجم الدين، الشهير بابن جرادة وبابن العديم الحلبي الحنفي قاضي قضاة حلب.
هو من بيت رئاسة وعلم وفضل، يأتي ذكر جماعة من أقاربه في محالهم.
توفى بحلب في سنة سبع وثمانين وسبعمائة عن نيف وسبعين سنة، وكان مشكور السيرة عفيفا، رحمه الله تعالى.
ابن الحسام 833ه، 1429م
إبراهيم بن محمد، الرئيس صارم الدين بن الوزير ناصر الدين بن الحسام الصقري.
كان عنده فضل وفضيلة، وهو من بيت رئاسة، ويكتب الخط المنسوب، وله مشاركة ومحاضرة لطيفة.
ومعاشرة حلوة، ويميل لأهل الأدب، وولي حسبة القاهرة في الأيام المؤيدة شيخ، وكان يتزيا بزي الجند، ثم انحطت رتبته قليلا، ثم تراجع حاله إلى أن توفى ليلة الثلاثاء ثامن عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة بالطاعون، عن نيف وخمسين سنة، رحمه الله تعالى .
جمال الدين بن الشهاب محمود 676 - 760ه، 1277 - 1358م(1/31)
إبراهيم بن محمود بن سليمان بن فهد بن محمود، القاضي جمال الدين أبو إسحاق بن العلامة شهاب الدين المعروف والده بالشهاب محمود الحلبي.
مولده في شعبان سنة ست وسبعين وستمائة، وأسمعه والده سيرة ابن هشام على الأبرقهوي وسمع عليه غير ذلك، وسمع من الصواف، والحافظ الدمياطي، وأبي الفضل محمد بن القاضي الحافظ أبي العز مكرم بن أبي الحسن بن أحمد الأنصاري، ومن والده الشهاب محمود، وغيرهم، وأجاز له جماعة من المشايخ، وحدث بالقاهرة، سمع بها عليه شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني، والإمام شمي الدين محمد بن جابر، وعبد الرحمن بن يوسف المزي، وآخرون، وحدث بحلب، سمع منه الحافظ زين الدين العراقي، والشيخ أبو الحسن نور الدين الهثمي، وابن البنا الدمشقي، وابن حبيب، والخطيب ناصر الدين أبو المعالي محمد بن عشائر، وأسباطه الشريف عز الدين أحمد، وأخوه محمد، وأختهما فاطمة، أولاد الشريف أبو العباس أحمد الحسينيون، وفتى والدهم طبيغا الشريفي وغيرهم، ومهر في الكتابة وبرع في الإنشاء، وولي كتابة سر حلب، وباشرها ثلاث مرات نيفا وعشرين سنة.
وكان له النظم الرائق والنثر الفائق، وفيه أبيه يقول الشريف شهاب الدين أبو عبد الله الحسين ابن قاضي العسكر الحسيني المصري عندما باشر كتابة سر حلب وولده إذ ذاك كاتب سر دمشق المحروسة:
إنّ محمود وابنه ... بهما تشرق الرتب
فدمشق بذا سمعت ... وبهذا سمعت حلب
وفيه يقول الشيخ جمال الدين محمد بن نباته رحمه الله من قصيدة:
أجيراننا حيا الربيع دياركم ... وإن لم يكن فيها لطرفي مربع
ولما كان بحلب كتب إلى والده متشوقا من أبيات:
هل زمن ولّى بكم عائد ... أم هل ترى يرجع عيش مضى
فارقتكم بالرغم مني ولم ... أختره لكني أطعت القضا
قلت: لو كان تولى قضاء حلب كان حصل في آخر البيت الثاني تورية، لكن هو ووالده من بيت كتابة وعلم وفضل وإنشاء، ولهما النظم الرائق والنثر الفائق.
توفى في شوال سنة ستين وسبعمائة بحلب.
وكان رحمه الله كثير الفضائل، اقتبس من محاسن والده، وكان كثير الوقار، عفيفا دينا، مليح الخط فصيح اللفظ، متواضعا على طريقة السلف، بارعا منشئا بليغا كثير البر والخير، رحمه الله تعالى.
الذهبي الناسخ 651ه، 1253م
إبراهيم بن مرتفع بن أرسلان، الشيخ أبو إسحاق المصري الذهبي الناسخ، ويعرف بابن الساعاتي.
كان له فضل وأدب ومشاركة، وسمع من هبة الله بن سناء الملك بعض شعره، وكان كثير الوقار، عفيفا دينا، مليح الإذهاب والنسخ، وله شعر جيد.
توفي سنة إحدى وخمسين وستمائة.
شمي الدين بن البارزي 580 - 669ه، 1184 - 1270م
إبراهيم بن المسلم بن هبة الله، العلامة قاضي القضاة شمس الدين بن البارزي الجهني الحموي الشافعي، أحد الأئمة الفضلاء.
مولده سنة ثمانين وخمسمائة بحماه، قرأ على الكندي، وصحب الفخر بن عساكرويه تفقه ويغيره، وبرع في المذهب، وأعاد ودرس بالرواحة، وولي قضاء حماة بضع عشرة سنة، وحمدت سيرته، وكان فيه دين وورع، وله شعر جيد، وهو والد قاضي القضاة نجم الدين عبد الرحيم.
ومن شعره ينعت دمشق:
دمشق لها منظر رائق ... فكل إلى وصلها تائق
فأنى يقاس بها بلدة ... أبى الله والجامع الفارق
وقد ذكر قاضي القضاة شمس الدين هذا، القاضي علاء الدين بن خطيب الناصرية في تاريخه المنتخب في تكملة تاريخ حلب، وسماه إبراهيم بن هبة الله، انتهى.
قلت: وكانت وفاته سنة تسع وستين وستمائة، رحمه الله تعالى.
الجعبري المعتقد 687ه، 1288م
إبراهيم بن معضاد بن شداد بن ماجد، الشيخ الزاهد المعتقد برهان الدين، وقيل تقي الدين الجعبري.
قال الإمام صلاح الدين خليل بن أيبك.
أخبرني الشيخ الإمام العلامة أثير الدين أبو حيان من لفظه قال: رأيت المذكور بالقاهرة، وحضرت مجلسه أنا والشيخ نجم الدين بن مكي، وجرت لنا معه حكاية، وكان يجلس للعوام يذكرهم ولهم فيه اعتقاد، وكان يروي شيئا من الحديث، وله مشاركة في أشياء من العلم وفي الطب،وأنشد له قصيدة أذكر منها القليل وهو:
عشقوا الجمال مجردا بمجرد ال ... روح الزكية عشق من زكاها(1/32)
متجردين عن الطباع ولؤمها ... متلبسين عفافها وتقاها
انتهى كلام صلاح الدين.
وقال غيره: ولما مرض الشيخ إبراهيم الجعبري مرض موته أمر أن يخرج به حيا إلى مكان مدفنه الآن، ظاهر القاهرة بالحسينية، فلما وصل الشيخ إلى القبر المعد له، قال له: قبير جاك دبير.
وتوفي بعد ذلك بيوم أو يومين سنة سبع وثمانين وستمائة، وقبره معروف يقصد للزيارة.
وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبي: روي عن الساوي، وكتب عنه البرزالي، ولأصحابه فيه مغالاة وعقيدة، كل من يعرفه يعظمه ويثني عليه، وعليه مأخذ في عباراته، جاوز الثمانين بسنوات، انتهى كلام الذهبي.
رحمه الله تعالى.
برهان الدين الإبناسي الشافعي 725 - 802ه، 1324 - 1399م
إبراهيم بن موسى بن أيوب، الشيخ الإمام العلامة برهان الدين الإيناسي الشافعي.
مولده سنة خمس وعشرين وسبعمائة تقريبا، حدث عن الوادي آشي بالموطأ رواية يحيى بن يحيى، وبكتاب التيسير في القراءات للداني، وحدث عن أبي نعيم الاسعردي، وأبي الفتح الميدومي، وأبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن الملوك، وعن ابن أميلة وعن ابن إسماعيل المأموني، وتفقه بالشيخ جمال الدين عبد الرحيم الاسنائي، والشيخ ولي الدين الملوي، وبرع في الفقه والأصول والعربية، وتصدى للإفتاء والتدريس عدة سنين، وانتفع به كثير من الطلبة، وبني له زاوية بالمقسم خارج القاهرة، وانقطع إليه فيها جماعة من الطلبة، وكان يعود عليهم بالبر، وكان يكثر من الحج، وعرض عليه القضاء بالديار المصرية فامتنع واختفى إلى أن وليه قاضي القضاة بدر الدين محمد بن أبي البقاء، وولي مشيخة خانقاة سعيد السعداء، وكان لين الجانب بشوشا متواضعا، دينا.
مات بطريق الحجاز وهو عائد من الحج في يوم الأربعاء ثامن المحرم سنة اثنتين وثمانمائة بمنزلة كفافة، فحمل إلى المويلحة فغسل وكفن وصلى عليه يوم تاسوعاء، وحمل إلى عيون القصب.
فدفن هناك.
قاضي القضاة برهان الدين بن نصر الله الحنبلي 768 - 802هذا - ، 1366 - 1399الإمام
إبراهيم بن نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن إسماعيل بن إبراهيم بن نصر الله بن أحمد، قاضي القضاة برهان الدين أبو إسحاق بن قاضي القضاة ناصر الدين الحنبلي العسقلاني قاضي قضاة الديار المصرية.
كان مشكور السيرة، محمود الطريقة، ولد آخر شهر رجب سنة ثمان وستين وسبعمائة بالقاهرة، وبها نشأ وبفقه بجماعة وناب في الحكم عن أبيه، ثم استقل بوظيفة القضاء بعد موت والده في يوم الخميس ثاني عشرين شعبان سنة خمس وتسعين وسبعمائة، وعمره سبع وعشرون سنة، وحمدت سيرته لعفته ولصيانته ولدينه مع الشهامة والمهابة والتواضع وبشاشة الوجه، واستمر قاضيا إلى أن توفي في يوم السبت ثامن شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثمانمائة، رحمه الله.
ولي بعده أخوه موفق الدين أحمد بن نصر الله. يأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى.
الأمير جمال الدين بن المهمندار687ه، 1288م
إبراهيم بن نهار، الأمير جمال الدين اللخمي الصالحي المصري.
كان أميرا فاضلا، ذا هيئة حسنة وسيرة محمودة، وولي المهمندارية في الأيام الصالحية، وكان ابن قاضي دارا ناظر البيوت، وهو مذموم الطريقة والسمعة، وكان بينهما وقفة، فعلم البزدارية الطيور الطعم على عمامة ابن قاضي دارا المذكور، ثم أرسلوا الجوارح عليه إلى أن كاد يهلك.
وكان الأمير جمال الدين هذا ينهى ابن قاضي دارا من التعرض إليهم والوقوف في طريقهم، وكان الأمير جمال الدين له همة عالية ويندبه الملك الظاهر للمهمات، وأرسله مرة لعمارة جسر دامية وجرت له في عمارته عجيبة لأن الشريعة كان بها مياه عظيمة، وكان له وللولاة وللآلات عدة شهور ينتظرون العمل فلا يتمكنون من كثرة الماء فلما كان في بعض الليالي وقع فيها تل من تلالها فانقطع الماء، وتوجه شخص ليشرب من الشريعة فلم يجد بها قطرة من الماء، فعاد وأعلم الأمير جمال الدين فقام من وقته بالمشاعل وحفر الركائز، وبناها إلى أن فرغ منها وعاد الماء وجرى على عادته.
ولما تولى الملك الصالح بن قلاوون بعد أبيه رتب الأمير جمال الدين استدارا إلى أن توفي والملك الصالح معافى سنة سبع وثمانين وستمائة.
نور الدين الإسنائي 721ه، 1321م
إبراهيم بن هبة الله بن علي، القاضي نور الدين الإسنائي الحميري الشافعي.(1/33)
أحد الفقهاء الأعيان، قرأ الفقه على الشيخ بهاء الدين هبة الله بن عبد الله القفطي، وغيره، والأصول على الشيخ شمس الدين محمد بن محمود الأصبهاني والنحو على الشيخ بهاء الدين ابن النحاس، واختصر الوسيط، وصحح ما صححه الرافعي، واختصر الوجيز، وشرح المنتخب، ونثر ألفية ابن مالك وشرحها، وتولى القضاء بعدة أقاليم من قرى مصر.
قال الشيخ كمال الدين جعفر الإدفوي: وكان حسن السيرة، جميل الطريقة، صحيح العقيدة، قال لي: أردت أن أقرأ على الشيخ شمس الدين الأصبهاني فلسفة فقال، حتى تمتزج بالشرعيات امتزاجا جيدا، وقرأ على الشيخ نجم الدين عبد الوحمن بن يوسف الأصفوني الجبر والمقابلة، وقرأ الطب على الحكيم شهاب الدين المغربي، ومازال مشتغلا إلى أن توفي بالقاهرة سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، من طلوع طلع بعنقه، رحمه الله.
برهان الدين الرشيدي 673 - 749ه، 1274 - 1348م
إبراهيم بن لاجين بن عبد الله، الشيخ برهان الدين الرشيدي، خطيب جامع أمير حسين بحكر جوهر النوبى خارج القاهرة.
مولده سنة ثلاث وسبعين وستمائة، كان فقيها فاضلا، أخذ القراءات عن الشيخ تقي الدين بن الصائع، وقرأ الفقه على الشيخ علم الدين العراقي، والأصول على الشيخ تاج الدين البارنباري، والفرائض على الشيخ شمس الدين الدارندي، والنحو على الشيخ بهاء الدين بن النحاس، والعلم العراقي، وعلى الشيخ أثير الدين أبي حيان، والمنطق على سيف الدين البغدادي، وحفظ الحاوي والجزولية والشاطبية، وبرع وتصدر وأقرأ أصول ابن الحاجب وتصريفه والتسهيل، وغير ذلك، وكان يدري الطب والحساب، ويصنف الخطب، وله نظم، وهو غير مشهور، وكان على قراءاته في المحراب وخطابته روح، ولهما وقع في النفوس.
وكان مشهورا بالصلاح والدين والتواضع، وسلامة الباطن، وقرأ عليه جماعة وتخرجوا به، وعرض عليه سنة خمس وأربعين وسبعمائة خطابة المدينة وقضاؤها فامتنع ولم يوافق بعد ما اجتمع بالسلطان وولاه، ثم نزل وأقام بالقاهرة إلى أن توفي يوم الثلاثاء تاسع عشرين شوال سنة تسع وأربعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
أبو إسحاق النجيبي 663ه، 1264م
إبراهيم بن يحيى بن موسى، الشيخ الإمام العلامة أبو إسحاق النجيبي التلمساني الفقيه المالكي العدل.
كان عالما بارعا صالحا، صنف في شرح الخلاف كتابا نفيسا في عدة مجلدات، ودرس وأفتى وأقرأ، وانتفع به الطلبة، ولم يزل على ذلك إلى أن توفي سنة ثلاث وستين وستمائة، رحمه الله تعالى.
أبو إسحاق الأميوطي 570 - 656ه، 1174 - 1258م
إبراهيم بن يحيى بن أبي المجد، الشيخ الإمام أبو إسحاق الأميوطي الشافعي.
مولده في حدود السبعين وخمسمائة، ولي القضاء بالأعمال، وأفتى ودرس، وكان من كبار الأئمة مع تواضع وخير ودين وإيثار للفقراء، وكان فيه لطف شمائل، وله نظم ونثر.
توفي سنة ست وخمسين وستمائة.
تقدم الكلام على أميوط أنها قرية بالغربية من أعمال القاهرة، رحمه الله تعالى.
الوزير مؤيد الدين الشيباني 594 - 658ه، 1197 - 1259م
إبراهيم بن يوسف بن عبد الواحد، الوزير مؤيد الدين أبو إسحاق الشيباني القدسي ثم المصري المعروف بابن القفطي، أخو الصاحب جمال الدين المؤرخ، ولي الوزير بعد أخيه الأكرم توفي سنة ثمان وخمسين وستمائة.
الغانمي 699 - 741ه، 1291 - 1340م
إبراهيم بن يونس بن موسى بن علي الغانمي البعلبكي: كان إماما فاضلا، رحل وسمع وجاور بمكة، وكان جيد القراءة فصيحا، وفيه تودد وحسن صحبة للناس.
ولما توجه إلى الحجاز سمع وعلق مشيخة عصره كثيرة الفوائد وغيرها، وكان له نظم.
توفي سنة إحدى وأربعين وسبعمائة بدمشق، رحمه الله تعالى.
المعمار 749ه، 1348م
إبراهيم الحائط، وقيل الحجار، الأديب الظريف المعروف بغلام النوري المصري.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: عامي مطبوع تقع له التوريات المليحة المتمكنة المطبوعة الجيدة لا سيما في الأزجال والبلاليق بحيث أنه في ذلك غاية لاتدرك، أما في المقاطع الشعرية فإنه يقعد به عنها مراعاة الإعراب وتصريف الأفعال، ولكنه قليل الخطأ، كتب إلي عند ورودي إلى القاهرة سنة خمس وأربعين وسبعمائة:
وافى صلاح الدين مصرا فيا ... نعم خليل حلها بالفلاح
فليهنها الإقبال إذ أصبحت ... بالملك الصالح دارا لصلاح
وله أيضا:(1/34)
وصاحب أنزل بي صفعة ... فاغتظت إذ ضيع لي حرمتي
فقال في ظهرك جاءت يدي ... فقلت: لا والعهد في رقبتي
وله أيضا:
أيرى إذا ندبته ... لحاجة تختص بي
قام لها بنفسه ... ما هو إلا عصبي
وله وفيه لحن ظاهر:
لثمت عذار محبوبي الشرابي ... فقل تركت لثم الخد عجبا
حفظت اليانسون كما يقولوا ... ورحت تضيع الورد المربا
قلت: وما أورده الصفدي هو الرديء من شعره فله أحسن من ذلك، مثل قوله:
لابن فضل الله فضل ... غمر الفضل ووفى
كيف لا وهو على ... علم السر وأخفى
وله أيضا:
إن قام يتلو سورة الشم ... س المنير في ضحاها
يا حسنة فكأنه القم ... ر المنير إذا تلاها
وله أيضا:
وخادم قبلت مشروطه ... في خده لكن رأيت العجب
من ناعم حلو فناديته ... ما أنت يا مشروط إلا رطب
وله أيضا:
كلفني بطباخ تنوع حسنه ... ومزاجه للعاشقين يوافق
لكن مخافي من جفاه وقد غدت ... منه قلوب في الصدور خوافق
وله أيضا:
قلت له لما وفى موعدي ... مختفيا من حاسد معتدي
رب كما فرّحتني بالوفا ... أسبل علية الستر ياسيدي
وله في مشهب:
هويته مشببا ... جماله برّج بي
تيم قلبي بالحج ... از من عيون القصب
وله في الوزير ابن زنبور:
ذا ابن زنبور الصاحب ... في الناس يا مقوي أسمه
يا ترى زنبور إيش كان ... زنبور أبوه واَّلا أمَّه
قلت: وديوان شعره مشهور، وهو في غاية الظرف والرقة، وكان سريع البديهة، يحكي عنه أنه نزل إلى مركب هو وجماعة في أصحابه قاصدين الآثار الشريف، فقعد في المركب وأسند ظهره إلى المقداف، وكان المقداف قريب العهد من البياض، فلما أقلعوا كان المعمار ظهره إلى الشمس، وكان عليه ملوطة مصقولة رفيعة، فحميت الشمس على المقداف فساح الزفت فالتصقت ملوطة المعمار بالمقداف، فلما مالت الشمس جف الزفت على الملوطة، فلما وصلوا إلى الآثار الشريف قاموا مسرعين بوهجة، فقام المعمار أيضا بوهجة، فانشرطت الملوطة إلى الذيل، فأنشد بديها:
أفّو عليك مقداف أفو ... قد وصل أذاك اليَّا
بالسواد بيضت وجهك ... وتفض زفتك عليا
وقد أضربنا عن كثير من نظمه خوف الإطالة، ولكثرة وجود ديوان شعره وتداوله بين الناس.
توفي سنة تسع وأربعين وسبعمائة بالقاهرة، عفا الله عنه.
برهان الجند بوشي 720ه، 1320م
إبراهيم الدهستاني الجند بوشي، الشيخ الصالح المعتقد الدمشقي الدار والوفاة.
كان لأهل دمشق فيه إعتقاد حسن، توفي بدمشق بزاويته المعروفة به في سنة عشرين وسبعمائة، وكانت جنازته مشهودة، رحمه الله تعالى.
سعد الدين بن المرة 844ه، 1440م
إبراهيم سعد الدين الشهير بابن المرة.
كان من جملة الكتبة بالدار المصرية، وخدم في عدة جهات إلى أن ولي نظر الديوان المفرد في الدولة الأشرفية برسباي، فلم ينتج أمره، وعزل وولي نظر بندر جدة مرارا عديدة، ثم تعطل وتخومل سنين قبل موته، وترك المباشرة، بل هي تركته.
ولزمه ديوان حبس من أجلها مدة احتاج فيها إلى سؤال الناس، وكان عنده كرم مع سرف، ويحب الفخر، ولم يزل فقيرا إلى أن توفي يوم الخميس عاشر شهر ربيع الآخر سنة أربع وأربعين وثمانمائة، رحمه الله، ومات وهو في عشر السبعين تقريبا.
جمال الكفاة 745ه، 1344م
إبراهيم القاضي جمال الدين، المعروف بجمال الكفاة، ناظر الخاص، ثم ناظر الدولة.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: كان ابن خالة القاضي شرف الدين النشو وهو الذي استسلمه واستخدمه مستوفيا في الدولة، ثم استخدمه عند الأمير بشتاك، فلبث عنده مدة، ثم وقع بينهما العداوة الصعبة على سوء ظن من النشو، ولم يزالا على ذلك إلى أن مات النشو تحت العقوبة، وولى السلطان الخاص لجمال الكفاة هذا ونظر الجيش معا، ولم يتفق هذا لغيره، ولم يزل في عز وجاه وتمشية حال إلى أن توفي السلطان الملك الناصر محمد وتولى الملك المنصور أبو بكر وهو على ذلك.(1/35)
- ثم خلع المنصور وولى الأشرف كجك وهو على ذلك - ، وأحبه الأمير سيف الدين قوصون، وبالغ في إكرامه، ثم حضر الناصر أحمد من الكرك واستمر به على حاله في الوظائف وأخذه معه إلى الكرك، وأقام عنده إلى أن تولى الصالح إسماعيل، وبقي مدة ووظائفه ليس بهما أحد لغيبته مع السلطان بالكرك، ثم تولى القاضي مكين الدين بن قروينة نظر الجيش، وجعل أخو جمال الكفاة في الخاص ليسده إلى أن يحضر، فلما حضر جمال الكفاة من الكرك تسلم وظيفتيه الجيش والخاص، وبقي مدة، وأضيف إليه نظر الدولة أيضا، وصار هو عبارة عن الدولة، ثم أمسك، وحمل شيئا في الليل، وأفرج عنه، وخلع عليه، وأعيد إلى وظائفه، ثم أمسك وفعل كالمرة الأولى، ثم أفرج عنه وخلع عليه، وتمكن من السلطان الصالح إسماعيل وعظم عنده، وكتب له الجناب العالي ولم تكتب لغيره من أبناء جنسه، ثم إنه رسم أنه بإمرة مائة وتقدمة وأن يلبس الكلفتاه، ويلعب بالكرة، فما كان إلا وهو في هذا الشأن هل يقبل أولا، حتى عمل عليه وأمسك هو وجماعته موفق الدين وغيره من مباشري الدولة، فظنها كالمرة الأولى، فضرب بالمقارع هو وولده إلى أن مات تحت العقوبة ورمى بأشياء عظيمة.
والله أعلم بحقيقتها.
وكانت موتته، رحمه الله، في أوائل صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة، أو في أواخر المحرم، كما مات النشو، وكان القاضي جمال الدين المذكور شكلا حسنا ظريفا، مليح الوجه، - يكتب خطا - قويا جيدا، ويتحدث بالتركي، وفيه ذوق للمعاني الأدبية،ومحبة للفضلاء، وعشرة لطيفة، وكرم أخلاق ومروءة، وكان في أول أمره عند الأمير علم الدين طيبغا القاسمي، ومدة مباشرته الخاص إلى أن مات ست سنين تقريبا بل تحقيقا، لأن النشو أمسك في صفر سنة أربعين وولى جمال الكفاة مكانه، وسلك غير مسلك الجماعة من كتاب الحساب في إقتناء المماليك الأتراك على طريقة كريم الدين الكبير، وما علَّم أحد على المناشير أحسن من علامته ولا أقوى ولا أكبر، انتهى كلام الصفدي.
قلت: لم يدع الشيخ صلاح الدين من ترجمة المذكور لغيره شيئا، رحمه الله تعالى.
ابن الشهري 790ه، 1388م
إبراهيم بن شهري، الأمير صارم الدين الكردي الأصل التركماني نائب دَورَك.
كان مشهورا بالشجاعة والإقدام، قتل في واقعة سيواس سنة تسعين وسبعمائة رحمه الله تعالى.
أبرك الظاهري 796ه، 1393م
أبرك بن عبد الله الظاهري، الأمير سيف الدين، نسبته إلى معتقه الملك الظاهر أبي سعيد برقوق العثماني.
كان المذكور من جملة أمراء الطبلخاناة وشاد الشراب خاناة في دولة أستاذه الظاهر برقوق، ولما تجرد الملك الظاهر برقوق في سنة ست وتسعين وسبعمائة إلى البلاد الشامية كان الأمير أبرك هذا في جملة الأمراء المجردين، فحصل له في أثناء الطريق توعك، وركب المحفة السلطانية إلى أن توفي بدمشق ودفن بها في السنة المذكورة، وأنعم بإمرته ووظيفته على الأمير سودون المارديني الظاهري، أحد أمراء العشراوات.
وكان أبرك المذكور مشكور السيرة بالنسبة إلى غيره من أبناء جنسه، رحمه الله تعالى.
أبرك الجكمي قبل 840ه، 1436م
أبرك بن عبد الله الجكمي، الأمير سيف الدين، أحد أمراء - الطبلخاناة - دمشق.
أصله من مماليك الأمير جكم من عوض المتغلب على حلب، وتنقل أبرك هذا في الخدم، بعد أن قتل أستاذه المذكور إلى أن صار في الدولة الأشرفية برسباي من أعيان الخاصكية، ثم نقل إلى إمرة طبلخاناة بدمشق، فدام بها إلى أن توفي قبيل الأربعين وثمانمائة، فيما أظن.
وكان مهملا مسرفا على نفسه، لم أذكره هنا إلا لغرابة اسمه، انتهى.
وأبرك: بألف وباء ثانية الحروف ساكنة وراء مهملة مفتوحة وكاف.
أبغا بن هولاكو 680ه، 1281م
أبغا بن هولاكو بن جنكز خان، القان ملك التتار.(1/36)
- أستولى على الممالك التركية بعد موت أبيه، وكان على مذهب التتار - واعتقادهم، ولما كان سنة خمس وسبعين وستمائة قصد أبغا المذكور التوجه إلى البلاد الشامية ووصل إلى أبلستين،فلما شارف المعركة ورأى القتلى بكى، ثم قصد منزلة الظاهر بيبرس فقاسها بعصاة الدبوس، فعلم عدة من كان فيها من العساكر فأنكر على البرواناه كونه لم يعرفه بجلية أمرهم، فأنكر أن يكون عنده علم منهم فلم يقبل منه هذا العذر وحنق عليه، وقال: تحققت ما قالوا أن لك باطنا مع صاحب مصر، ثم بعث بأكثر عسكره إلى الشام، وكان أيبك الشيخي قد هرب قبل تاريخه من الملك الظاهر وقدم على أبغا فجعله على اليزك.
فلما توجه أبغا إلى نحو البلاد الشامية عاد أيبك الشيخي معه، فقال أبغا: أرني مكان القلب والميمنة والميسرة من عسكرهم، فأوقف له في كل منزلة رمحا، فلما رأى أبغا بعد ما بين الرماح قال: ما هذا عسكر قليل، هذه الثلاثون ألفا الذين جاؤا معي لا يلقون هذا العسكر، ثم أرسل إلى العسكر الذي توجه إلى كينوك وطلبه.ثم بلغه أن الملك الظاهر بالشام مهتم بلقائه، وكان أكثر خيله وأصحابه قد تفرقوا عنه، فرأى في نفسه الضعف، فرد إلى قيصرية وعزم على قتل من في قيصرية من المسلمين، فاجتمع إليه القضاة والفقهاء وقالوا: هؤلاء رعية لا طاقة لهم بدفع عسكر، وهم مع الزمان في طاعة ملكهم،فلم يقبل أبغا منهم ذلك، وأمر بقتل جماعة من أهل البلد وقاضي القضاة جلال الدين حبيب، فقتل من الرعية ما يزيد على مائتي ألف، وقيل خمسمائة ألف من فلاح إلى عام وجندي، من قيصرية إلى أرزن الروم وما بينهما، ورجع إلى بلاده إلى أن توجه أخوه منكوتمر إلى الشام بالعساكر، ولم يكن قدوم منكوتمر إلى الشام برأيه بل أشير عليه فوافق، ونزل ذلك الوقت بالرحبة في جماعة من خواصه المغل ينتظر ما يكون من أمر أخيه منكوتمر فلما تحقق الكسرة رجع على عقبه إلى همدان، فمات بهمدان في سنة ثمانين وستمائة. ملكا شجاعا مقداما عالي الهمة خبيرا بالحروب ذا رأي وعزم وحزم، ولم يكن بعد والده مثله.
انتهى.
باب الألف والحاء المهملة
قاضي القضاة شمس الدين السروجي 637 - 710ه، 1239 - 1310م
أحمد بن إبراهيم بن عبد الغني بن أبي إسحاق، العلامة قاضي القضاة شمس الدين أبو العباس السروجي الحنفي، قاضي قضاة الحنفية بالديار المصرية.
مولده بثونة: بليدة من عمل سروج، في سنة سبع وقيل تسع وثلاثين وستمائة، وقرأ الفقه على جماعة من العلماء الأعيان منهم قاضي القضاة صدر الدين سليمان بن أبي العز وهيب، وعلي ابن أبي الطاهر إسحاق وغيرهما، وسنده في الفقه في طبقته، قرأ على الإمام صدر الدين سليمان عن الشيخ جمال الدين محمود الحصيري عن الإمام فخر الدين الحسن بن منصور قاضي خان عن الإمام ظهير الدين الحسن بن علي بن عبد العزيز المرغيناني عن الإمام سراج الأيمة برهان الدين عبد العزيز بن مازة، وشمس الدين محمد جد قاضي خان، كلاهما عن شمس الأئمة السرخسي عن الإمام أبي محمد عبد العزيز الحلواني عن أبي علي الحسن بن خضر النسفي عن الإمام أبي بكر محمد بن الفضل البخاري عن الإمام أبي حفص الكبير عن أبيه أبي حفص الكبير عن محمد بن الحسن عن الإمام الأعظم رأس المجتهدين أبي حنيفة النعمان بن ثابت رضي الله عنه. انتهى.
قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي في ذيل تاريخ الإسلام: الإمام الأوحد القاضي وشيخ المذهب أحمد بن إبراهيم بن عبد الغني السروجي الحنفي صاحب التصانيف المفيدة.
كان أحد الفقهاء الأذكياء، وتواليفه دالة على ذلك، عاش ثلاثا وسبعين سنة، عزله السلطان من الحكم لا لنقص فيه بل لقيامه في دولة الجاشنكير لما تسلطن، فصرف، وطلب ابن الحريري من دمشق فولي مكانه، واتفق أن السروجي جاءه الأجل بعد عزله بأيام قليلة دون الشهر.
وكان نبيلا وقورا، كثير المحاسن.
توفي في الثاني والعشرين من شهر ربيع الآخر يعني سنة عشر وسبعمائة، انتهى كلام الذهبي، رحمه الله.(1/37)
وقال الإمام أحمد بن مكتوم القيسي الحنفي ما معناه: اتفق عزل قاضي القضاة شمس الدين رحمه الله بابن الحريري في يوم الأحد رابع شهر ربيع الآخرة وابتدأته مرضة الموت في يوم الأربعاء، وتوفى يوم الخميس الثاني والعشرين من الشهر المذكور وذلك في سنة عشر و سبعمائة، ودفن من يومه، رحمه الله، وصلى عليه قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة الشافعي، وهو يومئذ معزول بجمال الدين الزرعي، وكان الجمع عظيما إلى الغاية، انتهى كلام ابن مكتوم، رحمه الله.
وقال الحافظ عبد القادر في طبقاته: تولى القضاء بمصر، يعنى أول ولايته، بعد قاضي القضاة معز الدين نعمان بن الحسن، فلما تسلطن الملك المنصور لاجين .
عزله بقاضي القضاة حسام الدين، فلما قتل لاجين أعيد إلى أن حضر السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون من الكرك فعزله بقاضي القضاة شمس الدين محمد ابن الحريري، أشخصه من دمشق فقدم إلى مصر في رابع عشر ربيع الأخر سنة عشر وسبعمائة، ومات بالمدرسة السيوفية بالقاهرة في يوم الخميس ثاني عشرين شهر رجب الفرد سنة عشر وسبعمائة.
قلت: الأقوال متفقة على السنة واليوم من وفاته، وخالف الحافظ عبد القادر في الشهر، والله أعلم.
ثم قال: ودفن بتربته بقرافة مصر جوار قبر الإمام الشافعي رضي الله عنه.
وكان مشاركا في علوم، وجمع وصنف، وأفتى ودرس، ووضع كتابا على الهداية سماه الغاية ولم يكمله، ثم قال الحافظ عبد القادر في أثناء ترجمته: فائدة اتفاقية اعتبارية لم يجر مثلها قط: في سنة بمصر - أعني سنة عشر وسبعمائة - مات سلطان مصر، وقاضيها إمام الحنيفة، ومفسرها، والمتكلم على القلوب، وواعظها، وشيخ شيوخها، وإمام الشافعية، ومحتسبها، وناظر جيشها، وأديبها: في ذي القعدة قتل السلطان الملك المظفر بيبرس، وفي رجب توفي قاضي القضاة صاحب الترجمة، وفي تاسع ذي القعدة مات الإمام عز الدين عبد العزيز بن عبد الجليل النمراوي.
وفي ثالث عشر جمادى الآخرة توفي الإمام تاج الدين أبو العباس احمد بن محمد بن عطاء الله بن عبد الكريم بن الحسن المالكي، له الكلام الفائق.
وفي سادس شهر شعبان توفى الشيخ الواعظ نجم الدين العبري.
وفي يوم الجمعة سادس شوال توفى شيخ الشيوخ كريم الدين عبد الكريم بن الحسن بن أبي بكر الأملي بخانقاه سعيد السعداء، وفي ليلة الجمعة ثامن عشر رجب توفى إمام الشافعية نجم الدين أبو العباس أحمد بن الرفعة، وفي مستهل جمادى الآخرة توفي القاضي بدر الدين حسن بن نصر الأسعردى المحتسب، وفي ليلة عاشر شوال توفى القاضي بهاء الدين أبو محمد عبد الله بن احمد بن علي بن المظفر بن الحلي ناظر الجيوش حدث عن النجيب، وفي الثاني والعشرين من جمادى الآخرة توفى الإمام الأديب شمس الدين أبو عبد الله محمد بن دانيال بن يوسف بن معتوق الخزاعي الموصلي.
انتهى كلام الحافظ عبد القادر، رحمه الله.
قلت: يأتي ذكر هؤلاء في هذا الكتاب مبسوطا في محلهم إن شاء الله تعالى.
وبثونة خربت مع سروج في آخر سنة ثلاث عشرة وسبعمائة.
انتهى.
شهاب الدين بن البارزي 755ه، 354م
أحمد بن إبراهيم بن المسلم بن هبة الله بن حسان بن محمد بن منصور بن أحمد، القاضي شهاب الدين بن قاضي القضاة شمس الدين الجهني الحموي، الشهير بابن البارزي، ناظر الأوقاف بدمشق.
كان فقيها فاضلا رئيسا، من بيت علم وفضل.
توفى بدمشق في سنة خمس وخمسين وسبعمائة، تقدم ذكر والده في محله، ويأتي ذكر جماعة من أحفاده وأقاربه في محلهم إن شاء الله.
ابن العماد المقدسي 608 - 688ه، 1211 - 1289م
أحمد بن إبراهيم بن عبد الواحد بن علي بن سرور بن الشيخ العماد المقدسي الصالحي.
مولده سنة ثمان وستمائة، وسمع من ابن الحرستاني، وابن ملاعب وأبيه الشيخ الموفق، وطائفة، ورحل إلى بغداد متفرجا، وسمع من عبد السلام الداهري، وعمر بن كرم، واشتغل أولا اشتغالا جيدا، ثم انخلع من ذلك وتجرد فقيرا، وكان سليم الباطن عديم التكلف والتصنع، وفيه تعبد وزهد، وله أتباع ومريدون، وللناس فيه عقيدة حسنة، ويتردد إليه جماعة كثيرة، وكان الصاحب بهاء الدين بن حنا يزوره ويتفقده.(1/38)
قال الذهبي: إلا أنه كان يأكل عشبة الفقراء فيما قيل ويقول: هي لقمة الذكر والفكر، وربما صحب الحريري، وسمع منه الحافظ المزي والبرزالي، وأقام مدة بزاويته بسفح قاسيون، وكف بصره، انتهى كلام الذهبي، عفا الله عنه.
قلت: وكانت وفاته بدمشق سنة ثمان وثمانين وستمائة، ودفن يوم عرفة، رحمه الله تعالى.
قاضي القضاة شهاب الدين بن الصالحي 772ه، 1370م
أحمد بن إبراهيم بن عمر، قاضي القضاة شهاب الدين الصالحي الحنفي، قاضي القضاة بالإسكندرية.
كان إماما فقيها، عارفا بالأصول والفقه والفروع، أقام بحلب ثلاثا وثلاثين سنة، وهو مشكور السيرة، محببا إلى أهل بلده لعفته ولدينه، ولغزير علمه، ثم طلب إلى الديار المصرية فلبث بها مدة يسيرة، وولي قضاء الإسكندرية مسؤولا في ذلك، فتوجه إليها وباشر الحكم بها إلى أن توفي سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة، وقد قارب السبعين، رحمه الله تعالى.
علم الدين القمني الضرير 620 - 686ه، 1223 - 1287م
أحمد بن إبراهيم بن جعفر بن أحمد بن هشام بن يوسف، الشيخ علم الدين الأموي البهنسي القمني، الفقيه المفتي الضرير.
ولد سنة عشرين وستمائة، وقرأ، واشتغل، وبرع، وأفتى، وكان تكتب عنه الفتوى، وأعاد بالظاهرية بالقاهرة، وروى عن ابن الجميزي وغيره، وكان له فضل ومشاركة في الفقه والنحو والأصول، وكان في الحفظ آية، يحفظ السطور الكثيرة والأبيات من سماعها مرة واحدة، وكان يقعد يوم الجمعة تحت الخطيب فيحفظ الخطبة، إلا أنه كان لا يثبت حفظه الذي من مرة واحدة، وكان فيه صلاح وديانة، وله أدب ونظم.
توفي بالقاهرة في سنة ست وثمانين وستمائة، رحمه الله.
ابن العارف 640 - 711ه، 1242 - 1311م
أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن، الشيخ الإمام القدوة عماد الدين بن العارف شيخ الحزامية الواسطي الشافعي الصوفي، نزيل دمشق.
مولده في حدود الأربعين وستمائة، وتفقه وتأدب، وكتب الخط المنسوب، وتجرد، ولقي المشايخ وتزهد، وصنف في السلوك والمحبة، وشرح منازل السائرين، واختصر السيرة لابن إسحاق، ودلائل النبوة، وكان يتبلغ من نسخه لا غير.
قال الحافظ شمس الدين محمد الذهبي رحمه الله: جالسته مرارا وانتفع به وكان منقبضا عن الناس، حافظا، يسلك به جماعة، وكان ذا ورع وإخلاص، ومنابذة للاتحادية وذوي العقول، وله نظم، وعاش بضعا وسبعين سنة، وتوفي بالبيمارستان الصغير في سنة إحدى عشرة وسبعمائة، ودفن بسفح قاسيون، رحمه الله تعالى.
شهاب الدين العينتابي 767ه، 1365م
أحمد بن إبراهيم بن أيوب، العلامة شهاب الدين العينتابي الحلبي الحنفي، قاضي العسكر بدمشق.
نشأ بحلب، وتفقه على علماء عصره وبرع في الفقه والأصول والعربية، وشارك في عدة علوم، وتصدر للإفتاء والتدريس والتصانيف، ثم قدم دمشق وولي بها قضاء العسكر، وأكب على الإشغال والاشتغال، وانتفع به الطلبة.
ومن مصنفاته شرح مجمع البحرين في الفقه في عشر مجلدات، وسماه المنبع في شرح المجمع، وشرح المغني في الأصول، وغير ذلك.
وكان دينا خيرا عفيفا، توفي بدمشق في سنة سبع وستين وسبعمائة، وقد أناف على الستين، رحمه الله.
ابن الزبير المقرئ 726 - 807ه، 1229 - 1308م
أحمد بن إبراهيم بن الزبير بن محمد بن إبراهيم بن الزبير بن عاصم، الإمام العلامة المقرئ الحافظ البارع المنشئ، عالم الأندلس وصاحب التصانيف.
مولده سنة سبع وعشرين وستمائة، قرأ ببلده، واشتغل، وطلب العلم في صغره، وتلا بالسبع، وبرع وتصدر للإفتاء والتدريس عدة سنين.
قال الشيخ صلاح الدين: وتلا بالسبع على الشيخ أبي الحسن علي بن محمد الشاري صاحب ابن الحجري، وعل أبي الوليد إسماعيل بن يحي الأزدي العطار صاحب ابن الحسون الحميري، ومن إسحاق بن إبراهيم الطوسي، بفتح الطاء المهملة، ومحمد بن عبد الرحمن بن جوير، بجيم مشوبه بشين، البلنسي، وأبي إسحاق إبراهيم بن محمد الكماد الحافظ، والوزير أبي يحي عبد الرحمن بن عبد المنعم، وأبي الحسين أحمد بن محمد السراج، والمؤرخ أبي العباس أحمد بن يوسف بن فرتون، وأبي الخطاب محمد بن أحمد بن خليل الكاتب، والقاضي أبي عبد الله محمد بن عبيد الله الأزدي، والقاضي أبي زكريا بن أحمد بن عبد الرحمن بن المرابط الحافظ، وطائفة سواهم، وارتحل إلى بابه العلماء لسعة معارفه.(1/39)
قال الشيخ أثير الدين أبو حيان: كان يحرز اللغة ويعلمني المنطق، كان أفصح عالم رأيته، وكان له صبر على المحن يضحك تبسما، وكان ذكيا عاقلا له اليد الطولى في علم الحديث والقراءات والعربية، ومشاركة في أصول الفقه، صنف فيه وفي علم والكلام والفقه، وله كتب كثيرة وأمهات، انتهى.
وقال الحافظ الذهبي: ومن مسموعاته السنن الكبرى للنسائي سمعه من أبي الحسن الشاري سماعه من أبي محمد عبد الله الحجري عن أبي جعفر البطروجي سماعا متصلا، بينه وبين المصنف ستة، وعني بالحديث أتم عناية ونظر في الرجال، وأتقن وجمع، وألف تاريخا للأندلس ذيل به على الصلة لابن بشكوال، وأحكم العربية وأقرأها مدة طويلة، أخذ عنه أبو حيان، وأبو القاسم محمد بن سهل الوزير، وأبو عبد الله محمد بن القاسم بن رمان، والزاهد أبو عمر، وابن المرابط، وأبو القاسم بن عمران السبتي، وخلق كثير في فنون العلم، ومات وله إحدى وثمانون سنة، سنة ثمان وسبعمائة، رحمه الله.
صاحب فاس بالمغرب 796ه، 1393الإمام
أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق، السلطان أبي العباس بن السلطان أبي سالم بن السلطان أبي الحسن المريني، صاحب فاس وملك المغرب، أخرج في ابتداء أمره مع الأبناء إلى طنجة، فاعتقل بها إلى أن بعث ابن الأحمر إلى محمد بن عثمان متولي سبتة يحسن له مبايعة أبي العباس هذا، فركب محمد بن عثمان المذكور من سبتة إلى طنجة وأخرج أبا العباس وبايعه له، وحمل الناس على طاعته، فبايعه غالب أصحاب تلك الممالك، وحمل محمد بن عثمان الأبناء المعتقلين بطنجة كلهم إلى الأندلس، وزحف محمد بن عثمان وأبو العباس هذا إلى فاس، ونزلوا قصر ابن عبد الكريم، ومضى محمد، فبرز إلى أبي العباس الوزير أبو بكر بسلطانه السعيد محمد بن السلطان عبد العزيز بن السلطان أبي الحسن، فاختل مصافه وانهزمت ساقة العسكر من ورائه، ورجع معلولا إلى البلد الجديد واستنصر بالعرب، وزحف أبو العباس مجموعه فبرز لهم الوزير ثانيا فانكسر أيضا، وانحاز إلى البلد، فحصره أبو العباس ووقع له معه حروب، وآخر الأمر ملك أبو العباس مملكة فاس وجعل محمد بن عثمان وزيره، وألقى إليه مقاليد ملكه، وجرت له حوادث يطول شرحها إلى أن مات في المحرم سنة ست وتسعين وسبعمائة بتازي، فاستدعى ابنه أبو فارس فارس عبد العزيز من تلمسان وبويع بتازي، وسار إلى فاس فلم تطل أيامه، ومات، سنة ثمان وتسعين، فقام بعده أخوه أبو سعيد عثمان بن أبي العباس، وقام أبو العباس أحمد بن علي القبائلي بدولته، كما قام بدولة أخوية، حتى قتله أبو سعيد، كما سيأتي في ترجمة كل من أبي سعيد وأبي العباس القبائلي.
ابن عرب الصالح المعتقد 830ه، 1426م
أحمد بن إبراهيم بن محمد، الشيخ الإمام العالم الزاهد المعتقد الكبير صاحب الكرامات اليمني الأصل، البرصاوي المولد والمنشأ، المصري الدار والوفاة، الحنفي، الشهير بابن عرب.
أحد أفراد الدنيا في الزهد والعبادة والورع، نزيل الخانقاة الشيونية وأحد الصوفية بها، كان والده من اليمن، ثم رحل إلى برصا من بلاد الروم واستوطنها وتزوج بها، فولد له أحمد هذا، ونشأ ببرصا على قدم هائل، ثم قدم إلى القاهرة شابا ونزل بخانقاة شيخو، وطلب العلم فقرأ على إمام الخمس بها خير الدين سليمان بن عبد الله، وعلى غيره.
وكان فقيرا جدا، ينسخ للناس بالأجرة ويتقوت بذلك، وهو مكب على طلب العلم، ودام على ذلك مدة طويلة إلى أن استقر من جملة الصوفية بمبلغ ثلاثين درهما في كل شهر، فتعفف بذلك عن النسخ وغيره، وانقطع عن مجالسة الناس والاختلاط بهم، وسكن ببيت بالخانقاة المذكور، وأعرض عن كل أحد، واجتهد في العبادة والعمل، واقتصر على ملبس خشن حقير إلى الغاية، وصار يقنع بيسير القوت، ولا ينزل من بيته إلا لشراء قوته، ثم يعود إلى منزله بالشيخونية، وكان لا ينزل من بيته إلا كل ثلاثة أيام مرة بعد العشاء الآخرة، وكان إذا حاباه أحد من السوقة فيما يشتريه من قوته تركه وما حاباه به، فلما عرف بذلك ترك الباعة المحاباة له، ووقفوا عندما يشير لهم به، وكان لا يقبل من أحد شيئا بحيث أنرجلا دس عليه شيئا في قفته وهو قليل من الموز، والشيخ لا يشعر بذلك، فلما رآه عند طلوعه إلى منزله عاد، ولم يزل بالرجل إلى أن عرفه ورد له الموز المذكور.(1/40)
وكان يغتسل بالماء البارد شتاء وصيفا في بكرة نهار كل جمعة، ويمضي إلى صلاة الجمعة من أول نهار الجمعة، ويأخذ في الصلاة والقراءة وأنواع العبادة حتى تقام الصلاة ويصلي، ثم يعود إلى منزله من غير أن يكلم أحدا، ولا يتجرأ أحد على الكلام معه لهيبته ووقاره وعظم حرمته، ورأيته مرارا عديدة لكنني لا أعرف ما في وجهه حياء منه ومهابة، وكان يطيل قيامه في الصلاة مقدار أن يقرأ في كل ركعة حزبين تقديرا، فيكون تعبده في كل يوم جمعة يعني من حين دخوله إلى الجامع إلى وقت الصلاة مقدار نصف ختمة من غير أن يسمع له قراءة ولا تسبيح، وكان لا يرى نهارا إلا عند ذهابه يوم الجمعة إلى الجامع لا غير، ولا يرى ليلا إلا في كل ثلاث ليال مرة واحدة عند شراء قوته حسبما ذكرناه.
وكان له كرامات كثيرة، من ذلك ما أخبرني من أثق به عن بعض أهل الخانقاة أنه اشترى في بعض الأحيان كنافة وصب فوقها خلا، فرآه ذلك الرجل والشيخ لا يشعر به، والشيخ يقول لنفسه: ما تأكلي إلا كنافة؟ كلي، فهجم ذلك الرجل على الشيخ، وكان يعرفه قديما، وقال: أنا آكل معه من هذه الكنافة التي بالخل تبركا، فقال له الشيخ: بسم الله كل يا فلان، فصار الرجل يأكل الكنافة بعسل غاية في الحلاوة، والشيخ يأكل معه إلى أن فرغا معا. ورئي مرة بسطح الخانقاة وقد مد يده وفيها فتات الخبز والطيور تأكل مما في يده، وله أشياء من هذه المقولة وكرامات هائلة. ودام على ذلك نحو الثلاثين سنة.
وكان إذا احتاج إلى خياطة خيشة يلبسها، أو أعانة أحد عند عجزه في أواخر عمره عن حمل الجرة بالماء التي يتوضأ منها أعطاه من الفلوس شيئا، ويقول: هذا أجرتك، وكان تمر به الأعوام الكثيرة لا يتلفظ بكلمة مع أحد سوى قراءة القرآن وذكر الله، وكان خادم الخانقاة يحمل إليه كل شهر الثلاثين الدرهم فلا يأخذها إلا عداد، فإن المعاملة بالفلوس وزنا حدثت بعد انقطاعه عن الناس، فكان لا يعرف إلا المعاددة.
ولم يزل على ذلك إلى أن توفي بخانقاة شيخو في ليلة الأربعاء ثاني شهر ربيع الأول سنة ثلاثين وثمانمائة، وحمل من الغد حتى صلي عليه بمصلى المؤمنى من تحت القلعة، وحضر السلطان الملك الأشرف برسباي الصلاة عليه، وتقدم قاضي القضاة بدر الدين محمود العينتابي الحنفي فصلى عليه بمن حضر، ثم أعيد إلى الخالقاة الشيخونية بالصليبة ودفن بها، وهناك كان سكنه، وحمل نعشه على الأصابع لكثرة ازدحام الخلق على حمله.
وبالجملة فإنه كان فريد عصره في العبادة الزهد، لم نر في عصرنا من داناه ولا قاربه في طريقته، رحمة الله تعالى.
شهاب الدين العبادي 801ه، 1398م
أحمد بن أبي بكر بن محمد، الشيخ الإمام العلامة العبادي الحنفي.
مولده .......
كان إمام فاضلا بارعا، فقيها نحويا، من أعيان فقهاء الحنفية، درس وأفتى عدة سنين في علوم كثيرة، وانتفع به الطلبة، توفي ليلة الأحد تاسع عشر شهر ربيع الآخرة سنة إحدى وثمانمائة.
والعبادي نسبة إلى منية عبادة قرية من قرى الغربية، من أعمال القاهرة، رحمه الله تعالى.
أبو جلنك 700ه، 1300م
أحمد بن أبي بكر، الشيخ شهاب الدين أبو جلنك الشاعر المشهور، صاحب النوادر الظريفة، كان فاضلا شاعرا، وله همة وشجاعة، ولما كانت وقعة التتار في سنة سبعمائة نزل أبو جلنك المذكور من قلعة حلب لقتال التتار، وكان ضخما سمينا، فوقع عن فرسه من سهم أصاب الفرس راجلا، فأسروه وأحضروه بين يدي مقدم التتار، فسأله عن عسكر المسلمين، فرفع شأنهم، فغضب مقدم التتار من ذلك وضرب عنقه في التاريخ المذكور.
وكان له النظم الرائق، وله ديوان شعر، ومن شعره:
ماذا على غصنه الميال لو عطفا ... ومال عن طرق الهجران وانحرفا
وعائدي عائد منه إلى صلة ... حسبي من الشوق ما لاقيته وكفى
صفا له القلب حتى لا يمازجه ... شيء سواه، وأما قلبه فصفا
فزارني طيفه وهنا ليؤنسني ... فاستصحب النوم من جفني وانصرفا
ورمت من خصره برءا فزدت ضنى ... وطالب البرء والمطلوب قد ضعفا
حكى الدجى شعره طولا فخاصمه ... خضاع بينهما عمري وما انتصفا
وله في أقطع مضمنا.
وبي أقطع مازال يسخو بما له ... ومن جوده مارد في الناس سائل(1/41)
تناهت يداه فاستطال عطاؤها ... وعند التناهي يقصر المتطاول
وله أيضا:
وشادن يصفع مغرى به ... براحة أندى من الوابل
فصحت في الناس: ألا فاعجبوا ... بحر غدا يلطم في الساحل
قال الشيخ صلاح الدين بن أيبك في تاريخه: وكان قد مدح قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان فوقع له برطلي خبز، فكتب على بستانه:
لله بستان حللنا دوحة ... كجنة قد فتحت أبوابها
والبان تحسبه سنانيرا رأت ... قاضي القضاة فنفشت أذنابها
انتهى كلام الصفدي.
قلت: لعله وهم في هذه الحكاية، وما هي مشهورة إلا عن قاضي القضاة ابن الزملكاني، ويأتي ذكره إن شاء الله في محله.
مات أبو جلنك المذكور كما ذكرناه في أول ترجمته مقتولا في سنة سبعمائة بيد التتار، رحمه الله تعالى.
شهاب الدين المرعشي الحنفي 786 - 872ه، 1384 - 1467م
أحمد بن أبي بكر صالح بن عمر، الشيخ الإمام العالم شهاب الدين أبو العباس المرعشي الحنفي الحلبي، نزيل حلب وعالمها، انتهت إليه رئاسة العلم بحلب في زمانه.
مولده بمرعش بالبلاد الحلبية في سنة ست وثمانين وسبعمائة، وقرأ بها القرآن الكريم، وحفظ بعض مختصرات، ثم طلب العلم، ودام بمرعش إلى سنة أربع وثمانمائة، ورحل منها إلى عينتاب وتفقه بها على جماعة من الشيوخ منهم البارع عيسى العالم المشهور، ثم انتقل منها سنة ست عشرة وثمانمائة إلى حلب بعد أن أذن له بالإفتاء والتدريس، وقرأ أيضا بحلب على جماعة منهم العلامة زين الدين عمر البلخي، وبحث عليه الكشاف، وشرح المفتاح، وعلى الشيخ الإمام العلامة شمس الدين محمد بن سلامة المارديني الصحيحين، وبحث المغنى في أصول الفقه وغير ذلك، وأذنا له أيضا في الإفتاء والتدريس، وبرع في الفقه والأصول والعربية، وشارك في عدة فنون، وتصدر للإفتاء والتدريس بحلب من سنة عشرين وثمانمائة، وانتفع به الطلبة، وتفقه به جماعة من أعيان فقهاء حلب وهلم جرا إلى يومنا هذا، وألف وصنف كتبا كثيرة، من ذلك: كنوز الفقه على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه، ونظم العمدة للنسفي في أصول الدين، وزاد عليها مسائل شتى وخمس البردة، وله النظم والنثر، وعرض عليه الملك الظاهر جقمق وظيفة القضاء بحلب فامتنع من ذلك تنزها وعفافا، على أنه في ضيق عيش، وهو الآن فقيه حلب وعالمها ومفتيها، بل عالم سائر البلاد الحلبية.
ولما سافرت إلى حلب في سنة ست وثلاثين وثمانمائة لم يتفق لي الاجتماع به، ولكن الآن بيني وبينه صحبة ومكاتبات، وأجاز لي بجميع مروياته ومصنفاته وما له من نظم ونثر وغير ذلك.
أنشدني العلامة شهاب الدين احمد المذكور لنفسه إجازة:
ولما رأينا عالما بجواهر ... خدمناه بالعقد المنظم من در
على رأي من يروي من الشعر حكمة ... خلافا لمن قال: القريض بنا يزري
العجيمي قاضي المحلة 767 - 844ه، 1365 - 1440م
أحمد بن أبي بكر بن رسلان، القاضي شهاب الدين المعروف بالعجيمي، الشافعي قاضي المحلة.
كان فقيها عالما فاضلا، ولي نيابة الحكم بالمحلة وغيرها عدة سنين، وأكثر ما له من ذلك، وكان له ثروة ووجاهة، واستمر على ذلك إلى أن توفي يوم الثلاثاء رابع عشرين جمادى الأولى سنة أربع وأربعين وثمانمائة.
شهاب الدين الرومي الحنفي 719ه، 1319م
احمد بن أبي بكر بن رجب، الشيخ شهاب الدين الرومي الخرتبرتي الحنفي، خطيب قلعة دمشق ومدرسها.
قال الحافظ علم الدين البرزالي: كان المذكور شيخا كبيراً جاوز التسعين سنة، ولما مات ليلة الإثنين الرابع والعشرين من شهر ربيع الآخرة سنة تسع عشرة وسبعمائة قرر مكانه في الخطابة ولده، وولي تدريس النفقه الإمام محي الدين يحيى بن سليمان بن علي المعروف بالأسمر، انتهى كلام البرزالي.
قلت: وخرت برت بليدة على مسيرة يومين من ملطية.
انتهى.
شهاب الدين بن أبي الكرم الحنفي 650ه، 1252م
أحمد بن أبي الكرم بن هبة الله، الشيخ الإمام العالم العلامة شهاب الدين، الفقيه الحنفي.(1/42)
ذكره الصاحب كمال الدين بن العديم في تاريخ حلب، قال: كان فقيها حسنا دينا كثير التلاوة للقرآن، ولي التدريس بالموصل ومشيخة الرباط، وطلب الحديث، وقدم حلب مرارا رسولا من جهة بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل،وورد دمشق أيضا رسولا إلى الملك الناصر داود في سنة ثمان وأربعين وستمائة، وورد بغداد أيضا رسولا في هذه السنة، وتوفي رحمه الله في شوال سنة خمسين وستمائة.
بلغني وفاته وأنا ببغداد في هذا التاريخ، انتهى كلام ابن العديم، رحمه الله.
مولى زادة 791ه، 1388م
أحمد بن أبي يزيد، العلامة شهاب الدين، يعرف بمولا زادة، مذكور في حرف الزاي، يطلب هناك.
شرف الدين بن قدامة الحنبلي 614 - 687ه، 1217 - 1288م
أحمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة، الشيخ الإمام الزاهد شرف الدين بن الشرف أبي العباس القدسي الحنبلي الفرضي.
كان إماما فقيها، محدثا بارعا، تفقه على علماء عصره، وسمع عم أبيه الشيخ الموفق، وابن أبي لقمة الفزويني وأبي القسم بن صصرى، وابن صباح، وروى الكثير، وسمع منه الحافظ المزي أبو الحجاج، وابن الخباز، والبرزالي، وغيرهم.
وكان ممن جمع بين العلم والعمل، وكان قانعا ليس له وظيفة مكفوفا عن الناس، وكان يشتغل بجامع الجبل، مات مبطونا في سنة سبع وثمانين وستمائة.
قاضي القضاة شرف الدين النابلسي الخطيب 622 - 694ه، 1225 - 1294م
أحمد بن أحمد بن نعمة بن أحمد، العلامة قاضي القضاة خطيب الشام شرف الدين النابلسي المقدسي الشافعي.
كان أبوه خطيب القدس، أجاز له الفتح بن عبد السلام، وأبو علي الجواليقي، وأبو حفص السهروردي، وأبو الفضل الداهري، وسمع من السخاوي، وابن الصلاح، وعتيق السلماني، والتاج القرطبي، وكان فقيها محققا، متفننا للمذهب والأصول والعربية والنظر، وانتهت إليه رئاسة المذهب بعد الشيخ تاج الدين الفزاري، وأذن لجماعة في الفتوى، وصنف كتابا في أصول الفقه جمع فيه بين طريقتي الإمام فخر الدين والسيف الآمدي، وكان حاد الذهن، سريع الفهم بديع الكتابة، إماما في تحرير الخط المنسوب، وكان متواضعا متنسكا حسن الأخلاق، طويل الروح، ينشئ الخطب، درس بالشامية الكبرى، وناب في الحكم عن الجويني، وكان من طبقته في الفضائل.
وله نظم جيد، من ذلك:
أحجج إلى الزهر لتحظى به ... وارم جمار الهم مستهترا
من لم يطف بالزهر في وقته ... من قبل أن يحلق قد قصرا
توفي سنة أربع وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى، وعفا عنه.
السلطان شهاب الدين صاحب كلبرجة من بلاد الهند 838ه، 1434م
أحمد بن أحمد بن حسين شاه بن بهمن، السلطان شهاب الدين أبو المغازي صاحب كلبرجة وما والاها من بلاد الهند.
كان من أجل ملوك الهند دينا وخيرا وعزما وحزما.
وله مآثر بالهند وبمكة وغيرهما، أنشأ بمكة رباطا هائلا، ووقف عليه أوقافا جيدة، وكان له صدقات وبر وأفضال.
دام في الملك نحو أربع عشرة سنة إلى أن توفي في شهر رجب سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة، وملك بعده كلبرجة ابنه ظفر شاه واسمه أيضا أحمد، رحمه الله تعالى.
شهاب الدين القرافي 682ه، 1283م
أحمد بن إدريس، الشيخ الإمام العالم الفقيه الأصولي شهاب الدين الصهناجي الأصل المشهور بالقرافي.
ونسب إلى القرافة من غير أن يسكنها، وإنما سئل عنه عند تفرقة الجامكية بمدرسة الصاحب ابن شكر فقيل عنه: توجه إلى القرافة، فقال بعض من حضر: اكتبوه القرافي، فلزمه ذلك، وإنما أصله من قرية من قرى بوش من صعيد مصر الأسفل تعرف ببهبشيم.
كان مالكيا إماما في أصول الفقه وأصول الدين، عالما بالتفسير وغيره، وولي تدريس المدرسة الصالحية بعد وفاة الشيخ شرف الدين السبكي، ثم أخرجت عنه لقاضي القضاة نفيس الدين، ثم أعيدت إليه بعد مدة، ودرس بمدرسة طيبرس، وبجامع مصر.
وصنف في أصول الفقه الكتب المفيدة، وانتفع به جماعة من الطلبة، وعلق عنه قاضي القضاة تقي الدين بن بنت الأعز تعليقه على المنتخب، وشرح المحصول، وله التنقيح وشرحه، وله أنوار البروق وأنواء الفروق، وله الذخيرة في مذهب مالك، وله الستبصار فيما يدرك بالابصار، وخو خمسون مسألة.
توفي بدير الطين ظاهر مصر، ودفن بالقرافة سنة اثنتين وثمانين وستمائة.
وكانت وفاته بعد وفاة صدر الدين بن بنت الأعز ونفيس الدين المالكي.(1/43)
وبهبشيم بباء موحدة من تحت مفتوحة وبعدها هاء مفتوحة أيضا وباء ساكنة وشين مكسورة وبعد ياء مثناه من تحت ساكنة وميم.
أبو العباس المنازي الشاعر 601ه - 1204م
أحمد بن إسحاق بن أحمد بن إبراهيم، الأديب الشاعر أبو العباس الديار بكري المنازي، الشاعر المشهور.
ولد بمناز جرد، قلعة في آخر ديار بكر، ليلة الخميس النصف من شعبان سنة إحدى وستمائة.
وكان أديبا فاضلا بارعا، له النظم الرائق والنثر الفائق، توفي ببلاد اليمن.
ومن شعره قوله:
يعللني إذا ما اعتل وجدي ... ويملأ من محبته كؤوسي
وما قطع الإمام عن الترقي ... إليه سوى مقاساة النفوس
وله أيضا
إن من حال بين قلبي وبيني ... طاب في حبه حياتي وحيني
وعزيز عَلَىَّ ألا أراه ... وهو أدنى إلى من نور عيني
الأبرقوهي615 - 701ه، 1218 - 1301م
أحمد بن إسحاق بن محمد بن المؤيد بن علي، الشيخ أبو المعالي بن القاضي المحدث رفيع الدين أبي محمد، قاضي بأبرقوه الشافعي الهمداني الأبرقوهي المصري القرافي الصوفي.
ولد بأبرقوه سنة عشرة وستمائة.
قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي في معجمه: كان رجلا خيرا دينا متواضعا، حسن القراءة للحديث، سمع بحران من جماعة، وحدث عنه أبو العلاء الفرضي، والحافظ أبو الحجاج المزي، وأبو محمد البرزالي وجماعة.
انتهى كلام الذهبي رحمه الله.
قلت: ثم ارتحل إلى مكة، وبها توفي سنة إحدى وسبعمائة، وله أربع وثمانون سنة.
شيخ الشيوخ نظام الدين أسلم760 - 802ه، 1358 - 1399م
أحمد بن إسحاق بن عاصم بن محمد بن شيخ الشيوخ، نظام الدين بن مجد الدين ابن سعد الدين الأصبهاني الحنفي.
مولده في حدود الستين وسبعمائة، ونشأ بالقاهرة، وتفقه بوالده وغيره، وولي مشيخة خانقاة سرياقوس وسار فيها سيرة جيدة إلى الغاية.
وكان جميلا فصيحا مهابا بهيا، وله فضل وأفضال ومكارم، وكان له خصوصية عند الملك الظاهر برقوق أولا، ثم تنكر عليه وصرفه عن مشيخة خانقاة سرياقوس ثم أعيد إليها بعد موته إلى أن توفي بها في خامس عشرين شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثمانمائة.
قال العيني: وكان ينسب إلى معرفة علم الحرف، وليس بصحيح، ولكنه كان يجمع من أموال الخانقاة، ويطعم الناس من غير استحقاق، وكان يجمع في مجلسه ناسا أرازل وأصحاب ملاهي.
انتهى كلام العيني.
قالت: وتولى عوضه في مشيخة خانقاة سرياقوس الشيخ ايليا شيخ خانقاة قوصون، واستقر في مشيخة خانقاة قوصون الشيخ شرف الدين يعقوب التباني.
وكان يعرف صاحب الترجمة بالشيخ أسلم ولكنه إسمه أحمد، يأتي ذكر والده في محله إن شاء الله تعالى.
عز الدين الكاشغري الحنفي580 - 667ه، 1184 - 1268م
أحمد بن أسعد بن المظفر، الشيخ الإمام العلامة عز الدين أبو الفضل الكاشغري الحنفي.
ولد في ذي الحجة سنة ثمانين وخمسمائة، كان إمام بارعا، عالما فقيها، وله مشاركة في عدة علوم.
أفتى ودرس، واشتغل الطلبة، وانتفع به جماعة من فقهاء الحنفية، وكان له حظ وافر من العبادة والنسك.
توفي تاسع شهر رجب سنة سبع وستين وستمائة بكاشغر، وصلي عليه بجامعها بعد صلاة الجمعة قريب من ستة آلاف نفس، ودفن عند الإمام شرف الدين أبي الفضل أشرف بن نجيب بن محمد بن محمد.
وكاش غر بفتح الكاف وبعد الألف شين معجمة ساكنة وغين معجمة مفتوحة، وبعد راء مهملة ساكنة، وهي مدينة بأقصى بلاد الترك.
انتهى.
الملك الصالح صاحب ماردين 811 ه، 1408م
أحمد بن إسكندر بن صالح بن غازي بن قرا أرسلان بن أرتق بن أرسلان ابن إيلغازي بن ألبي بن تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق، السلطان الملك الصالح شهاب الدين الأرتقي صاحب ماردين.(1/44)
نشأ في دولة ابن عمه الملك الظاهر مجد الدين عيسى بن المظفر، وكان الصالح هذا خصيصا، عند ابن عمه الظاهر المذكور وزوجته بابنته واستخلفه على ماردين غير مرة، ولما خرج الظاهر عيسى مع الأمير جكم المتغلب على حلب لقتال قرايلك صاحب آمد، وقتلا معا في الوقعة، يعني جكم والظاهر عيسى، كان الصالح هذا قد استخلفه الظاهر على ماردين، فملكها من بعده، وذلك في شهر ذي الحجة سنة تسع وثمانمائة، فدام في سلطنة ماردين مدة سنة ونصف، وقرايلك يحاربه، ولم يزل يضايقه إلى أن كل الصالح هذا وباع سلطنة ماردين لقرا يوسف بن محمد بعشرة آلاف دينار وألف فرس وعشرة آلاف رأس من الغنم، وزوجه ابنته، وأعطاه الموصل، فنزل من قلعة ماردين وتسلمها أعوان قرا يوسف، وفعلوا فيها كفعلة أعوان تيمور في البلاد، وسار الصالح يريد الموصل، فوصلها وتسلمها فلم يقم بها سوى ثلاثة أيام، ومات هو وزوجته ابنة قرا يوسف، قيل إن قرا يوسف سمه.
وخلف أربعة أولاد وهم: محمد وأحمد ومحمود وعلي، فأخرجهم قرا يوسف من الموصل.
والملك الصالح هذا آخر الملوك من بني أرتق.
وكانت وفاة الصالح في سنة إحدى عشرة وثمانمائة.
نجم الدين التبلي631 - 698ه، 1233 - 1298م
أحمد بن إسماعيل بن منصور، الشيخ المحدث نجم الدين الحلبي المعروف بابن التبلي، وبابن الجلال.
ولد بحلب سنة إحدى وثلاثين وستمائة، وسمع من ابن رواحه، وابن خليل وجماعة أخر، ولازم السماع مع الدمياطي فأكثر وكتب الطباق، وقرأ بنفسه، ودأب وحصل.
قرأ عليه علم الدين البرزالي جزء ابن حرب رواية العباداني.
توفي سنة ثمان وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
ابن أبي العز الحنفي 720 - 799ه، 1320 - 1396م
أحمد بن إسماعيل بن محمد بن عبد العزيز بن صالح بن أبي العز وهيب بن عطاء ابن جبير بن جابر وهيب، قاضي القضاة نجم الدين أبو العباس بن قاضي القضاة عماد الدين المعروف بابن أبي العز وبابن الكشك الحنفي الدمشقي.
مولده سنة عشرين وسبعمائة بدمشق تقريبا، كان إماما عالما بارعا، فقيها مفننا، ولي قضاء القضاة الحنفية بدمشق غير مرة، وحسنت سيرته، ثم أشخص إلى ديار مصر في سنة سبع وسبعين وسبعمائة، وولي بها قضاة الحنفية عوضا عن صدر الدين محمد بن عبد الله التركماني بعد موته، وخلع عليه يوم الخميس العشرين من المحرم سنة سبع وسبعين وسبعمائة، ثم استعفى بعد مدة، وتوجه إلى دمشق، وأعيد إلى قضاء الحنفية بها على عادته، وقد وليها غير مرة قبل ذلك، ثم صرف بعد مدة عن القضاة، ولزم داره إلى أن مات فتيلا بدمشق في مستهل ذي الحجة سنة وتسعين وسبعمائة.
قاضي القضاة ابن الحسباني الشافعي 748 - 815ه، 1346 - 1412م
أحمد بن إسماعيل بن خليفة بن عبد العال، قاضي القضاة شهاب الدين أبو العباس الدمشقي الشافعي المعروف بابن الحسباني.
مولده في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة.
كان إماما عالما فقيها، بارعا في الفقه، والعربية، والحديث، وغير ذلك، تصدر للأفراء والتدريس والفتيا عدة سنين، وولي قضاة القضاة الشافعية بدمشق وخطابتها غير مرة، وقدم القاهرة مرارا عديدة.
قال المقريزي: وتفقه بأبيه وغيره، وسمع من أصحاب الفخر، وطلب بنفسه فأكثر جدا بدمشق والقاهرة، ولم يزل يسمع حتى سمع ممن هو دون شيوخه مع ذكاء وتفننن، وكتب تفسيرا أجاد فيه لو كمل، وعلق على الحاوي في الفقه شرحا، وخرج أحاديث الرافعي، وشرح ألفية ابن مالك في النحو، وناب في الحكم بدمشق مدة، ثم ولي قضاء القضاة بها غير مرة، فلم تحمد سيرته، وكان لا يزال يخرج على السلطان ويترامى على الشر، ويلج في مضايق حبا في الرئاسة، انتهى كلام المقريزي.
قلت: توفي بدمشق في يوم الأربعاء عاشر شهر ربيع الآخر سنة خمس عشرة وثمانمائة، عن خمس وستين سنة وسبعة أشهر وأيام.
الملك الناصر صاحب اليمن 827ه، 1423م
أحمد بن إسماعيل بن العباس بن علي بن داود يحيى بن عمر بن علي بن رسول، السلطان الملك الناصر بن الملك الأفضل بن الملك المجاهد بن الملك المؤيد بن الملك المظفر بن الملك المنصور، صاحب زبيد وعدن وتعز وجبلة وغيرهم من بلاد اليمن.(1/45)
ملك بعد موت أبيه الملك الأشرف إسماعيل في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثمانمائة، ولم تحمد سيرته، وكان من شرار بني رسول ملوك اليمن، وفي أيامه خربت غالب بلاد اليمن لكثرة ظلمه وعسفه، ولعدم سياسته وتدبيره، واستمر على ذلك إلى أن توفي سادس عشر جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وثمانمائة من ساقطة سقطت على حصنه المسمى قوارير خارج مدينة زبيد، فارتاع من سقوطها، وأقام أياما مريضا ملازما للفراش إلى أن مات، وملك بعده ممالك اليمن ابنه المنصور عبد الله، يأتي ذكر جماعة من آبائه وأجداده في محلهم إن شاء الله تعالى.
وسبب تسمية محمد برسول أنه كان نادم بعض خلفاء بني العباس ببغداد فترسل عنه إلى الأقطار فقيل الرسول حتى غلب عليه، ثم تحول من العراق إلى الشام فسكنها مدة، ثم قدم إلى القاهرة واتصل بملوك بني أيوب، وخرج بجماعته في خدمة المعظم توران شاه بن أيوب إلى اليمن فاستوطنها، فلما كانت أيام المسعود اطز وقيل أقيس، والأول أصح والثاني هو المشهور، بن الكامل محمد ابن العادل أبي بكر بن أيوب ولي الملك المسعود نور الدين عمر بن علي رسول المذكور الحصون الوصابية باليمن، ثم نقله بعده مدة إلى ولاية مكة المشرفة، ورتب معه ثلاثمائة فارس، فحاربه الشريف حسن بن قتادة، فكسره، ثم عاد إلى اليمن، فاستنابه الملك المسعود على بلاد اليمن في نصف شهر رمضان سنة عشرين وستمائة عندما توجه من اليمن يريد مصر، وأخرج عنه صنعاء، واستناب بها أخاه بدر الدين حسن بن علي بن رسول، فلما قدم الملك المسعود من مصر إلى اليمن قبض على نور الدين واخوته: حسن، وفخر الدين أبي بكر، وشرف الدين موسى، نحوفا منهم، فإن نور الدين حارب مرغم الصوفي الثائر وغلبه، وبدر الدين حسن حارب الإمام الزيدي عز الدين محمد بن الإمام المنصور عبد الله بن حمزة، ثم أفرج المسعود عنهم وبعث باخوة نور الدين إلى مصر محتفظا بهم، وحلف نور الدين وولاه أتابك عسكره، ثم استنابه على جميع بلاد اليمن عندما رحل يريد الإقامة بالشام، وعهد إليه بالسلطنة، بعد موته، في بلاد اليمن وأوصاه أن لا يمكن من اليمن أحدا من بني أيوب، ومات الملك المسعود بمكة في عوده، فلم ينتقل نور الدين عن كونه نائبا عن السلطان الملك الكامل، وأخذ يولي الحصون لثقاتهم ويسجن من يتحوفه، فلما استوثق أمره حصر حصن تعز في سنة ست وعشرين وأخذها إلى أن استولى على غالب بلاد اليمن، واستفحل أمره وملك صنعاء أيضا وغيرها، ولازال على ذلك إلى أن توفي قتيلا بيد مماليكه في ليلة السبت تاسع ذي القعدة سنة سبع وأربعين وستمائة، وملك بعده أبو بكر ابن أخيه الحسن إلى أن قدم المظفر ولده وملك إلى أن توفي بتعز بعد ما أقام ستا وأربعين سنة، في سنة أربع وتسعين، وقام من بعده ابنه الأشرف ممهد الدين، فثار أخوه داود عليه وأخذه، ومات الأشرف مسموما من جاريته في سنة ست وتسعين، فأقيم بعده المؤيد هزبر الدين داود حتى مات في ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، فملك بعده ابنه المجاهد علي حتى مات سنة أربع وستين وسبعمائة، وملك بعده ابنه الأفضل عباس حتى مات في شعبان سنة ثمان وسبعين فقام من بعده الأشرف مجاهد الدين إسماعيل حتى مات في ربيع الأول سنة ثلاث وثمانمائة، فقام من بعده ابنه الناصر أحمد هذا صاحب الترجمة.
ابن الجوكندار 794ه، 1391م
أحمد بن الأميرآل ملك الجوكندار، يأتي ذكر والده آل ملك الجوكندار في محله إن شاء الله تعالى، الأمير شهاب الدين.
مولده بالقاهرة، وبها نشأ، وترقى إلى أن صار من جملة الأمراء مقدمي الألوف بالديار المصرية، وكان معظما عند الملك الظاهر برقوق، مشارا إليه في الدول، ولم يزل من أعيان أمراء مصر إلى أن توفي يوم الأحد ثاني عشرين جمادى الآخرة سنة أربع وتسعين وسبعمائة، وقيل سنة ثلاث وتسعين.
وكان أميرا جليلا، شجاعا مقداما، وله بر وصدقات، رحمه الله.
ابن أويس سلطان بغداد 813ه، 1410م
أحمد بن أويس بن الشيخ حسن بن حسين بن آقبغا بن إيلكان، السلطان غياث الدين صاحب بغداد وتبريز وغيرهما من بلاد العراق.(1/46)
ملك بعد موت أخيه الشيخ حسين بن أويس سنة أربع وثمانين وسبعمائة، واستمر بممالك العراق إلى سنة خمس وتسعين وسبعمائة، خرج من بغداد فارا من تيمورلنك لما استولى على بغداد، وقصد نحو البلاد الحلبية وصحبته نحو أربعمائة فارس من أصحابه.
وسهب استيلاء تيمور على بغداد هو أن تيمور أخذ شيراز وقتل متملكها شاه منصور وبعث برأسه إلى بغداد، وبعث بالخلعة والصكة إلى السلطان أحمد هذا فلبس الخلعة، وضرب الصكة باسم تيمورلنك وأذعن لطاعته، ثم إن أهل بغداد كاتبوا تيمور يحثونه على المسير إليهم فتوجه إليها بعساكره، واستولى عليها بعد أمور ووقائع، وفر السلطان أحمد منها إلى جهة حلب.
وسبب مكاتبة أهل بغداد لتيمور أن ابن أويس المذكور كان أسرف في قتل أمرائه، وبالغ في ظلم رعيته، وانهمك على الفجور والخمر، وكان قدوم تيمور إلى بغداد والاستيلاء عليها بحيلة دبرها على أهل بغداد، وهو أن السلطان أحمد لما بلغه مجيئه أرسل بالشيخ نور الدين الخرساني إلى تيمور فأكرمه.
وقال: أنا أترك بغداد لأجلك، ورحل يريد السلطانية، فبعث نور الدين كتبه بالبشارة إلى بغداد، وقدم في أثرها، وكان تيمور قد سار يريد بغداد من طريق أخرى، فلم يشعر ابن أويس - وقد اطمأن - إلا وتيمور قد نزل غربي بغداد قبل أن يصل الشيخ نور الدين، فدهش عند ذلك ابن أويس وقطع جسر بغداد ورحل بأمواله وأولاده من ليلة السبت رابع عشر شوال، وترك البلد، فحاصرها تيمور، وأرسل ابنه في اثر ابن أويس فأدركه بالحلة فتواقعا، وانتصر ابن تيمور، ونهب مال سلطان أحمد وسبى حريمه، وقتل وأسر.
ونجا ابن أويس في طائفة وهم عراه، وقصد حلب لائذا بجناب الملك الظاهر برقوق سلطان مصر، فلما وصل إلى قريب حلب خرج للقيه نائبها الأمير جلبان قراسقل والأمراء والعساكر الحلبية، وأنزله بالميدان ظاهر حلب، ثم كتب النائب يخبر الملك الظاهر برقوق بقدوم سلطان أحمد إلى حلب، فورد الجواب للنائب المذكور بالإدرار عليه من أموال الديوان السلطاني ما يكفيه من النفقات وغيرها، وأن يبالغ في إكرامه، فامتثل ذلك، ولا برح محفولا فيما أجرى عليه إلى أن برز المرسوم السلطاني بطلبه إلى القاهرة، فتوجه إليها، فلما وصلها نزل الملك الظاهر برقوق في جميع العساكر المصرية إلى لقائه، وذلك في يوم الثلاثاء سابع عشر ربيع الأول سنة ست وتسعين وسبعمائة، إلى الريدانية خارج القاهرة، وقعد بمسطية مطعم الطيور إلى أن قرب منه ابن أويس، نزل السلطان عن فرسه ومشى عدة خطوات، فمشى إليه الأمير بدخاص حاجب الحجاب، ومن بعده الأمراء للسلام عليه، والأمير بدخاص يعرفه اسم كل أمير ووظيفته، وهم يقبلون يده، حتى أقبل الأمير أحمد بن يلبغا أمير مجلس، فقال له الأمير بدخاص: هذا ابن أستاذ السلطان، فعانقه ابن أويس ولم يدعه يقبل يده، ثم جاء من بعده الأمير بكلمش أمير سلاح، فعانقه أيضا، ثم من بعده الأمير أيتمش رأس نوبة الأمراء، وهذه الوظيفة مفقودة الآن، فعانقه أيضا، ثم الأمير سودون الشيوخوني النائب، فعانقه، وانقضى سلام الأمراء، فمشى عند ذلك السلطان ونزل عن المسطبة، ومشى نحو العشرين خطوة، فلما رأى ابن أويس ذلك هرول حتى التقيا، فأومأ ابن أويس ليقبل يد السلطان، فلم يمكنه، وعانقه، وبكوا ساعة، ومشى والسلطان يطيب خاطره ويعده بعوده إلى ملكه، ويده في يده حتى صعدا المسطبة وجلسا معا على المقعد من غير كرسي، وتحادثا طويلا، ثم قدم قباء من حرير بنفسجي بفرو قاقم وطرز ذهب وفرس من الخاص بسرج ذهب وكنبوش زركش وسلسلة ذهب، فركبه من حيث يركب السلطان، ثم ركب السلطان بعده، وسارا إلى أن قربا من قلعة الجبل، وقد خرج معظم الناس لمشاهدة ابن أويس المذكور إلى أن وصلا تحت الطبلخاناة، أومأ إليه السلطان بالتوجه إلى المنزل الذي أعد له على بركة الفيل، فتوجه إليه، وجلس لأكل السماط، فمد الأمير جمال الدين محمود الأستادار بين يديه سماطا جليلا، فأكل، وأكل الأمراء بعده، وانصرفوا، ثم أرسل السلطان إليه بمائتي ألف درهم فضة، ومائتي قطعة قماش سكندري، وثلاثة أفراس بقماش ذهب، وعشرين مملوكاً وعشرين جارية، ثم دخل في الليل ثقل ابن أويس وحريمه.(1/47)
وفي يوم الخميس عمل السلطان الخدمة بالإيوان المعروف بدار العدل على العادة، وحضر ابن أويس الخدمة، وأجلسه السلطان رأس ميمنته، ومد السماط، وقام الأمراء من جلوسهم، فهم ابن أويس بالقيام معهم، فمنعه السلطان من ذلك، فاستمر في جلوسه حتى انتهى الموكب، ونهض متوجها إلى منزله والأمراء بين يديه، وقدامه جاووشيته، ونقيب جيشه، وتكرر طلوعه إلى القلعة إلى أن أخذ الملك الظاهر في أسباب السفر إلى البلاد الشمالية.
وتزوج الملك الظاهر بالخاتون تندو بنت حسين بن أويس ابن أخي القان غياث الدين أحمد هذا، ومبلغ الصداق ثلاثة آلاف دينار، وبنى بها ليلة الخميس عاشر الشهر المذكور ليلة سفره، وأصبح من الغد نزل السلطان من قلعة الجبل من باب السلسلة إلى الرميلة، وقد وقف القان ابن أويس وجميع الأمراء والعساكر، وقد لبسوا آلة الحرب ومعهم أطلابهم، فسار السلطان، وعليه قرفل بغير أكمام، وكلفته على رأسه، وتحته فرس بعرقية من الصوف سميك إلى باب القرافة، والعساكر قد ملأت الرميلة، فرتب بنفسه أطلاب الأمراء ومر في صفوفهم غير مرة حتى رتبها أحسن ترتيب، ثم مضى إلى قبر الإمام الشافعي رضي الله عنه فزاره، وتصدق على الفقراء بملغ له جرم، ثم توجه لزيارة السيدة نفيسة، وفعل كما فعل في زيارة الشافعي، وعاد إلى الرميلة، وأشار إلى الطلب السلطاني بالمسير، فتوجه إلى الريدانية في أعظم قوة وأبهج زي وأفخر هيئة، وجرى فيه من جنائب الخيل، ومن السلاح ما يقصر الوصف عن حكايته.
ثم مشى الملك الظاهر وإلى جانبه القان بن أويس المذكور، وهو على فرس بقماش ذهب، وقد دهش عقله مما رأى، وبجانب ابن أويس الأتابكي كمشبغا الحموي، ثم مشى أطلاب الأمراء على منازلهم، ونزل السلطان بخيمة بالريدانية، ونزل بن أويس بوطاق آخر، ثم سافرا من الغد إلى أن وصلا إلى دمشق في العشرين من جمادى الآخرة، فأقام ابن أويس إلى مستهل شعبان، وسافر من دمشق يريد بغداد، وقد قام له الملك الظاهر برقوق بجميع ما يحتاج إليه، وعند وداعه خلع عليه أطلسين، وسيف بسقط ذهب، وأعطى تقليدا بنيابة السلطنة ببغداد، فأهوى بن أويس لتقبيل الأرض، فلم يمكنه الظاهر من ذلك إجلالاً له، واستقل ابن أويس بالمسير إلى أن وصل بغداد في سنة ست وتسعين وسبعمائة، فتسلمها على عادته، ومهد ممالكها، ثم أخذ يسير في رعيته بالظلم والعسف، وقتل جماعة من أمرائه، فوثب عليه من بقي من الأمراء بموافقة الرعية عليه، وكاتبوا نائب تيمورلنك بشيراز ليتسلما، فمضى إليها وتسلمها، ونزح عنها السلطان أحمد بن أويس.
وتوجه إلى قرا يوسف بن قرا محمد التركماني صاحب الموصل، واستنجده، فسار معه إلى بغداد، فخرج أهل بغداد لقتالهما، والتقى الرفيقان، فانهزم سلطان أحمد وعاد إلى جهة دمشق وصحبته قرا يوسف وقعا الفرات، ومعهما جمع كثير من التركمان وغيره، ونزلا بالساجور بالقرب من حلب، فخرج إليهم نائب حلب الأمير دمرداش المحمدي، والأمير دقماق نائب حماه، وبقية العساكر، والتقوا على الساجور، وكان بينهم وقعة عظيمة، وحمل قرا يوسف بمن معه على العساكر الحلبية، فانكسر العسكر الحلبي وتفرق شملهم، بعد أن أسر الأمير دقماق نائب حماه وجماعة من الأمراء وذلك في ثاني عشرين شوال سنة اثنتين وثمانمائة، ثم عاد السلطان أحمد بن أويس وقرا يوسف إلى نحو بلاد الروم، ثم عاد بعد مدة إلى بغداد وملكها أيضا، وحكمها مدة إلى أن قدمها تيمورلنك ثانيا بعد عوده من البلاد الشامية بمدة، فخرج منها ابن أويس هاربا بمفرده، وجاء إلى حلب، فدخلها في يوم الاثنين خامس عشر صفر سنة ست وثمانمائة، وهو لابس لبادا في زي الفقراء.(1/48)
فأقام بحلب مدة إلى أن ورد المرسوم الشريف من الملك الناصر فرج بن برقوق سلطان مصر بالقبض عليه واعتقاله بقلعة حلب، فاعتقل بها، ثم طلب إلى القاهرة فتوجه إليها، فلما وصل إلى دمشق اعتقل بقلعتها إلى حين قدمها الأمير يشبك الشعباني الدوادار هاربا من الملك الناصر فرج، وكان إذ ذاك نائب دمشق الأمير شيخ المحمودي، فكلمه الأمير يشبك المذكور في الإفراج عن السلطان أحمد، فأفرج عنه، ودام بدمشق إلى أن توجه العسكر الشامي إلى جهة الديار المصرية، خرج السلطان أحمد بن أويس إلى نحو بغداد، فدخلها بعد ذهاب التتار منها بعد وفاة تيمورلنك، واستمر بها حاكماً على عادته إلى أن تغلب قرا يوسف على التتار وأخذ منهم تبريز وما والاها والجزيرة وديار بكر وماردين،ووقع الخلف بينه وبين السلطان أحمد بن أويس هذا، فجمع ابن أويس لقتاله، واستنجد بالشيخ إبراهيم صاحب شماخي فانجده بعسكر، وقدم عليهم ابنه، وجمع قرا يوسف أيضا والتقى الفريقان، فكانت الكسرة على السلطان أحمد، وأخذ أسيراً، وقتل في إحدى الجمادين من سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، وقيل في يوم الأحد آخر شهر ربيع الآخر من السنة، والثاني أصح.
وكان سلطانا فاتكا مهاباً له سطوة على الرعية، مقداما شجاعا، سفاكاً للدماء، وعنده جور وظلم على أمرائه وجنده، كانت له مشاركة في عدة علوم، ومعرفة تامة بعلم النجامة، ويد في معرفة الموسيقى وفي تأديته، يجيد ذلك إلى الغاية، منهمكا في اللذات التي تهواها النفوس، مسرفا على نفسه جدا، وكان الأستاذ عبد القادر من جملة ندمائه، وكان بقول الشعر باللغات الثلاثة: الأعجمية والتركية والعربية، وهو في ذلك في الرتبة الوسطى. سمعنا من نظمه بلغتي التركية والعجمية كثيراً، وأما شعره باللغة العربية فمن ذلك قوله في محموم:
حماك ما قربت حماك لعلة ... إلا تروم وتشتهي ما اشتهي
لو لم تكن مشغوفة بك في الهوى ... ما عانقتك وقبلت فاك الشهي
انتهت ترجمة السلطان أحمد، رحمه الله وعفا عنه، بمنه وكرمه.
شهاب الدين بن بيليك 699 - 753ه، 1299 - 1352م
أحمد بن بيليك بن عبد الله، الأمير شهاب الدين بن الأمير بدر الدين المحسني، كان والده بائب الإسكندرية.
مولده في يوم الثلاثاء رابع عشرين المحرم سنة تسع وتسعين وستمائة.
كان أديبا فاضلا، شجاعا، وله نظم ونثر، وكتب، ولما أخرج أخوه الأمير ناصر الدين محمد من القاهرة إلى طرابلس أخرج شهاب الدين المذكور إلى دمشق، ثم أعطى إقطاعا بها، وراج أمره عند بائبها الأمير تنكز وصار يسمر عنده.
ومن نظمه:
لله ساق رشيق القد أهيفه ... كأنما صبغ من در ومن ذهب
يسقى معتقة تحكى شمائله ... أنوارها تزدري بالسبعة الشهب
حبابها ثغره والطعم ريقته ... ولونها لون ذاك الخد في اللهب
أمير مكة 812ه، 1409م
أحمد بن ثقبة بن رميثة، واسم رميثة منجد، بن أبي نمي محمد بن أبي سعد حسن بن علي بن قتادة، الشريف شهاب الدين الحسني المكي، أمير مكة.
وليها شريكا لعنان بن مغامس في ولايته الأولى بتفويض من عنان المذكور إليه ليستظهر به على آل عجلان المنازعين له في ذلك.
وكان الخطيب بمكة يذكره في الخطبة مع ابن مغامس، ومع هذا كله كان ضريراً لأن ابن عمه أحمد بن عجلان اعتقله مع ابنه علي وأخيه حسن بن ثقبة وابن عمهم عنان ومحمد بن عجلان في أول سنة سبع وثمانين وسبعمائة، ولما كحل المذكور أصاب المرود ظاهر إحدى عينيه فلم تذهب، وأصاب المرود جوف الأخرى فأذهبها، فلما كحل ابنه على بعده صاح، فذهل أبوه هذا لصياحه، وفتح عينيه لينظر إليه، ولم يكن ذنب يوجب اعتقال أحمد بن عجلان له لأنه كان مظهر لطاعته غير موافق لأخيه حسن وعنان في مشاققتهم لأحمد بن عجلان، لكن كان ذلك مقدراً عليه.
وكان أحمد بن ثقبة من أجل بني حسن وأسعدهم وأكثرهم خيلا وسلاحا.
توفي في آخر المحرم سنة اثنتي عشرة وثمانمائة بمكة، ودفن بالمعلاه، وقد قارب السبعين، وخلف أربعة ذكور وبعض بنات، رحمه الله.
وثقبة بفتح الثاء المثلثة وبعدها مفتوحة كذلك وباء موحدة من تحت وهاء، والله وأعلم.
شهاب الدين السنبسي المكي 746 - 827ه، 1345 - 1423م
أحمد بن جار الله بن زائد، الشيخ شهاب الدين السنبسي المكي.(1/49)
ولد سنة ست وأربعين وسبعمائة تقريبا، وتفقه قليلا في مبادئ أمره، وحضر درس قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن ظهيرة، فصار له بذلك مشاركة لطيفة وبعض مسائل في الفرائض والحساب، ثم عانى التجارة فأثري وكثر ماله إلى أن توفي يوم الأحد السادس والعشرين من شهر ربيع الأول سنة سبع وعشرين وثمانمائة بمكة، ودفن في صبيحته بالمعلاه، رحمه الله تعالى.
شهاب الدين بن الأرتاحي الحنبلي 544 - 659ه، 1159 - 1260م
أحمد بن حامد بن أحمد بن حمدين بن مفرج، الشيخ المقرئ المحدث، أبو العباس الأنصاري الأرتاحي، ثم المصري الحنبلي.
ولد سنة أربع وخمسين وخمسمائة، ولازم الحافظ عبد الغني وكتب من تصانيفه، وتصدر، وأقرأ القرآن.
حدث عنه الحافظ شرف الدين الدمياطي والدواداري، وابن الحلوانية.
توفي سنة تسع وخمسين وستمائة.
رحمه الله تعالى.
شهاب الدين بن حجي 715 - 816هذا - ، 1315 - 1413الإمام
أحمد بن حجي بن أحمد بن سعد ين غشم بن غزوان بن علي بن مشرف بن تركي، من ولد عطية السعدي من بني سعد بن بكر، الشيخ الإمام العالم شهاب الدين بن علاء الدين الحسباني الأصل الدمشقي المولد والمنشأ والوفاة. مولده في أوائل المحرم سنة إحدى وخمسين وسبعمائة كان معدوداً من فضلاء الشافعية، بارعا في الفقه، والعربية، والحديث، وله مشاركة في غير ذلك، وولي خطابة الجامع الأموي بدمشق، ودرس وأفتى، وتصدر للافراء، وقدم إلى القاهرة في الرسلية إلى الملك الناصر فرج بن برقوق من قبل نائب دمشق الأمير شيخ المحمودي، ثم عاد إلى دمشق ودام بها إلى أن توفي سنة ست عشرة وثمانمائة، رحمه الله تعالى.
وهو أخو القاضي نجم الدين عمر بن حجي، رحمه الله تعالى.
أمير آل مري 682ه، 1283م
أحمد بن حجي بن الأعرابي، أمير آل مري.
كان أحد الأبطال الأجواد، وكانت غارته تصل إلى بحد والحجاز ويؤدون له الخفر، حتى صاحب المدينة الشريفة يؤديه القطيعة ويداريه.
وكانت له منزلة رفيعة عند الملك بيبرس والملك المنصور قلاوون، وكان يزعم أنه من نسل جعفر البرمكي، وأنه من أحد أولاد أخت هارون الرشيد، يعني على قول من قال أن سهب قتل جعفر بن يحيى البرمكي أمر زواجه أخت الرشيد، وأنه استولدها عدة أولاد كما هو المشهور، والصحيح غير ذلك.
وكان أحمد بن حجي هذا إذا حضر عند القاضي شمس الدين أحمد بن خلكان يقول له: أنت ابن عمي، وكانت بينهما مهاداة وصحبة، وكان بين أحمد المذكور وبين عيسى بن مهنا مباينة كبيرة، ووقع بينهما وقائع إلى أن توفي صاحب الترجمة في سنة اثنتين وثمانين وستمائة، وكان غير مشكور السيرة.
انتهى.
شهاب الدين الرهاوي الحنفي 766ه، 1364م
أحمد بن الحسين بن أبي بكر بن حسين، القاضي شهاب الدين أبو العباس الرهاوي الحنفي.
كان فقيها محدثا، وله مشاركة، حدث عن حسن الكردي، وأبي النون الدبوسي، وأبي الحسيني الواني، ويوسف الختني، ومحمد بن عبد الله الحميد الهمداني، وغيرهم، وناب في الحكم بالقاهرة إلى أن توفي سنة ست وسبعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
قاضي القضاة جلال الدين الحنفي 651 - 745ه، 1253 - 1344م
أحمد بن الحسن بن أحمد بن الحسين بن أتو شروان، العلامة قاضي القضاة جلال الدين الحنفي الأنكوري.
مولده بمدينة أنكورية من بلاد الروم في سنة إحدى وخمسين وستمائة، ونشأ بها، وحفظ القرآن العزيز، وطلب العلم، وتفقه بوالده، وقرأ النحو والتفسير على يزيد بن أيوب الحنفي، وقرأ النحو أيضا على الشيخ صدر الدين تلميذ أبي البقاء العكبري، وعلى قاضي سيواس تلميذ ابن الحاجب في النحو أيضا والتصريف، وقرأ الجامع الكبير والزيادات للعتابي على الشيخ شمس الدين المارديني، وقرأ الخلاف على العلامة برهان الدين الحنفي بدمشق،والفرائض على أبي العلاء البخاري، وبرع وأفتى ودرس، وتصدر للإقراء في حياة والده، وأشغل عدة سنين، وولي قضاء خرت برت وعمره سبع عشرة سنة، وحمدت سيرته، ثم ولي قضاة الحنفية بدمشق عند توجه والده إلى الديار المصرية في ثاني صفر سنة ست وتسعين وستمائة، وشكرت سيرته أيضاً.
كان ذكيا، عارفا بالذهب وأصوله، محققا، إماما في العلوم العقلية، وله يد في الأدب.
توفي يوم الجمعة تاسع عشر شهر رجب سنة خمس وأربعين وسبعمائة، يأتي ذكر والده إن شاء الله تعالى في محله.
الموصلي صاحب الموشحات(1/50)
أحمد بن الحسن بن علي الأديب الشاعر شهاب الدين الموصلي، صاحب الموشحات البديعة، والنظم الرائق.
كان فاضلا بارعا ناظما ناثرا.
ومن موشحاته يمدح المنصور صاحب حماه:
باسم عن لآل ... ناسم عن عطر
نافر كالغزال ... سافر كالبدر
أي بدر ربيب ... لي فيه أرب
ذو رضاب ضريب ... للطلا والضرب
يا له من حبيب ... ضاحك عن حبب
باخل بالوصال ... سامح بالهجر
لي أبقى الخبال ... حين أفنى صبري
أغيد أن رنا ... سل بيض الصفاح
وإذا ما انثنى ... هز سمر الرماح
لقتالي دنا ... ذا أمير السلاح
ضارب بالنصال ... طاعن بالسمر
راشق بالنبال ... نافث بالسحر
فالنضيد النظيم ... الشتيت الشنيب
والأسيل الوسيم ... الخضيب الخصيب
والقوام القويم ... القضيب الرطيب
غصن ذو اعتدال ... مورق بالشعر
مزهر بالجمال ... مثمر بالبدر
من لدحيه شقيق ... خده كالشقيق
أو كنار الحريق ... والحيا والرحيق
والعذار الأنيق ... لازورد سحيق
فوق خديه سال ... فهو في زنجفر
شبه ثمل يخال ... واقفاً لا يسري
لو رآه إبليس ... بالسجود أشتهر
أو رأته بلقيس ... لحديد البصر
فرعه كالليال ... فرقه كالفجر
حرت بين الضلال ... والهدى في أمري
وقد نسبت هذه الموشحة إلى القاضي السعيد أبي القاسم هبة الله ابن القاضي الرشيد أبي الفضل جعفر بن المعتمد بن سناء الملك، والأصح أنها لصاحب الترجمة، وقد أثبتها أيضا له الشيخ صلاح الدين الصفدي في ترجمته وقال: وقد نظم في عصري في وقت - جماعة وعارضوه، فمنهم من خالف قوافيه - أقفاله - ، - وكلفت شيئاً من ذلك - وقلت أنا موافقا له في سائر أقفاله - وقوافي حشواته - وهو:
جامح في الدلال ... جانح للهجر
خاطر في الجمال ... عاطر في النشر
غصن بان رطيب ... قد زها بالطرب
ينثني في كثيب ... بالصبا عن كثب
ما لقلبي نصيب ... منه غير النصب
قمر في كمال ... فوق غصن نضر
طالعا لا يزال ... في دياجي الشعر
كم جلا بالسنا ... فرقه لي الصباح
وحلا في الجنا ... مبسم كالآفاح
إن رنا وانثنى ... أو تبدى ولاح
يا خباء الغزال ... وافتفاح السمر
واختفاء الهلال ... وكسوف البدر
للعذار الرقيم ... خاله كالرقيب
حول روض وسيم ... وسط نار تذيب
في النعيم المقيم ... يتشكى اللهيب
ذاق برد الظلال ... في لهيب الجمر
واهتدى في الضلال ... ببروق الثغر
شق خد الشقيق ... منه خد أنيق
والقوام الرشيق ... فيه معنى دقيق
كم سقاني الرحيق ... من فم كالعقيق
بعد ذاك الزلال ... ما حلالي صبري
والقوام الممال ... قام فيه عذري
غصن بان يميس ... في رياض الزهر
ريقه الخندريس ... في دلال ظهر
فيه در نقيس ... في عقيق بهر
جفنه حين صال ... في حنايا صدري
لو كفاني النبال ... لاكتفى بالسحر
انتهى كلام الصفدي.
ومن موشحات الموصلي وقد عارض بها موشحة القاضي الفاضل عبد الرحيم:
بي من حوى الحسن كله ... وفاق غيد الأكلّة
بدر تمام مصور ... ما فيه نقص الأهلّة
فشعره لليالي ... وفرقه للصباح(1/51)
وجفنه للنصال ... وقده للرماح
وريقه للزلال ... وثغره للأقاح
فلو رأى قيس دله ... أنساه حسن المدلة
ولو تمعناه عنتر ... سلا محبة عبلة
لي جنة وحرير ... بخده واحمراره
ونضرة وسرور ... بصدغه واخضراره
أعنبر أم عبير ... يجري بخط عذارة
يحار فيه ابن مقلة ... حماه جفن ومقلة
فذا يجرد خنجر ... وذا يفوق نبله
من حمرة وبياض ... الاجتماع تولّد
في وجنة كالرياض ... جنانها الخال أسود
وبالصحاح المراض ... صان النقي من الخد
وكنت أضمرت قلبه ... لذا الجميل الجبلة
بنظرة لي تظهر ... وتلتفي الصدغ غفلة
نخده للهيب ... ونشره للغوالي
وردفه للكثيب ... وجيده للغزال
وعطفه للقضيب ... ووجهه للهلال
قد أطلع الصدغ نمله ... فقلت للقلب نم له
لعل بالصبر تظفر ... بوصله يا موله
جفا الرقاد جفوني ... وبالسهاد ولوعي
والعاديات شجوني ... والنازعات ضلوعي
والذاريات شئوني ... المرسلات دموعي
دمعي من الحب قلّة ... والشوق ما فيه قِلّة
ونار وجدي تسعر ... وأدمعي مستهلة
وقد رأيت موشحة تشبه هذه وزنا وقافية، ولا أدري لمن هي، وهي:
لي مهجة مضمحلة ... وأدمع مستهلة
هذا الغزال المزنّر ... عقدت صبري فحلّه
أما ولام عذار ... من العبير يخط
ومبسم كالنضار ... فيه من الدر سمط
ما إن خلعت عذاري ... في غير حبك قط
ولا رضيت بذلة ... حتى تعشقت دله
وكم تعزر قسور ... أتى رشا فأذله
شكوت ما بي إليه ... فلم يرق لذلي
فقلت لامت حتى ... تصبر في الحب مثلي
وقلت في السر منه ... يا رب لا تستحب لي
يا من جعلني مثله ... ما في البرية مثله
لي أدمع تتحدر ... كالغيث إن دام هطله
قالوا السلو جميل ... فقلت لست بسال
ذروا غرامي يطول ... إلى الرضاب الزلال
وكيف تبقى عقول ... وربنا ذو الجلال
قد صير السحر كله ... في مقلتي خشف
وكل مقلة جوذر ... من حسنه مستمله
وله يعارض كللي:
جللي يا راح كأسى ... ولها كللي
بالحلي وسورها ... ولها خلخلي
من غرر: ... حبابك المنظوم مثل الدرر
يا لخمر: ... كأنه الياقوت فوق الجمر
والزهر: ... في الروض أمثال النجوم الزهر
فانقلي ... من دنك المختوم بالمندل
وارسلي ... طيب الندا مع النسيم الشمأل
قد قدح ... زناد أنوار الطلا في القدح
والترح ... أدبر إذا أقبل منها الفرح
وانشرح ... صدري بها والغم عني سرح
فاجتلى ... لابنه الكرم من جدول
سلسلي ... فقد شدا القمري مع البلبل
ذي الشموس: ... بأيدي الأقمار تحكي الشموس
في الكؤوس: ... بصرفها يصرف هم وبوس(1/52)
للنفوس: ... روح وريحان وهدى العروس
تنجلي عليّ في طرفيها الصندلي
أنملي أخضبها من كأسها إن ملي
وهي أطول من هذا، اختصرت بقيتها، وله موشحات غير ذلك كثيرة، وله نظم ونثر. رحمه الله تعالى.
موفق الدين الكواشي 680ه، 1281م
أحمد بن الحسن بن يوسف الكواشي، العلامة الزاهد موفق الدين.
صاحب التفسيرين، وله تصانيف مفيدة، ولما حج من دمشق اشترى ثلاثة أمداد قمح من قرية الجابية، لكونها فتح عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وحملها على عاتقه إلى بلده ووزعها، وكان يعمل بالفاعل إلى حين أوان حصادها فحصدها، وشال منها قوته، وترك الباقي للزرع، فجعل كل سنة يفعل ذلك حتى فتح الله عليه ونما الزرع، فصار يجنيه في كل سنة ما يكفيه ويكفي الفقراء الذين عنده، وكان لا يقبل من أحد هدية.
توفى سنة ثمانين وستمائة.
الناصر لدين الله أمير المؤمنين 522 - 622ه، 1157 - 1225م
أحمد بن الحسن بن يوسف بن محمد، وقيل أحمد، بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن جعفر بن أحمد بن طلحة، وقيل محمد، بن جعفر بن محمد ابن هارون الرشيد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، الخليفة أمير المؤمنين الناصر لدين الله، أبو العباس بن المستضيئ بن المستنجد بن المستظهر الهاشمي العباسي.
بويع بالخلافة بعد وفاة والده في ذي القعدة سنة خمس وسبعين وخمسمائة، واستمر في الخلافة إلى أن توفي سنة اثنتين وعشرين وستمائة.
وله سبعون سنة.
ليس لذكره محل في تاريخنا هذا لأن وفاته قبل الخمسين وستمائة، وما ذكرناه هنا إلا لغريبة، وهو أنه أقام في الخلافة مدة طويلة نحوا من سبع وأربعين سنة، ولم نعلم أحدا من خلفاء بني العباس أقام هذه المدة الطويلة غيره، غير أن المستنصر العبيدي أقام في الخلافة نحوا من ستين سنة، وأيضا أبو الحكم عبد الرحمن الأندلسي، صاحب الأندلس بقي نحوا من خمسين سنة.انتهى.
شهاب الدين بن عجلان المكي 842ه، 1438م
أحمد بن حسن بن عجلان بن رميثة، واسم رميثة منجد، بن أبي نمى محمد بن أبي سعد حسن بن علي بن قتادة بن إدريس بن مطاعن، الشريف الحسني المكي.
نشأ بمكة ثم توجه إلى زبيد من بلاد اليمن مفارقا لأخيه بركات بن حسن بن عجلان أمير مكة، فمات بزبيد في سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة.
ابن الزين الحنفي 733ه، 1332م
أحمد بن الحسن، الشيخ الإمام العالم البارع شهاب الدين الزركشي الحنفي عرف بابن الزين.
كان معدودا من فقهاء الحنفية، درس بالشابية أعاد، وله تواليف من ذلك.
كتب شرحا على الهداية، وانتخب شرح الصاغاني، وغير ذلك، وكان له مشاركة جيدة في علوم كثيرة، وتصدر للإقراء والتدريس والإفتاء عدة سنين إلى أن توفي في ثامن عشرين شهر رجب سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة، وقيل في سنة سبع وثلاثين والأول أرجح رحمه الله تعالى.
شهاب الدين بن قلاوون 788ه، 1386م
أحمد بن حسن بن محمد بن قلاوون.
كان أسن أولاد الملك الناصر حسن، وكان مقيما بقلعة الجبل كالمحبوس بها على عادة أولاد السلاطين.
والعادة كانت إقامة أولاد سلاطين مصر وذريتهم بالقلعة لا يتجاوز أحدهم باب القلعة، ودام ذلك إلى أن أطلقهم الملك الأشرف برسباي، ورسم لهم بالنزول إلى القاهرة في سنة خمس وعشرين وثمانمائة تقريبا، فنزلوا بأجمعهم، وصاروا يتعجبون من القاهرة وما بها من العمائر والأسواق، وتهتك بعضهم في المنتزهات، وافتقر كثير منهم، وفسد حالهم، وباع بعضهم أرزاقه وصار يدور الأسواق راجلا، وأخذ بعضهم يتعانى الغناء والطرب، وبعضهم اشترى جواري يحسنّ أنواع الطرب من آلات المساميع وصار يتردد إلى الناس بهن، وكان عندي إقامتهم بالقلعة على عادتهم الأولى أولى.
وكان أمر الأشرف في نزولهم من القلعة كقول القائل:
رام نفعا فضر من غير قصد ... ومن البر ما يكون عقوقا
توفي الشهابي أحمد المذكور في ليلة الخميس رابع عشر جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، ودفن بمدرسة أبيه السلطان حسن.
رحمه الله تعالى.
مجير الدين الخياط الدمشقي الشاعر 735ه، 1334م
أحمد بن حسن بن محمد، الأديب مجير الدين الخياط الدمشقي الشاعر.(1/53)
كان شاعراً ماهراً، مدح الأكابر والأعيان، وكان حلو المحاضرة، ظريفا، وله ديوان شعر.
قال الشيخ صلاح الدين بن أيبك: وكان كثير الدعوى جداً، وشعره غث، ولكن يندر له الجيد، انتهى كلام ابن أيبك باختصار.
قلت: توفي سنة خمس وثلاثين وسبعمائة.
قلت: ولم يقع لي من شعره إلا اليسير، من ذلك:
لا ترفعنّ دنيا ... فرفعه لك خفض
ودسه حيث تراه ... بتركه فهو أرض
شهاب الدين الأذرعي الإمام 781 - 851ه، 1379 - 1447م
أحمد بن حسن بن علي بن محمد بن عبد الرحمن، الشيخ الإمام شهاب الدين الأذرعي الأصل، الدمشقي المولد والمنشأ، المصري الدار والوفاة.
أحد أئمة الملك المؤيد شيخ المحمودي ومن بعده من السلاطين إلى أن توفي.
أصله من أهل دمشق، واتصل بخدمة الأمير شيخ المحمودي في أيام نيابته بدمشق، وصار يؤم به، إلى أن كانت الوقعة بينه وبين الملك الناصر فرج بن برقوق في يوم الاثنين ثاني عشر المحرم من سنة خمس عشرة وثمانمائة، فما غربت الشمس من اليوم المذكور حتى انتصر الأمير شيخ المحمودي، وانهزم الملك الناصر فرج إلى نحو دمشق، فلما حضرت صلاة المغرب تقدم الإمام شهاب الدين هذا وصلى بالأمير شيخ ومن معه من الأمراء صلاة المغرب، فقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة " واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون " فاستحسن منه ذلك، وتفاءل الأمير شيخ بتمام النصرة، ودام الإمام شهاب الدين بخدمة الأمير شيخ إلى أن قدم إلى الديار المصرية وتسلطن في السنة المذكورة، واستقر بالإمام شهاب الدين من جملة الأئمة، وقربه وجعله من خواصه وندمائه، ولم يزل في الإمامة بعد موت الملك المؤيد شيخ إلى أن توفي في العشر الأول من جمادى الأولى سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، وله نحو سبعين سنة.
وكان له ميل زائد إلى النساء، ورزق عدة أولاد، وجالسته مرارا عديدة بالقلعة وغيرها، فوجدت له نوع مشاركة، وكان يجيد قراءة المحراب إلى الغاية، وكان لصوته نداوة وشجاوة، وكان يشارك في تأدي الموسيقى، وبالجملة كان له محاسن وهو بالنسبة إلى أخيه جمال الدين المتوفى قبل تاريخه كالشيخ محي الدين النووي إلى بعض العوام، رحمه الله تعالى.
ابن قاضي الجبل 693 - 771ه، 1293 - 1369م
أحمد بن حسن بن عبد الله بن عمر بن محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة أبو العباس وأبو محمد قاضي القضاة شرف الدين أبي الفضل بن الخطيب شرف الدين أبي الفضل بن شيخ الإسلام أبي عمر المقدسي الصالحي الدمشقي الحنبلي المعروف بابن قاضي الجبل.
ولد في تاسع شعبان سنة ثلاث وتسعين وستمائة، سمع من محمد بن علي الواسطي، ومن أحمد بن عبد المؤمن الصوري خاتمة أصحاب الموفق بن قدامة، وإسماعيل بن الفراء، وتفي الدين سليمان، وجماعة أخر، وأجاز له أبو الفضل بن عساكر، وغيره.
وخرج له ابن سعد جزءاً، وطلب الحديث، ودأب وحصل، وبرع في عدة فنون وصحب ابن تيمية وسمع منه، وتفقه به وبغيره، وأفتى ودرس، وصنف كتاب الفائق في الفقه وغيره، ومهر وفاق أقرانه، وولي قضاء الحنابلة بدمشق عوضاً عن جلال الدين يوسف بن محمد بن عبد الله المرداوي في يوم الثلاثاء ثامن شهر رمضان سنة سبع وستين، وحمدت سيرته، ودام في المنصب إلى أن توفي ثالث عشر رجب سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، وولي بعده علاء الدين علي بن محمد بن علي المقدسي.
وكان إماماً عالماً بارعاً مفنناً، تقياً ديناً، علامة، فقيهاً محدثاً.
ذكره الحافظ أبو عبد الله الذهبي في معجمه المختص بالمحدثين، وأثنى عليه، وكان له نظم ونثر.
ومن شعر قوله:
نبيّ أحمد وكذا إمامي ... وشيخي أحمد كالبحر طامي
واسمي أحمد أرجو بهذا ... شفاعة سيد الرسل الكرام
قاضي القضاة شرف الدين الكفري الحنفي 691 - 776ه، 1291 - 1374م
أحمد بن حسين بن سليمان بن فزارة، قاضي القضاة شرف الدين أبو العباس الكفري الحنفي الدمشقي، قاضي قضاة الحنفية بدمشق.(1/54)
كان إماماً فقيهاً عالماً، بارعاً، عارفاً بالأحكام، ناب في الحكم بدمشق سنين، ثم استقل بوظيفة القضاء، وحمدت سيرته، وشكرت أفعاله، وباشر القضاء بعفة ودين، وكان خليقاً للقضاء، ثم ترك المنصب لولده متنزهاً عن ذلك، وأخذ في الاشتغال والأشغال والعبادة إلى أن توفي بدمشق في سنة ست وسبعين وسبعمائة، بعد ما كف بصره، وله خمس وثمانون سنة، رحمه الله تعالى.
الشيخ شهاب الدين بن أرسلان 773 - 844ه، 1371 - 1440م
أحمد بن حسين بن أرسلان، الشيخ الإمام العالم الصالح شهاب الدين المقدسي الشافعي.
كان إماماً بارعاً صالحاً، عالماً بالفقه والحديث والتفسير وغير ذلك، مع التدين والعبادة والصلاح.
توفي بالقدس في يوم الاثنين لثمان بقين من شهر رمضان سنة أربع وأربعين وثمانمائة، عن إحدى وسبعين سنة، ولم يخلف بعده بتلك الديار مثله، رحمه الله تعالى وعفا عنه.
القاضي محي الدين المدني كاتب سر دمشق 751 - 818ه، 1350 - 1415م
أحمد بن الحسين بن إبراهيم، القاضي محي الدين، المدني الأصل، الدمشقي المولد والمنشأ والوفاة، كاتب سر دمشق.
كان والده من المدينة النبوية، ثم رحل إلى دمشق واستوطنها، وولد له أحمد هذا، فنشأ أحمد المذكور بدمشق، وطلب العلم، وعانى كتابة الإنشاء، وصحب القاضي بدر الدين محمد بن مزهر، ولما مات ابن مزهر جعله وصية، ثم قدم القاهرة، وصحب القاضي فتح الدين فتح الله كاتب سر الديار المصرية، فاستكتبه في الإنشاء وعول عليه في المهمات السلطانية، ثم بعد موت القاضي فتح الله عاد إلى دمشق وولي كتابة سرها، إلى أن توفي ثالث شعبان سنة ثمان عشرة وثمانمائة.
وكان ديناً فاضلاً عفيفاً، كثير التلاوة، متنسكاً ورعاً، مشكور السيرة، رحمه الله تعالى.
نجم الدين الحراني الحنبلي 603 - 695ه، 1206 - 1295م
أحمد بن حمدان بن شبيب بن حمدان بن شبيب بن حمدان بن محمود، الشيخ الإمام العلامة بقية المشايخ مسند الوقت نجم الدين أبو عبد الله الحراني شيخ الحنابلة في وقته، ومصنف في الرعاية في الفقه.
ولد سنة ثلاث وستمائة بحران.
قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي: سمع من الحافظ عبد القادر خمسة عشر جزءاً، ومن فخر الدين بن تيمية، ومن ابن روزبة، وأبي علي الأوقي، وابن صباح وابن غسان، وجماعة، وتفقه في المذهب ودرس وأفتى، وله الرعاية الكبيرة والصغيرة، وحشاهما بالرواية الغربية التي لا تكاد توجد في الكتب لكثرة إطلاعه وتبحره في المذهب.
وكان له يد طولى في الأصول والخلاف والجبر والمقابلة، وله قصيدة طويلة في السنة، وأجاز لي مروياته، وكان أبوه من فقهاء حران، انتهى كلام الذهبي.
قلت: وكانت وفاته سنة خمس وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
العلامة شهاب الدين الأذرعي 709 - 783ه، 1309 - 1381م
أحمد بن حمدان بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد الغني بن محمد بن أحمد بن سالم بن داود بن يوسف بن جار، الشيخ الإمام العالم شهاب الدين أبو العباس الأذرعي الشافعي.
مولده في إحدى الجمادين من سنة تسع وسبعمائة، وسمع من علي القاسم بن عساكر، والحجاز،وغرهما، وقرأ بنفسه على المزي والذهبي، وكان يعجبان بقراءته، وسمع علي صدر الدين علي بن عبد المؤمن بن عبد العزيز الحارثي، وأجاز له جماعة من أهل دمشق ومن مصر، وخرج الشيخ شهاب الدين أحمد بن حجي جزءاً حدث به، وأخذ الفقه عن شيوخ دمشق، وغيرهم.
قال القاضي علاء الدين بن خطيب الناصرية: تفقه بدمشق على العلامة تقي الدين أبي الحسن السبكي، وبالقدس على الإمام تقي الدين أبي الفداء إسماعيل بن علي بن الحسين القلقشندي، وغيرهما، ورجع إلى دمشق ولازم الفخر المصري، وهو الذي أذن له، وشهد له بالأهلية عند السبكي، وبرع في المذهب، ثم قدم حلب نائباً في القضاء عن قاضي القضاة نور الدين أبي عبد الله محمد الصائغ الشافعي بعد سنة أربعين وسبعمائة، فسكن بالمدرسة العصرونية، ثم ترك نيابة الحكم واستمر يشغل ويفيد ويفتي ويصنف ويدرس، وانتفع الناس به وبفتاويه، ورُحل إليه من البلاد، وصنف كتباً منها: التوسط والفتح بي الروضة والشرح، وهو كتاب كبير كثير القول والفوائد، وشرح المنهاج للنووي شرحين مفيدين: سمى أحدهما القوت والآخر الغنية، واختصر الحاوي للماوردي، وكتب على المهمات ولم يكمله.(1/55)
وكان رحمه الله فقيه النفس، محكماً للفقه، مليح المحاضرة، كثير الإنشاد للشعر، وله نظم، قوالاَ بالحق، ينكر المنكر، ويخاطب نواب حلب بخطاب فيه غلط، كثير الفوائد، ولديه فضائل وكياسة وحشمة وإنسانية ومروءة، ومحبة لأهل العلم، خصوصاً للغرباء، محسناً إليهم، معتقداً لأهل الخير، ديناً صالحاً.
وكان كثير الانقطاع، ملازماً لبيته يصنف، ولا يخرج إلا للضرورة، ودرس بالمدارس الظاهرية والأسدية والبلدية، ودار الحديث البهائية، بحلب استقلالاً.
وكان الشيخ زين الدين أبو حفص عمر الباريني الشافعي نزيل حلب، مع جلالة قدره يجتمع عنده فتاوى يستشكلها فيأتيه فيسأله عنها، انتهى كلام ابن خطيب الناصرية.
قلت: ومن نظم العلامة شهاب الدين المذكور قوله:
كيف لا يستجيب ربي دعائي ... وهو سبحانه دعاني إليه
مع رجائي لفضله وابتهالي ... واتكالي في كل خطب عليه
وله غير ذلك. توفي يوم الأحد خامس عشرين شهر جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، بحلب، رحمه الله تعالى.
الشيخ مجد الدين الشيبي 642 - 712ه، 1244 - 1312م
أحمد بن ديلم بن محمد بن إسماعيل بن عبد الرحمن بن ديلم بن محمد، الشيخ مجد الدين أبو العباس الشيبي المكي، شيخ الحجبة، وفاتح الكعبة. قيل أنه ولي فتح الكعبة أربعين سنة.
ولد سنة اثنتين وأربعين وستمائة، سمع من ابن الفضل المرسي الأربعين للفراوي، وعلى ابن مسدي السيرة لأبي إسحاق، والزهد والرقائق لابن المبارك، والنجم والكوكب للإقليشي عن محمد بن عبد الحق بن سليمان الدلاص إجازة إن لم يكن سماعاً عنه، والأربعين المختارة من تأليفه، وشيئاً في فضائل رمضان، وما يترجى لصوامه من رحمة الرحمن، كلاهما من تأليفه، وعلى يعقوب بن أبي بكر الطبري الجزء الثاني من جامع الترمذي، وحدث، وسمع منه جماعة، وكان لديه فضائل، وعنده دين وخير.
توفى في عاشر ذي القعدة سنة اثنتي عشرة وسبعمائة بمكة، رحمه الله تعالى.
شهاب الدين المجدي 767 - 850ه، 1365 - 1446م
أحمد بن رجب بن طيبغا، الشيخ الإمام العالم العلامة شهاب الدين الشهير بابن المجدي الشافعي.
مولده بالقاهرة في سنة سبع وستين وسبعمائة، ونشأ بها، وتفقه على مذهب الشافعي، رضي الله عنه، ولازم علماء عصره، واجتهد في طلب العلم إلى أن برع في الفقه، والفرائض، والحساب، والعربية، وتصدر للإقراء والتدريس مدة طويلة، وانتفع به الطلبة، وتفقه به جماعة من أعيان الطلبة، وكان له مشاركة في علوم كثيرة لا سيما في الفرائض، والحساب، والهندسة، والميقات، فإنه فاق في هذه العلوم أهل عصره، وانفرد بها، وما برح مستمراً على الاشتغال والأشغال والتصنيف، ومصنفاته كثيرة مشهورة.
توفى ليلة السبت حادي عشر ذي القعدة سنة خمسين وثمانمائة، رحمه الله تعالى.
رمضان التركماني 819ه، 1416م
أحمد بن رمضان، الأمير شهاب الدين التركماني الآجقي، أمير التركمان، ومقدمهم بإياس، وأذنة، وسيس.
كان عنده إقدام وشجاعة، مع طيش ومحبة للفتن، وكان تارة يطيع السلطنة وتارة يشاقق، ويكثر من الفساد، وتجردت العساكر الحلبية إليه مرارا عديدة، الأولى سنة ثمانين وسبعمائة، وكان أمير التركمان إذ ذاك أخوه إبراهيم والنائب بحلب تمرباي التمرداشي، وانكسر العسكر الحلبي منه في هذه المرة، والثانية في سنة خمس وثمانين والنائب بحلب الأمير يلبغا الناصري، وأمير التركمان أخوه إبراهيم أيضاً، فجرى بينهم في هذه الوقعة أمور يطول شرحها، ثم انهزم ابن رمضان المذكور إلى جهته، ودام على العصيان مدة سنين، إلى أن دخل تحت طاعة الملك الناصر فرج بن برقوق، وقدم ديار مصر في سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، وتزوج السلطان الملك الناصر بابنته، وأسكنها تحت كنف كريمتي، لأنها كانت إذ ذاك هي خوند الكبرى، وصاحبة القاعة، ثم أفرد لها الناصر بيتاً من الدور السلطاني، وأقام ابن رمضان بالقاهرة مدة يسيرة، وخلع عليه بالإمرة وتوجه إلى بلاده، وأقام بها إلى أن توفي سنة تسع عشرة وثمانمائة.(1/56)
وكان أميراً شجاعاً، مقداماً، مهاباً، ذا همة عالية وكرم مفرط، وتدبير وسياسة، وعمر دهراً، إلا أنه كان كثير الخروج عن الطاعة، وكان بينه وبين والدي صحبة أكيدة ومحبة، ولما أن خرج والدي من نيابة دمشق فاراً، عندما أرد الملك الناصر القبض عليه في سنة أربع وثمانمائة إلى حلب، وانضم إليه نائبها الأمير تمرداش المحمدي، ووقع لهما مع العساكر المصرية ما حكيناه في غير هذا الموضع، وآل أمره إلى أن انهزم بعد حروب طويلة، وولي مكانه بدمشق الأمير أقبغا الجمالي، وتولى دقماق المحمدي نيابة حلب عوضاً عن تمرداش، قصد ابن رمضان هذا، فلما قارب بلاده خرج إلى تلقيه، وأنزله عنده وأكرمه غاية الإكرام، وأجرى عليه الرواتب الهائلة، وقدم له التقادم السنية، ودام عنده نحو السنة، إلى أن أرسل الملك الناصر إليه بالأمان وقدم إلى الديار المصرية، وأنعم عليه بتقدمتى ألف، وإمرة طبلخاناة، زيادة على التقدمتين، ودامت الصحبة بينهما إلى أن توفي والدي بدمشق في نيابته الثالثة في سنة خمس عشرة وثمانمائة، رحمه الله.
شهاب الدين المصري الدمشقي النحوي 664ه، 1265م
أحمد بن سالم، الشيخ الإمام العالم شهاب الدين المصري الأصل، الدمشقي الدار والوفاة، الحنفي النحوي.
كان إماماً زاهداً، فقيهاً، مجرداً، ماهراُ في العربية، سكن دمشق وتصدر بها للأشغال، ودرس بالناصرية، ومقصورة الحنفية، وكان بصيراُ بالفقه وأصوله، وعنده ذكاء، وخلق حسن، ويميل إلى دين وخير، وله أوراد هائلة.
توفى في شوال سنة أربع وستين وستمائة. رحمه الله تعالى.
الصاحب تاج الدين بن الأثير 691ه، 1291م
أحمد بن سعيد بن محمد، الصاحب تاج الدين بن شرف الدين بن شمس الدين بن الأثير الحلبي،الموقع.
وأولاد ابن الأثير هؤلاء غير بني الأثير الموصليين.
وكان تاج الدين المذكور بارعاً فاضلاً، معظماً في الدول، باشر الإنشاء بدمشق ثم بمصر للملك الظاهر بيبرس، ثم للملك المنصور قلاوون، وكان له نظم ونثر، وعلى كلامه رونق وطلاوة.
ومن عجيب ما اتفق أن الأمير عز الدين أيدمر السناني النجيبي الدوادار أنشد تاج الدين المذكور عند قدومه إلى القاهرة في الأيام الظاهرية أول اجتماعه به، ولم يكن يعلم اسمه ولا اسم أبيه، قول الشاعر:
كانت مساءلة الركبان تخبرني ... عن أحمد بن سعيد أطيب الخبر
حتى التقينا فلا والله ما سمعت ... أذني بأحسن مما قد رأى بصري
فقال له تاج الدين: يا مولانا أتعرف أحمد بن سعيد؟ فقال لا، فقال المملوك أحمد بن سعيد.
ودام تاج الدين إلى أن ولي كتابة السر بعد فتح الدين بن عبد الظاهر شهراً ومات بغزة ذاهباً إلى القاهرة في شوال سنة إحدى وتسعين وستمائة، وولي بعده ابنه عماد الدين إسماعيل كتابة السر إلى أن عزل بالقاضي شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله العمري، انتهى.
أبو العباس بن أبي الخير الحنبلي 589 - 678ه، 1193 - 1279م
أحمد بن سلامة بن إبراهيم بن سلامة بن معروف بن خلف، المسند المعمر، أبو العباس بن أبي الخير الدمشقي الحنبلي، المقرئ، الخياط، الدلال.
مولده في شهر ربيع الأول سنة تسع وثمانين وخمسمائة، سمع من شمس الدين أحمد بن عبد الواحد البخاري والد الفخر، والكندي، وأجاز له من أصبهان خليل بن أبي الرجاء الرزاني، ومحمد بن إسماعيل الطرسوسي، ومسعود بن أبي منصور الجمال، وعبد الرحمن الكاغدي، وتفرد في الدنيا عنهم، وأجاز له طائفة من أصحاب: فاطمة الجوزدانية وأبي عبد الله الخلال، وأجاز له من مصر البوصيري، وفاطمة بنت سعد الخير، وابن نجا، وعلي بن حمزة، والحافظ عبد الغني، وأبو عبد الله الأرتاحي، وغيرهم، وأجاز له من بغداد ابن كليب، وابن بوش، وأبو الفرج بن الجوزي، وعبد الخالق بن البندار، وعبد الله بن محمد بن عليان، وطائفة من أصحاب ابن الحصين، وقاضي المارستان، وأجاز له من دمشق أبو طاهر الخشوعي، وأبو جعفر القرطبي، وأبو محمد بن عساكر، وغيرهم، وسمع منه عمر بن الحاجب بعرفات، وروى عنه الحافظ شرف الدين الدمياطي، وابن الحلوانية، وابن الخباز، وابن العطار وابن جعوان، والحافظ المزي، وابن أبي الشريشي، وابن تيمية، وأخوه أبو محمد، والمجد بن الصيرفي، والبرزالي، وأبو بكر بن شرف، وأجاز له للحافظ الذهبي وطائفة سواهم.(1/57)
قال الحافظ الذهبي: سألت المزي عنه فقال: شيخ جليل متيقظ، تفرد بالرواية عن جماعة، وحدث سنين، وأضر بآخره، انتهى.
قلت وكانت وفاته في يوم عاشوراء سنة ثمان وسبعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
الملك الأشرف صاحب الحصن 836ه، 1432م
أحمد بن سليمان، الملك الأشرف شهاب الدين بن الملك العادل بن الملك المجاهد غازي بن الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبي بكر بن الأوحد عبد الله بن الملك المعظم توران شاه بن السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل أبي المعالي محمد بن العادل أبي بكر بن نجم الدين أيوب بن شادي.
صاحب حصن كيفا، وأعمالها من دياربكر.
ولي الملك بعد وفاة والده الملك العادل سليمان في سنة سبع وعشرين وثمانمائة، وكان محبباً للرعية لوفور عقله، وحسن سياسته، ودينه، وكان عنده فضل ومشاركة في فنون، وله كرم وأفضال وشجاعة، وكان له ميل زائد إلى الأدب، وله نظم جيد.
ولما توجه الملك الأشرف برسباي في سنة ست وثلاثين وثمانمائة من الديار المصرية إلى آمد، ونزل عليها وحصرها، بلغة أن الأشرف هذا له غرض تام في اجتماعه به على آمد، فأرسل بريديا يطلبه، فلما حضر البريدي إليه، جمع الملك الأشرف أحمد هذا أكابر دولته واستشارهم، فأشاروا عليه بالتوجه إلى الملك الأشرف برسباي، فخرج المذكور من حصن كيفا بعد أيام قلائل، وصحب معه الهدايا والتحف، إلى أن كان في أثناء طريق آمد، والوقت آخر النهار، خاف أن تفوته صلاة العصر، فحرك فرسه وانفرد من جماعته في نفر قليل، وتقدم بهم ونزل في غابة، وتوضأ وأحرم، فقبل أن يتم صلاته خرج عليه جماعة من أعوان الأمير عثمان بن طرعلي الشهير بقرايلك واحتاطوا به، ورموا عليه بالسهام فأصابه سهم في خاصرته، فلم يكترث لذلك، وأتم صلاته، ولما خرج من صلاته أخذ قوسه، وكان يجيد الرمي إلى الغاية، ورمى عليهم، فتكاثروا عليه بالرمي إلى أن أصابه سهم آخر وآخر، فقتل، ثم أدركه بعض عسكره وحملوه، وعادوا به إلى بلده الحصن. وقد مات من يومه، ودفن بالحصن من الغد، وذلك في شوال سنة ست وثلاثين وثمانمائة.
وتسلطن من بعده أكبر أولاده الملك الكامل خليل، وهو إلى يومنا هذا سلطان حصن كيفا.
ولما بلغ الملك الأشرف برسباي موته، وما وقع له، وهو على حصار مدينة آمد، عظم عليه ذلك إلى الغاية، ووجد عليه وجداً كثيراً.
وقتل الملك الأشرف أحمد هذا وهو في أوائل الكهولة.
حدثني جماعة من أصحابه أنه كان معتدل القامة، أسود اللحية، أخضر اللون، ظريفاً، رشيقاً يجيد اللعب بالكرة إلى الغاية، كثير الصيد والتنزه، على أنه كان شجاعاً مقداماً كريماُ، وله نظم رائق على ما قيل. رحمه الله تعالى.
أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله 753ه، 1352م
أحمد بن سليمان بن أحمد بن محمد بن الحسن بن علي القبي، الخليفة أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو العباس بن الخليفة المستكفي بالله أبي الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد، العباسي الهاشمي المصري.
مولده بالقاهرة، بويع بالخلافة بعد وفاة والده المستكفي بالله بقوص العشرين من شعبان سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وسار في الخلافة على قاعدة خلفاء زماننا هذا، ليس له من الخلافة إلا الاسم فقط.
ودام على ذلك إلى أن توفي سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة، وقيل سنة أربع، وولي الخلافة من بعده أخوه المعتضد من غير عهد منه، وذلك أنه لما مات ولم يعهد بالخلافة لأحد، وكان إذ ذاك مدبر المملكة الأمير شيخو، والأمير طاز، ونائب السلطنة الأمير قبلاي، والسلطان الملك الصالح بن محمد بن قلاوون، فجمع الأمير شيخو الأمراء والقضاة بحضرة السلطان، وجمع بني العباس، وعقد مجلس بسبب ذلك، فوقع الاختيار على أبى بكر بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان، يعني أخو المتوفى، فبويع بالخلافة، ولقب بالمعتضد، يأتي ذكره إن شاء الله تعالى في الكنى، يطلب هناك، إن شاء الله تعالى، انتهى.
تقي الدين بن أبي العز الحنفي 685ه، 1286م
أحمد بن سليمان بن أبي وهيب، الشيخ الإمام العالم العلامة تقي الدين ابن العلامة صدر الدين، وأخو العلامة قاضي القضاة شمس الدين محمد الحنفي، يأتي ذكر كل واحد منهما في محله إن شاء الله تعالى.(1/58)
كان إماماً عالماً، فاضلاً بارعاً، تفقه بوالده، وغيره من أعيان العلماء الحنيفة، وتصدر للإفتاء والتدريس مدة طويلة، ودرس بالشبلية، وكان صدراً من الصدور، ملازماً للاشتغال والإشغال، انتفع به الطلبة، وتفقه به جماعة من العلماء إلى أن توفي سنة خمس وثمانين وستمائة.رحمه الله تعالى.
شرف الدين بن المرجاني 659ه، 1260م
أحمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان، قاضي الإسكندرية، شرف الدين أبو العباس، المعروف بابن المرجاني، المقرئ المالكي.
كان من الأئمة العلماء، درس وأفتى، وناب في القضاء، ثم استقل به، وكان من أعيان فقهاء الثغر، روى عنه الحافظ شرف الدين الدمياطي، وغيره.
توفى سنة تسع وخمسين وستمائة، رحمه الله تعالى.
ابن شاه رخ بن تيمور 839ه، 1435م
أحمد بن القان معين الدين شاه رخ بن تيمورلنك كور كان، المعروف بأحمد جوكي.
كان من أعيان أولاد شاه رخ، وممن له سطوة وإقدام وشجاعة، وكان أبوه شاه رخ يرسله في العساكر إلى الأقطار، وفتح أحمد جوكي المذكور عدة بلاد وقلاع، ووقع بينه وبين إسكندر بن قرا يوسف متملك تبريز حروب ووقائع يطول شرحها، آخرها في سنة تسع وثلاثين وثمانمائة، بعثه والده شاه رخ على عسكر معه الأمير بابا حاجي في إثر إسكندر نجدة لقرايلك، فقدما بمن معهما بعد هزيمة قرا يلك وقتله، فلقي إسكندر مقدمة هذا العسكر على ميا فارقين من دياربكر، وقاتلهم وقتل منهم، ثم انهزم إسكندر إلى جهة بلاد الروم، فملك أحمد جوكي هذا أرزن الروم ونزلها، وفرض على أهلها مالا عظيماً، وتزوج بابنة قرايلك، وأخذ منها نحواً من ألف حمل دقيق وشعير تقوية لعساكره، ثم عاد إلى جهة أبيه شاه رخ، وقد نزل شاه رخ على قرا باغ ليشتي هناك، كما كان أبوه تيمور يشتي به، فما وصل أحمد جوكي حتى مرض ولزم الفراش، وطال مرضه إلى أن توفي في شعبان من سنة تسع وثلاثين وثمانمائة، فاشتد حزن والده عليه، وعظم مصابه، فإنه فقد ثلاثة أولاد وهم أميرزه إبراهيم، وباي سنقر، وأحمد جوكي هذا، في أقل من سنة واحدة.
وجوكي بجيم مضمومة وبعدها واو ساكنة، وكاف مكسورة، وياء آخرة الحروف.
تقدم التعريف بحاله في أول ترجمته.
بدر الدين الشيباني الصالحي العطار 597 - 685ه، 1200 - 1286م
أحمد بن شيبان بن تغلب بن حيدرة، الشيخ المسند المعمر، بدر الدين أبو العباس الشيباني الصالحي، العطار، ثم الخياط.
ولد سنة سبع وتسعين، وقيل سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، سمع من حنبل جميع المسند ومن ابن طبرزد، وأكثر من الكندي، وابن الحرستاني، وجماعة، وأجاز له جعفر الصيدلاني، وأبو الفخر أسعد بن سعيد، والمفتي خلف بن أحمد الفراء، وداود بن محمد بن ماشاذه، وزاهر بن أبي طاهر، وعبد الرحيم بن محمد بن حموية الراوي معجم الطبراني الكبير حضوراً عن ابن نهشل العنبري، وعبد الواحد بن أبي مطهر الصيدلاني، وأبو زرعة عبيد الله بن اللفتواني، وعفيفة الفارقانية، وطائفة سواهم.
وروى عنه الحافظ شرف الدين الدمياطي، وتقي الدين بن الحنبلي القاضي، وجماعة من القدماء، وابن الخباز، وابن تيمية، والحافظ المزي، والبرزالي، وابن المهندس، وخلق سواهم.
توفى سنة خمس وثمانين وستمائة، رحمه الله تعالى.
الملك المظفر بن الملك المؤيد شيخ 822 - 833ه، 1419 - 1429م
أحمد بن شيخ، الملك المظفر أبو السعادات، بن السلطان الملك المؤيد أبي النصر شيخ المحمودي الظاهري.
تولى الملك المظفر السلطنة يوم مات أبوه الملك المؤيد بعهد منه، على مضي خمس درج من نصف يوم الاثنين تاسع المحرم سنة أربع وعشرين وثمانمائة، وعمر المظفر إذ ذاك سنة واحدة وثمانية أشهر وسبعة أيام، وأمه خوند سعادات بنت الأمير صرغتمش، أحد أمراء دمشق، ولما استقر المذكور في السلطنة تولى الأمير ططر، أمير مجلس،تدبير ملكه، وأخذ ططر وأعطى، وقرب وأبعد في المملكة، وع طيش وخفة وإسراف مفرط، إلى أن حسن بباله أن يتجرد الملك المظفر إلى نحو البلاد الشامية، فتجرد به إلى أن وصل إلى حلب، بعد أن وقع له بدمشق أمور وحوادث مع الأتابكي الطنبغا القرمشي وغيره، ثم مع الأمير جقمق الأرغون شاوي الدوادار،نائب دمشق، ثم عاد ططر من حلب إلى دمشق، وصحبته الملك المظفر المذكور وكان ططر قد تزوج بأم الملك المظفر هذا خوند سعادات، لمعنى من المعاني.(1/59)
فلما استقر بدمشق قبض على جماعة من الأمراء من المؤيدية، يأتي ذكر كل واحد في ترجمته إن شاء الله تعالى، وأنعم باقطاعاتهم على إخوانه وحفدته، وصفا له الوقت.
وأخذ يدبر في خلع المظفر وسلطنة نفسه، وتسلطن ططر، ولقب بالملك الظاهر، يأتي ذكر ذلك مفصلاً في ترجمته، وذلك في يوم تاسع عشرين شهر شعبان من سنة أربع وعشرين وثمانمائة، ثم سافر بالملك المظفر عائداً إلى ديار مصر بعد أن طلق أمه خوند سعادات، إلى أن وصل إلى القاهرة، حبسه بالدور مدة، ثم نقل الملك المظفر مع أخيه الصغير إلى الإسكندرية فسجنا بها إلى أن ماتا بالطاعون.
وكانت وفاة الملك المظفر بالإسكندرية في ليلة الخميس آخر جمادى الأولى سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، ودفنا بالثغر، ثم نقلا بعد مدة إلى القاهرة، ودفنا عند والدهما بالقبة من الجامع المؤيدي، يعني المظفر وأخاه.
وكان الملك المظفر ذا شكالة حسنة إلى الغاية، إلا أنه كان بعينيه حول فاحش، حصل له ذلك عند سلطنته، وهو أنه لما تسلطن استوحش من مرضعته وبكى، فأجلست بجانبه، ثم دقت الكوسات على غفلة، فارتعب من ذلك وحصل بعينيه خلل، ولم يلتفت إلى هذا المعنى إذ ذاك لكثرة الغوغاء، ولم يفطن به إلا بعد مدة طويلة.
قلت: أفادته السلطنة الحول والحبس إلى أن توفي، فكل هذا من سوء تدبير والده، حيث جعل العهد في هذا الطفل، وهو أحد من نازع ابن أستاذه الملك الناصر فرج في الملك، مع ما كان الناصر عليه من الفروسية والكرم وكثرة مماليك والده الملك الظاهر برقرق، ولازال عليه المؤيد إلى أن خلعه من السلطنة وقتله، حسبما سنذكره في ترجمته إن شاء الله تعالى، فكيف المؤيد بعد ذلك يسلطن ولده المظفر هذا مع صغر سنه وضعف حاله، فإن مماليكه ليست في الكثرة كمماليك برقوق، ولا سن هذا الملك الناصر فرج، ولا حرمته كحرمته، وما أظن هذا الأمر إلا من مهملات الضعف والغلبة.انتهى.
أبو جعفر القيسي المغربي
أحمد بن صابر، أبو جعفر القيسي المغربي.
كان إماماً بارعاً، فاضلاً كاتباً، مترسلاً شاعراً، حسن الخط، يتمذهب بمذهب أهل الظاهر.
قيل: إنه كان كاتباً للأمير أبي سعيد فرج بن السلطان الغالب بالله بن الأحمر ملك الأندلس، وكان المذكور يرفع يديه في الصلاة على ما صح في الحديث عنده، فبلغ ذلك السلطان المذكور فتوعده بقطع يديه، فضج من ذلك وقال: إن إقليماً تمات فيه سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يتوعد بقطع اليد من يقيمها الجدير أن يرحل منه، فخرج وقدم إلى ديار مصر بعد السبعمائة، وسمع بها الحديث.
أنشدني الحاكم بن الفرات إجازة، قال: أنشدني خليل بن أيبك إجازة، أنشدني أبو إسحاق إبراهيم النحوي المالقي قال: أنشدنا أبو جعفر بن صابر لنفسه:
أتنكر أن تبيض رأسي لحادث ... من الدهر لا يقوى له الجبل الراسي
وكل شعار في الهوى قد لبسته ... فرأسي أموي وقلبي عباسي
الملك المنصور بن أرتق 769ه، 1367م
أحمد بن صالح بن غازي بن قرا أرسلان بن أرتق، الملك المنصور بن الملك الصالح صالح ابن الملك المنصور صاحب ماردين من دياربكر وابن صاحبها.
ولي السلطنة بعد موت والده في سنة ست وستين وسبعمائة، وكانت مدة ملك والده أربعاً وخمسين سنة، ولما تسلطن بعده ولده هذا صاحب الترجمة، لم تطل أيامه وعاجلته المنية، فمات في سنة تسع وستين وسبعمائة، فكانت مدة ملكه نحواً من ثلاث سنين، لكنه رأى وقناً في أيام والده، رحمهما الله تعالى، وولي الملك من بعده ولده الملك الصالح محمود، فأقام أربعة أشهر، وخلع بعمه الملك المظفر داود بن الملك الصالح صالح، والملوك الأرتقية جماعة كبيرة يأتي ذكر كل واحد منهم في محله إن شاء الله تعالى.
شهاب الدين المحلي 844ه، 1440م
أحمد بن صالح، الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين أبو العباس المحلي الشافعي.
مولده.........
كان إماماً بارعاً في الفقه والأصول والفرائض والنحو والتصريف، وتصدر للتدريس عدة سنين، وخطب مدة مع سلوك ونسك وعبادة وصلاح، وكان للناس فيه اعتقاد حسن، ولم يزل على ذلك إلى أن توفي يوم الأربعاء ثامن عشرين ذي الحجة سنة أربع وأربعين وثمانمائة.
رحمه الله.
والمحلة مدينة كبيرة من قرى الغربية من أعمال القاهرة. انتهى.
شهاب الدين بن السفاح 835ه، 1431م(1/60)
أحمد بن صالح بن أحمد بن عمر، القاضي شهاب الدين القاضي صلاح الدين، المعروف بابن السفاح، الحلبي الأصل والمولد والمنشأ والدار، المصري الوفاة، كاتب السر بالمملكة الحلبية، ثم بديار مصر.
هو من بيت رئاسة ووجاهة وعراقة بحلب، ولي كتابة سر حلب هو وأبوه وأخوه، وطالت مدته في كتابة سر حلب، وبنى بها جامعاً، وعدة أملاك، ثم أشخص إلى القاهرة، وولي كتابة السر بها، بعد موت السيد الشريف شهاب الدين أحمد بن إبراهيم ين عدنان الدمشقي، وبعد موت أخيه عماد الدين أبي بكر، وذلك في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وتولى كتابة سر حلب من بعد ولده سراج الدين عمر.
فباشر شهاب الدين المذكور كتابة سر مصر بغير دربة، وعدم سياسة لأهل مصر، فلم ينتج أمره، وصار لا يلتفت إليه في الدولة، لما كان احتوى عليه من الجهل، وعدم معرفة صناعة الإنشاء، مع طيش وخفة وحدة مزاج وهرج، وكان يتكلم في بعض الأحيان مع نفسه كلاماً كثيراً يظهر منه ذلك في الملأ من الناس، وكان يتكرر منه ذلك إلى أن يحتد من نفسه، ويظهر عليه الغضب، وكان يعتريه ذلك حتى في الصلاة.
وكان باشر التوقيع عند والدي في نيابة لحلب، فأخذ مرة يحدثني عن ما وقع له بحلب، وشرع يتكلم، وقبل أن يتم الحكاية تركها والتفت يحدث نفسه، وانفض المجلس على ذلك، وكان لا يعتريه ذلك غالباً إلا في حالة الغضب، أو إذا شرع في أمر مهم.
وكان إذا تكلم من كلامه أنه غير فاضل، ووقع له مرة أنه أرسل من حلب وهو كاتب سرها كتاباً إلى الملك الأشرف برسباي بواقعة حال، وكان القاضي بدر الدين محمد بن مزهر إذ ذاك كاتب سر مصر، وكانت كتابة ابن السفاح هذا ضعيفة قلقة، وتركيب ألفاظه في الكتب ركيكة، فلم يفهم ابن مزهر ما تضمنه الكتاب، فختمه ثانياً وأرسله في طي كتاب يقول فيه قد عجزنا عن فهم ما في كتابك، فالمخدوم ينقل خطواته إلى الديار المصرية ليقرأه على مولانا السلطان، فعزم بسبب هذا الكتاب جملة مستكثرة.
ولم يزل في وظيفة كتابة السر إلى أن توفي في ليلة الأربعاء رابع عشر شهر رمضان سنة خمس وثلاثين وثمانمائة عن ثلاث وستين سنة، وتولى كاتب السر الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن كاتب المناخ، رحمهما الله تعالى.
أبو الرضا بن أبي اليسر التاجر 529 - 592ه، 1134 - 1195م
أحمد بن طارق بن سنان بن محمد بن طارق القرشي الكزكي، ينسب إلى كزك البقاع.
كان أبوه قاضياً بها، كنيته أبو الرضاء بن أبي اليسر التاجر، نزيل بغداد، لقي المشايخ وحصل، وسافر الكثير إلى مصر والشام في التجارة.
وهو ابن أخت أبي الحسن العطار اللغوي، سمع الحديث في صباه إلى حين وفاته، سمع النقيب محمد بن طراد الزينبي، وموهوب بن الجواليقي، وهبة الله بن الحاسب، ومحمد بن عمر الأرموي، وأبا بكر بن الزاغوني، والحافظ بن ناصر، وأبا الوقت عبد الأول، وجماعة ببغداد، والكوفة، ودمشق، ومصر، والإسكندرية، وحدث وأملى.
وكان يتغالى في التشبع، وكان شحيحاً إلى الغاية، ساقط المروءة، يشتري كسر المكدين، ويتبع طلبة الحديث ليأكل معهم.
ومات في الظلمة، شحاً بشراء الزيت، في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، وخلف قماشاً يساوي ثلاثة آلاف دينار، عفا الله عنه.
شهاب الدين بن ظهيرة 718 - 792ه، 1318 - 1389م
أحمد بن ظهيرة بن أحمد بن عطية بن ظهيرة، قاضي القضاة شهاب الدين أبو العباس المكي المخزومي الشافعي، قاضي مكة وخطيبها.(1/61)
مولده سنة ثماني عشرة وسبعمائة بمكة، ونشأ بها، وحفظ القرآن العزيز، وطلب العلم، وسمع الحديث من قاضيها نجم الدين الطبري، ومن عيسى بن عبد الله صحيح البخاري، ومن القاضيين: جمال الدين بن الحنبلي، وجمال الدين المطري ثلاثياته، وعلي الزين الطبري، وعثمان بن الصيفي، والأقشهري سنن أبي داود، وعلي أبي عبد الله الوادي آشي التيسير لأبي عمرو والدائي، وعلي أبي محمد عبد الله موسى بن بكر الزواوي الجزء الثاني من حديث مؤنسة خاتون بنت الملك العادل أبي بكر بن أيوب، وخلق سواهم، وقرأ الفقه على جماعة منهم: الشيخ نجم الدين الأصفوني وبه تخرج، وعنه أخذ الفرائض والجبر والمقابلة، وعلي السيد الشريف شرف الدين محمد بن الحسين نقيب الأشراف بالقاهرة، وعلي الحافظ صلاح الدين العلائي وأذن له في الفتوى والتدريس، والشيخ جمال الدين الإسناي وعنه أخذ أصول الفقه، وقرأ بالسبع متقناً على الشيخ برهان الدين السروري وأذن له في الإقراء، فأقرأ ودرس وأفتى بمكة عدة سنين، وانتفع به الناس وحدث، سمع منه القاضي جمال الدين بن ظهيرة ولد أخيه، وجماعة أخر.
وأول ولايته باشر في الحرم، ثم ناب في الحكم عن صهره القاضي تقي الدين الحرازي، ثم عن القاضي أبي الفضل النويري في الخطابة، ثم وليهما بعده، يعني القضاء والخطابة، فاستمر مدة، ثم صرف بالنويري أيضاً في جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، فتوجه إلى القاهرة وسعى، فأجيب في بعض الوظائف، فامتنع إلا بالجمع، ففاته مطلوبه، وعاد إلى مكة، واستمر مصروفاً إلى أن مات في آخر ليلة السبت الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة بمكة، ودفن بالمعلاه على أبيه، وكثر الأسف عليه، رحمه الله تعالى.
أحمد بن ظهيرة 799ه، 1396م
أحمد بن ظهيرة بن الحسين بن علي بن أحمد بن عطية بن ظهيرة، شهاب الدين المخزومي المكي، قرابة السابق ذكره.
وكان قد قرأ، واشتغل وتفقه، فعاجلته المنية، فمات في سادس ذي الحجة سنة تسع وتسعين وسبعمائة بمكة، ودفن بالمعلاه عن بضع وعشرين سنة، رحمه الله تعالى.
شهاب الدين بن جعوان 699ه، 1299م
أحمد بن العباس بن جعوان، الشيخ الإمام المحقق الزاهد، شهاب الدين الأنصاري الدمشقي، أخو الحافظ شمس الدين محمد.
روى جزء ابن عرفه عن ابن الدائم، وسمع من أخيه كثيراً، وطلب العلم، وبرع في الفقه وأصوله، وأفتى ودرس، وانتفع به الطلبة، وتفقه بجماعة منهم الشيخ محي الدين النووي.
توفي سنة تسع وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
شهاب الدين الصعيدي 612 - 695ه، 1215 - 1295م
أحمد بن عبد الباري بن عبد الرحمن بن عبد الكريم، الشيخ شهاب الدين الصعيدي، المؤدب، أبو العباس.
أحد فضلاء الإسكندرية وشيوخها.
ولد سنة اثنتي عشرة وستمائة بالإسكندرية، ونشأ بها، وقرأ القرآن بالسبع على أبي القاسم عيسى، وطلب العلم، وسمع على أبي القاسم بن الصفراوي وأبي الفضل الهمذاني، وعني بالحديث، وسمع الكثير، ودأب وحصل، وكان شديد الوسواس.
توفي سنة خمس وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
قاضي القضاة نجم الدين المقدسي الحنبلي 651 - 689ه، 1253 - 1290م
أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن قدامة، قاضي القضاة نجم الدين أبو العباس بن الشيخ شمس الدين أبي عمر المقدسي الحنبلي.
مولده سنة إحدى وخمسين وستمائة، سمع حضوراً من خطيب مردا، وسمع من إبراهيم بن خليل، وابن عبد الدائم، ولم يحدث.
وكان فاضلاً ذكياً، وله قدرة على الحفظ، وله مشاركة في علوم.
ولي قضاء دمشق بعد أن عزل والده نفسه، وكانت إليه مع القضاء خطابة الجبل والإمامة بحلقة الحنابلة، ونظر أوقاف الحنابلة.
وكان مشكور السيرة، مهاباً، وقوراً في الدول، تام الشكل، بديناً، ليس له من اللحية إلا شعرات.
توفي سنة تسع وثمانين وستمائة عن ثمان وثلاثين سنة. رحمه الله تعالى.
شهاب الدين الظاهري 755ه، 1354م
أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله، الشيخ شهاب الدين أبو العباس الظاهري الدمشقي الشافعي، الفقيه الأديب العالم.
كان لديه فضيلة تامة وعلم غزير، ولي تدريس الفروخشاهية وغيرها، وكان له بديهة جيدة، وذكاء، ومحاضرة حسنة، ونظم ونثر، وكان ينشئ مقامات جيدة.
ومن شعره في مليح اعتراه رعاف:(1/62)
رعف الحبيب فقيل هل قبلته ... شوقا إليه ودمع عينك يسجم
فأجبت لا، لكنه أخفى دمي ... في سفكه، وعليه قد ظهر الدم
توفى بدمشق في سنة خمس وخمسين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
ابن ناظر الصاحبة 849ه، 1445م
أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد الذهبي، الشيخ المسند المعمر الرحلة، الشهير بابن ناظر الصاحبة الدمشقي، الملقب شهاب الدين.
استوعبنا حاله في ترجمة رفيقه المسند علاء الدين علي بن إسماعيل المعروف بابن بردس فيما يأتي إن شاء الله.
توفي في حدود الخمسين وثمانمائة تقريباً، رحمه الله تعالى.
قاضي القضاة ولي الدين العراقي 762 - 826ه، 1360 - 1422م
أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم، قاضي القضاة ولي الدين أبو زرعة، بن الحافظ العراقي الشافعي.
مولده في ثالث ذي الحجة سنة اثنتين وستين وسبعمائة، واعتنى به والده الحافظ زين الدين عبد الرحيم وأسمعه الكثير، ورحل به إلى دمشق، وأحضره على جماعة من أصحاب الفخر بن البخاري، ثم عاد به إلى القاهرة، ولما كبر رحل ثانيا إلى دمشق بعد موت الطبقة التي كان أدركها أولا، فسمع على أصحاب القاضي سليمان، وابن الشيرازي، والمطعم، وغيرهم، وطلب العلم وتفقه على علماء عصره: شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني، والسراج بن الملقن، وبرهان الدين الإبناسي، وغيرهم، وبرع في الفقه والأصول والعربية والحديث، وأكب على الاشتغال والإشغال، وأفتى ودرس وصنف، وناب في الحكم عن العماد الكركي، ومن بعده، ثم تنزه عن ذلك مدة إلى أن استقل بوظيفة قضاء القضاة بعد قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقيني في سنة أربع وعشرين وثمانمائة.
وحسنت سيرته إلى الغاية، ودام في القضاء مدة، ثم عزل نفسه، ثم أعيد مسؤولاً مرغوباً فيه لحسن سيرته ولغزير دينه وعفته عما يرمي به قضاة السوء، فباشر القضاء إلى أن عزل بقاضي القضاة علم الدين صالح بن شيخ الإسلام عمر البلقيني في يوم السبت سادس ذي الحجة سنة خمس وعشرين وثمانمائة، واستمر ملازماً لبيته مكباً على الإشغال والتصنيف إلى أن توفي يوم الخميس سابع عشرين شعبان سنة ست وعشرين وثمانمائة، عن خمس ستين سنة.
وكان إماماً فقيهاً، عالماً حافظاً، محدثاُ أصولياً، محققاً، واسع الفضل، عزيز العلم، كثير الاشتغال، رأيته غير مرة عند صهري قاضي القضاة جلال الدين البلقيني، كان ذا شكالة حسنة، منور الشيبة، مدور اللحية، متواضعاً، عذب اللفظ، قليل الكلام إلا فيما يعنيه، ديناً خيراً، مشكور السيرة، عفيفاً، وله تواليف كثيرة، من ذلك: كتاب تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل وكتاب الإطراف بأوهام الأطراف للمزي، وتحفة الوارد بترجمة الوالد، وشرح الصدر بذكر ليلة القدر، وفضل الخيل وما فيها من الخير والنبل، والدليل القويم على صحة جمع التقديم، وذيل على الكاشف للحافظ الذهبي، وذيل على مذيل والده على العبر للذهبي أيضاً، وشرح البهجة الوردية، وكتب تعقيبات على الرافعي، واختصر المهمات، وأضاف إليها حواشي شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني على الروضة، وتصحيح الحاوي لابن الملقن، وأضاف إلى ذلك فوائد من كلام شيخه سراج الدين البلقيني، وشرح منظومة والده في الأصول، وشرح نظم منهاج البيضاوي لوالده، واختصر الكشاف للزمخشري، وله عدة مصنفات. رحمه الله تعالى.
صفي الدين أبو العباس 643ه، 1245م
أحمد بن عبد الخالق بن هشام، الحافظ المحدث، صفي الدين أبو العباس.
إمام المسجد الفسقاء بدمشق، وبه المسجد اليوم يعرف، وكان قبله يعرف بمسجد ابن لبيب، توفى سنة ثلاث وأربعين وستمائة.
الأشرف بن القاضي الفاضل 573 - 643ه، 1177 - 1245م
أحمد بن عبد الرحيم، القاضي الأشرف بن القاضي الفاضل.
مجموع نضائل، استوزره الملك العادل، فلما مات، عرضت عليه الوزارة فلم يقبلها.
مات بالقاهرة سنة ثلاث وأربعين وستمائة، ودفن بتربة أبيه، رحمهما الله تعالى.
شهاب الدين صاحب ديوان المماليك الغازانية 699ه، 1299م
أحمد بن عبد الرزاق، القاضي شهاب الدين صاحب ديوان المماليك الغازانية.(1/63)
كان معظماً عند غازان إلى الغاية، ومستشاره في أموره، رئيس مملكته، وكان ظالماً غاشماً، سفاكاً للدماء، قتل وقتل معه أخوه قطب الدين وأخوه زين الدين في سنة تسع وتسعين وستمائة.
قطب الدين بن أبي عصرون 592 - 695ه،1195 - 1295م
أحمد بن عبد السلام بن المطهر بن أبي سعيد عبد الله بن محمد بن أبي عصرون، القاضي قطب الدين، أبو المعالي بن أبي محمد التميمي الحلبي الشافعي، المعروف بابن أبي عصرون.
ولد سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، وأجاز له ابن كليب، وأبو الفرج بن الجوزي، وابن المعطوش، وجماعة من العراق، وأبو طاهر الخشوعي، وغيره، وسمع من ابن طبرزد، والكندي، وعبد الجليل بن مندوبة، وابن الحرستاني، وابن ملاعب، وغيرهم، وتفقه مدة، لكنه لم يبرع في الفقه، بل له فيه محفوظات، ودرس بالأمينية والعصرونية بدمشق، وطال عمره، وعلت سنه وروايته، وأكثر الطلبة عنه، روي عنه الحافظ شرف الدين الدمياطي، وابن تيمية وابن العطار، وابن الخباز، والدواداري، وجماعة، وأجاز للحافظ أبي عبد الله الذهبي.
توفى سنة خمس وتسعين وستمائة، عن مائة وثلاث سنين، رحمه الله تعالى.
تاج الدين القيسي النحوي 682 - 749ه، 1283 - 1348م
أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن مكتوم بن أحمد بن محمد بن سليم، الشيخ تاج الدين القيسي النحوي، الأديب العالم المحدث.
أخذ الحديث عن أصحاب النجيب، وابن علاق، وهذه الطبقة، وكتب وحصل، وكان له أدب وفضل ونظم، من ذلك قوله:
ومعذّر قال العذول عليه لي ... شبهه وأحذر من قصور يعتري
فأجبته هو بانة من فوقها ... بدر يحف بهالة من عنبر
وكانت وفاته في سنة تسع وأربعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
كمال الدين الربعي ناظر قوص 686ه، 1287م
أحمد بن عبد القوي بن عبد الله بن شداد، كمال الدين بن برهان الدين الربعي، ناظر قوص ورئيسها.
سمع من أبي الفداء إسماعيل بن عبد الرحمن بدمشق، ومن غيره، وبمصر من قطب الدين القسطلاني، وغيره، وسمع ببلاد غزة من خلائق، وأجاز له جمع كثير بدمشق، ومصر، والإسكندرية، وبغداد.
وكان له رئاسة ونزوة، وهو الذي بنى الضريح النبوي زاده الله شرفاً، والقبة الموجودة، وقصد بذلك خيراً، فأنكر عليه بعض أهل الصلاح من أنه أساء الأدب بعلو النجارين والدق على الروضة الشريفة.
ومن غريب ما اتفق انه في تلك السنة حصل بينه وبين بعض الولاة كلام، فورد المرسوم الشريف بضرب كمال الدين المذكور، فضرب، وصادره الشجاعي، وخرب دياره، وأخذ رخامها للمنصورية، فكان من يقول: إنه أساء الأدب، يرى أن هذا الضرب مجازاة له.
وكان كمال الدين هذا يقع له عجائب بخبره بالمغيبات، فيظن بعض الناس أن ذلك من الجن.
قال الشيخ كمال الدين الأدفوي في كتابة الطالع السعيد في تاريخ الصعيد: حكى لي صاحبنا الشيخ محمد بن نجم الدين حسن بن السديد العجمي قال: قال لي أبي: كنت في طريق عيذاب، ومعنا شخص من المغاربة فمات، ففتشته، فوجدت معه في دفاسه ذهباً، فأخذته، ولم يعرف به أحد، فوصلت إلى قوص، فتوجهت إلى كمال الدين، يعني صاحب الترجمة، فسلمت عليه، فقال لي: ذاك الذهب الذي عدته كذا وكذا الذي أخذته من المغربي، أحضره لي وأنا أعوضك عنه، فأحضرته إليه.
ومن شعره لما وصل إلى المدينة النبوية، شرفها الله تعالى، قوله:
أنخ هذه والحمد لله يثرب ... فبشراك قد نلت الذي كنت تطلب
فعفر بهذا الترب وجهك إنه ... أحق به من كل طيب وأطيب
وقبل عراصاً حولها قد تشرفت ... بمن جاورت والشيء بالشيء يحبب
وسكن فؤاداً لم يزل باشتياقه ... إليها على جمر الغضا يتقلب
وكفكف دموعاً طالما قد سفحتها ... وبرد جوى نيرانه تتلهب
وله نظم غير ذلك.
توفى فجأة في سنة ست وثمانين وستمائة، رحمه الله تعالى.
محب الدين الطبري المكي 615 - 694ه،1218 - 1294م
أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم، العلامة شيخ الحجاز وعالمه، محب الدين أبو جعفر، وقيل أبو العباس، الطبري المكي الشافعي.(1/64)
اختلف في مولده، قال الحافظ البرزالي: ولد بمكة في يوم الخميس السابع والعشرين من جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وستمائة، وقوي كلام البرزالي الشيخ بهاء الدين عبد الله بن خليل المكي نقلاً عن غيره.
وقال الشيخ أثير الدين أبو حيان: ولد في خامس عشرين جمادى الآخرة من السنة، وقيل غير ذلك.
ونشأ بمكة، وطلب العلم، وسمع بها، وقرأ على أبي الحسن علي بن المقير سنن أبي داود عن الفضل بن سهل الإسفراييني عن الخطيب البغدادي، وسنن النسائي عن أبي الحسن علي بن أحمد اليزدي عن الدوني، والوسيط للواحدي سماعاً وقراءة عن أبي الفضل أحمد بن طاهر بن البهتي عنه، وبعض الجمع بين الصحيحين للحميدي قراءة لبعضه عن ابن البطي عنه، وبعض الغريب لأبي عبيدة سماعاً لبعضه عن شهدة، والفصيح لثعلب عن ابن ناصر عن التبريزي، والغريب للعزيزي عن شهدة، وغير ذلك كثيراً، وعلي عبد الرحمن بن أبي زمي من أول صحيح البخاري إلى قصة كعب بن مالك، وقيل أنه سمعه كاملاً، وعلى عمي أبيه: تقي الدين علي بن أبي بكر الطبري وأخيه يعقوب صحيح البخاري، وعلي يعقوب بن أبي بكر الطبري جامع الترمذي، وعلي شرف الدين أبي الفضل المرسي صحيح ابن حبان، وعلي أبي الحسن بن الجميزي الأربعين الثقفية، والأربعين البلدانية للسلفي، علي شعيب الزعفراني الأربعين البلدانية والأربعين الثقفية أيضاً، وعلي محي الدين محمد بن أحمد بن محمد بن أبي جرادة المعروف بابن العديم، وعلي ريحان بن عبد الله الشرفي السكيني جزء الأنصاري، وعلي شيخ الحرم نجم الدين بشير بن حامد التبريزي جزء الأنصاري أيضاً عن ابن سكينة، وكتاب التنبيه في الفقه عن ابن سكينة عن الأرموي عن المؤلف، وتفقه عليه، وعنه أخذ العلم، وعلى جماعة أخر من شيوخ مكة والقادمين إليها.
وأجاز له من بغداد ابن الخازن، وجماعة، مع آخرين من الشام ومصر.
وقال الشيخ جمال الدين الإسنائي في طبقاته: إنه تفقه بقوص على الشيخ مجد الدين القشيري.
انتهى كلام الإسنائي.
وذكر نحو ذلك القطب الحلبي في تاريخ مصر.
وحدث وخرج لنفسه أحاديث عوال.
قال أبو حيان: إنه وقع له وهم فاحش في القسم الأول وهو التساعي، وهو إسقاط رجل من الإسناد حتى صار له الحديث تساعياً في ظنه، انتهى.
قلت: وحدث مدة، وسمع عليه غير واحد من المشايخ والأعيان، منهم: القاضي جمال الدين الطبري في جمادى الأولى سنة تسع وأربعين وستمائة بالروضة بالمسجد النبوي، والمحدث عبيد الله بن عبد العزيز المهدوي مع القطب القسطلاني، ونجم الدين بن عبد الحميد، والشيخ علاء الدين العطار، والقاضي شمس الدين بن مسلم، والحافظ الدمياطي، وعلم الدين البرزالي، والقاضي نجم الدين الطبري، وقطب الدين الحلبي، وأثير الدين أبو حيان، وخلق كثير، آخرهم وفاة: عثمان بن الصفى الطبري، وآخر أصحابه بالإجازة الشهاب الحنفي، وتفقه به أيضاً جماعة من أعيان مكة والقادمين إليها، وانتفع به الطلبة.
وكان وافر الحرمة، له مكانة عند الملك المظفر صاحب اليمن، وكان يسافر له اليمن ويسمع عليه المظفر هناك بعض مروياته وتواليفه.(1/65)
وكان له مصنفات كثيرة منها: الأحكام الكبرى، وكتاب الكافي في غريب القرآن، وكتاب يتضمن ترتيب العزيزي على السور، مجلد أيضاً، وكتاب النخبة المدينة، جزء لطيف، وكتاب تفسير جامع، لم يتم، وكتاب مرسوم المصحف العثماني المدني، وكتاب الأحكام الوسطى، مجلد كبير، وكتاب الأحكام الصغرى، يتضمن ألف حديث وخمسة عشر حديثا، وكتاب سماه المحرر للملك المظفر، جمع فيه أحكام الصحيحين، ومختصرة المسمى بالعمدة، وكتاب الرياض النضرة في فضائل العشرة، مجلدان، وكتاب ذخائر العقبي في فضائل ذوي القربى، مجلد، وكتاب السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين، مجلد، وكتاب تقريب المرام في غريب القاسم بن سلام، مبوباً على حروف المعجم، مجلد مختصر، وكتاب الدر المنثور للملك المنصور، وكتاب غريب جامع الأصول، مجلد، وكتاب صفة حج النبي - صلى الله عليه وسلم على اختلاف طرقها وجميع طبقاتها، وكتاب السيرة النبوية ووجوه المعاني في قوله - صلى الله عليه وسلم: من رآني في المنام فقد رآني حقاً، جزء، ومختصر عوارف المعارف للسهر وردى، مجلد، وكتاب في الفقه مجموع في الخلاف على طريق المتأخرين، مجلد، وشرح التنبيه، عشرة أسفار كبار، ونكت كبرى عليه، أربعة أسفار لطيفة، ونكت صغرى، لم يتم منها إلا مجلد، إلى الوكالة، وكتاب مختصر النبيه الأكبر، مجلد لطيف، ومختصرة الأصغر، أربع كراريس، وكتاب المسلك النبيه في تلخيص التنبيه، وكتاب تحرير التنبيه لكل طالب نبيه، ولعلهما الأولان، وكتاب مختصر المهذب، مجلدان لطيفان، وكتاب الطراز المذهب المحبر في تلخيص المذهب للملك المظفر، وله غير ذلك.
قال الشيخ تقي الدين الفاسي: وقد اختلف في وفاة المحب الطبري على أربعة أقوال، فقيل: كانت وفاته في الثلث الأخير من ليلة الثلاثاء ثاني جمادى الآخرة سنة أربع وتسعين وستمائة بمكة، ودفن بالمعلاه، كذا وجدت وفاته بخط بعض العصرين، ووجدت بخط القطب الحلبي في تاريخه أن علي بن عمر بن حمزة الحراني كتب إليه: أنه توفي في جمادى الآخرة من السنة المذكورة، وكذا وجدت أيضا وفاته في تاريخ الذهبي وفي معجم البرزالي، وقد قيل غير ذلك.
انتهى كلام الفاسي.
قلت: وكان له نظم جيد، من ذلك قصيدته:
ما لطرفي عن الجمال براح ... ولقلبي به غدّا ورواح
كل معنى يلوح في كل حسن ... لي إليه تقلب وارتياح
ومنها:
فيهم يعشق الجمال ويهوى ... ويشوقني الحمى وتهوى الملاح
وبهم يعذب الغرام ويحلو ... ويطيب الثناء والامتداح
لا تلم يا خلي قلبي فيهم ... ما على من هوى الملاح جناح
ويح قلبي وويح طرفي إلى كم ... يكتم الحب والهوى فضاح
صاح عرج على العقيق وسلع ... وقباب فيها الوجوه الصباح
وهي أكثر من هذه الأبيات.
انتهت ترجمة المحب الطبري، رحمه الله تعالى.
شيخ الإسلام والمسلمين شهاب الدين الغزي العامري 760 - 822ه، 1358 - 1419م
أحمد بن عبد الله بن بدر بن مفرج بن بدر بن عثمان بن جابر، القاضي شهاب الدين الغزي العامري، الدمشقي، الشافعي.
ولد سنة ستين وسبعمائة بغزة، ونشأ بها، وطلب العلم، ثم قدم دمشق واستوطنها، ولازم علماءها، وبرع في الفقه والأصول، وشارك في غيرها، وأفتى ودرس، وصنف، ومن مصنفاته: شرحه على الحاوي في الفقه، وكتاب شرح جمع الجوامع، وعلق على صحيح البخاري، واختصر المهمات، وعلق شيئاً على أوائل المنهاج، ومناسك عظيمة، جمع فيها فأوعى، وكتاباً لطيفاً نفيساً سماه: نحو البتغي لمعاني ينبغي، وشرحاً على منهاج البيضاوي، والمنتقي من تاريخ ابن خلكان.
وناب في الحكم مدة، وولي نظر البيمارستان النوري، وغيره، إلى أن توفي بمكة يوم الخميس سادس شوال وعشرين وثمانمائة.
وكان مشكور السيرة، ديناً مع حدة خلق، رحمه الله تعالى.
وأخذ عنه جماعة منهم: شيخ الإسلام شهاب الدين ابن حجر، وشيخ الإسلام تقي الدين ابن قاضي شهبة، وناظر شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني عند قدومه إلى الشام صحبة الملك الظاهر برقوق واعترف له بالفضل وكان بينه وبين شيخ الإسلام نجم الدين المرجاني المكي من المحبة والصحبة ما لبس بين الأهل، رحمهم الله.
شهاب الدين القلقشندي 756 - 821ه، 1355 - 1418م(1/66)
أحمد بن عبد الله، القاضي شهاب الدين القلقشندي الشافعي، أحد موقعي الدست ونواب الحكم.
كان إمام فقيهاً بارعاً في العربية، مشاركاً في الفقه والفرائض، ناب في الحكم سنين، وكتب في الإنشاء، وكان ماهراً في ذلك، وله نظم ونثر ومصنفات من ذلك: كتاب صبح الأعشى في صناعة الإنشاء، جمع فيه جمعاً كبيراً مفيداً، وصنف في الفقه أيضاً، وغيره، وكان له فضل وأفضال، وقوراً في الدول إلى أن توفي في ليلة السبت عاشر جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، عن خمس وستين سنة، رحمه الله تعالى.
قاضي القضاة شهاب الدين النحريري المالكي - 803ه، - 1400م
أحمد بن عبد الله، قاضي القضاة شهاب الدين النحريري المالكي، قاضي القضاة بالديار المصرية.
قال الشيخ تقي الدين المقريزي: قدم من الريف إلى القاهرة، وتفقه على مذهب الإمام مالك رضي الله عنه حتى برع فيه، وشارك في علم النحو، وأقرا الناس مدة، ثم التمس الملك الظاهر من القضاة من يوليه قضاء طرابلس، فعين النحريري هذا، فولي وتوجه إليها، وأقام بها إلى أن تغلب منطاش على الأمراء بقلعة الجبل، وخرج إلى محاربة الظاهر برقوق، وكان من هزيمته إلى دمشق ما كان.
فأقام بدمشق، وأحضره النحريريه هذا من طرابلس لقيامه لنصره برقوق وضربه بالقارع وسجنه، فلم يزل في سجن دمشق حتى فر منطاش من دمشق وخرج من كان في السجن، فحضر النحريري إلى القاهرة، وقد ظهرت نعمة الله عليه، وآل أمره إلى أن ولي القضاء بالقاهرة بعد موت شمس الدين الركراكي في سنة أربع وتسعين وسبعمائة، فباشر القضاء أسوأ مباشرة إلى أن صرف قبل أن يكمل السنة.
وتوفى يوم الخميس ثاني عشر شهر رجب سنة ثلاث وثمانمائة، وكانت سيرته أقبح من رأيت.
انتهى كلام المقريزي باختصار.
أمين الدين أبو العباس بن الأشتري الحلبي 615 - 681ه، 1218 - 1282م
أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الجبار بن طلحة بن عمر، المحدث الفقيه أمين الدين أبو العباس بن الأشتري الحلبي الشافعي.
ولد بحلب سنة خمس عشرة وستمائة، وسمع من أبي محمد بن علوان، والموفق عبد اللطيف، وابن شداد، وابن روزبة، وابن اللثي، وروي عنه ابن العطار، والمزي، وابن الخباز، وأجاز للذهبي.
وكان الشيخ محي الدين النووي رحمه الله إذا جاءه صبي يقرأ عليه يبعث به إلى أمين هذا ليعلمه، لعفته ودينه.
توفى بدمشق فجأة سنة إحدى وثمانين وستمائة، رحمه الله تعالى.
شمس الدين الحلبي الخابوري 600 - 690ه، 1203 - 1291م
أحمد بن عبد الله بن الزبير، الإمام المقرئ المجود شمس الدين الحلبي الخابوري.
مولده بالخابور سنة ستمائة، خطيب حلب.
كان إماماً فاضلاً ماهراً، محرراً للقراءات ووجوهها وعللها، وكان مليح الشكل، قوي الكتابة، قرأ القراءات على السخاوي، وغيره، وسمع بحران من الخطيب فخر الدين بن تيمية، وبحلب من أبي محمد بن الأستاذ، ويحي بن الدامغاني، وابن روزبة، وببغداد من عبد السلام الداهري، وبدمشق من أبي صادق بن صباح، وأسند عنه القراءات والشاطية الشيخ يحي المنبجي، ورواها عنه سنة أربع وستين وستمائة، وذلك قبل موته بدهر، وسمع منه الحافظ جمال الدين المزي، وابن الظاهري، وولده أبو عمرو، والبرزالي، وابن سامة وغيرهم.
وكان له محاسن وظرف ونوادر وخلاعة، وله في ذلك حكايات لطيفة منها: أنه كان في أيام قراسنقر نائب حلب مستوفي على الأوقاف يهودي، فضايق الفقهاء، وأهل الأوقاف وشدد عليهم، فشكوه إلى قراسنقر فعزله، ثم إنه سعى وبرطل وولي، وعاملهم أشد من الأول فشكوه فعزله، ثم ولي فشكوه فعزله، ثم سعى وتولى، فاجتمع الفقهاء وقالوا ما لنا في الخلاص منه إلا الخطيب، فجاءوا إليه، فقال: ما أصنع بهذا الكلب ابن الكلب؟ فقالوا: ما له غيرك، فقال: يدبر الله، وأمر غلامه أن يأخذ سجادته ودواة وأقلاماً وورقاً ومصحفاً على كرسي، وقال له: توجه بهذا إلى كنيسة اليهود وافرش لي السجادة، وكان ذلك بعد عصر الجمعة.
فحضر الشيخ إلى الكنيسة، وجلس على السجادة وفتح المصحف من أوله وأخذ يكتب، فجاءوه اليهود ورأوه، وما أمكنهم يقولون له شيئاً لأنه خطيب البلد، وهو ذو وجاهة، وضاق عليهم الوقت، وأرادوا الدخول في السبت، وانحصروا، فقالوا له: يا سيدي قد قرب آذان المغرب ونريد نغلق الكنيسة، فقال: أبيت فيها لأني نذرت أن أنسخ هذا المصحف هنا.(1/67)
فضاقوا وضجوا وقالوا: والله ما نطيق هذا، وغداً السبت، فقال: كذا انفق، ولابد من المقام هنا إلى أن يفرغ هذا المصحف، فدخلوا عليه وقبلوا أقدامه وأقسموا عليه.
فقال: ولا بد؟ قالوا: نعم، قال: التزموا لي بأن تحرموا هذا المستوفي حتى لا يعود يباشر الأوقاف، فالتزموا له بذلك، واستراح المسلمون منه.
وكان له من هذا النمط أشياء لطيفة.
توفي بحلب سنة تسعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
شهاب الدين البارزي 674 - 755ه، 1275 - 1354م
أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن المسلم بن هبة الله بن حبان بن محمد ابن منصور بن أحمد، القاضي الصاحب شهاب الدين أبو العباس الجهني الحموي الشافعي، نزيل دمشق.
مولده في شوال سنة أربع وسبعين وستمائة.
كان لديه فضيلة، وهو من بيت علم ورئاسة، وتولى الوزر بمدينة حماه، وولي نظر الأوقاف بدمشق، وكان مشكور السيرة، كثير التواضع والبر، وله أفضال.
توفى بظاهر دمشق في ثالث عشرين شوال سنة خمس وخمسين وسبعمائة. رحمه الله تعالى.
ابن تيمية 661 - 728ه، 1262 - 1327م
أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القسم الخضر بن علي بن عبد الله، شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس بن أبي المحاسن شهاب الدين بن أبي البركات مجد الدين الحراني الأصل والمولد، الدمشقي الدار والوفاة، الحنبلي، المعروف بابن تيمية، الإمام العلامة، الحافظ الحجة، فريد دهره، ووحيد عصره.
مولده بحران في يوم الاثنين عاشر شهر ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة، وقدم دمشق مع والده سنة تسع وتسعين، وسمع الحديث من أحمد بن عبد الدائم، ومجد الدين بن عساكر، وابن أبي اليسر، وأكثر عن أصحاب حنبل، وأبي حفص بن طبرزد، وغيرهم.
وقرأ واشتغل وانتقى، وبرع في علوم الحديث، وانتهت إليه الرئاسة في مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه.
ودرس وأفتى، وتصدر للإقراء والإفادة عدة سنين، وفسر، وصنف التصانيف المفيدة.
وكان صحيح الذهن، ذكياً، إماماً متبحراً في علوم الديانة، موصوفاً بالكرم، مقتصداً في المأكل والملبس، وكان عارفاً بالفقه، واختلافات العلماء، والأصلين، والنحو، إماماً في التفسير وما يتعلق به، عارفاً باللغة، إماماً في المعقول والمنقول، حافظاً للحديث، مميزاً بين صحيحه وسقيمه.
أثني عليه جماعة من أعيان علماء عصره، مثل الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، والقاضي شهاب الدين الخويي، والشيخ شهاب الدين بن النحاس.
قال القاضي كمال الدين بن الزملكاني: اجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها، ثم جرت له محن في مسألة الطلاق الثلاث، وشد الرحال إلى قبور الأنبياء والصالحين، وحبب للناس القيام عليه، وحبس مرات بالقاهرة والإسكندرية ودمشق، وعقد له مجالس بالقاهرة ودمشق، مع أنه حصل له في تعظيم من الملك الناصر محمد بن قلاوون، وأطلق وتوجه إلى دمشق فأقام بها إلى أن ورد مرسوم شريف من السلطان في شعبان سنة ست وعشرين وسبعمائة بأن يجعل في قلعة دمشق قاعة حسنة، فأقام فيها مدة مشغولاً بالتصنيف، ثم بعد مدة منع من الكتابة والمطالعة، وأخرجوا ما عنده من الكتب، ولم يتركوا عنده دواة ولا قلماً ولا ورقة.
ومما وقع له قبل حبسه أنه بحث مع بعض الفقهاء، فكتب عليه محضر بأنه قال: أنا أشعري، ثم أخذ خطه بما نصه: أنا أعتقد أن القرآن معنى قائم بذات الله، وهو صفة من صفات ذاته القديمة، وهو غير مخلوق، وليس بحرف ولا صوت، وأن قوله: " الرحمن على العرش استوى " ليس على ظاهره، ولا أعلم كنه المراد به، بل لا يعلمه إلا لله، والقول في النزول كالقول في الاستواء، وكتبه أحمد بن تيمية، ثم أشهدوا عليه جماعة أنه تاب مما ينافي ذلك مختاراً، وشهد عليه بذلك جمع من العلماء وغيرهم. انتهى.
قلت: وعلم الشيخ تقي الدين وفضله معروف لا يحتاج إلى التطويل في ذكره.(1/68)
وقد أثنى عليه جماعة من أكابر العلماء، من ذلك ما كتبه القاضي كمال الدين بن الزملكاني على كتاب رفع الملام عن الأئمة الأعلام تأليف ابن تيمية ما لفظه: تأليف الشيخ الإمام العالم العلامة، الأوحد، الحافظ المجتهد الزاهد العابد القدوة، إمام الأئمة، قدوة الأمة علامة العلماء، وارث الأنبياء، آخر المجتهدين، أوحد علماء الدين، بركة الإسلام، حجة الإسلام، حجة الأعلام، برهان المتكلمين، قامع المبتدعين، محي السنة، ومن عظمت به لله علينا المنة، وقامت به على أعدائه الحجة، واستبانت ببركته وهديه المحجة، تقي الدين بن تيمية، ثم قال:
ماذا يقول الواصفون له ... وصفاته جلت عن الحصر
هو حجة لله قاهرة ... هو بيننا أعجوبة الدهر
هو آية للحق ظاهرة ... أنوارها أربت على الفجر
انتهى باختصار نسبه، ولما كتب له ذلك كان عمره إذ ذاك نحو الثلاثين سنة.
ولم يزل الشيخ تقي الدين المذكور محتفظاً به في قلعة دمشق إلى أن توفي بها في ليلة الاثنين العشرين من ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، ودفن من الغد بمقابر الصوفية، وحضر جنازته خلق كثير.
قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي: شيعه نحو من خمسين ألفاً، وحمل على الرؤوس، انتهى.
ومصنفاته تزيد على مائتي مصنف، استوعبها الشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك في تاريخه الوافي بالوفيات، رحمه الله تعالى.
الأديب شهاب الدين العزازي 634 - 710ه، 1226 - 1310م
أحمد بن عبد الملك بن عبد المنعم بن عبد العزيز بن جامع بن راضي بن جامع، الأديب الشاعر شهاب الدين أبو العباس العزازي، التاجر بقيسارية جهاركس بالقاهرة.
كان أديباً بارعاً، مطبوعاً، ظريفاً، له النظم الرائق الفائق، لا سيما نظمه للموشحات فإنه غاية في ذلك، وله ديوان شعر موجود، نذكر هنا قطعة جيدة من نظمه، أنشدني المسند عبد الرحيم بن الفرات إجازة، أنشدني الصلاح الصفدي إجازة، قال أنشدني من لفظه الحافظ فتح الدين بن سيد الناس، قال: أنشدني شهاب الدين العزازي من لفظه لنفسه يمدح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
دمي بأطلال ذات الخال مطلول ... وجيش صبري مهزوم ومفلول
ومن يلاق العيون الفاتكات بلا ... صبر يدافع عنه فهو محذول
قتلت في الحب حب الغانيات وما ... قارفت ذنباً وكم في الحب مقتول
لم يدر من سلب العشاق أنفسهم ... بأنه عن دم العشاق مسؤول
وبي أغن غضيض الطرف معتدل ال ... قوام لدن مهز العطف مجدول
كأنه في تثنيه وخطرته ... غصن من البان مطلول ومشمول
ومنها:
وكل ما تدعي أجفان مقلته ... يصح إلا غرامي فهو منحول
يا برق كيف الثنايا الغر من إضم ... يا برق أم كيف لي منهن تقبيل
ويا نسيم الصبا كرر على أذني ... حديثهن فما التكرار مملول
ومنها:
منازل لأكف الغيث توشية ... بها وللنور توشيح وتكليل
كأنما طيب رياها ونفحتها ... بطيب ترب رسول الله مجبول
أوفى النبيين برهانا ومعجزة ... وخير من جاءه الوحي جبريل
له يد وله باع يزينهما ... في السلم طول وفي يوم الوغى طول
ومنها:
سل الإله به سيفاً لملته ... وذلك السيف حتى الحشر مسلول
وشاد ركناً أثيلاً من نبوته ... والكفر واه وعرش الشرك مثلول
ويل لمن جحدوا برهانه وثنى ... عنان رشدهم غي وتضليل
وهي أطول من ذلك.
ومن شعره بالسند إجازة إليه:
بدوي قد حدثت مقلتاه ... عاشقاً من مقاتل الفرسان
بمحيا يقول يا لهلال ... ولحاظ تقول يا لسنان
ومن شعره أيضاً:
أراك فيمتلئ قلبي سروراً ... وأخشى أن يشط بنا المزار
أقم وأهجر وصد ولا تصلني ... رضيت بأن تجور وأنت جار
ومن موشحاته يعارض أحمد بن حسن، الموصلي، وقد تقدم ذكره.
وهي:
يا ليلة الوصل وكأس العقار ... دون استتار(1/69)
علمتماني كيف ... خلع العذار
اغتنم اللذات قبل ... الذهاب
وجر أذيال الصبا ... والشباب
واشرب فقد طابت كؤوس ... الشراب
على خدود تنبت الجلنار ... ذات احمرار
طرزها الحسن ... بآس العذار
الراح لا شك حياة ... النفوس
فحل منها عاطلات ... الكؤوس
واستجلها بين الندامى ... عروس
تجلى على خطابها في إزار ... من النضار
حباً بها قام ... مقام النثار
أما ترى وجه الهنا ... قد بدا
وطائر الأسحار قد ... غردا
والروض قد وشاه قطر ... الندا
فكمل اللهو بكأس تدار ... على افترار
مباسم النوار ... غب القطار
اجن من الوصل ثمار ... المنى
وواصل الكأس بما ... أمكنا
مع طيب الريقة حلو ... الجنا
بمقلة أفتك من ذي الفقار ... ذات احورار
منصورة الأجفان ... بالانكسار
زار وقد حل عقود ... الجفا
وأفتر عن ثغر الرضا ... والوفا
فقلت والوقت لنا ... قد صفا
يا ليلة انعم فيها وزار ... شمس النهار
وحييت من بين الليالي ... القصار
وله أيضاً موشح آخر، عفا الله عنه:
ما على ... من هام وجداً بذات الحلي
مبتلى ... بالحدق السود وبيض الطلى
يا للوى ... ملي حسن لديوني لوى
كم نوى ... قتلي وقد عذبني بالنوى
قد هوى ... في حبه قلبي بحكم الهوى
واصطلى ... نار تجنيه ونار القلى
كيف لا ... يذوب من هام بريم الفلا
هل ترى ... يجمعنا الدهر ولو في الكرى
أم ترى ... عيني محيا من لجسمي برى
بالسرى ... يا حاد ركبا لي بليلي سرى
عللا ... قلبي بتذكار اللقا عللا
وانزلا ... دون الحمى حي الحمى منزلا
بي رشا ... دمعي بسري في هواه فشا
لويشا ... برد مني جمرات الحشا
ما مشى ... إلا انئنى في سكره وانتشا
عطلا ... من الحميا يا مدير الطلا
ما حلا ... إذا أدار الناظر الأكحلا
هل يلام ... من غلب الحب عليه فهام
مستهام ... بفاتر اللحظ رشيق القوام
ذي ابتسام ... أحسن نظماً من حباب المدام
لو ملا ... من ريقه كأساً لأحيا الملا
أو جلا ... وجهاً رأيت القمر المجتلى
لو عفا ... قلبك عن من ذل أو من هفا(1/70)
أو صفا ... ما كان كالجلمد أو كالصفا
بالوفا ... سل عن فتى عذبته بالجفا
هل خلا ... فؤاده من خطرات الولا
أو سلا ... أو خان ذاك الوثق الأولا
وله أيضاً يعارض الموصلي المتقدم ذكره:
ما سلّت الأعين الفواتر ... من غمد أجفانها الصفاح
إلا أسالت دمع المحاجر ... من غير حرب ولا كفاح
تا الله ما حرك السواكن ... غير الظباء الجآذر
لما استجاشت بكل طاعن ... من القدود النواضر
وفوقت أسهم الكنائن ... من كل جفن وناظر
عرب إذا صحن يا لعامر ... بين سرايا من الملاح
طلت علينا من المحاجر ... طلائع تحمل السلاح
أحبب بما تطلع الجيوب ... منها وما تبرز الكلل
من أقمر ما لها مغيب ... وأغصن زانها الميل
هيهات أن تعدل القلوب ... عنها ولو جارت المقل
لما توشحن بالغدائر ... سفرن عن أوجه صباح
فانهزم الليل وهو عاثر ... في ذيله واختفى الصباح
وأهيف ناعم الشمائل ... تهزه نسمة الشمال
فينثني كالقصب مائل ... كما انثنى شارب ومال
له عذار كالند سائل ... لله كم من دم أسال
شقت على نبته المرائر ... من داخل الأنفس الصحاح
تكل في وصفه الخواطر ... وتخرس الألسن الفصاح
ظبي إلى الأنس لا يميل ... الشمس والبدر من حلاه
والحسن قالوا أو لم يقولوا ... مبداه منه ومنتهاه
وطرفه الناعس الكحيل ... هيهات من سيفه النجاة
أذل بالسحر كل ساحر ... فهو له خافض الجناح
يجول في باطن الضمائر ... كما يجول القضا المتاح
أما ترى الصبح قد تطلع ... مذ غمضت أعين الغسق
والبدر نحو الغروب أسرع ... كهارب ناله فرق
والبرق بين السحاب يلمع ... كصارم حين يمتشق
وتحسب الأنجم الزواهر ... أسنة ألقت السلاح
فانهزم النهر وهو سائر ... فدرعته يد الرياح
وأما موشحة الموصلي فهي:
رنا بأجفانه الفواتر ... وقد تثنى زين الملاح
فسلّ من طرفه بواتر ... وهز من عطفه رماح
ناظرة جرد المهند ... وغمده منى الحشا
وعامل القد فهو أملد ... يطعن في القلب إذ مشا
والعارض القائم المزود ... لفتنة الناس قد نشا
والحاجب القوس بالفواتر ... لنبله في الحشا جراح
ومشرف الصدغ فهو جائر ... سلطانه للدما أباح
فجفنه الفاتك الكناني ... من مقل راش لي نبال
وهو الخفاجي قد غزاني ... جسم زبيدي بالدلال
والردف يدعى من آل عامر ... وواضح الصلت من صباح
وخصره من هشيم ضامر ... يدور من حوله وشاح
فوجهه جنة وكوثر ... رضابه العذب لي حلا
والنار في وجنتيه تسعر ... والخال حيالها اصطلا
عجبت من خاله المعنبر ... إذ يعبد النار كيف لا
يحرق بالنار وهو كافر ... وما سقى ريقه القراح
كامل حسن معناه وافر ... بسيط وصف كالمسك فاح
ما أخضر نبت العذار إلا ... بآسه يتهج الشقيق
وهو كنمل سعى وولّى ... ولم يجد للجني طريق
من ريقه البدر إذ تجلى ... في هالة العارض الأنيق(1/71)
لما تبدّى بالوجه دائر ... وحير العقل حين لاح
شق على خده المرائر ... وقطع الأنفس الصحاح
ورب يوم أتى وحيا ... بالنجم والشمس والقمر
بالكأس والراح والمحيا ... ثلاثة تفتن البشر
وقال قم يا نديم هيا ... اقض بنا لذة الوطر
فالخمر تجلى على المزاهر ... من اغتباق إلى اصطباح
وطافت الراح بالمجامر ... من عنبر الزهر في البطاح
توفى بالقاهرة في سنة عشر وسبعمائة، عن ست وسبعين سنة، رحمه الله تعالى، وعفا عنه.
أبو العباس القزويني الصوفي 601 - 704ه، 1204 - 1304م
أحمد بن عبد المنعم بن أبي الغنائم، المقرئ المعمر، ركن الدين أبو العباس القزويني الصوفي الشافعي كبير الصوفية.
ولد سنة إحدى وستمائة، وسمع من أبي بكر بن الخازن ببغداد، وأبي الحسن السخاوي بدمشق، وجماعة أخر، وخرجت له عوالي فيها بالإجازات العامة عن أبي جعفر الصيدلاني وذويه.
وكان تام الشكل، محكم البنية، سمع عليه الحافظ شمس الدين الذهبي مسند الشافعي.
توفى سنة أربع وسبعمائة، عن مائة وثلاث سنين، رحمه الله تعالى.
الشريشي شارح المقامات 619ه، 1222م
أحمد بن عبد المؤمن بن موسى، الشيخ الإمام أبو العباس القيسي الشريشي، النحوي اللغوي، شارح مقامات الحريري.
كان إماماً عالماً، بارعاً في النحو، واللغة، وغير ذلك، تصدر للإقراء مدة سنين، وصنف التصانيف الكثيرة، وشرح المقامات.
قال ابن الأبار: له شرح الإيضاح لأبي علي، وشرح المقامات، صنف لها ثلاثة شروح، سمعت منه وأجاز لي، انتهى كلام ابن الأبار.
قلت: وشرحه، رحمه الله، أحسن شرح صنف على المقامات.
توفى بعد الستمائة بسنين تقريباً، رحمه الله تعالى.
شهاب الدين بن الدفوفي 620 - 695ه، 1223 - 1295م
أحمد بن عبد النصير بن علي بن سليمان، الشيخ الإمام المحدث شهاب الدين أبو البركات المقرئ المصري، المعروف بابن الدفوفي.
ولد سنة عشرين وستمائة، وسمع من ابن رواح، وابن الجميزي، وسبط السلفي، ومن بعدهم من البوصيري، وغيره، واعتنى بالحديث أتم عناية، ونسخ الكثير، وخطه معروف، وكان من المشهورين في هذا الشأن، ونسخ كتباً كباراً منها: حلية الأولياء لأبي نعيم، وروى عوالي مسموعاته، سمع منه الحافظ أبو عبد الله الذهبي، وجماعة أخر.
توفى سنة خمس وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
شهاب الدين الشاطر الدمنهوري 733 - 787ه، 1332 - 1385م
أحمد بن عبد الهادي بن أحمد، الإمام الفاضل الأديب شهاب الدين أبو العباس المعروف بالشاطر الدمنهوري.
مولده في نصف ليلة الأحد سابع عشرين شوال سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة.
كان له فضل غزير، واطلاع واسع، لا سيما في حل المترجم ونظم القريض.
ومن شعره في مروحة:
ومخطوبة في الحر من كل هاجر ... ومهجورة في البرد من كل خاطب
إذا ما الهوى المقصود هيج عاشقاً ... أتت بالهوى الممدود من كل جانب
توفى في عقبة أيلة متوجهاً إلى الحجاز في سنة سبع وثمانين وسبعمائة.
تقي الدين المقدسي الحوراني 583 - 667ه، 1187 - 1268م
أحمد بن عبد الواحد بن مري بن عبد الواحد، الشيخ الزاهد تقي الدين أبو العباس المقدسي الحوراني.
ولد سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، وسمع بحلب من الافتخار، وحده، روى عنه الحافظ شرف الدين الدمياطي، وعز الدين الدواداري، ورضي الدين الطبري، وهذه الطبقة.
وكان فقيهاً شافعياً، عارفاً بالفرائض، جامعاً بين العلم والعمل، صاحب تجرد وانقطاع، ولي إعادة المستنصرية ببغداد، ثم تزهد وأقبل على شأنه، وجاور بمكة، وكان يحط على ابن سبعين وينكر طريقه، وكان ابن سبعين يرميه بالتجسيم.
قلت: طريقة ابن سبعين غير مشكورة، واعتقاده أقبح من أن يذكر هنا، عليه من الله ما يستحقه، لا سيما كلامه في مثل هذا الرجل الصالح الزاهد، وكان هذا دأب ابن سبعين الحط على كل أحد إلا من وافقه على سوء طريقته، وقبيح اعتقاده، مثل العفيف التلمساني وغيره، لا حاجة لنا في ذكرهم، عاملهم الله بعدله.
توفى الشيخ تقي الدين صاحب الترجمة سنة سبع وستين وستمائة.
علاء الدين بن بنت الأعز 699ه، 1299م(1/72)
أحمد بن عبد الوهاب بن خلف بن محمود بن بدر العلائي، القاضي علاء الدين المعروف بابن الأعز، وهو أخو الأخوين قاضي القضاة صدر الدين محمد، وقاضي القضاة تقي الدين عبد الرحمن، تأتي ترجمة كل واحد منهما في محله إن شاء الله تعالى.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: أخبرني من لفظه الإمام العلامة أثير الدين أبو حيان قال: درس المذكور بالكهارية، والقطبية، وتولى الحسبة بآخره، وكان له معرفة بالأدب وتقييده، وكان فصيح العبارة، جميل الصورة، فيه إحسان ومكارم مروءة، لطيف المزاج، كثير التبسم، شهماً، جزلاً، حج ودخل اليمن، ترددت إليه مراراً بالقاهرة، واستدعانا لمأدبة صنعها بالروضة، وحضر معنا القاضي فخر الدين بن صدر الدين المارداني، فرأينا شاباً حسناً يسبح متلطخ بالتراب، فقال لنا القاضي علاء الدين: لينظم كل منا في هذا الشاب شيئاً، فقام كل منا إلى ناحية وانفرد، فنظمنا نظماً قريب الاتفاق، ولم يطلع أحد منا على ما نظم صاحبه إلى أن أكمل كل منا ما نظمه، فكان الذي نظمه القاضي المذكور:
ومترب لولا التراب بجسمه ... لم تبصر الأبصار منه منظرا
فكأنه بدر عليه سحابة ... والترب ليل من سناه أقمرا
وكان الذي نظمه فخر الدين:
ومترب تربت يدا من حازه ... كقضيب تبر ضمخوه بعنبر
وكان طرته ونور جبينه ... ليل أطل صباح أنور
وكان الذي نظمته، يعني الشيخ أثير الدين نفسه:
ومترب قد ظن أن جماله ... سيصونه منا بترب أعفر
فغدا يضيخه فزاد ملاحه ... إذ قد حوى ليلاً بصبح أنور
وكأنما الجسم العقيل وتربه ... كافورة لطخت بمسك أزفر
قلت: أحسن هذه المقاطيع قول ابن بنت الأعز، وأما مقطوع فخر الدين ففي الثاني فساد المعنى لأن الليل ما يطل على الصباح وإنما الليل يطل على النهار، والصباح يطل على الليل انتهى كلام الصفدي.
قلت: لم يعجبني هذا الاعتراض منه ويطول الشرح في الجواب عن فخر الدين انتهى.
وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبي: وقدم دمشق وولي تدريس الظاهرية والقيمرية، وكان مليح الشكل، لطيف الشمائل يتحنك بطيلسانه، ويركب البغلة، ثم عاد إلى مصر، وأقام بها مديدة.
وتوفى سنة تسع وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
شهاب الدين النويري 682 - 732ه، 1283 - 1331م
أحمد بن عبد الوهاب بن أحمد بن عبد الوهاب بن عبادة، الشيخ الإمام المؤرخ شهاب الدين، البكري، النويري، الشافعي.
كان فقيهاً فاضلاً، مؤرخاً بارعاً، وله مشاركة جيدة في علوم، وكتب الخط المنسوب، قيل إنه كتب صحيح البخاري ثمان مرات، وكان يبيع كل نسخة من البخاري بخطه بألف درهم، وكان يكتب في كل يوم ثلاث كراريس، وألف تاريخاً سماه منتهى الأرب في علم الأدب في ثلاثين مجلداً.
توفى سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، وهو من أبناء الخمسين، رحمه الله تعالى.
العلامة تاج الدين التركماني 681 - 744ه، 1282 - 1343م
أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن مصطفى بن سليمان، الشيخ الإمام العلامة تاج الدين أبو العباس بن العلامة فخر الدين، وأخو العلامة علاء الدين، وهو عم قاضي القضاة جمال الدين، التركماني الأصل، المارديني، المصري المولد، الحنفي، الشهير بابن التركماني.
ولد بديار مصر في ليلة السبت الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وستمائة، وطلب العلم بها.
وتفقه على جماعة من أعيان العلماء.
قال القاضي مجد الدين إسماعيل الحنفي: نقلت من خط ولده جلال الدين أبي المعالي محمد قال: كتب المقر الشهابي بن فضل الشهابي بن فضل الله كاتب السر الشريف يسأل والدي عن الاسم والنسب والمولد والمنشأ والمحتد وماله من تصنيف وتأليف، فكتب إليه الاسم والكنية والمولد والسكن، ثم قال، وأما القبيلة فهو من التركماني الذين ينسلون من كل حدب، لا فارس الخيل ولا وجه العرب، وأما النسبة قمن ماردين، وأما سقوط الألف واللام لكانت من الماردين، فأعجب لنسبه تمت بالنقصان، ولحقيقة وجدت بالفقدان، انتهى.(1/73)
قلت: وطلب العلم، واجتهد، ولزم العلماء إلى أن برع في الفقه والأصول والعربية والمنطق والمعاني والبيان وغير ذلك، وتصدر للإفتاء والتدريس، وانتفع به الناس، وأشغل مدة طويلة، وصنف الكتب المفيدة، وله النظم والنثر، ومن تصانيفه تعليقه على المحصل للإمام فخر الدين الرازي، وشرح مختصر الباجي في أصول الفقه مختصر المحصول وتعليقه على المحصول، وتعليقه على المنتخب أصول الفقه للحنفية، وثلاث تعاليق على خلاصة الدلائل في تنقيح المسائل في فقه المذهب، الأولى في حل مشكلاته وتبين معضلاته وشرح ألفاظه وتفسير معانيه، والثانية في ذكر ما أهمله من مسائل الهداية، والثالثة في ذكر أحاديثه والكلام ما عليها وحل متونها وتصحيحها وتخريجها، وشرح الجامع الكبير لمحمد بن الحسن، وشرح الهداية ولم يكمله، وكتابان في علم الفرائض مبسوطاً ومتوسطاً، وتعليق على مقدمتي بن الحاجب، وشرح المقرب لابن عصفور، وشرح عروض ابن الحاجب، وكتاب أحكام الرماية، والسبق الحلل، وكتاب الأبحاث الجلية على مسألة ابن تيمية، وشرح الشمسية في المنطق، وعدة تصانيف أخر.
وكان يكتب الخط المنسوب، ويجيد النظم والنثر.
ومن شعره ما كتبه إلى القاضي شهاب الدين بن فضل الله العمري رحمه الله تعالى:
غرامي بكم بين البرية قد فشا ... فلست أبالي بالرقيب وما وشى
ولا غر وأن غرت صفاتك من حكي ... فما قدر ما حاك الربيع وما وشى
وإن قستها بالدر قال لي السها ... أفق إنّ ذاك الدر في بحره انتشى
فقمت بها أشدو على كل مشهد ... فكل به عجباً تواجد وانتشى
مغارسه طابت وطاب أبوة ... وذلك فضل الله يؤتيه من يشا
وهي أطول من ذلك، أضربت عن بقيتها خوفاً من الملل.
قلت: وهذا البيت الأخير أخذه الصاحب فخر الدين بن مكانس برمته في مديح ولده مجد الدين حيث قال:
أرى ولدي قد زاده الله بهجة ... وكمله في الخلق والخلق مذ نشا
سأشكر ربي حيث أوتيت مثله ... وذلك فضل الله يؤتيه من يشا
توفى تاج الدين المذكور في مستهل جمادى الأولى سنة أربع وأربعين وسبعمائة بالقاهرة. رحمه الله تعالى.
شهاب الدين الذهبي 642 - 697ه، 1244 - 1297م
أحمد بن عثمان بن قايماز بن أبي محمد عبد الله، الشيخ شهاب الدين التركماني الفارقي الأصل، الدمشقي، الذهبي، المعروف بالشهاب، ولد الحافظ أبي عبد الله شمس الدين الذهبي.
مولده سنة اثنتين وأربعين وستمائة، وقرأ في صغره، واشتغل يسيرا، وبرع في صنعة الذهب المدقوق، وسمع صحيح البخاري سنة ست وستين على المقداد القيسي، عن سعيد بن الرزاز، عن أبي الوقت، وأجاز له تقي الدين بن أبي اليسر، والشيخ جمال الدين بن مالك، وجماعة، وسمع مع والده ببعلبك من التاج عبد الخالق، وزينب بنت كندي.
وكان فيه الخير، ويتصدق على الفقراء.
وتوفى سنة سبع وتسعين وستمائة، ودفن بقرية بالجبل، كان اشتراها وعمرها قبل موته، رحمه الله تعالى.
شهاب الدين بن السلعوس 697ه، 1297م
أحمد بن عثمان بن أبي الرجاء، الرئيس شهاب الدين التنوخي الدمشقي، أخو الصاحب شمس الدين بن السلعوس.
كان ديناً، عاقلاً، يحب سماع الحديث، سمع من عبد الدائم بالإسكندرية في تجارة ومن عثمان بن عوف وحدث.
سمع منه البرزالي وغيره.
وكان ثقيل السمع، وتولي بجاه أخيه نظر الجامع الأموي بدمشق، ورزق الجاه العريض في دولة أخيه، لما وزر للملك الأشرف خليل بن قلاوون، ولما مات أخوه المذكور ذهب ذلك كله عنه، وعاد إلى حاله أولاً، إلى أن مات كهلاً في سنة سبع وتسعين وستمائة.
قلت: وكذا وقع في زماننا هذا لأقارب أبي الخير النحاس، من عود كل واحد من أخوته ووالدهم إلى صنائعهم، بعد أن قاسوا من البهدلة والسب أهوالاً كثيرة.
شهاب الدين الكلوتاتي الحنفي 762 - 835ه، 1360 - 1431م
أحمد بن عثمان بن محمد بن عبد الله، المسند المعمر المحدث، شهاب الدين الكلوتاتي، الحنفي.(1/74)
ولد سنة اثنتين وستين وسبعمائة، واعتنى بالحديث، وسمع الكثير، وقرأ من سنة تسع وسبعين بنفسه على المشايخ فأكثر، حتى قرأ صحيح البخاري نحواً من خمسين مرة، ودأب وحصل، وأفاد الطلبة، وحدث سنين بالقاهرة، إلى أن توفي يوم الاثنين الرابع والعشرين من جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين وثمانمائة، رحمه الله تعالى.
ابن عجلان أمير مكة 740 - 788ه، 1339 - 1386م
أحمد بن عجلان بن رميثه، واسم رميثه منجد، بن أبي نمى محمد بن أبي سعد حسن بن علي بن قتادة بن إدريس بن مطاعن، السيد الشريف شهاب الدين أبو سليمان المكي الحسني، أمير مكة ورئيس الحجاز.
ولي إمرة مكة شريكاً لأبيه وميثه ومستقلا، ثم شريكاً لابنه محمد ستاً وعشرين سنة تنقص أشهراً، لأنه كان نائباً عن أبيه أيام مشاركة أبيه لعمه ثقبة في إمرة مكة في سنة ستين وسبعمائة، فلما عزلا في هذه السنة بأخويهما سند وابن عمهما محمد بن عطيفة، فتوجه عجلان وابنه أحمد هذا وكبيش إلى القاهرة، فلما وصلوا إلى القاهرة قبض عليهم السلطان الملك الناصر حسن وحبسهم بقلعة الجبل،وأقسم أن لا يطلقهم مادام حياً، لأنه كان شديد الحنق على عجلان وابنه أحمد المذكور، لأمور حصلت من عجلان وابنه فاستمر بقلعة الجبل مدة، ثم نقلا إلى سجن الإسكندرية واستمرا بها إلى أن قبض على الملك الناصر حسن أطلقا، وولي عجلان إمرة مكة شريكاً لأخيه ثقبة، وتوجه عجلان بجماعته إلى مكة، فلما وصل إلى وادي مر ألفوا به ثقبة عليلاً مدنفاً، ثم مات ثقبة بعد أيام قليلة في أوائل شوال سنة اثنتين وستين وسبعمائة، فبادر عجلان ودخل مكة، وأشرك ابنه أحمد هذا معه في الإمرة، فأقاما على ذلك مدة، ثم ترك عجلان الإمرة لأبنه أحمد بعد أمور وقعت بينهما، وشرط عليه أن يعطيه أحمد في السنة ثلاثمائة ألف درهم، وظن عجلان أن ابنه أحمد يعجز عن ذلك، فأعانه التجار وأصهاره، فندم عجلان على تركه الإمرة، ودام أحمد صاحب الترجمة في الإمرة إلى أن أشرك معه في الإمرة إلى أن أشرك معه في الإمرة ولده محمد في سنة ثمانين وسبعمائة.
واستمر على ذلك إلى أن تعلل من حبة طلعت تحت أذنه، فمات منها في ليلة السبت العشرين من شعبان سنة ثمانين وسبعمائة، عن نحو ثمان وأربعين سنة، وصلى عليه بالحرم، بعد أن قال المؤذن على زمزم: الصلاة على الملك العادل، ودفن بالمعلاة، وبينت عليه قبة.
وقد مدحه في حياته جماعة من الشعراء بقصائد حسنة كثيرة، وكان يجيزهم بالعطايا الجزيلة، وكان مشكور السيرة وله محاسن جمة، كثير العدل في الرعية، مكرماً للتجار، مسامحاً لهم بأشياء كثيرة، وكان له ثروة ومال جزيل، فلعمري هل كان مع هذه السيرة الجميلة سنياً، أو كان على مذهبهم القبيح، انتهى.
ابن بكتمر 786 - 841ه، 1384 - 1437م
أحمد بن على بن قرطاي، سبط بكتمر الساقي، الشهير بجده المذكور.
مولده في يوم الأحد ثالث عشرين شعبان سنة ست وثمانين وسبعمائة بالقاهرة، ونشأ بها في السعادة، وطلب العلم، وكتب الخط المنسوب إلى الغاية، لا سيما في طريقة الأستاذ ياقوت المستعصمي، وبرع في عدة فنون.
وكان فاضلاً، أديباً شاعراً لطيفاً، ذا محاضرة حسنة، ووجه صبح، وكان محباً لتحصيل الفضيلة والتحف، ظهر له بعد موته من الكتب النفيسة وخطوط الكتاب القديمة والتحف ما أدهش الناس لرؤيته، وكان له محاسن شتى، غير أنه كان مسرفاً في المال جداً، كان يدخل حاصله في السنة من أوقاف جده بكتمر من الأموال جملة مستكثرة، فتذهب منه، ثم يتحمل من الديون ما شاء الله أن يتحمله، ومات وعليه جملة مستكثرة.
وكان سميناً جداً إلى الغاية بحيث أنه كان لا يحمله إلا الجياد من الخيل، وكان بيني وبينه صحبة ومحبة إلى أن توفي في ليلة الاثنين عاشر ذي القعدة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، رحمه الله تعالى.
ومن شعره في إسمه إبراهيم:
إن إبراهيم أورى ... في الحشا منه ضراماً
ليت قلبي يلقاه ... نال برداً وسلاماً
وله أيضاً:
حبي المعذر وافي ... من بعد هجر ومطل
وقال صف لي عذارى ... فقلت يا حب نملى
وله في من يسمى خصيب.
رعى الله أيام الربيع وروضها ... بها الورد يزهو مثل خد حبيبي
وإني وحتى الحب ليس ترحلي ... سوى لمكان ممرع وخصيب(1/75)
ابن الفصيح 680 - 755ه، 1281 - 1354م
أحمد بن علي بن أحمد، الإمام العالم العلامة فخر الدين أبو طالب الكوفي الفقية الحنفي الهمداني المعروف بابن الفصيح.
مولده سنة ثمانين وستمائة، سمع من ابن الدواليبي، وصالح بن الصباغ، وغيرهما، وأجاز له ابن الطبال، وغيره.
قال القاضي بدر الدين حسن بن حبيب في تاريخه: سنة خمس وخمسين وسبعمائة: فيها توفي الإمام فخر الدين أبو طالب أحمد بن علي بن أحمد الكوفي البغدادي الشهير بابن الفصيح الحنفي، عالم حلت عبارته، وعلت إشارته، ولطفت معاني ذاته، وعذبت مذافة نباته، وحسنت أخلاقه، ورقمت بالتبر أوراقه، تصدى لمعرفة العلوم الأدبية، وتصدر ببغداد لإقراء العربية، ومهر في حل المشكلات والغوامض، ونظم الكنز في الفقه، والسراجية في الفرائض.
ثم قدم إلى دمشق فدرس وأعاد، وجلس للإفادة مبلغاً طلبة العلم غاية المراد.
وهو القائل:
أمر سواكه من در ... وناولنيه وهو أحب عندي
فذقت رضابه ما بين ندٍ ... وخمر مزجاً كلاً بشهد
وله أيضاً:
زار الحبيب فحيا ... يا حسن ذاك المحيا
من صده كنت ميتاً ... من وصله عدت حيا
وكتب إليه الأستاذ أبو حيان الأندلسي لما قدم دمشق من أبيات:
شرف الشام واستنارت رباه ... بإمام الأئمة ابن فصيح
كل يوم له دروس علوم ... بلسان عذب وفكر صحيح
وكانت وفاته في التاريخ المتقدم بدمشق وقد قارب الثمانين، رحمه الله تعالى.
المسند أمين الدين أبو العباس 586 - 670ه، 1190 - 1271م
أحمد بن علي بن يوسف بن عبد الله بن بندار، المسند أمين الدين أبو العباس ابن قاضي القضاة زين الدين أبي الحسن بن العلامة أبي المحاسن الدمشقي الأصل المصري الشافعي.
مولده سنة ست وثمانين وخمسمائة، وسمع من أبيه، وعمه أبي حفص، والبوصيري، وابن ياسين، وأبي الفضل الغزنوي، والعماد الكاتب، وروى الكثير، روى عنه الحافظ شرف الدين الدمياطي، وقاضي القضاة ابن جماعة، والدواداري، وجماعة، وكان آخر من روى صحيح البخاري عن هبة الله البوصيري.
توفي بالقاهرة سنة سبعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
جمال الدين أبو بكر القلانسي 640 - 704ه، 1242 - 1304م
أحمد بن علي بن عبد الله بن أبي البدر، الشيخ المحدث جمال الدين أبو بكر البغدادي القلانسي.
مولده في جمادى الآخرة سنة أربعين وستمائة، واعتنى بالرواية وهو ابن عشرين سنة، وسمع الكثير من عبد الصمد وغيره، وخرج وأفاد، وكتب وروى قليلاً، حدث عنه التقي محمد بن محمود الكرخي وابنه أحمد، وأحمد ابن عبد الغني الوفاياني، وعبد الله بن سليمان الغراد، ومحمد بن يوسف بن منكلي، وكان صدوقاً، كتب عن المشايخ في الإجازات.
توفي سنة أربع وسبعمائة. رحمه الله تعالى.
مجد الدين القشيري المنفلوطي 636 - 723ه، 1238 - 1323م
أحمد بن علي بن وهب العدل المعمر، تاج الدين أبو العباس ابن العلامة مجد الدين القشيري المنفلوطي، أخو قاضي القضاة تقي الدين بن دقيق العيد.
ولد في أحد الربعين سنة ست وثلاثين وستمائة، سمع الثقفيات العشرة، وثاني المحامليات، وثاني حديث سعدان، وأربعين السلفي من ابن الجميري، وسمع جزء الصولي من ابن رواح، وسمع من الزكي المنذري، وغير واحد، وحدث قديماً، سمع منه البرزالي، والقطب عبد الكريم، وجماعة.
وطال عمره. وتفرد بقوص.
قال كمال الدين حعفر الأدفوي في تاريخه: اشتغل بالفقه بالمذهبين: مذهب مالك والشافعي على أبيه، ودرس بالمدرسة النجيبية بقوص مكان والده، وكان يلقي درساً في المذهبين، ودرس بدار الحديث السابقية، وسمع منه قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن جماعة، والحافظ فتح الدين بن سيد الناس، والقاضي تاج الدين عبد الغفار السعدي.
وكان قليل العلم في المذهبين، وتولى الحكم بغرب قمولا، وبقوص عن قاضي القضاة الحنفي، وكان كثير التعبد، يصوم الدهر، ويكفل الأيتام، وكان يتساهل في الشهادة وفي الكلام، وذكر عنه أشياء في التساهل، واختلط بآخره. انتهى كلام الأدفوي المتناقض.
قلت: وكانت وفاته بقوص في سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، عن سبع وثمانين سنة، رحمه الله تعالى.
القاضي شهاب الدين النويري المكي المالكي 780 - 827ه، 1378 - 1423م(1/76)
أحمد بن علي بن أحمد بن عبد العزيز بن القاسم، قاضي مكة، شهاب الدين، وإمام المالكية بالحرم الشريف، وابن إمام المالكية، القاضي نور الدين المكي المالكي النويري.
مولده في صفر سنة ثمانين وسبعمائة بمكة، وسمع على العفيف عبد الله، ووالده، وسمع أيضاً بقراءة أخيه عبد العزيز علي الشيخ نصر الله بن أحمد البغدادي الحنبلي شيئاً من أول كتاب المعتبر في اختصار مختصر بن الحاجب، وشيئاً من كتاب أثير الغريب في نظم الغريب، وجميع القصيدة المسماة ببغية العامل في نظم العوامل، ومن جماعة أخر بمكة، وحفظ الرسالة لابن أبي زيد المالكي، وتفقه على الشريف - عبد الرحمن بن - أبي الخير الفاسي،وغيره.
وأفتى ودرس، وولي بعد وفاة والده بمدة إمام المالكية بالحرم، ثم بعد مدة طويلة ولي القضاء فلم يتم أمره، ودام مصروفاً إلى أن توفي قبيل العصر من يوم الأربعاء ثالث عشر شهر ربيع الآخر سنة سبع وعشرين وثمانمائة، ودفن في صبح يوم الخميس بالمعلاة، وكان له ثروة.
رحمه الله تعالى.
قاضي القضاة نجم الدين الطرسوسي الحنفي 719 - 758ه،1319 - 1356م
أحمد بن علي بن عبد الواحد - قيل عبد الوهاب - بن عبد المنعم بن عبد الصمد، قاضي القضاة نجم الدين أبو العباس بن قاضي القضاة نجم الدين أبو العباس بن قاضي القضاة عماد الدين الحنفي الطرسوسي.
نشأ في حياة والده، وبه تفقه، وبغيره، وبرع في الفقه، والأصلين، والعربية، وغير ذلك، وأفتى ودرس في حياة والده، وتصدر للإقراء سنين، وناب في الحكم عن والده، ثم استقل بوظيفة قضاء الحنفية بدمشق برغبة من والده له، وباشر الوظيفة مدة، وحسنت سيرته.
وكان إماماً عالماً بارعاً، بليغاً عفيفاً، وقوراً، معظماً في الدول، وكان متبحراً في مذهبه، وله تصانيف كثيرة حسنة.
توفي سنة ثمان وخمسين وستمائة، رحمه الله تعالى.
أبو المكارم العبدري الشيبي الحجبي - 808ه، - 1405م
أحمد بن علي بن أبي راجح محمد بن إدريس، الشيخ أبو المكارم العبدري الشيبي الحجبي المكي، شيخ الحجبة، وفاتح الكعبة.
كان من أعيان بني شيبة، مولده بمكة، وبها نشأ، وولي مشيخة الحجبة، ودام بها مدة، ثم إنه قصد اليمن، فسار في البحر المالح في أوائل سنة ثمان وثمانمائة، فمات غريقاً في السنة المذكورة، رحمه الله تعالى.
القاضي شهاب الدين الفاسي المكي الحسني 754 - 819ه، 1353 - 1416م
أحمد بن علي بن محمد بن عبد الرحمن، السيد الشريف القاضي شهاب الدين أبو العباس بن السيد نور الدين الفاسي الأصل، المكي المولد والمنشأ والوفاة، هو وولده الحافظ المؤرخ تقي الدين الفاسي.
فقال ولده المذكور في تاريخه: مولد والدي في الثاني والعشرين من ربيع الأول سنة أربع وخمسين وسبعمائة بمكة، وسمع بها على قاضيها شاب الدين الطبري تساعيات جده الرضى الطبري، وتفرد بها عنه، وعلى الشيخ خليل المالكي صحيح مسلم خلا المجلد الرابع من تجزئة أربعة، وسمعه بكماله على الشيخ عبد الله بن أسعد اليافعي، وعلى القاضي عز الدين بن جماعة الآربعين التساعية له، ومنسكه الكبير، وغير ذلك، وعلى القاضي موفق الدين الحنبلي قاضي الحنابلة بمصر، وسمع بالقاهرة من قاضيها أبي البقاء السبكي صحيح البخاري، ومن غيره وسمع بحلب، وأجاز له جماعة من أصحاب ابن البخاري وطبقته، وغيرهم، وحفظ كتباً علمية في صغره، ةاشتغل في الفقه، والأصول، والعربية، والمعاني والبيان، والأدب، وغير ذلك.
وكان ذا فضل ومعرفة تامة بالأحكام والوثائق، وله نظم كثير ونثر، ويقع له في ذلك أشياء حسنة.
ثم قال: ومن شيوخ والدي في الفقه والنحو الشيخ أبو العباس بن عبد المعطي المكي النحوي، وأذن له في الإفتاء الشيخ موسى المراكشي، وأخذ عن القاضي أبي الفضل النويري أشياء من العلم، وعن غير واحد بمصر وغيرها، ودرس وأفتى كثيراً، وحدث، أخذت عنه بمنى وبمكة، وسمع منه الطلبة، وله تواليف في مسائل، وناب عني في الحكم بآخره، وبلي عن ابن أخته القاضي سراج الدين عبد اللطيف ابن أبي الفتح الحنبلي، وعن القاضي جمال الدين بن ظهيرة في وقائع، وناب في مثل ذلك عن القاضي محب الدين النويري، ووالده القاضي أبي الفضل، انتهى.(1/77)
قلت: وقد أطلق الحافظ تقي الدين عنان القلم في ترجمة والده هذا إلى أن قال: وتوفى باثر صلاة الصبح من يوم الجمعة الحادي والعشرين من شوال سنة تسع عشرة وثمانمائة بمكة، وصلى عليه عقيب الجمعة عند باب الكعبة، ودفن بالمعلاه، رحمه الله تعالى.
الشريف شهاب الدين كاتب السر الشريف 774 - 833ه، 1372 - 1429م
أحمد بن علي بن إبراهيم بن عدنان بن جعفر بن محمد بن عدنان، السيد الشريف شهاب الدين الحسيني، الدمشقي الأصل والمولد والمنشأ، المصري الوفاة، كاتب السر الشريف بديار مصر.
مولده بدمشق في سابع شوال سنة أربع وسبعين وسبعمائة، وبها نشأ، وتفقه على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، وولي بها عدة وظائف سنية: ولي كتابة سرها، ثم نظر جيشها، ثم تولى قضاء القضاة الشافعية بها.
ونقابة الأشراف، وتنقل في هذه الوظائف بدمشق سنين، وتكرر قدومه إلى القاهرة غير مرة إلى أن طلبه الملك الأشرف برسباي إلى الديار المصرية، وولاه كتابة سرها، عوضاً عن القاضي جلال الدين محمد بن القاضي بدر الدين محمد بن مزهر بحكم عزله، فباشر المذكور كتابة سر مصر مباشرة حسنة، وسار فيها أجمل سيرة، على أن أيامه لم تطل، فإن قدومه إلى القاهرة كان في ذي الحجة من سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة، وخلع عليه باستقراره في كتابة السر في يوم الخميس خامس عشر الشهر المذكور، وعملت له الطرحة خضراء برقمات ذهب.
وتوفى ليلة الخميس ثامن عشرين جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة بالطاعون.
وتولى كتابة السر من بعده أخوه أبو بكر الملقب عماد الدين، وباشر الوظيفة مدة يسيرة من غير أن يخلع عليه خلعة كتابة السر، فعاجلته أيضاً المنية ومات في ليلة الجمعة ثالث عشر شهر رجب من السنة المذكورة، وموته أيضاً كان بالطاعون، وكان قدومه إلى القاهرة لزيارة أخيه الشريف شهاب الدين، فماتا في أيام قلائل رحمها الله تعالى.
وكان الشريف شهاب الدين صاحب الترجمة من أعيان رؤساء أهل دمشق، وله بها مآثر حسنة وأملاك كثيرة وكان مثرياً، وله مكارم، وأفضال، رحمه الله تعالى.
قاضي القضاة بهاء الدين السبكي 719 - 773ه، 1319 - 1371م
أحمد بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام، العلامة الفقيه الأصولي المحدث قاضي القضاة بهاء الدين أبو حامد بن شيخ الإسلام تقي الدين السبكي الشافعي.
مولده بالقاهرة في ليلة الأربعاء العشرين من جمادى الآخرة سنة تسع عشرة وسبعمائة، واستجاز له أبوه مشايخ عصره بديار مصر وبلاد الشام، ثم أحضر مجالس الحديث وأسمعه بالقاهرة من الحجاز، وأبي الحسن الواني، وأبو الفتح الدبوسي، والجلال الدلاصي، والبدر بن جماعة، والنجم بن خلكان، والشهاب بن غانم، ويوسف بن محمد الكردي، ومحمد بن غالي، وغيرهم، وبدمشق من الحافظ جمال الدين المنوي، ومن أبي تمام الجزري، والذهبي، وخلائق أخر، وطلب العلم وتفقه بوالده، وبالشيخ مجد الدين الزنكلوني، والشيخ شمس الدين القماح، وغيرهم، وأخذ النحو عن الشيخ أثير الدين أبي حيان وغيره، وبرع في فنون، وأذن له بالإفتاء والتدريس وعمره عشرون سنة، ونظم الشعر الجيد، ولما ولي أبوه قضاء دمشق ولاه المنصور وظائف أبيه: تدريس المنصورية، والسيفية، ومشيخة الحديث بالجامع الطولوني، والجامع الظاهري، فقام بذلك أحسن قيام، ولما بلغ والده أنه درس أحسن منه أنشد:
دروس أحمد خير من دروس علي ... وذاك عند علي غاية الأمل
فأجاز في ذلك الصلاح الصفدي بقوله:
لأن في الفرع ما في أصله وله ... زيادة ودليل الناس فيه جلى
وقال فيه أيضاً:
أبو حامد في العلم أمثال أنجم ... وفي النقد كالإبريز أخلص في السبك
فأولهم من أسفرايني نشؤه ... وثانيهم الطوسي وثالثهم السبكي
واستمر في وظائف والده إلى أن توفي والده، ومن بعده إلى أن ولي قضاء دمشق عوضاً عن أخيه تاج الدين، واستقر تاج الدين في الوظائف التي كانت بيد بهاء الدين، وذلك برضاء كل منهما، ثم صرف بأخيه وقدم إلى القاهرة على البريد، وأعيدت إليه وظائفه التي كانت بيده أولاً، وأضيف إليه قضاء العسكر عوضاً عن بهاء الدين أبي البقاء.(1/78)
ثم توجه إلى الحج، وأقبل على العبادة، وانقطع عن الدنيا وتزهد، وجاور بمكة، وصنف التصانيف المفيدة، من ذلك: شرح مختصر ابن الحاجب في أصول الفقه، وشرح تلخيص المفتاح في المعاني والبيان، وصنف شرحاً كبيراً على الحاوي في الفقه لم يكمله، وله ديوان خطب، وفوائد كثيرة.
وكان والده يعظمه كثيراً، ويفضله على أخيه تاج الدين، يأتي ذكر الأخ في محله إن شاء الله تعالى، وأثنى عليه جماعة من الأئمة.
ذكره الذهبي في المعجم المختصر وقال: له فضائل وعلم جيد، وفيه أدب وتقوى، ساد وهو ابن عشرين سنة، ودرس في مناصب أبيه، انتهى كلام الذهبي.
وكذلك أثنى عليه ابن الأثير وغيره.
قلت: وعلمه مشهور، وفضله مأثور، وله نظم ونثر وخطب، ومن شعره قصيدة لما زار النبي صلى الله عليه وسلم، وأنشدها بالحضرة الشريفة، منها:
وقف في حمى خير الورى بتأدب ... وذل وكسر وافتقار وخشية
وقل يا أعز المرسلين ومن له ... على ذروة العلياء أعظم رتبة
وخير نبي جاء من خير عنصر ... بخير كتاب قد هدى خير أمة
وأولهم فضلاً وبشراً إذا دعوا ... وأخرهم بعثاً وأوسط نسبة
لك المعجزات الغر لاحت خوارقاً ... وباهر آيات عن الحصر جلّت
ومدح الأثير أبا حيان بقصيدة أولها:
فداكم فؤاد حان بالعيد فقده ... وصب قضى وجدا وما حال عهده
وقلب جريح بالغرام متيم ... وطرف قريح طال في الليل سهده
فأجابه بقصيدة أولها:
أبو حامد حتم على الناس حمده ... لما حاز من علم به كان رشده
وهي طويلة، وقد ضمن البيت المشهور من قصيدة عبد الله بن المعتز:
علموني كيف السلوّ وإلا ... فاحجبوا عن مقلتي الملاحا
فقال:
بي ظباء قد تربت صباحاً ... نورها أصبح يحكي الصباحا
قلت للعذال لما تغالوا ... في ملامي بعد ما العذر لاحا
علموني كيف السلو وإلا ... فاحجبوا عن مقلتي الملاحا
ثم توجه إلى مكة وجاور بها، وكان بمكة أيضاً الشيخ برهان الدين الإبناسي، المتقدم ذكره، في أثناء السنة مرضاً أشفى منه على الموت، فبعث الشيخ بهاء الدين المذكور قاصداً من مكة إلى القاهرة يسأل في وظائف الإبناسي أن تستقر باسمه، وقد غلب على ظنه أنه لا يعيش من هذا المرض، ثم دخل عليه السبكي بعد أيام يعوده، فإذا به قد تناقص مرضه، فتحادثا ساعة وكان تجاههما نعش قد جدد عمله، فنظر بهاء الدين السبكي إلى النعش ثم قال للإبناس: يا شيخ برهان الدين أتدري ما يقول هذا النعش؟.
فقال إنه يقول:
انظر إلي بعقلك ... أنا المعد لحملك
أنا سرير المنايا ... كم سار مثلي لمثلك
ثم أخذ الشيخ بهاء الدين يحسن للإبناسي أن يتوجه معه إلى المدينة النبوية، فاعتل بما به من المرض، فما زال به حتى أذعن، وخرجا من مكة إلى المدينة فأقاما بها مدة، ثم سارا عائدين إلى مكة، فلما نزلا الحجفة حم بهاء الدين صاحب الترجمة، فقدم مكة وقد اشتد به مرضه إلى أن توفي بمكة في ليلة الخميس سابع شهر رجب عام ثلاث وسبعين وسبعمائة، رحمه الله.
وسبك قرية بالمنوفية، يأتي ذكرها في ترجمة والده تقي الدين السبكي، إن شاء الله تعالى.
ابن السديد الإسنائي 646 - 704ه، 1248 - 1304م
أحمد بن علي بن هبة الله، القاضي شمس الدين، يعرف بابن السديد الإسنائي الشافعي.
مولده بإسنا، وبها نشأ، وتفقه على الشيخ بهاء الدين هبة الله القفطي، وغيره، وتولى الخطابة بإسنا، وناب بها في الحكم، وبإدفو وبقوص ودرس بها، وبنى مدرسة ووقف عليها أملاكاً جيدة، ووقف على الفقراء.
وكان رئيس الصعيد وعالمه، وكان قوي النفس، كثير العطاء، محافظاً على رئاسة دنياه، واقفاً مع هواه، وكان ممدحاً، مهيباً، يعطي الآلاف الكثير في الأمر اللطيف ليقهر معانده، قيل أنه انصرف منه على نيابة الحكم بقوص ثمانون ألف درهم، ثم صادره الأمير سيف الدين كراي المنصوري في أخر عمره، وأخذ منه مائة وستين ألف درهم، ثم قدم إلى مصر وتمارض، فمرض في شهر رجب إلى أن توفي في سنة أربع وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
الشيخ تقي الدين المقريزي 766 - 845ه، 1364 - 1441م(1/79)
أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن تميم بن عبد الصمد، الشيخ الإمام البارع، عمدة المؤرخين، وعين المحدثين، تقي الدين المقريزي، البعلبكي الأصل، المصري المولد والدار والوفاة.
مولده بعد سنة ستين وسبعمائة بسنيات، ونشأ بالقاهرة، وتفقه على مذهب الحنفية وهو مذهب جده العلامة شمس الدين محمد بن الصائغ، ثم تحول شافعياً بعد مدة طويلة لسبب من الأسباب ذكره لي، وسمع الكثير من الشيخ برهان الدين إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد الشامي، ومن ناصر الدين محمد بن علي الحراوي، والشيخ برهان الدين الآمدي، وشيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني، والحافظ زين الدين العراقي، والهيثمي، وسمع بمكة من ابن سكر، والنشاوري، وغيرهما، وله إجازة من الشيخ شهاب الدين الأذرعي، والشيخ بهاء الدين أبي البقاء، والشيخ جمال الدين الإسنوي، وغيرهم، وتفقه وبرع، وصنف التصانيف المفيدة النافعة الجامعة لكل علم، وكان ضابطاً مؤرخاً، مفنناً، محدثاً، معظماً في الدول.
ولي حسبة القاهرة غير مرة، أول ولاياته من قبل الملك برقوق في حادي عشرين شهر رجب سنة إحدى وثمانمائة عوضاً عن شمس الدين محمد النجانسي، ثم عزل بالقاضي بدر الدين العينتابي في سادس عشرين ذي الحجة من السنة، ثم وليها عنه أيضاً، وولي عدة وظائف دينية، وعرض عليه قضاء دمشق في أوائل الدولة الناصرية فرد فأبى أن يقبل ذلك.
وكان إماماً مفنناً، كتب الكثير بخطه، وانتقى أشياء، وحصل الفوائد، واشتهر ذكره في حياته وبعد موته في التاريخ وغيره، حتى صار به يضرب المثل، وكان له محاسن شتى، ومحاضرة جيدة إلى الغاية لا سيما في ذكر السلف من العلماء والملوك وغير ذلك، وكان منقطعاً في داره، ملازماً للعبادة والخلوة، قل أن يتردد إلى أحد إلا لضرورة، إلا أنه كان كثير التعصب على السادة الحنفية وغيرهم لميله إلى مذهب الظاهر.
وقرأت عليه كثيراً من مصنفاته، وكان يرجع إلى قولي فيما أذكره له من الصواب، ويغير ما كتبه أولاً في مصنفاته، وأجاز لي جميع ما يجوز له وعنه روايته من إجازة وتصنيف وغير ذلك، وسمعت عليه كتاب فضل الخيل للحافظ شرف الدين الدمياطي بكماله في عدة مجالس بقراءة الحافظ قطب الدين محمد الخضيري بسماعه من الحراوي بسماعه من المصنف، وأخذت عنه، وانتفعت به، واستفدت منه.(1/80)
وكان كثير الكتابة والتصنيف، وصنف كتباً كثيرة من ذلك: إمتاع الأسماع في ما للنبي " صلى الله عليه وسلم " من الحفدة والمتاع، في ست مجلدات، رأيته وطالعته وهو كتاب نفيس، وحدث به في مكة، قال لي مؤلفه رحمه الله: سألت الله تعالى أن تكتب من هذا الكتاب نسخة بمكة وأن أحدث به، فوقع ذلك في مجاورتي ولله الحمد، وله كتاب الخبر عن البشر، ذكر فيه القبائل لأجل نسب النبي " صلى الله عليه وسلم " في أربع مجلدات، وعمل له مقدمة في مجلد، وكتاب السلوك في معرفة دول الملوك، في عدة مجلدات، يشتمل على ذكر ما وقع من الحوادث إلى يوم وفاته، ذيلت عليه في حياته من سنة أربعين وثمانمائة وسميته حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور، ولم ألتزم فيه ترتيبه، وله تاريخه الكبير المقفى في تراجم أهل مصر والواردين إليها، ذكر لي رحمه الله قال: لو كمل هذا التاريخ على ما أختاره لجاوز الثمانين مجلداً، وله كتاب درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة، ذكر فيه من مات بعد مولده إلى يوم وفاته، ثلاث مجلدات، وكتاب المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار، في عدة مجلدات، وهو في غاية الحسن، وكتاب نحل عبر النحل، وكتاب تجريد التوحيد، وكتاب مجمع الفرائد ومنبع الفوائد، كمل منه نحو الثمانين مجلداً كالتذكرة، وكتاب شذور العقود، وكتاب ضوء الساري في معرفة خبر تميم الداري، وكتاب الأوزان والأكيال الشرعية، وكتاب إزالة التعب والعنى في معرفة الحال في الغنى، وكتاب التنازع والتخاهم فيما بين بني أمية وبني هاشم، وكتاب حصول الإنعام والمير في سؤال خاتمة الخير، وكتاب المقاصد السنية في معرفة الأجسام المعدنية، وكتاب البيان والإعراب عما في أرض مصر من الأعراب، وكتاب الإلمام في تأخر من بأرض الحبشة من ملوك الإسلام، وكتاب الطرفة الغربية في أخبار دار حضرموت العجيبة، وكتاب في معرفة ما يجب لآل البيت من الحق على من عداهم، وكتاب في ذكر من حج من الخلفاء والملوك، وكتاب عقد جواهر الأسفاط من أخبار مدينة الفسطاط، وكتاب اتعاظ الحنفاء بأخبار أئمة الخلفاء، وله عدة تصانيف أخر.
ولم يزل ضابطاً حافظاً للوقائع والتاريخ إلى أن توفي يوم الخميس سادس عشر شهر رمضان سنة خمس وأربعين وثمانمائة، ودفن من الغد بمقبرة الصوفية خارج باب النصر من القاهرة، رحمه الله تعالى.
العلامة مظفر الدين الحنفي البغدادي بن الساعاتي صاحب البديع في الأصول 694ه،1294م
أحمد بن علي بن تغلب بن أبي الضياء، الإمام العلامة شيخ الإسلام مظفر الدين أبو العباس بن الإمام نور الدين البعلبكي الأصل، البغدادي المولد والمنشأ، الحنفي، المعروف بابن الساعاتي، ووالده هو صانع الساعات المشهورة على باب المستنصرية ببغداد.
ونشأ ببغداد، وطلب العلم، ولازم علماء عصره، إلى أن برع في الفقه، والأصلين، والنحو، والمعاني، والبيان، وغير ذلك، وتصدر للإفتاء والتدريس، والإشغال، مدة طويلة، وكان الشيخ شمس الدين الأصبهاني يفضله ويثني عليه كثيراً، ويرجحه على ابن الحاجب، ويقول هو أذكى منه.
وكان بارعاً في عدة فنون، متقناً لمذهبه، ملازماً للأشغال والاشتغال والتصنيف، وألف التأليف المفيدة الحسنة، من ذلك: البديع في أصول الفقه الذي لم يصنف مثله، جمع فيه بين أصول فخر الإسلام البزدوي والأحكام للآمدي، وكتاب الدر المنضود في الرد على فيلسوف اليهود، يعني بذلك ابن كمونه اليهودي، وكتاب مجمع البحرين، جمع فيه بين مختصر القدوري ومنظومة النسفي مع زوائد، ورتبه فأحسن وأبدع في اختصاره إلى الغاية، ورتبه على جملة يعرف منها الخلاف بين الإمام والصاحبين والأئمة الأربعة، وشرحه في مجلدين كبيرين.(1/81)
وأما خطبة هذا الكتاب فذكر فيها ألفاظاً تدل على غزير علمه وعذوبة لفظه، قال الحافظ عبد القادر في طبقاته: وقال في خطبة كتابه البديع في الأصول: قد منحتك أيها الطالب لنهاية الوصول إلى علم الأصول بهذا الكتاب البديع في معناه، المطابق إسمه لمسماه، وذكر الحافظ عبد القادر من الخطبة قطعة جيدة إلى أن قال: أخبرني الثقة من أصحابنا أنه شاهد على نسخة من مجمع البحرين بخط المصنف، قوبلت هذه النسخة، وكتبت من أصل فصحت ووافقت، والله يعفو عما طغى به القلم وتجاوز عنه النظر، وقد أجزت لمالكها الشيخ الإمام العالم الفاضل الورع الكامل، ذي الأخلاق الكريمة، والفضائل الجسيمة، رضي الدين السمرقندي، أدام الله حراسته، وكتب سلامته أن يرويها عني، وكذا أجزت له رواية الشرح الذي صنعته، وكذلك ما يصح عنده أنه من مقولاتي، أو مسموعاتي، أو مستجازاتي، فهو أدام الله أيامه يحمل ما يرويه، وأنا معتمد على الله، ثم ملتمس من خدمته أن خدمته أن يصون هذا الكتاب، ويحفظه عن تغيير يقع فيه، من مخالفة لفظ أو معنى لما في أحد الكتابين فلا يسرع إلى إنكاره، فإن لي فيه مقصداً صالحاً من تحرير نقل أو اختيار ما هو أصح من الأقوال والروايات، وقد كنت عازماً على التنبيه على ذلك في حواشي الكتاب فلم يتسع الزمان لسرعة التوجه إلى بلاد السلام، صانها الله على الغير، وفتح لها أبواب النصر والظفر، ولكن كل ذلك منقول من مواضعه محرر عند واضعه منبه على ما في شرح الكتاب والله هو الملهم للصواب، كتبه المصنف أحمد بن الساعاتي الشامي الأصل البغدادي المنشأ بالمدرسة الشريفة المستنصرية، رحمة الله على منشئها، في شهر رجب المبارك سنة تسعين وستمائة، انتهى كلام الحافظ عبد القادر.
قلت: وتغلب، جد صاحب الترجمة، بتاء مثناه من فوق، وبعدها غين معجمه، ولم يذكر الحافظ عبد القادر تاريخ وفاته، وقد ظفرت في تاريخ الحافظ علم الدين البرزالي رحمه الله بحاشية مكتوبة على حوادث سنة أربع وتسعين وستمائة، نوع استدراك على المصنف قال: وفي هذه السنة توفى العلامة مظفر الدين أحمد بن علي بن تغلب بن أبي الضياء بن مظفر البغدادي الحنفي، مدرس المستنصرية، وصاحب المصنفات المشهورة في الفقه وأصوله والأدب، وكان يضرب بفصاحته وذكائه وحسن كتابته المثل، ويعرف بابن الساعاتي، رحمه الله.
انتهى ما وجدته مكتوباً على تاريخ البرزالي، وقوله في هذه السنة يعني سنة أربع وتسعين وستمائة، انتهى.
شهاب الدين السجستاني 673 - 762ه، 1274 - 1360م
أحمد بن علي بن يوسف بن نجيب الدين أبي بكر يحيى بن أبي الفتح، شيخ الإسلام المعمر شهاب الدين السجستاني المكي الفقيه الحنفي، إمام مقام الحنفية بالمسجد الحرام.
ولد سنة ثلاث وسبعين وستمائة بمكة، ونشأ بها، وتفقه على جماعة، وبرع في الفقه وغيره، ورحل، وسمع بالإسكندرية على الشريف الغرافي تاريخ المدينة لابن النجار، وسمع بمكة الشاطبية على التوزري، والسيرة لابن هشام، وكتاب الأزرقي على القاضي نجم الدين الطبري وكتاب إتحاف الزائر للجمال المطري، وحدث وأسمع تاريخ المدينة غير مرة.
توفي بمكة في شعبان سنة اثنتين وستين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
شهاب الدين بن الشيخ علي - 806ه، 1403م
أحمد بن الشيخ علي، الأمير شهاب الدين بن الأمير نور الدين المعروف بابن الشيخ علي.
كان من جملة الأمراء في دولة الملك الظاهر برقوق، وولي نيابة صفد، وأقام بها مدة، ثم عزل عنها، وتنقل في عدة ولايات إلى أن صار من جملة الأمراء مقدمي الألوف بدمشق، إلى أن مات بها في شهر ذي القعدة سنة ست وثمانمائة، رحمه الله تعالى.
//الجزء الثاني
قاضي القضاة شهاب الدين بن حجر
773 - 852ه - 1371 - 1448م أحمد بن علي بن محمد بن علي بن أحمد، قاضي القضاة، شيخ الإسلام، حافظ العصر، رحلة الطالبين، مفتي الفرق، أمير المؤمنين في الحديث، شهاب الدين أبو الفضل الشهير بابن حجر الكناني العسقلاني الأصل، المصري المولد والمنشأ والدار والوفاة، الشافعي.
ولد في ثاني عشرين شعبان سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة.(1/82)
ويأتي ذكر والده في محله إن شاء الله تعالى. ومات والده وهو حدث السن، فكفله بعض أوصياء والده إلى أن كبر وحفظ القرآن الكريم، واشتغل وتعانى المتجر، وتولع بالنظم وقال الشعر الكثير المليح إلى الغاية. ثم حبب الله إِلَيْهِ طلب الحديث فأقبل عليه وسمع الكثير بمصر وغيرها، ورحل وانتقى، وحصل وسمع بالقاهرة من شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني، والحافظين ابن الملقن والعراقي، وأخذ عنهم الفقه أيضاً، ومن الشيخ برهان الدين إبراهيم الإبناسي، ونور الدين الهيثمي، والشيخ تقي الدين محمد بن محمد الدجوي، والقاضي صدر الدين سليمان بن عبد الناصر الأبشيطي، وبغزة من أحمد بن محمد بن عثمان الخليلي، وبالرملة من أحمد بن محمد الأيكي، وبالخليل من صالح بن خليل بن سالم، وببيت المقدس من المفتي شمس الدين محمد بن إسماعيل القلقشندي، وبدر الدين حسن بن موسى بن مكي، ومحمد بن محمد بن علي المنبجي، ومحمد بن عمر بن موسى، وبدمشق في بدر الدين محمد بن محمد بن قوام البالسي، وفاطمة بنت محمد بن أحمد بن المنجا التنوخي، وفاطمة بنت محمد بن عبد الهادي. وغيرهم، وبمنى من زين الدين أبي بكر بن الحسين.
ورحل إلى اليمن بعد أن جاور بمكة، وأقبل عَلَى الاشتغال والإشغال والتصنيف، وبرع في الفقه والعربية، وصار حافظ الإسلام، علامة في معرفة الرجال واستحضارهم، والعالي والنازل مع معرفة تامة بعلل الأحاديث وغيرها. وصار هو المعول عليه في هذا الشأن في سائر أقطار الأرض، وقدوة الأمة، علامة العلماء، حجة الأعلام، محيي السنة، انتفع به الطلبة وحضر دروسه جماعة من علماء عصرنا وقضاة قضاتنا، وقرأ عليه غالب فقهاء مصر، وأملى بخانقاه بيبرس نحواً من عشرين سنة.
ثم انتقل لما عزل عن منصب القضاة بالشيخ شمس الدين محمد القاياتي إلى دار الحديث الكاملية ببين القصرين، واستمر عَلَى ذَلِكَ، وناب في الحكم في ابتداء أمره عن قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقيني مدة طويلة، ثم عن الشيخ ولي الدين العراقي، ثم تنزه عن ذَلِكَ وتولى مشيخة خانقاة بيبرس الجاشنكير في دولة الملك المؤيد شيخ، وصار إذ ذاك من أعيان العلماء، وتصدر للإقراء والتدريس إلى أن ولاه الملك الأشرف برسباي قضاء القضاة " الشافعية بالديار المصرية عوضاً عن قاضي القضاة " علم الدين صالح البلقيني بحكم عزلة، وذلك في سابع عشرين المحرم سنة سبع وعشرين وثمانمائة، فاستمر في المنصب إلى أن عزل بقاضي القضاة شمس الدين محمد الهروي بعد نحو عشرة شهور، ثم أعيد إلى القضاء عوضاً عن الهروي في ثاني شهر رجب " سنة ثمان وعشرين " وثمانمائة ودام في المنصب في هذه المرة إلى أن صرف بقاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني في سنة ثلاث وثلاثين، ثم أعيد عوضاً عن قاضي القضاة علم الدين في شهر جمادى الآخرة سنة أربع وثلاثين وثمانمائة. وطالت مدته في هذه الولاية إلى حدود سنة أربعين أو التي بعدها. وعزل أيضاً بقاضي القضاة علم الدين صالح، واستمر مصروفاً إلى أن أعيد عوضاً عن علم الدين المذكور في سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، واستمر في وظيفة القضاء إلى أن صرف بالشيخ شمس الدين محمد القاياتي في سنة تسع وأربعين، ثم أعيد بعد موت القاياتي في سنة خمسين وثمانمائة، واستمر إلى سلخ ذي الحجة من السنة فصرف بقاضي القضاة علم الدين صالح البلقيني أيضاً، وقام مصروفاً إلى أن طلب وأعيد عوضاً عن الشيخ ولي الدين محمد السفطي وذلك في يوم الاثنين ثامن ربيع الآخرة سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة.
وكان لولايته في هذه المرة يوماً مشهوداً فدام في المنصب إلى أن عزل نفسه " في خامس عشرين جمادى الآخرة من السنة، وولي من الغد عوضه قاضي القضاة " علم الدين صالح البلقيني، وهذه آخر ولايته للقضاء.(1/83)
وانقطع شيخ الإسلام شهاب الدين المذكور في بيته ملازماً للإشغال والتصنيف إلى أن توفي بعد أن مرض أكثر من شهر، في ليلة السبت ثامن عشرين ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة. ودفن من الغد وصلى عليه بمصلاة بكتمر المؤمني بالرميلة، ومشى أعيان الناس من بيته داخل باب القنطرة إلى القرافة حيث دفن، وحضر السلطان الملك الظاهر جقمق الصلاة عليه، ومشى الخليفة المستكفي بالله أبو الربيع سليمان، والقضاة، والعلماء، والأمراء، والأعيان بل غالب الناس في جنازته حَتَّى قيل عن بعض الأذكياء أنه حزر من مشى في الجنازة أكثر من خمسين ألف إنسان، وكان لموته يوم عظيم عَلَى المسلمين، حَتَّى عَلَى أهل الذمة، ورثاه الشعراء.
وكان رحمه الله حافظ المشرق والمغرب، أمير المؤمنين في الحديث، انتهت إليه رئاسة علم الحديث من أيام شبيبته بلا مدافعة، بل قيل أنه لم ير مثل نفسه، قلت: وهذا هو الأصح. وكان عفا الله عنه ذا شيبة نيرة ووقار وأبهة، ومهابة، هذا مع ما احتوى عليه من العقل والحكمة والسكون والسياسة والدربة بالأحكام ومداراة الناس، قبل أن يخاطب الشخص بما يكره، بل كان يحسن لمن يسيء إِلَيْهِ ويتجاوز عمن قدر عليه.
وكانت صفته رحمه الله، ذا لحية بيضاء ووجه صبيح، للقصر أقرب، وفي الهامة نحيف، جيد الذكاء، عظيم الحذق لمن ناظره أو حاضره، راوية للشعر وأيام من تقدمه وعاصره، فصبح اللسان، شجي الصوت، هذا مع كثرة الصوم ولزوم العبادة، واقتفائه طرق من تقدمه من الصلحاء السادة، وأوقاته للطلبة مقسمة تقسيماً لمن ورد عليه آفاقياً كان أو عنده مقيماً، مع كثرة المطالعة والتأليف والتصدي للإفتاء والتصنيف.(1/84)
وأما مصنفاته فنذكر ما نعرفه منها فإن أسماء مصنفاته مجلد كامل صغير الحجم، فأول تصانيفه تغليق التعليق وصل فيه تعليقات البخاري، وهو كتاب نفيس، قرض عليه شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني وغيره، وهو من تصانيفه الجليلة القديمة، وشرح البخاري في نيف وعشرين مجلداً، وهو فتح الباري، وصنف له أيضاً مقدمة في مجلد، وكتاب فوائد الاحتفال في بيان أحوال الرجال المذكورين في البخاري زيادة عَلَى تهذيب الكمال في مجلد ضخم وكتاب تجريد التفسير من صحيح البخاري عَلَى ترتيب السور، وكتاب تقريب الغريب، وكتاب إتحاف المهرة بأطراف العشرة في ثمان مجلدات، ثم أفرد منه أطراف مسند الإمام أحمد وسماه أطراف المسند المعتلي بأطراف المسند الحنبلي في مجلدين، وكتاب أطراف الصحيحين، وكتاب أطراف المختارة للضياء مجلد ضخم، وكتاب " تهذيب " تهذيب الكمال للحافظ المزي في ست مجلدات، ومختصره تقريب التهذيب مجلد ضخم، وكتاب تعجيل المنفعة برواية رجال الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب، وكتاب الإصابة في تمييز الصحابة خمس مجلدات، وكتاب لسان الميزان وتحرير الميزان، وكتاب تبصير المنتبه بتحرير المشتبه مجلد ضخم، وكتاب طبقات الحفاظ في مجلدين، والدرر الكامنة في المائة الثامنة، وإنباء الغمر بأنباء العمر، وكتاب قضاة مصر مجلد ضخم، وكتاب الكاف الشاف في تحرير أحاديث الكشاف مجلد، وكتاب الاستدراك عليه في مجلد آخر، وكتاب التمييز في تخريج أحاديث الوجيز مجلدين، وكتاب الدراية في منتخب تخريج أحاديث الهداية؛ وكتاب الإعجاب ببيان الأسباب مجلد ضخم، وكتاب الأحكام لبيان ما في القرآن من الإبهام، وكتاب الزهر المطول في بيان الحديث المعدل مجلد، وشفاه الغلل في بيان العلل، وتقريب النهج بترتيب الدرج، والإفتان في رواية القرآن، والمقترب في بيان المضطرب، والتعريج عَلَى التدريج، ونزهة القلوب في معرفة المبدل من المقلوب، ومزيد النفع بما رجح فيه الوقف عَلَى الرفع، وبيان الفصل بما رجح فيه الإرسال عَلَى الوصل، و " تقويم السناد بمدرج الأسناد " والإيناس بمناقب العباس، وتوالى التأنيس بمعاني ابن إدريس، والمرجة الغيثية عن الترجمة الليثية، والاستدراك عَلَى الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء مجلد، وتخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب الأصلي وقع في الإملاء مجلدين، وتحفة الظراف بأوهام الأطراف مجلد، والمطالب العالية من رواية المسانيد الثمانية، والتعريف الأوحد بأوهام من جمع رجال المسند، وتعريف أولي التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس، وكتاب الأعلام بمن ولي مصر في الإسلام، وتعريف الفئة بمن عاش مائة من هذه الأمة، والقصد الأحمد في من كنيته أبو الفضل واسمه أحمد، وكتاب إقامة الدلائل عَلَى معرفة الأوائل، والخصال المكفرة للذنوب المقدمة والمؤخرة، والشمس المنيرة في تعريف الكبيرة، والإتقان في فضائل القرآن مجلد، وكتاب الأنوار بخصائص المختار والآيات النيرات للخوارق المعجزات، والنبأ الأنبه في بناء الكعبة، " والقول المسدد في الذب عن المسند، وبلوغ المرام بأدلة الأحكام " وبذل الماعون بفضل الطاعون، والمنحة فيما علق الشافعي به القول عَلَى الصحة، والأجوبة المشرقة عن الأسئلة المفرقة، ومنسك الحج، وشرح مناسك المنهاج كذلك، وتصحيح الروضة كتب منه ثلاث مجلدات، ونخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر كراسة، وشرحها نزهة النظر بتوضيح الفكر، والانتفاع بترتيب الدارقطني عَلَى الأنواع، ومختصر البداية والنهاية لابن كثير، وتخريج الأربعين النووية بالأسانيد العلية، والأربعين المتباينة، وغير ذَلِكَ عدة تصانيف أخر، وله ديوان شعر كبير وآخر صغير.
ولي منه سماع وإجازة بجميع ما يجوز له وعنه روايته من تصانيفه ونظمه ونثره، وقد انتخب من ديوانه الكبير قطعة ورتبها عَلَى سبعة أبواب وسماها السبعة السيارة النيرات، فكتب إِلَيْهِ الشيخ شهاب الدين الحجازي يطلبها منه، وكتب ما أنشدنا الشيخ شهاب الدين الحجازي لنفسه إجازة قوله:
سماء الفضل تحوي نيِّراتٍ ... وقد حُجبت بسحْب المكْرمات
وكدت أضلُّ يا مولاي فامننْ ... لَعَلّي أهتدي بالنيِّرات
ومما أنشدني شيخ الإسلام صاحب الترجمة من لفظه لنفسه رحمه الله " تعالى وعفا عنه " قوله:(1/85)
خليليَّ ولَّى العمر منَّا ولم نتبْ ... وننوي فعال الصالحات ولكنَّا
فحتَّى متى نبني بيوتاً مِشيدةً ... وأعمارُنا منَّا تهدُّ وما تُبْسما
وله أيضاً:
سلام عليكم ما برحت مؤمَّلاً ... دوام البقا حَتَّى أرى الحضرة التَّي
وما رمت طول العيش إِلاَّ لنلتقي ... فيا ليت أيَّامي أطيلت ومُدَّتي
وله أيضاً:
يا مبدعاً بالحسن واصل أخا ... همَّ له عام وما وصلْتا
فقال هل صيَّف في مساءة ... قلت نعم وفي هموم شتَّا
وله أيضاً:
تبّاً لذي المكْر ورعياً لذي ... قلبٍ سليم جوده فيه ذاتْ
فعاش في عز وفي نعمة ... وكل من في ذاته المكرمات
وله أيضاً:
أقول وقد وافت فأوفت بوعدها ... قد انفردت محبوبتي بالفتوة
فيا كِبد اللاحي اشعلي وتوقَّدي ... فإن التي أهوى وفتْ وتفتت
ومن شعره أيضاً:
سألت مَنْ لحظُه وحاجبُه ... كالقوْس والسِّهم موعداً حسنا
ففوَّق السَّهم من لواحظه ... وانْقوس الحاجبان واقترنا
وله أيضاً:
أتى من أحبَّائي رسول فقال لي: ... ترفَّق وهنْ واخضعْ تفزْ برضانا
فكم عاشق قاسى الهوان بحبِّنا ... فصار عزيزاً حين ذاق هوانا
وله أيضاً:
أحببت وقَّاداً كنجم طالع ... أنزلته برضى الغرام فؤادي
وأنا الشهاب فلا تعاند عاذلي ... إن مِلْت نحو الكوكب الوقاد
وله أيضاً:
وأهيفَ حيَّاني بطيب وصاله ... ومن ريقه الخمر الحلالُ حلالي
أدار لي الكأسين خمراً وريقه ... ونزهني عن جفوة وملالي
قلت: وله من هذا النمط الظريف عدة مقاطيع، أضربت عنها خوف الإطالة.
ولنذكر قصيدته الفائية النبوية وأولها:
إن كنت تنكر حبّاً زادني كلفاً ... حسبي الذي قد جرى من مدمع وكفا
وإن تشككتَ سل من عاذلي شجني ... هل بتُّ أشكو الأسى والبث والأسفا
أحبابنا ويد الأسقام قد عبثت ... بالجسم هل لي منكم بالوصال شِفَا؟
كدَّرت عيشاً تقضَّى في بعادكم ... وراق منِّي نَسِيبٌ فيكم وصفا
سرْتُم وخلَّفتُموا في الحي ميت هوى ... لولا رجاء تلاقيكم لقد تلقا
وكنت أكتم حُبي بعدكم زمناً ... حَتَّى تكلم دمع العين فانكشفا
سألت قلبي عن صبري فأخبرني ... بأنه حين صرتم عني انصرفا
وقلت للطرف أَيْنَ النوم بعدهم؟ ... فقال: نومي وبحر الدمع قد نزفا
وقلت للجسم: أَيْنَ القلب؟ قال: لقد ... خلَّى الحوادث عنه وابْتغى السلفا
سَرى هواكم فسار القلب يتبعه ... حَتَّى تعرَّف آثاراً له وقفا
فيا خليلي هذا الرّبْعُ لاح لنا ... يدعو الوقوف عليه والبكا فقفا
ربع كربع اصطباري بعد أن رحلوا ... تجاوز الله عنه قد خلا وعفا
وأهيف خطرتْ كالغصن قامته ... فكلُّ قلب إليها من هواه هفا
كالسَّهم مقلته والقوس حاجبه ... ومُهْجتي لهما قد أصبحتْ هدفا
ذو وجْنة كالشقيق الغَضِّ في ترف ... يطل منها جبين الشمس منكسفا
وعارض إن بدا من تحتها فلقد ... أهدى الربيع إليها روضةً أُنُفا
يا أيها البدر إنِّي بعْد بُعدك لا ... أنفك في جامع الأحزان معتكفا
أرسلتَ لحظاً ضعيفاً فهو في تلفي ... يقوي وقلبي قوي فهو قد ضعفا
وفتْية لِحِميَ المحبوب قد رحلوا ... وخلَّفتني ذنوبي بعدكم خلفا
يطوون شُقَّة بيدٍ كلَّما نُشرت ... غَدوا وكل امرئ بالصَّبر ملْتحفا
حَتَّى رأوا حضرة الهادي التي شرفت ... قصَّاده وعلت في قصده شرفا(1/86)
محمداً صفوة الله الذي انكسفت ... إذ جاء بالحق شمس الكفر وانكشفا
وله أيضاً وقد كتبه عَلَى منتخبه المسمى بالسبعة السيارة النيرات المتقدم ذكره:
يا سيداً طالعه ... إن راق معناه فعدْ
وافتح له باب الرِّضى ... وإن تجد عيْباً فسْد
انتهت ترجمة الحافظ شهاب الدين ابن حجر رحمه الله تعالى، وابن حجر نسبة إلى آل حجر تسكن الجنوب الآخر عَلَى بلاد الجريد، وأرضهم قابس.
الأمير شهاب الدين أحمد بن إينال
... - 855ه - ... - 1451م أحمد بن علي بن إينال، الأمير شهاب الدين بن الأمير علاء الدين بن الأمير الكبير إينال اليوسفي.
مولده بالقاهرة....، وبها نشأ بعد وفاة والده إلى أن ترعرع، أخذه الملك الظاهر جقمق عنده، وهو إذ ذاك من جملة أمراء العشراوات، ورباه لحقوق سبقت لوالده " أمير علي " المذكور عَلَى الملك الظاهر جقمق، فإنه كان في رقِّه قبل أن يملكه الملك الظاهر، برقوق وبه يعرف يعني العلائي، ولا زال صاحب الترجمة عند الملك الظاهر جقمق إلى أن صار من جملة أمراء الألوف بديار مصر في أواخر الدولة المؤيدية شيخ جعله خازنداراً عنده، ولم يزل الأمير شهاب الدين هذا في رفد الظاهر جقمق إلى أن أنعم عليه الملك الأشرف بإمرة عشرين ضعيفة بطرابلس، بسفارة جقمق المذكور، فإنه كان إذ ذاك أتابكا، فتوجه المذكور إلى طرابلس وأقام بها إلى أن آلت السلطنة للملك الظاهر جقمق بعد خلع الملك العزيز يوسف، حسبما هو مذكور في غير موضع، أنعم عليه بإمرة عشرة بالقاهرة، ثم ولاه نيابة الإسكندرية مدة طويلة، ثم عزله وأنعم عليه بإمرة طبلخاناة، وصار من جملة أمراء الطبلخاناة، ودام عَلَى ذَلِكَ سنين إلى أن أنعم عليه بتقدمة ألف بالديار المصرية بعد الأمير إينال العلائي الأجرود الداوادار بحكم انتقاله أتابك العساكر بعد وفاة يشبك التمر بغاوي، واستمر الشهابي من جملة مقدمي الألوف مدة سنين إلى أن توفي ليلة الثلاثاء سابع عشرين ذي القعدة سنة خمس وخمسين وثمانمائة، عن نيف وخمسين سنة، ومشت الأمراء أمام جنازته من داره داخل الدرب تجاه جامع الأمير سودون من زادة إلى مصلاة المؤمني بالرميلة، وحضر السلطان الملك الظاهر جقمق الصلاة عليه.
وتأسف الأعيان والناس عليه لانجماعه عن الدولة ولعدم شره، وكان طوالاً جسيماً جداً، وعنده عقل وسكون، ودين وعفة عن المنكرات والفروج، وكان كثير الميل إلى النساء، مغرماً باقتناء الخيول الجياد، وله اعتقاد كبير في الفقراء وأهل الصلاح، كثير الإحسان إليهم، وخلف عدة أولاد. رحمه الله تعالى.
قاضي القضاة شرف الدين ابن أبي العز الحنفي
710 - 782ه - 1310 - 1380م أحمد بن علي بن منصور بن محمد بن محمد بن أبي العز صالح بن أبي العز وهيب ابن عطاء بن جبير بن جابر بن وهيب، قاضي القضاة شرف الدين أبو العباس، ابن الشيخ علاء الدين أبي الحسن بن أبي البركات الأذرعي الدمشقي الحنفي رحمه الله.
نشأ بدمشق وتفقه بها عَلَى علماء عصره إلى أن برع في الفقه والأصلين والعربية والمعاني والبيان، وتصدر للإفتاء والتدريس والإقراء عدة سنين إلى أن أشخص إلى القاهرة بعد موت قاضي القضاة صدر الدين محمد بن التركماني الحنفي لِيلي القضاء بها عوضه، وكان قدومه إليها في ثالث عشر ذي الحجة سنة ست وسبعين وسبعمائة، ونزل بمدرسة السلطان حسن إلى أن طلبه السلطان في يوم الخميس خامس عشره إلى القلعة، فلما وصل إلى باب القصر آمر به فاجلس هناك حَتَّى انقضت الخدمة السلطانية، وخرج الأمير طشتمر الدلودار فسلم عليه وأخذه معه إلى داره، بعد أن أكرمه غاية الإكرام.(1/87)
وكان عند طشتمر الشيخ سراج الدين البلقيني، والشيخ ضياء الدين عبيد الله ابن سعد القرمي، فتحادثوا أطراف البحث في عدّة فنون من العلم ساعة، ثم قام إلى حيث أنزله الأمير طشتمر إلى أن يطلبه السلطان، وقد انحل أمره، وأخذ الأمير ناصر الدين محمد بن أقبغا آص يتحدث في ولاية الشيخ رسولا بن أحمد التباني الحنفي مدرس مدرسة الأمير ألجاي اليوسفي، فطلب السلطان جلال الدين المذكور فاعتذر بأنه لا يصلح وامتنع من قبوله، وتحدث بعض الأمراء لنجم الدين أحمد بن العماد إسماعيل بن أبي العز المعروف بابن الكشك، عم شرف الدين صاحب الترجمة، فأجيب لذلك، فطلب من دمشق، فحضر وولي القضاء بالقاهرة، واستقر عوضه في قضاء دمشق ابن عمه صدر الدين علي بن علي بن محمد، واستقر شرف الدين صاحب الترجمة في قضاء العسكر بالقاهرة عوضاً عن شمس الدين محمد بن الصائغ في رابع عشرين المحرم سنة سبع وسبعين وسبعمائة، وسكن بالمنصورية وأكب عَلَى الاشتغال والأشغال والإفادة.
وأما قاضي القضاة نجم الدين المتولي فإنه لم يقم بالقاهرة سوى أربعة أشهر واثنتين وعشرين يوماً، واستعفى من الوظيفة لتضجره من الإقامة بالقاهرة، وعزل وعاد إلى دمشق، وطُلب صدر الدين على قاضي دمشق فقدم في رابع رجب وخلع عليه بوظيفة قضاء الحنفية عوضاً عن ابن عمه نجم الدين وأعيد نجم الدين المذكور إلى قضاء الحنفية بدمشق، فلم تطب الإقامة لصدر الدين أيضاً بالقاهرة واستعفى فأعفى.
وخلع عَلَى قاضي القضاة شرف الدين صاحب الترجمة عوضاً عن صدر الدين، وذلك في تاسع شهر رمضان سنة سبع وسبعين وسبعمائة، وخلع عَلَى مجد الدين إسماعيل واستقر في قضاء العسكر، فباشر القاضي شرف الدين المذكور القضاء بتجمل وأبهة، وحمدت سيرته، إلى أن طلب منه بعض الأمراء أن يحكم له باستبدال دار موقوفة فامتنع من ذَلِكَ أشد الامتناع، إلى أن عزل نفسه في يوم الأحد تاسع رجب ثمان وسبعين وسبعمائة، واستقر عوضه في القضاء جلال الدين جار الله.
وأقام شرف الدين هذا بطالاً إلى أن توجه إلى دمشق وسكنها إلى أن توفي بها في ليلة الاثنين العشرين من شعبان سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة.
قال المقريزي: كان إماماً عالماً بالفقه والأصول، عفيفاً يتنزه عن قبول الهدايا، قوياً في قول الحق، غير مجيب لأحد من ذوي الجاهات، رضى الخلق، مطرحاً، هشَّاً بشّاً، جميل المحاضرة، متواضعاً.
انتهى كلام المقريزي باختصار، فإنه أثنى عليه وبالغ في الثناء إلى الغاية، رحمه الله تعالى وعفا عنه.
القاضي شهاب الدين بن فضل الله
740 - 777ه - 1339 - 1375م أحمد بن علي بن يحيى بن فضل الله العمري، القاضي شهاب الدين ابن القاضي علاء الدين بن القاضي محيي الدين.
كان بارعاً أديباً فاضلاً، ولي كتابة سر دمشق عوضاً عن فتح الدين أبي بكر محمد بن إبراهيم بن الشهيد في سنة خمس وسبعين وسبعمائة، ودام في الوظيفة إلى أن توفي بدمشق سنة سبع وسبعين وسبعمائة، وقد أناف عَلَى ثلاثين سنة. وولي عوضه كتابة سر دمشق القاضي بدر الدين محمد بن مزهر وشهاب الدين هذا غير عمه القاضي شهاب الدين أحمد بن يحيى بن فضل الله صاحب مسالك الأبصار " في ممالك الأمصار " . انتهى.
قاضي القضاة ابن أبي الرضا
.... - 791ه - .... - 1388م أحمد بن عمر بن محمد، قاضي القضاة شهاب الدين أبو الخير الحموي الشافعي، الشهير بابن أبي الرضا، قاضي قضاة الشافعية بحلب.
قال ابن خطيب الناصرية: نزيل حلب، تفقه بجماعة منهم: الشيخ شرف الدين خطيب القلعة، وبدمشق عَلَى أبي نصر بن السبكي وغيرهما. ثم قدم حلب فتولى بها قضاء العسكر، ثم نزل عنه، ثم تولى قضاء حلب ثلاث مرات.(1/88)
كان إماماً فاضلاً عالماً ذا هيئة حسنة، ذكياً مستحضراً للكثير من الحديث والفقه وغيره، ودروسه جليلة، عالماً بالقراءات السبعة ووجوهها، وله في ذَلِكَ مصنف. منظوم. درّس بالسلطانية والعصرونية بحلب، ثم تكلم في ولاية السلطان الملك الظاهر برقوق، ودخل في فتن الترك فسُعِي به إلى الدولة، فطُلِب فغيب سنين، وحج في تلك الغيبة، ثم قدم إلى حلب مستخفياً، فلما عصى يلبغا الناصري ظهر ابن أبي الرضا هذا من ناحية بانقوسا، فلما ملك الناصري القاهرة وصار بها مدبر الممالك ولاه قضاء حلب بأمر السلطان الملك المنصور حاجي، وهذه هي المرة الثالثة، فلما مسك الناصري وجهز إلى الإسكندرية معتقلاً، وقام بالأمر مكان منطاش، وكان بحلب نائباً الأمير كمشبغا الحموي، فظهر الملك الظاهر من الكرك - عَلَى ما نحكيه في ترجمته إن شاء الله تعالى - وجاء إلى دمشق، فأظهر الأمير كمشبغا طاعته وحلف الأمراء له بحلب، فاتفق ابن أبي الرضا المذكور مع أهل بانقوسا وبعض الأمراء، وركبوا عَلَى كمشبغا، فقاتلهم الأمير كمشبغا وأهل حلب مدة ثلاثة أيام، وذلك في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة بالبياضة، فانتصر أهل حلب عليهم، وأمسك القاضي شهاب الدين ابن أبي الرضا وجيء به إلى دار العدل، فأخذ منه مال، وتوجه الأمير كمشبغا إلى جهة دمشق لنصرة السلطان الملك الظاهر برقوق، وصحب معه ابن أبي الرضا ممسوكاً، فلما كان بالقرب من حماه توفي شهيداً في ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى، فلقد كان من رجال العالم نجدة وهمة، وكان يعظم الشرع تعظيماً بالغاً، وينكر المنكر، وله نظم ونثر ورسائل، انتهى كلام ابن خطيب الناصرية.
وقال المقريزي: وقتل وعمره زيادة عَلَى أربعين سنة، وكان إماماً في عدّة علوم، شهماً، صارماً، مهاباً، محباً للحديث وأهله، انتهى كلام المقريزي.
وقال العيني: مات مقتولاً بسيف كمشبغا الحموي بالمكان المعروف بجب الشفا وخان شيخون، ما بين معرة النعمان وكفر طاب، وكان عنده بعض شيء من العلم، لكنه كان يرى نفسه في مقام عظيم، وكان مولعاً بثلب أعراض الناس، مستهزءاً بأقوال الأكابر والصلحاء، مواظباً عَلَى النفاق وإساءة الأدب، ومعاداة الأخيار بسوء ظنه وتخيله الفاسد، وكان قلبه خبيثاً، وباطنه رديئاً، ولسانه فضولاً، ولقد سمعت بحلب عَلَى الثقات أنه كان يقع في حق الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه وحق أصحابه، فلذلك جرى عليه ما قدّره الله من المحنة اللائقة بحاله، المناسبة لسوء أقواله.
أبو العباس المرسي
616 - 686ه - 1219 - 1287م أحمد بن عمر بن محمد، الشيخ الإمام العالم الزاهد الكبير العارف بالله شهاب الدين أبو العباس الأنصاري المرسي السكندري، وارث شيخه أبي الحسن الشاذلي تصوفاً، الأشعري معتقداً.
كان لديه فضيلة ومشاركة، وله كرامات وأحوال مشهورة عنه، وللناس فيه اعتقاد هائل لا سيما أهل إسكندرية، وقد شاع ذكره، وبعد صيته بالصلاح والزهد.
قال ابن عرام سبط الشاذلي: ولولا قوة اشتهاره وكراماته لذكرت له ترجمة طويلة، ثم قال وكان من جملة الشهود بالثغر. انتهى.
قلت وكانت وفاته بالإسكندرية في سنة ست وثمانين وستمائة، رحمه الله تعالى ونفعنا ببركته.
أبو العباس الأنصاري
578 - 656 - ه - 1182 - 1258م أحمد بن عمر بن إبراهيم بن عمر، الشيخ الإمام أبو العباس الأنصاري القرطبي المالكي المحدّث المدرّس الشاهد، نزيل الإسكندرية.
ولد بقرطبة سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، وسمع بها، وقدم مصر وحدّث بها، واختصر الصحيحين ثم شرح مختصر مسلم وسماه المفهم وأتى فيه بأشياء مفيدة، وكان بارعاً في الفقه والعربية، عارفاً بالحديث، وكان يعرف في بلاده بابن الزين، ومن مصنفاته " كتاب كشف القناع عن الوجد والسماع " أجاد فيه وأحسن، وكان أولاً اشتغل بالمعقول، وله قدرة عَلَى توجيه المعاني بالاحتمال.
قال الحافظ شرف الدين الدمياطي: أخذت عنه وأجاز لي مصنفاته، وتوفي بالإسكندرية سنة ست وخمسين وستمائة، رحمه الله تعالى.
قاضي القضاة أبو العباس القرشي
724 - 793ه - 1323 - 1390م أحمد بن عمر بن مسلم بن سعيد بن عمر بن بدر، قاضي القضاة شهاب الدين أبو العباس القرشي الشافعي، قاضي قضاة دمشق.......(1/89)
كان إماماً عالماً فقيهاً " أديباً مشاركاً في عدة علوم، ولي القضاء بدمشق مدّة ودرس وأفتى " إلى أن عصى الأمير يلبغا الناصري ومنطاش عَلَى الملك الظاهر برقوق، خلع المذكور الملك الظاهر برقوق، ودعا للملك المنصور حاجي، وأخذ يحرض عل قتال برقوق بعد خروجه من حبس الكرك، فلما كسر الملك الظاهر برقوق منطاش، وتوجه منطاش في الهزيمة إلى دمشق، وتحصن بها، صار شهاب الدين هذا يمعن في الخط عَلَى برقوق، قيل أنه كان يقف عَلَى سور دمشق وينادي أن قتال برقوق أرجب من صلاة الجمعة، ويجمع العامة ويحرضهم عليه، وعاد برقوق إلى القاهرة من غير أن يظفر بدمشق، واستمر منطاش بدمشق، وأرسل قطلوبغا الصفوي في عسكر لمحاصرة صفد، فتوجه الصفوي بمن معه إلى عسكر السلطان وخامر عَلَى منطاش، وبلغ منطاش الخبر فتخوف من ذَلِكَ وقبض عَلَى جماعة من الأمراء وغيرهم، وهم الأمير جردمر أخو طاز، وولده والأمير الطنبغا استاداره، وأحمد بن خوجي، وأحمد بن قجق، وكمشبغا المنجكي نائب بعلبك، وقاضي القضاة شهاب الدين أحمد القرشي المذكور، وحبس الجميع بدمشق، ثم انكسر منطاش وخرج عن دمشق، وملك أعوان الملك الظاهر برقوق، ثم أرسل الملك الظاهر يطلب المذكورين وغيرهم إلى الديار المصرية، فوصل الجميع إلى القاهرة صحبة الأمير كمشبغا نائب حلب، وذلك في يوم الاثنين رابع جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، وعدة الأمراء ستة وثلاثون أميراً، فأوقفهم الظاهر بين يديه، وأوقف القاضي شهاب الدين صاحب الترجمة أيضاً بجانب القاضي فتح الدين محمد بن الشهيد، كاتب سر دمشق، فإنه كان أيضاً ممن خرج عَلَى برقوق، يأتي ذكره في محله إن شاء الله تعالى، وابن مشكور ناظر جيش دمشق، وكلهم في القيود، فوبخ السلطان الطنبغا الحلبي وجردمر وابن القرشي صاحب الترجمة، فكان قول ابن القرشي للملك الظاهر برقوق، تاالله لقد آثرك الله علينا، وإن كنا لخاطئين، وأطال الظاهر الحديث معهم، ثم أمر بهم فسجنوا الجميع إِلاَّ ابن مشكور فإنه سلم لشادِ الدواوين فعصره وألزم بحمل سبعين ألف درهم.
واستمر ابن القرشي هذا في الحبس إلى نصف الشهر المذكور شكى عليه رجل فأحضره من السجن، وادعى عليه غريمه بدعاوي شنعة، فأمر به السلطان فضرب بالمقارع، ثم سلم إلى والي القاهرة ليستخلص منه ما لهذا الرجل عنده، فضربه وعصره وحبسه بخزانة شمائل، وأجرى عليه أنواع العقوبة إلى أن هلك في ليلة الأربعاء تاسع " شهر " رجب سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة. وكان غير مشكور السيرة، مشرفاً عَلَى نفسه.
قال قاضي القضاة بدر الدين محمود العينتابي: وكان يميل إلى اللهو والطرب ويحضر مجالس الرقص، وقد قيل فيه إنه كان يسكر وهو عَلَى برج من أسوار الشام حين حاصرها الملك الظاهر برقوق وبين يديه غلمان مرد، والله أعلم بحقيقة ذَلِكَ، قال ومات والده أيضاً في هذه المحنة محبوساً مع ولده صاحب الترجمة بقلعة دمشق قبل حضور ولده إلى القاهرة، ولكنه أثنى عَلَى والده المتوفى في حبس دمشق بأن قال: الشيخ الإمام العالم العلامة زين الدين عمر القرشي إلى أن ذكر، وفاته انتهى كلام العيني.
ابن الزين والي القاهرة
.... - 803ه - .... - 1400م أحمد بن عمر، الأمير شهاب " الدين الشهير " بابن " الزين " والي القاهرة.
كان من الظلمة، وباشر عدة وظائف، ثم ولي القاهرة، كل ذَلِكَ في دولة الملك الظاهر برقوق، ولما ولي القاهرة شدد عَلَى الناس، وأجرى عَلَى أرباب الجرائم أنواع العذاب، ومنع النساء من المتنزهات والتوجه إلى الترب لزيارة القبور، وصار من ظفر بها منهن يضربها ضرباً مبرحاً، وله أشياء من هذا النمط في العسف، ولا حاجة في التطويل في " ترجمة " مثل هذا الرجل، توفي في ثاني عشر شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثمانمائة.
الشاب التائب
760 - 822ه - 1358 - 1429م أحمد بن عمر بن عبد الله، الفقيه الواعظ، المذكّر بالله، شهاب الدين أبو العباس، المعروف بالشاب التائب.(1/90)
مولده بالقاهرة في حدود الستين وسبعمائة تقريباً، وبها نشأ، وطلب العلم وتفقه عَلَى مذهب الشافعي رضي الله عنه، وصار معدوداً من الطلبة، ثم صحب في أثناء عمره أبا عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن عمر المعروف بابن الزيات، أحد أصحاب الشيخ يحيى الصنافيري، فمال إلى طريقة التصوف، وسافر إلى الحجاز ثم إلى اليمن، ثم عاد إلى القاهرة بعد سنين، وعمل الميعاد، ونظم القريض عَلَى طريقة القوم، وبني زاوية خارج القاهرة، وصار للناس فِيهِ الاعتقاد الجيد.
سألت عنه من الشيخ تقي الدين المقريزي فقال: سمعت ميعاده بالجامع الأزهر وقد تكلم في غير آية من كتاب الله تعالى، فأكثر من النقل الجيد بعبارة حسنة وطريقة مليحة، انتهى كلام المقريزي رحمه الله باختصار.
قلت: ثم رحل إلى دمشق واستوطنها، وبنى بها أيضاً زاوية، وعمل بها المواعيد الهائلة، وأحبه أهلها، وزاد اعتقادهم فيه إلى أن توفي بدمشق في يوم الجمعة ثامن عشر شهر رجب سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة عن نحو سبعين سنة، رحمه الله تعالى.
الشيخ بدر الدين الطنبدي
750 - 809ه - 1349 - 1406م أحمد بن عمر بن محمد، الشيخ الإمام العالم العلامة بدر الدين الطنبدي الشافعي.
مولده في حدود سنة خمسين وسبعمائة تقريباً، ونشأ بالقاهرة، وطلب العلم وبرع في الفقه والأصول والعربية والمعاني والبيان، ودرس وأفتى عدة سنين، وعمل المواعيد.
قال المقريزي: كان مفرط الذكاء، فصيح العبارة، مقدماً عَلَى كل من باحثه إِلاَّ أنه أخَّره عدم زواجه، وما أشيع عنه من معاشرة أهل التهم، فكثر الطعن عليه، وشنعت المقالة فيه، ولم يكن بمفكر في ذَلِكَ، بل لا يزال مقبلاً مع الاشتغال بالعلم عَلَى ما يعاب به، حَتَّى مات في عشرين شهر ربيع الأول سنة تسع وثمانمائة، وقد جاوز الستين، رحمه الله تعالى " وعفا عنه " .
ابن قطينة
...... - 819ه - ...... - 1416م أحمد بن عمر، الأمير الوزير شهاب الدين، المعروف بابن قطينة.
كان أبوه الحاج عمر من جملة عوام القاهرة، ونشأ ولده شهاب الدين هذا بالقاهرة، وتنقل في الخدم رئيسها ووضيعها، ولا زال عَلَى ذَلِكَ إلى أن عظم وصار يباشر استدارية الأمراء، وأثرى، ثم باشر شد الكارم في الدولة الظاهرية برقوق، وامتحن غير مرة، ثم خدم استادارا عند والدي وطالت مدته عنده، وبه عرف، واستمر عَلَى ذَلِكَ إلى أن طلبه السلطان من والدي، وأخلع عليه باستقراره وزيراً في سنة اثنتين وثمانمائة، فباشر الوزر دون الأسبوع، ثم استعفى بسفارة والدي فأعفى، وعاد إلى وظيفته استادارا عند والدي كما كان أولاً، وتصرف بعد ذَلِكَ في عدة أعمال إلى أن توفي يوم الأحد ثاني عشرين المحرم سنة تسع عشرة وثمانمائة، عن مال جزيل، عفا الله عنه.
ابن الضياء القليوبي
627 - 689ه - 1229 - 1290م أحمد بن عيسى بن رضوان، الشيخ الإمام العالم كمال الدين بن الضياء الكناني الشافعي قاضي المحلة.
ولد في حدود سنة سبع وعشرين وستمائة، وكان يعرف بالقليوبي، لقبه الفرضي وسمع منه، وحدث عن ابن الجميزي، وكان فقيهاً عارفاً بالمذهب، وشرح التنبيه في اثني عشر مجلداً، وصنف في علوم القرآن، وغير ذَلِكَ، وكان عارفاً بالأحكام، مشكور السيرة وتوفي سنة تسع وثمانين وستمائة، رحمه الله تعالى، وعفا عنه.
قاضي القضاة عماد الدين الكركي الشافعي
741 - 801ه - 1340 - 1398م أحمد بن عيسى بن موسى، قاضي القضاة عماد الدين أبو العباس الكركي الشافعي، قاضي قضاة الديار المصرية.(1/91)
مولده في شعبان بالكرك سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وتفقه ببلده، وحفظ المنهاج، ورحل في طلب الحديث، وسمع عَلَى جماعة، وبرع في الفقه وغيره، وولي قضاء الكرك، وطالت مدته في القضاء إلى أن حبس الملك الظاهر برقوق بالكرك في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، خدمه القاضي عماد الدين المذكور، وأخذ يتقاضى حوائجه، وكان أخوه القاضي علاء الدين كاتب سر الكرك، فصار علاء الدين أيضاً يتردد إلى الملك الظاهر برقوق في محبسه ويتفقده، وأمعنا في الإحسان إِلَيْهِ بكل ما تصل القدرة إِلَيْهِ، وأخذ الدهر في تقلباته إلى أن خرج الملك الظاهر برقوق من حبسه، ووقع له ما سنذكره إن شاء الله تعالى في ترجمته، وتسلطن ثانياً واستفحل أمره، أرسل يطلب قاضي القضاة عماد الدين هذا وأخيه علاء الدين، فقدما إلى القاهرة، وتذكر الظاهر ما لهما عليه من الأيادي، فخلع عَلَى علاء الدين بكتابة سر الديار المصرية، وعلى قاضي القضاة عماد الدين هذا بقضاء الشافعية بالديار المصرية، وباشر القضاء بعفة وصيانة إلى سنة أربع وتسعين عزله السلطان، وأقر معه تدريس الفقه بجامع أحمد بن طولون وعدة وظائف آخر، ودام عَلَى ما هو عليه من وفور الحرمة ونفوذ الكلمة إلى سنة تسع وتسعين وسبعمائة ولاه خطابة القدس، فسافر المذكور إلى القدس وأقام به إلى أن توفى عاشر شهر ربيع الأول سنة إحدى وثمانمائة.
وكان فقيهاً عالماً ديناً، ساكناً، مائلاً إلى الخير، أخبرني غير واحد ممن صحبه: أنه كان شيخاً كبير اللحية، حلو الكلام، ظريف المحاضرة، يميل إلى دين وخير، رحمه الله تعالى.
الملك الصالح صاحب عينتاب
600 - 651ه - 1203 - 1253م أحمد بن غازي بن يوسف بن أيوب، الملك الصالح صلاح الدين، صاحب عينتاب، ابن السلطان الظاهر بن الملك السلطان الكبير صلاح الدين بن أيوب.
هو أخو السلطان الملك العزيز أبو الملك الناصر صاحب الشام، والملك الصالح هذا هو الأسن وإنما أخره عن سلطنة حلب لأن أمه أم ولد، والعزيز كانت أمه الصاحبة ابنة الملك العادل.
مولد الملك الصالح المذكور سنة ستمائة، وكان ملكاً شجاعاً مهاباً وقوراً، متجملاً وافر الحرمة، وعنده فضيلة تامة، وذكاء، حدث عن الافتخار الهاشمي وروى عنه الحافظ شرف الدين الدمياطي، وذكر أنه امتنع من الرواية وقال: ما أنا أهل لذلك بل أنا أسمع عليك، إلى أن ألح عليه وسمع منه، ووصله، ولم يزل المسلك الصالح بعينتاب إلى أن توفى بها في سنة إحدى وخمسين وستمائة، وعمل له الملك الناصر صاحب الشام العزاء بدار السعادة، ورثاه الشعراء، وخلف ولداً واحداً ذكراً، رحمه الله تعالى.
ابن شير التركماني المحدث
632 - 696ه - 1234 - 1296م أحمد بن غازي بن علي بن شير، الشيخ الإمام العالم العلامة شهاب الدين التركماني، الحنفي المحدث.
مولده سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، سمع من الحافظ ضياء الدين وغيره، وحدث، وسمع منه جماعة، وأخذ العلم عن جماعة من العلماء، وبرع في الفقه والأصول والعربية وغير ذَلِكَ، وكتب وجمع ورحل وأفتى ودرس، وكان كبير القدر عظيم الشأن، توفي ثاني عشرين شهر ربيع الآخر سنة ست وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
ابن غنائم المكي الشاعر
...... - 741ه - ...... - 1340م أحمد بن غنائم، الشاعر الأديب شهاب الدين المكي المعروف بابن غنائم.
كان من أعيان شعراء مكة في عصره، ومدح غير واحد من أمراء مكة، وكان عنده فضيلة، أجاز له في سنة ثلاث عشرة وسبعمائة باستدعاء الشيخ عبد الله ابن خليل المكي، والدشتي، والقاضي سليمان بن حمزة، ابن مكتوم، وابن عبد الدايم، وابن سعد، وآخرون، توفي في سابع عشرين جمادى الآخرة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة بمكة.
وكان له نظم جيد من ذَلِكَ ما قاله في مبارك بن عطيفة بن أبي تمي محمد من قصيدة أولها:
إن شطَّ من قرب الحبيب مزاره ... ونأت بغير رضى المتيَّم داره
وتواصلتْ أجفانُه وسهادُه ... وجرى بموق دموعه تياره
أبو العباس اللخمي الإمام الحافظ
625 - 699ه - 1227 - 1299م أحمد بن فرج بن أحمد، الإمام الحافظ الزاهد شهاب الدين أبو العباس اللخمي الإشبيلي الشافعي.(1/92)
ولد سنة خمس وعشرين وستمائة، وأسره الفرنج في سنة ست وأربعين، ثم خلص بعد مدة وقدم إلى القاهرة سنة بضع وخمسين، وتفقه عَلَى الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وسمع من شيخ شيوخ حماه شرف الدين الأنصاري، والنجيب بن الصيقل، وابن علاق، وبدمشق من ابن عبد الدائم، واعتنى بالحديث وأتقن ألفاظه ومعانيه، وفقهه، وصار من كبار الأئمة، مع مَا فِيهِ من الورع والصدق والديانة، وَكَانَ لَهُ حلقة اشتغال بكرة بالجامع الأموي، وعرضت عَلَيْهِ مشيخة دار الحديث النورية فامتنع، وَكَانَ بزي الصوفية، سمع عَلَيْهِ الحافظ الذهبي وغيره، وله نظم ونثر، وله قصيدة غزلية فِي صفات الحديث وهي عشرون بيتاً، وسمعها منه الدمياطي واليونيني، وأولها.
غرامي صحيح والرجا فيك معضل ... ودمعي وحزني مرسل ومسلسل
فلا حسن إِلاَّ سماع حديثكم ... مشافهة تملى علي فأنقل
توفي بدمشق بسكنه تربة أم الصالح فِي سنة تسع وتسعين وستمائة، وشيعه خلق كثير، وكانت جنازته مشهودة، رحمه الله تعالى.
الحرازي الشافعي المكي
650 - 755ه - 1252 - 1354م أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن بن أبي بكر، الإمام العالم المحدث شهاب الدين أبو العباس الحرازي الشافعي، مفتي مكة، وعالمها.
ولد سنة خمسين وستمائة، وقدم مكة وطلب العلم بِهَا، وقرأ عَلَى الفخر التوزري الموطأ رواية يحيى بن يحيى، صحيح مسلم، وسنن أبي داود وغير ذَلِكَ، وعلي الصفي الطبري، وأخيه الرضي بمفرده " صحيح مسلم " وسنن أبي داود، والنسائي وصحيح بن حبان وغير ذَلِكَ، عليهم وَعَلَى غيرهم، وسمع بالمدينة من أبي القاسم كتاب الشفاء، وحدث، وَكَانَ لَهُ معرفة بالفقه ومشاركة فِي غيره، وعبادة وديانة، وأقام بمكة يفتي ويدرس إِلَى أن توفي ليلة الاثنين ثاني عشر شوال سنة خمس وخمسين وسبعمائة، عن خمس وتسعين سنة، رحمه الله تعالى.
أبو شجاع الإربلي، الأمير ركن الدين
598 - 655ه - 1201 - 1257م أحمد بن قرطاي، الأمير ركن الدين أبو شجاع التركي الإربلي، مولى السلطان مظفر صاحب الإربل.
ولد سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، وحدث عن مسمار بن العويس، وَكَانَ لَهُ شعر جيد، روى بِهِ الدمياطي وغيره، وَكَانَ أبوه من كبار أمراء أربل، وغضب عَلَيْهِ أستاذه مظفر الدين فحبسه حَتَّى مات، فلما توفي مظفر الدين قدم ابن قرطاي هَذَا وأخوته إِلَى حلب، وخدم عند الملك العزيز صاحب حلب، ولما توفي العزيز عاد المذكور إِلَى بغداد وزادت حرمته بِهَا، واستوطنها إِلَى أن توفي فجأة فِي سنة خمس وخمسين وستمائة، رحمه الله تعالى.
الأمير شهاب الدين الغزي
663 - 744ه - 1264 - 1343م أحمد بن كشْ دُغْدي، الأمير شهاب الدين الغزي الصيرفي.
كان أميراً فاضلاً كريماً، سمع من النجيب وغيره، وأظنه مات بعد الثلاثين وسبعمائة، وكش دغدي لغة بالجيم ولغة بالشين المعجمة الساكنة وضم الدال المهملة وسكون الغين المعجمة.
كندغدي، الفقيه الحنفي
...... - 807ه - ...... - 1404م أحمد بن كُنْدُغْدي، الشيخ الإمام العالم شهاب الدين الفقيه الحنفي.
مولده بالقاهرة، كَانَ أبوه علاء الدين استادار الأمير أقتمر الحنبلي ثُمَّ عزله، وَكَانَ شهاب الدين هَذَا يتزيا بزي الجند، وطلب العلم واشتغل " عَلَى علماء عصره، وبرع فِي الفقه والأصول والعربية وغير ذَلِكَ، واشتغل " وتفقه بِهِ جماعة، وصحب الأمير شيخ الصفوي، ثُمَّ اختص عند الملك الظاهر برقوق، وصار يبيت عنده، وعظم فِي الدولة بذلك، وأثرى ثُمَّ تنكر عَلَيْهِ قبيل موته قليلاً.
قال المقريزي: وَكَانَ يتهم بأنه هو الَّذِي ترخص للسلطان فِي شرب النبيذ عَلَى قاعدة مذهبه، فأفضى ذَلِكَ إِلَى تعاطي مَا أجمع عَلَى تحريمه، وَقَدْ شافهته بذلك فلم ينكره مني، فلما كانت الأيام الناصرية فرج بعثه رسولاً إِلَى تيمور، بعد أن عينت أنا، فمات بحلب فِي شهر ربيع الأول سنة سبع وثمانمائة، وَقَدْ قارب الخمسين أَوْ بلغها، وَكَانَ من أذكياء الناس وفضلائهم، انتهى كلام المقريزي.
قلت: كندغدي لغة تركية ومعناه بالعربية ولد النهار، بكاف مضمومة، ونون ساكنة، ودال مضمومة أيضاً، وغين معجمة ساكنة، وبعدها ياء، انتهى.
ابن ملِّي الأنصاري البعلبكي المحدث
617 - 699ه - 1220 - 1299م(1/93)
أحمد بن محسّن، بتشديد السين المهملة، بن علي بن حسن، الشيخ الإمام البارع المحدث الفقيه المعروف بابن ملي الأنصاري البعلبكي الشافعي المتكلم.
ولد سنة سبع عشرة وستمائة ببعلبك، وسمع من البهاء عبد الرحمن، وأبي المجد بن القزويني، وابن الزبيدي وابن رواحة، واشتغل بدمشق، وأخذ عن ابن الحاجب العربية، وعن ابن عبد السلام الفقه، وعن الزكي المنذري الحديث، والأصول عن جماعة، والفلسة والرفض عن جماعة، ودرس وأفتى وناظر وأشغل، وتخرج بِهِ جماعة من الطلبة.
وكان متبحراً فِي العلوم، كثير الفضائل، قوياً فِي المناظرة، فصيح العبارة، ذكياً متيقظاً، حاضر الحجة، اشتغل مدة بحلب ودمشق، ودخل القاهرة غير مرة.
قال الحافظ الذهبي: وَكَانَ مستخفاً يخل بالصلوات، ويتكلم فِي الصحابة، وَكَانَ يقول فِي الدرس عينوا لي آية حَتَّى أتكلم عليها، فيعينون لَهُ آية فيتكلم عليها بعبارة جزلة كأنه يقرأ من كتاب.
قرأ الشيخ علم الدين عَلَيْهِ موطأ القعنبي وغير ذَلِكَ، وسمع منه الطلبة، وتوفي بقرية بَخْعون من جبل الظنين وهي بفتح الباء الموحدة، وسكون الخاء المعجمة، وضم العين المهملة، وبعد الواو نون، فِي سنة تسع وتسعين وستمائة.
عماد الدين بن سرور المسند أبو العباس المقدسي
637 - 710ه - 1239 - 1310م أحمد بن محمد بن إبراهيم بن عبد الواحد بن علي بن سرور، الشيخ الإمام المقرئ الفقيه المسند عماد الدين أبو العباس بن قاضي القضاة شمس الدين ابن القدوة عماد الدين، المقدسي الأصل، البغدادي المولد، المصري الدار، الحنبلي.
مولده سنة سبع وثلاثين وستمائة، وسمع سنة اثنتين وأربعين من الكاشغري، وابن الخازن، وسمع بمصر من عبد الوهاب بن رواح وطائفة، تفرد بأجزاء عالية، أخذ عنه الحافظ أبو عبد الله الذهبي وغيره، توفي سنة عشرة وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
الفار الشطرنجي
... - 740ه - .... - 1339م أحمد بن محمد، الأديب شهاب الدين الشهير بالفار الشطرنجي.
وكان جده أحمد يعرف بالجرافة، ونشأ شهاب الدين هَذَا بالقاهرة، وساد فِي نظم المواليا.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: أنشدني الأديب شهاب الدين بالقاهرة من لفظه لنفسه سنة سبع وثلاثين وسبعمائة موالياً:
غنَّت فأغنت عن المسموع فِي الأقطارْ ... ودقت الدًّف أجْرت أدمعي أمطارْ
وصرت فِي حبِّها لا أَخْتَشي أخطارْ ... لما استمع لبُّ قلبي من يديها طارْ
وأنشدني موالياً أيضاً:
جاءني بشير أتى مقبل وأطفأ نارْ ... وبتُّ مسرورْ مفلَّج والدُّجى قَدْ نارْ
وأرتجي إقبال ساعة نصر من خنار ... مختصّ بالحسنْ كم أرسلتْ أَوْ دينارْ
وأورد لَهُ الصفدي أكثر من ذَلِكَ، والكل من هَذَا النموذج، وانتهى.
صفي الدين أبو العباس الطبري
633 - 714ه - 1236 - 1314م أحمد بن محمد بن إبراهيم، الفقيه المسند صفي الدين أبو العباس الطبري المالكي، أخو الشيخ رضي الدين.
ولد سنة ثلاث وثلاثين وستمائة، وسمع صحيح البخاري من عبد الرحمن بن أخي حرمي العطار صاحب ابن عمار، وسمع شعيباً الزعفراني، وأبا الحسن بن الجميزي، وحدث غير مرة، وَكَانَ ديناً خيراً فقيهاً فاضلاً، أضر بآخره مدة سنين، ثُمَّ رد الله بصره عَلَيْهِ، وهو أنه وقع من مكان فانقدحت عيناه فأبصر، ودام عَلَى ذَلِكَ إِلَى أن توفي سنة أربع عشرة وسبعمائة.
كتاكت الواعظ المقرئ
605 - 684ه - 1208 - 1285م أحمد بن محمد بن أحمد، الشيخ زين الدين أبو العباس الأندلسي الأشبيلي المصري، المعروف بكتاكت الواعظ المقرئ.
مولده بتنيس سنة خمس وستمائة، وَكَانَ لوعظه تأثير فِي القوب، وعنده فصاحة، وله نظم ونثر ومعرفة بالأدب، ومن شعره:
أدرنا خمرة الأحداق سرّاً ... عَلَى الأرواح واتصل النّعيم
وبتْنا واغتبقنا واصطبحنا ... وَلَمْ تشعرْ بوصلتنا الجسوم
فها أنا والعروسة تَحْتَ ستر ... بِهِ ألقاب عفَّتنا رقوم
وما فهمت بروق الحيّ عنّا ... إشارتنا ولا فطن النسيم
وله أيضاً:
يَا بارق الحيّ كرّرْ فِي حديثك لي ... تذْكارهم وأعدْ روحي إِلَى بدني(1/94)
وأنت يَا دمع مَا هَذَا الوقوف وَقَدْ ... جرى حديث الحمى النَّجْديِّ فِي أذني
توفي صاحب الترجمة بالقاهرة فِي سنة أربع وثمانين وستمائة، رحمه الله تعالى.
ابن الشريشي أبو العباس البكري
...... - 718ه - ...... - 1318م أحمد بن محمد، الشيخ كمال الدين أبو العباس البكري الشافعي المعروف بابن الشريشي، وهو غير شارح المقامات الحريرية.
ولي المذكور وكالة بيت المال بدمشق، ومشيخة دار الحديث الأشرفية، وتدريس الناصرية، ورشح للقضاء بدمشق، وَكَانَ ذا هيئة حسنة، وشكل مليح، وعنده فضل وأدب، قيل أنه كتب إلى بدر الدين محمد بن الدقاق يقول:
مولاي بدر الدين صل مدْنفاً ... صيّره حبّك مثل الخلال
لا تخش من عار إذا زرْتني ... فما يعاب البدر عند الكمال
فبلغ ذَلِكَ العلامة صدر الدين بن المرحل فكتب:
يا بدر لا تسمعْ كلام الكمالْ ... فكلُّ ما نمّق زور محال
فالنقص يعرو البدر في تمّه ... وربما يُخْسف عند الكمال
توفي الشيخ كمال الدين بدرب الحجاز سنة ثمان عشرة وسبعمائة، رحمه الله.
الخليفة المستنصر بالله
...... - 660ه - ... ... - 1262م أحمد بن محمد بن أحمد بن الحسن، أمير المؤمنين أبو القاسم المستنصر بالله بن الخليفة " الظاهر بن الخليفة " الناصر لدين الله بن الخليفة المستضيء.
ولي الخلافة بالديار المصرية، وهو أول خليفة تخلف بالديار المصرية من بني العباس، وذلك بعد أن قتل المستعصم بالله ببغداد بثلاث سنين ونصف، وكان الوقت بلا خلافة في مدة هذه الثلاث سنين ونصف.
قال أبو شامة: في رجب قرئ بالعادلية كتاب السلطان إلى قاضي القضاة نجم الدين بن " سناء الدولة " بأنه قدم عليهم مصر أبو القاسم أحمد بن الظاهر بن الناصر وهو أخو المستنصر، وأنه جمع له الناس من الأمراء والعلماء، وأثبت نسبه عند القاضي في ذَلِكَ المجلس، فلما ثبت بايعه الناس، وبدأ بالبيعة السلطان الملك الظاهر بيبرس، ثم الكبار عَلَى مراتبهم ونقش اسمه عَلَى الصكة، وخطب له عَلَى المنابر، ولقب بلقب أخيه، وفرح الناس لذلك، انتهى كلام أبي شامة.
وقال الحافظ شمس الدين الذهبي: في رجب يعني سنة تسع وخمسين وستمائة أقيم في الخلافة بمصر المستنصر بالله أحمد، ثم قدم دمشق هو والسلطان فعملت لقدومهما القباب، واحتفل الناس لزينتهما، وعدم في الشرق آخر العام، انتهى كلام الذهبي.
وقال الشيخ قطب الدين: كان أبو القاسم المستنصر المذكور محبوساً ببغداد فلما أخذت أطلق وصار إلى عرب العراق واختلط بهم، فلما تسلطن الملك بيبرس وفد عليه ومعه عشرة من بني مهارش، فركب السلطان للقائه ومعه القضاة وأعيان الدولة، فشق القاهرة، وركب يوم الجمعة من البرج الذي كان بالقلعة، بعد ما ثبت نسبه وبويع، " وعليه السواد إلى جامع القلعة " وصلى بالناس، وفي شعبان رسم بعمل خلعة خليفتية، وبكتابة تقليد، ثم نصبت خيمة بظاهر القاهرة، وركب المستنصر هذا والسلطان يوم الاثنين رابع شعبان إلى الخيمة، وحضر الأمراء والقضاة والوزير، ولبس الخليفة السلطان الخلعة بيده، وطوقه وقلده، ونصب منبر فصعد فخر الدين بن لقمان وقرأ التقليد، ثم ركب السلطان بالخلعة ودخل من باب النصر، وزينت القاهرة، وحمل الصاحب التقليد عَلَى رأسه والأمراء مشاه.
وهذا هو الثامن والثلاثون من خلفاء بني العباس، وأول من بايعه قاضي القضاة تاج الدين ثم السلطان ثم الشيخ عز الدين بن عبد السلام.
وكان شديد السمرة، جسيماً، عالي الهمة، شجاعاً، قال: ورتب له السلطان أتابكا واستدارا وخازندارا وحاجباً وكاتباً، وعين له خزانة، وجملة من المماليك، ومائة فرس، وثلاثين بغلاً، وعشر قطارات جمالاً ونحو ذَلِكَ، انتهى كلام قطب الدين.(1/95)
وحكى أنه لما حضر إلى القاهرة أنزله السلطان بالقلعة، وبالغ في إكرامه، وقصد إثبات نسبه وتقرير بيعته، لأن الخلافة كانت شاغرة من يوم مات الخليفة المستعصم، فأحضر السلطان أعيان الدولة، وتأدب السلطان معه، وجلس بغير مرتبة ولا كرسي، وأمر بإحضار العربان الذين حضروا مع الخليفة من العراق، فحضروا، وحضر طواشي من البغاددة فسئلوا عنه، هل هذا هو الإمام أحمد بن أمير المؤمنين الظاهر بن الناصر؟ فقالوا: نعم، وشهد جماعة بالاستفاضة وهم: جمال الدين يحيى بن نائب الحكم بمصر، وعلم الدين بن رشيق وصدر الدين برهوب الجزري، ونجيب الدين الحراني، وسديد الدين التزمنتي نائب الحكم بالقاهرة، عند قاضي القضاة تاج الدين بن بنت الأعز، فأسجل عَلَى نفسه بالثبوت، وذكر نحواً مما ذكرناه في أول الترجمة إلى أن قال: وسار هو والظاهر في تاسع عشر شهر رمضان فدخلوا دمشق في سابع ذي القعدة، ثم جهز الملك الظاهر بيبرس الخليفة ومعه ملوك الشرق: صاحب الموصل، وصاحب سنجار، وصاحب الجزيرة من دمشق في الحادي والعشرين من ذي القعدة، واتفق الظاهر عليهم ألف ألف دينار وستين ألف دينار.
حكى محيي الدين بن عبد الظاهر قال: سمعته من الظاهر، وكان نزوله بالتربة الناصرية بالجبل، ولما وصل الخليفة الرحبة فارقه صاحب الموصل وأخوه. انتهى.
ولما نزل الخليفة بمن معه مشهد علي رضي الله عنه أقام به أياماً ثم تحول إلى عانة، وجد بها الحاكم بأمر الله ومعه سبعمائة نفس، فاستماله المستنصر وأنزله الحاكم معه في دهليزه، وتسلم الخليفة عانة وحمل إِلَيْهِ ناظرها وواليها الإقامة فأقطعها، ثم وصل إلى الحديثة ففتحها أهلها له، ووصل الخبر بذلك لمقدم المغل وشحنة بغداد، فخرج المقدم إِلَيْهِ بخمسة آلاف وقصد الأنبار فدخلها وقتل جميع من فيها، ثم لحقه الشحنة، " ووصل الخليفة " إلى هيت، فأغلق أهلها الأبواب في وجهه، فحضرها إلى أن أخذها، ونهب من بها من أهل الذمة، وجاءت عساكر المغل والتقوا مع الخليفة فصدقوا الحملة، فأفرج التتار لهم، فنجا جماعة من المسلمين منهم الحاكم في خمسين نفساً، وأما الخليفة المستنصر هذا فإنه فقد ولم يعلم له خبر، واختلفت الأقاويل في أمره، والأقوى عندي أنه قتل، وذلك في سنة ستين وستمائة، وتولى الخلافة من بعده الحاكم بأمر الله أحمد الذي نجا بنفسه من الوقعة المذكورة، وقدم عَلَى الملك الظاهر بيبرس أيضاً إلى الديار المصرية، وسيأتي ذكره ترتيباً إن شاء الله تعالى.
ابن القرداح الواعظ
780 - 841ه - 1378 - 1438م أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن عبد الرحمن، الشيخ شهاب الدين بن القرداح، شهرة لأبيه، المنشد الواعظ.
ولد في حدود الثمانين وسبعمائة تقريباً، ونشأ بالقاهرة، وتعانى الإنشاد، وكان حسن الصوت إلى الغاية، فعرف بالطيبة، وصار له جوق، ويطلب في الختمات والعقود، وساد في ذَلِكَ أقرانه، وحظي عند الملوك والأكابر، وكان له مشاركة جيدة في علوم، اشتغل عَلَى الشيخ عز الدين بن جماعة وغيره، وعلى الشيخ شهاب الدين أحمد بن المجدي في علم الهيئة، وصار له في ذَلِكَ مشاركة حسنة، وكان في صباه يحسن بعض آلات الطرب، ويعرف طرفاً من الموسيقى، ويدري معرفة الأنغام معرفة جيدة، وبالجملة فإنه كان في فنه من مفردات الزمان، توفي في شوال سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، رحمه الله تعالى.
الخليفة الحاكم بأمر الله
...... - 701ه - ...... - 1301م أحمد بن محمد بن الحسن بن أبي بكر بن الحسن بن علي القبي بن الراشد بالله منصور، أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو العباس العباسي الهاشمي البغدادي ثم المصري.(1/96)
وهو ثاني خليفة بويع بالديار المصرية وأول خليفة سكنها من بني العباس، قدم إلى القاهرة بعد قتل المستنصر يوم الخميس سادس عشر صفر سنة ستين وستمائة، فأنزله الملك الظاهر بيبرس بالبرج الكبير بالقلعة، ورتب له ما يكفيه فأقام إلى ثامن المحرم سنة إحدى وستين وستمائة، فعقد الظاهر مجلس البيعة له بالإيوان من القلعة، وحضر الوزير والقضاة وأرباب الدولة والأعيان لمبايعته، وقوي نسبه عَلَى قاضي القضاة، وشهد عنده فأثبته، ومد يده فبايعه، ثم بايعه السلطان، ثم الوزير ثم الأعيان عَلَى طبقاتهم، وخطب له عَلَى المنابر، وكتب السلطان إلى النواب بذلك، وأن يخطبوا باسمه، وأنزل إلى مناظر الكبش، فسكن بها إلى أن مات بها في ليلة الجمعة ثامن عشر جمادى الأولى سنة إحدى وسبعمائة، وصلى عليه العصر بسوق الخيل " من تحت قلعة الجبل " ، وتقدم للصلاة عليه الشيخ كريم الدين عبد الكريم الآملي شيخ الصوفية، ودفن بجوار مشهد السيدة نفيسة، ومشى الأمراء والقضاة والأعيان في جنازته، وخلف من الأولاد سليمان الذي بويع بعده وغيره.
والحاكم هذا هو أول خليفة دفن بالقاهرة من العباسيين، وكانت خلافته أربعين سنة، وبويع بالخلافة من بعده ابنه سليمان المستكفي بالله، يأتي ذكره في محله إن شاء الله تعالى.
؟القاضي شهاب الدين بن أبي البقاء ... - 802ه - ... - 1399م أحمد بن محمد بن محمد بن عبد البر بن يحيى بن علي، القاضي شهاب الدين بن قاضي القضاة " بهاء الدين أبي البقاء " الشافعي.
كان فقيهاً فاضلاً، درّس بعد موت أبيه في المدرسة الظاهرية بدمشق، وقدم إلى القاهرة، فلما استقر أخوه بدر الدين محمد بن أبي البقاء في قضاء القضاة بالديار المصرية ولي عوضه المذكور نظر بيت المال، وكانت إذ ذاك من أجل المناصب، فباشره إلى أن مات يوم الجمعة سابع عشرين شهر ربيع الآخرة سنة اثنتين وثمانمائة فجأة، عن نحو خمسين سنة، رحمه الله تعالى.
؟ابن الغماز قاضي قضاة الجماعة 609 - 693ه - 1219 - 1294م أحمد بن محمد بن الحسن بن الغماز، قاضي الجماعة بتونس، أبو العباس.
ولد سنة تسع وستمائة، كان بارعاً، فقيهاً محدثاً، مقرئاً، كبير القدر عالي الهمة، وكان والده من فقهاء بلنسية وزهادها، اشتغل وقرأ وحصل وسمع الكثير من أبي الربيع بن سالم، وطال عمره، وأكثر عنه أهل تونس، منهم الإمام أبو عبد الله بن جابر الوادي آشي، وكان أعلى أهل الغرب إسناداً في القرآن، وكان له أدب وشعر، توفي سنة ثلاث وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
؟ابن الرفعة
645 - 710ه - 1247 - 1310م أحمد بن محمد بن علي بن الشيخ الرفعة مرتفع بن حازم بن إبراهيم بن العباس الأنصاري النجاري المعروف بابن الرفعة، الإمام العلامة، شيخ الإسلام، شيخ الشافعية في عصره.
مولده سنة خمس وأربعين وستمائة، طلب العلم وسمع من محيي الدين الدميري وحدث بشيء من تصانيفه، وبرع في الفقه وأصوله والعربية وغير ذَلِكَ، ودرس وأفتى، وانتفع به عامة الطلبة الشافعية، انتهت إِلَيْهِ رئاسة مذهبه في عصره، وكان ذكياً بارعاً، متبحراً في المذهب وفروعه، وصنف وشغل عدة سنين، وشرح التنبيه في خمس عشرة مجلداً، وشرح الوسيط ولم يكمله، ودرس بالمعزية وغيرها، وولي حسبة مصر، ولم يزل مواظباً عَلَى الاشتغال والأشغال إلى أن توفي ليلة الجمعة ثامن عشر شهر رجب سنة عشرة وسبعمائة، ولم يخلف بعده مثله، رحمه الله تعالى.
زين الدين الطبري المكي
693 - 472ه - 1294 - 1341م أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن أبي بكر، القاضي زين الدين أبو طاهر ابن قاضي مكة جمال الدين بن الشيخ محب الدين الطبري المكي المحدث الفقيه الشافعي.
أجاز له جماعة، وسمع الكثير، وحدث وتفقه، وبرع في المذهب، ورحل وكتب وحصل، وأفتى ودرس.
قال العفيف المطري: ما رأت عيناي في الكرم مثل الزين الطبري، وطفيل بن منصور، انتهى كلام العفيف.
وكانت وفاته سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة بمكة، ودفن بالمعلاه، رحمه الله تعالى.
المسند عماد الدين بن مفلح المقدسي
617 - 700ه - 1220 - 1301م أحمد بن محمد بن سعد بن عبد الله بن سعد بن مفلح، الشيخ الصالح الفاضل المسند عماد الدين بن الأديب العالم شمس الدين " المقدسي " الصالحي الحنبلي.(1/97)
ولد سنة سبع عشرة وستمائة، روى عن المجد القزويني، والإربلي، وابن اللتي، وابن المقير، وأجاز له الموفق، وفتح الدين بن عبد السلام، ومسمار بن العويس، وحدث قبل الستين، وحج مرات، وحدث بالحجاز وحماه ودمشق إلى أن توفي سنة سبعمائة، رحمه الله تعالى.
قاضي القضاة محدب الدين النويري الشافعي
قاضي مكة 752 - 799ه - 1351 - 1397م أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن القاسم بن عبد الرحمن، قاضي القضاة محب الدين أبو البركات العقيلي النويري الشافعي، قاضي مكة وخطيبها.
ولد في أوائل شهر رمضان سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة بمكة. وأجاز له جماعة من أهل مكة وغيرها، وسمع الكثير، وقرأ، واشتغل وبرع في الفقه وغيره، وأفتى ودرس، وناب في الحكم عن أبيه القاضي أبي الفضل، وفي الخطابة أيضاً بمكة، في سنة ثلاث وسبعين، ثم ولي قضاء المدينة النبوية وخطابتها وإمامتها عَلَى قاعدة من تقدمه في سنة خمس وسبعين وسبعمائة بعد البدر بن الخشاب، واستمر عَلَى ذَلِكَ حَتَّى صرف عنه في سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، ثم ولي قضاء مكة وخطابتها بعد عزل القاضي شهاب الدين بن ظهيره، وجاءه الخبر بولايته وهو بالمدينة، فتوجه إلى مكة ودخلها في أول العشر الأخير من شهر رمضان سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، واستمر عَلَى ذَلِكَ إلى أن مات في ليلة الأربعاء تاسع عشر شهر رجب سنة تسع وتسعين وسبعمائة " بمكة، ودفن بالمعلاه عند أبيه، وكثر الأسف عليه لكثرة محاسنه " ، رحمه الله تعالى.
ابن الناصح المصري
...... - 804ه - ...... - 1402م أحمد بن محمد " بن محمد " بن الناصح، الشيخ المعتقد المصري القرافي المعروف ابن الناصح.
كان يسكن بالقرافة، وللناس فيه اعتقاد حسن، وكان من الأقوياء، يحكى عن عفاه حكايات غريبة مع الدين والصلاح والزهد، توفي في سابع عشر شهر رمضان سنة أربع وثمانمائة، رحمه الله تعالى.
شهاب الدين بن البرهان
754 - 808ه - 1353 - 1405م أحمد بن محمد بن إسماعيل بن عبد الرحيم بن يوسف، الشيخ الإمام العلامة الظاهري شهاب الدين أبو هاشم، عرف بابن البرهان.
مولده فيما بين القاهرة ومصر في شهر ربيع الأول سنة أربع وخمسين وسبعمائة، وهو أحد من قام عَلَى الملك الظاهر برقوق، وكان أبوه من العدول، ونشأ أحمد بالقاهرة، وصحب سعيد السحولي فأماله إلى مذهب الظاهر عَلَى طريقة ابن حزم وغيره " من المبتدعة " وبرع في ذَلِكَ، وناظر عَلَى من جادله عَلَى ما يعتقده، ثم رحل وطاف البلاد البعيدة ودعا الناس إلى العمل بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فاستجاب له بشر كثير من خراسان إلى الشام، وآخر الأمر قبض عليه بحمص وعلى جماعة من أصحابه، وحملوا الجميع في القيود إلى الديار المصرية، فأوقفه الملك الظاهر برقوق بين يديه ووبخه عَلَى فعلته، وضرب أصحابه بالمقارع، ثم حبسه مدة طويلة إلى أن أطلقه في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وطال خموله، إلى أن توفي يوم الخميس السادس والعشرين من جمادى الأولى سنة ثمان وثمانمائة.
وأطنب الشيخ تقي الدين المقريزي في الثناء عليه وأمعن وزاد، لكونه كان ظاهرياً، مع أنه استرسل في ترجمته " إلى " أن ذكر أشياء يعرف منها أنه كان مخمولاً فقيراً عادماً للقوت.
قلت " وما ربك بظلام للعبيد " ، فإن هؤلاء الظاهرية حالهم إطلاق ألسنتهم في الأئمة الأعلام أصحاب المذاهب رضي الله عنهم ونحو ذَلِكَ، فهذا جزاؤهم في الدنيا والآخرة، فأمرهم إلى الله تعالى.
قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان البرمكي صاحب وفيات الأعيان
608 - 681ه - 1211 - 1282م أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان بن باوَل، بفتح الواو، ابن شاكل، بفتح الكاف، بن الحسين بن ملك بن جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك، الإمام العلامة شمس الدين أبو العباس، البلخي الأصل، الإربلي المولد، الدمشقي الدار والوفاة، الشافعي، قاضي قضاة دمشق وعالمها ومؤرخها.(1/98)
مولد بإربل في يوم الخميس حادي عشر شهر ربيع الآخر سنة ثمان وستمائة، وأمه من نسل خلف بن أيوب صاحب أبي حنيفة رضي الله عنه، ونشأ بأربل وتفقه بالموصل، ثم دمشق قدم في عنفوان " شبيبته " فأقام بها مدة يسيرة، وتوجه إلى ديار مصر واشتغل بها أيضاً، وحصل من كل علم طرفاً جيداً، وبرع في الفقه والأصول والعربية وغير ذَلِكَ، وأفتى ودرس، ونظم ونثر، ولي قضاء دمشق من القاهرة، وخرج منها في السابع والعشرين من ذي الحجة سنة ست وستين وستمائة، وتوجه إلى دمشق فدخلها في المحرم سنة سبع وستين، فباشرها مدة عشر سنين.
وفي أول ولايته للقضاء كان منفرداً إلى أن ورد عليه الخبر بأن برز المرسوم الشريف الظاهري بأن يكون بدمشق أربع قضاة، وصل ثلاثة تقاليد لشمس الدين عبد الله بن محمد عطاء الحنفي، ولزين الدين عبد السلام الزواوي المالكي، ولشمس الدين عبد الرحمن الحنبلي، وكانوا قبل ذَلِكَ نواباً للشافعي.
قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة ومن العجيب اجتماع ثلاث قضاة القضاة لقب كل واحد منهم شمس الدين في زمن واحد، فقال بعض الأدباء شعراً:
بدمشق آية قد ظه ... رت للناس تماما
كلما ازدادوا شموساً ... زادت الدنيا ظلاما
وقال غيره:
أهل دمشق استرابوا ... من كثرة الحكام
إذ هم جميعاً شموس ... وحالهم في ظلام
ثم صرف قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان هذا عن قضاء دمشق، وقدم إلى القاهرة ودام بها نحواً من سبع سنين، وتولى الحكم بها نيابة عن قاضي القضاة بدر الدين السنجاري، ودرس بالقاهرة، وأفتى، وصنف، إلى أن أعيد إلى دمشق قاضياً بعد القاضي عز الدين بن الصائغ وتوجه إلى دمشق، فلما قرب منها خرج نائبها الأمير عز الدين أيدمر بجميع الموكب والأمراء وأرباب الوظائف لتلقيه، وأما رؤساء دمشق فإنهم تلقوه من عدة مراحل، وهنأ الشعراء بعدة قصائد، من ذَلِكَ ما أنشده الشيخ رشيد الدين عمر بن إسماعيل الفارقي:
أنت في الشام مثل يوسف في مص ... ر وعندي أن الكرام جناس
ولكلِّ سبع شداد وبعد السبْ ... ع عام فيه يغاث الناس
قلت هذا القول " لمدة مفارقته " الحكم بدمشق إلى أن عاد ثانياً إِلَيْهِ.
وقال فيه نور " الدين " بن مصعب:
رأيت أهل الشام طرَّاً ... ما فيهم قطَّ غير راض
أتاهم الخير بعد شرٍّ ... فالوقت بسْط بلا انقباض
وعوِّضوا فرحة بحزنٍ ... قَدْ أنصف الدهر فِي التقاضي
وسرهم بعد طول غمَّ ... قدوم قاضٍ وعزل قاض
فكلِّهم شاكر وشاكٍ ... بحال مستقْبل وماض
" ودام " فِي هَذِهِ الولاية بدمشق إِلَى سنة ثمانين وستمائة، صرف عن القضاء ولزم داره إِلَى أن توفي يوم السبت سادس عشرين شهر رجب، وقيل سادس عشره، سنة إحدى وثمانين وستمائة بالمدرسة النجيبية بدمشق، " ودفن " " بقاسيون " .
وكان إماماً عالماً بارعاً، متقناً كثير الفضائل، أديباً، شاعراً، جامعاً، مؤرخاً، وتاريخه وفيات الأعيان مشهور، وهو فِي غاية الحسن، وَكَانَ جواداً، ممدحاً، مدحه شعراء عصره بغرر القصائد، وَكَانَ يجيز عليها الجوائز السنية، وَكَانَ عنده عقل واحتمال، وستر عن العورات، وعلو همة، ولما كَانَ معزولاً بالديار المصرية حصل لَهُ ضائقة، فبلغ الأمير بدر الدين الخازندار ذَلِكَ فأمر لَهُ بنفقة هائلة ومائة أردب قمح، فامتنع من قبولها.
وذكره الحافظ قطب الدين فِي تاريخه، قال كَانَ إماماً عالماً، أديباً بارعاً، وحاكماً عدلاً، ومؤرخاً جامعاً.(1/99)
وذكره أيضاً الحافظ أبو محمد البرزالي فِي معجمه وقال فِيهِ: أحد علماء عصره المشهورين، وسيد أدباء دهره المذكورين، جمع بَيْنَ علوم جمة: فقه وعربية وتاريخ ولغة وغير ذَلِكَ، وجمع تاريخاً نفيساً اقتصر فِيهِ عَلَى المشهورين من كل فن، وولي قضاء الشافعية مدة، ودرس وأفتى، وسمع الحديث من ابن المكرم الصوفي بإربل، سمع منه البخاري عن أبي الوقت، وسمع من الشاوي وابن الجميزي، وأجازه المؤيد الطوسي، وأبو روح، وابن الصفا، والحسين بن أحمد القشيري، وإسماعيل، ومحمد بن علي بن عبد الله السيد الحسيني، وآخرون من نيسابور، وذكر مولده ثُمَّ قال: لَهُ يد طولى فِي علم اللغة، لَمْ ير فِي وقته من يعرف ديوان المتنبي كمعرفته، وَكَانَ مجلسه كثير الفوائد والتحقيق والبحث، لا يوجد فِيهِ غير ذَلِكَ، انتهى.
وقال الشهاب محمود فِي تاريخه: كنت كثير الاجتماع بِهِ فِي مباشرته الثانية للاقتباس من فوائده، رحمه الله، انتهى.
قلت وأثنى عَلَيْهِ أيضاً غير واحد، وَقَدْ طال الشرح فِي ذَلِكَ، ولا بد من ذكر شيء من شعره، فمن ذَلِكَ:
تَمثّلْتم لي والبلاد بعيدةٌ ... فخيِّل لي أنّ الفؤاد لكم مغْنى
وناجاكم قلْبي عَلَى البعد والنَّوى ... فآنستُم لفْظاً وأوحشْتم مَعنى
وله أيضاً:
يَا جيرة هل من عودةٍ فعسى ... يُفيق من سكرات الوجْد مخْمورُ
إذَا ظفرْتُ من الدُّنيا بقرْبكم ... فكل ذنْبٍ جناه الحبُّ مغفور
وله أيضاً:
يا ربّ إن العبد يخفي عيْبه ... فاسترْ بحلمك مَا بدا من عيْبه
ولقد أتاك وَمَا لَهُ من شافع ... لذنوبه فاقبلْ شفاعة شيْبه
ابن صدقة الحلبي الأديب الشاعر
...... - 767ه - ...... - 1366م أحمد بن محمد، وقيل محمود، بن إسماعيل بن إبراهيم بن صدقة الحلبي، الأديب الشاعر، المقتول عَلَى الزندقة.
كان أديباً فاضلاً، ماهراً فِي النظم والنثر والكتابة، وغير ذَلِكَ، إِلاَّ أنه كَانَ مولعاً " بالفسق " وشرب الخمر، وثلب أعراض الناس، وَكَانَ يلبس زي الأجناد، وَكَانَ كثير الوقيعة، فِي السلف، فحفظ عَلَيْهِ كلمات شهد عَلَيْهِ بِهَا تقتضي زندقته، وثبت ذَلِكَ عَلَيْهِ عند القاضي صدر الدين أحمد بن عبد الظاهر الدميري " المالكي " فحبس، فكتب وهو فِي الحبس إِلَى القاضي تاج الدين السبكي بقصيدة يسأله حقن دمه منها:
ولكن سآوي عند طوفان غدرهم ... إِلَى جبل الآلاء تاج الْعلى السُّبكي
فلما بلغته القصيدة هم بحقن دمه، وَكَانَ حاضراً عنده أبو المعالي ابن عشائر الحلبي، فعرفه بسوء سيرته وَمَا يقع منه من الكفريات، ورجعه عن ذَلِكَ، فعند ذَلِكَ حكم القاضي المالكي المشار إِلَيْهِ بزندقته، وحكم بقتله، وضرب عنقه تَحْتَ قلعة حلب بحضرة نائبها الأمير جرجي، وذلك فِي سنة سبع وستين وسبعمائة.
ومن شعره:
إذَا نلت المنى بصديق صدق ... وَكَانَ رفاقه وفق المراد
فحاذر أن تعامله بقرْض ... فإن القرض مقراض الوداد
وفيه " يقول بعضهم " :
مضى مستبيح الرِّبا والزنا ... إِلَى خازن المهلك الحالك
وفاز الدميري بتدميره ... فمن مالكي إِلَى مالك
قاضي القضاة نجم الدين بن صصرى
655 - 723ه - 1257 - 1323م أحمد بن محمد بن سالم بن أبي المواهب، الإمام العلامة الحافظ قاضي القضاة نجم الدين أبو العباس الربعي الثعلبي الدمشقي الشافعي، الشهير بابن صصرى.(1/100)
ولد سنة خمس وخمسين وستمائة، وحضر عَلَى الرشيد العطار فِي سنة تسع، والنجيب عبد اللطيف، وسمع بدمشق من ابن عبد الدايم، وابن أبي اليسر، وجده لأمه المسلم بن علان، وطلب العلم وتفقه عَلَى الشيخ تاج الدين، وبمصر عَلَى الأصبهاني فِي أصول الفقه وغيرهما، وَكَانَ يميل إِلَى دين وتعبد، وله ثروة وَمَال جم، ومماليك وحشم، قيل أنه قال يوماً للشيخ صدر الدين وغيره: فرق مَا بيننا أنني أشتغل عَلَى الشمع الكافوري وأنتم عَلَى قناديل المدارس، وتصدر للإفتاء والتدريس سنين، ودرس بالعادلية الصغرى، وبالأمينية وبالغزالية، مع قضاء العسكر ومشيخة الشيوخ بدمشق، ثُمَّ ولي قضاء القضاة بِهَا " فِي " سنة اثنتين وسبعمائة، ودام فِي القضاء إِلَى أن توفي ببستانه فجأة فِي نصف شهر ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، ورثاه شعراء دمشق.
وكان إماماً عالماً، متحرياً فِي " أحكامه " بصيراً بالقضاء، لا يقدر أحد يدلس عَلَيْهِ قضية، وَكَانَ عفيفاً عما يرمي بِهِ قضاة السوء من الرشوة وغيرها، وَكَانَ فِي ابتداء أمره كتب فِي الإنشاء، وَكَانَ لَهُ نظم ونثر ومشاركة فِي فنون كثيرة، فصيح العبارة، قادراً عَلَى الحفظ، يحفظ أربعة دروس فِي اليوم، وَكَانَ طويل الروح محسناً لمن أساء إِلَيْهِ.
بلغه أن الشيخ صدر الدين نظم فِيهِ بليقة فتحيل إِلَى أن وقعت بخطه فِي يده، فتركها عنده " إِلَى " إن قيل لَهُ يوماً أن الشيخ صدر الدين بالباب، فقال: ليدخل، ووضع تِلْكَ الورقة مفتوحة عَلَى مصلاة، فرآها الشيخ صدر الدين وعلم أنها خطه، فعند ذَلِكَ قال القاضي نجم الدين المذكور للطواشي: أحضر مَا عندك، فأحضر بقجة قماش كاملة، وصر فِيهَا ستمائة درهم، وقال هَذِهِ جائزة تِلْكَ البليقة، وله من هَذِهِ الحكايات جملة.
وَكَانَ أديباً بليغاً، ولما فتح الأمير علم الدين سنجر الدواداري بعض الحصون كتب إِلَيْهِ القاضي شهاب الدين محمود يهنئه ويذكر جراحة أصابته بقصيدة أولها:
مَا الحرب إِلاَّ الَّذِي تدْمى بِهِ اللّمم ... والفخر إِلاَّ إِذَا زان الوجوه دم
ولا ثبات لمنْ لَمْ تلْق جبهته ... حدَّ السُّيوف ولا يُثْنى لَهُ قدم
فكتب الجواب قاضي القضاة نجم الدين المذكور بقصيدة أولها:
وافى كتابك فِيهِ الفضل والكرم ... فجلَّ قدْراً وحلَّت عندي النِّعم
شهاب الدين نقيب الأشراف بحلب
...... - 778ه - ...... - 1376م أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن زيد بن جعفر " بن زيد بن جعفر " بن إبراهيم، الممدوح السيد الشريف أبو العباس " بن " شمس الدين أبي المجد " بن " شهاب الدين أبي العباس بن علاء الدين أبي الحسن بن شمس الدين أبي عبد الله بن زين الدين أبي الحسن الحراني ثُمَّ الحلبي الحسني.
نقيب الأشراف بحلب، وكاتب الإنشاء بِهَا، وأحد أعيانها سؤدداً ورئاسة، وكرماً وفضلاً، مع رياضة أخلاق وتواضع وإحسان لمن يرد عَلَيْهِ، وَلَمْ يزل عَلَى ذَلِكَ إِلَى أن مات بحلب " فِي " سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
العلامة الشيخ تقي الدين الشُّمُنيّ
801 - 872ه - 1399 - 1468م أحمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن علي بن يحيى " بن محمد " بن خلفة الله ابن خليفة، الشيخ الإمام العالم العلامة، أحد أئمة الحنفية، تقي الدين " ابن " الشيخ العلامة الرحلة المسند كمال الدين، القسنطيني الأصل، الإسكندري المولد، المصري المنشأ والدار.(1/101)
مولده فِي العشر الأخير من شهر رمضان سنة إحدى وثمانمائة، واستجاز لَهُ والده من القاهرة وغيرها، فأجاز لَهُ شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني، والشيخ سراج الدين " بن " الملقن؛ والحافظ زين الدين العراقي وغيرهم، ثُمَّ استوطن بِهِ والده القاهرة فِي سنة عشرة وثمانمائة، وأسمعه الحديث، وحضر بِهِ عَلَى الشيخ أبي الفضل بن الإمام التلمساني، وقرأ ختمة كاملة لآبي عمرو عَلَى الشيخ شمس الدين الزراتيتي الحنفي إمام المدرسة البرقوقية فِي سنة سبع عشرة، وجود فِيهَا الكتابة عَلَى الشيخ الأستاذ عبد الرحمن بن الصائغ المكتِّب، ولازمه مدة، وقرأ العربية فِي ابتداء أمره عَلَى والده الشيخ كمال الدين، وَعَلَى الشيخ الصالح شهاب الدين أحمد الصنهاجي، ثُمَّ لازم الشيخ شمس الدين الشطنوفي، وقرأ عَلَى الشيخ ناصر الدين البارنباري الخزرجية فِي العروض والقافية، وفصول ابن الهائم فِي الفرائض، والنزهة فِي الحساب بالقلم، ورسالتي المارديني عَلَى ربع الدائرة، وقرأ أصول الفقه وأصول الدين عَلَى قاضي القضاة شمس الدين البسطامي ولازمه، وقرأ عَلَيْهِ الكثير من مصنفاته وغيرها، وسمع التلويح والتوضيح فِي أصول فقه الحنفية، والهداية فِي مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، وشرح المفتاح فِي المعاني عَلَى الشيخ علاء الدين البخاري، وسمع المطول بكماله، والمنطق، والهداية فِي الفقه عَلَى الشيخ نظام الدين يحيى السيرامي، وقرأ المنطق، وآداب البحث عَلَى الشيخ أبي بكر الطبيب العجمي نزيل القاهرة بالمدرسة المنصورية لمداواة الملك المؤيد شيخ، وقرأ الهندسة، والهيئة، وسمع الحساب عَلَى الشيخ شهاب الدين بن المجدي، وسمع الموجز فِي الطب عَلَى الشيخ سراج الدين البهادري، وسمع شرح ألفية العراقي فِي علم الحديث عَلَى الشيخ قاضي القضاة شهاب الدين بن حجر، وقرأ عَلَيْهِ أيضاً شرح النخبة، ولازم الاشتغال إِلَى " أن " برع فِي عدة علوم كالفقه والأصول والعربية والمعاني والبيان والمنطق والطب والهيئة والهندسة والميقات والحساب والفرائض والتفسير والحديث، وصنف وألف ونظم ونثر، وتصدر للتدريس من حال شبيبته إِلَى " الآن " وأشغل الطلبة، وانتفع " بِهِ " كثير من الناس، وهو شيخي وعليه قرأت، وحضرت دروسه، وبه انتفعت، وله النظم والنثر والمصنفات، ومن مصنفاته كتاب مزيل الخفا عن ألفاظ الشفا، وكتاب المنصف من الكلام عَلَى مغنى ابن هشام فِي العربية، وشرح النقاية مختصر الوقاية فِي الفقه فِي عدة مجلدات، وسماه كمال الدراية، وشرح نظم النخبة لوالده فِي علم الحديث.
ومن شعره وهو شاب:
رب يوم شكوت فِيهِ غرامي ... وحبيبي بما أقاسي خبير
قلت دمعي من يوم بنت كثير ... واصطباري قَدْ صار قال يسير
ومنه، وَقَدْ وقع رجيف فِي القاهرة بفساد يحصل من المماليك إذَا مات الملك الظاهر ططر:
يقول خليلي العدا أضمرت ... إذَا مات ذا الملك سوء الورى
فقلت سل الله إبقاءه ... ويكفينا الظاهر المضمرا
ولي منه إجازة بما يجوز له وعنه روايته، وقد عمل بعض تلامذة العلامة قاضي القضاة شهاب الدين بن حجر جزءاً حسناً، جمع فيه مشايخ شيخنا تقي الدين المذكور الذين سمع منهم والذين أجازوا له، وأوقف عليه قاضي القضاة شهاب الدين بن حجر فكتب عليه كتابة حسنة.
أبو العباس صاحب أفريقية وتونس
725 - 796ه - 1325 - 1394م أحمد بن محمد بن أبي بكر بن يحيى بن عبد الواحد بن عمر بن يحيى بن عمر بن ونودين، السلطان أبو العباس بن الأمير أبي عبد الله بن السلطان أبي بكر بن الأمير أبي زكريا بن السلطان أبي إسحاق بن السلطان السعيد بن أبي زكريا ابن الأمير أبي محمد عبد الواحد بن الأمير أبي حفص بن أبي زكريا بن الشيخ الأجل أبي حفص الهنتاني المصمودي الحفصي، صاحب مملكة أفريقية وملك تونس.
ولد بقسطنطينية سنة خمس وعشرين وسبعمائة.(1/102)
قال الشيخ تقي الدين المقريزي رحمه الله: وأمه أم ولد تدعى نشوان سوداء، نشأ في حجر أبيه حَتَّى مات سنة خمس وأربعين، فكفله أخوه الأمير أبو زيد عبد الرحمن متولي قسنطينة من قبل جده السلطان أبي بكر ونقله إِلَيْهِ، فما زال بقسنطينة حَتَّى قدمها السلطان أبو عنان فارس بن السلطان أبي الحسن المريني من فاس يريد تملك أفريفية من الحفصيين، ونزل قسنطينة في سنة خمس وخمسين، ففر منه واليها أبو زيد، ولحق بتونس دار ملكهم، فقبض أبو عنان عَلَى أبي العباس وعلى أخيه زكريا، وحملهما إلى فاس وسجنهما بمدينة سبتة مدة سبع سنين، فلما مات أبو عنان وقام من بعده بملك مرين في فاس أخوه أبو سالم أفرج عن أبي العباس وعن أخيه زكريا وأقدمهما عليه بفاس، فبادرا إلى طلب الإذن بتوجههما إلى بلادهما، فأذن لهما، فسارا مجدين وسلكا عَلَى البرية، ونكبا عن طريق الجادة خوف الطلب، فبدا لأبي سالم في عودهما، وبعث في طلبهما ففاتاه، وقدما قسنطينة وعليها يومئذ أخوهما الأمير أبو زيد عبد الرحمن فملكها منه أبو العباس، واختفى أبو زيد يوماً وليلة، ثم ظهر ليلاً وطرق أبا العباس وقبض عليه، وسيره وأولاده عَلَى الجب، ثم رفعه من ساعته، وعرفه قدرته عليه، ثم سلمه البلد وخرج عنها سحر ليلته إلى تونس، فملك أبو العباس قسنطينة في سنة اثنتين وستين، وأضاف أليها بعد ذَلِكَ بجاية، ثم قتل ابن عمه أبا عبد الله محمد بن أبي زكريا يحيى بن أبي بكر، وتنكر عَلَى عمه السلطان أبي إسحاق إبراهيم بن أبي بكر وخرج عليه، وجمع لحربه، وسار إلى تونس فلم يظفر بطائل، وعاد إلى قسنطينة حَتَّى مات عمه، وقام من بعده ابنه السلطان أبو البقاء خالد بن أبي إسحاق إبراهيم بن أبي بكر، فحشد أبو العباس لمحاربته، ونزل عَلَى تونس في يوم الجمعة سابع عشر شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة، وحصرها، فمال إِلَيْهِ العامة وأمكنوه من المدينة حَتَّى دخلها من يومه، فنهبتها عساكره ثلاثة أيام، واستقل بالملك من غير منازع مدة أربع وعشرين سنة وثلاثة أشهر ونصف، حَتَّى مات وله من العمر سبعون سنة، في ليلة الخميس الرابع من شعبان سنة ست وتسعين وسبعمائة.
وكان ملكاً حازماً، عارفاً بأمور المملكة، وله عناية بذوي الأحساب وأرباب البيوتات، وكان صاحب شاة وفخامة، وضبط وإمساك عن العطاء إِلاَّ فيما لا به منه، مع العبادة والنسك، وكان يحافظ عَلَى المفروضات، ويصوم شهر رجب وشعبان، ويقوم من آخر الليل، رحمه الله تعالى، انتهى باختصار.
شهاب الدين المكي الطبري الشافعي
703 - 760ه - 1303 - 1359م أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم، قاضي القضاة شهاب الدين أبو الفضل بن نجم الدين بن جمال الدين بن محب الدين الطبري المكي الشافعي، قاضي مكة، وابن قاضيها وابن ابن قاضيها.
ولد سنة ثمان عشرة وقيل سنة ثلاث عشرة وسبعمائة بمكة ونشأ بها، وسمع عَلَى جده لأمه الرضي إمام المقام، وعلى أخيه صفي الدين أحمد الطبري عدة كتب، وسمع عَلَى الفخر التوزري، وحدث، وتفقه عَلَى جماعة من أهل مكة، وبرع في الفقه والأصول العربية وغيرهم، وأفتى ودرس، وولي قضاء مكة بعد أبيه بولاية من الشريف عطيفة بن أبي تُمي أمير مكة، في سابع جمادى الآخرة سنة ثلاثين وسبعمائة " ثم فوص إليك الملك المجاهد سيف الإسلام عَلَى صاحب اليمن " ثم فوض إِلَيْهِ السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر القضاء سنة اثنتين وثلاثين، وأضيفت إِلَيْهِ بعد ذَلِكَ خطابة الحرم في أول شهر رمضان سنة ست وخمسين، بعد وفاة تاج الدين، فعارضه ضياء الدين محمد بن عبد الله الحموي بتوقيع قدم عليه فمنعه من الخطابة، فوشى به أعداؤه إلى السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون، وأغروه به حَتَّى تنكر عليه، وهم به، فمات في سابع عشرين شعبان سنة ستين وسبعمائة بمكة، وله في القضاء ثلاثين سنة وستة أشهر تنقص أياماً: فقال الناصر حسن عندما بلغه موته: الحمد لله سلم منا وسلمنا منه، وولي بعده القضاء تقي الدين محمد بن أحمد الحرازي رحمه الله تعالى.
ابن وفا
756 - 814ه - 1355 - 1412م أحمد بن محمد بن محمد بن محمد، الشيخ الزاهد الصالح المعروف بابن وفا الشاذلي المالكي.(1/103)
ولد بظاهر مدينة مصر في سنة ست وخمسين وسبعمائة، ونشأ عَلَى قدم جيد ولزم الخلوة، وقام أخوه سيدي عَلَى بعمل الميعاد وتربية الفقراء، كل ذَلِكَ وسيدي أحمد هذا ملازم للخلوة، قليل الاجتماع بالناس، إلى أن توفي يوم الأربعاء ثاني عشرين شوال سنة أربع عشرة وثمانمائة، ودفن بالقرافة عند أبيه وأخيه، يأتي ذكرهما في محلهما من هذا الكتاب، وترك أولاداً عدة كبيرهم سيدي أبو الفضل عبد الرحمن، وغرق في النيل سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، وله شعر جيد إلى الغاية، وسيدي أبو الفتح محمد وهو عالمهم ورئيسهم، رحمه الله؛ وسيدي أبو المكارم إبراهيم، ومات عن خمس وثلاثين سنة في سنة ثلاث وثلاثين، وسيدي أبو الجود حسن ومات عن تسع عشرة سنة " في سنة ثمان وثمانمائة، وسيدي أبو السيادات يحيى وهو باق إلى الآن ومولده " سنة ثمان وتسعين وسبعمائة.
تاج الدين الحنفي، قاضي بغداد من ذرية أبي حنيفة رضي الله عنه
751 - 834ه - 1350 - 1431م أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر بن محمد بن ثابت بن عثمان بن محمد بن عبد الرحمن بن ميمون بن محمود بن حسان بن سمعان بن يوسف بن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي رضي الله عنه، القاضي تاج الدين الفرغاني النعماني الحنفي البغدادي الأصل، الكوفي المولد والدار، والدمشقي الوفاة، قاضي قضاة بغداد.
ولد بالكوفة في يوم الاثنين حادي عشر جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وبرع في فنون من العلم، وأفتى ودرس، ثم ولي قضاء بغداد، وحمدت سيرته، إلى أن زاد فساد قرأ يوسف وأولاده، وأخذ القاضي تاج الدين هذا في النهي عن المنكر وإظهار حرمة الشرع، فعظم ذَلِكَ عَلَى قرا يوسف فأمر بالقبض عليه، وامتحن وجدع أنفه، ثم أخرجه من بغداد وهو فار بنفسه، وقدم إلى القاهرة، فأكرمه الملك المؤيد شيخ المحمودي، وأجرى عليه ما يقوم بأوده، وأمره بالتوجه إلى دمشق، فتوجه إليها واستوطنها إلى أن توفي سنة أربع وثلاثين وثمانمائة.
وكان فقيهاً بارعاً فاضلاً، كتب رسالة تحتوي عَلَى أربعة عشر علماً، واختصر شرح البخاري للكرماني، ونظم في علوم الحديث أرجوزة وشرحها، وكان له مرويات كثيرة، رحمه الله تعالى، " عاش خمسة وثمانين سنة، فرحم الله سلفه " .
الشيخ شهاب الدين الأشموني النحوي
749 - 809ه - 1348 - 1407م أحمد بن محمد بن منصور بن عبد الله، الشيخ شهاب الدين الأشموني الحنفي النحوي.
كان فقيهاً فاضلاً، بارعاً في النحو، له فيه تصانيف جيدة ومشاركة في عدة علوم.
قال المقريزي: وكان قد مال إلى مذهب أهل الظاهر ثم انحرف عنهم وأكثر من الوقيعة فيهم، صحبته سنين، انتهى كلام المقريزي.
قلت: ختم له بخير لأنه اقتدى برجل هو أعرف بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الأوباش الظاهرية الذين ينظرون الحديث فلا يفهمون معناه. انتهى.
وكانت له يد طولى في النظم والنثر ومعرفة تامة بالأدبيات، ونظم قصيدة عَلَى روي اللام في النحو سماها التحفة الأدبية في علم العربية، توفي سنة تسع وثمانمائة في ثامن " عشرين " شوال، عن ستين سنة، رحمه الله تعالى.
الشيخ شهاب الدين بن حمائل
651 - 737ه - 1253 - 1337م أحمد بن محمد بن سليمان بن حمائل بن علي بن معلِّي بن طريف، الشيخ شهاب الدين، سبط القدوة غانم.
قال القاضي صلاح الدين بن أيبك: إمام كاتب مترسل نديم أخباري، يتفيهق في كلامه وإنشائه، ويطول نفسه في إنشائه، ويستحضر في اللغة كثيراً، ومن شعر المعري كثيراً، خصوصاً لزوم ما لا يلزم وزهدياته، وباشر الإنشاء بصفد وغزة وقلعة الروم فيما أظن، وفي كل مكان له وقائع مع نواب لك البلد، ويخرج هارباً، وكتب قدام الصاحب شمس الدين غبريال، فاتفق أن هرب مملوك الأمير شهاب الدين قرطاي فظفر به الصاحب، وأمره أن يكتب عَلَى يديه إلى مخدومه يقول فيه إنما هرب خوفاً منك، فكتب الكتاب وجاء في هذا المعنى المقصود فقال: وإذا خشن المقر حسن المفر، فلما وقف الصاحب عَلَى ذَلِكَ أنكر هذا، وقال: ما هذه مليحة، فطار عقل شهاب الدين المذكور لأنه ظن أن ذَلِكَ يصادف موقعاً يهش له ويزهوه، فضرب الدواة في الأرض وقال ما أنا ملزوم بالغلف القلف، وخرج متوجهاً إلى اليمن، وكتب لصاحبها ثم خرج منها هارباً.
وشهاب الدين رحمه الله إنما أخذ هذا من قول الشاعر:(1/104)
تجنبت الأباعد والأداني ... لكثرة ما يعاودني أذاهم
إذا خشن المقر لدى أناس ... فقد حسن المفر إلى سواهم
وكان خشن الملبس، شظف العيش، مطرح الكلفة يلبس البابوج الذي تلبسه الصوفية، ويلف الطول المقفص الإسكندراني، والقماش القصير، وكان حلو المعاشرة، ألف به القاضي فخر الدين ناظر الجيش واستكتبه في باب السلطان، ولما توفي فخر الدين رجع إلى الشام كاتب إنشاء، واختلط قبل موته بسنتين.
وكان مولده قبل مولد أخيه علاي الدين بشهور سنة إحدى وخمسين وستمائة تقريباً بمكة، ووفاته بعد أخيه بشهور سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، وكان يقول: دائماً زاحمني أخي علي في كل شيء حَتَّى في لبن أمي.
ومات وله ست وثمانون سنة تقريباً، سمع من ابن عبد الدايم، وقرأ عَلَى ابن مالك وعرض عليه العمدة، وبعده عَلَى ولده بدر الدين، وعلى مجد الدين بن ظهير الأربلي، وخرج له البرزالي مشيخة منهم: ابن أبي اليسر، وأيوب الحمامي، والزين خالد، وعبد الله بن يحيى بن البانياسي، محمد بن النشبي، ويحيى بن الناصح.
وكان إذا أنشأ أطال فكره، ونتف شعر ذقنه ووضعه في فمه وقرضه ثناياه، أنشدني من لفظه لنفسه:
والله ما أدعو عَلَى هاجري ... إِلاَّ بأن يُمْحَن بالعشق
حَتَّى يرى مقدار ما قد جرى ... منه وما قد تمّ في حقي
وأنشدني أيضاً:
بأبي صائغ مليح التثني ... بقوام يزري بغصْن البان
امسك الكلبتين يا صاح فاعجبْ ... لغزال بكفِّه كلبتان
وأنشدني الإمام العلامة أثير الدين أبو حيان من لفظه، قال أنشدني المذكور لنفسه:
طرْفك هذا به فتور ... أضحى لقلبي بِهِ فُتُون
قد كنت لولاه في أمان ... لله ما تفعل العيون
وكان ليلة في استماع، فرقصوا ثم جلسوا، فقام من بينهم شخص وطال الحال في استماعه، وزاد الأمر، فظل شهاب الدين ساكناً مطرقاً، فقال له شخص: إيش بك مطرق كأنما يوحى إِلَيْكَ؟! فقال نعم " قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن " .
وكان يوماً عند صاحب حماه الملك المنصور، وقد حضر السماط، وكان أكثره مرقاً، فلما وضع، قال شهاب الدين لما قيل الصلاة: نعم، بسم الله الرحمن الرحيم، نويت رفع الحدث، واستباحة الصلاة، الله أكبر، " وكان المظفر ولد المنصور " يكره شهاب الدين، فاغتنم الوقيعة فيه عند والده، وقال: اسمع ما يقول ابن غانم، يهجن طعامنا ويشبهه بالماء الذي يرفع به الحدث، فعاتبه المنصور عَلَى ذَلِكَ، فقال ما قصدت ذَلِكَ، ولكن البسملة في بدء كل أمر، والحدث الذي نويت رفعه هو حدث الجوع، واستباحة الصلاة إِلاَّ كل، فقال ما معنى الله أكبر، فقال عَلَى كل ثقيل، فاستحسن المنصور ذَلِكَ وخلع عليه، انتهى كلام الصفدي.
أبو العباس بن حازم الأذرعي
686 - 741ه - 1287 - 1341م أحمد بن محمد بن إبراهيم بن إبراهيم بن داود بن حازم الأذرعي الحنفي، أبو العباس بن قاضي القضاة أبي عبد الله محمد.
مولده في سنة ست وثمانين وستمائة، وتفقه بوالده وجده وغيرهما، وبرع في الفقه والأصول والعربية وغير ذَلِكَ، وتصدر للإفتاء والتدريس " سنين " ، ودرس بالجامع الحاكمي، وناب في الحكم، وحصل كتباً نفيسة، توفي خامس عشرين شهر رمضان سنة إحدى وأربعين وسبعمائة بالقاهرة، ودفن بالقرافة، رحمه الله تعالى.
ابن الحلبي نقيب الأشراف
636 - 695ه - 1239 - 1296م أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن علي بن محمد الشريف، الحافظ المسند عز الدين أبو القاسم بن الإمام أبي عبد الله العلوي الحسيني المصري " المعروف بابن الحلبي نقيب الأشراف بالديار المصرية " .
ولد سنة ست وثلاثين وستمائة، وسمع من فخر القضاة بن الجياب، وسمع من الزكي المنذري فأكثر، ومن الرشيد العطار، وعبد الغني بن بنين، والكمال الضرير وطبقتهم، وأجاز له ابن رواح، والسبط، والصالح المدلجي وخلق كثير، وطلب الحديث عَلَى الوجه، وكان ذا فهم وحفظ وإتقان، خرج " التخاريج " المفيدة، وله وفيات ذيل بها عَلَى شيخه المنذري إلى سنة أربع وسبعين، ولعله ذيلها إلى أن مات في سنة خمس وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
ابن عطاء الله الإسكندري
...... - 709ه - ...... - 1309م(1/105)
أحمد بن محمد بن عبد الكريم، الشيخ الزاهد المعتقد العارف بالله تاج الدين أبو الفضل الإسكندري الصوفي المشهور.
كان صاحب كرامات وأحوال، وكان يتكلم عَلَى كرسي في الجوامع بكلام حسن، ويعظ الناس، ولوعظه تأثير في القلوب، وكان له ذوق ومعرفة بكلام الصوفية وآثار السلف، وله عبارة عذبة لها وقع في النفوس، ومشاركة في الفضائل والعلوم، وكان تلميذاً لأبي العباس المرسي صاحب الشاذلي.
وكان الشيخ تاج الدين هذا من كبار القائمين عَلَى الشيخ تقي الدين بن تيمية، وكانت عليه جلالة ومهابة، وله أدب وفضل، ومن شعره:
مرداي منك نسيان المراد ... إذا رمت السبيل إلى الرشاد
وأَنْ تدع الوجود فلا تراه ... وتصبح ماسكاً حبل اعتماد
إلى كَمْ غفْلة عنِّي وإنِّي ... عَلَى حفظ الرّعاية والوداد
وهي أطول من هذا، كلها عَلَى هذا النمط، توفي الشيخ تاج الدين المذكور بالقاهرة بالمنصورية سنة تسع وسبعمائة، نفعنا الله ببركته، وعفا عنه.
أحمد الحلبي الحنفي
626 - 696ه - 1229 - 1297م أحمد بن محمد بن عبد الله، الحافظ الزاهد جمال الدين أبو العباس بن الشيخ القدوة محمد الظاهري الحلبي الحنفي، مولى الظاهر صاحب حلب.
ولد سنة ست وعشرين وستمائة، وسمع سنة إحدى وثلاثين من الفخر الإربلي والموفق ابن اللتي، وابن رواحة، وابن خليل، وخلق " بحلب " وكريمة، والضياء، وابن مسلمة، وخلق بدمشق، وحماه، وبماردين، ومكة، وخلق كثير بمصر، وسمع بحمص وبعلبك، والقدس وغير ذَلِكَ، واعتنى بهذا الشأن أتم عناية، وحصل وكتب ما لا يوصف كثرة، وكانت له إجازة عالية من أبي الحسين القطيعي، وزكريا العلبي، وابن روزبه، وأبي حفص السهروردي، والحسين بن الزبيدي، وإسماعيل بن فاتكين، والأنجب الحمامي وطبقتهم، وخرج لنفسه أربعين حديثاً في أربعين بلداً، " وانتفع " عَلَى شيوخ مصر والشام، وخرج لأصحاب ابن كليب، ثم لأصحاب ابن طبرزد والكندي، ثم لأصحاب ابن اللتي، وابن الزبيدي، حَتَّى أنه خرج لتلميذه ومريده الشيخ شعبان، وكان عجباً في جودة التخريج وحسن الانتخاب، لا يضاهيه أحد في ذَلِكَ، وقرأ القراءات بحلب عَلَى الشيخ أبي عبد الله الفاسي، وتفقه وعد من فقهاء الحنفية، وسمع من نحو سبعمائة شيخ، وتوفي بزاوية الجمالية التي في المقس خارج القاهرة.
قال الحافظ الذهبي: وبه افتتحت السماع بالديار المصرية وبه اختتمت، وعنده نزلت وعلى آجايزه اتكلت.
وسمع منه علم الدين البرزالي أكثر من مائتي جزء، توفي سنة ستة وتسعين وستمائة.
قاضي مكة محب الدين بن ظهيرة 789 - 827ه - 1387 - 1424م أحمد بن محمد بن عبد الله بن ظهيرة، قاضي مكة ومفتيها محب الدين أبو العباس ابن قاضي مكة وخطيبها ومفتيها، جمال الدين أبو حامد بن عفيف الدين القرشي المخزومي المكي الشافعي.(1/106)
ولد في ما بين الظهر والعصر من يوم الخميس رابع جمادى الأولى سنة تسع وثمانين وسبعمائة، وحفظ القرآن الكريم، وكتب في فنون العلم، وصلى التراويح في سنة تسع وتسعين وسبعمائة، وعرض المنهاج للنووي عَلَى جماعة منهم الشيخ برهان إبراهيم الأبناسي، وحضر عنده دروساً في الفقه، وسمع عليه بقراءة الشيخ تقي الدين الفاسي المالكي الموطأ رواية يحيى بن يحيى، وسمع عَلَى الشيخ إبراهيم بن محمد بن صديق في سنة خمس وثمانمائة مسموعاته من الأجزاء بقراءة التقي المذكور وسمع عليه قبل ذَلِكَ صحيح البخاري وقرأ له والده عليه مسند الدارمي بقية العباس، وسمع عَلَى القاضي زين الدين أبي بكر بن الحسين المراغي بالمسجد الحرام صحيح مسلم وسنن الدارقطني، وقرأ عليه كتاب العمدة في شرح الزبدة لقاضي حماه شرف الدين البارزي، وأذن له في الإفناء والتدريس جماعة من الحفاظ والعلماء منهم قاضي القضاة جلال الدين البلقيني، وقاضي القضاة ولي الدين أحمد بن عبد الرحيم العراقي، وخطيب دمشق ومفتيها شهاب الدين أحمد ابن حجي، والشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الله الغزي العامري. وحضر دروس الشيخ حسام الدين الأبيوردي بمكة في الأصول والمعاني والبيان والمنطق، وتفقه عَلَى جماعة كثيرة من العلماء، وأفتى ودرس في المسجد الحرام فِي سنة تسع وثمانمائة وفيها استنابه والده في الحكم والخطابة، ولزم دروس أبيه إلى أن مات، وولي قضاء مكة بعد موته بمدة، ثم صرف، ثم ولي إلى أن مات بعد مرض طويل في يوم الاثنين تاسع عشر شهر ربيع الآخرة سنة سبع وعشرين وثمانمائة بمكة، وصلى عليه من بعد العصر، ودفن بالمعلاه، وتولى القضاء بمكة من بعده قاضي القضاة جلال الدين أبو السعادات محمد بن ظهيرة.
شمس الدين العقبلي الأنصاري
...... - 657ه - ...... - 1259م أحمد بن محمد بن أحمد، العلامة شمس الدين العقبلي الأنصاري البخاري الحنفي.
روى عن جده لأمة العلامة الإمام شرف الدين عمر بن محمد بن عمر العقيلي، وبه تفقه وبغيره من الأئمة الحنفية إلى أن برع في الفقه والأصلين والعربية وغير ذَلِكَ، قال الحافظ عبد القادر في طبقات الحنفية كان شيخاً ثبتاً إماماً، انتهى.
قلت ومن تأليفه شرح الجامع الصغير للإمام محمد بن الحسن، ونظم الجامع الصغير نظماً حسناً، وكان له إلمام بالأدب، ونظم القريض، توفي ببخارى في الخامس من شهر رمضان سنة سبع وخمسين وستمائة، رحمه الله تعالى.
أحمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه
620 - 712ه - 1223 - 1312م أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن حسين بن أحمد بن قاسم بن حبيب بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، الشيخ الإمام العلامة مولانا بهاء الدين، ويعرف أيضاً بسلطان ابن مولانا جلال الدين الرومي الحنفي.
كان من أئمة السادة الحنفية، فقيهاً أصولياً، نحوياً بارعاً، ديناً زاهداً، له كرامات وأحوال مشهورة عنه بتلك البلاد، وتصدر للإقراء والتدريس بعد موت والده بقونيا عدة سنين، وانتفع به الطلبة، وقصد بالفتيا من البلاد، وكان ذا حرمة وافرة عند ملوك الروم وأصحاب دولهم مع عدم الالتفات إلى ما في أيديهم واقتفاء أثر والده في التجرد والانضمام عن الناس، إلى أن مات في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة وهو ابن اثنتين وتسعين سنة، ودفن بقونيا بتربة والده، وصلى عليه الشيخ مجد الدين الأقصراني بوصية منه، رحمه الله تعالى.
القاضي شهاب الدين بن مكنون الدمياطي
...... - 829ه - ...... - 1426م أحمد بن محمد بن مكنون، القاضي شهاب الدين الدمياطي الشافعي، قاضي دمياط.
كان فقيهاً فاضلاً، وله مشاركة في غير الفقه، " وكان له فضل " وأفضال، توفي بدمياط في ليلة الأحد ثاني عشرين شهر رمضان سنة تسع وعشرين وثمانمائة عن نحو ستين سنة، رحمه الله تعالى.
أبو الطيب الفقيه الحلبي
588 - 658ه - 1192 - 1260م أحمد بن محمد بن يوسف بن الخضر بن عبد الله بن عبد الرحيم، الشيخ أبو الطيب الفقيه الحلبي الحنفي.
مولده بحلب سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، كان إماماً فقيهاً بارعاً أصولياً، درس مدة سنين بحلب، وسمع من أبي حفص عمر بن طبرزد، وحدث. كتب عنه الحافظ شرف الدين الدمياطي وغيره، توفي سنة ثمان وخمسين وستمائة، رحمه الله تعالى.
بدر الدين بن حنا
...... - 788ه - ...... - 1386م(1/107)
أحمد بن محمد بن محمد بن سليم بن حنا، الشيخ الفقيه الفاضل بدر الدين أبو العباس بن شرف الدين " بن الصاحب فخر الدين بن " الصاحب الكبير بهاء الدين بن حنا المصري الشافعي.
كان فقيهاً أديباً، عالماً مفتياً، معدوداً من أعيان الفقهاء بالديار المصرية، أفتى ودرس واشتغل، وغلب عليه نظم الشعر، وله مصنفات وأشعار وموشحات، وكان له اليد الطولى في لعب الشطرنج.
ومن شعره:
يهنيك يا عود الأراك بثغره ... إذْ أنت للأوطان غير مفارق
إن كنت فارقت العذيب وبارقاً ... ها أنت ما بين العُذَيْب وبارق
توفي يوم الجمعة تاسع عشرين جمادى الآخرة سنة ثمان وثمانين وسبعمائة.
ابن المهماندار
...... - 793ه - ...... - 1391م أحمد بن محمد، الأمير شهاب الدين بن المهماندار الحلبي، أحد أمراء حلب ثم نائب حماه.
كان من بيت رئاسة وإمرة، وتولى عدة وظائف جليلة إلى أن تولى نيابة حماه - بعد حبس الملك الظاهر برقوق بالكرك - من قبل الأتابك يلبغا الناصري لما صار مدبر الممالك بالديار المصرية، فلما خرج الملك الظاهر برقوق من حبس الكرك وتسلطن ثانياً قبض عَلَى المذكور مع من قبض عليه من أصحاب الناصري، وأمسك معه أخاه محمد بعد أن وقع لهما أمور ووقائع في يوم الخميس سابع عشرين ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، وقتلا معاً يوم قتل الأتابكي يلبغا الناصري المذكور، وقتل معهم الأمير كشلى الفلمطاوي في ليلة الأحد ثالث ذي الحجة من السنة المذكورة، رحمهم الله تعالى.
ابن عربشاه
791 - 854ه - 1388 - 1450م أحمد بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم، الشيخ الإمام، العالم العلامة، البارع المفنن الأديب، الفقيه، اللغوي، النحوي، المؤرخ شهاب الدين أبو العباس الدمشقي الحنفي المعروف بابن عربشاه.
كان إمام عصره في المنظوم والمنثور، تردد إلى القاهرة غير مرة، وصحبني في بعض قدومه إلى القاهرة، وانتسج بيننا صحبة أكيدة ومودة، وأسمعني كثيراً من مصنفاته نظماً ونثراً، بل غالب ما نظمه وألفه، وكانت له قدرة عَلَى نظم العلوم وسبكها في قالب المديح والغزل، وسيظهر لك ذَلِكَ فيما كتبه إليَّ لما استجزته إذ كتبه لي بخطه، وأسمعني ذَلِكَ أيضاً من لفظه غير مرة، وهو هذا: " بسم الله الرحمن الرحيم " الحمد لله الذي زين مصر الفضائل بجمال يوسفها العزيز، وجعل حقيقة ذراه مجاز أهل الفضل، فحلّ به كل مجاز ومُجيز، أحمده حمد من طلب إجازة كرمه فأجاز، وأشكره شكراً أوضح لمزيد نعمه علينا سبيل المجاز، وأشهد أن لا إله إِلاَّ الله وحده لا شريك له، إله يجيب سائله. ويثيب آمله. ويطيب لراجيه نائله، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله. سيد من روى عن ربه، وروى عنه. والمقتدى لكل من أخذ عن العلماء وأخذ عنه. صلى الله عليه، ما رويت الأخبار ورويت الآثار، وخلدت اذكار الأبرار في صحائف الليل والنهار، وعلى آله وأصحابه وتابعيه وأحزابه، وسلم، وكرم، وشرف، وعظم.(1/108)
أما بعد فقد أجزت الجناب الكريم العالي، ذا القدر المنيف الغالي، والصدر الذي هو بالفضائل حالي، وعن الرذائل خالي، المولوي الأميري الكبيري العالمي الأصيلي العريقي الكاملي الفاضلي المخدومي الجمالي أبا المحاسن، الذي وِرْد فواضله وفضائله وغير آسن، يوسف بن المرحوم المقر الأشرف الكريم العالي المولوي الأميري الكبيري الأتابكي المالكي المخدومي السيفي تغرى بردى الملكي الظاهري، أدام الله جماله. وبلغه من المرام كماله. وهو ممن تغذى بلبان الفضائل، وتربى في حجر قوابل الفواضل، وجعل اقنتاء العلوم دأبه، ووجه إلى مدين الأداب ركابه، وفتح إلى دار الكمالات بابه، وصير أحرازها في خزائن صدره اكتسابه، فجاز بحمد الله تعالى حسن الصورة والسيرة، وقرن بضياء الأسرْة صفاء السريرة، وحوى السماحة والماسة، والفروسية والفراسة، ولطف العبارة والبراعة، " والعرابة واليراعة " ، والشهامة والشجاعة، فهو أمير الفقهاء، وفقيه الأمراء، وظريف الأدباء، وأديب الظرفاء فمهما تصفه صف وأكثر فإنه لأعظم مما قلت فيه وأكثر، فأجزت له معولاً عليه، أحسن الله إِلَيْهِ أن يروي عني هذه المنظومة، المزبورة المرقومة، التي سميتها جلوة الأمداح الجمالية في حلّتي العروض والعربية، عظم الله تعالى شأن من أنشئت فيه، وحرسه بعين عنايته وذويه، وسائر ما يجوز لي وعني روايته، وينسب إليَّ علمه ودرايته، من منظوم ومنثور، ومسموع ومسطور، بشروطه المعتبرة. وقواعده المحررة، عموماً، وما أذكر لي من مصنفات خصوصاً، فمن ذَلِكَ مرآة الأدب في علمي المعاني والبيان، منها بعد ذكر الخطبة، في تقسيم العربية وذكر فائدته وأقسامه:
بدا بتاح جمالٍ في حُلى أدب ... تسربل الفضل بين العُجْب والعجب
بدر تأدب حَتَّى كُلّه أدب ... يقول مَنْ يهْوَ وصْلي يكتسب أدبي
يَصُنْ كلامي وخطِّي في معاهدتي ... عن الخَطا أنني بدر من العرب
هذا وقدرُ علومي كالبروج عُلاَ ... فمن ينلْها يصْر في الفضلِ كالشَّهب
أصولها مثل أبواب الجنان زَهَتْ ... ينال من نالها ما رام من الرَّتب
خُذْ بِكْر نغم تجلَّت وجْهها غَزَل ... وروحها العلمُ والجثْمان من أدب
فريد لفظي إذا ما رمت جوهرَهُ ... ترى الصحاح كثغر زين بالشَّنب
وإنْ تصرَّف من عَقْد ومن عُقد ... إلى عقود فهذ الصَّرف كالذَّهب
لفظي من الشّهد مشنقّ بخطّي ذا ... سيف فدونك علم الضَّرْب والضَّرَبِ
أصل المعاني إذا ما رمت من كلمي ... فقل هي الدُّرّ واقصد نحونا تُصِب
معناي زاد عَلَى حُسْنِي فصنّف في ... علم المعاني وفي حُسْني وفي حَسَبي
طوراً أُبين كما طوراً أَبين لذا ... فنّ البيان غدا مرآة مُطَّلبي
طبعي وشعري وأوزاني يُناط بها ... علم العروض مناط الودّ بالسَّيب
حسني وظرفي وآدابي قد انتظمت ... نظم القوافي فخذ علمي وسل نسبي
قد أخلف البان قدّي حين خَطَّ عَلَى ... خدّي لريحان خَطِّ ليس في الكُتب
هذا عَلَى أصل حُسْني يستزاد فلا ... تَعِبْ ودونك علمَ الخَطَّ لا تخب
في وصفي النَّظم والنّثر البديعُ فخذْ ... علم القريض مع الإنشاء والخُطَب
وأن تُحَاصر فحاضِرْ في مُغازلتي ... واحفظْ تواريخَ ما أُمْليه من نُجَبي
واقصد بديع معانيّ التي بهرت ... عند البيان عقول العُجْمِ والعَرَب
إني أَنَا البدر سارٍ في منازله ... مكمّل الحسن بين الرأس والذَّنب
ومن ذَلِكَ العقد الفريد في علم التوحيد وأوله بعد ذكر الخطبة:
سَبَى القلب ظبْي من بنى العلم أَغْيد ... له مقلة كحلاً وخدّ مُورّّد
أوَحِّد من أنشأه للخلق فتنة ... فيسأل ما التّوحيد وهو يُعَرْبد
فقلت له الإيمان بالله مَنْ يرى ... لحاظَك بادي الخلق والكون يَشْهد(1/109)
فبالكُتْب والأفلاك والرُّسْلِ صِلْ فتى ... براه هواك القاتل المتعمَّد
وإن تُفْنِني هَجْراً أَقُمْ يوم بِعْثتِي ... وقد نُشِر الأمواتَ والحوْضُ يُوَرد
وقد كُوِّرت شمسٌ وشُقِّقت السَّما ... وكل الورى نحو القصاص تحشَّدوا
وقد نُصب الميزان وامتدَّ جِسْرُهمْ ... وأقبلت في ثوب الجمال تردد
أنادي وقد شبَّثْت كفِّي بذيله ... وتضريح أكفاني ولحظك يَشْهَد
حبيبي بما استحللت قتل مُبَرَّأٍ ... وما ذنبه إِلاَّ ضنى فيك مُكْمد
فقال أما هذا بتقدير من قضَى ... وحكم مضى ما فيه قطُّ تردُّد
فقلت بلى والخير والشَّر قُدِّرا ... وكلُّ بتقدير المهيْمن مُرْصَد
فقال فمن هذا الذي ذاك حُكْمه ... وتقديره صفْهُ لَكَيْما أوحِّدُ
فقلت إله واحدٌ لا مشاركٌ ... له لم يلدْ كَلاًّ ولا هو يولد
واستطردت من ذَلِكَ إلى تنزيه الذات وذكر الصفات إلى أن قلت:
هو الله من أنشأك للخلق فتنة ... ليسفك من جفنيه سيف مهنَّدُ
ومما حضرني من أواخر العقد في أشراط الساعة، وقد ذكرت برمتها:
وَحبٍّ بدا بالغرْب ليلاً فأشرقتْ ... دياجيرُه والشَّرق أسود مظلم
فأرجف قوم أنَّها الشمس قد بدت ... من الشرق حَتَّى تاب عنِّي لُوَّم
فأحْيا فؤادي بِاللما فكأنّما ... تدلَّى من الأفْلاك عيسى المعظَّم
وقد صحّت الأخبارُ في ذاك كلِّه ... فآمنت بالمجموع والله أعلم
ومن ذَلِكَ ما قلته في أصول الفقه منه في حديث العُسَيْلة:
ألا وارْوِ عَنْ ثغري حديث عُسَيْلة ... فشهوته زدات عَلَى غاية المنّ
ومنه في من قعد في صلاة الصبح مقدار التشهد فطلعت الشمس قبل الخروج من الصلاة بفعله، وأن صلاته فسدت عند الإمام لأنها شابها ما أخرجها إلى صفة القبح.
يُواصل في ليل من الشّعْر ساتر ... فيفضحني فجر من الفرْق يسْطعُ
فيا لك وصلاً كالصلاة وحسنها ... تُشابُ بقبح عندما الشّمس تَطْلع
ومنه في بحث النكرة المنفية والمثبتة وحكمها في الحالين:
أعوذ بالله من أجفانك السَّحرة ... إذ صيرتني فرداً في الهوى نَكِره
وما اكتفت أن جفت بل أخلقت ونفت ... فعمّني حكمها ضرورة ضرره
خصّت وقد أثبتت قلبي بأسهمها ... لكنها أطلقت منها لها أسره
وقيل عمت جميع المدْنفين فإنْ ... خصّت فذاك لأمر حكمها أمره
ومن هذه القصيدة في بحث المشترك وحكمه:
قوم تراءَوْك قالوا الجوْن فاختلفوا ... شمساً وليلاً وكل قال ما نظره
هذا رأى شمس وجه تحت جنح دجى ... وذا رأي ليل شعر ساتراً قمره
هذا تهيا له هذا وذاك لذا ... مثل الشَّريكَين في دار وفي شجره
وأنهم وقفوا في حكمهم وقَفَوْل ... شرط التأمل حَتَّى تقْتَفُوا أثره
ومن ذَلِكَ ما قلته في النحو مقدمة، استحضرت منها في وصف الأسماء:
حبيبي أَسمى من ذرى الشمس في السّما ... أيا جارتي اسماً خذي وصفي الأسما
وذلك نوعان عن الفصل معرب ... وآخر مبنى عَلَى شيمة شما
وذاك عليه عامل ومحرّك ... له من سجاياه وذا واجب حَتْما
فمن ذاك ما لم ينصرفْ عن جناية ... بجر فلا تنوين يا جارتي عُدماً
وإن تبتغي جر المكارم فافتحى ... وعاك فلم يصرف نداه إلى أَعْمى
ومنها:
حكى عُمَراً عدلاً وطلحة في السّخَا ... وزينب في المَمْشى وفي ظُرْفها سَلْمى(1/110)
ومن مصنفاتي المنثورة تاريخ تمرلنك عجائب المقدور فِي نوائب تيمور، ومنها فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء، ومنها خطاب الإهاب الناقب وجواب الشهاب الثاقب، ومنها الترجمان بمنتهى الإرب فِي لغة الترك والعجم والعرب، ومن النظم القصيدة المسماة بالعقود أولها:
لَكَ الله هل ذنْب فيعتذر الجاني ... بَلَى صدْق مَا أنهاه أني بكمْ فان
ومن سوء حظ الصب أن يلعب الهوى ... بأحشائه والحب يومي بولعان
ومن شيم الأحباب قتل محبهِم ... إذَا علموه فيهم صادقاً عان
فمهما يَزِدْ ذُلاً يَعِزُّوا تَمَنُّعاً ... ومهما يَرُمْ وصلاً يُقَاطع بِهِجران
وأَعذب لفظاً فِي مسامع مغرم ... من الحب مُتْ وجداً ولا تشْك هجراني
يموت فيحييه تنسُّم قُرْبه ... فكَمْ فِيهِ أفناني وكم منه أحياني
وَمَا أَنْس لا أَنْسَ الحبيب وعذّلي ... تُراقبُنَا قَدْ مرَّ بي هن غزلان
فجَالس تسليماً بلفتة باسم ... وواعَدَ تقْبيلاً بغمْزَة نَعْسان
ومن ذَلِكَ غرة السير فِي دول الترك والتتر، وَكَانَ عند كتابة هَذِهِ الإجازة لَمْ يتم، واقتصر فِي التذكرة عَلَى هَذِهِ المصنفات العشرة للوجازة لا الإجازة.
هذا وأما مولدي فداخل دمشق ليلة الجمعة الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة واتفق أن توجهت فِي الفتنة الواقعة في سنة ثلاث وثمانمائة من تمرلنك المخذول مع الإخوة والوالدة إِلَى سمرقند، ثُمَّ إِلَى بلاد الخطا، لطلب العلم الشريف، وأقمت ببلاد مَا وراء النهر مشغولاً بذلك، فمن رأيته من المشايخ وأخذت عنه السيد الشريف محمد الجرجاني نزيل سمرقند بمدرسة إيدكو تمور، والعلامة الشيخ شمس الدين محمد الجزري نزيل سمرقند بباغ خدا، والخواجا عبد الأول وابن عمه الخواجا عصام الدين بن العلامة الخواجا عبد الملك وهما من أولاد صاحب الهداية الشيخ الجليل برهان الدين المرغينياني الحنفي رحمه الله، ومولانا أحمد الترمذي الواعظ، ومولانا أحمد القصير، ومولانا حسام الدين الواعظ إمام مسجد " السيد " الإمام، وشيخه الخواجا محمد البخاري الزاهد الَّذِي توفي بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم فِي أواخر سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة، وَقَدْ فسر القرآن العظيم فِي مائة مجلد، وَكَانَ قَدْ التزم فِي بعض أوقاته أن لا يخرج فِي وعظه وتذكيره مدة مَا بقي من عمره عن تفسير قوله تعالى " الله نور السموات والأرض " واستمر عَلَى ذَلِكَ مدة، ثُمَّ التمس منه الانتقال إِلَى غيرها فانتقل.
ورأيت فِي سنة تسع وثمانمائة الشيخ العريان الأدهمي بسمرقند المعمر إذ ذَاكَ ثلاثمائة وخمسين سنة، عَلَى مَا هو المشهور المتواتر بينهم، وبلغني أنه تزوج بعد ذَلِكَ بكراً، وتوفي سنة ثمان وثلاثيين وثمانمائة فِي بلاد تركستان.
واستفدت اللسان الفارسي والخط الموغولي وأتقنتهما، واجتمعت فِي بلاد المغل بالشيخ برهان الدين الأَنْدُكاني والقاضي جلال الدين السَّيْرامي وأخذت عنهما، وقرأت النحو عَلَى مولانا حاجي تلميذ السيد الشريف.
ثم توجهنا إِلَى خوارزم فأخذت عن مولانا نور الله، ومولانا أحمد الواعظ السرائي بن شمس الأئمة، وَكَانَ يقال لَهُ ملك الكلام فارسياً وتركياً وعربياً، ثُمَّ توجهنا إِلَى بلاد الدشت وسراي وحاجي بزخان وبها العلامة البحر الزاخر مولانا حافظ الدين محمد بن ناصر الدين محمد البزازي الكردرِي، فأقمت عنده نحواً من أربع سنين، وأخذت عنه الفقه وأصوله، ثُمَّ توجهت إلي قيريم واجتمعت من علمائها بمولانا أحمد بيروق، ومولانا شرف الدين شارح المنار، وتوفي سنة سبع وأربعين وثمانمائة بأدرنة، وَكَانَ مولانا السلطان الملك الظاهر أبو سعيد محمد جقمق خلد الله تعالى أيامه طلبه من القيريم فتوجه إِلَى الشام فلم يمكنه الملد مراد بن عثمان وأمسكه عنده فِي أدرنة إِلَى أن توفي رحمه الله تعال.
واجتمعت فِي قيريم أيضاً بمولانا محمود البلغاري، ومولانا محمد اللب أبي، وعبد المجيد الشاعر الأديب صاحب قصة يوسف المسماة بمؤنس العشاق بالتركي وهي من أطرف مَا صنف.(1/111)
ثم قطعت بحر الروم إِلَى مملكة ابن عثمان فأقمت بِهَا نحواً من عشر سنين، فترجمت للملك غياث الدين أبي الفتح محمد بن أبي يزيد بن مراد بن أدرخان بن عثمان رحمه الله تعالى كتاب جامع الحكايات ولا مع الروايات من الفارسي إِلَى التركي فِي نحو ست مجلدات، وتفسير الإمام أبي الليث السمرقندي، وتعبير القادري بالتركي نظماً، ثُمَّ باشرت عنده الإنشاء، فكتبت عنه إِلَى ملوك الأطراف عربياً وفارسياً وتركياً، وقرأت المفتاح عَلَى مولانا برهان الدين حيدرة الخوافي.
فلما انتقل إِلَى رحمة الله تعالى ابن عثمان سنة أربع وعشرين وثمانمائة توجهت إِلَى الوطن القديم فدخلت حلب المحروسة يوم الجمعة عيد الأضحى سنة أربع وعشرين وابن قصروه بِهَا عاص، فأقمت بِهَا نحواً من أربعة أشهر، ثُمَّ توجهت إِلَى الشام فدخلتها فِي شهر ربيع الآخرة سنة خمس وعشرين وثمانمائة، فلم أتوجه إِلَى أحد، وكففت قدم السعي فِي ذيل القناعة، إِلَى أن قدم العلامة العالم العامل الزاهد العابد مولانا علا الدين أبو عبد الله مولانا محمد بن محمد بن محمد البخاري سقاه الله من رحيق رضوانه وأسكنه فردوس جنانه فِي أواخر المحرم سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة مع الركب الشامي من الحجاز الشريف فانقطعت إِلَيْهِ، ولازمت خدمته إِلَى أن توفي إِلَى رحمة الله تعالى يوم الخميس ثامن شهر رمضان سنة إحدى وأربعين وثمانمائة ودفن بسطح المزة، ونسأل الله تعالى حسن الخاتمة بمنه ويمنه، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله عَلَى سيدنا محمد خير خلقه وآله وصحبه أجمعين، حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إِلاَّ بالله العلي العظيم، كتب فقير عفو الله أحمد بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عربشاه الحنفي سامحه الله تعالى فِي غرة شهر الله المبارك ذي الحجة الحرام عام ثلاث وخمسين وثمانمائة بالقاهرة المنصورة جعلها الله دار الإسلام إِلَى يوم القيامة بخانقاه سعيد السعداء، أقامه الله تعالى فِي زمرة الشهداء، والحمد لوليه، والصلاة عَلَى نبيه، وآله الطاهرين وأصحابه والتابعين والسلام.
من نظمه أيضاً معمى:
وجهك الزاهي كَبَدْرٍ ... فَوْقَ غُصْنٍ طَلَعا
واسمك الزاكي كَمشْكا ... ة سَنَاها لَمَعا
فِي بُيُوتٍ أذن الل ... ه لَهَا أن تُرْفَعَا
عكسُها صَحِّفه تلق ... الحسن فِيهِ أجمعا
قلت وناهيك بِهَا دلالة عَلَى علم كثير وفضل غزير، فلله دره، مَا كَانَ أحرصه عَلَى ملازمة الأفاضل لتحصيل الفضائل.
وتوفي يوم الاثنين خامس عشر شهر رجب سنة أربع وخمسين وثمانمائة بالقاهرة، رحمه الله تعالى وعفا عنه، عن اثنتين وستين سنة وستة أشهر وعشرين يوماً، رحمه الله تعالى.
علم الدين الأخنائي
...... - 842ه - ...... - 1439م أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن عيسى بن بدران، القاضي علم الدين بن القاضي تاج الدين بن علم الدين بن كمال الدين بن قاضي القضاة علم الدين الأخنائي المالكي، أحد نواب الحكم بالقاهرة.
كَانَ فقيهاً فاضلاً مستحضراً لقروع مذهبه، وهو من بيت علم ورئاسة وفضل، ناب فِي الحكم عدة سنين، وَكَانَ مشكور السيرة فِي أحكامه، وله ثروة وحشم، مات بعد مرض طويل بالقاهرة فِي يوم الأربعاء خامس عشرين شهر رمضان سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، رحمه الله تعالى.
قاضي القضاة شهاب الدين بن المحمرة
769 - 840ه - 1368 - 1436م أحمد بن محمد بن صلاح، قاضي القضاة شهاب الدين المعروف بابن المحمرة، قاضي قضاة الشافعية بدمشق، وشيخ الخانقاه الناصرية المعروف بدار سعيد السعداء، ثُمَّ شيخ الصلاحية بالقدس.(1/112)
مولده فِي شهر صفر خارج القاهرة سنة تسع وستين وسبعمائة، ونشأ بالقاهرة وطلب العلم، وبرع فِي الفقه والأصول والعربية، وأفتى ودرس وناب فِي الحكم سنين، ثُمَّ تنزه عن ذَلِكَ مدة، وولي مشيخة خانقاه سعيد السعداء مدة طويلة، ثُمَّ ولي قضاء القضاة الشافعية بدمشق فِي دولة الملك الأشرف برسباي من غير سعي، فباشر بعفة، وحمدت سيرته إِلَى أن عزل بقاضي القضاة وكاتب السر كمال الدين محمد بن البازري فِي شهر رجب سنة خمس وثلاثين وثمانمائة فعاد إِلَى القاهرة عَلَى وظائفه من مشيخة سعيد السعداء وغيرها، ودام عَلَى ذَلِكَ إِلَى أن طلب وخلع عَلَيْهِ باستقراره فِي مشيخة الصلاحية بالقدس الشريف، فتوجه إِلَى القدس ودام بِهِ إِلَى أن توفي ليلة السبت سادس عشر شهر ربيع الآخر سنة أربعين وثمانمائة.
وَكَانَ شيخاً نيراً فاضلاً، بارعاً متجملاً، وقوراً، ذا شيبة نيرة، ولسان فصيح، طلق العبارة، معدوداً من أعيان الفقهاء الشافعية، والمحمرة نسبة إِلَى التحمير من الحمرة.
قال المقريزي: وَكَانَ أبوه وعمه من سماسرة الغلال بساحل بولاق، وولد هو بالمقس خارج القاهرة فِي التاريخ المذكور، وقرأ القرآن الكريم فِي صغره، وعدة كتب مَا بَيْنَ فقه وأصول، وعربية ومعاني، وبيان وحديث، واشتغل عَلَى المجد إسماعيل البرماوي مدة ثُمَّ لازم دروس شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني، والحافظ زين الدين العراقي، وسمع الحديث، وتخرج بهم فِي الفقه والعربية، وشارك فِي غيرها، وتكسب بالجلوس فِي حانوت الشهود سنين، ثُمَّ صحب الأكابر وناب عني فِي الحسبة، فحكم عَلَى بابي أياماً، انتهى كلام المقريزي باختصار.
السامري واقف السامرية بدمشق
...... - 696ه - ...... - 1297م أحمد بن محمد بن علي بن جعفر، الصدر الجليل سيف الدين أبو العباس البغدادي، السامري الأصل، الدمشقي الدار والوفاة، والسامري نسبة إِلَى سامرا مدينة بالعراق، وتسمى سر من رأى سامرا.
قلت: وهو واقف الخانقاه السامرية بدمشق الَّتِي إِلَى جانب الكروسيه، كانت داره الَّتِي يسكن بِهَا فدفن بِهَا، ووقفها دار حديث وخانقاه.
وكان رئيساً مثرياً، حسن الأخلاق، معظماً فِي الدول، جميل المعاشرة، لَهُ نظم جيد وأشعار رائقة، ومبتكرات فائقة، ولما كَانَ ببغداد كَانَ خصيصاً معظماً عند الوزير ابن العلقمي، وَكَانَ يحضر مجلس الخليفة المستعصم بالله، وله فِيهِ غرر مدائح، مدحه مرة فأخلع عَلَيْهِ خلعة سوداء سنية، ثُمَّ رحل من بغداد أظن فِي جفلة التتار وقدم دمشق وسكنها إِلَى أن توفي بِهَا فِي يوم الاثنين ثامن عشر شعبان سنة ست وتسعين وستمائة، رحمه الله.
قال ابن كثير: قدم إِلَى دمشق فِي أيام الناصر صاحب حلب، فحظي عنده أيضاً، فسعى فِيهِ أهل الدولة، فصنف فيهم أرجوزة فتح عليهم بسببها باباً فصادرهم الملك بعشرين ألف دينار، فخافوه وعظموه جداً، وتوصلوا بِهِ إِلَى أغراضهم، وله قصيدة فِي مدح النبي صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ كتب عنه الحافظ الدمياطي شيئاً من شعره.
شهاب الدين الأموي المالكي
...... - 836ه - ...... - 1432م أحمد بن محمد بن محمد، قاضي القضاة شهاب الدين الأموي المالكي، قاضي قضاة دمشق.
كان أولاً ولي قضاء القضاة بالشام إِلَى أن ولي بديار مصر فِي الدولة المؤيدية شيخ، ثُمَّ عزل وولي بعد مدة قضاء دمشق إِلَى أن مات فِي يوم الثلاثاء حادي عشر صفر سنة ست وثلاثين وثمانمائة.
قال المقريزي: وَلَمْ يشهر بعلم ولا دين انتهى كلام المقريزي باختصار.
ابنِ الطبلاوي
...... - 814ه - ...... - 1411م أحمد بن محمد، الأمير شهاب الدين الشهير بابن الطبلاوي، والي القاهرة، وكاشف الوجه الشرقي من أعمال القاهرة.
قتله الملك الناصر فرج بن الملك الظاهر برقوق عَلَى مَا اتهم بِهِ من جهة خوند بنت صروق مطلقة الملك الناصر المذكور - فِي ليلة السابع والعشرين من ذي القعدة سنة أربع عشرة وثمانمائة، بعد أن قتل الناصر بنت صروق المذكورة فِي ذَلِكَ اليوم، قبل أن يقتل صاحب الترجمة، وَكَانَ غير مشكور السيرة، كما هو عادة ظلمة الولاة، عفا الله عنه.
أبو العباس الصالحي العطار
601 - 688ه - 1204 - 1289م أحمد بن محمد بن عبد الرزاق بن هبة الله، الشيخ الصالح المسند المعمر جلال الدين أبو العباس الصالحي العطار المغاري.(1/113)
مولده فِي سنة إحدى وستمائة، سمع أبا نصر موسى بن الشيخ عبد القادر، والموفق بن قدامة، والنفيس بن البُن، والمجد القزويني، وأحمد بن طاووس وجماعة، وروى عنه ابن الخباز، وابن العطار، والحافظ جمال الدين المزي وجماعة، وَكَانَ إمام مغارة الدم، وله أخلاق رضية ووقار وديانة، توفي سنة ثماني وثمانين وستمائة، رحمه الله تعالى.
قاضي القضاة ناصر الدين التَّنْسي
740 - 801ه - 1339 - 1399م أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عطا بن عواض بن نجا بن برد الثنا حمود بن نهار بن مؤنس بن حاتم بن بتلى بن جابر بن هشام بن عروة بن الزبير بن العوام، حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاضي القضاة ناصر الدين أبو العباس " بن قاضي القضاة جمال الدين " بن قاضي القضاة شمس الدين التّنْسي السكندري المالكي.
ولي أبوه وجده قضاء الإسكندرية، وولد هو بثغر الإسكندرية، وبها نشأ وطلب العلم، وقرأ على علماء الثغر وغيرهم إِلَى أن برع فِي الفقه والأصول العربية واللغة والمنطق والجدل وغير ذَلِكَ، وأفتى ودرس وولي القضاء بالثغر غير مرة، وأول ولاياته فِي سنة إحدى وثمانين وسبعمائة وَكَانَ غالب مَا يصرف عن قضاء الثغر إِلاَّ بابن الربعي، وتردد إِلَى القاهرة مراراً طالباً وشيخاً إِلَى أن ولاه الملك الظاهر برقوق قضاء القضاة المالكية بالديار المصرية بعد القاضي شهاب الدين أحمد النحريري فِي يوم الأربعاء رابع عشرين ذي القعدة سنة أربع وتسعين وسبعمائة، وحُمدت سيرته، وعف وكف عما يرمي بِهِ قضاة السوء، فإنه كَانَ غنياً ملياً ديناً، ومعيشته من متجره.
قلت: وهكذا كَانَ ولده قاضي القضاة بدر الدين محمد التنسي قاضي زماننا هَذَا، يأتي ذكره فِي المحمدين إن شاء الله تعالى، ودام قاضي القضاة ناصر الدين فِي المنصب إِلَى أن توفي ليلة الخميس أول شهر رمضان سنة إحدى وثمانمائة، وكثر الأسف عَلَيْهِ لعفته ولصيانته، ومن مصنفاته كتب عَلَى تسهيل ابن مالك شرحاً لَمْ يكمله، وشرح مختصر ابن الحاجب فِي الفقه والأصول، وشرح كافية ابن الحاجب أيضاً وغير ذَلِكَ، رحمه الله.
الوزير نصير الدين البغدادي
...... - 642ه - ...... - 1244م أحمد بن محمد بن علي بن أحمد بن الناقد، الوزير الرئيس أبو الأسعد نصير الدين بن أبي السعادات البغدادي.
نشأ فِي السعادة والنعمة، وحفظ القرآن العزيز وجوده وأتقنه، واشتغل وتفقه، ولازم ابن شبيب الواسطي النحوي حَتَّى برع فِي ذَلِكَ ثُمَّ عانى الكتابة والبلاغة ومهر فيهما، ونظم ونثر وغلب عَلَيْهِ الدين والتقوى، وَكَانَ يكثر من التلاوة فِي المشاهد والمزارات ليالي الجمع، وربما قرأ القرآن كله وهو قائم من أول الليل إِلَى السحر، وخدم فِي عنفوان شبابه فِي عدة خدم فِي أيام الإمام الناصر، ثُمَّ ترك الخدم واختار العزلة إِلَى أن توفي الإمام الناصر لدين الله، وولي الخلافة " الإمام الظاهر " استدعاه وجعله وكيلاً لولده المستنصر فقربه واختصه بِهِ، فلما آلت الخلافة إِلَى المستنصر أقره عَلَى وكالته ورفع محله إِلَى أن توفي ابن الضحاك الأستادار رتبه مكانه، فلما قبض عَلَى القمي نائب الوزارة خلع عَلَيْهِ خلعة الوزارة وركب إِلَى الديوان فِي موكب الوزارة، وصارت الأمور كلها بيده ينفذها ويدبرها بذهن ثاقب وسياسة وعقل ودربة، وَلَمْ تزل طريقته محمودة وأموره مرضية وهو أعلى الناس منزلة عمد الخليفة، فإنه كانت بينه وبين الخليفة رضاع، وَكَانَ جيد الخط رشيق القد، والعبارة، إِلاَّ أنه كَانَ يعتريه ألم المفاصل، وقوي عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي سنة أربع وثلاثين وستمائة فاستناب من يكتب عنه، ودام عَلَى ذَلِكَ إِلَى أن مات الخليفة وحضر بيعة الخليفة المستعصم فِي محفة وأقر عَلَى الوزارة عَلَى عادته إِلَى أن مات فِي سنة اثنتين وأربعين وستمائة، وقيل بعد الخمسين، وشيعه عامة الدولة، وولي بعده الوزارة النفيس الرافضي ابن العلقمي الَّذِي كَانَ سبباً فِي أخذ بغداد وخرابها.
ومن شعره فِي الخليفة:
مرحباً وأهلاً وسهلاً ... بإمام قَدْ طبق الأرض سهلا
يَا إماماً أتى يبدد كفراً ... لصلاح الورى وينظم شملا
ومنها:
أنت من معشرهم أهل بيت ال ... له حقاً وزمزم والمصلّى(1/114)
أنزل الله فيهم الحوامي ... م وَفِي هل أتى مدائح تتلى
وكلها عَلَى هَذِهِ الطريقة تزيد عَلَى عشرين بيتاً، انتهى.
ابن طراد النحوي الحجازي
709 - 788ه - 1309 - 1386م أحمد بن محمد بن عبد المعطي بن أحمد بن عبد المعطي بن مكي بن طراد، العلامة أبو العباس الأنصاري المخزومي المالكي عالم الحجاز.
ولد سنة تسع وسبعمائة بالقاهرة، وسافر منها إِلَى الغرب مع والده، واجتمع فِيهَا عَلَى جماعة من الصالحين والعلماء، منهم الفقيه أبو زيد عبد الرحمن الجزولي، وحضر دروسه، وأخذ الفقه بالقاهرة عن الشيخ عبد الله المنوفي، قرأ عَلَيْهِ الرسالة، وسمع عَلَيْهِ مختصر ابن الحاجب وغيره، وأخذ العربية عن الشيخ أثير الدين أبي حيان قرأ عَلَيْهِ التسهيل لابن مالك، وأذن لَهُ في إقرائها، وسمع عَلَى الحافظ صلاح الدين خليل العلائي بمكة، وَعَلَى جماعة من شيوخها والقادمين إليها، كثيراً من الكتب والأجزاء منها سنن النسائي عَلَى الزين الطبري، وسنن أبي داود عَلَى عثمان بن الصفي، وتصدر فِي مكة للأشغال فِي العربية والعروض، وَكَانَ لَهُ نظم ونثر، وكتب بخطه الحسن كثيراً، وصنف، إِلَى أن توفي بمكة فِي يوم الثلاثاء تاسع عشرين المحرم، وقيل صفر، سنة ثمان وثمانين وسبعمائة.
قال الشيخ تقي لبدين الفاسي: وَقَدْ أجاز لي مروياته باستدعاء شيخنا بن سكر، وأنشدني لنفسه إجازة أذكر قصدية منها:
لن تغمض العين بعد الهجْر أجْفاناً ... لا آخذ الله بالهجران أجْفانا
يَا أهل ذَاكَ الحمى من حيِّ كاظمة ... لا تبدو أَوْ بالنوى من ذاق أشجانا
أبو بكر الكردي الدشتي الحنبلي
634 - 713ه - 1237 - 1313م أحمد بن محمد بن أبي القاسم بن بدران، الشيخ شهاب الدين أبو بكر الكردي الدشتي الحنبلي المؤدب.
ولد بحلب سنة أربع وثلاثين وستمائة، وحضر فِي الثانية عَلَى جعفر الهمداني، وسمع من ابن رواحة، وابن يعيش، وابن خليل، والنفيسي، وصفية القرشية، وابن الصلاح، والضياء، وتفرد وروى الكثير، وَكَانَ يتعزز بالرواية ويطلب، ونسخ عدة أجزاء لنفسه، وحدث بمسند الطيالسي، ورتب مسمعاً بالدار الأشرفية، ومعلماً بمكتب الطواشي ظهير الدين، وأكثر عنه الطلبة، وخرج لَهُ الحافظ علم الدين البرزالي مشيخة، توفي سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
السلطان الملك الناصر أحمد
...... - 745ه - ...... - 1344م أحمد بن محمد بن قلاوون، السلطان الملك الناصر ناصر الدين بن السلطان الملك الناصر أبي المعالي محمد بن السلطان الملك المنصور قلاوون الألفي الصالحي.
تسلطن بعد خلع أخيه الأشرف كجك فِي يوم الاثنين عاشر شوّال سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، بعد أن وقع لَهُ أمور وحوادث، وهو أن والده الملك الناصر محمد بن قلاوون كَانَ قَدْ أخرجه إِلَى الكرك وهو صغير لَمْ يبلغ العشر سنين، وَكَانَ الناصر أحمد هَذَا أحسن إخوته وجهاً وشكلاً، وَكَانَ صاحب " بأس وقوة مفرطة، وعنده شهامة، وكان نائب " الكرك إذ ذَاكَ الأمير سيف الدين ملكتمر السرجواني، ثُمَّ جهز إِلَيْهِ أبوه أخويه إبراهيم وأبا بكر المنصور فأقاموا الجميع بالكرك إِلَى أن ترعرعوا وطلبهم والدهم الملك الناصر محمد إِلَى القاهرة فرآهم، وأعاد الناصر هَذَا إِلَى الكرك، ونزل إبراهيم وأبا بكر عنده بالقلعة، ثُمَّ طلبه ثانياً وزوجه بابنة الأمير سيف الدين طايربغا، من أقارب السلطان، فدام بالقاهرة قليلاً، ثُمَّ أعاده إلى الكرك ومعه أهله، فاستمر بالكرك مدة إِلَى أن وقع بينه وبين ملكتمر السرجواني " نائب الكرك تنافس، فلما بلغ السلطان ذَلِكَ أحضرهما وغضب عَلَى ولده " الناصر أحمد صاحب الترجمة، وتركه قليلاً، ثُمَّ جهزه إِلَى الكرك وحده بلا نائب " فصار الأمر إِلَيْهِ، وَلَمْ يزل بِهَا مقيماً إِلَى أن توفي والده الملك الناصر محمد بن قلاوون، وَلَمْ يسند الأمير إِلَيْهِ، فقام الأمير باش تاك فِي أمره، وأراد سلطنته، فغلبه الأمير قوصون وأجلس الملك المنصور أبا بكر عَلَى تخت الملك، ثُمَّ خلع بعد مضي شهرين، فأقام قوصون أيضاً أخاه الملك الأشرف كجك.(1/115)
وكان قوصون قد سير قبل تاريخه إلى الملك الناصر أحمد هذا يطلبه إلى القاهرة، فلم يوافق الناصر عَلَى المجيء، وكتب في الباطن إلى نواب الشام يستجيرهم، ويستعفي من القدوم إلى القاهرة، وأظهر لهم المسكنة الزائدة، فرقوا له وحملوا الكتب التي جاءت منه إلى قوصون.
ثم أن الأمير طَشْتمر حمص أخضر خرج عَلَى الأمير قوصون وتعصب لأحمد هذا وقام في أمره قياماً عظيماً، وأخذ قوصون في تجهيز عسكر إلى الكرك نحو الألف فارس ومقدمهم الأمير قطلوبغا الفخري لحصار الكرك، فتوجه الفخري إلى الكرك وحصر الملك الناصر أحمد هذا بها أياماً، ثم إن الفخري رق له وتوجه لأخذ دمشق لما بلغه توجه نائبها الأمير الطنبغا إلى حلب لإمساك طشتمر حمض أخضر، فدخلها الفخري وملكها، وبلغ قوصون ذَلِكَ فانحرف ودعا الناس لطاعة الملك الناصر أحمد المذكور، ووقعت أمور، وصار الفخري يرسل إلى الناصر يطلبه إلى دمشق وهو يمنيه ويتعلل بحضور طشتمر حمض أخضر من البلاد الرومية، وكتب كتباً إلى الأمير طقزد مر نائب حماه، وإلى الأمير بهاء الدين أصلم نائب صفد، وإلى الأمراء يقول: أن الفخري نائبي بدمشق وهو يولي من يريد من النيابات الكبار، ولم يزل يعد الفخري بالحضور إلى عنده إلى أن جاء طشتمر من البلاد الرومية، ووقع ما سنحكيه في ترجمة قوصون، إن شاء الله تعالى، من ركوب الأمراء عليه، وإمساكه وحبسه بثغر الإسكندرية، فأخذ الملك الناصر أيضاً يمنى طشتمر والفخري بالحضور إلى دمشق بعد رمضان، وتوجه إِلَيْهِ من الأمراء المصريين الأمير بدر الدين جانكلي بن البابا وغيره، وسألوه التوجه معهم إلى القاهرة فلم يوافق وعادوا خائبين، وترك الناس والأمراء الشاميين والمصريين في حيرة، بعد ما حلف الجميع له.
ثم إنه توجه وحده إلى القاهرة، ولم يشعروا به إِلاَّ في قلعة الجبل، فلما بلغ الفري ذَلِكَ توجه هو وطشتمر بعساكر الشام والدولة والقضاة الأربع إلى القاهرة في قلب الشتاء، فلما وصلوا إلى القاهرة جلس السلطان الملك الناصر هذا عَلَى سرير الملك وإلى جانبه أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو القاسم، وحضر قضاة القضاة الثمانية من المصريين والشاميين، وعهد الخليفة إِلَيْهِ بحضور العالم، فكان يوماً عظيماً لم يتفق مثله لأحد من ملوك الترك لاجتماع أهل الإقليمين في يوم واحد.
وأصبح الملك الناصر من الغد استقر بالأمير طشتمر حمض أخضر في نيابة مصر، وولى نيابة دمشق للأمير قطلوبغا الفخري، وأرج الأمير أيدغمش أمير آخور إلى نيابة حلب عوضاً عن طشتمر، وهو الذي قام في أمر قوصون وقلب الدولة عَلَى قوصون لأجل الناصر هذا، وأخرج الأمير بيبرس الأحمدي إلى نيابة صفد، وأخرج الأمير الحاج آل ملك إلى نيابة حماه، وأخرج الأمير آقسنقر الناصري إلى نيابة غزة.
فلما فعل ذَلِكَ بالأكابر خافته الناس وعظموه، ثم بعد أربعين يوماً أمسك بالأمير طشتمر نائب مصر وأخذه وتوجه به إلى الكرك، وبعث إلى أيدغمش بأن يمسك الفخري فأمسكه وجهزه إلى مصر مع ابنه، فوصل إِلَيْهِ بالرملة فتسلمه منه، وأخلع عليه وأعاده إلى أبيه، وتوجه بالفخري وطشتمر إلى الكرك بعد أن أخذ معه جميع ما في الخزائن من التحف والأموال والجواهر والخيول والسلاح وغير ذَلِكَ، ومضى بالجميع إلى الكرك، وأقام الأمير آقسنقر السلاري في نيابة مصر، وأخذ معه القاضي علاء الدين بن فضل الله كاتب السر، والقاضي جمال الدين جمال الكفاة ناظر الخاص والجيش، وجعلهما مقيمين عنده في الكرك، واستغرق في اللهو والانشراح، واحتجب عن الناس، ثم أرسل بمسك الأحمدي من صفد، فأحس الأحمدي بذلك فهرب، ثم إنه أحضر الفخري وطشتمر وضرب عنقيهما صبراً، فنفرت القلوب منه، واستوحش الناس منه.
وصار يدبر ملكه شخص يعرف بابن الصبارة من أهل الكرك، ولم يعد يحضر كتاب إلى القاهرة وغيرها ولا توقيع بخط كاتب السر، بل بخط نصراني يعرف بالرضى، فعند ذَلِكَ أجمع الناس والأمراء عَلَى خلعه وإقامة أخيه الملك الصالح إسماعيل، فخلعوه وأجلسوا الصالح عَلَى تخت الملك في يوم الخميس ثاني عشرين المحرم سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة.
فكانت مدة ملك الناصر هذا بالقاهرة والكرك دون الأربعة أشهر.(1/116)
ثم أمر الملك الصالح بتجهيز عسكر إلى الكرك ومحاصرتها، فتداولوه العساكر بالكرك فكان كلما جاءت إِلَيْهِ فرقة توجهت الأولى، ودام هذا الحال وطال الأمر، ولم يبق بمصر والشام أمير حَتَّى تجرد إلى الكرك مرة ومرتين، ثم أخذ أمر الناصر يتلاشى، وهلك من عنده من الجوع، وضرب الذهب وخلط فيه الفضة والنحاس، حَتَّى صار الدينار يساوي خمسة دراهم.
ثم أمسك الملك الناصر من الكرك في يوم الاثنين وقت الظهر في ثاني عشرين شهر صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وكتب بذلك إلى السلطان، فأرسل الأمير منجك الناصري وحز رأسه، وتوجه به إلى القاهرة، رحمه الله تعالى.
القاضي نجم الدين القمولي
...... - 727ه - ...... - 1327م أحمد بن محمد بن مكي بن أبي الحزم بن ياسين، القاضي نجم الدين القمولي الشافعي.
قال الشيخ كمال الدين جعفر الإدفوي في تاريخه الطالع السعيد في تاريخ الصعيد: كان من الفقهاء الأفاضل والعلماء المتعبدين والقضاة المتعففين، وافر العقل، حسن التصرف، محفوظاً، قال لي رحمه الله: لي قريب من أربعين سنة أحكم ما وقع لي حكم خطأ، ولا أثبت مكتوباً تُكلِّم فيه، أو ظهر فيه خلل.
سمع من قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة وغيره، واشتغل بالفقه بقوص ثم بالقاهرة، وقرأ الأصول والنحو، وشرح الوسيط في الفقه في مجلدات كثيرة، وفيه نقول عزيزة ومباحث مفيدة، وسماه البحر المحيط، ثم جرد نقوله في مجلدات وسماه جواهر البحر، وشرح مقدمة ابن الحاجب في مجلدين، وشرح الأسماء الحسنى في مجلد، وكمل تفسير ابن الخطيب وكان ثقة صدوقاً.
تولى الحكم بقمول عن قاضي قوص شرف الدين إبراهيم بن عتيق، ثم تولى الوجه القبلي من عمل قوص في ولاية قاضي القضاة عبد الرحمن بن بنت الأعز، وكان قد قسم العمل بينه وبين الوجيه عبد الله السَّمَرْباوي، ثم ولي إخميم مرتين، وولي سيوط، والمنية، والشرقية، والغربية، ثم ناب بالقاهرة ومصر، وتولى حسبة مصر، واستمر في النيابة بمصر والجيزة والحسبة إلى أن توفي، ودرس بالفخرية بالقاهرة، وما زال يفتي ويدرس ويكتب ويصنف وهو مبجل معظم إلى حين وفاته.
وكان الشيخ صدر الدين بن الوكيل يقول: ما فِي مصر أفقه منه، وكان حسن الأخلاق كثير المروءة، محسناً إلى أهله وأقاربه وأهل بلاده، وتوفي في شهر رجب سنة سبع وعشرين وسبعمائة، ويقال أن أصله من أرمنت، رحمه الله تعالى.
أبو الطيب الحلاوي الشاعر
603 - 656ه - 1207 - 1258م أحمد بن محمد بن أبي الوفا بن خطاب بن محمد بن الهزبر، الإمام الأديب الشاعر شرف الدين أبو الطيب الربعي الموصلي الجندي، المعروف بابن الحلاوي.
ولد سنة ثلاث وستمائة، واشتغل ومهر في الأدب، وقال الشعر الجيد الفائق، ومدح الخلفاء والملوك والأكابر، وكان بخدمة بدر الدين لولو صاحب الموصل، روى عنه الحافظ شرف الدين الدمياطي وغيره، وكان فيه لطف وحسن عشرة، وخفة روح، وله القصائد الطنانة التي رواها الدمياطي عنه في معجمه.
أنشدنا تقي الدين المقريزي إجازة، قال: أنشدنا شرف الدين الحراوي إجازة، أنشدنا الحافظ شرف الدين الدمياطي إجازة، أنشدنا شرف الدين أبو الطيب بن الحلاوي لنفسه إجازة إن لم يكن سماعاً.
حَكاهُ من الغُصْن الرّطيب وريقُهُ ... وما الخمرُ إِلاَّ وجْنتاه وريقُه
هلالٌ ولكنْ أفْق قلْبي محلُّه ... غزالٌ ولكنْ سفْح عيْني عقيقهُ
وأَسْمر يحكى الأسمر الّلدْن قَدُّه ... غَدا راشِقاً قلبَ المحب رشيقه
عَلَى خَدِّه جمْر من الحسن مضْرم ... يُشبُّ ولكن في فؤادي حريقُه
أَقَرّ له من كلِّ حسنٍ جليلُه ... ووافقهُ من كل معنى دقيقُه
بديْع التّثنِّي راح قلبي أَسيرَه ... عَلَى أن دمعي في الغرام طليقُه
عَلَى سَالِفَيْه للعذَار جريرة ... وفي شفتيه للسُّلاف عتيقُه
يهدِّد منه الطرف منْ ليس خَصْمه ... ويُسْكر منه الرِّيق مَنْ لا يذوقه
عَلَى مثله يسْتحْسن الصّبُ هتْكَه ... وفي حُبِّه يجفو الصديقَ صديقُه
من التّرْك لا يُصبه وجْدْ إلى الحمى ... ولا ذكر بانات الغُوَيْر نَشُوقُه(1/117)
ولا حَلّ في حيِّ تلوحُ قِبابُهُ ... ولا سار في ركْب يُساق وسِيقه
ولا بات صبّاً بالفريق وأهلِه ... ولكن إلى خاقان يُعْزى فريقُه
له مبْسم يُنْسى المدام بَريقه ... ويُخْجل نَوّار الأقاحِ بريقُه
تداويت من حر الغرام ببرده ... فأُضْرم من حرّ الحريق رحيقُهُ
إذا خفَق البرقُ اليمانيِّ مَوهِناً ... تذكّرته فاعْتاد قلبي خُفُوقه
حَكَى وجهُهُ بَدْر السماء فلو بدا ... مع البدر قال الناس هذا شقيقُهُ
وافى خيالاً حين وافى خيالَه ... فأطرق في فرطِ الحياء طَروقُهُ
فأَشبهت منه الخصْر سقماً فقد غدا ... يُحَمِّلني كالخصر ما لا أَطيقُه
فما بال قلبي كل حب يهيجه ... وحتّام طرفي كلُّ حسن يروقه
فهذا ليوم البين لم تطْف ناره ... وهذا لبعد البعد ما جف موقه
ولله قلبي ما أشدّ عفافه ... وإن كان طرفي مستمراً فسوقه
فما فاز إِلاَّ من يبيت صبوحه ... شراب ثناياه ومنها غبوقه
قلت وكان السلطان بدر الدين لولو المذكور في أول أمره لا ينادم شرف الدين هذا ولا يحضر مجلسه، وإنما كان ينشده أيام المواسم والأعياد إلى " أن رآه في بعض الأيام في الصحراء وهو في روضة معشبه وبين يديه برذون له مريض يرعى، فجاء الأمير إِلَيْهِ ووقف عنده وقال لشرف الدين هذا، ما لي أرى هذا البرذون ضعيفاً، فقام وقبل الأرض وقال: يا مولانا السلطان، حاله مثل حالي، وما تخلفت عنه في شيء، يدي بيده في كل رزق يرزقنا الله، فقال له: هل عملت في برذونك هذا شيئاً؟ قال: نعم وأنشد بديهاً:
أصبح برذوني المرقَّع بالل ... صقات في حسرة يكابدها
رأى حمير الشَّعير عابرة ... عليه يوماً فظل يُنْشدها
" قفا قليلاً بها عليَّ فلا ... أَقلَّ من نظرة أُزَوِّدها
فأعجب السلطان بدر الدين بديهته، وأمر له بخمسين ديناراً، وخمسين مكوكاً من شعير، وقال له: هذه الدنانير لك، وهذا الشعير لبرذونك، ثم أمره بملازمة مجلسه كسائر الندماء، ولم يزل يترقى عنده إلى أن صار لا يصبر عنه.
ومن شعره أيضاً:
أأبقى من خدودك في جحيم ... وثغْرك كالصِّراط المستقيم
وأسهرني لديك رقيمُ خدِّ ... فواعجباً أأسهر بالرَّقيم
وله أيضاً يمدح الملك الناصر داود صاحب الكرك:
أحيا بموعْده قتيلَ وعيدِه ... رَشَأُ يشوب وصاله بصدوده
قمر يفوق عَلَى الغزالة وجْهه ... وعلى الغزال بمقلتيه وجيده
يا ليْته يعد الهلاك فإنَّه ... ما زال ذا لهج بخلف وعوده
قال الصلاح الصفدي، ومن شعر الحلاوي قوله:
في خدها روضة إذا رُعِيتْ ... باللحظ راحت بطرفها تُحْمى
بقامة تلْتوي وناظرها ... يدْمى البرايا ووجْنة تدمى
كأَنَّما الرِّدف خلفها أُجَأٌ ... كيف استقلَّت بحمله سلْمى
ثم قال: أجا وسلمى جبلان معروفان من جبال طي، انتهى كلام الصفدي.
قلت: ولم يبرح شرف الدين هذا بخدمة السلطان بدر الدين لولو إلى أن توجه إلى العجم الاجتماع بهولاكو فتوجه شرف الدين صحبته فمرض بتبريز ومات في تلك البلاد في سنة ست وخمسين وستمائة، وهو من أبناء الستين، رحمه الله تعالى.
العلاء السيرامي الحنفي
...... - 790ه - ...... - 1388م أحمد بن محمد، الشيخ الإمام العالم العلامة علاء الدين الشهير بالعلاء السيرامي الحنفي، شيخ الشيوخ بالمدرسة الظاهرية برقوق.(1/118)
قال قاضي القضاة بدر الدين محمود العينتابي الحنفي: هو شيخنا العلامة ذو الفنون الكاملة، بقية السلف، وقدوة الخلف، علاء الدين أحمد بن محمد السيرامي الحنفي، شيخ الشيوخ بالمدرسة الظاهرية البرقية، كان إماماً عالماً مفنناً، متبحراً في العلوم لا سيما علم المعاني والبيان والفقه والأصول، أدرك المشايخ الكبار رحمهم الله، ودرس وأفتى في البلاد في مدينة هراة وخوارزم وصراي وقرم، وتبريز، ومصر، وغيرهم، وكان ديناً خيراً ورعاً منقطعاً عن الناس، معتزلاً عن أكابر الدولة، حسن المعاملة مع الله تعالى ومع الناس، محباً لأهل العلم والطلبة، متواضعاً غاية التواضع، كريماً حليماً، ذا مروءة وأدب وحشمة ووقار وسكون، قدم من البلاد الشرقية فأقام في ماردين مدة وأقبل عليه صاحبها إقبالاً عظيماً، وقصد أن يبني له مدرسة ولكنه خرج منها وتوجه إلى الشام، وأتى إلى حلب فأقام بها مدة يفيد الطالبين، ثم طلبه الملك الظاهر برقوق إلى ديار مصر عندما أنشأ المدرسة ببين القصرين، فلما قدم وتمت المدرسة قرره شيخ الشيوخ بها وشيخ الحنفية، فلم يزل مشتغلاً بالعلم والإفادة والزهد والعبادة إلى أن أدركته الوفاة، وتوفي بالقاهرة يوم الأحد ثالث جمادى الأولى سنة تسعين وسبعمائة عن نيف وسبعين سنة، وصلى عليه خارج باب النصر، وكان الذي صلى عليه سودون الشيخوني النائب، وحضر جنازته جميع الأكابر من الأمراء والعلماء والقضاة، ودفن بتربة السلطان عند تربة يونس الدوادار عَلَى طريق قبة النصر.
وسمعت عليه أكثر الهداية، وبعض الكشاف من أوائله، وشرح التنقيح للشيخ سعد الدين التفتاز إلى باب المقياس، وشرحه عَلَى التلخيص، وكنت في صحبته يوم تولى المدرسة إلى أن توفي، ليلاً ونهاراً، فلم أر منه شيئاً يخالف الكتاب والسنة أو العادة الحسنة، ولا سمعته قط تلفظ بكلام قبيح أو كلام فاحش، ولا اغتاب أحداً قط، ولا عبس في وجه أحد قط، ولا طلب من أحد شيئاً حتى السلطان، وكان دائماً يبكي ويتأسف عَلَى تناوله من الأوقاف ومن أموال الدولة، وكان يحلف ويقول بأنه ما خرج إلى هذه الديار إِلاَّ لأن يجاور في القدس أو في المدينة النبوية فينقطع إلى الله تعالى ويشغل بعبادته، ولكن المقدور أظهر خلاف ما أضمر.
وكان به مرض الربو وضيق النفس وكان يقاسي منه ألماً شديداً ولا سيما في فصل الشتاء.
ولما توفي بقيت المدرسة شاغرة ثلاثة أشهر، ثم تولى عوضه الشيخ سيف الدين السيرامي، وكان هي في تبريز، فلما أخر بها تمرلنك خرح بأهله وعياله وقدم إلى حلب، فلما توفي الشيخ طلب إلى ديار مصر وتولى عوضه، ولكن الحرمة والتعظيم الذي حصل للمرحوم ما حصل لأحد اللهم إن كان للشيخ أكمل الدين، رحمهما الله، انتهى كلام العيني.
ابن العطار الدوادار
...... - 845ه - ...... - 1441م أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر بن يوسف بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر، الشهابي أحمد الدوادار الحموي التنوخي، الشهير بابن العطار.
مولده بحماه في أوائل القرن تقريباً " وقدم القاهرة " مع والده ونشأ بها تحت كنف والده وتقلب معه في عدة ولايات إلى أن توفي والده الأمير ناصر الدين بالقدس وهو ناظر الحرمين، فعاد الشهابي أحمد هذا إلى القاهرة واستمر بطالاً تحت رفد صهره القاضي كمال الدين بن البارزي كاتب السرمدة مدة طويلة، إلى أن عينه الزيني عبد الباسط لخدمة الأمير تمرباي التمربغاوي الدوادار الثاني وأن يكون دواداراً عنده، فتوجه المذكور إِلَيْهِ واستمر بخدمته دهراً، إلى أن مات الملك الأشرف برسباي، وصار الأتابك جقمق العلائي نظام الملك ومدبر مملكة العزيز يوسف بن الملك الأشرف برسباي، أرسل طلبه من الأمير تمرباي وجعله دواداره، وهذا أيضاً بسفارة خوند بنت البارزي زوجة الأتابك جقمق، واستمر عنده إلى أن تسلطن قرَّبه وأدناه وجعله من جملة الدوادارية الصغار، ونالته السعادة وعظم في الدولة بحسب الوقت، وأثرى وضخم، فلن تطل مدته ومرض أياماً، ومات في خامس عشرين المحرم سنة خمس وأربعين وثمانمائة.(1/119)
وكان عاقلاً عارفاً، وله مشاركة في الفضيلة، وعنده ذكاء وفهم جيد، يذاكر بالشعر حافظاً له، وينقل كثيراً من التواريخ عَلَى قاعدة الحكوية لا عَلَى قاعدة المؤرخين، كان عارفاً بعدة فنون من أنواع الفروسية، يجيد الرمي بالنشاب علماً وعملاً، وله معرفة قليلة بضرب السيف، ويحسن لعب الرمح علماً، ويقصر عن إدراك ما برومه في العمل، يعرف ما قلته من له يد في هذه الصناعة، لأنه اشتغل بهذا الفن في كبر بعد أن خشن والتحى، وفي الجملة كان له محاسن ومعرفة تامة بفنون ومحاضرة حسنة، وحذق وذكاء وذوق، ومات ولم يخلف بعده مثله من أبناء جنسه، مع تمام معرفتي لهذه الطائفة، رحمه الله تعالى.
ابن العطار المصري الشاعر الأديب
746 - 794ه - 1345 - 1392م أحمد بن محمد بن علي، الأديب الفاضل البارع، شهاب الدين أبو العباس بن شمس الدين الدنيسري، الشهير بابن العطار المصري.
مولده بالقاهرة في سنة ست وأربعين وسبعمائة، وكان بارعاً ذكياً، وعنده فضيلة تامة ومشاركة جيدة في عدة علوم.
وله تصانيف مفيدة تزيد عَلَى ثلاثين مصنفاً، وخمَّس البردة، ومن مصنفاته كتاب نزهة الناظر في المثل السائر، وعنوان السعادة في المدائح النبوية، ولطائف الظرفاء، وفرائد الإعصار في مدائح النبي المختار، والمسلك الفاخر موشحات نبوية أيضاً، وصلة المستحق، وكتاب صدقة السر، وفنون مكة مدائح نبوية، والعهود العمرية مرجز في أمر النصارى واليهود، وبديع المعاني في أنواع التهاني، والدر الثمين في حسن التضمين، ونتائج الأفكار، وزهر الربيع في التشابيه، وحسن الاقتراح في وصف الملاح، ذكر فيه ألف مليح وصفاتهم، قلت: وهذا التصنيف معدوم، ونقل العقار خمريات، ومرقص المطرب في الغزل، ومنشأ الخلاعة في المجون، والمآنس في هجاء بني مكانس، وغير ذَلِكَ.
ونظم الشعر وهو ابن ثلاثة عشر سنة، وكان له اليد الطولى في النظم والنثر، توفي سادس عشر ريع الآخرة سنة أربع وتسعين وسبعمائة بالقاهرة، رحمه الله.
ومن شعره وقد رشح لنظر جيش مدينة سبس:
طلبت رزقاً قيل رحمه الله ناظراً ... جيوش سيس قلت رأي تعيس
لو أن ذا الحكام في سطلة ... ما طلبوا أني أبقى بسيس
وله أيضاً:
أصبحتَ بطالاً وأولاد أربعة ... محمد وثلاث موتهم يجب
فإن تحيَّل في رزق بمدحكم ... أبو محمد البطال لا عجب
وله أيضاً:
ما زال يظلم في زمان جماله ... ويجودُ بالهجران والإبعاد
حَتَّى تسوَّد وجهه وسَلَوْتُه ... فكأنما كُنَّا عَلَى ميعاد
وله أيضاً:
يا مانعَ ورْدِ وجْنتيْه ... في وقْت قطافه وخيْره
ذُقْ موتك من طلوع ذقْن ... المؤمن منْ كُفِي بغيْره
وله أيضاً:
أَتى بعْد الصِّبا شَيْبي ودهري ... رَمَى بعد اعتدال باعْوجاج
كفى أَنْ كان لي بصر حديد ... وقد صارت عيوني من زجاج
وله أيضاً:
قالوا ترى الأَقْباطَ قد رُزقوا ... حظَّاً وأضْحوا كالسَّلاطين
وتملكوا الأموال قلت لهم ... رزْقُ الكلاب عَلَى المجانين
ابن الضياء الحنفي، قاضي مكة
749 - 825ه - 1348 - 1422م أحمد بن محمد بن محمد بن سعيد، قاضي القضاة شهاب الدين أبو الخير الصاغاني الأصل، المدني المولد، المكي المنشأ والدار والوفاة، الحنفي، قاضي قضاة مكة وعالمها، وابن عالمها العلامة ضياء الدين، ووالد قاضي مكة وعالمها أبي البقاء قاضي زماننا هذا.
مولده بالمدينة النبوية فِي السادس عشر من شهر ربيع الأول سنة تسع وأربعين وسبعمائة.
قلت: وهو أول قاض ولي بمكة قضاء الحنفية استقلالاً، حدثني ولدق قاضي القضاء بهاء الدين أبو البقاء بمكة المشرفة، قال: كَانَ جدي الضياء تزوج بشريفة من بنات عنان بالمدينة " النبوية " فأولدها والدي، يعني صاحب الترجمة، انتهى.(1/120)
قال الحافظ تقي الدين الفاسي محدث مكة ومؤرخها: وسمع بِهَا من محدثها العفيف عبد الله بن الجمال محمد المطري بعض الشفاء للقاضي " عياض " ، وَعَلَى الفقيه خليل بن عبد الرحمن القسطلاني المكي، إمام المالكية بالحرم جزء البطاقة، وَعَلَى القاضي عز الدين " عبد العزيز " بن جماعة الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا، وسمع عَلَيْهِ بمكة جزء ابن نجيد عن أحمد بن عساكر، وغيره عن أبي روح، والمؤيد الطوسي، وسمع بالقاهرة عَلَى الشيخ محيي الدين عبد القاهر - مؤلف طبقات الحنفية - الموطأ لمالك يحيى بن بكير، وغير ذَلِكَ، وَعَلَى فخر الدين إبراهيم بن العفيف إسحاق الآمدي بعض الخلعيات وذلك من حديث الحوض فِي الجزء الحادي عشر إِلَى آخر الجزء الثاني عشر، وحدث بِهِ الآمدي من لفظه لصمم عرض لَهُ، وسمع معنا عَلَى جماعة من شيوخنا بمكة ومن غيرهم من شيوخ مكة وحدث واعتنى بالعلم كثيراً، وله فِي الفقه نباهة، ودرس كثيراً، وأفتى.
ومن تداريسه بمكة الدرس الَّذِي قرره للحنفية الأمير يلبغا الخاصكي مدبر الدولة بمصر تلقاه عن أبيه، والمدرسة الغياثية البنجالية، ومدرسة الزنجيلي، وتدريس الأمير أرغون النائب بمصر وبحلب فِي دار العجلة، ثُمَّ نقل الدرس إِلَى المسجد، وكذلك مدرسة الزنجيلي نقل الدرس منها إِلَى المسجد.
وناب فِي العقود عن قاضي مكة عز الدين محمد بن قاضي الحرمين محب الدين النويري، ثُمَّ ناب عنه فِي الأحكام فِي آخر سنة ثلاث وثمانمائة، ثُمَّ عزله، فلم يتجنب المباشرة، وذكر أن مذهبه أن القاضي لا يعزل إِلاَّ بجنحة، ثُمَّ جاءه تقليد من صاحب مصر الناصر فرج بقضاء الحنفية فِي سنة ست وثمانمائة وجاء عزله من الناصر عقيب ذَلِكَ، بعد أن باشر أياماً قليلة، ثُمَّ ناب بعد ذَلِكَ فِي الحكم بمكة عن قاضيها جمال الدين بن ظهيرة فِي آخر سنة ست وثمانمائة، وَجاء فِيهَا تقليد من الناصر فرج، وباشر ذَلِكَ إِلَى أوائل ذي الحجة من سنة تسع وثمانمائة، ثُمَّ تركه لصرفه عن ذَلِكَ بصاحبنا الشيخ جلال الدين عبد الواحد بن إبراهيم المرشدي، وَمَا قبل جلال الدين الولاية فأعيد شهاب الدين للمنصب فِي سنة عشر وثمانمائة.
واستمر متولياً حَتَّى مات فِي ليلة الأحد رابع عشر ربيع الأول سنة خمس وعشرين وثمانمائة بمكة المشرفة، ودفن صبيحتها بالمعلاه عَلَى والده.
وَكَانَ قَدْ عرض لَهُ قبل موته بنحو شهرين عجز عن الحركة والمشي لسقوطه عن سرير مرتفع عن الأرض فانفك بعض أعضائه، وتألم كثيراً لذلك، أثابه الله تعالى.
الفقيه شمس الدين الأرمنتي
...... - 662ه - ...... - 1264م أحمد بن محمد بن هبة الله، القاضي شمس الدين الأرمنتي الشافعي.
كان فقيهاً أديباً، سمع من الشيخ مجد الدين وولده الشيخ تقي الدين، وقرأ عَلَى مجد الدين " وتخرج عَلَيْهِ " فِي الفقه والأدب وغيرهما، وتولى الحكم وناب فِيهِ بقوص، فجاء كتاب القاضي بصرفه فتوجه إِلَيْهِ، وحضر دروسه، وأنشد لنفسه:
حاشاكم أن تقطعوا صلة الَّذِي ... أَوْ تصرفوا علم المعارف أحمدا
هو مبتدا نجباء أبناء جنسه ... والله بأبي غير رفْع المبتدا
أغربتم الزمن المشتَّ بشمله ... وحذفتموه كأنه حرف الندا
فلما سمع القاضي الأبيات أمره أن يستقر فِي نيابة حكمه.
توفي بأرمنت فِي سنة اثنتين وستين وستمائة، رحمه الله تعالى.
ابن القلانسي التميمي الدمشقي
669 - 731ه - 1270 - 1331م أحمد بن محمد " بن محمد " بن نصر الله التميمي الدمشقي بن القلانسي، وكيل بيت المال، وقاضي العسكر، ومدرس الأمينية والظاهرية وكاتب توقيع فِي الدست، وروى عن ابن البخاري، وبنت مكي.
وَكَانَ صدراً نبيلاً، مليح الشكل، عاش نيفاً وستين سنة، وهو أحد الأخوة، مات سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة وتولى وظائفه بعده أخوه علاء الدين ابن القلانسي.
ابن منير الجذامي الحروي الإسكندري
620 - 683ه - 1223 - 1284م أحمد بن محمد بن منصور بن القاسم بن مختار، القاضي ناصر الدين بن منير الجذامي الحروي الإسكندري، أخو زين الدين علي.(1/121)
ولد سنة عشرين وستمائة، وَكَانَ إماماً عالماً بارعاً مفنناً، وله يد طولى فِي الأدب ومتونه، ومصنفات مفيدة، وتفسير، وهو سبط الصاحب نجيب الدين أحمد بن فارس، فالشيخ كمال الدين بن فارس شيخ القراء خاله، وسمع الحديث من أبيه، ومن يوسف المخيلي وابن رواح وغيرهم.
وَكَانَ لا يناظر تعظيماً لفضيلته، بل تورد الأسئلة بَيْنَ يديه ثُمَّ يسمع مَا يجيب فِيهَا، وله تأليف عَلَى تراجم صحيح البخاري، وولي قضاء الإسكندرية وخطابتها مرتين، ودرس بعدة مدارس.
وقيا إن الشيخ عز الدين بن عبد السلام كَانَ يقول ديار مصر تفتخر برجلين فِي طرفيها ابن المنير بالإسكندرية وابن دقيق العبد بقوص، وله ديوان خطب، وتفسير حديث الإسراء فِي مجلد عَلَى طريقة المتكلمين لا عَلَى طريقة السلف.
وتوفي مستهل ربيع الآخر سنة ثلاث وثمانين وستمائة بالثغر.
ومن شعره، وَقَدْ كتب إِلَى الفائزي يسأله رفع التصقيع عن الثغر:
إذَا اعتل الزمان فمنك يرجو ... بنو الأيام عافية الشفاء
وأن ينزل بساحتهم قضاء ... فأنت اللطف فِي ذَاكَ القضاء
" وقال فِي من نازعه فِي الحكم " .
قل لمن يبتغي بالجه ... ل تنح عنها لمن هو أعلم
إن تكنْ فِي ربيع وليت يوماً ... فعليك القضاء أمسى مُحَرَّم
" وفيه يقول البرهان الغزولي " .
أقول لخل قَدْ غدا متكبِّراً ... عليَّ ترفَّق إنني منك أكْبر
وإن كنت فِي شكّ فعندي دليله ... بأنِّي غزوليٌّ وأَنت مُنَيَّر
شهاب الدين الربعي الكركي
...... - 675ه - ...... - 1276م أحمد بن محمد بن ميكائيل، الأمير الأديب العلامة شهاب الدين الربعي الكركي.
كان إماماً فاضلاً، لَهُ يد طولى فِي العربية وغيرها من العلوم، وله نظم ونثر، وتصانيف، توفي سنة خمس وسبعين وستمائة.
ابن البققي
...... - 701ه - ...... - 1302م أحمد بن محمد فتح الدين بن البققي، باء موحدة وقافين، سكن القاهرة مدة سنين، وبدت منه أشياء ضبطت عَلَيْهِ.
وَكَانَ فاضلاً ذكياً جيد الذهن، أداه ذَلِكَ إِلَى الاستخفاف بالقرآن والشرع، فضرب القاضي المالكي عنقه ببين القصرين سنة إحدى وسبعمائة فِي شهر ربيع الأول، وطيف برأسه وَقَدْ تكهل.
وَكَانَ لَهُ شعر من ذَلِكَ قوله:
جُبلْت عَلَى حبِّي لَهَا وأَلفته ... ولا بدَّ أن ألقى بِهِ الله معْلنا
وَلَمْ يخْلُ قلْبي من هواها بقدر مَا ... أقول وقلبي خالياً فتمكَّنا
وفيه يقول الحكيم شمس الدين محمد بن دانيال صاحب طيف الخيال:
لا تلم البققي فِي فعله ... إنْ زاغ تضْليلاً عن الحقِّ
لَوْ هذّب الناموس أخلاقه ... مَا كَانَ منسوباً إِلَى البق
ابن الحاجبي المصري
...... - 749ه - ...... - 1348م أحمد بن محمد، المعروف بابن الحاجبي المصري.
مولده بعد الستمائة بمدة.
كان شاباً ظريفاً، جندياً بالقاهرة، وله نظم ونثر ومشاركة فِي فنون، ومن شعره:
وصفْت خصْرهُ الَّذِي ... أخفاه ردْفٌ راجحُ
قالوا وَصِفْ جبينه ... فقلت: ذَاكَ واضح
وله أيضاً:
تقول وَقَدْ تجاذبنا للثم ... ورحْت لسلْكها ونثرت حبَّهُ
أحبَّا تدَّعي وفَرَطْت عقْدي ... فقلْت وذاك من فرْط المحبَّه
وله أيضاً:
يَا طيب نشْر هبَّ لي من أرْضكُم ... فأثار كامن لوْعتي وتهتَّكي
أَدّى تحيتُكمْ وأشْبه لطْفَكم ... وحكى شذاكُمْ إن ذا نَشْر زكي
وله أيضاً:
لا تبْعثوا غير الصَّبا بتحيَّة ... كما طاب فِي سمْعي حديثُ سِواها
حفظتْ أحاديث الهوى وتضوَّعت ... نشْراً فيا لله مَا أَزْكاها
وله أيضاً:
وحديقة خطر الحبيب بِهَا ضُحى ... وَعَلَى الغصون من الغمام نِثَارُ
فجرت تقبِّل تربة أنْهارها ... وتبسمتْ فِي وجْهه الأزهارُ
وله أيضاً:
مالوا بغير الرَّاح أغْصاناً ... والْتفتوا يَا صاح غِزْلانا
واحْتملوا فِي الخَصْر لما مَشَوْا ... فِي عقدات الرَّمْل كُثْبانَا(1/122)
غيد حلت أفنان أوصافِهِمْ ... هَذَا الَّذِي والله أَفْنانا
فِي وجه كلِّ منهم روْضة ... حوت من الأزهارِ ألْوانا
يقول لي لين تثنيهم ... ضلّ الَّذِي بالرمح حاكانا
ومنها:
أشكو إليهم تعباً من جفا ... صيَّرني فِي الليل سهرانا
قالوا أترجو راحة فِي الهوى ... لَمْ يزل العاشق تَعْبانا
ولا تكنْ ذا طمع فِي الكرى ... إنَّا فتحنا لَكَ أجفانا
الشهاب الحجازي
790 - 875ه - 1388 - 1470م أحمد بن محمد بن علي بن حسن إبراهيم، الشيخ الإمام العالم العلامة البارع المفنن شهاب الدين أبو الطيب المعروف بالحجازي، الأنصاري الخزرجي المصري الشافعي، الشاعر المشهور.
مولده فِي السابع والعشرين من شعبان سنة تسعين وسبعمائة، نشأ بالقاهرة، وتفقه عَلَى الشيخ كمال الدين الدميري، وَعَلَى قاضي القضاة ولي الدين العراقي، وَعَلَى الشيخ شمس الدين البرماوي، وَعَلَى الشيخ برهان الدين البيجوري، وأخذ الفرائض عن الشيخ الإمام العلامة ناصر الدين محمد بن أنس الحنفي إمام الحنفية بالمدرسة البيبرسية، وقرأ النحو والصرف والمعاني والبيان والمنطقي وغيره من العلوم العقلية والأصولين عَلَى جماعة منهم العلامة عز الدين بن جماعة، والعلامة قاضي القضاة شمس الدين محمد الهساطي، والعلامة مجد الدين محمد الفيروز بادي مصنف القاموس فِي اللغة، واجتمع بالعلامة مجد الدين إسماعيل بن المقرئ اليماني صاحب عنوان الشرف، وسمع من العلامة الحافظ زين الدين العراقي الكتب الستة غير مرة بلا فوت، وأجاز لَهُ جميع مروياته ومصنفاته، وأجاز لَهُ الشيخ الحافظ المسند شرف الدين أبو الطاهر محمد بن محمد بن عبد اللطيف الكويك، وسمع أيضاً الكثير عَلَى " قاضي القضاة ولي الدين العراقي المتقدم ذكره، ولازم شيخنا الإمام العلامة حافظ العصر قاضي القضاة شيخ الإسلام شهاب الدين بن حجر، وأخذ عنه علوماً وفنوناً كثيرة من فقه وحديث وعربية ومعقول وأدب وأجاز له جميع مروياته ومصنفاته، وقرأ عليه أيضاً المقامات الحريرية قراءة تحرير وبحث، وسمع عَلَى قاضي القضاة مجد الدين إسماعيل بن التركماني الحنفي، وسمع كتاب عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير للعلامة فتح الدين بن سيد الناس عَلَى قاضي القضاة مجد الدين المذكور بروايته له عن المصنف، وسمع عَلَى أبي الحسن علي بن أبي المجد بالخانقاه الصلاحية جميع صحيح البخاري بلا فوت، وسمع أيضاً الكثير عَلَى نور الدين عَلَى أبي الحسن الهيثمي وغيره.
واشتغل وبرع، وله نظم ونثر ومصنفات في الأدب، ومن مصنفاته روض الآداب، ونديم الكئيب، وحبيب الحبيب، والكنَّس الجواري في الحسان من الجواري............... وصوت الحكمة، ومقامة لطيفة، والنَّيْل الرائد من النيل الزائد، وله ديوان شعر كبير، وله كراسة تحتوي عَلَى مقاطيع على بحور الشعر مقتبساً في البحر وسماها قلائد النحور من جواهر البحور، بها يظهر لك فضاه الكثير، وعلمه الغزير؛ ولنحل جيد تاريخنا بتعليقها، وهي هذه: " بسم الله الرحمن الرحيم " الحمد لله الذي جعل مقام الخليل أجل مقام وسخَّر له البحور. كيف لا وقد أمدها ذهنه الذي هو أكرم من الغمام. فكان دليلاً لمن قطع هذه الأبحر ممن طلب السلامة من الخطأ والاعتصام. حيث سبح فيها وهو ومن تلاه عَلَى ممر كل شهر وعام، أحمده عَلَى إنعامه المديد البسيط، وعلى كرمه التعويل، وأشكره عَلَى وافر فضله وطَوْله الطويل، وأشهد أن لا إله إِلاَّ الله وحده لا شريك له الذي ليس له مضارع ولا مماثل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البحر الكامل صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه المنظومين في سلاك محبته أحسن انتظام، صلاة وسلاماً دائمين، كما كان عَلَى الخليل الصلاة والسلام.(1/123)
وبعد فإنه قد عنَّ لي أن أستخرج من الكتاب العزيز ما جاء عَلَى أوزان الأبحر اتفاقاً، تباعاً لمن تقدمني في ذَلِكَ ووفاقاً، ثم بدا لي أن أبني عَلَى كل بحر من البحور بيتاً عَلَى ما عندي من القصور وسع طاقتي، إذ لم أكن من هذه الطبقة مع خوفي من لصوص أخشى أن تتخذها بعد ذلك مسترقة، فاستعنت بالله تعالى وأتيت البيوت من أبوابها، وتوصلت إلى أوتادها الرفيعة بأسبابها، وجمعت ذَلِكَ، ومَنْ لي بمجموع أو مفروق أو فاضله، لو لم أجد من الله الكريم أوْفَى صلة، فكنت من أفنان الفن البديعي ملتمساً، وفي النور المبين مقتبساً، وسميته: قلائد النحور من جواهر البحور، فجاء بحمد الله عقداً فريداً، وجوهراً نضيداً، وقد استوفيت المعنى في البيت الواحد مع اسم ذَلِكَ البحر، والله أسأل أن يسلمنا من أهوال البحر حَتَّى نصل بالسلامة إلى البر، وليعلم الناظر فيه من كل نبيل ونبيه أن ما صرّحت فيه باسم البحر من الأبيات هو الأصل في هذا التأليف، وما زاد عَلَى ذَلِكَ فبإشارة " من سامني " ذَلِكَ بمرسومه الشريف، أبقاه الله تعالى على طول المدى وزاد علاه سؤدداً، وأحببت أن أجعل للبحر ضابطاً عَلَى ما رتبه الخليل، فقلت وهو حسبي ونعم الوكيل:
وأبْحرُ شعر النَّاس ستَّة عشْرة ... وضابطها بيتان كُنْ لي سميعَها
طويل مديد والبسيط ووافر ... وكامل وهزج رجز أرمل سريعها
ومنسرح خفف وضارعه واقتضب ... بمجتثِّ قارب محْدثاً جميعها
الأول من البحر الطويل " في الوعظ " :
أَيَا مَنْ طويل اللَّيل بالنّوم قصَّروا ... أنيبوا وكونوا من أُناس به تاهوا
وإن شئْتُمو تَحْيوا أميتُوا نفوسَكم ... " ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله:
ومنه أيضاً:
ذوو الرَّشْد في يُسْر وفي جنَّة كما ... ذوو الغَيِّ في نارٍ وأحوالُهم تعْسر
فريقان كلُّ في طريقِ ابتغائه ... " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر "
الثاني من البحر المديد في مديح النبي صلى الله عليه وسلم:
في رسول الله مَدْحي مَدِيدٌ ... ما عسى مدْحاً أَتى من بديهي
وكتاب الله جاء بمدْحٍ ... " ذلك الكتابُ لا ريْبَ فيه "
ومن الضرب الثاني في المديح:
عُذَّلي فيه لقد كَلِفوا ... بهواه مُذْ بُليت بهم
عَذَلُوا يبْغُوا تقاطُعُنا ... " حسداً من عند أنفسهم "
الثالث من البحر البسيط في مدحه صلى الله عليه وسلم:
يا سيِّد الرّسْل والبحر البسيط ويا ... مَنْ فَضْلُ هِمَّته تسْمو به الهم
بُعثْت خاتم رُسْل الله كُلِّهم ... " في أمة قد خلت من قبلها أمم "
الرابع من البحر الوافر " في المجاهدين " :
صُدورَ الجيش يُظْفِرُكم إله ... بوافر سهْمِكم بالكافرين
ويُخْزهم وينصركم عليهم ... " ويشْف صدور قوم مؤمنين "
" ومنه أيضاً " :
إن الأُولى قد عثوا في الأرض إذ ظلموا ... والله منهم لقد أَخْلى أماكنهم
فاستغن بالسَّمع عن مرآهم عظة ... " فأصبحوا لا يُرَى إِلاَّ مساكنهم "
" ومنه أيضاً " :
إذا ما كنت في شأن فأرِّخ ... فعالم ما به مرْء تفوه
يقول " إذا تدانيتم بدين ... إلى أجل مسمَّى فاكتبوه "
الخامس من البحر الكامل:
يا كاملاً لا تعتمد إِلاَّ عَلَى ... مَنْ فضله عمَّ الخلائق أَجمعينا
واقصد آلهاً لا يخيّب آملاً ... " وعليه فليتوكَّل المتوكلون "
ومن أيضاً يرثي شمس الدين بن موسى:
مات ابن موسى وهو بَحْر كامل ... فهناكم جمْعُ الملائكُ مُشْترك
يأتيكم التابوت فيه سكينة ... من ربِّكم وبقيةٌ مما ترك "
ومن مجزوئه:
ما زال أبليس اللعي ... ن يضلُّ في الدين القويم
" والله يهدي من يشا ... ء إلى صراط مستقيم "
السادس من البحر الهازج:
جفا رضْوان من هزج ... ولي بدل عذاراه
وأزواجٌ مطهرةٌ ... ورضْوانٌ من الله "
" السابع من البحر الرجز في الصالحين " :(1/124)
إني ارتجزت الشِّعر من قوم هُمُ ... الساداتُ والأعيانُ لمَّا " استنشدونا "
التائبون العابدون الحامدون ... السائِحون الراكعون الساجدون "
ومنه أيضا:
وغوطة الشام أضْحى أَهْلها ... يرونها لحنَّة تمثيلا
دانية عليهم ظلالُها ... وذُللت قطوفها تذليلا
ومن مجزوئه في عالمة:
عالمة لها عَلَى ... كُرْسيها فضلٌ جسيم
" وأوتيت من كل شيء ... ولها عرش عظيم "
ومن مشطوره:
خَسِرْت إنْ تركْتَ أخرى عُلْيَا ... " تريد زينةَ الحياة الدُّنيا "
ومن منهوكه:
يا ريحَ نفسٍ حَسِرَتْ ... " إذا السماءُ انفطرت "
الثامن من البحر الرمل:
أَيُّها الأرمل إن رمت عَفَافاً ... فتزوَّج مِنْ نساءٍ خيرات
مسلمات مؤمنات قانتات ... تائبات عابدات سائحات:
" ومنه أيضاً " :
يا أخا الرشد إذا جاءك ذو الد ... ين كن في الحال من أصحابه
أو يعاند جاهل في ربِّنا ... " قل هو الرحمن آمنا به "
ومن مجزوئه:
أسْعدوا المرمل تُجْزؤا ... ذاك أولى ما تُعِدَّون
" لن تنالوا البر حَتَّى ... تنفقوا مما تحبُون "
ومن مجزوئه أيضاً:
ظهرك أَحَقُّ بركوع ... وإذا ما رُمْتَ لُقْيَاه
" فأقِمْ وجْهك للدي ... ن حنيفاً فِطْرة الله "
ومن مجزوئه أيضاً:
صلى الله نهاراً ... واغتنم فضل الوَدُود "
ومن الليل فسبِّح ... ه وأدبَار السجودِ "
التاسع من البحر السريع:
إنسان عيْني غَرَّك النُّور ... من وجهه سريع للهوى حَرَّك
لو لم تراه قَمَراً طالعاً ... " يا أَيُّها الإنسان ما غرّك "
ومنه أيضاً:
يا أهل دين الله بُشْراكم ... أقَر مولاكم به عينكم
إذ أنزل الله عَلَى المصطفى ... " اليوم أكملت لكم دينكم "
ومنه أيضاً:
الملك الظَّاهر أَعظم به ... قرَّب فتح الدين قرب الحبيب
دعا له مع قربه جاءه ... " نصر من الله وفتح قريب "
ومنه أيضاً:
زلُزلت الأرض فخاف الورى ... وابتهلوا إلى العزيز الحكيم
فلْيذْكروا مع خوفهم " قوله " ... " زلزلة السَّاعة شيء عظيم "
العاشر من البحر المُنْسرح:
احرصْ غدا أن تكون مُنْسرحاً ... وأن قرأت القرآن فاستعذ
واصْغ لقول الإله متَّعظاً ... " ونحشر المجرمين يومئذ "
الحادي عشر من البحر الخفيف:
إنْ عقلَ الفرنج عقلٌ حفيفٌ ... حيثُ راموا قتالنا والنزالا
هلكوا بالوباء وماتوا جميعاً ... " وكفى الله المؤمنين القتالا "
ومنه أيضاً في مدح أبي بكر الصديق رضي الله عنه:
صاحب المصطفى وصديقه قد ... جاوز الحدُّ بامتداح الباري
حيث قال الإله في الشأن منه ... " ثاني اثنين إذْ هما في الغار "
ومنه أيضاً:
مَنْ عَذِيري من عصبة آكلي ... ن لمالٍ محرَّم آَكلاً ما
" تأكلون التراث أَكْلاً لمَّا ... وتحبون المال حباً جما "
ومنه أيضاً:
أوعد المجرمون شرّاً وأيضاً ... وعد المؤمنون خيراً مليَّا
فاجتهد أن تكون للخير أَهلاً ... " إنه كان وعده مأَتيا "
الثاني عشر من البحر المضارع:
وضارِعْ أصيل خَيْر ... تَنَلْ من ربِّ يقينا
جِنانا مُزَخْرفات ... " وهم فيها خالدون "
الثالث عشر من البحر المقتضب:
زُهْر أُفقنا اقتُضِبت ... من ضياء الشَّمس فهم
يُشرقون في ظُلَمٍ ... " كلما أَضاءَ لهم "
الرابع عشر من البحر المجتث:
اجتُثَّ قلْبي بذنبي ... والله خَيْراً يزيدُ
وكَيْف أَخشى ذُنُوبي ... " وهو الغفور الودود "
الخامس عشر من البحر المتقارب في السلطان:(1/125)
أَيَا مَلِكاً نالَ من برِّه ... به المتقارب فضلاً محُوزَا
سأَلت إلهي كسر العُداة ... " وينصرك الله نصراً عزيزاً "
السادس عسر " من البحر المحدث " في تعزية معذر:
النَّبت المحدث عاجله ... فبكى بدموع هاملة
فعوارضه بلظى خَدِّ ... " تُسقى من عين آنية "
ومما يُلحق بذلك من مقلوب الطويل في المجاهدين أيضاً:
أولى الإسلام دُوسُوا بلادَ الكفرِ عَنْوة ... ولا تخْشَوْا فأنتم أولوا بطشٍ وقُوَة
وهُمُّوا كي تنالوا من الأعداء واتلوا ... " لقد كان لكم في رسول الله أُسوة
ومن المواليا في مليح صياد اسمه داود:
محبوب داود طائر قلبي الوثَّاب ... رَفْرَف عليه يا مواليَّا بلا إعجاب
لا نوُّ سمّى بني رأيت كُل شيء لوُهَاب ... " والطير محشورة كل له أَوّاب "
ومن كان وكان
قُمْ يا مقصِّر تضرَّع قبل أَنْ يقولوا كانْ وكانْللبرِّ مُجْرى " الجواري في البحر كالأعلام "
ومنه أيضاً:
لا تقتلوا بعضكم بعض وتخرجوهم من ديار ... " تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان "
" ومن القوما "
يا طالباً الغفران قوماً إلى الرحمن ... لتنظر العين منكم " عينان نضاحتان "
ومما أنشدني لنفسه إجازة من شعره قصيدة نبوية تقرأ عَلَى أوجه كثيرة بعدة قوافي، وهي من الغرر:
محمد. وجهُه بالنّور مُلْتَمَع ... بدر أَضاء. فاق بدر التَّم حين بَدَا
مُشَرَّف. شَرُفَتْ في الناس أُمَّته ... له اللواء. حلَّ عقد الكفر مذ عقدا
مؤَيَّد. دينه الإسلام متَّبع ... حكماً مضى. سيفه نار الوغى وقدا
مُعَرَّفٌ. ولسان الحق ينعته ... وكم حوى. لم يشاهَدْ مثله أَبدا
مُمَجَّدٌ. كفُّه رحْب ومتَّسع ... حقاً فضى. لم يخبْ مَنْ فضلَه قَصدَا
مصرَّف رأيه زانتْه حكمتُه ... وهو الدَّوا. كم شفا من دائه جسدا
مسدّد. بقليل الزاد مقتنع ... هو الرِّضا. شاكراً لله قد حمدا
مهفهف. تُخْجل الأغصان خَطْرته ... إذا استوى. فاق حسناً قام أو قعدا
ممهَّد. فيه كلُّ الخير مجتمع ... والمرتضى. وهو خيرُ الرُّسل والشُّهدا
مؤلّف. عظُمت في الخلق همته ... سهم القوى. قاتل مَنْ دينه جحدا
وله أيضاً عَلَى وزن قصيدة ابن زيدون في ضد معناها:
ملكْتَ فاحكم مهما إن تشأ فينا ... ها أَنت ممرضنا ها أنت شافينا
لسْنا نُؤَمِّل شيئاً منك غير رضىً ... وقربُنا منك يا أَقصى أمانينا
حاشاكَ يا غاية الآمال تُبْعدنا ... فما من البِرِّ إبعاد المحبينا
روحي الفدا لحبيب قد دنا ووفا ... ولا رَقيب ولا واشٍ فيؤذينا
لا تشتهي الرَّاح مع ظَلْم له أبداً ... ولا الظَّمأ نشتكي ما دام يُرْوينا
يسعى لنا بشمول من شمائله ... وبالخدود يُحيِّينا فيحيينا
في روضة رقصت أغصانها طرباً ... من شدو ورقاً عن الألحان تغنينا
شقيقها شَقَّ غَبْطاً قلب حاسِدنَا ... وحُسْنُ منثورها المنظومُ يلْهينا
والقلب سُرَّ بعيش قد صفا فدعا ... بأَن يدوم فقال الدَّهر آمينا
والشَّملُ مُجتمع لا يشتفى أَبداً ... يوماً من الدَّهر واشينا ولا حينا
فإن بكينا فليس الدَّمعُ مِنْ حَزَن ... لكنَّ فرطَ السُّرور المحض يَبْكينا
لا يَعرف الحبُّ هجراناً ولا مَلَلاً ... ونحن لا يعرف السلوان نادينا
رأَيت حسَّدنا تشكو الزَّمان فما ... يزال يغضبُهم قهراً ويرضينا
نُمْسِي ونصبح في ظلِّ الوصال وقد ... أَضحى التَّداني بديلاً من تناءينا
وله موشح يعارض به موشح ابن سناء الملك:
أَيا قدّاً غدا كالرمح طاعن، قويما
ويا سيفاً لنا في الجفن كامِنْ، مقيما(1/126)
لقد أَدنيتما موتي وقتلي ... وقد صيَّرتما بالحب شُغْلي
وقد قيدتما عقلي بُغلِّ
من الأَصْداغِ سلْسلتي وقُفْلي
فمن لي إن غدا حَكَما وساجن، خصيما
إذا أضحى وكثر الصبر خائن. غريما
له وجْه يفوق البدْرَ حسْنا
وقَدُّ قَدْ تفرَّد إِذْ تَثَنَّا
شَدا في روضة لفَّا وغنَّا
فأعرب إِذْ سمعنا منه لَحْنَا
وحرك شدْوه ما كان ساكن. قديما
وصرت إلى المدام لمن يُعاينِ. نديما
مليحٌ لحْظُه يَرْمي نِبَالا
بِقَدِّ يخجل السُّمر الطِّوالا
يُريك جبينه الزاهي هِلالاَ
ويترك صبَّه العاني خيالا
بردف ظاهر كالطود باين. جسيما
وخصر مِنْ خفاه له مباين. عديما
له خالٌ كمسْك فَوْقَ جَمْر
وثَغْر من لَمَاهُ سُلافُ خمْر
وحقِّ تجلّدي وحياة صبري
حقيقاً حار في الضِّدين فكري
فعيني تجتني من ذي المحاسن. نعيما
وقلبي يصطلي كالخال ساكن. جحيما
وليلة زارني عند المساءِ
ولاح البدر في وسط السَّماءِ
وحاكَى بالسَّنا وبالسَّناءِ
وليلاً لا يُضاهى في البهاءِ
وظَنَّ بأَن يكون له موازن. قسيما
وما هو مثله في الكون لكن. خديما
وله أيضاً زجل، وهو أول زجل نظمه عَلَى حسب ما اقترح عليه، عَلَى هذا المثال:
إن ردت فرجة تفكر في أرواح جميع العباد ... أمَّا لدى حُسْن روضة أو في جهنم كوادي
اسمع لي ألفاظ وجيزة ... عند الهرم قَلَّ صبري
وصار دمْعي سَوَاقي ... لما انحنا قوسْ ظهْري
ومُنتهى القَصْد توبة ... لأنِّي ضيَّعت عمْري
في البهطلة والصناعة. واللهو حاضر وبادي ... وجامع التوبة أطلب. هو المشتهى ومُرادي
قف بالرصد واقف الآثار ... يا من هو مثلي معتوق
وانظر بمقياس عقلك ... لأهل الوفا وتخلَّق
واكسر النَّفس يُجْبَر ... وقم بستر وتعلَّق
وبالأصابع تضرع. لأهل السماح والأيادي ... ودق كوسات عزمك وانهض لكسر الأعادي
يا نفس بحر هواكي ... من الزيادة تكدَّر
وأَنتِ في تيَّار مرادك ... حَتَّى تصيري إلى البر
يقول لك ليش تكوني ... دوامة عمرك عَلَى الشَّر
وشيمتك طول ليلك. ملازمة للوساد ... وأما الذنوب مثل الأمواج من الهوى والفساد
أقلع عن الذَّنب يَا مَنْ ... في مركب اللهو ساري
وكن عن الذنب راجع ... فالخلق فيها عواري
قبل أن يحين منعا قلعك ... وأنت في كاني وصاري
كسر مقاديف نفسك تجمل غداً في المعادي ... وأرخي مراسيك وأقدم عليه من غير زاد
لا ترتبط عند قرية ... ولا تقل فيها داري
ولا تكن قط حبطين ... وأرخى المداري وداري
فالخلق في فلك الأقدار ... ما بين عبيد وجواري
يوم تصير نار جهنم. حراقة الأهل العناد ... وإن كان تشعث علينا شفيعنا خير هادي
ومن شعره مقتبساً في يوسف " دو بيت " .
يا يوسف أُوتيت من البهجة زيناً ... فضلت بذا الحسن والجمال الدنيا
لا بدع إذا ما رحمتنا وقرآناً ... " تالله لقد آثرك الله علينا "
ومن شعره في إبراهيم:(1/127)
تباعد إبراهيم أشعل في الحَشَا ... ضِرَاماً وأجرى مَدْمع العين مِدْرارا
وواعَجباً أن الحليل سمَّيه ... به خمدت نار وذا ضرم نارا
ومن شعره أيضاً:
كأسنا في الطل صِرْفاً ... جُلِيَتْ بين النَّداما
لم نجد ماء لمزج ... فقنعنا بالنداما
وله أشياء ظريفة غير ذَلِكَ حذقناها خوف الإطالة، انتهى.
نظام الدين الحصيري
...... - 698ه - ...... - 1299م أحمد بن محمود بن أحمد بن عبد السلام، الشيخ الإمام نظام الدين بن الشيخ جمال الدين الحصيري الحنفي، مدرس النويرية.
كان إماماً فاضلاً عالماً، مفتياً مدرساً، درس بالنويرية بعد أبيه، وناب فِي الحكم، وَكَانَ عفيفاً ديناً، ملازماً للعبادة والاشتغال، إِلَى أن توفي يوم الجمعة تاسع المحرم سنة ثمان وتسعين وستمائة، ودفن بمقابر الصوفية، ودرس بعده بالنويرية الشيخ شمس الدين بن الصدر سليمان.
ابن العطار
626 - 702ه - 1229 - 1303م أحمد بن محمود، الشيخ الإمام الأديب البليغ كمال الدين أبو العباس بن أبي الفتح الشيباني الدمشقي المعروف بابن العطار.
ولد سنة ست وعشرين وستمائة، وأجاز لَهُ بن روزبه، وسمع من ابن المقير، وأبي نصر بن الشيرازي، والسخاوي، وخُرجت لَهُ مشيخة، وحدث بصحيح البخاري فِي الكرك بإجازة سنة سبعمائة.
وكان إماماً فاضلاً ديناً، بديع الكتابة والترسل، جيد النظم والنثر، ومن شعره مَا كتبه للشيخ محيي الدين بن عبد الظاهر:
سقى وحيا الله طيْفاً أَتَى ... فقُمْتَ إجلالاً وقبَّلْتهُ
لشدّة الشوق الَّذِي بيننا ... قَدْ زارني حقّاً وَمَا زرته
فأجابه ابن عبد الظاهر فِي صدر مكاتبة:
فِي النَّوم واليقظة لي راتب ... عَلَيْكَ فِي الحالين قدرته
تفضَّل المولى إذَا زاره ... طيفي خيال منه إن زرته
ومن شعره:
ولما بدا مُرْخَى الذوائب وانثنى ... ضحوك التَّنايا مُرْسل الصَّدع فِي الخد
بدا البدر فِي الظلماء والغصن والنُّقا ... وزهر الرُّبا فِي الروض والآس فِي الورد
توفي سنة اثنتين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
صدر الدين بن العجمي
777 - 833ه - 1375 - 1439م أحمد بن محمود " بن محمد " بن عبد الله، العلامة صدر الدين بن قاضي القضاة جمال الدين القيصري العجمي الحنفي، الشهير بابن العجمي، محتسب القاهرة، وشيخ الشيخونية.
مولده بالقاهرة وبها نشأ وطلب العلم، ولازم علماء عصره إِلَى أن برع فِي الفقه والأصول العربية " والمعاني " والبيان وغير ذَلِكَ، وأفتى ودرس، وَكَانَ معدوداً من فقهاء الحنفية الأذكياء الفضلاء، وتولى عدة وظائف: نظر جيش دمشق، وحسبة القاهرة غير مرة، ونظر الجوالي ومشيخة الشيخونية دينية.
وكان عنده حذق وذوق ومحاضرة حسنة، وكرم وتواضع، مع بلاغة وفصاحة عبارة، وإقدام وطلاقة لسان، بحاثاً مستحضراً ذكياً، وَكَانَ يجالس الملك المؤيد شيخ وينادمه، ومما وقع لَهُ من حسن الاستدراك معه أن الملك المؤيد أرسل مرة تجريدة من الأمراء والمماليك السلطانية إلى الصعيد وعليهم الأمير فخر الدين بن أبي الفرج الاستادار، فلما كَانَ فِي بعض الأيام، وجد الملك المؤيد شيخ مقبوض الخاطر مع جلسائه مهموماً، فقيل لَهُ فِي ذَلِكَ، فقال رأيت الليلة فِي منامي أن فخر الدين الاستادار مكشوف الرأس فأهمني ذَلِكَ، فلما سمع جلساء المؤيد منه ذَلِكَ سكت الجميع إِلاَّ صدر الدين هَذَا، فإنه بادر وقال أبشر لَهُ بالنصر يَا مولانا السلطان، فالتفت إليه المؤيد وقال: وكيف ذَلِكَ؟، ومن أَيْنَ لَكَ هَذَا؟ قال من قول الشاعر:
أنا ابن جلا وطلاَّع الثَّنايا ... متى أَصنع العمامة تعرفوني
فكان يا مولانا السلطان عندهم كشف الرأس علامة النصر، وكذا يجري إن شاء الله، " فاستحسن الملك المؤيد منه ذَلِكَ " ، ووقع بعد أيام كما قال صدر الدين، وانتصر فخر الدين بن أبي الفرج وعاد منصوراً، وله من هَذَا أشياء.
توفي بالطاعون فِي يوم السبت رابع عشر شهر رجب سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، رحمه الله تعالى.
قاضي القضاة ابن الكشك الحنفي
780 - 836ه - 1378 - 1432م(1/128)
أحمد بن محمود بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن أبي العز، قاضي القضاة شهاب الدين بن قاضي القضاة محيي الدين، المعروف بابن الكشك الدمشقي الحنفي، قاضي القضاة الحنفية بدمشق، ورئيسها.
هو من بيت علم ورئاسة وعراقة، ذكرنا جماعة من آبائه وأجداده بني العز في هذا الكتاب كل واحد باسمه، مولده بدمشق " .... " .
وبها نشأ وطلب العلم، وتفقه عَلَى مذهبه، واشتغل بالرئاسة، وولي قضاء القضاة الحنفية بدمشق مراراً عديدة، وجمع في بعض الأحيان بين القضاء وبين نظر جيش دمشق، وقدم إلى القاهرة غير مرة، وعين لكتابة سر مصر في الدولة الأشرفية برسباي، فامتنع من ذَلِكَ واعتذر عن الحضور بالتعلل، واستمر في وظيفته، وكان له ثروة، وفضل وأفضال، وهو معدود من أعيان أهل دمشق، إلى أن توفي بدمشق في ليلة الخميس سابع شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين وثمانمائة، وتولى القضاء من بعده ولده محمد، يأتي ذكره في محله إن شاء الله تعالى.
قيل أن الأمير تنكز نائب الشام لما بنى جامعه لدمشق أراد أن يجعل الكشك خطيباً بالجامع المذكور، فاتفق أن تنكز جاء يوماً لينظر عمارة الجامع، وكان المرخمون بصحن الجامع يعملون الرخام، فقال تنكر: والله صحن مليح، فأجابه بعض من له غرض في تولية الخطابة لغير الكشك، بأن قال: إي والله يا خوند إِلاَّ ما يصلح أن يكون في مثل هذا الصحن كشك، فضحك تنكز، وفطن للرقة.
وهجا الكشك بعض شعراء عصره بقوله:
الكشْكُ فظُّ غليظ ... محرِّك للسَّواكن
أبواه دَرُّ وبر ... نعم الجدود ولكنْ
ابن أبي عمارة البجائي المغربي
...... - 683ه - ... ... - 1284م أحمد بن مرزوق بن أبي عمارة البجائي المغربي، السلطان الدعي، الذي قال: أنا ابن الواثق بالله أبي زكريا يحيى بن محمد بن عبد الواحد بن عمر الهنتاني.
سار في جيش وقصد تونس، ووثب عَلَى صاحبها المجاهد أبي إسحاق إبراهيم بن يحيى الهنتاني، وظفر به وذبحه، وغلب عَلَى إفريقية، وتمسى بأمير المؤمنين، وقان بالوقاحة، وتم أمره، وكان سيئ الخلق والسيرة، فانتدب له أبو حفص عمر بن يحيى أخو المجاهد المذكور، وقام معه خلق كثير، فحارت قوى الدعى واختفى، وبويع أبو حفص ولقب بالمستنصر بالله المؤيد، ثم ظفر بالدعى وعذبه، فأقر بأنه أحمد بن مرزوق، وأنه كذب، فمات تحت السياط سنة ثلاث وثمانين وستمائة، انتهى.
ابن علان القيسي
624 - 697ه - 1227 - 1297م أحمد بن المسلم بن محمد بن المسلم، الشيخ عز الدين بن الشيخ شمس الدين بن علان القيسي " الدمشقي " .
ولد سنة أربع وعشرين وسبعمائة، وسمع من القاضي أبي نصر بن الشيرازي، وشيخ الشيوخ بن حمويه، والسخاوي، وإبراهيم الخشوعي، وحفظ كتاب التنبيه، وخدم في الجهات، وولي نظر بعلبك مرات، توفي سنة سبع وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
القاضي برهان الدين صاحب سيواس
...... - 800ه - ...... - 1398م أحمد، القاضي برهان الدين أبو العباس، السلطان صاحب سيواس.(1/129)
ولد بسيواس وبها نشأ، ثم قدم حلب وقرأ بها مدة قليلة، ثم رجع إلى سيواس، وقيل أنه قدم إلى القاهرة وأقام بها مدة قبل عوده إلى سيواس، ولما قدم إلى سيواس تنقلت به الأحوال إلى أن ولي سيواس وغيرها من ممالك الروم، واستفحل أمره وعظم إلى أن عصى الأمير تمربغا الأفضلي المدعو منطاش نائب ملطية عَلَى الملك الظاهر برقوق في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وأرسل الملك الظاهر لحربه عسكراً من القاهرة، وعليهم من أمراء الألوف أربعة: الأمير يونس النورزي الدوادار، والأمير قردم الحسني رأس نوبة، والأمير سودون باق، والأمير الطنبغا المعلم أمير سلاح، فلما وصلوا إلى دمشق خرج معهم من عسكرها عدة أمراء: أتابكها الأمير إينال اليوسفي وأربعة من مقدمي دمشق، وتوجهوا إلى ملطية، ومقدم العساكر المصرية والشامية الأمير يلبغا الناصري نائب حلب، فلما أحس منطاش بقدوم العسكر توجه إلى سيواس والتجأ إلى القاضي برهان الدين المذكور، فتوجه العسكر خلفه إلى سيواس، ونازلوها وحصروها عدة أيام وأشرفوا عَلَى أخذها، فلما رأى ذَلِكَ للقاضي برهان الدين استنجد بمن في تلك الأطراف من الأرمن والتتار، فجمعوا وحشدوا وخرج المقاتلة من سيواس، وصافوا العسكر وقاتلوهم قتالاً شديداً، فأشرف العسكر عَلَى الكسرة، فلما رأى مقدم العسكر الأمير يلبغا الناصري ذَلِكَ حمل عليهم بمن معه من العساكر، فكسرهم كسرة شنيعة وقتل منهم مقتلة عظيمة، وأسر منهم خلائق كثيرين، ثم رجع الأمير يلبغا الناصري والعساكر إلى حلب منصورين مؤيدين، لكنهم لم ينالوا من منطاش غرضاً، وعاد العسكر المصري إلى القاهرة، ووقع لمنطاش أمور إلى وافقه الأمير يلبغا الناصري، وصارا علمي الملك الظاهر برقوق، ثم خلع برقوق وحبس بالكرك، عَلَى ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى في غير موضع.
ثم أن القاضي برهان الدين هذا بعد مدة طويلة صالح الملك الظاهر برقوق في سلطنته الثانية، واعتذر إِلَيْهِ، فقبل برقوق عذره، ومشت الرسل بينهما، ودام الصلح إلى سنة تسع وتسعين وسبعمائة، قصد التتار المجاورون لأزرنكان سيواس، فاستنجد صاحبها القاضي برهان الدين بالملك الظاهر برقوق، فجهز إِلَيْهِ العساكر الشامية لنصرته، فاجتمع نواب الممالك الشامية بحلب، وهم: الأمير تنبك الحسني المدعو تنم نائب دمشق، ووالدي الأمير تغري بردى من يشبغا نائب حلب، والأمير يونس بلطا نائب حماه، والأمير آقبغا الهذباني نائب صفد، قلت: وكل هؤلاء النواب مماليك الملك الظاهر برقوق، ومشتري ماله، وصحبتهم جمع كثير وتوجهوا إلى سيواس، فحصل للتتار رعب كبير لما سمعوا بقدومهم، وقفلوا إلى جهة بلادهم راجعين، فاجتمعوا بالقاضي برهان الدين، وأمنوا رعيه وخلعوا عليه، وكان الذي أخلع عليه والدي، فغضب الأمير تنم نائب الشام في الباطن وأرسل بعد قدومه إلى دمشق يعرف بذلك الملك الظاهر برقوق، واتهم والدي عَلَى العصيان، ليس هذا محل ذكر ما وقع لهما، والمقصود أن القاضي برهان الدين اطمأن في مملكة سيواس، ودام بها إلى سنة ثمانمائة، قصده عثمان بن طر عَلَى المدعو قرايلك، ووصل إلى سيواس فخرج لقتاله القاضي برهان الدين بعساكر سيواس، وتقاتلا فكسر القاضي برهان الدين وقتل بظاهر سيواس، واستمرت سيواس بغير حاكم، إلى أن أرسل إليها أبو يزيد بن عثمان حاكماً، ودامت مضافة إلى مملكته إلى يومنا هذا.
وكان القاضي برهان الدين ملكاً عالماً فقيهاً حنفياً، أديباً شاعراً، ماهراً، يقول الشعر باللغات الثلاثة، وكان سبب دخوله إلى القاهرة أنه كان في ابتداء أمره حين طلبه للعلم رأى منجساً حاذقاً، فسأله عن حاله، فقال له المنجم أنت تصير سلطاناً، فقال القاضي برهان الدين إن كان ولا بد فأكون سلطان مصر فأنها أعظم الممالك، فقدم إلى القاهرة وأقام بها سنين فما صار جندياً، فقال في نفسه أقمت هذه المدة الطويلة وما صرت جندياً، فمتى أصير سلطاناً، فعاد إلى سيواس وآل أمره إلى أن ملكها.(1/130)
قال تقي الدين المقريزي: القاضي برهان الدين أبو العباس أحمد حاكم قيصيرية وتوقات وسيواس، أعلم أن ممالك الروم كانت أخيراً لبني قليج أرسلان الذين أقاموا بها دين الإسلام لما انتزعوها من يد ملك القسطنطينية، وكان كرسيهم قونية، وأعمالهم كثيرة جداً، حَتَّى بعث منكوقان أخو هولاكو في سنة أربع وخمسين وستمائة عسكراً عليه بيكو إلى بلاد الروم فملك آرزن الروم، وغاب في بلاد الروم حَتَّى هلك، وولي الروم بعده صمغار، وغلبت التركمان عَلَى الجبال والثغور والسواحل، فولاهم هولاكو ما غلبوا عليه، وكان صمغار، فبعث الملك أبغا بن هولاكو عوضه تداون، وتوفوا في سنة خمس وسبعين وستمائة، قتلهما الملك الظاهر بيبرس، وملك قيصرية في محاربته لهما، فأقام آبغا عَلَى قنعرطاي، وتداول بعده عدة أمراء حَتَّى قام دمرداش بن جوبان سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، فعظم ملكه، ثم قدم إلى " مصر " واستفحل أرتنا أحد أمرائه عَلَى بلاد الروم، فنزل سيواس وعملها كرسي ملكه، حَتَّى مات سنة ثلاث وخمسين، وملك بعده ابنه وأولاده، " فأخذ أولاد " دلغادر النزكماني بلاد سيس، ومات محمد بن أرتنا في حدود سنة ثمانين، فأقيم بعده صبي من أولاده، وقام بأمره " الأمير " القليج أرسلان فغدر به قاضي سيواس، وقام بأمر الصبي حَتَّى مات، وهو والد برهان صاحب الترجمة.
وكان برهان الدين هذا قد طلب العلم في صباه وقدم القاهرة، وأخذ بها عن شيوخ زمانه، فعرف بالذكاء حَتَّى حصل عَلَى طرف من العلم، فبشره بعض الفقراء بأنه يتملك بلاد الروم، وأشار إِلَيْهِ بعوده إليها، فمضى إلى سيواس، ودرس بها وصنف، ونظم الشعر، وهو يتزي بزي الأجناد ويسلك طريقة الأمراء، فيركب بالجوارح والكلاب إلى الصيد، ويلازم الخدم السلطانية، إلى أن مات ابن أرتنا عن ولد صغير اسمه محمد، فأقيم بعده، وقام الأمراء بأمره، وهم عضنفر بن ظغر، وفريدون، وابن المؤيد، وجي كلدي، وحاجي إبراهيم، وأكبرهم الذي يرجعون إليهم في الرأي والتدبير قاضي سيواس والد البرهان هذا، فدبر الأمراء المذكورون مدة حياة القاضي، فلما مات ولي ابنه برهان الدين أبو العباس أحمد هذا مكانه، فسد مسده وأربى عليه بكثرة علمه وحسن سياسته وجودة تدبيره، وأخذ تدبيره، وأخذ في أحكام أمره، فأول ما بدأ به بعد تمهيد قواعده أن فرق ولايته، أعمال المملكة، عَلَى الأمراء، فأخرج ثلاثة: المؤيد وجي كلدي وحاجي إبراهيم، وبقي حول السلطان فريدون وعضنفر، فثقلا عليه واجب أن ينفرد بالأمر دونهما، فتمارض ليقعا في قبضته، فكان كذلك، فدخلا عليه يعودانه فلما استقر بهما الجلوس، فخرج عليهما من رجاله جماعة قد أقعدهما في مخدع، فقبضوا عليهما، وخرج من فوره فملك الأمر من غير منازع، ولقب بالسلطان، فلم يرضَ بذلك شيخ نجيب متولي توقات، وجي كللدي نائب أماسيه، فخرج القاضي برهان الدين واستولى عَلَى مملكة قرمان، وقاتل من عصي عليه، ونزع توقات من شيخ نجيب، واستمال إِلَيْهِ تتار الروم، وهم جمع كبير لهم بأس ومجده وشجاعة، واستضاف إِلَيْهِ الأمير عثمان قرايلك بتراكمينة فعز جانبه، ثم أن قرايلك خالف عليه ومنع تقادمه التي كان يحملها إِلَيْهِ، فلم يكترث به القاضي برهان الدين احتقاراً له، فصار قرايلك يتردد إلى ماسيه وأرزن خان إلى أن قصد ذات يوم مصيفاً بالقرب من سيواس، ومر بظاهر المدينة وبها القاضي برهان الدين، فشق عليه كونه لم يعبأ وركب عَجِلاً بغير أهبة ولا جماعة، وساق في إثره ليوقع به حَتَّى أقبل إِلَيْهِ، فكر عليه قرايلك بجماعته، فأخذه قبضاً باليد، فتفرقت عساكره شذر مذر، وكان قرايلك قد عزم عَلَى أن يعيده إلى مملكته فنزل عليه شيخ نجيب وهو في ذَلِكَ، فما زال به حَتَّى قتله في ذي القعدة سنة ثمانمائة.
وكان رحمه الله فقيها حنفياً، فاضلاً كريماً جواداً، قريباً من الناس شديد البأس، أديباً شاعراً ظريفاً لبيباً مقداماً يحب العلم والعلماء، ويدني إِلَيْهِ أهل الخير والفقراء، وكان دائماً يتخذ يوم الخميس والجمعة والاثنين لأهل العلم خاصة، لا يدخل عليه سواهم، وأقلع قبل موته وتاب ورجع إلى الله تعالى، ومن مصنفاته كتاب الترجيح عَلَى التلويح، وكان للأدب وأهله عنده سوق نافق، انتهى كلام المقريزي باختصار.
ابن جبَّاس الدمياطي الصوفي
...... - 742ه - ...... - 1341م(1/131)
أحمد بن منصور، الشيخ الفقيه شهاب الدين، المعروف بابن جباس الدمياطي الصوفي، الأديب الشاعر.
كان من الشعراء المجيدين وعنده فصاحة وبلاغة وله نظم ونثر، توفي سنة اثنتين " وأربعين " وسبعمائة.
ومن شعره قصيدة:
زاد وجْدي فلستُ أَمْلك صبْراً ... أَعْظَم الله لي عَلَى الصَّبر أَجْرا
راسلَ الوجْدُ مُهْجتي فدموعي ... أَرسلت رسْلها عَلَى الخدِّ تترا
أمير آل فضل أمير العرب
...... - 747ه - ...... - 1346م أحمد بن مهنا بن عيسى بن مهنا بن مانع بن حديثة بن غضبة بن فضل بن ربيعة بن علي بن مفرج بن بدر بن سالم بن بصه بن بدر بن سميع، الأمير شهاب الدين أمير العرب.
قال القاضي علاء الدين علي بن خطيب الناصرية: هكذا نسب، وربما العرب يقولون أن سميعاً هذا هو الذي ولدته العباسة أخت الرشيد من جعفر " بن يحيى " البرمكي، وقد أنكر هذا شيخنا الإمام العلامة قاضي القضاة ولي الدين بن خلدون الحضرمي المالكي قاضي القضاة بمصر في تاريخه، قال حاش لله من هذه المقالة في الرشيد وأخته، انتهى.
ثم قال ابن خطيب الناصرية: وهذا الحي من العرب يعرفون بآل فضل، وهم رحالة ما بين الشام والجزيرة وبرية نجد من أرض الحجاز، وينتسبون في طي، معهم أحياء من زبيد وكلب ومذحج وغيرهم، ويناهضهم في الغلب والعدد آل مرا، ويزعمون أن فضلاً ومراً ابنا ربيعة، ويزعمون أيضاً أن فضلاً ينقسم ولده بين آل مهنا وآل علي، وأن آل فضل كلهم كانوا بأرض حوران، فغلبهم عليها آل مرا، وأخرجوهم منها فنزلوا حمص ونواحيها، وأقامت زبيد أخلافهم بحوران، فهم بها حَتَّى الآن لا يفارقونها، قالوا: ثم اتصل آل فضل بالدولة السلطانية فولوهم عَلَى أحياء العرب، وأقطعوهم عَلَى إصلاح السابلة ما بين الشام والعراق، فاستظهروا برئاستهم عَلَى آل مرا، وغلبوهم عَلَى المشاتي، فصار عامة حيهم في حدود الشام قريباً من التلول، وكانت معهم من تفاريق العرب مندرجون في لفيفهم وخلفهم من مذجح وعامر وزبيد، كما كان آل فضل، إلا أن أكثر من كان مع آل مرا من أولئك الأحياء وأوفرهم عدداً بنو حارثة من سِنْبِس، إحدى شعوب علي وحارثة، وهؤلاء يتنقلون في هذا العهد في تلول الشام لا يجاوزونها إلى القفار، وعامة آل فضل من بني مهنا، ومبدأ رئاستهم من أول دولة بني أيوب.
قال العماد الأصبهاني في كتاب البرق الشامي: نزل العادل بمرج دمشق ومعه عيسى بن ربيعة شيخ الأعراب في جموع كثيرة، وهو كان الأمير، ثم إلى أن مات، ثم كان من بعده حسام الدين مانع بن حديثة بن غضبة وتوفي سنة ثلاثين وستمائة، فولي من بعده ابنه مهنا، ولما ارتجع قظز ثالث ملوك الترك بمصر وأخذ البلاد من أيدي التتار وهزم عساكرهم بعين جالوت أقطع سلمية لمهنا ابن مانع وأنتزعها من عمل المنصور بن المظفر صاحب حماه، ثم مات مهنا فولي من بعده ابنه عيسى بن مهنا من قبل الملك الظاهر بيبرس البندقداري، وتوفي عيسى بن مهنا سنة " ثلاث " وثمانين وستمائة، فولى الملك المنصور قلاوون ابنه مهنا بن عيسى مكانه، فدام إلى أن توفي سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، فولي ابنه مظفر الدين موسى عوضه إلى أن توفي سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، وولى مكانه أخوه سليمان إلى أن مات سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة وولى مكانه عيسى ابن عمه فضل، وتوفي سنة أربع وأربعين، وتولى عوضه أخوه سيف بن فضل، وعزله السلطان الملك الكامل بن الناصر سنة ست وأربعين، وولى مكانه أحمد بن مهنا بن عيسى هذا، فجمع سيف بن فضل أعوانه، ولقي سيف أحمد المذكور فانهزم سيف، ثم سكنت الفتن، وأقام عَلَى ذلك إلى أن توفي سنة سبع وأربعين وسبعمائة، بنواحي سلمية، انتهى.
القاضي شهاب الدين المتبولي الشافعي
745 - 830ه - 1344 - 1427م أحمد بن موسى بن نصير، القاضي شهاب الدين المتبولي الشافعي، أحد نواب الحكم.
ولد في حدود سنة خمس وأربعين وسبعمائة، كان فقيهاً محدثاً، سمع الكثير، وحدث عن محمد بن أزبك، وعمر بن أميله، وست العرب، وجماعة أخر، وتوفي في يوم الأربعاء ثاني شهر ربيع الأول سنة ثلاثين وثمانمائة.
شهاب الدين بن يغمور
...... - 673ه - ...... - 1374م أحمد بن موسى بن يغمور، الأمير شهاب الدين بن الأمير جمال الدين.
كان أميراً جليلاً فاضلاً، وله معرفة بالأدب، وولى الأعمال الغربية، فهذبها، وأفرط في ذَلِكَ.(1/132)
قال الشيخ صلاح الدين: أخبرني الحافظ أثير الدين أبو حيان من لفظه قال: ابن يغمور بن جلدك تولى المحلة نائباً عن السلطان الملك الظاهر بيبرس، وكان يوصف بكرم، وكان الأدباء يقصدونه ويمدحونه، فيثيبهم، وكان له أدب، انتهى.
قلت: ومن شعره:
خَطْبٌ أَتى مَسْرِعاً فآذى ... أَصبح جسمي به جُذَاذَا
خصَّص قلبي وعمَّ غيري ... " يا ليتني متُّ قبل هذا "
وله في مليح نحوي:
ومليح تعلَّم النحو يَحْكي ... مشكلاتٍ له بلفظٍ وَجيز
ما تميزتُ حُسْنه قط إِلاَّ ... قام أيري نصباً عَلَى التمييز
وله يخاطب الأمير علم الدين الدواداري، وقد بعثه الملك الظاهر بيبرس كاشفاً إلى البلاد البحرية، فاجتاز بالغربية وبها المذكور، فرحل عنها ولك يجتمع به، فكتب إِلَيْهِ:
إن صددتم عن منزلي فلكم في ... ه ثناء كنشْر روْضٍ بهيِّ
أو وردتم فللمحب الذي من ... آل موسى في الجانب الغربي
" توفي الأمير شهاب الدين المذكور بالمحلة في سنة ثلاث وسبعين وستمائة " .
شهاب الدين العنتابي الحنفي
...... - 784ه - ...... - 1382م أحمد بن موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود، القاضي شهاب الدين أبو العباس بن القاضي شرف الدين أبي البركات بن الشيخ شهاب الدين العنتابي الحنفي، والد العلامة قاضي القضاة بدر الدين محمود العيننابي.
قال ولده المذكور في تاريخه: وهو والد العبد الضعيف مؤلف هذا التاريخ توفي يوم الاثنين بعد الظهر سادس عشرين رجب سنة أربع وثمانين وسبعمائة، ودفن صبيحة يوم الثلاثاء بمقبرة طريق حلب بعينتاب، وكان فقيهاً مستحضراً في الفروع والأصول، خبيراً بأمور المكاتبات الشرعية والسجلات الحكمية، وله مشاركة في سائر الفنون، ناب في الحكم عن القضاة ثلاثين سنة، ثُمَّ استقل حاكماً بعين تاب مدة، ثم توفي وهو معزول منقطع إلى الله، انتهى كلام العيني باختصار.
الزاهد أبو العباس الزرعي
...... - 761ه - ...... - 1361م أحمد بن موسى، الشيخ المعتقد أبو العباس الزرعي، الفقيه الصالح الزاهد.
كان له كرامات وقدم، وكان يقيم بزرع من أعمال دمشق، وكان يتقوت من عمل العبي بيده من الصوف، فكان إذا باع العباءة أخذ ثمنها، فإن زادت عن قيمتها يترك الزيادة ويأخذ ما بقي، وكان له مريدون وشهرة كبيرة عند الناس، وكان لا يقبل من أحد شيئاً، وكان يتردد إِلَيْهِ من أعيان الدولة، من نائب دمشق إلى من دونه، فإذا دخل إِلَيْهِ أحد من أكابر المملكة يخاشنه في القول، ويخاطبه بما يكره، وصحب شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية، وقدم القاهرة بسببه لما سجن، وقام معه وكلم الأمير بيبرس الجاشنكير في أمره، وأمعن، ثم اجتمع بالسلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، وكلمه في رفع مظلمة لأهل زرع، كان يتحصل منها في كل سنة ألف دينار فأبطلها، فلما خرج الشيخ من عند السلطان، قال السلطان: ما رأيت أهيب من هذا الرجل، وله من هذا حكايات، وما زال عَلَى طريق الخير والصلاح إلى أن مات في يوم الثلاثاء منتصف شهر ذي الحجة سنة إحدى وستين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
عز الدين بن قرصة
...... - 701ه - ...... - 1302م أحمد بن موسى بن محمد بن أحمد، الشيخ الأديب عز الدين بن قرصة، الفيومي المولد، القوصي الدار والوفاة.
كان فقيهاً شاعراً أديباً، من تلامذة ابن عبد السلام، وعنده مجون " وظرف " ، وولي نظر قوص والإسكندرية، ودرس بالمدرسة الأفرمية ظاهر قوص.
وكان قليل الكلام، يراعي الأعراب في كلامه، طلبه الأمير علم الدين الشجاعي فلما حضر قال له أَيْنَ المال، فقال مبتدأ بلا خبر، فقال له تعالى إلى هنا، فقال أخاف أن تضربني بهذه العصاة التي في يدك، فتبسم منه.
وكان له من هذا النمط أشياء، هذا مع الفضيلة والعلم الغزير، ولع مصنفات منها كتاب سماه نتف المحاضرة، وله مسائل فقهية ونحوية ولغوية وأدبية.
ومن شعره:
لا تَحقرنّ من الأعداء من قصُرت ... يداه عنك وإنْ كان ابن يومين
فإن في قرْصة البرغوث معْتبراً ... فيها أذى الجسم والتّسهيد للعين
وله أيضاً:
نحن نسعى والسّعيُ غير مفيد ... إن أراد الإله منْع الغنائم(1/133)
وإذا ما الإله قدّر شيئاً ... جاء سعْياً إلى الفتى وهو نائم
وتوفي في ذي الحجة سنة إحدى وسبعمائة بقوص، رحمه الله تعالى.
شهاب الدين بن الوكيل
...... - 791ه - ...... - 1389م أحمد بن موسى بن علي، الشيخ شهاب الدين أبو العباس المكي الشافعي، المعروف بابن الوكيل.
سمع بمكة من محمد بن أحمد بن عبد المعطى وغيره، ورحل إلى دمشق، وسمع بها من الحافظ صلاح الدين بن أبي عمر، ثم عاد إلى مكة، وطلب العلم بها، وتفقه بالشيخ جمال الدين الأميوطي، والبرهان الأبناسي، والنجم بن الجابي الدمشقي أخذ عنه الأصول، وعن الشيخ شمس الأئمة الكرماني شارح البخاري، وأخذ النحو من ابن عبد المعطي، والفرائض عن القاضي شهاب الدين أحمد بن ظهيرة، وكان يحضر دروس أبي الفضل النويري، ثم رحل إلى القاهرة فأخذ عن الشيخ ضياء الدين العفيفي مدرس المنصورية، وشيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني، وبرع في الفقه وغيره، وكان من أحسن الناس فهماً، ولولا معاجلة المنية له لبهرت فضائله، وقل مماثله، وله معرفة بالأدب ومصنفات، منها مختصر المهمات " للاسنوي " واختصر الملحة للحريري نظماً وشرحها، وكان يقرئ في المسجد الحرام، يشغل فيها، ثم قدم القاهرة في سنة تسع وثمانين وسبعمائة، ولم يزل بها إلى أن توفي في صفر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، ودفن بمقابر الصوفية.
ومن شعره في معذر:
لاح العذار بخديه فقلت لهم ... ما ذاك شعر كما قد ظن عاذله
وإنما لحظه سيف يصول به ... وذا العذر الذي يبدو حمائله
أحمد بن موسى الحنفي
...... - 703ه - ...... - 1304م أحمد بن موسى بن محمود، العلامة شهاب الدين أبو العباس الحنفي.
كان من أئمة الحنفية ومن فضلائهم، وولي تدريس المدرسة الفرقانية خارج القاهرة وهو ثاني مدرس بها بعد الشيخ نجم الدين إسحاق الحلبي الحنفي بحكم انتقاله عنها، ودرس بعدة أماكن غيرها، وأفتى وأقرأ عدة سنين، وتفقه به جماعة، وهو خال القاضي كمال الدين البسطامي الحنفي.
وكان عالماً عاملاً، عابداً زاهداً، مكباً عَلَى الاشتغال والعبادة إلى أن توفي بالمدرسة الفارقانية في العشر الأخير من شهر رمضان سنة ثلاث وسبعمائة ودفن بتربة الإمام أبي العباس الظاهري، خارج باب النصر، بوصية لابن أخته كمال الدين البسطامي، فأراد قاضي القضاة شمس الدين السروجي أن يدفنه بتربته بالقرافة، وما أمكن مخالفته كمال الدين البسطامي، فلما صلى عليه ورفع النعش وتوجهوا به نحو باب زويلة دار النعش بقسوة إلى نحو باب النصر فتوجهوا به إلى حيث أوصى أن يدفن، رحمه الله تعالى.
الشريف برهان الدين الحسيني
...... - 689ه - ...... - 1290م أحمد بن ناصر بن طاهر، الشيخ الإمام برهان الدين الحسيني الشريف الحسني، إمام محراب الحنفية بمقصورة الحلبيين بالجامع الأموي بدمشق.
كان إماماً فقيهاً بارعاً مفنناً زاهداً، تصدر للإقراء والتدريس عدة سنين، وانتفع به الطلبة وصنف تفسيراً في سبع مجلدات، وصنف في أصول الدين كتاباً يشتمل عَلَى سبعين مسألة، وكان له رواية وسماع، توفي ببيته في المنارة الشرقية سنة تسع وثمانين وستمائة، وخلف دنيا واسعة، رحمه الله تعالى.
قاضي القضاة شهاب الدين الباعوني
751 - 816ه - 1350 - 1412م أحمد بن ناصر بن خليفة، قاضي القضاة شهاب الدين الباعوني الدمشقي الشافعي.
ولد بقرية باعونة من قرى عجلون في سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، وقدم دمشق وتفقه إلى أن برع في الفقه وغيره، ودرس وخطب ببيت المقدس، وولي قضاء الشافعية بدمشق.(1/134)
قال تقي الدين المقريزي في تاريخه: وباعونه " قرية من قرى " عجلون سميت بذلك من أجل أنه كان موضعها دير للنصارى واسم راهب الدير باعونه، فلما أزيل الدير وعمل مكانه قرية عرفت بباعونة، وكان أبو أحمد هذا، يعني صاحب الترجمة، حائكاً بباعونة ثم أتجر في البز، وركض به في البلاد، وولد له إسماعيل وأحمد فتعلق إسماعيل بصحبة الفقراء وسكن صفد، ونظر في التصوف، وولي قضاء الناصرية نيابة عن قاضي صفد، فتخرج به أخوه أحمد صاحب الترجمة وقرأ كتاب المنهاج ولازم الاشتغال، وكان فيه ذكاء وفطنة، فباشر بصفد مدة إلى أن كانت فتنة منطاش " في سنة إحدى وتسعين ثار أهل صفد عليه من أجل أنه لقي منطاش: ومدحه بقصيدة وغضّ فيها من الظاهر برقوق، فخرج من صفد خائفاً وقدم إلى القاهرة، ثم ذكر تقي الدين المقريزي ما معناه أنه التجأ إلى الأمير يلبغا السالمي وأن يلبغا قربه إلى الملك الظاهر برقوق إلى أن ولاه خطابة دمشق ثم ولاه الظاهر بعد مدة عند توجهه إلى دمشق في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة قضاء دمشق، فباشره مدة، وعول وحبس بقلعة دمشق، ثم أفرج عنه ولزم داره زماناً إلى أن ولي خطابة القدس، فشله أهله وهجوه بأهاجي، وحرت لهم خطوب آلت إلى رجمه وإخراجه من القدس، ومما هجوه به:
قال المسجد الأقصى ... لو أن أهلي يُراعوني
ما اختاروا لمحرابي ... يهوديّاً وباعوني
ولما خرج من القدس توجه إلى دمشق أقام بها إلى أن ولاه الملك الناصر فرج " بن برقوق قضاء دمشق ثانياً بسفارة جمال الدين البيري الاستادار في سابع عشر صفر سنة اثنتي عشرة وثمانمائة وحسنت سيرته في هذه الولاية إلى أن عزله الخليفة المستعين بالله العباس فلزم داره إلى أن توفي رابع المحرم سنة ست عشرة وثمانمائة.
قلت: وقد ولاه الناصر فرج " عندما انهزم من شيخ ونوروز ودخل دمشق قاضي قضاة الشافعية بالديار المصرية عوضاً عن قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن بن عمر البلقيني لتخلفه عنه وانضمامه إلى الأميرين شيخ ونوروز، فدام نيفاً عَلَى عشرة أيام، وصرف وأعيد جلال الدين البلقيني، كل ذَلِكَ بدمشق.
قال المقريزي: وكان رجلاً طوالاً مهاباً وعليه خفر، وله منطق صحيح، وعبارة عذبة، وقدرة على سرعة النظم وارتجال الخطب، مع جميل المحاضرة، وحسن المذاكرة، وكثرة الفوائد، وسرعة البكاء مع العفة من التدنس بشيء من الفواحش، والصيانة من تناول مال والأوقاف بغير حق، وأخذ البراطيل، إِلاَّ أنه كان شديد الإعجاب بنفسه، وأنشدني لنفسه:
ولما رأت " شيب " رأسي بكتْ ... وقالتْ عسى غير هذا عسى
فقلت البياض لباس الملوك ... فإن السواد لباس الأسى
فقالت: صدقت ولكنه ... قليل النفاق يسوق النسا
ثم قال المقريزي: وأنشدني في شيخنا الجلال محمد بن خطيب داريا لنفسه في الباعوني:
قضاء دمشق نادى ال ... له خلقك لا يراعوني
رميت بكل مصنعة ... وبعد الكل باعوني
انتهى.
قاضي القضاة موفق الدين الحنبلي
769 - 803ه - 1367 - 1401م أحمد بن نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن إسماعيل بن إبراهيم، قاضي القضاة موفق الدين أبو العباس بن قاضي القضاة ناصر الدين أبي الفتح العسقلاني الكناني الحنبلي.(1/135)
ولد بالقاهرة في أوائل المحرم سنة تسع وستين وسبعمائة، وبها نشأ وتفقه عَلَى أبيه، وعلى الشيخ مجد الدين سالم، وأخذ النحو عن برهان الدين الدجوي، وناب عن الحكم عن أخيه قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن نصر الله، ثم استقل بقضاء الحنابلة بالديار المصرية من بعد موته في يوم الاثنين سابع عشر شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثمانمائة، وشكرت سيرته، ودام في الوظيفة إلى أن صرف بقاضي القضاة نور الدين عَلَى الحكري فباشر الحكري القضاء إلى يوم الخميس سابع عشرين ذي الحجة من السنة وعزل، وأعيد موفق الدين هذا إلى وظيفة القضاء ثانياً واستمر إلى أن سافر صحبة السلطان لقتال تيمورلنك في سنة ثلاث وثمانمائة، ولما انهزم السلطان وعاد إلى القاهرة، عاد موفق الدين هذا متوعكاً ولزم الفراش إلى أن مات بالقاهرة في يوم الاثنين حادي عشر شهر رمضان سنة ثلاث وثمانمائة، ودفن عند أبيه وجده لأمه قاضي القضاة موفق الدين عبد الله الحنبلي. يأتي ذكره في محله إن شاء الله تعالى.
قال قاضي القضاة بدر الدين محمود العيني: وكان رجلاً حليماً ذا تواضع ومسكنة، ولكنه كان قليل العلم، انتهى.
وقال المقريزي: وكان خيراً متضعاً حيياً، محباً للناس، من بيت علم ودين وعفاف، انتهى.
أحمد بن نصر الله بن باتكين المصري
614 - 710ه - 1217 - 1310م أحمد بن نصر الله بن باتكين المصري، " الشيخ محيي الدين أبو العباس.
قال الشيخ صلاح الدين خليل بن أبيك: أخبرني " العلامة أثير الدين أبو حيان من لفظه قال: مولده في العاشر من شهر ربيع الأول سنة أربع عشرة وستمائة بالقاهرة بحارة الديلم، وسمع حرز الأماني عَلَى سديد الدين عيسى ابن أبي الحرم إمام جامع الحاكم، وأنشدني لنفسه:
أقسمت بالله وآياته ... يمين بر صادق لا يمين
لو زدت قلبي فوق ذا مِنْ أذى ... ما كنت عندي غير عيني اليمين
قاضي القضاة محب الدين البغدادي الحنبلي
765 - 844ه - 1364 - 1440م أحمد بن نصر الله بن أحمد بن محمد بن عمر، قاضي القضاة، شيخ الإسلام محب الدين أبو الفضل التستري الأصل، البغدادي المولد والمنشأ، المصري الدار والوفاة، الحنبلي، قاضي قضاة الحنابلة بديار مصر وعالمها.
ولد ببغداد في يوم السبت سابع عشر شهر رجب سنة خمس وستين وسبعمائة، ونشأ بها، وقرأ عَلَى والده في الفقه والأصول والعربية والحديث وفير ذَلِكَ، ورحل من بغداد إلى البلاد الشامية في سنة ثمان وثمانين وسبعمائة فسمع بحلب من الشيخين شهاب الدين أحمد، وابن عمه أبي بكر بن محمد الحرانيين وغيرهم، وتوجه إلى بعلبك فسمع بها عَلَى الشيخ شمس الدين بن اليونانية، ودخل دمشق فقرأ بها عَلَى الشيخ زين الدين بن رجب، ولازمه وسمع عليه الحديث وعلى غيره، وسمع ببلده بغداد قبل رحلته عَلَى العلامة زين الدين أبي بكر بن قاسم " السنجاري صحيح " البخاري وسنن أبي داود، وسمع بها أيضاً صحيح مسلم عَلَى الشيخ نور الدين الغوي، وقرأ ببغداد أيضاً عَلَى الشيخ مجد الدين محمد الفيروزابادي الشيرازي الصديقي مصنف القاموس في اللغة، وقرأ مسند الإمام أحمد عَلَى العلامة جمال الدين عبد الله بن قاضي القضاة علاء الدين علي بن شمس الدين محمد بن أبي الفتح الكتاني العسقلاني الحنبلي، وجامع الترمذي عَلَى قاضي القضاة مجد الدين إسماعيل بن إبراهيم بن محمد الحنفي، وقرأ عَلَى شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني، وعلى الشيخ سراج الدين أبي حفص عمر بن المقن، واشتغل ودأب وحصل، وولي إعادة المستنصرية ببغداد، وأذن له بالإفتاء والتدريس ببغداد، وتردد إلى بغداد بعد قدومه إلى القاهرة.(1/136)
ثم استوطن القاهرة وأقام بها وناب في الحكم بها عن قاضي القضاء علاء الدين علي بن مغلي، وحضر مجلس السلطان الملك المؤيد شيخ من جملة أعيان الفقهاء، وصار فقيه الحنابلة وعالمهم، ثم ولي قضاء القضاة الحنابلة بعد موت ابن مغلي في يوم الاثنين سابع عشرين صفر سنة ثمان وعشرين وثمانمائة من قبل الملك الأشرف برسباي، وشكرت سيرته، ودام في الوظيفة مدة إلى أن عزل بالقاضي عز الدين " عبد العزيز بن " علي بن العز البغدادي في ثالث عشر جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وثمانمائة، فلم تطل ولاية القاضي عز الدين المذكور، وعزل وأعيد قاضي القضاة محب الدين هذا في يوم الثلاثاء ثاني عشر صفر سنة إحدى وثلاثين، واستمر في وظيفة القضاء إلى أن مات في يوم الأربعاء خامس عشر جمادى الأولى سنة أربع وأربعين وثمانمائة.
وكان شيخاً للطول أقرب، منور الشيبة، فقد إحدى عينيه في شبيبته، بارعاً مفنناً ديناً، خيراً، كثير التلاوة والعبادة، فقيهاً محدثاً نحوياً لغوياً، انتهت إِلَيْهِ رئاسة الحنابلة في زمانه بلا مدافعة، أقام مدة قبل موته والمعول عَلَى فتاويه، وكانت كتابته عَلَى الفتوى لا نظير لها، يجيب عما يقصده المستفتي.
وكان كثير التواضع حسن الأخلاق حلو المحاضرة، اجتمعت به غير مرة، ومات ولم يخلف بعده مثله.
وهو ثالث عشر قاضي اشتغل بقضاء الحنابلة بالديار المصرية، لأن العادة كانت بديار مصر لا يلي فيها إِلاَّ قاضي واحد شافعي، والقاضي المذكور يستنيب في كل مذهب إلى أن تسلطن الملك الظاهر بيبرس البندقداري أحدث القضاة الأربعة وذلك في شهر ذي الحجة سنة ثلاث وستين وستمائة، فأول من ولي من السادة الحنابلة قاضي القضاة شمس الدين أبو بكر محمد بن إبراهيم الجماعيلي الحنبلي إلى أن امتحن وصرف في ثاني شعبان سنة سبعين وستمائة، ولم يل بالقاهرة بعد عزله قاضي حنبلي حَتَّى مات في يوم الخميس في العشر الأول من المحرم سنة ست وسبعين، فولي بعده قاضي القضاة عز الدين عمر بن عبد الله بن عوض في النصف من جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين فدام إلى أن مات في سنة ست وتسعين، وولي بعده قاضي القضاة شرف الدين أبو بكر عبد الغني الحراني إلى أن مات في " رابع عشرين " ربيع الأول سنة تسع وسبعمائة، وولي بعده قاضي القضاة سعد الدين مسعود بن أحمد الحارثي في ثالث شهر ربيع الآخر منها، وعزل بعد سنتين ونصف بتقي الدين أحمد بن قاضي القضاة عز الدين عمر في حادي عشر ربيع الأول سنة اثنتي عشرة، بعد شغر منصب القضاء ثلاثة أشهر فلم تطل أيامه، وعزل بقاضي القضاة موفق الدين عبد الله بن محمد بن عبد الملك المقدسي في نصف جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، فدام في المنصب إلى أن مات في المحرم سنة تسع وستين وسبعمائة، وولي عوضه القاضي ناصر الدين نصر الله بن أحمد بن محمد العسقلاني حتى مات في ليلة الحادي والعشرين من شهر شعبان سنة خمس وتسعين وسبعمائة، وولي عوضه برهان الدين إبراهيم بن نصر الله حَتَّى مات في ثامن شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثمانمائة، وولي عوضه أخوه موفق الدين أحمد بن نصر الله وصرف بالقاضي نور الدين عَلَى الحكري، ثم أعيد ومات في سنة ثلاث وثمانمائة، وولي مجد الدين سالم بن سالم بن أحمد في ثالث عشرين رمضان من سنة ثلاث وثمانمائة، ودام حَتَّى صرف بعلاء الدين علي بن مغلي حتى مات ابن مغلي في العشرين من صفر سنة ثمان وعشرين وثمانمائة، فولي عوضه محب الدين صاحب الترجمة، وعزل ثم أعيد كما ذكرنا، رحمه الله تعالى.
الحجار المحدث الرحلة
620 - 730ه - 1223 - 1330م أحمد بن نعمة بن حسن البقاعي، الدير مقري، الدمشقي الصالحي الحجار، المسند الرحلة المعمر، شهاب الدين أبو العباس المعروف بابن الشحنة وبالحجار.(1/137)
ولد سنة نيف وعشرين وستمائة، وخدم حجاراً بقلعة دمشق سنة ثلاث وأربعين وستمائة، وكان فيها لما حاصرها جند هولاكو ولم يظهر للمحدثين إِلاَّ في أثناء سنة ست وسبعمائة فسألوه، فقال: كنا نسمع أو سمعنا، فوجد سماعه في أجزاء علي ابن المنجا بن النجاد، ثم ظهر اسمه في كراس أسماء السامعين بالجبل لصحيح البخاري علي ابن الزبيدي سنة ثلاثين، فحدث بالجامع بضعاً وسبعين مرة بالبلد، وبالصالحية، وبالقاهرة، وحماه، وبعلبك، وكفر بطنا، وحمص، واشتهر اسمه وبعد صيته، والحق الصغار بالكبار، ورأى العز والتعظيم، وطلبه الأمير أرغون الدوادار الناصري، وسمع منه القاضي كريم الدين الكبير، نائب دمشق الأمير تنكز، والقضاة والأئمة، وروى بإجازة ابن روزبة، وابن بهروز وابن القطيعي، والأنجب الحمامي، وياسمين بنت البيطار، وجعفر الهمداني، وخلق كثير، ورحل إِلَيْهِ من البلاد، وسمع منه أمم لا يحصون، وتزاحموا عليه من سنة بضع عشرة وسبعمائة إلى أن توفي سنة ثلاثين وسبعمائة، ونزل الناس بموته درجة.
وكان صحيح التركيب، أشقراً طويلاً، دموي اللون، له همة، وفيه عقل، يصغي جيداً.
قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي: ما رأيته نعس فيما أعلم، وثقل سمعه في الآخر وسألته عن مولده فقال: لحق حصار الناصر داود بدمشق، وكان الحصار سنة ست وعشرين وستمائة، وسمع في سنة ثلاثين هو وإخوته الثلاثة، وحصل الذهب والدراهم والخلع، وقرر له الدوادار معلوماً نحو خمسة وأربعين درهماً، وكان فيه دين وملازمة للصلاة، ويحفظ ما يتلى به، وربما آخر الصلاة في السفر عَلَى رأي العوام، وصام وهو ابن مائة سنة شهر رمضان واتبعه ستاً من شوال، وحُدِّثتُ أنه: اغتسل " في هذه السنة بالماء البارد. انتهى.
شاد الأغنام
802 - 852ه - 1400 - 1448م أحمد بن نوروز الخضري الظاهري، حاجب حلب، الأمير شهاب الدين الظاهري، شاد الأغنام بالبلاد الشامية، وأحد أمراء العشراوات بالقاهرة، والعشرينات بدمشق، وأحد أخصاء الملك الظاهر جقمق ومماليكه.
ولد في سنة اثنتين وثمانمائة، أو في التي قبلها تقريباً، ونشأ يتيماً، واتصل بخدمة الملك الظاهر جقمق صغيراً، والملك الظاهر إذ ذاك من جملة أمراء الطبلخاناه، فدام في خدمته إلى أن صار في الدولة الأشرفية برسباي أمير آخور وجعل أحمد هذا مشد شربخاناته، واستمر ملازماً له إلى أن تسلطن فربه وأدناه وأنعم عليه بإمرة عشرين بدمشق، وجعله شاد الأغنام بالبلاد الشامية، ثم زاده إمرة عشرة بالقاهرة بعد الأمير سودون المحمدي بحكم انتقال سودون إلى نيابة قلعة دمشق بعد موت الأمر فارس، وعظم وضخم وأثرى، وسافر إلى البلاد الشامية غير مرة إلى أن مرض في آخر سفراته وأرجف بموته، وعاد إلى القاهرة مريضاً ثم نصل من مرضه وخلع عليه بإمرة حاج الأول، وأخذ في أسباب السفر فعاجلته المنية، ومات في يوم الأحد رابع عشر شعبان سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة.
وكان رجلاً أشقر، معتدل القد، ألثغ بالسين، مهملاً عارياً من كل فن، مسرفاً عَلَى نفسه، عفا الله عنا وعنه.
ونوروز والده كان من جملة مماليك الظاهر برقوق وحاجب حلب - يأتي ذكره إن شاء الله تعالى في محله - ، وولي إمرة حاج الأول عوضه الأمير قائم من صفر خجا المؤيدي المعروف بالتاجر أحد أمراء العشراوات.
موفق الدين بن أبي الحديد
590 - 656ه - 1194 - 1258م أحمد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن حسين بن أبي الحديد، الشيخ موفق الدين أبو المعالي، ويدعى القاسم أيضاً.
ولد سنة تسعين وخمسمائة بالمدائن، وكان أديباً فقيهاً فاضلاً شاعراً، مشاركاً في علوم كثيرة، وكان أخوه عز الدين معتزليا، كتب الإنشاء ببغداد للمستعصم بالله مدة، وروى عن هبة الله بن أبي المجد بالإجازة، روى عنه الحافظ شرف الدين عبد المؤمن الدمياطي، وتولى قضاء المدائن في أيام الظاهر بيبرس، وصنف كتاباً سماه الأحكام في اصطلاح الخراسانيين والعراقيين في معرفة الجدل والمناظرة ثم تولى كتابة الإنشاء بها، وتوفي سنة ست وخمسين وستمائة.
ومن شعره في عارض جيش خرج من دار الوزير بخلعة فعانقه وقال:
لما بدا رائق التثني ... وهو بأثوابه يميد
قبلته باعتبار معنى ... لأنه عارض جديد
شرف الدين بن عساكر
614 - 699ه - 1217 - 1299م(1/138)
أحمد بن هبة الله بن أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله ابن الحسين بن عساكر، الشيخ شرف الدين أبو الفضائل المعمر الرحالة الدمشقي.
ولد في سنة أربع عشرة وستمائة، وسمع الكثير، وروى، وسمع منه الفضلاء، وكانت وفاته في خامس عشرين جمادى الأولى سنة تسع وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
ملك التتار
...... - 683ه - ...... - 1284م أحمد سلطان، المسمى توذكار بن هلاون بن باطو بن جنكزخان، ملك التتار.
جلس على كرسي الملك بعد موت أخيه أبغا في سنة إحدى وثمانين وستمائة، وعمره يومئذ مقدار ثلاثين سنة، وفي أيامه فشا الإسلام بتلك الممالك وأظهر شعائر الإسلام وبنى المساجد والجوامع، وألزم أهل الذمة بلبس الغيار، وضرب عليهم الجزية، وصار يتقيد بالأحكام الشرعية.
ويقال أن إسلامه في حياة والده هولاكو، وكان اسمه أولاً توكدار، وسبب تسميته أحمد هو أن الفقراء الأحمدية دخلوا به في النار بين يدي هولاكو فوهبه لهم وسماه أحمد، ودام المذكور في المملكة إلى أن قتله أرغون ابن أبغا، وهو أن أرغون المذكور سار من خراسان لقتال عمه أحمد سلطان هذا فجرد إليه أحمد سلطان صحبة إيناق نائبه، فركب أرغون إليهم بنفسه وكبسهم عَلَى غرة، وقتل منهم جماعة، وبلغ الخبر أحمد سلطان فركب في أربعين ألفاً وسار يقصد أرغون ابن أخيه، والتقيا بالقرب من خراسان، فكانت الكسرة عَلَى أرغون، فأخذه أحمد سلطان هذا أسيراً وعاد طالباً تبريز، فحضرت زوجة أرغون ووالدته وخواتين كثيرة من الستات اللاتي لهن الدخول عَلَى أحمد سلطان والسؤال في العفو عن أرغون وإطلاق سبيله وتوليته عَلَى خراسان كما كان، فما أجاب، وكان أحمد سلطان قد أمسك من أكابر الأمراء اثني عشر أميراً وقيدهم، فتغيرت خواطر الأمراء، عليه وعزموا عَلَى قتله لأمور منها أنه كان الزمهم الإسلام طوعاً وكرهاً، ومنها وثوبه عَلَى أخيه قنغرطاي وإحضاره من الروم وقتله، فاتفقوا عَلَى قتله واستنقاذ أرغون من أسره، فاتفقوا جميعاً، وجاءوا إلى حيث كان أرغون محبوساً فأطلقوه، وكبسوا عَلَى ايناق نائبه فقتلوه، وقصدوا أحمد سلطان هذا فأحس بهم فركب فرساً وفر، فأدركوه وقتلوه، وأقاموا أرغون بن أبغا عوضاً عنه، وذلك في جمادى الأولى سنة ثلاث وثماثين وستمائة.
وكان ملكاً شجاعاً مقداماً مسلماً ديناً، وفي أيامه انتشر الإسلام ببلاد الشرق وغيرها، رحمه الله تعالى.
ابن الزكي القرشي الدمشقي
632 - 680ه - 1235 - 1281م أحمد بن يحيى، القاضي علاء الدين بن القاضي محي الدين ابن الزكي القرشي الدمشقي الشافعي.
كان رئيساً فاضلاً أديباً، كتب في الإنشاء مدة، ودرس بالعزيزية والتقوية، وحدث عن أبي بكر بن الخازن، ومولده سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، وناب في القضاء عن أبيه، وسمع ببغداد من أبي جعفر السيدي، وابن اللتي، وغير واحد، وتوفي سنة ثمانين وستمائة.
ابن سني الدولة
590 - 658ه - 1194 - 1260م أحمد بن يحيى بن هبة الله بن الحسن بن يحيى بن محمد بن علي بن صدقة بن الخياط، قاضي القضاة صدر الدين أبو العباس بن قاضي القضاة شمس الدين أبي البركات الثعلبي الدمشقي الشافعي بن سني الدولة.
ولد سنة تسعين وخمسمائة، وسمع من جماعة، وروى عنه الحافظ الدمياطي وابن الخباز، والقاضي تقي الدين سليمان وجماعة، وبرع في الفقه وغيره، وتفقه عَلَى أبيه، وفخر الدين بن عساكر، وقرأ الخلاف عَلَى الصدر البغدادي، ونشأ في صيانة ودين، وناب في القضاء عن أبيه.
وكان سني الدولة الحسن بن يحيى من كتاب الإنشاء لصاحب دمشق قبل نور الدين الشهيد، وكان له ثروة وحشمة، ووقف عَلَى ذريته أوقافاً، وهو ابن أخي أحمد بن محمد بن الخياط الشاعر المشهور.
وكان صدر الدين مشكور السيرة في القضاء، وولي وكالة بيت المال، ثم اشتغل بوظيفة القضاء مدة، ودرس بالإقبالية والجاروخية، ولما أخذ هولاكو الشام سافر هو وابن الزكي محي الدين إلى حلب، فكان ابن الزكي أحذق منه وأخره في الدخول عَلَى التتار، فولوه قضاء القضاة، ورجع ابن سني الدولة هذا، فلما وصل إلى حماه مرض وحمل إلى بعلبك في محفة، ومات بعد يومين سنة ثمان وخمسين وستمائة.
ابن أبي حَجْلة
726 - 776ه - 1326 - 1375م(1/139)
أحمد بن يحيى بن أبي بكر بن عبد الواحد، الشيخ شهاب الدين أبو العباس المغربي المصري الحنفي، الشهير بابن أبي حجلة.
كان إماماً بارعاً، عالماً فقيهاً، أديباً شاعراً، مولده بالمغرب بتلمسان بزاوية جده الشيخ أبي حجلة في سنة ست وعشرين وسبعمائة تقريباً، ونشأ بالمغرب ثم قدم القاهرة وتولى بها مشيخة مدرسة الأمير منجك اليوسفي، ودرس وأفاد، ومهر في عدة علوم، وغلب عليه الأدب، وقال الشعر الجيد، وصنف ودون، ومصنفاته كثيرة تبلغ ستين مصنفاً: من ذَلِكَ كتابة ديوان الصبابة، والسكردان، وله خمس دواوين في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، وسبع أراجيزا سبعة آلاف بيت، وأما الشعر فله فيه اليد الطولي والمعاني الغريبة والاختراعات العجيبة مع كثرة النظم وسرعة البديهة وخفة الروح والتخيل الصحيح، وكانت وفاته في يوم الخميس مستهل ذي الحجة سنة ست وسبعين وسبعمائة، عن إحدى وخمسين سنة بالقاهرة.
ومن شعره من قصيدة:
بقافِ أقْسِم عيْنُ الشَّمس ليس لها ... لولاه شين ولا راء ولا فاء
ما طاب لي بعد خير الرسل في أحد ... سواه ميم ولا دال ولا حاء
وله أيضاً:
حبيب تعالي قَدَّه حين سُمْتُه ... وقال قوامي رُمْحُه لا يُقَوَّمُ
وخط عذار أعجم الخال لامه ... ولم أدْر أن اللام في الحظَّ تُعْجِمُ
وله:
نظْمي عَلاَ وأصْبحت ... ألفاظُه منمَّقة
فكلُّ بيت قاعة ... في سطح داري طبقة
وله في معذر:
دارت عذارَّا مليحٍ ... أضْحَى بها الحسْنُ بَائِرْ
فياله حسْن وجْهٍ ... دارتْ عليه الدَّوائر
وله أيضاً:
يا صاح سُكْري من هوى أغْيد ... قوامُهُ كالغُصْن إذ مَا سَا
ساقٍ متى لاح لي كَأسُه ... أذكرني شاربَه الأسَا
وله مضمنا:
يا صاح قد حضر الشَّراب وبغيتي ... وحظيت بعد الهجْر بالإيناص
وكسا العذار الخدِّ حسنا فاسقني ... واجعل حديثك كله في الكاس
وله في مليحة تدعى فضة.
مذ هجرتني فضّة لم تزل ... نقود عيشي بعدها نضَّه
أفلست في العشَّاق ما حيلتي ... لا ذهُبّ عندي ولا فِضَّه
القاضي شهاب الدين بن فضل الله
697 - 749ه - 1298 - 1349م أحمد بن يحيى بن فضل الله بن المحلي بن دعجان، ينتهي نسبة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، القاضي القضاة شهاب الدين أبو العباس بن القاضي محي الدين القرشي العدوي العمري الدمشقي، الإمام الفاضل البليغ، حجة الكتاب.
ذكره الحافظ أبو المعالي ابن رافع في معجمه وقال: سمع بدمشق من الحجار، ومحمد بن يعقوب الجرائدي، ومحمد بن أبي بكر بن عثمان بن شرف، وست القضاة بنت يحيى بن أحمد بن الشيرازي بالقاهرة ومن والده، وأبي زكريا يحيى ابن يوسف بن المصري، وأحمد بن محمد بن عمر الحلبي وغيرهم، وأجاز له جماعة، وحدث بالقاهرة ودمشق، انتهى كلام ابن رافع.
وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبي: مولده في سنة سبع وتسعين وستمائة، ووافقه الحافظ البرزالي عَلَى مولده، وزاد بأن ذكره في شعراء المائة الثامنة، وقال: وكان له أخ باسمه أجاز له الإبروقهي، ومحمد بن الحسين بن الفوي وغيرهما.
وقال الصلاح الصفدي في تاريخه: مولده في ثالث شوال سنة سبعمائة. انتهى.
وقرأ العربية عَلَى الشيخ كمال الدين ابن قاضي شهبة، ثم عَلَى قاضي القضاة شمس الدين محمد بن مسلم، وأخذ الفقه عن قاضي شهاب الدين أحمد بن المجد، وعن الشيخ برهان الدين، وقرأ الأحكام الصغرى عَلَى الشيخ تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، والعروض عَلَى شمس الدين بن الصايغ، وعلى القاضي كمال الدين بن الزملكاني، وتدرب في النظم عَلَى البارع علاء الدين الوداعي، وأخذ المعاني والبيان عن الشيخ شهاب الدين أبي الثناء محمود وغيره.(1/140)
ونظم كثيراً من القصائد والأراجيز والمقاطيع ودوبيت، وأنشأ كثيراً من التقاليد والمناشير والتواقيع، وكتب في الإنشاء لما ولى والده القاضي محي الدين كتابة سر دمشق، ثم وقع لوالده المذكور محنة مع الملك الناصر محمد بن قلاوون وعزله، ولزم داره إلى أن طلبه وولاه كتابة سر مصر عوضاً عن علاء الدين ابن الأثير، فلما ولى كتابة السر صار ولده شهاب الدين أحمد صاحب الترجمة هو الذي يقرأ البريد عَلَى الملك الناصر وينفذ المهمات، واستمر كذلك في ولاية والده الأولى والثانية، حَتَّى تغير الملك الناصر محمد بن قلاوون عَلَى القاضي شهاب الدين هذا في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة، وصرفه عن المباشرة، وأقام عوضه أخاه علاء الدين بن محيى الدين، فصار يعضد والده القاضي محي الدين كما كان شهاب الدين هذا يفعل مع أبيه محيى الدين، وذلك لكبر سن محيى الدين.
وتوجه شهاب الدين إلى دمشق واستوطنها إلى أن توفي يوم السبت يوم عرفه سنة تسع وأربعين وسبعمائة، ودفن بسفح قاسيون، رحمه الله تعالى.
وكان إماماً فاضلاً بارعاً، ناظماً ناثراً، جواداً ممدحاً، وله مصنفات مفيدة كثيرة من ذَلِكَ: فواضل السمر في فضائل آل عمر أربع مجلدات، وكتاب مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، قلت لو لم يكن له إلا هذه التسمية لكفاه، في أكثر من عشرين مجلداً، والدعوة المستجابة، وكتاب صبابة المشتاق مجلد في مدائح النبي صلى الله عليه وسلم، وسفرة السفر، وكتاب دمعة الباكي ويقظة الساهر، وكتاب نفحة الروض، وأما نظمه فكثير ونثره فأكثر.
قال الصلاح الصفدي: أنشدني القاضي شهاب الدين بن فضل الله لنفسه، ونحن عَلَى العاصي:
لقد نزلنا عَلَى العاصي بمنزلة ... زانت محاسن شطَّيه حدائقُها
تبكي نواعيرها العَبْري بأدمعها ... لكونه بعد لُقْياها يفارقها
فأنشدته لنفسي:
وناعورة في جانب النهر قد غدت ... تَعبِّر عن شوق الشَّجِي وتُعْرِب
فيرقص عطف الغصن تيهاً لأنَّها ... تغنِّى له طول الزمان ويَسرب
قال: ولما توفي شهاب الدين المذكور كتبت إلى أخيه القاضي علاء الدين علي بن يحيى كاتب السر بديار مصر أعزيه فيه:
الله أكبر يا ابن فضل الله ... شغلت وفاتك كل قلب لاه
انتهى. وقلت: ومن شعر القاضي شهاب الدين المذكور:
إني لأهوي منه خدَّا ناعماً ... أمن العذار وبعض ذا يكْفيه
ويسرُّ منه دوامّ حالٍ واحدٍ ... ويسرُّني التَّلوين إلاَّ فيه
وله أيضاً في معذر:
يعارضيه بدا عذارٌ ... به جميع القلوب تُعْذَر
يا قلب كيف الطَّريق حتَّى ... اسلو هواهَ وقد تَعذَّر
ابن مخلوف
...... - 785ه - ...... - 1383م أحمد بن يحيى بن مخلوف بن مر بن فضل الله بن سعد بن ساعد، الأديب البارع المقرئ شهاب الدين أبو العباس بن محيى الدين بن عماد الدين بن سعد الدين السعدي الأعرج، الأديب الشاعر.
كان له فضيلة وقدرة عَلَى نظم الفريض، وكان عارفاً بالقراءات، قيل أنه قال الشعر وعمره دون عشر سنين، وكانت وفاته سنة خمس وثمانين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
الأديب شمس الدين أبو الفضل الطيبي
649 - 717ه - 1251 - 1317م أحمد بن يعقوب بن إبراهيم بن أبي نصر الطيبي، الشيخ الأديب شمس الدين أبو الفضل.
ذكره البرزالي في معجمه، وأيضاً الذهبي، قال: الأديب شمس الدين أبو الفضل، وله يد في النظم والنثر والكتابة، لكنه يرمي بالرفض، وقيل إنه كان بصيراً، وقد أنشدنا لنفسه قصيدة تدل عَلَى حسن اعتقاده والله أعلم، انتهى كلام الذهبي.
وقال الشيخ صلاح الدين في تاريخه: ومن نظم شمس الدين المذكور قوله:
النهر وافا شاهراً سيفه ... ولمعه يحتبس الأعينا
فماجت البركة من خوفه ... وارتعدت وادّرعت جوشنا
توفي صاحب الترجمة في سادس شعبان سنة سبع عشرة وسبعمائة.
ابن يلبغا العمري
752 - 802ه - 1351 - 1400م أحمد بن يلبغا العمري الخاصكي الحسني، ابن صاحب المكبش، وأستاذ الملك الظاهر برقوق، الأمير شهاب الدين أحمد.(1/141)
أحد الأمراء مقدمي الألوف بالديار المصرية، وأمير مجلس في دولة الملك الظاهر برقوق، وكان معظماً في الدولة إلى أن خرج الأتابك يلبغا ومنطاش عَلَى الملك الظاهر برقوق، وأرسل برقوق لقتالهم عسكراً، وكان صاحب الترجمة من جملة الأمراء، فلما التقى الفريقان خامر أحمد هذا وصار من حزب الناصري ومنطاش إلى أن قدم معهما إلى الديار المصرية واستقر به يلبغا عَلَى حاله أولاً أمير مجلس، ودام ذَلِكَ إلى أن وقع الخلف بين الناصري ومنطاش وتقاتلا، وغلب منطاش وقبض عَلَى يلبغا الناصري وحبسه بثغر الإسكندرية، وقبض عَلَى جماعة من أعيان الأمراء معه، فكان أحمد هذا مع جملة من مسك وحبس، وتقلبت الأيام، وخرج برقوق من محبسه وملك الديار المصرية حسبما سنذكره في غير موضع، أفرج عن الناصري ورفقته وأعاد ابن يلبغا هذا عَلَى مَا كان عليه، ولم يؤاخذه بما فعله إكراماً لسلفه، لأن برقوق كان مملوكاً لوالده يلبغا، واستمر عَلَى ذَلِكَ إلى أن مات الملك الظاهر برقوق سنة إحدى وثمانمائة وتسلطن ولده الملك الناصر فرج.
ثم كانت الوقعة في سنة اثنتين بين الأتابك أيتمش ورفقته من الأمراء الأعيان وبين الأمراء الظاهرية الذين هم بالقلعة، وانكسر أيتمش بمن معه وتوجه إلى الأمير تنم نائب الشام، كان أحمد هذا ممن خرج مع أيتمش إلى البلاد الشامية، فلما تجرد الملك الناصر فرج بمن معه لقتال تنم في السنة المذكورة، والتقى الفريقان بظاهر مدينة غزة وانهزم تنم وأصحابه وقبض عليه الأمير أيتمش وأعوانه الذين خرجوا معه من القاهرة، وكان أحمد هذا في جملة من قبض عليه وحبس بقلعة دمشق، ثم قتل مع من قتل من الأمراء في رابع شعبان سنة اثنتين وثمانمائة.
ولم يسلم من القتل في هذه المرة من الأمراء الأعيان وغير والدي فإنه دام في حبس قلعة دمشق مدة يسيرة ثم أطلق وولي نيابة الشام بعد موت سيدي سودون قبل ورود تيمورلنك إلى دمشق في سنة ثلاث وثمانمائة.
وقتل صاحب الترجمة ذبحاً، وسنه في عشر الخمسين، رحمه الله تعالى.
أبو جعفر الرُّعَيْني
700 - 779ه - 1301 - 1377م أحمد بن يوسف بن مالك، الشيخ الأديب المحدث أبو جعفر الرعيني الأندلسي الغرناطي.
نزيل البيرة من أعمال حلب، ولد في حدود السبعمائة تقريباً وتفقه ببلاده وبرع في فقه المالكية وغيره، وخرج من بلاده يريد المشرق رفيقاً لأبي عبد الله محمد بن جابر، وعند خروجه من غرناطة أنشد قصيدة طنانة أولها:
ولما وقفنا للوداع وقد بدت ... قباب ربا نجد عَلَى ذَلِكَ الوادي
ثم سار مع رفيقه إلى أن وصل إلى القاهرة، وسمع بها من العلامة أثير الدين أبي حيان وغيره، ثم رحل إلى دمشق وسمع بها من المسند أحمد بن علي الجزري، والحافظ المزي، ثم توجه إلى البيرة واستوطنها إلى أن توفي بِهَا سنة تسع وسبعين وسبعمائة.
ومن شعره:
محاجر دمعي قد محاهُنَّ ما جرى ... من الدمع لمّا قيل قد رحل الرّكب
تناقض حالي مذ شجاني فراقُهم ... فمن أضلعي نار ومن أدمعي سَكْب
وله أيضاً:
إذا ظلم المرْأ فأمِهلْ له ... فبالقربُ يقطع منه الوتين
فقد قال ربك وهو القوي ... وأُملي لهم إنّ كْيدي متين
وله أيضاً:
لا تعادى الناس في أوطنانهم ... قَلْ ما يرعى غريب الوطن
وإذا ما شئت عيشا بينهم ... خالق الناس بخلق حسن
ابن الزعيفرينى
...... - 83ه - ...... - 1427م أحمد بن يوسف بن محمد، الشيخ الأديب شهاب الدين أبو العباس الدمشقي الشاعر المشهور، عرف بابن الزعيفريني.(1/142)
كانت له فضيلة، ويكتب الخط المنسوب، وينظم الشعر، ويشتغل بعلم الحرف، ويزعم أن له فيه اليد الطولى، وحصل له خط لهذا المعنى عند جماعة من أعيان الأمراء وغيرهم إلى أن امتحن في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة، وسبب المحنة أن بعض أعيان الدولة ظفر بأبيات من نظمه بخطه قد نظمها للأمير جمال الدين الاستادار يوهمه أنها ملحمة وأنه سيملك مصر، ثم يملك بعده ابنه، فقطع المالك الناصر فرج بن برقوق لسانه وعقدتين من أصابعه، ورفق به عند القطع فلم يمنعه ذَلِكَ من النطق، ولزم داره وأظهر الخرس مدة أيام الناصر، ثم تكلم بعد ذَلِكَ، وأخذ في الظهور والكتابة بيده اليسرى فلم يرج في أيام المؤيدية شيخ، وانقطع حَتَّى مات في يوم الأربعاء ثاني شهر ربيع الأول سنة ثلاثين وثمانمائة.
ومن شعره ما كتبه بيده اليسرى إلى قاضي القضاة صدر الدين عَلَى بن الآدمي الحنفي يقول:
لقد عشتَ دَهْراً في الكتابة مفْرداً ... أُصور منها أحرفاً تشبه الدُّرَّا
وقد عاد خطى اليوم أضعف ما ترى ... وهذا الذي قد يَّسر الله لليسرى
فأجابه قاضي القضاة صدر الدين المذكور يقول:
لئن فَقَدتْ يُمناك حُسْنَ كتابة ... فلا تحتملْ هماً ولا تعتقدْ عسراً
شهاب الدين بن خطيب الموصل
...... - 771ه - ...... - 1369م أحمد بن يوسف بن أحمد، الأديب شهاب الدين أبو العباس المارديني الشهير بابن خطيب الموصل.
كان أديباً فاضلاً وكان يتنقل في بلاد الشام. وكان يكتب المنسوب وله مشاركة، توفي بحماه في سنة إحدى وسبعين وسبعمائة.
ومن شعره يهنئ بعض الأكابر:
ليهنْك ما نلت من منْصبٍ ... شريف له كنت مُسْتَوجبا
وما حَسنُ أن تهنَّي به ... ولكن نهنِّي بك المنصبا
ابن الصاحب علم الدين
...... - 688ه - ...... - 1289م أحمد بن يوسف بن عبد الله بن شكر، الشيخ علم الدين بن الصاحب المصري الفقير المجرد.
كان اشتغل في صباه وحصل ودرس، وكان لديه فضيلة وذكاء وحسن تصور، إلا أنه كان تجرد في آخره وتفقر، وأطلق طباعه عَلَى التَّكدي، وصار يجارد الرؤساء وغيرهم، ويركب في قفص حمال، ويتضارب الحمالون عَلَى حمله لأنه كان مهماً فُتِح له من الرؤساء كان للذي يحمله، فيستمر راكباً في القفص والحمال يدور به في أماكن الفرج والنزه، وكان يتعمم بشرطوط طويل جداً رقيق العرض، ويعاشر الحرافيش، وكان له أولاد رؤساء.
ويقال: إن الصاحب بهاء الدين ابن حنا هو الذي أحوجه إلى أن يظهر بذلك المظهر وأحمله وجننه لكونه من بيت وزارة فكان ابن الصاحب هذا إذا رأى الصاحب بهاء الدين ابن حنا ينشد:
أشرب وكل وتهنَّي ... لابَّد أن تتعنَّى
محمد وعلي من أين لك يا ابن حنَّا
قال: الشيخ صالح الدين: أخبرني من لفظه الشيخ الإمام نجم الدين أبو محمد الحسن خطيب صفد قال: رأيته، يعني ابن الصاحب، أشقر أزرق العين، عليه قميص أزرق وبيده عكازه حديد. انتهى.
وأخبرني من لفظه الحافظ فتح الدين محمد بن سيد الناس قال: كان ابن الصاحب يعاشر الفارس آقطاي، فاتفق أنهم كانوا يوماً عَلَى ظهر النيل في شختور. وكان الملك الظاهر بيبرس مع الفارس آقطاي وجرى بينهم أمر، ثم ضرب الدهر ضرباته، وركب الظاهر يوماً إلى الميدان ولم يكن عمر قنطرة السباع، وكان التوجه إلى الميدان عَلَى باب زويلة عَلَى باب الخرق، وكان ابن الصاحب ذَلِكَ اليوم نائماً عَلَى قفص صيرفي من تلك الصيارف، برا باب زويلة، ولم يكن أحد يتعرض لابن الصاحب، فلم يشعر الظاهر إلا وابن الصاحب يضرب بمفتاح في يده عَلَى خشب الصيرفي ضرباً قوياً فالتفت فرآه، فقال هاه علم الدين، فقال إيش علم الدين، أنا جيعان، فقال: أعطوه ثلاثة آلاف درهم، وكان ابن الصاحب أشار بتلك الدقة عَلَى الخشب إلى دقة مثلها يوم المركب. انتهى كلام الصفدي.
قلت ويحكى عنه من النوادر اللطيفة أشياء منها: أنه حضر يوماً في بعض المدارس والنقيب يقول بسم الله فلان الدين القليوبي، بسم الله فلا الدين الدمنهوري، بسم الله فلان الدين المنوفي وينسب كل واحد إلى بلده من الريف فقال ابن الصاحب ويلك هذه مدرسة ولا منفض كتان.(1/143)
ومنها أن الأمير علم الدين الشجاعي لما فرغ من عمارة المدرسة المنصورية رآه يوماً بين القصرين فقال له: يا علم الدين أيما أحسن هذه المدرسة أو مدرسة الظاهر، فقال: هذه مليحة إلا أن الذي يصلي في الظاهرية يبقى حجره في وجه الذي يصلي في مدرستكم.
ومنها أنه كان في القاهرة إنسان كثيراً ما يجرد الناس فسموه زحل، فلما كان في بعض الأيام وقف ابن الصاحب عَلَى دكان حلاوى ليزن دراهم يشتري بها حلوى، وإذا بزحل قد أقبل من بعيد فقال ابن الصاحب للحلاوي: أعطني الدراهم ما بقي لي حاجة بالحلوى فقال لم؟ قال: أما ترى زحل قارن المشتري في الميزان.
ومنها أنه ركب يوماً حماراً للفرجة تسلمه من المكاري وتوجه به إلى برا باب اللوق، فتسيب الحمار عَلَى ماجور فيه حشيش فأكله بتمامه، فجاء صاحب الحشيش إليه وقال: يا سيدي أفقرني حمارك هذا وأكل بضاعتي، فقال له ابن الصاحب: خذ صريمته فأخذها، فلما كان بعد ساعة انسطل الحمار ونام وعجز عن الحركة، فأراد ابن الصاحب الدخول إلى المدينة، فعجز الحمار عن القيام لأنه أكل ماجور حشيش، فحمله عَلَى حمار آخر وقال للمكاري: خذ بردعته، وجاء هو خلفه، فقام إليه صاحب الحمار فقال: يا سيدي أين حماري الذي ركبته من عندي؟، فقال: أنا ما رأيت حماراً، وما أعطيتني إلا حريفاً عَلَى أنه حريف كِّيس ما غرم عليه أحد شيئاً، انسطل بصريمته وركب ببردعته.
وله من هذا النمط أشياء، توفي سنة ثمان وثمانين وستمائة.
ومن شعره:
يا نفسُ ميلي إلى التَّصابي ... فاللهو منه الفتى يعيش
ولا تَملِّي من سُكْر يوم ... إن أعوز الخمر والحشيش
وله في المعنى:
في خُمار الحشيش معْنى مرامي ... يا أَهْيَل العقولِ والأفهامِ
حرَّموها من غير عقْل ونقْل ... وحرام تحريم غير الحرام
الطبيب شهاب الدين الصفدي
661 - 737ه - 1263 - 1337م أحمد بن يوسف بن هلال بن أبي البركات، الشيخ شهاب الدين الصفدي الطبيب.
ولد سنة إحدى وستين وستمائة، ثم قدم إلى صفد ونشأ بها، ثم انتقل إلى القاهرة وخدم في جملة أطباء السلطان وبالبيمارستان المنصوري، وكان بارعاً في الطب، وله قدرة عَلَى وضع المشجرات، ويبرز أمداح الناس في أشكال أطيار وعمائر وأشجار، وعقد وأخياط، وغير ذَلِكَ وله نظم ونثر، ودام عَلَى ذَلِكَ إلى أن توفي سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، وقيل غير ذَلِكَ، ومن شعره ما يكتب عَلَى سيف:
أنا أبْيض كم جُبْتُ يوماً أسوداً ... فأعدته بالنصر يوماً أبيضا
ذكرٌ إذا ما استُلْ يوم كريهة ... جعل الذكور من الأعادي حُيَّضا
أختالُ ما بين المنايا والمنى ... وأجولُ في وسطٍ الفضَايَا والفَضَا
الشيخ كمال الدين الفاضلي
...... - 688ه - ...... - 1289م أحمد بن يوسف بن نصر بن شادي، الشيخ كمال الدين الفاضلي.
سمع من أبي لقمة، وأبي محمد بن البن، وزين الأمناء، وكتب عنه الحافظ أبو الحجاج المزي والبرزالي وجماعة.
وكان يسمع بإفادة القاضي الأشرف بن القاضي الفاضل، وتوفي سنة ثمان وثمانين وستمائة.
شمس الدين الطيبي
649 - 717ه - 1251 - 1317م أحمد بن يوسف بن يعقوب، القاضي شمس الدين بن أبي المحاسن كاتب الإنشاء بطرابلس المعروف بالطيبي.
كان كاتباً مجيداً، مكثراً من النظم والنثر والترسل، مات بعد السبعمائة تقريباً ومن شعره:
لستُ أنَسى الأحبابَ مادْمت حيِّا ... إذّ نّوّوْا للنَّوى مكاناً قصيَّا
وَتَلَوْا آية الدموع فخروا ... خيفةَ البين سجَّدا وبُكيا
فبذكُراهم تسحُّ دموعي ... كلما اشتقت بكرةً وعشيَّا
وأُناجي الإله من فرط حزني ... كمناجاه عبده زكريَّا
واخْتفي نورهم فنادْيت ربِّي ... في ظلامِ الدُّجى نداءً خفيَّا
وَهن العظم في البعاد فهبْ لي ... ربِّ بالقرب من لدُنْك وليَّا
واسْتجبْ في الهَوَى دعائي فإنِّي ... لم أكن بالدعاءِ ربِّ شقيَّا
قدْ فرى قلبي الفراق وحقا ... كان يوم الفراق شيئاً فريَّا
ليتني متُّ قبل هذا وأنِّي ... كنت نسْيَا يوم النَّوى منسيَّا(1/144)
ليس ذا الهجرُ باختياري ولكنْ ... كان أمراً مقدَّراً مقضيَّا
يا خليلِّي خلِّياني وعِشْقي ... أنا أولى بنارِ وجْدي صليَّا
إن لي في الفراق دمعاً مطيعاً ... وفؤاداً صبَّا وصبراً عَصيَّا
أنا في هجرهم وصْلتُ سُهادي ... فِصلاَنِي أو اهْجُراني مليَّا
أنا في عاذلي وحبِّي وقلْبي ... حائر أيُّهم أشدُّ عتيَّا
أنا شيخُ الغرام منْ يَتَّبعني ... أهده في الهوى صراطاً سويَّا
أنا مَيْتُ الهوى ويومَ أراهم ... ذَلِكَ اليومُ يوم أُبعث حيَّا
أنا لو لم أعش بمقْدم مَوْلّى ... هو مَوْلى الوجودِ لم أكُ شيَّا
الفتى الباسط الجميل جمال الد ... ين من زار من نداه النديَّا
الشيخ عماد الدين أبو نصر الحسني
560 - 648ه - 1165 - 1250م أحمد بن يوسف بن علي بن محمد بن أحمد، الشيخ عماد الدين أبو نصر، وقيل أبو العباس الحسني الفقيه الحنفي.
تفقه عَلَى الفقه العلامة أحمد بن محمد بن محمود الغزنوي، مولد سنة نيف وستين وخمسمائة بحلب، قاله ابن العديم، وسمع الحديث من أبي هاشم عبد المطلب ابن الفضل الهاشمي شيخ الحنفية، ورحل من حلب إلى الديار المصرية جافلاً من التتار، ولما وصل التتار إلى بلاد الروم سنة أربعين وستمائة، وحدث بمصر، وأضر بها، ثم عاد إلى حلب فأقام بها صابراً محتسباً إلى أن مات سنة ثمان وأربعين وستمائة، قاله الشيخ قطب الدين في تاريخ مصر، انتهى.
المهندس شهاب الدين الطولوني
...... - 801ه - ...... - 1398م أحمد بن الطولوني، المهندس المعلم شهاب الدين المصري.
كان معلم السلطان ومهندسه، وشاد عمائره، ثم تزوج الملك الظاهر برقوق بأخته أو بنته، فنال بمصاهرة السلطان السعادة، وأثرى وصار من ذوي الرئاسة، وتوجه إلى عمائر مكة غير مرة آخرها في سنة إحدى وثمانمائة، ثم عاد نحو القاهرة بعد فراغ شغله فأدركته المنية بعسفان، فمات في يوم الجمعة عاشر صفر من السنة المذكورة، فحمل ودفن بالمعلاه من مكة، رحمه الله تعالى.
باب الألف والدال المهملة
الأمير عماد الدين الحسني
...... - 713ه - ...... - 1313م إدريس بن علي بن عبد الله، الأمير عماد الدين الحسني.
قال الشيخ تاج الدين عبد الباقي اليمني: هو أحد أمراء الطبلخاناه بالدولة المؤيدية، نشأ بصنعاء وبلادها، وكان إماماً لا يجاري، وعالماً لا يباري، أتقن العلوم وسبق المنطوق، والمفهوم له الأدب المذهب، وكان زيدي المذهب، رشحه أهل مذهبه للإمامة وهموا بأن يقلدوه الزعامة، فنزع من الشَّان ومال إلى السلطان فاسكنه أقصى مراتب العلياء، وكانت يده هي اليد العليا، جمع بين الكرم والشجاعة، وتقدم في أرباب البراعة، توفي سنة ثلاثة عشر وسبعمائة.
فمن شعره قصيدة يمدح بها الملك المؤيد منها:
عُوَجاً عَلَى الرّبع من سلمى بذي فار ... واستوقفا العيس لي في ساحة الدار
وسائلاها عمى تنبئكما خبرا ... يشفي فؤادي ويقضي بعض أوطاري
وله أيضاً يمدح الملك المؤيد لما جاءته الرسل من ديار مصر في سنة ثلاث وسبعمائة:
لم يأتك الرُّسْل من مصر وساكنها ... إلاَّ مؤدية حقاً لكم يجب
الشيخ أبو غانم العبدري الشَّيبي
إدريس بن غانم بن مفرج، الشيخ أبو غانم العبدري الشيبي، شيخ الحجبة، وفاتح الكعبة.
كان متولياً لفتح الكعبة في سنة سبع وخمسين وستمائة، كما ذكره الأمير سنجر الدواداري في طبقة سماعه عَلَى العفيف منصور بن منعه لأربعينه التي خرجها له ابن مسدي، وبنو شيبه هؤلاء نسبهم إلى.
الشريف الحسني
...... - 669ه - ...... - 1270م إدريس بن قتادة بن إدريس بن مطاعن الشريف الحسني، أمير مكة.(1/145)
ولي إمرة مكة نحو سبعة عشر سنة شريكاً لابن أخيه أبي نمي محمد في أكثر هذه المدة، ثم أنفرد بها وقتاً يسيراً من ذَلِكَ، وهو أن أبا نمي أخذ مكة في سنة أربع وخمسين وستمائة لما توجه إدريس لأخيه راجح بن قتادة، ثم جاء هو وراجح إلى مكة وأصلح راجح بين أبي نمي وإدريس هذا، فأقاما عَلَى الصلح مدة، ثم وقع بينهما في سنة سبع وستين وستمائة، فأخرج أبو تمي إدريس من مكة، ثم اصطلحا إلى سنة تسع وستين وقع بينهما وقعة فاستظهر إدريس عَلَى أبي نمي وتوجه أبو تمي إلى مدينة ينبع واستنجد بصاحبها وجمع وحشد وقصد مكة بمجموعة - والتقيا وتحاربا، فظفر أبو تمي بإدريس فألقاه عن فرسه وجز رأسه، وذلك في شهر ربيع الآخر أو في جمادى الأولى سنة تسع وستين وستمائة، انتهى.
باب الألف والراء المهملة
الأمير سيف الدين الفتاح
...... - 747ه - ...... - 1346م أراق بن عبد الله، الأمير سيف الدين نائب صفد المعروف بالفتاح.
وذلك لأنه كان في مبدأ أمره يتولى فتح السجن، ثم أخرجه الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى نيابة قلعة صفد في سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة، ولم يزل بالقلعة المذكورة إلى أن استعفى منها فأعفاه السلطان الملك الصالح في سنة خمس وأربعين وسبعمائة وأنعم عليه بإمرة في دمشق، ثم نقل إلى نيابة غزة، فأقام بغزة إلى أن نقل إلى صفد عوضاً عن الأمير سيف الدين آل ملك بحكم القبض عليه، واستمر الأمير أراق هذا في نيابة صفد إلى أن عزل عنها بأمير أرغون شاه في أوائل سنة سبع وأربعين وسبعمائة وتوجه إلى حلب أميراً بها، فلم تطل مدته بحلب ورسم له بالعود إلى صفد أميراً غير نائب بها، فلما وصل إلى دمشق حضر مرسوم ثان بإقامته بدمشق أميراً، فأقام بها إلى أن توفي.
أربكون
......736ه - ...... - 1335م أربكون صاحب العراق وأذربيجان والروم، أصله من ذرية جنكزخان.
نشأ جندياً، وكان أبوه قد قتل، وترقى إلى أن توفي السلطان بو سعيد ملك التتار، فقام الوزير غياث الدين محمد بأمره، وشارو مقدمي التتار في توليه أربكون هذا، وقال: هذا الرجل من ذرية جنكزخان، وأصل في الملك، فبايعوه، وجلس عَلَى تخت الملك، وقتل الخاتون بغداد بنت جوبان زوجة الملك بوسعيد، وكان الأمير عَلَى باشا متولي الجزيرة فلم يدخل في طاعته، وسار وأخذ بغداد وجبي الأموال، وتصرف في البلاد، وجرت أمور يطول شرحها آلت إلى قتل أربكون هذا، وقتل الوزير غياث الدين محمد، فكانت مدة ملكه أشهر، وذلك في سنة ست وثلاثين وسبعمائة.
وأربكون هذا كان نصرانياً، وكان عزم عَلَى ورود الشام...
الأمير سيف الدين أرتمش
...... - 736ه - ...... - 1335م أرتامش بن عبد الله الأشرفي، الأمير سيف الدين نائب الكرك، صوابه أرْتْمِشْ، يعني باللغة التركية فَضْلَهْ، بألف وبعدها راء معجمة ساكنة ثم تاء مثناه من فوق ساكنة أيضاً وكسر الميم وسكون الشين المعجمة.
أصله من مماليك الملك الأشرف خليل بن قلاوون، ثم اتصل عند الملك الناصر محمد بن قلاوون وولاه نيابة الكرك، وكان الملك الناصر يركن إليه الحاج أرتمش وأرسله غير مرة في الرسلية إلى القان بوسعيد، وكان التتار يعظمونه ويركنون إليه، لأنه كان يعرف بالمغلي، وهو التركي الخالص، كعرب العربان، وكان يعرف المغلي لساناً وكتابة، ويعرف أيضاً آداب المغل وتورا جنكزخان.
قال الشيخ صلاح الدين: وكان يحكم بين السلطان وبين الخاصكية بالسياسة واليسق الذي قرره جنكزخان ويطالعها ويراجعها، ويعرف بيوت المغل وأنسابهم وأصولهم، ويستحضر تواريخهم ووقائعهم، وكان إذا جاء من تلك البلاد كتاب للسلطان بالمغلي يكتب هو الجواب عنه بالغلي، وإذا لم يكن حاضراً كتبه الأمير سيف الدين طاير بغا خال السلطان.
وأخبرني من أثق به عن الأمير الحاج أرقطاي، وكان يدعى أنه أخوه، قال: كنت ليلة أنا وهو نائمين في الفراش وإذا به قال: آرقطاي، لا تتحرك معنا عقرب، ولم يزل يهمهم بشفتيه، وقال: قم، فقمنا، فوجدنا العقرب قد ماتت، وكان يعرف رقي كثيرة، منها ما يقوله عَلَى العقرب وهي سارحة فتموت، ومنها رقية لوجع الرأس، وكان مغري يلعب النرد.(1/146)
أخرجه السلطان إلى صفد نائباً عوضاً عن الحاج آرقطاي في سنة ست وثلاثين وسبعمائة، فتوجه إليها وأحسن إلى أهلها، ووقع بينه وبين الأمير تنكز نائب الشام، ولك يزل فيها عَلَى حاله إلى أن عطلت حواسه وبطلت أنفاسه وتوفي رحمه الله تعالى في سنة ست وثلاثين وسبعمائة فيما أظن، ودفن بتربة الحاج أرقطاي بجوار الجامع الظاهري بصفد.
وكان مشهوراً بالخير والسكون الذي لا يرتاع معه الطير، وصاحبا لصاحبه في السراء والضراء، مالكاً قلب من يعرفه بخلائقه الزهراء، ولكنه كان ينكد عيشه ويسأم طيشه بوجع المفاصل الذي يعتريه وتطول مدته حَتَّى يقول: ألا موت يباع فأشتريه، انتهى كلام الشيخ صلاح الدين الصفدي، رحمه الله تعالى.
أرتنا
...... - 753ه - ...... - 1352م أرتنا، الحاكم ببلاد الروم من قبل الملك بوسعيد.
فلما مات بوسعيد كاتب ارتنا هذا السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وقال: أريد أن أكون نائبك، فأجابه الملك الناصر إلى سؤاله، وبعث إليه بالخلع السنية، وكتب إليه نائب السلطنة الشريفة بالبلاد الرومية، ودام ارتنا المذكور إلى أن وقع بيته وبين أولاد تمرتاش، فجمعوا له العساكر، فجاءوا إليه ومعهم القان سليمان فكسرهم أرتنا بصحراء أكرنبوك، بكافين بينهما راء ونون وباء ثانية الحروف وواو وقبل الكاف الأولى همزة، أقبح هزيمة وأسر جماعة من أمرائهم، وعن من أموالهم، وكانت هذه الوقعة في سنة أربع وأربعين وسبعمائة في إحدى الجمادين.
الأمير أرجواش
...... - 701ه - ...... - 1302م أرجواش بن عبد الله المنصوري، الأمير سيف الدين نائب قلعة دمشق في أيام أستاذه المنصور. وكان شهماً شجاعاً مهيباً، لم يخرج مدة ولايته من قلعة دمشق، ولا نزل إلى مدينة دمشق، ولا سير ولا ركب فرساً، وكان أعوراً، ولما ملك الأشرف خليل بن قلاوون قيده وألبسه عباءة ليقتله، ثم عفا عنه وخلع عليه وأعاده إلى نيابة قلعة دمشق في شهر رمضان سنة تسعين وستمائة.
وكان أرجواش هذا حفظ قلعة دمشق، بل قلاع البلاد الشامية، يوم غازان، وحضر مدة طويلة، نهض وأتم نهوض، وقام أكمل قيام، وأظهر التتار أنواع القتال وتسلقوا عليه من دار السعادة وطلعوا سطحها، وتسلطوا عَلَى القلعة مع كثرتهم، ورموها بالنشاب، فرمى عليهم قوارير النفط فأحرقت الأخشاب وسقطت السقوف بهم، وفعل ذَلِكَ بدار الحديث الأشرفية والعادلية حَتَّى عاد التتار إلى بلادهم، فلولاه لملكت التتار الشام جميعه، ومع هذا كان عنده سلامة باطن إلى الغاية.
قال الصلاح الصفدي: حكى لي عنه عبد الغني الفقير المعروف قال: لما مات الملك المنصور قلاوون قال لي أحضر لي مقرئين يقرؤون ختمة للسلطان، فأحضرت إليه جماعة فجعلوا يقرؤون عَلَى العادة، فأحضر دبوساً وقال تقرأون هذه القراءة للسلطان؟ لَمْ لا تقرأون عالياً، فضجوا بالقراءة جهدهم، فلما فرغوا منها قلت: يا خوند فرغت الختمة، فقال: يقرأون أخرى، فقرأوها؛ وقفزوا ما أرادوا، فلما فرغوها أعلمته، قال: ولك السماء ثلاثة والأرض ثلاثة والأيام ثلاثة والمعادن ثلاثة وكل ما في الدنيا ثلاثة، يقرأون أخرى، فقلت لهم: اقرأوها واحمدوا الله عَلَى أنه ما علم أن هذه الأشياء سبعة سبعة، فلما فرغوا الثالثة وقد هلكوا من صراخهم، قال: دعهم عندك في الترسيم إلى بكرة، وقال أكتب عليهم حجة بالقسامة الشريفة بالله تعالى وبنعمه السلطان أن ثواب هذه الختمات لمولانا السلطان الملك المنصور قلاوون، ففعلت ذَلِكَ وجئت إليه بالحجة، فقال هذا جيد أصح الله أبدانكم، وصرف لهم أجرتهم، وله عنه حكايات كثيرة، كان يحكيها عنه تدل عَلَى تغفل كبير.
أردبغا العثماني
...... - 792ه - ...... - 1390م أردبغا بن عبد الله العثماني، الأمير سيف الدين، أحد أمراء الطبلخاناة في الدولة الظاهرية برقوق.
كان مشهوراً بالشجاعة والإقدام، قتل في وقعة منطاش مع الظاهر برقوق بشقحب، بعد خروج برقوق من حبس الكرك في سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة.
أربغا الظاهري
...... - 830ه - ...... - 1427 أربغا بن عبد الله الظاهري، الأمير سيف الدين. أحد المماليك الظاهرية برقوق وأحد العشروات، ثم نائب قلعة صفد.(1/147)
كان المذكور من أعيان مماليك الظاهر، وتأمر بالبلاد الشامية إلى أن خرج الأمير قاني باي المحمدي نائب الشام عَلَى الملك المؤيد شيخ، ووافقه عَلَى عصيانه جماعة من النواب والأمراء كان أردبغا هذا ممن وافقه إلى أن انكسر قاني باي ومسك، فرأردبغا هذا مع من فر إلى قرا يوسف صاحب بغداد، ودام بتلك البلاد إلى أن مات المؤيد قدم عَلَى الأمير ططر بدمشق، فأنعم عليه بإمرة عشرة بديار مصر، ودام عَلَى ذَلِكَ إلى أن نقله الملك الأشرف برسباي إلى نيابة قلعة صفد سنة سبع وعشرين وثمانمائة فتوجه إلى صفد ودام في نيابة قلعتها إلى أن توفي بعد سنة ثلاثين وثمانمائة.
أرسطاي الظاهري
...... - 811ه - ... ... - 1408م أرسطاي بن عبد الله الظاهري، الأمير سيف الدين، نائب الإسكندرية هو من مماليك الملك الظاهر برقوق، وممن صار من أيام أستاذه من جملة أمراء الطبلخاناه ورأس نوبة، وهو الذي أرسله الملك الظاهر برقوق يوم وقعة علي باي، ولما فطن بركوب علي باي، ليعلمه أن السلطان قادم لزيارة علي باي وخدعه بأن قال: السلطان ذا الحين يدخل لزيارتك، فكف عَلَى باي عن الخروج من داره، واطمأن بأن السلطان داخل إليه ويفعل فيه ما شاء، ثم وقف أرسطاي عَلَى باب علي باي في انتظار السلطان، وقد أخر السلطان العصائب السلطانية إلى خلف واجتاز عن باب، فلما علم أرسطاي بأن السلطان قد فاز، ركب ولحق به، انتهى.
ثم أن أرسطاي ولي نيابة الإسكندرية في الدولة الناصرية فرج بعد تنقلات، ودام في نيابة الإسكندرية إلى أن توفي بها في سنة إحدى عشرة وثمانمائة.
أسد الدين أرسلان
...... - 658ه - ...... - 1260م أرسلان شاه بن دارد بن يوسف بن أيوب، الأمير أسد الدين بن الملك الزاهر بن السلطان صلاح الدين.
كان ملكاً شجاعاً شهماً حسن الشكالة كريماً، وكان شبيهاً بأبيه، وهو شقيق الملك الظاهر غازي صاحب البيرة المتوفى سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، لم نذكره في كتابنا هذا لأن وفاته قبل الخمسين وستمائة بخلاف شرط كتابنا هذا، قتل أسد الدين صاحب الترجمة ببواشير حلب أول دخول التتار إليها سنة ثمان وخمسين وستمائة.
الملك المعظم ركن الدين أرسلان
591 - 678ه - 1195 - 1279م أرسلان بن داود بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، الملك المعظم ركن الدين.
ولد بقلعة البيرة سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، توفي سنة ثمان وسبعين وستمائة، وحدث بإجازة عامة من الصيدلاني، وأجاز للبرزالي وجماعة، وحدث بدمشق والقاهرة، وسمع منه الحافظ المزي بقراءة ابن جعوان. قال الصلاح الصفدي في تاريخه: هكذا رأيت الشيخ شمس الدين، يعني الحافظ الذهبي ذكر هذين الاسمين في هاتين السنتين، فأثبت هذا الثاني لما خالف الأول في اللقب وتاريخ الوفاة فهو إما المذكور أولاً، أو كان له أخ سماه أبوه باسم أخيه لأنهما كلاهما أبناء الملك الزاهر مجير الدين داود. انتهى.
قلت: ولما وقفت أنا أيضاً عَلَى هاتين الترجمتين راجعت تاريخ الحافظ الذهبي فوجدته كما قال الشيخ صلاح الدين، والأقوى عندي أن الذهبي واهم، وأن الترجمتين لشخص واحد، والله أعلم بالصواب.
أرسلان الداوادار
...... - 717ه - ...... - 1317م أرسلان بن عبد الله الدوادار، الأمير بهاء الدين.
كان أرسلان هذا أولاً عند الأمير سلار، وكان خصيصاً عنده، ثم حظي عند الملك الناصر محمد بن قلاوون، وهو أن الناصر لما خرج من الكرك في المرة الأخيرة بعساكر الشام، وتلقاه العسكر المصري، ونزل بالرايدانية ظاهر القاهرة، جاء إليه أرسلان هذا وعرفه أن الأمراء اتفقوا عَلَى أن يهجموا عليه بالدهليز ويقتلوه يوم العيد أول شوال، فلما عرف الناصر الخبر خرج السلطان من عير الباب، وركب وساق من وقته، وطلع إلى القلعة وملكها، وكان هذا الخبر سبباً لنجاته، فرعى له الناصر ذَلِكَ وقربه، ولما خرج الأمير أيدمر الدوادار من القاهرة إلى الشام، ولى أرسلان هذا وظيفة الدوادارية.(1/148)
وكان شكلاً حسناً، قد خرجه وهذبه وفقهه القاضي علاء الدين بن عبد الظاهر، وصار له إليه ميل عظيم، وتصادفا وتصافيا، ويقال إن الرسالة التي لعلاء الدين ابن عبد الظاهر الموسومة بمراتع الغزلان أنشأها فيه، وكان يكتب الخط المنسوب، ويعرف الدوادارية جيداً، وتواقيعه مسددة، وعبارته وافية بالمقاصد، واستولى عَلَى الملك الناصر وتمكن منه حَتَّى أنه لم يبقى لأحد معه ذكر، وكان إذا نزل من القلعة ونام بالمدينة ماجت القاهرة لأجله، وحضر أكابر الدولة عنده وباتوا في خدمته، وعمر خانقاه في منشاة المهراني خارج القاهرة عَلَى النيل، ورأى وقتاً في مباشرته، ونفع الناس عند السلطان، وكان عنده عصبة لأصحابه.
حكى أنه لما توفي وجد عنده في خزانته في جملة قماشه ألف ثوب أطلس، وتواقيع كثيرة، وتقاليد معلم عليها بوظائف أنكر السلطان أنه علمها.
ولما مرض الأمير أرسلان صاحب الترجمة مرض موته مرض القاضي علاء الدين بن عبد الظاهر أيضاً، وتوفي أحدهما بعد الآخر بيوم واحد، وكان إذا سأل أحدهما عن الآخر يقال له طيب، وكانت وفاتهما سنة سبع عشرة وسبعمائة، رحمهما الله تعالى.
وتولى الدوادارية من بعده الأمير ألجاي يأتي ذكره في محله إن شاء الله تعالى.
أرغون شاه البيدمري
...... - 802ه - ...... - 1400م أرغون شاه بن عبد الله البيدمري الظاهري، أمير مجلس، الأمير سيف الدين.
كان أولاً من مماليك الأمير بيدمر الخوارزمي نائب الشام، اشتراه من بعض النجار وقدمه إلى الملك الظاهر برقوق، فحظي عنده ورقاه وجعله ساقياً، ثم أنعم عليه بعد خروجه من الكرك في سلطنته الثانية بإمرة عشرة، ثم نقله إلى إمرة طبلخاناة، وجعله من جملة رؤوس النوب، أنعم عليه بعد مدة بإمرة مائة تقدمة ألف بعد الأمير بيبرس ابن أخت السلطان، بحكم انتقال بيبرس إلى إقطاع غيره ودام عَلَى ذَلِكَ إلى أن خلع عليه بإمرة مجلس بعد والدي، بحكم انتقال والدي إلى إمرة سلاح عوضاً عن الأمير بكلمش بحكم توجه بكلمش إلى القدس بطالا.
واستمر أرغون شاه عَلَى ذَلِكَ إلى أن مات الملك الظاهر برقوق فِي شوال سنة إحدى وثمانمائة، ثم في سنة اثنتين وثمانمائة وقع من أمراء الأتابك أيتمش ما سنذكره في غيره موضع إن شاء الله تعالى، وخروجه عَلَى الناصر فرج وانضمام الأمراء عليه، فكان أرغون شاه هذا من جملة الأمراء الذين ساروا في حزب أيتمش، ثم انكسر أيتمش وتوجه بمن معه من الأمراء المذكورين إلى الأمير تنم نائب الشام، ثم واقعوا الملك الناصر فرج هم والأمير تنم بتل العجول خارج مدينة غزة وانهزما أيضاً ثانياً وقبض عَلَى تنم ثم عَلَى جميع الأمراء الذين خرجوا من مصر والذين جاءوا صحبة الأمير تنم من الشام، وحبسوا بقلعة دمشق، ثم قتلوا الجميع ماعدا والدي والأمير آقبغا الجمالي الأطروش، فكان أرغون شاه هذا ممن ذبحا بقلعة دمشق في شهر شعبان سنة اثنتين وثمانمائة رحمه الله.
وكان أميراً حشماً شجاعاً، مائلاً متعصباً لمن يلوذ به، يحب العلماء، ويعتقد الفقراء، وكان حسن القامة، رقيق البشرة لطيف الذات، أصهب اللحية خفيفها، وكان تركي الجنس، عنده نوع خفة وعجلة في أموره مع خلق حسن وتواضع، ومحبة للطرب، وكان يفهم باللغة العجمية قليلاً، وكان عمره حين قتل نيف عَلَى ثلاثين سنة، وهو جد المقام الناصري محمد، ولد المقام الشريف الملك الظاهر جقمق لأمه.
أرغون شاه من تمرباي الأشرفي
...... - 793 - ه - ...... - 1291م أرغون شاه بن عبد الله، الأمير سيف الدين.
أصله من عنقاء الأمير تمرباي الأفضلي الأشرفي، وترقى بعد موت أستاذه إلى أن صار من أعوان الأمير تمربغا الأفضلي الأشرفي، المدعو منطاش(1/149)
إلى أن عصى منطاش ورافق الأمير يلبغا الناصري وملكا مصر وخلعا الظاهر برقوق، ثم وقع بين منطاش والناصري ما سنحكيه في محله من الوقعة المشهورة، وانتصر منطاش وقبض عَلَى الناصري وحبسه بثغر الإسكندرية، وصار مدير مملكة السلطان الملك المنصور حاجي أنعم على أرغون شاه صاحب الترجمة بإمرة مائة وتقدمه ألف بالديار المصرية، فلم تطل أيام منطاش، وخرج الملك الظاهر برقوق من حبسه بالكرك وتسلطن ثانياً، وقبض عَلَى أعوان منطاش وأمرائه، فقبض عَلَى أرغون شاه هذا في الوقعة التي كانت بينه وبين منطاش بشقحب، فحمل إلى الديار المصرية مقيداً وقتل بها في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة.
أرغون شاه الناصري
...... - 731ه - ...... - 1331م أرغون شاه بن عبد الله الدوادار الناصري، الأمير سيف الدين.
أصله من مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون، اشتراه ورباه وأدبه وتبنا به، وأمره بملازمة الاشتغال، فاشتغل ودأب، وكتب الخط المنسوب، وسمع صحيح البخاري بقراءة الشيخ أثير الدين أبي حيان، وكتب بخطه صحيح البخاري، وبرع في الفقه وأصوله، وأذن له بالإفتاء والتدريس.
قال الشيخ صلاح الدين: قال لي الشيخ فتح الدين بن سيد الناس: كان يعرف مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه ودقائقه، ويقصر فهمه في الحساب إلى الغاية، انتهى.
قلت ورقاه أستاذه الملك الناصر إلى أن جعله دوادارا بعد الأمير بيبرس ثم ولاه نيابة السلطنة بديار مصر نحو ست عشرة سنة، ثم ولي نيابة حلب عوضاً عن الأمير الطنبغا الصالحي، فباشر النيابة أربع سنين، وهو الذي أمر بحفر نهر الساجور وإجرائه، وكان وصول النهر إلى حلب في سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة، وكان يوم وصوله يوماً مشهوداً.
وفي هذا المعنى يقول الرئيس شرف الدين أبو عبد الله الحسين بن ربان:
لما أتى نهر السناجور قلت له ... ماذا التأخر من حين إلى حين
فقال: أخرني ربي ليجعلني ... من بعض معروف سيف الدين أرغون
وقال الشيخ بدر الدين بن حبيب في المعنى:
قد أصبحت الشهباء تثنى ... عَلَى أرغون في صبح وديجور
من نهر الساجور أجرى بها ... للناس بحراً غير مسجور
ولم تطل أيامه بعد ذَلِكَ، ومات في ليلة السبت ثامن عشر شهر ربيع الأول وقيل ربيع الآخر سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة.
وكان تركياً فصيحاً، مليح الشكل، محباً لأهل العلم، معظماً لهم، ويجلهم، ويتقاضى حوائجهم، ويجتمع بهم، ويذاكرهم، وكان له مشاركة جيدة في عدة علوم، وذوق حسن، وله ميل إلى فعل الخير، وفيه بر للفقراء، وبالجملة فهو أنبل مماليك الملك الناصر محمد بن فلارون وأعظمهم، وكان يحكم بالشرع، وعمر تربة بحلب مشهورة به، ووقف عليها وقفاً جيداً، وتردد إلى مكة مرات: منها في سنة ست عشرة، وفي سنة عشرين، وفي سنة ست وعشرين وسبعمائة، وسمع بمكة أيضاً عَلَى الرضي الطبري، وابتني بمكة مدرسته للحنفية بدار العجلة ووقف عليها وقفاً هو الآن مضاف إلى قاضي القضاة الحنفية بالقاهرة، وجعل مدرسها يوسف بن الحسن الحنفي المكي. ودرس بها مدة سنين إلى أن استولى عليها الأشراف أولاد راجح بن أبي نمي، وهي إلى الآن بأيديهم، ولم يكن إذ ذاك بمكة من القضاة الأربع غير قاضي شافعي فقط، وولاية قضاة الحنفية بمكة من القضاة الأربع غير قاضي شافعي فقط، وولاية قضاة الحنفية بمكة كان بعد الثمانمائة، ثم ولى بعد ذَلِكَ بمدة قاضي مالكي، ثم حنبلي وهو الشريف عبد اللطيف سراج الدين المكي الفاسي. انتهى.
أرغون البشبغاوي
...... - 819ه - ...... - 1416م أرغون بن عبد الله البشبغاوي الظاهري، أمر آخور، الأمير سيف الدين.
هو من مماليك الملك الظاهر برقوق، وهو من خواصه وممن ترقى في دولة ابن أستاذه الملك الناصر فرج بن برقوق إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ثم ولى أمير آخورا كبيراً بعد الأمير كمشبغا الفيسي الظاهري، واستمر في وظيفته إلى أن اقتضت السلطنة إلى الملك المؤيد شيخ المحمودي عزله عن الأمير آخورية بالأمير قاني باي المحمدي المتولي بعد ذَلِكَ نيابة دمشق، وأخرجه إلى القدس بطلاً، فأقام بالقدس إلى أن مات في يوم الجمعة ثالث ذي القعدة سنة تسع عشرة وثمانمائة، رحمه الله.(1/150)
وكان أميراً ديناً خيراً، متواضعاً، مشكور السيرة، عفيفا عن المنكرات والفروج، يميل إلى خير ودين، كثير العبادة والتلاوة، قليل الكلام فيما لا يعنيه، لم يدخل مع الملك الناصر فرج فيما كان عليه، وهو من جملة الأمراء الذين أوصاهم والدي عَلَى أولاه وتركته، وهو خجداشه كلاهما من خواجا بشبغا، أخذهما الملك الظاهر برقوق من بشبغا المذكور قبل سلطته بمدة يسيرة، عفا الله عنهما.
ملك التتار
...... - 690ه - ...... - 1219م أرغون بن أبغا بن هولاكو بن جنكزخان بن طولو، سلطان الدشت وملك التتار.
جلس عَلَى تخت الملك بعد موت عمه تكدار المسمى أحمد في سنة ثلاث وثمانين وستمائة.
قال القاضي علاء الدين بن خطيب الناصرية: قال الشيخ عز الدين الأربلي حدثني الشيخ عماد الدين بن الحرام، يعني أبا محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرزاق البغدادي، أنه شاهد أرغون بن أبغا المذكور وقد صفت له ثلاثة أفراس فوقف عند أولها راجلا وطفر في الهواء فركب الثالث منها، ولم يتعلق بشيء منها، انتهى كلام ابن خطيب الناصرية باختصار.
وحكى عنه أيضاً أنهم كانوا يصفون له سبعة أروس خيل ويقول لهم أيهم تريدون أركب؟ فيعينون له واحدة، فيقفز من الأرض عَلَى ظهرها، ولو كانت آخر السبعة.
وقال ابن كثير: وكان أرغون شهماً شجاعاً، سفاكاً للدماء، قتل عمه سلطان أحمد بن هولاكو فعظم في أعين المغل، وجاء الخبر بموت أرغون المذكور إلى السلطان الملك الأشرف خليل بن قلاوون وهو محاصر عكا ففرح بذلك، انتهى كلام ابن كثير.
قلت: وكانت وفاته عَلَى شاطئ نهر أنكر من بلاد آران في شهر ربيع الأول سنة تسعين وستمائة بعد حكمه سبع سنين، مات حتف أنفه، وقيل إن وزيره سعد الدولة اغتاله بالسم.
وكان أرغون هذا يتدين بعبادة الأصنام والسحر، ويعظم طريقتهم خصوصاً الطائفة المنتسبة إلى براهنة الهند، وكان يجلس في السنة أربعين يوماً في خلوة يتحنث فيها ويتجنب أكل اللحوم، فورد عليه شخص من الهند وأوحى إليه أنه يتخذ معجوناً من داوم تناوله طالت حياته، فأكله فأوجب له انحرافاً وصرعاً، فمات منه في التاريخ المذكور، وكان ملكاً شجاعاً مقداماً مطاعاً، شديد السطوة جميل الصورة، جيد التدبير.
أرغون شاه السيفي تغري بردى
...... - 819ه - ...... - 1416م أرغون شاه بن عبد الله السيفي تغري بردى، الأمير سيف الدين، أتابك غزة.
هو من عنقاء والدي، اشتراه والدي ورباه وجعله شاد الشراب خاناته، وأنعم عليه الملك الناصر فرج لما ولى والدي نيابته الأخيرة بدمشق، بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، وهو عَلَى وظيفته بخدمة والدي، واستمر عَلَى ذَلِكَ مدة، وقدم القاهرة في الرسلية من قبل والدي إلى الملك الناصر فرج غير مرة، وحظي عند الناصر وعظم في الدولة الناصرية إلى أن توفي والدي وقتل الملك الناصر وآلت السلطنة إلى المؤيد شيخ قبض عليه وأراد قتله، واحتج بأنه اغتال والدي بالسم وقتله، فحلف عَلَى ذَلِكَ أيماناً عظيمة، فأطلقه وأنعم عليه بإمرة وأتابكية غزة، فتوجه إلى غزة وأقام بها خائفاً وجلا إلى أن توفي سنة تسع عشرة وثمانمائة.
أرغون الطشتمري
...... - 785ه - ...... - 1383م أرغون بن عبد الله الطشتمري، الأمير سيف الدين، دوادار الأمير طشتمر الدوادار.
كان عند مخدومه دوادارا، فلما أمسك مخدومه جعله الملك الظاهر برقوق من جملة أمراء الطبلخاناه، واستمر عَلَى ذَلِكَ إلى أن توفي بالقاهرة في سنة خمس وثمانين وسبعمائة، كان له معرفة بالأحكام والسياسة، رحمه الله.
أرغون الأشرفي.
...... - 778ه - ...... - 1376م أرغون شاه بن عبد الله الأشرفي، الأمير سيف الدين.
أحد مقدمي الألوف في الديار المصرية في دولة أستاذه الملك الأشرف شعبان ابن حسين، وكان خصيصاً عند أستاذه المذكور إلى أن حج الملك الأشرف شعبان في سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، ووقع له ما سنحكيه في ترجمته وعوده إلى القاهرة، عاد أرغون صاحب الترجمة معه مع من عاد من الأمراء إلى القاهرة، ثم اختفى الأشرف وانفرد عن أمرائه، واختفى أرغون شاه إلى أن قبض عليه، وقتل في سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، في أوائل ذي القعدة، بقية النصر خارج القاهرة،؟ رحمه الله تعالى.
أرغون شاه العزي الأفرم
...... - 778ه - ... ... - 1376م أرغون بن عبد الله العزي الأفرم، الأمير سيف الدين.(1/151)
أحد أمراء الطبلخاناه في دولة الملك الأشرف شعبان بن حسين، وهو أيضاً ممن توجه مع الأشرف إلى الحجاز، ثم عاد صحبته إلى القاهرة، وقتل في سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
أرغون شاه الناصري
...... - 750ه - ...... - 1349م أرغون شاه بن عبد الله الناصري، الأمير سيف الدين، أحد مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: كان رأس نوبة الجمدارية أيام أستاذه الناصر، وَكَانَ هو وأرغون العلائي شريكين فِي هَذِهِ الوظيفة لكن هَذَا هو المقدم وكان في أول أمره جلبه الكمال الخطائي إلى القان بوسعيد من بلاد الصين، هو وسبعة مماليك وثمانمائة ثوب وبرخطائي، من أملاك بو سعيد الموروثة له عن أبيه وجده، من جدهم جنكزخان من تلك البلاد، فنم عَلَى الخطائي لبوسعيد فصادره وأخذ منه مائة ألف دينار ثم إن بو سعيد كرهه لذلك فأعطاه لدمشق خجا بن جوبان، فكأن ذَلِكَ لم يهن عليه، فنم إلى بوسعيد أيضاً بأمر دمشق خجا مع الخاتون طقطاي، وجرى من أمرهما ما جرى من حز رأسها، ثم إن بوسعيد أرتجع أرغون شاه ثم بعثه إلى الملك الناصر هو والأمير ملكتمر السعيدي، فحظي الأمير أرغون شاه عند الناصر وأمّره وجعله رأس نوبة، وزوجه ببنت الأمير آقبغا عبد الواحد، ولم يزل بمصر إلى أن أخرج مع الفخري لحصار الكرك، ثم توجه مع العساكر الشامية إلى القاهرة.
وجرى منه في نيابة طشتمر ما أوجب ضربه وإخراجه إلى طرابلس، ثم شفع فيه، ولما تولى الملك الكامل حظي عنده وجعله استدارا، ثم تولى الملك المظفر فزادت حظوته عنده، فلما كان بعد ثلاثة أشهر خرج مع النائب الحاج أرقطاي من عند السلطان، فاخرج تشريف شرف فألبسه، فطلب الاجتماع بالسلطان فمنع، وخرج لنيابة صفد فول إليها عَلَى البريد في خمسة أروس في أوائل شوال سنة سبع وأربعين وسبعمائة، فدبرها جيداً، وأقام الحرمة والمهابة وأمن السبل، ولم يزل بها إلى أن طلب إلى مصر في العشر الأواخر من صفر من سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، ورسم له نيابة حلب عوضاً من الأمير بيدمر البدري إلى أن قال: وتوجه إلى حلب برخت وأبهة زائدة، وبسروج مفرقه مرصعة، وكبايش زركش، وغير ذَلِكَ من البرك المليح الطريف، والجميع باسمه ورنكه، فأقام بحلب إلى أن جرى للأمير يلبغا اليحياوي ما جرى، رسم له نيابة الشام عوضه، فحضر إليه الأمير شمس الدين آق سنقر أمير جندار، فدخل إلى دمشق بكرة الثلاثاء سابع عشر جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، وباشر نيابة دمشق بحرمة وافرة.
وقدم إليه يوماً وهو بسوق الخيل بدمشق نصراني من الزبداني رمى مسلماً بسهم فمات منه فأمر بقتله وتفصيل أعضائه، فقطعت يداه من كتفيه، ورجلاه من فخذيه، وجز رأسه، وحملت أعضاؤه عَلَى أعواد، فارتعب الناس لذلك، فقلت:
لله أرغون شاه ... كم للمهابة حصّل
وكم بسيف سُطاه ... من ذي ضلال تنصَّل
ومجمل الرعب خلّى ... بعض النصادي مفصَّل(1/152)
ثم قال: ولم ينل أحد من السعادة ما ناله وحصله في المدة القريبة من المماليك والخيول والجوهر والأمتعة والقماش، ولا تمكن أحد بعد الأمير تنكز تمكنه. وكان يكتب إلى مصر بكل ما يريده في حلب وطرابلس وحماه وصفد وسائر ممالك الشام، من نقل وإضافة وأمسك، فلا يرد في شيء يكتبه، ولا يخالف في جليله ولا حقيره، إلى أن زاد الأمر وأفرط هو في معارضة القضاة الأربع وعاكسهم، وثقلت وطأته عَلَى الناس، إلى أن حضر الأمير الجيبغا من طرابلس في ليلة أسفر صباحها عن يوم الخميس ثالث عشرين شهر ربيع الأول سنة خمسين وسبعمائة، واتفق في الليل هو والأمير فخر الدين أياز السلاح دار، وجاءا إليه إلى باب القصر الأبلق وهو به نائم في فراشه، فدقا الباب عَلَيْهِ في الآخر من الليل وأزعجاه، فكانا كلما خرج طواش أمسكاه، وسمع هو الغلبة فخرج وبيده سيف فلما رآهما سلم نفسه، فأخذاه عَلَى تلك الحالة التي خرج عليها، وتوجها به إلى دار فخر الدين وقيداه بقيد ثقيل إلى الغاية ونقلاه إلى زاوية المنيبع، ورسم عليه الأمير علاء الدين الطنبغا القاسمي، فأقام هناك يوم الخميس إلى العشاء الآخرة، ودخل مملوكه الذي يخدمه فوجده مذبوحاً والسكين في يده، فوقف عليه بالليل القاضي جمال الدين الحسباني والشهود، وكتب بذلك محضر شرعي، وجهز إلى مصر صحبة الأمير يلبلك أمير علم، ثم دفن بمقابر الصوفية.
وكان شخصاً مختصر اللحية، أسود الوجه، أحمر اللته، أبيض اللبه، ظريفاً، حسن العمة، شديد العزمة، عالي الهمة، ذهنه يتوقد، ونفسه تزاحم الفرقد يقترح في الملابس أشكالاً غريبة، ويعمل بيده منها صنائع عجيبة، إلا أنه جبار سفاك، طالب لثأره، دراك يده السيف ممتشقة، وغيظه يؤديه إلى العطب، وخلقه لا يشرب الماء من قليب دم، ولا يتنسم الهواء إلا بسم، ومع ذَلِكَ إذا ظهر له الحق رجع في الحال، وندم عَلَى ما فرط منه واستحال، لكنه يروح في ذَلِكَ الغضب أرواح، وتتنكد لخلقه من الناس أشباح، وكان بدمشق في زمن الطاعون فما طعن عادة الملوك، وإنما طعن بالسيف الذي يدر الدم وهو مسفوك، فنظمت فيه:
تعجبت من أرغون شاه وطيشه ال ... ذي كان منه لا يفيق ولا يعي
وما زال في سكر النيابة طافحاً ... إلى حين غاضت نفسه في المنيبع
انتهى كلام الصفدي باختصار.
قلت: كانت وفاته في شهر ربيع الأول سنة خمسين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
أرغون الكاملي الصغير
...... - 758ه - ...... - 1357م أرغون بن عبد الله الكاملي الصغير، الأمير سيف الدين، نائب حلب، ثم نائب الشام.(1/153)
أصله من مماليك الملك الصالح، إسماعيل، وكان يدعي في أيام الملك الصالح بأرغون الصغير، فلما مات الملك الصالح وتسلطن من بعده أخوه الملك الكامل شعبان حظي عنده وصار من خواصه، ونهى الكامل أن يدعي المذكور بأرغون الصغير وسمي أرغون الكاملي، ثم أمّره الملك الكامل وصار من أعيان الأمراء إلى أن مات الملك الكامل وتسلطن أخوه الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون، ولاه نيابة حلب في سنة خمسين وسبعمائة، فتوجه إلى حلب وباشر نيابتها إلى أن جاءه الأمير كجك الدوادار الناصري وأمره إن يخرج ويربط الطريق عَلَى أحمد الساقي نائب صفد، فبرز ظاهر حلب فأرجف بإمساكه فهرب منه الأمير شرف الدين موسى حاجب حلب وغيره من أمراء حلب، ثم أن جماعة من الأمراد الجند تلاحقوا بالحاجب واجتمعوا، وتواقعوا مع أرغون فانهزم أرغون إلى المعرة، ثم طلب إلى دمشق فدخلها طائعاً يوم الجمعة سابع عشر ذي الحجة سنة إحدى وخمسين وسبعمائة فِي عشرة مماليك، فجهز الأمير أيتمش نائب الشام الأمير قرابغا والأمير أيدمر السليماني الحاجب وعلى يدهما مطالعة إلى السلطان تتضمن الشفاعة في أرغون المذكور، ثم أشار أيتمش عَلَى الأمير أرغون المذكور بأن يتوجه إلى الأبواب الشريفة، فخرج من وقته وقصد الديار المصرية إلى أن وصل إلى رملة لد تلقاه الأمير طشبغا الدوادار، ومعه له أمان شريف مضمونه: لم نكتب في حقك لأحد، ولنا نية في آذاك، فإن شئت كن في نيابتك بحلب، وإن شئت نيابة غيرها، وإن شئت أن تكون بالقاهرة، فمهما شئت فعلنا لك، فدخل مع طشبغا المذكور إلى القاهرة، وأقبل عليه السلطان، وأعاده إلى حلب، فتوجه إليها، فلما قدمها أحضر زكريا البريدي وأراد توسيطه وأشهره، فنزل طشبغا الدوادار وشفع فيه، فأطلقه ثم أحضر ابن أزدمر النوري وقال له: قد رسم لي السلطان أن أسمرك وأقطع لسانك، ولكن ما أؤاخذك، وأطلعه إلى قلعة حلب.
واستمر الأمير أرغون بحلب إلى أن عزل الأمير أيتمش عن نيابة دمشق في أول سلطنة الملك الصالح صالح فرسم للأمير أرغون المذكور بنيابة الشام عوضه، وكان يوم دخوله إلى دمشق يوم الاثنين حادي عشر شهر شعبان سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، ودام في نيابة دمشق إلى أن خرج الأمير بيبغا أروس وأحمد الساقي نائب حماه وبكلمش نائب طرابلس عَلَى الملك الصالح، فولى أرغون هذا نيابة حلب عوضاً عن بيبغا أروس ثانياً في سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة، واستمر بها مدة، وعمر البيمارستان الذي داخل باب قنسرين وأحكم بناءه، ووقف عليه عدة أوقاف، وفيه يقول الأديب بدر الدين بن حبيب:
أراد سيف الله أرغون لها ... أسهم عزم للأعادي صائبة
أكرم به على الشام نائباً ... مؤيداً كشاف كل نائبة
وفيه يقول أيضاً لما بنى البيمارستان بحلب:
قولا لأرغون الذي معروفه ... بالعرف قد أحيا النفوس والأرج
أنزلك الرحمن خير منزل ... رحب ورقَّاك إلى أعلا الدرج
بنيت داراً للنجاة والشفا ... ليس بها عَلَى المريض من حرج
ثم عزل عن نيابة حلب في سنة خمس وخمسين وسبعمائة، وتوجه إلى القاهرة فاعتقل بها، وبالإسكندرية مدة، ثم أطلق ورسم بتوجهه إلى القدس بطالا، فأقام بها إلى أن توفي يوم الخميس سادس عشرين ذي الحجة سنة ثمان وخمسين وسبعمائة، ودفن بتربة عمرها هناك، وسنة نحو ثلاثين سنة.
وكان أميراً شجاعاً مقداماً، عارفاً، مليح الشكل إلى الغاية، غض الشباب، لطيف الذات، حسن الوجه، خليقاً للأمارة، ذا وقار وأدب، وصمت وحشمة، ومهابة وذكاء ومعرفة، منصفاً في أحكامه، مدحه غالب شعراء عصره بغرر القصائد، رحمه الله تعالى.
أرغون شاه الإراهيمي
... - 801ه - ... ... 1398م أرغون شاه بن عبد الله الإبراهيمي الظاهري، الأمير سيف الدين، نائب حلب.(1/154)
اشتراه الملك الظاهر برقوق من خواجا إبراهيم في سلطته الأولى، ورقاه وأنعم عليه بإمرة عشرة، ثم نقله إلى إمرة طبلخاناه، ثم إلى تقدمة ألف، فسلم تطل مدته، وولى نيابة صفد فخرج إليها وباشرها إلى أن نقل منها إلى نيابة طرابلس بعد عزل الأمير دمرداش المحمدي في ذي القعدة سنة ست وسبعمائة، ونقل دمرداش إلى أتابكة حلب باستمرار أرغون شاه هذا في نيابة طرابلس إلى أن نقل إلى نيابة حلب بعد عزل والدي وتوجهه إلى القاهرة أمير سلاح في أوائل سنة ثمانمائة، ودام أرغون شاه في نيابته بحلب، وشكرت سيرته إلى أن توفي بها في صفر سنة إحدى وثمانمائة، وولى حلب بعده الأمير آقبغا الجمالي الأطروش.
وكان أميراً عاقلاً، ديناً خيراً، مليح الشكل، وعنده حشمة ومروءة وكرم، عارفاً بفن الفروسية، شجاعاً، وفيه بر وصدقات، رحمه الله تعالى.
أرغون شاه النوروزي
...... - 840ه - ...... - 437م أرغون شاه بن عبد الله النوروزي، الوزير الاستادار الأعور.
أصله من مماليك الأمير نوروز الحافظي، اشتراه وأعتقه، وجعله استاداره، ودام بخدمة أستاذه إلى أن ولى نيابة دمشق، بعد وفاة والدي وقتل الملك الناصر فرج، في سنة خمس عشرة وثمانمائة من قبل السلطان المستعين بالله أمير المؤمنين العباس، فباشر أرغون شاه هذا استادارية أستاذه الأمير نوروز واستطال به وطال، ولا سيما لما تسلطن الملك المؤيد شيخ المحمودي بعد خلع المستعين بالله وخرج أستاذه الأمير نوروز عن طاعة المؤيد فعند ذَلِكَ أظهر أرغون شاه من الظلم والعسف بدمشق وأعمالها، واستولى عَلَى الأوقاف والأملاك، وأخذ ما لا يستحقه، واستمر عَلَى ذَلِكَ إلى أن أخذ أستاذه الأمير نوروز وقتل، عَلَى ما سنذكره في ترجمته، قبض عليه الملك المؤيد وصادره وعاد به إلى القاهرة، ثم أطلقه وولاه بعد مدة الوزارة عوضاً عن فخر الدين عبد الغني ابن أبي الفرج، وخلع عَلَى فخر الدين بالاستادارية عَلَى عادته، وأن يكون مشيراً وذلك في يوم الاثنين سادس شوال سنة عشرين وثمانمائة، فباشر الوزارة إلى شهر ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين، وقبض عليه وعلى الأمير آقبغا شيطان، وسلما إلى فخر الدين بن أبي الفرج فتتبع حواشيهما وصادرهما واستقر الأمير بدر الدين حسن بن محب الدين في الوزارة عوضه.
واستمر أرغون شاه في المصادرة إلى عاشر الشهر المذكور وأفرج عنه من غير عقوبة ثم نفى إلى دمشق بعد مدة، فدام بدمشق إلى أن استقدمه الملك الظاهر ططر صحبته إلى الديار المصرية، فدام بها إلى أن ولى الاستادارية من قبل الأمير برسباي الدقماقي مدبر مملكة الملك الصالح محمد بن الملك الظاهر ططر، عوضاً عن الأمير صلاح الدين محمد بن نصر الله، في يوم السبت حادي عشر ذي الحجة سنة أربع وعشرين وثمانمائة، فباشر الاستادارية إلى أن صرفه عنها الملك الأشرف برسباي بالأمير أيتمش الخضري في حادي عشرين شهر رمضان سنة خمس وعشرين وثمانمائة، فلم تطل أيام أيتمش وعزل، وأعيد أرغون شاه ثانياً إلى الإستادارية في خامس ذي القعدة من السنة المذكورة، فاستمر أرغون شاه إلى رابع ذي الحجة من السنة المذكورة خلع عليه باستقراره وزيرا مضافاً إلى الاستادارية وذلك بعد أن فر الوزير تاج الدين عبد الرزاق بن كاتب المناخات، فباشر الوظيفتين إلى ثامن عشرين شوال سنة ست وعشرين وثمانمائة، عزل عن الاستادارية بالأمير ناصر الدين محمد بن محمد بن موسى المرداوي المعروف بابن بُوالي، وقبض عَلَى أرغون شاه، واستقر عرضه في الوزارة الصاحب كريم الدين عبد الكريم بن الصاحب تاج الدين عبد الرزاق المتسحب قبل تاريخه لعجزه عن الوزارة.(1/155)
فاستمر أرغون شاه مقبوضاً عليه إلى تاسع عشرين شوال تسلمه ابن بوالي ليستخلص منه ستين ألف دينار، فنزل أرغون شاه مع أعوان والي القاهرة حَتَّى دخل إلى داره التي كان يسكنها في أيام عمله، وقد سكن بها ابن بوالي، فعندما دخل الدار بكى وكان في بلائه هذا أعظم عبرة، وذلك أن ابن بوالي هذا كان في ابتداء أمره من جملة الأجناد بخدمة الأمير أرغون شاه المذكور لما كان استاداراً لأستاذه الأمير نوروز بدمشق، ثم أنه كان في أمسه يأتي إلى باب داره التي سكنها الآن ويقعد عَلَى الباب حَتَّى يستأذن له، فيأذن له أرغون شاه فيدخل ابن بوالي ويقف على قدميه بخدمة الأمير أرغون شاه، وها هو اليوم يحكم فيه ويتولى عقوبته، بل وعاقبه بحضرة الملأ من العامة، فنعوذ بالله من زوال النعم.
ثم إن الحال انتهى عَلَى أن يقوم أرغون شاه بمبلغ عشرة آلاف دينار، ويمهل بمبلغ عشرين ألف دينار مدة، وأفرج عنه واستمر بالقاهرة بطالا إلى يوم الخميس رابع شهر رمضان سنة سبع وعشرين وثمانمائة، أخرج هو وابن بوالي إلى دمشق، وكان ابن بوالي قد عزل عن الاستادارية بالأمير صلاح الدين محمد بن نصر الله، فدام أرغون شاه مخمولاً بدمشق دهراً، ثم استقر في استادارية السلطان بِهَا إلى أن مات في حادي عشرين شهر رجب سنة أربعين وثمانمائة وكان شيخاً أعوراً، طوالا سميناً بطيناً، شكلا مهولاً، ظالماً عسوفاً، قليل الخير، كثير الشر، يخترع الظلم، سيئة من سيئات الدهر، فلله الحمد والمنة عَلَى موته وموت أمثاله من الظلمة.
أرقطاي نائب حلب
...... - 750ه - ...... - 1349م أرقطاي بن عبد الله، الأمير سيف الدين، نائب حلب.
هو ممن أنشأهم الملك الناصر محمد بن قلاوون ورقاه إلى أن ولاه نيابة صفد ثم نقله إلى نيابة طرابلس، ثم ولى نيابة حلب سنة ست وأربعين وسبعمائة عوضاً عن الأمير يلبغا اليحياوي الناصري، ثم عزل في السنة المذكورة ونقل إلى نيابة السلطنة بالديار المصرية، ثم ولى نيابة حلب ثانياً في سنة ثمان وأربعين عوضاً عن الأمير فخر الدين أياز الناصري، ثم تولى نيابة دمشق فتوفي قبل وصوله إليها بظاهر حلب في خامس جمادى الأولى سنة خمسين وسبعمائة، وهو من أبناء الثمانين.
وكان أميراً كبيراً جليلاً مسناً، من أعيان الدولة وأماثلها، حضر الوقائع والغزوات، وكان ذا رأي وتدبير.
وفيه يقول الأديب شمس الدين محمد الغزي:
قالوا أرقطاي مات قلت وهل ... في الموت بعد الحياة من عجب
ما مات من فرحة بنقلته ... بل مات من حزنه عَلَى حلب
أركماس الظاهري الدوادار
...... - 854ه - ...... - 1450م أركماس بن عبد الله الظاهري الدرادار، الأمير سيف الدين.
أحد المماليك الظاهرية برقوق، مات أستاذه وهو من جملة المماليك السلطانية ودام عَلَى ذَلِكَ دهراً إلى أن آلت السلطنة إلى الملك الظاهر ططر جعله نائب قلعة دمشق، فاستمر عَلَى ذَلِكَ مدة طويلة إلى أن استدعاه الملك الأشرف برسباي إلى الديار المصرية وأنعم عليه بتقدمة ألف بها، وولى مكانه في نيابة قلعة دمشق، صرغتمش السيفي تغري بردى المدعو يابو، أعني مملوك والدي، فدام أركماس المذكور عَلَى ذَلِكَ مدة طويلة إلى أن خلع عليه باستقراره رأس نوبة النوب بعد مسك الأمير تغري بردى المحمودي، وأنعم بإقطاعه عليه أيضاً، وأنعم بإقطاع أركماس هذا وهي تقدمة ألف عَلَى الأمير قطج من تمراز، وذلك في شهر جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وثمانمائة، فاستمر في وظيفته إلى أن نقله الملك الأشرف إلى الدوادارية الكبرى بعد نفي الأمير أزبك الدوادار إلى القدس بطالا، واستمر من بعده رأس نوبة النوب الأمير تمراز القرمشي الظاهري المعزول عن نيابة غزة قبل تاريخه بمدة يسيرة.(1/156)
ولما ولى أركماس الدواداريه عظم في الدولة وضخم وأثرى، ودامت أيامه، وهو في غالب أيامه ملازم للفراش لما كان يعتريه من ألم المفاصل، لا يباشر الوظيفة في السنة إلا أياماً يسيرة، وكان غير عارف، وليس له درية بهذه الوظيفة ولا بغيرها، فإنه كان لا يحسن الكلام باللغة التركية فكيف التركية، وكان في أحكامه أعجوبة، حضرته غير مرة فكان إذا دخل قاصد، أو محاكمة نظر إلى وجه دواداره سودون وإلى وجه رأس نوبته، ومُوَقَّعه، فمهما حكموا به أمضى لهم ذَلِكَ، وقال كقولهم، أو أشار بيده، وهو مع ذَلِكَ له حرمة وكلمة نافذة في الدولة، وسافر عدة تجاريد إلى البلاد الشامية، غالبها في محفة، حَتَّى لما سافر إلى آمد صحبة السلطان الملك الأشرف برسباي سنة ست وثلاثين وثمانمائة، كان أيضاً في غالب أيامه في المحفة.
وكان بخيلاً مسيكاً، كان يضعف المدة الطويلة وينقطع عن الخدمة السلطانية إلى شهر رمضان يتعافى ويلازم الخدمة ويبيت بالقلعة من أجل أنه يفطر عَلَى سماط السلطان، ويحيل مماليكه على عاداتهم من سماطه في السنة، إلا أنه كان عفيفاً عن المنكرات والفروج، وأيضاً عن البر والصدقات، وكان متوسط السيرة لا يميل لا لخير ولا لشر، قليل الكلام فيما لا يعنيه، وكان له مال جم، واستمر عَلَى ذَلِكَ إلى أن تجرد صحبة الأمراء المصريين إلى أرزنكان في سنة إحدى وأربعين ومرض السلطان وهم في تلك البلاد ومات في ذي الحجة من السنة وتسلطن ولده الملك العزيز يوسف، ووقع ما سنحكيه في غير موضع، إلى أن عادوا من التجريدة، وقد استفحل أمر الأتابك جقمق، وأخذ أمر العزيز في انحطاط، فقبلوا الأرض من الإسطبل السلطاني والملك العزيز واقف بالقصر الأبلق، وخلع عليهم، ونزلوا إلى دورهم، فلم يكن إلا بعد أيام قلائل وقد خلع العزيز وتسلطن الأتابك جقمق، فمن ثم أخذ أمر أركماس هذا إلى خلف، فخلع عليه الملك الظاهر جقمق باستقراره عَلَى وظيفته الدودارية، ونزل إلى داره، وكل أحد يعلم أنه سيعزل عن قريب، فدام مدة يسيرة وأشبع بالقاهرة بمسكة ولهج الناس بذلك، فبادر أركماس المذكور وطلب الإقالة واستعفى من الإمرة والوظيفة، وأراد التوجه إلى دمياط فرسم له بذلك، فتوجه إلى الثغر المذكور وأقام به سنين طويلة إلى أن طلب العود إلى القاهرة بطالا، فأجيب إلى ذَلِكَ وعاد إلى الديار المصرية، وقبل الأرض للسلطان الملك الظاهر جمقمق، فحصل له إكرام زائد، وخلع عليه كاملية بسمور، وقيد له فرس من مراكب السلطان ونزل ملازماً لداره إلى أن توفي يوم الجمعة ثامن عشرين شوال سنة أربع وخمسين وثمانمائة، وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمنين، وسنة نيف عَلَى السبعين، وكان قدومه ثغر دمياط بعد سنة خمسين وثمانمائة تخميناً، رحمه الله تعالى، وخلف ولداً ذكراً.
الجلباني نائب طرابلس
...... - 837ه - ...... - 1434م أركماس بن عبد الله الجلباني، نائب طرابلس الأمير سيف الدين.
أصله من مماليك الأمير جلبان قرأ سقل نائب حلب، وجلبان المذكور من جملة مماليك الملك الظاهر برقوق.(1/157)
قلت: وأركماس هذا ممن أنشأهم الملك المؤيد شيخ المحموي ورقاه إلى أن جعله أمير مقدم ألف بالديار المصرية، ثم نقله إلى نيابة غزة عوضاً عن الأمير إينال النوروزي بحكم انتقال إينال إلى نيابة حماه عوضاً عن الأمير شاهين الزردكاش المتنقل إلى نيابة طرابلس، فدام المذكور في نيابة غزة إلى أن نقله الأتابك ططر مدير مملكة الملك المظفر أحمد بن الملك المؤيد شيخ إلى نيابة طرابلس بعد عزل شاهين الزردكاش، وتولى من بعده غزة، الأمير يونس الركني الخازندار أتابك دمشق ثانياً وذلك في سنة أربع وعشرين وثمانمائة، فأقام أركماس الجلباني في نيابة طرابلس مدة يسيرة، وطلب إلى الأبواب الشريفة بعد موت الظاهر ططر فامتنع وخرج عن الطاعة، وتوجه إلى جهة حلب، فلم ينتج أمره، وأمسك وحبس بقلعة حلب إلى أن أفرج عنه في سنة خمس وعشرين وتوجه إلى الحجاز بطالا، وأقام بالمدينة الشريفة نحو عام، ثم عاد إلى القدس فأقام به نيفاً عَلَى عشر سنين، ثم ولى نظر الحرمين بالقدس والخليل عليه السلام، ثم بعد سنة ست وثلاثين ولى نيابة القدس مضافاً للنظر، وعزل وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمه ألف بدمشق، فباشر إمرته بدمشق أياماً، وخرج إلى بعض النواحي الجارية في إقطاعه فمرض ومات بالرملة فحمل إلى القدس ودفن به وذلك في سنة سبع وثلاثين، أو التي بعدها تخميناً، وثمانمائة، رحمه الله.
وكان من الأوحاش، بخيلاً مسيكاً، شرس الأخلاق، لم يشهر بدين ولا علم عفا الله عنه.
النوروزي الجاموس
...... - 845ه - ... ... - 1441م أركماس بن عبد الله النوروزي، أمير شكار.
أصله من مماليك الأمير نوروز الحافظي، وتأمر في دولة الأشرف برسباي عشرة، وصار أمير شكارا، ثم ولى الكشف بالوجه القبلي غير مرة إلى أن قتل بالصعيد الأعلى في محاربة الزنج في سنة خمس وأربعين وثمانمائة تقريباً، رحمه الله تعالى.
أركماس المؤيدي الأشقر
...... - 853ه - ...... - 1449م أركماس بن عبد الله المؤيدي - أحد أمراء العشرات ورأس نوبة في الدولة الظاهرية جقمق، المعروف بأركماس الأشقر.
كان من التغفل عَلَى جانب عظيم. توفي سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، ونعم بإقطاعه عَلَى أسندمر الجقمقي. رحمه الله تعالى.
اليشبكي الجاموس
...... - 844ه - ... ... - 1440م أركماس بن عبد الله اليشبكي.
نسبة إلى معتقه الأتابك يشبك الشعباني، ترقى في الدولة إلى أن صار في الدولة الظاهرية جقمق أمير عشرة، ونعم الرجل هو.
أرنبغا الناصري
...... - 743ه - ...... - 1342م أرنبغا بن عبد الله الناصري، الأمير سيف الدين.
أحد المماليك الناصرية محمد بن قلاوون، ترقى في الخدم إلى أن ولى أمير جاندار بعد فرار الأمير ركن الدين بيبرس الأحمدي، وصار من جملة أمراء الألوف، ودام عَلَى ذَلِكَ إلى أن نقل إلى نيابة طرابلس في دولة الملك الصالح إسماعيل بن محمد ابن قلاوون، وكانت ولايته لطرابلس أيضاً عوضاً عن بيبرس الأحمدي، فأقام بها نحو أربعة أشهر، وتوفي في جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، وولى بعده نيابة طرابلس الأمير طرغاي الجاشنكير. انتهى.
أرنبغا الظاهري
...... - 801ه - ...... - 1399م أرنبغا بن عبد الله الحافظي الظاهري.
أحد مماليك الظاهرية برقوق، وأحد العشرينات في دولة أستاذه برقوق إلى أن توفي يوم الأحد خامس عشر ذي القعدة سنة إحدى وثمانمائة.
وأنعم بإمرته عَلَى الأمير شاهين من أصلم الأفرم الظاهري، وكان في جملة العشرات فأنعم بإقطاع شاهين الأفرم المذكور عَلَى الأمير أزبك الأشقر الظاهري.
الناصري رأس نوبة
...... - 857ه - ...... - 1453م أرنبغا بن عبد الله اليونسي الناصري، الأمير سيف الدين.
أحد المماليك الناصرية فرج، وتنقلت به الخدم إلى أن صار في الدولة الأشرفية برسباي أمير عشرة ورأس نوبة، ودام عَلَى ذَلِكَ دهراً، وجاور بمكة مقدماً عَلَى المماليك السلطانية سنين، إلى أن أنعم الله عليه الملك الظاهر جقمق في سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة بزيادة عَلَى إقطاعه القديم وجعله في جملة الطبلخاناه.
وأرنبغا المذكور لم يكن من أعيان أهل الدولة، ولا ممن له جاه وحرمة، وإنما هو ممن قد رضى بالناب والنصاب، ولزم الأحباب، في ضيق عيش مع ثروة ومال جم، لا يرتجي لدينا ولا لدين.(1/158)
وأرنبغا بألف مضمومة وراء مهملة مضمومة أيضاً ونون ساكنة وباء موحدة مضمومة وغين معجمة بعدها ألف.
ثم نقله الملك الأشرف إينال بعد سلطته إلى إمرة مائة وتقدمه ألف عوضاً عن الأمير قاني باي الجاركسي، فمرض من يومه ولزم الفراش حَتَّى توفي ليلة الجمعة تاسع عشر شهر ربيع الأول سنة سبع وخمسين وثمانمائة، عن نيف وستين سنة، رحمه الله تعالى.
باب الألف والزاي
أزبك الدوادار
...... - 833ه - ...... - 1429م أزبك بن عبد الله الظاهري الدوادار، الأمير سيف الدين.
أحد المماليك الظاهرية برقوق، وأحد المماليك السلطانية في الدولة الناصرية فرج، ثم توجه إلى البلاد الشامية في أيام تلك الفتن، ووافق الأمير نوروز الحافظي وشيخ المحمودي، ودام في صحبتهما إلى أن قتل الملك الناصر فرج، وصار الأمير نوروز الحافظي نائب دمشق بعد وفاة والدي، وحكم البلاد الشامية بأسرها، أنعم عَلَى أزبك هذا بإمرة مائة وتقدمه ألف بدمشق بسفارة إنيه الأمير برسبغا الدوادار أحد مقدمي الألوف بدمشق، ودام أزبك عَلَى ذَلِكَ إلى أن تسلطن الملك المؤيد شيخ وخرج الأمير نوروز الحافظي عن طاعته، ووافقه أزبك هذا عَلَى العصيان فيمن وافقه من الأمراء، ووقع ما سنحكيه مفصلاً في ترجمة نوروز إن شاء الله تعالى والقبض عليه، ولما ظفر المؤيد بنوروز وأعوانه وحواشيه قبض عَلَى أزبك هذا وعلى إنيه برسبغا الدوادار وحبسهما مدة سنين بحبس المرقب، وقتل برسبغا بمحبسه، وبقى أزبك بعده مدة إلى أن أفرج عنه الملك المؤيد في سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة، وأنعم عليه بإمرة خمسة بدمشق، واستمر بدمشق إلى أن تسلطن الملك الظاهر ططر قربه وأدناه وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمه ألف بالديار المصرية، ثم صار بعد موت ططر في أيام الملك الصالح محمد بن ططر رأس نوبة النوب بعد الأمير قصروه من تمراز، بحكم انتقال قصروه إلى الأمير آخورية بعد مسك الأمير يشبك الحكمي وحبسه بثغر الإسكندرية مع الأتابك جاني بك الصوفي، واستمر أزبك رأس نوبة النوب إلى أن أخلع عليه باستقراره في الدوادارية الكبرى بعد انتقال الأمير سودون من عبد الرحمن إلى نيابة دمشق بحكم عصيان الأمير تنبك البجاسي، وذلك في المحرم سنة سبع وعشرين وثمانمائة، فباشر المذكور الدوادارية بحرمة، وسار في الوظيفة عَلَى أجمل طريقة، هذا ومعه مثل الأمير جاني بك الأشرفي الدوادار الثاني عظيم الدولة الأشرفية، ومعظم الناس لا يتردد إلا إلى جانبك المذكور، وهو مع ذَلِكَ صاحب حرمة وناموس، وكلمته نافذة في الدولة، واستمر عَلَى ذَلِكَ إلى ليلة الخميس سادس ذي الحجة الحرام سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة قبض عليه ونفى إلى القدس بطالا، وتوجه به الأمير قراقجا الحسني، أحد أمراء العشراوات ورأس نوبة، فتوجه إلى القدس وأقام به بطالا إلى أن مات في يوم الثلاثاء سادس عشر شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة.
وكان أميراً جليلاً، مهاباً وقوراً، ديناً خيراً، عفيفاً عن المنكرات والفروج، ذا معروف وبر، ورأى وتدبير، مع عقل تام، ومعرفة جيدة، وسكون وصمت وعنده مروءة وهمة عالية، وتعصب لمن يلوذ به ويقصده في حوائجه، وكان بإحدى كريمتيه خلل أصيب فيها في وقعة الأمير نوروز الحافظي. رحمه الله تعالى.
أزبك الحموي
...... - 737ه - ...... - 1337م أزبك بن عبد الله الحموي، الأمير سيف الدين.
أحد أكابر أمراء الملك الناصر محمد بن قلاوون، تنقل في عدة أعمال إلى أن توجه لغزوة سيس، فمات بتلك البلاد في يوم الأربعاء خامس عشرين ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، قريباً من مدينة إياس، فحمل إلى أن دفن بتربته بحماه، وقد بلغ مائة سنة.
وكان أميراً جليلاً ديناً، رئيساً شجاعاً مقداماً، ذا معروف وبر، بنى بالمعرة خاناً للسبيل، وله بحماه آثار جميلة، رحمه الله تعالى.
أزبك خاص خرجي
...... - 807ه - ...... - 1404م أزبك بن عبد الله الظاهري، الأمير سيف الدين.(1/159)
أحد المماليك الظاهرية برقوق، كان يعرف بأزبك خاص خرجي، وكان خصيصاً عند أستاذه الملك الظاهر برقوق، وترقى في دولة ابنه الملك الناصر فرج إلى أن صار من جملة الأمراء مقدمي الألوف بالديار المصرية، وكان كثير الشر والفتن، وقع له أمور ومحن آلت إلى حبسه وقتله في سنة سبع وثمانمائة، أو في حدودها تقريباً، وكان مشهوراً بالشجاعة وحسن الصورة، رحمه الله تعالى.
أزبك الحلبي العزي
...... - 679ه - ...... - 1280م أزبك بن عبد الله الحلبي العزي، الأمير سيف الدين.
كان من أعيان أمراء دمشق وأكابرها، وهو منسوب إلى الأمير عز الدين الحلبي الكبير، وأقام المذكور أميراً بدمشق مدة طويلة، ثم تجرد إلى بعلبك فمرض بها وحمل في محفة إلى دمشق فأقام بها أياماً، ومات في سنة تسع وسبعين وستمائة، ودفن بسفح قاسيون، رحمه الله تعالى.
أزبك الرمضاني
...... - 806ه - ...... - 1403م أزبك بن عبد الله الرمضاني الظاهري، الأمير سيف الدين.
أحد المماليك الظاهرية برقوق، وأحد أمراء الطبلخاناه في الدولة الناصرية فرج إلى أن توفي ليلة الثلاثاء رابع عشر ربيع الأول سنة ست وثمانمائة، رحمه الله تعالى.
أزبك خان
...... - 742ه - ...... - 1341م أزبك بن طقطاي، وقيل ابن طُغْرلجا بن متكوتمر بن طُغَان بن باتو بن دوشي بن جنكزخان، القان صاحب الدشت وبلاد المشرق.
أسلم لما ملك، وحسن إسلامه، وحرض رعيته عَلَى الإسلام فأسلم بعضهم ولم يلهس السراقوجات، وصار يلبس حياصة من فولاذ ويقول: لبس الذهب حرام عَلَى الرجال، وكان يميل إلى دين وخير، ويتردد إلى الفقراء ويميل إليهم، وكان عنده عدل في رعيته.
وخطب السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ابنته، وقيل أخته، وأرسلها فحضرت إلى ديار مصر بعد أن خرج أعيان الدولة إلى ملتقاه، ونزلت بالميدان تحت القالعة، وعملت لها الأسمطة ثلاثة أيام، ثم طلعت إلى القالعة، فتوهم السلطان فيها أنها ليست من بنات أزبك خان، فأخرجها وزوجها بالأمير منكلي بغا السلاح دار فتوفي عنها، فزوجها بالأمير صوصون أخي قوصون فمات عنها أيضاً، فزوجها للأمير عمر بن الأمير أرغون النائب.
وكان القان أزبك خان صاحب الترجمة شجاعاً كريماً، مليح الصورة، ذاهيبة وحرمة، ومملكته متسعة، وهي من بحر قسطنطينية إلى نهر إرتش مسيرة ثمانمائة فرسخ، وعرضها من باب الأبواب إلى مدينة بلغار نحو ستمائة فرسخ، لكن أكثر ذَلِكَ قرى ومراعي، ودام أزبك خان في مملكته إلى أن توفي سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة بعد أن ملك نحوا من ثلاثين سنة، لأنه جلس عَلَى تخت الملك في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة رحمه الله تعالى.
أزبك حُجا
...... - 850ه - ...... - 1446م أزبك بن عبد الله السيفي قاني باي، الأمير سيف الدين.
أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، المعروف بجحا، بتقديم الجيم وضمها، أصله من مماليك نوروز الحافظي، وبقى عنده كتابياً، فأخذه بعد موته الأمير قاني باي المحمدي نائب دمشق وأعتقه، ثم اتصل بعد موت قاني باي بخدمة السلطان الملك المؤيد شيخ، وصار في دولته خاصكياً، ثم صار رأس نوبة الجمدارية في الدولة الأشرفية برسباي، ثم أمره الأشرف عشرة وجعله من جملة رؤس النوب، ودام عَلَى ذَلِكَ إلى أن توفي الملك الأشرف، سافر أزبك المذكور إلى البلاد الشامية بسلطنة الملك العزيز يوسف، وكان سفره بسفارة الأتابك جقمق، وإلا كان تعين غيره للسفر من المماليك الأشرفية، فلما أن عاد أزبك إلى القاهرة كان كافأ الملك الظاهر جقمق عَلَى ما فعله معه من الخير بأنه لما أن عصى الأتابك قرقماس الشعباني وافقه أزبك المذكور، وقاتل الملك الظاهر جقمق وانهزم قرقماس واختفى، ثم ظفر به، فعندما ظفر بقرقماس المذكور وقبض عَلَى أزبك هذا أيضاً، وحبسه بثغر الإسكندرية ثم نقله إلى حبس صفد، فاستمر محبوساً إلى أن توفي في حدود الخمسين وثمانمائة تقريباً بالقلعة بصفد، وهو في الكهولية.
وكان عنده مروءة وكرم مع خفة روح ومجون ودعابة، ولهذا سمي يجمعا مع إسراف عَلَى نفسه، سامحه الله تعالى وعفا عنه.
أزبك الساقي
...... - 904ه - ...... - 1499م أزبك بن عبد الله من ططخ الأشرفي الظاهري، الأمير سيف الدين.(1/160)
رأس نوبة وصهر السلطان الملك الظاهر جقمق، جلبه الخواجا طُطُخ من بلاد الجركس إلى الديار المصرية، فاشتراه الملك الأشرف في عدة من المماليك الجلبات في سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، ومات الأشرف في السنة المذكورة فملكه الملك العزيز يوسف بن الملك الأشرف برسباي إلى أن خلع من السلطنة بالملك الظاهر جقمق، إشتراه الملك الظاهر المذكور في جملة من المماليك وأعتقه ورقاه إلى أن جعله ساقياً، ثم أنعم عليه بإمرة عشرة عوضاً عن الأمير تمراز البكتمري المؤيدي المصارع بحكم انتقاله إلى نيابة القدس، ثم خلع عليه وجعله من جملة رؤوس النوب، ثم زوجه أستاذه الملك الظاهر جقمق بابنته من مطلقته خوند مغل بنت القاضي ناصر الدين محمد بن البارزي، وعمل له مهماً هائلاً بالقاهرة، وبنى بها في سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة.
أزدمر العلائي
...... - 696ه - ...... - 1297م أردمز بن عبد الله العلائي، الأمير عز الدين أخو الأمير علاء الدين طيبرس.
كان من جملة أمراء دمشق، وكان شجاعاً مقداماً مهاباً، شرس الأخلاق، قليل الفهم توفي سنة ست وتسعين وستمائة، ودفن بتربته إلى جانب داره عند مئذنة قيروز داخل دمشق، رحمه الله تعالى.
الحاج أزدمر الجمدار
...... - 680ه - ...... - 1281م أزدمر بن عبد الله الجمدار، الأمير عز الدين.
كان يعرف بالحاج أزدمر، كان أيضاً من أعيان أمراء دمشق وأماثلهم، إلى أن تولى الأمير سنقر الأشقر نيابة دمشق لازمه المذكور واختص به حَتَّى كان لا يصدر أمراً إلا برأيه إلى أن خرج سنقر عن الطاعة وتسلطن، حسبما نذكره في ترجمته، وافقه أزدمر هذا إلى أن انكسر سنقر وانهزم، انهزم أزدمر هذا إلى جهة الجبل، ثم اتصل بسنقر الأشقر وطلع إلى قلعة شيزر وشهد بها مصاف التتار بحمص، وقاتل بها قتالاً عظيماً إلى أن قتل مقبلاً غير مدبر في شهر رجب.
سنة ثمانين وستمائة، ودفن بحمص في جوار خالد بن الوليد رضي الله عنه.
وكان رحمه الله أميراً جليلاً، شجاعاً مقداماً، وعنده مروءة، ويتفقد أصحابه ومعارفه، هذا مع الفضيلة التامة والعقل العزيز، رحمه الله تعالى.
أزدمر أخو إينال اليوسفي
...... - 803ه - ...... - 1401م أزدمر بن عبد الله الظاهري، الأمير عز الدين.
أحد مقدمي الألوف بديار مصر، المعروف بأخي إينال اليوسفي.
قدم أزدمر هذا من بلاد الجاركس هو وولده الأمير يشبك بن أزدمر بطلب من الملك الظاهر برقوق، فلم يقم بالقاهرة إلا أياماً قليلة، وأنعم عليه الملك بإمرة عشرة، ثم رقاه إلى أن جعله أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، وجعل ابنه يشبك خاصكياً، واستمر عَلَى ذَلِكَ إلى أن ركب الأمير علي باي عَلَى الملك الظاهر برقوق اتهم أزدمر هذا بالميل إلى علي باي فأخرج إلى دمشق منفياً، ثم بعد وقعة تنم نائب الشام أنعم عليه الملك الناصر فرج بتقدمة ألف بدمشق، فدام بها إلى أن ورد تيمورلنك إلى أطراف البلاد الحلبية، فخرج أزدمر هذا وولده يشبك صحبة نائب دمشق الأمير سودون قرب الملك الظاهر برقوق وجماعة النواب بالبلاد الشامية، والسلطان إذ ذاك مقيم بالقاهرة، ووصل الجميع إلى حلب، وخرج الجميع لقتال تيمور فكان الأمير سودون عَلَى الميمنة والأمير دمرداش المحمدي، نائب حلب، عَلَى الميسرة والأمير شيخ المحمودي نائب طرابلس والأمير دقماق نائب حماه والأمير أزدمر هذا وولده في القلب، فلما التقى الفريقان برز الأمير عز الدين هذا وولده في عدة من الفرسان وابتلوا بلاءً عظيماً، وظهر من أزدمر هذا وولده من الإقدام والفروسية ما تعجب منه كل أحد، وقاتلا قتالاً شديداً حَتَّى قتل أزدمر، وفقد خبره إلى يومنا هذا، وأتخن ولده يشبك جراحات وصار في رأسه فقط زيادة عَلَى ثلاثين ضربة بالسيف سوى ما في بدنه، فسقط بين القتلى فحمل وجيء به إلى بين يدي تيمور فأمر بمداواته حَتَّى عوفي، هذا عَلَى ما قيل، وأما أزدمر وجراحات يشبك فصحيح بلا مدافعة، وقد حكى لي هذه الوقعة غير واحد ممن شاهدها.
وكان قتل أزدمر صاحب الترجمة في سنة ثلاث وثمانمائة بظاهر حلب حسب ما ذكرناه، رحمه الله تعالى، وهو والد صاحبنا سيدي فرج رحمه الله، وأم سيدي فرج المذكور بنت الملك الأشرف شعبان بن حسين، رحمه الله تعالى.
أزدمر الناصري
...... - بعد 824ه - ...... - 1421م(1/161)
أزدمر بن عبد الله الناصري ثم الظاهري، الأمير سيف الدين.
أحد أمراء الألوف بالديار المصرية، أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق ونسبته بالناصري إلى جالبه خواجا ناصر الدين، مات أستاذه الملك الظاهر وهو من جملة المماليك السلطانية، وتنقل في الدول حَتَّى صار في الدولة المؤيدية شيخ أمير مائة ومقدم ألف بديار مصر، واستمر عَلَى ذَلِكَ إلى أن تجرد صحبة الأمراء إلى البلاد الشامية، ومات الملك المؤيد وهم بتلك البلاد ثم سافر الأتابك ططر إلى بلاد الشام، ووقع له أمور وحوادث، وقبض عَلَى الأمير الكبير الطنبغا القرمشي وعلى جماعة أخر ممن كانوا صحبته، قبض عَلَى أزدمر هذا أيضاً معهم، وكان ذَلِكَ آخر العهد به، وذلك سنة أربع وعشرين وثمانمائة.
وكان أميراً جليلاً، ذا لحية بيضاء نيرة، رأسا في لعب الرمح وغيره من أنواع الفروسية، وعنده سلامة باطن، وله وجاهة في الدول، رحمه الله تعالى.
أزدمر شيا
...... - 831ه - ...... - 1428م أزدمر بن عبد الله من علي جان الظاهري، الأمير عز الدين.
أحد مقدمي الألوف بديار مصر، ثم نائب كلطية، ثم من جملة أمراء حلب المعروف بأزدمر شيا، والعامة تقول أزدمر شايا، هو من صغار المماليك الظاهرية برقوق، وممن صار ساقياً في الدولة لبتلضرية فرج، ثُمَّ تنقل حَتَّى صتر من جملة أمراء الطبلخاناه ورأس نوبة فِي الدولة المؤيدية شيخ، ثم نقله المؤيد إلى أتابكية حلب، فدام بحلب إلى أن عاد إلى الديار المصرية بعد موت المؤيد صحبة الملك الظاهر ططر، وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه، ثم صار من جملة أمراء الألوف في أوائل سلطنة الملك الأشرف برسباي، ودام عَلَى ذَلِكَ سنين إلى أن أخرج لنيابة ملطية في سنين الثلاثين وثمانمائة، فباشر النيابة مدة يسيرة فلم تحمد سيرته وعزل، وصار حاجباً بحلب إلى أن توفي بحلب في سادس شهر ربيع الآخر سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة.
وكان من مساوئ الدنيا شكلاً ومعنى، ذميماً سيئ الخلق بخيلاً شحيحاً، قصيراً، له شعرات في مقدم لحيته، أصفراً نحيفاً، وكان يتجمل بالملبس، فيلبس أحسن الملبوس، ويتختم بالخواتم المثمنة، كل ذَلِكَ لينبل في أعين الناس فلا يتم له ذَلِكَ، ولعمري هو أحمق بقول القائل:
مساوئ لو قسمن عَلَى ال ... أغواني لما أمهرن إلا بطلاق
وخلف من بعده ولدا، نسأل الله حسن العافية في الذرية.
باب الألف والسين المهملة
صفي الدين الشقراوي
605 - 678ه - 1206 - 1279م إسحاق بن إبراهيم بن يحيى، الشيخ صفي الدين الشقراوي الحنبلي الفقيه المحدث.
ولد يشقرا من ضواحي دمشق سنة خمس وستمائة، وتوفي بدمشق سنة ثمان وسبعين وستمائة، وكان إماماً عالماً دمت الأخلاق، عنده كرم وسعه نفس، سمع الكثير وحدث، وكان ثقة صحيح السماع، وعنده خبر وبر.
الشيخ أبو إبراهيم الغرناطي الطوسي
...... - 655ه - ...... - 1257م إسحاق بن إبراهيم بن عامر، الشيخ أبو إبراهيم الغرناطي الطَّوسي، بفتح الطاء المهملة.
كان أديباً فقيهاً شاعراً، وكان يتلو في كل يوم ختمة، قرأ بمراكش وتأدب، وأخذ القراءات عن ابن هاشم الجذامي، وسمع الكثير وروى وحدث، وهو آخر من حدث عن ابن خليل، توفي سنة خمس وخمسين وستمائة، رحمه الله تعالى.
المحدث نجم الدين أبو محمد السنجاري
671 - 720ه - 1272 - 1320م إسحاق بن أبي بكر بن إلمي بن أطز بن عبد الله، المحدث نجم الدين أبو محمد السنجاري.
ولد سنة إحدى وسبعين وستمائة، وسمع بالقاهرة من أحمد بن إسحاق الأبرقوهي، وأبي بكر محمد بن عبد العظيم بن السفطي، وأبي المحاسن يوسف بن داود بن عيسى بن أبي بكر بن أيوب، وسمع بالإسكندرية من أبي الحسن علي بن أحمد العراقي، وسمع بحلب من سنقر الزيني، وبيبرس العديمي، وإبراهيم وعبد الرحمن وإسماعيل فتى العجمي، وسمع بدمشق من أبي جعفر بن الموازيني، وأبي بكر بن عبد الدايم، وإسماعيل بن عساكر وإبراهيم بن أبي الحسن بن صدقة المحزمي، وعلي بن جعفر بن علي الحلبي وأم عبد الله فاطمة بنت سليمان بن عبد الكريم الأنصاري، ووزيرة بنت منجا، وسمع ببغداد من عبد الله ابن أبي السعادات اليانصري، ومن ابن الطبال، وحدث: سمع منه الحافظ أبو عبد الله الذهبي، وغيره، واعتنى بطلب الحديث وكتب الطباقي، وقرأ بنفسه وأقام ببغداد مدة، وخصل.(1/162)
وذكره الحافظ الذهبي في معجمه قال: كان أديباً فاضلاً وله شعر حسن، مدح غير واحد من الكبار، ودخل الشرق سنة خمس وسبعمائة فأضرته البلاد، وقال غيره: أنه مات بعد العشرين وسبعمائة.
ومن شعره:
سكرى بحبك ما عليه مزيد ... وهواك عندي ثابت ويزيد
تلفت عليك حشاشتي أسفا ولم ... أر في الهوى أسفا عليك يفيد
كمال الدين أبو الفضل الأسدي
630 - 710ه - 1233 - 1310م إسحاق بن أبي بكر بن إبراهيم بن هبة الله بن طارق، المسند المكثر الفقيه العالم كمال الدين أبو الفضل الأسدي الحلبي الحنفب النحاس. ولد فِي حدود سنة ثلاثين وستمائة، وتفقه وفضل، وشارك فِي عدة فنون، وسمع الكثير من الموفق يعيش، والعز بن رواحة، والمؤتمن بن قميرة، وابن خليل، وابن أخيه شمس الدين الخضري قاضي الباب، وأبي الفتح البارودي، وهدية بنت خميس، ومحمد بن أبي القاسم القزويني، والكمال بن طلحة، والنظام محمد بن محمد البلخي، وعدة، وخرج لَهُ عنهم جزءاً، المحدث أمين الدين الواني وعنده عن ابن خليل نحو من ستمائة جزء ونسخ بخطه الأجزاء، وروى الكثير مع تعاسر كان فيه عَلَى الطلبة، وكان له حانوت ثم بطل، أكثر عنه المرسي والبرازالي والسبكي والمحب والواني والذهبي، ومدحه بأبيات، توفي سنة عشر وسبعمائة.
كمال الدين المعري الشافعي
...... - 650ه - ...... - 1252م إسحاق بن أحمد، الشيخ المفتي الفقيه، كمال الدين المعري الشافعي.
أحد الفقهاء المشهورين بالعلم والعمل، مات سنة خمسين وستمائة، رحمه الله تعالى.
كرز الدين الديلمي البويهي
609 - 689ه - 1212 - 1290م إسحاق بن جبريل، الحكيم المنجم كرز الديلمي البويهي.
ولد سنة تسع وستمائة.
قال ابن الفوطي: عارف بالمواليد وعملها، والتقاويم، دائم الاشتغال بهذا الفن، أكثر مواليد أهل بغداد بخطه، وله كتاب في التواريخ السماويات والأرضيات، توفي سنة تسع وثمانين وستمائة، رحمه الله.
الشيخ عفيف الدين الحموي
...... - 672ه - ...... - 1273م إسحاق بن خليل بن عازي، الشيخ عفيف الدين الحموي.
كان فاضلاً في الفقه والقراءات والنحو، والأدب، ودرس بحماه وخطب بقلعتها، وكان له حلقة اشتغال إلى أن توفى سنة اثنتين وسبعين وستمائة.
ومن شعره
لولا مواعيد آمالٍ أعيش بها ... لمستُّ يا أهل الحيّ من زمنٍ
وإنَّما طرْف آمالي به مَرَحٌ ... يجري بوعدِ الأماني مُلق الرَّسن
ملك الحبشة إسحاق الحطي
...... - 833ه - ...... - 1430م إسحاق بن داود بن سيف أرعد، ملك الحبشة، وصاحب أمحر الملقب بالحطي.
قال المقريزي: أدركنا أباه داود، وقدمت رسله بكتابه وهديته إلى الملك الظاهر برقوق، وهلك سنة اثنتي عشرة وثمانمائة، وقد طالت مدته فأقيم بعده ابنه تَدْرُوس وهلك سريعاً، فأقيم من بعده أخوه إسحاق، وفخم أمره، وذلك أن بعض المماليك الأتراك أو الجراكسة كان يسمى الطبغا مغرق فر إليه وحظي عنده لما يتقنه من الآلات الحربية وأدوات القتال كاللعب بالرمح ورمى السهام ونحو ذَلِكَ، ولحق به أيضاً زرد كاش من المماليك الجراكسة فعمل له زردخاناه عظيمة، وتعلم عسكره أنواعاً من صنائع الحرب، ثم قدم عليه رجل من كتاب مصر النصاري يعرف بفخر الدولة، فرتب له مملكته وجبى له الأموال، فصار ملكاً بعدما كانت مملكته ومملكة آبائه همجاً، لا ديوان لها ولا قانون، فانضبطت عنده الأمور، وتميززيه عن رعيته، بحيث أخبرني من شاهده وهو راكب وفي يده صليب من ياقوت أحمر قد قبض عليه بيده اليمنى ووضعها عَلَى فخذه، وطرفا الصليب بارزان عن يديه، وذلك بعدما أخبرني برهان الدين إبراهيم الدمياطي، وكان الظاهر برقوق بعثه رسولاً إلى الحطي داود بن سيف أرعد، أنه لا يزال عرياناً، حاسر الرأس، وأنه يعصب رأسه بعصابة حمراء، وأنه شاهده وقد جيء إليه بكرش بقرة قد نفض منها ما فيها من الفرث ولم تغسل ولم تغل عَلَى نار فصار يأكلها نيئة وما بقي بها من الفرث يسيل من جانبي فمه.(1/163)
فلما كبرت مملكة إسحاق وسوس إليه شياطينه بأخذ ممالك الإسلام، فأوقع بمن في ممالك الحبشة من المسلمين وقائع شنيعة طويلة، قتل منهم فيها وسبى وأسر مما لا يحصيهم إلا الله خالقهم، فأزال دولة سعد الدين وأسر ابنه منصور أبو محمد، وكتب إلى بلاد الفرنج يحث من بها من الفرنج عَلَى المسير إلى بلاد المسلمين ليوافوه بالبحر إذا قدم هو في البر، وواعدهم عَلَى ذَلِكَ فعاجله الله بنفسه وأهلكه عقيب ذَلِكَ في ذي القعدة سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وأيد عليه وعلى قومه أمحرة النصارى جمال الدين بن سعد الدين محمد فجمع من المسلمين طائفة وقام يعيث في بلاد الحطي يقتل ويسبي ويغنم.
وقد أقيم بعد إسحاق ابنه إندراس بن إسحاق فهلك لأربعة أشهر من موت أبيه، فقام بعده بأمر أمحرة الناصري عمه حزتناي بن داود بن سيف أرعد فهلك بعد أشهر في شهر رمضان سنة أربع وثلاثين وثمانمائة، فأقيم بعده سلمون بن إسحاق بن داود بن سيف أرعد، وبلغني بمكة في آخر سنة أربع وثلاثين أنه هلك أيضاً، فكانت للحبشة في سنة واحدة وأربعة ملوك، وجمال الدين جيشه يتزايد وأعماله تتسع، فتوجه في بلاد النصاري تتولى حَتَّى لقد بلغنا بمكة أن الحطي سلمون فرمته متباعداً عن مقر مكة نحو شهرين، وأن بلاد اليمن والبحرين والحجاز امتلأت من العبيد والإماء الذين أسرهم وسباهم جمال الدين بن سعد الدين من أمحرة، وأنه استولى عَلَى أكثر أعمال النصارى وجعلها دار إسلام ولله الحمد.
قلت: وبلاد الحبشة واسعة جداً، ولها من الشرق المائل إلى الشمال بحر الهند واليمن وفيها يمر نهر حلو يقال له سيحون يزيد منه نيل مصر، وآخرها الجهة الغربية إلى بلاد التكرور مما يلي اليمن، فأولها مفازة بمكان يسمى وادي بركة يتوصل منه إلى سحرت، وكانت مدينة المملكة قديماً، يقال لها احسرم، ويقال لها أيضاً زرفرتا، وبها كان النجاشي رحمه الله، ثم إقليم أمحرة وهو الآن مدينة المملكة، ويسمى أيضاً مرعدي، ثم إقليم شاوة ثُمَّ إقليم داموت ثم إقليم لأمنان ثُمَّ إقليم السِّيهو ثم إقليم الزنج، ثم إقليم عدل الأمراء، ثم إقليم حماسا ثم إقليم باديا ثم إقليم الطراز الإسلامي الذي يقال له الزيلغ، ولكل إقليم من هؤلاء ملك تحت يد الحطي، ومعنى الحطي السلطان، وتحت يده تسعة وتسعون ملكاً هو تمام المائة، وجميع بلادهم تزرع عَلَى المطر في السنة مرتين، انتهى ترجمة الحطي أجزاه الله.
شيخ الشيوخ اسحق بن عاصم
...... - 783ه - ...... - 1381م إسحاق بن عاصم بن محمد، العلامة شيخ الشيوخ نظام الدين بن الشيخ مجد الدين بن سعد الدين الأصبهاني الحنفي.
قدم إلى القاهرة بعد أن برع في عدة علوم، وصار معدوداً من الفضلاء، وولى مشيخة خانقاه سرياقوس، ووصف بشيخ مشايخ الإسلام، ثم توجه في الرسلية إلى بلاد الهند وعاد وقد كثر ماله حَتَّى أنه أهدى الذهب في الأطباق إلى عظماء الدولة، ومما يدل عَلَى اتساع ماله عمارته لخانقاته بالقرب من قلعة الجبل تجاه باب الوزير عَلَى بعد، عَلَى شرف الجبل، وما وقف عليها من الأوقاف، كل ذَلِكَ في سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة، وكان له همة ومكارم.
حدثني حفيده بأشياء من النمط عن جده المذكور يطول الشرح بذكرها، وكان مع ذَلِكَ ملازماً للاشتغال والأشغال، والتصدي للإفتاء والتدريس عدة سنين، وانتفع به الناس إلى أن توفي ليلة الأحد ثالث عشر ربيع الآخرة سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، قال المقريزي.
وقال العيني: في المحرم سنة ثمانين وسبعمائة، وقد تقدم ذكر ولده جلال الدين أحمد المدعو أصلم في الأحمدين، انتهى.
الشيخ نجم الدين أبو طاهر
...... - 711ه - ...... - 1311م إسحاق بن علي بن يحيى، الشيخ نجم الدين أبو طاهر مدرس الأزكشية، والمنصورية.
كان فقيهاً عالماً ديناً، وولي تدريس الفرقانية بعد قاضي القضاة معز الدين، وهم ثاني مدرس بها، ودرس بالحسامية أيضاً، وهو أول مدرس بها، وناب في الحكم عن قاضي القضاة معز الدين، ومات بالأزكشية في خامس المحرم سنة إحدى عشرة وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
الملك المجاهد صاحب الجزيرة
إسحاق بن لؤلؤ، الملك المجاهد سيف الدين، صاحب الجزيرة ابن صاحب الموصل.(1/164)
قدم عَلَى الملك الظاهر بيبرس بديار مصر هارباً من التتار في سنة تسع وخمسين وستمائة، وكان أخوه ركن الدين قدم القاهرة قبل ذَلِكَ، فأكرمهما السلطان، وأنزل المجاهد هذا خارج باب القنطرة في دار أنشأها معين الدين، ورتب له الرواتب الجليلة، ثم توجه الملك الظاهر إلى الشام ومعه الخليفة وابنا صاحب الموصل، وهما سيف الدين اسحق صاحب الترجمة، وركن الدين إسماعيل، فلما وصل إلى دمشق جهز الملك الظاهر الخليفة المستنصر بالله أحمد وأولاد صاحب الموصل بعد أن أكرمهم وأنعم عليهم إنعاماً زائداً، وكان الذي صرفه السلطان عَلَى تجهيز الخليفة وأولاد صاحب الموصل ما يزيد عَلَى ألف ألف دينار مصرية، وخرجوا إلى نحو العراق، وكان خروجهم من دمشق في الحادي والعشرين من ذي القعدة فلما وصلوا إلى الرحبة وافوا عليها الأمير يزيد بن علي حديثه من آل فضل، وأخاه الأخرس في أربعمائة فارس من العرب، وفارق الخليفة أولاد صاحب الموصل وودعهم بعد أن أمداه بنحو ستين مملوكاً من مماليك أبيهما، وتوجها إلى بلادهما ووصلا إلى سنجار فأقاموا بها، ومضى بهم الملك الصالح ناصر الدين إلى الموصل وكان قدم إلى لقاء الخليفة وعاد صحبه أولاد صاحب الموصل أخوته، وذلك في أواخر سنة تسع وخمسين وستمائة، ثم حاصر التتار الموصل في غرة سنة ستين، والملك الصالح مقيم بها، فكان من أمره ما سنذكره في ترجمته إن شاء الله تعالى، وبقية إخوته سيف الدين وركن الدين خارج الموصل بسنجار، فلما اتصل بهم قتل الخليفة المستنصر ونزول التتار عَلَى الموصل لمحاصرة أخيهم الملك الصالح ناصر الدين خرجوا من سنجار، وعادوا إلى الملك الظاهر بيبرس فأحسن إليهم أيضاً، وأقطع المجاهد إسحق فوق المائة ألف درهم، ولخاصته ولأولاده لكل واحد منهم عَلَى انفراده إقطاعاً جزيلاً، واقطع لمماليكه أيضاً وأضافهم إليه، وكذلك فعل مع أخيه الملك المظفر علاء الدين فإنه قدم في هذه المرة معه، وقتل ركن الدين إسماعيل بيد التتار.
الإمام المسند عفيف الدين الأموي
642 - 725ه - 1244 - 1325م إسحاق بن يحيى بن إبراهيم، الشيخ الإمام المسند المعمر عفيف الدين أبو محمد الآمدي ثم الدمشقي الحنفي، شيخ دار الحديث الظاهرية بدمشق.
ولد سنة اثنتين وأربعين وستمائة، وسمع من عيسى بن سلامة، والشيخ مجد الدين بن تيمية بحران، ومن الحافظ بن خليل بحلب فأكثر، ومن الضياء صقر وجماعة بحلب، وسمع بالمعرة ودمشق، وحصل أصولاً وأجزاء وحج فير مرة، وكان طيب الأخلاق، مطبعاً، فقيهاً بارعاً، خرج له ابن المهندس من عوالي سمعها الجماعة منه، منهم الحافظ الذهبي سنة ثمان وتسعين قراءة عليه، وتفرد بأشياء عالية، إلى أن توفى سنة خمس وعشرين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
الشيخ الخالدي
...... - 695ه - ...... - 1296م إسرائيل بن علي بن حسن، الشيخ الصالح المعتقد الدمشقي الخالدي.
كان يسكن دمشق، وله زاوية خارج باب السلامة، يقصد فيها للزيارة والتبرك، وكان مشتملاً على عبادة وزهد، وكان لا يقوم لأحد من الناس كائناً من كان، وعنده سكون ومعرفة وعقل، وكان لا يخرج من منزله إلا للجمعة فقط، واستمر عَلَى ذَلِكَ إلى أن توفي في نصف شهر رمضان سنة خمس وتسعين بدمشق بزاويته، ودفن بسفح قاسيون، وكانت جنازته مشهودة، رحمه الله تعالى.
العلامة مجد الدين النشابي
582 - 656ه - 1186 - 1258م أسعد بن إبراهيم بن حسن، العلامة مجد الدين النشابي الأربلي.
مولده باريل سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة، وكان في صباه نشابياً، وتنقل في الجزيرة والشام، ثم ولى كتابة الإنشاء لصاحب إربل، ونفذه رسولاً إلى الخليفة، ثم كان في صحبته لما وفد المستنصر بالله، فأنشد مجد الدين هذا في الحال:
جلالة هيبة هذا المقام ... تُحَيّر عالم علم الكلام
كأنَّ المناجي به قائماً ... يناجي النبيّ عليه السلام
وعاد مع مخدومه وأقام ببابه إلى أن غضب عليه وحبسه؛ ثم أنه بعد موت أستاذه خد ببغداد، واختفى أيام التتار، فسلم إلى أن توفي سنة ست وخمسين وستمائة، رحمه الله.
ومن شعره:
والأُفق روضٌ زهره ... أمسى يُفَتِّح لي كِمّامّه
قَبَضَتْ به كف الثُّر ... يَّا فالهلالُ لها قُلاَمه(1/165)
ولما وقع بين الأخوين الملك الكامل محمد صاحب مصر والأشرف موسى شاه أرمن صاحب خلاط، ومال ملوك الشام والشرق إلى الكامل وتحاملوا عَلَى الأشرف، فقال:
صاحب مصر ثنى الملوك عن ال ... أشرف من كلِّ مُسعد عوْن
واحتجَّ كلُّ به فقلت: وهل ... يؤخدّ موسى بذنب فرعون
ومن شعره في شر الدين مبارك مستوفي أربل:
إن المبارك فيه ... توقُّفٌ ولَجَاجْه
صديقه أنت ما لم ... تعرض إليه بحاجة
الشيخ صدر الدين أبو الفتح التنوخي
598 - 657ه - 1202 - 1259م أسعد بن عثمان بن أسعد بن المنجا بن بركات بن المؤيد، الشيخ صدر الدين أبو الفتح التنوخي الدمشقي الحنبلي.
مولده بدمشق سنة ثمان وتسعين وخمسمائة، كان من العدول الصدور الأعيان المتمولين، بنى بدمشق مدرسة عند دار الذهب المعروفة قديماً بدار الفلوس تجاه الفليجة الحنفية، وكان فاضلاً، وله اشتغال، سمع ابن طبرزد وحنبلاً وغيرهما، وحدث، توفي سنة سبع وخمسين وستمائة، رحمه الله تعالى.
أسعد بن السديد
...... - 695ه - ...... - 1296م أسعد بن السديد الماعز القبطي.
أسلم في الدولة الأشرفية خليل بن قلاوون وتولى استيفاء الديار المصرية. قال الصفدي رحمه الله: حكى لي القاضي شهاب الدين محمود رحمه الله قال: لما مرض المذكور توجهنا إليه نعوده فوجدناه ضعيفاً إلى الغاية، وقد وضعوا عنده أنواعاً من الحلي والمصاغ المجوهر والعقود، وفيها العنبر الفائق، وأنواعاً من الطيب، وأشار إلى خادم كلاماً، فمضى وأتى بحق ففتحه، وأقبل يشمه، وقمنا من عنده ثم أنه مات، فسألناه ذَلِكَ الخادم فيما بعد: ما كان في ذَلِكَ الحق؟ قال: شعرة من إست الراهب الفلاني الذي كان له كذا كذا سنة ما لمس الماء ولا قاربه، قال فأنشدت:
ما يقبضُ الموتُ نفساً من نفوسهم ... إلاَّ وفي يده من نَتْها عُودُ
انتهى.
قلت: وكانت وفاته، عليه لعنه الله، سنة خمس وتسعين وستمائة.
الشيخ وجيه الدين أبو المعالي التنوخي
...... - 630ه - ...... - 1300م أسعد بن عبد الرحمن بن حبيش، الشيخ وجيه الدين أبو المعالي التنوخي المعري الأصل، الدمشقي.
كان فاضلاً أديباً شاعراً، قال الشيخ شهاب الدين القوصي في معجمه أنشدني رحمه الله بدمشق في شهور سنة أربع وستمائة لنفسه.
إذا ما دارت الأفلاك يوماً ... بسعدك فهي تأبى أن تعادا
فمهما اسطعت من خير فعجِّل ... به ما دمت تأمن أن تعادا
فكم من جمرة أمْسَت سَعيرا ... فلمَّا أصبحت صارت رماداً
قال: وأنشدني في الباذنجان الأبيض:
قل لي ما شيء إذا رمته ... ورأيته من غير إزعاج
كأنما خضرة نيجانه ... زمرّد رصِّع في عاج
الملك اسكندر سلطان شيراز
...... - 818ه - ... ... - 1415م إسكندر بن عمر بن تيمورلنك، الملك إسكندر سلطان شيراز وبلاد فارس بن أميرازه عمر شيخ بن الطاغية تيمورلنك كور كان.
ملك البلاد بعد قتل أخيه بير محمد بن عمر شيخ في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة، وكان محبباً لرعيته، واتسعت مملكته لذلك، وعظم وضخم، ثم خالف عمه القان معين الدين شاه رخ تيمورلنك، فسار إليه شاه رخ وقاتله وأسره وسمل عينيه، وأقام عوضه أخاه رستم، وخلى سبيل إسكندر هذا لعماه، وعاد شاه رخ إلى بلاده فجمع إسكندر جمعا قليلاً وقدم عليهم ابنه وأرسلهم إلى أخيه رستم، فقاتلهم رستم وهزمهم، وقبض عَلَى أخيه إسكندر وقتله بأمر عمه شاه رخ في سنة ثماني عشرة وثمانمائة.
وكان ملكاً كريماً شجاعاً مسرفاً في الأموال جدا، ذا همة عالية وإقدام، وكان يكتب الخط المنسوب إلى الغاية، وله محاسن كثيرة.
ابن قرا يوسف
...... - 841ه - ...... - 1438م إسكندر بن قرا يوسف بن قرا محمد بن بيرم خجا التركماني، متملك تبريز وما والاها.(1/166)
ملك البلاد بعد موت أبيه قرا يوسف في سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة، ودام فيها مدة طويلة، وخربت البلاد في أيامه من كثرة حروبه وشروره مع شاه رخ بن تيمورلنك وأولاده، ومع قرايلك التركماني صاحب آمد، ودام عَلَى ذَلِكَ سنين عديدة، ووقع له مع هؤلاء وغيرهم وقائع وحروب بطول الشرح في ذكرها إلى أن انكسر في آخر حروبه مع أحمد جوكي بن شاه رخ، وتشتت عن بلاده وذهب إلى الروم، ثم عاد إلى نحو بلاده، ثم انهزم أيضاً، والتجأ إلى قلعة النِجا فحصره بها أعوان أخيه جهان شاه بن قرا يوسف مع عسكر شاه رخ، فلما طال ذَلِكَ بينهم نهض ابنه شاه قوماط بن اسكندر وذبحه، وأراح الناس منه في ذي القعدة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وسلم قلعة النجا إلى عمه جهان شاه، هي إلى الآن معه.
وكان إسكندر شجاعاً مقداماً، أهوجاً جريئاً، فاسقاً، سفاكاً للدماء، غير محبب لرعيته لا يتدين بدين، خربت عامة بلاد بغداد والعراق في أيامه، ثم في أيام أخويه أصبهان وشاه أحمد أولاد قرا يوسف، ألا لعنه الله عَلَى الكل، لا نعم الجدود وبئس ما خلفوا.
أبو الطاهر القرشي المخزومي
...... - 694ه - ...... - 1285م إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن علي بن قريش، الإمام المحدث، تاج الدين أبو الطاهر القرشي المخزومي المصري الشافعي.
كان من فضلاء الشافعية، وكان ورعا زاهداً، فاضلاً، سمع من المقير، والهمذاني، وابن رواح، وحدث عنه الدمياطي في معجمه، توفي سنة أربع وتسعين وستمائة، وسنة نيف عَلَى الثمانين سنة، رحمه الله تعالى.
الزاهد علم الدين المنفلوطي
...... - 652ه - ...... - 1254م إسماعيل بن إبراهيم بن جعفر، الزاهد علم الدين المنفلوطي ثم القناوي.
كان فقيهاً عابداً زاهداً، وكان من أصحاب الشيخ أبي الحسن الصباغ، وكان مالكي المذهب، وكان له كرامات ومكاشفات، وكان بغيب أوقاتا كثيرة، وربما استمرت غيبته أياماً، وكانت تنحل عمامته وتسحب خلفه وهو ينشد:
لا تجر ذكرى في الهوى مع ذكرهم ... ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد
وذكر الشيخ كمال الدين الأدفوي في تاريخه فقال: قال يوماً والله الذي لا إله إلا هو أنا القطب غوث الوجود، كذا ذكره الشيخ عبد الغفار بن نوح في كتابه.
وصنف كتاباً ذكر فيه من كلام شيخه أبي الحسن ومن كلام شيخ شيخه عبد الرحيم، ومن أحوالهم نبذة، وفيه أحاديث واستدلالات دلت عَلَى فهم وعلم، وفيه مسائل فقيهة ومقالات صوفية، انتهى كلام الأدفوي.
قلت: وكانت وفاته سنة اثنتين وخمسين وستمائة، بقنا من صعيد مصر، رحمه الله تعالى.
ابن الحكيم
...... - 700ه - ...... - 1301م إسماعيل بن إبراهيم بن أحمد بن سونج الصالحي، المعروف بابن الحكيم والبكري، لأنه كان يتوب الشيعة، ويأخذ العهد لأبي بكر الصديقي رضي الله عنه.
وكان فصيحاً، وله أصحاب وطريق مشهورة، وسوق نافقة، وله أبهة المشيخة.
قال الصلاح الصفدي: وكان يعمل السماعات، ويحفظ كثيراً من الحديث والرقائق ملحوناً، انتهى.
توفى سنة سبعمائة، رحمه الله تعالى.
ابن فلوس النميري المارديني
593 - 629ه - 1197 - 1231م إسماعيل بن إبراهيم بن غازي بن علي بن محمد، الشيخ شمس الدين النمري المارديني الحنفي المعروف بابن فلوس.
ولد بماردين في سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، وكان فاضلاً مبرزاً في فنون الأوائل والحكمة، بارعاً وأصوله، أفتى ودرس بدمشق وبالقاهرة، وكان ظريفاً حلو المحاضر لطيف الشمائل.
وذكره الشيخ شهاب الدين القوصي في معجمة قال أنشدني لنفسه:
قال العزول: يدا العذار بخده ... فتسلّ عنه فالعذار يشين
فأجبته: مهلاً رويدك إنّما ... أغراك عنه بالملام جنون
ما ذاك شعر عذاره لكَّما ... أجفان عينك في الصّقال تبين
وله أيضاً:
بأبي الأهيف الذي لحظ عيني ... ه فذا راشق وهذا رشيق
راح في حسنه غريباً وإن كا ... ن شقيقا لوجنتيه الشقيق
قاضي القضاة مجد الدين الكناني الحنفي
729 - 802ه - 1329 - 1399م إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن علي بن موسى، قاضي القضاة مجد الدين الكمال الحنفي، قاضي قضاة الديار المصرية.(1/167)
ولد في ليلة السابع من شعبان سنة تسع وعشرين وسبعمائة، وسمع عَلَى عبد الرحمن بن محمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي صحيح مسلم، وعلي زين الدين عبد الرحمن ابن الحافظ جمال الدين أبي الحجاج المزي، وعلى المحدث زين الدين أبي بكر بن قاسم الرحبي سنن ابن ماجه، وعلى نجم الدين إبراهيم التفليسي، وصدر الدين أبي الفتح محمد بن محمد الميدومي جزء البطاقة وغيرهم، وتفقه وبرع في الفقه والأصلين والفرائض والحساب والأدب، وشارك في عدة علوم مثل الحديث والنحو والقراءات، وباشر في مبدأ أمره توقيع الحكم مدة طويلة، ثم ولى نيابة الحكم بالقاهرة سنين إلى أن شجر بينه وبين قاضي القضاة شمس الدين محمد الطرابلسي الحنفي مخاصمة وصرفه عن نيابة الحكم، ولزم داره مدة عَلَى أجمل حال إلى أن طلبه الملك الظاهر برقوق بعد سنين وولاه قضاء القضاة الحنفية بالديار المصرية عوضاً عن قاضي القضاة شمس الدين الطرابلسي المذكور في يوم الاثنين سابع عشر شهر رمضان سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة، فلم ينتج أمره في وظيفة القضاء، وكذر تخوفه من الطرابلسي، وصار يعتل فيما يسأل فيه تخوفاً، فوقفت أحوال الناس كثيراً، ولم نحمد سيرته لهذا المعنى فقط، وأخذ القاضي جمال الدين محمود القيصري العجمي يشيع مع ذَلِكَ أن القاضي مجد الدين هذا بتبرم من السفر مع السلطان إلى البلاد الشامية ويريد الأعفاء من المنصب، وكان للقيصري في ذَلِكَ نفع لأنه كان جل قصده أن يلي القضاء عَلَى ما بيده من وظيفة نظر الجيش، وتم له ذَلِكَ بولاية مجد الدين هذا فإنه كان لا يطيق مناولة الطرابلسي، فلما أن ولى المجد وارتبك في المنصب وأعانه عَلَى ذَلِكَ بأن المجد كان قد بدن وتزايد سمنه إلى الغاية.
قال المقريزي: وكان إذا أراد أن ينهض قائماً يعتمد عَلَى يديه، ويرفع عجيزته عن الأرض، ويظل ساعة ويديه ورجليه عَلَى الأرض وعجيزته مرتفعة حَتَّى يستطيع أن يقوم، وفعل ذَلِكَ غير مرة في مجلس السلطان.
فبلغ جمال الدين محمود من كيده بالمجد ما أراد، وظن السلطان أن الأمر كما قال، وأعانه عليه قوم آخرون، فصرفه مع إجلاله له وتعظيمه إياه، فإنه لم يكن ممن كتب لمنطاش في الفتاوي التي كتب فيها الفقهاء بإباحة قتال برقوق وقتله، انتهى كلام المقريزي.
قلت: وصرف قاضي القضاة مجد الدين صاحب الترجمة بالجمال محمود القيصري في يوم الثلاثاء خامس عشر شهر شعبان سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، ولم يكمل في المنصب سنة واحدة، ولزم داره إلى أن توفي أول شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثمانمائة.
وكان إماماً فقيهاً بارعاً مفنناً، عارفاً بالشروط والوثائق، فكه المحاضرة بهج الزي، وله يد في النظم والنثر، وله ديوان شعر في مجلد، ومن شعره قوله:
إن كنت يوماً كاتباً رقعة ... تبغي بها نجح وصول الطلب
إياك أن تعرف ألفاظها ... فتكتسي حرفة أهل الأدب
وله أيضاً:
ولا تحسبن الشعر فضلاً بارعاً ... ما الشعر إلا محنة وخيال
فالهجو قذف والرثاء نياحة ... والتعب ضغن والمديح سؤال
وله دوبيت:
كم أطلب قربه وكم يبعدني ... بالنار من الصدود كم يوعدني
بالنوح وبالبكاء من يسعدني ... إن مت بحبه فما أسعدني
قال المقريزي، رحمه الله، وشعره كثير، وأدبه عزيز، وعلمه جم غير يسير، ولقد صحبته عدة أعوام وأخذت عنه فوائد، وكان لي به أنس، وللناس بوجود جمال، إلا أنه امتحن بالقضاء في دنياه كما أمتحن به ابن ميلق في دينه، وكانا في ولايتهما كما قال الآخر:
تولاها وليس له عدو ... وفارقها وليس له صديق
ابن الخباز
629 - 703ه - 1232 - 1304م إسماعيل بن إبراهيم بن سالم بن ركاب، الشيخ الفاضل المحدث نجم الدين أبو الفدا الدمشقي الأنصاري الصالحي الحنبلي المؤدب الشهير بابن الخباز.
ولد في سنة تسع وعشرين وستمائة، وسمع من ابن عبد الحق بن خلف والحافظ الضياء، والبكري، والمرسي، وعبد الله بن أبي عمر، وإبراهيم بن خليل، وابن عبد الدايم، وابن أبي الجن، وأصحاب الكندي، وأصحاب الخشوعي، وابن ملاعب، وابن اللتي، وأصحاب كريمة، والسخاري، وسمع من المزني، والبرزالي، وعلاء الدين الخراط، والقاضي شمس الدين بن النقيب، وابن المحب وغيرهم.(1/168)
وكتب وألف وحصل الأجزاء، وكان شيخاً حسناً متواضعاً، وكان مع ذَلِكَ لم ينجب، ولا أتقن شيئاً، وكان لا يدري نحواً، ولا يكتب جيداً بل له دربة في الجملة، وله خطأ كثير، توفي سنة ثلاث وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
مسند الشام تقي الدين التنوخي
589 - 672ه - 1193 - 1273م إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليسر شاكر بن عبد الله عبد الله بن محمد بن عبد الله ابن أبي المجد، مسند الشام تقي الدين شرف الفضلاء أبو محمد التنوخي المعري الأصل الدمشقي المولد.
ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة، ومات في سنة اثنتين وسبعين وستمائة.
وسمع الحديث وأكثر من الخشوعي وعبد اللطيف بن شيخ الشيوخ والقاسم بن عساكر، وابن ياسين الزولعي الخطيب، وحنبل، وابن طبرزد، والكندي، وأجاز له جماعة وروى الكثير. واشتهر وتفرد بأشياء كثيرة، وكان متميزاً في كتابة الإنشاء، جيد النظم، ديناً متصوفاً، صحيح السماع، من بيت كتابة وجلالة، وكان كاتب الإنشاء لنور الدين الشهيد، وكتب هو للناصر داود، وولى بدمشق مشيخة تربة أم الصالح، ومشيخة الزاوية بدار الحديث الأشرفية، وروى عنه قاضي القضاة نجم الدين بن صصري، وابن العطار، وابن تيمية، وأخوه، وابن أبي الفتح.
وكتب عَلَى لسان سيف الدين مقلد بن الكامل بن شاور إلى الملك الأشرف، وكان أبطأ عليه عطاؤه، رقعة مضمونها: يقبل الأرض بين يدي الملك الأشرف أعز الله نصرة وشرح ببقائه نفس الدهر وصدره، وينهي أنه وصل إلى باب مولانا كما قال المتنبي:
حَتَّى وصلت بنفس مات أكثرها ... وليتني عشت منها بالذي فضلا
ويرجو ما قاله في البيت الآخر:
أرجو نداك ولا أخشى الميطال به ... يامَنْ إذا وهَبَ الدنيا فقد بخلا
فأعطاه الملك الأشرف صلة سنية، وقراره له جامكية في كل شهر، ورتب له ما كفاه.
وكتب إلى القاضي بدر الدين السنجاري في صدر مكاتبة:
لولا مواعيد آمال أعيشُ بها ... لُمتُّ يا أهل هذا الحيِّ من زمن
إنما طرف آمالي به مَرَحٌ ... يجري بوعْد الأماني مُطلق الرِّسن
وقد ذكرنا هذين البيتين لغيره والله أعلم.
ومن شعره:
لَيْليِ كشَعْرِ معذّبي ما أطوَلَه ... أخفَي الصباحَ بفرعِه إذ أسْلبهً
وأنار ضوء جبينه في شعره ... كالصبح شد عَلَى الدياجي منصله
قصصي بنهل عذراه مكتوبة ... يا حسن ما خطَّ الجمالُ وأجمله
والله لا أهملت لام عِذارِه ... يا عاذلي ما كُّل لامٍ مهملة
اقرأ عَلَى قلبي سبا في حبه ... والذَّاريات لمدمع قد أهمله
آياتُ تحرِيم الوصال أظنُّها بطلاق أسباب الحياة مرَّتله
ما هامت الشعراء في أوصافه ... إلا وفاطر حسنه قد كمله
ثبت الغرام بحاكِم من حسنِهِ ... وشهادةِ الألفاظ وهي معدَّله
ومنها:
إن أبعدته يد النوى عن ناظري ... فله بقلبي إن ترحَّل منزله
بالعاديات قد اغتدى عنَّا ضُحَا ... وبدا له في كلِّ قلبٍ زلزلة
شمس النفوس لبينة قد كُوِّرت ... والنار في الأحشاء منه مُشعله
ابن المقرئ اليماني
755 - 836ه - 1354 - 14432م إسماعيل بن أبي بكر بن عبد الله المقرئ بن إبراهيم بن علي بن عطية بن علي، العلامة البارع المفنن الأديب شرف الدين أبو محمد الشاوري اليمنى الشافعي المعروف باب المقرئ، العالم المشهور.
ولد في سنة خمس وخمسين وسبعمائة، وقيل في التي قبلها، بأبيات حسين، وبها نشأ وتفقه عَلَى الكاهلي وغيره، ثم انتقل إلى زبيد فأكمل تفقهه عَلَى العلامة جمال الدين، شارح التنبية وغيره، واشتغل بالعربية ومهر فيها، وبرع في الفقه وغيره، وبرز في المنظوم والمنثور، وتعاني الأدب فمهر فيه، وأقبل عليه ملوك اليمن، وولاه الأشرف صاحب اليمن تدريس المجاهدية بتعز والنظامية بزبيد.
ولما مات العلامة القاضي مجد الدين الفيروز بادي طمع المذكور في ولايته القضاء، فلم يتم له ذَلِكَ، واستمر عَلَى ملازمة العلم والتصنيف والإقراء إلى أن توفي يوم الأحد آخر صفر سنة ست وثلاثين وثمانمائة بزبيد، رحمه الله.(1/169)
ومن مصنفاته مختصر الروضة للنووي، ومختصر الحاوي الصغير وشرحه، وكتاب عنوان الشرف الوافي، وهو كتاب حسن لم يسبق إلى مثله، يحتوي عَلَى فنون خمسة من العلوم، فإذا قرأت في كل شيء رمته عَلَى الانفراد، فأول السطور بالحمرة عروض، وما هو بعده بالحمرة أيضاً تاريخ دولة بني رسول ملوك اليمن، وما هو بين التاريخ وأواخر السطور بالحمرة نحو، وما هو أواخر السطور قوافي، وفي هذا الكتاب يقول الأديب إبراهيم:
لهذا كتاب لا يصنف مثله ... لصاحبه الجزء العظيم من الحظ
عروض وتاريخ ونحو محقق ... وعلم القوافي وهو فقه أولى الحِفظِ
فأعجب به حسناً وأعجب أنه ... بطين من المعني خميض من اللفظ
وله مع ذَلِكَ النظم الرائق، والنثر الفائق، ونظم بديعية عَلَى تمط بديعة العز الموصلي وشرحها شرحاً حسناً، وقد شهر بفضله وعدم وجود مثله جماعة كثيرة مثل العلامة بدر الدين الدماميني، والحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر وغيرهما.
وقد اجتمع بابن حجر بمكة الشريفة وأنشد:
قل للشهاب بن علي بن حجر ... سوراً عَلَى مودتي من الغير
فسور ودي فيك قد ينيته ... من الصفا والمروتين والحجر
فأجابه ابن حجر بقصيدة أولها:
يأيها القاضي الذي مراده ... يأتي عَلَى وفق القضاء والقدر
ومن شعره ما أنشدني الشيخ أبو الخير بن عبد القوي من لفظه قال: أنشدني العلامة شرف الدين إسماعيل بن أبي بكر بن المقرئ من لفظة لنفسه:
يا من لدمع مارة وصبي به ... ولوجد قلب ما انقضى ولهيبه
ومتيم قد هذيته يد الهوى ... بصحيح وجد غير ما تهذي بِهِ
خانته مهجته فما تمشى عَلَى ... عاداته الأولى ولا تجريبه
وحشا تعسفه الغرام وحلّه ... قسراً وليس بكفوة وضِريبهِ
يا هند قد أضرمت من فكر الجفا ... في القلب ما لا ينطفي وغِريبهِ
أنا من عرفتِ غرامه فاستخبري ... عن حال ما خود الحجي وسلي بهِ
وله بالسند من قصيدةِ يعارض بها قصيدة الطغرائي اللاَّمية:
زيادة القول تحكي النقص في العمل ... ومنطق المرء قد يهديه للزلل
إن اللسان صغير جرمه وله ... جرم عظيم كما قد قيل في المثل
فكم ندمت عَلَى ما كنت قلت به ... وما ندمت عَلَى مَا لم تكن تقل
وأضيق الأمر لم تجد معه ... فتى يعينك أو يهديك للسبل
عقل الفتى ليس أمر يغني عن مشاورة ... كعفة الخود لا تغني عن الرجل
وهذه القصيدة ثلاثة وخمسون بيتاً.
وأما بديعيته فأولها:
شارفت ذرعاً فدرعاً ما به الشيم ... وجزت غلا فنم لا خوف في حرم
وله قصيدة يمدح فيها الشريف حسن بن عجلان ويسترضيه فيها عَلَى الأمير موسى صاحب حلى في بلاد اليمن تزيد عَلَى ثلاثين بيتاً، نذكرها بتمامها في ترجمة حسن بن عجلان إن شاء الله تعالى، أولها:
أحسنت في تدبير ملكك يا حَسَنْ ... وأجدت في تحليل أخلاط الفتن
أبو الطاهر القوصي
...... - 715ه - ...... - 1315م إسماعيل بن أحمد بن إسماعيل بن برتق بن بزغش بن هارون بن شجاع، الشيخ جلال الدين أبو الطاهر القوصي.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: أخبرني العلامة أثير الدين أبو حيان من لفظه، قال المذكور: رفيقنا في المدرسة الكاملية، اشتغل بالفقه عَلَى مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، وأقرأ النحو والقراءات بجامع طولون، وله أدب.
أنشدنا لنفسه:
أقولُ له ودمْعي ليس يُرْقَي ... ولي من عَبْرتي إحدى الوسائِلْ
حرمت الطَّيْف منك بفَيْض دمعي ... فطرفي فيك محرومٌ وسائِل
وأنشدني المذكور أيضاً لنفسه:
أفولُ ومدْمَعي قد حال بيني ... وبين أحبَّتي يوم العتابِ
رَدَدْتُم سائِلَ الأجفانِ نهْرَا ... تعثَّر وهو يجري في الثياب
انتهى كلام الصفدي.
قلت: وكانت وفاته بالقاهرة في سنة خمس عشرة وسبعمائة.
عماد الدين بن الأثير الحلبي
...... - 699ه - ...... - 1300م(1/170)
إسماعيل بن أحمد بن سعيد، الشيخ عماد الدين بن الأثير الحلبي الكاتب. وكان أحد كتاب الدرج بالقاهرة، ثم ترك ذَلِكَ تعبدا وتزهدا، وكان فاضلاً من بيت كتابة ونظم ونثر، واه خطب مدونة، وهو الذي علّق شرح العمدة عن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، وشرح قصيدة ابن عبدون الرائية التي رثى بها بني الأفطس، عدم المذكور في وقعة التتار سنة تسع وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
تاج الدين إسماعيل بن خليل
...... - 739ه - ... ... - 1338م إسماعيل بن خليل، الشيخ الإمام الفقيه المحدث الأصولي الفرضي تاج الدين كان من أعيان فقهاء الحنفية وكان عفيفاً ديناً صالحاً، تفقه عَلَى القاضي فخر الدين بن عثمان، وعلي نجم الدين الملطي، وأخذ الفرائض عن الأرندي، وأعاد ببعض المدارس وتفقه عليه جماعة.
قال الحافظ عبد القادر: صحبته كثيراً، وبيني وبينه مودة، وأخبرني بأشياء غريبة من مراثيه، وكان صدوقاً ثقة، وكان يرى في كل سنة ما يدل عَلَى النيل بأشياء في مجيئه، ومات خارج القاهرة بمنزله بالحسينية في الثامن من جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين وسبعمائة.
عماد الدين بن الزمكحل الناسخ
...... - 788ه - ...... - 1386م إسماعيل بن الزمكحل، الشيخ عماد الدين الناسخ.
أحد الأفراد في الخط المنسوب. كان رأساً في الكتابة، وكان يكتب سورة الإخلاص عَلَى حبة أرز كتابة بينه تقرأ بتمامها وكما لها لا ينطمس منها حرف واحد، وكان له بدائع في فن الكتابة، وكتب عدة مصاحف إلى أن مات في سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
والزمكحل بزاي مضمومة وميم مضمومة أيضاً وكاف ساكنة وحاء مهملة مضمومة ولام. انتهى.
إسماعيل بن الأشرف شعبان
...... - 795ه - ...... - 1393م إسماعيل بن الملك الأشرف شعبان بن حسين بن الملك الناصر محمد بن قلاوون. كان إسماعيل هذا من جملة الأسياد، ممنوعاً بقلعة الجبل عن النزول إلى القاهرة، عَلَى ما كانت عادة أولاد السلاطين، وقد ذكرنا شيئاً من هذا في ترجمة أحمد من أولاد الأسياد، وكيف أفرج عنهم الملك الأشرف برسباي، توفي إسماعيل هذا في ثالث شهر رمضان سنة خمس وتسعين وسبعمائة، عن خمس وعشرين سنة، وكان نبيلاً لو أهَل، رحمه الله تعالى.
إسماعيل بن شيركوه صاحب حمص
...... - 659ه - ...... - 1261م إسماعيل بن شيركوه بن محمد بن شيركوه بن شادي، الملك الصالح نور الدين صاحب حمص.
كان له اختصاص كبير بالملك الناصر صلاح الدين يوسف، وكان الملك الصالح هذا يداري التتار ولا يشاقفهم، وحكى أن الملك الصالح صاحب الترجمة كان جالساً عند الملك الناصر وكان عنده أيضاً عماد الدين بن المجير والملك الناصر يريد عمل مشورة بسبب قتال التتار وعدم مداراتهم، وكان الملك الصالح رأيه عَلَى الملك الناصر عدم القتال والمداراة، فوقع بين الملك الصالح وبين عماد الدين المذكور كلام بسبب ذَلِكَ، فقال الملك الصالح لعماد الدين أنت كما قيل طويل ولحيتك طويلة، فضحك من ذَلِكَ الملك الناصر، فقال عماد الدين لذلك الصالح إلا أني ما ربيت في مدينة حمص، وقاما وافترقا في ذَلِكَ اليوم من غير عمل مصلحة، واستمر بعد ذَلِكَ الملك الصالح بحمص إلى أن قتل في وقعة هولاكو بيد التتار في أوائل سنة تسع وخمسين وستمائة.
وكان ملكاً شجاعاً فاضلاً سيوساً، ذا رأي وتدبير، وعدل في الرعية، وهو من بيت رئاسة وعز، رحمه الله تعالى.
أبو طاهر الكناني المحدث
...... - 662ه - ...... - 1264م إسماعيل بن صارم بن عمرو بن تميم، أبو طاهر الكناني ثم المصري الخياط المحدث.
روى عن البوصيري، إسماعيل، وابن ياسين، وفاطمة بنت سعد الخير وكان عالي الإسناد روى عنه الحافظ شرف الدين عبد المؤمن الدمياطي وجماعة من المصريين، قيل أنه شنق نفسه سنة اثنتين وستين وستمائة.
الملك الأشرف صاحب اليمن
766 - 803ه - 1365 - 1400م إسماعيل بن عباس بن علي بن داود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول، واسم رسول محمد بن هرون بن أبي الفتح بن نوحي بن رستم، الملك الأشرف صاحب اليمن وابن صاحبها الملك الأفضل بن الملك المجاهد بن الملك المؤيد بن الملك المظفر بن الملك المنصور، التركماني الأصل، اليماني المولد والمنشأ.(1/171)
ولد في سنة ست وستين وسبعمائة وتسلطن بعد موت أبيه الملك الأفضل في سنة ثمان وسبعين وسبعمائة في شهر ربيع الأول، وقام بتدبير ملكه خاله عبد العزيز الجحفل، وكان أكبر الأمراء، وأمه يقال لها جهة طي، واستمر في الملك إلى أن مات في ليلة السبت ثامن عشر ربيع الأول سنة ثلاث وثمانمائة بمدينة تعز من بلاد اليمن، عن سبع وثلاثين سنة.
وكان ملكاً عالماً فاضلاً حليماً، كثير السخاء والجود، مقبلاً عَلَى أهل العلم، محباً للغرباء، رأيت جماعة ممن لهم به معرفة، وحدثني عنه بما ذكرت غير واحد منهم، وكان له فضيلة، ويحب الأدب، وصنف تاريخاً حسناً، وقام في الملك من بعده ابنه الملك الناصر أحمد، تقدم ذكره، ويأتي ذكر جماعة من آبائه في محلهم إن شاء الله تعالى.
الأمام فخر الدين الأسنائي
...... - 720ه - ... ... - 1320م إسماعيل بن عبد القوي بن الحسن بن حيدرة، فخر الدين الإسنائي المعروف بالإمام.
قرأ الفقه عَلَى الشيخ نجيب الدين بن مفلح، والشيخ بهاء الدين القفطي، وناب في الحكم بمنشية إخميم وطوخ والمراغة، وكان إمام المدرسة المعزية بإسنا، وكان حلو المحاضرة، لطيفاً ماجناً، مع فضل وعلم، قيل أنه نزل مرة مركب صحبة الشيخ بهاء الدين والشيخ النجيب وكان بالمركب زامراً فزمر فقال له الشيخ بهاء الدين اسكت، فقال الإمام صاحب الترجمة للزامر سراً: الشيخ إمام في هذه الصناعة وأنت استقبلت خارجاً، فرجع وزمر ثانياً، فقال له الشيخ أيضاً: أسكت، فأخذ الزامر المزمارة وقدمها للشيخ بهاء الدين، وقال ما يحسن المملوك غير هذا، فعرف الشيخ بهاء الدين أنها من جهة الإمام، وله حكايات من هذا النمط، ثم انتقل إلى قوص وأقام بها، وكف بصره، ومات في حدود العشرين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
ابن المعلم رشيد الدين أبو الفضل التيمائي
623 - 714ه - 1226 - 1314م إسماعيل بن عثمان بن عبد الكريم بن تمام بن محمد، العلامة رشيد الدين أبو الفضل، وقيل أبو الفدا القرشي التيمائي الحنفي المعروف بابن المعلم، شيخ الحنفية في زمانه.
ولد سنة ثلاث وعشرين وستمائة، سمع من الزبيدي ثلاثيات البخاري، وسمع مع العز النسابة وابن الصلاح وابن أبي جعفر، وتلا بالروايات عَلَى السخاوي وغيره، وكان رأساً في مذهبه، إماماً في الفقه وفروعه، والعربية والأصول، وله مشاركة في فنون، وحدث بمصر ودمشق، وكان ديناً زاهداً، مقتصراً في لباسه، متقشفاً، وعرض عليه قضاء دمشق فامتنع، واستمر عَلَى ما هو عليه من الاشتغال والأشغال إلى أن توفي بعد ولده الإمام تقي الدين يوسف في الخامس من شهر رجب سنة أربع عشرة وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
الملك المؤيد صاحب حماه
672 - 732ه - 1273 - 1331م إسماعيل بن علي بن محمد بن محمود بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب بن شادي، الملك المؤيد عماد الدين أبو الفدا صاحب حماه، ابن الملك الأفضل بن الملك المنصور ابن الملك المظفر بن الملك المنصور.(1/172)
ولد في جمادى الأولى سنة اثنتين وسبعين وستمائة، وحفظ القرآن العزيز وعدة كتب، وبرع في الفقه والأصول والعربية والتاريخ والأدب، وصار من جملة أمراء دمشق إلى أن كان الملك الناصر محمد بن قلاوون بالكرك في آخر مرة، خدمه المذكور وهو بدمشق، وبالغ في خدمته إلى أن وعده الملك الناصر محمد بسلطنة حماه، ووفي له بما وعده لما عاد إلى ملكه، وأعطاه حماه بعد الأمير أسندمر لما نقل إلى نيابة حلب بعد موت نائبها الأمير قبجق، وجعله صاحب حماه وسلطانها، يفعل فيها ما يشاء، ليس لأحد منعه كلام، ولا يرد عليه مرسوم من القاهرة بأمر ولا نهي، وتوجه من دمشق إلى القاهرة بسبب سلطنة حماه، فأكرمه الملك الناصر محمد بن قلاوون، وأركبه بشعار السلطنة، ومشى الأمراء والأكابر في خدمته، حَتَّى مشى الأمير أرغون النائب بالديار المصرية، وقام له الملك الناصر بكل ما يحتاج إليه من التشريف والإنعامات عَلَى وجوه الدولة والخيول بالقماش بالذهب وغير ذَلِكَ، ولقبه بالملك الصالح، وأمره بالتوجه إلى محل سلطنته بحماه، فخرج إليها من ديار مصر بتجمل زائد وعظمة عَلَى عادة الملوك، فوصلها في جمادى الآخرة سنة عشر وسبعمائة، ثم عن قليل غير السلطان لقبه ولقبه بالملك المؤيد، وذلك لما حج معه في سنة تسع عشرة وسبعمائة، وعاد معه إلى القاهرة، وأذن له أن يخطب باسمه بحماه وأعمالها، عَلَى ما كان عليه سلفه من ملوك حماه.
وكان الملك المؤيد في كل قليل يتوجه من حماه إلى القاهرة، ومعه أنواع الهدايا والتحف للملك الناصر محمد بن قلاوون، ويعود إلى محل سلطنته، ثم في كل قليل يتحف الملك الناصر بالأشياء الطريفة الغريبة، ثم رسم الملك الناصر لنواب البلاد الشامية بأن يكتبوا له: يقبل الأرض، فصار الأمير تنكز نائب الشام يكتب له: يقبل الأرض، وبالمقام الشريف العالي المولوي السلطاني العمادي الملكي المؤيدي، وفي العنوان صاحب حماه، ويكتب السلطان له أخوه محمد بن قلاوون، أعز الله أنصار المقام الشريف العالي السلطاني الملكي المؤيدي العمادي بلا مولوي.
ولم يزل المذكور بحماه مكباً عَلَى الاشتغال والتصنيف وحضرته محط رجال أهل العلم من كل فن، ومنزلاً للشعراء والفضلاء، عَلَى أنه هو إمام بارع مفنن، ماهر في الفقه والتفسير والأصلين والنحو والتاريخ وعلم الميقات والفلسفة والمنطق والطب، مع الاعتقاد الصحيح، والعروض والأدب والنظم والنثر، وكان للشعراء به سوق نافق.
وذكره الشيخ جمال الدين الإسنوي في طبقاته، وقال: اتفق قدومه إلى الديار المصرية في بعض السنين، واستدعاني إلى مجلسه عَلَى لسان الشيخ زين الدين ابن القويع فحضرت معه وصحبتنا الصلاح بن البرهان الطبيب المشهور، فوقع الكلام اتفاقا في عدة علوم فتكلم فيها كلاماً محققاً، وشاركناه في ذَلِكَ، ثم انتقل الكلام إلى علم النباتات والحشائش، فكلما وقع ذكر نبات صفته الدالة عليه، والأرض التي ينبت فيها، والمنفعة التي فيه، في استطراد في ذَلِكَ استطراداً عجيباً، وهذا الفن الخاص هو الذي كان يتبجح بمعرفته الطبيبان الحاضران وهما ابن القويع وابن البرهان، فإن أكثر الأطباء لا يدرون ذَلِكَ، فلما خرجا تعجبا إلى الغاية، وقال الشيخ زين الدين: ما أعلم أن ملكاً من ملوك المسلمين وصل إلى هذا العلم انتهى.
وقال الصلاح الصفدي: وكان الملك المؤيد فيه مكارم وفضيلة تامة، مع فقه وطب وحكمة وغير ذَلِكَ، وكان أجود ما يعرفه الهيئة لأنه أتقنه، وإن كان قد شارك مشاركة جيدة، انتهى باختصار.
قلت: وكان مع غزير علمه يميل إلى الشعر ميلاً زائداً، ويجيز عليه الجوائز السنية، وكان الأديب جمال الدين محمد بن نباته مقيماً عنده بحماه، وله عليه رواتب تكفيه، وله فيه غرر مدائح منها:
أقسمتُ ما الملك المؤيَّد في الورى ... إلا الحقيقةُ والكرام مَجَاز
هو كَعْبَةً للفضل ما بين النَّدى ... منها وبين الطالبين حِجاز
وله فيه وقد توعك بدنه:
يا جوهر الفضل إن عُدَّت فرائده ... حاشا لجسمك أن يشكو من العرض
لا رد سهمك عن لحظ العداة ولا ... نالوا من السهم ما نالوا من الغرض
صحَّت بصحَّتك الدنيا فليس بها ... غير الذي في جفون الغيد من مرض(1/173)
وفيه يقول العلامة شهاب الدين محمود من قصيدة:
لله نشر عاطر فاح من ... وادي حماه المشتهي خير واد
أضحت وقد شيد أرجاءها ... المولى عماد الدين ذات العماد
حمى حماها بأسه والندى ... فأهله من عدله في مهاد
وفيه يقول الأديب الشيخ جمال الدين بن نباته جواباً لمكاتبة:
فديتك من ملك يكاتب عبده ... بأحرفه اللاتي حكتها الكواكب
ملكت بها رقى وأنحلني الأسا ... فها أنذا عبد رقيق مكاتب
وكان له نظم ونثر وتصانيف كثيرة منها تاريخه المسمى بالمختصر في تاريخ البشر، ومنها نظم الحاوي في الفقه، وكتاب الكناس مجلدات كثيرة، وكتاب تقويم البلدان هذبه وجدوله، وكتاب الموازين وهو صغير.
ومن الغريب أنه كان يقول ما أظن أني أستكمل الستين سنة من العمر فما في أهلي، يعني بيت تقي الدين، من استكملها، فمات في أوائل الستين بتربته التي أنشأها بحماه.
وكان ملكاً عالماً، عادلاً سخياً جواد، ممدحاً، عاقلاً ديناً خيراً، ذا رأي وتدبير ومعرفة سياسة مع الحلم والرئاسة، صاحب معروف وصدقات، ذكياً فاضلاً، ذا همة عالية، ونفس زكية، محباً لأهل العلم والخير، كثير الإكرام لهم، يعطي العطايا الجزيلة، ويجيز عَلَى المدائح بالجوائز السنية.
ورثاه شاعره الشيخ جمال الدين أبو بكر محمد بن نباته المصري بعدة مرائي من ذَلِكَ مرثيته المشهورة التي أولها:
ما للنَّدي ما يلبَّي صوتَ داعية ... أظنُّ أنَّ ابن شادي قام ناعيه
ما للرَّجاء قد اشتدَّت مذاهُبه ... ما للزمان قد اسودَّتْ نَواحيه
مالي أرى المُلْك قد فُضَّت مواقفه ... مالي أرى الوقد قد فاضت أماقيه
نغى المؤيَّد ناعيه فوا أسَفَا ... للغْيث كيف غَدَتْ عنَّا غَوادَيه:
واروعتا لصباح من رزيته ... أظن أن صباح الحشر ثانيه
واحسرتاه لنظمي في مدائحه ... كيف استحال لنظمي في مراثيه
أبكيه بالدُّر من دمعي ومن كلمي ... والبحرُ أحسن ما بالدُّر أبكيه
أروي بدمْعي ثرى ملْك له شيم ... قد كان يذكرها الصَّادي فترويه
أزيل ماء جفوني بعده أسفا ... لماءِ وجْهي الذي قد كان يحْميه
جار من الدَّمع لا ينْفَكُّ يُطلقه ... من كان يطلق بالإنعام جاريه
ومهجة كلَّما فاهت بَلْوعتها ... قالت رزيَّة مولاها لها إيه
ليت المؤيد لا زادت عوارفُه ... فزاد قلبي المُعَنَّي من تَلَظَّيه
ليت الأصاغر يفدي الأكبرون بها ... فكانت الشُّهب في الآفاق تَفْديه
والقصيدة تزيد عَلَى خمسين بيتاً.
ومما اختاره الشيخ صلاح الدين منها في تاريخه ما خلال مطلع القصيدة والثاني والثالث قال ومنها:
هل لا بغير عماد البيت حادثة ... ألفت ذُراه وأوهت من مبانيه
هل لأثني الدهر غَرْبا عن محاسنه ... فكان كوكب شرقٍ في لياليه
ومنها:
كان المديح له عرش بدولته ... فأحسن الله للشعر العزا فيه
يا آل أيوب صبرا إنَّ إرثكم ... من اسم أيوب صبر كان ينجيه
هي المنايا عَلَى الأقوام دائرة ... كل سيأتيه منها دور ساقية
ومنها يخاطب ابنه:
ومن أبيك تعلمت الثناء فما ... نحتاج نذكر أمراً أنت تدريه
لا تخش بيتك أن يلوي الزمان به ... فإن للبيت ربَّا سوف يحميه
انتهى ما أورده الصلاح الصفدي.
ورثاه ابن نباته بمرثية أخرى، أولها:
ألا في سبيل الله فضل عزائم ... وعلم غدا في باطن الترب مغمدا
ومن شعره عفا الله عنه في مليح اسمه حمزة:
اسم الذي أنا أهواه وأعشقه ... ومَنْ أعِّوذُ قلبي من تجنِّيه
تصحيفُه في فؤادي لم يزل أبدّا ... وفوق وجْنته أيضا وفي فيه
وله أيضاً:
سرى مسرى الصّبا فعجبت منه ... من الهجران كيف صبا إليَّا
وكيف ألمّ بي من غير وعد ... وفارقني ولم يعطف عليّا(1/174)
أنشدني القاضي عبد الرحيم بن الفرات إجازة، قال أنشدني الصلاح الصفدي إجازة، قال أنشدني محمد بن نباته شاعره، قال أنشدني معز الدين محمود بن حماد الحموي كاتب السر بحماه لمخدومه السلطان الملك المؤيد ونحن بين يديه وهو أحسن ما سمعته في معناه:
أحسن به طرفا أفوت به القضا ... إن رمته في مطلب أو مهرب
مثل الغزالة ما بدت في مشرق ... إلا بدت أنوارها في المغرب
قال: وأنشدني له هذا الموشح أيضاً:
أوقعني العمر في لعلّ وهل ... ياويح مَنْ عمره مضى بلعل
والشيب وافي وعنده نزلا ... وفرّ منه الشباب وارتحلا
ما أوقح الشّيب الآتي ... إذ حلّ لا عن مرضاتي
قد أضعفتني السنون لا زمني ... وخانني نقص قوة البدن
لكن هوى القلب ليس ينتقص ... وفيه مع ذا من جرحه غصص
يهوى جميع اللذات ... كما له من عادات
يا عاذلي لا تطل ملامك لي ... فإن سمعي نأي عن العذل
وليس يجدي الملام والفَنَدُ ... في من صبابات عشقه جُدُد
دعني أنا في صبواتي ... أنت البريء من ذلاتي
كم سرني الدهر غير مقتصر ... بالكاس والغانيات والوتر
نمرح في طيب عيشنا الرغد ... طَرْفي وروحي وسائر الجسد
وكم صفت لي خطراتي ... وطاوعتني أوقاتي
مضى رسولي إلى معذّبتي ... وعاد في بهجة مجدَّدة
وقال: قالت تعالي في عجل ... لمنزلي قبل أن يجيء رجلي
واصعد وجز من طاقاتي ... ولا تخف من جاراتي
قال الصفدي وهذه الموشحة جيدة في بابها منيعة عَلَى طلابها، وقد عارض بوزنها موشحة لابن سناء الملك، رحمه الله تعالى، أولها:
عسى ويا قلما نفيد عسى ... أرى لنفسي من الهوى نفسا
مذ بان عني من قد كلفت به ... قلبي قد لجّ في تقلّبه
وبي أذى، شوق عاتي ... ومدمعي يومٌ شات
لا أترك اللهو والهوى أبدا ... وإن أطلت الغرام والفندا
أن شئت فاعذل فلست أستمح ... أنا الذي في الغرام أتبع
وتحتذي صباباتي ... وبدعي وعاداتي
بي ملك في الجمال لا بشر ... يُظْلم إن قيل إنّه قمر
يحسن فيه الولوع والوله ... وعزُّ قلبي في أن اذلّ له
خدّي حذا إن يأتي ... ويرتعي حشاشاتي
لست أذم الزمان متدياً ... كم قد قطعت الزمان ملتهياً
وظلت في نعمة وفي نعم ... يلتذ سمعي وناظري وفمي
ولا قذي في كاساتي ... ومرتعي في الجنَّات
وغادة دينها مخالفتي ... ولا ترى في الهوى محالفتي
وتستبيني ولست أسمعها ... فقلت قولا عساء يخدعها
ما هو كذا، يا مولاتي ... أجري معي في مأواتي
قال وموشحه السلطان رحمه الله نقصت عن موشحة ابن سنا الملك ما التزمه من القافيتين في الخرجة وهي الذال في كذا، والعين في معي، انتهى.
ابن عز القضاة
650 - 689ه - 1252 - 1290م إسماعيل بن علي بن محمد بن عبد الواحد، الشيخ فخر الدين أبو طاهر المعروف بابن عز القضاة.
كان في مبدأ أمره يتعانى الخدم الديوانية، وكان من جملة من يدخل عَلَى الملك الناصر صاحب دمشق مع الشعراء والندماء، ثم توجه إلى مصر في جفلة التتار، وعاد في طريقه عظيمة من الزهد والإعراض عن الدنيا، ولازم كتب الشيخ محي الدين بن العربي، ونسخ منها جملة، وواظب زيارة قبره الشريف، قدس الله سره، واشتهر بالخير والصلاح، وصار للناس فيه اعتقاد إلى أن توفي سنة تسع وثمانين وستمائة، وحمل إلى جامع دمشق. وكانت جنازته عظيمة، ودفن بتربة أولاد الزكي، ولم يخلف شيئاً من الدنيا، وكانت نفقته فرغت يوم مات، وقرأ الناس حوله القرآن، وتلوا ختمات كثيرة عَلَى قبره، وتفجع الناس عَلَى فقده، وكان له فضيلة.(1/175)
وله نظم ونثر وكتابة حسنة، ومن شعره:
كم أنت في حق الصديق تفرط ... ترضى بلا سبب عليه وتسخط
يا من تلوّن في الوداد أما ترى ... ورق الغصون إذا تغير يسقط
ومن شعره ما كتبه إلى الشيخ شرف الدين الرقي وهو مجاور بمكة، بعد نثر: من الخادم إلى سيده وأخيه في الله إن ارتضاه: أما بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فإني كنت أرجو بركة دعائه لما أظنه من عظيم عناية الله به، فكيف الآن وهو جار الله، فانضاف إلى عناية الله تعالى بسيدي عناية الوطن، وكان الخادم عند توجه الحاج نظم أبياتاً حسنة مشوقة إلى تقبيل الحجر المكرم، وهي هذه الأبيات:
أوفْدّ الله أعطاكم قبولا ... وكان لكم حفيظاً أجمعينا
إن الرحمن أذكركم بأمري ... هناك فقبلوا عنّي اليمينا
فإنّي أرتجي منه منايا ... لأنّ إليه في قلبي حنينا
وأرجو لثم أيد بايعته ... إذا عدتم بخير آمنينا
فأجابه الشيخ شرف الدين بقوله:
نعم أسعى عَلَى بصري ورأسي ... وألثم عنكم الركن اليمينا
نعم وكرامة وأطوف أيضاً ... بيت الله ربِّ العالمينا
وأنت أخي وخلّي ثم عندي ... كريم في إخائك ما بقينا
وأرجو أن نكون غدا جميعاً ... إلى وجه المهيمن ناظرينا
وله في طريقة الشيخ محي الدين بن عربي قدس الله سره العزيز:
يقولون دع ليلى لثني كيف لي ... وقد ملكت قلبي بحسن اعتدالها
واقسم ما عاينت في الكون صورة ... لَهَا الحسن إِلاَّ قلت: طيف فيا لَهَا:
ومن لي بليلى العامرية؟ أنها ... عظيم الغنى من نال وهم وصالها
في الشمس أدني من يدي لامس لها ... وليس السّها في بعد نقطة خالها
ولكن دنت لطفاً له فتنّزلت ... عَلَى عزها في أوجها وجلالها
وأبدت لنا مرآتها غيب حضرة ... غدت هي مجلاها وشر كمالها
فواجبها حبي وممكن جودها ... وصالي وعُدّوا سلوتي من محالها
وحسبي فخرا إن نسبت لحبها ... وحسبي قربا أن خطرت ببالها
العلامة تقي الدين القلقشندي شيخ الصلاحية
702 - 778ه - 1303 - 1376م إسماعيل بن علي بن الحسين، العلامة تقي الدين أبو الفدا بن الشيخ نور الدين القلقشندي المصري الشافعي، شيخ الصلاحية بالقدس الشريف.
مولده سنة اثنتين وسبعمائة فأخذ عن الفخر المصري وغيره لما قدم دمشق بعد الثلاثين وسبعمائة، وقد كان سمع قبل ذَلِكَ بالقاهرة صحيح البخاري عَلَى وزيرة الحجار، وبرع وتصدر للإفتاء والتدريس، وسكن بيت المقدس، ثم ولى تدريس الصلاحية واستمر ملازماً للاشتغال، وانتفع به الطلبة إلى أن مات في شهر جمادى الآخرة سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، عن نحو سبعين سنة، وكان معدودا من أعيان فقهاء الشافعية، رحمه الله تعالى.
الشيخ مجد الدين البرماوي
750 - 834ه - 1349 - 1431م إسماعيل بن علي بن عبد الله، الشيخ مجد الدين البرماوي الشافعي.
ولد في حدود الخمسين وسبعمائة. وطلب العلم وتفقه عَلَى مشايخ عصره، مثل شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني وغيره، وسمع الحديث وبرع في الفقه والأصول والعربية وغير ذَلِكَ، وتصدر للإفتاء والتدريس عدة سنين، وانتفع به وتفقه به جماعة، وخطب بجامع عمرو بمصر، وصنف وكتب، إلى أن توفي يوم الأحد رابع عشر جمادى الأولى سنة أربع وثلاثين وثمانمائة، رحمه الله تعالى
ابن الطبال
621 - 708ه - 1224 - 1308م إسماعيل بن علي بن أحمد بن إسماعيل، الشيخ المسند المعمر عماد الدين أبو الفضل الأزجي الحنبلي البغدادي، شيخ الحديث بالمستنصرية، يعرف بابن الطبال.
مولده سنة إحدى وعشرين وستمائة، وسمع حضوراً من أبي منصور بن عفيجة سنة أربع، وسمع جامع الترمذي من عمر بن كرم بإجازة من الكروخي، وسمع من أبي الحسن بن القطيعي وابن روزبة وجماعة، وأخذ عنه الفرضي وابن الفوطي وسراج الدين القزويني وابن خلف، وتوفي سنة ثمان وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
ابن المبارز
... - ... - 675ه - ...... - 1276م(1/176)
إسماعيل بن عمر، الأمير شجاع الدين الطوري الشهير بابن المبارز.
كان متولي نيابة قلعة دمشق، وكان فاضلاً أديباً عاقلاً، وافر الحرمة، يميل لفعل الخير، وله آثار جميلة بدمشق، وعمر أبراجا بقلعتها، وطالت أيامه بها إلى أن توفي بدمشق في سنة خمس وسبعين وستمائة.
ابن قرناص الحموي
602 - 659ه - 1206 - 1261م إسماعيل بن عمر بن قرناص، العلامة مخلص الدين الحموي.
هو من بيت مشهور بالفضل والنظم والنثر. وكان بارعاً، مفتياً مدرساً نحوياً، كثير الفضائل، أفتى بجامع حماه عدة سنين، مولده سنة اثنتين وستمائة، وتوفي سنة تسع وخمسين وستمائة.
ومن شعره:
أمَا والله لو شٌقَّت قلوب ... ليَعْلم ما بها من فرط حبِّي
لأرضاك الذي لك في ضميري ... وأرضاني رضاك بشقِّ قلبي
وله أيضاً:
فقد الأحبة مؤلم وبنا إذا ... ما غاب شخصك فوق ذاك المؤلم
إذ أنت من بين الأحبة منعم ... وأحقهم بالشوق وجد المنعم
الحافظ المفسر المؤرخ ابن كثير
701 - 774ه - 1302 - 1373م إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن ضوء بن ذرع، الشيخ الإمام العلامة عماد الدين أبو الفدا بن الشيخ شهاب الدين أبي حفص القرشي البصروي الدمشقي الشافعي، الحافظ المفسر المؤرخ المعروف بابن كثير.
مولده بقرية شرقي بصرى من أعمال دمشق في سنة إحدى وسبعمائة، ومات والده وهو في الرابعة فرباه أخوه الشيخ عبد الوهاب وبه تفقه في مبدأ أمره، ثم لازم الاشتغال، ودأب وحصل وكتب، وبرع في الفقه والتفسير والحديث، وسمع بدمشق من عيسى المطعم وأحمد بن الشيخة، والقاسم بن عساكر، وابن الشيرازي، واسحق الآمدي، ومحمد بن الزراد، وأجاز له من مصر أبو الفتح الدبوسي، وعلي بن عمر الواني، ويوسف الخنتي وغر واحد واحد، ولازم الحافظ جمال الدين المزي كثيراً، وبه انتفع، وتخرج، وتزوج بابنته، وقرأ أيضاً عَلَى ابن تيمية كثيراً، وسمع منهم ومن غيرهم أيضاً وجمع وصنف ودرس وحدث وألف، وكان له إطلاع عظيم في الحديث والتفسير والفقه والعربية وغير ذَلِكَ، وأفتى ودرس إلى أن توفي يوم الخميس سادس عشرين شعبان سنة أربع وسبعين وسبعمائة بدمشق، عن أربع وسبعين سنة، ورثاه بعض طلبته:
لفقدك طلاَّب العلوم تأَسفوا ... وجادوا بدمْع لا يبيد غزير
ولو مزجُوا ماء المدامع بالدِّما ... لكان قليلاً فيك يا ابن كثير
ومن مصنفاته تفسير القرآن الكريم في عشر مجلدات، وكتاب طبقات الفقهاء، ومناقب الشافعي، والتاريخ المسمى بالبداية والنهاية وأيضاً في عشر مجلدات، وهو في غاية الجود، وخرج أحاديث مختصر ابن الحاجب، وكتب عَلَى البخاري ولم يكمله، وله غير ذَلِكَ.
وقد ذكره الحافظ أبو عبد الله الذهبي في معجمه المختص، وقال: الإمام الفقيه المحدث البارع عماد الدين درس الفقه وأفتى وتفهم العربية والأصول، ويحفظ جملة صالحة من المتون والرجال وأحوالهم، وله حفظ ومعرفة، انتهى باختصار.
السلطان أبو الوليد صاحب الأندلس
680 - 726ه - 1281 - 1326م إسماعيل بن الفرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصير الأرجوني، السلطان أبو الوليد الغالب بالله صاحب الأندلس.
ولد سنة ثمانين وستمائة، واستولى عَلَى الأندلس ثلاث عشرة سنة وأبعد الملك أبا الجيوش خاله وقرر له وادي آش، لما وثب إسماعيل هذا كان أبوه الفرج متولياً لمالقة مدة فلما عزم إسماعيل عَلَى الخروج لامه أبوه الفرج، فقبض إسماعيل عَلَى أبيه، وعاش الأب في سلطة ولده عزيزاً إلى شهر ربيع الأول سنة عشرين وسبعمائة، وقد شاخ.
وكان القائم بتمليك إسماعيل المذكور أبو سعيد بن أبي العلا المريني وابن أخيه أبو يحيى، واستمر عَلَى ذَلِكَ إلى أن وثب عليه ابن عمه فقتله في ذي الحجة سنة ست وعشرين وسبعمائة، ثم قتل قاتله وأعوانه في يومهم، وتملك من بعده ابنه محمد بن إسماعيل واستمر في الملك أعواماً.
وكان صاحب الترجمة سلطاناً مهيباً شجاعاً، حازماً ناهضاً بأعباء الملك، عديم النظير، عظيم السطوة، هزم الله جيوش الكفر عَلَى يديه سنة تسع عشرة، وأباد ملوك دين الصليب، رحمه الله تعالى.
إسماعيل بن لؤلؤ صاحب الموصل
...... - 660ه - ... ... - 1262م إسماعيل بن لؤلؤ، الملك الصالح ركن الدين بن بدر الدين صاحب الموصل.(1/177)
كان تملك الموصل بعد موت أبيه إلى أن كان العشر الأول من شهر رجب سنة تسع وخمسين وستمائة وقع بين الملك الصالح هذا وبين أهل الموصل، فأرادوا القبض عليه ففطن لذلك وخرج من الموصل واستخلف فيها زوجته التترية ولم يستصحب معه شيئاً من المال فوصل إلى قرقسيا وكتب إلى أخيه الملك المجاهد إسحق بن لؤلؤ، وقد تقدم ذكره في محله، يعرفه بما وقع له وأنه عازم عَلَى التوجه إلى الملك الظاهر بيبرس صاحب مصر، ثم سار فوصل إلى القاهرة في أواخر شهر رجب فخرج الملك الظاهر إلى لقائه وأكرمه واحترمه وأنزله في دار الفائزي خارج باب القنطرة بالقاهرة، ثم وصل أخوه الملك المجاهد إسحق في شهر رمضان فخرج السلطان للقائه أيضاً وفعل معه كما فعل مع أخيه، ثم شرع السلطان في السفر إلى البلاد الشامية فسار ومعه الخليفة المستنصر بالله وأولاد الموصل: صاحب الترجمة وأخوه المجاهد.
فلما وصل الملك الظاهر دمشق جهز الخليفة وأولاد صاحب الموصل صحبته إلى العراق، وكان جملة ما صرفه عليهم الملك الظاهر من النفقة والتجهيز نيفاً عَلَى ألف ألف دينار مصرية، فلما وصلوا إلى الرحبة فارق أولاد الصاحب الموصل، الملك الصالح هذا والملك المجاهد إسحق، الخليفة فسألهم الخليفة المسير معه فأبوا وقالوا له: ما معنا إذن من الملك الظاهر بذلك وتوجهوا إلى بلادهم فوصلوا إلى سنجار، فكاتب الملك الصالح لمن كان بالموصل من أصحابه يستشيرهم فأشاروا عليه بالتوجه إليهم في ذي الحجة سنة تسع وخمسين ومعه نحو ثلاثمائة فارس، فدخل الموصل وأخوته بسنجار وهم الملك المجاهد إسحق المتقدم ذكره صاحب الجزيرة والملك المظفر علاء الدين صاحب سنجار والملك الكامل ناصر الدين محمد.
فلما استقر الملك الصالح بالموصل قصد التتار الموصل في أول سنة ستين ومقدمهم صندغون ومعهم الملك المظفر صاحب ماردين، فحاصروا الملك الصالح ونصب عليها التتار أربعة وعشرين منجنيقاً وضايقوها، ولم يكن بها سلاح يقاتلون به، ولا قوت يمسك رمق من بها، وبلغ الربع الإردب المصري خمساً وعشرين ديناراً، فعند ذَلِكَ استصرخ الملك الصالح بنائب حلب الأمير أقوش الرنلي فخرج إليه المذكور من حلب وسار إلى سنجار فلما بلغ صندغون ذَلِكَ سار بطائفته وأعوانه ممن كان معه عَلَى حصار الموصل. وعدتهم عشرة آلاف فارس، وقصد سنجار وبها الرنلي في نحو تسعمائة فارس وأربعمائة من التركمان ومائة من العرب، فخرج إليهم بعد أن تردد في قتالهم، فكانت الكسرة عليهم، فانهزم جريحاً في رجله، وقتل جماعة ممن كان معه منهم الأمير بهاء الدين يوسف ابن طرنطاي أمير جاندار الظاهري، وغيره من الأمراء، ونجا الأمير أقوش الرنلي في جماعة من الأمراء العزيزية والناصرية ووصل إلى البيرة.
وعاد صندغون إلى الموصل واستمر عَلَى حصارها إلى مستهل شعبان، فطلب صندغون من الملك الصالح ابنه علاء الملك، وأوهمه بأن كتاب هولاكو وصل ومضمونه أن علاء الملك بن الصالح ماله عندنا ذنب وقد وهبناه ذنب أبيه يعني ضعيفاً، فخرج إليهم علاء الملك فبقي عندهم اثني عشر يوماً ووالده يظن أنهم أرسلوه إلى هولاكو ثم كاتبوه يأمرونه بتسليم البلاد، وإن لم يفعل فلا يلومن إلا نفسه، فجمع الملك الصالح أهل البلد والجند وشاورهم، فأشاروا عليه بالخروج، فقال لهم: تقتلون لا محاله، واقتل بعدكم، فلم يلتفتوا إلى كلامه، فخرج إليهم يوم الجمعة خامس عشر شعبان، فلما وصل إليهم احتاطوا به ووكلوا به من يحفظه وتسلموا البلد، ونادوا فيها بالأمان، فلما أمن الناس وظهروا بعد اختفائهم قبضوا عليهم وفعلوا فيهم ما هو عادة فعلهم من القتل والأسر والسبي، وخربوا الأسوار، ثم وسطوا علاء الملك بن الملك الصالح هذا وعلقوه عَلَى باب الجسر، ثم قتلوا الملك الصالح في سلخ شوال سنة ستين وستمائة في طريقهم متوجهون إلى هولاكو. رحمه الله تعالى.
تاج الدين الهواري شيخ العربان
...... - 789ه - ...... - 1387م إسماعيل بن مازن، الأمير تاج الدين الهواري، شيخ العربان وأميرها بالوجه القبلي.
كان له ثروة وعظمة زائدة ومكارم أخلاق، وعنده شجاعة وإقدام، توفي سنة تسع وثمانين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
الملك الصالح صاحب بعلبك
ابن العادل محمد أبي بكر المعروف بأبي الجيش ...... - 648ه - ...... - 1250م(1/178)
إسماعيل بن محمد بن أيوب، الملك الصالح عماد الدين أبو الجيش بن الملك العادل.
كان صاحب بعلبك وبصري، ثم ملك دمشق بعد موت أخيه الأشرف موسى، واستمر أياماً إلى أن نازله أخوه الملك الكامل محمد وقاتله وأخذ دمشق منه، وعاد إلى بعلبك، ثم هجم بعد ذَلِكَ هو والملك المجاهد صاحب حمص عَلَى دمشق ثانياً، وملكها في سنة سبع وثلاثين وستمائة وبدت منه أشياء قبيحة، من ذَلِكَ أنه استعان بالفرنج عَلَى قتال ابن أخيه وأعطاهم حصن الشقيف، ثم أخذت منه دمشق في سنة ثلاث وأربعين وستمائة، وعاد إلى بعلبك أيضاً، فلم يتهنى بها، وحصلت له حروب وخطوب، فانكسر والتجأ إلى حلب، وخرجت من يده بصرى وبعلبك، وصار في خدمة ابن أخيه الملك الناصر يوسف صاحب حلب، فلما سار الملك الناصر لأخذ مصر وملك دمشق صار الصالح هذا له أمر في الدولة، فقبض عَلَى الشيخ عز الدين عبد العزيز ابن عبد السلام وعزله عن خطابه جامع دمشق وحبسه، وحبس أبا عمرو ابن الحاجب لأنهما كانا أنكرا عليه فعله من إعطائه الشقيف لصاحب صيدا الفرنجي، ثم أطلقهما بعد مدة، ثم سار الملك الصالح المذكور في خدمة ابن أخيه الملك الناصر لأخذ مصر، فأخذ في الوقعة وحبس بالقاهرة، ولما مروا به عَلَى تربة ابن أخيه الملك الصالح نجم الدين أيوب صاحت البحرية وهم غلمان نجم الدين: ياخوند أين عينك تبصر عدوك، وتوجهوا به إلى ناحية الجبل وقتلوه هناك، وعفى أثره، وكانت قتلته سنة ثمان وأربعين وستمائة.
وفيه يقول الأديب أحمد بن المعلم:
ضَيَّع إسماعيل أموالنا ... وخرَّب المغنى بلا معنى
وراح من جلق هذا جزاء ... من أفقر الناس وما استغنى
مجد الدين الحراني الحنبلي
646 - 729ه - 1248 - 1329م إسماعيل بن محمد بن إسماعيل، الشيخ الصالح شيخ الحنابلة مجد الدين الحراني الحنبلي.
مولده سنة ست وأربعين وستمائة، وقدم دمشق شاباً، فاشتغل وبرع في مذهبه، وأخذ عن ابن أبي عمر، وابن عبد الوهاب، والفخر البعلبكي، وابن المنجا، وابن الصيرفي وغيرهم، وتخرج به جماعة، وكان رأساً في الفقه، درس وأفتى واشتغل عدة سنين. وَكَانَ بقية السلف، ذا إخلاص وورع وزهد وعفة توفي سنة تسع وعشرين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
عماد الدين بن القيسراني
671 - 736ه - 1272 - 1336م إسماعيل بن محمد بن عبد الله، القاضي عماد الدين أبو الفدا بن القاضي شرف الدين بن صاحب فتح الدين بن القيسراني.
كان من بيت علم وفضل وأدب، وكان حسن المحاضرة، يميل إلى الصلحاء ويقضي حوائجهم، ويتلطف بهم، وكان يذكر من كرامات الصالحين شيئاً كثيراً، بحيث أنه لو أراد أن يذكر ذَلِكَ أياماً لذكر، وكان محظوظاً من النساء ويحضر السماع وكان خيراً ديناً. وكان في أول أمره موقعاً بباب السلطان، ثم ولى كتابة سر حلب، فباشرها بحرمة زائدة، فلم يسهل ذَلِكَ بنائبها الأمير الطنبغا، وقرب القاضي علاء الدين ابن الأثير، ولم يزل بعماد الدين حَتَّى عزل وتوجه إلى دمشق، فقربه نائبها الأمير تنكز وصار يعظمه، ويقول له: ما هنا مصري إلا أنا وأنت.
قلت: وروى عن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد وغيره، وحدث بدمشق، وتوفي بها في سنة ست وثلاثين وسبعمائة، ودفن بمقابر الصوفية.
ورثاه الشيخ صلاح الدين خليل الصفدي بقصيدة أولها:
أيُّ خطب به تلظَّى فؤادي ... وأسال الدموع مثل الغوادي
وأعاد الحمام يندب شجوا ... فوق فرع الأراكة الميَّاد
وكسى الأنجم الزواهر طرَّا ... في ظلام الدجى ثياب الحداد
قاضي القضاة عماد الدين بن أبو العز الحنفي
700 - 783ه - 1301 - 1383م إسماعيل بن محمد بن أبي العز بن صالح بن أبي العز، قاضي القضاة عماد الدين أبو الفدا بن شرف الدين أبي البركات الحنفي الدمشقي المعروف بابن أبي العز.
مولده قبيل سنة سبعمائة تخميناً، ونشأ بدمشق وتفقه عَلَى مشايخ عصره إلى أن برع في الفقه والأصلين والعربية وشارك في عدة فنون، وأفتى ودرس وصنف، وناب في الحكم بدمشق مدة طويلة، ثم استقل بوظيفة قضاء القضاة الحنفية بها، وحمدت سيرته.
الملك الصالح سلطان مصر
...... - 746ه - ...... - 1345م(1/179)
إسماعيل بن محمد بن قلاوون، الملك الصالح عماد الدين أبو الفدا بن الملك الناصر ناصر الدين أبي المعالي بن الملك المنصور.
جلس عَلَى تخت الملك بعد توجه أخيه الملك الناصر أحمد بن محمد بن قلاوون إلى الكرك، وسبب ذَلِكَ أن الأمراْء اجتمعوا بعد خروج الناصر أحمد من الديار المصرية إلى الكرك بالقلعة، وقالوا لمن يصلح الملك من أولاد أستاذنا؟ فأجاب الأمير بدر الدين جنكلي ابن البابا: يا أمراء أنتم أكابر الأمراء وأصهار السلطان وأزواج بناته وأنتم أخبر بأولاد أستاذكم، أبصروا من كان فيهم عاقلاً ديناً، ولوه عليكم، فقالوا: هذا سيدي إسماعيل، فأقامه الأمير بدر الدين جنكلي وأجلسه عَلَى كرسي الملك، وحلف له، وحلف الأمراء والعسكر، وجهز الأمير طقتمر الصلاحي إلى دمشق ليحلف الأمراء بها، فاستقر ملكه.
وكان جلوسه في يوم الخميس ثاني عشرين المحرم سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، وهو السلطان الرابع من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاوون، ولما استقر في الملك، ولى الأمير شمس الدين آق سنقر السلاري نائب السلطنة بديار مصر، كما كان أيام أخيه الملك الناصر أحمد، ثم أمسكه، وولى النيابة للأمير سيف الدين آل ملك، الآتي ذكره، ثم استولى النساء عليه ومال إليهن، وتزوج ابنه الأمير طقزدمر الحموي الناصري نائب الشام، وكان يميل إلى السودان من النساء، وصار المدبر لدولته الأمير أرغون العلائي.
ولم تطل مدته، وتوفي في العشرين من ربيع الأول سنة ست وأربعين وسبعمائة، فكانت مدة ملكه ثلاث سنين وشهر وثمانية عشر يوماً. وتسلطن بعده أخوه وشقيقه الملك الكامل، شعبان الآتي ذكره، إن شاء الله تعالى في محله.
ولما مات الملك الصالح قال الأديب صلاح الدين الصفدي فيه:
مضى الصَّالح المرجوّ للبأس والنّدى ... ومن لم يزل يلقي المنى بالمنائح
فيا ملك مصر كيف حالك بعده ... إذا نحن أثنينا عليك بصالح
وكان الملك الصالح سلطاناً ساكناً عاقلاً، قليل الشر كثير الخير، وكان شكلاً حسناً حلو الوجه: أبيض بصفرة، وعلى خده شامة، ولم يكن في أولاد الملك الناصر محمد مثله، ديناَ خيراً، رتب دروساً للقضاة الأربعة بمدرسة جده الملك المنصور فلاوون، وزاد في أوقاف جامع والده الملك الناصر محمد بالقلعة، وعمر أماكن بمكة، واسمه مكتوب عَلَى رباط السدرة ووقف قرية من ضواحي القاهرة بالقليوبية عَلَى الكسوة، ولم يزل مثابراً عَلَى فعل الخير إلى أن توفى، رحمه الله تعالى.
الشيخ الصالح أبو محمد الكوراني
...... - 665ه - ...... - 1267م إسماعيل بن محمد بن أبي بكر بن خسرو، الشيخ الصالح الزاهد العابد أبو محمد الكوراني المشهور.
كان كثير العبادة والتلاوة، وكان يتحرى في دينه، ويسأل العلماء كثيراً عما يشكل عليه، وكان متشدداً في دينه، توفي بمدينة عزة وهو قافل من القاهرة إلى القدس في سنة خمس وستين وستمائة، رحمه الله تعالى.
المحدث نفيس الدين الحراني الدمشقي
328 - 729ه - 1231 - 1329م إسماعيل بن محمد بن عبد الواحد بن إسماعيل بن علي بن صدقة، العدل الرئيس المحدث نفيس الدين الحراني الدمشقي، ناظر الأيتام.
ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة، وطلب العلم وسمع الموطأ من مكرم، وسمع بنفسه من ابن مسلمة وغيره، وحدث، وله دار هائلة برصيف دمشق، وقفها دار الحديث، وولى مشيختها تاج الدين الجعبري، وقرأ بها الحافظ علم الدين البرزالي، ونزل بها الشيخ أبو الحسن الختني وجماعة.
وكان إماماً فقيهاً، محدثاً ديناً خيراً، توفي سنة تسع وعشرين وسبعمائة بدمشق عن مائة سنة، رحمه الله تعالى.
ابن العديم هبة الله
610 - 694ه - 1213 - 1295م إسماعيل بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير بن هارون بن موسى بن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عامر بن أبي جرادة، الشيخ أبو صالح عرف بابن العديم الحنفي الحلبي.
مولده بحلب سنة عشر وستمائة. وسمع بها من جده أبي غانم محمد، وقدم مصر وحدث بها جزء أبي علي الكندي بسماعه من الحسين بن صصري، وكان من بيت رئاسة وعلم، ومات في المحرم سنة أربع وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
ابن سليم السويدي الدمشقي
623 - 716ه - 1236 - 1316م إسماعيل بن يوسف بن نجم مكتوم بن أحمد بن محمد بن سليم السويدي الدمشقي الشافعي.(1/180)
ولد سنة ثلاث وعشرين وستمائة، وسمع من ابن اللتي كثيراً، ومن مكرم، وأبي نصر بن الشيرازي، إسماعيل بن مظفر، والسخاوي وغيرهم، وتفرد وتكاثر عليه الطلبة، وقرأ القراءات عَلَى الشيخ علم الدين السخاوي، وهو آخر من قرأ عليه، وكان حسن الأخلاق، سهل القياد، وله ثروة، وحج وحدث بالحرم الشريف، سمع منه ابنا شمس الدين، وصلاح الدين العلائي، والقاضي تقي الدين السبكي والواني، وابن الفخر وخلق كثير، وكانت وفاته في سنة ست عشرة وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
الشيخ إسماعيل الأنبابي المعتقد
...... - 790ه - ...... - 1388م إسماعيل بن يوسف، الشيخ المعتقد الصالح عماد الأنباني المشهور صاحب الكرامات والأحوال.
كان مقيماً بزاويته بناحية منبابة عَلَى شاطئ النيل تجاه بولاق.
قال المقريزي: الشيخ المعتقد المشهور أحد من تشفيت به العامة إذا مسها الضر، ويزعمون أن سره يجلب لهم النفع، ويدفع عنهم السوء والمكروه، عادة سوقا السفهاء من أهل مصر، عافانا الله منها. كان أبوه أحد الفقراء السطوحية، وله سمعة وشهرة بناحية أنبوبة من بر الجيزة غربي القاهرة، وله بها زاوية، فنشأ إسماعيل واشتغل بالفقه عَلَى مذهب الإمام الشافعي رحمه الله، وأقبل الناس لزيارته بعد موت أبيه وتبركوا به، وصار يعمل المولد النبوي في كل سنة، فيأتيه الناس من الأقطار، وترحل إليه من الأطراف، وتخرج بياض أهل مصر والقاهرة إليه، وتضرب بظاهر زاويته الخيم، ويعقد سوق، ويجتمع من النسوان والشباب خلق كثير، فأذكر أنه عمل المولد عَلَى عادته في شهر ربيع الأول سنة تسعين وسبعمائة، فهرع الناس لحضور المجتمع حَتَّى غص الفضاء بكثرة العالم، وتنوعوا تلك الليلة في الفسوق، لكثرة اختلاط النسوان والمردان بأهل الخلاعة، فتواتر الخبر أنه وجد في صبحة تلك الليلة من جرار الخمر التي شربت بالليل فوق الخمسين فارغة، ملقاة حول الزاوية في المزارع، وافتضت تلك الليلة عدة أبكار، وأوقدت شموع بمال كثير، فبعث الله يوم الأحد بكرة صباح ليلة المولد المذكور قاصفا من الريح كدرت عَلَى من كان هناك، وسفت في وجوههم التراب، واقتلعت الخيم، ولم يقدر أحد عَلَى ركوب البحر، ولم يعد يعمل مولداً بعدها، فإن الشيخ مات في آخر شعبان من سنة تسعين وسبعمائة، ودفن بزاويته، وقد اجتمعت به، فلم أر فيه ما يقتضي الذم ولا المدح، سوى أنه كان يمد يده لمن يأتيه حَتَّى يقبلها، وظهر لي منه أنه حريص عَلَى الرئاسة، عفر الله له. انتهى كلام المقريزي.
إسماعيل الزنديق
...... - 720ه - ...... - 1320م إسماعيل الزنديق.
قتل في الزندقة، قتله قاضي القضاة تقي الدين الأخنائي المالكي في ثالث عشرين صفر سنة عشرين وسبعمائة بين القصرين.
قال القاضي بدر الدين محمود العيني: أخبر الشيخ أبو بكر بن الفرج الهيثمي: قال: لما كانت الليلة التي قتل إسماعيل الزنديق في صبيحتها رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنه في جامع الحاكم ومعه لوط عليه السلام، وهما قائمان، فسلمت عليهما فردا علي السلام، وقال لي النبي صلى الله عليه وسلم قل: لتقي الدين ابن الأخنائي يقتل هذا، أما سمعت ما قاله في بني الله لوط. انتهى.
أسنباي الزرد كاش
...... - 852ه - ...... - 1448م أسنباي بن عبد الله الظاهري الزردكاش، الأمير سيف الدين.
هو من أعيان المماليك الظاهرية برقوق. اشتراه برقوق لما كان أتابكا في سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة، وأعتقه ورقاه إلى أن صار من جملة زردكاشية السلطان، واستمر عَلَى ذَلِكَ إلى أن مات الملك الظاهر برقوق، وتسلطن ولده الملك الناصر فرج وقدم تيمورلنك إلى البلاد الشامية في سنة ثلاث وثمانمائة، وحصل منه ما ذكرناه في عدة تراجم من أسره للمسلمين والإسراف في القتل، فكان أسنباي المذكور من جملة من أسر من العساكر المصرية.(1/181)
حدثني أسنباي المذكور من لفظه ما معناه قال: لما صرت من جملة الأسرى طلبني تيمور إلى بين يديه، فلما أوقفت بعيداً قربني منه فسألني عن جنسي، فقلت له: تترياً، فقال: من مماليك برقوق أنت؟ فقلت: نعم، فقال: خصيصاً كنت عنده، فقلت: لا أعلم، هنا ممن يعرفني من الأسراء جماعة كثيرة يسأل الأمير منهم عني، فأعجبه ذَلِكَ مني، ثم قال: إيش كان وظيفتك عند السلطان؟ فقلت جبجي، يعني زردكاشا، فعند ذَلِكَ أمر المحتفظ بي أن يفك عني القيود، فأطلقت، ثم ألبسني خلعه، وجعلني زردكاشا له، وأسلمني جميع خزائن سلاحه، وكان في زردخاناته من السلاح مالا يحصره كثرة، وصرت مقرباً عنده إلى الغاية، حَتَّى حصر بغداد، طلبني تيمور وقال لي: يا أسنباي هذا يومك، فلما سمعت منه ذَلِكَ اجتهدت في عمل آلات الحصار، وأبدعت وأتيت بالغرائب بحيث أنه ألبسني في تلك الأيام عدة خلع، انتهى كلام أسنباي.
قلت: ودام أسنباي هذا بخدمة تيمورلنك إلى أن مات في سنة سبع وثمانمائة، ووقع الخلف بين أولاده، فعند ذَلِكَ خرج من العجم عائداً إلى الديار المصرية، وقدم إلى القاهرة، واستمر بها إلى أن تسلطن الملك المؤيد جعله من جملة أمراء العشرات وزردكاشا كبيراً، واختص به، واستمر مقرباً عنده إلى أن مات المؤيد وآل الأمر إلى الملك الظاهر ططر، عزله من الزردكاشية بالأمير قجقار جغتاي السيفي بكتمر جلق، واستمر أسنباي المذكور من جملة أمراء العشرات إلى أواخر الدولة الأشرفية برسباي، نقل إلى نيابة دمياط فاستمر بها إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق، عزل وطلب إلى القاهرة، وصار كما كان أولاً عَلَى إمرته، إلى أن توفي سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وله نحو تسعين سنة. وهو مستمتع بحواسه.
وكان تركي الجنس، وعنده فصاحة ومعرفة وعقل، حافظاً لما رأى من الحوادث.
وكان بيننا صحبة أكيدة، وهو أحد من كنت آخذ عنه تراجم من لا أدركته من الأمراء الظاهرية، واجتمع مرة عندي مع الشيخ تقي الدين المقريزي، فلما اجتمعا أخذا في ذكر ما جرى من الحوادث في الدولة الظاهرية برقوق وهلم جرا إلى دولة الأشراف برسباي، فسكت المقريزي وتكلم أسنباي عَلَى الأنصاف إلى أن انصرفا وتفرقا، ثم بعد ذَلِكَ سألت عنه من الشيخ تقي الدين فقال: ما رأيت من يحفظ الحوادث والوقائع برمتها مثل هذا.
قلت: وكان قيل في الدولة الأشرفية أن أسنباي المذكور أصله من أتراك بغداد الأشراف، ولم أسمع منه ذَلِكَ، بل أشيع هذا عَلَى أفواه الناس. انتهى.
أسنباي الساقي
...... - 860ه - ...... - 1456م أسنباي بن عبد الله الجمالي الظاهري، الأمير سيف الدين.
أحد خواص الملك الظاهر جقمق ومماليكه، اشتراه في أوائل سلطته، وأعتقه ورقاه إلى أن جعله خاصكياً ثم سلاح دار ثم ساقياً، واستمر عَلَى ذَلِكَ مدة سنين إلى أن أنعم عليه بإمرة عشرة بعد موت اينال المؤيدي المعروف بأخي قشتم في سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة.
أسنبغا البكري
...... - 777ه - ...... - 1375م أسنبغا بن بكتمر البكري، الأمير سيف الدين.
كان ممن أنشأه الملك الأشرف شعبان بن حسين، وشقلت به الأحوال، إلى أن ولي نيابة حلب في سنة سبعين وسبعمائة عوضاً عن الأمير طيبغا الطويل، فباشرها ستة شهور ثم عزل ونقل إلى الديار المصرية أمير مائة ومقدم ألف بها، فاستمر عَلَى ذَلِكَ إلى أن مات سنة سبع وسبعين وسبعمائة عن بضع وسبعين سنة.
وكان أميراً جليلاً، عارفاً حبيراً بالوقائع وغيرها، قديم الهجرة، ظاهر الحرمة والوقار والسكون، حسن الكتابة، طيب الأخلاق، لين الجانب. رحمه الله تعالى.
أسنبغا المحمودي
...... - 763ه - ...... - 1362م أسنبغا بن عبد الله المحمودي، الأمير سيف الدين نائب طرابلس.(1/182)
أنشأه الملك الناصر محمد بن قلاوون، وترق بعد موته، وتوجه عَلَى البريد إلى الشام مبشراً بجلوس الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون عَلَى تخت الملك بعد قتل أخيه الملك المظفر حاجي بن محمد بن قلاوون في شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، فحلف الأمير أرغون نائب الشام والعساكر الشامية، ثم عاد إلى مصر ودام بها إلى أن ولي نيابة طرابلس في صفر سنة ستين وسبعمائة، فباشر نيابة طرابلس إلى أن عزل عنها بالأمير زين الدين أُغُلْ بَكْ الجاشنكير الحاجب بحلب، وقبض عليه وحمل إلى الإسكندرية، فاعتقل بها إلى أن أفرج عنه بعد خلع الناصر حسن، وأنعم عليه في الأيام المنصورية محمد عند توجهه إلى دمشق في شعبان سنة اثنتين وستين بإمرة طبلخاناه بحلب، فتوجه إليها، وأقام بها إلى أن مات في جمادى الآخرة سنة ثلاث وستين وسبعمائة. رحمه الله تعالى.
أسنبغا الطياري
...... - 857ه - ...... - 1453م أسنبغا بن عبد الله الناصري الطياري، الأمير سيف الدين رأس نوبة النوب.
قدم من بلاده وهو في سن التمييز صحبة الملك الظاهر جقمق، لكن جالبهما غير واحد، فإن تاجر الملك الظاهر جقمق كان الخواجا كَزْلك، بكاف مفتوحة وزاي ساكنة، وكان تاجر أسنبغا هذا الخواجا عبد الرحمن، فقدم به تاجره المذكور إلى الديار المصرية فابتاعه منه الأمير الوزير ناصر الدين محمد بن رجب وأعتقه واستمر بخدمته إلى أن توفي، خدم عند الأمير سودون الطيار، وبه عرف، وغلب عليه شهرته بالطياري، واختص به، وصار دواداره والمتحدث عنه في جميع أموره إلى أن توفي يوم الثلاثاء ثامن عشرين شوال سنة عشرة وثمانمائة، وبعد موت أستاذه سودون الطياري اتصل بخدمة الملك الناصر فرج وحظي عنده، وصار من جملة الدوادارية الصغار، إلى أن توفي الناصر تنقلت باسنبغا المذكور الأحوال إلى أن صار في الدولة الأشرفية برسباي أمير عشرة، ثم خلع عليه بعد مدة باستقراره مقدم البريدية بعد موت بيبغا، ثم رسم له بالتوجه إلى شد بندر جدة بالبلاد الحجازية لحصد أموال السلطنة بها في سنة ست وثلاثين وثمانمائة عَلَى عادة من تقدمه، فتوجه المذكور إليها وباشر البندر أحسن مباشرة، وحسنت سيرته، ولم يسلم من الحساد وأوغروا خاطر الملك الأشرف عليه، فرسم بمسكه ومصادرته ثم بنفيه إلى مدينة طرابلس، فتوجه المذكور إلى طرابلس فلم يلبث بها إلا يسيراً، وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه بها، ثُمَّ نقل إلى دمشق، فيما أظن، ثم طلب إلى ديار مصر، وأنعم عليه بأمرة عشرة بها، ثم نقل إلى الحجوبية الثانية وإمرة طبلخاناه، ودام عَلَى ذَلِكَ إلى أن توفي الملك الأشرف برسباي في ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وتسلطن من بعده ولده العزيز يوسف نقل أسنبغا من الحجوبية الثانية إلى الدوادارية الثانية بعد الأمير اينال الأبي بكري بحكم انتقال إينال إلى إمرة مائة وتقدمه ألف، فباشر الدوادارية إلى أن نقله الملك الظاهر جقمق إلى إمرة مائة وتقدمة ألف وتولى الدودارية عوضه الأمير دولات باي المحمودي الأمير آخور الثاني، واستقر في الأمير آخورية الثانية عوضه الأمير جرباش المحمدي الناصري المعروف بكرت، كل ذَلِكَ في سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، فاستمر اسنبغا من جملة الأمراء مقدمي الألوف من يوم تاريخه إلى شهر ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، استقر رأس نوبة النوب بعد موت الأمير تمرباي التمربغاوي.
أسندمر الناصري الأتابك
...... - 769ه - ... ... - 1368م أسندمر بن عبد الله الناصري، الأمير سيف الدين، أتابك العساكر بالديار المصرية.(1/183)
أصله من مماليك الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون، وممن وافق يلبغا العمري الخاصكي عَلَى قتل أستاذه السلطان حسن، واستمر المذكور من حزب يلبغا، وصال أمير مائة ومقدم ألف بديار مصر إلى أن وقع من أمر يلبغا مع ممالكيه وانضمامهم عَلَى الملك الأشرف شعبان عَلَى ما سنحكيه في غير موضع إن شاء الله تعالى، كان اسندمر هذا أيضاً ممن انضم مع يلبغا ووافقه، ووقعت خطوب وحروب آلت إلى قتل يلبغا، وإلى أن صار اسندمر المذكور أتابكاً بعده، وسكن بدار يلبغا بالكبش، وصار هو وثلاثة أمراء آخر، هم أصحاب الحل والعقد في المملكة، وهم أسندمر هذا، وطغيتمر النظامي، وآقبغا جلب الأحمدي، وقجماس الطازي، فأقاموا عَلَى ذَلِكَ مدة ثم وقع بينهم الخلف، فصار أسندمر وحده، وانضم هؤلاء الثلاثة إلى الملك الأشرف شعبان، وانضم عَلَى أسندمر جماعة من الأمراء ومن مماليك يلبغا، إلى أن كانت ليلة الأحد سابع شهر شوال سنة ثمان وستين وسبعمائة، ركب الأمراء جميعهم نصف الليل، ونزل السلطان معهم، ودقت الكوسات، وكان قصد الأمراء مسك أسندمر الناصري هذا، ومسك بعض مماليك يلبغا الأشرار، فلم يركب أسندمر إلى طلوع الشمس، ثم ركب من الكبش بمن معه وراح إلى قبة الصفراء ونزل إلى القرافة، وطلع من خلف القلعة، ولم يعلم به الأمراء إلا وهو تحت الطبلخاناه السلطانية، فهرب أكثر الأمراء إلا الجاي اليوسفي وأرغون تتر فهما ثبتا وقاتلا بمن معهما إلى قريب الظهر، فلم يردفهما أحد من الأمراء، فانكسرا وجرح آقبغا جلب، وقتل الأمير دروط ابن أخي الحاج آل ملك وقبض أسندمر هذا عَلَى عدة من الأمراء مقدمي الألوف وهم: طغيتمر النظامي، واقبغا جلب، وأيدمر الشامي، والجابي اليوسفي، وقجماس الطازي، وأقطاي، وأرغون، وقطلو بغا جركس، ومن الطبلخانات: يلبغا شقير، وقرا بغاشاد الأحواش، وطاجار من عوض، وقطلوبغا الشعباني، وأيدمر الخطاي وتمراز الطازي، واسن الناصري، وقراتمر المحمدي، وقرابغا الأحمدي، أخو جلب، وأرسلوا الجميع إلى سجن الإسكندرية، ثم في حادي عشر شوال خلع عَلَى جماعة من الأمراء المقدمين بطول الشرح في تسميتهم.
وصار أسندمر هذا هو مدبر الممالك يقدم من شاء ويؤخر من شاء، ودام عَلَى ذَلِكَ إلى يوم الجمعة سادس صفر من سنة تسع وستين وسبعمائة، ركبت مماليك يلبغا الإجلاب ودخلوا عَلَى أسندمر فمسك منهم جماعة، وأراد سكون الفتنة بذلك، فأصبحوا يوم السبت أيضاً لابسين آلة الحرب، ودخلوا عَلَى أسندمر وطلبوا منه خلع الملك الأشرف، وكان أسندمر قد تغير عَلَى الأشرف لأمور صدرت منه في حقه، فوافقهم عَلَى ذَلِكَ، فبلغ الأشرف فركب وركب معه نحو مائتين مملوك، وكانت مماليك يلبغا فوق ألف وخمسمائة مملوك، وأنضاف إلى السلطان جماعة من أكابر الأمراء وجاؤا مماليك يلبغا، فتلاقوا مع الأمراء والسلطان، وكان أسندمر أخذ جماعة وطلع من خلف القلعة كما فعل في تلك المرة الأولى فانكسرت مماليك يلبغا قبل وصوله، فانهزم أسندمر أيضاً، ثم أمسك وجئ به إلى الملك الأشرف، فلما حضر بين يدي السلطان شفعت فيه الأمراء فأطلقه وخلع عليه عَلَى عادته ونزل إلى بيته بالكبش، ورسم أيضاً لابن قوصون أن يكون أتابكا رفيقاً لأسندمر، ونزل خليل ابن قرصون معه صفة الترسيم إلى بيته، فلما نزلا تحالفا وخامرا عَلَى السلطان، وركبا بسوق الخيل من الغد، قاتلا السلطان ساعة، ثم انهزما، وأمسك أسندمر وخليل بن قوصون وجماعة من الأمراء وأرسلوا إلى الإسكندرية، وأطلق من كان بها من الأمراء المسجونين قبل تاريخه، ووقع السيف في مماليك يلبغا وتشتت شملهم، واستمر أسندمر هذا محبوساً إلى أن مات في شهر رمضان سنة تسع وستين وسبعمائة بثغر الإسكندرية، رحمه الله تعالى.
أسندمر الكرجي نائب حلب
...... - 711ه - ...... - 1311م أسندمر بن عبد الله الكرجي، الأمير سيف الدين.(1/184)
كان أولاً من جملة الأمراء بالديار المصرية، ثم ولى نيابة طرابلس، فلما وليها مهد بلادها، وسفك بها الدماء بأنواع القتل في المفسدين، وعظم أمره وقويت حرمته، ولما توجه الملك الناصر محمد بن قلاوون من الكرك إلى القاهرة، كان المذكور متولياً طرابلس فنقله الناصر إلى نيابة حماه، فباشرها مدة إلى أن نقل إلى نيابة حلب عوضاً عن الأمير قبجق المنصوري، وأعطى الملك الناصر حماه للملك المؤيد إسماعيل صاحب حماه، وجعلها سلطنه كما ذكرناه في ترجمة الملك المؤيد إسماعيل بن علي المتقدم ذكرها، وذلك في سنة عشر وسبعمائة فباشر نيابة حلب مدة يسيرة إلى أن قدم عليه الأمر كراي من قبل الملك الناصر وقبض عليه وتوجه به إلى القاهرة، ثم نقل إلى الكرك فسجن بها إلى أن مات في سنة إحدى عشرة وسبعمائة.
وذكره الحافظ أبو عبد الله الذهبي في ذيل العبر قال: كان بطلاً شجاعاً سائساً ذا هيبة، جباراً ظلوماً غشوماً سمع بقراءتي صحيح البخاري، انتهى كلام الذهبي باختصار.
وقال الصفدي: كان يحب الفضل، وله ذوق، ويسأل عن الغوامض، وحضرت من عنده مرة فتيا تتضمن: أيما أفضل الولي أم الشهيد؟ والملك أو النبي؟ فصنف الشيخ صدر الدين بن الوكيل فِي ذَلِكَ مصنفاً، والشيخ كمال الدين بن الزملكاني مصنفين والشيخ برهان الدين بن تاج الدين الفزاري فيما أظن، والشيخ تقي الدين بن تيميه، ثُمَّ قال: وَكَانَ أكولاً منهوماً، يقال أنه بعد العشاء يعمل له خروف رضيع مطجن وصحن حلاوة سكب يأكلهما وحده انتهى.
أسندمر العمري
...... - 761ه - ...... - 1359 أسندمر بن عبد الله العمري، الأمير سيف الدين، نائب طرابلس.
أصله من مماليك الناصر محمد بن قلاوون، أنشأ إلى أن جعله من جملة الأمراء بديار مصر، ثم ولى نيابة حماه عوضاً عن طقتمر الأحمدي، فدام بحماه إلى أن برز الأمير يلبغا نائب الشام إلى الجسور في أواخر دولة الملك الكامل، فحضر الأمير أسندمر هذا إلى عنده، واشتركا في عمل المصلحة ثم عاد إلى محله إلى أن نقله الملك المظفر حاجي إلى نيابة طرابلس، فباشر نيابة طرابلس إلى أن طلب إلى القاهرة وعزل بالأمير منكلي بغا الفخري أمير جندار في أواخر المحرم سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، ثم أعيد إلى نيابة حماه في جمادى الآخرة سنة خمسين، وتوجه منها بالعساكر إلى سنجار في سنة إحدى وخمسين، وعاد إليها إلى أن عزل بالأمير طَانْ يرق، ثم أعيد إليها ثالث مرة فِي ذي الحجة سنة خمس وخمسين، وقبض عليه بدمشق في سنة ستين، وحمل إلى الإسكندرية فحبس بها إلى أن مات في المحرم سنة إحدى وستين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
أسندمر اليونسي
...... - 793ه - ...... - 1391م أسندمر بن عبد الله اليونسي، الأمير سيف الدين، أحد مقدمي الألوف بديار مصر من قبل منطاش في دولة المنصور حاجي.
ودام عَلَى ذَلِكَ مدة يسيرة وقبض عليه الملك الظاهر برقوق بعد هزيمة منطاش وفراره إلى البلاد الشامية فحبس المذكور مدة قليلة، وقتل بالقاهرة سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
أسندمر النوري
...... - 848ه - ...... - 1444م أسندمر بن عبد الله النوري الظاهري، الأمير سيف الدين.(1/185)
أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق، ومن آنيات الأمير جركس القاسمي المصارع بطبقة الزمام، وترقي بعد موت أستاذه الملك الظاهر برقوق إلى أن تأمر في آخر الدولة الناصرية فرج عشرة، ثم صار من جملة أمراء الطبلخانات في الدولة المؤيدية شيخ، ثم صار بعد موت المؤيد شيخ من جملة أمراء الألوف بالديار المصرية، وولي نيابة الإسكندرية في أوائل الدولة الأشرفية برسباي بعد الأمير فارس، فاستمر في نيابة الإسكندرية إلى أن فر من سجنها الأتابك جانبك الصوفي في العشر الأول من شهر شعبان سنة ست وعشرين وثمانمائة، وبلغ السلطان ذَلِكَ وشق عليه إلى الغاية، واستمر إلى أن هلَّ شهر شوال أرسل بطلب أسندمر المذكور من الإسكندرية، فحضر في رابع عشرة، وقبل الأرض ونزل، فلم يكن بعد ساعة إلا وقد نزل إليه السيفي يلخجا الساقي الناصري بسفره إلى دمياط بطالاً، فأخذه يلخجا المذكور وتوجه به إلى الثغر وعاد، وولي نيابة الإسكندرية من بعده الأمير آقبغا التمرازي أمير مجلس، فدام أسندمر بالثغر مدة ثم أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، فتوجه إلى دمشق ودام بها إلى أن تسلطن الملك العزيز يوسف بعد موت أبيه الملك الأشرف، ثم آل الأمر إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق وأرسل بطلبه إلى القاهرة وأنعم بإقطاعه تقدمه ألف بدمشق عَلَى الأمير مغلباي الجقمقي استادار الصحبة، وقدم الأمير أسندمر إلى القاهرة، وهو يظن كل خير فإنه كان آنياً لأخي السلطان الأمير جاركس كما تقدم ذكره، وقد تقدم جماعة من مماليك جركس عند السلطان في دولته، فكيف وأسندمر من رفقة جركس وأقصائه، وقد حكى لي أسندمر من لفظه قال: لما بلغني أن الملك الظاهر جقمق تسلطن قلت في نفسي الآن صرت من أعيان المملكة وأحد أكابرها، فلما طلبت تحققت ما قد ظننته في نفسي، وها أنا قد حضرت وتعلم ما وقع لي معه انتهى.
قلت: ولما أحضر أسندمر إلى القاهرة وقبل الأرض بين يدي السلطان وعد بكل خير، وما مواعيدها إلا الأباطيل، ونزل إلى دار سكنها وأخذ يترقب الوعد الشريف، وطالت الأيام به وكلما كُلِّم السلطان في أمره يسوف به من وقت إلى وقت، وأسفرت القضية عَلَى أن كتب له جامكية في كل شهر خمسة آلاف درهم عَلَى ديوان المفرد، وصار كآحاد الأجناد إلى أن توفي سنة ثمان وأربعين وثمانمائة بالقاهرة وهو في حدود السبعين.
وكان سامحه الله مهملاً جداً، مسرفاً عَلَى نفسه، صار لا يطيق الحركة لكبر سنه وضعف بدنه إلا بجهد، وهو عَلَى ما هو عليه، وكان سليم الباطن، متواضعاً قليل المعرفة، كثير التغفل، وكان تركي الجنس، خفيف اللحية أبيضها، أحمر اللون، معتدل القد نحيفاً، رحمه الله تعالى.
أسندمر الجقمقي
...... - 864ه - ...... - 1459 أسندمر بن عبد الله الجقمقي، الأمير سيف الدين.
كان بخدمة الأمير جقمق الأرغون شاوي الدوادار، ثم اتصل بعد موته بخدمة الأمير برسباي الدقماقي، فلما تسلطن برسباي جعل أسندمر هذا خاصكيا، ثم جعله سلاح دار، ودام عَلَى ذَلِكَ دهراً طويلاً إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر جقمق بإمرة خمسة بعد الأمير بيسق اليشبكي، فاستمر عَلَى ذَلِكَ مدة، وأنعم عليه بإمرة عشرة بعد موت الأمير أركماس المؤيدي في سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة.
باب الألف والشين المعجمة
إشقتمر الناصري
...... - 791ه - ...... - 1389م إشِقْتُمر بن عبد الله المارديني الناصري، الأمير سيف الدين.(1/186)
أحد أعيان الأمراء الأكابر في عدة دول، أصله من مماليك صاحب ماردين، وبعثه إلى الملك الناصر حسن فرباه الناصر وأدبه وكان يعرف ضرب العود ويحسن قول الموسيقى، ويعرف عدة فنون، ولما رأى منه الناصر حسن الحزم والمعرفة قربه وأدناه وأمره، ثم تنقل بعد موت أستاذه السلطان حسن في عدة وظائف إلى أن ولاه الملك الأشرف شعبان بن حسين نيابة حلب بعد وفاة الأمير قطلوبغا الأحمدي، فباشرها نحوا من سنة ونصف، وعزل عنها في شهر رجب في سنة ست وستين بالأمير جرجي الناصري الإدريسي، ثم ولى نيابة طرابلس عوضاً عن الأمير قشتمر المنصوري بحكم إحضاره إلى القاهرة فدام في نيابة طرابلس إلى أن أعيد إلى نيابة حلب عوضاً عن قشتمر المنصوري أيضاً في سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، وولي من بعده نيابة طرابلس الأمير أيدمر الدوادار، فباشر نيابة حلب سنتين، وعزل في سنة ثلاث وسبعين عنها بالأمير أيدمر الدوادار، وأعيد إلى نيابة طرابلس والسواحل عوضاً عن الأمير أيدمر المذكور، ثم أعيد إلى نيابة حلب مرة ثالثة عوضاً عن أيدمر في سنة أربع وسبعين، ثم عزل عن نيابة حلب سنة خمس وسبعين بالأمير بيدمر الخوارزمي وولي نيابة الشام، فباشر نيابة الشام أربعة أشهر، وعزل وأعيد إلى نيابة حلب، وفي هذه الولاية الرابعة أقام مدة، وغزا سيس وفتحها في سنة ست وسبعين وسبعمائة، وكان فتحاً عظيماً.
وفيه يقول الشيخ بدر الدين بن حبيب:
الملك الأشرف اقباله ... يهدي له كل عزيز نفيس
لما رأى الخضراء في شامه ... تختال والشقراء عجباً تميس
وعاين الشهباء في ملكه ... تجري وتبدي ما يسر الجليس
ساق إلى سوق العدي أدهما ... وساعد الجيش عَلَى أخذ سيس
وفي هذا المعنى أيضاً يقول العلامة زين الدين عمر بن الوردي رحمه الله:
يا سيد الأمراء فتحك سيسا ... سر المسيح وأحزن القسيسا
والمسلمون بذاك قد فرحوا وقد ... حمدوا عليه الواحد القُدُّوسَا
واستمر الأمير أشقتمر في نيابته هذه إلى أن عزل عنها بالأمير منكلي بغا الأحمدي، وقبض عليه وحبس بالإسكندرية مدة، ثم أطلق من السجن، ورسم له بالإقامة بالقدس بطالا، فتوجه إلى القدس فأقام به إلى أن أعيد إلى نيابة حلب خامس مرة عوضاً عن الأمير تمرباي الأفضلي التمرتاشي في سنة إحدى وثمانين، ثم نقل بعد عشرة أشهر إلى نيابة دمشق عوضاً عن الأمير بيدمر في ربيع الأول سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة إلى أن عزل في المحرم سنة أربع وثمانين، ورسم له بالتوجه إلى القدس بطالاً فدام بالقدس إلى أن أعيد إلى نيابة الشام من قبل الملك الظاهر برقوق في سنة ثمان وثمانين، ثم عزل بعد أربعة أشهر بحكم عجزه، ورسم له بالإقامة بحلب بطالاً، فأقام إلى أن توفي بها في شهر شوال سنة إحدى وتسعين وسبعمائة.
وكان أميراً جليلاً شهماً شجاعاً، مدبراً سيوسا، ذا رأي ودهاء ومعرفة، مع دين وعدل في الرعية، طالت أيامه في السعادة والولايات الجليلة، وتردد في نيابة حلب من منذ كان الملك الظاهر برقوق جندياً إلى أن وليها من قبله وهو سلطان، كان مشكور السيرة في أحكامه، يميل إلى الخير والصلاح، ولكنه كان مغرماً بجمع المال، وعمر أملاكاً كثيرة بحلب، وعمر عند باب نيرب مدرسة وقرر فيها طلبة ومقرئين، وله عدة مآثر. رحمه الله.
الأشكري صاحب القسطنطينية
...... - 682ه - ...... - 1283م أشكري صاحب القسطنطينية، اسمه ميكائيل، نذكر في حرف الميم في محله إن شاء الله تعالى، مات سنة اثنتين وثمانين وستمائة.
باب الألف والصاد المهملة
أصلم الردادي
...... - 706ه - ...... - 1306م أصلم بن عبد الله الردادي، الأمير سيف الدين.
كان ممن أنشأه الملك المنصور قلاوون حَتَّى صار من جملة الأمراء بالديار المصرية، وتنقل في عدة وظائف إلى أن مات في سنة ست وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
أصلم الناصري
...... - 747ه - ...... - 1346م أصلم بن عبد الله الناصري، الأمير بهاء الدين السلاح دار.(1/187)
أصله من مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون، أعتقه ورقاه إلى أن جعله أمير مائة ومقدم ألف بديار مصر، واستمر عَلَى ذَلِكَ إلى أن نقل عنه إلى أستاذه الملك الناصر ما أوغر خاطره عليه فأمسكه واعتقله، وأنعم بإقطاعه عَلَى أمير حسين بن جندر وطلبه إلى القاهرة، ودام أصلم المذكور محبوساً إلى أن أطلقه أستاذه الملك الناصر بعد أن حبس خمس سنين، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمه ألف بالقاهرة، وذلك في أواخر دولة الملك الناصر، ثم أخرجه إلى نيابة صفد، فتوفي الملك الناصر وهو بها، ثم جهزه الأمير قوصون مع الأمير علاء الدين الطنبغا نائب الشام إلى حلب لإمساك نائبها الأمير طشتمر الساقي المعروف بحمص أخضر، فلما كان فِي أثناء الطريق بين صفد ودمشق حضر إليه الأمير قطلوبغا الفخري من القاهرة ورده من قارا وعاد به إلى القاهرة، فرسم له الملك الناصر أحمد بن محمد بن قلاوون بالإقامة بديار مصر على عادته أولا أمير مائة ومقدم ألف، ويجلس في المشورة، فاستمر بها إلى أن توفي سنة ست وأربعين وسبعمائة، وقيل في يوم السبت عاشر شعبان سنة سبع وأربعين وسبعمائة، والثاني أصح.
وكان أميراً شجاعاً، يميل إلى فعل الخير والصدقة، وعمر بالقاهرة بباب المحروق بالقرب من داره مدرسة تقام فيها الجمعة وتربة وربعا وحوضاً وشبيلاً، رحمه الله تعالى.
باب الألف والعين المهملة
السلطان غياث الدين صاحب بنجالة
...... - 815ه - ...... - 1412م أعظم شاه بن اسكندر شاه، السلطان غياث الدين أبو المظفر صاحب بنجالة من بلاء الهند.
كان ملكاً جليلاً، له حظ من العلم والخير، فقيهاً حنفياً، محباً للفقهاء والفقراء وأهل الصلاح، شجاعاً كريماً جواداً، بعث إلى الحرمين غير مرة بصدقات هائلة ففرقت بها، وعم بذلك النفع، وبعث مع ذَلِكَ بمال لعمارة مدرستين بمكة والمدينة وشراء عقار يوقف عليهما، ففعل له ذَلِكَ، فالمدرسة التي بمكة عند باب أم هاني من المسجد الحرام، وكان ابتداء عمارة المدرسة التي بمكة في شهر رمضان سنة ثلاث عشرة وثمانمائة ولم تنقض السنة حَتَّى فرغ من عمارة سفلها وغالب علوها وكملت عمارتها في النصف الأول من سنة أربع عشرة وثمانمائة، وفي جمادى الآخرة منها، ابتدئ فيها التدريس عَلَى المذاهب الأربعة، فكان ما صرف عليها من العمارة وشراء أوقافها وموضع المدرسة، اثنتي عشر ألف مثقال مصرية، وكان المتولي لعمارتها وشراء أوقافها خادمه ياقوت الحبشي.
توفي صاحب الترجمة سنة خمس عشرة وثمانمائة، فيها أيضاً توفي خادمه ياقوت المذكور، رحمهما الله تعالى.
باب الألف والغين المعجمة
أغزلو بن عبد الله
...... - 748ه - ...... - 1347م أغزلو بن عبد الله، الأمير شجاع الدين، مملوك الحاج بهادر المعزي وعتيقة.
خدم بعد مسك أستاذه المذكور عند الأمير بكتمر الساقي، وصار أمير آخور، ثم نقل بعد وفاة بكتمر عند الأمير بشتاك، وصار أمير آخوره أيضاً، ثم ولي بعد ذَلِكَ ناحية أشمون، ثم ولي نيابة الشوبك، وعزل منها بعد مدة، وعاد إلى القاهرة وولي ولايتها مدة، أيام الملك الصالح إسماعيل، وأطهر العفة والأمانة وحسنت سيرته، ولما تسلطن الملك الكامل شعبان عني به وقدمه، ففتح أغزلو المذكور للكامل باب الأخذ في الإقطاعات والوظائف، وعمل لذلك ديوان قائم الذات سمي ديوان البذل، فلما تولى الصاحب تقي الدين بن مراحل شاخحة في الجلوس والعلامة، فترجح الصاحب تقي الدين وعزل شجاع الدين أغزلو من شد الدواوين، ودام عَلَى ذلك إلى أن كانت نوبة السلطان الملك المظفر، كان أغزلو المذكور ممن قام مع المظفر عَلَى الكامل، لما في نفسه من عزله، وضرب الأمير أرغون العلائي بالسيف في وجهه، ثم سكن أمره وركنت ريحه إلى أن قام في وقعة الأمير ملكتمر الحجازي والأمير آق سنقر والأمير قرابغا والأمير بزلار والأمير صمغار، وكان أغزلو هذا هو الذي حرك الفتنة، وتولى مسك الأمراء فعظم شأنه وخافه أمراء مصر والشام وأقام عَلَى ذَلِكَ نحو أربعين يوماً، ثم أمسك وقتل في جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة.(1/188)
وسبب قتله أنه لما حضروا برأس الأمير يلبغا اليحياوي نائب دمشق إلى القاهرة، حسب الذين قتلهم أغزلو في مدة أربعين يوماً فكانوا أحد وثلاثين أميراً، وصار هو الحاكم في المملكة، وكان يخرج من القصر ويعقد عَلَى باب خزانة الخاص، ويتحدث في جميع ما يتعلق بالمملكة، ويجلس الموقعون عنده ويكتبون عنه إلى الأعمال. ولما مات ودفن في قبره أخرجوه العوام ومثلوا به، وأقاموه في زي حياته ومساكه الأمراء وقتلهم وأمعنوا في ذَلِكَ، فلما بلغ السلطان هذا الأمر غضب وأمر الأوجاقية بقتلهم، فنال الأوشاقية من الحرافيش منالاً عظيماً من القتل والضرب وغيره.
فكان مسرفاً في القتل في حال حياته، وأعزلو بألف مهموزة وبعدها غين معجمة مكسورة فزاي ساكنة ولام مضمومة وواو ساكنة، ومعنى أغزلو باللغة التركية: له فم. انتهى.
أغزلو نائب دمشق
...... - 719ه - ...... - 1319م أغزلو بن عبد الله العادل، الأمير شجاع الدين نائب الشام.
ولي نيابة دمشق من قبل أستاذه الملك العادل كتبغا، واستمر في نيابة الشام إلى أن خلع أستاذه الملك العادل المذكور وتسلطن الملك المنصور حسام الدين لاجين عزل عن نيابة دمشق ودام بها بطالا مدة، ثم ولي بها أميراً كبيراً، فأقام عَلَى ذَلِكَ مدة طويلة إلى أن توفي بدمشق سنة تسع عشرة وسبعمائة، ودفن بتربته التي أنشأها شمالي الجامع المظفري.
وكان عاقلاً ساكناً، شجاعاً جميلاً طويلاً، أشقر اللون، مليح القامة، رحمه الله تعالى.
باب الألف والقاف
إقبال المستنصري الشرابي
...... - 653ه - ...... - 1255م إقبال بن عبد الله المستنصري العباسي، الأمير شرف الدين المعروف بالشرابي صاحب الرباط بالمسجد الحرام المعروف بقية الشرابي.
قال الشيخ تقي الدين الفاسي مؤرخ مكة: كان شجاعاً كريماً، شريف النفس عَلَى الهمة له بمكة مآثر منها: الرباط المعروف برباط الشرابي عند باب بني شيبة، عمر في سنة إحدى وأربعين وستمائة، ووقف عليه عَلَى ما قيل أوقافا بأعمال مكة منها مياه تعرف بالشرابيات بوادي مر ووادي نخلة، ووقف عليه كتباً في فنون العلم نفيسة، وقرر به صوفية عَلَى ما بلغني.
ومن المآثر التي صنعها بظاهر مكة عمارة عين عرفة والبرك التي بها، بعد عطلتها وخرابها عشرين سنة، وذلك في العشر الأخير من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وثلاثين وستمائة. انتهى كلام الفاسي.
قلت وعين عرفة التي عمرها إقبال المذكور هي في وادي نعمان، وله مآثر غير ذَلِكَ، توفي سنة ثلاث وخمسين وستمائة ببغداد، ودفن في تربة أم الخليفة المستعصم بالله. رحمه الله.
أقباي الحاجب
...... - 812ه - ...... - 1409م آقباي بن عبد الله من حسين شاه الطرنطاي الظاهري، الأمير سيف الدين المعروف بالحاجب.
هو من مماليك الملك الظاهر برقوق ومن خواصه، وأعيان دولته وخاصكيته، ثم أنعم عليه بإمرة عشرة، ثم نقله بعد مسك الأمير علي باي إلى إمرة طبلخاناه، ومات الملك الظاهر برقوق في سنة إحدى وثمانمائة، وتسلطن من بعده ولده الملك الناصر فرج، وصار أقباي هذا أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية بعد الأمير تمربغا المنجكي، واستمر عَلَى ذَلِكَ إلى أن كانت واقعة الأمير الكبير أيتمش البجاسي، وخروجه عن الطاعة، وتوجهه إلى البلاد الشامية بمن معه من الأمراء، وكان من جملتهم الأمير فارس الحاجب، فخلع عَلَى آقباي هذا بحجوبية الحجاب من بعده في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثمانمائة، فدام في المحجوبية عدة سنين إلى أن نقله الملك الناصر فرج إلى أمرة سلاح، ثم صار بعد مدة رأس نوبة الأمراء، وهذه الوظيفة مفقودة الآن، واستقر من بعده أمير سلاح الأمير سودون الطيار، واستقر أمير مجلس بعد سودون الطيار الأمير يلبغا الناصري، فلم تطل أيام الأمير آقباي ومات في ليلة الأربعاء سابع وعشرين جمادى الآخرة سنة اثنتي عشرة وثمانمائة.
قال المقريزي: ونزل الملك الناصر إلى داره، ثم تقدم راكباً إلى المصلى فصلى عليه، وشهد دفنه، وترك من العين أربعين ألف ديناراً مصرياً واثنى عشر ألف ديناراً مشخصاً، وغير ذَلِكَ شيئاً كثيراً، فأخذ السلطان الجميع، وكان شرها في جمع المال بخيلاً. انتهى كلام المقريزي.(1/189)
قلت: كان مشهوراً بالدين والخير إلا أنه كان كما قال المقريزي في البخل وجمع المال، وخلف عدة أملاك من جملتها الحاصل والربع بالبندقيين وغيرهما، عفا الله عنه.
آقباي الكركي المعروف بطاز
...... - 805ه - ...... - 1402م آقباي بن عبد الله الكركي الظاهري، الأمير سيف الدين المعروف بطاز الخازندار.
هو أيضاً من جملة مماليك الملك الظاهر برقوق وخاصكيته، وهو أحد المماليك الصغار الأربعة الذين كانوا معه في جبس الكرك، ولما عاد الملك الظاهر برقوق إلى ملكه ثانياً صار آقباي هذا خصيصاً عنده إلى الغاية، إلى أن مات، وملك بعده ابنه الملك الناصر فرج، توثب أقباي المذكور إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف في مدة يسيرة، واستمر عَلَى ذَلِكَ إلى أن كانت الوقعة المشهورة بين جكم ويشبك ونوروز في سنة خمس وثمانمائة، وانتصر الأمير جكم عَلَى الأمير يشبك، وقبض عَلَى يشبك ورفقته من الأمراء، كان آقباي المذكور ممن قبض عليه معه، وحملوا الجميع إلى ثغر الإسكندرية، وداموا بالإسكندرية إلى أن أفرج عن يشبك أفرج عنه أيضاً، وعاد إلى ما كان عليه أولاً، فلم تطل مدته، ومات في ليلة السبت رابع عشر جمادى الأولى سنة خمس وثمانمائة بعد مرض طويل، ودفن بالحوش الظاهري بالصحراء، وكان كثير الشر محباً للفتن والوقائع، لم يشهر بدين ولا علم.
آقباي المؤيدي نائب دمشق
...... - 820ه - ...... - 1417م آقباي بن عبد الله المؤيدي، الأمير سيف الدين نائب حلب ثم دمشق.
نسبته إلى معتقه الملك المؤيد أبي النصر شيخ، اشتراه في حال إمرته وأعتقه، وصار بخدمته ومن خواص مماليكه، وعالج معه خطوب الدهر ألواناً في أيام تلك الفتن إلى أن تسلطن، أمره وقربه، وجعله خازندارا، ثم ولاه الدوادارية الكبرى بعد انتقال الأمير جانبك المؤيدي إلى نيابة دمشق، بعد الأمير نوزوز الحافظي، فباشر المذكور الدوادارية إلى أن ولاه أستاذه المؤيد نيابة حلب في سنة ثماني عشرة وثمانمائة، فباشرها إلى سنة عشرين، وقدم القاهرة عَلَى النجب في يوم السبت رابع عشرين المحرم من السنة، وكان خروجه من حلب في يوم جمادى عشر المحرم من غير طلب من السلطان، لما أشيع عنه من الخروج عن الطاعة، فتمثل بين يدي السلطان الملك المؤيد فلامه عَلَى هذه الحالة، فاعتذر بأن قال خفت مما أشيع عني مما ليس في ظني، فخلع عليه باستقراره في نيابة دمشق عوضاً عن الأمير الطنبغا العثماني بحكم توجهه إلى القدس بطالا، وخرج الأمير آفبغا التمرازي الأمير الأخور من يومه ليتوجه بالعثماني إلى القدس، وخلع عَلَى الأمير قجقار القردمي أمير سلاح باستقراره في نيابة حلب عوضاً عن آقباي المذكور، فأقام آقباي بديار مصر إلى يوم سابع عشرين المحرم، وخلع عليه خلعة السفر، وسافر جريدة عَلَى الخيل من غير نقل معه، لأنه قدم من حلب في اثنتي عشرة يوماً عَلَى ثمانية هجن لا غير، ثم خرج السلطان في أثره نحو البلاد الشامية من غير أمر يوجب سفره، فسار من الرايدانية في رابع شهر صفر من السنة، فوصل إلى دمشق فلم يقم بها إلا أياماً قليلة، وسار إلى حلب ثم من حلب إلى أبلستين، وفي خدمته الأمراء ونواب البلاد الشامية وفتح عدة قلاع، وعاد بعد أن خلف الأمير آقباي هذا نائب الشام والأمير قجقار القردمي نائي حلب، والأمير جار قطلو نائب حماه لمحاصرة قلعة كركر، فحصروا القلعة المذكورة مدة أيام، ثم قدموا حلب والسلطان بها من غير إذن السلطان، خوفاً من قرا يوسف، فغضب السلطان غضباً شديداً، وقبض عَلَى فجقار القردميوولى عوضه في نيابة حلب الأمير يشبك المؤيدي نائب طرابلس، ووجه آقباي صاحب الترجمة إلى محل كفالته بدمشق، وفي النفس ما فيها، وعزل جار قطلو عن نيابة حماه أيضاً، وعاد الملك المؤيد إلى نحو دمشق فدخلها وقبض عَلَى الأمير آقباي هذا وحبسه بقله دمشق، وخلع عَلَى الأمير تنبك العلائي الظاهري المعروف بميق باستقراره في نيابة دمشق عوضاً عن آقباي، وخرج السلطان عائداً نحو الديار المصرية إلى أن وصلها.(1/190)
وأما آقباي فإنه لما حبس بقلعة دمشق وجد بها محابيس فاستمالهم ومالوا إليه وافقوه، وكسروا باب الحبس وخرجوا إلى القلعة، فهرب نائب القلعة ونزل إلى مدينة دمشق، وأعلم النائب نتيك ميق، فركب من ساعته وقاتل لآقباي بمن معه من العساكر الشامية، وجدوا في القتال والحصار إلى أن أخذوا آقباي بعد أن ألقى بنفسه إلى المدينة، واختفى ببعض الأقبية، وقيدوه وسجنوه وطالعوا الملك المؤيد بما وقع لهم معه، فعاد الجواب الشريف بقتله، فقتل بقلعة دمشق في أواخر سنة عشرين وثمانمائة. وكان أميراً مهاباً شجاعاً، جباراً متكبراً، ذا حرمة وافرة وعظمة زائدة، كريماً جواداً متجملاً في مركبه وملبسه ومماليكه وحشمة، مشكور السيرة، قليل الطمع، يميل إلى فعل الخير والعدل، وقف بحلب وقفاً عَلَى سماط بالزاوية المعروفة بالأمير جلبان قراسقل خارج باب الحنان، وكان شكلاً حسناً، طوالاً جميلاً، عارفاً بعدة فنون من أنواع الفروسية.
آقباي اليشبكي نائب الإسكندرية
...... - 840ه - ...... - 1437م آقباي بن عبد الله الدوادار، نائب الإسكندرية، الأمير سيف الدين.
أصله من مماليك الأتابك يشبك الشعباني الظاهري. وتنقلت به الأيام إلى أن صار من جملة الدوادارية الصغار في الدولة الأشرفية برسباي، باستقراره في نيابة الإسكندرية بعد عزل الأمير الصاحب غرس الدين خليل بن شاهين الشيحي عنها في يوم الخميس ثالث عشرين شهر جمادى الآخرة سنة تسع وثلاثين وثمانمائة، وخلع عَلَى شرف الدين ابن الفضل، واستقر في نظر الإسكندرية عوضاً عن الأمير خليل أيضاً، وجهز خلعة إلى جمال الدين عبد الله ابن الدماميني باستقراره في قضاء الإسكندرية عَلَى عادته، فتوجه آقباي المذكور إلى الإسكندرية وباشر نيابتها إلى أن توفي بها في آخر شوال سنة أربعين وثمانمائة، واستقر عوضه في نيابة الإسكندرية الزيني عبد الرحمن بن علم الدين داود بن الكويز أحد الدوادارية في ثاني ذي القعدة من السنة.
وكان آقباي المذكور مشهوراً بالطمع الزائد والشره في جمع المال، وخلف مالاً جزيلاً، لكنه كان فيه تعصب لمن يقصده بجعالة، وإلا فلم يتعصب له، رحمه الله تعالى.
آقبغا الهذباني الأطروشي
...... - 806ه - ...... - 1403م آقبغا بن عبد الله الهذباني الظاهري المعروف بالأطروش، الأمير علاء الدين.(1/191)
كان من مماليك الملك الظاهر برقوق، وحبس بالكرك، نفى آقبغا المذكور إلى حلب مع من نفي من مماليك برقوق إلى البلاد الشامية، ولما خرج الظاهر برقوق من حبس الكرك طالباً ملكه ووافقه الأمير كمشبغا الحموي نائب حلب كان آقبغا هذا ممن انتمى كمشغبا من حزب أستاذه الظاهر، ودام معه تلك الحروب والفتن إلى أن انتصر كمشبغا عَلَى البانقوسين بحلب، وولاه الملك الظاهر برقوق نيابة حلب، ولى آقبغا أيضاً حجوبية الحجاب بحلب، ثم بعد مدة ولاه الملك نيابة صفد، ثم نقله بعد مدة إلى نيابة طرابلس بعد الأمير دمرداش المحمدي الظاهري بحكم عزل دمرداش وتوجه إلى حلب أتابكابها، فدام بطرابلس إلى أن ولاه الملك الظاهر برقوق نيابة حلب بعد موت الأمير أرغون شاه الإبراهيمي الظاهري في سنة إحدى وثمانمائة، وأسس بحلب جامعاً تحت القلعة، كان سوقا للغنم فبناه جامعاً، ولم يكمله، ووقف عليه وقفاً فكمله بعد ذَلِكَ الأمير دمرداش المحمدي لما ولي نيابة حلب بعده، واستمر آقبغا المذكور بحلب إلى أن مات الملك الظاهر برقوق في السنة المذكورة، واقتضت السلطنة من بعده لولده الملك الناصر فرج بن برقوق، وكان من أمر الأمير تنم الحسنى نائب الشام ما سنذكره في ترجمته من خروجه عن طاعة الناصر والقبض عليه وعلى رفقته من الأمراء والنواب، فكان آقبغا ممن وافقه فقبض عليه أيضاً في سنة اثنتين وثمانمائة، وحبس بقلعة دمشق، وولي نيابة حلب عوضه دمرداش المحمدي، ثم أفرج عنه، وولي نيابة طرابلس بعد الأمير شيخ المحمودي، أعني المؤيد، فدام بطرابلس إلى أن نقل لنيابة دمشق بعد خروج والدي منها خوفاً من القبض عليه وتوجهه إلى حلب، وانضمام الأمير دمرداش نائب حلب عليه وعودة إلى البلاد الشامية، وقتاله مع العسكر السطاني في الواقعة المشهورة في سنة أربع وثمانمائة، فلم تطل أيام آقبغا في نيابة دمشق، وعزل بالأمير شيخ المحمودي، ثم نقل بعد مدة إلى نيابة حلب عوضاً عن الأمير دقماق المحمدي في جمادى الأولى سنة ست وثمانمائة، وأثام بحلب إلى أن مات بها في ليلة الجمعة العشرين من جمادى الآخرة من السنة المذكورة.
وكان أميراً جليلاً، هيناً ليناً، وعنده جودة وسلامة باطن، يميل إلى خير ودين.
آقبغا اليلبغاوي الجوهري
...... - 792ه - ...... - 1390م آقبغا بن عبد الله اليلبغاوي، الأمير علاء الدين.
هو من مماليك الأتابك يلبغا العمري الخاصكي، ترقى بعد موت أستاذه إلى أن صار من جملة الأمراء مقدمي الألوف بالديار المصرية، ثم نقل إلى نيابة صفد فباشرها مدة، ثم عزل ونقل إلى دمشق أتابك العساكر بها، ثم أخرج إلى حلب منفياً، فدام إلى أن خرج نائبها الأمير يلبغا الناصري عن طاعة الملك الظاهر برقوق ووافقه تمربغا الأفضلي المدعو منطاش نائب ملطية عَلَى المخالفة، فوافقهما آقبغا صاحب الترجمة عَلَى العصيان، لما كان في نفسه من برقوق، واستمر من حزب الناصري إلى أن قدم صحبته إلى الديار المصرية، وقبض عَلَى برقوق وأودع في حبس الكرك، وصار الناصري مدبر الممالك، أخلع عَلَى آقبغا المذكور باستقراره في حجوبية الحجاب بالديار المصرية، واستمر عَلَى ذَلِكَ إلى أن وقع بين الناصري وبين منطاش الوقعة المشهورة، وانتصر منطاش عَلَى يلبغا الناصري وقبض عليه وعلى حواشيه، كان آقبغا هذا ممن قبض عليه مع الناصري، وحبسوا الجميع بثغر الإسكندرية، وضرب الدهر ضرباته، وخرج الملك الظاهر برقوق من حبس الكرك وعاد إلى ملكه ثانياً، وأفرج عن الناصري ورفقته، فكان آقبغا ممن أفرج منعه كما حبس معه وأخلع عليهم الملك الظاهر برقوق، وصفح عنهم لما وقع منهم في حقه، ثم ولي الأمير بلبغا الناصري نيابة حلب، وندبه لقتال غريمه منطاش، وأخرج آقبغا هذا معه في الأمراء المجردين إلى قتال منطاش، وتوجهوا في ركاب الأمير يلبغا الناصري إلى البلاد الشامية، وكانت الوقعة بينهم وبين منطاش عَلَى حمش، قتل فيها الأمير آقبغا صاحب الترجمة مع من قتل من عسكر السلطان وذلك في سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة، رحمه الله.
وكان من الشجعان الكرماء، ذا شكالة حسنة، وعنده فضل عَلَى قدوة ومشاركة في الكلام، ويسأل المسائل الجيدة، إلا أنه كان سيئ الخلق، ذا جبروتية وحدة عند الغيظ، وبطش، وكان مغرماً بالكتب النفيسة، وبني بحلب حماماً داخل باب قنسرين. عفا الله عنه وغفر له.(1/192)
آقبغا التمرازي نائب الشام
...... - 843ه - ...... - 1439 آقبغا بن عبد الله التمرازي الأتابكي، الأمير علاء الدين نائب الشام.
نسبته بالتمرازي إلى معتقه الأمير تمراز نائب السلطنة بالديار المصرية، وترقى في الخدم بعد موت أستاذه إلى أن صار في الدولة المؤيدية شيخ أمير عشرة، ثم جعله بعد مدة من جملة أمراء الطبلخاناه وأمير آخور ثاني، ثم صار بعد موت الملك المؤيد شيخ أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية في الدولة المظفرية أحمد بن شيخ، ودام عَلَى ذَلِكَ إلى أن خلع عليه الملك الأشرف برسباي باستقراره أمير مجلس، واستمر عَلَى ذَلِكَ إلى أن رسم له السلطان بالتوجه إلى ثغر الإسكندرية في سنة ست وعشرين وثمانمائة لحفظ الثغر من الفرنج، فلما وصل إلى الثغر المذكور وأقام به أياماً قدم المرسوم الشريف بطلب الأمير أسندمر النوري نائب الإسكندرية إلى الديار المصرية، فلما وصل أسندمر إلى القاهرة قبض عليه ونفي إلى ثغر دمياط بطالا، بسهب تسحب الأتابك جانبك الصو في من سجنه بثغر الإسكندرية، ورسم للأمير آقبغا بنيابة الإسكندرية عوضه، وحمل إليه الشريف، ورسم له باستمراره عَلَى إقطاعة تقدمة ألف بالديار المصرية، فدام آقبغا في نيابة الإسكندرية من تاريخه إلى سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، عزل بالأمير شهاب الدين أحمد الدوادار الزرد كاش، أحد أمراء العشرات، وطلب إلى القاهرة عَلَى إقطاعه، فاستمر عَلَى إقطاعه مدة وخلع عليه بإعادته لإمرة مجلس كما كان أولاً.
ودام عَلَى ذَلِكَ الدولة الأشرفية بتمامها إلى أن توفي الأشرف سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، فكان آقبغا المذكور في جملة الأمراء المجردين إلى أرزنكان، وتسلطن الملك العزيز يوسف كتب بعودهم إلى القاهرة، عاد الجميع إلى الديار المصرية وفي جملتهم آقبغا التمرازي.(1/193)
فلم يكن بعد قدوم الأمراء إلا أيام يسيرة وتسلطم الظاهر جقمق وصار الأمير قرقماس الشعباني أمير سلاح أتابك العساكر عوضاً عن السلطان، واستقر آقبغا التمرازي أمير مجلس أمير سلاحاً عوضاً عن قرقماس، واستقر الأمير يشبك التمربغاوي حاجب الحجاب أمير مجلس عوضاً عن لآقبغا هذا، وصار الأمير تغري بردى المؤذي البكلمشي حاجب الحجاب عوضاً عن تشبك، فلم يكن إلا أيام قلائل وعصى الأمير قرقماس عَلَى السلطان، وكانت الوقعة المشهورة، وانتصر السلطان وقبض عَلَى قرقماس المذكور بعد أيام، حسبما سيأتي في ترجمته إن شاء الله تعالى، وخلع عَلَى آقبغا هذا باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية عوضاً عن الأمير قرقماس في يوم السبت سابع شهر جمادى الآخرة سنة اثنتين وأربعين، فكانت إقامة قرقماس في الأتابكية دون العشرين يوماً، واستمر آقبغا أتابك العساكر إلى شهر رمضان من السنة خلع عليه باستقراره في نيابة الشام بعد عصيان الأمير إينال الجكمي نائب دمشق، وأمره بالخروج لمحاربة الأمير إينال الجكمي المذكور، وأردفه بالعساكر السلطانية من الأمراء وغيرهم، فتجهز في عدة أيام وخرج في شهر شوال من القاهرة وتوجه إلى نحو دمشق، فالتقت العساكر السلطانية بالأمير إينال الجكمي في منزله شقجب أو القرب منها، فكن بين الفريقين وقعة هائلة آلت إلى نصرة العساكر السلطانية وانهزام الأمير إينال الجكمي إلى نحو دمشق، بعد أن أظهر إينال من الشجاعة ما هو مشهور عنه، وساق فرسه نحو ستة برد إلى أن وصل قرية جارستا من أعمال دمشق، غُمز عليه وقبض، وحمل إلى قلعة دمشق فحبس إلى أن قتل في السنة المذكورة. واستمر آقبغا هذا في نيابة دمشق إلى يوم السبت سادس عشر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة خرج من حرمه بعد صلاة الصبح وركب وتوجه إلى ميدان دمشق للعب الرمح إلى الميدان ولعب عدة من مماليكه وغير عدة خيول بعد أن أتعبها، ثم ركب إلى لعب الكرة فغير أيضاً عدة خيول أتعبها إلى أن انتهى ما هو فيه من أنواع الفروسية، وطلب مركوبه للموكب، وركبه ومشى به خطوات لقرب باب الميدان، مال عن فرسه فلحقه بعض مماليكه قبل أن يسقط على الأرض، وتكاثروا عليه فحملوه إلى قاعة بالقري من الميدان وهو ميت، ثم نقل إلى دار السعادة في محفة عَلَى أنه مريض، وأقام بها سويعة هنية، وأشيع موته فغسل وصلى عليه، ودفن من يومه بتربة الأمير تنم الحسني نائب دمشق، وسنة نيف عَلَى ستين ستة تخميناً، وكثر أسف الناس عليه، وكانت جنازته مشهودة.
وقد سألت كريمتي زوجته عنه كيف كان أمره تلك الليلة؟ فقالت: قام لأوراده عَلَى عادته قوياً سوياً منشرحاً، وخرج من عندي وهو عَلَى ذَلِكَ.
وكان رحمه الله ديناً خيراً كثير الصدقات والبر للفقراء عَلَى بخل كان فيه لغيرهم، محباً لأهل الخير والصلاح، كثير الزيارة للصالحين الأحياء منهم والأموات، وكان له أوراد وتهجد في الليل، كثير الصوم والصلاة عفيفاً عن المنكرات والفروج، أستاذ زمانه في فنون الفروسية كلعب الكرة والبرجاس وسوق المحمل، انتهت إلية رئاسة في ركوب الخيل وتحريكهم عَلَى قاعدة الفنون بلا مافعة في ذَلِكَ، تخرج به جماعة كثيرة من أمراء الدولة وأعيانها، ما رأيت عيني مثله، عَلَى أنه كان للقصر أقرب، وينحني في ركوبه عَلَى الفرس، ولكنه كان إذا أراد الحركة عَلَى الفرس أتى بالغرائب والفنون المعجزة، أخذت عنه ما لم يصل إليه غيري من هذه الفنون لصهارة كانت بيننا، رحمه الله تعالى.
آقبغا صاحب الأقبغاوية بجوار الجامع الأزهر
...... 744ه - ...... - 1343م آقبغا بن عبد الله من عبد الواحد الناصري، الأمير علاء الدين.(1/194)
هو من مماليك الملك الناصر محمد بن قلاون، وأخو زوجته خوند طغاي، تنقلت به الأحوال من الجمدارية إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية ثم صار استدار ومقدم المماليك السلطانية وشاد العمائر ثم أنعم الملك الناصر عَلَى ولديه كل منهما بإمرة وهما ناصر الدين محمد وشهاب الدين أحمد، ولم يزل آقبغا مقرباً عند أستاذه الملك الناصر محمد إلى أن توفي ليلة الأربعاء العشرين من ذي الحجة الحرام سنة إحدى وأربعين وسبعمائة وتسلطن ابنه الملك المنصور قبض عَلَى آقبغا هذا وصادره وأخذ ما يملكه، وأمر برد كل ما أخذه من الناس أيام أبيه الملك الناصر محمد، وكان آقبغا ظالماً كثير الطمع وعنده جبروتية وعسف، واستولى السلطان عَلَى جميع ماله وحبسه إلى أن أخرجه الأمير قوصون من القاهرة إلى دمشق لما تولى السلطان الملك الأشرف كجك، فأقام آقبغا بدمشق إلى أن قدم القاهرة مع الفخري، ورسم له السلطان الملك الناصر أحمد بن محمد بن قلاوون بنيابة حمص، فتوجه إليها وأقام بها إلى جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، عزل ورسم له أن يتوجه إلى دمشق ليكون بها من جملة أمرائها المقدمسين، فأقام بها إلى شوال من السنة، أرسل السلطان الملك الناصر بالقبض عليه، فأمسك وأرسل إلى القاهرة، فلما حضر أرسله إلى الإسكندرية، فحبس بها إلى أن قتل سنة أربع وأربعين وسبعمائة.
وكان شجاعاً مقداماً خصيصاً عند أستاذه الملك الناصر محمد، معظماً في الدولة إلا أنه كان غير مشكور السيرة في ولاياته، وكانت داره بالخيميين بالقرب من جامع الأزهر، وبني المدرسة المعروفة بجوار جامع الأزهر.
حكى أنه اشتكى مرة لأستاذه الملك الناصر من ضيق إسطبله فقال له الناصر مداعبا متهكما عليه: أربط خيلك في بوائط جامع الأزهر، فقال آقبغا: خطبة يا مولانا السلطان، فقال له: وأنت تعرف خطبة؟ انتهى.
آقبغا الطواوتمري الظاهري اللكاش
...... - 802ه - ...... - 1399م آقبغا بن عبد الله الطولوتمري الظاهري، الأمير علاء الدين.
كان خصيصاً عند أستاذه الملك الظاهر برقوق، وترقى في دولته إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، واستمر عَلَى ذَلِكَ إلى تاسع عشرين جمادى الأولى سنة ثمانمائة، خلع السلطان عليه باستقراره أمير مجلس عوضاً عن بيبرس ابن أخت الملك الظاهر بحكم انتقال بيبرس إلى الدوادارية الكبرى بعد موت فلمطاي الدوادار، واستمر عَلَى ذَلِكَ إلى أن ركب الأمير عَلَى باي رأس نوبة النوب عَلَى الملك الظاهر برقوق وانكسر وقبض عليه، اتهم آقبغا هذا بالممالأة إلى علي باي، فنفاه السلطان إلى دمشق، ثم قبض عليه بها وسجن بقلعتها إلى أن نوفي الظاهر برقوق وتسلطن الناصر فرج، وخرج الأمير تنم الحستي نائب الشام عن الطاعة، وأطلق آقبغا هذا وصار من حزبه إلى أن كانت الوقعة، وقبض عَلَى نتم وعلى آقبغا المذكور بعد أن قاتل آقبغا يومئذ قتالاً شديداً وأظهر من الشجاعة ما لا مزيد عليه، فإنه كان في جاليش تنم، وكان والدي هو مقدم العساكر في الجاليش المذكور، وكان آقبغا عَلَى ميسرته ودمرداش المحمدي نائب حلب عَلَى ميمنته، فلما تصاففوا للقتال ووقع العين في العين انهزم دمرداش ومعه الزيني فرج بن منجك بمن معهم من المماليك إلى جهة الملك الناصر طائعين له، وبقى والدي وآقبغا هذا في جمع متوسط لا يمكنهم الرجوع إلى تنم فإنه عَلَى مسافة يريد عنهم إلى خلف، فالتقوا مع العسكر السلطاني، وطال القتال بينهم إلى أن كانت الهزيمة عليهم، وقبض على آقبغا ثم عَلَى والدي فيما بعد، وحبس آقبغا هذا بقلعة دمشق إلى أن قتل بها مع من قتل من الأمراء في رابع عشر شعبان سنة اثنتين وثمانمائة. رحمه الله.
آقبغا المارداني
...... - 793ه - ...... - 1390م آقبغا بن عبد الله المارداني، الأمير علاء الدين، نائب الوجه القبلي.
كان أولاَ من جملة الأمراء العشرات، ثم ناب بالوجه القبلي مدة إلى أن قبض عَلَى الظاهر برقوق وحبس بالكرك ثم قبض منطاش عَلَى الناصري أنعم عَلَى آقبغا هذا بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، ثم بعد خذلان منطاش قبض عَلَى آقبغا وقتل في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
آقبغا شيطان
...... - 821ه - ...... - 1418م آقبغا بن عبد الله الظاهري، المعروف بآقبغا شيطان، الأمير علاء الدين.(1/195)
تحرك له سعد في الدولة المؤيدية شيخ، وتولى حسبة القاهرة، وولاية القاهرة، وشد الدواوين، ثم قبض عليه وحبس، ثم قتل في ليلة الخميس سادس شهر شعبان سنة إحدى وعشرين وثمانمائة.
وكان عنده نباهة ومعرفة، مع ظلم وعسف، إلا أنه كان عفيفاً عن المنكرات والفروج. رحمه الله تعالى.
آقبغا الجمالي الاستادار
...... - 837ه - ...... - 1433م آقبغا بن عبد الله الجمالي الأستادار، الأمير علاء الدين، نسبته بالجمالي إلى أستاذه كمشبغا الجمالي الظاهري.
أحد أمراء الطيلخاناه بالديار المصرية، وترق آقبغا هذا عند أستاذه حَتَّى صار يتحدث له في جهات إقطاعه، ثم عانى البلص، وتقلب في ذَلِكَ حنى ولي كشف الوجه القبلي وغيره، ثم حدثته نفسه بالاستادارية، فسعى بمال حَتَّى وليها، فلم ينتج أمره وساءت سيرته، وعزل عَلَى أقبح حال، وضرب بالمقارع، ثم وليها ثانياً فيما أظن، وعزل أيضاً عَلَى وجه أقبح من الأول، كل ذلك في حياة أستاذه كمشبغا الجمالي، ودام بطالا إلى أن سافر الملك الأشرف برسباي إلى آمد توجه صحبته من غير إقطاع في سنة ست وثلاثين وثمانمائة، فلما وصلنا إلى آمد صار آقبغا هذا يظهر الشجاعة، ويلقي نفسه إلى الهلاك، ولازال كذلك حَتَّى أنعم السلطان عليه بإمرة عشرة بعد موت الأمير تنبك من سيدي بك المصارع من جرح أصابه بآمد، وعاد صحبة السلطان إلى الديار المصرية، وولي الكشف بالوجه البحري وتوجه إلى دمنهور فلم تطل أيامه، وقتل في المعركة مع العربات في حادي عشرين ربيع الآخر سنة سبع وثلاثين وثمانمائة.
وكان رومي الجنس وعنده خلل في عقله، يظهر منه ذَلِكَ عندما يتكلم، وإذا تكلم تكلم بسرعة، ويعيد في لفظة اسم وغير مرة كانت دائماً في لسانه، وكان أهوجاً كريهاً غير محبب للناس وضيعاً، سالبه كلية من علم وفن، لم يتأدب في صغره كعادة المماليك في الأطباق، وإنما ربي في الأزقة والأرياف، ولولا أنه اشتهر في الاستادارية ما ذكرته في هذا الكتاب، عفا الله عنا وعنه.
آقبغا التركماني
...... - 844ه - ...... - 1440م آقبغا بن عبد الله من مامش الناصري، الأمير علاء الدين نائب الكرك. كان من جملة المماليك الناصرية فرج ومن خاصكيته، ثم تأمر في آخر الدولة الناصرية، وتعطل بعد موت الناصر في الدولة المؤيدية بكاملها إلى أن تسلطن الملك الأشرف برسباي أنعم عليه بعد سلطته بمدة بإمرة عشرة، واستمر عَلَى ذَلِكَ إلى سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، ولي إمرة المحمل وسافر بالحج، فمات الأشرف في غيبته وحصل للحاج في هذه السنة محن ومشقة زائدة وأخذ منهم جماعة كثير لسوء تدبير المكور، ولقبح سيرته، وحضر إلى القاهرة واستمر عَلَى حاله إلى سنة ثلاث وأربعين خلع عليه باستقراره في نيابة الكرك فتوجه إليها فلم تحمد سيرته أيضاً بها، فلم تطل مدنه بالكرك وقبض عليه وحبس بقلعتها إلى أن توفي في حدود سنة أربع وأربعين وثمانمائة تقريباً.
وكان مهملاً جداً، رحمه الله تعالى.
آقبردي المؤيدي المنقار
...... - 820ه - ...... - 1417م آقبردي بن عبد الله المؤيدي، المعروف بالمنقار، الأمير سيف الدين.
أحد المماليك المؤيدية، وأحد مقدمي الألوف بالديار المصرية في دولة أستاذه، اشتراه المؤيد في حال إمرته وخدمه في أيام تلك الفتن إلى أن تسلطن المؤيد قربه ورفاه وولاه نيابة الإسكندرية، وجعله أمير مائة مقدم ألف، ثم عزل عن نيابة الإسكندرية عند توجهه إلى البلاد الشامية، وأخذه صحبته وهو مريض في محفة إلى أن وصل إلى دمشق مات بها في يوم الخميس سابع عشرين صفر سنة عشرين وثمانمائة.
وكان غير مشكور السيرة مشهوراً بالظلم والعسف وقبح الشكل.
آقبردي القجماسي نائب غزة
...... - 841ه - ...... - 1438م آفبردي بن عبد الله القجماسي، الأمير سيف الدين نائب غزة.(1/196)
نسبته إلى معتقه الأمير قجماس ابن عم الملك الظاهر برقوق، والد إينال باي، وتنقل في الخدم إلى أن صار في أواخر الدولة المؤيدية شيخ أمير عشرة، واستمر عَلَى ذَلِكَ سنين لا يلتفت إليه في الدول إلى أن سعى في أواخر الدولة الأشرفية بمال في نيابة غزة، فوليها بعد القبض عَلَى نائبها الأمير تمراز المؤيدي في سابع عشر جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وتوجه إليها وباشرها مدة يسيرة، إلى أن توفي بها في شهر ذي القعدة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة وهو في عشر الثمانين.
وكان ضخماُ طوالا تركيا أشقر، أم يشتهر بديم ولا فروسية، عفا الله عنه.
آقلردي المظفري
...... - 847ه - ...... - 1443م آفبردي بن عبد الله المظفر الظاهري، الأمير سيف الدين.
أحد المماليك الظاهرية برقوق، ونسبته بالمظفري إلى تاجره خواجا مظفر كان آقبردي المذكور من جملة المماليك السلطانية، ثم صار خاصكياً ورأس نوبة الجمدارية بعد موت الملك المؤيد شيخ، ودام عَلَى ذَلِكَ سنين طويلة لا ينتقل عما هو فيه، وسأل في الإمرة غير مرة في الدولة الأشرفية فلم يلتفت إليه، ودام عَلَى ذَلِكَ إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر جقمق بإمرة عشرة أيضاً بعد جهد كبير في أوائل دولته، وأظنه ندم عَلَى ذَلِكَ، ثم صار من جملة رؤوس النوب الصغار وسافر أمير حج الركب الأول في بعض السنين، وعاد إلى أن رسم له بالتوجه إلى مكة المشرفة مقدماً عَلَى المماليك السلطانية عَلَى عادة من تقدمه في ذَلِكَ، فسار إلى مكة وأقام بها إلى أن توفي سنة سبع وأربعين وثمانمائة.
وكان تركي الجنس، قصيراً، مهملاً خفيف اللحية، لا للسيف ولا للضيف، رحمه الله.
آقبردي الأشرفي الأمير أخوز
...... - 850ه - ...... - 1446م آقبردي بن عبد الله الأشرفي، الأمير سيف الدين.
كان المذكور أميراً آخورا جندياً في دولة أستاذه الملك الأشرف برسباي، ثم أمره في أواخر دولته عشرة، وجعله أمير آخوارا ثالثاً، واستمر عَلَى ذَلِكَ إلى أن أخرجه الملك الظاهر جقمق إلى طرابلس أميراً بها بعد مدة من سلطته، وأنعم بإمرته عَلَى تمربغا العلمي الظاهري، ودام آقبردي بطرابلس مدة، وتوفي بها قبل الخمسين ثمانمائة.
وكان مهملاً، وعنده نوع بله مع سلامة باطن، رحمه الله.
آقبردي منتو
...... - 830ه - ...... - 1427م آقبردي بن عبد الله، المعروف باقبردي منتو، نسبة إلى طعام معروف.
أحد أمراء الطبلخانات بدمشق، وحاجب ثاني، كان أولاً من جملة الأمراء بديار مصر في الدولة المؤيدية شيخ، ثم نقل إلى دمشق ومات بها بعد سنة ثلاثين وثمانمائة تقريباً، رحمه الله تعالى.
آق بلاط الدمرداشي
...... - 839ه - ...... - 1427م آق بلاط بن عبد الله الدمرداشي، الأمير سيف الدين.
مملوك الأمير دمراش المحمدي نائب حلب، ترقى بعد قتل أستاذه عند الملك المؤيد شيخ إلى أن صار أمير مائة مقدم ألف، ثم ولي نيابة حماه وغيرها، ثم نقل إلى نيابة ملطية، وأظنه بها توفي بعد الثلاثين وثمانمائة.
وكان مشهوراً بالشجاعة، مشكور السيرة، إلا أنه حكى لي غير واحد عنه أنه لما قبض الملك المؤيد عَلَى أستاذه الأمير دمرداش المحمدي وعلى ولي أخيه الأمير قرقماس المعروف بسيدي الكبير والأمير تغري بردى المعروف بسيدي الصغير، وقتلهما المؤيد، ثم أراد أن يفرج عن عمهما دمرداش المحمدي المذكور استشار آق بلاط هذا في إطلاقه، فسكت آق بلاط، فألح عليه المؤيد، فقال يا خوند تقطع ذنب التعبان وتطلق رأسه، فقال له المؤيد صدقت وأرسل بقتل دامرداش بسدن الإسكندرية، فإن صح عنه ذَلِكَ يدل عَلَى عدم خيرة وقلة مروءته.
آق تمر نائب السلطنة بمصر ثم دمشق
...... - ه - ...... - 1377م آق تمر بن عبد الله الصاحبي الحنبلي، الأمير سيف الدين، نائب السلطنة بالديار المصرية ثم بدمشق.
كان أولاً من جملة الأمراء، ثم ترقى حَتَّى ولي نيابة دمشق، ثم ولي نيابة السلطنة بديار مصر بعد موت الأمير منجك اليوسفي في سنة سبع وسبعين وسبعمائة، واستمر في النيابة إلى أن مات بالقاهرة في سنة تسع وسبعين وسبعمائة، وكان أميراً جليلاً، ساكناً عاقلاً، رحمه الله تعالى.
آقتمر عبد الغني
...... - 783ه - ...... - 1381م آقتمر بن عبد الله الأتابكي، الأمير سيف الدين، المعروف بأقتمر عبد الغني.(1/197)
كان من أكابر الأمراء بالديار المصرية، وولي عدة أعمال جليلة كناية طرابلس ونيابة دمشق وحجوبية الحجاب بالديار المصرية ونيابة السلطنة بها، ثم ولي أتابك العساكر، وكان يجلس فوق الأتابك برقوق العثماني إلى أن توفي قبل سلطنة برقوق بسنة واحدة في تاسع عشرين جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة.
وكان أميراً حشماً، عاقلاَ سيوساً، سليم الباطن، كثير الخير والمعروف، رحمه الله تعالى.
آقجبا الحموي
...... - 759ه - ...... - 1357م آقجبا بن عبد الله الحموي، الأمير فخر الدين.
كان أولا من أمراء حماه، ثم نقل إلى ديار مصر أيام الملك الصالح إسماعيل بن محمد بن قلاوون، وحطى وزادت رتبته عند الملك الصالح المذكور حَتَّى لم يبق في الدولة مثله، ومثل الأمير نجم الدين الوزير محمود بن شروين لأنهما كانا أجنهيين في الدولة، وكان الأمير فخر الدين المذكور ينادم الملك الصالح ويسامره، واستمر عَلَى ذَلِكَ إلى أن مات الملك الصالح إسماعيل في سنة ست وأربعين وسبعمائة، وتسلطن أخوه الملك الكامل شعبان بن محمد بن قلاوون، نفى فخر الدين آقجبا هذا إلى حماه، فاستمر بها إلى أن قبض عَلَى الأمي يلبغا اليحياوي نائب دمشق، طلبه الملك المظفر إلى القاهرة، ورسم له بالمقام بها، وأن يكون من جملة الأمراء، فاستمر بالقاهرة، وأرسل أحضر أهله، وبقي إلى أن توفي.
آق سنقر النجمي الفارقاني
...... - 677ه - ...... - 1278م آق سنقر بن عبد الله النجمي الفارقاني، الأمي شمس الدين.
كان من عتقاء الأمير نجم الدين حاجب السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف، ثم اتصل بخدمة الملك الظاهر بيبرس البندقداري وتقدم عنده وسهب تقدمه عند الظاهر هو أن الظاهر أرسل في بعض الأحيان عشرة مماليك لكشف أخبار بلاد الجزيرة وتلك النواحي، فلما وثلوا إلى الفرات وجدوها زائدة جداً لا يمكن عبورها البته، فرجعوا التسعة إلا هو امتنع من الرجوع، وقال: السلطان ندبني لأمر مهم فإما قمت به وإما مت دونه، ثم جعل ثيابه وعدته مشدودة وحملها عَلَى رأسه وسبح، وسبح فرسه أمامه، حَتَّى قطع الفرات، وخرج إلى البر ولبس ثيابه كما كان، وركب فرسه ومضى حيث أمره السلطان الملك الظاهر بيبرس، وتجسس الأخبار، واجتمع بقوم هناك، فاستفهم منهم الأخبار، وعاد إلى الفرات، وفعل كما فعل أولاً وعاد إلى الملك الظاهر بيبرس، وأخبره بما فعل، فعند ذَلِكَ عظم أمره عنده ومحله، واتفق في ذَلِكَ الوقت أن مات أمير طبلخاناه والفارقاني المذكور بين يديه، فأعطاه الطبلخاناه في الحال، وكان أولاً من جملة أمراء العشرات، وضاعف الإحسان إليه، وصار الملك الظاهر يرقيه إلى أن جعله أستاداراً كبيراً، وصار يستنيبه لمَّا يتوجه إلى البلاد الشامية، ولمَّا يحضر الملك الظاهر إلى القاهرة وتحصل حركة يقدمه عَلَى العساكر ويوجهه حيثما كان الأمر.
ولم يزل عند الملك الظاهر في أعلى المنازل إلى أن توفي الملك الظاهر وتولى السلطنة من بعده الملك السعيد ابنه ولاه أيضاً نيابة السلطنة عَلَى جميع المماليك بعد موت الأمير بيليك الخازندار، فلم ترض حاشية الملك السعيد بذلك ووثبوا عليه وأمسكوه واعتقلوه، ولم يسع الملك السعيد إلا موافقتهم فإنه كان معهم آلة، ومهما اختاروا فعلوا.
وكان إمساك الأمير شمس الدين آق سنقر الفارقاني هذا سنة ست وسبعين وستمائة، وظل بالسجن إلى أن توفي في جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وستمائة.
وكان أميراً كبيراً، جسيماً شجاعاً، مقداماً مهاباً، ذا رأي وتدبير وعقل ودهاء، كثير البر والصدقات، عالي الهمة، وله مدرسة عند داره داخل باب سعادة بالقاهرة، وكان توجه مره إلى بلاد النوبة وافتتحها، رحمه الله تعالى وعفا عنه.
آق سنقر الناصري
...... - 714ه - ...... - 1347م آق سنقر بن عبد الله الناصري، الأمير شمس الدين، نسبة إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون.(1/198)
كان خصيصاً عند أستاذه المذكور، رقاه إلى أن جعله أمير مائة مقدم ألف بالديار المصرية، وأمير شكار، وزوجه بإحدى بناته، وصار صهراً لأستاذه، واستمر عَلَى ذَلِكَ إلى أن توفي الملك الناصر محمد بن قلاوون، وتسلطن من بعده الملك الناصر أحمد بعد أخيه الملك الأشرف كجك، استقر آق سنقر هذا أمير آخور فلم يرض بذلك، فأخرجه إلى نيابة عزة فاستمر بها إلى أن أمسك الفخري وتسلطن الملك الصالح إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون، أرسل يطلب آق سنقر المذكور من غزة واستقر به أيضاً أمير آخور وقربه وأدناه، وجهز مقدم العساكر المصرية لمحاصرة أخيه الملك الناصر أحمد بالكرك، ثم أبطل ذَلِكَ وأخرج عوضه الأمير سيف الدين بَيغرا ثم استقر به في نيابة طرابلس، فتوجه إليها وباشرها وقمع المفسدين بها مع عفة عن أموال الرعية، وذلك في أوائل سنة أربع وسبعمائة.
واستمر بها إلى أن تسلطن الملك الكامل شعبان فطلبه إلى القاهرة فحضر إليها في شهر ربيع الآخر سنة ست وأربعين وسبعمائة، وأنعم عليه مائة وتقدمه ألف بديار مصر، وعظم أمره عند السلطان، وأمر الحجازي إلى الغاية، وداما عَلَى ذَلِكَ إلى أن أحسا من السلطان الغدر، كاتبا يلبغا اليحياوي نائب الشام، وقالا له أبرز إلى ظاهر دمشق عاصياً، ففعل ذَلِكَ، فلما سمع الملك الكامل بذلك لم يجد بداً من تجهيز عسكر إليه، فوجه إليه عسكراً قدم عليه أحد الأميرين فخرج العسكر من القاهرة وعاد من بعض الطريق لقتال الملك الكامل، واجتمع الناس عليه بقية النصير، فخرج السلطان الملك الكامل إليه وتقتلا، فانكسر الكامل وانحاز إلى القلعة، وطلع الأمير آق سنقر هذا والحجازي إلى القالعة وقبضا عَلَى الكامل وأحرجا أمير حاج ابن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وأجلساه عَلَى كرسي الملك، فاستقر في السلطنة ولقب بالملك المظفر.
وزادت عظمة آق سنقر هذا والحجازي في دولة المظفر إلى أن كانت سنة ثمان وأربعين وسبعمائة بلغ الملك المظفر بأنهم قد اجتمعوا غداً عَلَى أنهم يفعلون بك كما فعلوا بأخيك فأحضرهم وأمسكهم جميعاً وهم الأمير آق سنقر صاحب الترجمة، والأمير ملك تمر الحجازي، وقرابغا الساقي صهر يلبغا اليحياوي نائب الشام، والأمير أيتمش والأمير ثمغار والأمير بزلار، والأمير طقبغا العمري وأولاد أيدغمش وابن بكتمر الحاجب، وكان القائم بهذا الأمر الأمير شجاع الدين أغزلو، ذكرناه شيئاً من هذا في ترجمته. فأما آق سنقر هذا وملكتمر الحجازي فإنهما قتلا في الوقت من يومهم، وذلك في يوم الأحد تاسع عشر شهر ربيع الآخرة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة وجهز الباقي إلى الإسكندرية. رحمهما الله تعالى.
آق سنقر السلاري نائب السلطنة بمصر
...... - 744ه - ...... - 1343م آق سنقر بن عبد الله السلاري الأمير شمس الدين.
كان من جملة الأمراء في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون بعد أن تنقل في الدولة بعد موت أستاذه سلار في عدة خدم، ثم ولاه الناصر نيابة صفد، فتوجه إليها وباشرها وحسنت سيرته، ثم نقل إلى نيابة غزة، فاستمر بها إلى أن توفي الملك الناصر وتسلطن ابنه المنصور أبو بكر فاستمر به عَلَى نيابة غزة - ثم خلع المنصور وتسلطن أخوه الأشرب كجك، وتوجه الفخري لمحاصرة الملك النار أحمد بالكرك، قام آق سنقر بنصرة الملك الناصر قياماً عظيماً، وأمسك الدروب وقبض عَلَى كل من جاء من مصر، وحمله إلى الناصر بالكرك، فلما ملك الملك الناصر الديار المصرية وقبض عَلَى الأمير طشتمر حمص أخضر ولي الأمير آق سنقر هذا نيابة السلطنة بالديار المصرية عوضه، ثم توجه الناصر ثانياً إلى الكرك، حسبما ذكرناه في ترجمة الناصر أحمد.
ودام آق سنقر المذكور بديار مصر، وحسنت سيرته، وأظهر العدل والكرم المفرط، حَتَّى أنه كان لا يمنع أحداً شيئاً طلبه منه كائناً من كام، إلى أن تسلطن الملك الصالح استوحش منه وقبض عليه، وأمسك معه الأمير بيغرا أمير جندار، والأمير آلاجا، والأمير قراجا الحاجبين، لأنهم نسبوا الجميع إلى المملأة للملك الناصر أحمد، وذلك في أوائل سنة أربع وأربعين وسبعمائة.
وكان ذَلِكَ آخر العهد بصاحب الترجمة. رحمة الله تعالى.
آق سنقر الأشرفي الحاجبي
...... - 830ه - ...... - 1427م آق سنقر بن عبد الله الأشرفي، الأمير شمس الدين، أحد الحجاب في الدولة الأشرفية برسباي.(1/199)
كان من مماليك الملك الأشرف شعبان بن حسين ومن خواصه، ووقع له بعد موت أستاذه خطوب آلت إلى بطالته سنين عديدة، وزل الدهر به إلى أن صار فقيراً لا يملك شيئاً، إلى أن تسلطن الملك المؤيد شيخ طلبه وأنعم عليه بإمرة خمسة، وجعله من جملة الحجاب بالديار المصرية وكان يسميه أغا، ودام عَلَى ذَلِكَ إلى سنين من سلطنة الملك الأشرف برسباي، ورأيته غير مرة، كان شيخاً طوالا، خفيف اللحية، نحيفاً طريفاً، متواضعاً، وقيل أنه كان من شبيبته يحسن الضرب بالقبز إلى الغاية، ومات وهو في سن الشيخوخة في حدود الثلاثين وثمانمائة تخميناً. رحمه الله.
أقطاجي ابن بنت نوغيه ملك التتار
...... - 698ه - ...... - 1298م آقطاجي بن طشتمر ابن بنت الماك نوغيه.
قتل بمدينة كفا، وهي مدينة للفرنج الجنوبية بين مدينة قرم واسطانبول، وذلك أن نوغيه جد المذكور لما كسر القان طقطقاي ملك التتار ببلاد الشرق، واستولى عَلَى البلاد الشمالية وغلب بلاد الدشت أرشل ابن ببنته الأمير آقطاجي هذا إلى قرم لجني المال المقرر عَلَى أهلها لأنه كان وهبها له، فسار إليها آقطاجي بن طشمر المذكور، ومعه أمير يسمى الطبرس وعسكر مقدار أربعة آلاف فارس، فدخل إلى كفا، وطالب أهلها بمال فضيقوه وقدموا إليه شيئاً من المأكول وخمراً للشرب، فأكل وشرب، وحكم عليه السكر فوثبوا إليه وقتلوه.
وبلغ خبره إلى جده نوغيه فأرسل عسكراً كثيفاً إلى قرم صحبة ناجي أحد أمرائه، فنهبوها وحرقوها، وقتلوا من القرم جماعة، وسبوا من كان فيها من تجار المسلمين، وأخذوا أموالهم، ثم نهبوا صار وكرمان وفراق وكرخ، وأخربوا عدة بلاد، كل ذَلِكَ لأجل آقطاجي، صاحب الترجمة.
آقطاي الجمدار النجمي الصالحي
...... - 652ه - ...... - 1254م آقطاي بن عبد الله الجمدار، الأمير فارس الدين الصالحي النجمي التركي.
قال الشيخ شمس الدين بن الجزري في تاريخه أنه كان مملوك التركي إبراهيم المعروف بالحبيلي اشتراه بدمشق ورباه وباعه بألف دينار، فلما صار أميراً أقطعوه الإسكندرية، وطلب من الملك الناصر صاحب دمشق إطلاق أستاذه المذكور، وكان محبوساً بحمص، فأطلقه وأرسله إليه، فبالغ في إكرامه وخلع عليه، وأعطاه ألفي دينار.
قال: وكان طائشاً عاملاً عَلَى السلطنة، وانضاف إليه البحرية كالرشيدي، وبيبرس البندقداري الذي تسلطن بعد، وسار مرتين إلى الصعيد، وعسف وقتل وتجبر، كان يركب في دست يضاهي السلطنة ولا يلتفت إلى الملك المعز أيبك، بل كان يدخل إلى الخزائن ويأخذ ما يختار، ثم إنه تزوج ببنت صاحب حماه وبعثت إليه العروس في تجمل زائد، فطلب من السلطان الملك المعز أيبك التركي القلعة ليسكن فيها، وصمم عَلَى ذَلِكَ، فقالت شجر الدر لزوجها المعز: هذا نحس، وتعاملا عَلَى قتله.
قال: حدثني عز الدين أيبك أحد مماليك الفارس آقطاي، قال: طلع أستاذي إلى القالعة عَلَى عادته ليأخذ أموالاً للبحرية فقال له المعز: ما بقى في الخزائن شيء فامض بنا إليها لنعرضها، وكان قد رتب له في طريق الخزانة مملوكه قطز الذي تسلطن، ومعه عشرة مماليك في مضيق، فخرج عليه وقتلوه، وأغلقت القلعة، فركب البحرية ومماليكه، وكانوا نحو سبعمائة فارس، وقصدوا القلعة، فرمى رأسه إليهم، فهربوا، وذهبت طائفة منهم إلى الشام، انتهى. كلام الجوري.
قلت: وكانت قتلته في شعبان سنة اثنتين وخمسين وستمائة، رحمه الله تعالى.
آقطاي الأتابكي النجمي الصالحي
...... - 672ه - ...... - 1273م آقطاي بن عبد الله النجمي الصالحي، الأمير فارس الدين المعروف بالمستغرب.(1/200)
كان أصله مملوكاً لنجم الدين محمد بن يمن، ثم انتقل إلى ملك الملك الصالح نجم الدين أيوب، وهذا كان يقال له آقطاي المستعرب، ثم عاد رقاه الملك الصالح أيوب وأمره، وتنقلت به الأحوال إلى أن تسلطن الملك المظفر قطز قربه وأدناه وجعله أتابك الجيش، وبقى لا يضاهيه أحد في الدولة ولا يعارضه فيما يفعل، واستمر عَلَى ذَلِكَ إلى أن قتل المظفر أراد كل من الأمراء الأكابر أن يتسلطن، فقام الأمير فارس الدين آقطاي المذكور وقدم ركن الدين بيبرس البندقداري وسلطنة وحلف له في الوقت، فلم يسع بقية الأمراء إلا السمع والطاعة، وفعلوا كما فعل، فتم أمر الملك الظاهر، وعرف الملك الظاهر لآقطاي ذَلِكَ، واستمر به عَلَى حاله في علو ومنزلته ونفاذ الأمر والحرمة الزائدة، وبقى عَلَى ذَلِكَ سنتين وصار الظاهر بيبرس يختار الراحة منه في الباطن ولا يسعه أن يصرح بذلك، لعدم وجود من يقوم مقامه، فإنه كان صاحب رأي وتدبير وخبرة ومعرفة ورئاسة ومهابة، فأنشأ الملك الظاهر بيليك الحازندار وأمره أن يلازمه والاقتباس منه، فلازمه مدة طويلة، فلما علم الظاهر بأنه صار أهلاً لما يريد منه استقر به مشاركاً للأمير آقطاي، وقطع غالب روايته، وأخرج جملة من إقطاعا ته، فامتثل آقطاي ذَلِكَ وأنجع، وادعى أن به جزام، وطلب الانقطاع للتدواي، ولبس به ما قال، وحصل له من الغبن ما أتلفه، فمات قهراً في جمادى الأولى سنة اثنتين وسبعين وستمائة، وقد نيف عَلَى السبعين رحمه الله تعالى.
آقطوان الكمالي
...... - 734ه - ...... - 1334م آقطوان بن عبد الله الكمالي، الأمير علم الدين.
تنقل في عدة ولايات، وولي نيابة قلعة صفد، والحجوبية الكبر بها، وكان له ثروة، وهو مشكور السيرة، توفي بصفد في سنة أربع وثلاثين وسبعمائة.
كان شكلاً مهاباً، طوالا، أبيضاً مشرباُ بحمرة، وكان عديم الشر، رحمه الله تعالى.
آقطوان المهمندار
...... - 677ه - ...... - 1278م آقطوان بن عبد الله المهمندار، الأمير علاء الدين.
أحد أمراء دمشق، كان خيراً عاقلاً شجاعاً، توفي بدمشق في سنة سبع وسبعين وستمائة وقد نيف عَلَى الأربعين، رحمه الله تعالى.
//بسم الله الرحمن الرحيم
رب يسر وأعن يا كريم
آقطوه الأشرفي
آقطوه بن عبد الله الأشرفي، الأمير سيف الدين، قريب الملك الأشرف برسباي.
قدم من بلاد الجاركس مع جملة أقارب الأشرف قبل سنة ثلاثين وثمانمائة فجعله السلطان خاصكياً، وأنعم عليه بإقطاع جيد، ثم أمره بعد سنة ثلاثين، وجعله شريكا لأخيه جانم - الآتي ذكره في محله - وكان الإقطاع المنعم به عليهما إمرة طبلخاناه، فاستمر به عليهما إمرة طبلخاناه، فاستمر آقطوه المذكور على ذلك إلى أن توفى بالطاعون في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وخلف بنتاً تزوجها المقام الناصري محمد بن الملك الظاهري جقمق، ومات عنها.
وكان شاباً أشقر، عاقلاً، وعنده سكون وأدب مع قلة معرفة، ومات وسنه دون الثلاثين، رحمه الله تعالى.
آقطوه الموساوي
آقطوه بن عبد الله الموساوي الظاهري، الأمير سيف الدين.(1/201)
هو من أصاغر المماليك الظاهرية برقوق، ومن أنيات الأتابك يلبغا الناصري، وممن صار من جملة الدوادارية الصغار في الدولة المؤيدية شيخ إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر ططر بإمرة عشرة، ثم صار مهمنداراً في الدولة الأشرفية برسباي، ثم أرسله الملك الأشرف بعد سنة ست وثلاثين إلى القان معين الدين شاه رخ بن تيمورلنك، فغاب مدة تزيد على سنة، وقدم إلى الديار المصرية بعد أن قاسى خطوباً في طريقه. واستمر على إمرته إلى أن مات الملك الأشرف برسباي في سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، ثم آلت السلطنة بعد الملك العزيز يوسف بن برسباي إلى الملك الظاهر جقمق، أنعم عليه بإمرة طبلخاناه عوضاً عن الأمير طوخ من تمراز الناصري - المعروف ببني بازق - بحكم انتقال طوخ إلى طبلخاناة غيرها. واستمر آقطوه على ذلك مدة، إلى أن نقاه السلطان إلى البلاد الشامية، وأنعم بإقطاعه على الأمير ألطنبغا اللفاف الظاهري زيادة على ما بيده، فأقام المذكور بالبلاد الشامية مدة، ثم شفع فيه وطلب إلى القاهرة؛ فأقام بها مدة، وأنعم عليه بإمرة عشرة بعد موت الأمير أبي يزيد الأشرفي فاستمر على ذلك مدة إلى أن خلع عليه بكشف الجسور وتوجه إلى ما ندب إليه، فلم تشكر سيرته، وشكاه بعض خواص الملك الظاهر له؛ فرسم بنفيه أيضاً، وأنعم بإقطاعه على الأمير تغرى برمش اليشبكي الزرد كاش زيادة على ما بيده، ثم شفع في آقطوه المذكور؛ ليقيم بالقاهرة بطالاً، فأمر له بذلك.
قام بالقاهرة إلى أن توفى بعد مرض يسير في شهر صفر سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وسنه نيف على السبعين، وخلف مالاً جزيلاً وعدة أملاك.
وكان تركي الجنس، متوسط القد، خفيف اللحية، مسيكاً، إلا أنه كان عفيفاً عن القاذورات، ويشارك في بعض مسائل، ويذاكر بالتاريخ مذاكرة هينة، رحمه الله تعالى.
الأفرم، نائب الشام
آقوش بن عبد الله الدواداري المنصوري، الأمير جمال الدين، المعروف بالأفرم - وهو غير الأفرم صاحب الرباط والأموال - .
قال الشيخ صلاح الدين: نقل الأفرم من مصر إلى الشام أميراً بها قبل النيابة، وأقام بها مدة في لهو وأنس وطرب. فلما كانت أيام العادل كتبغا، وتقدم لاجين وصار نائب مصر، اشتد عضد الأفرم به؛ لأنهما كانا ابني خالة، وكانا جراكسة، ثم قال: أخبرني القاضي شهاب الدين بن فضل الله، قال: الأفرم من مماليك المنصور قلاوون، جركسي الأصل، وكان من السلاحدارية. وهو من أكابر البرجية، وكان مغرى بالنشاب والعلاج والصراع واللكام والثقاف.
وتأمر وهو على هذا. وكان محباً للصيد لا يكاد يصبر عنه، وكان واسع السماط، قليل العطاء، وكان فقيرا أكثر ما ملك سبعة آلاف دينار. انتهى كلام الشيخ صلاح الدين الصفدي باختصار.
وكان في نيابته بدمشق يسكن بقصرها الأبلق، وأنشأ بدمشق - بالصالحية - جامعه المشهور، وجدد ما خرب من جامع العقيبة. وله بدمشق محاسن ومآثر.
وكان عنده ظرف وأدب، وكان ينادم الشيخ صدر الدين بن الوكيل، والشيخ بدر الدين بن العطار، والملك الكامل، وكان قد عظم في نيابته بدمشق لا سيما في دولة الملك بيبرس الجاشنكير، حتى إنه كان يكتب تواقيع بوظائف وإقطاعات ويبعثها إلى ديار مصر؛ ليعلم السلطان عليها، وأشياء من هذا النمط، وأقام على ذلك إلى أن عاد الملك الناصر محمد بن قلاوون، قبض عليه وبعثه إلى صرخد بطالاً، فكتب إليه الشيخ صدر الدين بن الوكيل أبياتاً منها:
أيا جيرةً بالقصر كان لهم مغنىً ... رحلتم فعاد القصر لفظاً بلا معنى
وأظلم لما غاب نور جماله ... وقد كان من شمس الضحى نوره أسنى
وبعث صحبة الرسول حامل الأبيات حلوى وفاكهة، وكان خارجاً للصيد، فقال للخازندار: كم معك؟ فقال: ألف درهم، فقال: ما تكفى الشيخ يا صبيان، أقرضوني حوائصكم فأخذها - وهي عشرون حياصة ذهباً - وجهزها قرين الدراهم. ثم ولاه الملك الناصر نيابة طرابلس في سنة إحدى عشرة وسبعمائة، فأقام بها ستة أشهر، وخاف من الملك الناصر؛ فتسحب هو والأمير قراسنقر المنصوري نائب حلب، ولما اتفق مع قراسنقر وخرجا بمن مهما جهة المشرق بكى الأفرم، وأنشد قوله:
سيذكرني قومي إذا جد جدهم ... وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر(1/202)
فقال له قراسنقر: امش بلا فشار، تبكي عليهم ولا يبكون عليك فقال الأفرم: والله ما بي إلا فراق ابني موسى فقال له قراسنقر: أي بغاية بصقت في رحمها جاء منه موسى وإبراهيم وعدد أسماء كثيرة، وتوجها فلحقا بخرابند ابن أرغون بن أبغا بن هولاكو ملك التتار، فتلقاهما بالإكرام، وصرف كل منهما في جهة من بلاده. وطالت مدتهما في تلك البلاد سنين، وأقطعه خرابند همذان إلى أن توفى بالفالج في سنة عشرين وسبعمائة، وقيل في سنة ست عشرة وسبعمائة.
وتوفيت زوجته بنت الأمير أيدمر الزرد كاش بعده بمدة يسيرة - رحمه الله - .
قال الصفدي: وكان أميراً شجاعاً، جواداً سخياً، ذا رأي وتدبير، محباً لأهل العلم يحب مجالستهم، حسن المحاضرة، يحب الأدب، مدحه جماعة من شعراء عصره بغرر القصائد، وكان يجيز عليها بالجوائز السنية، وكان منقاداً للشريعة، له آثار حسنة.
وكان رنكه دائرة بيضاء يشقها شطب أخضر عليه سيف أحمر يمر في البياض الفوقاني إلى البياض التحتاني على الشطب الأخضر. وقال الشعراء فيه، من ذلك قول نجم الدين هاشم الشافعي:
سيوفٌ سقاها من دماء عداته ... وأقسم عن ورد الردى لا يردها
وأبرزها في أبيضٍ مثل كفه ... على أخضرٍ مثل المسن يحدها
قال: وكان الرنك في غاية من الظرف، حتى إن النساء الخواطئ وغيرهن كن ينقشنه على معاصمهن. انتهى.
البرنلي، المتغلب على البلاد الشامية
آقوش بن عبد الله العزيزي، الأمير شمس الدين، المعروف بالبرنلي والبرناو - كلاهما لغة من اللغة التركية معناهما: المأنوف - .
كان من أكابر مماليك السلطان الملك العزيز غياث الدين محمد بن السلطان الملك الظاهر غازي بن يوسف بن أيوب صاحب حلب.
نشأ في خدمته، ثم في خدمة ولده السلطان الملك الناصر يوسف من بعده. وسار مع الناصر لقتال المعز أيبك التركماني صاحب مصر في سنة ثمانٍ وأربعين وستمائة، فانكسر الملك الناصر، وخامر آقوش البرنلي هذا وجماعة من العزيزية وانضافوا إلى المعز، ثم أرادوا الفتك بالمعز، فعلم بهم وقبض على بعضهم وهرب بعضهم، فكان آقوش البرنلي ممن هرب، وتوجه عائداً إلى الملك الناصر صاحب حلب، فقبض عليه الناصر واعتقله بقلعة عجلون؛ إلى أن توجه الناصر بعساكره مندفعا بين يدي التتار في سنة ثمان وخمسين وستمائة؛ فأخرجه السلطان من حبس عجلون وأكرمه، ودام عنده إلى أن انهزم الناصر من الملك المظفر قطز بقطبا وتفرقت عساكره عنه، دخل البرنلي مع العساكر المصرية إلى القاهرة، واتصل بالملك المظفر، فأحسن إليه واستنابه بغزة وبالبلاد الساحلية مع جماعة كثيرة من العرب، وأقطعهم إقطاعات هائلة إلى أن قتل الملك المظفر قطز وتسلطن الملك الظاهر بيبرس البندقداري، وخرج الأمير علم الدين سنجر الحلبي نائب دمشق عن طاعته، وادعى السلطنة لنفسه، واستحلف الأمراء والأعيان وجلس بقلعة دمشق، وتلقب بالملك المجاهد.
طلب الملك الظاهر بيبرس آقوش البرنلي، وأغدق عليه وعلى جماعة من العزيزية والناصرية؛ وأمرهم بالتوجه مع العساكر المصرية؛ لمحاصرة الأمير علم الدين سنجر الحلبي، المتغلب على دمشق، فتوجه إليها صحبة العساكر، وملكوا دمشق، واستمر بها هو والعزيزية إلى أن جهز الملك الظاهر بيبرس الأمير فخر الدين الحمصي مقدماً على العساكر المصرية في سنة تسع وخمسين وستمائة؛ لتنزيح التتار عن البلاد الحلبية.(1/203)
استشعر آقوش البرنلي من الملك الظاهر بيبرس بالقبض عليه، فخرج هارباً إلى حلب، وكان تقدمه إلى حلب فخر الدين الحمصي والأمير لاجين العينتابي، فخرج الأمير فخر الدين لتلقيه، ظناً منه أنه جاء نجدةً له، ودخل البرنلي هذا حلب وتغلب عليها، فخافه الحمصي، وعمل الحيلة في خروجه من حلب وعوده إلى الملك الظاهر بدمشق، فتم له ذلك، وقبض البرنلي على حواشي الحمصي وصادرهم، وأبقى على العينتابي، وأمر وأقطع، ووفد عليها زامل بن حديثة، ففرق عليه وعلى أصحابه تسعة آلاف مكوك، مما احتاط عليه من الغلال التي كانت مطمورة بحلب، وفرق في التركمان أربعة آلاف أخرى، وبلغ الملك الظاهر بيبرس ذلك، فولى الحلبي نيابة حلب، وبعث معه عسكراً، عليهم الأمير جمال الدين آقوش المحمدي. فلما قرب العسكر من حلب خرج منها البرنلي ودخلها الحلبي، وسار آقوش المحمدي يتبع البرنلي حيث توجه، فأدركه في الطريق فركب البرنلي ودخل على المحمدي في مخيمه، وقال: أنا مملوك السلطان وما هربت خوفاً منه، وقد رغبت إليك في أن تستعطفه بحيث يبقى على حران، فإني طردت نواب التتار ووليت فيها، ومتى لم يسمح لي بها لم أجد بداً من التجائي إلى التتار، فتكفل المحمدي بما لتمسه ورحل عائداً، ودخل البرنلي إلى حران، وكان ذلك خديعة منه، ثم تسلم البيرة وقصد حلب، فلما كان بتل باشر، خرج عن طاعة الحلبي أكثر من كان معه ولحق بالبرنلي، وخرج الحلبي من حلب ليلاً. فلما علم البرنلي بذلك بعث إليها الأمير طقصبا الناصري وكيكلدي الحلبي وتسلماها.(1/204)
ثم لما وردت الأخبار على الملك الظاهر بيبرس بذلك برز بالعساكر المصرية ومعه الخليفة وأولاد صاحب الموصل إلى بركة الجب وأقام إلى عيد الفطر، فوصل إليه في خلال هذه الأيام آقوش المحمدي، فأنكر عليه الظاهر، ثم استقل بالمسير حتى وصل دمشق يوم الاثنين سابع ذي القعدة من السنة، فجهز الأمير علاء الدين الأيدكي البندقداري إلى نيابة حلب، وبعث معه عسكراً لمحاربة البرنلي وعليهم الأمير بلبان الرشيدي، فخرج الجميع من دمشق في منتصف ذي القعدة. فلما وصلوا إلى حماة خرج البرنلي من حلب وقصد حران، فتبعه الرشيدي، ودخل البندقداري حلب. فلما قارب الرشيدي الفرات رحل البرنلي عن حران وقصد قلعة القرادي، فحاصرها حتى أخذها من التتار عنوة ونهبها، وعاد الرشيدي إلى نحو الديار المصرية، فرجع البرنلي إلى البيرة، وبعث جماعة من أصحابه إلى حلب. وبلغ الخبر البندقداري، ففر من حلب وقصد حماة، وأقام ببلدها، ودخل البرنلي حلب مظهراً طاعة الملك الظاهر بيبرس، وأقام بها إلى أن كتب إليه الملك الصالح واستنجده؛ فكتب إلى الملك الظاهر يستأذنه في التوجه لنصرته؛ فأجابه، وأمره بالتربص بحران إلى أن يصل إليه العسكر السلطاني بنجدته - صاحب الموصل - ، فوصل حران وأقام بها، ثم خاف من العسكر السلطاني أن يقبض عليه؛ فتوجه بمن معه إلى سنجار لنجدته - الملك الصالح - ، وكان التتار يحاصرون الصالح بسنجار، فلما بلغهم قدوم البرنلي غرهم كبيرهم صندغون بمن معه على الهرب، واتفق وصول الزين الحافظي إليه من عند هولاكو فقال لهم: إن الجماعة التي مع البرنلي قليلة، وأن المصلحة تقتضي ملاقاته؛ فقوى عزمهم فرجعوا إلى البرنلي والتقوا معه بطائفة التتار، وهم نحو عشرة آلاف وعليهم صندغون، ومع البرنلي تسعمائة فارس وأربعمائة من التركمان، فتردد البرنلي في قتالهم، ثم قاتلهم وانكسر وانهزم جريحاً في رجله، وقتل ممن معه جماعة بعد أن قاتلوا قتالاً شديداً، وعاد البرنلي في جماعة من الأمراء العزيزية والناصرية إلى البيرة؛ ففارقه أكثرهم ودخلوا الديار المصرية، ثم طلب البرنلي الأمان من الملك الظاهر، فأجابه لذلك، وطلبه إلى الديار المصرية، فخرج من البيرة في تاسع عشر شهر رمضان سنة ستين وستمائة، واجتمع بالبندقداري نائب حلب بعد أن توثق كلامهما بالأيمان، ودخل البرنلي القاهرة في غرة ذي الحجة من السنة، فأكرمه وأنعم عليه بإمرة سبعين فارس، ودام بالقاهرة إلى أن اتفق مع جماعة أن يملكوه، فكان ذلك أعظم الدواعي إلى القبض عليه مع أمور أخر، وأمسكه الملك الظاهر بيبرس - وكان ذلك آخر العهد به - في سنة إحدى وستين وستمائة، وقيل إنه سجن بقلعة الجبل إلى أن مات في سنة ثمان وستين وستمائة. وقيل أن القبض كان عليه في سنة اثنتين وستين، قاله القاضي شمس الدين بن صقر. وقد اختلف المؤرخون في حكاية البرنلي، رحمه الله تعالى.
الشمسي نائب حلب
آقوش بن عبد الله الشمسي، الأمير جمال الدين.
أصله من مماليك الأمير شمس الدين سنقر الأشقر، وهو خجداش الأمير بدر الدين بيسرى.
كان أحد الأبطال، وهو الذي قتل كتبغا مقدم التتار على عين جالوت، والذي قبض على عز الدين أيدمر الظاهري نائب دمشق. وكان أولاً من الأمراء بديار مصر، ثم ولى نيابة حلب في سنة ثمان وسبعين وستمائة وباشرها مدة قليلة. ومات في أواخر السنة المذكورة. وكان أميراً، شجاعاً، مقداماً، كريماً، عفيفاً، رحمه الله تعالى.
الركني الطباخ
آقوش بن عبد الله الركني، الأمير جمال الدين، المعروف بالطباخ.
كان أحد أمراء دمشق.
أصله مملوك بيبرس - الذي كسر الفرنج بأرض غزة - . ولبيبرس المذكور عدة مماليك أعيان منهم: الأمير إيغان - المعروف بسم الموت - وآقوش صاحب الترجمة وغيرهما.
وتوفي آقوش هذا بحلب في سنة ثمان وتسعين وستمائة، ثم نقل إلى حمص.
المحمدي الصالحي النجمي
آقوش بن عبد الله المحمدي الصالحي النجمي، الأمير جمال الدين.(1/205)
كان من مماليك الملك الصالح نجم الدين أيوب، ومن أعيان أمراء الملك الظاهر بيبرس. ولما وردت الأخبار على الملك الظاهر بيبرس بنزول التتار على البيرة وحصارهم لها، جهز السلطان الملك الظاهر بيبرس عسكراً، وتقدم العسكر الأمير عز الدين إيغان الركني - المعروف بسم الموت - والأمير جمال الدين آقوش صاحب الترجمة، وصحبتهم العساكر الشامية. فلما بلغ التتار مجيئ العساكر رحلوا عن البيرة، وكان آقوش هذا مرصوداً عند الملك الظاهر بيبرس لكل أمر مهم إلى أن توفى سنة ست وسبعين وستمائة وقد ناهز السبعين سنة. وكان رحمه الله تعالى معدوداً من الشجعان الأسخياء، رحمه الله تعالى.
النجيبي الصالحي
آقوش بن عبد الله النجيبي الصالحي، الأمير الكبير جمال الدين.
أحد المماليك الصالحية، وتنقل في الوظائف إلى أن جعله أستاذه الملك الصالح نجم الدين أيوب أستاداراً، وصار يعتمد عليه في غالب أحواله ومهماته إلى أن توفى الملك الصالح، وآل الأمر بعد مدة طويلة إلى الملك الظاهر بيبرس استقر به أيضاً أستاداراً في أوائل أمره، ثم جعله نائب دمشق تسع سنين، ثم عزل عن نيابة دمشق برغبته عنها وتقصر بطالاً سبع سنين قبل موته، وحرمته في الدولة قائمةٌ، ومكانته عالية. ولما مرض عاده الملك الظاهر بيبرس، ومات بعد أيام في خامس ربيع الآخر سنة سبع وسبعين وستمائة بداره بدرب ملوخيا.
وكان ابتنى لنفسه تربة بالمدرسة النجيبية، وفتح لها شبابيك إلى الطريق، فلم يقدر دفنه فيها، ودفن بتربته التي أنشأها بالقرافة الصغرى من القاهرة.
وكان كثير الصدقات والبر، محباً في الفقراء والعلماء، حسن الاعتقاد متغالياً في السنة وحب الصحابة، وعنده تحامل كبير على الشيعة.
وبنى مدرسة بدمشق إلى جانب مدرسة نور الدين الشهيد، وبنى له بها تربةً ولم يدفن فيها، ووقف على مدرسته وخانقاته - والخانقاة ظاهر دمشق بالشرف القبلي - وجعل النظر لقاضي القضاة شمس الدين بن خلكان.
وكان ضخم الشكل، جهوري الصوت، كثير الأكل، وله أوقاف على الحرمين، رحمه الله تعالى.
قتال السبع
آقوش بن عبد الله المنصوري، الأمير جمال الدين المعروف بقتال السبع.
أصله من مماليك الملك المنصور قلاوون، وترقى إلى أن صار من أعيان الأمراء بالديار المصرية. وولى عدة وظائف إلى أن توفى سنة عشر وسبعمائة.
وله آثار بالقاهرة معروفة به.
الأشرفي نائب الكرك
آقوش بن عبد الله الأشرفي، الأمير جمال الدين نائب الكرك.
أصله من مماليك الملك الأشرف خليل بن قلاوون، وترقى إلى أن صار من جملة أمراء الديار المصرية، ثم ولى نيابة الكرك، ثم نقله الملك الناصر محمد ابن قلاوون إلى نيابة دمشق بعد الأمير كراي بحكم القبض عليه، فأقام آقوش هذا في نيابة دمشق مدة، وعزل بالأمير تنكز وطلب إلى القاهرة، وصار يجلس رأس الميمنة، ويقوم له السلطان إذا دخل - ميزة عن غيره - وكان لا يلبس المصقول، ويتوجه إلى الحمام في السحر وهو حامل الطاسة والمئزر، ويقلب عليه الماء، ويخرج وحده من غير بابا ولا مملوك.
وحكي عنه أنه دخل مرة الحمام فرآه بعض من يعرفه، فأخذ الحجر وحك رجليه وغسله بالسدر، ولم يكلمه كلمة واحدة. فلما خرج طلبه ورماه إلى الأرض وضربه بالعصا، وقال له: أنا مالي مملوك، ما عندي بابا، مالي غلمان حتى تتجرأ علي.
ولما عمر جامعه بالحسينية - خارج القاهرة - فكان يتفقده في غالب الأحيان؛ لينظر حاله، ولم يدخل معه أحد من مماليكه، فويل للقيم إن رأى به تراباً. فلما كان في بعض الأيام - وهو بمفرده في الجامع المذكور على عادته - لم يشعر إلا وجندي من أكراد الحسينية قد بسط سفرةً وقصعة لبن ورقاق في وسط الجامع، فأيقن كل أحد له بالقتل في ذلك اليوم، وقال: بسم الله ثم التفت إلى الأمير، فرآه ولم يعرفه، فحسبه طفيلي، فقال له: من أعلمك بي أو دلك علي؟ قال: والله ولا أحد فطلب الأمير مماليكه وأكل وانبسط، وأمر له بستمائة درهم، فاتفق أن أتاه بعد ذلك كردي آخر وفعل مثل ذلك، فأمر به فضرب ستمائة عصا.
وقيل إنه كان يقصد المطالب. وكان جواداً. قيل إنه ما تجرد إلى جهة من الجهات ورافقه أحد إلا وكان أكله على سماطه - ذهابه وإيابه - ويعلفون من عليفه من يوم خروجهم من القاهرة إلى عودهم.(1/206)
وكان السماط الذي يمده في يوم العيد - عبد الفطر - نظير السلطان، ثم ولاه السلطان نظر البيمارستان المنصوري. ومن يومئذ صار ذلك عادة لكل أمير يكون رأس الميمنة.
قلت: وأما الأمير الكبير الذي هو الآن في زماننا هذا أول من سمى به الأمير شيخو صاحب الخانقاة، وإنما كان قبل ذلك من كان قديماً في الإمرة يقعد رأس الميمنة، انتهى. ثم أخرجه الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى نيابة طرابلس في أول سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، فأقام بها مدة، ثم طلب الإقالة والتوجه إلى القدس، فرسم له بالحضور. فلما وصل إلى دمشق خرج إلى لقائه الأمير تنكز نائب الشام وعمل له سماطاً في دار السعادة. فلما حضر لأكل السماط قبض عليه وحبسه بقلعة دمشق.
وقيل إنه لما كان نائب الشام كتب إليه شخص ورقة فيها: المملوك يسأل الحضور بين يدي ملك الأمراء؛ فوقع على جانبها: الاجتماع مقدر.
وكتب إليه بعض أشكال الملاح بدمشق يطلب إقطاعاً، فوقع له: من كان يومه بخمسين وليلته بمائة، ماله حاجة بالجندية.
ووقع لبعض من حصلت له حادثة: قد أحصيناك وإن عدت إلى مثلها أخصيناك.
ولما أمسك أقام بقلعة دمشق مدة يسيرة، ونقل إلى الإسكندرية. وحبس بها إلى أن توفى سنة ست وثلاثين وسبعمائة.
وسبب موته أنه كان برأسه سلعة، فقطعها؛ فمات منها بعد قليل.
وكان أميراً عارفاً عاقلاً، ذا رأي وتدبير وعظمة، وثروة زائدة، غير أنه كان ظالماً؛ مات تحت ضربة جماعة، ضرب بزداراً من بزدارية السلطان؛ لكونه شتم سقاء له، فأمسكه وضربه حتى مات بعد ثلاثة أيام. ومن ذنوبه التي عدها السلطان له، أنه ضرب جارية السلطان - زوجة بكتمر الحاجب - بسبب الميراث؛ لأن ابنته كانت أيضاً زوجة بكتمر، فضربها ستمائة عصا، انتهى.
آقوش الشبلي
آقوش بن عبد الله الشبلي، جمال الدين.
سمع من ابن عبد الدائم وغيره. توفى سنة تسع وثلاثين وسبعمائة.
آقوش الشهابي
آقوش بن عبد الله الشهابي، الأمير جمال الدين، السلاح دار.
كان أحد أكابر أمراء دمشق، وكان حشماً معظماً في الدولة، ثم نقل إلى حماة، فتوفى بها سنة ست وسبعين وستمائة.
آقوش البيسري
آقوش بن عبد الله البيسري، جمال الدين.
كان من جلة أجناد طرابلس، وله شعر جيد، وفضيلة.
حكي أنه رأى في النوم من أنشده:
لما بدا كقضيب البان منعطفاً ... وكان يشتم ريح المسك من فيه
فقلت: يا لائماتي انظرن واحدةً ... فذلكن الذي لمتنني فيه
قال: فحفظتهما، وانتبهت فنظمت في المعنى:
لامت نساء زرودٍ في هوى قمر ... كل الملاحة جزء من معانيه
وقلن لما تبدا ليس ذا بشراً ... فقلت هذا الذي لمتنني فيه
وله أيضا في قبقاب:
كنت غصناً بين الأنام رطيبا ... مائس العطف من غناء الحمام
صرت أحكي رءوس أعداك ... في الذل برغم أداس بالأقدام
وله أيضاً:
خودٌ من الترك ذات وجهٍ ... كالبدر في هالة الكمال
جاءت بكيس بغير ياءٍ ... تطلب زبداً بغير زال
توفى رحمه الله في سنة تسع وتسعين وستمائة.
باب الألف والكاف
القاضي كريم الدين الصغير
أكرم الصغير، الرئيس كريم الدين. ناظر الدولة بالديار المصرية.
ولى نظر الدولة لما قدم الملك الناصر محمد بن قلاوون من الكرك؛ عندما ولى خاله كريم الدين الكبير ناظر الخاص. وكان كاتباً ضابطاً، ذا سطوة ومهابة على الكتاب، لا يحابي أحداً، ولا يدع أحداً يلتمس شيئاً، وكان إذا حضر مجلس خاله كريم الدين الكبير يكون قائماً على قدميه، وكل من لا يمكنه الجلوس في دسته يكون في مجلس خاله قاعداً وهو قائم، فإذا كان في مجلسه - بعد انقضاء مجلس خاله - قعد ووقف الناس وأهابوه وعظموه.
وقيل إن الملك الناصر قال - لما كان بالكرك - : أنا أعود إلى مكان يكون فيه كريم الدين الصغير يضرب الجند بالدبابيس وأشفع فيهم ما يقبل شفاعتي؟ . وكان عفته عن مال السلطان إلى الغاية وتشدده على من يكون خارجاً عن الحد. قيل إنه كان يضرب الناس وقوفاً على ألواح أكتافهم، فإذا مال إلى قدام ضربهم على صدورهم، وسمى هذا المقترح.
قال الصفدي: حكى لي غير واحد أن الأمراء العشرينات والطبلخانات يزدحمون في المشي قدامه.(1/207)
وقال: حكى لي أنه جاء إليه الأمير بكتمر الحاجب، فقام لتلقيه وجلس بين يديه، وقال: ارسم يا خوند فقال: هذا الكاتب تشفعني فيه وتستخدمه في الجهة الفلانية؟ فقال: السمع والطاعة، كم في هذه الوظيفة معلوم؟ فقال الكاتب: مائة وخمسون درهماً وثلاثة أرادب قمحاً. فقال للصيرفي: اصرف إلى هذا في كل شهر هذا المبلغ. فقال الكاتب: ما أريد إلا هذه الوظيفة، فقال كريم الدين لبكتمر: حتى تعرف يا خوند أنه لص وما يريد المعلوم، وما يريد إلا أن يسرق فاستحى بكتمر ومضى، انتهى.
ثم أمسكه السلطان مع كريم الدين الكبير وصادره، فطلب العوام قتله، وأثبت القضاة عليه محاضر بالكفر وغير ذلك، فخاف السلطان أنه إذا قتل يروح عليه المال فسلمه إلى بيبرس الأحمدي، ثم أرسله إلى صفد ناظراً، فأقام بها مدة، ثم نقل إلى الشام، فكرهه الأمير تنكز في أول حضوره. فلما رأى حسن مباشرته وعفته وتبعده أحبه، ثم طلب إلى الديار المصرية، فخافه أعداؤه وعملوا عليه حتى أقام بداره بطالاً، ثم تكلموا فيه وأمعنوا حتى رسم بنفيه إلى أسوان، فجهز في البحر، فغرق في النيل في سنة ست وعشرين وسبعمائة.
قيل إنه كان غزير المروءة، إذا قام مع أحد تعصباً ما يرجع عنه. وكانت أطعمته فاخرة، ونفسه على الطعام واسعة. عفى الله عنه.
مشد الدواوين
الأكوز بن عبد الله الناصري، الأمير سيف الدين.
أصله من مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون، كان جمداراً، فرقاه وأمره، ثم جعله شاد الدواوين، فعمل الشد أعظم من الوزارة، وتنوع في عذاب المصادرين، وقتل بالمقارع، وحمى الطاسات وألبسها للناس، وحمى الدسوت وأجلسهم عليها، وضرب الأوتاد في الآذان، ودق القصب تحت الأظفار وبالغ، ثم أضاف إليه السلطان، لؤلؤ غلام فندش، فاتفقا على عقاب الناس، وزاد البلاء في أيامهما، وسكنت رعبة الأكوز في القلوب، ولم يزل كذلك إلى أن غضب يوماً على لؤلؤ المذكور، فأخذ العصاة بيده وضربه حتى هرب من قدامه وهو خلفه إلى باب القلعة البراني، وخرق شاشة في رقبته، فدخل لؤلؤ على النشو وعلى قوصون وبذل المال، واتفق أن كان الغلاء بالقاهرة سنة ست وثلاثين وسبعمائة، فقال السلطان لأكوز: انزل ولا تدع أحداً يبيع بأكثر من ثلاثين درهماً الأردب.
فأول ما نزل إلى شونة قوصون وأمسك السمسار الذي له وضربه بالمقارع وأخرق بأستاداره، فكلم قوصون الأكوز فأساء عليه الرد، فدخل قوصون إلى السلطان، فأخرق السلطان به، فأكمنها له، وعمل عليه هو والنشو، ولم يزالا به إلى أن غضب عليه السلطان وضربه ورسم عليه أياماً، ثم أعطاه إمرةً بدمشق، فتوجه إليها وأقام بها مدة يسيرة.
وتوفى سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة. رحمه الله تعالى وعفا عنه.
باب الألف واللام
الابن الطشتمري
ألبكي بن عبد الله الظاهري، الأمير فارس الدين.
تأمر في دولة أستاذه الملك الظاهر بيبرس، وصار من أعيان الأمراء إلى أن قبض عليه، وحبس مدة طويلة إلى أن أخرجه الملك المنصور قلاوون من الحبس وولاه نيابة صفد، فأقام بها عشر سنين، وكان كلما ركب ونزل حل جمداره شاشه وجعله في الكلفته، فإذا أراد الركوب لفه بيده مرة واحدة.
قال الشيخ نجم الدين الصفدي: كان ليس بخده نبات، كثير الأدب، وكان رئيساً عفيفاً.
وقال: كنت أنادمه فلم أره بلا خف قط، ولم يمد رجله ولا يكشفها، انتهى.
ولما نفى الأشرف خليل بن قلاوون حسام الدين لاجين إلى صفد ضربه الأمير ألبكي هذا على كتفه بالمقرعة، وقال له: ما تمشي إلا خواتيني، وأخذت جوخة كانت معه وطرطور ضمن بقجة.
فلما تسلطن لاجين أرسل يقول له: احتفظ بالبقجة، فعند ذلك أخذ حذره وفر من حمص هو والأمير بكتمر السلاح دار وقبجق وتوجهوا إلى غازان، فبالغ في إكرامهم، وزوج الأمير فارس الدين ألبكي هذا بأخته، ثم جاءوا مع غازان إلى الشام. ولما توجه تأخروا عنه، فأعطى ألبكي نيابة حمص، فأقام بها إلى أن توفي في ذي القعدة سنة اثنتين وسبعمائة. رحمه الله تعالى.
الأبو بكري
ألتمر بن عبد الله الأبو بكري، الأمير سيف الدين.
أحد أمراء الطبلخاناه بدمشق.
كان تركي الجنس، مشكور السيرة، دام بدمشق إلى أن مات في شهر ربيع الآخر سنة أربع وأربعين وسبعمائة. رحمه الله تعالى.
الناصري الدوادار
ألجاي بن عبد الله الناصري الدوادار، الأمير سيف الدين.(1/208)
كان من مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون، ثم جعله أستاذه دواداراً صغيراً مع أرسلان الدوادار. فلما توفى أرسلان استقل ألجاي المذكور بالدوادارية عوضه، واستمر أمير عشرة مدة طويلة، ثم أعطى إمرة طبلخاناه قبل موته بسنتين.
قال ابن أيبك الصفدي: وأما اسمه في العلامة فما كتبه أحد أحسن منه.
وكان خبيراً، عفيفاً، خيراً، طويل الروح. وكان يحب الفضلاء، ويميل إليهم، ويقضي حوائجهم، وينامون عنده، ويبحثون ويسمع كلامهم، ويتعاطى معرفة علوم كثيرة. وبعد هذا كان لا بد في خطه أن يؤنث المذكر.
وكان اختص بقاضي القضاة تقي الدين السبكي كثيراً، وكان ألجاي المذكور يعظم وظيفته ويتبجح بها. وكان مشهوراً بالخير والدين، وعمر له داراً بالشارع غرم على بوابتها مائة ألف درهم، فلم تستكمل الدار حتى مرض، ونزل إليها من القلعة وهو مريض، فأقام بها إلى أن توفى سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة.
وولى الدوادارية بعده الأمير صلاح الدين يوسف الدوادار. رحمه الله تعالى.
اليوسفي، صاحب الوقعة
ألجاي بن عبد الله اليوسفي الناصري، الأمير سيف الدين.
كان ممن أنشأه الملك الناصر حسن، وجعله أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ثم صار بعد موت السلطان حسن أمير جاندار، واستمر على ذلك إلى أن قتل يلبغا العمري الخاصكي، وعصى أسندمر على الملك الأشرف شعبان بن حسين - حسبما ذكرناه في ترجمة أسندمر - فلما كانت الوقعة انضم ألجاي المذكور إلى الأشرف، وانتصر أسندمر على الأشرف، وأمسك ألجاي هذا ورفقته وحبسهم بحبس الإسكندرية إلى أن صفا الوقت للأشرف وقبض على أسندمر أطلق ألجاي هذا ورفقته وجعله أمير مائة ومقدم ألف على عادته، وولاه حجوبية الحجاب بالقاهرة، ثم نقله إلى أن جعله أمير جاندار على عادته أولاً، ثم ولاه إمرة سلاح، ثم تزوج بخوند بركة أم السلطان الملك الأشرف، واستمر على ذلك إلى أن مات الأمير منكاي بغا الشمسي - زوج أخت السلطان - فاستقر ألجاي من بعده أتابك العساكر بالديار المصرية، وعظمت حرمته في الدولة بزواجه أم السلطان ثم توليته الأتابكية. ولا زال على ذلك حتى توفيت أم السلطان في آخر سنة أربع وسبعين وسبعمائة، ووقع بينه وبين الملك الأشرف كلام من أجل التركة أوجب خروج ألجاي عن الطاعة. فلما كن يوم الثلاثاء سادس المحرم من سنة خمس وسبعين وسبعمائة، لبس ألجاي هذا ومعه جماعة من الأمراء، وركب السلطان ومعه الأمراء والخاصكية، وباتوا تلك الليلة لابسين السلاح إلى الصباح. فلما كان نهار الأربعاء سابع المحرم كانت الوقعة بين ألجاي وبين المماليك السلطانية الأشرفية، فتواقعوا إحدى عشرة مرة، ثم انكسر ألجاي وهرب إلى بركة الحبش.
كل ذلك والسلطان لا يتحرك من مقعده، ثم عاد ألجاي من بركة الحبش بمن معه من الجبل الأحمر إلى قبة النصر، وطلبه السلطان فأبى؛ فأرسل له خلعة بنيابة حماة، فقال: أنا أروح بشرط أن يكون كل ما أملكه وجميع مماليكي معي، فأبى السلطان ذلك، وباتوا تلك الليلة، فهرب جماعة من مماليكه في الليل إلى السلطان الملك الأشرف.
فلما كان صباح يوم الخميس ثامن المحرم أرسل السلطان الأمراء الخاصكية ومماليك أولاده وبعض المماليك السلطانية إلى قبة النصر. فلما رآهم ألجاي هرب، فساقوا خلفه إلى الخرقانية بشاطئ النيل - ظاهر قليوب - فرمى ألجاي بنفسه في البحر فغرق، فبلغ الملك الأشرف موته فصعب عليه، ثم أخذ السلطان أولاد ألجاي - وأظنهم إخوته لأمه - عنده ورتب لهم ما يكفيهم، ثم رسم بإخراج ألجاي من النيل، فنزل الغواصون وطلعوا به وأحضروه إلى القاهرة في يوم الجمعة تاسع المحرم في تابوت وتحته لباد أحمر، فغسل وكفن وصلى عليه الشيخ جلال الدين التباني، ودفن بقبته التي عمرها بمدرسته ظاهر القاهرة - على رأس سويقة العزى - وكان أميراً جليلاً شجاعاً، كريماً ديناً، يميل إلى الخير والصدقات.
قال العيني: ولقد أخبرني قنق باي اللالا أحد مماليكه أنه كان كل يوم خميس واثنين يتصدق بألف درهم - غير ما يتصدق في غير هذه الأيام - وأنه كان يعتقد الفقراء، ولكن كان يرمى بأخذ الرشوة والبرطيل، ولم يحصل له استطالة إلا بعد أن تزوج بأم السلطان، انتهى.
المظفري نائب طرابلس
ألجبغا بن عبد الله المظفري، الأمير سيف الدين الخاصكي.(1/209)
كان المذكور أختص بالملك المظفر حاجي حتى لم يكن أحد في رتبته. فلما جرى من أمر المظفر - ما سنحكيه إن شاء الله تعالى في ترجمته - من خلعه وتسلطن من بعده الملك الناصر حسن، استمر المذكور أيضاً معظماً في دولة الناصر حسن إلى أن وقع الخلاف بين الأمراء، أخرج ألجبغا المذكور إلى دمشق على إقطاع الأمير حسام الدين لاجين أمير آخور، وطلب لاجين إلى القاهرة في سنة تسع وأربعين وسبعمائة. وكان خروجه من القاهرة على أنه نائباً بحماة، فلحقه الخبر في أثناء الطريق وتوجه به إلى دمشق، فاستمر ألجبغا المذكور في دمشق إلى أن حضر إليه، فجاء الناصري السلاح دار في شعبان سنة تسع وأربعين وسبعمائة، فأخذه وتوجه به إلى نيابة طرابلس، عوضاً عن الأمير بدر الدين الخطيري فأقام بطرابلس إلى أوائل شهر ربيع الأول سنة خمسين وسبعمائة، أرسل طلب من الأمير أرغون شاه نائب دمشق الحضور إلى دمشق ليتصيد بها، فأذن له أرغون شاه في ذلك، فقدم دمشق وأكرمه نائبها المذكور، وتوجه ألجبغا هذا إلى بحيرة حمص أياماً يتظاهر الصيد، ثم إنه ركب ليلة وساق ونزل خان لاجين، وأقام في الثانية من النهار، وركب بمن معه من عسكر طرابلس، وهجم على الأمير أرغون شاه، ثم احتاط على موجوده، وكان ذلك في يوم الخميس ثالث عشرين شهر ربيع الأول.
ولما أصبح نهار الجمعة، شاع الخبر بأن أرغون شاه ذبح نفسه، وطالع ألجبغا السلطان بما وقع له، ثم إنه أراد أن ينفق في الأمراء ويحلفهم لنفسه، فأنكروا عليه ذلك، ولبسوا السلاح، ووقفوا بسوق الخيل، ولبس هو والأمير فخر الدين إياز وجماعة من الجراكسة، ووقع القتال، فكانت النصرة لألجبغا المذكور، ثم أخذ من الأموال ما قدر عليه، وتوجه نحو طرابلس. فلما بلغ ذلك السلطان رسم للنواب أن الذي وقع: لم يكن لنا به علم، وأنكم تجتهدون في تحصيل ألجبغا المذكور، فتجردت العساكر إليه وربطوا عليه الدروب، فتوجه حيثما توجه، فوجد العسكر من العربان والتراكمين وغيرهم في الطرق، ومنعوه وقاتلوه، فسلم نفسه؛ فأمسكوه وأمسكوا رفيقه الأمير إياز، وسجنوهما بقلعة دمشق، إلى أن برز المرسوم الشريف بتوسيطهما، فوسطا بسوق الخيل، وعلقا أياماً بدمشق، وذلك في حادي عشرين شهر ربيع الآخر سنة خمسين وسبعمائة، وتألم الناس على ألجبغا المذكور وترحموا عليه كثيراً.
ألجبغا العادلي
نائب دمشق
ألجبغا بن عبد الله العادلي، الأمير سيف الدين، أحد أعيان الأمراء.
أقام في الإمرة قريباً من ستين سنة. وكان قد أصابته قديماً ضربة بالسيف بانت يده اليمنى في وقعة أرغون شاه. واستمر على إمرته وتقدمته بدمشق، ولم يزل بحشمه وخدمه إلى أن توفى في سابع شهر ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وسبعمائة، ودفن بتربته خارج باب الجابية بدمشق، وقد أناف على تسعين سنة، وأظنه من مماليك الملك العادل كتبغا، والله أعلم، رحمه الله تعالى.
ألطبرس المنصوري
ألطبرس بن عبد الله، الأمير سيف الدين المنصوري.
كان من أعيان الأمراء بديار مصر، وكان سليم الباطن، وله محبة زائدة في الفقراء.
قيل إنه جاء إليه بعض الفقراء، وقال له: اشتريت لك جارية، ما دخل هذا الإقليم مثلها، بخمسة عشر ألف درهم؛ فوزن له الثمن، فقال: وأريد ثلاثة آلاف درهم لكسوتها؛ فأعطاه، ثم جاءه الفقير بعد مدة وقال له: قد زوجتها لك بواحد من رجال الغيب، فما أنكر ذلك عليه.
وهو الذي عمر المجنونة بالقاهرة على الخليج، عمرها للشيخ شهاب الدين الحنبلي العابر ولفقرائه، وعقدها قبواً.
وفي ذلك يقول الشيخ علم الدين بن الصاحب:
ولقد عجبت من ألطبرس وصحبه ... وعقولهم بعقوده مفتونه
عقدوا عقوداً لا تصح لأنهم ... عقدوا لمجنون على مجنونه
ألطبرس الظاهري
ألطبرس بن عبد الله الظاهري، الأمير الكبير علاء الدين، مولى الخليفة الظاهر بن الخليفة الناصر البغدادي العباسي.
ترقى حتى صار من أكابر الأمراء، وكان خصيصاً عند المستنصر بالله، وزوجه بابنة بدر الدين صاحب الموصل، ووهبه ليلة عرسه مائة ألف دينار.
وقيل إنه كان يدخل له من إقطاعه في كل سنة ثلثمائة ألف دينار إلى أن توفى سنة خمسين وستمائة، ودفن بمشهد موسى الكاظم، ورثاه الشعراء، وكان أميراً جليلاً شجاعاً مقداماً جوداً حسن السيرة في الرعية، رحمه الله تعالى.(1/210)
ألطقصبا التركي
ألطقصبا بن عبد الله الناصري التركي، الأمير علم الدين.
كان من قدماء أمراء دمشق، وروى عن سبط السلفي. وكان من الشجعان؛ توجه صحبة العسكر الشامي لحصار قلاع الأرمن، فجرح في ركبته، فحمل إلى حلب، ولزم الفراش إلى أن مات في سنة سبع وتسعين وستمائة. وكان عاقلاً شجاعاً، ذا رأي وتدبير، ودهاء ومعرفة، رحمه الله تعالى.
العثماني الأتابك، نائب دمشق
ألطنبغا بن عبد الله العثماني الظاهري، الأمير الكبير علاء الدين.
هو من مماليك الملك الظاهر برقوق، وممن صار في دولة أستاذه المذكور نائبا بصفد، ودام بصفد إلى أن كانت وقعة الأمير تنم الحسني نائب الشام في سنة اثنتين وثمانمائة، ثم كانت وقعة تيمورلنك في سنة ثلاث، وقبض عليه تيمور مع جملة من قبض عليه من النواب بالبلاد الشامية. وولى الملك الناصر عوضهم جماعة؛ فولى والدي نيابة دمشق، بعد القبض على سيدي سودون - قريب الملك الظاهر وقتله - وولى الأمير دمرداش المحمدي نائب حلب على عادته؛ فإنه كان فر من تيمور وقدم على الناصر، وولى نيابة طرابلس للأمير آقبغا الجمالي، عوضاً عن شيخ المحمودي - أعني المؤيد - وولى تمربغا المنجكي نيابة صفد - عوضاً عن صاحب الترجمة - وولى طولو من علي باشا نيابة غزة - عوضاً عن الأمير عمر بن الطحان - واستمر ألطنبغا العثماني هذا في أسر تيمور مدة، إلى أن فر مع من فر من الأمراء من أسر تيمور، وقدم إلى الديار المصرية، وتنقلت به الأحوال، وولى عدة وظائف إلى أن آلت السلطنة للملك المؤيد شيخ المحمودي؛ جعله أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ثم جعله نائب الغيبة بالقاهرة لما خرج المؤيد لقتال نوروز الحافظي نائب الشام، وسكن السلسلة من الأسطبل، ثم لما قدم خلع عليه بعد مدة باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية - بعد موت الأمير الكبير يلبغا الناصري - وذلك في يوم الخميس مستهل شهر رمضان سنة سبع عشرة وثمانمائة، فأقام أتابكاً إلى أن ولاه المؤيد نيابة دمشق - بعد خروج الأمير قاني باس المحمدي عن الطاعة - في سنة ثماني عشرة وثمانمائة، فتوجه إليها صحبة السلطان، واستمر على كفالته بها إلى المحرم سنة عشرين وثمانمائة، عزل عن نيابة دمشق، ورسم له أن يتوجه إلى القدس بطالاً، وبرز المرسوم بذلك على يد الأمير آقبغا التمرازي، وولى مكانه الأمير أقباي المؤيدي نائب حلب، لما قدم من حلب على النجب - حسبما ذكرنا في ترجمته - واستمر الأمير ألطنبغا بالقدس إلى أن مات به في يوم الاثنين ثاني عشرين شوال سنة إحدى وعشرين وثمانمائة.
وكان أميراً، ضخماً، جليلاً مشكور السيرة، ساكناً عاقلاً، رحمه الله تعالى.
الصالحي نائب حلب ثم دمشق
ألطنبغا بن عبد الله الصالحي العلائي، الأمير علاء الدين، نائب حلب، ثم نائب دمشق. هو ممن أنشأه الملك الناصر محمد بن قلاوون حتى صار من جملة أمراء الألوف بديار مصر، ثم ولاه نيابة حلب عوضاً عن الأمير سودي في سنة أربعة عشر وسبعمائة، فباشرها ثلاثة عشر سنة إلى أن نقل منها إلى نيابة دمشق في سنة سبع وعشرين وسبعمائة، ثم أعيد إلى حلب ثانياً في سنة إحدى وثلاثين، واستمر في هذه النيابة الثانية ثمانية أعوام، وعزل في سنة تسع وثلاثين، وولى نيابة دمشق أيضاً. كل ذلك من قبل الناصر محمد بن قلاوون.
وفي نيابته الأولى بحلب دخل إلى البلاد: سيس، وحاصر حصونها وفتح قلاعها، ثم غزاها ثانياً في سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، وصحبته العساكر المصرية والشامية، وتوجه إلى فتح مدينة إياس - وهي على ساحل البحر ولها فيه ثلاثة حصون وهن: أطلس وشمعة وإياس - وبه تعرف المدينة - فنازلوها، ونصبوا عليها آلات الحصار، وجدوا في القتال إلى أن فتحوا المدينة، ثم شرعوا في حصار الحصن الأطلس - وهو حصن منيع في قاموس البحر - فنصبوا عليه أيضاً آلات الحصار، ثم صنعوا جسراً على البحر طوله ثلاثمائة ذراع. فلما رأى الأرمن ذلك ارتاعت قلوبهم وهربوا بأموالهم وأولادهم؛ فدخل العسكر في هذه الحصون المذكورة، وحرقوا وهدموا وقتلوا، ثم رجعوا فرحين مسرورين إلى أوطانهم. وفي هذا المعنى يقول الشيخ بدر الدين بن حبيب:
نحو إياس فرقة من جيشنا ... توجهوا كي يملكوا بقعتها
فاقتلعوا قلعتها وفصلوا ... أطلسها وفصلوا شمعتها(1/211)
ثم غزا تلك البلاد في نيابته الثانية في سنة خمس وثلاثين وسبعمائة، وجرت بينهم حروب وخطوب يطول شرحها. ثم غزاها ثالث مرة في سنة ست وثلاثين، وتوجه إلى قلعة النقير من بلاد سيس ونازل القلعة المذكورة، وجد في حصارها إلى أن أخذها بالأمان، ورجع إلى محل كفالته.
وفي هذا المعنى يقول العلامة زين الدين أبو حفص عمر بن الوردي قصيدة طنانة منها:
جهادك مقبول وعامك قابل ... ألا في سبيل المجد ما أنت فاعل
هنيئاً بعود من جهاد مبارك ... على الناس بالجنات كاف وكافل
ألا إن جيشاً للنقير فاتحاً ... لآت بما لم تستطعه الأوائل
رميتم حجار المنجنيق عليهم ... ففاخرت الشهب الحصا والجنادل
لعمري لقد كان النقير مانعاً ... ويقصر عن إدراكه المتناول
بغى فبغى ألطنبغا بالفتح قائلاً ... ويا نفس جدي إن دهرك هازل
فأنشده الحصن المنيع ملكتني ... ولو أنني فوق السماكين نازل
وقصر طولي عندكم حسن صبركم ... وعند التناهي يقصر المتطاول
ثم غزاها رابع مرة. وكان هذا دأبه في ولايته - مع العدل في الرعية والنظر في أمورهم - وبنى بحلب من شرقيها جامعة المعروف به، وكان فراغه في سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة - ولم يكن إذ ذاك داخل سور حلب جامع تقام فيه الجمعة سوى الجامع الكبير الأموي - ووقف عليه أوقافاً كثيرة.
ولما ولى نيابة دمشق في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة لم تطل مدته، وقبض عليه إلى أن توفى سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، وقد جاوز خمسين سنة. وكان مشكور السيرة معدوداً من الشجعان، ذوي الآراء. رحمه الله تعالى.
ألطنبغا الحلبي
ألطنبغا بن عبد الله الحلبي، الأمير علاء الدين، أحد مقدمي الألوف بديار مصر في الدولة المنصورية حاجي من قبل منطاش؛ فلم تطل مدته وقبض عليه بعد هروب منطاش وانهزامه من الملك الظاهر برقوق. وقتل بالقاهرة في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة.
الجوباني، نائب دمشق
ألطنبغا بن عبد الله الجوباني اليلبغاوي، الأمير علاء الدين نائب دمشق.
أصله من مماليك الأتابك يلبغا العمري الخاصكي، ثم صار بعد موت أستاذه المذكور من جملة أمراء الديار المصرية في الدولة الصالحية حاجي.
ولما تسلطن الملك الظاهر برقوق في سنة أربع وثمانين وسبعمائة خلع على ألطنبغا الجوباني هذا باستقراره أمير مجلس، واستمر على ذلك إلى سنة سبع وثمانين وسبعمائة؛ قبض عليه الملك الظاهر برقوق في ثاني عشرين ذي القعدة من السنة وقيده، ثم أفرج عنه بعد أيام، وخلع عليه بنيابة الكرك؛ فتوجه إليها وباشرها إلى سنة تسع وثمانين وسبعمائة؛ أرسل يطلبه؛ فقدم القاهرة في يوم السبت رابع عشرين شهر صفر من السنة؛ فبالغ الملك الظاهر في إكرامه، وخلع عليه بنيابة دمشق - عوضاً عن الأمير إشتقمر المارديني - ودام بالقاهرة إلى يوم الجمعة أول شهر ربيع الأول توجه إلى محل كفالته - بعد ما خلع الملك الظاهر عليه خلعة السفر، وحمل إليه مبلغ ثلثمائة ألف درهم فضة، وقيد له فرساً بسرج ذهب وكنبوش زركش، وأرسل إليه أيضاً الأمير أيتمش البجاسي بمائة ألف درهم وعدة بقج قماش - وسافر الجوباني بتجمل عظيم، وكان مسفره الأمير قرقماش الظاهري.
ولما وصل إلى دمشق وأقام بها مدة أشيع بعصيانه، وأنه ضرب طرنطاي حاجب حجاب دمشق، وأنه استكثر من استخدام المماليك. وبلغ ذلك الجوباني؛ فاستأذن في الحضور، فأذن له؛ فركب البريد حتى قدم سريا قوس - خارج القاهرة - في ليلة الخميس سابع عشرين شوال سنة تسعين؛ فبعث إليه السلطان الأمير فارس الصرغتمشي الجوكندار؛ فقبض عليه وقيده وبعثه إلى ثغر الإسكندرية؛ فحبس بها، وذلك في يوم السبت تاسع عشرينه.
ثم قبض السلطان في ذلك اليوم على الأمير ألطنبغا المعلم، وعلى الأمير قردم الحسني، وقيدا وحملا إلى الإسكندرية.
ثم كتب السلطان بالقبض على الأمير كمشبغا الحموي نائب طرابلس؛ فقبض عليه؛ فنفرت القلوب من الملك الظاهر برقوق، وتغيرت الخواطر. كل ذلك قبل خروج منطاش عن الطاعة.(1/212)
واستمر الجوباني في سجن الإسكندرية حتى زالت دولة الملك الظاهر برقوق وملك الأمير يلبغا الناصري الديار المصرية؛ فكتب من وقته - قبل طلوعه إلى قلعة الجبل - بالإفراج عن الأمراء المعتقلين بالإسكندرية، وإحضارهم إلى القاهرة. واشتد الطلب على الملك الظاهر برقوق؛ فخاف الملك الظاهر أن يؤخذ باليد فلا يبقي عليه؛ فأرسل أعلم الجوباني بمكانه وترقق له - ذكرنا ذلك كله في ترجمة الظاهر برقوق - فأعلم الجوباني الناصري بذلك؛ فرسم للجوباني بالتوجه إليه، وأخذه من مكانه؛ فنزل الجوباني من وقته إلى حيث الظاهر مختفٍ، فأوقف الجوباني من معه، وصعد هو إليه بمفرده. فلما رآه الظاهر قام إليه، وهم ليقبل يده، فاستعاذ الجوباني من ذلك، وقال: يا خوند أنت أستاذنا، ونحن مماليكك، ثم أخذه وشق به الصليبة نهاراً، إلى أن طلع به إلى القلعة، ووقع ما سنحكيه في ترجمته إن شاء الله تعالى.
واستمر الجوباني من أعيان الأمراء إلى أن وقع بين الناصري ومنطاش، وقبض منطاش على الناصري وحواشيه، وحبسهم بالإسكندرية. و كان من جملتهم الجوباني هذا. واستمر الجوباني في السجن إلى أن خرج الملك الظاهر برقوق من حبس الكرك وملك الديار المصرية ثانياً أفرج عن الناصري وعن الجوباني، وخلع على الجوباني بنيابة دمشق وندبه مع الناصري لقتال منطاش؛ فتوجه إلى محل كفالته، وكانت الوقعة بين منطاش والناصري خارج دمشق؛ فقتل الجوباني في المعركة في سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة.
وكان الجوباني هذا من خيار الأمراء ديناً، وعقلاً، وشجاعة، رحمه الله تعالى.
القرمشي الأتابكي
ألطنبغا بن عبد الله القرمشي الظاهري الأتابكي، الأمير علاء الدين. هو من مماليك الملك الظاهر برقوق، وتقلب مع الأمير شيخ المحمودي بالبلاد الشامية في أيام تلك الفتن، وصار من جملة أمراء دمشق لما ولى نيابتها الأمير شيخ المذكور ثم صار حاجب الحجاب بحلب لما وليها أيضاً الأمير شيخ، واستمر ملازماً للأمير شيخ إلى أن تسلطن ولقب بالملك المؤيد جعله أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ثم ولاه الأمير آخورية، بعد انتقال الأمير قاني باي المحمدي منها إلى نيابة دمشق، فاستمر على ذلك مدة إلى أن استقر أتابك العساكر بالديار المصرية، بعد الأمير ألطنبغا العثماني، بحكم انتقال العثماني إلى نيابة دمشق، بعد خروج نائبها قانباي المحمدي عن الطاعة، وذلك في سنة عشرين وثمانمائة.
وعظم ألطنبغا القرمشي هذا في الدولة، وضخم، وصار له حرمة وافرة وأبهة زائدة، وأقام على ذلك إلى سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة، ندبه الملك المؤيد إلى التوجه إلى البلاد الشامية، مقدماً على العساكر المجردين إليها؛ فخرج من القاهرة في عدة من الأمراء مقدمي الألوف، وهم: الأمير طوغان أمير آخور، والأمير ألطنبغا من عبد الواحد رأس نوبة النوب المعروفة بالصغير، والأمير أزدمر الناصري، والأمير جلبان، الذي هو الآن نائب دمشق، والأمير سودن اللكاشي.
وأسر المؤيد إلى الأمير ألطنبغا بالقبض على الأمير يشبك اليوسفي نائب حلب، عند وصوله إلى حلب - على ما قيل - وتوجهت العساكر إلى حيث قصدهم، ودخلوا حلب في سنة أربع وعشرين، وأقاموا بها، فاستوحش الأمير يشبك نائب حلب منهم في الباطن، ولم يجسروا عليه. فبينما هم كذلك، إذ ورد عليهم الخبر بموت الملك المؤيد، واضطربت الأمراء المجردون؛ فعزم الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي على العود إلى الديار المصرية، وبرز بمن معه إلى ظاهر حلب، وخرجوا من باب المقام، وبلغ ذلك يشبك نائب حلب - وكان لم يخرج لتوديعهم - فلبس آلة الحرب، وركب في إثرهم بعسكره، فأدركهم بالسعدي.
فلما رآه الأمراء المصريون، رجعوا عليه، وتقاتلوا معه ساعة، فانكسر يشبك، وقطع رأسه في الوقت، وعاد الأمير ألطنبغا القرمشي بمن معه من الأمراء إلى حلب، ونزل بدار السعادة. ومن غريب ما اتفق أن الأمير يشبك المذكور، كان قد أخر سماط الغذاء حتى يعود من قتاله ويأكله، فقتل ودخل القرمشي بمن معه، ومد السماط بين أيديهم، فأكلوه.(1/213)
واستمر القرمشي بحلب إلى أن ولى نيابة حلب للأمير ألطنبغا الصغير وعاد إلى دمشق، واتفق مع الأمير جقمق الأرغون شاوي نائب دمشق على قتال الأمراء المصريين؛ لمخالفتهم لما أوصى به الملك المؤيد قبل موته. وكانت وصية المؤيد: أن يكون ابنه المظفر أحمد سلطاناً، وأن يكون الأمير ألطنبغا القرمشي هذا هو المتحدث في المملكة، فخالف ذلك الأمير ططر، وصار هو المتحدث، وأخذ وأعطى، وأخرج إقطاعات الأمراء المجردين صحبة الأمير ألطنبغا القرمشي، وتجرد بالملك المظفر إلى جهة البلاد الشامية، ثم وقع بين القرمشي وبين جقمق نائب الشام وحشة، ولبس كل منهما وتقاتلا ساعة، وانكسر جقمق، وتوجه منهزماً إلى قلعة صرخد، ودام القرمشي بدمشق، إلى أن قارب الأمير ططر، والسلطان الملك المظفر دمشق خرج القرمشي إلى لقاء السلطان وخلع عليه وعاد في خدمة السلطان إلى دمشق، ودخلوها في شهر جمادى الأولى من سنة أربع وعشرين وثمانمائة، وطلع الأمراء صحبة السلطان إلى قلعة دمشق؛ فعند ذلك أمر الأمير ططر بالقبض على الأمير ألطنبغا القرمشي صاحب الترجمة؛ فقبض عليه وعلى جماعة من الأمراء ممن كان مع القرمشي، وكان ذلك آخر العهد به، وقتل في الشهر المذكور، وصلى عليه، ودفن بتربة الأمير ألطنبغا الجوباني - المتقدم ذكره - في باب المصلى. وكان أميراً جليلاً محترماً، وقوراً ساكناً، عاقلاً، مقرباً عند الملك المؤيد شيخ إلى الغاية، وكان يسلك في أتابكيته طريق السلف من عظماء الأمراء في الحشم، وكثرة المماليك، والأسمطة الهائلة وغير ذلك. وكان دمث الأخلاق سخياً، حلو المحاضرة، متواضعاً مع علو منزلته في الدولة المؤيدية وكان سليم الباطن، مقاصده جميلة، كثير الصدقة والبر للفقراء، فجع في ولده الأمير ناصر الدين محمد - أحد أمراء الطبلخاناه - قبل موته في سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة - ويأتي ذكره في المحمدين - .
وبالجملة لم ترعيني في الضخامة أميراً من بعده مثله، رحمه الله تعالى.
الصغير، رأس نوبة النوب
ألطنبغا بن عبد الله بن عبد الواحد الظاهري، الأمير علاء الدين، المعروف بالصغير.
هو من صغار المماليك الظاهرية برقوق، وممن ترقى في الدولة المؤيدية شيخ إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف، ثم ولاه رأس نوبة النوب بعد الأمير ططر؛ بحكم انتقال ططر إلى إمرة مجلس. واستمر الأمير ألطنبغا الصغير على ذلك، إلى أن تجرد صحبة الأمير ألطنبغا القرمشي إلى البلاد الشامية، ووقع ما حكيناه قريباً في ترجمة القرمشي، من تولية المذكور لنيابة حلب بعد قتل الأمير يشبك اليوسفي المؤيدي. واستمر ألطنبغا الصغير هذا في نيابة حلب إلى أن بلغه أن الأمير ططر قبض على القرمشي وقتله تخوف منه، وخرج من حلب فاراً؛ فلقيه بعض تركمان الطاعة، فركبوا وقاتلوه، فقاتلهم قتالاً شديداً، ثم انكسر وأمسك وقتل بمعاملة البلاد الحلبية، في تاسع شعبان سنة أربع وعشرين وثمانمائة. وكان شاباً طريفاً، تركياً، مليح الشكل، شجاعاً، سخياً، وله مشاركة هينة، ويستحضر بعض تاريخ وكثيراً من السيرة النبوية، منهمكاً في اللذات، رحمه الله تعالى وعفا عنه.
المارداني، صاحب الجامع خارج باب زويلة
ألطنبغا بن عبد الله المارداني الناصري الساقي، الأمير علاء الدين، أحد مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون وخاصكيته.
كان الملك الناصر قد شغف به محبة، وجعله ساقياً، ثم أعطاه إمرة عشرة، ثم طبلخاناه في مدة يسيرة، ثم جعله أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية. ولما أن كان خاصكياً مرض مرضة شديدة، طول فيها، وعيا الأطباء شفاءه، وأنزله السلطان من عنده، من قلعة الجبل إلى الميدان. وصار متولي القاهرة يقف في خدمته، ويحضر له كل من برا باب اللوق من المساخر وأرباب الملاهي وغيرهم، وهو ينعم عليهم، ويتصدق بأضعاف ذلك.(1/214)
وكان الملك الناصر محمد زوجه بابنته، فأنزلها أيضاً إليه من القلعة، ثم نزل السلطان لعيادته غير مرة، وصارت الخاصكية يتناوبونه جماعة بعد جماعة، ويبيتون عنده، وتصدق في تلك الأيام بجملة مستكثرة، ثم شرع في بناء جامعه، المعروف به - خارج باب زويلة - كل ذلك قبل أن يتأمر، وهو من جملة الخاصكية السقاة. وصرف على الجامع المذكور وعلى أوقافه جملة كبيرة إلى الغاية. فلما نصل من مرضه، أنعم السلطان عليه بإمرة عشرة، ولا زال ينقله حتى صار أمير مائة ومقدم ألف، حسبما ذكرناه - واستمر على ذلك إلى أن مات أستاذه الملك الناصر محمد بن قلاوون سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وتولى السلطنة من بعده ولده الملك المنصور أبو بكر، فلم تطل مدته في الدولة المنصورية، وقبض عليه في شهر صفر سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، فلما خلع المنصور من الملك وتسلطن أخوه الملك الأشرف جكك بن محمد بن قلاوون، أخرج الأمير ألطنبغا المارديني هذا من حبسه، وخلع عليه وعلى الأمير يلبغا اليحياوي، وأقاما على إقطاعهما على عادتهما أولاً بالقاهرة، إلى أن خلع الملك الأشرف جكك أيضاً في السنة المذكورة، وتسلطن أخوه الملك الناصر أحمد بن محمد بن قلاوون، فجلس على سرير الملك، والفتن عمالة إلى يوم السبت ثاني عشرين المحرم سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، خلع وتولى السلطنة من بعده أخوه الملك الصالح إسماعيل ابن محمد بن قلاوون - وهو السلطان الرابع من أولاد الملك الناصر محمد ابن قلاوون في هذه المدة اليسيرة. ولما استقر الملك الصالح في المملكة ولى ألطنبغا المارديني هذا نيابة حماة؛ فتوجه إليها في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين، وأقام بها نحواً من شهرين، ثم توفى الأمير أيدغمش نائب الشام، وولى نيابة دمشق الأمير طقزدمر نائب حلب فنقل المذكور إلى نيابه حلب عوضاً عن الأمير طقزدمر الحموي، فباشر نيابة حلب نصف سنة، وتوفى بها في سنة أربع وأربعين وسبعمائة، وسنه دون خمس وعشرين سنة.
وكان أميراً شاباً، لطيف الذات، حسن الشكالة، كريم الأخلاق، مشهوراً بالشجاعة والكرم، مشكور السيرة. رحمه الله تعالى.
شادي الظاهري
ألطنبغا بن عبد الله اليلبغاوي، المعروف بشادي، علاء الدين، أحد أمراء الطبلخاناه في الدولة الظاهرية برقوق.
وأصل ألطنبغا هذا مماليك الأمير يلبغا العمري الخاصكي. ولا زال على إمرة إلى أن توفى الملك الظاهر برقوق في سنة إحدى وثمانمائة، ووقع ما حكيناه من وقعة أيتمش الأتابك مع الناصر فرج في سنة اثنتين وثمانمائة، وقبض عليه فيها.
كان ألطنبغا شادي هذا ممن انضم إليه، فقبض عليه أيضاً، وقتل مع من قتل من الأمراء بدمشق في السنة المذكورة، رحمه الله تعالى.
الجاولي، الأمير الأديب
ألطنبغا بن عبد الله الجاولي الأديب، الأمير علاء الدين. كان أصله مماليك ابن باخل، وخدم الأمير علم الدين سنجر الجاولي، وبه عرف لما كان نائباً بغزة.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: كان حسن الصورة، تام القامة، وكان الجاولي يحسن إليه، ويبالغ في الإنعام عليه، وكان إقطاعه عنده يعمل قريباً من عشرين ألفاً.
أخبرني من رآه قال: كان في إسطبله تسعة عشر سرجاً زرجونياً. فلما أشيع عن الجاولي أن إقطاعات مماليكه من الثلاثين ألفاً إلى ما دونها راك الأخباز، وأعطى علاء الدين إقطاعاً دون ما كان بيده؛ فتركه ومضى إلى مصر، بغير رضى من الأمير علم الدين سنجر الجاولي، فراعى الناس خاطر مخدومه، ولم يقدر أحد يستخدمه، فأقام يأكل من حاصله زماناً، ثم توجه إلى صفد، فأكرمه نائبها الأمير أرقطاي، وكتب له مربعة بإقطاع، وتوجه إلى مصر فخرج عنه، فورد إلى دمشق؛ فأكرمه الأمير تنكز، وأعطاه إقطاعاً في حلقة دمشق، ووقع بينه وبين الأمير سنجر بسببه، وبقي بدمشق إلى أن أمسك الجاولي وحبس، ثم أفرج عنه؛ فتوجه إليه وخدمه مدة، ثم أخرجه إلى الشام شاداً على أوقاف المنصور - التي تختص بالبيمارستان - وهو نادرة في أبناء جنسه من الشكالة المليحة، ولعب الرمح، والفروسية، والذكاء، ولعب الشطرنج، والنرد.
ونظم الشعر الجيد لا سيما المقطعات؛ فإنه يجيدها، وله القصائد المطولة، ويعرف فقعاً على مذهب الشافعي، ويعرف أصولاً، ويبحث جيداً، ولكنه سال ذهنه لما اجتمع بالشيخ تقي الدين بن تيمية ومال إلى رأيه، ثم تراجع عن ذلك إلا بقايا.(1/215)
اجتمعت به كثيراً في صفد والديار المصرية ودمشق، وهو حسن العشرة، لطيف الأخلاق، فيه سماحه. وأنشدني كثيراً من شعره، فمن ذلك:
خود زهي فوق المراشف خالها ... فلئن فتنت به فلست ألام
فكأن مبسمها وأسود خالها ... مسك على كأس الرحيق ختام
وأنشدني أيضاً:
وبارد الثغر حلوٍ ... بمرشفٍ فيه حوه
وخصره في انتحالٍ ... يبدي من الضعف قوه
وأنشدني أيضاً، عفا الله عنه.
ردفه زاد في الثقاله ... حتى أقعد الخصر والقوام سوياً
نهض الخصر والقوام وقاما ... وضعيفان يغلبان قوياً
وأنشدني أيضاً في العلامة شهاب الدين محمود - رحمه الله تعالى - :
قال النحاة بأن الاسم عندهم ... غير المسمى، وهذا القول مردود
الاسم عين المسمى والدليل على ... ما قلت أن شهاب الدين محمود
ثم قال: وأنشدني أيضاً لنفسه:
وصالك والثريا في قران ... وهجرك والجفا فرسا رهان
فديتك ما حفظت لشؤم حظي ... من القرآن إلا لن تراني
قال وأنشدني:
إن عاد لمع البرق يخبر عنكم ... وأتى القبول مبشراً بقبولي
فلأقدحن البرق من نار الحشا ... ولأخلعن على النجوم نحولي
قال وأنشدني أيضاً:
انهل مدمعها دراً وفي فمها ... درٌ وبينهما فرقٌ وتمثال
لأن ذا جامد في الثغر منتظم ... وذاك منتشر في الخد سيال
ثم قال وأنشدني:
جاءنا الورد في بديع زمانٍ ... فقطفناه في منىً وأمان
ونهبنا فيه لذيذ وصالٍ ... وهتكنا فيه عروس الدنان
وغلطنا فيه ببعض ليالٍ ... فخلطنا شعبان في رمضان
انتهى.
ومن شعره أيضاً - رحمه الله - :
يقول لي العاذل في لومه ... وقوله ذور وبهتان
ما وجه من أحببته قبله ... قلت: ولا قولك قرآن
وله أيضاً:
وعذولي لج في عذلي إذا ... لم ير الخال على الخد الأسيل
لو رأى وجه حبيبي عاذلي ... لتفاصلنا على وجه جميل
وله أيضاً - عفا الله عنه -
مت شهيداً في حب ظبي ألوفٍ ... لين الأعطاف غير عطوف
خده دون ظبا مقلتيه ... جنة تحت ظلال السيوف
قلت: ثم صار ألطنبغا المذكور من جملة أمراء دمشق في أواخر عمره إلى أن توفى بها في ثامن شهر ربيع الأول سنة أربع وأربعين وسبعمائة.
قال ابن حبيب بعلة الاستسقاء - رحمه الله تعالى - .
المعلم، أمير سلاح
ألطنبغا بن عبد الله، الأمير علاء الدين، المعروف بألطنبغا المعلم.
أحد أمراء الألوف في الدولة الصالحية، ثم خلع عليه الملك الظاهر برقوق في أوائل أمره باستقراره أمير سلاح - عوضاً عن الأمير قطلوبغا الكوكائي - بحكم انتقال الكوكائي لحجوبية الحجاب بديار مصر - عوضاً عن سودون الشيخوني المستقر في نيابة السلطنة بالديار المصرية أيضاً - كل ذلك في سنة أربع وثمانين وسبعمائة.
وهذا بخلاف زماننا هذا، وهو أن أمير سلاح في هذا العصر يكون أعظم الأمراء بعد الأتابك ورأس الميسرة. واستمر الأمير ألطنبغا المعلم على ذلك إلى أن كانت وقعة الناصري ومنطاش مع الملك الظاهر برقوق، وانتصر عليه وحبس برقوق بالكرك، فكان ألطنبغا هذا ممن انضم على الأميرين، وصار من أعيان الدولة إلى أن قبض منطاش على الناصري وعلى جماعته من الأمراء، كان صاحب الترجمة ممن قبض عليه منطاش وحبسه بالإسكندرية في شعبان سنة إحدى وتسعين وسبعمائة إلى أن أفرج عنه الملك الظاهر برقوق بعد خروجه من حبس الكرك وعوده إلى ملكه ثانياً، وأخلع على ألطنبغا المذكور بنيابة الإسكندرية، عوضاً عن أرغون اجبلمقدار في خامس عشر رمضان سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة، فتوجه إليها وباشرها مدة إلى أن طلب إلى القاهرة، وقبض عليه بعد أيام، هو والأمير قرادمرداش اليوسفي المعزول عن نيابة حلب - قبل تاريخه - وحبسا بقلعة الجبل في يوم الاثنين ثاني صفر سنة أربع وتسعين وسبعمائة.
المرقبي المؤيدي(1/216)
ألطنبغا بن عبد الله المرقبي المؤيدي، الأمير علاء الدين. أصله من قدماء مماليك المؤيد شيخ، اشتراه لما كان من جملة أمراء العشرينات وأعتقه، ودام بخدمته في أيام تلك المحن والفتن إلى أن تسلطن جعله نائب قلعة حلب، ثم نقله إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بعد موت الأمير أقبردي المنقار المؤيدي في سنة عشرين وثمانمائة، ثم استقر حاجب الحجاب بالديار المصرية، فدام على ذلك إلى أن تجرد صحبة الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي من جملة الأمراء المجردين إلى البلاد الشامية في سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة.
ومات الملك المؤيد وهم بتلك البلاد، ووقع ما حكيناه في غير موضع من القبض على القرمشي وغيره من الأمراء.
كان المرقبي هذا من جملة من قبض عليه، ثم أطلق، واستمر بطالاً بالقاهرة مدة سنين إلى سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، أنعم عليه الملك الأشرف برسباي بإمرة عشرة بعد موت الأمير تمراز الأعور الحاجب، فاستمر على ذلك إلى أن تجرد صحبة الملك الأشرف إلى آمد، وعاد أيضاً في ركابة في سنة سبع وثلاثين.
ومات الملك الأشرف برسباي في ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، والمرقبي هذا على حاله إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر جقمق بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية في أوائل دولته وعاد فيه الرمق؛ فإنه كان من جملة الأموات وهو في قيد الحياة، وكان قد يئس لطول البطالة من السعادة. ولما أخذ أمره يتراجع أدركته المنية، فكان حاله كقول القائل: إلى أن يسعد المعتر فرغ عمره.
ومات في يوم الاثنين عاشر شهر رجب سنة أربع وأربعين وثمانمائة بالقاهرة، وأنعم بإقطاعه على الأمير طوخ من تمراز ثاني رأس نوبة؛ المعروف ببني بازق.
وكان المرقبي جاركسي الجنس، مدور اللحية، للقصر أقرب، مهملاً جداً، ومات وهو في عشر السبعين تقريباً. - رحمه الله تعالى - .
؟المعلم الظاهري
ألطنبغا بن عبد الله الظاهري، الأمير علاء الدين، المعروف بألطنبغا المعلم وباللفاف. أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق وطال خموله، ودام من جملة المماليك السلطانية لا يؤبه إليه في الدولة سنين إلى أن تحرك له السعد، والتفت إليه الملك الأشرف برسباي في أواخر دولته، وجعله معلماً للرمح، وأنعم عليه بإقطاع هين، فترعرع وصار كآحاد الأجناد، وعرف في الدولة بعد ما كان منسياً. واستمر على ذلك إلى أن مات الأشرف وتسلطن ولده العزيز يوسف من بعده، ووقع بين الأشرفية وبين الأتابك جقمق ما سنحكيه إن شاء الله تعالى في غير موضع.
انضم ألطنبغا هذا على الأتابك جقمق فيمن انضم إليه من المماليك السلطانية، ثم كانت وقعة الأتابك قرقماس مع الملك الظاهر جقمق في أوائل سلطنته، فكان المذكور أيضاً من حزب الملك الظاهر جقمق، وأصابه جراح؛ فشكر له السلطان ذلك، وأنعم عليه بإقطاع قلمطاي الإسحاقي الأشرفي الخاصكي - بعد إخراجه إلى طرابلس - ومن حينئذ جاءته السعادة فجأة. ولم تطل أيامه، وأنعم عليه بإمرة عشرة - بعد نفي الأمير سودون المغربي الظاهري - ثم أنعم عليه بعد مدة بإمرة طبلخاناه - بعد نفي الأمير آقطوه الموساوي - زيادة على ما بيده، ثم ولاه نيابة الإسكندرية، فباشرها مدة متوسطة، وعزل وطلب إلى القاهرة على إقطاعه، ثم زاده مدة بإقطاع سودون السودوني الحاجب - بعد نفيه أيضاً - وأمره بالجلوس مع الأمراء المقدمين بحضرة السلطان، فاستمر على ذلك إلى سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية - بعد موت الأمير تمرباي التمربغاوي رأس نوبة النوب.
هذا، وقد حطم عليه الكبر، وظهرت عليه الشيخوخة، وصار لا يطبق الحركة إلا بجهد. على أنه من الدين والخير والعفة على جانب عظيم مع سلامة الباطن. واستمر على ذلك إلى أوائل سنة ست وخمسين وثمانمائة استعفى من الإمرة، فعفى عنه، ولزم داره بطالاً مريضاً إلى أن توفى يوم الاثنين حادي عشر شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة. رحمه الله تعالى وعفا عنه.
الشريفي الناصري
ألطنبغا بن عبد الله الشريفي الناصري، الأمير علاء الدين، المعروف باجبلمقدار، أحد الأمراء المقدمين بدمشق.(1/217)
أصله من مماليك الملك الناصر فرج، ونسبته بالشريفي إلى تاجره. كان من أعيان المماليك الناصرية، وتأمر في أواخر دولة أستاذه، ثم حبس بعد قتل أستاذه وتعطل الدولة المؤيدية شيخ بكمالها، وإلى أن أنعم عليه الملك الأشرف برسباي بإمرة عشرة، ثم جعله من جملة رءوس النوب. واستمر على ذلك مدة طويلة إلى أن نقله إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق - بعد موت طوغان عتيق والدي - وتوجه إلى دمشق، ودام بها إلى أن توفى الملك الأشرف برسباي وافتضت السلطنة بعد خلع الملك العزيز إلى الملك الظاهر جقمق قدم الأمير ألطنبغا المذكور إلى القاهرة هو والأمير أينال الششماني الناصري أتابك دمشق، فأكرمهما الملك الظاهر وأنعم عليهما، وعادا إلى محل إقامتهما، فلم تطل إقامة الأمير ألطنبغا الشريفي بدمشق بعد ذلك. ومات في سنين نيف وأربعين وثمانمائة، وهو في عشر الستين تخميناً. وكان تركي الجنس، للقصر أقرب، ذا لحية مليحة، مع سكون وعقل تام وسلامة باطن، وكان مشهوراً بالشجاعة. رحمه الله تعالى.
؟أللمش الناصري
أللمش بن عبد الله الناصري، الأمير سيف الدين.
هو من مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون، كان يعرف بالجمدار. تنقل إلى عدة وظائف، ثم ولى نيابة جعبر من قبل الأمير تنكز، ثم ولى حجوبية الحجاب بدمشق، واستمر بها بعد مسك الأمير تنكز المذكور مدة إلى أن حصل له استسقاء وطال به؛ فتوجه إلى خولة بانياس ليتنزه، فمات بها في ذي القعدة سنة ست وأربعين وسبعمائة، وكان شكلاً حسناً، مدور الوجه، حلو الصورة، ساكناً، عاقلاً، خيراً، ديناً، محتشماً، رحمه الله تعالى.
نائب السلطنة بمصر
آل ملك بن عبد الله، الأمير سيف الدين، نائب السلطنة بديار مصر، المعروف بحاج آل ملك.
كان من أكابر الأمراء، ومن مشايخ المشورة، ولما كان الملك الناصر محمد بن قلاوون بالكرك، تردد في الرسلية إليه من قبل الملك المظفر بيبرس الجاشنكير؛ فأعجب الملك الناصر عقله، وأرسل إليهم يقول: لا يعود يجيء إلي رسولاً غير هذا.
ولما قدم الملك الناصري مصر عظمه وقربه، وزادت حرمته وأثرى، وعمر جامعه المعروف به في الحسينية، وداره التي عند مشهد الحسين، ومسجدٌ حسنٌ إلى جانبها، ومدرسة أيضاً بالخط المذكور معروفة به. وعمر بمكة مطهرة، والربع الذي فوقها، وهو وقف عليها - وهي بقرب باب الحزورة - ويقال له الآن بيت العطار، وعمر بركة السلم بطريق منى بقرب منى، وأجرى إليها عيناً من منى، وعمر بركة المعلاة التي على يسار الحاج إلى المعلاة. وله آثار حسنة بطريق الحجاز. وكان يحب طلبة العلم ويجالسهم، وخرج له شهاب الدين أحمد بن أيبك الدمياطي مشيخة وحدث بها.
قال الشيخ صلاح الدين: وقرأت عليه مرات وهو جالس في شباك النيابة بقلعة الجبل. ولما تولى الملك الناصر أحمد أخرجه إلى نيابة حماة؛ فتوجه إليها وأقام بها إلى أن تولى الملك الصالح إسماعيل، فأقدمه إلى مصر، وأقام بها على حاله الأولى. ولما أمسك آقسنقر السلاري نائب مصر، ولاه النيابة مكانه؛ فشدد في الخمر إلى الغاية، وحد الناس عليها وجفاهم، وهدم خزانة البنود، وأراق خمورها وبناها مسجداً وحكرها للناس، فعمروها دوراً. وكان يجلس في الشباك طول نهاره، لا يمل من ذلك ولا يسأم، وتروح أصحاب الوظائف ولا يبقى عنده إلا النقباء البطالة. وكان له مهابة وحرمة إلى أن تولى الملك الكامل شعبان، فأخرجه أول سلطنته إلى دمشق نائباً بها - عوضاً عن الأمير طقزدمر - . فلما كان في أول الطريق حضر إليه من قال له: الشام بلا نائب؛ فساق ليلحقه، فخفف من جماعته، وساق في جماعة قليلة، فحضر إليه من أخذه، وتوجه به إلى صفد نائباً، فدخلها في أوائل شهر ربيع الآخر سنة ست وأربعين وسبعمائة.
ثم إنه أرجف الناس أنه قد باطن الأمير سيف الدين قماري نائب طرابلس على الهروب أو الخروج على السلطان، فحضر من مصر من كشف الأمر، وسأل هو التوجه إلى مصر، فرسم له بذلك فتوجه. فلما وصل إلى غزة أمسكه نائبها الأمير سيف الدين أراق وجهزه إلى الإسكندرية في أواخر سنة ست وأربعين وسبعمائة. وكان ذلك آخر العهد به. انتهى كلام الصفدي.
وكان يقول: كل أمير لا يقيم رمحه ويسكب الذهب إلى أن يساوي السنان ما هو أمير. وفيه يقول بعض الشعراء:
آل ملك الحاج غدا سعده ... يملأ ظهر الأرض مهما سلك(1/218)
فالأمراء من دونه سوقةٌ ... والملك الظاهر هو آل ملك
وكانت وفاته بسجن الإسكندرية مقتولاً في سنة سبع وأربعين وسبعمائة.
الصرغتمشي
آل ملك بن عبد الله الصرغتمشي، الأمير سيف الدين، أحد أمراء الطبلخاناه بالديار المصرية. أصله من مماليك صرغتمش الناصري، صاحب المدرسة بخط الصليبة، وترقى بعد موت أستاذه إلى أن صار من جملة أمراء الطبلخاناه، وعاجلته المنية، فمات في سنة خمس وسبعين وسبعمائة بالقاهرة، رحمه الله.
ألماس الناصري
ألماس بن عبد الله الناصري، الأمير سيف الدين، حاجب الحجاب بديار مصر. هو من مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون وخواصه، اشتراه وأعتقه، ورقاه إلى أن جعله أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ثم ولاه حجوبية الحجاب بها، فاستمر إلى أن خرج الأمير أرغون النائب إلى حلب، وبقى منصب النيابة شاغراً، عظمت منزلته، وصار هو في محل النيابة، ويركبون الأمراء، وينزلون في خدمته، ويجلس في باب القلعة في منزلة النائب، والحجاب وقوف بين يديه. ولم يزل على ذلك إلى أن توجه السلطان إلى الحجاز، وتركه في القلعة هو والأمير آقوش نائب الكرك، والأمير أقبغا الأوحدي، والأمير طشتمر الساقي - حمص أخضر - إلى أن حضر السلطان من الحجاز، قبض عليه وحبسه، ثم قتله في ثاني صفر سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، وسبب القبض عليه: أن الملك الناصر محمد لما مات بكتمر الساقي صحبته بطريق الحجاز، احتاط على موجوده، فكان من جملة الموجود جزدان، ففتح السلطان، فوجد فيه جواباً من الأمير ألماس المذكور إلى بكتمر الساقي، يقول فيه: إنني حافظ القلعة إلى أن يرد علي منك ما أعتمده. فلما أن وصل السلطان إلى القاهرة، قبض عليه لهذا الموجب، وأخذ جميع أمواله، وكان مالاً جزيلاً إلى الغاية، ودفن بمدرسته التي بناها خارج القاهرة، معروفة به.
قال البارع خليل بن أيبك: كان ألماس غتمياً طوالاً من الرجال لا يفهم بالعربي. وهو الذي عمر الجامع المليح الذي بظاهر القاهرة - في الشارع عند حدوة البقر - وفيه رخام مليح فائق، وعمر هناك قاعة مليحة، فيها رخام عظيم إلى الغاية، كان الرخام يحمل إليه من جزائر البحر، وبلاد الروم والشام، وكان يتظاهر البخل، ولم يكن كذلك، بل بفعل ما يفعله خوفاً من السلطان، وكان يطلق لمماليكه الرباع والأملاك المثمنة في الباطن، ووجد له مال عظيم. انتهى كلام بن أيبك.
قلت: وألماس بضم الهمزة، وميم مفتوحة، وألف بعدها، وسين مهملة. ومعناه باللغة التركية: ما يموت. انتهى.
صاحب سمرقند
ألوغ بك بن شاه رخ بن تيمور - بقية نسبه يأتي في ترجمة جده تيمور إن شاء الله تعالى - وقيل إن اسمه محمد، وقيل تيمور، على اسم جده، ولهذا سمي يألوغ بك والله أعلم.
العلامة فريد دهره ووحيد عصره في العلوم العقلية والهيئة والهندسة، طوسي زمانه، صاحب سمرقند، ابن القان معين الدين شاه رخ صاحب هراة، بن الطاغية تيمورلنك كوركان.
مولده بعد سنة تسعين وسبعمائة تخميناً، ونشأ في أيام جده، وتزوج أيضاً في أيامه، وعمل له جده تيمور العرس المشهور.
ولما مات جده تيمور، وآل الملك إلى أبيه شاه رخ بعد مدة، ولاه سمرقند وأعمالها، فحكمها نيفاً على ثلاثين سنة، وهلم جرا وإلى يومنا هذا. وعمل بها رصداً عظيماً، انتهى منه في سنة أربع وخمسين، أو في التي قبلها. وقد جمع لهذا الرصد علماء هذا الفن من سائر الأقطار، وأغدق عليهم الأموال، وأجرى عليهم الرواتب الكثيرة، حتى رحل إليه علماء الهيئة والهندسة من البلاد البعيدة، وهرع إليه كل صاحب فضيلة، وهو مع هذا يتلفت من يسمع به من العلماء في الأقطار، ويرسل يطلب من سمع به، وعرف مقرته، ولا يزال به حتى يستقدمه معظماً مبجلاً. هذا مع علمه الغزير، وفضله الجم، وإطلاعه الكبير، وباعه الواسع في هذه العلوم، مع مشاركة جيدة إلى الغاية في فقه الحنفية والأصلين والمعاني والبيان واللغة، والعربية والتاريخ وأيام الناس.(1/219)
وأما غير ذلك كالهيئة والهندسة والتقاويم الفلكيات فيه يضرب المثل، وانتهت إليه الرئاسة في ذلك في عصره، مع علمي بمن عنده من العلماء، لكنه هو مشاركته أعظم؛ لأن كل عالم عنده هو إمام في علم واحد، بخلاف ألوغ بك هذا، فإنه يشارك في علوم كثيرة. قيل إنه سأل بعض حواشيه: ما تقول الناس عني؟ وألح عليه، فقال له: يقولون إنك ما تحفظ القرآن الكريم، فدخل من وقته وحفظه في أقل من ستة أشهر حفظاً متقناً.
حكى لي من لفظه السيد الشريف سراج الدين عبد اللطيف الفاسي، قاضي قضاة الحنابلة بمكة، قال: قدمت على القان شاه رخ في بعض سفراتي إليه، فوجهني إلى ألوغ بك، صاحب سمرقند، فلما وصلت إليه رحب بي وأكرمني غاية الإكرام، فأخذ يحادثني في بعض الأيام، ويسألني عن كيفية الحرم الشريف، وكيف مثال الكعبة والحجر الأسود، والحجر وغير ذلك، فصرت أصف له كل ما بالحرم من البناء وغير ذلك. وهو لا يكرر مني اللفظ، بل يفهمه من أول مرة، كأنه رآه، فذهل عقلي بما رأيت من ذكائه المفرط، وصرت كلما جالسته بعد ذلك أسمع منه من الغرائب ما أتعجب منه من كثرة محفوظه للشعر، واستشهاده على ما يحكيه من الحكايات بكلام العرب، وحفظه للتاريخ، ثم يعتذر، لقلة معرفته باللغة العربية، ويقول: ما نحسن إلا باللغة التركية والعجمية. ويظهر لي صدق مقالته، فإنهما لغته. ثم يسألني في بعض الأيام، قال: يقف محملنا على جبل عرفات تحت المحمل المصري أم فوقه؟ قال الشريف: فاستحييت أن أقول له تحت المحمل الشامي، فنقلته إلى كلام غيره، وعرفته أنهما يقفان صفاً واحداً، ثم أخذت أثني على أمير حاج محملهم، وأذكر من عقله وسياسته، فقال: يا شريف كم في عسكرنا مثل هذا؟ وأنشد قول المتنبي: الخيل والليل والبيداء تعرفنا. ومد وفخم بنون العظمة، ثم تذاكرنا معه أيضاً، فجرى ذكر أشراف مكة، يعني بني حسن، فقال بعض من حضر: هم أولاد جوار، فأنشد ألوغ بك المذكور في الحال قول الشاعر:
لا تزرين فتى من أن تكون له ... أم من الترك أم سوداء عماء
فإنما أمهات الناس أوعية ... مستودعات وللأنبياء آباء
انتهى كلام الشريف سراج الدين باختصار.
قلت: وألوغ بك هذا أسن أولاد القان شاه رخ، وأمه زوجة القان شاه رخ الحاكمة معه بهراة، تسمى كهرشاه، تحت والده إلى أن توفى سنة إحدى وخمسين وثمانمائة - على ما يأتي في ترجمته إن شاء الله تعالى - ولما توفى شاه رخ أقامت زوجته المذكورة كهرشاه في الملك ولد ولدها علاء الدولة وتركت ولدها ألوغ بك هذا، وأرادت بذلك أن يستمر حكمها في هراة. فلما بلغ ألوغ بك المذكور ذلك، جمع العساكر وتوجه إلى هراة؛ لقتال بن أخية باي سنقر علاء الدولة، فتوجه إلى هراة واستولى عليها، وفر منها علاء الدولة وجدته كهرشاه المذكورة، ووقع لهم حوادث إلى أن عاد إلى سمرقند مؤيداً منصوراً، بعد أن أخذ غالب خزائن والده شاه رخ، واستمر بسمرقند، حتى خرج عن طاعته ولده عبد اللطيف.(1/220)
وسببه أن عبد اللطيف المذكور لما ملك والده ألوغ بك هذا هراة، طمع أن يوليه هراة، فلم يفعل وولاه بلخ ولم يعطه من مال جده شاه رخ شيئاً. وكان ألوغ بك هذا مع فضله وغزير علمه مسيكاً، فسأمته أمراؤه لذلك، وكاتبوا عبد اللطيف في الخروج عن طاعة أبيه ألوغ بك، وكان هو أيضاً في نفسه ذلك ويخاف يظهره، فانتهز الفرصة، وخرج عن الطاعة، وبلغ أباه الخبر، فتجرد لقتاله، والتقى معه، وفي ظنه أن عبد اللطيف لا يثبت لقتاله. فلما التقى الفريقان وتقاتلا، هرب جماعة من أمراء ألوغ بك إلى ابنه عبد اللطيف، فانكسر ألوغ بك وهرب على وجهه، وملك عبد اللطيف سمرقند، وجلس على كرسي والده أشهراً. ثم بدا لألوغ بك العود إلى سمرقند، ويكون الملك لولده، ويكون هو كآحاد الناس، واستأذن ولده لذلك، فأذن له، ودخل ألوغ بك سمرقند، وأقام بها إلى أن قبض عبد اللطيف على أخيه عبد العزيز وقتله صبراً، في حضرة والده ألوغ بك، فعظم ذلك على ألوغ بك، فإنه كان في طاعته وفي خدمته حيثما سار، فلم يمكنه الكلام، فاستأذن ولده عبد اللطيف في الحج، فأذن له، فخرج ألوغ بك قاصداً للحج، إلى أن كان عن سمرقند مسافة يوم أو يومين، حذره بعض الأمراء من أبيه ألوغ بك، وحسن له قتله، فأرسل إليه بعض أمرائه ليقتله، فدخل عليه وهو بمخيمه، فاستحيا أن يقول جئت لقتلك، فسلم عليه، ثم خرج، ثم دخل ثانياً وخرج، ثم دخل؛ ففطن ألوغ بك، وقال له: قد علمت بما جئت فيه، فافعل ما أمرك به، وطلب الوضوء وصلى، ثم قال: والله لقد علمت أن هلاكي على يد ولدي عبد اللطيف هذا من يوم ولد، لكن أنساني المقدر ذلك، ووالله لا يعيش بعدي إلا خمسة أشهر، ثم يقتل أشر قتلة، ثم سلم نفسه، فقتله المذكور، وعاد إلى ولده عبد اللطيف، وذلك في سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة. وقتل عبد اللطيف بعد خمسة أشهر.
الأربلي الملقن
إلياس بن علوان بن ممدود، الزاهد المقرئ، ركن الدين الأربلي الملقن، نزيل دمشق. قرأ بالعراق وديار بكر، وقرأ بدمشق . قرأ بالعراق وديار بكر، وقرأ بدمشق على السخاوي، وسمع من شهاب الدين السهروردي، وتصدر للإقراء، فقال إنه ختم عليه أربعة آلاف ختمة وأكثر. توفى سنة ثلاث وسبعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
باب الألف والميم
أمير حاج بن مغلطاي
أمير حاج بن مغلطاي. الأمير زين الدين، أحد مقدمي الألوف بديار مصر ابن الأمير علاء الدين.
نشأ المذكور في السعادة، وأنعم عليه بإمرة طبلخاناه، ثم ولى نيابة الإسكندرية، فباشرها مدة، ثم نقل إلى القاهرة، وأنعم عليه بإمرة مائة، وتقدمة ألف بها، واستقر حاجباً ثانياً، ثم صار أستاداراً، ثم عزل، واستمر على تقدمته مدة سنين إلى أن قبض عليه الملك الظاهر برقوق ونفاه إلى ثغر دمياط، فأقام بالثغر إلى أن توفى به في ربيع الأول سنة إحدى وثمانمائة. وكان شجاعاً، مقداماً، كريماً، خاف الملك الظاهر برقوق شره، فقبض عليه. وكان متزوجاً بخوند سمراء.
قاضي القضاة همام الدين الحنفي
أمير غالب بن أمير كاتب بن أمير عمر بن أمير غازي، قاضي القضاة، همام الدين، ابن الإمام العلامة قوام الدين الأتقاني الحنفي الأنزاري.
قدم المذكور إلى دمشق مع والده وهو بزي الجند واشتغل بدمشق، وولى حسبتها، فشكرت سيرته، ثم ولى قضاء دمشق مدة، وكان قليل العلم إلا أنه كان رئيساً حسن الأخلاق، كريم النفس، عادلاً في أحكامه، وكان يعتمد على العلماء من نوابه، فمشى حاله بهذا، وشكرت سيرته، إلى أن توفى بدمشق في شهر جمادى الأولى سنة أربع وثمانين وسبعمائة، وسنه نحو الخمسين سنة، رحمه الله تعالى.
العلامة قوام الدين الإتقاني الحنفي، شارح الهداية(1/221)
أمير كاتب بن أمير عمر بن أمير غازي، العلامة قوام الدين الإتقاني الإنزاري الحنفي المحقق - والد أمير غالب السابق ذكره - تفقه ببغداد وغيرها، وبرع في الفقه والنحو واللغة والأصول والمنطق والمعاني والبيان والأدب. وولى التدريس بمشهد الإمام أبي حنيفة - رضي الله عنه - ببغداد، ثم قدم دمشق في سنة إحدى وعشرين وسبعمائة - عائداً إلى بغداد بعد أن حج - وتوجه إلى بغداد، ثم عاد إلى دمشق، وصنف كتاباً في عدم رفع اليدين في الصلاة، وتكلم مع فقهاء الشام، ووقع بينهم وبينه مناظرات بسب ذلك، وظهر علمه، ودرس بدمشق وأفتى، وانفرد برئاسة العلم بها، ثم طلب إلى الديار المصرية، فعظمه الأمير صرغتمش الناصري، وفخمه، وبنى له مدرسة بالصليبة، معروفة بصرغتمش المذكور، وحضر الدرس بحضرة صرغتمش وغالب أعيان الدولة، وتصدر أيضاً بالقاهرة، للإفتاء والتدريس، وكان له نظم ونثر، وله في صرغتمش المذكور:
أبدى سنناً أحيا سنناً ... صلى زمناً عند الأدبا
هذاك صرغتمش سكبت ... أيام إمارته السحبا
بسياسته وحماسته ... وسماحته جلى الكربا
وصيانته وديانته ... وأمانته حاز الرتبا
وله أيضاً شعر مطول نظم فيه فهرست أبواب الهداية على التراتيب.
ومن مصنفاته: شرح الهداية، المسمى بغاية البيان، في عدة مجلدات.
واستمر بديار مصر، إلى أن توفى بها، في يوم السبت حادي عشر شوال سنة ثمان وخمسين وسبعمائة. ومولده بأتقان، في ليلة السبت التاسع عشر من شوال، سنة خمس وثمانين وستمائة، فكان سنه حينئذ ثلاث وسبعين سنة وثمانية أيام. وأتقان قصبة من قصبات فاراب - وهي بفتح الهمزة وسكون التاء المثناة من فوق، وقاف وألف ونون - وفاراب مدينة معروفة وكانت جنازته مشهودة، وكثر أسف الناس عليه، رحمه الله تعالى.
باب الألف والنون
نائب بهنسى
أنص بن عبد الله، الأمير سيف الدين، نائب بهنسى. أقام في نيابة بهنسى مدة إلى أن توجه الأمير بدر الدين مسعود بن الخطير من نيابة غزة إلى نيابة طرابلس، نقل أنص هذا عوضه إلى نيابة غزة، ثم طلب إلى القاهرة وصار من جملة الأمراء بها، ثم أعيد إلى نيابة غزة ثانياً، ثم نقل منها إلى نيابة قلعة المسلمين في شهر ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة.
والد الملك الظاهر برقوق
أنص بن عبد الله الجاركسي العثماني، الأمير سيف الدين، والد الملك الظاهر برقوق.
قدم من بلاده مع جماعة من إخوته وأقاربه إلى الديار المصرية، بطلب من ولده الملك الظاهر برقوق، وهو إذ ذاك أتابكاً. جلبه الخواجا عثمان بن مسافر - كما جلب ولده برقوق قبل تاريخه، وبه أيضاً يعرف برقوق العثماني - وكان وصوله إلى القاهرة في يوم الثلاثاء ثامن ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة، بعد أن خرج ولده الأتابك برقوق إلى لقائه وصحبته جميع الأمراء والعساكر إلى العكرشة.
قال العيني: وهذا المكان هو الذي التقى به يوسف الصديق أباه - عليهما السلام - على ما قيل. انتهى كلام العيني.
ولما التقيا قبل برقوق يد والده أنص المذكور، وأجلسه في صدر الخيمة التي ضربت له، وقعد بجانبه أيدمر الشمسي، وتحته الأتابك برقوق، ومن الجانب الأيسر الأمير آقتمر عبد الغني، ومد له من الأسمطة والحلوى والفواكه ما يطول الشرح في ذكره. وأقاموا بسر ياقوس إلى الظهر، ثم ركبوا وشقوا بالقاهرة، وقد أوقدت الشموع، وازدحمت الخلق لرؤيته، إلى أن وصل به إلى منزله، ثم أنعم عليه الملك المنصور بإمرة مائة وتقدمة ألف. كل ذلك وهو لا يعرف من اللغة التركية إلا اليسير جداً، وما كان يعرف يتكلم إلا باجلاركسي فقط، إلا أنه كان صحيح الإسلام، خيراً، ديناً، فأقام على ذلك إلى شوال من سنة ثلاث وثمانين. وتوفى يوم السبت ثاني عشره، فكان موته قبل أن تكمل إقامته بالديار المصرية سنة، ولم ير سلطنة ولده الملك الظاهر برقوق ودفن في تربة الأمير يونس الدوادار التي على رأس الروضة، بظاهر باب البرقية. وكان أنص المذكور، ديناً، خيراً، وله اعتقاد في الدين وأهله، وكان لا يدخر عنده دراهم ولا دنانير، بل كان يفرقها على من رآه من الفقراء، وربما كان إذا لم يجد شيئاً يعطيه، يقلع شيئاً من قماشه ويعطيه لمن يقصده، رحمه الله تعالى.
الملك المنصور(1/222)
آنوك بن حسين بن محمد بن قلاوون، الملك المنصور بن الملك الأمجد ابن السلطان الملك الناصر بن المنصور قلاوون، أخو الملك الأشرف شعبان ابن حسين، المعروف بسلطان الجزيرة، يعرف بذلك؛ لأن يلبغا العمري الخاصكي لما وقع له مع مماليكه ما وقع من ركوبهم عليه ببر الجزيرة وفراره منهم، وانضمام مماليكه مع الملك الأشرف شعبان، وتعدية يلبغا إلى جزيرة أروى الوسطانية، ومنعه لتعدية الملك الأشرف ومماليكه إلى بر بولاق - نذكر ذلك كله إن شاء الله تعالى في ترجمة يلبغا وغيره في عدة مواضع - ولما استقر يلبغا بالجزيرة، والأشرف ببولاق التكروري - ببر الجيزة - ومعه مماليك يلبغا، ووقع القتال بين الفريقين، واستفحل أمر الأشرف شعبان بانضمام مماليك يلبغا عليه، وضعف أمر يلبغا، أنزل يلبغا بآنوك هذا من الدور السلطاني بالقلعة وسلطنه، ولقبه بالملك المنصور، وخلع الأشرف شعبان، ليضم الناس عليه بذلك، ليتم له مراده، وآل أمره إلى أن قبض عليه وقتل، وعاد الأشرف إلى ملكه من غير مبايعة ثانية، فإن بيعة آنوك هذا كانت غير صحيحة. ولما طلع الأشرف شعبان إلى قلعة الجبل، رسم لأخيه آنوك هذا بأن يقيم على حاله كما كان عليه أولاً، ثم أنعم عليه بإمرة طبلخاناه، واستمر آنوك هذا على ذلك إلى أن قتل الأشرف أخذت منه الإمرة، واستمر بطالاً بقلعة الجبل، إلى أن توفى ليلة الجمعة سابع ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة.
حكى لي عنه غير واحد من أقاربه - أولاد الأسياد - أنه كان شكلاً حسناً، حشماً متواضعاً، كريم النفس، أسمر، كبير اللحية، وأنه كان يغضب من قولة: سلطان الجزيرة إلى الغاية - رحمه الله تعالى - .
ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون
آنوك بن محمد بن قلاوون، الأمير سيف الدين بن الملك الناصر محمد ابن المنصور قلاوون، وأمه خوند الكبرى طغاي.
قال الشيخ صلاح الدين: رأيته غير مرة، وهو تام الشكل، حسن الوجه مستديره، تركي العين، مجد وبها أبيض، وكان أخوه الناصر، والمنصور أبو بكر، وإبراهيم أكبر سناً منه، وكان آنوك المذكور أمير مائة ومقدم ألف، والباقون أمراء أربعين، وكان يحمل رنك جده قلاوون، وزوجه أبوه وهو ابن عشر سنين أو دونها بنت الأمير بكتمر الساقي، وكان له عرس عظيم، وحضره نائب الشام سيف الدين تنكز، وأطعم الناس بالإيوان، ونصب الأمير قوصون صاريين عليهما نفط، غرم عليهما ثلاثين ألف درهم، واجتمع الشمع بالنهار في الإيوان من الظهر، وقعد السلطان على صفة الباب بالقصر، وقعد آنوك على الصفة الأخرى، وعرض الشمع على السلطان، فكان الأمير يعرض شمعه ويبوس الأرض للسلطان ثم لآنوك، فعل ذلك ثلاث أو أربع أمراء، ثم إن السلطان منعهم من بوس الأرض لآنوك، ولم يزل الشمع يعرض إلى بعد المغرب، ولم يكمل عرضه، وكان مهماً عظيماً.
ورأيت أبا العروس بكتمر وهو مشدود الوسط في يده عصاة؛ لأنه في عرس ابن أستاذه، وكان مهماً عظيماً إلى الغاية، ورأيت الجهاز لما أن حمل من دار أبي العروس - من على بركة الفيل - ممدوداً على رؤوس الحمالين، وكان عدتهم ثمانمائة حمال وستة وثلاثين قطار بغال، غير الحلي والمصاغ والجواهر - وسيأتي ذكر ذلك في ترجمة بكتمر الساقي مفصلاً - ولما مدوا الشوار المذكور دخل السلطان رآه فما أعجبه، وقال: أنا رأيت شوار بنت سلار وهو أكثر من هذا وأحسن، على أن هذا يا أمير بكتمر ما يقابل به آنوك والتفت إلى الأمير سيف الدين طقزدمر، والأمير سيف الدين آقبغا، وقال: جهزا بنتكما ولا تخاسسا مثل الأمير.
قلت: قال لي المهذب كاتب بكتمر: إن الذهب الذي دخل في الزركش والمصاغ ثمانون قنطاراً - يعني بالمصري - .(1/223)
وكان النشو كاتب آنوك وأستاداره الأمير سيف الدين ألطنفش أستادار السلطان. وقال لي النشو: إن لآنوك حاصل ذهب عين تحت يد خزنداره ستمائة ألف دينار، غير ما له تحت يدي من المتجر والأصناف. وكان إخوته الكبار يركبون وينزلون في خدمته، ويخلع عليهم ويعطيهم، ورأيته كثير الحركة، لا يستقر على الأرض، ولا يلبث ولا يسكت، ووصفوا له ابن قيران الشطرنجي الأعمى؛ فعجب منه وأحضره، فلعب قدامه؛ فأعجبه، فقال له: يا خوند، لأي شيء ما تلعب، فقال: الملوك لا يصلح لهم الشطرنج ولا النبيذ حسام الدين لاجين مات وهو يلعب بالشطرنج. وجدر فتغيرت بعض محاسنه، وتوفى سنة أربعين وسبعمائة، قبل موت أبيه بنصف سنة تقريباً، ووجد عليه. وكان كثير الميل لاقتناء الأبقار، والأغنام، والأوز، والبط، وما أشبه ذلك.
سمعته يقول: لرزق الله أخي النشو، والله أنا أحب البقر أكثر من الخيل. انتهى كلام صلاح الدين الصفدي، رحمه الله تعالى.
باب الألف والواو
أوتامش الأشرفي
أوتامش بن عبد الله الأشرفي، نائب الكرك، الأمير سيف الدين.
ولى نيابة الكرك من قبل أستاذه الملك الأشرف خليل بن قلاوون، وكان الأشرف يركن إليه، وأرسله غير مرة إلى الملك بو سعيد، وتوجه مرة بطلبه ومماليكه، وكان أولئك القوم أيضاً يركنون إليه؛ لأنه كان يعرف بالمغلى لساناً وكتابة، ويدرى آداب الترك، ويحكم في بيت السلطان بين الخاصكية باليسق المقرر من جنكزخان، وكان يعرف بيوت المغل وأصولهم، وكان إذا جاء من تلك البلاد كتاب إلى السلطان بالمغلى يكتب هو جوابه، وإذا لم يكن هو حاضراً كتبه الأمير طايربغا - نسيب السلطان - ثم ولاه الملك الناصر محمد بن قلاوون نيابة صفد، عوضاً عن الأمير أرقطاي في سنة ست وثلاثين وسبعمائة، فأقام بها إلى أن توفى في سنة سبع وثلاثين وسبعمائة، ودفن بتربة الحاج أرقطاي، جوار جامع الظاهر. وقيل إن اسمه أرتامش ذكرناه أيضاً هناك بأوسع عباره من هذا.
أوران بن عبد الله
أوران بن عبد الله، الأمير سيف الدين، أحد مقدمي الألوف بدمشق.
كان من أعيان أمراء دمشق، إلى أن توفى بالطاعون في العشر الأوسط من شهر رجب سنة تسع وأربعين وسبعمائة، وكان حشماً وقوراً، رحمه الله تعالى.
أوران البكتمري
ت . نيف وثلاثين وسبعمائة
أوران بن عبد الله البكتمري، الأمير سيف الدين، كان ممن أنشأه الأمير بكتمر الحاجب، ثم لزم الأمير تنكز نائب الشام بعد موت بكتمر، واختص به، وأنعم عليه بإمرة عشرة، ثم طلبخاناه بدمشق، ولم يزل مكيناً عنده، إلى أن جرى له ما جرى مع قطوبغا الفخري في ضيافة صلاح الدين بن الأوحد، ثمن ثم انحرف تنكز عنه وأبغضه وأبعده، إلى أن توفى في سنين نيف وثلاثين وسبعمائة.
صاحب سيس
أوشين صاحب سيس - لعنه الله - هلك في سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، وملك بعده ابنه ليفون وعمره اثنى عشر سنة؛ وكفله ابن عم أبيه، وأظنه آخر ملوك سيس من النصارى؛ لأنها فتحت بعد ذلك بقريب.
أولاجا بن عبد الله
أولاجا بن عبد الله، الأمير سيف الدين.
كان هو وأخوه الأمير زين الدين قراجا حاجبين من قبل الملك الصالح إسماعيل، وكان نائب الشام يومئذ الأمير آق سنقر السلاري، وكان الأمير بيغرا أميراً بدمشق، فوشى بهم أنهم في الباطن مع الملك الناصر أحمد، فأمسك الملك الصالح الأمير آق سنقر وبيغرا والأميران أولاجا هذا وقراجا في سنة أربع وأربعين وسبعمائة، فكان هذا آخر العد بآق سنقر. وبقي الأمراء الثلاثة معتقلين بالإسكندرية، إلى أن شفع فيهم الأمير طقزدمر، فأفرج عنهم في سنة خمس وأربعين وسبعمائة، فاستمر بيغرا بالقاهرة، وجهز الأمير أولاجا وأخوه قراجا إلى دمشق، فأقاما بها بطالين إلى أن تولى الملك الكامل، فولى أولاجا المذكور نيابة حمص، بعد أن أنعم عليه بإمرة طبلخاناه بدمشق، ثم نقل إلى نيابة غزة، ثم لما ملك الملك المظفر عاد إلى نيابة حمص ثانياً، ثم نقل إلى نيابة صفد في رجب سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، وكان قد تعلق به وخم من حمص؛ فزاد به ضعفه في صفد، وتم ملازم الفراش إلى أن مات في سادس شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
صاحب تبريز وبغداد
أويس بن الشيخ حسن بن حسين بن آقبغا بن أيلكان، القان صاحب تبريز وبغداد وما والاهما.(1/224)
ملك البلاد بعد موت أبيه في سنة سبع وخمسين وسبعمائة، ودام في الملك إلى سنة ثمان وخمسين وسبعمائة، أخذ تبريز منه القان جانبك بن أزبك خان، ملك التتار بالبلاد الشمالية، وأقام فيها ابنه بردبك، وعاد فمرض جاني بك في طريقه، فكتب أمراؤه إلى بردبك يستدعونه، فخرج من تبريز، وجعل فيها شخصاً من جهته، فوثب أويس من بغداد وجد في السير، حتى وصل تبريز، وغلب المذكور عليها وملكها منه، فجمع نائب بردبك على أويس، واسترجع تبريز منه، وفر أويس عائداً إلى بغداد، فسار إليه شاه شجاع اليزدي من أصبهان، لما بلغه فرار أويس، وقاتل نائب بردبك، وملك تبريز منه، واستناب فيها، ورجع إلى بلاده، فبلغ أويس الخبر، فقفل راجعاً إلى تبريز، وملكها من أعوان شاة شجاع بعد قتال شديد وحروب، واستمرت تبريز بيده حتى مات في سنة ست وسبعين وسبعمائة عن نيف وثلاثين سنة - رحمه الله - .
وكان سلطاناً عادلاً، محبباً للرعية، ومما يدل على خيره ودينه، أنه رأى في منامه قبل موته بأيام قائلاً يقول له: إنك تموت يوم كذا وكذا، فلما أصبح خلع نفسه من الملك، وولى عوضه بتبريز وبغداد ولده الأكبر الشيخ حسين، واعتزل هو عن الملك، وصار يتعبد ويتصدق، ويكثر من الصلاة، والصيام إلى الوقت الذي عينه لهم، فمات فيه وهو في سن الشبيبة، وكان له شهامة وصرامة، وشكالة حسنة إلى الغاية، وكان مسعود الحركات منصوراً في حروبه، قليل الشر، كثير الخير، محباً للفقراء والعلماء، أقام في السلطنة تسعة عشر سنة، رحمه الله تعالى.
باب الألف والياء آخر الحروف
؟أياجي الحاجب
أياجي بن عبد الله الحاجب، الأمير سيف الدين، أحد أمراء الملك المنصور قلاوون تأمر في أيامه، ثم ولى الحجوبية بالديار المصرية، وحسنت سيرته، إلى أن توفى يوم الأحد عاشر شهر رمضان سنة ست وثمانين وستمائة. وكان من أعيان الأمراء، رحمه الله تعالى وعفا عنه.
أياز، نائب حلب
أياز بن عبد الله الناصري، السلاح دار، الأمير فخر الدين.
كلن من مماليك الناصر محمد بن قلاوون، وجعله أولاً شاداً على العمائر السلطانية، ثم أنعم عليه بإمرة عشرة بطرابلس، ثم نقل إلى دمشق، وأنعم عليه بها بإمرة طبلخاناه بعد مدة، وصار بها أيضاً شاد الدواوين، ثم ولى حاجباً صغيراً، ثم ولى حجوبية الحجاب بعد موت الأمير اللمش الحاجب، ثم طلبه الملك المظفر حاجي إلى القاهرة، فولى نيابة صفد، فباشر نيابة صفد إلى أن عصى الأمير يلبغا على الملك المظفر، وحصل من أمره ما سنذكره في محله إن شاء الله تعالى، وهرب؛ فرسم للأمير أياز هذا أن يركب خلفه؛ فركب ووصل إلى حماة، ثم أمسك يلبغا المذكور، برز المرسوم له باستقراره في نيابة حلب، عوضاً عن الأمير أرغون شاه، في سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، بحكم انتقال أرغون شاه إلى نيابة دمشق، عوضاً عن يلبغا الخارج عن الطاعة؛ فاستمر أياز بحلب إلى أن تسلطن الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون، أرسل يطلبه إلى القاهرة مع الأمير عمر شاه الناصري، فقابل المرسوم بالطاعة، إلى أن كان الليل بلغ عمر شاه ما أحوجه أن يركب هو وأمراء حلب، ويأتي إلى دار النيابة. فلما وقع ذلك وبلغ الخبر أياز خرج إليهم، وسلم نفسه إلى عمر شاه، وقال: أنا مملوك السلطان؛ فأمسكوه وقيدوه، وأودعوه قلعة حلب، وذلك في شوال سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، ثم ساروا به إلى دمشق مكبلاً في الحديد، ثم نقل إلى مصر، وتوجه به إلى الإسكندرية، فأقام بها مدة، ثم أفرج عنه وتوجه إلى طرابلس بطالاً، في شهر ربيع الآخر سنة تسع وأربعين وسبعمائة، ثم أنعم عليه بها بإمرة طبلخاناه، عوضاً عن سنقر الجمالي، ثم نقل إلى دمشق، ثم أقام بها إلى أن كان من أمر ألجبغا ما كان؛ فركب الأمير أياز هذا معه وانضم إليه على ما في نفسه من القهر، ثم أمسك هو وألجبغا ووسطا بدمشق، على ما حكيناه في ترجمة ألجبغا، وذلك في شهر ربيع الآخر سنة خمسين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
الصالحي النجمي المقرى
أياز بن عبد الله الصالحي النجمي، الأمير فخر الدين، المعروف بالمقرى، أحد أكابر الأمراء بالديار المصرية. ولاه الملك الظاهر بيبرس الحجوبية، وكان يعتمد عليه في أموره ومهماته.
ولما تسلطن الملك المنصور قلاوون، زاد في تعظيمه.(1/225)
ذكره البرزالي في معجمه، وقال: وكان لديه فضيلة، ويكتب كتابة حسنة، ويترسل إلى الملوك، لما فيه من النباهة وحسن الإيراد، وكان فصيح العبارة لسناً خبيراً كافياً عارفاً بأمور الدولة وما يتعلق بالمملكة، قد تدرب في ذلك. وترسل في الأيام الظاهرية إلى صاحب اليمن، وإلى ملوك التتار وملوك الفرنج. وكان يقضي حوائج الناس، ويعظم أهل العلم والحديث، ويعرف حقهم ومكانتهم وحج في أواخر عمره، وأصلح أموره. وباع كثيراً من آلات الجندية، وجمع ذلك عيناً لورثته. ومات بعد قدومه من الحج بأقل من شهرين، وكان الناس يتعجبون من حسن حاله في دنياه وآخرته، وسمع من أبي الحسين المقير. انتهى كلام البرزالي.
قلت: وكانت وفاته في ليلة الجمعة العشرين من شهر ربيع الأول سنة سبع وثمانين وستمائة، رحمه الله تعالى.
الحراني
أياز بن عبد الله الحراني، الأمير افتخار الدين.
كان من جملة أمراء بدمشق، ثم صار بها والياً، وأضيف إليه النظر في أمر المساجد في سنة ستين وستمائة، فشدد على أهل الأسواق، وأمرهم بالصلاة، وعاقب من تخلف عنها، وكان بخدمته شخص من الحنابلة يسمى ابن الصيرفي، وله مسجد بقبة اللحم، له في كل شهر ستون درهماً، فتركه ولم يتقصد شيئاً من معلومه، كما فعل بغيره، فقال في ذلك بعض أئمة المساجد:
يا والياً متزهداً ... متحنبلاً يتصلف
لم لا تساوي بالمسا ... جد مسجد ابن الصيرفي
فأجابه آخر على لسان الوالي المذكور:
قال الأمير الحنبلي ... جواب من لم ينصف
أنا مبغض للشافعي ... والمالكي والحنفي
فلذاك أقصدهم وأر ... عى جانب ابن الصيرفي
الجرجاوي، نائب طرابلس
إياس بن عبد الله، الأمير سيف الدين، نائب طرابلس.
كان أولاً من جملة أمراء الألوف بالديار المصرية، ثم ولى عدة أعمال، وولى نيابة طرابلس غير مرة. وآخر ولايته في سلطنة الملك الظاهر برقوق الثانية.
أقام بطرابلس إلى أن عزله الظاهر برقوق بالأمير دمرداش المحمدي نائب حماة، وتوجه إياس المذكور إلى دمشق أتابكاً بها؛ فأقام بدمشق يسيراً، وطلب إلى القاهرة، فمات بها بعد أو وصلها بأيام قلائل.
قال العيني: مات عشية يوم الجمعة ثامن عشرين صفر سنة تسع وتسعين وسبعمائة، بعد المصادرة والإهانة. وكان رجلاً عسوفاً، ظلم أهل طرابلس في ولايته إلى ما لا نهاية له، وذكر عنه أشياء توجب الكفر. انتهى كلام العيني.
قلت: هو كما قال قاضي القضاة بدر الدين محمود العيني، وما ذاك إلا أن بعض سراريه كان قد ملكها والدي من بعده واستولدها، فكانت تحكى عنه عظائم من ظلمه وسوء خلقه، من ذلك أن شخصاً قال له يوماً: يا وجه القمر؛ فضربه ضرباً مبرحاً، وقال: أنا أعرف بنفسي منك، فلم ذا تمدحني، وأشياء من هذا النمط. وكان بشيع المنظر لا خلق ولا خلق.
الجلالي الحاجب
إياس بن عبد الله الجلالي الظاهري، الأمير فخر الدين.
أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق، وترقى في الدولة الناصرية فرج إلى أن صار أمير عشرة ورأس نوبة، ثم تنقل إلى أن صار في الدولة المؤيدية شيخ أمير طبلخاناه، وثاني رأس نوبة، ثم أخرج إلى حلب أتابكاً بها، فدام بها إلى أن مات المؤيد، وقدم مع الملك الظاهر ططر إلى القاهرة، وآل أمره إلى أن صار في الدولة الأشرفية برسباي أمير طبلخاناه وثاني حاجب، واستمر على ذلك مدة طويلة إلى أن أخرج الملك الأشرف برسباي إقطاعه وحجوبيته للأمير برد بك الإسماعيلي، المعروف ببرد بك قصقا - يعني قصير - ودام إياس صاحب الترجمة بطالاً بديار مصر، إلى أن توفى في سنين نيف وثلاثين وثمانمائة.
وكان رجلاً، ضخماً، طوالاً، كريماً، حشماً، دمث الأخلاق، واسع النفس في الطعام، سليم الباطن، قليل الشر، رحمه الله تعالى.
أيان الناصري
أيان بن عبد الله الناصري الساقي، الأمير سيف الدين.(1/226)
كان من جملة أمراء الديار المصرية، وكان سكنه بحكر جوهر النوبي، ووقع بينه وبين الأمير حسين، بسبب أنه لما توجه الأمير حسين إلى البلاد الشامية، ثم عاد إلى الديار المصرية، كان أيان هذا قد أخذ دار الأمير حسين، فأراد الأمير حسين ارتجاعها منه، فأبى أيان المذكور، والتجأ للأمير بكتمر الساقي، وكان السلطان قد رسم بارتجاعها إلى الأمير حسين. فلما خالف أيان أخرج إلى دمشق أميراً بها، فدام بها مدة، ثم طلب إلى القاهرة بعد مدة طويلة بسفارة الأمير قوصون وأخلع عليه وعاد حاجباً بدمشق، ثم نقل إلى نيابة حمص، فباشرها دون السنة، وعزل بالأمير قطلقتمر الخليلي، وتوجه إلى غزة أتابكاً بها مكرهاً، فأقام نحو الشهرين وتوفى بها، وحمل إلى القدس، ودفن به في ثالث شهر رجب سنة ست وأربعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
الملك المعز
آي بك بن عبد الله التركماني، الملك المعز، سلطان الديار المصرية.
ابتدأنا به في أول تاريخنا هذا، فلا حاجة إلى ذكره هاهنا ثانياً.
الدوادار الملك المجاهد
آي بك بن عبد الله الدوادار، الملك المجاهد سيف الدين، مقدم جيوش العراق.
كان خصيصاً عند الخليفة المستعصم بالله العباسي. كان يقول: لو مكنني الخليفة لقهرت هولاكو. وكان أيبك المذكور مغرماً بالكيمياء. كان في داره عدة رجال يعملون هذه الصنعة، ولا صحت معه أبداً، وأتلف على هذا المعنى جملة مستكثرة، قدر ما كان يحصل له لو صحت معه. ودام الملك المجاهد أيبك هذا في غزة، إلى أن مات مقتولاً بيد التتار صبراً في سنة ست وخمسين وستمائة، وكان بطلاً، شجاعاً، مقداماً، جواداً، موصوفاً بالكرم، والرأي الجيد، والتدبير، وهو آخر ملوك بغداد من قبل الخلفاء؛ لأن المستعصم قتل هو وولده في هذه الوقعة، ولم يكن بعده خليفة ببغداد، وقتل في هذه الوقعة ببغداد وأعمالها ما يزيد على ألفي ألف وثلثمائة ألف إنساناً، وزالت الخلافة العباسية من بغداد. وسبب هذه المحنة وقدوم هولاكو إلى بغداد وأخذها، وزير الخليفة المستعصم العلقمي الرافضي، كتب في السر لهولاكو يستدعيه إلى بغداد.
نذكر ذلك في ترجمة العلقمي في المحمدين، إن شاء الله تعالى.
والعجيب أنه لما قتل الخليفة ودواداره الملك المجاهد هذا بين يدي هولاكو، استدعى هولاكو الوزير العلقمي المذكور إلى بين يديه وعنفه على سوء فعله مع أستاذه، وقال له: لو أعطيناك كل ما نملكه ما نرجو منك خيراً، ثم أمر به فقتل أشر قتلة، فلا رحم الرحمن تربة قبره.
النجمي الصالحي الحلبي
آي بك بن عبد الله النجمي، الصالحي الحلبي، الأمير سيف الدين، أحد المماليك الصالحية نجم الدين أيوب.
كان من أكابر الأمراء، وممن يضاهي موكبه موكب السلطان الملك المعز أيبك التركماني، وكان غالب المماليك الصالحية تعترف له بالتعظيم، وكان له عدة مماليك صاروا بعده أمراء، منهم بدر الدين بيليك الجاشنكير، وركن الدين أياجي، وصارم الدين أزبك الحلبي وغيرهم.
ولما تسلطن الملك المعز - كما تقدم ذكره - أراد أيبك الحلبي هذا القيام لنفسه، ثم خاف، ووافق الأمراء وبالغ المعز، ودام أيبك هذا في عزه، إلى أن تسلطن الملك المظفر قطز المعزي، وقبض على الأمير علم الدين سنجر الحلبي واعتقله؛ فعند ذلك ركب أيبك المذكور هو وجماعة من الأمراء الصالحية على قطز وعلى الأمراء المعزية، فتقنطر أيبك هذا عن فرسه في الوقعة خارج القاهرة وأدخل إليها ميتاً، وكذلك وقع للأمير ركن الدين خاص ترك. كل ذلك في سنة خمس وخمسين وستمائة، رحمهما الله تعالى.
الصالحي الأفرم الكبير
آي بك بن عبد الله الصالحي، الأمير عز الدين، المعروف بالأفرم الكبير، وبالساقي أمير جندار.
سمع من ابن رواح، وحدث. وكان من عظماء الدولة المصرية، وكان له ثروة عظيمة وأموال وأملاك، يقال إنه كان له ثمن بالديار المصرية، وهو صاحب الرباط والجسر الذي على بركة الحبش، خارج القاهرة.
قال الشيخ صلاح الدين في تاريخه: كنت بالقاهرة، وقد وقف أولاده وشكى عليهم أرباب الديون للسلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، فقال السلطان: يا بشتك هؤلاء أولاد الأفرم الكبير، صاحب الأملاك والأموال، أبصر كيف حالهم وما سببه، إلا أن أباهم أتكلهم على أملاكهم فما بقيت أنا لأجل ذلك أدخر لأولادي ملكاً ولا مالاً. انتهى كلام الصفدي.(1/227)
قلت: أمر أولاد الأفرم مشهور على أفواه الخلق، ويحكى عنهم أمور عجيبة، لكنني كنت آخذ وأعطي فيما يحكى عنهم إلى أن رأيت ما نقلته بخط الشيخ صلاح الدين - رحمه الله - وكانت وفاة الأفرم صاحب الترجمة في سنة خمس وتسعين وستمائة، وكان من كبار الأمراء بالديار المصرية، وكان شجاعاً مقداماً، لكنه صرف همته بجمع الأموال، على أنه كان قليل الظلم، خيراً. قيل إنه كان يدخل حاصله كل يوم من ملكه وإقطاعة ألف دينار مصرية، خارجاً عن ثمن القمح والشعير والحبوب، ولك يكن في البلاد الإسلامية بلد إلا وله بها علقة، إما ملك، أو ضمان، أو زراعة؛ فضرب الله جميع ما خلفه بالمحق، ولم يبق مع ورثته شيء، وكانت ذريته يستعطون من الناس، هذا مع قلة ظلمه وعسفه، رحمه الله تعالى.
الحموي، نائب دمشق
703 - ... ... - 1303 م آي بك بن عبد الله، التركي الحموي الظاهري، الأمير عز الدين، نائب دمشق.
كان من أعيان الأمراء بالديار المصرية، ثم آل أمره إلى أن ولى نيابة دمشق عوضاً عن الشجاعي، فأقام بدمشق إلى أن قبض عليه في سنة خمس وتسعين وستمائة، وحبس بقلعة صرخد مدة، إلى أن ولى نيابة حمص، قبل موته بأشهر، في سنة ثلاث وسبعمائة. ومات يوم الأحد العشرين من شهر ربيع الآخرة، وكان شجاعاً كريماً، رحمه الله تعالى، ثم نقل إلى تربته بالسفح، غربي زاوية ابن قوام، وإليه تنسب الحمام بمسجد القصب، المعروفة بحمام الحموي، ويعرف الآن بحمام السلطان، لتجديد السلطان قايتباي له بعد حريقه.
الموصلي، نائب طرابلس
آي بك بن عبد الله الموصلي المنصوري، الأمير عز الدين.
هو من مماليك الملك المنصور قلاوون، وتنقلت به الأحوال إلى أن ولى نيابة طرابلس، وبها توفى سنة ثمان وتسعين وستمائة، وكان يميل إلى دين وخير، وله حرمة في الدولة ووقار، وكان محباً للجهاد في سبيل الله، مع جميل السيرة وكثرة العدل، رحمه الله.
الظاهري، نائب حمص
آي بك بن عبد الله، الأمير عز الدين الظاهري، نائب حمص.
وليها من قبل أستاذه الملك الظاهر بيبرس، ولم تشكر سيرته، إلى أن توفى بها في سنة ثمان وستين وستمائة، عفا الله عنه.
الأسكندراني الصالحي
آي بك بن عبد الله الأسكندراني الصالحي، الأمير عز الدين.
كان من مماليك الملك الصالح نجم الدين أيوب، وولى الشوبك لأستاذه المذكور ثم تقدم عند المعز أيبك التركماني، ثم ولى نيابة بعلبك للملك الظاهر بيبرس البندقداري، ثم ولاه الظاهر الرحبة، وتزوج ببنت الشيخ محمد اليونيني، ودام بالرحبة إلى أن توفى بها في سنة أربع وسبعين وستمائة. وكان عنده دين، وخير، وكرم، وحشمة، رحمه الله تعالى.
الدمياطي
آي بك بن عبد الله الدمياطي، الأمير عز الدين.
كان أيضاً من المماليك الصالحية، ومن أعيان الأمراء بديار مصر، وتنقل في عدة وظائف، إلى أن أمسكه الملك الظاهر بيبرس وحبسه نحو سبع سنين، إلى أن أطلقه في جمادى الآخرة سنة إحدى وسبعين وستمائة وأقام بالقاهرة بطالاً، إلى أن توفى بها في سنة ست وسبعين وستمائة، وقد نيف على السبعين، وكان فيه شجاعة وكرم، رحمه الله.
الموصلي، نائب حصن الأكراد
آي بك بن عبد الله الموصلي، الأمير عز الدين، نائب حصن الأكراد، قتل بها غيلة في سنة ست وسبعين وستمائة، وكان كافياً، ناهضاً، مقداماً، كريماً، وكان عنده تشيع وتعصب، وله فضل على قدرة، عفا الله تعالى عنه.
الزراد
آي بك بن عبد الله الصالحي، الأمير عز الدين، المعروف بالزراد.
هو أيضاً من المماليك الصالحية النجمية. ولى نيابة قلعة دمشق وحسنت سيرته لمهابته ووقاره وحشمته، إلى أن توفى سنة ثمان وستين وستمائة، رحمه الله تعالى.
المحيوي
آي بك بن عبد الله المحيوي، عز الدين.
كان مملوك الصاحب محيي الدين بن ندى الجزري، وكان بارعاً في حسن الخط، وكان يكتب عن مخدومه المهمات، وكان خجداشه علم الدين أيدمر المحيوي - الآتي ذكره - ينشئ ذلك بلفظه الفائق، ويكتب هذا بخطه العظيم، وكان مع تقدمه في حسن الخط يحفظ مقامات الحريري، ومختار الحماسة، ومختار شعر أبي تمام، وأبي الطيب، وغير ذلك، وكان يعرف الأسطولابات، رحمه الله تعالى.
الناصري، نائب دمشق
أيتمش بن عبد الله الناصري، الأمير سيف الدين.(1/228)
أحد مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون وخاصكيته، ترقى إلى أن صار من جملة أمراء الديار المصرية، ثم تنقل في عدة وظائف كحجوبية الحجاب بديار مصر، ثم ولى الوزارة، وحسنت سيرته، وأبطل عدة مظالم، ثم نقل إلى نيابة دمشق، فباشرها إلى أن عزل عنها بالأمير أرغون الكاملي نائب حلب في سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة، وأمسك وحبس بالإسكندرية مدة، ثم أفرج عنه ونقل إلى نيابة طرابلس؛ فدام بها إلى أن توفى في شهر رمضان سنة خمس وخمسين وسبعمائة؛ وكان أميراً جليلاً، قليل الشر، كثير الخير، مشكور السيرة، وكنت أظنه صاحب البرج بميناء طرابلس، المسمى ببرج أيتمش؛ لعلمي بأن أيتمش البجاسي لم يل نيابة طرابلس، ثم تحققت أن البرج المذكور لأيتمش الأتابكي الآتي ذكره، إن شاء الله تعالى.
المحمدي الناصري
أيتمش بن عبد الله المحمدي الناصري، الأمير سيف الدين.
هو أيضاً من المماليك الناصرية محمد بن قلاوون.
كان أحد أعيان الأمراء في أيام أستاذه الملك الناصر محمد، ثم نقله أستاذه إلى نيابة صفد، فتوجه إليها، ودام بها مدة، وشكرت سيرته، إلى أن مات بها في سنة ست وثلاثين وسبعمائة.
وكان ذا شكالة حسنة وهيئة جميلة، رحمه الله تعالى.
الخضري الظاهري
أيتمش بن عبد الله الخضري الظاهري، الأمير سيف الدين.
أحد المماليك الظاهرية يرقوق، وممن صار في الدولة الناصرية فرج من جملة الدوادارية الصغار، ثم تأمر عشرة في الدولة المؤيدية شيخ، ودام على ذلك مدة طويلة لا يوبه إليه، إلى أن افتضت السلطنة للملك الظاهر ططر تحرك سعده قليلاً في الدولة الظاهرية ططر، ثم ركضت ريحه بموته، وتسلطن ولده الملك الصالح محمد بن ططر، وآل التحدث في المملكة للأمير برسباي الدقماقي الدوادار نفى المذكور إلى القدس بطالاً في ثاني شهر صفر سنة خمس وعشرين وثمانمائة، فدام بالقدس إلى شعر ربيع الأول من السنة، ورسم بعوده إلى القاهرة، فقدم إلى القاهرة، وأقام بها يسيراً، وولى الأستادارية في يوم حادي عشرين شهر رمضان من السنة، عوضاً عن أرغون شاه النوروزي الأعور، فلم تطل مدته ولم تحمد سيرته، وعزل في خامس ذي القعدة بالأمير أرغون شاه المذكور، واستمر أيتمش على إقطاعه إمرة عشرة على ما كان عليه أولاً، ودام على ذلك إلى سنة نيف وثلاثين وثمانمائة، ابتلى جسده بالبياض وأشيع عنه ذلك. فلما تحقق الملك الأشرف برسباي الإشاعة أخرج عنه إقطاعه، ورسم له بلزوم داره، فصار يتردد إلى الجامع الأزهر، فإن سكنه كان بالقرب من الجامع، بدار بشير الجمدار بالأبارين، ويحضر الدروس ويشوش على الطلبة، ويسأل الأسئلة التي لا محل لها من الدرس. وكان قليل الفهم، وتصوره غير صحيح، مع جهل مفرط، وعدم اشتغال قديماً وحديثاً، فإن أجابه أحد من الطلبة بجواب لا يفهمه؛ لبعده عن الفهم، سفه عليه، وإن سكت القوم ازدراهم ووبخهم بذكر العلماء الأقدمين، ثم سفه على الجميع.
وكان قبل تاريخه ناب في نظر الجامع المذكور عن الأمير جرباش الكريمي، حاجب الحجاب، المعروف بقاشق، ووقع له مع أهل الجامع أمور في أيام توليته على الجامع. فلما زاد منه ذلك، وبلغ الأشرف رسم بنقلته من داره المذكورة وبسكناه بقرافة مصر، فسعى في عدم نقلته، وشفع فيه جماعة؛ فاستمر بداره على أنه لا يكثر من دخول الجامع إلا في أوقات الصلوات، إلى أن سافر الملك الأشرف برسباي إلى آمد في سنة ست وثلاثين وثمانمائة، نفى المذكور إلى القدس، إلى أن قدم الأشرف إلى الديار المصرية في سنة سبع وثلاثين، قدم المذكور إلى القاهرة، ودام بها، إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق في سنة اثنتين وأربعين لزمه أيتمش المذكور وداخله في الأمور من غير أن يأخذ إمرة ولا وظيفة، وزاد وأمعن، وصار يتكلم فيما لا يعنيه، فلم يكن بعد مدة إلا وغضب عليه الملك الظاهر جقمق، ونفاه إلى القدس ثم شفع فيه، وعاد إلى داره ولزمها، إلى أن توفى بالقاهرة في شهر رجب سنة ست وأربعين وثمانمائة، ولم تطل مدة مرضه.
وسببه أنه سقط من علو درج قليلة، فوعك أياماً ومات.(1/229)
وكان - رحمه الله - من مساوئ الدهر حساً ومعنى، كثير الكلام فيما لا يعنيه، يخاطب الشخص بما يكره، يوبخ الرجل بما فيه من المعائب من غير أن يكون بينه وبين الرجل عداوة ولا صحبة، مع طيش وخفة وبادرة وجرأة وإفحاش في اللفظ. وكان جاركسي الجنس مسرفاً على نفسه، رحمه الله تعالى وعفا عنه.
المؤيدي، أستادار الصحبة
أيتمش بن عبد الله من أزوباي المؤيدي، الأمير سيف الدين أستادار الصحبة.
هو من جملة مماليك الملك المؤيد شيخ، اشتراه من تركة الملك الناصر فرج في عدة مماليك أخر، وأعتقه وجعله من جملة المماليك السلطانية، إلى أن جعله الأمير ططر خاصكياً في دولة الملك المظفر أحمد بن شيخ، ودام على ذلك سنين طويلة، إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر جقمق بإمرة عشرة قبل سلطنته بمدة يسيرة، ثم ولاه أستادارية الصحبة، عوضاً عن مغلباي الجقمقي، بحكم انتقال مغلباي إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، ثم بعد مدة غير إمرته بعد الأمير جانبك القرماني إلى إمرة طبلخاناه، ولم يزل أيتمش على ذلك، إلى أن مات في يوم الثلاثاء ثامن المحرم سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، ودفن من الغد، وحضر السلطان الملك الظاهر جقمق الصلاة عليه بمصلاة بكتمر المؤمني، ودفن بسفح المقطم، وسنه نيف على الخمسين، وكان مهملاً، مسرفاً على نفسه، ربعة، أشقر، خفيف اللحية، سامحه الله تعالى.
البجاسي الأتابكي
أيتمش بن عبد الله الأسندمري البجاسي الجرجاوي، الأمير سيف الدين أتابك العساكر بالديار المصرية، وعظيم الدولة الظاهرية.
أصله من مماليك أسندمر البجاسي الجرجاوي، وترقى بعد موت أستاذه أسندمر المذكور، إلى أن صار من جملة الأمراء بديار مصر بسفارة الأتابكي برقوق العثماني اليلبغاوي.
ولما تسلطن الملك الظاهر برقوق قربه وأدناه، وجعله أمير مائة ومقدم ألف، ورأس نوبة النوب، ثم بلغ الملك الظاهر برقوق أن أيتمش هذا إلى الآن في رق ورثة الأمير جرجي نائب حلب، فطلب السلطان ورثة جرجي المذكور في يوم السبت ثامن شهر ذي القعدة سنة خمس وثمانين وسبعمائة، وجمع القضاة والأعيان واشترى الأمير أيتمش المذكور من ورثة جرجي؛ بحكم أن جرجي مات ولم يعتق أسندمر أستاذ أيتمش، بل كان في رقه؛ فأخذه الأمير بجاس من ورثة جرجي، بغير طريق شرعي وأعتقه، وصار أسندمر بعد موت أستاذه بجاس أميراً، وفي زعمه أن أستاذه بجاس اشتراه من ورثة جرجي وأعتقه؛ فاشترى أسندمر المذكور أيتمش - صاحب الترجمة - وأعتقه، فحكمت القضاة بأن أسندمر البجاسي كان في رق جرجي إلى أن مات، وعتق بجاس له في غير محل، وأن أيتمش أيضاً في رق ورثة جرجي المذكور.
وأثبت ذلك القضاة، واشتراه السلطان من ورثة جرجي بمائة ألف درهم، وأعتقه في الحال، وأنعم عليه بأربعمائة ألف درهم، وبناحية سفط رشيد، زيادة على ما بيده، ثم خلع على القضاة والموقعين الذين سجلوا البيع والعتق، وانصرفوا، فلم يكن بعد أيام إلا وخلع الملك الظاهر على أيتمش المذكور واستقر به أتابك العساكر بالديار المصرية. وزادت حرمته في الدولة الظاهرية، واستمر على ذلك، إلى أن عصى الأمير يلبغا الناصري نائب حلب على الملك الظاهر برقوق في سنة إحدى وتسعين، ووافقه منطاش نائب ملطية، وشاع الخبر بذلك وفشا، جهز لهما الملك الظاهر برقوق عسكراً - خمس مائة مملوك من المماليك السلطانية الظاهرية وغيرهم - ومقدمهم الأمير أيتمش صاحب الترجمة، وصحبه عدة من أمراء الألوف بديار مصر، وهم: الأمير أحمد بن يلبغا أمير مجلس، والأمير جاركس الخليلي أمير آخور، والأمير أيدكار حاجب الحجاب، والأمير يونس النوروزي الدوادار، وتوجهوا الجميع لقتال الناصري ومنطاش.(1/230)
وهذه الوقعة تعرف بوقعة الخمسمائة. فلما بلغ الناصري ذلك خرج من دمشق بمن معه نحو الديار المصرية، والتقوا مع العسكر السلطاني خارج دمشق، وكانت بين الفريقين وقعة عظيمة انتصر فيها الناصري على الأمير أيتمش هذا، وقبض عليه، وقتل الأمير جاركسي الخليلي في المعركة، وفر أحمد بن يلبغا وأيدكار الحاجب إلى الناصري وصارا من حزبه، ثم قتل يونس في عوده إلى القاهرة في خربة اللصوص، قتله عنقاء بن شطي، لما في نفسه منه، وحبس أيتمش ببرج قلعة دمشق مدة، إلى أن خلع الملك الظاهر من السلطنة، وحبس بالكرك، ثم خرج وملك الديار المصرية ثانياً. كل ذلك وأيتمش في حبس قلعة دمشق؛ لأن دمشق دامت مع أعوان منطاش مدة أيام، بعد سلطنة برقوق الثانية، إلى أن أفرج عنه وعاد إلى الديار المصرية في سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة، وخلع الملك الظاهر عليه باستقراره رأس نوبة الأمراء - وهذه الوظيفة مفقودة في عصرنا هذا - وعاد إلى حرمته وخصوصيته عند الملك الظاهر برقوق، ثم زادت عظمته في أواخر دولته، وأعيد بعد الأتابك كمشبغا الحموي إلى أتابكية العساكر بالديار المصرية على عادته أولاً في سنة ثمانمائة؛ بحكم القبض على الأتابك كمشبغا الحموي وحبسه بالإسكندرية.
ولم يزل أيتمش على ذلك، إلى أن توفى الملك الظاهر برقوق بعد أن أوصاه: بأن يكون هو مدبر مملكة ولده الملك الناصر فرج. فلما وقع ذلك بعد موت برقوق، وسكن الأتابك أيتمش بالحدرة من باب السلسلة بالإسطبل السلطاني، وصار هو المتحدث في المملكة، والمشار إليه في الدولة، عظم ذلك على الأمراء الأصاغر من مماليك برقوق وافترقت الأمراء، فصارت فرقة مع الأتابك أيتمش هذا، وهم أعيان أمراء الظاهر برقوق وخواص مماليكه، وفرقة بالقلعة عند السلطان، وهم أصاغر أمراء برقوق من مماليكه. فالذين كانوا مع الأتابك أيتمش: والدي أمير سلاح، والأمير أرغون شاه أمير مجلس، والأمير أحمد بن يلبغا الخاصكي أحد أكابر مقدمي الألوف بالقاهرة، والأمير فارس حاجب الحجاب، والأمير يعقوب شاه أحد مقدمي الألوف، وعدة أخر من مقدمي الألوف والطبلخاناه والعشرات، والذين كانوا بقلعة الجبل عند السلطان كالأمير بيبرس الدوادار - وليس له من الأمر شيء - والأمير يشبك الشعباني الخازندار - وهو يومئذ صاحب الحل والعقد - والأمير سودون قريب الملك الظاهر برقوق، وغيرهم من العشرات والطبلخاناه. وكثر الكلام بين الطائفتين إلى أن علموا الأمراء الذين بقلعة الجبل الملك الناصر فرج أن يقول لأيتمش: أنا قد بلغت، وأريد أترشد.
فلما سمع أيتمش هذا الكلام من السلطان، أجاب بالسمع والطاعة؛ فألزموه الأمراء في الحال بأن ينزل من باب السلسة ويسكن في داره على عادته في أيام الملك الظاهر برقوق، ونزل من باب الدرج إلى داره بباب الوزير بعد أن نهاه والدي عن النزول من باب السلسلة في ذلك اليوم، وقال له: تربص إلى غد حتى ننظر في أمر نفعله مع هؤلاء الأجلاب. فلم يسمع أيتمش من والدي الكلام، ونزل إلى داره، ونقل قماشه من باب السلسلة، ثم بدا له أن يركب بمن معه من الأمراء على الأمراء الذين بقلعة الجبل عند السلطان، فركب من ليلته - وهي ليلة الاثنين عاشر صفر سنة اثنتين وثمانمائة - واشتد القتال بين الفريقين من عشاء ليلة الاثنين إلى الضحى من يوم الاثنين المذكور، وانهزم أيتمش بمن معه إلى قبة النصر، خارج القاهرة.
ولما أن ركب أيتمش، صف عسكره ثلاثة أطلاب: طلب معه - تجاه الطبلخاناه السلطانية من جهة داره بالقرب من باب الوزير - وطلب مع والدي - ووقف برأس سويقة منعم تجاه القلعة - وطلب مع فارس الحاجب - تحت مدرسة السلطان حسن تجاه باب السلسلة - ثم انهزم أيتمش بعد قتال شديد، ثم انهزم والدي بعده بوقت، ودام فارس الحاجب في موقفه - بعد أن أباد القلعيين شراً إلى قريب العصر - وانهزم أيضاً، واجتمعوا كلهم بقبة النصر، وأاقموا يومهم بتمامه.(1/231)
واتفق رأيهم على التوجه إلى دمشق والانضمام على نائبها الأمير تنم الحسني، وساروا وهم زيادة على ألف فارس، ولحقوا بالأمير تنم؛ فخرج تنم المذكور إلى ظاهر دمشق وتلقاهم بالرحب والإكرام، وقام بنصرتهم، وأخذ في تجهيز عساكره، واستمال جماعة من النواب بالبلاد الشامية، فأذعنوا له إلا الأمير دمرداش المحمدي نائب حماة، فكتب إليه والدي بالحضور؛ فأذعن وحضر، وبقي الجميع عسكراً واحداً، وخرجوا من دمشق إلى جهة الديار المصرية.
وخرج السلطان الملك الناصر فرج بمن معه من الأمراء، والتقى الفريقان بظاهر غزة، فكانت الكسرة على الأمير تنم وحواشية، وقبض عليهم الجميع، وعلى الأمير أيتمش - صاحب الترجمة - وحبس بقلعة دمشق، ثم قتل بعد أيام مع من قتل من الأمراء بقلعة دمشق ذبحا ف ليلة رابع عشر شعبان سنة اثنتين وثمانمائة، وسنه نيف على الستين. وكان أميراً كبيراً، مهاباً، حشماً ووقوراً، ذا خبرة، وسياسة، وعقل، وتدبير، ومعرفة، وعظمة. بلغ في دولة الظاهر برقوق من وفور الحرمة ونفوذ الكلمة ما لم ينله غيره من أبناء جنسه. وطالت أيامه في السعادة وكثرت مماليكه، حتى بلغت عدة من في خدمته من المماليك قريباً من الألف، وكان رأس نوبته أمير عشرة، وسلك في أتابكيته طريق السلف من أكابر الأمراء في نوع الأسمطة الهائلة، والحشم، والخدم، والإنعام على الناس، والعيشة الطيبة، هذا مع قلة الظلم والطمع ومع الميل إلى فضل الخير، والكرم.
وكان ذا شيبة نيرة، كمث اللحية، مدور الوجه، أقنى الأنف، أحمر اللون، جميلاً، للقصر أقرب. وكان في الغالب لا يلبس على رأسه إلا قبعاً سلطانياً أبيض صيفاً وشتاءً، ولا يلف على رأسه تخفيفة إلا نادراً جداً. وكان حسن الخلق، حلو المحاضرة سليم الباطن، قليل الشر، وهو آخر عظماء الأمراء بالديار المصرية إلى يومنا هذا.
ولما صار والدي أتابك العساكر بالديار المصرية في الدولة الناصرية فرج، كلمه بعض الناس في أن يسير على طريقة أيتمش المذكور، فقال والدي: هيهات ما نحن من خيل هذا الميدان. وكان سماط والدي ورواتبه في اليوم من اللحم ألف رطل، وبخدمته أربعمائة مملوك. انتهى.
وكان أيتمش - رحمه الله - يحب الفقراء، وأهل الصلاح، ويعظم أهل العلم إلى الغاية، وعنده ميل إلى فعل الخير، وله مآثر حسنة، وعمر مدرسته بباب الوزير المعروفة به، ووقف عليها وقفاً جيداً، وعمر بطرابلس برجاً على ساحل البحر الملح؛ لأجل المرابطين، ووضع فيه جملة مستكثرة من السلاح، ووقف عليه أوقافاً، رحمه الله تعالى.
ملك التتار
أيدكو ملك التتار.
أصله من قبيلة قونكرات من أرض الدشت، وتنقل أيدكو هذا إلى أن صار من أجل أمراء توقتاميش خان، وأحد رءوس ميسرته، ثم وقع بينه وبين توقتاميش - ووقع ما سنذكره في ترجمة تيمور مفصلاً - وخدع أيدكو هذا تيمور، وفر من عنده أيضاً، وعاد إلى توقتاميش بعد أن نال منه مقصوده، وواقع توقتاميش الوقعة المشهورة، قيل كان بين أيدكو هذا وبين توقتاميش خمسة عشر وقعة، وفي الخامسة عشر غلب فيها توقتاميش، وانهزم أيدكو هذا وتشتت جمعه، وغرق هو نحو خمسمائة من خواصه في نهر سيحون، ولم يعرف له خبر، وبالغ توقتاميش في الفحص عن أيدكو المذكور، حتى غلب على ظنه أنه هلك.
الشهابي، نائب حلب
أيدكين بن عبد الله الشهابي، الأمير علاء الدين نائب حلب.
نسبته بالشهابي إلى أستاذه الأمير الطواشي شهاب الدين رشيد النجمي الصالحي، تنقل بعد موت أستاذه المذكور حتى صار من جملة أمراء دمشق، ثم ولى نيابة حلي في شوال سنة ستين وستمائة؛ فباشر نيابة حلب بحرمة وعدل في الرعية وغزا بلاد سيس وغيرها غير مرة، وتكرر منه ذلك وهو ينتصر ويغنم منهم ويعود بالأسراء والسبايا. ولم يزل على ذلك إلى أن عزل عن نيابة حلب، ثم تعطل مدة، ثم ولى بعد ذلك عدة ولايات، إلى أن توفى سنة سبع وسبعين وستمائة، وكان من خيار الأمراء عزماً، وحزماً، وخيراً، وديناً. وكان له محبة في أهل الدين والصلاح والخير، وله فيهم حسن ظن، وهو صاحب الخانقاة داخل باب الفرج بدمشق، ووقف عليها أوقافاً جيدة، رحمه الله وعفا عنه.
العمادي الصالحي، أمير جندار
أيدكين ين عبد الله العمادي الصالحي، الأمير علاء الدين.(1/232)
أصله من مماليك الملك الصالح إسماعيل، أخذه الملك المنصور في وقعة المعز أيبك مع الملك الناصر صاحب حلب، عندما أسروا أستاذه الصالح إسماعيل، ثم ترقى بعد ذلك إلى أن صار من جملة الأمراء بالديار المصرية. ولما تسلطن سنقر الأشقر بدمشق جعله أمير جندار.
قال الشيخ قطب الدين اليونيني: حكى لي أيدكين قال: طلبني السلطان على البريد إلى مصر، وشرع يوبخني ويقول: أمير جندار: قلت: نعم أمير جندار، وقاتلنا عسكرك، وها أنا بين يديك أفعل ما تختار، فقال: ما أفعل إلا خيراً، وأنعم على غاية الإنعام، انتهى.
ثم استنابه الأشرف على صفد، وكان عنده كفاءة، وحزم، وفيه مكارم، واتضاع، وحسن تدبير، ولين جانب، وحسن ظن بالفقراء، وله في المواقف آثار حميدة. وكان الظاهر يحبه ويقدمه على نظرائه، انتهى.
قلت: وكانت وفاته بصفد في سنة تسعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
الصالحي الخازندار
أيدكين بن عبد الله الصالحي الخازندار، الأمير علاء الدين.
كان من أكابر الأمراء المصريين.
أصله من مماليك الملك الصالح نجم الدين أيوب، أعتقه، ورقاه، وولاه الأعمال وتولى نيابة قوص، وله بتلك الأماكن غزو ونكاية في النوبة وغيرها. وكان معدوداً من ذوي الأموال، ولم يزل في نعمته إلى أن توفى سنة خمس وسبعين وستمائة، وخلف أموالاً عظيمة، وكان مشهوراً بالشجاعة، وحسن الرأي، والتدبير الجيد، والكرم، والعدل، رحمه الله تعالى.
البندقداري، أستاذ الملك الظاهر بيبرس
أيدكين بن عبد الله البندقداري، الأمير علاء الدين. كان من أعيان الأمراء الصالحية، وكان الملك الظاهر بيبرس البندقداري مملوكه، اشتراه لما أن كان بحماة، ثم إن السلطان الصالح نجم الدين أيوب صادر علاء الدين أيدكين هذا، وأخذ منه بيبرس في جملة ما أخذه منه، وتنقلت الأحوال بهما حتى صار بيبرس سلطاناً، والأمير علاء الدين أيدكين المذكور من جملة أمرائه، وبقي معظماً عند الملك الظاهر بيبرس؛ لحقوق سلفت، ويرعى له ما تقدم، وينعم عليه.
وكان أصل أيدكين هذا مملوكاً للأمير جمال الدين موسى بن يغمور، ثم انتقل إلى ملك الصالح نجم الدين أيوب؛ فرقاه وجعله بندقداره، ثم أمره على عجلون، ثم عزله، وأمسكه وصادره - حسبما ذكرناه في أول الترجمة - واستمر أيدكين هذا على حرمته وإمرته، إلى أن مات في شهر ربيع الآخرة سنة أربع وثمانين وستمائة، ودفن بتربته بالشارع الأعظم، تجاه حمام الفارقاني بظاهر القاهرة، وكان له معرفة، ورأي، وتدبير، وسياسة، رحمه الله تعالى.
العمري، الحاجب
أيدكار بن عبد الله العمري، الأمير سيف الدين، أحد أعيان أمراء الملك الظاهر برقوق، ثم ولاه الظاهر حجوبية الحجاب بالديار المصرية، عوضاً عن الأمير ألطنبغا الكوكاي في سادس عشر ربيع الآخرة سنة تسعين وسبعمائة، وكانت متوفرة نحو أربع سنين.
واستمر على ذلك إلى أن عينه الملك الظاهر برقوق لقتال الناصري ومنطاش في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة مع الأمير أيتمش؛ فتوجه صحبة العساكر إلى البلاد الشامية إلى أن وقع العين في العين، فر أيدكار هذا بعد أن التحم القتال وصار من حزب الناصري ومنطاش، ثم تبعه الأمير أحمد بن يلبغا أمير مجلس، والأمير فارش الصرغتمشي، وشاهين الأمير آخور بمن معهم؛ فقوى الناصري بهم بعد أن كان الناصري قد عزم على الفرار، وقاتل المماليك الظاهرية إلى أن انتصر وهجم مملوك أعور يسمى يلبغا الزيني وضرب الأمير جاركس الخليلي وقتله، وأخذ سلبه واستمر الأمير أيدكار المذكور مع الناصري إلى أن ملك الناصري الديار المصرية وصار مدبر المماليك، أنعم على أيدكار هذا بتقدمة ألف بالديار المصرية، واستمر على ذلك إلى أن كانت الوقعة بين الناصري ومنطاش، وقبض على الناصري وحواشيه - كان أيدكار هذا من حزب منطاش - وخلع عليه بحجوبية الحجاب بالديار المصرية على عادته.
ثم ضرب الدهر ضرباته، وخرج الظاهر برقوق من الحبس، وملك الديار المصرية ثانياً، قبض على أيدكار هذا في ثالث عشرين ربيع الآخرة سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة، وحبسه إلى أن مات قتيلاً في سنة أربع وتسعين وسبعمائة، وقتل معه جماعة من الأمراء، وهم: قراكسك، وأرسلان اللفاف، وأرغون شاه، رحمهم الله تعالى.
العزيزي
أيدغدي بن عبد الله العزيزي، الأمير جمال الدين.(1/233)
أصله من مماليك الملك العزيز صاحب حلب، وتنقل في الخدم حتى صار من أكابر الأمراء وأعيان الدولة.
قال العلامة شهاب الدين أبو الثناء محمود بن سليمان الحلبي في تاريخه: وسمع، وحدث، وكان أميراً كبير القدر، مشهوراً بالشجاعة والكرم، والديانة، والحشمة، ووساعة الصدر، وعلو الهمة، كثير الصدقات والبر والمعروف: للفقراء، والمشايخ، وأرباب الزوايا، وأرباب البيوتات. عليه مرتب في كل سنة - ما يزيد على مائة ألف درهم، وألوف أرادب قمحاً. هذا غير ما يتصدق به، ويطلقه في وسط السنة مما هو على غير حكم الراتب. وكان مقتصراً في ملبسه، لا يتعدى لبس ثياب القطن من القماش الهندي والبعلبكي، وغيره مما يباح ولا يكره لبسه.
قال الشهاب محمود: قال المولى الشيخ قطب الدين - نفع الله به - وحكى لي بعض الناصرية قال: لما دخلنا الديار المصرية اتفق أن بعض الأكابر من الأمراء عمل سماطاً، وحضر هو بنفسه إلى الأمير جمال الدين ودعاه؛ فوعده بالمضي إليه والحضور عنده. فلما كان عشاء الأخرة مضى ونحن معه وجماعة من مماليكه وخواصه إلى دار ذلك الأمير. فلما دخل وجد جماعة من الأمراء جلوساً في إيوان الدار، وجماعة من الفقراء جلوساً في وسط الدار، فوقف ولم يدخل، وقال لصاحب الدار والأمراء: أخطأتم فيما فعلتم كان ينبغي أن يقعد الفقراء فوق، وأنتم في أرض الدار، ولم يجلس حتى تحول الفقراء إلى مكان الأمراء، والأمراء إلى مكان الفقراء، وقعد هو ونحن بين يدي الأمراء.
فلما غنى المغاني، قال أحدهم والدف بيده لينقطوه، وهذه كانت عادة المغاني بالديار المصرية. فلما رآه الأمير جمال الدين انتهزه وقال: ويلك أنت في الخلق، وأشار إلى خزنداره، فوضع في الدف كيساً فيه ألف درهم. فلما رقص الجميع دار بينهم، ورمى على المغني بغلطاقه وهو أبيض قطن بعلبكي لا يساوي عشرين درهماً، فرمى سائر مماليكه بغالطيقهم موافقة له، وقيمتها فوق الثلاثة آلاف درهم، ثم دار في النوبة الثانية، ورمى على المغني منديله، وهو أبيض يساوي ثلاثة دراهم، فرمى سائر أصحابه مناديلهم، وفيها ما هو بالذهب وغيره، ولعل قيمتها فوق الألف درهم وخمس مائة درهم.
فحسان المغاني حصل لهم منه ومن غلمانه نحو ستة آلاف درهم.
قال: ولما عزم العزيزية على قبض الملك المعز، أطلعوا الأمير جمال الدين، فلم يوافقهم ونهاهم عن ذلك، وعرفهم ما يترتب عليهم من المفاسد، وأن ضرر هذا العزم يلحقهم - دون الملك المعز - ولم ير الأمير جمال الدين أن يشي بهم إلى الملك المعز وبلغ المعز ما عزموا عليه، وعلم العزيزية أنه علم. وهو - وهم - في الميدان يلعب بالكرة في العشر الأوسط من شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وستمائة. فهربوا على حمية، وفيهم الأمير شمس الدين البرنلي.
وأما الأمير جمال الدين، فلم يهرب؛ لعلمه ببراءة ساحته؛ فساق الأمير المعز إلى قريب من خيمة الأمير جمال الدين؛ فخرج إليه، فأمر بقبضه وسيره إلى الاعتقال مكرماً مرفهاً. وكان ذنبه عنده كونه لم يطلعه على ما عزم عليه أصحابه، وأذن لأهل الأمير جمال الدين أن يحملوا إليه الطعام والشراب والملابس وكل ما يحتاج إليه، ثم أظهر موته وأخفى خبره بالكلية.
فلما وقع الصلح بين الملك الناصر صلاح الدين يوسف وبين المعز وتوجه الشيخ نجم الدين البادرائي إلى الديار المصرية، طلب من الملك المعز الإفراج عن الأمير جمال الدين، فقال له الملك المعز: ما بقي المولى يراه إلا في عرصات القيمة إشارة إلى أنه قد مات. ولم يكن مات، بل كان في قاعة، وعليه الملبوس الفاخر، والملك المعز يدخل عليه في بعض الأوقات ويلعب معه الشطرنج. واستمر على ذلك إلى أن خرج الملك المظفر سيف الدين قطز لقتال التتار، فأفرج عنه، وأمر بتجهيزه إليه، فلقيه في الطريق وقد خرج من دمشق، فعاد معه، واجتمع معه الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري، وأطلعه على شيء مما عزم عليه؛ فأغلظ له في الجواب وصده عن ذلك بكل طريق، وقال له: لو كان للملك المظفر في عنقي يمين لأخبرته بذلك، فإياك إياك أن تقع في ذلك؛ فأظهر الإصغاء إلى قوله، وفعل ما كان عزم عليه.(1/234)
فلما استقل بالسلطنة عظم الأمير جمال الدين في عينه، ووثق به، وسكن إليه، وصار عنده في أعلى المراتب، وأعطاه إقطاعاً عظيماً. وكان يرجع إليه، وإلى رأيه ومشورته، لا سيما في الأمور الدينية، وما يتعلق بالقضاة، والعلماء، والمشايخ، وأرباب الحرف، فإنه لم يكن ليعدل عن رأيه.
وحضر حصار صفد وباشر ذلك بنفسه، وكان في غزوات الكفار يبذل جهده ويتعرض للشهادة، فجرح عليها، وبقي مدة وألم الجراحة يتزايد، وحمل إلى دمشق، وتوفى ليلة عرفة، سنة أربع وستين وستمائة، ودفن بمقبرة الرباط الناصري، رحمه الله تعالى وعفا عنه.
الركني
أيدغدي بن عبد الله الركني، الأمير علاء الدين، الأعمى الزاهد، ناظر أوقاف القدس الشريف، وكان ديناً خيراً، أنشأ العمائر، والربط، وله آثار جميلة بالقدس والخليل - عليه السلام - والمدينة النبوية - على ساكنها أفضل الصلاة والسلام - وكان من أذكياء العالم. يقال عنه أنه خط حمام بلد الخليل، ورسم الأساس بيده، وذره بالكلس للصائغ، وهو أعمى لا ينظر النور.
وكان يحب الخيل ويستولدها، وكان إذا مر به فرس من خيله عرفه، وقال: هذا من خيلي، وله أشياء من هذا كثيرة. واستمر بالقدس إلى أن مات به في سنة ثلاث وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
؟الكبكي
أيدغدي بن عبد الله الكبكي، الأمير جمال الدين.
أصله من مماليك جمال الدين ابن الداية الحاجب الناصري. وكان قد حضر الوقعة التي كانت بين المعز أيبك التركماني والملك الناصر صاحب دمشق سنة ثمان وأربعين وستمائة، وهو صبي، فاستولى كبك؛ فعرف به، وتنقلت به الأحوال حتى صار من جملة أمراء الديار المصرية، ثم ولاه الملك الظاهر بيبرس نيابة صفد، ثم نقله إلى نيابة حلب، فدام بحلب مدة، ثم أمسك وحبس، ثم أطلق، وتوجه إلى القدس الشريف بطالاً، فأقام به إلى أن مات في سنة ثمان وثمانين وستمائة، وسنه نحو ستين سنة، وكان أميراً شجاعاً مقداماً جليلاً مهاباً، معظماً، وله محاسن. وكان يركب ويسوق من أول الميدان إلى آخره وتحت إبهام رجله درهم في الركاب ولا يقع، رحمه الله تعالى.
الطباخي
أيدغمش بن عبد الله الناصري الطباخي، الأمير علاء الدين.
أصله من مماليك سيف الدين بلبان الطباخي، ثم أخذه الملك الناصر محمد بن قلاوون منه وجعله خاصكياً، ثم أميراً. ولما عاد الملك الناصر إلى ملكه من الكرك سنة تسع وسبعمائة رقاه إلى أن جعله أمير آخور، عوضاً عن الأمير بيبرس الحاجب، فاستمر على ذلك إلى أن توفى الملك الناصر، فكان أيدغمش هذا ممن قام بأمر الملك المنصور أبي بكر بن الملك الناصر محمد بن قلاوون، إلى أن توهك الأمير قوصون من الملك المنصور، واتفق مع الأمير أيدغمش المذكور على خلعه؛ فوافقه وخلع المنصور بأخيه الناصر، ولولاه لم يتم لقوصون أمر.
ودام الأمر إلى أن فر الأمير ألطنبغا نائب الشام من الفخري وسار نحو القاهرة، ووصل إلى مدينة بلبيس، اتفق الأمراء مع أيدغمش على القبض على قوصون وحزبه، فوافقهم على ذلك، وقبض على قوصون وجماعته، وجهزوا إلى الإسكندرية.
وكان أيدغمش في هذه المرة هو المشار إليه، ثم جهز ولده ومعه جماعة من أكابر الأمراء المشايخ إلى الملك الناصر أحمد بن الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى الكرك؛ ليحضروه حتى يجلس على كرسي الملك، فلم يوافق الناصر على الحضور، وعاد ابن أيدغمش، فلم يكن بعد أيام يسيرة إلا وبلغ الناصر حركة الفخري، فتوجه إلى دمشق ثم سار إلى ديار مصر وحده بأناس قلائل، فلم يشعروا بالناصر إلا وهو في القلعة، وجاءت بعده الجيوش الشامية، وجلس على كرسي الملك وتم أمره، وولى أيدغمش هذا نيابة حلب؛ فخرج إليها.
فلما كان على عين جالوت جاءه كتاب السلطان بالقبض على الفخري، وكان الفخري في رمل مصر. فلما أحس بالقبض عليه، هرب في جماعة من مماليكه وجاء إلى أيدغمش مستجيراً به، فقبض عليه، وجهزه مع ولده أمير علي إلى السلطان.
ثم إن أيدغمش توجه إلى حلب، وأقام بها إلى أن تولى الملك الصالح إسماعيل السلطنة، نقله إلى نيابة دمشق، وكان مسفره الأمير ملكتمر السرجواني.(1/235)
وكان دخول أيدغمش إلى دمشق في يوم الخميس بكرة عشرين صفر سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، وأقام بها نائباً إلى يوم الثلاثاء ثالث جمادى الآخرة من السنة، فركب بكرة وخرج إلى ظاهر دمشق، وأطعم طيور الصيد، وعاد إلى دار السعادة وقرئت عليه قصص يسيرة، ثم أكل السماط، ثم عرض طلبه والمضافين إليه، وقدم جماعة وأخر جماعة، ثم دخل إليه ديوانه، وقرأ عليه مخازيم وحساب ومصروف ديوانه، ثم قال أيدغمش: هؤلاء الذين تزوجوا من مماليكي، أقطعوا مرتبهم، ثم أكل الطاري، وقعد هو وابن جماز يتحادثان، فسمع حس جماعة من جواريه يتخاصمن، فقام وأخذ عصاة، ودخل إليهن، وضرب واحدة منهن ضربتين، وسقط ميتاً لم يتنفس، فتحير الناس في أمره، فأمهلوه إلى بكرة يوم الأربعاء رابع جمادى الآخرة سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة، وأخذوا في غسله ودفنه في اليوم المذكور.
ودفن في خارج ميدان الحصا في تربة عمرت له هناك، فكان مدة نيابته في حلب ودمشق نحو نصف سنة.
وكان أميراً جليلاً، مهاباً، شجاعاً، مقداماً، كريماً. قيل إنه كان قل من دخل عليه للسلام ولا خلع عليه. وكان مكيناً عند أستاذه الملك الناصر محمد بن قلاوون، وكان الناصر أنعم على أولاده الثلاثة بإمرة، وهم: أمير حاج وأمير أحمد، وأمير علي.
وكان يميل إلى فعل الخير والبر، وله آثار حميدة، وهو صاحب الحمام والخوخة خارج بابي زويلة، رحمه الله تعالى.
العلائي
أيدمر بن عبد الله العلائي الصالحي، الأمير عز الدين، أخو أيدكين الصالحي.
كان خصيصاً عند الظاهر بيبرس، وكان الظاهر يتحقق منه الأمانة والديانة، مما رأى منه قبل سلطنته، فإنهم كانوا لما خرجوا من الديار المصرية يأكلون بقائم سيفهم في البلاد الشامية، وكانوا إذا جاءوا إلى زرع أطلقوا خيلهم، فكان العلائي هذا يمسك فرسه بيده، ولم يطعمه إلا مما يشتريه بماله من فلاحين تلك الأرض.
فلما تسلطن الظاهر بيبرس قربه وأمره. ولما ملك الظاهر صفد ولاه نيابتها، وهو أول من استناب بها من المسلمين تقريباً.
حكى أن بعض البحرية بصفد طفئ الطوافة من يده، فوقعت في مكان فيه قشر أرز فاحترق، وكان هناك حواصل المنجنيقات، فاحترقت، فطالع العلائي الملك الظاهر بذلك، وقال في آخر المطالعة: وقد بذل المذكور لبيت المال ألف دينار، فجاء الجواب من الملك الظاهر أن: يشنق الرجل، وما لمنا حاجة بالذهب، فأعاد الجواب: بأنه قد دفع في نفسه ألفي دينار.
كل هذا وذلك البحري لم يعلم بشيء من ذلك، وإنما العلائي يبذل ذلك من ماله، ولا يدخل في شنق رجل مسلم، فجاء الجواب ثانياً: بالشنق بلا معاودة، وإلا بعثنا بشنقك وبشنقه.
فقال الأمير أيدمر العلائي المذكور: يا مسلمين، رجل مسلم تحترق خشبة من غير علمه، أشنقه؟ والله هذا لا أفعله، ومهما أراد السلطان يفعل؛ فخاف أهل صفد من الملك الظاهر: فقال والي القلعة: أنا أشنقه. فأخذوه وشنقوه، فحزن عليه العلائي، فكان هذا شأنه في أحوال الرعية. ولم يزل العلائي هذا معظماً مبجلاً عند الملك الظاهر، إلى أن توفى سنة ست وسبعين وستمائة، رحمه الله.
الحلي الحلبي النجمي
أيدمر بن عبد الله الحلي الحلبي النجمي، الأمير عز الدين.
كان أيضاً خصيصاً عند الملك الظاهر بيبرس، وكان يستنيبه عند توجهه إلى البلاد الشامية؛ لوثوقه به واعتمداه عليه.
وكان من أكبر أمراء الدولة وأعظمهم محلاً عند الظاهر وكان محظوظاً من الدنيا، وله ثروة كبيرة.
ولما مات خلف من الأموال والأملاك والخيل والجمال والعدد ما يستحيا من ذكره، ومع ذلك كان قليل الخبرة بالأمور، لكنه رزق السعادة.
توفى بقلعة دمشق سنة سبع وستين وستمائة، رحمه الله تعالى.
الخطائي
أيدمر بن عبد الله من صديق، الأمير سيف الدين، المعروف بالخطائي، أحد أمراء الطبلخاناه بالديار المصرية، ورأس نوبة. وهو ممن كان انضم مع الأمير بركة، ووافقه على الركوب على الأتابك برقوق.
ولما انهزم بركة، وأمسك وحبس، أمسك أيدمر هذا معه، وحبس مدة إلى أن أفرج عنه الأتابك برقوق، وجعله على عادته أمير طبلخاناه، فاستمر على ذلك إلى أن توجه مجرداً إلى ثغر الإسكندرية، فمات بها في سنة خمس وثمانين وسبعمائة، وخلف موجوداً كبيراً؛ فاحتاط على الجميع ناظر الخواص.
المحيوي(1/236)
أيدمر بن عبد الله المحيوي، فخر الترك، الأديب الشاعر عز الدين، عتيق محيي الدين أبي المظفر محمد بن محمد بن سعد، الأديب الشاعر بن ندى، وهو خجداش أيبك المحيوي، صاحب الخط المنسوب.
قال ابن سعيد المغربي في كتاب المشرق في أخبار المشرق، قال: بأي لفظ أصفه - يعني أيدمر المحيوي هذا - ولو حشدت جيوش البلاغة لفضله لم أكن أنصفه.
نشأ في الدولة السعيدية؛ فنمت أزاهره، وطلع في روض الندائية فتمت زواهره، جمعت لأقرانه أعلام الفنون، حتى خرج آيةً في كل فن، وبرع في المنثور والموزون، مع الطبع الفاضل الذي عضده، وبلغه من رئاسة هذا الشأن ما قصده، قبل أن أرتقي إلى السماء المحيوية. كثيراً ما أسمع الثناء في هذه الطريقة عليه، فيهوى السمع والعين والقلب إليه، لا سيما حين سمعت قوله الذي أتى فيه بالأغراب وترك مهياراً معلقاً منه بالأهداب، بالله إن جزت الغوير فلا تغر، بالميل منك معاطف الأغصان، واستر شقائق وجنتيك هناك لا، ينشق قلب شقائق النعمان انتهى كلام ابن سعيد المغربي باختصار.
ومن نظمه قوله:
رعى الله ليلاً ما تبدى عشاؤه ... لأعيننا حتى تطلع صبحه
كأن تغشيه لنا وانفراجه ... لقربهما إطباق جفنٍ وفتحه
وله - وقد ركب مولاه في البحر؛ فانخرق به المركب، فقال:
غضب البحر من حجاب منيع ... حائل بينه وبين أخي
مزقته حمية الشوق حتى ... خرق الحجب عله يلتقيه
وله موشحة يعارض بها موشحة ابن زهر الطبيب:
عهد البين لعيني البكا ... ثم أوصاها بأن لا تهجعي
وسقى قلبي من خمرته
فهو لا يعقل من سكرته
فمتى ينقذ من غمرته
في سبيل الحب قلبي هلكا ... شيع الركب ولما يرجع
قال لي العادل لما نظرا
من غدا قلبي به مهتشرا
ألذا تعشق ماذا بشرا
حاش لله أراه ملكا ... مثل ذا فاعشق وإلا فدع
هو عطف الغصن من قامته
مطلعاً للشمس من طلعته
ثم نادى البدر في ليلته
أيها البدر تغيب ويحكا ... ما احتياج الناس للبدر معي
أنا علمت القضيب الميدا
واستعار الظبي مني الجيدا
وكذا ذا القرم من آل الندى
أبصر البحر نداه فحكى ... فهو إن ظن سوى ذا مدعي
من جمع الفضل يحيا عنده
ليس للدين يمحي وحده
قال للتالي عليه حمده
لي حسن الذكر والمال لكا ... فاقترح تعط وقل يستمع
آخذ بالحزم لا يتركه
في سوى الجود بما يملكه
لا ترى في الجود من يشركه
وهو في المال كثير الشركا ... ومن الحمد كثير الشيع
الشيخي
أيدمر بن عبد الله الشيخي، الأمير عز الدين.
كان من جملة أمراء الديار المصرية في دولة الملك الناصر حسن، ثم ولى نيابة حماة، فدام بها إلى أن صرف عنها وتوجه إلى حلب بطالاً، ثم أنعم عليه بتقدمة ألف بها؛ فدام على ذلك إلى أن مات في سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة. وكان فاضلاً مشكور السيرة، رحمه الله.
الشمسي
أيدمر بن عبد الله الشمسي، الأمير سيف الدين.
أحد أعيان الأمراء الأكابر بديار مصر، وكان جليل القدر في الدول، عديم الشر، وكان يجلس في الخدمة السلطانية فوق الأتابك برقوق إلى أن توفى قبل سلطنة برقوق بمدة يسيرة.
ولما حضر الأمير آنص والد الملك الظاهر برقوق من بلاد الجاركس، - قبل سلطنة ولده، وخرج الأتابك برقوق إلى لقائه بالعكرشة وصحبته جميع الأمراء والعساكر المصرية. فلما التقيا قبل برقوق يد والده آنص، وأجلسه في صدر المخيم، وجلس عن يمينه الأمير أيدمر الشمسي هذا، وجلس تحته برقوق، وجلس عن شماله الأمير آقتمر عبد الغني، ثم عاد الجميع إلى القاهرة.
ولم يزل أيدمر المذكور معظماً في الدولة إلى أن توفى بالطاعون في ثالث عشر صفر سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة، وخلا الجو لبرقوق، فتسلطن في سنة أربع وثمانين وسبعمائة - على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى - .
الدوادار
أيدمر بن عبد الله الأنوكي الدوادار، الأمير عز الدين.(1/237)
أصله من مماليك سيدي آنوك بن الملك الناصر محمد بن قلاوون، وتنقل في الخدم من بعده إلى أن صار خصيصاً مقرباً عند الملك الناصر حسن، ولم يزل حظياً عنده حتى جعله دواداراً. ولم يكن في آخر أيام للناصر حسن أحصى من أربعة أمراء: يلبغا الخاصكي، وطيبغا الطويل، وتمان تمر العمري، وأيدمر هذا إلى أن ركب يلبغا على أستاذه الناصر حسن. كان أيدمر المذكور من حزب السلطان، فلما قبض يلبغا على السلطان نفى أيدمر إلى الشام، ثم ولاه نيابة البيرة، ثم صار من جملة أمراء الألوف بالقاهرة، ثم ولى نيابة طرابلس، ثم نقل إلى نيابة حلب عوضاً عن الأمير أشقتمر المارديني في سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، ثم عزل، وعاد إلى الديار المصرية، وصار أتابك العساكر بها بعد موت الأمير ألجاي اليوسفي. ولما ولى الأتابكية عظمت حرمته في الدولة، وهو مع ذلك لا يزداد إلا تواضعاً وحلماً، وكان حسن السياسة في أموره، ويبدأ الناس بالسلام، ويكثر من ذلك؛ حتى لقبوه أهل حلب: سلام عليكم، واستمر على ما هو عليه حتى توفي بالقاهرة في سنة ست وسبعين وسبعمائة، عن بضع وسبعين سنة، وكان مشكوراً، محبباً للناس.
السناني
أيدمر بن عبد الله السناني، الشيخ عز الدين.
كان جندياً من أهل الفضل، وله معرفة بتعبير الرؤيا، وكان له نظم ونثر، ومن شعره:
بعلبك دار ولكنها ... دار بلا أهلٍ وجيران
كأنها ليلة وصلٍ مضت ... وأهلها ليلة هجران
الخطيري
كان أصله مملوكاً للخطير الرومي، ثم انتقل إلى الملك المنصور قلاوون، وصار خصيصاً عنده، ثم ترقى في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون حتى صار من أكابر الأمراء.
وكان سكنه بدار له في رحبة باب العيد، ينزل إليها في النهار، ثم يطلع إلى القلعة، ولا يمكن من المبيت بالقاهرة. وكان الملك الناصر حبسه في أول سلطنته؛ فسعى له مملوكه بيليك مع طغاي الكبير حتى أخرجه السلطان وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف، وزيادة عشرين. وعظم عند الناصر، وصار يجلس رأس الميسرة.
وكان لا يلبس قباءً مطرزاً، ولا يدع عنده أحداً يلبس ذلك.
وكان أحمر الوجه منور الشيبة كريماً جداً، واسع النفس على الطعام.
حكى أن أستاداره قال له يوماً: يا خوند هذا السكر الذي يعمل في الطعام ما يضر إن نعمله غير مكرر؟ فقال: لا؛ فإنه يبقى في نفسي أنه غير مكرر، فلا تطيب.
توفى بالقاهرة في أوائل شهر رجب سنة سبع وثلاثين وسبعمائة. وخلف ولدين أميرين: أمير علي، وأمير محمد. وهو من الأمراء المشهورين بالشجاعة والكرم، والدين، والخير، وهو الذي عمر الجامع الذي في رملة بولاق على شاطئ النيل، وإلى جانبه الربع المشهور، وغرم عليه جملة مستكثرة، فلما تم أكله البحر، ورماه في حياته؛ فأعاده وأصلحه ثانياً بجملة كبيرة. تقبل الله منه ورحمه وعفا عنه.
الزراق
أيدمر بن عبد الله الناصري، الأمير عز الدين، المعروف بالزراق.
كان ممن أنشأهم الملك الناصر محمد بن قلاوون، وجعله أميراً. ولما تسلطن الملك الصالح إسماعيل بن الملك الناصر محمد بن قلاوون، استقر به في نيابة غزة في سنة خمس وأربعين وسبعمائة، فدام بغزة إلى أن استعفى منها بعد موت الملك الصالح، وعاد إلى ديار مصر، فدام بها إلى أن خرج على الملك المظفر حاجي هو والأمير آق سنقر أمير جندار والأمير أيدمر الشمسي؛ فنقم الأمراء ذلك عليهم، وأخرجوهم إلى الشام في أواخر شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وسبعمائة، ثم رسم له بالتوجه إلى حلب في شوال؛ فخرج من دمشق إلى حلب، وأقام بها بطالاً، ثم أنعم عليه بإقطاع أسندمر الحسني.
الظاهري
أيدمر بن عبد الله الظاهري، الأمير سيف الدين التركي.
كان من عتقاء الملك الظاهر بيبرس، وأحد أكابر أمرائه.
ولى نيابة الشام لأستاذه الملك الظاهر، ولما تسلطن قلاوون حبسه مدة كبيرة حتى أطلقه ولده الأشرف خليل، وأقام بطالاً، وسكن برباط له بالجسر الأبيض بدمشق إلى أن مات في شهر ربيع الأول سنة سبعمائة، وكان أميراً مبجلاً، ذا حرمة ومهابة، وله مآثر وخيرات. رحمه الله تعالى وعفا عنه.
الخازندار
أيدمر بن عبد الله الناصري الخازندار، الأمير سيف الدين.
أحد أمراء الألوف بالديار المصرية.(1/238)
كان خصيصاً عند أستاذه الملك الناصر محمد بن قلاوون، ولم يزل على ذلك إلى أن توجه إلى الحج في سنة ثلاثين وسبعمائة، فقتل بمكة في يوم الجمعة رابع عشر ذي الحجة من السنة.
قال النويري: قتله أمير مكة محمد بن عقبة بن إدريس بن قتادة الحسني. قال: وسبب ذلك أن بعض عبيد مكة عبثوا على بعض حجاج العراق، وتخطفوا أموالهم، فاستصرخ الناس به، وكان قد تأخر عن الحاج مع أمير الركب لصلاة الجمعة بمكة، فنهض والخطيب على المنبر، فمنعهم من الفساد ومعه ولده، فتقدم الولد؛ فضرب بعض العبيد؛ فضربه العبد بحربة فقتله فلما رأى أبوه ذلك اشتد حنقه وحمل ليأخذ بثأر ابنه، فرمى الآخر بحربة؛ فمات. انتهى كلام النويري باختصار.
قال البرزالي: قال العفيف المطري في تاريخه: لما كان يوم الجمعة عند طلوع الخطيب على المنبر حصلت هوسة، ودخل الخيل المسجد الحرام وفيهم جماعة من بني حسن ملبسين، وتفرق الناس، وركب بعضهم بعضاً: ونهبت الأسواق، وقتل خلق من الحجاج وغيرهم، وصلينا نحن الجمعة والسيوف تعمل، وخرج الناس، واستشهد: الأمير أيدمر الخازندار وابنه خليل، ومملوك لهم، وأمير عشرة يعرف بابن التاجي، وجماعة نسوة، وغيرهم من الرجال، وسلمنا من القتل.
كان الخيل في إثرنا يضربون يميناً وشمالاً، وما وصلنا إلى المنزلة وفي العين قطرة. ودخل الأمراء بعد الهزيمة إلى مكة؛ لطلب بعض الثأر، وخرجوا فارين مرة أخرى، ثم أمر أمير المصريين بالرحيل، وعادوا إلى القاهرة وأخبروا الملك الناصر محمد بن قلاوون بذلك؛ فجهز إلى مكة عسكراً وعليهم عدة من الأمراء، فأخذوا بثأر أيدمر المذكور، وقتلوا جماعة كثيرة من العبيد وغيرهم، وقالوا: تلك الوقعة كانت بغتة، وإنما الرجل من يبارز. ومن حينئذ حكمت الأتراك مكة، وانقمع أهلها إلى يومنا هذا.
أيرنجي
أيرنجي خال القان خربندا بن القان بو سعيد صاحب الدشت.
كان أيرنجي المذكور مناصحاً لابن أخته، وكان شخص من أمراء القان بوسعيد يسمى جوبان قد استولى على المملكة، وصار خربندا يتضجر من جوبان؛ فشكا خربندا لأمرائه أيرنجي هذا وقرمش ودقماق، فقالوا: له إن شئت قتلناه. واتفقوا على قتله، وذلك في جمادى الأولى سنة تسع عشرة وسبعمائة، ثم وافقهم أخو دقماق الأمير محمد، ويوسف بكتا، ويعقوب المسخرة؛ فهيأ قرمش دعوة، ودعا جوبان المذكور مكيدة عليه، بأمر القان.
فلما توجه جوبان إلى الدعوة نور له شخص بما هو القصد، فتحفظ لنفسه وركب، ووقع القتال بينهم، واستفحل أمر الجوبان، وتراجع له جيشه، ووفد على القان وخضع له، فقال له القان خربندا: أنا مالي علم بما وقع. ثم صار مع جوبان على أيرنجي ووافقه، وأنكر أنه ما أمرهم بقتله، ثم ركب القان مع جوبان وقاتل أيرنجي ورفقته حتى ظفر به وأمسكه. فلما أمسك أيرنجي قال لخربندا: يا خوند، أنت الذي قلت لنا اقتلوا جوبان؛ فأنكر، فحاققه أيرنجي، فغضب خبنجا وضربه بسيخ في فمه، فتلف من وقته، ثم قتل رفقته قرمش ودقماق. كل ذلك في السنة المذكورة.
وأيرنجي بفتح الألف - وسكون الياء آخر الحروف، وفتح الراء المهملة، وسكون النون، وجيم وياء - ومعناه: صاحب الأيران، الذي يخرج من اللبن.
سم الموت
أيغان بن عبد الله الركني، المعروف بسم الموت، الأمير عز الدين.
أصله من مماليك ركن الدين بيبرس الذي كسر الفرنج بغزة، ثم اتصل إيغان هذا بخدمة الملك الظاهر بيبرس، وتقدم عنده، وصار له الكلمة النافذة والحرمة الزائدة، ودام على ذلك مدة طويلة إلى أن بلغ الملك الظاهر عنه ما أوغر خاطره عليه؛ فأمسكه وحبسه في الجب بالقلعة إلى أن مات في سنة خمس وسبعين وستمائة.
وكان أحد الموصوفين بالشجاعة والكرم مع شدة البأس، وكان يحب أن لا ترد كلمته البتة، رحمه الله.
صاحب ماردين
آيل غازي، الملك السعيد نجم الدين، صاحب ماردين، وابن صاحبها أبي الفتح أرتق بن آيل غازي بن ألبي بن تمرتاش بن آيل غازي ابن أرتق.
كان حازماً، بطلاً، شجاعاً، ممدحاً، ملك ديار بكر مدة إلى أن قدم عليه هولاكو ووقع بينهما وقعة يطول الشرح في ذكرها، وآخر الأمر أن هولاكو استولى على ديار بكر، وحاصر ماردين من جمادى سنة ثمان وخمسين إلى أن دخلت سنة تسع وخمسين وستمائة، فتوفى الملك السعيد هذا في سادس عشر صفر، وقيل في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين وستمائة بالطاعون، رحمه الله.(1/239)
حفيد المتقدم ذكره
آيل غازي، الملك السعيد، نجم الدين بن الملك المظفر قرا أرسلان بن الملك السعيد آيل غازي، حفيد المذكور أعلاه.
تولى السلطنة بعد موت أبيه، وحمدت سيرته إلى أن توفى سنة خمس وتسعين وستمائة، وتملك بعده ماردين أخوه المنصور نجم الدين غازي. رحمه الله تعالى.
اليوسفي الأتابك
إينال بن عبد الله اليوسفي اليلبغاوي، الأمير سيف الدين، أتابك العساكر.
أصله من مماليك يلبغا العمري الخاصكي، وترقى بعد موت أستاذه إلى أن صار من جملة أمراء الديار المصرية في دولة الملك المنصور علي بن الأشرف شعبان، وصار له شهامة في الدولة، وطمع أن يستبد بتدبير مملكة الملل المنصور وحده، فصبر إلى أن سافر الأمير بركة إلى البحيرة، ونزل الأمير برقوق من السلسلة؛ ليسير إلى جهة قبة النصر، ركب من وقته بمن معه بآلة الحرب، وملك باب السلسلة - مكان برقوق - وبلغ برقوق الخبر؛ فعاد وحصل بينهما وقعة هائلة انتصر فيها برقوق، وقبض على إينال المذكور وقرر، فاعترف بأنه لم يركب إلا كرهاً في الأمير بركة لا غير.
وفي هذا المعنى يقول الأديب شهاب الدين بن العطار:
ما بال إينالٍ أتى ... في مثل هذي الحركه
مع علمه بأنها ... خالية من بركه
وقال غيره وأجاد:
بغى إينال واعتقد الأماني ... تساعده فما نال المؤمل
ومد لأخذ برقوقٍ يديه ... ولم يعلم بأن الخوخ أسفل
وكانت هذه الوقعة في يوم الاثنين رابع عشرين شعبان سنة إحدى وثمانين وسبعمائة.
ثم حبس إينال المذكور بثغر الإسكندرية مدة إلى أن أفرج عنه برقوق، وولاه نيابة طرابلس، ثم نقله بعد مدة إلى نيابة حلب، عوضاً عن منكلي بغا الشمسي، كل ذلك في مدة يسيرة.
ولما كان نائب حلب ورد عليه مرسوم الملك الصالح حاجي، ومرسوم الأتابك برقوق العثماني على يد يونس النوروزي الدوادار، يتضمن توجه العساكر الحلبية والشامية إلى الأمير خليل بن دلغادر؛ فامتثل بالسمع والطاعة، وتربص حتى قدمت عليه العساكر الشامية وهم: الأمير أشتقمر المارديني نائب دمشق، والأمير أسنبغا اليلبغاوي نائب طرابلس، والأمير طشتمر القاسمي نائب حماة، والأمير طشتمر العلائي نائب صفد، والجميع بعساكرهم، وذلك في سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة؛ فتوجه الجميع إلى مرعش وواقعوا من بها، وأجلوهم عن ديارهم، ونهبوا أموالهم، وأقصوهم عن الممالك الإسلامية، ثم أخذوا في إصلاح الطرق والمسالك، وانتهى بهم السفر إلى مدينة ملطية، ونزلوا على الفرات. كل ذلك وبنو دلغادر يكاتبون الأمير إينال ويسألونه الدخول تحت الطاعة، وهو لا يسمع ذلك، ثم قدم عليهم المرسوم الشريف بعودهم، فعاد الجميع إلى محل كفالتهم، وأقام الأمير إينال في نيابة حلب إلى أن تسلطن الملك الظاهر برقوق، أو قبل سلطنته بقليل، عزل عن نيابة حلب بالأمير يلبغا الناصري، صاحب الوقعة - رفيق منطاش - ورسم له بالتوجه إلى دمشق أتابكاً بها؛ فتوجه إلى دمشق، ودام بها إلى أن خرج الأمير يلبغا الناصري نائب حلب على الملك الظاهر برقوق أرسل إليه الملك الظاهر تشريفاً بنيابة حلب ثانياً، فأظهر إينال المذكور السمع والطاعة، وفي الباطن بخلاف ذلك، ثم إنه أظهر العصيان، وانضم إلى الناصري، وجرت أمور ووقائع إلى أن تولى نيابة صفد في سلطنة برقوق الثانية في سنة اثنتين وتسعين، وتصافا هو والظاهر برقوق، ثم طلب إلى القاهرة، واستقر أتابك العساكر بها، وعظم عند الظاهر برقوق في هذه النوبة محله وضخم، وصار له كلمة في الدولة.
وكان شرس الخلق وعنده بادرة وحدة.
قيل إن الأمير كمشبغا الحموي نائب حلب، لما أراد القدوم إلى الديار المصرية تحير برقوق أين يجلس كمشبغا؟ ؛ فإنه كان أكبر مماليك يلبغا، وممن تأمر في أيام أستاذه يلبغا، فكلم الظاهر إينال المذكور في أمر كمشبغا بأن قال: الأمير كمشبغا قادم علينا من حلب، وهو أغتنا كلنا، وأقدمنا، وأنت أتابك العساكر، نريد أن تجلس أنت في الميسرة وتكون أتابك - يعني بالعربي أب أمير - ويكون كمشبغا أمير كبير ويجلس في الميمنة. فأجاب إينال بحدة: إن رسم السلطان، أكون أتابك - يعني أب أمير - فلما سمع برقوق منه ذلك قال: لا، وإنما يستمر كل أحد على وظيفته.(1/240)
ونزل الأمير إينال إلى داره، ومرض، ولزم الفراش إلى أن مات في رابع جمادى الآخرة سنة أربع وتسعين وسبعمائة، واتهم بأنه سم، والله أعلم.
وكان أميراً جليلاً، شجاعاً، مقداماً، ذا شكالة حسنة وكرم وحشمة.
أنشأ مدرسته بالشارع خارج بابي زويلة، كملت عمارتها بعد وفاته، وأظنه دفن بها.
وإينال معناه باللغة التركية: شعاع القمر؛ فإن إي هو القمر، ونال الشعاع، وصوابه في الكتابة: إي نال، لكن اصطلاح ما يكتب الآن عند من لا يعرف اللغة التركية أن يكتبه موصولاً، والله سبحانه وتعالى أعلم.
الصصلاني
إينال بن عبد الله الصصلاني الظاهري، الأمير سيف الدين.
أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق ومن جملة خواصه، وتنقل في الدولة الناصرية فرج ابن أستاذه إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ثم حاجب الحجاب بها، ثم استقر به الملك المؤيد شيخ في نيابة حلب، بعد قتل الأمير نوروز الحافظي نائب الشام، فدخلها في ربيع الآخر سنة سبعة عشر وثمانمائة، واستمر بها إلى سنة ثمانية عشر وثمانمائة، خرج عن الطاعة، ووافق الأمير قاني باي المحمدي نائب الشام على العصيان، ثم انضم عليهم جماعة من النواب بالبلاد الشامية مثل: الأمير سودون من عبد الرحمن نائب طرابلس، والأمير تنبك البجاسي نائب حماة، والأمير طرباي نائب غزة. وتجرد لقتالهم الملك المؤيد وحاربهم - وسنذكر ذلك كله في ترجمة الأمير قاني باي المحمدي إن شاء الله تعالى - ثم إن المؤيد ظفر به وبابنه في الوقعة، ثم ظفر بالأمير قاني باي المحمدي، وفر الباقون إلى قرا يوسف صاحب بغداد، ثم أمر المؤيد بقتله، وقتل الأمير قاني باي، فقتلا وحمل رأسهما إلى القاهرة ومعهما رؤوس أخر تعلقوا الجميع على أحد أبواب القاهرة أياماً.
وكان قتل الأمير إينال المذكور في شعبان سنة ثمانية عشر وثمانمائة، وكان أميراً شجاعاً مقداماً، كريماً متواضعاً، محبباً للناس، مشكور السيرة بشوشاً، ذا شكالة حسنة وأبهة وحرمة، بادره الشيب في شبيبته. وبالجملة فإنه كان من محاسن الزمان، رحمه الله تعالى وعفا عنه.
الجكمي
إينال بن عبد الله، الأمير سيف الدين، أتابك العساكر بديار مصر، ثم نائب الشام.
أصله من مماليك الأمير جكم من عوض المتغلب على حلب، وتنقل بعد موت أستاذه في عدة خدم إلى أن اتصل بخدمة الملك المؤيد شيخ في حال إمرته.
ولما تسلطن المؤيد قرب إينال المذكور وجعله خاصكياً، ثم ساقياً، ثم بلغ المؤيد عنه ما أوجب ضربه ونفيه إلى البلاد الشامية، فأقام بدمشق إلى أن خرج الأمير قاني باي المحمدي نائب دمشق عن طاعة المؤيد، فلم يوافقه إينال المذكور، بل صار من حزب السلطان، وقاتل قتالاً شديداً.
فلما بلغ المؤيد ذلك، طلبه إلى القاهرة، وأنعم عليه بإمرة عشرة، ثم جعله أمير طبلخاناه وشاد الشراب خاناه، ثم صار بعد موت المؤيد أمير مائة ومقدم ألف بديار مصر، ثم صار رأس نوبة النوب. ولما سافر الأمير ططر بالسلطان الملك المظفر أحمد بن الملك المؤيد شيخ إلى البلاد الشامية استقر بإينال المذكور في نيابة حلب، عوضاً عن الأمير ألطنبغا الصغير، بحكم تسحبه عنها، فتوجه إلى حلب، وأقام بها نحو أربعين يوماً، وعزل بالأمير تغرى بردى - قريب قصروه - وعاد إلى دمشق، وصار أمير سلاح. فلم يقم إلا مدة يسيرة، وقبض عليه مع من قبض عليهم من المؤيدية، وحبس مدة إلى أن أطلقه الملك الأشرف برسباي، ورسم له بالحج فحج، وعاد إلى القدس بطالاً إلى أن طلبه الملك الأشرف برسباي في سنة سبع وعشرين وثمانمائة، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، وخلع عليه بإمرة مجلس، ودام على ذلك إلى أن مات الأمير إينال النوروزي، نقل عوضه إلى إمرة سلاح، وذلك في شهر ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وثمانمائة.
فاستمر على ذلك سنين إلى أن استقر أتابك العساكر بالديار المصرية، بعد أن شغر الأتابكية، بعد الأمير سودون بن عبد الرحمن أشهراً، فدام أتابكاً إلى أن عزل الأمير قرقماس الشعباني عن نيابة حلب، استقر الأتابك إينال هذا عوضه في نيابة حلب، وخرج إليها معظماً مبجلاً، وولى أتابكاً، عوضه الأمير جقمق العلائي أمير سلاح، واستقر قرقماس الشعباني نائب حلب أمير سلاح.(1/241)
وكان قبل خروج الأمير إينال إلى محل كفالته، ورد الخبر على الأشرف بمضر قصروه نائب الشام، فوعد الأشرف الأمير إينال المذكور بنيابة الشام، بل قال له: إن مات قصروه قبل وصولك إلى حلب أدخل إلى دمشق ولا تتوجه إلى حلب، فسار إينال إلى حلب. وباشر نيابتها من يوم الأربعاء ثالث عشر ربيع الأول سنة تسع وثلاثين وثمانمائة إلى يوم الأربعاء رابع عشرين ربيع الآخر من السنة، ونقل إلى نيابة دمشق بعد موت الأمير قصروه.
واستمر في نيابة دمشق إلى أن عصى على الملك الظاهر جقمق، وخرج عن طاعته، وأرسل الملك الظاهر لحربه الأمير أقبغا التمرازي، بعد ما ولاه عوضه نيابة دمشق، وأضاف إليه عدة من الأمراء والخاصكية، وتوجهوا الجميع لقتاله، والتقوا معه بالقرب من شقحب، والتحم القتال بين الفريقين، فكانت الكسرة أولاً على عسكر السلطان، ثم كروا عليه ثانياً، وقد اشتغل غالب عسكره بالنهب، وحملوا عليه، فانكسر، ولوى رأس فرسه إلى جهة دمشق، وجد في السير إلى أن وصل إلى قرية حارستا من قرى دمشق، فنزل بها.
وكان السيفي جانبك دوادار الأمير برسباي حاجب حجاب دمشق في إثره، فنزل إينال عن فرسه، وأراد الراحة؛ فطوقه جانبك المذكور مع أهل البلد، وقبض عليه، وحمله إلى قلعة دمشق، فحبس بها إلى أن ورد المرسوم من الملك الظاهر جقمق بقتله، فقتل بقلعة دمشق في ليلة الاثنين ثاني عشرين شهر ذي القعدة سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة. وكان أميراً جليلاً، كريماً، شجاعاً مقداماً، حسن الخلق، متواضعاً، محبباً للناس، حلو المحاصرة، مليح الشكل، معتدل القامة، ضخماً، مدور الوجه، بشوشاً، قليل الشر، كثير المروءة، وكان بيني وبينه صحبة ومودة أكيدة ومحبة، سامحه الله وعفا عنه.
النوروزي
إينال بن عبد الله النوروزي، أمير سلاح، الأمير سيف الدين.
أصله من مماليك نوروز الحافظي، المتغلب على دمشق ودواداره، ثم اتصل بعد قتل أستاذه بخدمة الملك المؤيد شيخ، وترقى إلى أن ولى نيابة غزة، ثم نقل إلى نيابة حماة، ثم أمسك، وصار من جملة أمراء دمشق، ثم ولى في أوائل الدولة الأشرفية برسباي نيابة طرابلس، بعد أركماس الجلباني، واستمر في نيابة طرابلس إلى أن عزل عنها بالأمير قصروه من تمراز، وقدم إلى القاهرة، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بها، ثم استقر أمير مجلس بعد الأمير أقبغا التمرازي، بحكم انتقاله إلى نيابة الإسكندرية، ثم نقل إلى إمرة سلاح، واستمر على ذلك إلى أن توفى أول شهر ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وثمانمائة.
وكان أميراً جليلاً، مهاباً، عظيماً في الدولة، ذا حرمة وافرة، وجبروت، وله سطوة على خدمه وحواشيه، وكان ظالماً سفيهاً شرس الخلق، وعنده حدة وبادرة، إلا أنه كان كريم النفس، متجملاً في ملبسه إلى الغاية وفي مركبه ومأكله، ومماليكه. وكان يصرف لبعض مماليكه جامكية خمسة آلاف في كل شهر، وأقل ما في مماليكه له جامكية عشرة دنانير في كل شهر.
وهو زوج كريمتي خوند فاطمة، تزوجها بعد موت زوجها الملك الناصر فرج، ومات عنها.
حطب
إينال بن عبد الله العلائي الظاهري، الأمير سيف الدين، الشهير بإينال حطب.
هو من المماليك الظاهرية برقوق، وممن صار في الدولة الناصرية فرج أمير مائة ومقدم ألف، ثم صار رأس نوبة النوب. ولما أرسل الملك الناصر فرج أخاه الملك المنصور عبد العزيز بن الملك الظاهر برقوق من الإسكندرية أرسل صحبته الأمير إينال حطب هذا والأمير قطوبغا الكركي؛ ليحتفظا به وبأخيه إبراهيم، فأقاما عندهما إلى أن توفى الملك المنصور عبد العزيز وأخوه إبراهيم بالثغر وعاد إلى القاهرة؛ فعاد كل منهما مريضاً.
ولزم الأمير إينال حطب هذا الفراش إلى أن مات في سنة تسع وثمانمائة، رحمه الله تعالى.
الأزعري
إينال بن عبد الله الأزعري الشيخي. الأمير سيف الدين.(1/242)
أصله من مماليك الأمير شيخ الصفوي أمير مجلس، واتصل بعد موت أستاذه المذكور بخدمة الملك المؤيد شيخ قبل سلطنته. فلما تسلطن الملك المؤيد أمره ورقاه إلى أن جعله أمير مائة ومقدم ألف بديار مصر، ثم ولى الحجوبية الكبرى بها بعد موت المؤيد، ثم قبض على الأمير ططر بدمشق مع من قبض عليه من الأمراء المؤيدية وحبسه، فدام في الحبس سنين إلى أن أطلقه الملك الأشرف برسباي، ورسم له بالإقامة بدمشق بطالاً، ودام على ذلك إلى أن مات في حدود الثلاثين وثمانمائة تقريباً.
وكان عارفاً بفنون الفروسية، وأنواع الملاعب كالرمح وغيره، مشكور السيرة، رحمه الله تعالى.
الساقي
إينال بن عبد الله المحمدي الظاهري الساقي، الأمير سيف الدين، المعروف بإينال ضضغ - يعني شفتر - .
أصله من المماليك الظاهرية برقوق الخواص، وصار ساقياً في أيام أستاذه الظاهر برقوق، ثم صار في الدولة الناصرية فرج أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ثم رأس نوبة النوب بعد موت الأمير بشباي في سنة إحدى عشرة وثمانمائة في جمادى الآخرة، فدام على ذلك مدة ثم نقل إلى إمرة سلاح، فاستمر على ذلك إلى يوم الخميس ثالث عشرين شوال سنة اثنتي عشرة وثمانمائة عدى السلطان الملك الناصر فرج النيل عائداً إلى القلعة حتى وصل إلى قريب قناطر السباع عند الميدان. وكان إينال هذا أمام السلطان، فرسم السلطان في الموضع المذكور وهو سائر بالقبض على الأمير قردم الخازندار، فقبض عليه، ثم بالقبض علي إينال هذا.
فلما سمع إينال ضضغ المذكور ذلك شهر سيفه وساق فرسه ومضى، فلم يلحقه غير الأمير قجق، وضربه على يده بالسيف ضربة جرحت إينال جرحاً بالغاً، وفاته، فلم يقدر عليه، واختفى من الناصر أياماً، إلى أن غمز عليه، فأمسك في بعض حارات القاهرة في عاشر شهر ذي القعدة من السنة، فحمل من وقته وحبس عند الأمير قردم بثغر الإسكندرية مدة، ثم أفرج عنه وصار بطالاً بالقاهرة، إلى أن تجرد الناصر في سنة أربعة عشر وثمانمائة، أراد القبض عليه ثانياً، فأحس بذلك واختفى، وخرج إلى البلاد الشامية ولحق بالأمير شيخ ونوروز، ثم صار من حزب نوروز بعد قتل الملك الناصر. ودام عنده بدمشق إلى أن خرج نوروز عن طاعة المؤيد. وكان إينال هذا من جملة الأمراء الذين مع نوروز إلى أن ظفر شيخ بنوروز ومن معه.
حبس إينال هذا أيضاً بقلعة حلب مدة، ثم أطلقه، فتوجه إلى بلاد اجلاركس، ثم قدم إلى القاهرة بعدة مماليك على قاعدة تجار المماليك، فاشتراهم المؤيد منه، ثم عاد ثانياً، وجلب جلبة أخرى كالأول، واستمر بالقاهرة بطالاً إلى أن مات في تاسع عشرين شهر رمضان سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة. وكان أميراً شجاعاً، مقداماً، مهاباً، عارفاً بفنون الفروسية، باشر تعليم المحمل في الدولة الناصرية فرج، لما كان رأس نوبة النوب سنين، رحمه الله تعالى.
أخو قشتم
إينال بن عبد الله المؤيدي، الأمير سيف الدين، المعروف بأخي قشتم.
أصله من مماليك الملك المؤيد شيخ، وصار خاصكياً صغيراً في أيام أستاذه بسفارة أخيه - لا لمعنى فيه - ودام على ذلك في الدولة الأشرفية بكمالها والدولة العزيزية، لا يلتفت إليه إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق فعرف بخدمة المقام الناصري، واتصل به كل مبعود، وصار كل خامل مسعود. ظفر المذكور منه بإمرة عشرة بجاه إخوته المؤيدية، ثم صار دواداراً للمقام الناصري محمد بن الملك الظاهر جقمق، فعرف بخدمة المقام الناصري في الدولة، وصار له بعيض جاه بسفارة مخدومه إلى أن توفى المقام الناصري محمد في سنة سبع وأربعين صار إينال المذكور من جملة الأمراء البرانية إلى أن توفي في سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة.
وكان رحمه الله تعالى ذميم الخلق، سيئ الخلق، قصيراً نحيفاً، خفيف اللحية، مهملاً جداً.
الششماني
إينال بن عبد الله الششماني الناصري، الأمير سيف الدين.
أصله من مماليك الملك الناصر فرج، وممن صار في أيام أستاذه أمير عشرة.(1/243)
ولما آلت السلطنة إلى الملك المؤيد شيخ، قبض عليه وحبسه سنين إلى قريب موته أفرج عنه، فأقام من جملة الأجناد إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر ططر بإمرة عشرة، فدام على ذلك سنين في دولة الأشرف برسباي إلى أن ولاه حسبة القاهرة، ثم جعله أمير طبلخاناه وثاني رأس نوبة، ثم استقر في نيابة صفد بعد وفاة الأمير مقبل الدوادار، فباشرها سنيات، وعزل عنها وتوجه إلى دمشق أمير مائة ومقدم ألف بها، فدام على ذلك إلى أن نقله الملك الظاهر جقمق إلى أتابكية دمشق، بعد الأمير قاني باي البهلون؛ بحكم انتقاله إلى نيابة صفد بعد الأمير إينال العلائي الأجرود، فدام على ذلك إلى أن توفى بدمشق في شهر ربيع الآخرة سنة إحدى وخمسين وثمانمائة.
وكان ضخماً، معتدل القامة، مليح الشكل، عفيفاً عن المنكرات والفروج، إلا أنه كان بخيلاً، جباناً، سامحه الله تعالى وعفا عنه. انتهت ترجمة الششماني، رحمه الله.
السلطان الملك الأشرف إينال
إينال بن عبد الله العلائي الظاهري، ثم الناصري، المعروف بالأجرود، الأمير سيف الدين أتابك العساكر بالديار المصرية.
ملكه الملك الناصر فرج بعد موت أبيه، وأعتقه وجعله خاصكياً، ثم صار من جملة الدوادارية في الدولة المؤيدية شيخ، ثم تأمر بعد موته إمرة عشرة، واستمر إلى أن أنعم عليه الملك الأشرف برسباي بإمرة طبلخاناه، ثم ولاه رأس نوبة ثانية بعد قاني باي البهلوان، ثم نقل إلى نيابة غزة بعد عزل الأمير تمراز القرمشي، وخلع عليه في يوم الثلاثاء ثامن عشرين شوال سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة.
وفي اليوم المذكور قبض على الأمير قطج - أحد أمراء الألوف - وحمل إلى الإسكندرية، وأخرج الأمير جرباش الكريمي قاشق إلى دمياط، فتوجه الأمير إينال هذا إلى غزة وباشر نيابتها إلى أن سافر الملك الأشرف برسباي إلى آمد في سنة ست وثلاثين وثمانمائة. وعاد إلى الرها، طلب إينال هذا وعينه لنيابة الرها؛ فامتنع من ذلك، ورمى بسيفه، وأفحش في الكلام حتى تركه السلطان وأخلع على الأمير قراجا الأشرفي، وهو إذ ذاك مشد الشراب خاناه بنيابة الرها، وعلى القاضي شرف الدين الأشقر نائب كاتب السر بكتابة السر بالرها، ثم تغير ذلك كله في عصر يومه، واستعفى القاضي شرف الدين المذكور بعد أن بذل خمسمائة دينار للخزانة الشريفة، وعزل قراجا المذكور، واستقر الأمير إينال هذا في النيابة المذكورة، وأنعم عليه بتقدمة ألف بالديار المصرية، زيادة على نيابة الرها. وولى نيابة غزة عوضه الأمير جاني بك الحمزاوي - أحد مقدمي الألوف - بعد أن أنعم بإقطاعه على إينال المذكور، فباشر إينال هذا نيابة الرها سنيات، ثم عزل بالأمير شاد بك الجكمي رأس نوبة ثاني، وقدم إلى مصر على تقدمته، فأقام بها مدة، ثم نقل إلى نيابة صفد، فاستمر بصفد إلى أن طلبه الملك الظاهر جقمق، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بديار مصر.
وولى نيابة صفد بعده الأمير قاني باي البهلوان أتابك دمشق، ثم استقر دواداراً كبيراً بعد موت الأمير تغرى بردى المؤذي البكلمشي في سنة ست وأربعين وثمانمائة، فباشر الدوادارية إلى أن خلع عليه باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية، بعد موت يشبك السودوني في سنة تسع وأربعين وثمانمائة، تقريب التي قبلها تخميناً، واستقر بعده في الدوادارية الأمير قاني باي اجلاركسي.
واستمر الأمير إينال المذكور في الأتابكية بديار مصر، إلى أن تسلطن بعد أمور جرت بينه وبين الملك المنصور عثمان بن جقمق، في يوم الاثنين ثامن شهر ربيع الأول سنة سبع وخمسين وثمانمائة، ولقب بالملك الأشرف أبي النصر إينال - حسبما ذكرناه في تاريخنا حوادث الدهر، وفي غيره مفصلاً - .
الأشرفي
إينال بن عبد الله الأبو بكري الأشرفي الفقيه، الأمير سيف الدين، أحد أمراء الألوف بديار مصر.
هو من مماليك الأشرف برسباي، اشتراه في أوائل دولته، ورقاه إلى أن جعله خازنداراً، ثم أمره عشرة، بعد الأمير سنقر العزي في سنة ست وثلاثين وثمانمائة، ثم ولاه الخازندارية الكبرى، بعد الأمير قراجا الأشرفي، ثم جعله أمير طبلخاناه، وشاد الشراب خاناه، بعد الأمير قراجا أيضاً، بحكم انتقال قراجا إلى تقدمة ألف.(1/244)
وتولى الخزندارية عوضه الأمير علي باي الأشرفي الساقي، ثم نقل في الدولة العزيزية يوسف إلى الدوادارية الثانية، بعد انتقال الأمير تمرباي الدوادار إلى تقدمة ألف؛ فدام على ذلك إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر جقمق بتقدمة ألف بالديار المصرية، ورسم له بإمرة حاج المحمل؛ فأخذ المذكور في أمر السفر وتجهيز احتياجه. وركب مسايرة الهجن في شهر رمضان على عوائد أمراء الحج، فبينما هو في ذلك، إن تسحب الملك العزيز يوسف من محبسه بقلعة الجبل، ونزل إلى القاهرة بحيلة دبرها، واختفى بها.
وكثر الكلام في أمر المماليك الأشرفية، وخافهم الملك الظاهر جقمق، وحسن إليه جماعة من المؤيدية القبض على إينال المذكور؛ فقبض عليه وأودعه سجن الإسكندرية مدة، ثم نقله إلى حبس آخر بالبلاد الشامية مع من نقل من الأمراء الأشرفية وغيرهم؛ فدام إينال المذكور مدة سنين في السجن، إلى أن أفرج عنه في سنة تسع وأربعين تخميناً، وتوجه إلى القدس بطالاً، فأقام به مدة ملازماً للاشتغال والأشغال والعبادة إلى أن وشى به؛ فقبض عليه وحبس ثانياً، في سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة هو والأمير شادبك الجكمي، ثم أفرج عنه في سنة ثلاث، ورسم له بالتوجه إلى الحج وعوده إلى القدس؛ فسار صحبة الحاج الغزاوي، وحج وعاد، فمات في عوده خارج مدينة الينبع، فرد أصحابه برمته ودفنوه بمدينة الينبع في يوم الجمعة، أو آخر ذي الحجة من سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، وهو في حدود الأربعين سنة تخميناً.
وكان أميراً عاقلاً، ساكناً، ديناً، فقيهاً، عالماً، فاضلاً، مفنناً، حافظاً للفقه وفروعه، كثير الاستحضار لفروع المذهب، أعجوبة في ذلك. وله مشاركة في العربية وغيرها.
وكان رحمه الله ذكياً، جيد التصور. هذا مع الشكالة الحسنة، والهيئة الجميلة، والمعرفة التامة بفنون الفروسية وأنواع الملاعيب، كالرمح والنشاب وغيره. غير أنه كان عنده بعيض شمم. وكان شاباً طوالاً، جميل الوجه، مدور اللحية، صغيرها، وهو صاحبنا من الصغر، رحمه الله تعالى وعفا عنه.
الكمالي
إينال بن عبد الله الكمالي الناصري، الأمير سيف الدين، أحد أمراء العشرات.
هو من المماليك الناصرية فرج بن برقوق، ومن جملة الخاصكية في الدولة الأشرفية برسباي، وممن تأمر في الدولة الظاهرية جقمق، وكان رأساً في شرب السيف، مشهوراً بالشجاعة، خيراً، ديناً، متواضعاً.
وكانت وفاته في حدود الخمسين وثمانمائة تقريباً، رحمه الله تعالى.
اليشبكي
إينال بن عبد الله اليشبكي، الأمير سيف الدين، أحد أمراء العشرات. نسبته إلى معتقه الأمير يشبك الأتابكي الشعباني.
تنقل في الخدم إلى أن صار في الدولة الأشرفية برسباي خاصكياً، ورأس نوبة الجمدارية، ثم تأمر في الدولة الظاهرية جقمق عشرة. ودام على ذلك، إلى أن توفى بالطاعون في يوم الخميس سادس عشر شهر صفر سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة.
وكان بذاء اللسان، مهملاً جداً، لا ذات ولا أدوات، رحمه الله تعالى.
إينال باي بن قجماس
إينال باي بن قجماس الظاهري، الأمير سيف الدين.
قدم مع أبيه من بلاد الجاركس بطلب من الظاهر برقوق؛ لقرابة بينهما، وترقى والده قجماس في الدولة الظاهرية، إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف. وصار ولده إينال باي هذا من جملة خاصكية السلطان الخواص، ثم أمره عشرة، ثم صار في الدولة الناصرية فرج أمير مائة ومقدم ألف، ثم أمير آخور كبير - بعد الأمير سودون طاز - وتزوج بأخت السلطان خوند بيرم، بنت الملك الظاهر برقوق.
وكانت توليته في يوم الاثنين العشرين من شهر صفر سنة خمس وثمانمائة، وعظم قدره وضخم، وصار له كلمة نافذة في الدولة؛ لزواجه بأخت السلطان. وسار على قاعدة الملوك من استكثار المماليك والسماط الهائل، ولا زال على ذلك إلى يوم الاثنين سادس شهر صفر سنة ثمان وثمانمائة، قبض الملك الناصر فيه على الأمير يشبك بن أزدمر، رأس نوبة، وعلى الأمير تمر، وعلى سودون - من إخوة سودون طاز - . فلما بلغ إينال باي هذا الخبر تخوف، ونزل من باب السلسلة واختفى هو والأمير سودون الجلب؛ فاحتاط السلطان على موجودهما، ثم في الغد - يوم الثلاثاء - سفروا الأمراء المقبوض عليهم إلى الإسكندرية.(1/245)
وأما إينال باي فإنه دار على جماعة من الأمراء؛ ليركبوا معه، فلم يوافقه أحد على ذلك. وسكن الحال إلى يم الجمعة عاشر صفر، ظهر إينال باي، فقبض السلطان عليه، وأرسله إلى دمياط، فاستمر بالثغر، إلى أن كانت وقعة السعيدية، أفرج عنه وعن يشبك بن أزدمر، وخلع على إينال باي خلعة الرضى.
واستمر الحال إلى يوم السبت رابع عشرين ربيع الأول من سنة ثمان، استقر السلطان بالأمير يشبك بن أزدمر في نيابة الملطية، فامتنع من ذلك، فأكره حتى لبس الخلعة، ووكل به أرسطاي الحاجب، والأمير محمد بن جلبان الحاجب، حتى أخرجاه من فوره إلى ظاهر القاهرة، ثم بعث السلطان إلى الأمير أزبك الإبراهيمي، أحد أمراء الألوف، المعروف بخاص خرجي، بأن يستقر في نيابة طرسوس، فأبى أن يقبل، والتجأ إلى بيت إينال باي هذا، ثم اجتمع جماعة من المماليك، ومضوا إلى يشبك بن أزدمر وردوه في ليلة الجمعة ثالث عشرينه، وصار العسكر حزبين: طائفة مع السلطان، وهم الذين كانوا عليه في وقعة السعيدية، ورأسهم الأمير يشبك الشعباني، وطائفة عليه، ورأسهم بيبرس وإينال باي ويشبك بن أزدمر وغيرهم.
وعظمت الفتنة، وجرت أمور يطول شرحها آلت إلى اختفاء الملك الناصر فرج وخلعه وسلطنة أخيه الملك المنصور عبد العزيز، وذلك في يوم الأحد خامس عشرين ربيع الآخر سنة ثمان؛ فاختفى الملك الناصر إلى يوم الجمعة رابع جمادى الآخرة من السنة المذكورة، ظهر من بيت الأمير سودون الحمزاوي، وحصل بينه وبين من بالقلعة وقعة انتصر فيها الملك الناصر، وعاد إلى ملكه، وقبض على الأمير بيبرس، وسودون المارديني.
واختفى إينال باي صاحب الترجمة مدة، ووقعت له حوادث آلت إلى خروجه إلى البلاد الشامية وأخذه مدينة غزة. واجتمع عليه بها جماعة من الأمراء إلى شهر ذي الحجة من سنة تسع وثمانمائة، ركب الأمير شيخ المحمودي من صفد يريد إينال باي هذا ومن معه؛ فطرقهم على حين غفلة، فقاتلوه على الجديدة، في يوم الخميس رابع الشهر المذكور، فقتل الأمير إينال باي، والأمير يونس الحافظي نائب حماة، والأمير سودون قرناص، وقبض على الأمير سودون الحمزاوي، وفر يشبك بن أزدمر إلى دمشق.
ودفن إينال باي بغزة، ثم نقلت رمته في شهر ربيع الآخرة سنة عشرة وثمانمائة إلى تربة أبيه قجماس، التي هي شرقي تربة الظاهر برقوق، فدفن بها رحمه الله تعالى.
البدري
أينبك بن عبد الله البدري، الأمير سيف الدين.
كان في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين من جملة أمراء الطبلخاناه، وهو الذي كان أصل فتنة الأشرف التي كانت في غيبته، لما كان متوجهاً إلى الحج، وكان هو القائم في خلعه وسلطنة ولده أمير علي، الملقب بالملك المنصور، ووافقه المقدور على ذلك بأن قتل الأشرف - حسبما سنذكره إن شاء الله تعالى في ترجمته - وصار أينبك هذا والأمير قرطاي العمري هما صاحبا العقد والحل في المملكة، وولى أينبك أتابك العساكر دفعة واحدة من إمرة طبلخاناه، وصار قرطاي رأس نوبة النوب دفعة واحدة من إمرة عشرة - وكانت هذه الوظيفة معظمة تلك الأيام - واستبدا بالأمر وحدهما.
فلم يكن إلا أيام يسيرة وأراد أينبك أن يستقر بالأمر وحده، ودبر حيلة على مسك قرطاي، فوقع أن قرطاي صنع وليمة، فأهدى له أينبك مشروباً يقال له الشششن، وجعل فيه بنجاً. فلما شربه قرطاي تبنج، فلما علم أينبك بذلك، ركب ومعه مماليكه، وهم ملبسون، ونزل بالسلطان إلى الإسطبل السلطاني، وذلك في يوم الأحد عشرين صفر سنة ثمان وسبعين أو تسع، فأقام أينبك من عصر يومه إلى غداة نهار الاثنين.
وكان عند قرطاي جماعة من الأمراء منهم أسندمر الصرغتمشي، وسودون جركس، وقطلوبغا البدري، وقطوبغا جركس أمير سلاح، ومبارك الطازي، وجماعة أخر.
ولما كان بكرة النهار أرسل قرطاي يسأل في نيابة حلب، فأجيب، ثم أمسك هو ومن كان معه من الأمراء وأخرج إلى غزة منفياً، ثم آل أمره إلى أن قتل بالمرقب في السنة المذكورة، واستبد أينبك وصفا له الوقت إلى أ جاءه الخبر بعصيان نواب البلاد الشامية، فأخذ في أسباب السفر وصحبته السلطان الملك المنصور إلى البلاد الشامية، وخرج الجاليش في سادس عشرين ربيع الأول وهم مقدمين خمسة: قطلوبغا أخو أينبك، وأحمد ولده، ويلبغا الناصري، وبلاط السيفي ألجاي، وتمرباي الحسني، وجماعة من الطبلخانات والعشرات.(1/246)
وفي تاسع عشرينه، خرج طلب السلطان وطلب أينبك.
وفي مستهل ربيع الآخر استقل السلطان بالمسير إلى البلاد الشامية وصحبته أينبك بباقي الأمراء والعساكر، فلم يكن إلا ليلة واحدة وعاد السلطان وأينبك بمن معهم من بلبيس في ثاني شهر ربيع الآخر، وسبب ذلك مجيء قطلوبغا المتوجه مع الجاليش على أقبح وجه.
وذكر، أن الجاليش جميعه عصى على أينبك، فلما سمع أينبك كلام قطلوبغا أخذ السلطان ورجع إلى القلعة، ثم جهز إليهم عسكراً، ووقعت فتن وحروب، أسفرت على قرار أينبك، وتوجهه نحو كيمان مصر القديمة، ثم آل أمره إلى أن طلب الأمان من يلبغا الناصري، وطلع إليه، فأمسكه وأرسله إلى الإسكندرية، فسجن بها.
وفي هذا المعنى يقول الأديب شهاب الدين بن العطار:
من بعد عز قد ذل أينبكا ... وانحط بعد السمو من فتكا
وراح يبكي الدما منفرداً ... والناس لا يعرفون أين بكى
قلت: ومن يومئذ ظهر اسم يلبغا الناصري، والأمير برقوق العثماني، والأمير بركة، واستفحل أمرهم. واستمر الأمير أينبك في السجن.
ابن النحاس الأسدي
أيوب بن أبي بكر بن إبراهيم بن هبة الله بن إبراهيم بن طارق بن سالم.
الشيخ الإمام العالم بهاء الدين أبو صابر بن النحاس الأسدي الحلبي الحنفي، مدرس القليجية، وشيخ الحديث بها.
ولد سنة سبعة عشر وستمائة. وكان أحد أعيان الفقهاء، وله إلمام بالحديث، سمع من مكرم، والموفق يعيش، وابن رواحة، وابن خليل، وجماعة بحلب. وقيل إنه سمع صحيح البخاري من ابن روزبة، وسمع ببغداد من الكاشغري، ولم يزل على طلب العلم، والاشتغال، والأشغال إلى أن توفى سنة تسع وتسعين وستمائة، رحمه الله تعالى.
الجرائدي
أيوب بن بدر بن منصور بن بدران المقرئ، أبو الكرم الأنصاري، المصري، ثم الدمشقي، المعروف بالجرائدي، أخو تقي الدين يعقوب المقرئ.
اشتغل وتفقه، ثم قرأ القراءات على السخاوي وغيره. وسمع الحديث، وأكثر عن الضياء المقدسي، وحدث، وأقرأ، وأضر بآخره. وكتب الأجزاء، وأجزاؤه موقوفة بالأشرفية، وكتابته معروفة. وكان صوفياً، وكتب من تصانيفه ابن عربي كثيراً، ومات سنة خمس وستين وستمائة، رحمه الله تعالى.
أيوب بن المظفر
أيوب بن سليمان بن مظفر، الشيخ المعمر المقرئ نجم الدين، كبير المؤذنين.
كان له صوت جهوري طيب إلى الغاية، واستمر على ذلك زمناً طويلاً، وعاش تسعاً وثمانين سنة، وتوفى سنة تسع وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
ابن الفقاعي
أيوب بن عمر بن علي بن مقلد الحمامي الدمشقي، المعروف بابن الفقاعي.
روى تاريخ داريا عن الخشوعي، وروى عنه الحافظ الدمياطي، وابن الخباز وغيرهما.
توفى سنة ست وستين وستمائة.
الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل أبي المعالي محمد - رحمهما الله تعالى -
أيوب، الملك الصالح نجم الدين بن السلطان الملك الكامل محمد بن السلطان الملك العادل أبي بكر محمد بن أيوب، سلطان الديار المصرية، وآخر سلطان بني أيوب بمصر القائم بدولة الأتراك.
ولد سنة ثلاث وستمائة بالقاهرة. ليس لذكره محل في تاريخنا؛ لأن وفاته في سنة سبع وأربعين وستمائة، ومبدأ تاريخنا هذا من سنة خمسين وستمائة، من أوائل دولة مملوكه المعز أيبك التركماني إلى يومنا هذا.
وفي هذا المعنى يقول بعض الشعراء:
الصالح المرتضى أيوب أكثر من ... ترك بدولته يا شر مجلوب
لا، وآخذ الله أيوباً بفعلته ... فالناس كلهم في ضر أيوب
أبو الشكر المقدسي
أيوب بن نعمة بن محمد بن نعمة بن أحمد بن جعفر، الشيخ المعمر المسند زين الدين أبو الشكر المقدسي، ثم الدمشقي، الحكيم الكحال.
ولد سنة أربعين وستمائة. اشتغل على طاهر الكحال وبه تخرج، وبرع في الصنعة، وتميز وتكسب بها. وكان أجروداً له شعرات يسيرة في حنكه، وسمع من المشرف المرسي، والرشيد العراقي، وعثمان ابن خطيب القرافة، وعبد الله ابن الخشوعي، وجماعة. وتفرد، وروى الكثير بمصر ودمشق.
أقام بالقاهرة مدة طويلة، ثم عاد إلى دمشق وقد شاخ، فأقام بها مدة يسيرة. وتوفى سنة ثلاثين وسبعمائة عن تسعين سنة، رحمه الله تعالى.
حرف الباء
باب الباء الموحدة
ثانية الحروف
رضي الدين المغلي(1/247)
البابا بن عبد الله، الأمير رضي الدين، المغلي الأصل التركي، والد الأمير بدر الدين جنكلي بن البابا.
كان من كبار أمراء المغل، وتولى الموصل، وحسنت سيرته، وساس الناس أحسن سياسة إلى أن قتل شهيداً سنة تسع وسبعين وستمائة.
قال الشيخ صلاح الدين: أظنه والد الأمير بدر الدين جنكلي، والله أعلم.
قلت: وهو غير البابا التركماني الذي ظهر بالروم وادعى النبوة، وقتل لأجل ذلك في سنة ثمان وثلاثين وستمائة.
بادار
بادار الشيخ المعتقد العالم العابد شهاب الدين أبو العباس، واسمه الأصلي أحمد، لكن المشهور بادار.
قدم إلى الديار المصرية، وسكنها بعفة عما في أيدي الناس، وتردد إليه الناس للتبرك والزيارة.
وكان ينسب إلى معرفة علم الحرف. وكان عارفاً بالتصوف كما ينبغي، وله فيه طرائق وتلامذة، وكف بصره بآخره.
توفى بالقدس في سنة ثمانين وسبعمائة عن نيف وسبعين سنة.
قال المقريزي: كان في ابتداء أمره طباخاً، ثم انقطع وتسلك؛ فظهرت له أحوال، وأبدى مقالات في العرفان.
وقفت له على شرح أبيات لابن عربي على طريقة الصوفية دل على تمكنه في المعارف الإلهية، أملاه بعد عماه، مع أنه أمي لا يكتب ولا يقرأ.
أخبرني الثقة مقبل السامي عنه بذلك، وأنه قال: ليس هذا عن كشف، وإنما هو شيء استفدته من كلام ابن عربي. وعندي أنه ورى بذلك؛ ليهضم عن نفسه. وكان قد صحب الشريف حيدر بعد ما جهد في طلبه؛ ففتح له على يديه، ثم قال: وهو أحد الأفراد الذين أدركتهم. انتهى كلا المقريزي، رحمه الله.
باك نائب قلعة حلب
باك بن عبد الله، الأمير سيف الدين، نائب قلعة حلب.
هو من جملة مماليك الملك الظاهر ططر، وممن أنشأه بعد سلطنته، وولاه نيابة قلعة حلب، فدام بها دهراً. وقدم القاهرة في الدولة الأشرفية برسباي غير مرة، واستمر في نيابة قلعة حلب إلى أن توفى بها بعد سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة تخميناً، وتولى مكانه الأمير حطط.
وباك - باء موحدة من تحت مفتوحة وبها ألف وكاف ساكنة - ومعناه أمير - انتهى.
باي سنقر بن شاه رخ
باي سنقر بن القان معين الدين شاه رخ بن تيمور كور كان، صاحب مملكة كرمان وما والاها من قبل والده شاه رخ.
وباي سنقر هذا هو ولي عهد أبيه من بعده، وأمه كهرشاه خاتون زوجة ساه رخ، وهي صاحبة العقد والحل في مماليك شاه رخ، وهي والدة غالب أولاده، لكن كان ميلها لباي سنقر هذا أكثر من جميع أولادها حتى من ألوغ بك أكبر أولادها صاحب سمرقند.
واستمر باي سنقر في مملكة كرمان إلى أن توفى في العشر الأول من ذي الحجة سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة، وعظم مصابه على والديه - لا سيما والده - . ومستراح منه، فإنه كان ذا قوة، وجبروت، وبطش، وجرأة، مع شجاعة، وإقدام، وظلم.
وهؤلاء أولاد باي سنقر المذكور الذين ملكوا بعد موت جدهم شاه رخ غالب ممالك العجم وهم: علاء الدولة - الذي سلطنته جدته كهرشاه بعد موت زوجها شاه رخ، وهو أسن أولاد باي سنقر - ودام في مملكة هراة إلى أن أخرجه عمه ألوغ باك منها مع جدته، وتشتت شملها - ومحمد - وهو الذي استفحل أمره الآن، وملك غالب بلاد العجم - وبابور - وهو أصغرهم - . انتهى.
باب الباء الموحدة والتاء المثناة من فوق
بتخاص بن عبد الله
بتخاص بن عبد الله، الأمير سيف الدين.
كان أولاً من جملة أمراء دمشق وهو من جملة البرجية، ثم ولى نيابة صفد بعد عزل الأمير كراي المنصوري، فباشر نيابتها ست سنين، ومهد جلبها، وقمع المفسدين وأفناهم، وأمسك سابق، وسمر أولاده تحت القلعة، ورمى أباهم في المنجنيق، وأبدع في هلاكهم أنواعاً غريبة إلى أن عزل عنها، وعاد إلى القاهرة أميراً بها.
ولم يزل بالديار المصرية إلى أن قدم الملك الناصر محمد بن قلاوون من الكرك، فعزم على إمساكه.
وكان بتخاص المذكور يسكن بالقلعة في برج، فأحس بذلك، فعصى في داره، وأغلق الأبواب، ورمى بالنشاب، وكان ذلك ليلاً، فرسم السلطان بإحراق داره، ثم جاءه الأمير شرف الدين بن جندر، ووقف تحت شباكه وناداه، وقال له: ويلك إيش هذا العمل؟ انزل كلم أستاذك، يطلبك يتحدث معك في أمر ترمى بالنشاب فنزل ونفر في الذين جاءوا من عند السلطان، فانفعل بتخاص، وعاد به إلى السلطان؛ فاعتقله، وكان ذلك آخر العهد به، بتاريخ سنة عشرة وسبعمائة.
بتخاص نائب دمياط(1/248)
بتخاص بن عبد الله الظاهري نائب دمياط، الأمير سيف الدين.
من أصاغر المماليك الظاهرية برقوق، وممن تأمر في الدولة الظاهرية جقمق ثم ولى نيابة دمياط مدة، ثم عزل، ورسم الملك الظاهر جقمق بنفيه، فنفي مدة، ثم عاد إلى القاهرة، واستقر من جملة الأجناد، وأنعم عليه بإقطاع، وصار من جملة المماليك السلطانية؛ كل ذلك لاستخفاف السلطان به، ولهوانه.
باب الباء والجيم
بجاس النوروزي
بجاس بن عبد الله النوروزي، وقيل العثماني اليلبغاوي، الأمير سيف الدين.
كان من جملة الأمراء المقدمين في الدولة الظاهرية برقوق ومن خواصه، وكان مشهوراً بالشجاعة.
ولما مات الملك الظاهر برقوق في سنة إحدى وثمانمائة، توجه إلى الحج وعاد ورمى بإقطاعه، وسأل أن يكون بطالاً، فأجيب. وأنعم بتقدمته على الأمير شيخ المحمودي - أعني الملك المؤيد - ودام الأمير بجاس بطالاً إلى أن مات في ثاني عشر شهر رجب سنة ثلاث وثمانمائة بالقاهرة - رحمه الله تعالى - وهو أستاذ جمال الدين يوسف البيري الأستادار.
باب الباء والدال
أبو الحسن الصوابي
بدر بن عبد الله الصوابي، الأمير بدر الدين أبو المحاسن الصوابي الطواشي الحبشي.
أصله من خدام الطواشي صواب العادلي، كان موصوفاً بالكرم والشجاعة والرأي، وكان له بر وصدقة، ودام مقداماً أكثر من أربعين سنة، وكان إقطاعه مائة فارس - يعني تقدمة ألف - .
قال الحافظ شمس الدين الذهبي: قرأت عليه جزءاً سمعه من ابن عبد الدايم. وحج بالناس غير مرة.
مات فجأة وسنه نيف على الثمانين سنة، سنة ثمان وتسعين وستمائة بقرية الخيارة، ودفن بتربته التي أنشأها بلحف الجبل شمالي الناصرية، رحمه الله تعالى.
ابن النفيس
بديع بن نفيس، الشيخ الإمام صدر الدين التبريزي، الحكيم الطبيب رئيس الأطباء.
كان إماماً في الطب كثير الحفظ لمتونه، جيد التدبير، حازقاً، ماهراً، مقرباً عند الملوك والأكابر، رأساً في صناعته، وهو صاحب التصانيف، المشهور، وعم القاضي فتح الدين فتح الله كاتب السر، وهو الذي كفله بعد موت جده نفيس، وقد مات فتح الله مستعصم وفتح الله طفل، ولم يزل بديع المذكور في رئاسة الطب إلى أن مات في سادس شهر ربيع الأول سنة سبع وتسعين وسبعمائة.
باب الباء والراء المهملة
الشيخ براق
براق القرمي.
أصله من قرية من قرى دوقات، وكان أبوه صاحب ثروة، وعمه كاتباً معروفاً، ونشأ هو على قدم الفقر، وتجرد إلى الروم وصحبته جماعة من الفقراء، ثم عاد إلى دمشق بعد السبعمائة ومعه جماعة من أتباعه، وهو محلوق الذقن، وشواربه وافرة، وهيئته بشعة، وأتباعه على هيئته، وعلى كتف كل واحد منهم جوكان، وفي رأسه قرن لباد، وعليه معلق كعاب بقرة مصبوغة بالحناء، وأجراس، وكل واحد مقلوع الثنية العليا، وهو مع ذلك ملازم للعبادة، وله أوراد، ومعه محتسب يؤدب أصحابه، وإذا ترك واحد منهم صلاة يعاقبه عليها أربعين سوطاً.
وكان لا يدخر شيئاً، وكان معه طبلخاناه يضرب بها، وعوتب على هذه المنكرة، فقال: أنا أردت أن أكون مسخرة الفقراء.
وكان أول ظهوره من بلاد التتار، فبلغ خبره غازان، فأحضره، وسلط عليه سبعاً ضارياً، فوثب الشيخ براق المذكور، وركب على ظهره؛ فعظم لذلك عند غازان، ونثر عليه عشرة آلاف، فلم يتعرض لها. وقيل بل سلط عليه نمراً، فصاح عليه، فانهزم النمر، فصارت له عند غازان مكانة، وأعطاه مرة ثلاثين ألفاً، ففرقها في يوم واحد.
ولما دخل دمشق كان في إصطبل الأفرم نعامة، فسلطوها عليه، فوثب عليها وركبها، فطارت به في الميدان تقدير خمسين ذراعاً، إلى أن قرب من الأفرم وقال له: أطيرها إلى فوق شيئاً آخر؟ قال: لا، وأحسن الأفرم إليه وأكرمه، وسأله ما يريد؛ فقال: التوجه إلى القدس؛ فأذن له، ورتب له رواتب في الطرقات، وأراد الدخول إلى مصر، فما مكن من ذلك، ثم رجع إلى المشرق، وأرسله غازان صحبة قطليجا إلى حبال كيلان؛ ليحاربهم، فأسروا الشيخ، وقالوا له: أنت شيخ فقراءٍ، فكيف تجيء صحبة أعداء الدين لقتال المسلمين؟ ثم سلقوه في دست في سنة سبع وسبعمائة، والله أعلم بحاله.
بردبك الخليلي
بردبك بن عبد الله الخليلي، الأمير سيف الدين.(1/249)
كان أحد أمراء المقدمين بديار مصر في الدولة المؤيدية شيخ، ثم صار رأس نوبة النوب، ثم ولى نيابة طرابلس في سابع عشر شهر رجب سنة عشرين وثمانمائة عوضاً عن الأمير يشبك المؤيدي؛ بحكم انتقاله إلى نيابة حلب عوضاً عن الأمير جققار القردمي.
واستقر من بعده رأس نوبة النوب الأمير ططر، فباشر المذكور نيابة طرابلس إلى شهر ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، ووقع بينه وبين أهل طرابلس، وعزل عنها، وطلب إلى القاهرة؛ فحضرها بعد أن كتب عليه أهل طرابلس محاضر بقبائح، فعند حضوره استقر به السلطان في نيابة صفد في ثاني شهر ربيع الآخر من السنة.
واستقر بعده في نيابة طرابلس الأمير برسباي الدقماقمي، أحد أمراء الألوف بديار مصر - يعني الأشرف - وتوجه بردبك المذكور إلى صفد، وباشر نيابتها مدة يسيرة، إلى أن مات بها في نصف شهر رجب سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، رحمه الله تعالى، وعفا عنه.
أمير آخور
بردبك بن عبد الله السيفي يشبك بن أزدمر، الأمير سيف الدين، أحد مقدمي الألوف بديار مصر في الدولة الأشرفية برسباي.
أصله من مماليك الأمير يشبك بن أزدمر، ثم اتصل بعد موت أستاذه بخدمة الملك الظاهر ططر، في حال إمرته، وحظي عنده، وجعله أمير آخوره، إلى أن آلت إليه السلطنة أنعم عليه بإمرة طبلخاناه، وجعله أمير آخور ثاني. ودام على ذلك سنين إلى أن نقله الأشرف برسباي إلى تقدمة ألف في سنة ثلاثين وثمانمائة.
واستقر من بعده في الأمير آخورية الثانية الأمير سودون ميق الظاهري. واستمر الأمير بردبك المذكور على ذلك إلى أن توفى بالطاعون في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة.
وكان أميراً عاقلاً، متواضعاً، كثير الأدب والحشمة، وله مكارم، وحسن خلق مع البشاشة والتحبب إلى الناس بكل طريق. وكان حسن الشكالة، أشقر اللحية، للطول أقرب. ومات في أوائل الكهولية، رحمه الله تعالى.
قصقا
بردبك بن عبد الله الإسماعيل الظاهري برقوق - المعروف بقصقا - يعني قصير - الأمير سيف الدين.
كان من جملة الطبلخانات في الدولة الأشرفية برسباي، ثم صار حاجباً ثانياً بعد الأمير إياس الجلالي، ورسم لإياس أن يكون بطالاً، فاستمر المذكور في الحجوبية مدة، إلى أن نفى إلى البلاد الشامية، ثم شفع فيه بعد مدة، وأنعم عليه بإمرة عشرة بالقاهرة إلى أن مات في سابع عشر جمادى الأول سنة أربعين وثمانمائة.
وكان - رحمه الله - لا ذات ولا أدوات، وكان شيخاً قصيراً، مهملاً، سميناً، لا للسيف ولا للضيف، سامحه الله.
العجمي
بردبك بن عبد الله الجكمي، المعروف بالعجمي الأعور، الأمير سيف الدين.
أصله من مماليك الأمير جكم من عوض، المتغلب على حلب، وخدم بعد أستاذه عند الأمير تغري بردى بن أخي دمرداش - المدعو بسيدي الصغير - ولما أن كان بردبك المذكور راكباً بخدمة الأمير تغري بردى، وقعت تخفيفة الأمير تغري بردى المذكور عن رأسه، فأشار لبردبك هذا أن يناوله التخفيفة من الأرض، فأخذ بردبك قوسه من تركاشه، ومال عن فرسه، وأخذ التخفيفة برأس قوسه. فلما رأى الأمير تغري بردى منه ذلك، وجه التفاته له، أخذ الطبر وضربه به على وجهه ضربة ذهبت منها عين بردبك المذكور. وتغيرت محاسنه من يومئذ، ثم تنقلت به الأيام إلى أن ولى عدة ولايات، ثم صار في أواخر الدولة الأشرفية حاجب حجاب حلب.
ثم نقله الملك الظاهر جقمق إلى نيابة حماة غي سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، فدام بها إلى سنة سبع وأربعين وثمانمائة تقريباً، وقع بينه وبين أهل حماة فتنة آلت إلى قتاله معهم، وقتل بين الفريقين جماعة كبيرة، ثم عصى بردبك، وخرج من حماة أشهراً.
ثم طلب الحضور، فلما حضر إلى الديار المصرية قبض عليه، وحبس بالإسكندرية إلى سنة ثلاث وخمسين أطلق وتوجه إلى ثغر دمياط بطالاً، ثم طلب بعد ذلك بمدة يسيرة إلى القاهرة، وأنعم عليه بتقدمة ألف بدمشق، عوضاً عن الأمير يشبك النوروزي، حاجب حجاب دمشق، بحكم انتقال يشبك إلى نيابة طرابلس بعد مسك الأمير يشبك الصوفي المؤيدي، ثم استقر بردبك المذكور في إمرة حاج دمشق، وتوجه إلى الحج، وعاد إلى دمشق.
الظاهري
بردبك بن عبد الله الظاهري، الأمير سيف الدين، المعروف بالبشمقدار.(1/250)
هو من مماليك الملك الظاهر جقمق ومن خواصه، رقاه إلى أن صار خاصكياً، ثم بشمقداراً، ثم أمره عشرة ضعيفة، ثم جعله من جملة رؤوس النوب.
الملك الأشرف
برسباي بن عبد الله، السلطان الملك الأشرف أبو النصر الدقماقي الظاهري الجاركسي، سلطان الديار المصرية والبلاد الشامية والأقطار الحجازية.
الثاني والثلاثون من ملوك الترك، والثامن من ملوك الجراكسة. أخذ من بلاد الجاركس، وأبيع بالقرم، ودام بمدينة قرم مدة إلى أن اشتراه بعض التجار، وقدم به إلى جهة البلاد الشامية.
فلما وصل به إلى مدينة ملطية اشتراه نائبها الأمير دقماق المحمدي منه، ودام عند الأمير دقماق المذكور مدة يسيرة، وأرسله إلى الملك الظاهر برقوق في جملة مماليك أخر مع تقدمة هائلة - كما هو عادة نواب البلاد الشامية - فأخذه الملك الظاهر وجعله في طبقة الزمام إنيا للأمير جركس القاسمي المصارع، فأقام من جملة مماليك الأطباق الكتابية مدة يسيرة، وأخرج له السلطان خيلاً، وأعتقه في جملة مماليك أخر.
وتنقلت به الأيام إلى أن صار ساقياً في الدولة الناصرية فرج، ثم انحرف إلى جهة الأميرين شيخ ونوروز، وصار معهما إلى أن قتل الملك الناصر فرج، وقدم صحبة الأمير شيخ المحمودي إلى الديار المصرية، وصار من جملة الأمراء بها. ولا زال يترقى إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، وتولى كشف الجسور بأعمال الغريبة.
ثم ولى نيابة طرابلس بعد عزل الأمير بردبك الخليلي في ثالث عشرين ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، فتوجه، إلى طرابلس وباشر النيابة بها، إلى أواخر شهر رمضان من السنة المذكور عزل عنها؛ وسبب ذلك: أن الخبر ورد بأنه قد قدم إلى أعمال طرابلس جماعة من التركمان الأينالية البياضة والأوشرية، ونزلوا على صافيثا من أعمال طرابلس جافلين من قرا يوسف صاحب بغداد، ونهبوا البلاد، وأحرقوا منها جانباً؛ فنهاهم برسباي المذكور، فلم ينتهوا؛ فركب إليهم وقاتلهم في يوم الثلاثاء سادس عشرين شهر شعبان، فقتل بينهم خلق كثير، منهم أتابك طرابلس الأمير سودون الأسندمري وغيره، ثم انهزم بمن معه إلى طرابلس، وركبت التركمان أقفيتهم، وينهبون أثفالهم، ثم عادوا.
وبلغ الخبر المؤيد، فغضب من ذلك، ورسم بعزله والقبض عليه وحبسه بالمرقب، فحبس بالمرقب مدة إلى أن أطلقه الملك المؤيد بسفارة الأمير ططر، وجعله أمير مائة ومقدم ألف بدمشق، فدام بدمشق إلى أن قبض عليه نائبها الأمير جقمق الأرغون شاوي الدوادار، بعد موت المؤيد وخروجه عن الطاعة، فدام في السجن إلى أن أطلقه الملك الظاهر ططر، وهو إذ ذلك مدبر مملكة الملك المظفر أحمد بن الملك المؤيد شيخ، ثم أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف، ثم جعله دواداراً كبيراً بعد مسك الأمير علي باي.
كل ذلك في أيام قلائل في سنة أربع وعشرين وثمانمائة، وعاد إلى الديار المصرية صحبة الملك الظاهر ططر، فلم يقم بالقاهرة إلا أشهراً، ومرض الظاهر ططر ومات. وصار الأتابك جانبك الصوفي مدبر مملكة الملك الصالح محمد بن الملك الظاهر ططر. وصار الأمير برسباي هذا والأمير طرباي حزباً واحداً، وكثر الكلام بين الأميرين وبين الأتابك جانبك الصوفي، إلى أن لبس الأتابك جانبك آلة الحرب، وركب من باب السلسلة، ووافقه على الركوب الأمير يشبك اجلكمي أمير آخور. فلم يكن غير ساعة وخدع، وأنزل إلى بيت الأمير بيبغا المظفري - تجاه باب السلسلة - ومعه الأمير يشبك المذكور، وقبض عليهما، وحملا إلى ثغر الإسكندرية، وحبسا بها.
وصفا الوقت إلى الأمير برسباي وطرباي، وصار أمر المملكة لهما. واستمرا على ذلك مدة يسيرة، ووقع بينهما، وكثر الكلام في هذا المعنى، وتخوف طرباي من طلوع الخدمة؛ فإن برسباي كان سكنه بطبقة الأشرفية من القلعة، وكان طرباي سكنه أسفل، وعدى إلى الربيع، وزادت الوحشة بينهما إلى أن أرسل برسباي بجماعة من الأمراء إلى طرباي وطيبوا خاطره، وحسنوا له الطلوع إلى الخدمة السلطانية؛ فعدى من بر الجيزة عائداً إلى القاهرة في يوم الثلاثاء ثاني شهر ربيع الأول، وأصبح في ثالثه قبض الأمير برسباي على الأمير سودون الحموي، وعلى الأمير قانصوه النوروزي، وكانا من أصحاب طرباي؛ فكثرت القالة.(1/251)
وبات طرباي ليلة الخميس وجماعة وأصحابه يحذرونه الطلوع إلى القلعة، وهو لا يصغي لقولهم، وفي ظنه أن الأمراء لا يعدلون عنه إلى غيره، وأن الأمير برسباي لا يقابله بسوء؛ لأنه في ابتداء الأمر كان طرباي متميزاً على برسباي - منذ مات الظاهر برقوق - وفي أواخر الأمر هو الذي استمال الدولة إلى الأمير برسباي. ونفرهم عن الأتابك جانبك الصوفي، ثم خدع جانبك حتى نزل من الإصطبل السلطاني، ثم قبض عليه، فكان طرباي يرى أنه هو الذي أقام برسباي فيما هو فيه.
وأصبح يوم الخميس، وطلع إلى الخدمة بالقصر السلطاني من قلعة الجبل، ودخل إلى السلطان، وجلس من يمينه، وجلس الأمير برسباي عن يساره، وجلس كل واحد من الأمراء في منزلته. فلما استقر بهم الجلوس ابتدأ الأمير برسباي بأن قال: الكلمة غير مسموعة بيننا، والرأي أن تكون الكلمة لواحد منا. فما استتم الكلام حتى قال الأمير قصروه من تمراز: أنت المشار إليه، وأنت صاحب الكلمة، فقال الأمير برسباي في الحال: فاقبضوا على طرباي.
فلما سمع طرباي ذلك شهر سيفه؛ ليدفع عن نفسه، فبادره الأمير برسباي بالسبق إلى النهوض، وضربه بالسيف ضربة جاءت في يده، كادت تبينها، ثم جاءه الأمير قصروه من خلفه، وقبض عليه هو والأمير تغري بردى المحمودي، وحمل إلى السجن من ساعته، وقد تضمخ بدمه، فوقعت هجة بالقصر، وتكسر لنصرة طرباي، ثم أخرج من الغد إلى الإسكندرية، وصفا الوقت للأمير برسباي، وأخذ في أسباب سلطنته، فأرسل الأمير محمد بن إبراهيم بن منجك إلى دمشق؛ ليحضر بنائبها الأمير تنبك العلائي - المعروف بميق - ثم أخذ وأعطى إلى أن قدم الأمير تنبك المذكور في يوم الاثنين سادس ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وثمانمائة، وتلقاه غالب أعيان الأمراء والدولة، ما عدا الأمير برسباي؛ فإنه خرج له من القصر إلى قرب الإيوان من القلعة وعانقه، ثم دخل به إلى الملك الصالح، وخلع عليه باستمراره في نيابة دمشق.
ثم خلا به، وتحدث معه، فكان أول كلام الأمير برسباي بأن قال له: أنت أغتنا، وأنت لائق للسلطنة، فلم يسع تنبك إلا أن قام من وقته وقبل الأرض، وبايعه بالسلطنة ثم وافقه على ذلك جماعة الأمراء وغيرهم، وخلع الملك الصالح محمد بن ططر، فكانت مدة سلطنته أربعة أشهر وثلاثة أيام.
جلوس الأشرف برسباي على تخت الملك
لما كان يوم الأربعاء، ثامن شهر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وثمانمائة طلب الخليفة المعتضد بالله أبو الفتح داود، والقضاة الأربعة إلى القلعة؛ فحضروا، وقد جمع الأمراء وأرباب الدولة، فبايعه الخليفة والقضاة، ثم الأمراء على مراتبهم، وفوضت عليه خلعة السلطنة، وجلس على تخت الملك، وقبلت الأمراء الأرض، ونعت بالملك الأشرف أبي العز، ثم غير كنيته بأبي النصر.
ونودي بذلك في القاهرة، وكتب بذلك إلى الأقطار، وتم أمره، وساس الملك أحسن سياسة بالنسبة إلى غيره، ونالته السعادة، وفتحت في أيامه عدة فتوحات، وجهز العساكر إلى أخذ قبرس في سنة ثمان وعشرين، ومقدم العساكر الأمير جرباش الكريمي، حاجب الحجاب، المعروف بقاشق، صحبته عدة من الأمراء وغيرهم، وتوجهوا إلى قبرس، وأخذوا الماغوصة، ونهبوا، وأسروا، وسبوا، وأحرقوا، ثم عادوا بعد النصر والظفر إلى الديار المصرية.
ثم جهز عسكراً آخر في سنة تسع وعشرين أعظم من ذلك العسكر، وعليهم من الأمراء مقدمي الألوف أربعة وهم: الأمير إينال الجكمي أمير مجلس، والأمير تغري بردى المحمودي رأس نوبة النوب، والأمير قرامراد خجا الظاهري، والأمير تغري برمش نائب القلعة، وعدة أمراء أخر من الطبلخانات والعشرات، وكثير من أعيان الخاصكية وغيرهم. ووافاهم أيضاً العساكر الشامية براً وبحراً. وساروا في يوم الجمعة ثاني شهر رجب من سنة تسع وعشرين، بعد أن قرر السلطان بأن يكون مقدم العساكر البحرية الأمير إينال الجكمي، والأمير قرا مراد خجا وعدة أخر، وأن يكون مقدم العساكر في البر، لما يصلون إلى جزيرة قبرس الأمير تغري بردى المحمودي، والأمير تغري برمش، وصحبتهم أكثر العسكر.(1/252)
وركبوا بحر النيل إلى أن وصلوا رأس بحر المالح، وأرادوا السفر فيه، هبت ريح باردة؛ حصل اضطراب عظيم، وانكسر بعض المراكب، وغرق عدة من الخيول - التي كانت في مراكب السفر الأغربة - وردوا إلى الثغر؛ لإصلاح ما تلف من المراكب. وراجعوا الملك الأشرف بذلك، فاغتم لذلك، ودعا الله - سبحانه وتعالى - وقصد الأولياء والصالحين، وأمر عدة فقهاء بقراءة سورة الأنعام عدة مرار، ثم أرسل إليهم بالثغر بما يحتاجون إليه من الآلات والدراهم والسلاح، ولا هاله ذلك، بل صمم على السفر، وأرسل يستحثهم في إصلاح ما فسد من مراكبهم، وفي سرعة السفر؛ فامتثلوا ما رسم به، وسافروا في أمن الله إلى أن وصلوا بر اللمسون، فخرج إليها شرذمة من العسكر، وقاتلوا من بها حتى أخذت عنوة في يوم الأربعاء سابع عشرين شعبان، وهدموها، وقتلوا من بها من المقاتلة، وغنموا، ثم ساروا عنها بعد إقامتهم عليهم ستة أيام في يوم الأحد أول شهر رمضان، وقد صاروا فرقتين: فرقة في البر، وفرقة في البحر، حتى كانوا فيما بين اللموسون والملاحة إذا هم بجينوس بن جاك متملك قبرس قد اقبل بمجموعة، والتقى مع العساكر الإسلامية؛ فكانت بين الفريقين حروب شديدة، انجلت عن وقوعه في الأسر، بأمر من عند الله يتعجب منه. ولله الحمد.
وكان النصر في ساعة واحدة. والعجب من كثرة جيوشه، وقلة مقاتلة المسلمين؛ لعدم اجتماعهم، فإنه جاءهم بعساكره بغتة، وكان غالب فرسان المسلمين في المراكب لم يتأهبوا للقتال.
ولما وقع جينوس متملك قبرس في أسرهم وانهزم جيشه وأسرت جماعة من فرسانه، أكثر المسلمون من القتل والأسر، ولم يقتل من المسلمين الأعيان سوى أربعة من الخاصكية، وهم: السيفي تغري بردى المؤيدي الخازندار، وكان من الشجعان والأشكال الحسنة - رحمه الله - والسيفي قطلوبغا الخاصكي المؤيدي المصارع، وكان أيضاً من الفرسان - رحمه الله - والسيفي إينال طاز المصارع الخاصكي، والسيفي نانق اليشبكي الخاصكي.
وانهزم بقية الفرنج، ووجد معهم طائفة من التركمان المسلمين قد أمدهم بهم علي بك بن قرمان، فقتل كثيراً منهم.
واجتمع عساكر البر والبحر من المسلمين في الملاحة يوم الاثنين ثامن رمضان، وقد تسلم متملك قبرس الأمير تغري بردى المحمودي، ثم ساروا من الملاحة يوم الخميس يريدون الأفقسية - مدينة الجزيرة ودار مملكتها - فأتاهم الخبر في مسيرهم بأن أربعة عشر مركباً للفرنج قد أتت لقتالهم، منها سبعة أغربة، وسبعة مربعة القلاع؛ فأقبلوا نحوهم، وغنموا منهم مركباً مربعاً، وقتلوا من الفرنج عدة كبيرة. وكان السبب في أخذ هذه المربعة من الفرنج الأمير طوغان - مملوك والدي أحد مقدمي الألوف بدمشق - ، ثم دخلوا الأفقسية وهم يقتلون ويأسرون.
ثم عادوا إلى الملاحة بعد إقامتهم بالأفقسية يومين وليلة، فأقاموا بالملاحة سبعة أيام وهم يقيمون شعائر الإسلام.
ثم ركبوا عائدين بالأسرى والغنيمة وبصاحب قبرس إلى أن وصلوا إلى الثغور الإسلامية، ثم ساروا نحو القاهرة، فدخلوها في يوم الأحد سابع شهر شوال سنة تسع وعشرين وثمانمائة، وتكمل من دخولهم من الغد في يوم الاثنين، ونزلوا بالميدان من موردة الجبس، ثم مضوا سائرين في اليوم المذكور بمتملك قبرس والأسرى والغنائم، وقد اجتمع لرؤيتهم من الخلائق عالم لا يحصى عددهم إلا الله - عز وجل - ومروا بهم من الميدان على باب اللوق حتى خرجوا من المقس، ودخلوا من باب القنطرة إلى بين القصرين، وشقوا قصبة القاهرة إلى باب زويلة ومضوا إلى صليبة جامع ابن طولون، وأقبلوا من سويقة منعم إلى الرميلة إلى القلعة من باب المدرج.(1/253)
وكانوا في مسيرهم هذا البعيد قد قدموا الفرسان من الغزاة والمجاهدين أمام الجميع ومن وراء الفرسان الرجالة من عشران البلاد الشامية، ومطوعة البلاد، وزعر القاهرة، ومن وراء هؤلاء الغنائم محمولة على رءوس الرجال، وظهور، الخيل، والبغال، والحمير، وفيها تاج الملك، وأعلامه، ورايته منكسة، وخيله تقاد من وراء الغنائم، والأسرى من الرجال، والنساء، والصبيان، وهم نحو ألف إنسان، ومن وراء الجميع جينوس الملك، وهو على بغل مقيد بالحديد، وأركب معه اثنان من خاصته، وركب الأميران إينال اجلكمي أمير مجلس عن يمينه، وتغري بردى المحمودي رأس نوبة النوب عن يساره، حتى وصلوا الجميع إلى القلعة، أنزل جينوس عن مركبه، ثم كشف رأسه، وخر على وجهه إلى الأرض فقبلها، ثم قام ومشى إلى أن دخل إلى الحوش السلطاني، وهو يرفل في قيوده، وقبل الأرض أيضاً بين يدي السلطان. وكان السلطان جالساً في المقعد على باب البحرة، تجاه باب الحوش، وعنده أكابر الدولة من الأمراء والأعيان، وكان الشريف بركات بن عجلان أمير مكة حاضراً، ورسل ابن عثمان متملك الروم، ورسل صاحب تونس من بلاد الغرب، ورسل صاحب عدن وغيرهم. كل هؤلاء اتفق حضورهم في هذا اليوم بالمقعد المذكور.
ولقد عاينت جينوس المذكور لما دخل من الحوش، ورأى تلك الأبهة والعظمة أغمي عليه، واستلقى على الأرض كالميت، ثم أفاق، وأعلامه منكسة أمامه، وعرضت الغنائم والأسرى على السلطان، ثم قدم جينوس بقيوده مكشوف الرأس، فخر على وجهه يعفره في التراب، ثم قام وقد أظهر من الخوف ما لا مزيد عليه، ثم أمر السلطان بتوجهه إلى منزل قد أعد له بالحوش، فكان هذا اليوم من الأيام التي لم نعهد يمثلها، ولا شاهدنا مثل هذا اليوم الذي عظم الله قدره بنصر المسلمين، وأعز الله فيه دينه، فلله الحمد على هذه النعمة.
ولما كان جينوس بين يدي الملك الأشرف على تلك الهيئة المذكورة، صارت دموع الأشرف تذرف، وهو يلهج بحمد الله وشكره.
ثم إن السلطان رتب له من الرواتب ما يكفيه في اليوم، إلى أن أطلقه وأعاده إلى ملكه بعد أن ضرب عليه الجزية، واستمرت إلى يومنا هذا.
وفي هذا المعنى يقول صاحبنا الأديب البليغ زين الدين عبد الرحمن بن الخراط، أحد كتاب الإنشاء بالديار المصرية قصيدة أنشدها بين يدي السلطان بحضور أركان الدولة، وفرغ عليه بعد فراغها بالحضرة الشريفة، أولها:
بشراك يا ملك المليك الأشرف ... بفتوح قبرس بالحسام المشرفي
فتح بشهر الصوم تم له فيا ... لك أشرف في أشرفٍ في أشرف
فتح تفتحت السموات العلى ... من أجله بالنصر واللطف الخفي
والله حف جنوده بملائكٍ ... ، عاداتها التأييد وهو بها حفي
الأشرف السلطان أشرف مالكٍ ... لولاه أنفس ملكه لم تشرف
هو مكتف بالله أحلم قادرٍ ... راضٍ لآثار النبوة مقتفي
حامي حمى الحرمين بيت الله وال ... قبر الشريف لزائر ومطوف
والقصيدة ثلاثة وسبعون بيتاً، كلها على هذا النمط.
ثم بعد ذلك جهز السلطان العساكر إلى جهة الشرق غير مرة، وفتح عدة قلاع بديار بكر وغيرها، وتجرد هو بنفسه في سنة ست وثلاثين وثمانمائة؛ فوصل إلى مدينة آمد من ديار بكر، وحصرها مدة طويلة، ثم عاد بعد أن بلغ بمن بمدينة آمد الجهد.
فأول ما جهزه من العساكر إلى البلاد الشامية لما عصى الأمير تنبك البجاسي نائب دمشق سنة سبع وعشرين وثمانمائة، وكان المجهز لقتاله المتولي نيابة دمشق عوضه الأمير سودون بن عبد الرحمن الظاهري الدوادار؛ فتوجه إليه وقاتله حتى ظفر به، وحز رأسه، وأرسل بها إلى الملك الأشرف، فعلقت بالقاهرة أياماً.
ثم جهز عسكراً لغزو الفرنج في سنة سبع وعشرين نحو أربعة أغربة، ثم جهز عسكراً ثانياً لغزو قبرس في سنة ثمان وعشرين، ومقدمهم الأمير جرباش الكريمي - حسبما ذكرناه - ثم الغزوة الثالثة المتقدم ذكرها التي أخذ فيها جينوس ملك قبرس.(1/254)
ثم جهز عسكراً إلى ديار بكر؛ لقتال الأمير عثمان ابن طرغي المدعو قرايلك في سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة؛ فتوجه العسكر المذكور لقتال قرايلك، فقاتلوه، وملكوا مدينة الرها، وصارت بيد الملك الأشرف إلى أن توفى. ثم سافر هو بنفسه إلى آمد في سنة ست وثلاثين، وعاد في أوائل سنة سبع وثلاثين بعد أن حصرها نحو خمسة وثلاثين يوماً، ثم رحل عنها لما بلغه عن أمرائه في الباطن.
ثم جهز عسكراً في سنة تسع وثلاثين، ومقدم العسكر المذكور الملك الظاهر جقمق - وكان إذ ذاك أتابك العساكر - وصحبته أمراء أخر، فوصلوا إلى مدينة أرزنكان، ثم عادوا إلى ديار مصر في سنة أربعين وثمانمائة.
ثم جهز عسكراً آخر إلى أرزنكان في سنة إحدى وأربعين، ومقدمهم الأمير قرقماس الشعباني أمير سلاح، ومات الملك الأشرف والعسكر المذكور بتلك البلاد. وكان ابتداء مرضه من أوائل شعبان، إلا أنه كان يركب تارة وينقطع تارة، ثم يلزم الفراش مدة، ثم يطيب ويدخل الحمام، إلى أوائل شهر شوال لزم الفراش إلى أن توفى.
ولما قوى عليه المرض وسط طبيبه العفيف الأسلمي، رئيس الأطباء، وزين الدين خضر في يوم السبت رابع عشرين شوال.
وسببه: أنه كان قد اشتد عليه المرض وطال، فصار يستعجل في طلب العافية، وساءت أخلاقه من طول المرض، وتوهم أن الأطباء مقصرون في علاجه، وأنهم أخطأوا والتدبير في مداواته، ولما تحقق ذلك في نفسه، طلب والي القاهرة عمر بن سيفا، فلما مثل عمر بين يديه، وهو جالس على فرسه وبين يديه خواصه وفيهم العفيف الرئيس المذكور، أمره أن يأخذ العفيف؛ ليوسطه من ساعته بالقلعة، وحرضه على ذلك، فأقامه عمر في الوقت ليمضي به، وإذا بخضر الحكيم قد حضر، فأمره بتوسيط خضر الآخر؛ فأخذه عمر من ساعته، وهو يصيح عمر حكيم وسطوه إيش في يد الحكيم ما يعمل؟ فلم يسمع له عمر، وأخذه هو والعفيف ومضى بهما إلى حدرة الساقية من القلعة، ووقف بهما مقدار ما يشفع فيهما، وقام أهل المجلس يقبلون الأرض، ومنهم من يقبل رجل السلطان، ويتضرعون إليه في العفو عنهما، فلم يقبل، ثم بعث واحداً بعد آخر يستعجل عمر الوالي في توسيطهما، وهو يتباطئ؛ رجاء أن يقع العفو عنهما.
فلما طال الأمر بعث السلطان من أعوانه من يحضر توسيطهما، فخرج المذكور، وأغلظ للوالي في القول، فقدم العفيف؛ فاستسلم، وثبت حتى صار قطعتين، وقدم خضر، فراغ، وجزع جزعاً شديداً، ودافع عن نفسه، وصاح؛ فتكاثروا عليه، ووسطوه توسيطاً معذباً؛ لتلويه واضطرابه، فساءت القالة في السلطان، وكثر كلام الناس في ذلك.
ومن حينئذ قوي مرضه إلى أن توفى قبيل عصر يوم السبت ثالث عشر ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وسنه نيف على الستين، بعد أن عهد بالسلطنة من بعده لولده الملك العزيز يوسف، وتسلطن ولده المذكور من يومه، ثم غسل الأشرف وصلى الله عليه بباب القلة من القلعة، ودفن بتربته التي أنشأها بالصحراء، قبيل المغرب، من يوم السبت المذكور، فكانت مدة سلطنته ستة عشر سنة، وثمان شهور وخمسة أيام.
وكان - رحمه الله - ملكاً جليلاً، مهاباً، عارفاً، سيوساً، حازماً، شهماً، فطناً، له خبرة بالأمور، ومعرفة، وتدبير، محباً لجمع المال.
وكان يحب الاستكثار من المماليك حتى بلغت عدة من اشتراه من المماليك زيادة على ألفي نفر. وكان يقدم اجلراكسة على غيرهم من الأجناس، ويشره في جمع الخيول والجمال، وما أشبه ذلك.
وكان يتصدى للأحكام، ويباشر أحوال المملكة، غالبها بنفسه، وكان متواضعاً، حسن الخلق، غير سباب، لين الجانب، طوالاً، دقيقاً، ذا شيبة نيرة، وهيبة حسنة، متجملاً في حركاته، حريصاً على ناموس الملك.
وكان يميل إلى فعل الخير، ويكثر من الصوم، ولا يتعاطى شيئاً من المسكرات. وكانت أيامه في غاية الحسن من الأمين، والخير، ورخاء الأسعار، وعدم الفتن مع طول مكثه في السنة.
وعمر في دولته عدة بلاد وقرى من أعمال مصر والشام وغيرهما مما خرب في الدولة الناصرية فرج، والدولة المؤيدية شيخ؛ لكثرة تجاريدهما، والفتن التي كانت في أيامهما.(1/255)
وكان الأشرف مع هذا كله متنغص العيش إلى الغاية من يوم ورد عليه الخبر بفرار الأتابك جانبك الصوفي من سجن الإسكندرية في سابع شعبان سنة ست وعشرين وثمانمائة إلى قبل موته بمدة يسيرة - حسبما سنذكره - فكان دأبه الفحص عنه، والقبض على الناس، وكبس بيوت الأعيان من الأمراء إلى ما دونهم، ونفى جماعة من الأمراء بسببه، وعاقب جماعة، وقبض على جماعة، وطال هذا الأمير سنين، وعم هذا البلاء جميع المماليك. كل ذلك وجانبك المذكور مخف بالقاهرة.
ثم خرج إلى البلاد الشامية، ودام ذلك من سنة ست وعشرين إلى سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة، ورد الخبر بأن جانبك الصوفي المذكور عند بعض بني دلغادر، وصح هذا الخبر؛ فعند ذلك أمن الناس على أنفسهم، وطال لسان من كان اتهم به. ووقع له بعد ذلك أمور من جانبك المذكور أيضاً بتلك البلاد، وعزل بسبه جماعة من الأمراء، وتجرد نواب البلاد الشامية بسبه غير مرة.
وآخر الحال جيء إليه برأسه - وسنذكر ذلك كله مفصلاً في ترجمته إن شاء الله تعالى - واستراح الأشرف، وخمدت ناره، فلم يتهن من بعده غير أشهرا ومرض ومات.
وكان الأشرف - رحمه الله - مغرما بإنشاء العمائر، من ذلك: مدرسته الأشرفية التي أنشأها بخط العنبريين بين القصرين بالقاهرة على الشارع الأعظم، وعمر أوقافها، وجعل فيها عدة صوفية حنفية، وولى مشيختها للعلامة الشيخ كمال الدين بن الهمام الحنفي، ثم بدا له بعد عمل صوفية ومدرس من كل مذهب.
وتربته التي أنشأها بالصحراء، بجوار تربة الناصر فرج، وجعل فيها عدة من القراء على ساعات الليل والنهار، تقام فيها الجمعة. ثم أنشأ في آخر دولته جامعه الذي بمنشأة خانقاة سرياقوس بالقليوبية ووقف عليه عدة أوقاف، فجميع ما يصرف على هذه الثلاث مدراس من الجوامك في الشهر مائة وعشرون ألف درهم، وله آثار جميلة، وفتوحات كثيرة.
وفي الجملة هو أعظم ملوك الجراكسة بعد الملك الظاهر برقوق، رحمهما الله تعالى.
الحاجب
برسباي بن عبد الله بن حمزة الناصري، نائب حلب، الأمير سيف الدين.
هو من مماليك الملك الناصر فرج ومن خاصكيته، وحبس بعد موت أستاذه مدة، ثم أطلق، وأنعم عليه بإمرة بالبلاد الشامية، ثم صار حاجب حجاب دمشق في دولة الأشرف برسباي بكمالها إلى أن خرج الأمير إينال الجكمي نائب دمشق عن طاعة الملك الظاهر جقمق وقبض على أمراء دمشق الأكابر.
كان برسباي هذا ممن قبض عليه، وحبس بقلعة دمشق إلى أن أطلقهم الأمير إينال المذكور بعد أن أخذ عليهم العهود والمواثيق. فلما خرجوا من الحبس فروا من عنده، وصاروا من حزب الملك الظاهر جقمق إلى أن ظفر الظاهر بإينال.
استقر برسباي المذكور على عادته في حجوبية دمشق إلى أن نقله إلى نيابة طرابلس بعد انتقال الأمير قاني باي الحمزاوي إلى نيابة حلب بعد الأمير جلبان، بحكم انتقاله إلى نيابة دمشق، بعد موت الأمير آقبغا التمرازي، فباشر نيابة طرابلس سنين إلى أن برز المرسوم الشريف باستقراره في نيابة حلب بعد موت الأمير قاني باي البهلوان في سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، فتوجه إلى حلب مريضاً، فأرسل يستعفى؛ فأعفى.
وتوفى بعد أن خرج من حلب في السنة المذكورة، وكان ديناً، خيراً، عفيفاً عن المنكرات، عاقلاً، سيوساً، مشكور السيرة، إلا أنه كان يحب جمع المال، ويستكثر من العمائر، وكان يقيم أشهراً لا يتناول شرب الماء - على ما قيل - وقد شهر عنه ذلك. وكان للطويل أقرب، طويل اللحية، مليح الشكل، تام الخلقة، حسن الخلق، رحمه الله.
برسباي الساقي
برسباي بن عبد الله المؤيدي الساقي، الأمير سيف الدين.
هو من صغار المؤيدية، وممن صار خاصكياً بعد أن استشهد إغاته قطوبغا المصارع بغزوة قبرس في سنة تسع وعشرين وثمانمائة، ثم صار ساقياً في الدولة الظاهرية جقمق مدة إلى أن أنعم عليه بإمرة عشرة، بعد موت الأمير إينال الكمالي الناصري.
البجاسي
برسباي بن عبد الله البجاسي، الأمير سيف الدين.(1/256)
هو من عتقاء الأمير تنبك البجاسي نائب دمشق، ثم خدم بعد موت أستاذه عند الأمير جانبك الأشرفي الدوادار الثاني مدة طويلة إلى أن توفى جانبك المذكور، اتصل بخدمة الملك الأشرف برسباي، وصار من جملة المماليك السلطانية مدة، ثم صار من جملة الخاصكية الصغار إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق، واتصلت تلك الأوباش الدنيئة إلى الوظائف السنية، صار برسباي هذا ساقياً مدة طويلة إلى أن أنعم عليه بإمرة في سنة تسع وأربعين، ثم نقله السلطان إلى نيابة الإسكندرية بعد عزل الأمير تنم بن عبد الرزاق المؤيدي في سنة إحدى وخمسين.
وقبل ولايته للإسكندرية كان الملك الظاهر جقمق قد زوجه بزوجة ولده المقام الناصري محمد، التي تسمى خديجة بنت الأمير آقطوه، قرابة الأشرف برسباي بعد أن أمر برسباي هذا بطلاق زوجته خوند بنت آقبغا الدوادار؛ فطلقها وتزوج، بخديجة هذه.
وأمر زواجه بها من الغرائب؛ وما ذاك إلا أن برسباي المذكور كان عند زواج المقام الناصري بخديجة هذه أظهر أنه عمها، ومشى هذا على المقام الناصري، وصار يدخل عليها، ويقيم عندها، ويأكل ويشرب مدة سنين، فعظم ذلك عند من يعرف أنه ليس لها بعم، وكثر الكلام في ذلك.
ولما شاع هذا الخبر قال لي الأمير تغري برمش الفقيه نائب قلعة الجبل: عرف المقام السلطاني بذلك؟ فقلت: يمنعني من الكلام كون المقام الناصري متزوجاً ببنت كريمتي بنت الأتابك آقبغا التمرازي، فإنها صارت لخديجة المذكورة ضرة، وأنا خالها؛ فلا يسمع كلامي في هذا المعنى. فقال: أنا أتكلم معه، فقلت له: لكن بحسن عبارة. فاتفق بعد ذلك أن برسباي خرج يوماً من عندها، ونحو جلوس عند المقام الناصري، فقال تغري برمش: أين كان هذا؟ فقال له المقام الناصري: عند بنت أخيه، فقال تغري برمش: ومتى كان هذا أخاً لأقطوه؟ بل وليس له بقرابة، وأمعن في الكلام. فلما سمع المقام الناصري كلامه، التفت إلي وقال: أهو كما يقول تغري برمش؟ فقلت: نعم، وهذا لا يخفى على أحد من صغار الجراكسة؛ فنكس رأسه ساعة، ثم أخذ يتكلم في غير هذا المعنى، وقد كادت نفسه تزهق - وأظنه كان تنسم هذا الخبر قبل تاريخه، ولكنه وهاه - .
وكان ذلك آخر العهد بدخول برسباي هذا إلى خديجة المذكورة، ثم طلقها المقام الناصري بعد أيام قلائل. وقوي عليه المرض، ومات بعد طلاقها بأيام؛ فاستراح برسباي بموته، واستمر عمها إلى أن انقضت عدتها طلبه الملك الظاهر جقمق وزوجه بها، فكان أولاً عمها، ثم صار زوجها، بعلم الملك الظاهر المذكور؛ فسبحان محلل الحلال ومحرم الحرام. وبنى بها واستولدها، وماتت في عصمته بالثغر، وورث منها جملة مستكثرة بولده.
ولو فرضنا أنه لم يكن له ولد منها، كان أيضاً يستغرق جميع المال؛ لأنه عم وزوج.
واستمر برسباي هذا في نيابة الإسكندرية مدة سنين، وساءت سيرته؛ لطمعه وسوء تدبيره.
الحاجب
برسبغا بن عبد الله الناصري، الحاجب، الأمير سيف الدين.
ولاه أستاذه الملك الناصر محمد بن قلاوون الحجوبية، فكان دون الأمير بدر الدين مسعود بن الخطير في الحجوبية، ثم عظم بعد ذلك.
ولما أمسك النشو وأقاربه، سلموا إليه؛ فعاقبهم وصادرهم، من غير أن يقصد قتلهم، حتى توعده الأمير بشتك؛ لإهماله في إتلافهم، فعند ذلك أمعن في عقوبتهم إلى أن ماتوا تحت العقوبة.
ثم توجه المذكور مع الأمير بشتك إلى الحوطة على أموال الأمير تنكز نائب الشام، وسلم إليه جماعة من أهل دمشق، ثم عاد إلى القاهرة.
وجرت له أمور وخطوب - يطول شرحها - إلى أن حبس بثغر الإسكندرية، وتوجه إليه شهاب الدين أحمد بن صبيح، فتولى قتله، وقتل معه الأمير قوصون، والأمير ألطنبغا، وذلك في شهر شوال سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
الدوادار
برسبغا بن عبد الله الظاهري الدوادار، الأمير سيف الدين.
كان من أعيان مماليك الملك الظاهر برقوق، وممن صار دواداراً صغيراً في الدولة الناصرية فرج، ثم صار من جملة أمراء الألوف بدمشق، ثم وافق الأميرين شيخ ونوروز إلى أن قتل الناصر؛ صار من جملة أعوان نوروز الحافظي، ولما خامر نوروز على الملك المؤيد شيخ وافقه أيضاً، واستمر معه إلى أن ظفر المؤيد شيخ بنوروز المذكور، وبمن معه من الأمراء وغيرهم.(1/257)
حبس برسبغا هذا بحبس المرقب مدة، وكان معه في الحبس أيضاً الأمير برسباي الحاجب - المتقدم ذكره - حتى برز مرسوم المؤيد بقتله، وقدم البريدي عليه بذلك.
وقبل أن يعلموه بالخبر، قرأ نائب المرقب المرسوم، فغلط القارئ، وقال: برسباي - يعني برسباي الحاجب - ؛ فدخل النائب إليه، وأعلمه؛ فقام من وقته برسباي المذكور وتوضأ، وصلى ركعتين على صفة عجيبة، بعد أن حل به من البلاء والجزع ما لا مزيد عليه، وأوصى، ثم قعد للقتل.
والعادة أن يعطى المرسوم في يد المقتول حتى يقرأه، ويقرأ عليه. فلما أخذ برسباي المرسوم؛ ليقرأه، وقد آيس عن روحه بعد أن قال: ما يحتاج قرأه، فقال له النائب: هذه العادة، ولا بد من ذلك، فتأمل المرسوم، فإذا فيه بقتل برسبغا الدوادار، صاحب الترجمة؛ فأخذ وقتل، ونجا برسباي، فكان برسباي كثيراً ما يحكي هذه الحكاية.
قلت: ينبغي أن تلحق هذه الحكاية بكتاب: الفرج بعد الشدة.
وكان قتل برسبغا المذكور بقلعة المرقب، قبيل سنة عشرين وثمانمائة تخميناً. وكان يميل إلى دين وخير، ويتفقه يسيراً، ويكتب كتابة هينة، وكان عفيفاً عن المنكرات، إلا أنه كان كثير الشرور والفتن، رحمه الله تعالى.
الملك الظاهر برقوق
برقوق بن آنص، السلطان الملك الظاهر أبو سعيد برقوق العثماني اليلبغاوي الجاركسي، سلطان الديار المصرية، القائم بدولة اجلراكسة.
جلبه خواجا عثمان من بلاده، وكان اسمه ألطنبغا، وقيل سودون. فلما اشتراه الأتابك يلبغا العمري الخاصكي سماه برقوق، قاله القاضي علاء الدين علي بن خطيب الناصرية، عن قاضي القضاة ولي الدين أبي زرعة العراقي، عن التاجر برهان الدين المحلي، عن خواجا عثمان جالب برقوق.
قلت: والأقوى عندي أن اسمه كان قديماً برقوق في بلاده؛ لأن إخوته وأقاربه ووالده قدموا إلى الديار المصرية، وكانوا خلقاً كثيراً، فلم يلهج أحد منهم بذلك، ولا أحد من حواشيه، ممن كان من بلده، وهم جماعة كبيرة أيضاً.
والرواة لهذا الخبر ثقاة، إلا أنب رهان الدين المحلي كان لا يعرف باللغة التركية، وخواجا عثمان كان لا يعرف باللغة العربية، فدخل الوهم من هنا، والله أعلم.
ولما أخذه الأتابك يلبغا أعتقه، وجعله من جملة مماليكه إلى أن قتل يلبغا وكانت واقعة الأجلاب مماليكه وتشتت شملهم، أخرج برقوق فيمن أخرج منهم إلى البلاد الشامية، وخدم عند الأمير منجك اليوسفي نائب دمشق حتى طلب الملك الأشرف شعبان بن حسين اليلبغاوية إلى ديار مصر، وجعلهم في خدمة أولاده؛ فصار برقوق من جملة مماليك الأسياد إلى أن ثاروا مع الأمير أينبك بعد سفر الأشرف شعبان إلى الحجاز؛ فانتقل برقوق في هذه الواقعة من الجندية إلى إمرة طبلخاناه دفعة واحدة ثم إلى إمرة مائة وتقدمة ألف، وملك الإسطبل السلطاني، وصار أمير آخور. ثم ولى الإمرة الكبرى، ولا يزال يدبر الأمر والأقدار تساعده حتى ذهب من يعانده واستفحل أمره.
ووافقه أكابر الدولة على السلطنة، وخلع الملك الصالح حاجي بن الملك الأشرف شعبان بن حسين، وتسلطن.
ذكر جلوس الظاهر برقوق على تخت الملك
لما كان بعد صلاة الظهر من يوم الأربعاء، تاسع عشر شهر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة - الموافق له آخر هاتور، وسادس تشرين الثاني، والطالع برج الحوت - خطب الخليفة المتوكل على الله أبو عبد الله محمد وبايعه على السلطنة، وقلده أمر البلاد والعباد، وفوض عليه التشريف الخليفتي، ثم خلع على الخليفة أيضاً، وبايعه القضاة الأربعة، وأعيان الدولة على مراتبهم، فأشار شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني أن يكون لقب السلطان بالملك الظاهر وقال: هذا وقت الظهر، والظهر مأخوذ من الظهيرة والظهور، وقد ظهر هذا الأمر بعد أن كان خافياً؛ فتلقب بالملك الظاهر.
وركب من الحراقة بالإصطبل السلطاني، وطلع من باب السر إلى القصر، فحال ركوبه أمطرت السماء؛ فتفاءل بيمنه، وجلس على تخت الملك، ونودي بالقاهرة، وكتب بذلك إلى الأقطار، وأخذ وأعطى، وقرب من أراد، وأنشأ جماعته.
ثم أخذ في الاستكثار من شراء المماليك حتى بلغوا نيفاً على ثلاثة آلاف مملوك في سنين يسيرة.(1/258)
ثم أمر بإنشاء مدرسته ببين القصرين، وكان المتحدث عمارتها الأمير جاركس الخليلي أمير آخور إلى أن استتم عملها في أوائل شهر جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين وسبعمائة. فعندما تكاملت رسم السلطان بأن تنقل رمم أولاده ووالده آنص من موضع دفنهم إلى الفسقية بها؛ ففي رابع عشره يوم الخميس نقلت الرمم وقت العشاء والأمراء مشاة أمامهم حتى دفنوا بالقبة من المدرسة المذكورة، ثم نزل الأمير جاركس الخليلي من الغد، وهيأ الأطعمة والحلوى والفاكهة، ونزل الملك الظاهر برقوق من القلعة بأمرائه وعسكره إلى المدرسة المذكورة، ومدت الأسمطة بين يديه، وحضرت القضاة والأعيان، ثم مدت الحلاوات والفواكه وملئت البحرة من مشروب السكر المكرر، ثم خلع على العلامة علاء الدين السيرامي، وجعله شيخ الصوفية بها ومدرس السادة الحنفية، وفرش الأمير جاركس الخليلي السجادة بيده، ثم خلع السلطان على الأمير جاركس الخليلي، وعلى المعلم شهاب الدين أحمد بن الطولوني المهندس، وأركبا فرسين بأقمشة ذهب، وخلع على خمسة عشر من مماليك جاركس الخليلي، وأنعم على كل منهم بخمس مائة درهم، وتكلم العلاء السيرامي لما جلس على السجادة على قوله تعالى: " قل اللهم مالك الملك " الآية، ثم قرأ القارئ عشراً من القرآن، ودعا؛ وقام السلطان وركب إلى القلعة، فكان يوماً مشهوداً.
وفي هذا المعنى يقول شهاب الدين أحمد المصري الأديب.
قد أنشأ الظاهر السلطان مدرسةً ... فاقت على إرم مع سرعة العمل
يكفي الخليلي أن جاءت لخدمته ... شم الجبال لها تسعى على عجل
وفي هذا المعنى أيضاً يقول شرف الدين عيسى بن حجاج، وقد عمل فيها خيمة جديدة.
بنى الظاهر السلطان خانقةً زهت ... على غيرها في الشام جمعاً وفي مصر
كأن نحاة صيروا خيمةً بها ... معلقة بالرفع والنصب والجر
قلت: ومما وقع من الغرائب في هذه السنين ما حكاه قاضي القضاة بدر الدين محمود العيني الحنفي في تاريخه، قال: وفي شعبان رأت امرأة النبي - صلى الله عليه وسلم - في منامها، وهو ينهاها عن لبس الشاش، وكانت غالب نساء مصر يلبسنه، فانتهت، وتابت عن لبسه، ثم عادت ولبسته؛ فرأت النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة ثانية، وقال لها: ننهاك عن لبس الشاش، فلم تسمع؟ ما تموتين إلا نصرانية؛ فأخبرت أمها بذلك، فأخذتها، وأتت بها إلى الشيخ سراج الدين البلقيني، فحكت له ما جرى، فقال: قول النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم، ولكن اذهبي إلى الكنيسة وصلي بها ركعتين، ثم أحضري حتى يتوسل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعل ذلك ينفعها؛ فتوجهت إلى الكنيسة وصلت، ثم خرت ميتة؛ فتركتها والدتها ومضت؛ فأخذتها النصارى ودفنوها عندهم. انتهى كلام العيني.
قلت: نسأل الله حسن الخاتمة بمنه وكرمه. وقد رأيت أنا هذا الشاش المذكور، كان على صفة الحلى التي تحلى به العروس، بل كان أكثر تعباً في تعديله، انتهى.
ودام الملك الظاهر في ملكه إلى أن قدم عليه البريد في تاسع عشر شوال سنة تسع وثمانين وسبعمائة بأن الأمير تمربغا الأفضلي المدعو منطاش نائب ملطية خامر ووافقه القاضي برهان الدين أحمد صاحب سيواس، وقرأ محمد التركماني؛ فصار السلطان يأخذ في هذا الكلام ويعطي، ثم رسم لنواب البلاد الشامية بالتوجه لقتال منطاش.
واستمر إلى أن ورد عليه في أول سنة تسعين قاصد الأمير منطاش يخبر بأنه تحت طاعة السلطان، وأن ما قيل عنه كذب؛ فقدم في إثر القاصد البريد من حلب يخبر بأنه خارج عن الطاعة، وأن ما أرسله دهاء ومكر، وقصد بذلك المدافعة عنه حتى يدخل فصل الربيع وتذوب الثلوج؛ فعند ذلك سير السلطان الأمير ملكتمر الدوادار بعشرة آلاف دينار للأمراء المجردين؛ تقوية لهم، وليعرف حقيقة أمر منطاش.
ثم ورد الخبر بمخامرة ألطنبغا الجوباني نائب دمشق، وأنه ضرب طرنطاي حاجب حجاب دمشق، وأنه استكثر من استخدام المماليك.
وبلغ الجوباني هذا الخبر، فاستأذن في الحضور إلى القاهرة، فأذن له؛ فركب البريد حتى وصل سرياقوس ليلة الخميس سابع عشرين شهر رمضان من السنة؛ فبعث السلطان الأمير فارس الصرغتمشي أمير جندار، فقيده، وسيره إلى الإسكندرية.(1/259)
ثم قبض السلطان في يوم السبت تاسع عشرين رمضان على الأمير ألطنبغا المعلم أمير سلاح، وقردم الحسني رأس نوبة، وقيدا، وحملا إلى الإسكندرية مع الجبغا الجمالي الدوادار، فحبسا بها.
واستقر الأمير طرنطاي حاجب حجاب دمشق في نيابتها، عوضاً عن الجوباني، وحمل إليه التقليد والتشريف مع سودون الطرنطاي.
ثم كتب السلطان بالقبض على الأمير كمشبغا الحموي نائب طرابلس؛ فقبض عليه، وقدم سيفه في عاشر ذي القعدة وولى نيابتها حاجبها الأمير أسندمر المحمودي، ثم نفى السلطان الأمير كمشبغا الخاصكي الأشرفي رأس نوبة إلى طرابلس، ثم رسم بالقبض على عشرة من أمراء البلاد الشامية، فلذلك نفرت القلوب عن الملك الظاهر برقوق، وخاف كل أحد على نفسه، وسمع الأمير يلبغا الناصري نائب حلب بما وقع للجوباني نائب دمشق؛ فخاف، وطلق زوجته، وتأهب للعصيان، ووقع بينه وبين الأمير سودون المظفري حاجب حجاب حلب، وكاتب كل منهما في الآخر، فلم يلتفت السلطان إلى كتب سودون المظفري في الظاهر، وأنصف الناصري، وفي القلب ما فيه.
ثم أرسل السلطان عقيب ذلك للناصري بهدية فيها عدة خيول بقماش ذهب، واستدعاه ليحضر إلى الديار المصرية للمشورة في أمر منطاش؛ فأجاب يعتذر عن الحضور بحركة التركمان، وبعصيان منطاش، والخوف على مدينة حلب منهم؛ فلم يقبل السلطان عذره، وعلم أمره، ولم يظهر ذلك.
ثم بعث الأمير ملكتمر المحمدي الدواداري إلى حلب وعلى يده مثالين ليلبغا الناصري وسودون المظفري أن يصطلحا بحضرة الأمراء والقضاة، وسير معه خلعتين يلبسانهما بعد صلحتهما. وحمل في الباطن عدة مطالعات إلى سودون المظفري وغيره من الأمراء بالقبض على الناصري وقتله - إن امتنع من الصلح - .
وكان مملوك الناصري قد تأخر عن سفره؛ ليفرق كتباً من عند أستاذه على أمراء الديار المصرية، ويستميلهم فيها، ويدعونهم إلى موافقته، وأخر السلطان جواب الناصري الوارد على يده؛ ليسبقه ملكتمر الدوادار إلى حلب؛ فبلغ مملوك الناصري ما على يد ملكتمر من القبض على أستاذه الناصري وغيره، ثم كتب له الجواب بعد سفر ملكتمر بأيام وخرج، وفي ظن السلطان أن ملكتمر هو السابق، فجد هذا المملوك في السير، وساق إلى أن دخل حلب؛ قبل ملكتمر، وعرف الناصري الحال كله؛ فأخذ الناصري حذره.
وقيل إن ملكتمر كان بينه وبين الشيخ حسن رأس نوبة الناصري مصاهرة، فلم قرب من حلب بعث يخبره بما أتى فيه.
قلت: وهذا بعيد، اللهم إلا أن كان تباطأ حتى سبقه مملوك الناصري، مراعاة للشيخ حسن، فهذا ممكن. وخرج الناصري حتى لقي ملكتمر على العادة، وأخذ منه مثاله، وحضر به إلى دار السعادة، وقد اجتمع الأمراء والقضاة وغيرهم؛ لسماع المرسوم السلطاني. وتأخر سودون المظفري عن الحضور، والرسل تستعجله حتى حضر، وهو لابس آلة الحرب من تحت ثيابه.
فعند ما دخل الدهليز جس قازان اليرقشي أمير آخور الناصري كتفه؛ فوجد السلاح، فقال: يا أمير، الذي يجيء للصلح يدخل لابس آلة الحرب؟ فسبه المظفري، فسل قازان عليه السيف وضربه، فأخذته السيوف من الذين رتبهم الناصري من مماليكه حتى فارق الدنيا، وجرد أيضاً مماليك المظفري سيوفهم، وقاتلوا مماليك الناصري، فقتل بينهم أربعة، وثارت الفتنة.
ثم انهزمت مماليك المظفري، وقبض الناصري على الحاجب وأولاد المهمندار، وعدة ممن يخافهم، وركب من وقته إلى قلعة حلب؛ فتسلمها من غير قتال.
واستدعى التركمان والعرب، وقدم عليه منطاش معاوناً له، وداخلاً في طاعته. وعاد الخبر إلى الملك الظاهر برقوق بما وقع في خمس عشر صفر؛ فكتب السلطان في سابع عشره إلى الأمير إينال اليوسفي أتابك دمشق المعزول قبل تاريخه عن نيابة حلب بنيابة حلب ثانياً، عوضاً عن الناصري، بحكم عصيانه. فلم يلتفت إينال لذلك، ووافق الناصري على العصيان.
وفي ثامن عشر الشهر المذكور طلب السلطان القضاة وأعيان الدولة من الأمراء وغيرهم، وعرفهم بما وقع من الناصري، واستشارهم في أمره؛ فوقع الاتفاق على إرسال عسكر لقتاله.(1/260)
ثم إن السلطان حلف الأمراء بأجمعهم على طاعته وعدم مخالفته، ثم خرج إلى القصر الأول، وحلف أكابر المماليك، ثم أخذ في تجهيز العسكر، وعرض المماليك السلطانية، فعين منهم أربعمائة وثلاثين للسفر، وعين من أمراء الألوف خمسة وهم: الأتابك أيتمش البجاسي، والأمير أحمد بن يلبغا أمير مجلس، والأمير أيدكار حاجب الحجاب، الأمير جاركس الخليلي، والأمير يونس النوروزي الدوادار. وعين من أمراء الطبلخانات سبعة وهم: الأمير فارس الصرغتمشي، والأمير بكلمش رأس نوبة، والأمير جاركس المحمدي، الأمير شاهين الصرغتمشي، والأمير آقبغا الصغير السلطاني، والأمير إينال الجركسي أمير آخور ثاني، والأمير قديد القلمطاوي، ومن العشرات جماعة.
وحمل للأمير أيتمش مائتا ألف درهم فضة، وعشرة آلاف دينار ذهباً مصرية، برسم النفقة، وإلى كل أمير من أمراء الألوف مائة ألف درهم، وخمسة آلاف دينار، ما خلا أيدكار الحاجب، فإنه أحمل إليه مبلغ ستين ألف درهم، وألف دينار وأربعمائة دينار.
فبينما هو كذلك، إذ قدم عليه الخبر في رابع عشرينه من دمشق بأن الأمير قرابغا فرج الله، والأمير بزلار العمري الناصري حسن، والأمير دمرداش اليوسفي، والأمير كمشبغا الخاصكي، والأمير آقبغا جنجق اجتمع معهم جماعة كبيرة من المماليك المنفيين، وقبضوا على الأمير أسندمر نائب طرابلس، وقتلوا من الأمراء الأمير صلاح الدين خليل بن سنجر وابنه، وقبضوا على جماعة أخر، ودخلوا في طاعة الناصري. وكان هؤلاء الأمراء بلا أرزاق بطرابلس، ممن نفاهم الظاهر برقوق، وكانوا من أعيان أمراء الدولة.
وفي سادس عشرينه قدم الخبر بأن مماليك الأمير سودون العثماني نائب حماه، هموا بقتله، ففر منهم إلى دمشق، وأن الأمير بيرم العزي حاجب حماة دخل في طاعة الناصري، وملك مدينة حماة؛ فعرض السلطان المماليك، وكتب منهم جماعة للسفر؛ لتتمة خمسمائة مملوك؛ ولهذا تعرف بوقعة الخمسمائة.
وفي يوم الجمعة سابع عشرينه رسم السلطان للأمير بجاس والي باب القلعة أن يتوجه إلى الخليفة المتوكل على الله، وينقله إلى البرج من القلعة، ففعل ذلك، وضيق عليه، ومنع الناس من الدخول إليه، وخوفاً من الناصري أن يدس من يأخذه؛ فإنه شنع عن السلطان بتلك البلاد أموراً أعظمها: خلع الخليفة هذا في البرج ليلة واحدة، ثم أعيد إلى مكانه، ثم رسم الملك الظاهر للأمير الطواشي مقبل الزمام بالتضييق على الأسياد - أولاد السلاطين - ومنع من يتردد إليهم، والفحص عن أحوالهم؛ ففعل ذلك، ثم أرسل السلطان تقليداً على البريد إلى الأمير طغاي تمر القبلائي - أحد أمراء دمشق - بنيابة طرابلس.
وفي خامس ربيع الأول قدم البريد من خليل بن دلغادر يخبر بأن سنقر نائب سيس توجه إلى الناصري، ودخل في طاعته. ثم أنفق السلطان في المماليك برسم السفر نفقة ثانية؛ فإنه كان فرق في الأولى لكل واحد خمسة آلاف درهم فضة، وفي الثانية ألفاً. وهذا سوى الخيل والجمال والسلاح، فإنه فرق في أرباب الجوامك لكل واحد جملين، ولكل اثنين من أرباب الأخباز خمس علائق. ورسم أن يعطى كل مملوك بدمشق مبلغ خمسمائة درهم.
وفي ثالث عشرة قدم البريد بأن ثلاثة عشر من أمراء دمشق خرجوا بمماليكهم إلى حلب، ودخلوا تحت طاعة الناصري. ثم إن السلطان استدعى الخليفة من سجنه، وقام إليه، وتلقاه، وتلطف به، واعتذر إليه مما وقع في حقه، وتحالفا. ومضى الخليفة إلى داره.
ثم رسم السلطان بسفر العسكر؛ فخرجوا في يوم السبت رابع عشر ربيع الأول من سنة إحدى وتسعين وسبعمائة واستقلوا بالمسير حتى وصلوا إلى دمشق في يوم الاثنين سابع شهر ربيع الآخر.
ولما وصلوا إلى دمشق صارت المماليك السلطانية تكثر من الفساد واللهو إلى أن نزل عليهم الأمير يلبغا الناصري يوم السبت تاسع عشر في خان لاجين، خارج دمشق؛ فخرج في يوم الأحد أو الاثنين حادي عشرينه عساكر مصر ودمشق إلى برزة، والتقوا بالناصري على خان لاجين، وقاتلوه قتالاً شديداً، انكسر الناصري فيه مرتين من المماليك السلطانية؛ فعندما تنازلوا في المرة الثالثة؛ قلب الأمير أحمد بن يلبغا رمحه ولحق بعسكر الناصري بمن معه وتبعه الأمير أيدكار العمري الحاجب أيضاً بمن معه؛ ثم الأمير فارس الصرغتمشي؛ والأمير شاهين أمير آخور بمن معهم، ورجعوا قاتلوا العسكر المصري معاونة للناصري، فثبتوا لهم أيضاً ساعة جيدة.(1/261)
ثم انهزموا؛ فهجم مملوك من عسكر الناصري يقال له يلبغا الزيني الأعور، وضرب الأمير جركس الخليلي بالسيف؛ فقتله، وأخذ سلبه، وترك رمته بالعراء مدة إلى أن كفنته امرأة ودفنته. ثم مدت التراكمين أيديهم ينهبون ويأسرون. ولحق الأتابك أيتمش بقلعة دمشق وتحصن بها، وتمزق العسكر السلطاني شذر مذر، ودخل الناصري إلى دمشق من يومه، ونزل بالقصر من الميدان، وتسلم القلعة بغير قتال، وأوقع الحوطة على سائر مال العسكر المصري والشامي، وقيد أيتمش والأمير طرنطاي نائب دمشق وحبسهما بقلعة دمشق. ثم قبض من يومه على الأمير بكلمش العلائي في عدة من المماليك السلطانية، واعتقلهم بالقلعة، وانهزم الأمير يونس النوروزي الدوادار يريد القاهرة، فاعترضه عنقاء بن شطي أمير آل مرا قريباً من خربة اللصوص؛ فقتله في يوم الثلاثاء ثالث عشرين ربيع الآخر. وبعث برأسه إلى الأمير يلبغا الناصري. وبلغ السلطان الخبر من غزة في يوم سابع عشرين ربيع الآخر؛ فاضطرب اضطراباً عظيماً، وغلقت الأسواق، وانتهبت الأخباز، وتشغبت الزعر.
هذا، مع عظم الوباء بالقاهرة، وترادفت الأهوال على المصريين. ثم خرج السلطان إلى الإيوان من القلعة، وعرض المماليك، وكتب منهم خمسمائة، وأنفق فيهم ذهباً حساباً عن ألف درهم فضة؛ ليتوجهوا إلى دمشق صحبة الأمير سودون الطرنطاي، ثم أنفق في خمسمائة مملوك، ثم في أربعمائة؛ لتتمة ألف وأربعمائة مملوك، ثم أنفق في المماليك الكتابية، لكل واحد مائتي درهم فضة.
وفي يوم الأربعاء أول جمادى الأولى من السنة أنعم على كل من قرابغا الأبو بكري، وبجاس النوروزي نائب القلعة، وشيخ الصفوي، وقرقماش الطشتمري بإمرة مائة وتقدمة ألف بديار مصر، وأنعم على كل من ألجبغا الجمالي الخازندار، وألطنبغا العثماني رأس نوبة، ويونس الأسعردي الرماح، وقنق باي الألجاوي اللالا، وأسنبغا الأرغون شاوي، وبغداد الأحمدي، وأرسلان اللفاف، وأحمد الأرغوني، وجرباش الشيخي، وأرسبغا المنجكي، وإبراهيم بن طشتمر، وقراكسك السيفي بإمرة طبلخاناه. وأنعم على كل من السيد الشريف بكتمر الحسني والي القاهرة، وقنق باي الأحمدي بإمرة عشرين، وأنعم على كل من بطا الطولوتمري، ويلبغا السودوني، وسودون اليحياوي، وتنبك اليحياوي وأرغون شاه البيدمري، وآقبغا الجمالي الهذباني، وتغري بردى من يشبغا - أعني والدي - وقوزي الشعباني، وبكبلاط السونجي، وأردبغا العثماني، وشكزباي العثماني، وأسنبغا السيفي بإمرة عشرة.
ثم رسم فنودي بالقاهرة بإبطال المكوس، وأخذ في تحصين القاهرة، واستجلاب خواطر الرعية إلى أن ورد الخبر بقدوم الناصري نحو الديار المصرية. ثم انقطعت الأخبار عن السلطان؛ لأن ابن باكيش نائب غزة وغيره دخلوا في طاعة الناصري، فهم السلطان أن يخرج إلى السفر؛ لقتال الناصري في أثناء الطريق - وكان هو الرأي - فخذله الأمير دمرداش وغيره، وحسنوا له القتال من القلعة. ووقع الشروع في حفر خندق القلعة، فبينما هم كذلك إذ ورد الخبر بنزول الناصري إلى الصالحية؛ فأرسل السلطان الأمير قجماق بجماعة لكشف خبر الناصري فتوجه إلى المرج والزيات، وعاد ولم يقف على خبره، ثم أرسل في يوم الخميس أول جمادى الآخرة الأمير قرابغا الأبو بكري إلى قبة النصر، فعاد ولم يقف على خبر.
هذا والسلطان قد اجتمع عنده من الرماة، والمقاتلة، وآلات القتال أنواع، ثم ورد عليه الخبر بنزول الناصري إلى البئر البيضاء في يوم الجمعة ثانيه؛ فتوجه إليه أمراء الظاهر أولاً بأول.
وركب السلطان والخليفة بعد العصر، ودقت، الكوسات الحربية، ووقف عند دار الضيافة، وجميع من بقي عنده من العسكر ملبسة. واجتمع حوله من العامة خلائق، وقد ظهر زوال ملكه من عظم خوفه وكثرة بكائه حتى أبكى الناس، ثم عاد إلى الإصطبل السلطاني؛ فجلس فيه، وصعد الخليفة إلى منزله بقلعة الجبل. ثم لا زال الناصري بمن معه يتقدم، وأمر الظاهر برقوق وسعده يتأخر، إلى أن فر من عنده من الأمراء إلى الناصري الأمير آقبغا المارديني حاجب الحجاب، والأمير جقمق بن الأتابك أيتمش، والأمير صارم الدين إبراهيم بن طشتمر الدوادار.(1/262)
وفي يوم الأحد رابع جمادى الآخرة فر الأمير قرقماس الطشتمري الدوادار، والأتابك قرا دمرداش الأحمدي، والأمير سودون باق، ولحقوا أيضاً بالناصري - في عدة وافرة من المماليك السلطانية وغيرهم - ولم يتأخر عند السلطان إلا طائفة من خاصكيته، ومن الأمراء ابن عمه الأمير قجماس، وسودون الشيخوني النائب، وسودون الطرنطاي، وتمربغا المنجكي، وأبو بكر ابن سنقر، وبيبرس التمان تمري، وشيخ الصفوي، وشنكل الطواشي مقدم المماليك، ثم أغلق باب زويلة وجميع الدروب، وتعطلت الأسواق، وتلاشت الدولة الظاهرية وانحل أمرها.
وقدم جماعة من عسكر الناصري؛ فقاتلهم قجماس ورمى عليهم، ثم قدم بعد العصر من عسكر الناصري الأمير بزلار العمري، والطواشي طقطاي الطشتمري، والأمير ألطنبغا الأشرفي في نحو ألف وخمسمائة فارس؛ فبرز إليهم الأمير بطا، وشكزباي، وتغرب بردى والدي، وتنبك اليحياوي، وسودون شغراق في عشرين فارساً؛ فكسروهم إلى قبة لنصر، فلم يغتر الظاهر بذلك، وعلم أن أمره في إدبار.
ثم بعث أبا بكر بن سنقر الحاجب، وبيدمر المنجكي شاد القصر جمنباه الملك إلى الناصري؛ ليأخذ له منه الأمان؛ فسارا من عنده، واجتمعا بالناصر خلوة، فقال: كيف نأمنه ومنطاش وغيره قصدهم غير ذلك، ولكن يختفي وله الأمان حتى تخمد هذه الفتنة فعادا إليه بذلك. فلما صلى عشاء الآخرة، قام الخليفة إلى منزله بالقلعة، وبقي الظاهر في قليل من أصحابه، وأذن لسودون النائب في التوجه والنظر لنفسه، وفرق البقية، فمضى كل واحد إلى حال سبيله، واستتر حتى نزل من الإصطبل، فلم يعرف له خبر، وسكن دق الكوسات، ووقع النهب في حواصل الإصطبل. وأعلموا الناصر ومن معه بفرار السلطان؛ فبات في موضعه.
وزالت دولة الملك الظاهر برقوق، فكان مدة تحكمه مذ قبض على الأمير طشتمر الدوادار في تاسع ذي الحجة سنة تسع وسبعين وسبعمائة، إلى أن تسلطن في تاسع عشر رمضان سنة أربع وثمانين وسبعمائة أربع سنين وتسعة أشهر وعشرة أيام. وكان يسمى في تلك المدة: الأمير الكبير نظام الملك.
ومن حين تسلطن إلى أن اختفى في هذا اليوم المذكور ست سنين وثمان شهور وسبعة عشر يوماً؛ فتكون مدة حكمه أميراً وسلطاناً إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر وسبعة وعشرين يوماً. وترك ملك مصر وله نحو ألفي مملوك مشتراة، فسبحان من لا يزول ملكه.
ذكر عود الملك الصالح حاجي
ابن الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون إلى السلطنة، وتغيير لقبه بالمنصور - ولم نعلم سلطاناً غيره غير لقبه - .
ولما اختفى الملك الظاهر برقوق في الليل، سار الأمير منطاش بكرة يوم الاثنين خامس جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين إلى القلعة، وأخذ الخليفة وعاد به إلى الأمير يلبغا الناصري بقبة النصر، فقام إليه الناصري، وتلقاه، وأجلسه بجانبه، وحضر القضاة والأعيان، ثم قام الخليفة إلى خيمة أعدت له، والقضاة إلى خيمة أخرى، واجتمع عند الناصري من معه من الأمراء؛ لتدبير أمرهم وإقامة أحد في السلطنة؛ فأشار بعضهم بسلطنة الناصري، فامتنع من ذلك، وانفضوا بغير طائل. ثم رسم الناصري بالإفراج عن الأمراء المعتقلين بالإسكندرية وإحضارهم إلى القاهرة. ثم رحل من قبة النصر في موكب هائل، وطلع إلى الإصطبل السلطاني. هذا وطوائف التركمان والأوباش الذي جاءوا معه تنهب في أطراف القاهرة، والأسواق مغلقة.
فلما استقر به الجلوس أمر الوالي بالمناداة بالأمان والبيع والشراء. ثم أصبح من الغد - يوم الثلاثاء - طلب الأمراء للمشورة في أمر من يتسلطن؛ فحضروا، واستقر الحال على إعادة الملك الصالح في الملك، فطلب من الحوش السلطاني، وأجلس على تخت الملك، وغير لقبه بالملك المنصور. ثم التفت إلى برقوق والفحص عليه، إلى أن غمز على مملوك أبي يزيد؛ فهرب؛ فقبض على زوجته وعوقبت؛ فدلت على أبي يزيد والملك الظاهر برقوق، وأنهما في بيت رجل خياط بجوار بيت أبي يزيد.(1/263)
وقيل إن الظاهر لما نزل من القلعة ليختفي في نصف ليلة الاثنين عدى النيل، ونزل عند الأهرام، فأقام هناك ثلاثة أيام، ثم عاد إلى بيت أبي يزيد، فأقام عنده إلى يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الآخرة من السنة، فحضر مملوك أبي يزيد إلى الناصري، فأعلمه أن الظاهر في دار أستاذه؛ فأحضر الناصري أبا يزيد وسأله؛ فاعترف أنه عنده، فأخذه الجوباني، وسار به إلى حيث الملك الظاهر برقوق. - وهذا القول هو الصحيح - .
ولما وصل ألطنبغا الجوباني إلى الدار أوقف من كان معه أسفل الدار، وطلع هو وحده. فلما رآه برقوق، قام إليه، وهم أن يقبل يده؛ فاستعاذ بالله من ذلك، وقال: يا خوند أنت أستاذنا. ثم ألبسه عمامة وطيلسة، ونزل به، وأركبه، وشق به صليبة جامع ابن طولون إلى أن صعد به إلى الناصري في الإصطبل السلطاني، فرسم بإقامته بقاعة الفضة من القلعة، وألزم أبو يزيد بالظاهر عنده، فأحضر كيساً فيه ألف دينار، فأنعم به عليه ورتب بخدمة الظاهر مملوكان ومهتاره نعمان، وقد قيد بقيد ثقيل، ثم خلع الناصري على حسام الدين الكجكني بنيابة الكرك عوضاً عن مأمور القلمطاوي، وسافر حسام الدين المذكور في تاسع عشره.
واستمر الظاهر بقاعة الفضة إلى ليلة الخميس ثاني عشرين جمادى الآخرة رسم بسفره إلى الكرك؛ فأخرج في ثلث الليل إلى باب القرافة - أحد أبواب القلعة - مع الأمير ألطنبغا الجوباني؛ فأركب هجيناً، ومعه أربعة مماليك صغار ومهتاره نعمان المذكور، والمماليك: الأمير قطلوبغا الكركي، وآقباي الكركي، وبيعان الكركي، والآخر لا أدري ما كان اسمه - ذكر في ترجمة قطلوبغا وعد أنه كان اسم الرابع: سودون الكركي - كلهم كانوا كتابية.
ولما أركب على الهجين، ساروا به إلى قبة النصر، وأسلموه إلى محمد بن عيسى العائدي؛ فتوجه به على عجرود إلى الكرك، وسلمه إلى نائبها الأمير حسن، فأنزله بالقلعة في قاعة النحاس.
وكانت بنت الأمير يلبغا العمري زوجة مأمور بالكرك، فقامت له بكل ما يحتاج إليه من الفرش، وقدمت له أسمطة تليق به، واعتنى به أيضاً حسن الكجكني. وكان الناصري أوصاه به، وقرر معه إن أتى به أمر من منطاش أو غيره فليفرج عن الظاهر برقوق، فاعتمد ذلك، وصار يتلطف به، ويعده بالتوجه معه إلى التركمان، وصار لا يزال عنده ويؤكله معه حتى أنس به.
ودام في السجن على ذلك إلى أن وقع بين الأمير الكبير يلبغا الناصري وبين الأمير تمربغا الأفضلي - المعروف بمنطاش - الوقعة المشهورة، وظفر منطاش بالناصري وقبض عليه، وحبسه بثغر الإسكندرية هو ومعه عده من أصحابه من أعيان الأمراء مثل الجوباني وغيره.
ولما ملك منطاش الديار المصرية، وصار هو المتحدث في المملكة - عوضاً عن الناصري - أرسل الشهاب البريدي إلى الكرك وعلى يده مرسوم إلى نائب الكرك بقتل الظاهر برقوق. ولما وصل الشهاب المذكور إلى الكرك، صار الأمير حسام الدين الكجكني نائب الكرك يسوف به، وأوقف برقوق على المرسوم. ثم إن جماعة من أهل الكرك انتصروا لبرقوق لما علموا من ممالأة النائب إليه، وقتلوا الشهاب البريدي، وأخرجوا الملك الظاهر برقوق من الحبس وبايعوه بالسلطنة ثانية، وذلك في يوم الاثنين تاسع شهر رمضان من السنة. وتسامعت به الناس، وقدم عليه جماعة من مماليكه، منهم والدي، والأمير دمرداش المحمدي، ودقماق؛ فإنهم كانوا نفوا إلى دمشق. واجتمع جماعة من التركمان، وساعدته المقادير.
وسمع منطاش بخروج برقوق؛ وأمر بتجهيز العساكر إلى البلاد الشامية؛ لقتاله، ثم إن الظاهر برقوق خرج من الكرك، وقصد دمشق في يوم الأحد سادس عشرين شهر شوال من السنة، فأقام بالثنية يومين ومعه نحو الألف فارس، والناس تأتيه من كل فج بكل ما يحتاج إليه.(1/264)
ولما علم الأمير منطاش بظهور برقوق من الكرك، كاتب الأمير حسين ابن باكيش نائب غزة، بأن يجمع العربان والعشير، ويتوجه لقتال برقوق؛ فخرج المذكور من وقته حتى التقى مع الظاهر برقوق في أثناء طريق دمشق - بالقرب من حسيان - فاقتتل معه؛ فانكسر، واستولى الملك الظاهر على غالب بركه. ثم حضر إلى السلطان الملك الظاهر برقوق الأمير قرابغا فرج الله ومعه نحو مائتي فارس، وسار الظاهر إلى دمشق؛ فخرج إليه عسكرها، فاقتتل معهم ساعة؛ فكسرهم. وقوى أمره. ثم إن حاجب صفد ونائبه قلعتها لما أتاهم خبر الظاهر أفرجا عن الأمير إينال اليوسفي؛ فركب من الفور حتى قدم على الملك الظاهر، وكذلك الأمير كمشبغا نائب حلب حضر إليه بعساكره.
كل ذلك وهو مقيم بقبة يلبغا - خارج دمشق - والأمير جنتمر نائب دمشق من داخل دمشق - وهو من حزب منطاش - ثم إن منطاش خرج بالسلطان الملك المنصور حاجي والعساكر المصرية؛ لقتال الملك الظاهر برقوق في سابع عشر ذي الحجة، ودام الملك الناصر خارج دمشق إلى أن وصلت إليه العساكر المصرية؛ فتوجه الظاهر لقتالهم، والتقوا بشحقب من طريق دمشق في يوم الأحد رابع عشر المحرم سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة، واشتد القتال بين الفريقين من باكر النهار إلى العصر، إلى أن انهزمت فيها ميمنة الظاهر وميسرته، وثبت هو في القلب. وهرب الأمير كمشبغا الحموي نائب حلب، فتبعه منطاش هو يظن أنه برقوق، واستمر كمشبغا متوجهاً إلى حلب، وهو لا يعلم ما وقع من بعده.
وأما الملك الظاهر لما انكسر عسكره بقي معه نحو المائتين مملوك؛ فنزل بهم من وراء عقبة هناك، فرأى السلطان الملك المنصور والخليفة والقضاة، فصوب إليهم؛ واحتوى عليهم، من غير أن يقاتله أحد، ثم تراجع إليه بعض أمرائه وعسكره، وانضاف إليه أيضاً جماعة من أمراء المصريين. ونام برقوق تلك الليلة هو وعسكره على ظهور خيولهم بآلة الحرب، وأصبح من الغد ومعه عسكر جيد.
وأما منطاش، فإنه توجه إلى دمشق وأخبر نائبها جنتمر بأنه كسر الظاهر برقوق، وجمع عسكر دمشق وعاد إلى شقحب، واقتتل مع الظاهر ثانياً، فانكسر كسرة أقبح من الأولى، ورجع إلى دمشق، فأقام السلطان بشقحب تسعة أيام، ثم رحل قاصداً للديار المصرية.
ذكر سلطنة الظاهر برقوق ثانياً
ولما استولى الظاهر على المنصور بشقحب، واستفحل أمره، خلع المنصور نفسه، وتسلطن الظاهر برقوق، وعاد إلى القاهرة، فوصلها في يوم الثلاثاء رابع عشر صفر سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة، وفرشت الشقق الحرير تحت ممر فرسه، فتنحى عن الشقق بفرسه، وأمر المنصور حاجي أن يدوسها؛ فأعجب العامة منه ذلك، وضجوا له بالدعاء إلى أن طلع القلعة، فنزل من باب القلعة عن فرسه، ومشى راجلاً تجاه فرس المنصور، وهو راكب حتى نزل؛ فأخذ الظاهر يعضده، فاستحسن منه ذلك إلى الغاية.
ثم عاد إلى القصر وجلس على تخت الملك، وخلع على الخليفة والقضاة وأرباب الدولة، فكان يوماً مشهوداً. ومن غريب ما اتفق في الديار المصرية في غيبة الظاهر برقوق أن منطاشاً كان قد حبس جماعة من أمراء برقوق ومماليكه في خزانة الخاص بالقلعة، بعد أن سد بابها، وفتح من سقفها موضعاً وصارت جباً، وأنزل إليها هذه الجماعة؛ فأقاموا بها إلى ليلة الخميس ثاني صفر انكشف لهم سرداب تحت الأرض؛ فخرجوا منه إلى طبقة الأشرفية، ففتحوا بابها الذي يصل إلى الإصطبل؛ فهرب منه سراي تمر دودار منطاش، وكان مقيماً بالإصطبل نائب الغيبة، ثم أصبحوا في يوم الخميس تقاتلوا مع سراي تمر المذكور، ومع الأمير تكا نائب القلعة حتى انتصروا، وانهزم تكا وسراي تمر بعد حروب.
واستفحل أمر الظاهرية، وملكوا القلعة، ورأسهم الأمير بطا الطولوتمري، وأفرجوا عمن بها من المماليك الظاهرية. فبينما هم كذلك إذ ورد عليهم الخبر بوصول الملك الظاهر برقوق إلى مدينة غزة؛ فمهدوا له الديار المصرية قبل قدومه. فلما جلس الظاهر على تخت الملك، أرسل بالإفراج عن الأمير يلبغا الناصري والجوباني، وغيرهما من سجن الإسكندرية - وهم الذين حبسهم منطاش - فوصلوا إلى بر الجيزة في سابع عشر صفر، وباتوا بها.(1/265)
وعدوا من الغد وطلعوا إلى القلعة، وهم سبعة عشر أميراً: الأتابك يلبغا الناصري - صاحب الوقعة الذي قهر برقوق على الملك وسجنه بالكرك - وألطنبغا الجوباني - الذي قبض عليه من بيت أبي يزيد، وطلع به إلى الناصري المذكور - وألطنبغا المعلم أمير سلاح، وقراد مرداش الأحمدي - الذي كان جعله برقوق بعد أيتمش أتابكاً، وأنعم عليه بثلاثين ألف دينار، فقبضها، ثم فر إلى الناصري ومنطاش، وترك برقوق - وأحمد بن يلبغا العمري أمير مجلس - الذي كان سبب كسرة عسكر برقوق بدمشق لما فر هو وأيدكار الحاجب وصارا من حزب الناصري - وقردم الحسني، وسودون باق، وسودون الطرنطاي، وآقبغا المارديني، أقبغا الجوهري، وكشلي القلمطاوي، وبجاس النوروزي، ومأمور القلمطاوي، وألطنبغا الأشرفي، ويلبغا المنجكي، ويونس العثماني، وآلابغا العثماني؛ فقبلوا الجميع الأرض بين يديه وعادوا إلى منازلهم، ولم يعاتب أحداً منهم على فعله. فانظر يا هذا إلى الدهر وتقلباته في أمر الظاهر برقوق، وفي أمر الناصري؛ وهو أن كلا منهما كان مملوكاً ليلبغا الخاصكي، وكان الناصري هو الأكبر، ثم صار الناصري بعد موت أستاذه يلبغا أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، وبرقوق يومئذ من جملة الأجناد، فكان برقوق يعضد الناصري عند ركوبه ونزوله ويقف بخدمته، ثم ضرب الدهر ضرباته حتى صار برقوق سلطاناً والناصري من جملة أمرائه، وولاه نيابة حلب، ودام على ذلك إلى أن خرج عن طاعة برقوق وملك الديار المصرية - حسبما ذكرناه - وقبض على برقوق من بيت أبي يزيد وجيء به إلى بين يديه، وصار الناصري مالك رقبته، ثم أرسله إلى حبس الكرك، ثم إن منطاشاً قبض على الناصري، وحبسه بثغر الإسكندرية، وأطلق برقوق من حبس الكرك، وعاد إلى ملكه، ثم صار الناصري في قبضته وبين يديه - فسبحان من يعز ويذل - .
وفي يوم الاثنين عشرين صفر من سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة جلس السلطان الملك الظاهر برقوق بدار العدل على عادته، وأخلع على الأمير سودون الشيخوني بنيابة السلطنة على عادته، وعلى الأمير إينال اليوسفي أتابك العساكر، وعلى الأمير يلبغا الناصري غريمه أمير سلاح، وعلى الأمير كمشبغا الخاصكي أمير مجلس، وعلى الأمير ألطنبغا الجوباني رأس نوبة النوب، وعلى الأمير بطا الطولوتمري دواداراً، وعلى الأمير بكلمش العلائي أمير آخور، وعلى الأمير طوغان أمير جندار، ثم استقر بالجوباني في نيابة دمشق وبالأمير قراد مرداش في نيابة طرابلس، ومأمور في نيابة حماة. وأمرهم بمحاربة منطاش، ثم أضاف إليهم جماعة من الأمراء المصريين، وجعل مقدم العساكر الأمير يلبغا الناصري، وندبه لمحاربة منطاش، وقال له: هو غريمك، ابرز إليه؛ فتجهز، وخرج صحبة العساكر إلى دمشق، بعد أن قام له الظاهر بكل ما يحتاج إليه.
وتقاتل مع منطاش، وقتل الجوباني في المعركة، وتولى الناصري نيابة دمشق عوضه. ثم وقع للناصري مع منطاش حروب أسفرت عن فرار منطاش إلى ابن نعير وإقامته عنده سنين، ثم قبض الظاهر على الناصري وقتله، ثم ظفر بمنطاش وغيره، ولا زال يتتبع غرماءه وأعداءه واحداً بعد واحد إلى أن أفنى خلائق بالقتل. وصفا له الوقت، وأخذ في ترقي مماليكه، وتجرد بعد ذلك عدة تجاريد إلى البلاد الشامية.
ودام على ذلك إلى سنة ست وتسعين وسبعمائة، قدم عليه السلطان أحمد بن أويس صاحب بغداد، فاراً من تيمورلنك؛ فنزل السلطان إلى أن تلقاه بمطعم الطير - خارج القاهرة - وأكرمه غاية الإكرام - كما ذكرناه في ترجمة السلطان أحمد مفصلا - ثم قدم كتاب تيمورلنك على السلطان الملك الظاهر برقوق في أثناء السنة المذكورة.(1/266)
ونص كتاب تيمورلنك: قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، واعلموا أنا جند الله مخلوقون من سخطه مسلطون على من حل عليه غضبه، لا ترق لشاكٍ، ولا نرحم عبرة باك، قد نزع الله الرحمة من قلوبنا، فالويل ثم الويل لمن لم يكن من حزبنا ومن جهتنا قد خربنا البلاد، وأيتمنا الأولاد، وأظهرنا في الأرض الفساد، وذلت لنا أعزتها، وملكنا بالشوكة أزمتها، فإن خيل ذلك على السامع وأشكل، وقال: إن فيه عليه مشكلاً، فقل له: إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذله؛ وذلك لكثرة عددنا وشدة بأسنا فخيولنا سوابق، ورماحنا خوارق، وأسنتنا بوارق، وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال، وجيوشنا كعدد الرمال، ونحن أبطال وأقيال، وملكنا لا يرام وجارنا لا يضام وعزنا أبداً سؤدده منقام، فمن سالمنا سلم، ومن حاربنا ندم، ومن تكلم فينا ما لا يعلم جهل، فأنتم إن أطعتم أمرنا، وقبلتم شرطنا، فلكم ما لنا، وعليكم ما علينا، وإن خالفتم وعلى نعيكم عاديتم، فلا تلوموا إلا أنفسكم، فالحصون منا مع تشييدها لا تمنع، والمدائن بشدتها لقتالنا لا ترد ولا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يستجاب فينا ولا يسمع، وكيف يسمع الله دعاءكم وقد أكلتم الحرام، وضيعتم جميع الأنام، وأخذتم أموال الأيتام وقبلتم الرشوة من الحكام، وأعددتم لكم النار وبئس المصير: " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً " . فبما فعلتم ذلك أوردتم أنفسكم موارد المهالك، وقد قتلتم العلماء، وعصيتم رب الأرض والسماء، وأرقتم دم الأشراف، وهذا والله هو البغي والإسراف، فأنتم بذلك في النار خالدون، وفي غد ينادى عليكم اليوم يجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون، فأبشروا بالذلة والهوان، يا أهل البغي والعدوان، وقد غلب عندكم أننا كفرة وثبت عندنا أنكم والله أنتم الكفرة الفجرة، وقد سلطنا عليكم الإله، أموراً مقدرة، وأحكاماً مدبرة، فعزيزكم عندنا ذليل، وكثيركم لدينا قليل؛ لأننا ملكنا الأرض شرقاً وغرباً، وأخذنا منها كل سفينة غصباً، وقد أوضحنا لكم الخطاب، فأسرعوا برد الجواب، قبل أن يكشف الغطاء وتضرم الحرب نارها، وتضع أوزارها، وتصير كل عين عليكم باكية، وينادي منادي الفراق: هل ترى لهم من باقية، ويسمعكم صارخ القنا، بعد أن تهزكم هزاً " هل تحس منهم من أحدٍ أو تسمع لهم ركزاً " ، وقد أنصفناكم إذ راسلناكم، فلا تقتلوا المرسلين كما فعلتم بالأولين، فتخالفوا كعادتكم سنن الماضين، وتعصوا رب العالمين. فما على الرسول إلا البلاغ المبين، وقد أوضحنا لكم الكلام فأسرعوا برد الجواب والسلام.
؟فكتب جوابه بعد البسملة(1/267)
" قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير " قد حصل الوقوف على ألفاظكم الكفرية ونزغاتكم الشيطانية وكتابكم يخبرنا عن الحضرة الخانية وسيرة الكفرة الملاكية، وأنكم مخلقون من سخط الله ومسلطون على من حل عليه غضب الله، وأنكم لا ترقون لشاك، ولا ترحمون عبرة باك، وقد نزع الله الرحمة من قلوبكم، فذلك أكبر عيوبكم، وهذه من صفة الشياطين، لا من صفات السلاطين، وتكفيكم هذه الشهادة الكافية، وبما وصفتم بعه أنفسكم ناهية " قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد. ولا أنا عابدٌ ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد. لكم دينكم ولي دين " ، ففي كل كتاب لعنتم، وعلى لسان كل مرسل نعتم، وبكل قبيح وصفتم، وعندنا خبركم من حين خرجتم، أنكم كفرة، ألا لعنة الله على الكافرين، من تمسك بالأصول فلا يبالي بالفروع، نحن المؤمنون حقاً، لا يدخل علينا عيب، ولا يضرنا ريب، القرآن علينا نزل، وهو سبحانه رحيم لم يزل، فتحققنا نزوله، وعلمنا ببركته تأويله، فالنار لكم خلقت، ولجلودكم أضرمت. " إذا السماء انفطرت " ومن أعجب العجب تهديد الرتوت بالتوت، والسباع بالضباع والكماة بالكراع، نحن خيولنا برقية، وسهامنا عربية، وسيوفنا يمانية، وليوثنا مصرية، وأكفنا شديدة المضارب، وصفتنا مذكورة في المشارق والمغارب، إن قتلناكم فنعم البضاعة، وإن قتل منا أحد فبينه وبين الجنة ساعة " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون. فرحين بما أتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمةٍ من الله وفضلٍ وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين " وأما قولكم: قلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فالقصاب لا يبالي بكثرة الغنم، وكثير الحطب يفنيه قليل الضرم وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين، الفرار الفرار من الزوايا، وطول البلايا، واعلموا أن هجوم المنية، عندنا غاية الأمنية، إن عشنا عشنا سعداء، وإن قتلنا قتلنا شهداء، إلا إن حزب الله هم الغالبون، أبعد أمير المؤمنين، وخليفة رب العالمين، تطلبون منا طاعة، لا سمع لكم ولا طاعة، وطلبتم أن نوضح لكم أمرنا، قبل أن ينكشف الغطاء، ففي نظمة تركيك، وفي سلكه تلبيك، لو كشف الغطاء لبان القصد بعد بيان، أكفر بعد أيمان، أم اتخذتم إله ثان وطلبتم من معلوم رأيكم، أن نتبع ربكم، " لقد جئتم شيئاً إداً. تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً " قل لكاتبك الذي وضع رسالته، ووصف مقالته؛ وصل كتابك كضرب رباب، أو كطنين ذباب كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مداً، " ونرثه ما يقول " ، إن شاء الله تعالى. لقد لبكتم فيما أرسلتم والسلام.
ثم تجرد الملك الظاهر برقوق في السنة المذكورة إلى البلاد الشامية ومعه السلطان أحمد بن اويس بتجمل زائد وأبهة عظيمة، قاصداً قتال تيمورلنك فكر تيمور راجعاً إلى بلاده بعد أن وصل إلى ديار بكر، فأقام الظاهر بالبلاد الحلبية مدة يتأوه؛ لعدم قتال تيمور، وصار لا يمكنه العدو خلفه.
وأشار عليه أمراؤه وأعيان دولته بالرجوع إلى الديار المصرية؛ فرجع بعد أن سفر السلطان أحمد ابن إدريس إلى محل ملكه، وأنعم عليه بأشياء ذكرناها في ترجمة السلطان أحمد المذكور.
وفي عوده إلى الديار المصرية أمر بعمارة جسر الشريعة بالغور، فعمر وأحكم بناؤه.
وفي هذا المعنى يقول الأديب شمس الدين محمد المزين وقد أجاد:
بنى سلطاننا للناس جسراً ... بأمر والوجود له مطيعة
مجازاً في الحقيقة للبرايا ... وأمراً بالسلوك على الشريعة
ثم وصل إلى الديار المصرية. ودام في الملك إلى أن توفى بقلعة الجبل بعد نصف ليلة الجمعة خامس عشر شوال سنة إحدى وثمانمائة، وقد جاوز الستين بعد أن مرض أياماً - رحمه الله تعالى - فكانت مدة تحكمه بالديار المصرية - منذ صار أتابكاً عوضاً عن الأمير طشتمر الدوادار إلى أن آلت السلطنة إليه - أربع سنين وتسعة أشهر وعشرة أيام - وقد تقدم ذلك قريباً - .(1/268)
ومنذ تسلطن إلى أن مات ستة عشر وأربعة أشهر وسبعة وعشرون يوماً خلع منها بالملك المنصور حاجي بيد الناصري ثمانية أشهر وستة عشر يوماً - وقد ذكرنا ذلك عند خلعه بالمنصور مفصلاً - .
وخلف الملك الظاهر برقوق من الأولاد ثلاثة ذكور وثلاث بنات؛ فالذكور: الملك الناصر فرج - تسلطن من بعده بعهد منه إليه - والملك المنصور عبد العزيز، وإبراهيم. والبنات: خوند سارة - زوجة الأمير نوروز الحافظي - وخوند بيرم - زوجة الأمير إينال باي بن قجماس - وخوند زينب - زوجة المؤيد شيخ، ثم الأتابك قجق - .
وترك من الذهب العين ألفي ألف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار.
وترك من النقود والغلال والسكر والثياب وأنواع الفرو ما قيمته ألف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار - قاله المقريزي ووافقه في بعض مقالته العيني - .
وترك من الجمال نحو خمسة آلاف جمل. ومن الخيول نحو ستة آلاف فرس. وبلغت جوامك مماليكه في الشهر نحو أربعمائة ألف درهم فضة، وعليق خيولهم في كل شهر ثلاثة عشر ألف أردب شعيراً، وعليق الخيل الخاص، وجمال النفر، وأبقار السواقي في كل شهر إحدى عشرة ألف إردب من الشعير والفول.
وبلغت عدة مماليكه خمسة آلاف مملوك مشتراة وخدمة - ما عدا أصحاب الأخباز - .
ذكر نوابه بمصر والبلاد الشامية
كان نائبه بالديار المصرية الأمير سودون الفخري الشيخوني إلى أن استعفى، ولم يستنب غيره.
ونوابه بدمشق: الأمير بيدمر الخوارزمي، ثم الأمير أعشقتمر المارديني، ثم ألطنبغا الجوباني، ثم طرنطاي السيفي، ثم يلبغا الناصري - صاحب الوقعة - ، ثم بطا الطولوتمري، ثم سودون الطرنطاي، ثم كمشبغا الأشرفي، ثم تنبك - المعروف بتنم الحسني إلى أن مات السلطان وهو بدمشق - .
ونوابه بحلب: الأمير يلبغا الناصري - صاحب الوقعة المذكورة - وسودون المظفري، وكمشبغا الحموي، وقرأ دمرداش الأحمدي، وجلبان الكمشبغاوي - المعروف بقرا صل - ، ووالدي - تغري بردى من يشبغا - وأرغون شاه الإبراهيمي، وآقبغا الجمالي الأطروش. ومات السلطان وهو بنيابة حلب.
ونوابه بطرابلس: الأمير مأمور القلمطاوي، وكمشبغا الحموي، وأسندمر السيفي، وقرا دمرداش الأحمدي - المتقدم ذكره - وإينال من خجا على، وإياس الجرجاوي، ودمرداشى المحمدي، وأرغون شاه الإبراهيمي - المتقدم ذكره - وآقبغا الجمالي الأطروش - المتقدم ذكره - ويونس بلطا الظاهري - ومات السلطان وهو في نيابة طرابلس - .
ونوابه بحماة: الأمير صنجق الحسني، وسودون المظفري، وسودون العلائي، وسودون العثماني، وناصر الدين محمد بن مبارك شاه المهمندار، ومأمور القلمطاوي ودمرداش المحمدي، وآقبغا السلطاني الصغير، ويونس بلطا - المتقدم ذكره - ثم دمرداش المحمدي ثانياً - ومات السلطان وهو بنيابة حماة - .
ونوابه بصفد: الأمير أركماس السيفي، وبتخاص السودوني، وأرغون شاه الإبراهيمي - المقدم ذكره - وآقبغا الجمالي الأطروش - المقدم ذكره - وأحمد ابن الشيخ علي، وألطنبغا العثماني - ومات السلطان وهو في نيابة صفد - .
ونوابه بالكرك: الأمير يلبغا تمر القبلاوي، ومأمور القلمطاوي، وقديد القلمطاوي، ويونس القشتمري، وأحمد ابن الشيخ علي، وبتخاص السودوني، ومحمد بن مبارك شاه المهمندار - المتقدم ذكره - وألطنبغا الحاجب، وسودون الشمسي الظريف - ومات وهو على نيابة الكرك - .
ونوابه بغزة: الأمير قطلوبغا الصفوي، وآقبغا الصغير - المتقدم ذكره - ويلبغا القشتمري، وألطنبغا العثماني - المتقدم ذكره - وبيخجا الشرفي المدعو طيفور، وألطنبغا الحاجب - المقدم ذكره - ومات السلطان وهو على نيابة غزة - .
وأستاداريته بديار مصر: الأمير بهادر المنجكي، ومحمود بن علي، وقرقماس الطشتمري، وعمر بن محمد بن قايماز، وقطلوبك العلائي، ويلبغا المجنون الأحمدي، ومحمد بن سنفر البكجري، ثم يلبغا المجنون ثانياً - ومات السلطان وهو أستادار - .
وقضاته بديار مصر: قاضي القضاة صدر الدين محمد بن منصور الدمشقي، وشمس الدين محمد الطرابلسي، ومجد الدين إسماعيل بن إبراهيم، وجمال الدين محمود القيصري العجمي، وجمال الدين يوسف الملطي - ومات السلطان وهو قاضي القضاة - .(1/269)
وقضاته الشافعية: قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة، وبدر الدين محمد بن أبي البقاء، وناصر الدين محمد ابن بنت ميلق، وعماد الدين أحمد الكركي، وصدر الدين محمد المناوي، وتقي الدين عبد الرحمن الزبيري، ثم المناوي ثاني مرة - ومات السلطان وهو قاضي القضاة - .
وقضاته المالكية: قاضي القضاة جمال الدين عبد الرحمن بن خير السكندري، ثم ولي الدين بن عبد الرحمن بن خلدون، وشمس الدين محمد الركراكي المغربي، وشهاب الدين أحمد النحريري، وناصر الدين محمد التنسي، ثم ابن خلدون - ومات السلطان وهو قاض - .
وقضاته الحنابلة: قاضي القضاة ناصر الدين نصر الله العسقلاني، ثم ابنه برهان الدين إبراهيم - ومات السلطان وهو قاض - .
وكتاب سره: القاضي بدر الدين محمد بن فضل الله، وأوحد الدين عبد الواحد بن يامين، وعلاء الدين علي الكركي، وبدر الدين محمود الكلستاني، وفتح الدين فتح الله - ومات السلطان وهو كاتب السر - .
ونظار جيشه: تقي الدين عبد الرحمن بن محب الدين، وموفق الدين أبو الفرج، وجمال الدين محمود القيصري - المتقدم ذكره مع القضاة الحنفية - وكريم الدين عبد الكريم بن عبد العزيز، وشرف الدين محمد الدماميني، وسعد الدين إبراهيم ابن غراب - ومات السلطان وهو ناظر الجيش - .
ووزراؤه: الوزير علم الدين عبد الوهاب سن إبرة، وشمس الدين إبراهيم كاتب أرنان، وعلم الدين عبد الوهاب بن كاتب سيدي، وكريم الدين عبد الكريم ابن الغنام، وموفق الدين أبو الفرج، وسعد الدين نصر الله بن البقري، وناصر الدين محمد بن الحسام، وركن الدين عمر بن قايماز، وتاج الدين عبد الرحيم ابن أبي شاكر، وناصر الدين محمد بن رجب بن كلبك، ومبارك شاه، وبدر الدين محمد بن الطوخي، وتاج الدين عبد الرزاق بن أبي الفرج - ومات السلطان وهو وزير - .
ونظار الخاص: سعد الدين نصر الله بن البقري، وتاج الدين موسى كاتب السعدي، وسعد الدين بن غراب - مضافاً لنظر الجيش - ومات وهو ناظر الخاص والجيش.
وكان الظاهر برقوق - رحمه الله - سلطاناً شجاعاً، حازماً، شهماً، صارماً، فطناً متجملاً، ذا خبرة وسياسة، ومهابة، ومعرفة، وتدبير، ومكر.
وكان يحب الاستكثار من المماليك، ويقدم الجراكسة على غيرهم.
وكان يكره في جمع المال، وعنده طمع مع تستر في ذلك.
وكان يتروى في الشيء المدة الطويلة ويستشير الأمراء وغيرهم فيما يفعله من الولاية والعزل وغير ذلك.
وكان يتصدى للأحكام بنفسه، وينزل يومي السبت والثلاثاء الإصطبل السلطاني للحكم بين الناس، ولم تكن عنده الدعوى لمن سبق، ولو كان عنده، بل يقول له: حتى تسمع كلام خصمك ما يقول فيك هو أيضاً؛ فلهذا كانت حقوق الناس غير ضائعة. وكان يكره التمام، والمتكلم فيما لا يعنيه.
وكان لا يتجرأ صاحب وظيفة على أن يتكلم في وظيفة غيرها - كائناً من كان، كبيراً كان أو صغيراً - بل كل واحد يتحدث فيما يتعلق بوظيفته.
وكان إذا طرأ لأحد من أكابر الأمراء حاجة عند السلطان تربص حتى يأتي رأس نوبة، ويتكلم له، وإلا فلا يمكنه الكلام مع السلطان في حاجة نفسه. وأشياء من هذه الأمور المرتبة التي ضاعت في زماننا هذا.
وكان حريصاً على إقامة ناموس المملكة وشعائر السلطنة، وترتيب السلف فيما وضعوه، كخدمة الإيوان، والموكب والأعياد.
وكان يحب أهل الخير والصلاح. وكان يقوم للقضاة والفقهاء وأهل الخير، وهذا شيء لم يعهد من ملك قبله في الدولة التركية؛ وتنكر للفقهاء بعد حبسه بالكرك؛ من أجل أنهم أفتوا بقتله، ومع ذلك كان لا يترك إكرامهم.
وكان كثير الصدقات، وقف ناحية بهتيم من الجيزية على سحابة تسير مع الحاج إلى مكة في كل سنة ومعها جمال تحمل المشاة من الحاج، وتصرف لهم ما يحتاجون إليه من الماء والزاد، ذهاباً وإياباً، ووقف أرضاً على قبور إخوة يوسف عليهم السلام.
وكان يذبح دائماً في أيام سلطنته في كل يوم من أيام شهر رمضان خمساً وعشرين بقرة، تطبخ ويتصدق بها مع الخز النقي الأبيض على أهل الجوامع والخوانق والربط وأهل السجون، لكل إنسان رطل لحم مطبوخ وثلاثة أرغفة.
وكان يفرق في الزوايا من لحوم الضأن لكل زاوية خمسين رطلاً وعدة أرغفة في كل يوم، وفيهم من يعطي أكثر من ذلك بحسب حالهم.(1/270)
وكان يفرق في كل سنة مائة ألف درهم فضة على نحو عشرين زاوية، ويفرق في كل سنة على أهل العلم والصلاح ما بين الألف درهم الواحد إلى المائة دينار، وكان يفرق في فقراء القرافتين لكل فقير من دينارين إلى أكثر وأقل. وكان يفرق في كل سنة ثمانية آلاف أردب قمحاً على أهل الخير وأرباب البيوت.
ويبعث في كل سنة إلى الحجاز الشريف ثلاثة آلاف أردب قمحاً، تفرق في الحرمين الشريفين، وفرق في مدة الغلاء كل يوم أربعين أردباً؛ عنها ثمانية آلاف رغيف، فلم يمت فيه أحد بالجوع.
وكان يبعث في كل قليل بجملة من الذهب تفرق في الفقهاء والفقراء.
حدثني تقي الدين المقريزي من لفظه قال: أخبرني العبد الصالح الطواشي صندل المنجكي أن الملك الظاهر برقوق تصدق على يده في سنة واحدة بخمسين ألف دينار.
قلت: وكان المقريزي ثقة. وأما صندل، فإنه كان من الصالحين الذين يتبرك بهم، انتهى.
وأبطل الملك الظاهر عدة مكوس منها: ما كان يؤخذ على القمح بثغر دمياط عما كان يبتاعه الناس. وأبطل مكس شورى وبلطيم من البراس شبه الجالية في كل سنة مبلغ ستين ألف درهم.
وأبطل مكس معمل الفراريج بالنحريرية وغيرها من الغربية.
وأبطل مكس الملح بعينتاب. وأبطل مكس الدقيق بالبيرة. وأبطل بطرابلس ما كان مقرراً على قضاة البر وولاة الأعمال عند قدوم النائب، وهو مبلغ ستمائة درهم، أو بغلة بدل ذلك.
وأبطل ما كان يؤخذ على الحلفاء والدريس بباب النصر خارج القاهرة.
وأبطل رمي الأبقار بعد الفراغ من عمل الجسور بأراضي مصر على الفلاحين البطالين بالوجه البحري.
وأبطل ضمان المغاني بمدينة الكرك وبمنية بني خصيب وغيرها بجميع الأقاليم.
وأنشأ مدرسته ببين القصرين - وقد تقدم ذكرها - وعمر الجسر بالغور - وتقدم ذكره أيضاً، طوله مائة وعشرون ذراعاً - .
وجدد خزائن السلاح بثغر الإسكندرية، وسور دمنهور، وعمر زاوية البرزخ بدمياط، وقناة العروب بالقدس، وبنى بركة أكره بطريق الحجاز، وبركة أخرى برأس وادي بني سالم بطريق المدينة المنورة، ورم القناة التي تحمل ماء النيل إلى قلعة الجبل، وجدد عمارة الميدان تحت قلعة الجبل بعد ما كان قد تخرب غالبه، وسقاه وغرس به النخل، وزرع به القرط، وعمر صهريجاً، ومكتباً تقرأ فيه الأيتام بقلعة الجبل، وعمر أيضاً سبيلاً تجاه دار الضيافة من تحت القلعة.
وخطب له على منابر توريز فند ما أخذها قرا محمد، وضرب الدنانير والدراهم فيها باسمه. وخطب له على مآذن ماردين والموصل وسنجار.
وملكت عساكره دور كي وأرزنكان من أرض الروم وغير ذلك.
وهو أعظم ملوك الجراكسة بلا مدافعة، بل المتعصب يقول: إنه هو أعظم ملوك الترك قاطبة، رحمه الله تعالى وعفا عنه.
وتسلطن من بعده ولده الملك الناصر فرج - وستأتي ترجمته في محلها إن شاء الله تعالى - .
؟؟أمير مكة المشرفة
بركات بن حسن بن عجلان بن رميثة. واسم رميثه: منجد بن أبي نمى محمد ابن أبي سعيد حسن بن علي بن قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن حسين بن سليمان بن علي بن عبد الله بن محمد بن موسى بن عبد الله المحض بن موسى بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب، المكي الحسني، أمير مكة زين الدين أبو زهير، وابن أميرها بدر الدين.
مولده بمكة سنة إحدى وثمانمائة، وأمه أم كامل بنت النصيح من ذوي عمر.(1/271)
ولى إمرة مكة شريكاً لوالده سنة عشر، مع أخيه أحمد، ثم استقل بها في سنة تسع وعشرين من قبل الملك الأشرف برسباي سلطان الديار المصرية، بعد وفاة والده بالقاهرة. ودام بركات بإمرة مكة، إلى سنة خمس وأربعين عزله الملك الظاهر جقمق بأخيه الشريف علي، وتوجه الشريف علي من القاهرة إلى مكة، ودخلها من غير قتال، بعد أن نزح عنها بركات هذا، وملك مكة وحكمها إلى أثناء السنة والتي بعدها. ووقع بينه وبين بركات وقعة قتل فيها جماعة من أصحاب بركات، وانهزم، وقوى أمر علي بالمماليك السلطانية، والأمير سودون المحمدي، والأمير يشبك الصوفي رأس نوبة - وأمير المماليك السلطانية الذين هم بمكة. ثم كثر الشاكي على الشريف علي؛ فكتب مرسوم شريف على يد السيفي تمراز المؤيدي المتوجه لشد بندرجدة بالقبض على الشريف علي وعلى أخيه إبراهيم، وإرسالهما إلى القاهرة، فوقع ذلك في سنة ست وأربعين وثمانمائة، وولى مكة الشريف أبو القاسم بن حسن ابن عجلان، عوضاً عن أخيه علي المذكور.
كل ذلك وبركات المذكور نازح إلى جهة اليمن، ودام على ذلك إلى أحد الربيعين من سنة خمسين وثمانمائة برز المرسوم الشريف بعزل أبي القاسم وتولية بركات هذا، وحمل إليه التشريف على يد شرف الدين موسى التتائي، وذلك بسعي من بركات، وبذل مال له صورة، على يد الشريف هلمان أمير مدينة الينبع.
وذكر هلمان أن الشريف بركات بعد توليته بمدة يسيرة يتوجه إلى القاهرة ويدوس البساط الشريف. واستقر بركات في إمرة مكة، وخرج منها أبو القاسم، ودام بمكة إلى سنة إحدى وخمسين أرسل يطلب الحضور إلى الديار المصرية، فرسم له بذلك؛ فحضر إلى القاهرة في شهر رجب من السنة المذكورة وقعة بمطعم الطيور بقبة النصر، خارج القاهرة، حتى قدم الشريف بركات - صاحب الترجمة - عليه.
فلما قرب منه، قام السلطان إليه واعتنقه؛ فأهوى بركات لتقبيل يد السلطان، فمنعه السلطان من ذلك، وأخذ بيده وأجلسه بجانبه قريباً من فرشه، وأخذ يستأنس به، ويسكن روعه؛ لما داخله الوهم مما رأى من عظم العساكر وكثرتها؛ ولما كان منه من المخالفة في تلك السنين الماضية، ثم أخلع عليه باستمراره على إمرة مكة، وقيد له فرساً بسرج ذهب وكنبوش زركش، فركب بركات، ثم ركب السلطان، وسارا إلى أن وصلا إلى قريب باب القلعة؛ رسم له السلطان بالتوجه إلى مكان أعد له بالقاهرة؛ فتوجه وبين يديه وجوه الناس. وكان هذا اليوم من الأيام المشهودة.
وأقام الشريف بركات بالقاهرة بعد أن أجرى له السلطان من الرواتب ما يكفيه في كل يوم إلى عاشر شهر شعبان أخلع عليه خلعة السفر، وتوجه إلى مكة المشرفة وقد حصل له من الجبر والعظمة ما لم ينله غيره من بني حسن، مع علمي بما وقع لأبيه من توليته إمرة المدينة مضافاً لمكة، لكن يوم هذا كان من الأيام المشهودة.
ودام بركات في إمرة مكة سنين بعد ذلك إلى أن توفى بوادي مر خارج مكة، وحمل إلى مكة، ودفن في تاسع شعبان سنة تسع وخمسين وثمانمائة.
الشريف المعتقد
بركة السيد الشريف المعتقد، المعروف بالشريف بركة.
كان لتيمورلنك فيه اعتقاد كبير إلى الغاية، وله معه مجريات، من ذلك: أن تيمور لما أخذ السلطان حسين صاحب بلخ في سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، ثم سار لحرب القان تقتمش ملك التتار، وتلاقيا على أطراف تركستان، واشتد الحرب بينهما حتى قتل أكثر أصحاب تيمور، وهم تيمور بالفرار، وظهرت الهزيمة على عسكره، ووقف في حيرة، وإذا بالسيد بركة هذا قد أقبل عليه على فرس، فقال له تيمور: يا سيدي انظر حالي، فقال له الشريف بركة: لا تخف، ثم نزل عن فرسه، ووقف على رجليه يدعو ويتضرع، ثم أخذ من الأرض ملء كفه من الحصباء، ورمى بتلك الحصا في وجوه عسكر تقتمش خان، وصرخ بأعلى صوته: ياغي قجتي، ومعناه باللغة التركية: العدو هرب؛ فصرخ بها معه تيمور وعسكره، وحمل بهم على القوم، فانهزموا أقبح هزيمة، وظفر تيمور بعساكر تقتمش، وقتل وأسر على عادته القبيحة؛ فيا ليت شعري هل للشريف بركة المذكور فيما فعله ثواب أم يكون رأس برأس؟ أم عليه الوزر بدعائه لهذا الظالم الكافر، فالله أعلم.
وله معه أشياء من هذا النمط؛ ولهذا كانت منزلته عند تيمور إلى الغاية ودام مع تيمور إلى أن قدم معه إلى دمشق في سنة ثلاث وثمانمائة وفعل، تيمور بالبلاد الشامية ما فعل.(1/272)
وقد اختلف في أصل هذا الشريف بركة؛ قيل إنه كان مغربياً حجاماً بالقاهرة، ثم سافر إلى سمرقند، وادعى بها أنه شريف علوي، وقيل إنه من أهل المدينة المنورة، وقيل إنه كان من أهل مكة. فعلى كل حال أنا لا أعتقده؛ لمصاحبته للطاغية تيمورلنك، خصوصاً إعانته له على أغراضه الكفرية؛ فأمره إلى الله سبحانه وتعالى.
ملك القبجاق
بركة بن توشي بن جنكزخان النغلي، ملك القبجاق وصحراء سوراق - وهي مملكته، متسعة مسيرة أربعة أشهر، وأكثرها براري ومروج، وبينها وبين أذربيجان باب الحديد في الدربند، وهو باب عظيم من حديد مغلق بين المملكتين، ومسلم الباب أمير كبير يقام من المملكتين - .
وبركة - صاحب الترجمة - هو ابن عم هولاكو، كان قد أسلم، وكاتب الظاهر بيبرس، وبعث رسوله في البحر، فطلع من الإسكندرية.
وكان بركة - رحمه الله - يميل إلى المسلمين، ومملكته تفوق مملكة هولاكو. وكان يعظم العلماء والصالحين.
ومن أعظم الوقائع بينه وبين هولاكو كونه قتل الخليفة المستعصم بالله.
وكان إذا سافر تحمل معه مساجد من خيم، ولها مؤذنون، وتقام فيها الصلوات الخمس.
وتوفى - رحمه الله - في سنة خمس وستين وستمائة، وملك بعده منكوتمر بن طغان بن سرطق بن جنكزخان.
ولما ملك جمع العساكر، لقصد أبغا، فجمع أبغا أيضاً، وسار إلى أن نزل على نهر كور، وأحضر المراكب والسلاسل، وحمل جسرين، وعدى إلى منكوتمر، وتلاقيا على النهر الأبيض، وتراسلا، ثم بعد ثلاث ساعات حرك أبغا كوساته، وقطع النهر، وحمل عليه فكسر، وساق وراءه بالسيف، ثم تراجع عسكر منكوتمر، فغلب أبغا، ودام الحرب إلى عشاء الآخرة، ثم استظهر أبغا ثانياً، وكسر منكوتمر، وغنم من عسكره شيئاً كثيراً، وعمل جسراً على النهر من خشب، وقاسه من حد تفليس، فكان جزء كل أمير مقدم مائة وعشرين ذراعاً وفرغ في سبعة أيام. انتهى.
وبركة هذا خلاف بركة خان الخوارزمي، أحد ملوك الخوارزمية، الذي قتل في المعركة التي كانت بينه وبين الملك المنصور صاحب حمص، ولؤلؤ نائب السلطنة بحلب. وحمل رأسه إلى حلب في سنة أربع وأربعين وستمائة، ولم نذكر بركة هذا؛ لأن وفاته تقدمت على شرط تاريخنا، رحمه الله تعالى وعفا عنه.
رفيق برقوق
بركة بن عبد الله الجوباني اليلبغاوي، الأمير زين الدين، رفيق الملك الظاهر برقوق وجخداشه ثم غريمه.
كان تركي الجنس، جلبه خواجا جوبان من بلاده إلى الديار المصرية، فاشتراه الأمير يلبغا الخاصكي العمري، وجعله من جملة مماليكه إلى أن قتل وشتت مماليكه.
كان بركة هذا هو برقوق ممن أخرج إلى الشام، ووقع لهما خطوب إلى أن ضرب الدهر ضرباته، وصار بركة أمير مائة ومقدم ألف بديار مصر بعد قتل الملك الأشرف شعبان بن حسين، ثم صار أمير مجلس بعد فرار أينبك البدري. ثم اتفق مع برقوق على قبض الأمير طشتمر الدوادار، وصارا من بعده هما صاحبا العقد والحل في الديار المصرية.
وتولى برقو الأتابكية، وبركة هذا رأس نوبة الأمراء - وهذه الوظيفة مفقودة الآن من الديار المصرية، وكانت هذه الوظيفة تعادل الأتابكية، وليها الأمير الكبير أيتمش البجاسي في سلطنة برقو الثانية مدة سنين، ثم وليها في الدولة الناصرية فرج الأمير نوروز الحافظي، ثم الأمير أقباي الحاجب مدة يسيرة، ومن ثم هي شاغرة إلى يومنا هذا - .
ولما استقر برقوق أتابكاً، وسكن الحدرة بباب السلسلة من الإصطبل السلطاني، وسكن بركة ببيت الأمير الكبير تجاه باب السلسلة. وعظم أمرهما، وداما على ذلك مدة طويلة إلى أن أمر الأمير بركة في سنة إحدى وثمانين وسبعمائة بأن يعمل على قنطرة فم الخور، وقنطرة موردة الجبس سلاسل تمنع دخول المراكب إلى بركة الرطلي، ثم أرسل في أثناء السنة المذكورة الأمير سودون باشا إلى مكة؛ لإجراء الماء إلى عرفة، فقال بعض الشعراء في ذلك:
يا سادة فعلهم جميل ... رمالهم في الورى وحاشه
سلسلتم البحر لا لذنب ... وأرسلتم للحجاز باشه
قلت: لم يحصل للشاعر في آخر البيت الثاني تورية في باشه؛ لأن صوابه باشا بتفخيم الباء الموحدة، وبعدها ألف وشين معجمة مفتوحة والألف، بخلاف باشه، انتهى.(1/273)
ودام الأمير بركة بالديار المصرية إلى أن وقع بينه وبين برقوق فتنة، أوجبت قتالهما، واستظهار برقوق على بركة، والقبض عليه، وإرساله إلى حبس الإسكندرية في سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة، ثم حسن ببال برقوق قتل بركة، وعلم أنه ما دام بركة حياً لا يتم له ما يريده؛ فأرسل مرسوماً إلى نائب الإسكندرية غرس الدين خليل بن عرام بقتل بركة؛ فقتله في شهر رجب سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة بالإسكندرية، ثم أرسل محضراً مكتتباً بأنه وجد ميتاً أو مات حتف أنفه وورد الخبر بذلك؛ فتحقق إخوة بركة ومماليكه ومماليكه أن المحضر محال، ولبسوا آلة الحرب، وركبوا على الأتابك برقوق بسوق الخيل - من تحت القلعة - ؛ فأرسل برقوق يسألهم ما سبب ركوبهم؟ فقالوا: قتلك لبركة؛ فأنكر، وقال: ما قتله إلا ابن عرام، وأنكر كونه أرسل إليه مرسوماً. ثم أرسل برقوق الأمير يونس النوروزي - الذي صار بعد ذلك دواداراً - إلى ابن عرام يطلب منه المرسوم؛ فجد يونس في السير حتى سبق القاصد الذي توجه يطلبه ابن عرام؛ فأعطاه له، ثم جاءه الطلب، فقام من وقته، وسافر حتى وصل إلى القاهرة.
فلما وصل إلى البحر، ركبت مماليك بركة بسوق الخيل بآلة الحرب حتى وصل ابن عرام. فلما وقع بصرهم عليه، أخذته السيوف من كل جانب حتى صار منثراً بسوق الخيل، وذهب أثره، وسكنت الغوغاء، ومن ثم صار مثلاً بأفواه العامة خمول ابن عرام.
وكان الأمير بركة أميراً شجاعاً، مقداماً، مهاباً، كريماً، سليم الفطرة، حسن الخلق محبباً للرعية. وكان أكثر الناس يميل إليه، إلا أنه كان تركياً، فمالت اجلراكسة إلى برقوق؛ فبهذا المقتضى خذل.
وكان يحب العلماء والفقراء، يكثر من الصدقات، وفعل الخير. وله مآثر حسنة، من ذلك: عمارة عين بازان بمكة، وما يحتاج إلى عمارته في الحرم. وعمر بمكة مطهرة عظيمة تعرف به، وفوقها ربعاً هائلاً - وهو وقف عليها - وله الفسقية الماء التي بطريق المدينة المنورة - على ساكنها أفضل الصلاة والسلام - وله غير ذلك.
أم الأشرف شعبان بن حسين
بركة خاتون والدة السلطان الملك الأشرف شعبان بن حسين، وزوجة الأتابك ألجاي اليوسفي.
كانت من أعظم نساء عصرها خيراً، وديناً، وبراً، وجمالاً، وكرماً.
ولما حجت في سنة سبعين وسبعمائة، توجهت في أبهة عظيمة إلى الغاية، وفي خدمتها الأمراء والخاصكية والخدام، وفرقت بالحرمين الشريفين أموالاً عظيمة، وعادت إلى القاهرة، ولم يعظم ألجاي إلا بزواجها، وصار له ميزة على أكابر الأمراء بذلك.
وتوفيت في حياة ولدها الملك الأشرف في يوم الثلاثاء آخر ذي الحجة سنة أربع وسبعين وسبعمائة، ودفنت بمدرستها التي أنشأتها بخط التبانة - خارج القاهرة - تعرف بمدرسة أم السلطان، ووجد ابنها الأشرف عليها وجداً عظيماً.
وبسبب ميراثها خرج زوجها ألجاي عن الطاعة.
ومن الإنفاق العجيب البيتان اللذان عملهما شهاب الدين الأعرج السعدي عند وفاتها، وتفاءل بهما على زوجها ألجاي اليوسفي وهما:
في مستهل العشر من ذي حجة ... كانت صبيحة موت أم الأشرف
فالله يرحمها ويعظم أجره ... ويكون في عاشورٍ موت اليوسفي
برلغي الأشرفي
برلغي بن عبد الله الأشرفي، الأمير سيف الدين، عظيم الدولة الركنية.
كان مقرباً عند الملك المظفر بيبرس الجاشنكير، ومقدم عساكره، والمشار إليه في دولته.
ولما أن خرج الملك الناصر محمد بن قلاوون من الكرك طالباً دمشق، وسمع الملك المظفر بيبرس بذلك قلق وجزع، واتهم بعض المماليك السلطانية بالمواطأة على ذلك؛ فقبض على جماعة منهم، ثم جرد الأمير برلغي هذا وصحبته ثلاثة أمراء من مقدمي الألوف لقتال الملك الناصر محمد بن قلاوون، وهم: الأمير آقوش الأشرفي نائب الكرك، وأيبك البغدادي، وألدكز السلاح دار، ومعهم أيضاً عدة كبيرة من الأمراء والعساكر المصرية؛ فبرزوا يوم السبت تاسع رجب سنة تسع وسبعمائة، وخيموا بمسجد التبن خارج القاهرة، ولم يتوجهوا، بل عادوا إلى القاهرة بعد أيام.
وكان الباعث لهم على العود أن كتب الأفرم نائب دمشق وردت تتضمن عود الملك الناصر محمد إلى الكرك، ثم أرسل الملك المظفر إلى الناصر محمد رسالته على يد مغلطاي وقطلوبغا تتضمن: وعيداً، وتهديداً، وإنكاراً شديداً.(1/274)
فلما وقف عليها الناصر اشتد حنقه، وقبض عليهما بعد أن أوجعهما بالضرب الشديد، ثم ذكر للأمراء بالبلاد الشامية وذكرهم ما لوالده عليهم من التربية والحقوق، ثم خرج من الكرك ثانياً بعد الاهتمام إلى التوجه إلى دمشق.
وبلغ ذلك الملك المظفر بيبرس؛ فجرد الأمراء المذكورين ثانياً - كما ذكرنا - وصحبتهم أربعة آلاف فارس، وأنفق عليهم النفقات الكثيرة، وأنفق على العامة أيضاً؛ فإنه كان قد وقع بينه وبينهم لما توقف النيل عن الزيادة فقالوا:
سلطاننا ركين ... ونايبنا دقين
يجي لنا المآ ... من أين
يسيبوا لنا الأعرج ... يجي لنا الماء وهو يتدحرج
وخرج برلغي هذا إلى لقاء الملك الناصر، ووقع له أمور حكيناها في غير هذا الموضع. واستقر الحال على أن الملك الناصر قبض عليه، وحبسه بقلعة الجبل إلى أن مات في ليلة الأربعاء ثاني شهر رجب سنة عشر وسبعمائة، رحمه الله تعالى وعفا عنه.
باب الباء الموحدة والزاي
نائب الشام
بزلار بن عبد الله العمري الناصري، الأمير سيف الدين نائب دمشق.
أصله من مماليك الملك الناصر حسن، رباه الملك الناصر حسن مع أولاده، وتأدب ومهر، وكتب الخط المنسوب، وأتقن الفروسية وأنواع الملاعيب. وكان خصيصاً عند أستاذه إلى أن توفى. وتقلبت به الأيام بعد ذلك إلى أن صار من جملة الأمراء بالديار المصرية، ثم ولى نيابة الإسكندرية، ثم عزل وعاد إلى ما كان عليه إلى أن ملك الظاهر برقوق نفاه إلى طرابلس.
حكى لي صاحبنا الرئيس شرف الدين موسى الطرابلسي قال: لما نفى الأمير بزلار إلى طرابلس، قدم علينا بها، وأقام بها مدة، فكنت أتردد إليه وألازمه، فكنت أرى منه من الحشمة والأدب والفضيلة ما لا يوصف.
وكنت أكبسه في بعض الأحيان على كره منه؛ فأجد أضلاعه صفيحة واحدة من كل جهة. وكان من الأقوية، وهو مع ذلك ألطف من النسيم طبعاً.
هذا، مع الشكالة الحسنة، والكرم الزائد، والشيم الملوكية. انتهى كلام شرف الدين.
قلت: ودام بزلار بطرابلس إلى أن كان من أمر يلبغا الناصري ومنطاش ما كان، واستفحل أمرهما، وقبض الظاهر برقوق على نائب طرابلس الأمير كمشبغا الحموي، وولى عوضه الأمير أسندمر حاجب حجاب طرابلس. فعند ذلك اتفق الأمير بزلار هذا مع الأمير صنجق الحسني، والأمير قرابغا وغيرهما، وركبوا على أسندمر المذكور وقبضوا عليه، ملكوا طرابلس، ودخلوا تحت طاعة الناصري. ثم توجه المذكور إلى الناصري، ولا زال معه حتى قدم معه إلى الديار المصرية، وخلع الظاهر برقوق، وتسلطن المنصور حاجي، وصار الأمير يلبغا الناصري مدبر مملكته أخلع عليه بنيابة دمشق عوضاً عن طرنطاي؛ فتوجه بزلار هذا إلى دمشق وحكمها، وحسنت سيرته إلى أن وقع بين الناصري ومنطاش الوقعة بالقاهرة، وغلب منطاش، وقبض على الناصري، وحبسه بثغر الإسكندرية، وسمع بزلار بذلك، فعصى على منطاش تعصباً للناصري، فلم ينتج أمره، وركب عليه أمراء دمشق وقبضوا عليه، وحبس بقلعة دمشق. وكان هذا آخر العهد به، وذلك في سنة إحدى وتسعين وسبعمائة.
وكان أميراً شجاعاً، مقداماً، فضيلاً، عارفاً، سيوساً، مدبراً، فقيهاً، له مشاركة جيدة في في فروع المذهب والنحو، ويذاكر بالأدب والتاريخ.
وكان عالماً بالفلكيات والنجوم.
وبزلار - بباء موحدة مفخمة مضمومة، وزأي ساكنة، ولام، وألف، وراء مهملة معناه باللغة التركية - جمع بوزات - : من ألوان الخيل، وله معنى غير ذلك يطول شرحه، انتهى. رحمه الله تعالى.
بزلار الخليلي
بزلار بن عبد الله الخليلي، الأمير سيف الدين.(1/275)
أحد أمراء الطبلخانات بديار مصر، وممن انضم إلى الأميرين يلبغا الناصري، وتمربغا الأفضلي - المعروف بمنطاش - واستمر من حزبهما إلى أن ظفر به الملك الظاهر برقوق في سلطنته الثانية، بعد خروجه من الكرك، وحبسه إلى أن قتل في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة مع جملة من قتل من أمراء الطبلخانات الذين كانوا من حزب منطاش وهم: ألطنبغا الجربغاوي، وقرابغا الألجاوي، وآقبغا الألجاوي، بيبغا الألجاوي، وأرغون العثماني البجمقدار الأشرفي، وإسماعيل التركماني أمير البطالين، والطواشي طقطاي الطشتمري، وألابغا الطشتمري، وحسين بن الكوراني والي القاهرة، وجبريل الخوارزمي، ومحمشاه ابن بيدمر الخوارزمي، ومنصور حاجب غزة كان، ورمضان نائب القلعة.
ومن العشرات: منجك الزيني، ويلبغا الألجاوي، وعلي الجركتمري، وكزل القرمي. كل هؤلاء قتلوا في يوم واحد بسيف الظاهر برقوق؟ - تقدم التعريف باسم بزلار في ترجمة بزلار العمري - .
باب الباء الموحدة والشين المعجمة
بشارة الكاتب
بشارة الشبلي الحسامي الكاتب، مولى شبل الدولة، صاحب المدرسة والخانقاة عند ثورا بدمشق.
سمع مع مولاه حنبلاً وابن طبرزد وغيرهما. ورواه عنه الدمياطي والأبيوردي وجماعة.
وكان رومي الجنس، وهو أبو أولاد بشارة المشهورين بدمشق.
وكان يكتب خطاً حسناً، وذريته يدعون النظر على المدرسة والخانقاة المنسوبة إلى شبل الدولة المذكور.
توفى بشارة المذكور في سنة أربع وخمسين وستمائة.
بشباي من باكي
بشباي بن عبد الله من باكي الظاهري. الأمير سيف الدين.
أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق وخواصه، وترقى من بعده في الدولة الناصرية فرج إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف بديار مصر، ثم ولى حجوبية الحجاب بها، ثم نقل إلى وظيفة رأس نوبة النوب. وكان معلماً لسوق المحمل. وكان له ثروة وميل زائد إلى النسوة. وكان حريصاً على جمع المال. وعمر عدة أملاك تعرف به، ولا نعلم أحداً سمى بهذا الاسم من الأكابر غيره.
ولم يزل على وظيفته وإمرته إلى أن توفى ليلة الأربعاء رابع عشرين جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة وثمانمائة، ودفن بالقرافة، وهو في أوائل الكهولة.
وبشباي - بباء ثانية الحروف مفتوحة مفخمة، وبعدها ألف - ومنهم من يسقط الألف - ثم شين معجمة ساكنة، وباء أيضاً ثانية الحروف مفتوحة، وألف وياء آخر الحروف. ومعناه باللغة التركية: رأس سعيد. انتهى.
الناصري
بشتك بن عبد الله الناصري، الأمير سيف الدين، أحد مماليك الملك الناصر محمد بن قلاوون، وعظيم دولته.
قال الشيخ صلاح الدين: كان شكلاً تاماً، أهيف القامة، حلو الوجه، قربه السلطان وأدناه وأعلى منزلته. وكان يسميه في غيبته بالأمير.
وكان زائد التيه، لا يكلم أستاداره، ولا الكاتب إلا بترجمان.
وكان إقطاعه سبعة عشر طبلخاناة - أكبر من إقطاع قوصون، ولم يعلم قوصون بذلك - .
ولما مات الأمير بكتمر الساقي ورثه في جميع أمواله؛ في داره وإصطبله الذي على البركة، وفي امرأته أم أحمد بن بكتمر. واشترى جاريته خوبي بستة آلاف دينار، ودخل معها ما قيمته عشرة آلاف دينار، وأخذ ابن بكتمر عنده.
وكانت الشرقية بعد بكتمر الساقي.
وزاد أمره، وعظم محله، وثقل على السلطان، وأراد الفتك به فيما تمكن. وتوجه إلى الحجاز، وأنفق في الأمراء، وأهل الركب، والفقراء والمجاورين بمكة والمدينة شيئاً كثيراً إلى الغاية من الألف دينار إلى دينار واحد، على مراتب الناس. ولما عاد لم يدر به السلطان إلا وقد حضر إليه في نفر قليل من مماليكه. وقال: إن أردت إمساكي، فها أنا قد جئت إليك برقبتي؛ فكابره السلطان، وطيب خاطره.
وكان غير عفيف الذيل عن المليح والقبيح، وبالغ في ذلك وأفرط حتى في نساء الفلاحين وغيرهم، ورمى بأمور ودواهي من هذه المادة.
وكان سب قربه أن السلطان قال لمجد الدين السلامي: أريد أن تشتري لي من البلاد مملوكاً يشبه بوسعيد - يعني ملك التتار - ؛ فقال: هذا بشتك يشبهه.
وجرده السلطان لإمساك الأمير تنكز؛ فحضر إلى دمشق بعد إمساكه هو وعشرة أمراء، ونزل بالقصر، وفي خدمته الأمير أرقطاي، والأمير برسبغا، وطاجار الدوادار.(1/276)
وحال نزوله حلف الأمراء كلهم للسلطان وذريته، واستخرج ودائع تنكز، وعرض حواصله ومماليكه وخيله وجواريه وكل ما يتعلق به، ووسط طغاي، وجان غاي، مملوكي تنكز في سوق الخيل بحضوره يوم المركب.
وأقام بدمشق خمسة عشر يوماً، وعاد إلى مصر، وبقي في نفسه من دمشق، وما يجسر يفاتح السلطان في ذلك.
فلما مرض السلطان وأشرف على الموت، ألبس الأمير قوصون مماليكه؛ فدخل بشتك المذكور وعرف السلطان بذلك؛ فقال له: افعل أنت مثله. ثم إنه جمع بينهما وتصالحا قدامه. ونص السلطان على أن يكون الملك بعده لولده المنصور أبي بكر، فلم يوافق، وقال: ما أريد إلا سيدي أحمد.
فلما مات السلطان وسجى، قام قوصون إلى الشباك وطلب بشتك، وقال: يا أمير تعال، أنا ما يجئ مني سلطان؛ لأني كنت أبيع الطسما والكشاتوين، وأنت اشتريت مني، وأهل البلاد يعرفون ذلك مني، وأنت ما يجيء منك لأنك كنت تبيع البوزا، أنا اشتريت ذلك منك، وأهل البلاد يعرفون ذلك منا، فما يكون سلطاناً من عرف بيع الطسما والبرغالي، ولا من عرفه ببيع البوزا، وهذا أستاذنا هو الذي أوصى لمن هو أخبر به من أولاده، وهذا في ذمته وما يسعنا إلا امتثال أمره حياً وميتاً، وأنا ما أخالفك إن أردت أحمد أو غيره، ولو أردت أن تعمل كل يوم سلطاناً ما خالفتك؛ فقال بشتك: كل هذا صحيح والأمر أمرك. وأحضرا المصحف وحلف عليه بعضاً لبعض، وتعانقا، ثم قاما إلى رجلي السلطان؛ فقبلاهما، ووضعا ابن السلطان على الكرسي، وباسا الأرض له، وحلفا له، ولقباه: المنصور.
ثم إن بشتك طلب من السلطان الملك المنصور أبي بكر نيابة دمشق؛ فرسم له بذلك، وكتب تقليده، وبرز إلى ظاهر القاهرة، وبقي هناك يومين، ثلاثة. ثم إنه طلع إلى السلطان ليودعه، فوثب عليه الأمير سيف الدين قطلوبغا الفخري، وأمسك سيفه، وتكثروا عليه؛ فأمسكوه، وجهزوه إلى الإسكندرية، واعتقلوه بها. ثم إنه قتل في الحبس أول سلطنة الملك الأشرف كجك في شهر ربيع الآخر تقريباً سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة.
وأخبرني طغاي مملوك الأمير حسين بن جندر - وكان أمير مجلس عند بشتك - قال: لما توجه بشتك بأولاد السلطان إلى دمياط رأيته في كل يوم يذبح لسماطه خمسين رأس غنم وفرساً - لا بد منه - خارجاً عن الدجاج والإوز. وبشتك المذكور هو أول من أمسك من أمراء الدولة بعد الملك الناصر محمد بن قلاوون وفتك به وقتل.
وقلت أنا فيه:
قال الزمان وما سمعنا قوله ... والناس فيه رهائن الأشراك
من ينصر المنصور من كيدي وقد ... صاد الردى بشتاك لي بشباك
انتهى كلام الصفدي، رحمه الله.
قلت: وبشتك - بفتح الباء الموحدة من تحت وترقيقها، وسكون الشين المعجمة، وبعد تاء مثناة من فوق مفتوحة، وكاف - ومعناه باللغة التركية: خمسة لا غير، وصوابه في الكتابة: بش تك، انتهى.
العمري
بشتك بن عبد الله العمري، الأمير سيف الدين. أحد الأمراء مقدمي الألوف بالديار المصرية، ورأس نوبة النوب.
كان من خواص الملك الأشرف شعبان بن حسين، زوجه بكريمته، وكتب كتابه عليها في سابع عشرين جمادى الأولى من سنة سبعين وسبعمائة بالإيوان بحضور الأمراء والقضاة. وكان جملة المهر خمسة عشر ألف دينار وأربعمائة ألف درهم، ثم عمل المهم في الدور السلطانية سبعة أيام، ثم دخل بها.
ولا زال مقرباً عند الملك الأشرف شعبان إلى أن مات في سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة بالقاهرة.
وكان أميراً جليلاً، شجاعاً، مقدماً، كريماً، رحمه الله تعالى.
الكريمي
بشتك بن عبد الله بن عبد الكريم، الأمير سيف الدين. أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين.
كان خصيصاً، مقرباً عند الملك الأشرف المذكور إلى الغاية إلى أن قصد الأشرف الحج، توجه بشتك المذكور معه مع من توجه من الأمراء. فلما وقع للأشرف - ما سنذكر في ترجمته إن شاء الله تعالى - من الوقعة التي كانت في عقبة أيلة وعوده إلى القاهرة منهزماً، واختفى بها.
كان بشتك هذا ممن عاد هو أيضاً إلى القاهرة مع جماعة من الأمراء، واختفى بقبة النصر - خارج القاهرة - إلى أن دل عليه؛ فقبض عليه؛ فقتل، وقتل معه جماعة من الأمراء في أوائل ذي القعدة سنة ثمان وسبعين وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
باب الباء الموحدة والطاء المهملة(1/277)
بطا الطولوتمري
بطا بن عبد الله الطولوتمري الظاهري الدوادار، ثم نائب دمشق، الأمير سيف الدين.
اشتراه الملك الظاهر برقوق في سلطنته، وجعله من خواصه، ثم أنعم عليه بإمرة عشرة عند زوال ملكه في وقعة الناصري ومنطاش - حسبما ذكرناه في ترجمة برقوق - .
ولما ملك الناصري الديار المصرية، وخلع الظاهر برقوق وحبس بالكرك أمسك بطا المذكور، وسجن بقلعة الجبل مع من سجن من المماليك الظاهرية إلى أن خرج الملك الظاهر برقوق من حبس الكرك طالباً لملكه، وقوى أمره.
وخرج الأمير تمربغا الأفضلي - المدعو منطاش - بالملك المنصور إلى البلاد الشامية؛ لقتال برقوق في العشر الأخير من شهر ذي الحجة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة وجعل منطاش نائب الغيبة بقلعة الجبل الأمير تكا ومعه الأمير دمرداش القشتمري، وجعل بالإصطبل السلطاني الأمير صراي تمر، وبالقاهرة الأمير قطلوبغا الحاجب، ومقبل أمير سلاح.
ثم سار منطاش بالمنصور لقتال برقوق. فلما كان يوم رابع عشر المحرم من سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة، كانت الوقعة بين منطاش والملك الظاهر برقوق، بشقحب وانتصر برقوق، وانهزم منطاش؛ فأشيع هذا الخبر في القاهرة في ذلك اليوم، وهذا من الغرائب أخبرني بذلك جماعة أتقية، رجال ونسوة.
فلما أشيع هذا الخبر بالديار المصرية، ولهجت الناس بذلك، وقع بين الأمير تكا نائب القلعة وبين الأمير صراي تمر المقيم بالإصطبل السلطاني أمر أوجب التنافس والمباينة، واحترص كل واحد من الآخر، ودام هذا الأمر.
واتفق مع هذا أن المماليك الظاهرية والأمراء الذين سجنوا بقلعة الجبل بخزانة الخاص، ومنهم بطا المذكور زرعوا بالحبس بصلاً في قصريتين؛ فنجب بصل إحدى القصريتين، ولم ينجب الآخر؛ فرفعوا القصرية التي لم ينجب بصلها، فإذا هي مثقوبة من أسفلها، وتحتها حجر يخرج من شقوق ما بينه وبين الحجر الآخر هواء؛ ففكوا الطاقة ورفعوها؛ فوجدوا تحتها خلو، فما زالوا به حتى اتسع، وأفضى بهم إلى سرداب، مشوا فيه حتى صعد بهم إلى طبقة الأشرفية من القلعة.
وكان منطاش قد سد بابها الذي ينزل منه إلى الإصطبل السلطاني، فعاد الذين مشوا فيه، وأعلموا أصحابهم؛ فقاموا بأجمعهم، وكانوا نحو خمسمائة مملوك، ومشوا فيه ليلة الخميس ثاني صفر.
هذا، وقد عملوا عليهم الأمير بطا رأساً، ثم تحيلوا في باب الأشرفية حتى فتحوه؛ فثار بهم الحراس الموكلون بحفظ الباب، وضربوا مملوكاً يقال له تمربغا؛ فقتلوه، ثم بادر الأمير بطا هذا ليخرج؛ فضربه بعض الحراس أيضاً ضربة سقط منها إلى الأرض، ثم أفاق وضرب بقيده الرجل صرعه، وفر بقية الحراس؛ فصرخ المماليك: تكا يا منصور، وجعلوا قيودهم سلاحهم يقاتلون بها؛ فانتبه صراي تمر فزعاً، وهو لا يش أن تكا نائب القلعة ركب عليه؛ وأراد قتله؛ فقام من وقته ونزل فاراً من الإصطبل السلطاني إلى بيت الأمير قطلوبغا الحاجب؛ فملك بطا ورفقته الإصطبل السلطاني، واحتوى على ما فيه من قماش صراي تمر وخيله وسلاحه، وقبض على المنطاشية، وأفرج عن الظاهرية. ثم أمر فدقت الكوسات قريباً من نحو ثلث الليل الأول إلى أن أصبح الناس يوم الخميس؛ فرماهم الأمير تكا من أعلى الإصطبل، وساعده الأمير مقبل أمير سلاح، ودمرداش القشتمري فيمن معهم.
هذا، وقد تسامعت المماليك الظاهرية، وخرجوا من كل مكان، وساعدتهم المماليك اليلبغاوية إخوة الظاهر برقوق، وكسروا حبس الديلم، وبعثوا إلى خزانة شمائل، فكسروها، وأخرجوا من فيها من المماليك الظاهرية واليلبغاوية وغيرهم، فعند ذلك ركب صراي تمر وقطلوبغا الحاجب لقتال بطا وأصحابه؛ فنزل إليهم بطا وقاتلهم، وقد اجتمع عليه من العوام خلق كثير، وحصل بينهما بعض حروب؛ وانكسرت المنطاشية، وصعدوا إلى مدرسة السلطان حسن.
فلما رأى تكا جمع بطا يتزايد وكسر صراي تمر، نزل من القلعة إلى الطبلخاناه، ورمى على بطا، فلم يلتفت بطا لذلك، وملك بيت قطلوبغا، وكثر جمعه، وقوى الحصار على من بالمدرسة، حتى طلبوا الأمان، وسلم تكا القلعة لسودون النائب، وأخذ بطا في الأمر والنهي، وملك الديار المصرية، وركب سودون النائب، ونادى بالأمان والإطمآن، وأن السلطان: الملك الظاهر برقوق.
ثم كتب بطا إلى الملك الظاهر برقوق يخبره بما اتفق، وكتب إلى ولاة الأعمال بإحضار المنطاشية، والإفراج عن الظاهرية.(1/278)
وشرع بطا في قبض من استوحش منه، وتخلية سبيل من كان من جهة أستاذه الظاهر برقوق.
ثم قدم كتاب الملك الظاهر برقوق بنصرته على منطاش؛ فصار بطا يأخذ في هذا الخبر ويعطي، ويخشى أن يكون هذا مكيدة من منطاش؛ لما في قلوب الناس من الشك في نصرة الظاهر برقوق على منطاش إلى أن ترادفت الأخبار بذلك، ونزل الملك الظاهر في يوم الثلاثاء رابع عشر شهر صفر سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة بالريدانية - خارج القاهرة - ؛ فخرج الأمير بطامع من خرج من الأمراء والمماليك؛ لتلقي السلطان حتى وصل إليه، وقبل الأرض بين يديه، فشكر له السلطان ما فعله، وطلع إلى القلعة، وخلع على أرباب الوظائف، فاستقر الأمير بطا الطولوتمري هذا أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ودواداراً كبيراً؛ فباشر الدوادارية إلى شهر ذي القعدة من سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة، نقل إلى نيابة دمشق عوضاً عن الأمير يلبغا الناصري، بعد القبض عليه وقتله - على ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى - ؛ فتوجه بطا إلى دمشق، وحكمها نحو الشهرين.
ومات في المحرم من سنة أربع وتسعين وسبعمائة، وتولى نيابة دمشق من بعده سودون طرنطاي.
ولم تطل أيام بطا في السعادة، ليعرف حاله، ولكن حدثني جماعة من المماليك والدي قالوا: لما انتصر الظاهر برقوق على منطاش، أرسل والدي إلى الديار المصرية مبشراً بنصرته على منطاش.
قال والدي - رحمه الله - : فتلمحت من بطا الوثوب على أستاذنا الملك الظاهر برقوق من كلامه؛ فردعته بالكلام الخشن حتى تحقق أنه لم يكن من هذا القبيل، فمن جملة كلامه لوالدي: يا أخي تغردي بردى، هل اجتمع على أستاذنا من الرجال المسمية أحد؟ فقال له والدي: معه جماعة إذا قهقروا خيولهم هدموا باب السلسلة بأكفالها، لا تكن صبي، لا أنت هذا القبيل، ولا أنا. انتهى.
وبطا - بضم الباء الموحدة ثانية الحروف، وبعدها طاء مهملة وألف - ومعناه: الجمل الصغير، تصغيره: بطجق.
باب الباء الموحدة والغين المعجمة
بنت جوبان
بغداذ خاتون بنت النوين جوبان.
كان السلطان بوسعيد ملك التتار يحبها ويميل إليها ميلاً زائداً. وكان أبوها لا يدعها تقرب من بلاد الأردو ولكن تكون غائبة مع زوجها الشيخ حسن. فلما قتل بوسعيد أخاها دمشق خجا، وهرب أبوها جوبان، ثم قتل، ودخل أخوها تمرتاش إلى الديار المصرية، تمكن بوسعيد منها، وأخذها من زوجها، وصارت عنده مكينة، لها الحكم في الممالك، ولها وزيرة، وتركب في موكب من الخواتين، وتشد في وسطها السيف، وهرب منها علي باشاه، خال بوسعيد. ولم تزل عند بوسعيد على ما هي عليه حتى مات. وتملك أربكون؛ فأخذها وقتلها في سنة ست وثلاثين وسبعمائة.
باب الباء الموحدة والكاف
بكا الخضري
بكا بن عبد الله الخضري الناصري محمد بن قلاوون، الأمير سيف الدين. أحد الأمراء بالديار المصرية.
كان من جملة أمراء الملك الناصر محمد بن قلاوون، ووقع له بعد موته أمور آلت إلى توسيطه بسوق الخيل، هو وثلاثة من مماليك السلطان، وعلق على باب زويلة ثلاثة أيام.
نسب إلى الخروج مع رمضان بن الملك الناصر على أخيه السلطان الملك الصالح بن الناصر، وذلك في رجب سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة.
بكتاش الفقيه
بكترش - وقيل بكتاش - أبو الفضل، وأبو شجاع، الفقيه الحنفي الأصولي، نجم الدين التركي الناصري، مولي الإمام الناصر لدين الله الخليفة العباسي.
كان إماماً فاضلاً، بارعاً في الفقه والأصول والعربية، وتصدر للإقراء والتدريس والتصنيف. ومن تصنيفه: الحاوي في الفقه - نحو القدوري - ، وله شرح على مصنف الطحاوي - في مجلد كبير سماه: النور اللامع والبرهان الساطع - ، وغير ذلك.
وسمع منه الحافظ شرف الدين الدمياطي ببغداد.
وذكره الصاحب ابن العديم في تاريخ حلب، وقال: فقيه حسن، عارف بالفقه والأصول. وكان يلبس لبس الأجناد: القباء والشربوش . عرض عليه الإمام المستنصر بالله قضاء القضاة ببغداد، وأن يلبس العمامة؛ فامتنع من ذلك.
وكان ورعاً، ديناً، خيراً، فقيهاً، فاضلاً، حسن الطريقة. ولم يتفق لي الاجتماع به حين قدم حلب، ولا حين قدمت بغداد. وتوفي بغداد في أوائل شهر ربيع الآخرة سنة اثنتين وخمسين وستمائة، ودفن إلى جانب قبر الإمام أبي حنيفة - رضي الله عنه - رحمه الله تعالى.
بكتاش الفخري(1/279)
بكتاش بن عبد الله الفخري، الأمير بدر الدين، أمير سلاح الملك الصالح.
كان مقدم العساكر المصرية إلى غزو سيس. وتوجه صحبته الأمير علم الدين سنجر الدواداري، وصاحب حماة، ونائب صفد؛ فوصلوا إلى بلاد سيس في شهر رجب سنة سبع وتسعين وستمائة؛ فأسروا، وقتلوا، وغنموا، ثم عادوا، وعاد الأمير بكتاش إلى الديار المصرية بعساكرها.
وكان في الغزوة المذكورة مقدماً على جميع العساكر حتى على صاحب حماة. واستمر بالقاهرة حتى مات في سنة ست وسبعمائة، وقد نيف على السبعين.
وكان أميراً جليلاً، خبيراً بالحروب، سديد الرأي، كثير الخير، سخياً، شجاعاً. رحمه الله تعالى.
بكتاش الأستادار
بكتاش بن عبد الله، الأمير بدر الدين، أستادار الأمير حسام الدين لاجين نائب دمشق.
كان معدوداً من أعيان دمشق. توفي سنة ثلاث وتسعين وستمائة.
الحاجب
بكتمر بن عبد الله الحاجب، الأمير سيف الدين.
كان أولاً من جملة أمراء الديار المصرية، وأمير آخوراً صغيراً، ثم أخرج إلى دمشق، وتولى بها شد الدواوين أيام الأفرم، ولم يكن لأحد معه كلام.
وكان عارفاً خبيراً بالأحكام، دربا، خيراً، يرعى أصحابه ويقضي حوائجهم.
ثم ولى الحجوبية بدمشق إلى أن توجه من دمشق صحبة الملك الناصر محمد بن قلاوون لما عاد من الكرك إلى الديار المصرية، وولاه الناصر محمد الوزارة، ثم قبض عليه لما قبض على أيدغدي شقير. وبقي في الاعتقال نحو سنة ونصف، ثم أخرجه السلطان إلى نيابة صفد، وأنعم عليه بمائة ألف درهم؛ لأنه كان قد أخذ منه مالاً كثيراً إلى الغاية؛ فباشر نيابة صفد عشرة أشهر، ثم طلب إلى الديار المصرية، وصار من جملة الأمراء الذين يجلسون في مجلس السلطان، وإذا تكلم السلطان في المشورة لا يرد عليه أحد غيره؛ لما عنده من المعرفة والخبرة.
وكان قد تزوج بابنة الأمير آقوش نائب الكرك، وعمر له داراً ظاهر باب النصر - خارج القاهرة - وعمر بجانبها مدرسة.
وكان مشكور السيرة، وعنده تعصب لمن يلوذ به، لا يبخل على أحد بجاهه ممن يقصده. وكانت رسالته مقبولة عند أرباب الدولة.
وسرق له من خزانته مال كبير، قال إنه نحو من مائتي ألف درهم، وكان في الحقيقة أكثر من سبعمائة ألف درهم؛ فما جسر يظهر الكل؛ خوفاً من الملك الناصر محمد بن قلاوون. وكان قدو دار والي القاهرة؛ فرسم السلطان له أن يتبع ذلك، فيقال إن القاضي فخر الدين، وبكتمر الساقي، والجمالي الوزير تعاملوا في الباطن عليه، وحمل إليهم بعض العملة، فشرعوا يحتجون عن المتهمين. وإذا قال السلطان للوالي: إيش عملت في عملة الأمير بكتمر، يقول فخر الدين: يا خوند، لعن الله ساعة هذه العملة، كل يوم تموت الناس تحت المقارع، وإلى متى يقتل المتهم الذي لا ذنب له؟ ثم في آخر الحال وقف بكتمر الحاجب للسلطان في دار العدل وشكا وتضور، فأحضر السلطان الوالي وسبه؛ فقال: يا خوند، اللصوص الذين أمسكتهم أقروا بأن خزنداره سيف الدين بخشى اتفق معهم على أخذ المال وجماعة من ألزامه؛ فقال السلطان للجمالي الوزير: أحضر هؤلاء المذكورين وعاقبهم؛ فأحضرهم وعصر بخشى الخزندار، وكان عزيزاً عند بكتمر قد أزوجه ابنته، وهو واثق بعقله ودينه وأمانته؛ فقال يا خوند: أنا والله الذي تحت يدي لأستاذي ما يعرفه ولا يدري كم هو، فما يحتاج أن أخلي غيري يأخذ معي.
فلما بلغ بكتمر عصر بخشى وجماعته، علم أن ماله قد راح، فحصل له غيظ عظيم، وغم وغبن؛ فمات فجأة من الظهر إلى العصر سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة.
وكان له حرص عظيم على جمع المال إلى الغاية.
وكان له الأملاك الكثيرة في كل مدينة، بحيث أنه كان له في كل مدينة ديواناً فيه مباشرون.
وكان له قدور تطبخ فيها الحمص والفول وغير ذلك من الأواني التي تكرى. وكان بخيلاً جداً.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي - رحمه الله - : حكى لي الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس قال: كنت عنده يوماً، وبين يديه صغير من أولاده، وهو يبكي ويتعلق في رقبته، ويبوس صدره. فلما طال ذلك من الصغير، قلت له: يا خوند، ما له؟ قال: شيطان يريد قصب مص؛ فقلت: يا خوند، اقض شهرته. قال، فقال: يا بخشى سير إلى السوق أربع فلوس، هات له عوداً.
فلما حضر العود القصب وجدوا الصغير قد نام مما تعنى وتعب في طلب القصب؛ فقال الأمير: هذا قد نام، ردوا العود، وهاتوا الفلوس.(1/280)
ولما مات أخذ السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون من ماله شيئاً كثيراً إلى الغاية. انتهى.
قلت: وهكذا كان غالب ذريته من بعده في البخل والخسة، عفا الله عنهم.
الساقي
بكتمر بن عبد الله الركني الساقي الناصري.
كان أولاً من مماليك الملك المظفر بيبرس الجاشنكير، ثم انتقل إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون؛ فحظي عنده، وجعله ساقياً.
وكان غريباً في بيت السلطان؛ لأنه لم يكن له بخجداش، فكان هو وحده وسائر الخاصكية حزباً عليه. وعظمت مكانته عند السلطان، وزادت محبته له.
ولما مات طغاي الكبير، كان تنكز نائب الشام منتمياً إليه؛ فقال السلطان لتنكز: خل بكتمر يكون أخاك عوض طغاي.
قال ابن أيبك: كان يقال إن السلطان وبكتمر لا يفترقان، إما أن يكون بكتمر عند السلطان، وإما أن يكون السلطان عند بكتمر، ولا يأكل إلا في بيت بكتمر مما تطبخه له أم أحمد بن بكتمر في قدور فضة، وينام عندهم ويقوم، حتى كان الناس يظنون أن أحمد بن السلطان مما يحبه ويبوسه ويحمله.
وكان بكتمر قد عظم ذكره عند الناس وتسامعوا به، فإذا أهدى الناس إلى السلطان شيئاً كان مثله لبكتمر، والذي يجيء إلى السلطان يكون أيضاً غالبه لبكتمر؛ فعظمت أمواله.
وكان في إصطبله مائة سطل نحاساً لمائة سائس ستة أرؤس، غير ماله في الجشارات، ومع ذلك لم يكن له حماية ولا رعاية، ولا لغلمانه ذكر.
وكان باب إصطبله يغلق من المغرب، وما لأحد به حس.
وعمر تلك العمارة التي على بركة الفيل، وكان قد استخدم فيها نور الدين الفيومي، وكان صاحبي؛ فقلت له: كم نفقة العمارة كل يوم؟ قال: تبلغ ألف وخمسمائة درهم مع جاه العمل؛ لأن العجل من عند السلطان، والحجارين والفعلة من المحابيس؛ فقلت له: فكم يكون مقدار ذلك لو لم يكن جاء العمل؟ فقال لي: على القليل كل يوم ثلاثة آلاف درهم. وأقاموا يعمرون فيها مدة عشرة أشهر، وخرجت أنا من القاهرة وهم يعملون في الحوش، ولم يكونوا وصلوا إلى الرخام، ولا اللازورد، ولا الذهب، ولا عرق اللؤلؤ. انتهى.
قلت: وهذه الدار بالقرب من الكبش، تعرف بقصر بكتمر، ملكناها في حدود سنين العشرين وثمانمائة، وابتاعها منا غصباً الأمير تمرباي رأس نوبة النوب في سنة ست وأربعين وثمانمائة، بنحو ألف دينار، بحكم القيراط من مصروفها، انتهى.
قال الصفدي: ولما توفى بكتمر بطريق الحجاز عائداً سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة، خلف من الأموال والجواهر والأصناف والأمتعة والقماش ما يزيد عن الحد.
قال لي المهذب كاتبه: أخذ السلطان من خيله أربعين فرساً، قال: هذه لي وهبته إياها. وأبيع الباقي على ما انتهبه الخاصكية، وأخذوه بالثمن البخس، بما مبلغه ألفا ألف درهم ومائتا ألف درهم وثمانون ألف درهم، خارجاً عما في الجشارات.
وأنعم السلطان بالزرد خاناه والسلاح خاناه التي له على الأمير قوصون بعد ما أخذ منها سرجاً واحداً وسيفاً واحداً؛ فقال المهذب: قيمتها ستمائة ألف دينار. وأخذ السلطان له ثلاثة صناديق جوهر مثمناً ما لا يعلم لها قيمة، وأبيع له من: الآلات، والصيني، والكتب، والمصاحف، والربعات، والبخاري نسخ مختلفة. ومن الأدوية والمطعم وغير ذلك، والفراء الوبر، والأطلس وأنواع القماش السكندري والبغدادي وغير ذلك شيء كثير إلى الغاية المفرطة، دام البيع في ذلك مدة شهور.
وكان مع ذلك كله وافر العقل والسكون والحرمة والحشمة، قريباً من الناس، يتلطف بهم، ويسوسهم أحسن سياسة، ومن دخل في أمره قضى شغله على أكمل الوجوه.
وكان السلطان لا يخالفه في شيء، وإذا أنعم على أحد بوظيفة أو غير ذلك يقول: روح إلى الأمير بوس يده.
وكان يحجر على السلطان ويمنعه كثيراً عن أشياء من المظالم والعسف - ظهرت من السلطان بعد موته - .
ولما توجه السلطان إلى الحجاز توجه معه سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، وظهر بتجمل زائد، وحشمة وافرة.
كنت بسرياقوس لما خرجوا، ورأيت ما هالني، وخرج ساقه للناس كلهم، فكان ثقله وبركه نظير ما للسلطان، ولكن يزيد على ذلك بالزركش وآلة الذهب. وتنكر له السلطان في الطريق، واستوحش كل منهما من الآخر. فاتفق أنهم في العود مرض ولده أحمد، ومات قبل والده بثلاثة أيام، ثم إن بكتمر مات بعد ذلك.(1/281)
وكان السلطان قد عمل أحمد في تابوت وحمله معه. فلما مات أبوه بكتمر دفن الاثنين في الطريق عند نخل، وحث السير بعد ذلك.
وكان السلطان في تلك السفرة لا يبيت إلى في برج خشب وبكتمر عنده، وقوصون على الباب، والأمراء المشايخ كلهم حول البرج ينامون بسيوفهم.
فلما مات بكتمر، ترك المبيت بالبرج؛ فعلم الناس أن ذلك كان خوفاً من بكتمر.
ووجد في خزانة بكتمر في طريق الحجاز خمسمائة خلعة، منها ما هو أطلس بطرز زركش، وحوائص ذهب، وكلوتات وما دون ذلك من خلع المتعممين ومن دونهم من الأمراء الأجناد.
ووجدوا - على ما قيل - فيها قيوداً وزناجير، والله أعلم بحقيقة ذلك في الباطن.
ويقال إنه لما مرض، دخل إليه السلطان يوماً، فقال له بكتمر: بيني وبينك الله تعالى؛ فقال له السلطان: كل من عمل شيئاً يلتقيه.
ولما مات صرخت زوجته أم أحمد، وبكت إلى أن سمعها الناس تتكلم بكلام قبيح في حق السلطان، من جملته: أنت تقتل مملوكك، إيش كان ولدي فقال: بس تفشري، هاتي مفاتيح صناديقه، فأنا كل شيء أعطيته من الجوهر أعرفه واحداً واحداً؛ فرمت إليه المفاتيح؛ فأخذها.
ولما حضر السلطان إلى القلعة أظهر الندم عليه والأسف، وأعطى أخاه إمرة مائة وتقدمة ألف، وقال: ما بقي يجينا مملوك مثل بكتمر.
ثم إنه أمر بحمل رمته ورمة ولده أحمد من طريق الحجاز، وأحضرهما إلى تربيتهما بالقرافة.
وكان للزمان به جمال، ولبيت السلطان به رونق عظيم.
جاء أحمد بن مهنا بعد موته إلى القاهرة؛ فقال: بيت السلطان الآن يعوز شيئاً، وذلك الشيء هو كان بكتمر الساقي.
ويقلا إنه لما مرض في طريق الحجاز كان في محفة سائراً، والسلطان خلفه بقدر رمية نشاب يسير، فإذا أوقفوه وقف، وإذا مشوا به مشى. وتجهز إليه بغا الدوادار يكشف خبره. فلما جاء إليه وقال: يا خوند مات ساقٍ في مماليكه الخاصكية، وقال للأمير سيف الدين الحاج بهادر المعزي: يا أمير، قف غسله، وادفنه هو وولده في هذا المكان. وخلاه، وحث السير؛ فنزل الأمير سيف الدين قوصون عن هجينه بعد ما عرج عن الطريق يظهر أنه يريق الماء، واستند إلى الهجين، وجعل يبكي والمنديل على عينيه، فقال له المملوك الذي معه: يا خوند إيش تبكي، أما كان عدوك فقال والك، أنا ما أبكي إلا على نفسي، هكذا يفعل بكتمر ومن فينا مثل بكتمر؟ ومن بقي بعد بكتمر؟ ما بقي إلا أنا وكان بكتمر من أحسن الناس شكلاً، حسن الوجه، له لحية مدورة حمراء بسواد يسير، أبيض، ساطع البياض مشرباً بحمرة، قده مليح، وعبارته عذبه.
وكان إذا ركب في القاهرة ركب في مائتي نفس، ويركب نقيب النقباء والنقباء في خدمته.
وقصره في سرياقوس، بخلاف قصور بقية الأمراء، لأنه قبالة قصر السلطان، بحث أنهما كانا يتحادثان من داخل القصرين. وعمر له بالقرافة خانقاة وتربة مليحتين، وكان عوناً لمن انتمى إليه، وركناً عظيماً، ومروءة زائدة.
ولما تزوج آنوك ابن الملك الناصر بابنته كنت بالقاهرة، ورأيت الشوار الذي حمل من داره إلى القلعة.
انتهى كلام الشيخ صلاح الدين الصفدي، رحمه الله.
؟المؤمني
بكتمر بن عبد الله المؤمني، الأمير سيف الدين.
كان من جملة الأمراء بالديار المصرية، ثم ولى نيابة الإسكندرية، ثم ولى نيابة حلب، عوضاً عن الأمير علاء الدين على المارديني، فساءت سيرته بها؛ فعزل بالأمير بيدمر البدري، وقبض عليه، ثم صار بعد ذلك أمير آخوراً بالديار المصرية إلى أن توفى بها في سنة إحدى وسبعين وسبعمائة.
وكان أميراً شديد البأس، ذا أخلاق شرسة، يميل إلى الظلم، إلا أنه كان قديم الهجرة، ذا مهابة، ومعرفة، وتدبير، ودهاء. عفا الله عنه.
بكتمر الجوكندار
بكتمر بن عبد الله الجوكندار، الأمير سيف الدين.
كان أحد الأمراء الذين يشار إليهم أيام سلار وبيبرس الجاشنكير، ثم إنهما عملا عليه وأخرجاه إلى قلعة الصبيبة نائباً بها، فأقام هناك مدة، ثم نقل إلى نيابة صفد بعد موت الأمير سنقر شاه المنصوري، وكان في خدمته إذ ذاك ثمانمائة مملوك، حتى كان إذا ركب فيهم كانوا قريباً من عسكر صفد؛ فأقام في نيابة صفد نحو سنتين.
فلما حضر الملك الناصر محمد بن قلاوون من الكرك، لاقاه إلى دمشق، وحضر معه إلى القاهرة؛ فجعله الملك الناصر نائب السلطنة بالديار المصرية.(1/282)
وكان الملك الناصر يدعوه يا عمي. وله ولد يسمى محمد، كان هو والسلطان لا يتفارقان، وكان السلطان يدعوه: يا أخي.
قال الشيخ صلاح الدين: ولما كان في بعض الأيام والسلطان متوجه إلى المطعم، بكتمر بإزائه، خرج السلطان من السرج، ومال إليه، وقال: يا عمي ما بقي في قلبي من أحد من هؤلاء الأمراء أن أمسكه إلا فلان وفلان، وذكر له أميرين، فقال له: يا خوند ما تطلع من المطعم إلا وتجدني قد أمسكتهما.
وكان ذلك يوم الثلاثاء؛ فقال له السلطان: لا يا عمي ألا دعهما إلى يوم الخميس أو الجمعة نمسكهما في الصلاة إذا فرغنا منها. فقال: السمع والطاعة.
ثم إنه جهز إليه تشريفاً هائلاً، ومركوباً معظماً. فلما كان يوم الخميس قال له: غداً نمسكهما. فلما كان يوم الجمعة قال له في الصلاة: أين هما؟ قال: حاضران؛ فقال: يعد الصلاة تقدم بما قلت لك. فلما انقضت الصلاة، قال: يا عم، ما لي وجه أراهما واستحيي منهما، ولكن أمسكهما إذا دخلت أنا إلى الدار، وتوجه بهما إلى المكان الفلاني تجد منكلي بغا وقجماس، فسلمهما إليهما وروح. فلما أمسكهما، وتوجه بهما إلى المكان المذكور له، وجد الأميرين قجماس ومنكلي بغا هناك، فقاما إليه، وقالا له: عليك سمعاً وطاعة لمولانا السلطان، وأخذا سيفه؛ فقال لهما: يا خجداشية، ما هو هكذا الساعة كما فارقته؟، وقال أمسك هؤلاء، فقالا: ما القصد إلا أنت، فأمسكاه، وأطلقا الأميرين. وكان ذلك آخر العهد به بتاريخ سنة إحدى عشرة وسبعمائة تقريباً.
وكان فيه خير وبر للصلحاء، وحج حجة أنفق فيها شيئاً كثيراً، وأعطى المجاورين بالحرمين الذهب والقمصان والقمح.
وكان لا يحب سفك الدماء؛ فكان في صفد إذا أحضروا القاتل ضربه ضرباً مبرحاً، قريباً من السبعمائة عصا، ورماه في الحبس ويقول: الحي خير من الميت؛ فكثر الفساد في صفد وبلادها.
وكان هو وولده محمد في اللعب بالكرة فارسين، وولده أفرس منه.
وكان له من الأولاد محمد وخليل وإبراهيم وأحمد - فيما أظن - .
وكان يكثر اللعب بالكرة في صفد، ويضرب له حاماً على قرية بيربا - ظاهر صفد - ، ويقيم هناك هو وحريمه أياماً، ويعمل الموكب هناك، ودور العدل.
وعمر المغارة التي بصفد، وأنشأ بها صهريجاً، ودفن بها زوجته، ورتب للمغارة والصهريج على الديوان السلطاني مرتباً، وهو إلى اليوم.
ولما كان السلطان في الكرك كان يكتب إليه وإلى ابنه ناصر الدين محمد كثيراً ويخاطبه: يا أخي قل لعمي كذا، وطول روحك إلى أن يقدر الله لنا الخير. انتهى كلام الشيخ صلاح الدين، رحمه الله تعالى.
السلاح دار
بكتمر بن عبد الله السلاح دار، الأمير سيف الدين.
هو من مماليك الملك الظاهر بيبرس، وممن تأمر في الدولة المنصورية قلاوون، ودام على ذلك إلى أن عاد الملك الناصر محمد إلى الملك ثانياً، فر مع من فر من الأمراء إلى غازان - ووقع ما سنذكره إن شاء الله تعالى في غير هذا الموضع - ؛ فأقام هناك مدة، ثم قدم إلى الديار المصرية، وصار بها من جملة الأمراء إلى أن توفى بها سنة ثلاث وسبعمائة رحمه الله تعالى.
الركني
بكتمر بن عبد الله الركني، الأمير سيف الدين.
أنشأه الملك الظاهر برقوق، وأنعم عليه بإمرة عشرة، ثم طبلخاناه، ثم صار في الدولة الناصرية فرج أمير مائة ومقدم ألف، ثم نقل إلى إمرة مجلس، ثم إلى إمرة سلاح، ثم خلع في شوال سنة خمس وثمانمائة باستقراره رأس نوبة الأمراء - وهذه الوظيفة مفقودة الآن - واستقر عوضه في إمرة سلاح الأمير تمراز الناصري. واستمر على ذلك مدة، ثم أغطت رتبته، وتولى نيابة صفد عوضاً عن الأمير بكتمر شلق - الآتي ذكره - بعد انتقاله إلى نيابة طرابلس؛ وذلك في ذي الحجة سنة سبع وثمانمائة، وأظنه مات بها بعد ذلك بيسير، والله أعلم.
شلق
بكتمر بن عبد الله الظاهري، المعروف بكتمر شلق، الأمير سيف الدين.
أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق ومن خاصكيته، ثم أنعم عليه بإمرة عشرة، ثم طبلخاناه إلى أن مات الظاهر برقوق، صار في دولة ابنه الملك الناصر فرج أمير مائة ومقدم ألف بديار مصر، ثم ولى نيابة صفد؛ فتوجه إليها وباشر نيابتها، ووقع له فيها أمور ووقائع مع الأمير شيخ المحمودي، ثم اصطلحا وتحالفا على الخروج عن طاعة الناصر فرج، وذلك في يوم الاثنين الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة سبع وثمانمائة.(1/283)
فكانت مدة الحرب بينهما اثنين وعشرين يوماً، وقتل بينهما خلائق.
واستمر بكتمر المذكور على نيابة صفد على طاعة السلطان إلى أن توجه الأمير شيخ المذكور والأتابك يشبك الشعباني وقرا يوسف وغيرهم من الأمراء إلى الديار المصرية - وهي وقعة السعيدية - ؛ فطرقه أيضاً الأمير يشبك بصفد، وحصل بينهما قتال شديد، ثم عاد يشبك عن صفد بغير طائل.
ولما حصل للأمراء ما حصل، وتشتت شملهم بعد وقعة السعيدية، نقل بكتمر هذا إلى نيابة طرابلس - عوضاً عن الأمير شيخ السليماني - وولى عوضه صفد الأمير بكتمر الركني - المقدم ذكره - ؛ فدخلها، وباشر نيابتها إلى شهر جمادى الآخرة من سنة ثمان وثمانمائة قصده الأمير شيخ المحمودي والأمير نوروز الحافظي، وهو نازل على حمص؛ ففر بكتمر منهما؛ فتوجها إلى طرابلس، واستوليا عليها.
فلما كان الصلح بين الناصر فرج وبين أمرائه، استقر الأمير شيخ في نيابة دمشق، وأنعم بطرابلس على الأمير جكم مضافاً إلى حلب. وكتب إلى الأمير نوروز بالتوجه إلى القدس بطالاً، ورسم للأمير بكتمر شلق هذا بأن يكون أتابك دمشق؛ فدام في أتابكية دمشق إلى أن فر الأمير نوروز، نقل إلى نيابة صفد ثانياً بأمر الأمير جكم من عوض نائب حلب، بعد أن تسلطن جكم بحلب، وسمى نفسه بالملك العادل، وذلك في رابع شوال سنة تسع وثمانمائة، فلم يقم فيها إلا مدة يسيرة، وقدم عليه الأمير شيخ المحمودي فاراً من الأمير نوروز، وأخذ مدينة صفد منه؛ فتوجه بكتمر المذكور إلى القاهرة، فأنعم عليه السلطان بإمرة مائة وتقدمة ألف بها.
ولما توجه الملك الناصر فرج إلى البلاد الشامية كان الأمير بكتمر هذا صحبته، وولاه نيابة طرابلس ثانياً، وجعله نائب الغيبة بدمشق إلى أن يعود إليها نائبها الأمير نوروز الحافظي؛ فطرقه الأمير شيخ المحمودي بغتة ومعه الأمير يشبك الشعباني والأمير جاركس القاسمي المصارع، وأجلاه عن دمشق؛ فتوجه بكتمر إلى بعلبك؛ فوافاه الأمير نوروز ببعلبك؛ فقوى أمر بكتمر. وكان قد خرج في إثر بكتمر من دمشق الأمير يشبك والأمير جركس؛ فلما ورد خبرهما على بكتمر خرج إليهما الأمير نوروز بمن معه، والتقى معهما؛ فكان بينهم وقعة قتل فيها الأتابك يشبك الشعباني وجاركس القاسمي المصارع - حسبما سنذكره في ترجمتهما إن شاء الله تعالى - .
ثم توجه بكتمر إلى طرابلس وتولى يشبك بن أزدمر نيابة حماة.
ودام بكتمر في نيابة طرابلس إلى أن اصطلح الأمير نوروز الحافظي مع الأمير شيخ المحمودي على القبض على بكتمر المذكور، وقبض عليه، وقيد؛ وتوجه به إلى قلعة دمشق؛ فسجن بها في يوم الخميس سابع شهر رجب سنة عشرة وثمانمائة، ثم أفرج عنه لما اصطلح السلطان مع الأمير شيخ، وأعاده إلى نيابة دمشق، وأخلع على بكتمر المذكور أيضاً بإعادته إلى نيابة طرابلس؛ فباشر نيابتها مدة، ووقع بينه وبين نوروز الحافظي وقعة عند توجهه إلى مدينة صفد، ثم سار الأمير بكتمر وصحبته الأمير جانم إلى غزة، ونزح عنها الأمير سودون تلي المحمدي - وكان بها من قبل نوروز - ثم عاد إلى محل كفالته، واستمر إلى أن توجه الملك الناصر فرج إلى البلاد الشامية، ووصل إلى دمشق، وقدم عليه الأمير بكتمر هذا، وأخلع عليه الملك الناصر، واستقر به في نيابة دمشق، عوضاً عن الأمير شيخ المحمودي، وذلك في عشرين شهر ربيع الأول سنة اثنتي عشرة وثمانمائة.
ثم توجه السلطان في أثر الأمراء إلى أن وصل إلى قلعة صرخد وحصرهم بها، ثم اصطلحا على أن يكون بكتمر في نيابة دمشق، والأمير شيخ في نيابة طرابلس. وعاد السلطان إلى دمشق، وعقد بكتمر على ابنته بحضرته وحضرة أعيان الدولة؛ فعظم بكتمر بصهارة الملك الناصر.
ثم سار السلطان يريد القاهرة، واستمر بكتمر في نيابة دمشق إلى شهر جمادى الأولى من السنة؛ طرقه الأمير شيخ، واستولى على دمشق، وفر بكتمر إلى صفد، ثم إلى القاهرة، وصحبته من الأمراء الأمير بردبك نائب حماة، والأمير نكباي حاجب حجاب دمشق، والأمير ألطنبغا العثماني، والأمير يشبك الموساوي الأفقم نائب غزة؛ فخرج الملك الناصر إلى تلقيهم، ودخل بهم من باب النصر، وشق القاهرة، وأنعم على الأمير بكتمر بإمرة مائة وتقدمة ألف، وجعله رأس الميسرة، ودام بالقاهرة إلى أن زفت إليه بنت السلطان الملك الناصر فرج في المحرم سنة ثلاث عشرة وثمانمائة.(1/284)
ثم توجه الملك الناصر إلى البلاد الشامية، وأخلع عليه أيضاً بنيابة دمشق ثانياً، وحصر السلطان الأمراء بالكرك، وطال الأمر في ذلك إلى أن مشى القوم في الصلح؛ فطلب الأمراء من الملك الناصر عدم ولاية بكتمر لدمشق وقالوا: لا يكون بكتمر في نيابة دمشق ونحن في غيرها؛ فإن كان ولا بد؛ فيكون الأمير الكبير تغري بردى - يعني والدي - . فاستقر والدي في نيابة دمشق على كره منه، واستقر الأمير شيخ في نيابة حلب، والأمير نوروز في نيابة طرابلس.
وعاد السلطان إلى القاهرة ومعه الأمير بكتمر المذكور، ودام بها إلى أن تجرد السلطان إلى البلاد الشامية في سنة أربع عشرة وثمانمائة، وجعل بكتمر المذكور جاليشاً، وصحبته عدة من أعيان الأمراء. فلما وصلوا إلى دمشق توجهوا الجميع - يعني بكتمر ورفقته - إلى جهة الأميرين نوروز وشيخ، واستمروا من حزبهما إلى أن انكسر الملك الناصر فرج وقتل، وصار الأمر للخليفة ومدبر المماليك الأمير شيخ المحمودي؛ فكان بكتمر هذا معه كالقسيم في تدبير الممالك؛ فلم تطل أيامه بالقاهرة، ومات بعد مرض طويل في ثامن جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وثمانمائة، وخلا الجو بموته للأمير شيخ، وتسلطن بعد ذلك بمدة.
وكان بكتمر أميراً مهاباً، شجاعاً، مقداماً، كريماً، ذا شكل مليح، وسمت ووقار، وله مكارم مشهورة عنه، وهو أحد أوصياء والدي على تركته، رحمه الله تعالى.
السعدي
بكتمر بن عبد الله السعدي، الأمير سيف الدين.
أحد أمراء الطبلخاناه بالديار المصرية. أصله من مماليك القاضي الأمير سعد الدين إبراهيم بن غراب ودواداره. وإليه ينتسب بالسعدي.
اشتراه سعد الدين في صغره، ورباه في حجر نسائه، وعلمه القرآن؛ فنشأ على أجمل طريقة وأحسن سيرة من الديانة، وطلب العلم والمعرفة بأنواع الفروسية. وترقى بعد موت أستاذه إلى أن صار أمير شعرة، ثم طبلخاناه.
وأرسله الملك المؤيد شيخ إلى بلاد اليمن رسولاً؛ فتوجه إلى اليمن، ثم عاد إلى الديار المصرية بعد ما أظهر بتلك البلاد من جميل صفاته وغزير عقله وقوة جنانه ما أذهل ملوك اليمن.
واستمر على إقطاعه وإمرته إلى أن مات في يوم الخميس لثلاث عشر مضين من شهر ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة، وسنه زيادة على خمسين سنة تقريباً.
ولم يخلف بعده في أبناء جنسه مثله، ديناً، وعقلاً، وفضلاً وشجاعة، وسؤددا. وكان رومي الجنس، طوالاً، جميلاً، مجسماً، ذا قوة مفرطة يضرب بها المثل، ذا شكالة حسنة ولفظ فصيح، بادره الشيب في مقدم لحيته قديماً، وكانت بيننا صحبة ومحبة.
ولما أن جاورت بمكة المشرفة في عام اثنتين وخمسين وثمانمائة، واجتمعت بمكة بمؤرخها وشاعرها الشيخ الأديب قطب الدين أبي الخير محمد بن عبد القوي المغربي، ثم المكي المالكي، وتكرر ترداده إلي، وتجارينا في الأديبات وأيام الناس من غير أن أذكر له الأمير بكتمر السعدي هذا؛ فأخذ الشيخ أبو الخير في بعض الأيام في الثناء على الأمير بكتمر والترحم عليه، ثم أنشدني من لفظه لنفسه:
وحبيني في الترك يحيى بن سنقر ... ويوسف مولانا وبكتمر السعدي
فإن قيل لي أي الثلاثة يرتضى ... لأفعل قلت: الحي واسطة العقد
ثم إني سألت الشيخ أبا الخير المذكور عن يحيى بن سنقر المذكور في البيتين؛ فوصف لي شخصاً من الشاميين، ونعته بكل فضيلة ومحاسن جمة. رحمه الله تعالى. انتهى.
العزيزي
بكتوت بن عبد الله العزيزي، الأمير سيف الدين، أستادار الملك الناصر يوسف صاحب دمشق.
كان ذا حرمة وافرة، ورتبة عالية، ومهابة شديدة، ويد مبسوطة، وله الإقطاعات الضخمة والأموال الجمة.
وكان شجاعاً، جيد السياسة. وكانت بينه وبين ابن وداعة عداوة، يقال هو الذي سمه في بطيخة.
ومنذ توفى بكتوت وقع الخلل في أحوال الملك الناصر. وكانت وفاته سنة ست وخمسين وستمائة، مجرداً بالنواحي القبلية. رحمه الله تعالى.
الأفرعي
بكتوت بن عبد الله الأفرعي، الأمير بدر الدين.
كان يلي شد دمشق في أيام الظاهر بيبرس، وعزل أيام الملك السعيد ابنه، وولى شد الصحبة للملك المنصور قلاوون، وهو الذي ضيق على قاضي القضاة ابن الصائغ أنه لا يقبل الرشاء. وكان ظالماً جباراً.
توفى سنة أربع وتسعين وستمائة، ورثاه الشيخ الأديب علاء الدين الكندي الوداعي:(1/285)
خبا البدر الذي قد كان يهدي ... إلى سبل النزاهة والصيانة
فقل للدهر إن عزيت فيه ... يطيل الله عمرك في الأمانة
العلائي
بكتوت بن عبد الله العلائي، الأمير بدر الدين.
كان أولاً من أعيان أمراء دمشق، ثم انتقل إلى القاهرة، وعلت رتبته بها في الدولة الأشرفية خليل بن الملك المنصور قلاوون.
وقيل إنه ولى نيابة دمشق في أوائل دولة المنصور قلاوون.
وكان أميراً ضخماً، شجاعاً، وافر الحرمة، والمهابة. توفى سنة ثلاث وتسعين وستمائة. رحمه الله.
المحمدي
بكتوت بن عبد الله المحمدي، الأمير بدر الدين.
قال الشيخ صلاح الدين في تاريخه: أخبرني الشيخ أثير الدين أبو حيان من لفظه قال: كان المذكور قد اشتغل علي بيسير من النحو، وأنشدني لنفسه:
بجلقٍ لي حبيب ... بوصله لا يجود
فقلبه قاسيون ... ودمع عيني يزيد
وأنشدني لنفسه:
من لي بطبي غريرٍ ... باللحظ يسبى الممالك
إذا تبدى بليلٍ ... جلا سناه الحوالك
من حور رضوان أبهى ... لكنه نجل مالك
الخوارزمي
بكتي بن عبد الله الخوارزمي، الأمير سيف الدين.
كان من أكابر الأمراء. توفى سنة ست وثمانين وستمائة.
أمير شكار
753 - ه ... ... - 1352م بكلمش بن عبد الله الناصري، الأمير سيف الدين.
كان الملك الناصر حسن أمره، ثم جعله أمير شكاراً، ثم نقله في سنة إحدى وخمسين وسبعمائة إلى نيابة طرابلس - عوضاً عن الأمير بدر الدين مسعود بن الخطير - ؛ فباشر نيابة طرابلس على أقبح وجه، وساءت سيرته، ودام بها إلى أن توجه إلى صفد في واقعة الأمير أحمد الساقي، وحصره في القلعة، ثم عاد إلى طرابلس. ولم يزل بها إلى أن خرج مع يبغا أرس سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة وأحمد الساقي، ووصلوا إلى دمشق؛ فمات بكلمش هذا في برج دمشق في السنة المذكورة.
العلائي
بكلمش بن عبد الله العلائي، أمير سلاح، الأمير سيف الدين.
أصله من مماليك الأمير طيبغا الطويل، وتنقلت به الخدم إلى أن صار في دولة الملك الظاهر برقوق الأولى أمير طبلخاناه ورأس نوبة. ودام على ذلك إلى أن خلع الملك الظاهر برقوق، وحبس بالكرك، قبض على بكلمش هذا أيضاً، وحبس مع من قبض عليه من حواشي برقوق إلى أن خرج الظاهر برقوق من حبس الكرك وعاد إلى ملكه - حسبما ذكرناه في محله - أنعم على بكلمش المذكور بإمرة مائة وتقدمة ألف، وجعله أمير آخوراً كبيراً، فاستمر على ذلك مدة سنين إلى أن قبض عليه وحبسه مدة يسيرة. ثم أطلقه وجعله أمير سلاحاً؛ فاستمر على ذلك إلى سنة ثمانمائة.
فلما كان تاسع عشرين المحرم من السنة قبض الملك الظاهر عليه وعلى كمشبغا الحموي الأمير الكبير، وحملا إلى الإسكندرية من الغد صحبة الأمير سودون الطيار - قاله المقريزي، وقال العيني: سودون الظريف - ؛ فسجنا بالثغر مدة، ثم أفرج السلطان عن الأمير بكلمش صاحب الترجمة، ووجهه إلى القدس بطالاً، فأقام بالقدس إلى أن مات في شهر صفر سنة إحدى وثمانمائة. رحمه الله تعالى.
وكان أميراً شجاعاً، مقداماً، ذا كلمة نافذة في الدولة وحرمة، وافرة. وكان خصيصاً عند الملك الظاهر برقوق، مدلاً عليه. وكان يبالغ السلطان بالكلام الخشن وله كرم وإنعام مع تكبر، وجبروت، وخلق سيئ، وسطوة، وبادرة على من حنق عليه؛ ولهذا المعنى قبض عليه الظاهر، وهو أنه ضرب موقعه القاضي صفي الدين الدميري وصادره؛ فشكى صفي الدين حاله إلى السلطان، ومدح السلطان بأبيات تتضمن ذم بكلمش، ومن جملتها قوله: أتأكلني الذئاب وأنت ليث؛ فسمع بذلك بكلمش؛ فطلبه، وضربه ثانياً بالمقارع. وكلما كانوا يضربونه يرشون عليه الملح، فكلما كان يستغيث ويصرخ يقول له بكلمش: قل لليث يخلصك من الذئب، فلم يزل يعاقبه حتى كان موته من تلك العقوبة؛ فبلغ السلطان ذلك؛ فتوغر خاطره عليه مع ما صدر منه من تحريض مماليكه على محاربة مماليك الأتابك أيتمش؛ فكان هذا هو السبب للقبض عليه. ولما قبض عليه أنعم الملك الظاهر برقوق بإقطاعه ووظيفته إمرة سلاح، على والدي. رحمه الله تعالى.
باب الباء واللام
الزيني(1/286)
بلبان بن عبد الله الزيني الصالحي، الأمير سيف الدين، مقدم البحرية في أوائل دولة الأتراك. حبسه الملك الظاهر بيبرس مدة يسيرة ثم أطلقه، وجعله أميراً بدمشق. وكان ذا نهضة وشهامة؛ فدام بدمشق إلى أن مات في سنة سبع وسبعين وستمائة. رحمه الله تعالى.
النوفلي
بلبان بن عبد الله النوفلي العزيزي، الأمير ناصر الدين، أحد أمراء دمشق. كان من أعيان العزيزية، وكان فيه دين وخير، وتوجه صحبة الجيش لغزو سيس سنة ثمان وسبعين وستمائة؛ فمات في المعترك. رحمه الله.
وأصله من مماليك الملك العزيز صاحب حلب. رحمه الله تعالى.
الزرد كاش
بلبان الزرد كاش بن عبد الله، الأمير سيف الدين.
كان من أعيان أمراء دمشق، وكان طيبرس الوزيري نائب دمشق إذا غاب عن دمشق استنابه عنه في دار العدل، وكان ديناً، خيراً، عادلاً في حكمه، يحب الفقراء وأهل الصلاح. مات سنة ستين وستمائة. رحمه الله تعالى.
الساقي
بلبان بن عبد الله الساقي، الأمير علم الدين.
كان من أعيان الأمراء، وتوجه في الجيش لغزو سيس أيضاً؛ فتوفى وهو راجع من غزوه في سنة ثمان وسبعين وستمائة. رحمه الله تعالى.
الرومي
بلبان بن عبد الله الرومي الدوادار، الأمير سيف الدين.
كان من أعيان الأمراء ونجبائهم، وكان الملك الظاهر بيبرس يعتمد عليه ويحمله أسراره إلى القصاد، ولم يؤمره إلا الملك السعيد بن الملك الظاهر. واستشهد بمصاف حمص سنة ثمانين وستمائة.
وكان يباشر وظيفة الدوادارية، ولم يكن معه كاتب سر، فاتفق أنه قال يوماً لمحيي الدين بن عبد الظاهر: اكتب لفلان مرسوماً أن يطلق له من الخزانة العالية بدمشق عشرة آلاف درهم، نصفها عشرون ألف درهم؛ فكتب المرسوم كما قال له، وجهزه إلى دمشق؛ فأنكروه وأعادوه إلى السلطان الملك الظاهر، وقالوا: ما نعلم هل هذا المرسوم بعشرين، نصفها عشرة، أو هو بعشرة نصفها خمسة؟ ؛ فطلب السلطان محيي الدين، وأنكر ذلك عليه؛ فقال: يا خوند: هكذا قال لي الأمير سيف الدين بلبان الدوادار؛ فقال السلطان: ينبغي أن يكون للملك كاتب سر يتلقى المرسوم منه شفاهاً. وكان السلطان الملك المنصور قلاوون حاضراً من جملة الأمراء يسمع هذا الكلام، وخرج الملك الظاهر عقيب ذلك إلى نوبة الأبلستين؛ فلما توفى الظاهر وتملك الملك المنصور قلاوون اتخذ كاتب سر. رحمه الله تعالى.
الجوكندار
بلبان بن عبد الله الجوكندار، الأمير سيف الدين.
كان نائب قلعة صفد في نوبة غازان؛ فلما كسر المسلمون وهرب الأمراء جاء الملك المظفر بيبرس الجاشنكير والأمير سلار على وادي التيم حضروا إلى صفد وطبوا منه مركوباً؛ ليحملهم، فلم يعطهم شيئاً. فلما وصلوا إلى مصر عزل، وجهز إلى دمشق؛ فأكرمه الأفرم نائب دمشق، وولاه شد الدواوين بدمشق، وسلم الأمر إليه؛ فباشر الشد كالنيابة، يولي ويعزل ويحكم بما أراد.
وقيل إنما قربه الأفرم؛ وأعطاه هذه المنزلة إلا بسبب ولده علاء الدين قطليجا؛ فإنه كان مبدعاً بالجمال، ثم عزله الأفرم، وولاه نيابة حمص؛ فباشرها إلى أن مات في سنة ست وسبعمائة، رحمه الله تعالى.
طرنا
بلبان بن عبد الله، أمير جندار، الأمير سيف الدين، المعروف ببلبان طرنا - يعني كركي - .
كان من جملة الأمراء بديار مصر، ثم نقله الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى نيابة صفد؛ فباشر نيابتها مدة، ثم وقع بينه وبين الأمير تنكز نائب الشام؛ فعزله السلطان، ورسم بتوجهه إلى دمشق. فلما وصل إليها، ودخل ليقبل يد تنكز ويسلم عليه أمسكه، وبقي في الاعتقال عشر سنين، ثم شفع فيه تنكز، وأخرجه من الاعتقال، وجعله أمير مائة ومقدم ألف، وأخذ في الإقبال عليه، وصار يشرب معه القمز، وبقي من خواصه إلى أن توفى يعد سنة أربع وثلاثين وسبعمائة، ودفن في تربته بجوار داره عند مأذنة فيروز، رحمه الله تعالى.
الطباخي
بلبان بن عبد الله الطباخي المنصوري، الأمير سيف الدين.(1/287)
أنشأه أستاذه الملك المنصور قلاوون، وجعله من جملة أمراء الديار المصرية، ثم نقله إلى نيابة طرابلس؛ فباشر نيابتها إلى أن نقل إلى نيابة حلب عوضاً عن الأمير قراسنقر المنصوري في سنة إحدى وتسعين وستمائة وطالت مدته بها إلى أن طلب إلى القاهرة، وصار من جملة أمرائها. ودام على ذلك إلى أن رسم له بالتوجه صحبة العساكر إلى البلاد الشامية؛ فتوفى بالرملة بطريق دمشق في سنة سبعمائة عن نيف وأربعين سنة.
وكان أميراً عظيم القدر شجاعاً، مقداماً، شديد البأس، شهماً، ذا نعمة كبيرة، وسعادة، وحشم، وخدم. وفيه يقول الأديب بهاء الدين أبو الحسن علي بن أبي سواد الحلبي من أبيات:
بهرت مضاربك المعول بعزمة ... شكرت مواقعها بكل لسان
إن الشجاعة والبسالة والسخا ... جمعت بحمد الله في بلبان
شيخ كرك نوح
بلبان الرافضي، شيخ كرك نوح بالبلاد الشامية، واسمه، محمد، وغلب عليه بلبان. قتلته عامة دمشق مع ولده محمد الحرماني في يوم الجمعة ثالث ذي القعدة سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة بدمشق بعد القبض على نائبها الأمير إينال اجلكمي. وكان من خبره أنه دخل إلى دمشق بمجموعة من العشيرة نصرة لأستاذه الأمير برسباي حاجب حجاب دمشق وعونة للعساكر السلطانية؛ فلم يصل حتى انقضت الوقعة؛ فدخل دمشق في خدمة نائبها الأمير آقبغا التمرازي المتولي بعد إينال المذكور حتى أوصله إلى دار السعادة. وتفرق الأمراء وغيرهم إلى منازلهم، وعاد بلبان هذا أيضاً. إلى محل إقامته، وفي خدمته أعوانه وحواشيه إلى أن وصل إلى المصلى، والعامة قد ملأت الطرقات؛ فصاح به ويمن معه من العشير جماعة من عامة دمشق قائلين: أبا بكر أبا بكر، يكررون ذلك مراراً، يريدون نكاية بلبان المذكور وجماعة.
كل ذلك وبلبان لم يلتفت إلى مقالتهم وكثر ذلك من العامة وأمعنوا، فأخذ عند ذلك بعض العشير يضرب واحداً من العامة؛ فوثبوا به وألقوه عن فرسه؛ ليقتلوه، فاجتمع أصحابه ليخلصوه من العامة، وقاتلوهم؛ فبادروا العامة، وذبحوا ذلك الرجل، وتناولوا الحجارة يرمون بها بلبان وقومه إلى أن ألقوه عن فرسه وذبحوه ثم ذبحوا ابنه محمد المذكور وجماعة كبيرة من أعوانه، وكان معه نحو خمسمائة فارس، فقتل بلبان المذكور من غير أمر يوجب قتله، وأراح الله العباد منه، غلا أسفاً عليه، وذهابه إلى سقر؛ فإنه كان رافضياً خبيثاً، إلا أنه كان له مكارم وأفضال من مال واسع.
وأغرب من هذا ما حكى لي يعض مماليك صهري الأمير آقبغا التمرازي المذكور: أن أستاذ بلبان الأمير برسباي حاجب دمشق أقام مدة بدمشق يخاف أن يظهر بشوارع دمشق؛ خوفاً من العامة. هذا، مع عدم قيامه بطلب دم بلبان المذكور، وعدم النصرة له. انتهى.
باب الباء والهاء
ابن بيجار
بهادر بن بيجار، الأمير بهاء الدين بن الأمير حسام الدين.
وهو كان السبب لقدوم أبيه من بلاد التتار إلى الديار المصرية.
كان الأمير بهادر من أعيان الأمراء وأكابرها، وكان موصوفاً بالشجاعة والإقدام.
توفى سنة ثمانين وستمائة صحبة الجيش - وهو في عشر السبعين ووالده حي، قد كف بصره - رحمه الله تعالى.
الخوارزمي
بهادر بن عبد الله الخوارزمي، الأمير سيف الدين.
وهو أول من ولى العراق لهولاكو. وكان على ظلمه له ميل إلى الإسلام، وعلم أولاده القرآن، وكان ربما يصلي بالعربي. وكان فيه دهاء ومكر. قتلته التتار لأمور نقموها منه سنة إحدى وستين وستمائة.
صاحب سميساط
بهادر بن عبد الله، الأمير شمس الدين، صاحب سميساط وابن صاحبها.
قدم إلى دمشق مهاجراً قبل موته بثلاث سنين؛ فأعطاه الملك الظاهر بيبرس إمرة، وأكرمه إلى أن مات كهلاً في سنة ست وسبعين وستمائة.
آص
بهادر بن عبد الله، الأمير الكبير سيف الدين، المعروف بآص.
أحد أمراء دمشق.
قلت: وتسميه هو - لا - بالأمير الكبير على خلاف قاعدة زماننا هذا؛ فإنه كان أولاً كل قديم هجرة في الإمرة والشيخوخة يسمى بالأمير الكبير، وأما زماننا هذا، فأول من تسمى فيه بالأمير الكبير أتابك العساكر الأمير شيخو صاحب الخانقاة والجامع بخط صليبة جامع أحمد بن طولون إلى يومنا هذا. انتهى.(1/288)
كان الأمير بهادر هذا أصله من المماليك المنصورية قلاوون، وكان هو القائم بأمر السلطان الملك الناصر محمد لما كان بالكرك كانت تجيء رسله إليه في الباطن؛ وتنزل عنده.
وكان هو الذي يفرق الكتب، ويأخذ أجوبتها، ويحلف الناس له في الباطن إلى أن استثبت له الأمر.
وكان ذا رخت عظيم، وعدة كاملة، وسلاح هائل.
وتولى نيابة صفد مدة، ثم عزل، وعاد إلى إمرته بدمشق - كما كان أولاً - إلى أن تجرد مع الأمير تنكز نائب الشام إلى ملطية، أشار على تنكز بشيء؛ فخالفه تنكز، فقال بهادر آص المذكور: كما نحن في الصبينة؛ فحقدها تنكز عليه، وكتب إلى السلطان بذلك؛ فقبض عليه، وأقام في الاعتقال نحو السنتين، ثم أفرج عنه، وأعيد إلى مكانه إلى أن مات في سنة ثلاثين وسبعمائة. وآص طائفة من التتار.
المعزي
بهادر بن عبد الله المعزي، الأمير سيف الدين.
كان من أعيان الأمراء في الدولة الناصرية محمد بن قلاوون، ثم قبض عليه الناصر، وحبسه مدة طويلة إلى أن أخرجه من الحبس في سنة ثلاثين وسبعمائة، ثم أقبل عليه إقبالاً زائداً.
وكان يسميه الحاج بهادر، وجعله أمير مائة ومقدم ألف بديار مصر.
وكان يجلس في دار العدل مع الأمراء والمشايخ. وكان يميل إلى مماليكه، ويشتري الملاح منهم، وينعم عليهم كثيراً. ولم يزل على ذلك إلى أن مات في أواخر سنة تسع وثلاثين أو في أوائل سنة أربعين وسبعمائة. رحمه الله تعالى.
التمرتاشي
بهادر بن عبد الله التمرتاشي، الأمير سيف الدين.
كان قد ورد البلاد صحبة تمرتاش؛ فرآه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون؛ فأحبه. ولما قتل تمرتاش أخذه السلطان الملك الناصر وقربه، وبالغ في تقديمه؛ فلامه الأمير بكتمر الساقي؛ فقال: يا خوند، كل واحد من مماليكك يقعد في خدمتك ما شاء الله حتى تقدمه لإمرة عشرة، ثم تنقله لإمرة أربعين، وبعد مدة حتى يكون أمير مائة؛ فخالفه السلطان؛ وأعطاه إمرة مائة وتقدمة ألف، وزوجه إحدى بناته، وصار أحد الأربعة المقدمين الذين يبيتون ليلة بعد ليلة عند السلطان. وسماه الناصر: بهادر الناصري - وهم: الأمير قوصون، وبشتك، وطغاي تمر، وبهادر هذا - ولم يزل على ذلك إلى أن مرض، وطالت به علته، وابتلى برمد مزمن، وقرحة.
ولازمه إنسان مغربي غريب من البلاد، وعالجه بأشياء لم يوافقه الأطباء عليها؛ فلزم بيته، وامتنع من الطلوع إلى القلعة إلا في بعض الأحيان. ولم يزل على ذلك إلى أن تسلطن الملك الصالح إسماعيل بن الناصر محمد قربه وسكنه الأشرفية - دار قوصون - ؛ لكونه زوج أخته. وصار الأمر والنهي له، وأخرج الأمير علاء الدين ألطنبغا المارديني إلى نيابة حماة، ولم يزل في هذه الرتبة إلى أن مات في أوائل شهر شوال سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة. رحمه الله.
المشرف
بهادر بن عبد الله الجمالي، الأمير سيف الدين، المعروف بالمشرف.
أحد أمراء الألوف بالديار المصرية.
كان معظماً عند الملك الظاهر برقوق، ومن أعيان أمرائه. وتوجه في سنة ست وثمانين وسبعمائة إلى الحجاز أمير حاج المحمل؛ فمات بمنزله عيون القصب في ذي القعدة من السنة المذكورة، ودفن بالعيون. رحمه الله تعالى، وعفا عنه.
سمز
بهادر بن عبد الله المنصوري، المعروف بسمز - يعني سمين - الأمير شمس الدين.
كان من أكابر أمراء دمشق ومن أعيان الدولة إلى أن توجه صحبة نائب دمشق إلى الصيد خارج دمشق؛ فكبستهم طائفة من العرب الخارجة عن الطاعة، ولم يعلموا أن نائب دمشق معهم؛ فركب بهادر سمز المذكور، وجعل يحمل عليهم ويرميهم بالسهام ويقول: أنا بهادر دمشق، فرماه بعض العرب بحربة، وقال: خذها أنا عصفور بن عصفور؛ فقتله؛ فحمل إلى قرية قبر الست؛ فدفن هناك، وقتل أكثر العرب في هذه الوقعة، وكان بهادر مشهوراً بالشجاعة والإقدام. رحمه الله تعالى.
حلاوة الأوجاقي
بهادر بن عبد الله الأوجاقي الناصري، الأمير سيف الدين، المعروف بحلاوة؛ وهو أنه كان يسوق البريد، وهو أوجاقي بالكوفية البيضاء؛ فكان إذا جاء المنزلة قال لغلمان البريد: تأكل حلاوة؛ فإذا قال: نعم ضربه؛ بالمقرعة؛ فسمي بحلاوة.(1/289)
وكان فيه همة وقدرة على السوق، وقضى أشغالاً كثيرة؛ فقدمه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، وألبسه الكلوتة، وصار من أعيان الدولة. وكان تنكز نائب الشام يعظمه، ويدعوه: ابني تارة بالتركي، وتارة بالعربي، وكان يخلع عليه تنكز قباء مطرز مغشى بكمخا.
ولما ولى الأمير ألطنبغا نيابة دمشق أنعم على بهادر هذا بإمرة طبلخاناه بها، وصار مقدم البريدية بها، ودام على ذلك إلى أن أخرج الملك الناصر أحمد ابن محمد بن قلاوون خبزه، ثم أعيد إليه، ثم أخرج إقطاعه الأمير أيدغمش لما ولى نيابة دمشق إلى أحد أولاده، وأنعم عليه بإقطاع آخر، وولى البر؛ فأقام على ذلك إلى أن ولى الأمير طقزدمر نيابة دمشق، نقله الملك الصالح إلى إمرة بحلب؛ فتوجه إليها؛ فأقام بها نحو أربعة أشهر، ومات في ثالث عشر صفر سنة أربع وأربعين وسبعمائة. وكان له همة، وفيه مروءة. رحمه الله تعالى.
المنجكي
بهادر بن عبد الله المنجكي الأستادار، الأمير سيف الدين، أستادار السلطان. نسبته بالمنجكي إلى معتقه الأمير منجك اليوسفي.
كان بهادر المذكور خصيصاً عند الملك الظاهر برقوق، قربه وأدناه، وجعله أستاداراً، وأمير مائة مقدم ألف بديار مصر. ونالته السعادة في وظيفته وعظم، وصار له ثروة، ومال جزيل، وبر واسع. وكان عنده معرفة وسياسة بالأمور وعقل، ومات ولم ينكب.
قال العيني: وكان رجلاً خيراً، يواسي الفقراء؛ ويحسن إلى الغرباء. وكانت له صدقات كثيرة. وكان أصله رومياً، وقيل إفرنجياً. انتهى كلام العيني.
قلت: وهو أعظم من ولى هذه الوظيفة من الدولة الظاهرية برقوق إلى زماننا هذا.
توفى بهادر المذكور في أول جمادى الآخرة سنة تسعين وسبعمائة. وولى الأستادارية من بعده الأمير محمود بن علي بن أصفر عينه، انتقل إليها من شد الدواوين.
الشهابي
بهادر بن عبد الله الشهابي، الأمير سيف الدين، الطواشي الرومي، مقدم المماليك السلطانية. وليها بعد الأمير الطواشي صواب السعدي، المعروف بشنكل. وكان بهادر المذكور شهماً، ضخماً، صاحب حرمة، ووقار، وكلمة نافذة في الدولة إلى أن مات في سابع عشر شهر رجب سنة اثنتين وثمانمائة. رحمه الله.
الحاج بهادر
بهادر بن عبد الله المنصوري، الأمير سيف الدين، المعروف بالحاج بهادر.
كان أولاً من أعيان الأمراء بالديار المصرية، ثم أخرج إلى حلب على إمرة، ثم نقل إلى دمشق، وأعطى إمرة مائة وتقدمة ألف، وأقام بها مدة، وداخل نائبها الأفرم، وصار من أخصائه.
وكان بهادر هذا يصحب قطلوبغا الفخري، وبينهما صحبة ومحبة أكيدة. وكانا متفقين على بعض اجلراكسة.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي: أخبرني القاضي شرف الدين بن فضل الله، قال: أخبرني والدي أنه كان أشبه الناس بالملك الظاهر بيبرس - يعني بهادر صاحب الترجمة - .
ثم قال الشيخ صلاح الدين: ولما ولى الملك المظفر بيبرس الجاشنكير وفرح به الأفرم، تغير الحاج بهادر على الأفرم بعد مداخلته مجالس أنسه ومواطن إطرابه ولذاته، وأخذ في تغيير الأمراء عليه، ويقول لمن يخلو به: هؤلاء اجلراكسة متى تمكنوا منا أهلكونا، وراحت أرواحنا معهم؛ فقوموا بنا نعمل شيئاً قبل أن يعملوا بنا.
وتحالف هو وقطلوبك على الفتك بالأفرم، إن قدرا عليه؛ فأحس الأفرم بذلك، فلم يزل بالحاج بهادر إلى أن استصلحه على ظنه، وقال: بعد أن سلمت من هذه الحية ما بقيت أفكر بتلك العقرب - يعني بالحية الحاج بهادر، وبالعقرب قطلوبك الفخري - . ولما تحرك الملك الناصر محمد بن قلاوون من الكرك أرسل الأفرم الحاج بهادر وقطلوبك لإقدامه؛ فنزلا على الفور، وأظهرا النصح للأفرم. ثم إنهما راسلا السلطان الملك الناصر في الباطن، وحلفا له. ثم سارا إلى لقائه، ودخلا معه إلى دمشق وكان الحاج بهادر حامل اللواء على رأس السلطان في يوم دخوله إلى دمشق، واستمر من حزب الملك الناصر إلى أن ولى نيابة طرابلس، وتوجه إليها، وأقام بها إلى أن مات في شهر ربيع الآخر سنة عشر وسبعمائة. رحمه الله تعالى.
قاضي القضاة تاج الدين الديري المالكي
بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز، قاضي القضاة، تاج الدين بن الدميري المالكي.(1/290)
كان إماماً في الفقه والعربية وغيرهما، وتصدر للإفتاء والتدريس عدة سنين، وانتفع به الطلبة. ثم ولى قضاء قضاة المالكية بالديار المصرية، وحمدت سيرته. ولم يزل ملازماً للأشغال والاشتغال إلى أن مات في يوم الاثنين سابع جمادى الآخرة سنة خمس وثمانمائة عن سبعين سنة، وقد انتهت إليه رئاسة السادة المالكية في زمانه. رحمه الله.
باب الباء الموحدة والواو
الفرنسيس
بواش هو الملك ريد إفرنس، المعروف بالفرنسيس.
كل أجل ملوك الفرنج، وأعظمهم قدراً، وأكثرهم عساكراً، وأوسعهم بلاداً، وأكثرهم أموالاً. وقصد الديار المصرية، واستولى على طرف منها، وملك دمياط في سنة سبع وأربعين وستمائة. واتفق موت الملك الصالح نجم الدين أيوب سلطان الديار المصرية، وتملك بعده ابنه الملك المعظم توران شاه.
واستمر الحصار بين المسلمين والفرنج إلى أن قدر الله بأسر ريد إفرنس المذكور، وانهزام عسكره. وبقي أسيراً في أيدي المسلمين مدة إلى أن أطلق بعد تسليم دمياط إلى المسلمين. وتوجه إلى بلاده وفي قلبه ما جرى عليه من ذهاب أمواله، وأسر رجاله؛ فبقيت نفسه تحدثه بالعود إلى البلاد الإسلامية؛ لأخذ ثأره. فاهتم لذلك اهتماماً كبيراً في مدة سنين إلى سنة ستين وستمائة، وقصد سواحل الديار المصرية فقيل له: إن قصد مصر ربما يجري لك مثل المرة الأولى، والأحسن أن تقصد تونس.
وكان ملكها يومئذ السلطان محمد بن يحيى بن عبد الواحد، الملقب بالمستنصر بالله، فإنك إن ظهرت عليه، تمكنت من قصد مصر في البر والبحر؛ فقصد تونس، وكاد يستولي عليها، ومعه جماعة من ملوك الفرنج؛ فأوقع الله في عسكره وباءً عظيماً؛ فهلك الملك ريد إفرنس وخلق كثير من عسكره، ورجع من بقي من عسكره إلى بلادهم بالخيبة والصغار.
وكانت وفاته سنة إحدى وستين وستمائة، ووصلت البشرى بموته إلى الملك الظاهر بيبرس؛ فسر الناس بذلك.
وكان ريد إفرنس المذكور عنده شجاعة، وإقدام، ومكر، ودهاء. ولما أسر في نوبة دمياط، تسلمه الطواشي جمال الدين محسن هو وجماعته، وضرب في رجله قيداً ثقيلاً، واعتقله في الدار التي كان بها فخر الدين بن لقمان؛ كاتب الإنشاء، وذلك بالمنصورة، ووكل به جمال الدين محسن الطواشي صبيح المعظمي؛ فلذلك قال الصاحب جمال الدين بن مطروح عندما بلغهم مجيئه ثانياً إلى الديار المصرية:
قل للفرنسيس إذا جئته ... مقال حق من مقول نصيح
آجرك الله على ما جرى ... من قتل عباد يسوع المسيح
أتيت مصراً تبتغي ملكها ... تحسب أن الزمر يا طبل ريح
فساقك الحين إلى أدهم ... ضاقت به عن ناظريك الفسيح
وكل أصحابك أوردتهم ... بسوء أفعالك بطن الضريح
خمسون ألفاً لا ترى منهم ... إلا قتيلاً أو أسيراً جريح
وفقك الله لأمثالها ... لعل عيسى منكم يستريح
إن كان باباكم بذا راضياً ... فرب غش قد أتى من نصيح
وقل لهم إن أضمروا عودة ... لأخذ ثأر أو لقصد صحيح
دار ابن لقمان على حالها ... والقيد باقٍ والطواشي صبيح
واشتهرت هذه الأبيات؛ لحسنها ورشاقة ألفاظها.
ولما قصد الفرنسيس بلاد تونس، قال فيه بعض شعرائها:
يا فرنسيس هذه أخت مصر ... فتيقن لما إليه تصير
لك فيها دار ابن لقمان قبرٍ ... وطواشيك منكر ونكير.
انتهى.
القان ملك التتار
بوسعيد بن خربندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكو، المغلي القان ملك التتار، صاحب العراق، وخراسان، وأذربيجان، والروم، والجزيرة.
ومن الناس من يسميه أبو سعيد، وهو خطأ. والصواب ما ذكرناه - بوسعيد لا يعمل فيه الإعراب؛ لأنه اسم وليس بكنية وقيل بوصعيد بالصاد المهملة.
ملك بوسعيد نحو عشرين سنة. وكان مسلماً، قليل الشر، يكره الظلم، وينقاد للشرع، ويكتب خطاً قوياً منسوباً. ويجيد ضرب العود إلى الغاية، وصنف أشياء في فن الموسيقا، نقلت عنه.
وأبطل في أيامه مكوساً كثيرة، وفواحش، وخموراً، وهدم كنائس بغداد، وخلع على من أسلم من أهل الذمة، وأسقط مكوس الفاكهة في سائر مماليكه، وورث ذوي الأرحام.(1/291)
وكان قبل موته بسنة قد حج ركب العراق من العراق، وكان المقدم عليهم بطلاً، شجاعاً، فلم يمكن العرب من قطع الطريق على الحاج.
فلما كانت السنة الثانية خرج العرب على الركب ونهبوه، وأخذوا منهم شيئاً كثيراً؛ فلما عادوا شكوا إليه؛ فقال: هؤلاء العرب في مملكتنا، أم في مملكة الناصر محمد بن قلاوون؛ فقالوا له: لا في مملكتك، ولا في مملكة الناصر، وإنما هم في البرية لا يحكم عليهم أحذ، يعيشون بقائم سيفهم ممن يمر عليهم؛ فقال: هؤلاء فقراء، كم مقدار ما يأخذون من الركب؟ نحن نحمله إليهم من بيت المال من عندنا في كل سنة، ولا ندعهم يأخذون من الرعية شيئاً؛ فقالوا له: يأخذون ثلاثين ألف دينار؛ ليراها كثيراً؛ فيبطلها، فقال: هذا القدر ما يكفيهم، اجعلوها في كل سنة ستين ألف دينار، وتكون تحمل من بيت المال كل سنة إليهم صحبة مسفر من عندنا. فمات بوسعيد في تلك السنة بأذربيجان في شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين وسبعمائة، وله نيف وثلاثون سنة، وكان قد أنشأ بالسلطانية تربة؛ فنقل إليها. وانقرض بيت هولاكو بموته، وقيل إنه كان عنيناً، والله أعلم.
؟؟الحبيس
بولص الراهب، المعروف بالحبيس. وقيل اسمه: ميخائيل.
كان أولاً كاتباً، ثم ترهب، وانقطع في جبل حلوان خارج القاهرة؛ فيقال إنه ظفر هناك بمال دفين؛ فلما ظفر به وأثرى، صار يواسي به الفقراء من كل دين، وقام عن المصادرين بجمل وافرة.
وكان أول ظهور أمره أن وقعت نار بحارة الباطلية سنة ثلاث وستين وستمائة؛ فأحرقت ثلاثاً وستين داراً، ثم كثر الحريق بعد ذلك حتى احترق ربع فرج. - وكان وقفاً على أشراف المدينة - ، والوجه المطل على النيل من ربع العادل، واتهم بذلك النصارى؛ فعزم الظاهر بيبرس على قتل النصارى واليهود؟، وأمر بوضع الحلفاء والأحطاب في حفيرة كانت في القلعة، وأن تضرم النار فيها، ويلقى فيها اليهود والنصارى؛ فجمعوا حتى لم يبق منهم إلا من هرب، وكتفوا ليلقوا فيها فشفع فيهم الأمراء، وأمر أن يشتروا أنفسهم؛ فقرر عليهم خمسمائة ألف دينار، وضمنهم الحبيس المذكور؛ فحضر موضع الجباية منهم؛ فكان أي من عجز عما قرر عليه وزن الحبيس عنه، سواء كان يهودياً أو نصرانياً.
وكان الحبيس المذكور يدخل الحبوس، ومن كان عليه دين وزنه عنه، وسافر إلى الصعيد وإلى الإسكندرية، ووزن عن النصارى ما قرر عليهم.
وكان الناس قد عرفوه؛ فكان بعض الناس يتحيل عليه؛ فإذا رآه قد دخل المدينة أخذ اثنين بقصص - صورة أنهما رسولا القاضي أو المستولي - وأخذا يضربانه؛ فيستغيث به: يا أبونا يا أبونا؛ فيقول ما باله؟ ؛ فيقولان: عليه دين، أو اشتكت عليه زوجته، فيقول: على كم؟ فيقولا: على ألفين أو أقل أو أكثر؛ فيكتب له على شقفة أو غيرها إلى بعض الصيارف بذلك المبلغ؛ فيقبضه منه.
وقيل إن مبلغ ما وصل منه إلى السلطان، وما واسى به الناس في مدة ثلاث سنين ستمائة ألف دينار. مضبوطة بقلم الصيارف الذين كان يجعل عندهم المال، وذلك خارجاً عما كان يعطى من يده.
وكان لا يأكل من هذا المال ولا يشرب، بل النصارى يتصدقون عليه بما يمونه.
فلما كان سنة ست وستين وستمائة، أحضره الملك الظاهر بيبرس؛ فطلب منه المال أن يحضره، أو يعرفه من أين وصل إليه؛ فجعل يدافعه ويغالطه، ولا يفصح له بشيء - وهو عنده داخل الدور - فعذبه حتى مات، ولم يقر بشيء، فأخرج من القلعة، وأرمى ظاهرها على باب القرافة. وكان قد وصل إلى الملك الظاهر بيبرس فتاوى فقهاء الإسكندرية بقتله، وعللوا ذلك بخوف الفتنة من ضعفاء نفوس المسلمين. انتهى.
باب الباء الموحدة والياء المثناة من تحت
الملك الظاهر بيبرس البندقداري
بيبرس بن عبد الله، السلطان الملك الظاهر ركن الدين أبو الفتح بيبرس الصالحي النجمي البندقداري التركي، سلطان الديار المصرية والبلاد الشامية والأقطار الحجازية والثغور الإسلامية.(1/292)
ولد في حدود العشرين وستمائة تخميناً بصحراء اجبقلاق، وأخذ من بلاده صغيراً وأبيع بدمشق؛ فنشأ بها عند العماد الصائغ - على ما قيل - ثم اشتراه الأمير علاء الدين أيدكين البندقداري الصالحي، وبقي في ملكه إلى أن قبض الملك الصالح على أيدكين المذكور وصادره، وأخذ بيبرس هذا فيما أخذه منه، وذلك في شهر شوال سنة أربع وأربعين وستمائة. وأعتقه الملك الصالح نجم الدين، وقدمه على طائفة من الجمدارية؛ لما رأى من فطنته وذكائه واستمر بيبرس على ذلك إلى أن مات الملك الصالح نجم الدين أيوب، وملك بعده ابنه الملك المعظم توران شاه في سنة سبع وأربعين وستمائة. ثم قتل توران شاه في سنة ثمان وأربعين وستمائة، وأجمعوا الأمراء على إقامة الأمير عز الدين أيبك التركماني الصالحي، وولوه السلطنة بعد شجر الدر - أم خليل الصالحية - حسبما ذكرناه في ترجمة الملك المعز في أول هذا الكتاب - .
وكانت ولاية المعز في آخر ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين وستمائة.
ولما قتل المعز الأمير فارس الدين أقطاي الجمدار، ركب بيبرس هذا بالبحرية، وقصدوا قلعة الجبل. فلما لم ينالوا مقصودهم، خرجوا من القاهرة مجاهرين بالعداوة للملك المعز أيبك التركماني، قاصدين الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب دمشق، وهم: بيبرس هذا، وبلبان الرشيدي، وعز الدين أزدمر السيفي، وسنقر الرومي، وسنقر الأشقر، وبدر الدين بيسرى، وسيف الدين قلاوون الألفي وبلبان السنقري وغيرهم.
فلما شارفوا دمشق سير إليهم الملك الناصر صاحب دمشق يطيب قلوبهم ويستدعيهم إليه؛ فأرسلوا إليه الأمير فخر الدين المقرئ يستحلفه لهم؛ فحلف؛ فاطمأنوا ودخلوا دمشق؛ فأكرمهم الملك الناصر، وأطلق لبيبرس هذا بثلاثين ألف درهم، وثلاثة قطر بغال، وثلاثة قطر جمال، وخيل، وملبوساً. وفرق أيضاً في بقية الجماعة الأموال والخلع - على قدر مراتبهم - .
فلما بلغ الملك المعز ذلك كتب إلى الملك الناصر يحذره منهم، ويغريه بهم؛ فلم يصغ الملك الناصر لذلك، إلى أن استشعر بيبرس من الملك الناصر بالغدر، توجه بمن معه إلى الكرك؛ فجهز صاحبها الملك المغيث عسكره معه؛ فقدم إلى مصر، وعدة من معه ستمائة فارس. وخرج عسكر الديار المصرية؛ فتلقاه، وأراد الملك الظاهر كبسهم؛ فوجدهم على أهبة؛ فالتفت العسكر المصري عليهم وقاتلهم فانكسر عسكر بيبرس، ولم ينج إلا هو بنفسه وقلاوون وبيسرى وبيليك الخازندار.
وعاد بيبرس إلى جهة الكرك؛ فجاءه جماعة من أمراء مصر، واجتمعوا بيبرس والملك المغيث صاحب الكرك بظاهر غزة؛ فقويت شوكتهما، وعادوا إلى الصالحية، ولقوا عسكر مصر ثانياً؛ فاستظهر عسكرهما أولاً، ثم عادت الكرة عليهما، وهرب الملك المغيث، ولحقه بيبرس، وأسر أولئك الأمراء الذين كانوا حضروا إليه؛ فقتلوا جميعاً صبراً - ما خلا الأمير بيليك الخازندار - ؛ فإن جمال الدين الجوكندر شفع فيه؛ فخير بين المقام والذهاب؛ فاختار الذهاب إلى أستاذه.
ثم إلى الملك المغيث حصلت بينه وبين بيبرس وحشه أوجبت مفارقته إياه، وعوده إلى الملك الناصر صاحب دمشق بعد أن أستحلفه على أن يقطعه خبز مائة فارس؛ فأجاب الملك الناصر لذلك.
وكان قدوم بيبرس في هذه المرة على الملك الناصر، في شهر رجب سنة سبع وخمسين وستمائة، ومعهم الجماعة الذين حلف لهم الناصر وهم: أيتمش السعدي، بيسرى الشمسي، وطيبرس الوزيري، وبلبان الرومي، وآقوش الرومي، وكشتغدي الشمسي، وأيدغميش الحلبي، ولاجين الدرفيل، وكشتغدي الشرقي، وأيبك الشيخي، وبيبرس خاس ترك الصغير، وبلبان المهراني، وسنجر الهمامي، وسنجر الباشقردي، وأيبك العلائي، ولاجين الشقيري، وبلبان الأقسيسي، وعلم الدين سلطان الألد كزى؛ فأكرمهم الملك الناصر، ووفى لهم بما حلف.
فلما ورد الخبر بأن الملك الظفر قطز وثب على ابن أستاذه، حرض الملك الناصر بيبرس على قصد الديار المصرية، فلم يجبه الناصر، فقال بيبرس: فقد منى على أربعة آلاف فارس أقوم بها إلى شط الفرات أمنع التتار من العبور إلى الشام، فلم يمكنه الملك الصالح صاحب حمص؛ لباطن كان له مع التتار.(1/293)
ثم إن بيبرس أرسل استحلف الملك المظفر قطز، وفارق الملك الناصر صاحب دمشق، ودخل إلى القاهرة في الثاني والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ثمان وخمسين و ستمائة؛ فركب الملك المظفر قطز للقائه، وأنزله في دار الوزارة، وأقطعة قليوب لخاصته، وصار عنده خصيصاً إلى أن خرج الملك المظفر قطز لملتقى التتار، سير بيبرس هذا في عسكر؛ ليتجسس أخبارهم؛ فأول من وقعت عينه عليهم ناوشهم القتال؛ فلما كسر التتر تبعهم يقتص آثارهم، ويقتل من وجد منهم إلى حمص. ثم عاد بيبرس؛ فوافى المظفر قطز بدمشق؛ فلما توجه المظفر إلى نحو الديار المصرية، عاد بيبرس هذا صحبته بعد أن اتفق مع جماعة من ممن وافقه على قتل الملك المظفر قطز؛ فقتلوه في سادس عشر ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وستمائة.
وكان المتولى قتله الملك الظاهر بيبرس هذا، بين منزلة الغرابي والصالحية، ودفن بالقصير. وهو أن الملك المظفر قطز ساق خلف أرنب؛ فلما انفرد عن عسكره، تقدم بعض الأمراء - ممن اتفق مع بيبرس وشفع عنده شفاعة - وتقدم ليقبل يده؛ فقبض عليها، وأخذته السيوف حتى تلف، ثم ساقوا إلى الدهليز، فتقدم فارس الدين الأتابك؛ فحلف له، ثم الرشيدي، ثم الأمراء على طبقاتهم، ثم ركب ومعه الأتابك فارس الدين المذكور، وبيسرى وجماعة من خواصه؛ فدخل القاهرة؛ وملك قلعة الجبل، وتلقب بالملك القاهر أولاً؛ فأشار الوزير زين الدين على السلطان بتغيير لقبه - وكان فاضلاً - وقال: ما لقب أحد بالقاهرة فأفلح، لقب به: القاهر بن المعتضد، فلم تطل أيامه وخمل وهمل، ولقب به القاهر ابن صاحب الموصل؛ فسم؛ فأبطل السلطان اللقب الأول ولقب بالملك الظاهر، وكتب بذلك إلى جميع الأعمال، ثم كتب إلى الملك الأشرف صاحب حمص، وإلى الملك المنصور صاحب حماة، وإلى علاء الدين ابن صاحب الموصل يعرفهم بما جرى، ثم أفرج عمن بالحبوس، وأقر الصاحب زين الدين على الوزارة، وأفرج عن الأجناد، وأرسل الأمير جمال الدين آقوش المحمدي بتقاليد إلى دمشق باستقرار الأمير علم الدين سنجر الحلبي في نيابة دمشق عوضاً عن الأمير حسام الدين لاجين؛ فوجده قد تسلطن بدمشق.
وكانت سلطنة الملك الظاهر بيبرس في سنة ثمان وخمسين وستمائة، واستقر في الملك وعظمت ممالكه، وسافر إلى دمشق غير مرة، وفتح الفتوحات الهائلة، وكسر التتار؛ فأول ركوبه كان في سنة تسع وخمسين وستمائة، ركب من قلعة الجبل في سابع شهر صفر متوجهاً إلى دمشق وبخدمته أعيان الأمراء، ومن جملتهم أستاذه الأمير علاء الدين أيدكين البندقداري - يعني أستاذ الملك الظاهر قبل السلطان صلاح الدين، كما ذكرناه في أول هذه الترجمة - ومهد أحوال دمشق، وعاد إلى الديار المصرية، وأقام بها إلى أن سافر ثانياً إلى صفد في سنة أربع وستين؛ ففتحها عنوة من يد الفرنج، ثم جهز صاحب حماة والفارقاني إلى غزو سيس وصحبتهم عسكراً هائلاً؛ فتوجهوا إلى بلاد سيس، وقتلوا، وأسروا، وغنموا، وأسر ابن صاحب سيس وابن أخته. ثم فتح يافا سنة ست وستين وستمائة، ثم سار إلى أنطاكية؛ فوصلها في أول شهر رمضان، وفتحها بالسيف في رابع شهر رمضان المذكور، واستمر السيف فيهم، ولا نجا منهم إلا اليسير.
قال ابن كثير: وما رفع السيف عن أحد حتى لو حلف الحالف أنه ما سلم منها أحد صدق. انتهى.(1/294)
وفيها فتح الشقيف بعد أن حاصرها عشرة أيام وتسلمها، وكان بها نحو خمسمائة رجل، وفيها أيضاً فتح صور، ثم أغار على طرابلس، وخرب قراها، وقطع أشجارها، ثم رحل ونزل على حصن الأكراد؛ فنزل إليه رسول صاحبها بإقامة وضيافة؛ فردها، وطلب منهم دية: مائة رجل، مائة ألف دينار، ثم حصرها يوماً واحداً؛ فملكها في يوم السبت، ووضع فيها السيف، ونهب، وسبا، وقتل، وأسر، ثم تسلم دركوش، وصالح أهل القصير على مناصفته ومناصفة القلاع المجاورة له. ثم وصل إليه صاحب بغراص يطلبون منه تسليمها إليه، فسير إليها الأمير شمس الدين الفارقاني بالعساكر؛ فتسلمها في ثالث عشر شهر رمضان، ثم عاد الملك الظاهر بيبرس إلى دمشق فعيد بها، ثم توجه نحو القاهرة؛ فدخلها، واستمر بها إلى سنة سبع وستين وستمائة أجلس ولده الملك السعيد على تخت الملك، ثم خرج من القاهرة؛ فتوجها إلى الشام؛ فدخلها في جمادى الآخرة، ثم ركب منها ونزل على الخربة، ثم سار منها في أواخر شهر رجب إلى ديار مصر على البريد، ثم عاد؛ فكانت غيبته أحد عشر يوماً.
وكان غرضه برجوعه إلى القاهرة كشف خبر ولده، بعد أن ترك عسكره بالقرب من دمشق إلى أن عاد إليهم، ثم توجه إلى صفد؛ فأقام بها يومين وشن، الغارة على بلد صور ثانياً، ثم سار إلى الكرك، وأخذ معه بيليك الخازندار، والقاضي فخر الدين سليمان، وغيرهما من الأمراء وثلاثمائة مملوك. وسار إلى الحج، وعاد إلى دمشق، ثم إلى حلب؛ فوصلها في سادس المحرم سنة ثمان وستين، ثم خرج منها في عاشر المحرم، وسار إلى دمشق، ثم توجه من دمشق إلى نحو البلاد المصرية؛ فدخلها في يوم الثلاثاء من صفر، فصادف في هذا اليوم دخول الحج المصري إلى القاهرة.
ثم في سنة تسع وستين قبض الظاهر على الملك العزيز ابن الملك المغيث صاحب الكرك واعتقله. ثم في سنة إحدى وسبعين وستمائة توجه إلى دمشق على البريد، وعاد في سابع عشرين المحرم - وقيل في يوم السبت ثالث عشرينه من السنة - فكانت غيبته في هذه السفرة نحواً من عشرين يوماً، فأقام بالقاهرة إلى ليلة الجمعة السابع والعشرين من المحرم، ثم عاد إلى دمشق على البريد؛ فدخل قلعة دمشق ليلة الثلاثاء رابع صفر في خمسة نفر.
وفي أوائل هذه السنة قصد الكافر صاحب النوبة عيذاب؛ فنهبها، وقتل منها خلقاً، منهم واليها وقاضيها؛ فسار متولي قوص وقصد بلاد النوبة؛ فدخل بلاد الجون وقتل من فيه وأحرقه، وكذا فعل بجميع بلاده.
وفي خامس جمادى الأولى ورد الخبر على الملك الظاهر بدمشق أن فرقة من التتار قصدت الرحبة، فبرز إلى القصير بالعساكر، فبلغه عودهم من الرحبة ونزولهم على البيرة، فسار الظاهر إلى حمص، وأخذ مراكب الصيادين بالبحرية على الجسور، ثم سار حتى بلغ الباب من أعمال حلب، وبعث بجماعة من المماليك لكشف أخبارهم، وسار إلى منبج؛ فعادوا، وأخبروا بأن طائفة من التتار نحو من ثلاثة آلاف فارس على شط الفرات؛ فرحل الملك الظاهر من منبج يوم الأحد ثامن عشر جمادى الأولى، ووصل إلى شط الفرات - مما يلي الجزيرة - ؛ فتقدم العسكر يخوضون الفرات؛ فخاض الأمير سيف الدين قلاوون الألفي، والأمير بدر الدين بيسرى في أول الناس، ثم تبعها الملك الظاهر بنفسه، وتتابع الناس إلى أن وقعوا على التتار، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأسروا تقدير مائتي نفس، ولم ينج من التتار إلا القليل، وتبعهم بيسرى إلى قريب سروج، ثم عاد إلى السلطان، فرجع السلطان إلى البيرة في الثاني والعشرين من جمادى الأولى؛ فدخلها، وخلع على نائبها، وعلى جماعة أخر.
وقال في هذه الواقعة العلامة شهاب الدين أبو الثناء محمود بن سليمان قصيدة يمدح الملك الظاهر بها، ويذكر خوضه الفرات، وأول القصيدة:
سر حيث شئت لك المهيمن جاره ... وأحكم فطوع مرادك الأقدار
ومنها:
خضت الفرات بسابح أقصى منىً ... هوج الصبا من فعله الآثار
وفي هذا المعنى يقول أيضاً الأديب ناصر الدين بن النقيب:
ولما ترامينا الفرات بخيلنا ... سكرناه منا بالقوى والقوائم
فأوقفت التيار عن جريانه ... إلى حيث عدنا بالغناء والغنائم
وقال الفاضل موفق الدين عمر بن المتطيب في المعنى:
الملك الظاهر سلطاننا ... نفديه بالمال وبالأهل(1/295)
اقتحم الماء ليطفي به ... حرارة القلب من المغل
وفي سنة اثنتين وسبعين وستمائة قدم ملك الكرج؛ ليزور بيت المقدس والقمامة منكراً في زي الرهبان ومعه طائفة؛ فسلك أرض الروم إلى سيس، ثم ركب البحر وطلع من عكا، وأتى القدس، فاطلع الأمير بيليك الخازندار على أمره، وهو على يافا؛ فأرسل من قبض عليه، ثم أرسله مع الأمير منكورس إلى الملك الظاهر، والظاهر بدمشق؛ فسأله السلطان، وقرره بلطف حتى اعترف، وحبسه وأمره أن يكتب إلى بلاده بأسره. وعاد السلطان إلى ديار مصر في شهر رجب.
وفي سنة ثلاث وسبعين وستمائة - في صفر منها - توجه السلطان إلى الكرك على الهجن، وكان قد وقع بها برج أحب السلطان أن يصلح بحضوره، ثم دخل دمشق في آخر شهر شعبان. ثم سار إلى سيس، وعبر إليها من الدربند، فافتتحها، وأخذ إياس، وأذنة، والمصيصة في العشر الأخير من رمضان، وبقي الجيش بها شهراً، وقتلوا وأسروا وسبوا منها خلائق.
وفي هذا المعنى يقول العلامة محيي الدين بن عبد الظاهر:
يا ملك الأرض الذي جيشه ... يملأ من سيس إلى قوص
مصيصة التكفور قالت لما ... بالله إفرادي وتخصيصي
كم بدن فصله سيفك الغراء ... والأكثر مصيصي
وفي يوم الخميس العشرين من شهر رمضان سنة خمس وسبعين وستمائة خرج الملك الظاهر من الديار المصرية متوجهاً إلى بلاد الروم، بعد أن قرر في السلطنة بالديار المصرية ولده الملك السعيد، وجعل الفارقاني كالمدبر له، وترك عند الملك السعيد من العسكر خمسة آلاف فارس، ورحل الظاهر يوم السبت ثاني عشرين شهر رمضان، وسار حتى دخل دمشق في سابع عشر شوال، ثم خرج منها متوجهاً إلى حلب؛ فدخلها في أول ذي القعدة، ثم خرج منها متوجهاً إلى الروم، وجد في السير إلى أن وصل إلى أقجا دربند، فقطعه في نصف نهار.
فلما خرجت عساكره وتكاملت، قدم الأمير سنقر الأشقر على جماعة من العسكر وأمره بالمسير؛ فسار حتى وقع على كتيبة للتتار، عدتهم ثلاثة آلاف فارس، ومقدمهم الأمير كراي التتري؛ فهزمهم الأمير سنقر الأشقر وأسر منهم طائفة، ثم وردت الأخبار على الملك الظاهر بأن برواناه على نهر جيحان، ثم سار السلطان.
فلما صعد العسكر على الجبال وأشرف على صحراء إبلستين؛ فشاهد التتار قد رتبوا عساكرهم أحد عشر طلباً، في كل طلب ألف فارس، وعزلوا عسكر الروم إلى جانب؛ خوفاً من باطن لهم مع المسلمين، وجعلوا عسكر الكرج طلباً واحداً.
فلما تراءى الجمعان، حملت ميسرة التتار حملة واحدة على ميمنة الظاهر، فأردفهم الظاهر بنفسه، ثم كانت منه التفاتة؛ فرأى ميسرته قد لحت عليها ميمنة التتار؛ فأردفها أيضاً بنفسه، ثم حمل وحملت العساكر برمتها حملة رجل واحد؛ فترجل التتار عن خيولهم، وقاتلوا أشد القتال، فلم يغن عنهم ذلك شيئاً، وأنزل الله بأسه بهم، وانتصر المسلمون؛ فقتل أكثر التتار، وفر من نجا منهم واعتصموا بالجبال، وأحاط بهم الجيش الإسلامي، وترجلوا عن خيولهم، وقاتلوا؛ فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأسروا منهم جماعة كثيرة من أعيان الروم والتتار.
وفي هذا المعنى يقول العلامة شهاب الدين أبو الثناء محمود بن سليمان الحلبي الكاتب قصيدة طنانة منها:
كذا فلتكن في الله عز العزائم ... وإلا فلا تجفوا الجفون الصوارم
عزائم جازتها الرياح فأصبحت ... مخلفة تبكي عليها الغمائم
ومنها:
بجيش تظل الأرض منه كأنها ... على سعة الأرجاء في الضيق خاتم
كتائب كالبحر الخضم جيادها ... إذا ما تهادت موجه المتلاطم
تحيط بمنصور اللواء مظفر ... له النصر والتأييد عبد وخادم
مليك يلوذ الدين من عزماته ... بركن له الفتح المبين دعائم(1/296)
وفي السنة المذكورة دخل الملك الظاهر بلاد الروم، ونزل بمدينة قيصرية، وجلس بها في دار الملك، وصلى بها الجمعة، وخطبوا له، وضربت السكة باسمه في القعدة من السنة. ثم رجع، وقطع الدربند، وعبر النهر، ثم عاد إلى دمشق في سابع المحرم مؤيداً منصوراً، ونزل بالقلعة، ثم انتقل إلى قصره الأبلق بدمشق؛ فمرض في نصف المحرم من سنة ست وسبعين وستمائة؛ فمات من مرضه يوم الخميس بعد الظهر الثامن والعشرين من المحرم من السنة المذكورة، وحمل إلى القلعة ليلاً مع أكابر أمرائه، وغسله، وصبره المهتار شجاع الدين عنبر، والكامل علي بن المنبجي الإسكندراني المؤذن، والأمير عز الدين الأفرم.
ووضع في تابوت، وعلق في بيت بالقلعة، وهو في عشر الستين إلى أن يحصل الاتفاق على موضع دفنه.
وكان قد أوصى أن يدفن على الطريق السالكة، قريباً من داريا، وأن يبنى عليه هناك قبة؛ فرأى ولده الملك السعيد أن يدفنه داخل السور، فابتاع دار العقيقي، وبنيت له قبة. فلما تكمل بناؤها نقل إليها، ووقف عليها وعلى المدرسة الأوقاف الكثيرة، ثم في يوم السبت رابع عشر صفر شرع في عمل أغربة الملك الظاهر بيبرس المذكور بالديار المصرية.
قال الأمير بيبرس الدوادار في تاريخه: وكان القمر قد كسف كسوفاً كاملاً، أظلم له الجو، وتأول ذلك المتأولون بموت رجل جليل القدر؛ فقيل إن السلطان لما بلغه ذلك حذر على نفسه، وخاف، وقصد أن يصرف التأويل إلى غيره؛ لعله يسلم من شره.
وكان بدمشق شخص من أولاد الملوك الأيوبية - وهو الملك القاهر بهاء الدين عبد الملك ابن السلطان الملك المعظم عيسى ابن السلطان الملك العادل أبي بكر بن أيوب - ؛ فأراد الظاهر - على ما قيل - اغتياله بالسم؛ فأحضره في مجلس شرابه؛ فأمر الساقي أن يسقيه قمزاً، كان ممزوجاً فيما يقال بسم؛ فسقاه الساقي ذلك الكأس؛ فأحس به، وخرج من وقته، ثم غلط الساقي، وملأ الكأس المذكور، وفيه أثر السم، ووقع الكاس في يد الملك الظاهر فشربه. انتهى كلام بيبرس الدوادار باختصار.
قلت: هذا القول مشهور بأفواه الناس، والله أعلم. وخلف الملك الظاهر بيبرس - صاحب الترجمة - عشرة، أولاد وهم: الملك السعيد محمد، وسلامش، وخضر. وسبع بنات.
وقال الشيخ قطب الدين: كان له عشرة آلاف مملوك.
وقال الحافظ الذهبي في تاريخه: حكى الشيخ شرف الدين عبد العزيز الأنصاري الحموي، قال: كان الأمير علاء الدين البندقداري الصالحي لما قبض عليه، وأحضر إلى حماة، واعتقل بجامع قلعتها اتفق حضور ركن الدين بيبرس هذا من بلاده مع تاجره، وكان الملك المنصور صاحب حماة إذ ذاك صبياً. وكان إذا أراد شراء رقيق تبصره الصاحبة والدته؛ فأحضر بيبرس هذا مع جخداشه؛ فرأتهما من وراء الستر، فأمرت بشراء جخداشه، وقالت: هذا الأسمر - يعني الملك الظاهر بيبرس - لا يكون بينك وبينه معاملة؛ فإن في عينيه شراً لائحاً؛ فردهما الملك المنصور جميعاً، فطلب البندقداري الغلامين، فاشتراهما، وهو معتقل، ثم أفرج عنه وسار بهما إلى مصره وآل أمر ركن الدين بيبرس هذا إلى ما آل.
ثم قال: واشتهر - يعني الملك الظاهر - بالشجاعة والإقدام.
ولما سارت الجيوش المنصورة من مصر لحرب التتار كان هو طليعة الإسلام.
ثم قال: وكان غازياً، مجاهداً، مرابطاً، خليقاً للمملكة لولا ما كان فيه من الظلم، والله يرحمه ويغفر له؛ فإن له أياماً بيضاء في الإسلام، ومواقف مشهودة، وفتوحات معدودة. انتهى كلام الذهبي، رحمه الله.(1/297)
قلت: وكان الملك الظاهر - رحمه الله - ملكاً شجاعاً، مقداماً، خبيراً بالحروب، ذا رأي وتدبير وسياسة، ومعرفة تامة. وكان سريع الحركات، كثير الأسفار، نالته السعادة والظفر في غالب حروبه، وفتح عدة فتوحات من أيدي الفرنج وهي: قيسارية، وأرسوف، وصفد، وطبرية، ويافا، والشقيف، وأنطاكية، وبغراس، والقصير، وحصن الأكراد، وحصن عكار، وصافيثا، ومرقية، وطرابلس، وبلاد أنطرطوس، وناصفهم على المرقب وبانياس. وله مآثر بالقاهرة ودمشق وغيرها. وبنى عدة جوامع، ومدارس، وقناطر، وجسور مشهورة به بسائر الأقاليم منها: المدرسة الظاهري بين القصرين من القاهرة. ولما فرغ من عملها جعل بها مدرس الحنفية الصاحب مجد الدين بن العديم، ومدرس الشافعية الشيخ تقي الدين بن رزين. وولى مشيخة الحديث للحافظ شرف الدين عبد المؤمن الدمياطي. وولى مشيخة القراء للشيخ كمال الدين الحلي.
وفي أيامه في سنة ثلاث وستين وستمائة جعل بالديار المصرية قضاة أربع، من كل مذهب قاض. وسبب ذلك: توقف القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز عن تنفيذ كثير من الأحكام، وكثرة توقفه؛ فكثرت الشكاوى منه، وتعطلت الأمور؛ فوقع الكلام في ذي الحجة بين يدي الملك الظاهر. وكان الأمير جمال الدين أيدغدي العزيزي يكره القاضي تاج الدين؛ فقال له نترك لك مذهب الشافعي، ونولي معك من كل مذهب قاضياً؛ فمال السلطان الملك الظاهر إلى كلامه. وكان لأيدغدي العزيزي محل عظيم عند الظاهر؛ فولى قاضي قضاة الحنفية الشيخ صدر الدين سليمان، وقاضي القضاة المالكية الشيخ شرف الدين عمر السبكي، وقاضي قضاة الحنابلة شمس الدين محمد بن العماد، واستنابوا النواب. وأبقى للشافعي النظر في أموال اليتامى وأمور بيت المال، ثم فعل ذلك بسائر الأقاليم إلى يومنا هذا. رحمه الله وعفا عنه.
الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير
بيبرس بن عبد الله، الملك المظفر ركن الدين بيبرس البرجي المنصوري الجاشنكير.
أصله من مماليك الملك المنصور قلاوون وعتقائه، وتنقل في الخدم حتى صار من جملة الأمراء بالديار المصرية. وتولى الأستادارية للملك الناصر محمد بن قلاوون.
وكان إقطاعه كبير، فيه عدة إقطاعات لأمراء.
ولما كان أستاداراً كان سلار نائباً بالديار المصرية؛ فحكما في البلاد وتصرفا في الممالك، وصار الملك الناصر ليس له من السلطنة إلا الاسم فقط.
وكان نواب البلاد الشامية جخداشية الجاشنكير من البرجية؛ فقوى أمره بهم، إلى أن توجه الملك الناصر إلى الحجاز ورد من الطريق إلى الكرك وأقام بها، وأرسل يعلم أمراء الديار المصرية؛ ليقيموا سلطاناً.
لعب الأمير سيف الدين سلار بالجاشنكير هذا، وحسن له السلطنة حتى تسلطن، ولقب بالملك المظفر بعد أن أفتى له جماعة من القضاة والفقهاء بذلك، وكتب محضراً مثبوتاً على القضاة، وناب سلار له، واستوثق له الأمر.
وكانت سلطنته في يوم السبت بعد العصر ثالث عشرين شوال سنة ثمان وسبعمائة - وقيل في ذي القعدة في بيت سلار - ، وركب من بيت سلار بخلعة السلطنة إلى القلعة، ومشوا الأمراء بيني يديه، ودقت البشائر، وسارت البريدية بذلك إلى سائر الممالك، وكتب له الخليفة المستكفي بالله على تقليده بخطه. وكان من جملة عنوانه أنه: من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم.
وجلس الأمير بتخاص والأمير قلى والأمير لاجين لاستحلاف الأمراء والعساكر، واستفحل أمره، وأعطى، وأنعم. قيل إن خلعه التي خلعها وصلت إلى ألفين ومائتي خلعة. ودام في الملك إلى أن وقع بينه وبين الملك الناصر وحشة؛ وهو أن الملك الناصر لما دخل إلى الكرك سأل من نائبها الأمير آقوش عن الأموال الحاصلة بها؛ فأحضر النائب بمائتي ألف درهم لا غير؛ خوفاً أن يطلعه على المال؛ فيأخذه كله، وأخرج آقوش من نيابة الكرك، وقنع بالكرك. وخطب للملك المظفر بيبرس هذا بجامع الكرك بحضرة الملك الناصر محمد بن قلاوون، وتأدب الملك الناصر معه وسكت حتى أنه كان إذا كاتبه يكتب: الملكي المظفري. وقصد بذلك سكون الأحوال.(1/298)
فلما كان بعد ذلك بقليل أرسل الملك المظفر يطلب من الملك الناصر الخيل والمماليك التي عنده، والأموال التي كانت بالكرك؛ فبعث إليه الملك الناصر بالمبلغ الذي أخذه؛ فأعاد الملك المظفر الجواب بتجديد الطلب للخيول والمماليك، والتهديد إن لم يرسل الخيول والمماليك؛ فعند ذلك أهان الملك الناصر رسوله، وأمر بإخراجه ماشياً إلى الغور، وأخذ من وقته في التحفل حتى كان من أمره ما كان. وأخذ أمر الملك المظفر بيبرس هذا في إدبار، ثم إن الملك المظفر جهز عسكراً لقتال الملك الناصر، لما بلغه خروجه من الكرك، وجعل مقدم عساكره الأمير برلغي.
وكان برلغي هو المشار إليه في الدولة المظفرية بيبرس، وكثر قلق الملك المظفر، وأتى بعض المماليك السلطانية بالمواطأة، وقبض على جماعة منهم، ثم جرد الأمير برلغي مقدماً على العساكر، ومعه ثلاثة أمراء من مقدمي الألوف وهم: آقوش الأشرفي نائب الكرك كان، وأيبك البغدادي، والدكر السلاح دار ومن معهم من الأمراء؛ فبرزوا في يوم السبت تاسع رجب من سنة تسع وسبعمائة، وخيموا بمسجد التبن، ولم يتوجهوا، بل عادوا إلى القاهرة بعد أربعة أيام.
وكان الباعث لهم على العود أن كتب الأفرم نائب دمشق: وردت تتضمن عود الملك الناصر محمد إلى الكرك. ثم أرسل الملك المظفر إلى الملك الناصر محمد رسالة ثانية على يد الأمير مغلطاي وقطلوبغا تتضمن وعيداً، وتهديداً، ونكاراً شديداً. فلما وقف عليها الناصر اشتد غضبه، وقبض عليهما بعد أن أوجهما بالضرب الشديد، ثم كتب للأمراء بالبلاد الشامية، وذكر لهم ما لوالده عليهم من الحقوق والتربية. ثم خرج بعد ذلك من الكرك ثانياً بعد الاهتمام بالتوجه إلى دمشق. فلما بلغ الملك المظفر الخبر ثانياً، جرد الأمراء المذكورين - كما ذكرناه أولاً - ومعهم أربعة آلاف فارس، وبرزوا في الوقت، وشرع المظفر في النفقة على الجند والعامة. وسبب نفقته على العامة ما وقع له معهم في السنة المذكورة عند توقف النيل عن الزيادة، فقالت العامة:
سلطاننا ركين ونائبنا دقين ... يجينا الماء من أين
يسيبوا لنا الأعرج ... يجينا الماء وهو يتدحرج
ولهجت العامة بذلك؛ فعظم هذا القول على الملك المظفر، وأراد أن يوقع بهم. انتهى.
ثم إن الملك المظفر وقع بينه وبين جماعة من الخاصكية - وهم نحو المائة - وصحبتهم الأمير نوغاي، وكانوا مع العسكر؛ فخامروا الجميع، وتوجهوا إلى الملك الناصر محمد بن قلاوون؛ وأخبروا الناصر بمحبة المصريين له.
وقدم الملك الناصر دمشق، ونزل بالقصر الأبلق، وجاءته نواب البلاد الشامية وجماعة أخر من المصريين، وتوجه الجميع صحبة الملك الناصر نحو الديار المصرية، وخرج العسكر المصري صحبة الأمير برلغي لقتال الناصر، ووقع له مع عسكر الناصر أمور أسفرت عن توجه برلغي ودخوله تحت طاعة الملك الناصر محمد. فلما بلغ الملك المظفر بيبرس الجاشنكير ذلك، ذل وهرب في مماليكه نحو الغرب بعد أن خلع نفسه، وكتب إلى الملك الناصر كتاباً فيه: الذي أعرفك به أنني قد رجعت لأقلدك بغيك، فإن حبستني عددت ذلك خلوة، وإن نفيتني عددت ذلك سياحة، وإن قتلتني كان ذلك لي شهادة.
فلما سمع الناصر ذلك عين له صهيون؛ فسار الملك المظفر إليها مرحلتين؛ فتكلم فيه؛ فرده الناصر، وأحضره قدامه، وسبه، وعنفه، وعدد عليه ذنوباً، ثم خنقه قدامه بوتر حتى كاد يتلف، ثم سيبه حتى أفاق، وعنفه، وزاد في شتمه، ثم خنقه حتى مات في شهر شوال سنة تسع وسبعمائة.
وكان المظفر ملكاً ثابتاً، كثير السكون والوقار، جميل الصفات، نذب إلى المهمات مراراً عديدة. وكان يتكلم في أمر الدولة سنين عدة، وحسنت سيرته. وكان يرجع إلى خير ودين ومعروف تولى السلطنة على كره منه. وله أوقاف على وجوه البر والصدقة، وعمر ما هدم من الجامع الحاكمي داخل باب النصر من القاهرة بعد ما شققته الزلازل.
وأنشأ الخانقاه داخل باب النصر - المعروفة قديماً بدار الوزارة، وهي الآن معروفة به - .
وكان من أعيان الأمراء في الدولة المنصورية قلاوون، والدولة الأشرفية خليل بن قلاوون، والدولة الناصرية محمد بن قلاوون.(1/299)
وكان أبيضاً أشقراً، مستدير اللحية، وهو جاركسي الجنس - على ما قيل - ولا يعرف غيره من الجراكسة ملك الديار المصرية إلى أن تسلطن الملك الظاهر برقوق، وقيل إنه كان تركياً، والأقوى عندي أنه كان جركسياً؛ فإنه كان بينه وبين الأفرم نائب دمشق محبة زائدة؛ قيل قرابة، وكان الأفرم جاركسياً، والله أعلم.
ولما هرب الملك المظفر بيبرس عند قدوم الملك الناصر محمد، قال بعض الأدباء:
تثنى عطف مصر حين وافى ... قدوم الناصر الملك الخبير
فذاك الجشنكير بلا لقاء ... وأمسى وهو ذو جأش نكير
إذا لم تعضد الأقدار شخصاً ... فأول ما يراع من النظير
انتهى.
الجالق
بيبرس بن عبد الله الصالحي النجمي الجالق، الأمير ركن الدين، أحد أكابر الأمراء بالديار المصرية - والجالق صفة الفرس إذا كان قوي النفس كثير اللعب - كان أولاً في أيام أستاذه الملك الصالح نجم الدين أيوب من جملة الجمدارية، ثم أمره الملك الظاهر بيبرس، وجعله من جملة أمراء البحرية. ولا زال الملك الظاهر يرقبه حتى صار من أكابر أمراء دولته، ونالته السعادة، وكثر ماله. ثم أخرج إلى دمشق على إقطاع هائل؛ فدام في السعادة، وطالت أيامه، وهو آخر البحرية موتاً.
ولما كان بدمشق خرج منها إلى الرملة؛ لقسم إقطاعه، فمات بها سنة سبع وسبعمائة، وقد عمر، ونقلت رمته إلى القدس. رحمه الله تعالى وعفا عنه.
الحاجب
بيبرس بن عبد الله المنصوري الحاجب، الأمير ركن الدين. أظنه من مماليك الملك المنصور قلاوون، وترقى إلى أن صار أمير آخوراً. واستمر إلى أن عزله الملك الناصر محمد عند حضوره من الكرك بالأمير أيدغمش، وولاه الحجوبية؛ فدام على ذلك مدة إلى أن جرده الملك الناصر إلى اليمن هو وجماعة من العسكر المصري؛ فغاب مدة في اليمن، ثم حضر.
ولما حضر نقم السلطان عليه أموراً نقلت إليه عنه؛ فقبض عليه؛ واعتقله، ثم أطلقه بعد مدة، ورسم له بإمرة في حلب؛ فتوجه إليها وأقام بها مدة. فلما قدم تنكز إلى الديار المصرية في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة طلبه من السلطان أن يكون عنده بدمشق؛ فرسم له بذلك؛ فاستمر بدمشق إلى أن مات الملك الناصر محمد، وتسلطن الملك الناصر أحمد بن محمد بن قلاوون، صار المذكور نائب الغيبة بدمشق. وكان قد أسن؛ فحصل له ما شرى في وجهه أقام معها مقدار جمعة، ومات في شهر رجب سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة.
وكانت داره بالقاهرة داخل باب الزهومة، كانت مشهورة به، وهو صاحب القنطرة على خليج الناصري. رحمه الله تعالى وعفا عنه.
العديمي
بيبرس بن عبد الله العديمي، الشيخ المسند أبو سعيد التركي، مولى الصاحب محمد بن عبد الرحمن بن العديم.
مولده في حدود عشرين وستمائة. رحل مع أستاذه، وسمع ببغداد جزء البانياسي من الكاشغري، وجزء العيسوي من ابن الخازن، وأسباب النزول من أبي سهل، وتفرد بأشياء، وسمع من ابن أبي قميرة، وحدث بدمشق وحلب، وسمع منه الحافظ علم الدين البرزالي، وابن حبيب وأولاده، والواني، وابن خلف، وابن خليل المكي، وعدة.
وكان مليح الشكل، أمياً فيه عجمة. توفى بحلب سنة ثلاثة عشر وسبعمائة. رحمه الله تعالى.
الخطائي الدوادار
بيبرس بن عبد الله المنصوري الخطائي الدوادار، الأمير ركن الدين.
أصله من مماليك الملك المنصور قلاوون، اشتراه، ورباه مع أولاده، ثم ترقى من بعده إلى أن ولى الدوادارية، ثم صار رأس الميسرة وكبير الدولة، ثم ولى نيابة السلطنة بالديار المصرية إلى أن قبض عليه وحبس مدة، ثم أطلق وأعيد إلى رتبته.
وكان عاقلاً، فاضلاً، بارعاً، عارفاً، سيوساً، ذا مشاركة وفضل، وصنف تاريخاً كبيراً أجاد فيه وأبدع، ويقال إنه صنفه بإعانة كاتبه ابن كبر النصراني وغيره، وسمى تاريخه: بزبدة الفكرة في تاريخ الهجرة، في أحد عشر مجلداً.
ومما يدل على فضله ما أورده في تاريخه من الكلام المسجع. وانتهى تاريخه إلى سنة أربع وعشرين وسبعمائة.
وكانت وفاته بالقاهرة في ليلة الخميس خامس عشرين شهر رمضان سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وهو من أبناء الثمانين.
وكان فاضلاً، وافر الحرمة، مهاباً. وكان الملك الناصر محمد بن قلاوون يجله، ويقوم له لما يدخل عليه، ويأذن له بالجلوس.(1/300)
قلت: كان يستحق هذا وأكثر؛ لما احتوى عليه من العلم، والفضل، والعقل، والكرم، والسياسة؛ فهؤلاء كانوا هم الأمراء، لا مثل أمراء عصرنا، هذا البقر العاجزة. انتهى.
السلاري
بيبرس بن عبد الله السلاري، الأمير ركن الدين حاجب صفد.
كان أولاً من أمراء الديار المصرية، ثم أخرجه الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى صفد بعد سنة سبع وعشرين وسبعمائة؛ فدام بصفد إلى أن مات الأمير أقطوان الجمالي الحاجب؛ فتولى بيبرس هذا حجوبية صفد من بعده، واستمر في الحجوبية إلى أن ولى الأمير أصلم السلاري نيابة صفد، نقل بيبرس هذا إلى دمشق على إمرة حتى لا يجتمعا؛ لأن كلا منهما كان سلارياً، ثم أعيد المذكور إلى حجوبية صفد، بعد مت الملك الناصر محمد؛ فدام بها إلى أن مات في أوائل شهر رجب الفرد سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة.
الأحمدي
بيبرس بن عبد الله الأحمدي، الأمير ركن الدين، أميرجندار.
كان أحد أعيان أمراء الدولة، وكان أمير جندار في الدولة الناصرية محمد ابن قلاوون والمشار إليه، ثم عظم حتى صار له كلمة في الدولة وأمر ونهي.
ولما مات الملك الناصر محمد بن قلاوون صار هو صاحب العقد والحل في المملكة، وهو الذي قوى عزم قوصون على تولية الملك المنصور أبي بكر بعد موت والده الملك الناصر محمد، وخالف بشتك، وقال له: هذا السلطان أستاذك قد ولى ولده، وما اختار الذي تختاره أنت، وأبوهما أخبر بهما.
ولما نسب إلى الملك المنصور الذي نسب من اللهو، واللعب، واستعمال الشراب، حضر بيبرس هذا إلى باب القصر، وقال: إيش هذا اللعب؟ فانفل الجماعة الذين كانوا عند السلطان. ثم رغب عن وظيفته، ووليها الأمير أرنبغا إلى أن ولى الملك الناصر أحمد بن محمد بن قلاوون السلطنة، ولاه نيابة صفد؛ فباشرها إلى أن وقع له بها أمور. وخرج عن صفد بعد لبس آلة الحرب، وألبس مماليكه، ثم توجه إلى دمشق على تلك الهيئة؛ فأراد أمراء دمشق القبض عليه؛ فقال لهم: أنا جئت إليكم غير محارب؛ فإن جاء أمر من السلطان بإمساكي؛ فأمسكوني، وأنا ضيف عندكم. فأخرجوا الإقامة له، وبات تلك الليلة وأصبح والأمراء معه، فجاء البريد من الكرك بإمساكه؛ فكتب الأمراء إلى السلطان الملك الناصر أحمد يسألونه فيه، وقالوا له: هذا مملوكك ومملوك والدك، وركن من أركان دولتك، وما له ذنب، واليوم يعيش وغداً يموت، ونسأل صدقات السلطان العفو عنه، وأن يكون أميراً بدمشق، فرد الجواب بإمساكه، فردوا الجواب بالسؤال فيه، فأبى ذلك، وقال: أمسكوه، وانهبوه، وخذوا أمواله لكم؛ وابعثوا إلي برأسه؛ فأبوا ذلك، وخلعوا طاعته، وشقوا العصا عليه، فلم يكن إلا مدة يسيرة، وقدم عليهم الأمير طقتمر الصلاحي من الديار المصرية مخبراً بأن الأمراء المصريين خلعوا الملك الناصر أحمد المذكور، وولوا السلطان الملك الصالح إسماعيل بن الناصر محمد بن قلاوون؛ فاطمأنت نفوس الأمراء الشاميين.
ودام بيبرس هذا مقيماً بدمشق - بقصر الأمير تنكز بالمزة - إلى أن ورد مرسوم الملك الصالح له بنيابة طرابلس؛ فتوجه إليها، وأقام بها نحو الشهرين، وطلب إلى الديار المصرية، وولى عوضه طرابلس الأمير أرنبغا أمير جندار، ثم جهز بيبرس هذا بحصار الملك الناصر أحمد بالكرك؛ فحصره مدة، وبالغ فلم ينل منه قصداً، وعاد إلى ديار مصر، وأقام بها إلى أن مات في أوائل سنة ست وأربعين وسبعمائة. وهو في عشر الثمانين.
وكان شكلاً تاماً، ذا شيبة منورة، ووجه أحمر. وكان يميل إلى دين وخير، ويحب الفقراء وأهل الصلاح، وكان مثرياً، وله عدة أملاك ودور معروفة به. رحمه الله تعالى.
الموفقي
بيبرس بن عبد الله الموفقي المنصوري. الأمير ركن الدين.
أصله من مماليك الملك المنصور قلاوون الصالحي الألفي، وترقى إلى أن صار من جملة الأمراء بالقاهرة، ثم وقع حوادث نقل فيها أميراً بدمشق؛ فدام بها إلى أن مات في يوم الأربعاء ثالث عشرين جمادى الآخرة سنة أربع وسبعمائة، وصلى عليه ودفن، ثم ظهر بعد ذلك أن مماليكه خنقوه وهو نائم سكران، نسأل الله حسن الخاتمة.
الأتابكي
بيبرس بن عبد الله الظاهري الأتابكي، أحد مماليك الملك الظاهر برقوق وابن أخته.
استقدمه الملك الظاهر برقوق صغيراً مع والدته وأقاربه في حدود سنين نيف وثمانين وسبعمائة؛ فربى في الحرم السلطاني إلى أن كبر أنعم عليه بإمرة عشرة.(1/301)
ولا زال الملك الظاهر يرقيه إلى أن جعله أمير مجلس بعد نفي الأمير شيخ الصفوي إلى القدس في تاسع صفر سنة ثمانمائة؛ فدام على ذلك إلى تاسع عشرين جمادى الأولى من السنة نقل إلى الدوادارية الكبرى بعد موت الأمير قلمطاي الدوادار، وأنعم بإمرة مجلس على الأمير أقبغا اللكاش؛ فاستمر بيبرس دواداراً إلى أن نقله الملك الناصر فرج بن برقوق إلى الأتابكية، بعد عصيان الأتابك أيتمش البجاسي، وخروجه إلى الشام في سنة اثنتين وثمانمائة. واستقر عوضه في الدودارية الأمير يشبك الشعباني الظاهري الخازندار؛ فاستمر بيبرس المذكور أتابكاً مدة إلى أن اختفى الملك الناصر فرج، وخلع، وتسلطن أخوه الملك المنصور عبد العزيز ابن الملك الظاهر برقوق في سنة ثمان وثمانمائة؛ فلم تطل أيام الملك المنصور عبد العزيز، وظهر الملك الناصر فرج طالباً ملكه من بيت الأمير سودون الحمزاوي الدوادار في يوم الجمعة رابع جمادى الآخرة من السنة، وتلاحق به كثيراً من أمرائه، ولم يطلع الفجر حتى ركب الملك الناصر بآلة الحرب وسار بمن اجتمع عليه يريد قلعة الجبل؛ فقاتله الأتابك بيبرس هذا ومعه الأمير إينال باي أمير آخور، وسودون المارديني، ويشبك بن أزدمر من القلعة، قتالاً ليس بذاك، ثم انهزموا، وملك الملك الناصر فرج القلعة، وتوجه بيبرس منهزماً إلى خارج القاهرة؛ فأدركه الأمير سودون الطيار؛ فقاتله، فلم يثبت بيبرس، وأخذه سودون، وقبض عليه، وأحضره بين يدي الملك الناصر فرج بقيده، وبعث به إلى الإسكندرية.
وعاد الملك الناصر إلى ملكه، وخلع المنصور عبد العزيز، فكانت مدة ملك المنصور سبعين يوماً، وخلع السلطان على الأمير يشبك الشعباني الدوادار باستقراره أتابك العساكر، عوضاً عن بيبرس المذكور، واستقر سودون الحمزاوي دواداراً، عوضاً عن يشبك. ولا زال بيبرس في حبس الإسكندرية إلى أن قتل بالثغر في سنة إحدى عشرة وثمانمائة، وقتل معه الأمير سودون المارديني، والأمير بيغوت.
وكان بيبرس أميراً جليلاً، كريماً، لين الجانب، قليل الشر، منهمكاً في اللذات، واللهو، والطرب، منقاداً إلى نفسه، بمعزل عن الشجاعة والفروسية. رحمه الله تعالى.
بيبرس المليح
بيبرس بن عبد الله الظاهري، الأمير ركن الدين، أحد الأمراء مقدمي الألوف بديار مصر.
كان أولاً مملوكاً لسيدي علي ابن الأتابك إينال اليوسفي. وكان مبدعاً بالحسن، فأخذه الملك الظاهر برقوق منه، وأخذ معه الملك الظاهر جقمق، وكان صبيين، فصارا من جملة الخاصكية بعد مدة يسيرة. وكان يضرب بحسنه المثل وتأمر في الدولة الناصرية فرج وهو خالي العذار. وكان يعرف ببيبرس المليح.
ولما اختفى الملك الناصر فرج، وتسلطن أخوه الملك المنصور عبد العزيز، صار بيبرس هذا أمير مائة ومقدم ألف بديار مصر، وخلع عليه، واستقر لالا للسلطان الملك المنصور عبد العزيز في يوم الثلاثاء سابع عشرين صفر سنة ثمان وثمانمائة.
التمان تمري
بيبرس بن عبد الله التمان تمري، الأمير ركن الدين، أحد أمراء الطبخاناه، وأمير آخور ثاني في الدولة الظاهرية برقوق، واستمر على ذلك مدة طويلة إلى أن مات في رابع عشر جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين وسبعمائة. رحمه الله تعالى.
المؤيدي
بيبغا بن عبد الله المؤيدي، الأمير سيف الدين، أحد أمراء الطبلخاناه بحماة.
أصله من مماليك الملك المؤيد إسماعيل صاحب حماة، وتأمر في أيام أستاذه، ثم من بعده إلى أن توفى سنة ست وأربعين وسبعمائة، رحمه الله. - وبيبغا صوابه باي بغا، ومعناه: ثور سعيد، فإن باي بالتفخيم: سعيد بالتركي، وبغا: هو الثور الهائل - انتهى.
الأشرفي
بيبغا بن عبد الله الأشرفي، الأمير سيف الدين، نائب الكرك.
كان أولاً من جملة أمراء الديار المصرية، ثم ولى نيابة الكرك بعد العشرين وسبعمائة من قبل الملك الناصر محمد بن قلاوون ثم عزل وتوجه إلى دمشق، فدام بها إلى أن أضر بآخره وتعطل.
أرس
بيبغا بن عبد الله القاسمي، الأمير سيف الدين.
كان من جملة أمراء الملك الناصر محمد بن قلاوون، ثم ولى نيابة السلطنة بالديار المصرية بعد الملك الناصر مدة، ثم نقل إلى نيابة حلب، عوضاً عن أرغون الكاملي، في سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة.(1/302)
ولما استقر في نيابة حلب شدد على من يشرب الخمر بها إلى الغاية، وظلم، وحكم في ذلك بغير أحكام الله، من ذلك: أن بعض المباشرين بالديوان السلطاني بحلب شرب الخمر، ثم ركب، وسار إلى دار الإمارة بغير اختياره، فأمر بيبغا أرس المذكور لما ظفر به بتسميره على جمل، فسمر، وطيف به ساعة من النهار، ثم أطلق.
وفي هذا المعنى يقول الأديب ابن حبيب:
أهل الطلا توبوا وكل منكم ... يعود عن ساق الطلا مشمرا
فمن يبت راووقه معلقا ... أصبح ما بين الورى مسمرا
وفي المعنى يقول القاضي شرف الدين حسين بن ريان:
تب عن الخمر في حلب ... والزم العقل والأدب
حدها عند بيبغا ... بالمسامير والخشب
ودام الأمير بيبغا المذكور في نيابة حلب إلى أن خرج عن الطاعة في سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة، ووافقه الأمراء، وحلفوا له على ذلك. ثم وافقه نواب البلاد الشامية بطرابلس وحماة وصفد، وانضم إليه الأمير قراجا بن دلغادر، وبرز إلى ظاهر حلب في ثالث عشر شهر رجب من السنة متوجهاً إلى الديار المصرية. فلما وصل إلى قبلي دمشق، وأقام بها نحو شهر إلى أن ورد عليه الخبر بأن الملك الصالح خرج من الديار المصرية بعساكره لقتاله، استشار بيبغا أصحابه، فأشاروا عليه بعدم اللقاء، ثم عادوا هاربين، ونزلوا على ظاهر حلب في سلخ شعبان، وأرادوا الدخول إلى حلب، فمنعهم أهلها، وقاتلوهم قتالاً شديداً.
ولما قرب العسكر المصري ولوا هاربين إلى جهة الشمال، فتبعهم جماعة من العسكر، ونهبوا مالهم، وقبضوا على بعضهم.
وأقام الملك الصالح بدمشق، وجهز نائبها في طلب بيبغا أرس المذكور، فسار المذكور في طلبهم إلى أن ظفر بنائب صفد، ثم بنائب طرابلس الأمير بكلمش ثم بنائب حماة الأمير أحمد، وجيء بهم، ثم أمسك الأمير بيبغا أرس المذكور، وجيء به إلى حلب، فحبس بقلعتها إلى أن قتل صبراً بالقلعة المذكورة في سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة.
وفيه يقول بعض الأدباء:
لما اعتدى بيبغا العادي ومن معه ... على الورى فارقوا كرها مواطنهم
خوف الهلاك سروا ليلاً على عجل ... فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم
وفي المعنى لابن خضر السنجاري:
بغى بيبغا بغي المماليك عنوة ... وما كان في الأمر المراد موفقا
أغار على الشقرا في قيد جهله ... لكي يركب الشهباء في الملك مطلقا
فلما علا في ظهرها كان راكبا ... على أدهم لكنه كان موثقا
ولابن ريان من أبيات في المعنى:
أتى القوم بالأعداء أسرى أذلة ... إلى حلب الشهباء إلى خير مقدم
فبكلمش وافوا به وبأحمد ... ومن بيبغا قد أدركوا كل مغنم
ومن رام ظلم الناس يقتل بسيفه ... ولو نال أسباب السماء يسلم
قضوا ومضوا لا خفف الله عنهم ... إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم
قال الشيخ أبو محمد بن حبيب في تاريخه: وباشر شامخاً بأنفه سالكاً طريق عنفه لابساً ثياب الكبر راكباً من العز بحراً ليس له عبر. انتهى كلام ابن حبيب.
قلت: وبيبغا تقدم الكلام عليه، وأرس بألف مضمومة، وراء مهملة مضمومة أيضاً، وسين مهملة ساكنة، قبيلة من قبائل التتر في الشمال، بالإقليم السادس.
المظفري الأتابك
بيبغا بن عبد الله المظفري الظاهري، الأمير سيف الدين، أتابك العساكر بالديار المصرية.(1/303)
أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق ومن خاصكيته، ثم تنقل في الدولة الناصرية فرج إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، واستمر على ذلك إلى أن تجرد الملك الناصر فرج إلى البلاد الشامية في سنة أربع عشرة وثمانمائة، لقتال الأمير ابن شيخ المحمودي ونوروز الحافظي، وقدم الملك الناصر عدة أمراء أمامه جاليشاً. كان الأمير بيبغا هذا أيضاً في الجاليش، وتوجهوا إلى أن قدموا دمشق، ودخلوا على والدي الجميع بدار السعادة، وهو ملازم للفراش، فباسوا يده، ثم شكوا من فعل الناصر بهم وبغيرهم من الأمراء والجند، وعرفوه توجههم إلى الأميرين وعصيانهم على الناصر، فنهاهم والدي نهياً هيناً، ثم خرجوا من عنده وذهبوا بأجمعهم إلى الأمراء، وعصوا على الناصر، وكانوا عدة أمراء، فكان من أمراء الألوف: الأمير بكتمر جلق، والأمير طوغان الحسني الدوادار، والأمير بيبغا هذا وعدة أخر. واستمر بيبغا من حزب الأمير شيخ المحمودي ودخل معه إلى الديار المصرية بعد قتل الملك الناصر فرج في السنة المذكورة بدمشق، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالقاهرة، كما كان أولاً، ثم إخراجه بعد مدة أتابكاً بدمشق، فتوجه إلى دمشق، ودام بها إلى أن خرج نائبها قاني باي المحمدي عن طاعة الملك المؤيد شيخ، وعصى في سنة ثماني عشرة وثمانمائة، ثم قاتل أمراء دمشق، فكان بيبغا هذا من حزب الملك المؤيد، وقاتل قاني باي المذكور مع من انضم إليه من أمراء دمشق وغيرهم.
ثم انكسر بيبغا وهرب إلى بعض البلاد الشامية إلى أن خرج الملك المؤيد من الديار المصرية، لقتال قاني باي، وانتصر عليه، وظفر به وبالأمير إينال الصصلاني نائب حلب وغيرهما، فعند ذلك أنعم الملك المؤيد على بيبغا المذكور ثانياً بتقدمة ألف بديار مصر، وأخذه معه، وعاد إلى القاهرة، فاستمر بيبغا على ذلك مدة يسيرة، وقبض عليه الملك المؤيد ثانياً، وحبسه بثغر الإسكندرية إلى أن أطلقه الأمير ططر بعد موت الملك المؤيد شيخ، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف على عادته، ثم صار أمير مجلس، ثم أمير سلاح.
واستمر على ذلك إلى أن تسلطن الملك الأشرف برسباي أخلع عليه باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية عوضاً عن الأمير طرباي بعد القبض عليه بمدة، وذلك في سنة أربع وعشرين وثمانمائة، وصار الأمير جقق أمير سلاح عوضه، واستمر بيبغا على ذلك إلى أن قبض عليه الملك الأشرف برسباي في يوم البت تاسع عشرين شوال سنة سبع وعشرين وثمانمائة، وحمله إلى الإسكندرية، فسجن بها مدة إلى أن أطلقه الملك الأشرف، ورسم له بالإقامة بثغر دمياط بطالاً، فتوجه إليها، ودام بها إلى أن نقل إلى القدس بطالاً أيضاً بشفاعة زوجته خوند قنقباي، أم الملك المنصور عبد العزيز بن الملك الظاهر برقوق، فلم تطل أيامه بالقدس، وطلب إلى القاهرة، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف وصار أمير مجلس، لكنه كان يجلس في الخدمة السلطانية رأس الميسرة، بخلاف قاعدة أمراء مجلس، وذلك مراعاة لمنزلته السالفة، فأقام على ذلك مدة يسيرة، وتوفى بالطاعون في ليلة الأربعاء سادس جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وله نحو ستين سنة.
وكان أمراً جليلاً، مهاباً، شجاعاً، معظماً في الدولة، وعنده تعصب لمن يلوذ به ومروءة، لكنه كان سيئ الخلق، قوي النفس، وله بادرة وخسة إلى الغاية مع سلامة باطن.
وكان تركي الجنس مستحقاً باجلراكسة، وعنده جنكزخان المغلي بمنزلة الخضر - عليه السلام - . وكان يخاطب الملك باللفظ الخشن، ولهذا كان كثيراً ما يمسك ويحبس. رحمه الله تعالى.
البهادري
بيبغا بن عبد الله البهادري، الأمير سيف الدين، مقدم البريدية.
أصله من مماليك الأمير الطواشي بهادر مقدم المماليك السلطانية، ثم اتصل بخدمة الملك الظاهر برقوق، وصار من جملة خاصكيته، ثم تنقلت به الأيام إلى أن صار في الدولة الأشرفية برسباي مقدم البريدية، ودام على ذلك سنين إلى أن عزله الملك الأشرف بالأمير أسنبغا الطياري، وتعطل، ولزم داره إلى أن مات، وقد طعن في السن، وعجز عن الحركة في يوم الأربعاء ثامن شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وثمانمائة.
وكان مهملاً، منهمكاً في اللذات، مسرفاً على نفسه مع كرم وحشمة. سامحه الله تعالى، وغفر له.
المنصوري(1/304)
بيدرا بن عبد الله المنصوري، الأمير بدر الدين، نائب السلطنة بالديار المصرية في الدولة الأشرفية خليل بن قلاوون.
كان أصله من مماليك الملك المنصور قلاوون، وأعز أمرائه، ثم صار إلى نيابة السلطنة بالديار المصرية في دولة ولده الملك الأشرف خليل.
وكان بيدرا جليل القدر، ويرجع إلى دين وعقل وعدل. وكان يحب جمع الكتب في أنواع العلوم، واقتنى منها جملة، واستنسخ جملة أيضاً. وكان يحب الفضلاء وأهل العلم ويقدمهم ويكرمهم، وهو الذي خرج على الأشرف خليل بن قلاوون وقتله هو والأمير حسام الدين لاجين - على ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى في ترجمة الأشرف خليل.
ولما قتل الأشرف بالطرانة من البحيرة رجع بيدرا المذكور تحت العصابة السلطانية، وحلفوا له الأمراء، ووعدوه بالملك، وقيل بل بايعوه، ولقب بالملك القاهر، فلم يتم أمره، وقتلته المماليك الأشرفية من الغد في ثالث عشر المحرم سنة ثلاث وتسعين وستمائة، ولم يتكهل، ودخلت الأشرفية برأسه على رمح إلى القاهرة.
وكان بيدرا أميراً جليلاً، حسن الوجه والهيئة، وجرح مرة برمح في وجهه، فقال في السراج الوراق:
عجباً لرمح في يمينك طرفه ... من جرأة فيه لطرفك طامح
ولو أنه في غير طرفك ما ارتقى ... يوماً ولو كان السماك الرامح
وفيه يقول الشيخ علاء الدين الوداعي:
عمرت بعد لكم البلاد وأقبلت ... فنرى ربوعاً أو ربيعاً أخضرا
والناس كلهم لسان واحد ... داع أدام الله دولة بيدرا
مقدم التتار
بيدرا مقدم التتار - من قبل هولاكو - جهزه هولاكو في سنة ثمان وخمسين وستمائة بعد كسرتهم، لما بلغه قتل الملك المظفر قطز، ومعه ستة آلاف مقاتل من التتار، ووصلوا إلى حلب، وجفل أهل حلب إلى الشام.
وكان بحلب الأمير حسام الدين الجوكندار مقدماً على العسكر، وكان النائب بحلب أنس صاحب الموصل، فأمسكه الأمير حسام الدين الجوكندار ومن معه، لسوء سيرته، ثم اندفع الجوكندار ومن معه من العسكر إلى جهة دمشق، فدهم التتار حلب وملكوها، وأخرجوا من فيها من المسلمين بعيالهم وأولادهم قهراً، وأحاط التتار بهم، ووضعوا السيف فيهم، وأبادوا، ثم أطلقوا بعض جماعة فدخلوا حلب في أسوء حال.
ووصل الجوكندار بمن معه من العساكر إلى حماة وبها صاحبها الملك المنصور، فنزلوا بظاهرها من جهة القبلة، وقام المنصور بضيافتهم، وهو مستشعر منهم بأمور، ثم قدم التتار إلى جهة حماة: فلما قربوا منها رحل الملك المنصور والجوكندار بعسكرهما إلى حلب، ووصلت التتار إلى حماة ونازلوها فأغلقت أبوابها، فطلبوا منهم فتح الأبواب وإنهم يؤمنوا لهم كالمرة الأولى، فلم يجيبوهم، ولم يكن مع التتار خبز وشاه، ولم يكن أهل حماة يتقون إلا به، فاندفع التتار عن حماة للقاء العسكر، واحتفل الجوكندار والملك المنصور صاحب حماة والملك الأشرف صاحب حمص في ألف وأربعمائة فارس، وحملوا على التتار حملة رجل واحد، فهزموهم، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وهرب بيدرا هذا مقدم التتار في نفر يسير، وأتى القتل على معظمهم. وكانت الوقعة عند قبر خالد بن الوليد - رضي الله عنه - في أوائل المحرم سنة تسع وخمسين وستمائة، وتوجه بيدرا إلى هولاكو بخيبة وصغار.
وكان عارفاً بالحروب مقداماً شجاعاً، عليه من الله ما يستحق.
البدري
بيدمر بن عبد الله البدري، الأمير سيف الدين.
كان ممن أنشأه الملك الناصر محمد بن قلاوون، ورقاه حتى صار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ثم ولاه نيابة طرابلس، ثم نقل إلى نيابة حلب بعد موته في سنة سبع وأربعين وسبعمائة، عوضاً عن الأمير طقتمر الأحمدي، فباشر نيابة حلب إلى أن طلب إلى الديار المصرية، وتوجه إليها وكثر أسف الناس على عزله؛ لهمته العالية ونظره في مصالح الرعية.
وكان جليل القدر يميل إلى العدل والخير، ذا حرمة ومهابة، معظماً في الدول. وكان له ثروة وحشم، وعمر تربة مليحة بالقاهرة.
ولما حضر إلى القاهرة أقام بها نحو الشهرين، ثم أخرج إلى نيابة حلب ثانياً، فقبض عليه بغزة في جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة.
الحاج بيدمر
بيدمر بن عبد الله، الأمير سيف الدين، المعروف بالحاج بيدمر.(1/305)
كان أيضاً من جملة أمراء الملك الناصر محمد بن قلاوون، ثم أخرجه إلى صفد بطالاً فدام بها مدة، وصار نائبها الأمير أرقطاي يعظمه وينادمه، ثم نقل إلى دمشق على إمرة هينة في أيام تنكز. ولما حضر قطلوبغا الفخري، وجرى له ما جرى، جهز بيدمر هذا إلى بلاد الروم، لإحضار الأمير طشتمر حمص أخضر نائب حلب، وعاد، ودام بدمشق إلى أن أعطاه الملك الناصر أحمد بن محمد بن قلاوون إمرة طبلخاناه بدمشق، فاستمر بها إلى أن توفى سنة سبع وأربعين وسبعمائة، رحمه الله.
الخوارزمي
بيدمر بن عبد الله الخوارزمي، الأمير سيف الدين.
كان من أجل الأمراء بالديار المصرية، ثم ولى نيابة حلب في سنة ستين وسبعمائة، عوضاً عن الأمير بكتمر المؤمني، ودام بها إلى سنة إحدى وستين توجه بعساكر حلب إلى غزو بلاد سيس، وأخذها بالأمان، ثم نزلوا أذنة، واستولوا عليها، وأسروا، وقتلوا وغنموا، ثم فتحوا قلعة كلال ودليون والحديدة، ثم أقروا بطرسوس وأذنة نائبين للسلطان، ثم عادوا إلى حلب، وأرسل الأمير بيدمر مملوكه جبريل بمفاتح طرسوس وأذنه إلى السلطان الملك الناصر حسن، بعد أن خطب له بتلك البلاد، وضربت السكة باسمه، ثم نقل بيدمر المذكور في عدة ولايات، ووقع له أمور إلى أن مات في صفر سنة تسع وثمانين وسبعمائة في سلطنة الملك الظاهر برقوق.
وكان أميراً كبيراً، معظماً، مهاباً، طالت أيامه في السعادة زماناً. وكان ديناً، خيراً، وله آثار جميلة، وفتح فتوحات كثيرة. وكان مشهوراً بالشجاعة والرأي الحسن. رحمه الله تعالى.
الظاهري
بيدمر بن عبد الله الظاهري، الأمير سيف الدين.
أحد الحجاب بالديار المصرية في دولة أستاذه الملك الظاهر برقوق. مات من جرح أصابه في وقعة الأتابكي أيتمش البجاسي سنة اثنتين وثمانمائة. رحمه الله تعالى.
بيدو بن طرغاي
بيدو، وقيل بندو، بن طرغاي بن هولاكو بن باطو بن جنكزخان، القان ملك التتار بالبلاد المشرقية.
جلس في الملك سنة ثلاث وتسعين وستمائة، فلم تطل أيامه، وقتل بعد ثمانية شهور بنواحي همذان، قتله بعض أقاربه.
الشمسي
بيسرى بن عبد الله الشمسي الصالحي، الأمير بدر الدين.
كان من أعيان الأمراء بالديار المصرية، وكان أحذ من رشح للسلطنة لما قتل الملك الأشرف خليل بن قلاوون.
أصله من مماليك الملك الصالح نجم الدين، وترقى في الدول إلى أن صار أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ثم قبض عليه الملك المنصور قلاوون وحبسه.
وبقي في الحبس تسع سنين إلى أن أطلقه الملك الأشرف خليل بن قلاوون، وأعاده إلى رتبته أولاً. ودام على ذلك إلى أن قبض عليه الملك المنصور حسام الدين لاجين وحبسه؛ فدام أيضاً في الحبس إلى أن أعيد الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى السلطنة ثانياً؛ فتكلموا في أمره؛ فأبى الناصر إلا حبسه إلى أن مات بالجب في قلعة الجبل في تاسع عشر شوال سنة ثمان وتسعين وستمائة. وكانت له دار كبيرة بين القصرين بالقاهرة معروفة به.
قلت: تغيرت رسومها الآن.
وكان جليل القدر، معظماً في الدول، قبض عليه الملك المنصور خوفاً منه. وكان ضخماً، عالي الهمة، شجاعاً، كثير الصدقات والمعروف، كان عليه في أيام إمرته رواتب لجماعة من مماليكه وحواشيه وخدمه؛ فكان يرتب لبعضهم في اليوم من اللحم سبعين رطلاً، وما يحتاج إليه من التوابل، وسبعين عليقة، ولأقلهم خمسة أرطال وخمس علائق، ولبعضهم عشرة ولبعضهم عشرين - بحسب مقامه - . وكان ما يحتاج إليه في كل يوم لسماطه، ودوره، والمرتب عليه ثلاثة آلاف رطل لحم، وثلاثة آلاف عليقة كل يوم. وكانت صدقته على الفقير ما فوق خمسمائة، ولا يعطي أقل من ذلك. وكان إنعامه ألف أردب غلة، وألف قنطار عسل، وألف دينار. وله من هذا المنوال أشياء يطول شرحها من مأكله ومشربه وملبسه. وبالجملة، فإنه كان أعظم أمراء عصره.
قلت: ومن بعده؟، رحمه الله.
وبيسرى اسم مركب من لفظة تركية، ولفظة أعجمية. وصوابه: باي سرى، فباي باللغة التركية بالتفخيم هو: السعيد - كما تقدم ذكره في غير موضع - وسرى بالعجمية، الرأس، فمعناه: رأس سعيد أو سعيد الرأس. انتهى.
أمير الحاج
بيسق بن عبد الله الشيخي الظاهري، الأمير سيف الدين.
أحد المماليك الظاهرية برقوق، وأمراء الطبلخانات بالديار المصرية.(1/306)
ونسبته بالشيخي إلى جالبه خواجا شيخ، تأمر المذكور في أيام أستاذه الملك الظاهر برقوق، ثم في دولة ابن أستاذه الملك الناصر فرج إلى أن صار أمير طبلخاناه وأمير آخور ثاني. وتولى إمرة الحاج غير مرة في الأيام الظاهرية برقوق، ثم الأيام الناصرية فرج، ثم تولى عمارة المسجد الحرام بمكة لما احترق في سنة ثلاث وثمانمائة، وله مع أهل مكة أمور وحوادث، ومنهم من يثنى عليه، ومنهم من يقول: كان متعصباً لفقهاء الحنفية على فقهاء الشافعية. وغالب بره وصدقاته ما كان يعطيها إلا إلى الفقهاء الحنفية.
قلت: لفعله ذلك معنى: وهو أن أمر مكة وحكمها إنما هو للقاضي الشافعي بها، ومهما جاء من المآثر إلى مكة من الإفطار لا يعطى إلا إليه، وهو لا يفرقه إلا في أهل مكة وفي أقاربه وألزامه، والجميع شافعية، فيصير من هو حنفي أو مالكي محروماً بهذه الواسطة، وغالب من هو مجاور بمكة الآن حنفية ومالكية. ثم سخر الله للسادة المالكية التكاررة، يأتون إليهم بالأموال الجزيلة يفرقونها فيهم. فلما علم الأمير بيسق ما ذكرته صار لا يعطي صدقاته إلا للسادة الحنفية، ثم المالكية في بعض الأحيان، فتغير خواطر أهل مكة منه بهذا السبب لا غير. ولهذا السبب أيضاً ما جعل الأتابكي يلبغا العمري وقفه بمكة إلا على السادة الحنفية لما رأى أيضاً من قلة موجودهم بمكة - رحمه الله - .
ثم تنكر السلطان الملك الناصر فرج على الأمير بيسق، وأخرجه إلى بلاد الروم منفياً، فأقام بالروم إلى أن تسلطن الملك المؤيد شيخ قدم إلى القاهرة بعد ما أقام عند الأمير نوروز الحافظي مدة قبل دخوله إلى الديار المصرية، فتنكر عليه الملك المؤيد شيخ أيضاً بهذا السبب، ولم يقبل عليه، وأقام بداره بطالاً مدة، ثم أخرجه إلى القدس بطالاً أيضاً، فمات به في جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وثمانمائة.
وكان عارفاً بالسياسة، ويشارك في الفقه. وكان له ثروة زائدة، فإن أخته كانت زوجة إسفنديار ملك الروم، وكانت ترسل إليه بالهدايا والتحف. ولما نفى توجه إليها، وعاد بجملة مستكثرة من المماليك والقماش وغير ذلك. وكان شرس الخلق وعنده حدة، لكنه كان عفيفاً عن المنكرات والفروج. وقيل إنه كان مملوكاً لبعض الأمراء، وخدم عند الملك الظاهر برقوق - وليس من عتقائه، والأول أقوى رحمه الله تعالى.
اليشبكي
بيسق بن عبد الله اليشبكي، الأمير سيف الدين، نائب قلعة دمشق.
هو من مماليك الأتابك يشبك الشعباني الظاهري، ثم صار بعد موته من جملة المماليك السلطانية إلى أن جعله الملك الظاهر جقمق أمير خمسة في أوائل سلطنته سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، ثم جعله نائب دمياط، وأنعم عليه بإمرة عشرة؛ فدام بها مدة إلى أن عزل، وقدم إلى ديار مصر، وصار من جملة أمراء العشرات بها إلى أن أخلع عليه الملك الظاهر بنيابة قلعة صفد بعد الجمالي يوسف بن يغمور في سنة خمسين وثمانمائة؛ فباشرها مدة، ثم عزل، وطلب إلى القاهرة وأنعم عليه بإمرة عشرة بها إلى أن نقله السلطان إلى نيابة قلعة دمشق بعد موت نائبها شاهين الطوغاني الأشقر في سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة؛ فاستمر بها إلى أن مات في شهر شعبان سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة، وتولى نيابة قلعة دمشق من بعده سودون تركمان اليشبكي نقل إليها من صفد.
وكان بيسق هذا من خيار أبناء جنسه ديناً، وأدباً، وشجاعة، وتواضعاً، وكرماً. وكان ذا شيبة نيرة، ووجه صبيح. رحمه الله تعالى.
الظاهري
بيغوت بن عبد الله الظاهري، الأمير سيف الدين.
أحد مقدمي الألوف في دولة ابن أستاذه الملك الناصر فرج بن الملك الظاهر برقوق، وزوج أخت الملك الناصر المذكور. ودام على ذلك إلى سنة عشرة وثمانمائة إلى أن تجرد الملك الناصر فرج إلى البلاد الشامية، ووصل إلى دمشق، وفر نائبها الأمير شيخ المحمودي أخلع عليه الملك الناصر بنيابة دمشق، عوضاً عن المذكور، في يوم سادس عشر صفر من السنة المذكورة؛ فباشر بيغوت المذكور نيابة دمشق مدة إقامة السلطان بدمشق لا غير، ثم عزل بالأمير نوروز الحافظي نائب حلب في شهر ربيع الأول من السنة، واستقر على عادته أميراً بالديار المصرية، وعاد صحبة السلطان إليها؛ فلم تطل مدته بها، وقبض السلطان عليه، وحبسه بحبس الإسكندرية إلى أن قتل بها في سنة إحدى عشرة وثمانمائة.(1/307)
وكان معدوداً من أكابر الأمراء. رحمه الله تعالى.
الأعرج
بيغوت بن عبد الله من صفر خجا المؤيدي، نائب حماة، الأمير سيف الدين، المعروف بالأعرج.
اشتراه الملك المؤيد شيخ أيام إمرته، وأعتقه، وجعله من جملة مماليكه الصغار.
ولما آلت السلطنة إليه جعله من جملة المماليك السلطانية، ثم صار خاصكياً بعد موته. ودام على ذلك إلى أن أنعم عليه الملك الأشرف برسباي بحصة في ناحية مرصفا بالقليوبية، عوضاً عن الأمير يلخجا الساقي؛ فأقام مدة يسيرة، وتوجه بيغوت المذكور إلى جهة إقطاعه المذكور؛ فاجتاز عليه كاشف القيلوبية، ولم ينصف بيغوت هذا، ووقع بينهما كلام بسبب فلاحين الناحية المذكورة؛ فأغلظ الكاشف في الكلام؛ فبادره بيغوت وضربه بالدبوس ضرباً بليغاً؛ فبلغ الملك الأشرف الخبر؛ فرسم بنفيه؛ فنفي إلى دمشق. واستمر بها مدة يسيرة، وأنعم عليه بإمرة عشرين بها، فدام على ذلك مدة، ونقل إلى إمرة طبلخاناه.
ثم ولي نيابة حمص من قبل الملك الظاهر جقمق؛ فباشر نيابة حمص مدة طويلة إلى أن نقل إلى نيابة صفد، بعد انتقال الأمير قاني باي البهلوان منها إلى نيابة حماة في حدود سنة سبع وأربعين وثمانمائة؛ فباشر المذكور نيابة صفد إلى أن نقل منها إلى نيابة حماة، بعد الأمير تنم بن عبد الرزاق المؤيدي المتنقل إلى نيابة حلب بعد موت الأمير برسباي في سنة إحدى وخمسين وثمانمائة؛ فاستمر الأمير بيغوت في نيابة حماة إلى أواخر سنة ثلاث وخمسين شكى منه بعض أهل حماة؛ فحضر ولده إبراهيم إلى الديار المصرية، وأجاب عن والده، وعاد إلى حماة وعلى يده خلعة الاستمرار لوالده. فلم يكن غير أيام قلائل وقتل جمعة بالمعرة من أعمال حماة؛ فشكى أهل من قتل إلى المقام الشريف في نائب حماة المذكور ثانياً؛ فأرسل السلطان السيفي جانم الخاصكي الساقي إلى حماة، وعلى يده مرسوم شريف يتضمن: إمساك ولده الصارمي إبراهيم وابن العجيل شيخ المعرة، وحملهما إلى القاهرة صحبة جانم المذكور، ويكون ابن بيغوت هذا مزنجراً؛ فتوجه جانم إلى أوافى حماة، وأوقف بيغوت على المرسوم الشرف؛ ففي الحال سلم ولده إبراهيم، ووضع الزنجير في عنقه بيده، وقيده، وأرسله إلى السلطان صحبة جانم المذكور، فوصل إلى القاهرة في يوم حادي عشرين المحرم من سنة أربع وخمسين.
وتمثل به جانم بين يدي المواقف الشريفة وبإزائه ابن العجيل؛ فلم يلتفت السلطان إليهما، ورسم بحبسهما بالبرج من قلعة الجبل. ثم بعد أيام قلائل صرح السلطان بعزل بيغوت من نيابة حماة، وولى مكانه الأمير حاج إينال نائب الكرك، ثم بطل ذلك في الحال، وكثر الكلام في حق بيغوت إلى أن رسم السلطان بعزله عن نيابة حماة في يوم الاثنين عشرين ربيع الأول من سنة أربع وخمسين، وتوجهه إلى دمشق بطالاً - والمقصود حبسه بقلعة دمشق - وولى عوضه نيابة حماة الأمير سودون المؤيدي أتابك حلب، وحمل تقليده على يد السيفي سودون الخاصكي أمير آخور السلطان في حال إمرته، وتوجه بمرسوم الأمير بيغوت قرا جانبك الظاهري، أحد رءوس النوب، وتوجها إلى ما ندبا إليه، فقبل أن يصل قرا جانبك إلى بيغوت عصى بيغوت، وخرج من حماة بمن معه إلى جهة الشرق، وورد الخبر بذلك إلى الديار المصرية في يوم الخميس ثامن جمادى الأولى من السنة.
واستمر بيغوت عاصياً، وولده إبراهيم محبوساً بالبرج بقلعة الجبل.(1/308)
ووقع له أمور إلى أن عدى الفرات وانضم على جهان كبر بن علي بك بن قرايلك واستفحل أمرهما، وكثر الكلام في ذلك، فلم يكن بعد قليل إلا وطرق ديار بكر عسكر جهان شاه بن قرا يوسف صاحب تبريز؛ لقتال جهان كير؛ فانهزم جهان كير، وتحصن بآمد، وطلب الأمير بيغوت أن يدخل معه في آمد؛ فامتنع بيغوت من دخول آمد، وأراد التوجه إلى بلاد الروم؛ فعندما توجه في أثناء الطريق صدفه رستم مقدم عساكر جهان شاه؛ فظفر رستم ببيغوت المذكور وبمن معه من مماليكه وبركه؛ فأنزله عنده محتفظاً به نحو ثلاثة أيام، ثم قبض عليه وعلى أمير آخوره، وأودعهما بقلعة الرها، وأرسل رستم يخبر الملك الظاهر بذلك؛ فدام بيغوت محبوساً بقلعة الرها إلى أن طرقها أويس بن علي بك بن قرايلك أخو جهان كير، وملكها عنوة من نائب رستم، وأطلق بيغوت وأمير آخوره وخير بيغوت فيما يرومه، وقال له: إن شئت فتوجه إلى أخي جهان كير بآمد، وإن شئت تروح إلى ابن قرمان؛ فأرسلت معك من يتوجه صحبتك؛ فقال بيغوت: ما أروح إلا نحو الديار المصرية إلى أستاذي؛ فأرسل به إلى البيرة، فأخذه نائبها، وتوجه به إلى حلب وبها نواب البلاد الشامية؛ فأرسل نواب البلاد الشامية يطلبون له من السلطان الأمان، ويشفعون فيه؛ فأجيبوا لذلك، وكتب مرسوم شريف له بقدومه إلى القاهرة معظماً مبجلاً.
وكان الملك الظاهر قد أطلق ولده إبراهيم من البرج قبل ذلك بمدة يسيرة، وجعله من جملة الخاصكية. وقدم بيغوت إلى الديار المصرية في يوم السبت ثالث عشر ربيع الآخرة سنة خمس وخمسين وثمانمائة؛ فأقام بالقاهرة مدة، ثم رسم له بالتوجه إلى دمشق، ورتب له بها ما يكفيه؛ فتوجه إليها، وأقام بها مدة يسيرة، وأنعم عليه بتقدمة ألف بعد موت بردبك العجمي اجلكمي؛ فلم تطل مدته في ذلك غير أيام، ونقل إلى نيابة صفد ثانياً بعد موت الأمير يشبك الحمزاوي، وحمل إليه التشريف والتقليد الأمير يشبك من سلمان شاه المؤيدي، المعروف بالفقيه، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة.
المسعودي
بيليك بن عبد الله المسعودي، الأمير بدر الدين.
أحد الأمراء بالديار المصرية. استشهد على عكا في سنة تسعين وستمائة. رحمه الله تعالى.
أبو شامة
بيليك بن عبد الله المحسني الصالحي، الأمير بدر الدين أبو أحمد الحاجب، المعروف بأبي شامة.
كان من أعيان الأمراء بالديار المصرية، وعمل الحجوبية بها للملك المنصور قلاوون مدة، ثم أعطى إمرة بدمشق بعد التسعين وستمائة من قبل الملك الأشرف خليل بن قلاوون؛ فدام بها إلى أن قتل الأشرف خليل طلب إلى الديار المصرية وصار أميراً بها إلى أن توفى سنة خمس وتسعين وستمائة. وكان خيراً، ديناً، سيوساً، فاضلاً، وله مشاركة في الفقه، وروى عن ابن المقير وابن رواح عاقلاً، وابن الجميزي. رحمه الله تعالى.
الصالحي
بيليك بن عبد الله الصالحي، الأمير بدر الدين، أمير سلاح. وقيل كان اسمه بكتاش، أحد الشجعان المشهورين.
كان له غزوات ومشاهد مشهورة. وكانت فيه تجمل وسياسة، وعمر دهراً إلى أن شاخ وأسن، ولم يزل معظماً في الدول يتقلب من وظيفة إلى غيرها حتى إنه سئل مرة: كيف سلمت دون غيرك من هذه الأهوال التي مرت؟: فقال: لأني لا أعارض سعيداً؛ فإني كنت إذا رأيت أحداً قد أقبل سعده لم أعارضه في شيء. توفى سنة ست وسبعمائة عن سن عال. رحمه الله تعالى.
الخازندار
بيليك بن عبد الله الظاهري الخازندار، الأمير بدر الدين، نائب السلطنة بالديار المصرية، ومقدم الجيوش بها.
قال الشيخ صلاح الدين الصفدي، رحمه الله: كان أميراً جليل المقدار، عالي الهمة، واسع الصدر، كثير البر والمعروف والصدقة، لين الكلمة، حسن المعاملة والنظر للفقراء، يتفقد أرباب البيوت، وعنده: ديانة، وفهم، وإدراك، وذكاء، ويقظة. سمع الحديث وطالع التواريخ. وكان يكتب خطاً حسناً، وله وقف بالجامع الأزهر على زاوية لمن يشتغل بمذهب الشافعي، وبها درس، وله أوقاف أخر على جهات البر.(1/309)
ويحكى أنه لما أحضره التاجر من البلاد قال للملك الظاهر بيبرس: يا خوند. وهو يكتب خطاً مليحاً؛ فأمره السلطان أن يكتب، فأخذ القلم وكتب: لولا الضرورات ما فارقتكم أبداً، ولا ترحلت من ناس إلى ناس؛ فأعجب السلطان؛ كونه كتب هذا البيت دون غيره، وزاد ثمنه في مشتراه. وقيل إن التاجر المذكور افتقر في آخر أمره، فجاء إليه وقد عظم وصار نائباً، وكتب إليه:
كنا جميعين في بؤس نكابده ... والعين والقلب منا في قذى وأذى
والآن أقبلت الدنيا عليك بما ... تهوى فلا تنسني إن الكرام إذا
فوصله بعشرة آلاف درهم.
وكان له الإقطاعات العظيمة بالديار المصرية وبالشام، وله قلعة الصبيبة، وبانياس وأعمالها، وبيت جنى وغير ذلك.
ولما مات الملك الظاهر بيبرس ساس الأمور أحسن سياسة، ولم يظهر موته وكتب، إلى الملك السعيد مطالعة بخطه. وسار بالجيوش إلى مصر على أحسن نظام، بحيث أنه لم يظهر لموت الملك الظاهر أثر.
ولما وصل إلى القاهرة مرض عقيب وصوله. ولم يطل مرضه؛ وتوفى ليلة الأحد سادس شهر ربيع الأول سنة ست وسبعين وستمائة بقلعة الجبل يوم الاثنين؛ فدفن بتربته التي أنشأها بالقرافة الصغرى، ووجد الناس عليه وجداً عظيماً، وحزنوا لفقده، وشمل مصابه الخاص والعام؛ فكانت له جنازة مشهودة، وأقيم النوح عليه بالقاهرة والقلعة ثلاث ليال متواليات، والخواتين ونساء الأمراء يدورون في شوارع القاهرة ليلاً بالشمع، والنوائح والطارات، وصدع موته القلوب. وقيل إنه مات مسموماً. ومنذ مات اضطربت أحوال الملك السعيد، وظهرت إمارات الإدبار عليه. وكان عمره خمساً وأربعين سنة. وخلف تركة عظيمة تفوت الحصر، وخلف ابنين.
وكتب إليه شهاب الدين بن يغمور، وقد أهدى إليه شاهيناً.
يا سيد الأمراء يا من غدا ... وجه الزمان به منيراً حالكا
وافاك ذا الشاهين قبل أوانه ... ليفوز قبل الحائمات ببابكا
حتى الجوارح قد غدت بدرية ... لما رأت كل الوجود كذالكا
الأيدمري
بيليك بن عبد الله الأيدمري المنصوري، الأمير بدر الدين.
أحد مماليك الملك المنصور قلاوون وخواصه.
كان من أعيان الأمراء بالديار المصرية في أيام أستاذه إلى أن توفى بالقاهرة في رابع المحرم سنة ست وثمانين وستمائة، ودفن بتربته التي أنشأها بقرب مشهد الإمام الشافعي، رضي الله عنه، ووجد الملك المنصور عليه وجداً عظيماً. رحمه الله تعالى.
الفرنجي صاحب طرابلس
بيمند الفرنجي، متملك طرابلس.
قال الشيخ قطب الدين اليونيني: رأيته وقد حضر إلى بعلبك إلى خدمة كتبغا نوين مقدم عساكر هولاكو، وصعد إلى قلعة بعلبك ودارها، وحدثته نفسه أن يطلبها من هولاكو، ويبذل له ما يرضيه، وشاع ذلك ببعلبك؛ فشق على أهلها وعظم عليهم؛ فحصل بحمد الله كسرة التتار في آخر شهر ما آمنهم فيه.
ولما ملك المنصور قلاوون طرابلس سنة ثمان وثمانين وستمائة نبش الناس عظم بيمند المذكور من كنيسة طرابلس.
تم بحمد الله الجزء الثالث من كتاب المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي.
137 17 - /حرف التاء المثناة من فوق
752 - تاج الشويكي بعد 750 - 829ه؟ - 1435م
تاج بن سيفة الشويكي الدمشقي، القازاني الأصل، وإلى القاهرة.
الأمير شيخ المحمودي نيابة دمشق، في سنة خمس وثمانمائة، اتصل تاج هذا بخدمته بالتمسخر والدعابة، وصار يغسله ويحلق رأسه، ولا زال يتقرب إليه بأنواع الهزل إلى أن صار من ندمائه، فلما تسلطن شيخ المذكور وتلقب بالملك المؤيد، قرب التاج هذا وولاه ولاية القاهرة، وأنعم عليه بإمرة، ثم ولاه أستادارية الصحبة لأنه كان يحسن طبخ الطعام، ثم ولاه حسبة القاهرة، كل ذلك لدعابة كانت فيه لا لحسن سيرته ومعرفته، ثم ولى إمرة حاج المحمل المصري في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، ولا زال ينتقل من وظيفة إلى أخرى حتى صار له كلمة في الدولة وحرمة، وأثرى فعند ذلك طغى وتجبرن وظلم وعسف، وأخذ يتجاهر بالمعاصي والفسوق، وصار لا يكف عن قبيح، وهو من ذلك قبيح المنظر والشكل، فإنه كان شيخا طوالا غليظا، كث اللحية، ليس عليه تورانية ولا أبهة، وكان لا يتجمل في ملبسه بل يسير على طبعة أولا، وهو من مساوئ الملك المؤيد شيخ، بل من الأوباش الذين قربهم، ومن الأندال الذين رقاهم.(1/310)
ولم يزل على ذلك حتى مات الملك المؤيد شيخ أخذ أمره في انحطاط بموته إلى أن تسلطن الملك الأشرف برسباى أبعده وأخرج غالب وظائفه وإقطاعاته، وتبهدل في الدولة الأشرفية إلى الغاية، ووقع له أمور وحوادث منها أني دخلت يوماً إلى الأمير أزبك الدوادار في الدولة الأشرفية فوجدته قد ألقى التاج هذا على الأرض وضربه ضرباً مبرحاً لأمر أوجب ذلك.
ولما طالت دولة الملك الأشرف أخذ التاج هذا يتقرب إليه بأنواع التحف والمسخر، ولا زال يفعل ذلك إلى أن نادمه الملك الأشرف، وعاد إلى بعض رتبته أولا، وولى ولاية القاهرة، وصار يتمسخر بالحضرة الشريفة، ويضرب بحضرة السلطان حتى ينحرف عامداً ليضحك السلطان من ذلك، ويقع منه في هزله ما يوجب ضرب عنقه من الألفاظ الكفرية دواماً، ويمعن في ذلك.
واستمر على طغيانه واستخفافه بالدين وفسقه إلى أن مرض ولزم الفراش، طال مرضه، وصار يعتريه الأرق إلى أن كان قبل موته بمدة يسيرة جداً أتاني من عنده بعض حفدته يطلب مني فرشا محشيا ريش نعام لينام عليه لعله يغمض، فقلت لقاصده: ما حاله اليوم؟ فقال: بشر، فإنه في الليلة الماضية حصل له سهر عظيم وقلق، فقالت له زوجته القديمة أم محمد: استغفر ربك واسأله العافية، فسبها ثم سب أهل السموات والأرضين بلفظ يوجب ضرب عنقه على فراشه، ثم مات بعد ذلك بقليل، في ليلة الجمعة حادي عشرين شهر ربيع الأول سنة تسع وثلاثين وثمانمائة.
وكان شيخا جاهلا، مسرفا على نفسه، مستخفا بالمحار من متجاهرا بذلك، وداره كبعض الخانات لما بها من أنواع القبائح، وكان لا يحجب زوجته زهور الجنكية من أحد، ويعجبه محبة بعض أعيان الدولة لهان وكانت داره بسويقة الصاحب بالقرب من دار سكنها منذ قدم من دمشق إلى أن مات.
ولم يكن بيني وبين المذكور عداوة توجب الحط عليه، فإنه كان أقل من ذلك، وإنما حملني على ما ذكرته غيرة الإسلام، فإنه كان شيخاً ضالاً مضلا، عليه من الله ما يستحقه، ومات وسنه نيف على الثمانين سنة.
قال الشيخ تقي الدين المقريزي في ترجمة التاج هذا بعد كلام طويل: أنه لما قدم مع المؤيد شيخ إلى الديار المصرية صار من جملة أخصائه وندمائه، فولاه ولاية القاهرة مدة، فسار فيها سيرة ما عف فيها عن حرام ولا كف عن إثم، وأحدث من أخذ الأموال ما لم يعهد قبله، ثم تمكن في الأيام الأشرفية برسباى، وصار جليسا نديما، وأضيفت إليه عدة وظائف حتى مات من غير نكبة، ولقد كان عارا على جميع بني آدم، لما اشتمل عليه من الخازي التي جمعت سائر القبائح وأربت بشاعتها على جميع الفضائح. انتهى كلام المقريزي باختصار.
؟753 - تاشفين المريني
تاشفين بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق، السلطان أبو عمر بن السلطان صاحب فاس أبي الحسن صاحب فاس وما والاها.(1/311)
أقامه في السلطنة الوزير عمر بن عبد الله بن علي بن سعيد الفودودي في ليلة السابع من ذي القعدة سنة اثنتين وستين وسبعمائة، وقاتل به أبا سالم إبراهيم بن أبي الحسن حتى استوثق له الأمر، فاستقل عمر بن عبد الله بملك أبي عمر تاشفين هذا، وصارت الكلمة له وثقل على الناس، فحسن سليمان ابن ونصار مقدم الموالى والجند لغرسية بن أنطوان قائد الجند إغتيال عمر وإقامة سليمان بن داود في الوزارة، وكان سليمان في الاعتقال، وبلغ ذلك عمر، فقرر مع إبراهيم البطروجي قائد الركب، ويحيى بن عبد الرحمن شيخ بني مرين وصاحب شوارهم الفتك بغرسية المذكرو ومن معه، فاضطرب الناس بالبلد، وقتلوا جند النصارى وزحفوا إلى محلتهم، فركب بنو مرين وانتهبت بيوت النصارى بعد ما قتل النصارى كثيراً من العامة، وقوى عمر، وقبض على سليمان بن ونصار وقتله، وصار يحيى بن عبد الرحمن صاحب الشورى ومعه بنو مرين في حزب، وقد ترفع على الوزارة وأهل الدولة فاختلف رأيه ورأى عمر وتنافسا حتى خالفوا عليه، وركبوا مع كبيرهم يحيى بن عبد الرحمن ودعوا لعبد الحليم بن أبي علي المدعو حلى، فأطلق عمر بن عبد الله عند ذلك الوزير مسعود ابن رخو بن ما مساي من الحبس وبعثه إلى مراكش ليجلب له عسكرا إن حوصر، وكان عبد الحليم المدعو حل ابن أبي على من أبى سعيد عثمان بن يعقوب ابن عبد الحق في عدة من بني أمية بغرناطة من الأندلس، فبعث أبو حمو موسى بن يوسف العبدوادي تلمسان يرغب ابن الأحمر صاحب غرناطة حتى بعث عبد الحليم وإخوته ليغيظ السلطان أبا سالم بذلك، فجهزهم ونصب عبد الحليم لملك الغرب، فبلغه مهلك أبي سالم ووافت قصاد بني مرين يطلب عبد الحليم فقام بأمره وجهزه بما يليق به، وبعثه فتلقته أكابر بني مرين بتازي، ونزلوا على البلد الجديد يوم السبت سابع المحرم سنة ثلاث وستين وسبعمائة، وقاتلوا من في البلد سبعة أيام، فبرز عمر بن عبد الله في يوم السبت ثالث عشرينه بسلطانه أبي عمر، وقاتلهم وهزمهم، فلحق عبد الحليم وإخواته بتازي. هذا وقد بدا لعمر بن عبد الله أن يبعث في طلب أبي زيان محمد بن لأمير أبي عبد الرحمن بن أبي الحسن، وكان عند طاغية الفرنج بأشبيلية خوفاً من السلطان أبي سالم، فخرج منها أول المحرم المذكور ونزل سبته، فلما بلغ ذلك عمر بن عبد الله خلع أبا عمر ناشفين صاحب الترجمة من الملك وحبسه من حرمه، واستدعى أبا زيان وبعث إليه بآلة الملك، وأخرج إليه العساكر في لقائه حتى قدم ظاهر فاس في نصف صفر سنة ثلاث وسبعمائة، فكانت مدة أبي عمر تاشفين هذا نحو شهرين وهو تحت الحجر. انتهى.
754 - تأني بك اليحياوي 800ه؟ - 1398م
تأني بك بن عبد الله اليحياوي الظاهري، الأمير آخور، الأمير سيف الدين، وصواب تأني بك في الكتابة والقراءة تنبسك، بتاء مثناه من فوق مفتوحة، ومعناه باللغة التركية أمير جسد. انتهى.
قلت وهو من مماليك الملك الظاهر برقوق وأعز أمرائه، أمره في سلطنته الثانية بعد خروجه خمن حبس الكرك عشرة، ثم رقاه إلى أن جعله أمير مائة ومقدم ألف وأمير آخور كبير بعد الأمير بكلمش العلائى، لما ولى إمرة سلاح، وعظم في الدولة الظاهرية وضخم، وصار له كلمة نافذة وحرمة وافرة، ودام على هذا إلى أن توفي ليلة الخميس رابع عشر شهر ربيع الآخر سنة ثمانمائة، ومشى الملك الظاهر برقوق في جنازته، ووجد عليه وجدا عظيماً، وركب حتى شاهد دفنه، وأقام القراء على قبره أسبوعاً، ومات قبل الكهولة.
قال العيني: ومات ولم يوص لأحد بشئ، وكان رجلاً مسيكا، لكن كان عنده حلم وحسن خلق، وملاقاة حسنة للناس، وكان متجنبا عن الكلام الفاحش، وكان عنده طمع وحرص في جمع الأموال، وقلة مبالاة في أخذ الرشا والبراطيل.
انتهى كلام العيني.
755 - تنبك ميق
826ه - ؟ - 1423م تنبك بن عبد الله العلائي، الأمير سيف الدين نائب الشام، المعروف بمبق، بميم مكسورة وياء آخر الحروف مكسورة أيضاً وقاف ساكنة، ومعناه باللغة التركية شوارب.(1/312)
كان المذكور من أكابر المماليك الظاهرية ومن أشرارهم، وممن ترقى في الدولة الناصرية فرج، ولما تسلطن الملك المؤيد شيخ جعله أمير مائة ومقدم ألف بالديار المصرية، ثم رأس نوبة النوب، ثم أمير آخورا كبيرا، واستمر في الأمير آخورية إلى أن توجه الملك المؤيد في سنة تسع عشرة وثمانمائة إلى البلاد الشامية وسار إلى جهة ابلستين وغيرها، ثم عاد إلى دمشق ودخلها يوم الثلاثاء مستهل شهر رمضان من السنة، فلما كان يوم الإثنين سابع الشهر المذكور قبض الملك المؤيد على مملوكه آقباي نائب دمشق وحبسه بقلعتها وولى الأمير تنبك ميق هذا نيابة الشام عوضاً عن آقباي المذكرو بعد امتناع زائد، فباشرها إلى سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة استدعاه الملك المؤيد إلى القاهرة، فركب من وقته من دمشق.
وكان المقام الصارمي إبراهيم ولد الملك المؤيد قد خرج من دمشق عائدا إلى الديار المصرية من سفرته إلى بلاد الروم، فاستحث الأمير تنبك في السير حتى وافى المقام الصارمي بالقرب من خانقاة سرياقوس ضحى، وركب في الموكب إلى أن دخل القاهرة بين يدي السلطان وولده الصارمي إبراهيم بعد أن رحب به السلطان وبالغ في إكرامه، وذلك في تاسع عشرين شهر رمضان من السنة.
وعزل الأمير تنبك عن نيابة دمشق بالأمير جقمق الأرغون شاوي الدوادار، وأنعم عليه بإقطاع جقمق المذكور، وصار يجلس في رأس الميسرة تحت المقام الصارمي، ودام على ذلك إلى أن مات الملك المؤيد وتسلطن ولده الملك المظفر أحمد المرضع وصار الأمير ططر مدبر الممالك، وصاحب العقد والحل في الديار المصرية، ثم توجه الأتابك ططر بالمظفر إلى البلاد الشامية، واستقر بالأمير تنبك هذا في نيابة دمشق ثانياً بعد عصيان الأمير جقمق المذكور والقبض عليه وقتله، فاستمر في نيابة دمشق إلى سنة خمس وعشرين وثمانمائة، وتوفي الملك الظاهر ططر وتسلطن ولده الملك الصالح محمد وصار الأمير الكبير برسباى الدقماقي مدبر المماليك ، وقدم المير ناصر الدين محمد بن إبراهيم بن منجك من دمشق، فأعاده الأمير برسباى الدقماق إلى دمشق بطلب الأمير تنبك هذا إلى الديار المصرية.
فقدم تنبك صحبة ابن منجك المذكور بعد مدة يسيرة في سادس شهر ربيع الآخرة، وخرج الناس إلى لقائه، وصعد إلى القلعة، فخرج الأمير برصباى ماشيا إليه لقرب باب القلعة، اعتذر له عن ملاقاته من المماليك الجلبان، ودخلا جميعا، ثم خلا به الأمير برسبامى واستشاره فيمن يكون سلطانا، وذكر له أن أحوال الناس ضائعة بصغر الملك الصالح محمد، وما في الدولة من يليق بالسلطنة غيرك، فلما سمع تنبك هذا الكلام وثب قائماً وقال: إن كان ولا بد فما يكون سلطانا إلا أنت، ثم قبل الأرض بين يدي برسباى، وخلع الصالح، وتسلطن برسباى في يوم الأربعاء ثامن ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وثمانمائة ولقب بالملك الأشرف، ثم أخلع الأشرف المذكور عليه بنيابة دمشق على عادته، ودام بها إلى أن مات يوم الاثنين ثامن عشر شعبان سنة ست وعشرين وثمانمائة، وتولى بعده نيابة دمشق الأمير تنبك البجامي الآتي ذكره إن شاء الله تعالى.
756 - تبك البجاسي
تنبسك بن عبد البجاسي، الأمير سيف الدين، نائب دمشق.
كان من جملة أمراء العشرات في الدولة الناصرية فرج بن برقوق، ثم ولى نيابة حماه في الدولة المؤيدية شيخ في شهور سنة سبع عشرة وثمانمائة، فباشر نيابة حماة مدة يسيرة، وخرج عن الطاعة وعصى مع الأمير قائي باي المحمدي نائب الشام، والأمير إينال الصصلاني نائب حلب، والأمير سودون من عبد الرحمن نائب طرابلس، والأمير طرباي نائب عزة، واتفقوا الجميع على محاربة الملك المؤيد شيخ، فخرج إليهم المؤيد من الديار المصرية في يوم الجمعة ثاني عشرين شهر رجب سنة ثماني عشرة وثمانمائة وسافر حتى واقع الأمراء المذكورين وكسرهم، فهرب منهم جماعة وقبض على جماعة، فكان تنبك هذا ممن انهزم وتوجه إلى قرا يوسف صاحب تبريز، ودام عنده إلى أن مات الملك المؤيد في أول سنة أربع وعشرين وثمانمائة، وبلغ تنبك المذكور موته قدم إلى دمشق مع من قدم من الأمراء المنهزمين عند قرا يوسف من رفقته، فوافوا الجميع ططر وهو بدمشق، فقوى جأش ططر بهم في الباطن وفرح بهم.(1/313)
فلم يكن بعد أيام إلا وقبض ططر على جماعة من الأمراء المؤيدية وأمر هؤلاء الجماعة، وتسلطن فولى تنبك هذا نيابة حماة ثانيا، فلم تطل مدته بها ونقل إلى نيابة طرابلس، فلما بلغه هذا الخبر ركب الهجن من وقته وساق خلف الملك الظاهر ططر إلى أن وفاه بالغور في عوده إلى الديار المصرية، فنزل وقبل الأرض بين يديه، وليس الشريف عوضا عن الأمير أركماس الجلباني وذلك في شهر رمضان سنة أربع وعشرين وثمانمائة.
فتوجه إلى طرابلس، واستمر بها إلى يوم عرفة من السنة ورد عليه مرسوم شريف من الملك الظاهر ططر بنيابة حلب عوضاً عن الأمير تغرى بردى المعروف بأخي قصروه بحكم عصيانه، وبالتوجه لقتال تغرى بردى المذكور، فخرج تنبك من طرابلس بالعساكر في رابع عشر ذي الحجة إلى ظاهر طرابلس، وأقام إلى سادس عشر ذي الحجة فبلغه موت الملك الظاهر ططر فأقام بمكانه إلى أن ورد عليه مرسوم الملك الصالح محمد بن ططر بالخلعة والاستمرار على نيابة حلب وبالمسير إلى حلب، فسار إليها لإخراج تغرى بردى منها، وعند مسيره إلى جهة حلب وافاه الأمير إينال النوروزي نائب صفد بعسكرها، وتوجهوا الجميع إلى حلب فلما سمع بردى بقدومهم فر منحلب وتوجه نحو بلاد الروم، وبلغ خبره الأمير تنبك البجاسي هذا، فسار خلفه من ظاهر حلب إلى الباب فلم يدركه، ورجع إلى حلب فدخلها وحكمها إلى أن نقله الملك الأشرف برسباى إلى نيابة الشام بعد موت نائبها الأمير تنبك العلائي المعروف بميق المتقدم ذكره في شهر رمضان سنة ست وعشرين وثمانمائة، وكان مسفره الأمير جانبك الأشرفي الدواداو الثاني.
فاستمر تنبك هذا في نيابة دمشق إلى سنة سبع وعشرين أخذ في أسباب العصيان، وبلغ ذلك الملك الأشرف فأرسل إلى حاجب دمشق الأمير برسباى الناصري وإلى عدة أمراء بالقبض عليه في الباطن، فلم يمكنهم القبض عليه، فركبوا عليه ليلا، ووقفوا خارج باب النصر إلى الصبح، فركب تنبك بمماليكه بكرة نهار يوم الجمعة وتقاتلوا ساعة، فكسر العسكر الشامي وانتصر تنبك المذكور واستفحل أمره.
وعاد الخبر إلى الملك الأشرف فخلع على الأمير سودون من عبد الرحمن الدوادار الكبير عوضه في نيابة الشام. فنزل الأمير سودون من عبد الرحمن بخلعته إلى الريدانية خارج القاهرة، ونزل بمخيمه، ثم سافر بعد مدة يسيرة لقتال تنبك المذكور، وبلغ الأمير تنبك البجاسي مجيء الأمير سودون إلى لقائه، فخرج هو أيضاً من دمشق إلى لقاء سودون المذكور إلى أن نزل بجسر يعقوب، وترامى الجمعان، وباتوا تلك الليلة كل واحد في جهة بعد أن تراموا بالسهام، فلما أظلم الليل رحل سودون من عبد الرحمن إلى دمشق، ولم يعلم تنبك المذكور، وخلى سودون نيرانه موقودة فلم يفطن تبنك بتوجهه إلى باكر النهار، فلوى عنان فرسه في أثره إلى أن وصل إلى قبة يلبغا خارج دمشق، وقد كلت خيوله ورجاله وهو في عسكر قليل، ثم ركب من وقته يلبغا وقصد دمشق، فخرج إليه الأمير سودون من عبد الرحمن بجموعه من مماليكه وعساكر دمشق وصفد، فانكسر عسكر سودون وانهزم نحو دمشق، وفي إثره الأمير تنبك هذا إلى أن جاوز باب الجابية من خارج المدينة تقنطر به فرسه في حفرة كانت هناك من القناة، فأراد أن يرجع فما أمكنه ذلك لإزدحام ثقله من خلفه وقد سد الطريق، وتكاثر الناس عليه، فأمسك من وقته، وقيد واعتقل بقلعة دمشق في صفر سنة سبع وعشرين وثمانمائة، إلى أن ورد المرسوم الشريف بقتله فقتل بالقلعة في شهر ربيع الأول من السنة.
وكان أميراً شجاعاً مقداما، ذا شكالة حسنة ووجه صبيح كريماً محببا للرعبة، رحمه الله تعالى، وعفا عنه.
757 - تنبك الجقمقي
845ه - ؟ - 1441م
تنبك بن عبد لله الجقمقى، الأمير سيف الدين، نائب قلعة الجبل وأحد أمراء العشرات.
أصله من مماليك الأمير نوروز الحصري حاجب حلب، وقيل غير ذلك، ثم خدم عند الأمير جقمق الدوادار وبه عرف بالحقمقى، ثم اتصل بخدمه الملك الأشرف برسباى لما كان أميراً، فلما تسلطن الملك الأشرف أنعم على تنبك المذكور بإقطاع جيد، ثم أمره في سنة ثمان وعشرين وثمانمائة إمرة عشرة، وجعله من جملة رؤوس النوب، واستمر على ذلك سنين عديدة إلى سنة سبع وثلاثين وثمانمائة ولى نيابة قلعة الجبل عوضاً عن الأمير تنبك من بردبك الظاهري بحكم انتقاله إلى تقدمة ألف بالقاهرة.(1/314)
وإستمر تنبك هذا في نيابة قلعة الجبل إلى أن مات الأشرف وقع بين الملك العزير يوسف بن الأشرف وبين الأتابك جقمق ما حكيناه في غير موضع، ثم استفحل أمر جقمق قبض على تنبك المذكور مع من قبض عليه من الأشرفية وغيرها، وحبس بثغر الإسكندرية مدة طويلة، ثم نقل من حبس الإسكندرية إلى بعض الحبوس الشامية إلى أن مات في سجنه في حدود سنة خمس وأربعين وثمانمائة تخمينا.
وكان رحمه الله مهملاً، بخيلاً ذميما، سئ الخلق، عاريا من كل علم وفن، محباً لجمع الأموال، لم يكن له من المحاسن غير أنه كان جار كسيا.
حكى لي عنه بعض نقباء القلعة قال: لما كان يصل مغله من بلاد الصعيد يبيع منه ما يباع ثم يأخذ مؤنته في السنة ويحملها إلى بيته، ويتوجه هو بنفسه مع الترأسين خوفاً من سرقة القمح، وحكى لي أيضاً الرجل المذكور قال: كنت كثيراً ما أدخل عليه فأجده يأكل البيض المصلوق فقلت له: يا خوند لم تكثر من أكل هذا البيض؟ فقال: يقعد على المعدة ما يدعني أجوع - بسرعة، انتهى.
758 - تنبك المصارع
836ه - ؟ - 1433م
تنبك بن عبد الله من سيدي بك الناصري، الأمير سيف الدين، المعروف بالمصارع وبالساقي.
أحد أمراء العشرات، ورأس نوبة، أصله من مماليك الملك الناصر فرج، وصار خاصكيا بجمقدارا في دولة الملك المؤيد شيخ، ثم صار ساقياً، وبقي على ذلك دهراً، وجهد في طلب الإمرة حتى أتته بعد مسك الأمير شيخ الحسنى رأس نوبة، فصار من جملة العشرات ورأس نوبة.
وكان رأساً في الصراع من الأقوياء، لكنه لم يكن شجاعاً، ولما توجه الملك الأشرف برسباى إلى آمد في سنة ست وثلاثين وثمانمائة أصابه من قلعتها سهم لزم منه الفراش إلى أن مات بتلك البلاد في السنة المذكورة، وأنعم باقطاعه على الأمير آقبغا الجمالي الأستادار كان.
وكان تنبك المذكور شكلا طوالا، ساكنا، قليل المعرفة، وعنده تكبر مع جمود وعدم بشاشة. رحمه الله تعالى.
759 - تنبك الحاجب
863ه - ؟ - 1460م
تنبك بن عبد الله من بردبك الظاهري، حاجب الحجاب بالديار المصرية.
هو من صغار المماليك الظاهرية برقوق، وصار خاصكيا ورأس نوبة الحمدارية في الدولة المؤيدية شيخ إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر ططر بإمرة عشرة، وصار من جملة رؤوس النوب إلى أن نقله الملك الأشرف برسباى في سنة سبع وعشرين وثمانمائة إلى نيابة قلعة الجبل وإمرة طبلخاناه عوضا عن تغرى برمش التركماني بحمم إنتقاله إلى تقدمة ألف بالديار المصرية.
واستمر الأمير تنبك المذكور في نيابة قلعة الجبل سنين إلى أن أنعم عليه الأشرف بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية عوضاً عن آقبعا التموازي أمير مجلس، بحكم انتقاله إلى تقدمة الأمير قرقماس الشعباني الحاجب المنتقل إلى نيابة حلب بعد الأمير قصروة التمرازي المتولي نيابة دمشق بعد موت الأتابك جار قطلو.
واستمر تنبك من جملة المقدمين بالقاهرة إلى أن ثب الأتابك جقمقى نائب القلعة، أمر لتنبك صاحب الترجمة أن يعود إلى نيابة القلعة كما كان أولا، قبل تنبك الحقمقي، وهو مستمر على تقدمته، فطلع إلى القلعة وسكنها ثانياً بعد سنين، فلم تطل مدة إقامته بها، وتسلطن الملك الظاهر جقمق، وأخلع عليه بحجوبية الحجاب بديار مصر عوضاً عن الأمير تغرى بردى المؤذى البكامشى بحكم انتقاله إلى وظيفة الدوادارية بعد نفي الأمير أركماس الظاهري وذلك في شهر شوال سنة اثنتين وأربعون وثمانمائة، ثم استقر المذكرو أمير حاج المحمل عوضاً عن الأمير إينال الأبو بكرى الأشرفي بعد القبض عليه وأنعم عليه ببعض بركه، وكان ذلك في السنة المذكورة وحج المذكور بالناس، وعاد إلى أن استقر أمير حاج المحمل ثانياً في سنة ست وأربعين وثمانمائة، ثم وليها ثالثاً في سنة إحدى وخمسين وثمانمائة.(1/315)
كل ذلك وهو مستمر على إقطاعه، ووظيفته الحجوبية الكبرى إلى أن ظهر أمر عبد قاسم الكاشف بعد موته، وصار العبد المذكور معتقداً تزوره الناس فوجا فوجا في أوائل سنة أربع وخمسين ، وازدحم الخلائق على زيارته بحيث أنه احتجب عن الناس، وصار له حجاب لا يدخل إليه إلا من له جاه أو كلمة مسموعة، وتردد إليه ذو العاهات وأرباب الأمراض المزمنة، وصار أمر الناس فيه على قسمين، فمنهم من يعتقده ويقول: أقام المقعد، ووضع إصبعه في فم الأخرس فتكلم، ومنهم من ينكر ذلك ويقول بعدم هذه الأقاويل، ويقول: هذا عبد صغير سنة دون العشرين سنة، ولم يكن له قدم في الفقر ولا تسلك على فقير من الفقراء، وما ظهر أمره إلا في هذا الشهر بعد واقعته مع زين الدين الأستادار.
وهو أن زين الدين الاستادار لما أراد أخذ مال قاسم الكاشف ورمم على موجوده دخل إليه هذا العبد وأفحش في حق زين الدين، وجرى له معه أمور ذكرناها في الحوادث فمن ثم ظهر اسمه وشاع ذكره حتى ترددت إليه الناس والأكابر، وتوجه إليه الأمير تنبك هذا ليزوره، وبلغ السلطان ذلك فأنكر عليه توجهه إلى هذا العبد، ثم بلغ السلطان أشياء تفعل بداره من ازدحام الخلق عليه، وكثر الكلام في أمره إلى يوم الخميس حادي عشر المحرم من سنة أربع وخمسين رسم السلطان للأمير تنبك المذكور بن يتوجه هو وتانبك الدوادار إلى بيت هذا العبد، ويأخذه ويضربه على ظهره نيفا على سبعين سوطاً، ويشهره بالقاهرة، ثم يحبسه في حبس المقشرة، فتوجه تنبك إلى دار العبد وتهاون في ضربه، وجلس بجانبه وأخذ يحادثه، فكلموه فيما رمم به السلطان فسكت ولم يفعل شيئاً، فعند ذلك وثب إليه الطواشي خشقدم وأقام العبد المذكور من مجلسه ونهره، وأغلظ للأمير تنبك في الكلام، فإنه هو كان الرسول إليه من عند السلطان، وسلمه لوالى القاهرة فضربه كما رسم به السلطان، وحبسه بحبس المقشرة مخشبا.
ولما بلغ السلطان تهاون تنبك هذا فيما رسم به في حق هذا العبد أمر بنفيه إلى ثغر دمياط بطالا، ويكون مسفره الأمير جانبك اليشبكى وإلى القاهرة، فتوجه به من الغد في يوم الجمعة ثاني عشر المحرم سنة أربع وخمسين وثمانمائة، ثم عاد وأنعم بإقطاعه ووظيفته على الأمير خشقدم الساق الناصري المؤيدي، أحد أمراء الألوف بدمشق.
فدام الأمير تنبك بثغر دمياط أشهرا إلى أن طلبه السلطان إلى القاهرة فقدمها وتمثل بين يدي السلطان فأكرمه السلطان وطيب خاطره ووعده بكل خير، وما مواعيدها إلا الأباطيل، ورسم له بالمشي في الخدمة الشريفة، وعاد إلى رتبته من غير أن يعطيه إمرة ولا وظيفة، وصار يعطل إلى الخدمة ويجلس في مرتبته أولاً كما كان أولاً، واستمر على ذلك من يوم قدومه وهو يوم الأربعاء رابع شهر رمضان سنة أربع وخمسين وثمانمائة إلى أن توفي الشهابي أحمد بن علي بن الأتابكى إينال اليوسفي، أحد مقدمي الألوف بالديار المصرية في ليلة الثلاثاء سابع عشين ذي القعدة سنة خمس وثمانمائة فأنعم بإقطاعه وإمرته على تنبك المذكور، على مال بذله للخزانة الشريفة، وهو مبلغ عشرة آلاف دينار على ما قيل.
باب التاء والغين المعجمة
760 - تعزى بردى الأتابكى
815ه - ؟ - 1412م
تغرى بردى بن عبد الله من يشبغا الأتابكى الظاهري، نائب الشام.(1/316)
قال القاضي علاء الدين ابن خطيب الناصرية في تاريخه: تغرى بردى الأمير الكبير سيف الدين، نائب حلب، ثم دمشق، من عتقاء الملك الظاهر برقوق، قدم بالديار المصرية، ثم لما جاء إلى حلب في سنة ست وتسعين وسبعمائة ولاء نيابتها في أواخر السنة المذكورة عوضاً عن الأمير جلبان، فسار سيرة حسنة، وكان عنده عقل وحياء وسكون، وبنى بحلب جامعاً كان قد أسسه ابن طومان بالقرب بمن الأسفرايس، فأكل بناءه ووقف عليه قرية معرة عليا إلا يسيرا منها بعد أن اشتراها من بيت المال، وهي من عمل سرمين، ونصف سوقه التي بحلب تحت قلعتها وغير ذلك، ولما أكل بناءه ولى خطابته قاضي القضاة كمال الدين أبا حفص عمر بن العديم الحنفي، ورتب فيه مدرساً شافعياً وثمان طلبة شافعية، ومدرساً حنفيا وثمان طلبة حنفية، كان أولاً رتب من كل طائفة عشرة نفر ثم استقر بهم كل طائفة ثمانية، وولى تدريس الشافعية فيه شيخنا أبا الحسن علي الصرخدي، والحنفية شيخا يقال له شمس الدين القرمي، ثم عزله وولى شيخنا أبا الحسن يوسف الملطي، وحضر شيخنا بعد صلاة الجمعة الدرس، وحضر النائب المشار إليه والقضاة وأعيان العلماء، وكان الدرس في حديث النهى عن تلقي الركبان، ثم ولاني به تصدير حديث، وكان ولاني قبل ذلك به فقاهة، ثم أضاف إلى التكلم فيه وفي أوقافه، رحمه الله تعالى.
وفي الجامع المشار إليه يقول الإمام الرئيس زين الدين أبو حفص عمر بن إبراهيم الرهاوي كاتب السر بحلب، وكتبت على منبره:
منبر جامع محاسن فضل ... والجمع ماله من نظير
خص عن غيره بجمعة وخطاب ... عن رسول مبشر ونذير
بناه لله تغرى بردى كي ما ... به يجازي بجنة وحرير
وتوجه إلى القاهرة مطلوباً، فبقى هناك أميراً على مائة فارس، فلما توفي السلطان الملك الظاهر برقوق وحرى الخلف بين الأمراء المصريين، على ما حكيناه في غير هذا الموضع، وهرب الأمير تغرى بردى من القاهرة إلى الشام إلى الأمير تنم نائبها، وجرى له ما جرى واتفق أمر تمولنك ثم توجه إلى بلاده، ولاه السلطان الملك الناصر فرج نيابة الشام في سنة ثلاث وثمانمائة، ثم عزل بالأمير علاء الدين آقبغا الهذباني وتوجه إلى حلب هارباً إلى عند الأمير دمرداش نائبها، ثم خرجا عن الطاعة وتوجها إلى التركمان، فركب الأمير تغرى بردى في البحر وتوجه إلى الديار المصرية، فأكرمه السلطان وولاه مائة ثم توجه إلى القدس بطالا، فأقام به مدة، ثم توجه إلى القاهرة وولى بها إمرة مائة فارس، ثم استقر أتابك العساكر الإسلامية بالديار المصرية، ثم لما صالح السلطان الملك الناصر فرج الأمير شيخ بالكرك ولى تغرى بردى الحجة سنة ثلاثة عشرة وثمانمائة، واستمر بها ثم حصل له مرض في أثناء سنة أربع عشرة، وتزايد به إلى أن مات في سنة خمس عشرة وثمانمائة في المحرم.
وكان رحمه الله أميراً كبيراً، كثير الحياء والسكون، حليما عاقلا، مشارا إليه في الدول. انتهى كلام ابن خطيب الناصرية باختصار.(1/317)